عمــي: الــعَمَــى: ذهابُ البَصَر كُلِّه، وفي الأزهري: من العَيْنَيْن
كِلْتَيْهِما، عَمِــيَ يَــعْمَــى عَمًــى فهو أَــعْمَــى، واعمــايَ يَــعْمــايُ
(*وقد تشدد
الياء كما في القاموس.)
اعْمِــياءَ، وأَرادوا حَذْوَ ادْهامَّ يَدْهامُّ ادْهِيماماً فأَخْرَجُوه
على لفْظٍ صحيح وكان في الأصل ادْهامَمَ فأَدْغَمُوا لاجْتماع
المِيمَين، فَلما بَنَوا اعْمــايَا على أَصل ادهامَمَ اعتمدت الياءُ الأَخيرة على
فَتْحَةِ الياء الأُولى فصارت أَلِفاً، فلما اختلفا لم يكن للإدْغامِ فيها
مَساغٌ كمساغِه في المِيمين، ولذلك لم يَقولوا: اعمــايَّ فلان غير
مستــعمــل. وتَــعَمَّــى: في مَعْنى عَمِــيَ؛ وأَنشد الأخْفَش:
صَرَفْتَ، ولم نَصْرِف أَواناً، وبادَرَتْ
نُهاكَ دُموعُ العَيْنِ حَتَّى تَــعَمَّــت
وهو أَــعْمَــى وعَمٍ، والأُنثى عَمْــياء وعَمِــية، وأَما عَمْــية فَعَلى حدِّ
فَخْذٍ في فَخِذٍ، خَفَّفُوا مِيم عَمِــيَة؛ قال ابن سيده: حكاه سيبويه.
قال الليث: رجلٌ أَــعْمَــى وامْرَأَةٌ عَمْــياء، ولا يقع هذا النَّعْتُ على
العينِ الواحِدَة لأن المعنى يَقَعُ عليهما جميعاً، يقال: عَمِــيتْ
عَيْناهُ، وامرأتانِ عَمْــياوانِ، ونساءٌ عَمْــياواتٌ، وقومٌ عُمْــيٌ. وتَعامى
الرجلُ أَي أَرَى من نفسه ذلك. وامْرَأَةٌ عَمِــيةٌ عن الصواب، وعَمِــيَةُ
القَلْبِ، على فَعِلة، وقومٌ عَمُــون. وفيهم عَمِــيَّتُهم أَي جَهْلُهُم،
والنِّسْبَة إلى أَــعْمَــى أَــعْمَــويٌّ وإلى عَمٍ عَمَــوِيٌّ. وقال الله عز وجل:
ومَن كان في هذه أَــعْمَــى فهُو في الآخرة أَــعْمَــى وأَضَلُّ سبيلاً؛ قال
الفراء: عَدَّدَ الله نِــعَم الدُّنْيا على المُخاطَبين ثم قال من كان في هذه
أَــعْمَــى، يَعْني في نِــعَم الدُّنْيا التي اقْتَصَصْناها علَيكم فهو في
نِــعَمِ الآخرة أَــعْمَــى وأَضَلُّ سبيلاً، قال: والعرب إذا قالوا هو أَفْعَلُ
مِنْك قالوه في كلِّ فاعل وفعِيلٍ، وما لا يُزادُ في فِعْلِه شيءٌ على
ثَلاثة أَحْرُفٍ، فإذا كان على فَعْلَلْت مثل زَخْرَفْت أَو على افْعَلَلت
مثل احْمَرَرْت، لم يقولوا هو أَفْعَلُ منكَ حتى يقولوا هو أَشدُّ
حُمْرَةً منك وأَحسن زَخْرفةً منك، قال: وإنما جازَ في الــعَمَــى لأنه لم يُرَدْ
به عَمَــى العَيْنَينِ إنما أُرِيد، والله أَعلم، عَمَــى القَلْب، فيقال
فلانٌ أَــعْمَــى من فلان في القَلْبِ، ولا يقال هو أَــعْمَــى منه في العَيْن،
وذلك أَنه لمَّا جاء على مذهب أَحَمَر وحَمْراءَ تُرِك فيه أَفْعَلُ منه
كما تُرِكَ في كَثيرٍ، قال: وقد تَلْقى بعض النحويين يقولُ أُجِيزُه في
الأَــعْمَــى والأَعْشَى والأَعْرَج والأَزْرَق، لأَنَّا قد نَقُول عَمِــيَ
وزَرِقَ وعَشِيَ وعَرِجَ ولا نقول حَمِرَ ولا بَيضَ ولا صَفِرَ، قال الفراء:
ليس بشيء، إنما يُنْظر في هذا إلى ما كان لصاحبِهِ فِعْلٌ يقلُّ أَو
يكثُر، فيكون أَفْعَلُ دليلاً على قِلَّةِ الشيء وكَثْرَتِه، أَلا تَرَى
أَنك تقولُ فلان أَقْوَمُ من فلانٍ وأََجْمَل، لأَنَّ قيام ذا يزيدُ على
قيام ذا، وجَمالَهُ يزيدُ على جَمالِه، ولا تقول للأَــعْمَــيَيْن هذا أَــعْمَــى
من ذا، ولا لِمَيِّتَيْن هذا أَمْوتُ من ذا، فإن جاء شيءٌ منه في شعر فهو
شاذٌّ كقوله:
أَمَّا المُلوك، فأَنت اليومَ أَلأَمُهُمْ
لُؤْماً، وأَبْيَضُهم سِرْبالَ طَبَّاخِ
وقولهم: ما أَــعْمــاهُ إنما يُراد به ما أَــعْمَــى قَلْبَه لأَنَّ ذلك ينسبُ
إليه الكثيرُ الضلالِ، ولا يقال في عَمَــى العيونِ ما أَــعْمــاه لأَنَّ ما
لا يَتزَيَّد لا يُتَعَجَّب منه. وقال الفراء في قوله تعالى: وهُوَ
عَلَيْهِم عَمًــى أُولئك يُنادَوْنَ من مكانٍ بَعيدٍ؛ قرأَها ابنُ عباس، رضي الله
عنه: عَمٍ. وقال أَبو معاذ النحويّ: من قرأَ وهُو علَيهم عَمًــى فهو
مصدرٌ. يقا: هذا الأمرُ عَمًــى، وهذه الأُمورُ عَمًــى لأَنه مصدر، كقولك: هذه
الأُمور شُبْهَةٌ ورِيبةٌ، قال: ومن قرأَ عَمٍ فهو نَعْتٌ، تقول أَمرٌ
عَمٍ وأُمورٌ عَمِــيَةٌ. ورجل عَمٍ في أَمرِه: لا يُبْصِره، ورجل أَــعْمَــى في
البصر؛ وقال الكُمَيت:
أَلا هَلْ عَمٍ في رَأْيِه مُتَأَمِّلُ
ومثله قول زهير:
ولكِنَّني عَنْ عِلْمِ ما في غَدٍ عَمٍ
والعامِي: الذي لا يُبْصرُ طَريقَه ؛ وأَنشد:
لا تَأْتِيَنِّي تَبْتَغِي لِينَ جانِبي
بِرَأْسِك نَحْوي عامِيًا مُتَعاشِيَا
قال ابن سيده: وأَــعْمــاه وعَمَّــاهُ صَيَّره أَــعْمَــى؛ قال ساعدة بنُ
جُؤيَّة:
وعَمَّــى علَيهِ المَوْتُ يأْتي طَريقَهُ
سِنانٌ، كعَسْراء العُقابِ ومِنْهَب
(* قوله « وعمــى الموت إلخ » برفع الموت فاعلاً كما في الاصول هنا، وتقدم
لنا ضبطه في مادة عسر بالنصب والصواب ما هنا، وقوله ويروى: وعمــى عليه الموت بابي طريقه
يعني عينيه إلخ هكذا في الأصل والمحكم هنا، وتقدم لنا في مادة عسر
أيضاً: ويروى يأبى طريقه يعني عيينة، والصواب ما هنا.)
يعني بالموت السنانَ فهو إذاً بدلٌ من الموت، ويروى،
وعَمَّــى عليه الموت بابَيْ طَريقه
يعني عَيْنَيْه. ورجل عَمٍ إذا كان أَــعْمَــى القَلْبِ. ورجل عَمِــي
القَلْب أَي جاهلٌ. والــعَمَــى: ذهابُ نَظَرِ القَلْبِ، والفِعْلُ كالفِعْلِ،
والصِّفةُ كالصّفةِ، إلاَّ أَنه لا يُبْنَى فِعْلُه على افْعالَّ لأَنه ليس
بمَحسوسٍ، وإنما هو على المَثَل، وافْعالَّ إنما هو للمَحْسوس في
اللَّوْنِ والعاهَةِ. وقوله تعالى: وما يَسْتَوِي الأَــعْمَــى والبَصير ولا
الظُّلُماتُ ولا النُّورُ ولا الظِّلُّ ولا الحَرُورُ؛ قال الزجاج: هذا مَثَل
ضَرَبه اللهُ للمؤمنين والكافرين، والمعنى وما يَسْتَوي الأَــعْمَــى عن الحَق،
وهو الكافِر، والبَصِير، وهو المؤمن الذي يُبْصِر رُشْدَهُ، ولا
الظُّلماتُ ولا النورُ، الظُّلماتُ الضلالات، والنورُ الهُدَى، ولا الظلُّ ولا
الحَرورُ أَي لا يَسْتَوي أَصحابُ الحَقِّ الذينَ هم
في ظلٍّ من الحَقّ ولا أَصحابُ الباطِلِ الذين هم في حَرٍّ دائمٍ؛ وقول
الشاعر:
وثلاثٍ بينَ اثْنَتَينِ بها يُرْ
سلُ أَــعْمَــى بما يَكيِدُ بَصيرَا
يعني القِدْحَ ، وجَعَله أَــعْمــى لأَنه لا بَصَرَ لَهُ، وجعله بصيراً
لأَنه يُصَوِّب إلى حيثُ يَقْصد به الرَّامِي. وتَعامَى: أَظْهَر الــعَمَــى،
يكون في العَين والقَلب. وقوله تعالى: ونَحشُرُه يومَ القيامة أَــعْمَــى؛
قيلٍ: هو مثْلُ قوله: ونحشرُ المُجْرِمِينَ يومئذٍ زُرْقًا؛ وقيل: أَــعْمَــى
عن حُجَّته، وتأْويلُه أَنَّه لا حُجَّة له يَهْتَدي إلَيْها لأَنه ليس
للناس على الله حجةٌ بعد الرسُل، وقد بَشَّر وأَنْذَر ووَعَد وأَوْعَد. وروي
عن مجاهد في قوله تعالى: قال رَبِّ لِمَ حَشَرْتَني أَــعْمــى وقد كُنْتُ
بصيراً، قال: أَــعْمَــى عن الحُجَّة وقد كنتُ بصيراً بها. وقال نَفْطَوَيْه:
يقال عَمِــيَ فلانٌ عن رُشْدِه وعَمِــيَ عليه طَريقُه إذا لم يَهْتَدِ
لِطَرِيقه. ورجلٌ عمٍ وقومٌ عَمُــونَ، قال: وكُلَّما ذكرَ الله جل وعز الــعَمَــى
في كتابه فَذَمَّه يريدُ عَمَــى القَلْبِ. قال تعالى: فإنَّها لا تَــعْمَــى
الأَبْصارُ ولكِنْ تَــعْمَــى القُلوبُ التي في الصدورِ. وقوله تعالى: صُمٌّ
بُكْمٌ عُمْــيٌ، هو على المَثَل، جَعَلهم في ترك الــعَمَــل بما يُبْصِرُون
ووَعْي ما يَسْمعُون بمنزلة المَوْتى، لأَن ما بَيّن من قدرتِه وصَنعته
التي يَعْجز عنها المخلوقون دليلٌ على وحدانِيَّته. والأعْمِــيانِ:
السَّيْلُ والجَمَل الهائِجُ، وقيل: السَّيْلُ والحَرِيقُ؛ كِلاهُما عن يَعقوب.
قال الأَزهري: والأَــعْمَــى الليلُ، والأَــعْمَــى السَّيْلُ، وهما الأَبهمانِ
أَيضاً بالباء للسَّيْلِ والليلِ. وفي الحديث: نَعُوذُ بالله مِنَ
الأَــعْمَــيَيْن؛ هما السَّيْلُ والحَريق لما يُصيبُ من يُصيبانِهِ من الحَيْرَة
في أَمرِه، أَو لأَنهما إذا حَدَثا ووَقَعا لا يُبْقِيان موضِعاً ولا
يَتَجَنَّبانِ شيئاً كالأَــعْمَــى الذي لا يَدْرِي أَينَ يَسْلك، فهو يَمشِي
حيث أَدَّته رجْلُه؛ وأَنشد ابن بري:
ولما رَأَيْتُك تَنْسَى الذِّمامَ،
ولا قَدْرَ عِنْدَكَ للمُعْدِمِ
وتَجْفُو الشَّرِيفَ إذا ما أُخِلَّ،
وتُدْنِي الدَّنيَّ على الدِّرْهَمِ
وَهَبْتُ إخاءَكَ للأَــعْمَــيَيْن،
وللأَثْرَمَيْنِ ولَمْ أَظْلِمِ
أُخِلَّ: من الخَلَّة، وهي الحاجة. والأَــعْمَــيانِ: السَّيْل والنارُ.
والأَثْرَمان: الدهْرُ والموتُ.
والــعَمْــيَاءُ والــعَمَــايَة والــعُمِــيَّة والــعَمِــيَّة، كلُّه: الغَوايةُ
واللَّجاجة في الباطل. والــعُمِّــيَّةُ والــعِمِّــيَّةُ: الكِبرُ من ذلك. وفي
حديث أُم مَعْبَدٍ: تَسَفَّهُوا عَمــايَتَهُمْ؛ الــعَمــايةُ: الضَّلالُ، وهي
فَعالَة من الــعَمَــى. وحكى اللحياني: تَرَكْتُهم في عُمِّــيَّة وعِمِّــيَّة
، وهو من الــعَمَــى. وقَتيلُ عِمِّــيَّا أَي لم يُدْرَ من قَتَلَه. وفي
الحديث: مَنْ قاتَلَ تحتَ راية عِمِّــيَّة يَغْضَبُ لعَصَبَةٍ أَو يَنْصُرُ
عَصَبَةً أَو يَدْعو إلى عَصَبَة فقُتِلَ، قُتِلَ قِتْلَةً جاهلِيَّةً؛ هو
فِعِّيلَةٌ من الــعَمــاء الضَّلالِة كالقتالِ في العَصَبِيّةِ
والأَهْواءِ، وحكى بعضُهم فيها ضَمَّ العَيْن. وسُئل أَحْمدُ بن حَنْبَل عَمَّــنْ
قُتِلَ في عِمِّــيَّةٍ قال: الأَمرُ الأَــعْمَــى للعَصَبِيَّة لا تَسْتَبِينُ
ما وجْهُه. قال أَبو إسحق: إنما مَعنى هذا في تَحارُبِ القَوْمِ وقتل
بعضهم بعضاً، يقول: مَنْ قُتِلَ فيها كان هالكاً. قال أَبو زيد :
الــعِمِّــيَّة الدَّعْوة الــعَمْــياءُ فَقَتِيلُها في النار. وقال أَبو العلاء:
العَصَبة بنُو الــعَمِّ، والعَصَبيَّة أُخِذَتْ من العَصَبة، وقيل: الــعِمِّــيَّة
الفِتْنة، وقيل: الضَّلالة؛ وقال الراعي:
كما يَذُودُ أَخُو الــعِمِّــيَّة النَّجدُ
يعني صاحبَ فِتْنَةٍ؛ ومنه حديث الزُّبَير: لئلا يموتَ مِيتَةَ
عِمِّــيَّةٍ أَي مِيتَةَ فِتْنَةٍ وجَهالَةٍ. وفي الحديث: من قُتِلَ في عِمِّــيّاً
في رَمْيٍ يكون بينهم فهوخطأٌ، وفي رواية: في عِمِّــيَّةٍ في رِمِّيًّا
تكون بينهم بالحجارة فهو خَطَأٌ؛ الــعِمِّــيَّا، بالكسر والتشديد والقصر،
فِعِّيلى من الــعَمَــى كالرِّمِّيَّا من الرَّمْي والخِصِّيصَى من
التَّخَصُّصِ، وهي مصادر، والمعنى أَن يوجَدَ بينهم قَتِيلٌ يَــعْمَــى أَمرُه ولا
يَبِينُ قاتِلُه، فحكمُه حكْمُ قتيلِ الخَطَإ تجب فيه الدِّية. وفي الحديث
الآخر: يَنزُو الشيطانُ بينَ الناس فيكون دَماً في عَمــياء في غَير ضَغِينَة
أَي في جَهالَةٍ من غير حِقْدٍ وعَداوة، والــعَمْــياءُ تأْنيثُ الأَــعْمَــى،
يُريدُ بها الضلالة والجَهالة. والــعمــاية: الجهالة بالشيء؛ ومنه قوله:
تَجَلَّتْ عمــاياتُ الرِّجالِ عن الصِّبَا
وعَمــايَة الجاهِلَّيةِ: جَهالَتها. والأعمــاءُ: المَجاهِلُ، يجوز أن يكون
واحدُها عَمــىٌ. وأَــعْمــاءٌ عامِيَةٌ على المُبالَغة؛ قال رؤبة:
وبَلَدٍ عَامِيةٍ أَــعْمــاؤهُ،
كأَنَّ لَوْنَ أَرْضِه سَماؤُهُ
يريد: ورُبَّ بَلَد. وقوله: عامية أَــعْمــاؤُه، أَراد مُتَناهِية في
الــعَمَــى على حدِّ قولِهم ليلٌ لائلٌ، فكأَنه قال أَــعْمــاؤُه عامِيَةٌ، فقدَّم
وأَخَّر، وقلَّما يأْتون بهذا الضرب من المُبالَغ به إلا تابعاً لِما
قَبْلَه كقولهم شغْلٌ شاغلٌ وليلٌ لائلٌ، لكنه اضْطُرَّ إلى ذلك فقدَّم
وأَخَّر. قال الأَزهري: عامِيَة دارِسة، وأَــعْمــاؤُه مَجاهِلُه. بَلَدٌ
مَجْهَلٌ وعَمًــى: لا يُهْتدى فيه.
والمَعامِي: الأَرَضُون المجهولة، والواحدة مَــعْمِــيَةٌ، قال: ولم
أَسْمَعْ لها بواحدةٍ. والمعامِي من الأَرَضين: الأَغْفالُ التي ليس بها أَثَرُ
عِمــارَةٍ، وهي الأَــعْمــاءُ أَيضاً. وفي الحديث: إنَّ لنا المَعامِيَ؛
يُريدُ الأَراضِيَ المجهولة الأَغْفالَ التي ليس بها أَثَرُ عِمــارةٍ،
واحدُها مَــعْمًــى، وهو موضِع الــعَمَــى كالمَجْهَلِ. وأَرْضٌ عَمْــياءُ وعامِيةٌ
ومكانٌ أَــعْمَــى: لا يُهْتَدَى فيه؛ قال: وأَقْرَأَني ابنُ الأَعرابي:
وماءٍ صَرىً عافِي الثَّنايا كأَنَّه،
من الأَجْنِ، أَبْوالُ المَخاضِ الضوارِبِ
عَمٍ شَرَكَ الأَقْطارِ بَيْني وبَيْنَه،
مَرَارِيُّ مَخْشِيّ به المَوتُ ناضِب
قال ابن الأَعرابي: عَمٍ شَرَك كما يقال عَمٍ طَريقاً وعَمٍ مَسْلَكاً،
يُريدُ الطريقَ ليس بيّن الأَثَر، وأَما الذي في حديث سلمان: سُئِلَ ما
يَجِلُّ لنا من ذمّتِنا؟ فقال: من عَمــاك إلى هُداكَ أَي إذا ضَلَلْتَ
طريقاً أَخَذْتَ منهم رجُلاً حتى يَقِفَكَ على الطريق، وإنما رَخّص سَلْمانُ
في ذلك لأَنَّ أَهلَ الذمَّة كانوا صُولِحُوا على ذلك وشُرِطَ عليهم،
فأَما إذا لم يُشْرَط فلا يجوزُ إلاَّ بالأُجْرَة، وقوله: من ذِمَّتِنا أَي
من أَهلِ ذِمَّتِنا.
ويقال: لقيته في عَمــايَةِ الصُّبحِ أَي في ظلمته قبل أن أَتَبَيَّنَه.
وفي حديث أَبي ذرّ: أَنه كان يُغِيرُ على الصِّرْمِ في عَمــايةِ الصُّبْحِ
أَي في بقيَّة ظُلمة الليلِ. ولقِيتُه صَكَّةَ عُمَــيٍّ وصَكَّةَ أَــعْمَــى
أَي في أَشدَّ الهاجِرَةِ حَرّاً، وذلك أَن الظَّبْيَ إذا اشتَدَّ عليه
الحرُّ طَلَبَ الكِناسَ وقد بَرَقَتْ عينُه من بياضِ الشمسِ ولَمعانِها،
فيَسْدَرُ بصرُه حتى يَصُكَّ بنفسِه الكِناسَ لا يُبْصِرُه، وقيل: هو
أَشدُّ الهاجرة حرّاً، وقيل: حين كادَ الحَرُّ يُــعْمِــي مِن شدَّتِه، ولا يقال
في البرْد، وقيل: حين يقومُ قائِمُ الظَّهِيرة، وقيل: نصف النهار في
شدَّة الحرّ، وقيل: عُمَــيٌّ الحَرُّ بعينه، وقيل: عُمَــيٌّ رجلٌ من عَدْوانَ
كان يُفتي في الحجِّ، فأَقبل مُعْتَمِرًا ومعه ركبٌ حتى نَزَلُوا بعضَ
المنازل في يومٍ شديدِ الحَرِّ فقال عُمَــيٌّ: من جاءتْ عليه هذه الساعةُ
من غَدٍ وهو حرامٌ لم يَقْضِ عُمْــرَتَه، فهو حرامٌ إلى قابِلٍ، فوثَبَ
الناسُ يَضْرِبون حتى وافَوُا البيتَ، وبَينهم وبَينَه من ذلك الموضِع
ليلتانِ جوادان، فضُرِبَ مَثلاً. وقال الأزهري: هو عُمَــيٌّ كأَنه تصغيرُ
أَــعْمــى؛ قال: وأَنشد ابن الأعرابي:
صَكَّ بها عَيْنَ الظَّهِيرة غائِراً
عُمَــيٌّ، ولم يُنْعَلْنَ إلاّ ظِلالَها
وفي الحديث: نَهى رسولُ الله،صلى الله عليه وسلم،عن الصلاة نصفَ النهار
إذا قام قائم الظهيرة صَكَّةَ عُمَــيٌّ؛ قال: وعُمَــيٍّ تصغير أَــعْمــى على
التَّرْخيم، ولا يقال ذلك إلا في حَمارَّة القَيْظِ، والإنسان إذا خَرَج
نصفَ النهارِ في أَشدّ الحرِّ لم يَتَهَيّأْ له أَن يَمْلأَ عينيه من عَين
الشمس، فأَرادُوا أَنه يصيرُ كالأَــعْمَــى، ويقال: هو اسم رجلٍ من
الــعَمــالِقةِ أَغارَ على قومٍ ظُهْراً فاسْتَأْصَلَهم فنُسِبَ الوقتُ إِليه؛ وقولُ
الشاعر:
يَحْسَبُه الجاهِلُ، ما كان عَمَــى،
شَيْخاً، على كُرْسِيِّهِ، مُــعَمَّــمَا
أَي إِذا نظَرَ إِليه من بعيد، فكأَنَّ الــعَمَــى هنا البُعْد، يصف وَطْبَ
اللَّبن، يقول إِذا رآه الجاهلُ من بُعْدٍ ظَنَّه شيخاً مــعَمَّــماً
لبياضه.
والــعَمــاءُ، ممدودٌ: السحابُ المُرْتَفِعُ، وقيل: الكثِيفُ؛ قال أَبو
زيد: هو شِبهُ الدُّخانِ يركب رُؤوس الجبال؛ قال ابن بري: شاهِدُه قولُ
حميدِ بن ثورٍ:
فإِذا احْزَأَلا في المُناخِ، رأَيتَه
كالطَّوْدِ أَفْرَدَه الــعَمــاءُ المُمْطِرُ
وقال الفرزدق:
ووَفْراء لم تُخْرَزْ بسَيرٍ، وكِيعَة،
غَدَوْتُ بها طبّاً يَدِي بِرِشائِها
ذَعَرْتُ بها سِرْباً نَقِيّاً جُلودُه،
كنَجْمِ الثُّرَيَّا أَسْفَرَتْ من عَمــائِها
ويروى:
إِذْ بَدَتْ من عَمــائها
وقال ابن سيده: الــعَمــاء الغَيْمُ الكثِيفُ المُمْطِرُ، وقيل: هو
الرقِيقُ، وقيل: هو الأَسودُ، وقال أَبو عبيد: هو الأَبيض، وقيل: هو الذي هَراقَ
ماءَه ولم يَتَقَطَّع تَقَطُّعَ الجِفَالِ، واحدتُه عمــاءةٌ. وفي حديث
أَبي رَزين العُقَيْلي أَنه قال للنبي،صلى الله عليه وسلم: أَين كان
ربُّنا قبلَ أَن يخلق السمواتِ والأَرضَ؟ قال: في عَمــاءٍ تَحْتَه هَواءٌ
وفَوْقَه هَواءٌ؛ قال أَبو عبيد: الــعَمــاء في كلام العرب السحاب؛ قاله الأَصمعي
وغيرُه، وهو ممدودٌ؛ وقال الحرث بن حِلِّزَة:
وكأَنَّ المنون تَرْدِي بنا أَعْـ
ـصم صمٍّ، يَنْجابُ عنه الــعَمــاءُ
يقول: هو في ارتفاعه قد بلَغ السحابَ فالسحابُ يَنْجابُ عنه أَي ينكشف؛
قال أَبو عبيد: وإِنما تأَوَّلْنا هذا الحديث على كلام العرب المَعْقُول
عنهم ولا نَدْري كيف كان ذلك الــعَمــاءُ، قال: وأَما الــعَمَــى في البَصَر
فمقصور وليس هو من هذا الحديث في شيء. قال الأَزهري: وقد بلَغَني عن أَبي
الهيثم، ولم يعْزُه إِليه ثقةٌ، أَنه قال في تفسير هذا الحديث ولفظِه إِنه
كان في عمًــى، مقصورٌ، قال: وكلُّ أَمرٍ لا تدرِكه القلوبُ بالعُقولِ فهو
عَمًــى، قال: والمعنى أَنه كان حيث لا تدْرِكه عقولُ بني آدمَ ولا
يَبْلُغُ كنهَه وصْفٌ؛ قال الأَزهري: والقولُ عندي ما قاله أَبو عبيد أَنه
الــعَمــاءُ، ممدودٌ، وهو السحابُ، ولا يُدْرى كيف ذلك الــعَمــاء بصفةٍ تَحْصُرُه
ولا نَعْتٍ يحدُّه، ويُقَوِّى هذا القولَ قولُه تعالى: هل يَنْظُرون إِلا
أَن يأْتِيَهُم الله في ظُلَلٍ من الغَمام والملائكة، والغَمام: معروفٌ في
كلام العرب إِلا أَنَّا لا ندْري كيف الغَمامُ الذي يأْتي الله عز وجل
يومَ القيامة في ظُلَلٍ منه، فنحن نُؤْمن به ولا نُكَيِّفُ صِفَتَه، وكذلك
سائرُ صِفاتِ الله عز وجل؛ وقال ابن الأَثير: معنى قوله في عَمًــى مقصورٌ
ليسَ مَعَه شيءٌ، قال: ولا بد في قوله أَين كان ربنا من مضاف محذوف كما حزف
في قوله تعالى: هل ينظرون إِلا أَن يأْتيهم الله، ونحوه، فيكون التقدير
أَين كان عرش ربّنا، ويدلّ عليه قوله تعالى: وكانَ عرْشُه على الماء.
والــعَمــايَةُ والــعَمــاءَة: السحابَةُ الكثِيفة المُطْبِقَةُ، قال: وقال
بعضهم هو الذي هَراقَ ماءَه ولم يَتَقَطَّع تَقَطُّع الجَفْل
(* قوله: «هو
الذي ... إلخ.» اعاد الضمير إلى السحاب المنويّ لا إلى السحابة.)
والعربُ تقولُ: أَشدُّ بردِ الشِّتاء شَمالٌ جِرْبِياء في غبِّ سَماء
تحتَ ظِلِّ عَمــاء. قال: ويقولون للقِطْعة الكَثِيفة عَمــاءةٌ، قال: وبعضٌ
ينكرُ ذلك ويجعلُ الــعمــاءَ اسْماً جامعاً.
وفي حديث الصَّوْم: فإِنْ عُمِّــيَ عَلَيكُمْ؛ هكذا جاء في رواية، قيل:
هو من الــعَمَــاء السَّحابِ الرقِيقِ أَي حالَ دونَه ما أَــعْمــى الأَبْصارَ
عن رُؤيَتِه.
وعَمَــى الشيءُ عَمْــياً: سالَ. وعَمــى الماءُ يَــعْمِــي إِذا سالَ، وهَمى
يَهْمِي مثله؛ قال الأَزهري: وأَنشد المنذري فيما أَقرأَني لأَبي العباس عن
ابن الأَعرابي:
وغَبْراءَ مَــعْمِــيٍّ بها الآلُ لم يَبِنْ،
بها مِنْ ثَنَايا المَنْهَلَيْنِ، طَريقُ
قال: عَمَــى يَــعْمــي إِذا سالَ، يقول: سالَ عليها الآلُ. ويقال: عمَــيْتُ
إِلى كذا وكذا أَــعْمِــي عَمَــياناً وعطِشْت عَطَشاناً إِذا ذَهَبْتَ إِليه
لا تُريدُ غيره، غيرَ أَنَّك تَؤُمُّه على الإِبْصار والظلْمة، عَمَــى
يَــعْمِــي. وعَمَــى الموجُ، بالفتح، يَــعْمِــي عَمْــياً إِذا رَمى بالقَذى
والزَّبَدِ ودَفَعَه. وقال الليث: الــعَمْــيُ على مِثالِ الرَّمْي رفعُ الأَمْواج
القَذَى والزَّبَد في أَعالِيها؛ وأَنشد:
رَها زَبَداً يَــعْمــي به المَوْجُ طامِيا
وعَمــى البَعِيرُ بلُغامه عَمْــياً: هَدَرَ فرمَى به أَيّاً كان، وقيل:
رَمى به على هامَته. وقال المؤرج: رجلٌ عامٍ رامٍ. وعَمــاني بكذا وكذا:
رماني من التُّهَمَة، قال: وعَمــى النَّبْتُ يَــعْمِــي واعْتَمَّ واعْتَمى،
ثلاثُ لغاتٍ، واعْتَمى الشيءَ: اخْتاره، والاسم الــعِمْــيَة. قال أَبو سعيد:
اعْتَمَيْتُه اعْتِماءً أَي قَصَدته، وقال غيره: اعْتَمَيته اختَرْته، وهو
قَلب الاعْتِيامِ، وكذلك اعتَمْته، والعرب تقول: عَمَــا واللهِ، وأَمَا
واللهِ، وهَمَا والله، يُبْدِلون من الهمزة العينَ مرَّة والهاءَ أُخْرى، ومنهم
من يقول: غَمَا والله، بالغين المعجمة. والــعَمْــو: الضلالُ، والجمع أَــعْمــاءٌ.
وعَمِــيَ عليه الأَمْرُ: الْتَبَس؛ ومنه قوله تعالى: فــعَمِــيَتْ عليهمُ
الأَنباء يومئذٍ. والتَّــعْمِــيَةُ: أَنْ تُــعَمِّــيَ على الإِنْسانِ شيئاً
فتُلَبِّسَه عليه تَلْبِيساً. وفي حديث الهجرة: لأُــعَمِّــيَنَّ على مَنْ
وَرائي، من التَّــعْمِــية والإِخْفاء والتَّلْبِيسِ، حتى لا يَتبعَكُما أَحدٌ.
وعَمَّــيتُ معنى البيت تَــعْمِــية، ومنه المُــعَمَّــى من الشِّعْر، وقُرئَ:
فــعُمِّــيَتْ عليهم، بالتشديد. أَبو زيد: تَرَكْناهُم عُمَّــى إِذا
أَشْرَفُوا على الموت. قال الأَزهري: وقرأْت بخط أَبي الهيثم في قول
الفرزدق:غَلَبْتُك بالمُفَقِّئ والمُــعَمَّــى،
وبَيْتِ المُحْتَبي والخافِقاتِ
قال: فَخَر الفرزدق في هذا البيت على جرير، لأَن العرب كانت إِذا كان
لأَحَدهم أَلفُ بعير فقأَ عينَ بعيرٍ منها، فإِذا تمت أَلفان عَمَّــاه
وأَــعْمــاه، فافتخر عليه بكثرة ماله، قال: والخافقات الرايات. ابن الأَعرابي:
عَمَــا يَــعْمــو إِذا خَضَع وذَلَّ. ومنه حديث ابنِ عُمــر: مَثَلُ المُنافق
مَثَلُ الشاةِ بينَ الرَّبيضَيْنِ، تَــعْمُــو مَرَّةً إِلى هذه ومَرَّةً إِلى
هذه؛ يريد أَنها كانت تَمِيلُ إِلى هذه وإِلى هذه، قال: والأَعرف
تَعْنُو، التفسير للهَرَويِّ في الغريبَين؛ قال: ومنه قوله تعالى: مُذَبْذَبينَ
بينَ ذلك.
والــعَمَــا: الطُّولُ. يقال: ما أَحْسَنَ عَمــا هذا الرجُلِ أَي طُولَه.
وقال أَبو العباس: سأَلتُ ابنَ الأَعرابي عنه فعَرَفه، وقال: الأَــعْمــاءُ
الطِّوال منَ الناسِ.
وعَمــايَةُ: جَبَلٌ من جبال هُذَيْلٍ. وعَمــايَتانِ:جَبَلان معروفان.