حيــا: الــحَيــاةُ: نقيض الموت، كُتِبَتْ في المصحف بالواو ليعلم أَن الواو
بعد الياء في حَدِّ الجمع، وقيل: على تفخيم الأَلف، وحكى ابن جني عن
قُطْرُب: أَن أَهل اليمن يقولون الــحَيَــوْةُ، بواو قبلها فتحة، فهذه الواو بدل
من أَلف حيــاةٍ وليست بلام الفعل من حَيِــوْتُ، أَلا ترى أَن لام الفعل
ياء؟ وكذلك يفعل أَهل اليمن بكل أَلف منقلبة عن واو كالصلوة والزكوة.
حَيِــيَ حَيــاةً
(* قوله «حيــي حيــاة إلى قوله خفيفة» هكذا في الأصل والتهذيب).
وحَيَّ يَــحْيَــا ويَــحَيُّ فهو حَيٌّ، وللجميع حَيُّــوا، بالتشديد، قال: ولغة
أُخرى حَيَّ وللجميع حَيُــوا، خفيفة. وقرأَ أَهل المدينة: ويَــحْيــا مَنْ
حَيِــيَ عن بيِّنة، وغيرهم: مَنْ حَيَّ عن بيِّنة؛ قال الفراء: كتابتُها على
الإدغام بياء واحدة وهي أَكثر قراءات القراء، وقرأَ بعضهم: حَيِــيَ عن
بينة، بإظهارها؛ قال: وإنما أَدغموا الياء مع الياء، وكان ينبغي أَن لا
يفعلوا لأَن الياء الأََخيرة لزمها النصب في فِعْلٍ، فأُدغم لمَّا التَقى
حرفان متحركان من جنس واحد، قال: ويجوز الإدغام في الاثنين للحركة اللازمة
للياء الأَخيرة فتقول حَيَّــا وحَيِــيَا، وينبغي للجمع أَن لا يُدْغَم إلا
بياء لأَن ياءها يصيبها الرفع وما قبلها مكسور، فينبغي له أَن تسكن فتسقط
بواو الجِماعِ، وربما أَظهرت العرب الإدغام في الجمع إرادةَ تأْليفِ
الأفَعال وأَن تكون كلها مشددة، فقالوا في حَيِــيتُ حَيُّــوا، وفي عَيِيتُ
عَيُّوا؛ قال: وأَنشدني بعضهم:
يَحِدْنَ بنا عن كلِّ حَيٍّ، كأَنَّنا
أَخارِيسُ عَيُّوا بالسَّلامِ وبالكتب
(* قوله «وبالكتب» كذا بالأصل، والذي في التهذيب: وبالنسب).
قال: وأَجمعت العرب على إدغام التَّــحِيَّــة لحركة الياء الأَخيرة، كما
استحبوا إدغام حَيَّ وعَيَّ للحركة اللازمة فيها، فأَما إذا سكنت الياء
الأَخيرة فلا يجوز الإدغام مثل يُــحْيِــي ويُعْيِي، وقد جاء في الشعر الإدغام
وليس بالوجه، وأَنكر البصريون الإدغام في مثل هذا الموضع، ولم يَعْبإ
الزجاج بالبيت الذي احتج به الفراء، وهو قوله:
وكأَنَّها، بينَ النساء، سَبِيكةٌ
تَمْشِي بسُدّةِ بَيْتِها فتُعيِّي
وأَــحْيــاه اللهُ فَــحَيِــيَ وحَيَّ أَيضاً، والإدغام أَكثر لأَن الحركة
لازمة، وإذا لم تكن الحركة لازمة لم تدغم كقوله: أَليس ذلك بقادر على أَن
يُــحْيِــيَ المَوْتَى.
والمَــحْيــا: مَفْعَلٌ من الــحَيــاة. وتقول: مَــحْيــايَ ومَماتي، والجمع
المَحايِي. وقوله تعالى: فلنُــحْيِــيَنَّه حَيــاةً طَيِّبَةً، قال: نرْزُقُه
حَلالاً، وقيل: الــحيــاة الطيبة الجنة، وروي عن ابن عباس قال: فلنــحيــينه حيــاة
طيبة هو الرزق الحلال في الدنيا، ولنَجْزِيَنَّهم أَجْرَهم بأَحسن ما كانوا
يعملون إذا صاروا إلى الله جَزاهُم أَجرَهُم في الآخرة بأَحسنِ ما
عملوا. والــحَيُّ من كل شيء: نقيضُ الميت، والجمع أَــحْيــاء. والــحَيُّ: كل متكلم
ناطق. والــحيُّ من النبات: ما كان طَرِيّاً يَهْتَزّ. وقوله تعالى: وما
يَسْتوي الأَــحْيــاءُ ولا الأَمْواتُ؛ فسره ثعلب فقال الــحَيُّ هو المسلم
والميت هو الكافر. قال الزجاج: الأَــحْيــاءُ المؤمنون والأَموات الكافرون، قال:
ودليل ذلك قوله: أَمواتٌ غيرُ أَــحيــاء وما يَشْعرون، وكذلك قوله:
ليُنْذِرَ من كان حَيّــاً؛ أَي من كان مؤمناً وكان يَعْقِلُ ما يُخاطب به، فإن
الكافر كالميت. وقوله عز وجل: ولا تَقُولوا لمن يُقْتَلُ في سبيل الله
أَمواتٌ بل أَــحيــاء؛ أَمواتٌ بإضْمار مَكْنِيٍّ أَي لا تقولوا هم أَمواتٌ،
فنهاهم الله أَن يُسَمُّوا من قُتِل في سبيل الله ميتاً وأَمرهم بأَن
يُسَمُّوهم شُهداء فقال: بل أَــحيــاء؛ المعنى: بل هم أَــحيــاء عند ربهم يرزقون،
فأَعْلَمنا أَن من قُتل في سبيله حَيٌّ، فإن قال قائل: فما بالُنا نَرى
جُثَّتَه غيرَ مُتَصَرِّفة؟ فإن دليلَ ذلك مثلُ ما يراه الإنسانُ في منامه
وجُثَّتُه غيرُ متصرفة على قَدْرِ ما يُرى، والله جَلَّ ثناؤُه قد تَوَفَّى
نفسه في نومه فقال: الله يَتَوَفَّى الأنْفُسَ حيــنَ مَوْتِها والتي لم
تَمُتْ في مَنامها، ويَنْتَبِهُ النائمُ وقد رَأَى ما اغْتَمَّ به في نومه
فيُدْرِكُه الانْتِباهُ وهو في بَقِيَّةِ ذلك، فهذا دليل على أَن
أَرْواحَ الشُّهداء جائز أَن تُفارقَ أَجْسامَهم وهم عند الله أَــحْيــاء،
فالأمْرُ فيمن قُتِلَ في سبيل الله لا يُوجِبُ أَن يُقالَ له ميت، ولكن يقال هو
شهيد وهو عند الله حيّ، وقد قيل فيها قول غير هذا، قالوا: معنى أَموات
أَي لا تقولوا هم أَموات في دينهم أَي قُولوا بل هم أَــحيــاء في دينهم، وقال
أَصحاب هذا القول دليلُنا قوله: أَوَمَنْ كان مَيْتاً فأَــحْيَــيْناه
وجعَلْنا له نُوراً يمشي به في الناسِ كمَنْ مَثَلُه في الظُّلُمات ليس بخارج
منها؛ فجَعَلَ المُهْتَدِيَ حَيّــاً وأَنه حيــن كان على الضَّلالة كان
ميتاً، والقول الأَوَّلُ أَشْبَهُ بالدِّين وأَلْصَقُ بالتفسير. وحكى
اللــحيــاني: ضُرِبَ ضَرْبةً ليس بِحايٍ منها أَي ليس يَــحْيــا منها، قال: ولا يقال
ليس بــحَيٍّ منها إلا أَن يُخْبِرَ أَنه ليس بــحَيٍّ أَي هو ميت، فإن أَردت
أَنه لا يَــحْيــا قلت ليس بحايٍ، وكذلك أَخوات هذا كقولك عُدْ فُلاناً فإنه
مريض تُريد الحالَ، وتقول: لا تأْكل هذا الطعامَ فإنك مارِضٌ أَي أَنك
تَمْرَضُ إن أَكلته. وأَــحْيــاهُ: جَعَله حَيّــاً. وفي التنزيل: أَلَيْسَ ذلك
بقادرٍ على أَن يُــحْيِــيَ الموتى؛ قرأه بعضهم: على أَن يُــحْيِــي الموتى،
أَجْرى النصبَ مُجْرى الرفع الذي لا تلزم فيه الحركة، ومُجْرى الجزم الذي
يلزم فيه الحذف. أَبو عبيدة في قوله: ولكمْ في القِصاص حَيــاةٌ؛ أَي
مَنْفَعة؛ ومنه قولهم: ليس لفلان حيــاةٌ أَي ليس عنده نَفْع ولا خَيْر. وقال
الله عز وجل مُخْبِراً عن الكفار لم يُؤمِنُوا بالبَعْثِ والنُّشُور: ما
هِيَ إلاّ حَيــاتُنا الدُّنْيا نَمُوت ونَــحْيــا وما نَحْنُ بمبْعُوثِينَ؛ قال
أَبو العباس: اختلف فيه فقالت طائفة هو مُقَدَّم ومُؤَخَّرِ، ومعناه
نَــحْيــا ونَمُوتُ ولا نَــحْيــا بعد ذلك، وقالت طائفة: معناه نــحيــا ونموت ولا
نــحيــا أَبداً وتَــحْيــا أَوْلادُنا بعدَنا، فجعلوا حيــاة أَولادهم بعدهم
كــحيــاتهم، ثم قالوا: وتموت أَولادُنا فلا نَــحْيــا ولا هُمْ. وفي حديث حُنَيْنٍ قال
للأَنصار: المَــحْيــا مَــحيــاكُمْ والمَماتُ مَمَاتُكُمْ؛ المَــحْيــا:
مَفْعَلٌ من الــحَيــاة ويقع على المصدر والزمان والمكان. وقوله تعالى: رَبَّنا
أَمَتَّنا اثْنَتَيْن وأَــحْيَــيْتَنا اثنتين؛ أَراد خَلَقْتنا أَمواتاً ثم
أَــحْيَــيْتَنا ثم أَمَتَّنا بعدُ ثم بَعَثْتَنا بعد الموت، قال الزجاج: وقد
جاء في بعض التفسير أَنَّ إحْدى الــحَيــاتَين وإحْدى المَيْتَتَيْنِ أَن
يَــحْيــا في القبر ثم يموت، فذلك أَدَلُّ على أَــحْيَــيْتَنا وأَمَتَّنا،
والأَول أَكثر في التفسير. واسْتَــحْيــاه: أَبقاهُ حَيّــاً. وقال اللــحيــاني:
استَــحْيــاه استَبقاه ولم يقتله، وبه فسر قوله تعالى: ويَسْتَــحْيُــون نِساءَكم؛
أَي يَسْتَبْقُونَهُنَّ، وقوله: إن الله لا يَسْتَــحْيِــي أَن يَضْرِبَ
مثلاً ما بَعُوضَةً؛ أَي لا يسْتَبْقي. التهذيب: ويقال حايَيْتُ النارَ
بالنَّفْخِ كقولك أَــحْيَــيْتُها؛ قال الأَصمعي: أَنشد بعضُ العرب بيتَ ذي
الرمة:فقُلْتُ له: ارْفَعْها إليكَ وحايِهَا
برُوحِكَ، واقْتَتْه لها قِيتَةً قَدْرا
وقال أَبو حنيفة: حَيَّــت النار تَــحَيُّ حيــاة، فهي حَيَّــة، كما تقول
ماتَتْ، فهي ميتة؛ وقوله:
ونار قُبَيْلَ الصُّبجِ بادَرْتُ قَدْحَها
حَيَــا النارِ، قَدْ أَوْقَدْتُها للمُسافِرِ
أَراد حيــاةَ النارِ فحذف الهاء؛ وروى ثعلب عن ابن الأَعرابي أَنه
أَنشده:أَلا حَيَّ لي مِنْ لَيْلَةِ القَبْرِ أَنَّه
مآبٌ، ولَوْ كُلِّفْتُه، أَنَا آيبُهْ
أَراد: أَلا أَحَدَ يُنْجِيني من ليلة القبر، قال: وسمعت العرب تقول إذا
ذكرت ميتاً كُنَّا سنة كذا وكذا بمكان كذا وكذا وحَيُّ عمرٍو مَعَنا،
يريدون وعمرٌو َمَعَنا حيٌّ بذلك المكان. ويقولون: أَتيت فلاناً وحَيُّ
فلانٍ شاهدٌ وحيُّ فلانَة شاهدةٌ؛ المعنى فلان وفلانة إذ ذاك حَيٌّ؛ وأَنشد
الفراء في مثله:
أَلا قَبَح الإلَهُ بَني زِيادٍ،
وحَيَّ أَبِيهِمُ قَبْحَ الحِمارِ
أَي قَبَحَ الله بَني زياد وأَباهُمْ. وقال ابن شميل: أَتانا حَيُّ
فُلانٍ أَي أَتانا في حَيــاتِهِ. وسَمِعتُ حَيَّ فلان يقول كذا أَي سمعته يقول
في حيــاته. وقال الكِسائي: يقال لا حَيَّ عنه أَي لا مَنْعَ منه؛ وأَنشد:
ومَنْ يَكُ يَعْيا بالبَيان فإنَّهُ
أَبُو مَعْقِل، لا حَيَّ عَنْهُ ولا حَدَدْ
قال الفراء: معناه لا يَحُدُّ عنه شيءٌ، ورواه:
فإن تَسْأَلُونِي بالبَيانِ فإنَّه
أبو مَعْقِل، لا حَيَّ عَنْهُ ولا حَدَدْ
ابن بري: وحَيُّ فلانٍ فلانٌ نَفْسُه؛ وأَنشد أَبو الحسن لأَبي الأَسود
الدؤلي:
أَبو بَحْرٍ أَشَدُّ الناسِ مَنّاً
عَلَيْنَا، بَعدَ حَيِّ أَبي المُغِيرَهْ
أَي بعد أَبي المُغيرَة. ويقال: قاله حَيُّ رِياح أَي رِياحٌ. وحَيِــيَ
القوم في أَنْفُسِهم وأَــحْيَــوْا في دَوابِّهِم وماشِيَتِهم. الجوهري:
أَــحْيــا القومُ حَسُنت حالُ مواشِيهمْ، فإن أَردت أَنفُسَهم قلت حَيُــوا.
وأَرضٌ حَيَّــة: مُخْصِبة كما قالوا في الجَدْبِ ميّتة. وأَــحْيَــيْنا الأَرضَ:
وجدناها حيَّــة النباتِ غَضَّة. وأحْيــا القومُ أَي صاروا في الــحَيــا، وهو
الخِصْب. وأَتَيْت الأَرضَ فأَــحْيَــيتها أَي وجدتها خِصْبة. وقال أَبو
حنيفة: أُــحْيِــيَت الأَرض إذا اسْتُخْرِجَت. وفي الحديث: من أَــحْيــا مَواتاً
فَهو أَحقُّ به؛ المَوَات: الأَرض التي لم يَجْرِ عليها ملك أَحد،
وإحْيــاؤُها مباشَرَتها بتأْثير شيء فيها من إحاطة أَو زرع أَو عمارة ونحو ذلك
تشبيهاً بإحيــاء الميت؛ ومنه حديث عمرو: قيل سلمانَ أَــحْيُــوا ما بَيْنَ
العِشاءَيْن أَي اشغلوه بالصلاة والعبادة والذكر ولا تعطِّلوه فتجعلوه كالميت
بعُطْلَته، وقيل: أَراد لا تناموا فيه خوفاً من فوات صلاة العشاء لأَن
النوم موت واليقطة حيــاة. وإحْيــاءُ الليل: السهر فيه بالعبادة وترك النوم،
ومرجع الصفة إلى صاحب الليل؛ وهو من باب قوله:
فأَتَتْ بِهِ حُوشَ الفُؤادِ مُبَطَّناً
سُهُداً، إذا ما نَامَ لَيْلُ الهَوْجَلِ
أَي نام فيه، ويريد بالعشاءين المغرب والعشاء فغلب. وفي الحديث: أَنه
كان يصلي العصر والشمس حَيَّــة أَي صافية اللون لم يدخلها التغيير بدُنُوِّ
المَغِيب، كأنه جعل مَغِيبَها لَها مَوْتاً وأَراد تقديم وقتها. وطَريقٌ
حَيٌّ: بَيِّنٌ، والجمع أَــحْيــاء؛ قال الحطيئة:
إذا مَخَارِمُ أَــحْيــاءٍ عَرَضْنَ لَه
ويروى: أَــحيــاناً عرضن له. وحَيِــيَ الطريقُ: استَبَان، يقال: إذا حَيِــيَ
لك الطريقُ فخُذْ يَمْنَةً. وأَــحْيَــت الناقة إذا حَيِــيَ ولَدُها فهي
مُــحْيٍ ومُــحْيِــيَة لا يكاد يموت لها ولد.
والــحِيُّ، بكسر الحاء: جمعُ الــحَيــاةِ. وقال ابن سيده: الــحِيُّ الــحيَــاةُ
زَعَموا؛ قال العجاج:
كأنَّها إذِ الــحَيــاةُ حِيُّ،
وإذْ زَمانُ النَّاسِ دَغْفَلِيُّ
وكذلك الــحيــوان. وفي التنزيل: وإن الدارَ الآخرةَ لَهِيَ الــحَيَــوانُ؛ أَي
دارُ الــحيــاةِ الدائمة. قال الفراء: كسروا أَوَّل حِيٍّ لئلا تتبدل الياء
واواً كما قالوا بِيضٌ وعِينٌ. قال ابن بري: الــحَيــاةُ والــحَيَــوان
والــحِيِّ مَصادِر، وتكون الــحَيَــاة صفةً كالــحِيُّ كالصَّمَيانِ للسريع. التهذيب:
وفي حديث ابن عمر: إنَّ الرجلَ لَيُسْأَلُ عن كلِّ شيءٍ حتى عن حَيَّــةِ
أَهْلِه؛ قال: معناه عن كلِّ شيءٍ حَيٍّ في منزله مثلِ الهرّ وغيره،
فأَنَّث الــحيّ فقال حَيَّــة، ونحوَ ذلك قال أَبو عبيدة في تفسير هذا الحديث
قال: وإنما قال حَيَّــة لأَنه ذهب إلى كلّ نفس أَو دابة فأَنث لذلك. أَبو
عمرو: العرب تقول كيف أَنت وكيف حَيَّــةُ أَهْلِكَ أَي كيف من بَقِيَ منهم
حَيّــاً ؛ قال مالك ابن الحرث الكاهلي:
فلا يَنْجُو نَجَاتِي ثَمَّ حَيٌّ،
مِنَ الــحَيَــواتِ، لَيْسَ لَهُ جَنَاحُ
أَي كلّ ما هو حَيٌّ فجمعه حَيَــوات، وتُجْمع الــحيــةُ حَيَــواتٍ.
والــحيــوانُ: اسم يقع على كل شيء حيٍّ، وسمى الله عز وجل الآخرة حَيَــواناً فقال:
وإنَّ الدارَ الآخرَة لَهِيَ الــحَيَــوان؛ قال قتادة: هي الــحيــاة. الأَزهري:
المعنى أَن من صار إلى الآخرة لم يمت ودام حيّــاً فيها لا يموت، فمن أُدخل
الجنة حَيِــيَ فيها حيــاة طيبة، ومن دخل النار فإنه لا يموت فيها ولا
يَــحْيَــا، كما قال تعالى. وكلُّ ذي رُوح حَيَــوان، والجمع والواحد فيه سواء. قال:
والــحَيَــوان عينٌ في الجَنَّة، وقال: الــحَيَــوان ماء في الجنة لا يصيب
شيئاً إلا حَيِــيَ بإذن الله عز وجل. وفي حديث القيامة: يُصَبُّ عليه ماءُ
الــحَيَــا؛ قال ابن الأَثير: هكذا جاء في بعض الروايات، والمشهور: يُصَبُّ
عليه ماءُ الــحَيَــاةِ. ابن سيده: والــحَيَــوان أَيضاً جنس الــحَيِّ، وأَصْلُهُ
حَيَــيانٌ فقلبت الياء التي هي لام واواً، استكراهاً لتوالي الياءين
لتختلف الحركات؛ هذا مذهب الخليل وسيبويه، وذهب أَبو عثمان إلى أَن الــحيــوان
غير مبدل الواو، وأَن الواو فيه أَصل وإن لم يكن منه فعل، وشبه هذا بقولهم
فَاظَ المَيْت يَفِيظُ فَيْظاً وفَوْظاً، وإن لم يَسْتَعْمِلُوا من
فَوْظٍ فِعْلاً، كذلك الــحيــوان عنده مصدر لم يُشْتَقّ منه فعل. قال أَبو علي:
هذا غير مرضي من أَبي عثمان من قِبَل أَنه لا يمتنع أَن يكون في الكلام
مصدر عينه واو وفاؤه ولامه صــحيــحان مثل فَوْظٍ وصَوْغٍ وقَوْل ومَوْت
وأَشباه ذلك، فأَما أَن يوجد في الكلام كلمة عينها ياء ولامها واو فلا،
فحَمْلُه الــحيــوانَ على فَوْظٍ خطأٌ، لأَنه شبه ما لا يوجد في الكلام بما هو
موجود مطرد؛ قال أَبو علي: وكأَنهم استجازوا قلب الياء واواً لغير علة، وإن
كانت الواو أَثقل من الياء، ليكون ذلك عوضاً للواو من كثرة دخول الياء
وغلبتها عليها.
وحَيْــوَة، بسكون الياء: اسمُ رجلٍ، قلبت الياء واواً فيه لضَرْبٍ من
التوَسُّع وكراهة لتضعيف الياء، وإذا كانوا قد كرهوا تضعيف الياء مع الفصل
حتى دعاهم ذلك إلى التغيير في حاحَيْــت وهَاهَيْتُ، كان إبدال اللام في
حَيْــوةٍ ليختلف الحرفان أَحْرَى، وانضاف إلى ذلك أنَّه عَلَم، والأَعلام قد
يعرض فيها ما لا يوجد في غيرها نحو مَوْرَقٍ ومَوْهَبٍ ومَوْظَبٍ؛ قال
الجوهري: حَيْــوَة اسم رجل، وإنما لم يدغم كما أُدغم هَيِّنٌ ومَيّت لأَنه
اسم موضوع لا على وجه الفعل. وحَيَــوانٌ: اسم، والقول فيه كالقول في
حَيْــوَةَ.
والمُحاياةُ: الغِذاء للصبي بما به حَيَــاته، وفي المحكم: المُحاياةُ
الغِذاء للصبيِّ لأَنّ حَيــاته به.
والــحَيُّ: الواحد من أَــحْيــاءِ العَربِ. والــحَيُّ: البطن من بطون العرب؛
وقوله:
وحَيَّ بَكْرٍ طَعَنَّا طَعْنَةً فَجَرى
فليس الــحَيُّ هنا البطنَ من بطون العرب كما ظنه قوم، وإنما أَراد الشخص
الــحيّ المسمَّى بكراً أَي بكراً طَعَنَّا، وهو ما تقدم، فــحيٌّ هنا
مُذَكَّرُ حَيَّــةٍ حتى كأَنه قال: وشخصَ بكرٍ الــحَيَّ طَعَنَّا، فهذا من باب
إضافة المسمى إلى نفسه؛ ومنه قول ابن أَحمر:
أَدْرَكْتَ حَيَّ أَبي حَفْصٍ وَشِيمَتَهُ،
وقَبْلَ ذاكَ، وعَيْشاً بَعْدَهُ كَلِبَا
وقولهم: إن حَيَّ ليلى لشاعرة، هو من ذلك، يُريدون ليلى، والجمع
أَــحْيــاءٌ. الأَزهري: الــحَيُّ من أَــحْيــاء العَرب يقع على بَني أَبٍ كَثُروا أَم
قَلُّوا، وعلى شَعْبٍ يجمَعُ القبائلَ؛ من ذلك قول الشاعر:
قَاتَل اللهُ قيسَ عَيْلانَ حَيّــاً،
ما لَهُمْ دُونَ غَدْرَةٍ مِنْ حِجابِ
وقوله:
فتُشْبِعُ مَجْلِسَ الــحَيَّــيْنِ لَحْماً،
وتُلْقي للإماء مِنَ الوَزِيمِ
يعني بالــحَيَّــينِ حَيَّ الرجلِ وحَيَّ المرأَة، والوَزِيمُ العَضَلُ.
والــحَيَــا، مقصور: الخِصْبُ، والجمع أَــحْيــاء. وقال اللــحيــاني: الــحَيَــا،
مقصورٌ، المَطَر وإذا ثنيت قلت حَيَــيان، فتُبَيِّن الياءَ لأَن الحركة غير
لازمة. وقال اللــحيــاني مرَّةً: حَيَّــاهم الله بِــحَيــاً، مقصور، أَي
أَغاثهم، وقد جاء الــحَيَــا الذي هو المطر والخصب ممدوداً. وحَيَــا الربيعِ: ما
تَــحْيــا به الأَرض من الغَيْث. وفي حديث الاستسقاء: اللهم اسْقِنا غَيْثاً
مُغيثاً وَــحَيــاً رَبيعاً؛ الــحَيَــا، مقصور: المَطَر لإحْيــائه الأَرضَ، وقيل:
الخِصْبُ وما تَــحْيــا به الأَرضُ والناس. وفي حديث عمر، رضي الله عنه: لا
آكلُ السَّمِينَ حتى يَــحْيــا الناسُ من أَوَّلِ ما يَــحْيَــوْنَ أَي حتى
يُمْطَروا ويُخْصِبُوا فإن المَطَر سبب الخِصْب، ويجوز أَن يكون من الــحيــاة
لأَن الخصب سبب الــحيــاة. وجاء في حديث عن ابن عباس، رحمه الله، أَنه قال:
كان عليٌّ أَميرُ المؤمنين يُشْبِهُ القَمَر الباهِرَ والأَسَدَ الخادِرَ
والفُراتَ الزَّاخِرَ والرَّبيعَ الباكِرَ، أَشْبَهَ من القَمر ضَوْءَهُ
وبَهاءَهُ ومِنَ الأَسَدِ شَجاعَتَهُ ومَضاءَهُ ومن الفُراتِ جُودَه
وسَخاءَهُ ومن الرَّبيعِ خِصْبَه وحَيــاءَه. أَبو زيد: تقول أَــحْيَــا القومُ
إذا مُطِرُوا فأَصابَت دَوابُّهُم العُشْبَ حتى سَمِنَتْ، وإن أَرادوا
أَنفُسَهم قالوا حَيُــوا بعدَ الهُزال. وأَــحْيــا الله الأَرضَ: أَخرج فيها
النبات، وقيل: إنما أَــحْيــاها من الــحَيــاة كأَنها كانت ميتة بالمحْل فأَــحْيــاها
بالغيث.
والتَّــحِيَّــة: السلام، وقد حَيَّــاهُ تــحِيَّــةً، وحكى اللــحيــاني: حَيَّــاك
اللهُ تَــحِيَّــةَ المؤمِن. والتَّــحِيَّــة: البقاءُ. والتَّــحِيَّــة: المُلْك؛
وقول زُهَيْر بن جَنابٍ الكَلْبي:
ولَكُلُّ ما نَال الفتى
قَدْ نِلْتُه إلا التَّــحِيَّــهْ
قيل: أَراد المُلْك، وقال ابن الأَعرابي: أَراد البَقاءَ لأَنه كان
مَلِكاً في قومه؛ قال بن بري: زهيرٌ هذا هو سيّد كَلْبٍ في زمانه، وكان كثير
الغارات وعُمِّرَ عُمْراً طويلاً، وهو القائل لما حضرته الوفاة:
أبَنِيَّ، إنْ أَهْلِكْ فإنْـ
ـنِي قَدْ بَنَيْتُ لَكُمْ بَنِيَّهْ
وتَرَكْتُكُمْ أَولادَ سا
داتٍ، زِنادُكُمُ وَرِيَّهْ
ولَكُلُّ ما نالَ الفَتى
قَدْ نِلْتُه، إلاّ التَّــحِيَّــهْ
قال: والمعروف بالتَّــحِيَّــة هنا إنما هي بمعنى البقاء لا بمعنى الملك.
قال سيبويه: تَــحِيَّــة تَفْعِلَة، والهاء لازمة، والمضاعف من الياء قليل
لأَن الياء قد تثقل وحدها لاماً، فإذا كان قبلها ياءٌ كان أَثقل لها. قال
أَبو عبيد: والتَّــحِيَّــةُ في غير هذا السلامُ. الأَزهري: قال الليث في
قولهم في الحديث التَّــحِيَّــات لله، قال: معناه البَقاءُ لله، ويقال: المُلْك
لله، وقيل: أَراد بها السلام. يقال: حَيَّــاك الله أَي سلَّم عليك.
والتَّــحِيَّــة: تَفْعِلَةٌ من الــحيــاة، وإنما أُدغمت لاجتماع الأَمثال، والهاء
لازمة لها والتاء زائدة. وقولهم: حيَّــاكَ اللهُ وبَيَّاكَ اعتَمَدَكَ
بالمُلْك، وقيل: أَضْحَكَكَ، وقال الفراء: حَيَّــكَ اللهُ أبْقاكَ اللهُ.
وحَيَّــك الله أَي مَلَّكك الله. وحَيَّــاك الله أَي سلَّم عليك؛ قال: وقولنا
في التشهد التَّــحِيَّــات لله يُنْوَى بها البَقاءُ لله والسلامُ من الآفاتِ
والمُلْكُ لله ونحوُ ذلك. قال أَبو عمرو: التَّــحِيَّــة المُلك؛ وأَنشد
قول عمرو بن معد يكرب:
أَسيرُ بِهِ إلى النُّعْمانِ، حتَّى
أُنِيخَ على تَــحِيَّــتِهِ بجُنْدي
يعني على مُلْكِه؛ قال ابن بري: ويروى أَسِيرُ بها، ويروى: أَؤُمُّ بها؛
وقبل البيت:
وكلّ مُفاضَةٍ بَيْضاءَ زَغْفٍ،
وكل مُعاوِدِ الغاراتِ جَلْدِ
وقال خالد بن يزيد: لو كانت التََّــحِيَّــة المُلْكَ لما قيل التَّــحِيَّــات
لله، والمعنى السلامات من الآفات كلها، وجَمَعها لأَنه أَراد السلامة من
كل افة؛ وقال القتيبي: إنما قيل التــحيــات لله لا على الجَمْع لأَنه كان
في الأَرض ملوك يُــحَيَّــوْنَ بتَــحِيّــات مختلفة، يقال لبعضهم: أَبَيْتَ
اللَّعْنَ، ولبعضهم: اسْلَمْ وانْعَمْ وعِشْ أَلْفَ سَنَةٍ، ولبعضهم: انْعِمْ
صَباحاً، فقيل لنا: قُولوا التَّــحِيَّــاتُ لله أَي الأَلفاظُ التي تدل
على الملك والبقاء ويكنى بها عن الملك فهي لله عز وجل. وروي عن أَبي الهيثم
أَنه يقول: التَّــحِيَّــةُ في كلام العرب ما يُــحَيِّــي بعضهم بعضاً إذا
تَلاقَوْا، قال: وتَــحِيَّــةُ الله التي جعلها في الدنيا والآخرة لمؤمني عباده
إذا تَلاقَوْا ودَعا بعضهم لبعض بأَجْمَع الدعاء أَن يقولوا السلامُ
عليكم ورحمةُ الله وبركاتُه. قال الله عز وجل: تَــحِيَّــتُهُمْ يوْمَ
يَلْقَوْنَه سَلامٌ. وقال في تــحيَّــة الدنيا: وإذا حُيِّــيتُم بتَــحِيَّــةٍ فــحَيُّــوا
بأَحسَنَ منها أَو رُدُّوها؛ وقيل في قوله:
قد نلته إلاّ التــحيَّــة
يريد: إلا السلامة من المَنِيَّة والآفات فإن أَحداً لا يسلم من الموت
على طول البقاء، فجعل معنى التــحيــات لله أَي السلام له من جميع الآفات التي
تلحق العباد من العناء وسائر أَسباب الفناء؛ قال الأَزهري: وهذا الذي
قاله أَبو الهيثم حسن ودلائله واضحة، غير أَن التــحيــة وإن كانت في الأصل
سلاماً، كما قال خالد، فجائز أَن يُسَمَّى المُلك في الدنيا تــحيــةً كما قال
الفراء وأبَو عمرو، لأَن المَلِكَ يُــحَيَّــا بتَــحِيَّــةِ المُلْكِ المعروفة
للملوك التي يباينون فيها غيرهم، وكانت تــحيَّــةُ مُلُوك العَجَم نحواً من
تــحيَّــة مُلوك العَرَعب، كان يقال لِمَلِكهم: زِهْ هَزَارْ سَالْ؛ المعنى:
عِشْ سالماً أَلْفَ عام، وجائز أَن يقال للبقاء تــحيــة لأَنَّ من سَلِمَ
من الآفات فهو باقٍ، والباقي في صفة الله عز وجل من هذا لأَنه لا يموت
أَبداً، فمعنى؛ حَيّــاك الله أَي أَبقاك الله، صــحيــحٌ، من الــحيــاة، وهو البقاء.
يقال: أَــحيــاه الله وحَيّــاه بمعنى واحد، قال: والعرب تسمي الشيء باسم
غيره إذا كان معه أَو من سببه. وسئل سَلَمة بنُ عاصمٍ عن حَيّــاك الله فقال:
هو بمنزلة أَــحْيــاك الله أَي أَبقاك الله مثل كرَّم وأَكرم، قال: وسئل
أَبو عثمان المازني عن حَيَّــاك الله فقال عَمَّرك الله. وفي الحديث: أَن
الملائكة قالت لآدم، عليه السلام، حَيَّــاك الله وبَيَّاك؛ معنى حَيَّــاك
اللهُ أَبقاك من الــحيــاة، وقيل: هو من استقبال المُــحَيّــا، وهو الوَجْه، وقيل:
ملَّكك وفَرَّحك، وقيل: سلَّم عَليك، وهو من التَّــحِيَّــة السلام، والرجل
مُــحَيِّــيٌ والمرأَة مُــحَيِّــيَة، وكل اسم اجتمع فيه ثلاث ياءَات فيُنْظَر،
فإن كان غير مبنيٍّ على فِعْلٍ حذفت منه اللام نحو عُطَيٍّ في تصغير
عَطاءٍ وفي تصغير أَحْوَى أَــحَيٍّ، وإن كان مبنيّاً على فِعْلٍ ثبتت نحو
مُــحَيِّــي من حَيَّــا يُــحَيِّــي. وحَيَّــا الخَمْسين: دنا منها؛ عن ابن
الأَعرابي. والمُــحَيّــا: جماعة الوَجْهِ، وقيل: حُرُّهُ، وهو من الفرَس حيــث
انفرَقَ تحتَ الناصِية في أَعلى الجَبْهةِ وهناك دائرةُ المُــحَيَّــا.
والــحيــاءُ: التوبَة والحِشْمَة، وقد حَيِــيَ منه حَيــاءً واستَــحْيــا
واسْتَحَى، حذفوا الياء الأَخيرة كراهية التقاء الياءَينِ، والأَخيرتان
تَتَعَدَّيانِ بحرف وبغير حرف، يقولون: استَــحْيــا منك واستَــحْيــاكَ، واسْتَحَى منك
واستحاك؛ قال ابن بري: شاهد الــحيــاء بمعنى الاستــحيــاء قول جرير:
لولا الــحَيــاءُ لَعَادني اسْتِعْبارُ،
ولَزُرْتُ قَبرَكِ، والحبيبُ يُزارُ
وروي عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أَنه قال: الــحَيــاءُ شُعْبةٌ من
الإيمان؛ قال بعضهم: كيف جعَل الــحيــاءَ وهو غَرِيزةٌ شُعْبةً من الإيمان وهو
اكتساب؟ والجواب في ذلك: أَن المُسْتَــحي ينقطع بالــحَيــاء عن المعاصي، وإن
لم تكن له تَقِيَّة، فصار كالإيمان الذي يَقْطَعُ عنها ويَحُولُ بين
المؤمن وبينها؛ قال ابن الأَثير: وإنما جعل الــحيــاء بعض الإيمان لأَن الإيمان
ينقسم إلى ائتمار بما أَمر الله به وانتهاء عمَّا نهى الله عنه، فإذا حصل
الانتهاء بالــحيــاء كان بعضَ الإيمان؛ ومنه الحديث: إذا لم تَسْتَحِ
فاصْنَح ما شئتَ؛ المراد أَنه إذا لم يستح صنع ما شاء، لأَنه لا يكون له حيــاءٌ
يحْجزُه عن المعاصي والفواحش؛ قال ابن الأَثير: وله تأْويلان: أَحدهما
ظاهر وهو المشهور إذا لم تَسْتَح من العَيْب ولم تخش العارَ بما تفعله
فافعل ما تُحَدِّثُك به نفسُك من أَغراضها حسَناً كان أَو قبيحاً، ولفظُه
أَمرٌ ومعناه توبيخ وتهديد، وفيه إشعار بأَنَّ الذي يردَع الإنسانَ عن
مُواقَعة السُّوء هو الــحَيــاءُ، فإذا انْخَلَعَ منه كان كالمأْمور بارتكاب كل
ضلالة وتعاطي كل سيئة، والثاني أَن يحمل الأَمر على بابه، يقول: إذا كنت
في فعلك آمناً أَن تَسْتَــحيَ منه لجَريك فيه على سَنَن الصواب وليس من
الأَفعال التي يُسْتَحَى منها فاصنع منها ما شئت. ابن سيده: قوله، صلى الله
عليه وسلم، إنَّ مما أَدرَك الناسُ من كلام النبوَّة إذا لم تَسْتَحِ
فاصْنَعْ ما شئت
(* قوله «من كلام النبوة إذا لم تستح إلخ» هكذا في الأصل).
أَي من لم يَسْتَحِ صَنَعَ ما شاء على جهة الذمِّ لتَرْكِ الــحَيــاء، وليس
يأْمره بذلك ولكنه أَمرٌ بمعنى الخَبَر، ومعنى الحديث أَنه يأْمُرُ
بالــحَيــاء ويَحُثُّ عليه ويَعِيبُ تَرْكَه. ورجل حَيِــيٌّ، ذو حَيــاءٍ، بوزن
فَعِيلٍ، والأُنثى بالهاء، وامرأَة حَيِــيَّة، واسْتَــحْيــا الرجل واسْتَــحْيَــت
المرأَة؛ وقوله:
وإنِّي لأَسْتَــحْيِــي أَخي أَنْ أَرى له
عليَّ من الحَقِّ، الذي لا يَرَى لِيَا
معناه: آنَفُ من ذلك. الأَزهري: للعرب في هذا الحرف لغتان: يقال
اسْتَحَى الرجل يَسْتَــحي، بياء واحدة، واسْتَــحْيــا فلان يَسْتَــحْيِــي، بياءَين،
والقرآن نزل بهذه اللغة الثانية في قوله عز وجل: إنَّ الله لا يَسْتَــحْيِــي
أَن يَضْرِبَ مثلاً. وحَيِــيتُ منه أَــحْيــا: استَــحْيَــيْت. وتقول في الجمع:
حَيُــوا كما تقول خَشُوا. قال سيبويه: ذهبت الياء لالتقاء الساكنين لأَن
الواو ساكنة وحركة الياء قد زالت كما زالت في ضربوا إلى الضم، ولم تحرّك
الياء بالضم لثقله عليها فحذفت وضُمَّت الياء الباقية لأَجل الواو؛ قال
أَبو حُزابة الوليدُ بن حَنيفة:
وكنا حَسِبْناهم فَوارِسَ كَهْمَسٍ
حَيُــوا بعدما ماتُوا، من الدهْرِ، أَعْصُرا
قال ابن بري: حَيِــيتُ من بنات الثلاثة، وقال بعضهم: حَيُّــوا، بالتشديد،
تركه عل ما كان عليه للإدغام؛ قال عبيدُ بنُ الأَبْرص:
عَيُّوا بأَمرِهِمُو، كما
عَيَّتْ ببَيْضَتِها الحَمامَهْ
وقال غيره: اسْتَــحْيــاه واسْتَــحْيــا منه بمعنًى من الــحيــاء، ويقال:
اسْتَــحَيْــتُ، بياء واحدة، وأَصله اسْتَــحْيَــيْتُ فأَعَلُّوا الياء الأُولى
وأَلقَوا حَرَكتها على الحاء فقالوا استَــحَيْــتُ، كما قالوا اسْتنعت استثقالاً
لَمَّا دَخَلَتْ عليها الزوائدُ؛ قال سيبويه: حذفت الياء لالتقاء الساكنين
لأَن الياء الأُولى تقلب أَلفاً لتحركها، قال: وإنما فعلوا ذلك حيــث كثر
في كلامهم. وقال المازنيّ: لم تحذف لالتقاء الساكنين لأَنها لو حذفت لذلك
لردوها إذا قالوا هو يَسْتَــحِي، ولقالوا يَسْتَــحْيــي كما قالوا
يَسْتَنِيعُ؛ قال ابن بري: قول أَبي عثمان موافق لقول سيبويه، والذي حكاه عن
سيبويه ليس هو قوله، وإنما هو قول الخليل لأَن الخليل يرى أَن استــحيــت أَصله
استــحيــيت، فأُعل إعلال اسْتَنَعْت، وأَصله اسْتَنْيَعْتُ، وذلك بأَن تنقل
حركة الفاء على ما قبلها وتقلب أَلفاً ثمتحذف لالتقاء الساكنين، وأما
سيبويه فيرى أَنها حذفت تخفيفاً لاجتماع الياءين لا لإعلال موجب لحذفها، كما
حذفت السينَ من أَحْسَسْت حيــن قلتَ أَحَسْتُ، ونقلتَ حركتها على ما قبلها
تخفيفاً. وقال الأَخفش: اسْتَحَى بياء واحدة لغة تميم، وبياءين لغة أَهل
الحجاز، وهو الأَصل، لأَن ما كان موضعُ لامه معتّلاً لم يُعِلُّوا عينه،
أَلا ترى أَنهم قالوا أَــحْيَــيْتُ وحَوَيْتُ؟ ويقولون قُلْتُ وبِعْتُ
فيُعِلُّون العين لَمَّا لم تَعْتَلَّ اللامُ، وإنما حذفوا الياء لكثرة
استعمالهم لهذه الكلمة كما قالوا لا أَدْرِ في لا أدْرِي. ويقال: فلان أَــحْيَــى
من الهَدِيِّ، وأَــحْيَــى من كَعابٍ، وأَــحْيَــى من مُخَدَّرة ومن
مُخَبَّأَةٍ، وهذا كله من الــحَيــاء، ممدود. وأَما قولهم أَــحْيَــى من ضَبّ، فمن
الــحيــاةِ. وفي حديث البُراقِ: فدنَوْتُ منه لأَرْكَبَه فأَنْكَرَني فتَــحَيَّــا
مِنِّي أَي انْقَبَض وانْزَوى، ولا يخلو أَن يكون مأْخوداً من الــحيــاء على
طريق التمثيل، لأَن من شأن الــحَيِــيِّ أَن ينقبض، أَو يكون أَصله تَحَوّى
أَي تَجَمَّع فقلبت واوه ياء، أَو يكون تَفَيْعَلَ من الــحَيِّ وهو الجمع،
كتَــحَيَّــز من الحَوْز. وأَما قوله: ويَسْتَــحْيــي نساءَهم، فمعناه
يَسْتَفْعِلُ من الــحَيــاة أَي يتركهنَّ أَــحيــاء وليس فيه إلا لغة واحدة. وقال أَبو
زيد: يقال حَيِــيتُ من فِعْلِ كذا وكذا أَــحْيــا حَيــاءً أَي اسْتَــحْيَــيْتُ؛
وأَنشد:
أَلا تَــحْيَــوْنَ من تَكْثير قَوْمٍ
لعَلاَّتٍ، وأُمُّكُمو رَقُوبُ؟
معناه أَلا تَسْتَــحْيُــونَ. وجاء في الحديث: اقْتُلُوا شُيُوخ المشركين
واسْتَــحْيُــوا شَرْخَهم أَي اسْتَبْقُوا شَبابَهم ولا تقتلوهم، وكذلك قوله
تعالى: يُذَبِّحُ أَبناءهم ويَسْتَــحْيِــي نساءَهم؛ أَي يسْتَبْقيهن للخدمة
فلا يقتلهن. الجوهري: الــحَيــاء، ممدود، الاستــحيــاء. والــحَيــاء أَيضاً:
رَحِمُ الناقة، والجمع أَــحْيِــيةٌ؛ عن الأَصمعي. الليث: حَيــا الناقة يقصر ويمدّ
لغتان. الأَزهري: حَيــاءُ الناقة والشاة وغيرهما ممدود إلاّ أَن يقصره
شاعر ضرورة، وما جاء عن العرب إلا ممدوداً، وإنما سمي حَيــاءً باسم الــحَيــاء
من الاسْتــحيــاء لأَنه يُسْتَر من الآدمي ويُكْنى عنه من الــحيــوان،
ويُسْتَفحش التصريحُ بذكره واسمه الموضوع له ويُسْتَحى من ذلك ويُكْنى عنه. وقال
الليث: يجوز قَصْر الــحَيــاء ومَدُّه، وهو غلط لا يجوز قصره لغير الشاعر
لأَن أَصله الــحَيــاءُ من الاستــحيــاء. وفي الحديث: أَنه كَرِهَ من الشاةِ
سَبْعاً: الدَّمَ والمرارة والــحَيــاءَ والعُقْدَةَ والذَّكَر والأُنْثَيين
والمَثانَة؛ الــحَيــاءُ، ممدود: الفرج من ذوات الخُفِّ والظِّلْف، وجمعها
أَــحْيــيَة. قال ابن بري: وقد جاء الــحَيــاء لرحم الناقة مقصوراً في شعر أَبي
النَّجْم، وهو قوله:
جَعْدٌ حَيــاها سَبِطٌ لَــحْيــاها
قال ابن بري: قال الجوهري في ترجمة عيي: وسمعنا من العرب من يقول
أَعْيِياءُ وأَــحْيِــيَةٌ فيُبَيِّنُ. قال ابن بري: في كتاب سيبويه أَــحْيِــيَة جمع
حَيــاءٍ لفرج الناقة، وذكر أَن من العرب من يدغمه فيقول أَــحِيَّــه، قال:
والذي رأَيناه في الصحاح سمعنا من العرب من يقول أَعْيِياءُ وأَعْيِيَةٌ
فيبين؛ ابن سيده: وخص ابن الأَعرابي به الشاة والبقرة والظبية، والجمع
أَــحْيــاءٌ؛ عن أَبي زيد، وأَــحْيِــيَةٌ وحَيٌّ وحِيٌّ؛ عن سيبويه، قال: ظهرت
الياء في أَــحْيِــيَة لظهورها في حَيِــيَ، والإدْغامُ أَحسنُ لأَن الحركة
لازمة، فإن أَظهرت فأحْسَنُ ذلك أَن تُخْفي كراهية تَلاقي المثلين، وهي مع
ذلك بزنتها متحرّكة، وحمل ابن جني أَــحْيــاءً على أَنه جمع حَيــاءٍ ممدوداً؛
قال: كَسَّرُوا فَعالاً على أَفعال حتى كأنهم إنما كسروا فَعَلاً.
الأَزهري: والــحَيُّ فرج المرأَة. ورأى أَعرابي جهاز عَرُوسٍ فقال: هذا سَعَفُ
الــحَيِّ أَي جِهازُ فرج المرأَة.
والــحَيَّــةُ: الحَنَشُ المعروف، اشتقاقه من الــحَيــاة في قول بعضهم؛ قال
سيبويه: والدليل على ذلك قول العرب في الإضافة إلى حَيَّــةَ بن بَهْدَلة
حَيَــوِيٌّ، فلو كان من الواو لكان حَوَوِيّ كقولك في الإضافة إلى لَيَّة
لَوَوِيٌّ. قال بعضهم: فإن قلت فهلاَّ كانت الــحَيَّــةُ مما عينه واو
استدلالاً بقولهم رجل حَوَّاء لظهور الواو عيناً في حَوَّاء؟ فالجواب أَنَّ أَبا
عليّ ذهب إلى أَن حَيَّــة وحَوَّاء كسَبِطٍ وسِبَطْرٍ ولؤلؤٍ ولأْآلٍ
ودَمِثٍ ودِمَثْرٍ ودِلاصٍ ودُلامِصٍ، في قول أبي عثمان، وإن هذه الأَلفاظ
اقتربت أُصولها واتفقت معانيها، وكل واحد لفظه غير لفظ صاحبه فكذلك حَيَّــةٌ
مما عينه ولامه ياءَان، وحَوَّاء مما عينه واو ولامه ياء، كما أَن
لُؤلُؤاً رُباعِيٌّ ولأْآل ثلاثي، لفظاهما مقتربان ومعنياهما متفقان، ونظير
ذلك قولهم جُبْتُ جَيْبَ القَميص، وإنما جعلوا حَوَّاء مما عينه واو ولامه
ياء، وإن كان يمكن لفظه أَن يكون مما عينه ولامه واوان من قِبَل أَن هذا
هو الأَكثر في كلامهم، ولم يأْت الفاء والعين واللام ياءَات إلاَّ في
قولهم يَيَّيْتُ ياءً حَسَنة، على أَن فيه ضَعْفاً من طريق الرواية، ويجوز
أَن يكون من التّحَوِّي لانْطوائها، والمذكر والمؤنث في ذلك سواء. قال
الجوهري: الــحَيَّــة تكون للذكر والأُنثى، وإنما دخلته الياء لأَنه واحد من
جنس مثل بَطَّة ودَجاجة، على أَنه قد روي عن العرب: رأَيت حَيّــاً على حَيّــة
أَي ذكراً على أُنثى، وفلان حَيّــةٌ ذكر. والحاوِي: صاحب الــحَيَّــات، وهو
فاعل. والــحَيُّــوت: ذَكَر الــحَيَّــات؛ قال الأَزهري: التاء في الــحَيُّــوت:
زائدة لأَن أَصله الــحَيُّــو، وتُجْمع الــحَيَّــة حَيَــواتٍ. وفي الحديث: لا
بأْسَ بقَتْلِ الــحَيَــواتِ، جمع الــحَيَّــة. قال: واشتقاقُ الــحَيَّــةِ من
الــحَيــاة، ويقال: هي في الأَصل حَيْــوَة فأُدْغِمَت الياء في الواو وجُعلتا ياءً
شديدة، قال: ومن قال لصاحب الــحَيَّــاتِ حايٍ فهو فاعل من هذا البناء
وصارت الواو كسرة
(* قوله «وصارت الواو كسرة» هكذا في الأصل الذي بيدنا ولعل
فيه تحريفاً، والأصل: وصارت الواو ياء للكسرة). كواو الغازي والعالي، ومن
قال حَوَّاء فهو على بناء فَعَّال، فإنه يقول اشتقاقُ الــحَيَّــة من
حَوَيْتُ لأَنها تَتَحَوَّى في الْتِوائِها، وكل ذلك تقوله العرب. قال أَبو
منصور: وإن قيل حاوٍ على فاعل فهو جائز، والفرق بينه وبين غازٍ أن عين
الفعل من حاوٍ واو وعين الفعل من الغازي الزاي فبينهما فرق، وهذا يجوز على
قول من جعل الــحَيَّــة في أَصل البناء حَوْيَةً. قال الأَزهري: والعرب
تُذَكّر الــحَيَّــة وتؤنثها، فإذا قالوا الــحَيُّــوت عَنَوا الــحَيَّــة الذكَرَ؛
وأَنشد الأَصمعي:
ويأكُلُ الــحَيَّــةَ والــحَيُّــوتَا،
ويَدْمُقُ الأَغْفالَ والتَّابُوتَا،
ويَخْنُقُ العَجُوزَ أَو تَمُوتَا
وأَرض مَــحْيــاة ومَحْواة: كثيرة الــحيّــات. قال الأَزهري: وللعرب أَمثال
كثيرة في الــحَيَّــة نَذْكُرُ ما حَضَرَنَا منها، يقولون: هو أَبْصَر من
حَيَّــةٍ؛ لحِدَّةِ بَصَرها، ويقولون: هو أَظْلَم من حَيَّــةٍ؛ لأنها تأْتي
جُحْر الضَّبِّ فتأْكلُ حِسْلَها وتسكُنُ جُحْرَها، ويقولون: فلان حَيَّــةُ
الوادِي إذا كان شديد الشَّكِيمَةِ حامِياً لحَوْزَتِه، وهُمْ حَيَّــةُ
الأَرض؛ ومنه قول ذِي الإصْبعِ العَدْواني:
عَذِيرَ الــحَيِّ منْ عَدْوا
نَ، كانُوا حَيَّــةَ الأَرض
أَراد أَنهم كانوا ذوي إربٍ وشِدَّةٍ لا يُضَيِّعون ثَأْراً، ويقال
رأْسُه رأْسُ حَيَّــةٍ إذا كان مُتَوقِّداً شَهْماً عاقلاً. وفلان حَيّــةٌ
ذكَرٌ أَي شجاع شديد. ويدعون على الرجل فيقولون: سقاه الله دَمَ الــحَيَّــاتِ
أَي أَهْلَكَه. ويقال: رأَيت في كتابه حَيَّــاتٍ وعَقارِبَ إذا مَحَلَ
كاتِبُهُ بِرَجُلٍ إلى سُلْطانٍ ووَشَى به ليُوقِعَه في وَرْطة. ويقال للرجل
إذا طال عُمْره وللمرأَة إذا طال عمرها: ما هُو إلاّ حَيَّــةٌ وما هي إلاّ
حَيَّــةٌ، وذلك لطول عمر الــحَيَّــة كأَنَّه سُمِّي حَيَّــةً لطول حيــاته.
ابن الأَعرابي: فلانٌ حَيَّــةُ الوادي وحَيَّــة الأرض وحَيَّــةُ الحَمَاطِ إذا
كان نِهايةً في الدَّهاء والخبث والعقل؛ وأَنشد الفراء:
كمِثْلِ شَيْطانِ الحَمَاطِ أَعْرَفُ
وروي عن زيد بن كَثْوَة: من أَمثالهم حَيْــهٍ حِمَارِي وحِمَارَ صاحبي،
حَيْــهٍ حِمَارِي وَحْدِي؛ يقال ذلك عند المَزْرِيَةِ على الذي يَسْتحق ما
لا يملك مكابره وظلماً، وأَصله أَن امرأَة كانت رافقت رجلاً في سفر وهي
راجلة وهو على حمار، قال فأَوَى لها وأَفْقَرَها ظَهْرَ حماره ومَشَى
عنها، فبَيْنَما هما في سيرهما إذ قالت وهي راكبة عليه: حيــهٍ حِمَارِي
وحِمَارَ صاحبي، فسمع الرجل مقالتها فقال: حَيْــهٍ حِمارِي وَحْدِي ولم
يَحْفِلْ لقولها ولم يُنْغِضْها، فلم يزالا كذلك حتى بَلَغَتِ الناسَ فلما
وَثِقَتْ قالت: حَيْــهٍ حِمَاري وَحْدِي؛ وهي عليه فنازعها الرجلُ إياه
فاستغاثت عليه، فاجتمع لهما الناسُ والمرأَةُ راكبة على الحمار والرجل راجل،
فقُضِيَ لها عليه بالحمار لما رأَوها، فَذَهَبَتْ مَثَلاً. والــحَيَّــةُ من
سِماتِ الإبل: وَسْمٌ يكون في العُنُقِ والفَخِذ مُلْتَوِياً مثلَ
الــحَيَّــة؛ عن ابن حبيب من تذكرة أبي عليّ.
وحَيَّــةُ بنُ بَهْدَلَةَ: قبيلة، النسب إليها حَيَــوِيٌّ؛ حكاه سيبويه عن
الخليل عن العرب، وبذلك استُدِلّ على أَن الإضافة إلى لَيَّةٍ
لَوَوِيٌّ، قال: وأَما أَبو عمرو فكان يقول لَيَيِيٌّ وحَيَــيِيٌّ. وبَنُو حِيٍّ:
بطنٌ من العرب، وكذلك بَنُو حَيٍّ. ابن بري: وبَنُو الــحَيَــا، مقصور، بَطْن
من العرب. ومُــحَيَّــاةُ: اسم موضع. وقد سَمَّوْا: يَــحْيَــى وحُيَــيّاً
وحَيّــاً وحِيّــاً وحَيّــانَ وحُيَــيَّةَ. والــحَيَــا: اسم امرأَة؛ قال
الراعي:إنَّ الــحَيَــا وَلَدَتْ أَبي وَعُمُومَتِي،
ونَبَتُّ في سَبِطِ الفُرُوعِ نُضارِ
وأَبو تِــحْيَــاةَ: كنية رجل من حَيِــيتَ تِــحْيــا وتَــحْيــا، والتاء ليست
بأَصلية.
ابن سيده: وَــحَيَّ على الغَداء والصلاةِ ائتُوهَا، فــحَيَّ اسم للفعل
ولذلك عُلّق حرفُ الجرّ الذي هو على به.
وحَيَّــهَلْ وحَيَّــهَلاً وحَيَّــهَلا، مُنَوَّناً وغيرَ منوّن، كلّه: كلمة
يُسْتَحَثُّ بها؛ قال مُزاحم:
بِــحَيَّــهَلاً يُزْجُونَ كُلَّ مَطِيَّةٍ
أَمامَ المَطايا، سَيْرُها المُتَقاذِفُ
(* قوله «سيرها المتقاذف» هكذا في الأصل؛ وفي التهذيب: سيرهن تقاذف).
قال بعض النحويين: إذا قلت حَيَّــهَلاً فنوّنت قلت حَثّاً، وإذا قلت
حَيَّــهَلا فلم تُنون فكأَنَّك قلت الحَثَّ، فصار التنوين علم التنكير وتركه
علم التعريف وكذلك جميع ما هذه حاله من المبنيَّات، إذا اعْتُقِد فيه
التنكير نُوِّن، وإذا اعتُقِد فيه التعريف حذف التنوين. قال أَبو عبيد: سمع
أَبو مَهْدِيَّة رجلاً من العجم يقول لصاحبه زُوذْ زُوذْ، مرتين
بالفارسية، فسأَله أَبو مَهْدِيَّة عنها فقيل له: يقول عَجِّلْ عَجِّلْ، قال أَبو
مَهْدِيَّة: فهَلاَّ قال له حَيَّــهَلَكَ، فقيل له: ما كان الله ليجمع لهم
إلى العَجَمِيّة العَرَبِيّة. الجوهري: وقولهم حَيّ على الصلاة معناه
هَلُمَّ وأَقْبِلْ، وفُتِحتالياءُ لسكونها وسكون ما قبلها كما قيل لَيتَ
ولعلَّ، والعرب تقول: حَيَّ على الثَّرِيدِ، وهو اسمٌ لِفعل الأَمر، وذكر
الجوهري حَيَّــهَلْ في باب اللام، وحاحَيْــتُ في فصل الحاء والأَلف آخرَ
الكتاب. الأَزهري: حَيّ، مثَقَّلة، يُنْدَبُ بها ويُدْعَى بها، يقال: حَيَّ
على الغَداء حَيَّ على الخير، قال: ولم يُشْتَق منه فعل؛ قال ذلك الليث،
وقال غيره: حَيَّ حَثٌّ ودُعاء؛ ومنه حديث الأَذان: حَيَّ على الصلاة
حَيَّ على الفَلاح أَي هَلُمُّوا إليها وأَقبلوا وتَعالَوْا مسرعين، وقيل:
معناهما عَجِّلوا إلى الصلاح وإلى الفلاح؛ قال ابن أَحمر:
أَنشَأْتُ أَسْأَلُه ما بالُ رُفْقَته،
حَيَّ الحُمولَ، فإنَّ الركْبَ قد ذَهَبا
أَي عليك بالحمول فقد ذهبوا؛ قال شمر أَنشد محارب لأَعرابي:
ونحن في مَسْجدٍ يَدْع مُؤَذِّنُه:
حَيَّ تَعالَوْا، وما نَاموا وما غَفَلوا
قال: ذهب به إلى الصوت نحو طاقٍ طاقٍ وغاقٍ غاقٍ. وزعم أَبو الخطاب أَن
العرب تقول: حَيَّ هَلَ الصلاةَ أَي ائْتِ الصلاة، جَعَلَهُما اسمين
فَنصَبَهما. ابن الأَعرابي: حَيَّ هَلْ بفلان وحَيَّ هَلَ بفلان وحَيَّ هَلاً
بفلان أَي اعْجَلْ. وفي حديث ابن مسعود: إذا ذُكِرَ الصَّالِحُون
فَــحَيَّ هَلاً بِعُمَرَ أَي ابْدَأ به وعَجِّلْ بذكره، وهما كلمتان جعلتا كلمة
واحدة وفيها لغات. وهَلا: حَثٌّ واستعجال؛ وقال ابن بري: صَوْتان
رُكِّبا، ومعنى حَيَّ أَعْجِلْ؛ وأَنشد بيت ابن أَحمر:
أَنْشَأْتُ أَسْأَلُه عن حَالِ رُفْقَتِهِ،
فقالَ: حَيَّ، فإنَّ الرَّكْبَ قد ذَهَبا
قال: وحَاحَيْــتُ من بَناتِ الأَرْبعة؛ قال امرؤ القيس:
قَوْمٌ يُحاحُونَ بالبِهام، ونِسْـ
وَانٌ قِصارٌ كهَيْئَةِ الحَجَلِ
قال ابن بري: ومن هذا الفصل التَّحايِي. قال ابن قتيبةَ: رُبّما عَدَل
القَمَر عن الهَنْعة فنزل بالتَّحابي، وهي ثلاثة كواكب حِذَاءَ الهَنْعَة،
الواحدة منها تِــحْيَــاة وهي بين المَجَرَّةِ وتَوابِعِ العَيُّوق، وكان
أَبو زياد الكلابي يقول: التَّحايي هي النهَنْقة، وتهمز فيقال التَّحَائي؛
قال أَبو حنيفة: بِهِنَّ ينزل القمر لا بالهَنْعة نَفْسِها، وواحدتها
تِــحْيــاة؛ قال الشيخ: فهو على هذا تِفْعَلة كتِحْلَبَة من الأَبنية،
ومَنَعْناهُ من فِعْلاةٍ كعِزْهاةٍ أَنَّ ت ح ي مهملٌ وأَنَّ جَعْلَه و ح ي
تَكَلُّفٌ، لإبدال التاء دون أَن تكون أَصلاً، فلهذا جَعَلناها من الــحَيَــاء
لأَنهم قالوا لها تَــحِيَّــة، تسمَّى الهَنْعة التَّــحِيّــة فهذا من ح ي ي ليس
إلاّ، وأَصلها تــحْيِــيَة تَفْعِلة، وأَيضاً فإنَّ نوءَها كبير الــحيــا من
أَنواء الجوزاء؛ يدل على ذلك قول النابغة:
سَرَتْ عليه منَ الجَوْزاء ساريةٌ،
تُزْجي الشَّمالُ عَليَه سالِفَ البَرَد
والنَّوْءُ للغارب، وكما أَن طلوع الجوزاء في الحر الشديد كذلك نوؤها في
البرد والمطر والشتاء، وكيف كانت واحدتها أَتِــحْيَــاةٌ، على ما ذكر أَبو
حنيفة، أَمْ تَــحِيَّــة على ما قال غيره، فالهمز في جمعها شاذ من جهة
القياس، فإن صح به السماع فهو كمصائبَ ومعائِشَ في قراءة خارجة، شُبِّهَت
تَــحِيَّــة بفَعِيلة، فكما قيل تَحَوِيٌّ في النسب، وقيل في مَسِيل مُسْلان في
أَحد القولين قيل تَحائي، حتى كأَنه فَعِيلة وفَعائل. وذكر الأَزهري في
هذه الترجمة: الــحَيْــهَل شجرٌ؛ قال النضر: رأَيت حَيْــهَلاً وهذا حَيْــهَلٌ
كثير. قال أَبو عمرو: الهَرْمُ من الحَمْضِ يقال له حَيْــهَلٌ، الواحدة
حَيْــهَلَةٌ، قال: ويسمى به لأَنه إِذا أَصابه المطر نَبَت سريعاً، وإِذا
أَكلته الناقة أَو الإِبل ولم تَبْعَرْ ولم تَسْلَحْ سريعاً ماتت.
ابن الأَعرابي: الــحَيُّ الحَقٌّ واللَّيُّ الباطل؛ ومنه قولهم: لا
يَعْرِف الــحَيَّ من اللَّيِّ، وكذلك الحَوَّ من اللَّوِّ في الموضعين، وقيل:
لا يَعْرِف الحَوَّ من اللَّوِّ؛ الحَوُّ: نَعَمْ، واللَّوُّ لَوْ، قال:
والــحَيُّ الحَوِيّةُ، واللَّيُّ لَيُّ الحَبْلِ أَي فتله؛ يُضرب هذا
للأَحْمق الذي لا يَعْرف شيئاً.
وأَــحْيَــا، بفتح الهمزة وسكون الحاء وياءٍ تحتَها نقطتان: ماءٌ بالحجاز
كانت به غَزاة عُبيدَة بن الحرث بن عبد المطلب.