Current Dictionary: All Dictionaries

Search results for: حق

ذو العقل

ذو العقل:
[في الانكليزية] Intelligent ،lucid
[ في الفرنسية] Intelligent ،lucide ،visionnaire
هو عند الصوفية من يرى الخلق في الظاهر والــحقّ في الباطن، والــحقّ عنده هو مرآة للخلق. والمرآة محتجبة بصورة تظهر في المرآة.
وهذا احتجاب مطلق بمقيّد. والخلاصة في ترجمة البيت:
يرى الخلق ظاهرين والــحقّ مستورا هكذا يرون أي العقلاء.
فذو العين وذو العقل فهو الذي يرى الخلق والــحقّ معا. وأما ذو العين فهو الذي يرى الــحقّ ظاهرا. والخلق مرآة للــحقّ. كذا في كشف اللغات. وفي الاصطلاحات ذو العين هو الذي يرى الــحق ظاهرا والخلق باطنا فيكون الخلق عنده مرآة الــحقّ لظهور الــحقّ عنده واختفاء الخلق فيه اختفاء المرآة بالصورة. وذو العقل والعين هو الذي يرى الــحقّ في الخلق والخلق في الــحقّ ولا يحتجب بأحدهما عن الآخر، بل يرى الوجود الواحد بعينه حقــا من وجه خلقا من وجه، فلا يحتجب بالكثرة عن شهود الوجه الواحد الأحد بذاته، ولا تزاحم في شهوده كثرة الظاهر أحدية الذات، التي تتجلّى انتهى.

الحكم

(الحكم) الْعلم والتفقه وَالْحكمَة يُقَال الصمت حكم وَالْقَضَاء

(الحكم) من أَسمَاء الله تَعَالَى وَالْحَاكِم وَفِي التَّنْزِيل الْعَزِيز {أفغير الله أَبْتَغِي حكما} وَمن يخْتَار للفصل بَين المتنازعين وَفِي التَّنْزِيل الْعَزِيز {وَإِن خِفْتُمْ شقَاق بَينهمَا فَابْعَثُوا حكما من أَهله وَحكما من أَهلهَا} وَيُقَال رجل حكم مسن وهم حِكْمَة
الحكم: بِضَم الْحَاء وَسُكُون الْكَاف أثر الشَّيْء الْمُتَرَتب عَلَيْهِ. وَفِي الْعرف إِسْنَاد أَمر إِلَى أَمر آخر إِيجَابا أَو سلبا. فَخرج بِهَذَا مَا لَيْسَ بِحكم كالنسبة التقييدية. وَفِي اللُّغَة تَوْجِيه الْكَلَام نَحْو الْغَيْر للإفهام ثمَّ نقل إِلَى مَا يَقع بِهِ الْخطاب. وَلِهَذَا قَالُوا إِن مُرَاد الْأُصُولِيِّينَ بخطاب الله تَعَالَى هُوَ الْكَلَام اللدني.

وَالْحكم المصطلح عِنْد الْأُصُولِيِّينَ: هُوَ أثر حكم الله الْقَدِيم فَإِن إِيجَاب الله تَعَالَى قديم وَالْوُجُوب حكمه وأثره. وَالتَّفْصِيل فِي كتب الْأُصُول وَفِي التَّلْوِيح أَن إِطْلَاق الحكم على خطاب الشَّارِع وعَلى أَثَره وعَلى الْأَثر الْمُتَرَتب على الْعُقُود والفسوخ بالاشتراك اللَّفْظِيّ. ومرادهم بالمحكوم عَلَيْهِ من وَقع الْخطاب لَهُ وبالمحكوم بِهِ مَا تعلق بِهِ الْخطاب كَمَا يُقَال حكم الْأَمِير على زيد بِكَذَا.
وَيعلم من التَّوْضِيح فِي بَاب الحكم أَن مورد الْقِسْمَة الحكم بِمَعْنى الْإِسْنَاد أَي إِسْنَاد الشَّارِع أمرا إِلَى أَمر فِيمَا لَهُ تعلق بِفعل الْمُكَلف من حَيْثُ هُوَ مُكَلّف صَرِيحًا كالنص أَو دلَالَة كالإجماع وَالْقِيَاس. فَفِي جعل الْوُجُوب وَالْملك وَنَحْو ذَلِك أقساما للْحكم بِهَذَا الْمَعْنى تسَامح ظَاهر.

وَفِي اصْطِلَاح الْمَعْقُول: يُطلق على أَرْبَعَة معَان: الأول: الْمَحْكُوم بِهِ. وَالثَّانِي: النِّسْبَة الإيجابية أَو السلبية. وَالثَّالِث: التَّصْدِيق أَي إذعان أَن النِّسْبَة وَاقعَة أَو لَيست بواقعة. وَالرَّابِع: الْقَضِيَّة من حَيْثُ إِنَّهَا مُشْتَمِلَة على الرابط بَين الْمَعْنيين. وَتَــحْقِــيق أَن الحكم فِي الْقَضِيَّة الشّرطِيَّة إِمَّا فِي الْجَزَاء أَو بَين الشَّرْط وَالْجَزَاء فِي الْقَضِيَّة الشّرطِيَّة بِمَا لَا مزِيد عَلَيْهِ فَإِن أردْت الِاطِّلَاع عَلَيْهِ فَارْجِع إِلَيْهَا.
وَاعْلَم أَن الحكم بِمَعْنى التَّصْدِيق هُوَ الإذعان كَمَا مر. ثمَّ مُتَعَلق الإذعان عِنْد الْمُتَقَدِّمين من الْحُكَمَاء هُوَ النِّسْبَة الَّتِي هِيَ جُزْء أخير من الْقَضِيَّة الَّتِي هِيَ من قبيل الْمَعْلُوم عِنْدهم - وَعند الْمُتَأَخِّرين مِنْهُم مُتَعَلق الإذعان هُوَ وُقُوع النِّسْبَة أَو لَا وُقُوعهَا الَّذِي هُوَ جُزْء أخير من الْقَضِيَّة فللقضية عِنْد الْمُتَقَدِّمين ثَلَاثَة أَجزَاء. وَعند الْمُتَأَخِّرين أَرْبَعَة كَمَا سَيَجِيءُ مفصلا فِي النِّسْبَة الْحكمِيَّة إِن شَاءَ الله تَعَالَى - وَالْحكم هُوَ إِدْرَاك أَن النِّسْبَة وَاقعَة أَو لَيست بواقعة. والإدراك إِمَّا من مقولة الانفعال أَو الكيف فَالْحكم كَذَلِك وَانْظُر فِي الْإِدْرَاك حَتَّى يزِيد لَك الْإِدْرَاك.
وَاعْلَم أَن الإِمَام الرَّازِيّ مُتَرَدّد فِي كَون الحكم إدراكا أَو فعلا وَلم يذهب إِلَى تركيب التَّصْدِيق مَعَ فعلية الحكم كَمَا هُوَ الْمَشْهُور. نعم أَنه ذهب إِلَى تركيب التَّصْدِيق وَلِهَذَا قَالَ أفضل الْمُتَأَخِّرين مَوْلَانَا عبد الْحَكِيم رَحمَه الله فِي حَوَاشِيه على حَوَاشِي السَّيِّد السَّنَد الشريف الشريف قدس سره على شرح الشمسية قَوْله إِذا أردْت تقسيمه على مَذْهَب الإِمَام أَي على القَوْل بالتركيب فَلَا يرد أَن الإِمَام لَا يَقُول بِكَوْن الحكم إدراكا مَعَ أَنه قد نقل الْبَعْض أَن الإِمَام مُتَرَدّد فِي كَون الحكم إدراكا أَو فعلا. وَفِي حصر التَّقْسِيم على هذَيْن الْوَجْهَيْنِ إِشَارَة إِلَى بطلَان القَوْل بتركيب التَّصْدِيق مَعَ فعلية الحكم كَمَا هُوَ الْمَشْهُور من الإِمَام انْتهى.

فَالْحكم: الَّذِي هُوَ جُزْء التَّصْدِيق عِنْد الإِمَام هُوَ الْإِدْرَاك الْمَذْكُور لَا غير. وَيُؤَيِّدهُ أَن الحكم حكمان حكم هُوَ مَعْلُوم بِمَعْنى وُقُوع النِّسْبَة أَو لَا وُقُوعهَا وَهُوَ جُزْء أخير للقضية المعقولة وَحكم هُوَ علم بِمَعْنى إِدْرَاكه وَهُوَ تَصْدِيق عِنْد الْحُكَمَاء وَشَرطه فِي مَذْهَب مستحدث وَشطر أخير وتصور عِنْد الإِمَام لكنه إذعاني فيكتسب من الْحجَّة نظرا إِلَى الْجُزْء الْأَعْظَم من المبادئ فَلَا يُنَافِيهِ اكتسابه من الْمُعَرّف نظرا إِلَى جُزْء إذعاني فَافْهَم واحفظ فَإِنَّهُ من الْجَوَاهِر المكنونة. وَعند الأصولين الحكم خطاب الله تَعَالَى الْمُتَعَلّق بِأَفْعَال الْمُكَلّفين باقتضاء الْفِعْل أَو التّرْك أَو بالتخير فِي الْفِعْل وَالتّرْك. والاقتضاء الطّلب وَهُوَ إِمَّا طلب الْفِعْل جَازِمًا كالإيجاب. أَو غير جازم كالندب. أَو طلب التّرْك جَازِمًا كالتحريم. أَو غير جازم كالكراهة التحريمية -. وَالْمرَاد بالتخيير الْإِبَاحَة - وَفِي التَّوْضِيح وَقد زَاد الْبَعْض أَو الْوَضع ليدْخل الحكم بالسببية والشرطية وَنَحْوهمَا.

اعْلَم أَن الْخطاب نَوْعَانِ: إِمَّا تكليفي وَهُوَ الْمُتَعَلّق بِأَفْعَال المتكلفين بالاقتضاء أَو التَّخْيِير وَإِمَّا وضعي وَهُوَ الْخطاب بِالْوَضْعِ بِأَن يكون هَذَا سَبَب ذَلِك أَو شطر ذَلِك كالدلوك سَبَب لصَلَاة الظّهْر وَالطَّهَارَة شَرط لَهَا - فَلَمَّا ذكر أحد النَّوْعَيْنِ وَهُوَ التكليفي وَجب ذكر النَّوْع الآخر وَهُوَ الوضعي وَالْبَعْض لم يذكر الوضعي لِأَنَّهُ دَاخل فِي الِاقْتِضَاء أَو التَّخْيِير لِأَن الْمَعْنى من كَون الدلوك سَببا للصَّلَاة أَنه إِذا وجد الدلوك وَجَبت الصَّلَاة حِينَئِذٍ وَالْوُجُوب من بَاب الِاقْتِضَاء لَكِن الْــحق هُوَ الأول لِأَن الْمَفْهُوم من الحكم الوضعي تعلق شَيْء بِشَيْء آخر وَالْمَفْهُوم من الحكم التكليفي لَيْسَ هَذَا وَلُزُوم أَحدهمَا للْآخر فِي صُورَة لَا يدل على اتحادهما انْتهى.
الحكم:
[في الانكليزية] Verdict ،judgement ،gouvernment ،power
[ في الفرنسية] Verdict ،jugement ،gouvernement ،pouvoir
بالضم وسكون الكاف يطلق بالاشتراك أو الــحقــيقة والمجاز على معان. منها إسناد أمر إلى آخر إيجابا أو سلبا. وهذا المعنى عرفي، وحاصله أنّ الحكم نفس النسبة الخبرية التي إدراكها تصديق إيجابية كانت أو سلبية، وقد يعبّر عن هذا المعنى بوقوع النسبة ولا وقوعها، وقد يعبّر عنه بقولنا إنّ النسبة واقعة أو ليست بواقعة، وهذا المعنى من المعلومات فليس بتصوّر ولا تصديق لأنهما نوعان مندرجان تحت العلم. فالإسناد بمعنى مطلق النسبة والإيجاب الوقوع. والسلب اللاوقوع. واحترز بهما عمّا سوى النسبة الخبرية. وتوضيحه أنّه قد حقّــق أنّ الواقع بين زيد والقائم هو الوقوع نفسه أو اللاوقوع كذلك، وليس هناك نسبة أخرى مورد الإيجاب والسلب، وأنّه قد يتصوّر هذه النسبة في نفسها من غير اعتبار حصولها أو لا حصولها في نفس الأمر، بل باعتبار أنّها تعلّق بين الطرفين تعلّق الثبوت أو الانتفاء، وتسمّى نسبة حكمية، ومورد الإيجاب والسلب ونسبة ثبوتية أيضا نسبة العام إلى الخاص أعني الثبوت لأنّه المتصوّر أولا، وقد تسمّى سلبية أيضا إذا اعتبر انتفاء الثبوت. وقد يتصوّر باعتبار حصولها أو لا حصولها في نفس الأمر، فإن تردّد فهو الشك وإن أذعن بحصولها أو لا حصولها فهو التصديق. فالنسبة الثبوتية تتعلّق بها علوم ثلاثة اثنان تصوّريان أحدهما لا يحتمل النقيض وهو تصوّرها في نفسها من غير اعتبار حصولها ولا حصولها. وثانيهما يحتمله. والثالث تصديقي فقد ظهر أنّ المعنى المذكور للحكم ليس أمرا مغايرا للوقوع واللاوقوع. وأنّ معنى قولنا نسبة أمر بأمر وإسناد أمر إلى أمر تعلّق أمر بأمر وقوعا كان أو لا وقوعا إن كان الإيجاب والسلب بمعنى الوقوع واللاوقوع، وإن أريد بالإيجاب والسّلب إدراك أنّ النسبة واقعة أو ليست بواقعة. فمعناه تعلّق أمر بأمر سواء كان موردا للإيجاب أو موردا للسلب، فإنّ الإيجاب والسّلب يطلق على كلا هذين المعنيين، كما صرّح بذلك المــحقــق التفتازاني في حاشية العضدي. وأنّ معنى قولنا إدراك أنّ النسبة واقعة أو ليست بواقعة ادراك أنّ النسبة الثبوتية واقعة في نفس الأمر أو ليست بواقعة فيها. ثم هذا التقرير على مذهب من يقول إنّ الحكم ليس من مقولة الفعل. وأما من يقول بأنّ الحكم من مقولة الفعل كالإمام الرازي والمتأخرين من المنطقيين فالمناسب عندهم في تفسير الحكم بإسناد أمر إلى آخر إيجابا أو سلبا أن يقال إنّ الإسناد لغة بمعنى تكيه دادن چيزي به چيزى،- إضافة شيء إلى شيء- وفي العرف ضم أمر إلى آخر، بحيث يفيد فائدة تامّة. وقد يطلق بمعنى مطلق النسبة. فعلى الأول قولنا إيجابا أو سلبا بيان لنوعه، وعلى الثاني يفيد لإخراج ما سوى النسبة الخبرية، والإيجاب لازم كردن والسلب ربودن كما في الصراح. وبالجملة فالمناسب على هذا أن يفسّر الإسناد والإيجاب والسلب بمعان منبئة عن كون الحكم فعلا. ولا يراد بالضم وبالنسبة التعلّق بين الطرفين وبالإيجاب والسلب الوقوع [فعلا] واللاوقوع، إذ لو أريد ذلك لم يبق الحكم فعلا، وعلى هذا القياس قولنا الحكم هو الإيجاب والسّلب أو الإيقاع والانتزاع أو النفي والإثبات فإنها مفسّرة بالمعاني اللغوية المنبئة عن كون الحكم فعلا.
فالحكم على هذا إمّا جزء من التصديق كما ذهب إليه الإمام أو شرط له كما هو مذهب المتأخرين من المنطقيين، ويجيء في لفظ التصديق زيادة تــحقــيق لهذا.
ومنها نفس النسبة الحكمية على ما صرّح به الچلپي في حاشية الخيالي بعد التصريح بالمعنى الأول. وهذا المعنى إنّما يكون مغايرا للأول عند المتأخرين الذاهبين إلى أنّ أجزاء القضية أربعة: المحكوم عليه وبه ونسبة تقييدية مسمّاة بالنسبة الحكمية ووقوع تلك النسبة أولا وقوعها الذي إدراكه هو المسمّى بالتصديق.
وأما عند المتقدمين الذاهبين إلى أنّ أجزاء القضية ثلاثة: المحكوم عليه وبه والنسبة التامة الخبرية التي إدراكها تصديق فلا يكون مغايرا للمعنى الأول، لما عرفت من أنّ النسبة الحكمية ليست أمرا مغايرا للنسبة الخبرية.
ومنها إدراك تلك النسبة الحكمية
ومنها إدراك وقوع النسبة أولا وقوعها المسمّى بالتصديق، وهذا مصطلح المنطقيين والحكماء وقد صرّح بكلا هذين المعنيين الچلپي أيضا في حاشية الخيالي. والتغاير بين هذين المعنيين أيضا إنما يتصوّر على مذهب المتأخرين. قالوا الفرق بين إدراك النسبة الحكمية وإدراك وقوعها أولا وقوعها المسمّى بالحكم هو أنّه ربّما يحصل إدراك النسبة الحكمية بدون الحكم، فإنّ المتشكّك في النسبة الحكمية متردّد بين وقوعها ولا وقوعها، فقد حصل له إدراك النسبة قطعا ولم يحصل له إدراك الوقوع واللاوقوع المسمّى بالحكم فهما متغايران قطعا. وأجيب بأنّ التردّد لا يتقوم حقــيقة ما لم يتعلّق بالوقوع أو اللاوقوع فالمدرك في الصورتين واحد والتفاوت في الإدراك بأنّه إذعاني أو تردّدي. وبالجملة فيتعلّق بهذا المدرك علمان علم تصوّري من حيث إنّه نسبة بينهما وعلم تصديقي باعتبار مطابقته للنسبة التي بينهما في نفس الأمر، وعدم مطابقته إياها على ما مرّت الإشارة إليه في المعنى الأول. وأما على مذهب القدماء فلا فرق بين العبارتين إلّا بالتعبير. فمعنى قولنا إدراك النسبة وإدراك الوقوع واللاوقوع على مذهبهم واحد إذ ليس نسبة سوى الوقوع واللاوقوع، وهي النسبة التامة الخبرية. وأمّا النسبة التقييدية الحكمية المغايرة لها فممّا لا ثبوت له كما عرفت. فعلى هذا إضافة الوقوع واللاوقوع إلى النسبة بيانية. لكنّ هذا الإدراك نوعان: إذعاني وهو المسمّى عندهم بالحكم المرادف للتصديق وغير إذعاني وتسميته بالحكم عندهم محتمل غير معلوم، ويؤيد هذا ما ذكر السيّد السّند والمولوي عبد الحكيم في حواشي شرح الشمسية. وحاصله أنّ معنى قولنا إدراك وقوع النسبة أولا وقوعها ليس أن يدرك معنى الوقوع أو اللاوقوع مضافا إلى النسبة، فإنّ إدراكهما بهذا المعنى ليس حكما بل هو إدراك مركّب تقييدي من قبيل الإضافة، بل معناه أن يدرك أنّ النسبة واقعة ويسمّى هذا الإدراك حكما إيجابيا، أو أن يدرك أنّ النسبة ليست بواقعة ويسمّى هذا الإدراك حكما سلبيا، أعني معناه أن يدرك أنّ النسبة المدركة بين الطرفين أي المحكوم عليه والمحكوم به واقعة بينهما في حدّ ذاتها مع قطع النظر عن إدراكنا إيّاها أو ليست بواقعة كذلك، وهو الإذعان بمطابقة النسبة الذهنية لما في نفس الأمر أو في الخارج، أعني للنسبة مع قطع النظر عن إدراك المدرك بل من حيث إنها مستفادة من البداهة أو الحسّ أو النظر. فمآل قولنا إنّ النسبة واقعة أو ليست بواقعة.
وقولنا إنّها مطابقة واحدة والمراد به الحالة الإجمالية التي يقال لها الإذعان والتسليم المعبّر عنه بالفارسية بگرويدن لا إدراك هذه القضية، فإنّه تصوّر تعلّق بما يتعلّق به التصديق يوجد في صورة التخييل والوهم ضرورة أنّ المدرك في جانب الوهم هو الوقوع واللاوقوع، إلّا أنّها ليست على وجه الإذعان والتسليم فظهر فساد ما توهّمه البعض من أنّ الشكّ والوهم من أنواع التصديق، ولا التفصيل المستفاد من ظاهر اللفظ لأنّه خلاف الوجدان، ولاستلزامه ترتّب تصديقات غير متناهية. فقد ظهر أنّ الحكم إدراك متعلّق بالنسبة التامة الخبرية فإنّها لمّا كانت مشعرة بنسبة خارجية كان إدراكها على وجهين من حيث إنّها متعلّقة بالطرفين رابطة بينهما كما في صورة الشكّ مثلا. ومن حيث إنّها كذلك في نفس الأمر كما في صورة الإذعان. وهذا هو الحكم والتصديق.
وإنما قيل كون الحكم بمعنى إدراك وقوع النسبة أولا وقوعها يشعر بأنّ المراد بالنسبة النسبة الحكمية لا النسبة التامة الخبرية لأنّ الحكم على تقدير كونها تامة هو إدراك نفسها ليس بشيء عند التــحقــيق، وإنّ أجزاء القضية ثلاثة المحكوم عليه وبه والنسبة التامة الخبرية وهي نسبة واحدة هي اتحاد المحمول بالموضوع، أو عدم اتحاده به، وهو الــحقّ عند المــحقــقين، لا كما ذهب إليه المتأخرون من أنّ أجزاءها أربعة: المحكوم عليه وبه والنسبة الحكمية ووقوعها أولا وقوعها وأنّ الاختلاف بين التصوّر والتصديق بحسب الذات والمتعلّق، فإنّ التصوّر لا يتعلّق عندهم به التصديق، فالتصديق عندهم إدراك متعلّق بوقوع النسبة أولا وقوعها والتصوّر إدراك متعلّق بغير ذلك. والــحق عند المــحقــقين أنّ التصوّر يتعلّق بما يتعلّق به التصديق أيضا، فلا امتياز بين التصور والتصديق إلّا بحسب الذات واللوازم كاحتمال الصدق والكذب دون المتعلق.
واعلم أنّه ذكر السّيد الشريف أنّه يجوز أن يفسّر الحكم بالتصديق فقط وأن يفسّر بالتصديق والتكذيب، وهذا بناء على أنّ إذعان أنّ النسبة ليست بواقعة إذعان بأنّ النسبة السلبية واقعة.
فعلى هذا يجوز أن يعرف الحكم بإدراك الوقوع فقط وأن يعرف بإدراك الوقوع واللاوقوع معا.
التقسيم
الحكم سواء أخذ بمعنى التصديق أو بمعنى النسبة الخبرية ينقسم إلى شرعي وغير شرعي. فالشرعي ما يؤخذ من الشرع بشرط أن لا يخالف القطعيات بالنسبة إلى فهم الآخذ سواء كان مما يتوقف على الشرع بأن لا يدرك لولا خطاب الشارع كوجوب الصلاة، أو لم يكن كوجوده تعالى وتوحيده، وهو ينقسم إلى ما لا يتعلّق بكيفية عمل ويسمّى أصليا واعتقاديا وإلى ما يتعلّق بها ويسمّى عمليا وفرعيا، وغير الشرعي ما لا يؤخذ من الشرع كالأحكام العقلية المأخوذة من مجرّد العقل، والاصطلاحية المأخوذة من الاصطلاح. وأكثر ما ذكرنا هو خلاصة ما ذكره المولوي عبد الحكيم في حاشية الخيالي في الخطبة وحاشية شرح الشمسية.
ومنها المحكوم عليه.
ومنها المحكوم به. قال الچلپي في حاشية المطول في بحث التأكيد: إطلاق الحكم على المحكوم به متعارف عند النحاة كإطلاقه على المحكوم عليه انتهى. وهكذا ذكر السيّد الشريف في حاشية المطول.
ومنها نفس القضية على ما ذكر الچلپي أيضا في حاشية الخيالي، وهذا كما يطلق التصديق على القضية.
ومنها القضاء كما يجيء في لفظ الديانة.

وما ذكره الغزالي حيث قال: الحكم والقضاء والقدر: هو توجّه الأسباب لجانب المسبّبات هو الحكم المطلق. وهو سبحانه وتعالى مسبب لجميع الأسباب المجمل منه والمفصّل، وعن الحكم يتفرع القضاء والقدر. فإذن: التدبير الإلهي هو أصل لوضع الأسباب لكي تتوجه نحو مسبّبات وهو الحكم الإلهي. وقيام الأسباب الكلية وظهورها مثل الأرض والسّماء والكواكب والحركات المتناسبة لها وغير ذلك مما لا يتغيّر ولا يتبدّل حتى يحين وقتها فذلك هو القضاء. ثم توجّه الأسباب هذه للأحوال والحركات المتناسبة والمحدودة والمقدّرة لجانب الأسباب، وحددت ذلك لحظة بلحظة فهو القدر.

إذن فالحكم: هو التدبير الأزلي كله وأمره كلمح البصر. والقضاء: وضع كلّ الأسباب الكلية الدائمة.

والقدر: هو توجيه هذه الأسباب الكلية لمسبباتها المعدودة بعدد معين فلا تزيد ولا تنقص. وكذا ذكر المولوي عبد الــحق المحدّث في ترجمة المشكاة في باب الإيمان بالقدر.
ومنها خطاب الله تعالى المتعلّق بأفعال المكلّفين. هكذا نقل عن الأشعري. وهذا المعنى مصطلحات الأصوليين.
والخطاب في اللغة توجيه الكلام نحو الغير ثم نقل إلى الكلام الذي يقع به التخاطب، وبإضافته إلى الله تعالى خرج خطاب من سواه إذ لا حكم إلّا حكمه ووجوب طاعة النبي عليه السلام وأولي الأمر والسيّد إنّما هو بإيجاب الله تعالى إياها. والمراد بالخطاب هاهنا ليس المعنى اللغوي، اللهم إلّا أن يراد بالحكم المعنى المصدري، بل المراد به المعنى المنقول من الكلام المذكور لكن لا مطلقا بل الكلام النفسي، لأنّ اللفظي ليس بحكم بل دال عليه سواء أريد بالكلام الذي يقع به التخاطب الكلام الذي من شأنه التخاطب فيكون الكلام خطابا به أزليا كما هو رأي الأشعري من قدم الحكم والخطاب بناء على أزلية تعلّقات الكلام وتنوعه في الأزل أمرا أو نهيا أو غيرهما، أو أريد به معناه الظاهر المتبادر أي الكلام الذي يقع به التخاطب بالفعل، وهو الكلام الذي قصد منه إفهام من هو متهيئ لفهمه كما ذهب إليه ابن القطّان من أنّ الحكم والخطاب حادثان بناء على حدوث تعلّقات الكلام وعدم تنوّعه في الأزل، وهذا معنى ما قال إنّ الحكم والخطاب حادثان بل جميع أقسام الكلام مع قدمه فهو لا يسمّى الكلام في الأزل خطابا. ومعنى تعلقه بأفعال المكلّفين تعلّقه بفعل من أفعالهم لا بجميع أفعالهم على ما يوهم إضافة الجمع من الاستغراق، وإلّا لم يوجد حكم أصلا إذ لا خطاب يتعلّق بجميع الأفعال فيشمل خواص النبي صلى الله عليه وآله وسلم أيضا كإباحة ما فوق الأربع من النساء.
لا يقال إذا كان المراد بالخطاب الكلام النفسي ولا شكّ أنّه صفة واحدة فيتــحقّــق خطاب واحد متعلّق بجميع الأفعال لأنّا نقول الكلام وإن كانت صفة واحدة لكن ليس خطابا إلّا باعتبار تعلّقه، وهو متعدّد بحسب المتعلّقات، فلا يكون خطاب واحد متعلقا بالجميع، وخرج بقوله المتعلّق بأفعال المكلّفين الخطابات المتعلّقة بأحوال ذاته وصفاته وتنزيهاته وغير ذلك ممّا ليس بفعل المكلّف كالقصص. واعترض على الحدّ بأنه غير مانع إذ يدخل فيه القصص المبينة لأفعال المكلّفين وأحوالهم والأخبار المتعلّقة بأعمالهم كقوله تعالى: وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ مع أنّها ليست أحكاما.
وأجيب بأنّ الحيثية معتبرة في الحدود، فالمعنى الحكم خطاب الله متعلّق بفعل المكلّفين من حيث هو فعل المكلّف وليس تعلّق الخطاب بالأفعال في صور النقض من حيث إنّها أفعال المكلّفين هذا لكن اعتبار حيثية التكليف فيما يتعلّق به خطاب الإباحة بل الندب والكراهة موضع تأمّل. ولذا أراد البعض في الحدّ قولنا بالاقتضاء أو التخيير للاحتراز عن الأمور المذكورة وكلمة أو لتقسيم المحدود دون الحدّ.
ومعنى الاقتضاء الطلب. وهو إمّا طلب الفعل مع المنع عن الترك وهو الإيجاب، أو طلب الترك مع المنع عن الفعل وهو التحريم، أو طلب الفعل بدون المنع عن الترك وهو الندب، أو طلب الترك بدون المنع عن الفعل وهو الكراهة. ومعنى التخيير عدم طلب الفعل والترك وهو الإباحة.
إن قيل إذا كان الخطاب متعلّقا بأفعال المكلّفين في الأزل كما هو رأي الأشعري يلزم طلب الفعل والترك من المعدوم وهو سفه. قلت السفه إنّما هو طلب الفعل أو الترك عن المعدوم حال عدمه. وأمّا طلبه منه على تقدير وجوده فلا، كما إذا قدّر الرجل ابنا فأمره بطلب العلم حين الوجود لكن بقي أنّه يلزم خروج الخطاب الوضعي من الحدّ، مع أنّه حكم فإنّ الخطاب نوعان: تكليفي وهو المتعلّق بأفعال المكلفين بالاقتضاء، والتخيير، ووضعي وهو الخطاب باختصاص شيء بشيء وذلك على ثلاثة أقسام:
سببي كالخطاب بأنّ هذا سبب لذلك كالدلوك للصلاة، وشرطي كالخطاب بأنّ هذا شرط لذلك كالطهارة للصلاة، ومانعي أي هذا مانع لذلك كالنجاسة للصلاة. فأجاب البعض عنه بأنّ خطاب الوضع ليس بحكم، وإن جعلها غيرنا حكما إذ لا مشاحة في الاصطلاح ولو سلّم أنّه حكم فلا نسلّم خروجه عن الحدّ إذ المراد من الاقتضاء والتخيير أعمّ من التصريحي والضمني، والخطاب الوضعي من قبيل الضمني إذ معنى سببية الدلوك وجوب الصلاة عند الدلوك.
ومعنى شرطية الطهارة وجوبها في الصلاة أو حرمة الصلاة بدونها. ومعنى مانعية النجاسة حرمة الصلاة معها أو وجوب إزالتها حالة الصلاة، وكذا في جميع الأسباب والشروط والموانع. وبعضهم زاد قيدا في التعريف ليشتمله، فقال بالاقتضاء أو التخيير أو الوضع، أي وضع الشارع وجعله. فإن قلت الحكم يتناول القياس المحتمل للخطأ فكيف ينسب إلى الله تعالى؟ قلت الحاكم في المسألة الاجتهادية هو الله تعالى إلّا أنه لم يحكم إلّا بالصواب.
فالحكم المنسوب إليه هو الــحق الذي لا يحوم حوله الباطل، وما وقع من الخطأ للمجتهد فليس بحكم حقــيقة بل ظاهرا وهو معذور في ذلك.
قال صدر الشريعة بعضهم عرّف الحكم الشرعي بهذا التعريف المذكور، فإذا كان هذا التعريف للحكم فمعنى الشرعي ما يتوقّف على الشرع فيكون قيدا مخرجا لوجوب الإيمان ونحوه. وإذا كان تعريفا للحكم الشرعي فمعنى الشرعي ما ورد به خطاب الشارع لا ما يتوقّف على الشرع، وإلّا لكان الحدّ أعمّ من المحدود لتناوله مثل وجوب الإيمان. ومعنى الحكم في قولنا الحكم الشرعي على هذا إسناد أمر إلى آخر، وإلّا لزم تكرار قيد الشرعي. وقال الآمدي الحكم خطاب الشارع لفائدة شرعية. قيل إن فسّر الآمدي الفائدة الشرعية بمتعلّق الحكم فدور، ولو سلّم أن لا دور فلا دليل عليه في اللفظ. وإن فسّرها بما لا تكون حسّية ولا عقلية على ما يشعر به كلامه حيث قال: هذا القيد احتراز عن خطابه بما لا يفيد فائدة شرعية كالإخبار عن المحسوسات والمعقولات، وردّ على طرد الحدّ إخبار الشارع بالمغيبات كقوله تعالى: وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فزيد قيد يختصّ به ليخرج ما أورد عليه إذ لا تحصل تلك الفائدة إلّا بالاطلاع على الخطاب لأنّ فائدة الإخبار عن المغيّبات قد يطّلع عليها لا من خطاب الشرع، إذ لكل خبر مدلول خارجي قد يعلم وقوعه بطريق آخر كالإحساس في المحسوسات والضرورة، والاستدلال في المعقولات والإلهام، مثلا في المغيبات فإن للخبر لفظا ومعنى ثابتا في نفس المتكلم يدلّ عليه اللفظ فيرتسم في نفس السامع، هو مفهوم الطرفين والحكم، ومتعلقا لذلك المعنى هو النسبة المتــحقــقة في نفس الأمر بين الطرفين يشعر اللفظ بوقوعه في الخارج. لكن الإشعار بوقوعه لا يستلزم وقوعه بل قد يكون واقعا فيكون الخبر صادقا وقد لا يكون فيكون كاذبا، بخلاف الحكم بالمعنى المذكور فإنّه إنشاء والإنشاء له لفظ ومعنى يدلّ عليه لكن ليس لمعناه متعلّق يقصد الإشعار والإعلام به، بل إنّما يقصد به الإشعار بنفس ذلك المعنى الثابت في النفس كالطّلب مثلا في الإنشاءات الطلبية.
ومثل هذا المعنى لا يعلم إلّا باللفظ توقيفا، أي بطريق جعل السامع واقفا على ثبوته في النفس، فيختصّ بالخطاب الدال عليه. فمثل قوله تعالى كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ إن قصد به الإعلام بنسبة واقعة سابقة كان خبرا فلا يكون حكما بالمعنى المذكور، وإن قصد به الإعلام بالطلب القائم بالنفس كان إنشاء فيكون حكما. قيل هاهنا دور إذ معرفة الخطاب المفيدة فائدة مختصّة به موقوفة على تصوّر الفائدة المختصّة ضرورة توقّف الكلام على تصوّر أجزائه، وهي متوقّفة على الخطاب فيلزم الدور. قيل جوابه أنّ المتوقّف على الخطاب حصول الفائدة، وما توقّف عليه الخطاب تصوّرها وحصول الشيء غير تصوّره فلا دور. قيل لا حاجة إلى زيادة القيد بل الحدّ مطّرد ومنعكس لا غبار عليه وذلك بأن تفسّر الفائدة الشرعية بتحصيل ما هو حصولها بخطاب الشارع دون ما هو حاصل في نفسه ولو في المستقبل، ورد به خطاب الشرع أم لا، لكنه يعلم بخطابه كالمغيّبات، فإنّ الإخبار عنها لا يحصلها بل يفيد العلم بها.
لكن بقي بعد شيء وهو أنّ مثل قوله تعالى فَنِعْمَ الْماهِدُونَ ونِعْمَ الْعَبْدُ يدخل في الحدّ وليس بحكم.
ومنها الأثر الثابت بالشيء كما وقع في الهادية حاشية الكافية في بحث المعرب. وفي العارفية حاشية شرح الوقاية في بيان الوضوء كون الحكم بمعنى الأثر الثابت بالشيء إنما هو من أوضاع الفقهاء واصطلاحات المتأخرين انتهى. وفي التوضيح يطلقون الحكم على ما ثبت بالخطاب كالوجوب والحرمة مجازا بطريق إطلاق اسم المصدر على المفعول كالخلق على المخلوق. لكن لما شاع فيه صار منقولا اصطلاحيا وهو حقــيقة اصطلاحية انتهى.
وحاصل هذا أنّ الحكم عند الفقهاء هو أثر خطاب الشارع.
ومنها الأثر المترتّب على العقود والفسوخ كملك الرقبة أو المتعة أو المنفعة المترتّب على فعل المكلّف وهو الشراء. وفي التلويح في باب الحكم إطلاق الحكم في الشرع على خطاب الشارع وعلى الأثر المترتّب على العقود والفسوخ إنّما هو بطريق الاشتراك انتهى. فعلم من هذا أنّ إطلاق الحكم على الأثر الثابت بالشيء ليس من أوضاع الفقهاء كما ذكره صاحب العارفية، اللهم إلّا أن يراد بالشيء خطاب الشارع أو العقود والفسوخ. نعم إطلاقه بهذا المعنى شائع في عرفهم وعرف غيرهم.
قال المولوي عصام الدين في حاشية الفوائد الضيائية: تفسير الحكم بالأثر المترتّب على الشيء مما أتى به أقوام بعد أقوام وإن لم أعثر على مأخذه في أفانين الكلام انتهى.
ومنها الخاصة كما وقع في الحاشية الهندية في بحث المعرب. قال في الهادية هذا من قبيل ذكر اللازم وإرادة الملزوم لأنّ حكم الشيء أي أثره لا يكون إلّا مختصا به ضرورة استحالة توارد المؤثّرين على أثر واحد.
تقسيم
ما يطلق عليه لفظ الحكم شرعا على ما اختاره صدر الشريعة في التوضيح هو ما حاصله أنّ الحكم إمّا حكم بتعلّق شيء بشيء أو لا. فإن لم يكن فالحكم إمّا صفة لفعل المكلّف أو أثر له. فإن كان أثرا كالملك فلا بحث هاهنا عنه، وإن كان صفة فالمعتبر فيه اعتبارا أوليا إمّا المقاصد الدنيوية أو الأخروية.
فالأول ينقسم الفعل بالنظر إليه تارة إلى صحيح وباطل وفاسد وتارة إلى منعقد وغير منعقد، وتارة إلى نافذ وغير نافذ، وتارة إلى لازم وغير لازم، والثاني إمّا أصلي أو غير أصلي.
فالأصلي إمّا أن يكون الفعل أولى من الترك أو الترك أولى من الفعل، أو لا يكون أحدهما أولى. فالأوّل إن كان مع منع الترك بدليل قطعي ففرض أو بظني فواجب، وإلّا فإن كان الفعل طريقة مسلوكة في الدين فسنة، وإلّا فندب. والثاني إن كان مع منع الفعل فحرام وإلّا فمكروه. والثالث مباح وغير الأصلي رخصة. وإن كان حكما بتعلّق شيء بشيء فالمتعلّق إن كان داخلا فركن، وإلّا فإن كان مؤثّرا فيه فعلّة، وإلّا فإن كان موصلا إليه في الجملة فسبب، وإلّا فإن توقّف الشيء عليه فشرط، وإلّا فعلامة. وإنّما قلنا هذا تقسيم ما يطلق عليه لفظ الحكم شرعا إذ لو أريد بالحكم خطاب الشارع أو أثره لا يشمل الحكم نحو الملك لأنّ الملك إنّما ثبت بفعل المكلّف لا الخطاب. فالمقصود هاهنا بيان أقسام ما يطلق عليه لفظ الحكم في الشرع. فإنّ التــحقــيق أنّ إطلاق الحكم على خطاب الشرع وعلى أثره وعلى الأثر المترتّب على العقود والفسوخ إنّما هو بطريق الاشتراك، هكذا ذكر في التلويح في باب الحكم. ومثل هذا تقسيمهم العلّة إلى سبعة أقسام كما يجيء في محله.
اعلم أنّ أفعال المكلّف اثنا عشر قسما لأنّ ما يأتي به المكلّف إن تساوى فعله وتركه فمباح، وإلّا فإن كان فعله أولى فمع المنع عن الترك واجب وبدونه مندوب. وإن كان تركه أولى فمع المنع عن الفعل بدليل قطعي حرام وبدليل ظنّي مكروه كراهة التحريم، وبدون المنع عن الفعل مكروه كراهة التنزيه، هذا على رأي محمد. وأمّا على رأيهما فهو أنّ ما يكون تركه أولى من فعله فهو مع المنع عن الفعل حرام، وبدونه مكروه كراهة التنزيه إن كان إلى الحلّ أقرب، بمعنى أنّه لا يعاقب فاعله لكن يثاب تاركه أدنى ثواب، ومكروه كراهة التحريم إن كان إلى الحرام أقرب، بمعنى أنّ فاعله يستــحق محذورا دون العقوبة بالنار. ثم المراد بالواجب ما يشمل الفرض أيضا لأنّ استعماله بهذا المعنى شائع عندهم كقولهم الزكاة واجبة والحج واجب، بخلاف إطلاق الحرام على المكروه تحريما فإنه ليس بشائع. والمراد بالمندوب ما يشمل السّنة الغير المؤكّدة والنفل.
وأمّا السّنة المؤكّدة فهي داخلة في الواجب على الأصح، فصارت الأقسام ستة، ولكلّ منها طرفان، فعل أي الإيقاع، وترك أي عدم الفعل، فيصير اثنا عشر قسما، هكذا في التلويح وحواشيه.
خاتمة
قد عرفت أنّ الحكم عند الأصوليين هو نفس خطاب الله تعالى. فالإيجاب هو نفس معنى قوله افعل وهو قائم بذاته سبحانه، وليس للفعل من الإيجاب المتعلّق به صفة حقــيقية قائمة به تسمّى وجوبا. فإنّ القول لفظيا كان أو نفسيا ليس لمتعلّقه منه صفة حقــيقية، أي لا يحصل لما يتعلّق به القول بسبب تعلّقه به صفة موجودة لأنّ القول يتعلّق بالمعدوم كما يتعلّق بالموجود. فلو اقتضى تعلّقه تلك الصفة لكان المعدوم متصفا بصفة حقــيقية، وهو أي معنى قوله افعل إذ أنسب إلى الحاكم تعالى لقيامه به يسمّى إيجابا، وإذا نسب إلى ما فيه الحكم وهو الفعل لتعلّقه به يسمّى وجوبا، فالإيجاب والوجوب متّحدان بالذات لأنّهما ذلك المعنى القائم بذاته تعالى المتعلّق بالفعل مختلفان بالاعتبار لأنّه باعتبار القيام إيجاب وباعتبار التعلّق وجوب، وكذا الحال في التحريم والحرمة وترتّب الوجوب على الإيجاب بأن يقال أوجب الفعل، فوجب مبني على التغاير الاعتباري، فلا ينافي الاتّحاد الذاتي. وهذا كما قيل التعليم والتعلّم واحد بالذات واثنان بالاعتبار لأنّ شيئا واحدا وهو إسباق ما إلى اكتساب مجهول بمعلوم يسمّى بالقياس إلى الذي يحصل فيه تعلّما، وبالقياس إلى الذي يحصل منه تعليما، كالتّحرّك والتّحريك. فلذلك الاتحاد ترى الأصوليين يجعلون أقسام الحكم الوجوب والحرمة تارة والإيجاب والتحريم أخرى ومرة الوجوب والتحريم. قيل ما ذكرتم إنما يدلّ على أنّ الفعل من حيث تعلّق به القول لم يتصف بصفة حقــيقية يسمّى وجوبا، لكن لم لا يجوز أن يكون صفة اعتبارية هي المسمّاة بالوجوب، أعني كونه حيث تعلّق به الإيجاب، بل هذا هو الظاهر، فيكون كلّ من الموجب والواجب متصفا بما هو قائم به. ولا شكّ أنّ القائم بالفعل ما ذكرناه لا نفس القول، وإن كانت هناك نسبة قيام باعتبار التعلّق. ولو ثبت أنّ الوجوب صفة حقــيقية لتمّ المراد إذ ليس هناك صفة حقــيقية سوى ما ذكر إلّا أنّ الكلام في ذلك.
واعلم أنّ النزاع لفظي إذ لا شكّ في خطاب نفساني قائم بذاته تعالى متعلّق بالفعل يسمّى إيجابا مثلا، وفي أنّ الفعل بحيث يتعلّق به ذلك الخطاب الإيجابي يسمّى وجوبا. فلفظ الوجوب إن أطلق على ذلك الخطاب من حيث تعلقه بالفعل كان الأمر على ما سبق، ولا يلزم المسامحة في وصف الفعل حينئذ بالوجوب، وإن أطلق على كون الفعل تعلّق به ذلك الخطاب لم يتحدا بالذات، وتلزم المسامحة في عباراتهم حيث أطلق أحدهما على الآخر. هذا كله خلاصة ما في العضدي وحواشيه. 

تخير اللفظ

تخير اللفظ
يتأنق أسلوب القرآن في اختيار ألفاظه، ولما بين الألفاظ من فروق دقيقة في دلالتها، يستخدم كلا حيث يؤدى معناه في دقة فائقة، تكاد بها تؤمن بأن هذا المكان كأنما خلقت له تلك الكلمة بعينها، وأن كلمة أخرى لا تستطيع توفية المعنى الذى وفت به أختها، فكل لفظة وضعت لتؤدى نصيبها من المعنى أقوى أداء، ولذلك لا تجد في القرآن ترادفا، بل فيه كل كلمة تحمل إليك معنى جديدا.
ولما بين الكلمات من فروق، ولما يبعثه بعضها في النفس من إيحاءات خاصة، دعا القرآن ألا يستخدم لفظ مكان آخر، فقال: قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ (الحجرات 14). فهو لا يرى التهاون في استعمال اللفظ ولكنه يرى التدقيق فيه ليدل على الــحقــيقة من غير لبس ولا تمويه، ولما كانت كلمة راعِنا لها معنى في العبرية مذموم، نهى المؤمنين عن مخاطبة الرسول بها فقال: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا راعِنا وَقُولُوا انْظُرْنا (البقرة 104).
فالقرآن شديد الدقة فيما يختار من لفظ، يؤدى به المعنى.
استمع إليه في قوله: وَإِذْ نَجَّيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (البقرة 49). ما تجده قد اختار الفعل ذبح، مصورا به ما حدث، وضعّف عينه للدلالة على كثرة ما حدث من القتل فى أبناء إسرائيل يومئذ، ولا تجد ذلك مستفادا إذا وضعنا مكانها كلمة يقتلون.
وتنكير كلمة حياة، فى قوله تعالى: وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ (البقرة 96).
يعبر تعبيرا دقيقا عن حرص هؤلاء الناس على مطلق حياة يعيشونها، مهما كانت حقــيرة القدر، ضئيلة القيمة، وعند ما أضيفت هذه الكلمة إلى ياء المتكلم في قوله تعالى: وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرى يَقُولُ يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي (الفجر 23، 24). عبرت بأدق تعبير عن شعور الإنسان يومئذ، وقد أدرك في جلاء ووضوح أن تلك الحياة الدنيا لم تكن إلا وهما باطلا، وسرابا خادعا، أما الحياة الــحقــة الباقية، فهى تلك التى بعد البعث؛ لأنها دائمة لا انقطاع لها، فلا جرم أن سماها حياته، وندم على أنه لم يقدم عملا صالحا، ينفعه في تلك الحياة.
واستمع إلى قوله تعالى: إِنَّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً فَوَقاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً (الإنسان 10، 11). تجد كلمة العبوس قد استعملت أدق استعمال؛ لبيان نظرة الكافرين إلى ذلك اليوم، فإنهم يجدونه عابسا مكفهرّا، وما أشد اسوداد اليوم، يفقد فيه المرء الأمل والرجاء، وكلمة قَمْطَرِيراً بثقل طائها مشعرة بثقل هذا اليوم، وفي كلمتى النضرة والسرور تعبير دقيق عن المظهر الحسى لهؤلاء المؤمنين، وما يبدو على وجوههم من الإشراق، وعما يملأ قلوبهم من البهجة.
ومن دقة التمييز بين معانى الكلمات، ما تجده من التفرقة في الاستعمال بين:
يعلمون، ويشعرون، ففي الأمور التى يرجع إلى العقل وحده أمر الفصل فيها، تجد كلمة يَعْلَمُونَ صاحبة الــحق في التعبير عنها، أما الأمور التى يكون للحواس مدخل في شأنها، فكلمة يَشْعُرُونَ أولى بها، وتأمل لذلك قوله تعالى: أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ وَلكِنْ لا يَعْلَمُونَ (البقرة 13). فالسفاهة أمر مرجعه إلى العقل، وقوله تعالى: فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْــحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ (البقرة 26). وقوله تعالى: أَوَلا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ (البقرة 77). وقوله تعالى: وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْــحَقِّ (الأنعام 114). وقوله تعالى: أَلا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (يونس 55). وقوله تعالى: بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ الْــحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ (الأنبياء 24). وقوله تعالى: وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْــحَقُّ الْمُبِينُ (النور 25). إلى غير ذلك مما يطول بى أمر تعداده، إذا مضيت في إيراد كل ما استخدمت فيه كلمة يعلمون.
وتأمل قوله تعالى: وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ (البقرة 154). فمن الممكن أن يرى الأحياء وأن يحس بهم، وقوله تعالى:
وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ (الزمر 55)، فالعذاب مما يشعر به ويحس، وقوله تعالى: وَإِذا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قالُوا إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلكِنْ لا يَشْعُرُونَ (البقرة 11، 12). وقوله تعالى: قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (النمل 18). وقوله تعالى: وَقالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (القصص 11). وغير ذلك كثير.
واستخدم القرآن كلمة التراب، ولكنه حين أراد هذا التراب الدقيق الذى لا يقوى على عصف الريح استخدم الكلمة الدقيقة وهى الرماد، فقال: الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ (إبراهيم 18). كما أنه آثر عليها كلمة الثرى، عند ما قال: تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّماواتِ الْعُلى الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَما تَحْتَ الثَّرى (طه 4 - 6). لأنه يريد- على ما يبدو من سياق الآيات الكريمة- الأرض المكونة من التراب، وهى من معانى الثرى، فضلا عما في اختيار الكلمة من المحافظة على الموسيقى اللفظية في فواصل الآيات.
وعبر القرآن عن القوة العاقلة في الإنسان بألفاظ، منها الفؤاد واللب والقلب، واستخدم كلا في مكانه المقسوم له، فالفؤاد في الاستخدام القرآنى يراد به تلك الآلة التى منحها الله الإنسان، ليفكر بها، ولذا كانت مما سوف يسأل المرء عن مدى انتفاعه بها يوم القيامة، كالسمع، والبصر، قال تعالى: إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا (الإسراء 36). وتجد هذا واضحا فيما وردت فيه تلك الكلمة من الآيات، واستمع إلى قوله تعالى: قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا ما تَشْكُرُونَ (الملك 23). وقوله تعالى: ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى (النجم 11). وقوله تعالى: وَلِتَصْغى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا ما هُمْ مُقْتَرِفُونَ (الأنعام 113). وقوله تعالى: نارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةَ (الهمزة 6، 7). وقوله تعالى: مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ (إبراهيم 43).
أما اللب ولم يستخدم في القرآن إلا مجموعا، فيراد به التفكير الذى هو من عمل تلك الآلة، تجد هذا المعنى في قوله تعالى: وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي الْأَلْبابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (البقرة 179). وقوله تعالى: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ (آل عمران 190). وقوله تعالى: وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ (البقرة 269).
أما القلب، وهو أكثر هذه الكلمات دورانا في الاستخدام القرآنى، فهو بمعنى أداة التفكير، فى قوله تعالى: لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها (الأعراف 179). وقوله تعالى: أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِها (الحج 46). وقوله تعالى: رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً (آل عمران 8). وقوله تعالى: فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (الحج 46). وهو أداة الوجدان، كما تشعر بذلك في قوله تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ (الأنفال 2). وقوله تعالى: وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ (الأحزاب 10). وقوله تعالى: يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ واجِفَةٌ (النازعات 6 - 8). وقوله تعالى: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدادُوا إِيماناً (الفتح 4). وقوله تعالى: وَجَعَلْنا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً (القيامة 27). وقوله تعالى: أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (الرعد 28).
وهو أداة الإرادة، كما يبدو ذلك في قوله تعالى: إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلا أَنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (القصص 10). وقوله تعالى: وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ (الأنفال 11). وقوله تعالى: وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ (الأحزاب 5).
فالقرآن يستخدم القلب فيما نطلق عليه اليوم كلمة العقل، وجعله في الجوف حينا في قوله تعالى: ما جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ (الأحزاب 4).
وفي الصدر حينا، فى قوله: وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (الحج 46). تعبير عما يشعر به الإنسان عند ما يلم به وجدان، أو تملؤه همة وإرادة.
ومن الدقة القرآنية في استخدام الألفاظ أنه لا يكاد يذكر المشركين، إلا بأنهم أصحاب النار، ولكنا نجده قال في سورة (ص): وَقالُوا ما لَنا لا نَرى رِجالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرارِ أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصارُ إِنَّ ذلِكَ لَــحَقٌّ تَخاصُمُ أَهْلِ النَّارِ . فنراه قد استخدم كلمة أَهْلِ وهى هنا أولى بهذا المكان من كلمة (أصحاب)، لما تدل عليه تلك من الإقامة في النار والسكنى بها. وكلمة (ميراث) فى قوله تعالى: وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (آل عمران 180). واقعة موقعها، وهى أدق من كلمة (ملك) فى هذا الموضع، لما أن المال يرى في أيدى مالكيه من الناس، ولكنه سوف يصبح ميراثا لله.
وقد يحتاج المرء إلى التريث والتدبر، ليدرك السر في إيثار كلمة على أخرى، ولكنه لا يلبث أن يجد سمو التعبير القرآنى، فمن ذلك قوله تعالى: قالُوا إِنْ هذانِ لَساحِرانِ يُرِيدانِ أَنْ يُخْرِجاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِما وَيَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلى فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلى قالُوا يا مُوسى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقى (طه 63 - 65). فقد يبدو للنظرة العاجلة أن الوجه أن يقال: إما أن تلقى وإما أن نلقى، وربما توهم أن سر العدول يرجع إلى مراعاة النغم الموسيقى فحسب، حتى تتفق الفواصل في هذا النغم، وذلك ما يبدو بادئ الرأى، أما النظرة الفاحصة فإنها تكشف رغبة القرآن في تصوير نفسية هؤلاء السحرة، وأنهم لم يكونوا يوم تحدوا موسى بسحرهم، خائفين، أو شاكين في نجاحهم، وإنما كان الأمل يملأ قلوبهم، فى نصر مؤزر عاجل، فهم لا ينتظرون ما عسى أن تسفر عنه مقدرة موسى عند ما ألقى عصاه، بل كانوا مؤمنين بالنصر سواء أألقى موسى أولا، أم كانوا هم أول من ألقى.
ومن ذلك قوله تعالى: وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتابِ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ (البقرة 176).
فقد يتراءى أن وصف الشقاق، وهو الخلاف، بالقوة أولى من وصفه بالبعد، ولكن التأمل يدل على أن المراد هنا وصف خلافهم بأنه خلاف تتباعد فيه وجهات النظر إلى درجة يعسر فيها الالتقاء، ولا يدل على ذلك لفظ غير هذا اللفظ الذى اختاره القرآن. ومن ذلك قوله تعالى: وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالًا وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (الحج 27). فربما كانت الموسيقى، والفاصلة في الآية السابقة دالية- تجعل من المناسب أن يوصف الفج بالبعد، فيقال: فج بعيد، ولكن إيثار الوصف بالعمق، تصوير لما يشعر به المرء أمام طريق حصر بين جبلين، فصار كأن له طولا، وعرضا، وعمقا.
وإيثار كلمة مَسْكُوبٍ فى قوله تعالى: وَأَصْحابُ الْيَمِينِ ما أَصْحابُ الْيَمِينِ فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ وَظِلٍّ مَمْدُودٍ وَماءٍ مَسْكُوبٍ (الواقعة 27 - 31). مكان كلمة (غزيرة)، أدق في بيان غزارته، فهو ماء لا يقتصد في استعماله، كما يقتصد أهل الصحراء، بل هو ماء يستخدمونه استخدام من لا يخشى نفاده، بل ربما أوحت تلك الكلمة بمعنى الإسراف في هذا الاستخدام.
واستخدام كلمة يَظُنُّونَ فى الآية الكريمة: وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجِعُونَ (البقرة 45، 46).
قوية في دلالتها على مدح هؤلاء الناس، الذين يكفى لبعث الخشوع في نفوسهم، وأداء الصلاة، والاتصاف بالصبر- أن يظنوا لقاء ربهم، فكيف يكون حالهم إذا اعتقدوا؟.
ومن دقة أسلوب القرآن في اختيار ألفاظه ما أشار إليه الجاحظ حين قال :
(وقد يستخف الناس ألفاظا ويستعملونها، وغيرها أحق بذلك منها، ألا ترى أن الله تبارك وتعالى لم يذكر في القرآن الجوع، إلا في موضع العقاب، أو في موضع الفقر المدقع، والعجز الظاهر، والناس لا يذكرون السغب، ويذكرون الجوع في حالة القدرة والسلامة، وكذلك ذكر المطر، لأنك لا تجد القرآن يلفظ به إلا في موضع الانتقام، والعامة وأكثر الخاصة لا يفصلون بين ذكر المطر، وذكر الغيث).
لاختيار القرآن للكلمة الدقيقة المعبرة، يفضل الكلمة المصورة للمعنى أكمل تصوير، ليشعرك به أتم شعور وأقواه، وخذ لذلك مثلا كلمة يُسْكِنِ فى قوله تعالى: إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَواكِدَ عَلى ظَهْرِهِ (الشورى 33). وكلمة تَسَوَّرُوا فى قوله تعالى: وَهَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ (القصص 21). وكلمة (يطوقون) فى الآية الكريمة: وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ (آل عمران 180). وكلمة يَسْفِكُ فى آية: وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ (البقرة 30). وكلمة (انفجر) فى قوله تعالى: وَإِذِ اسْتَسْقى مُوسى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً (البقرة 60). وكلمة يَخِرُّونَ فى الآية: إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً . وَيَقُولُونَ سُبْحانَ رَبِّنا إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولًا (الإسراء 107، 108). وكلمة مُكِبًّا فى قوله تعالى: أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أَهْدى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (النمل 22). وكلمة تَفِيضُ فى قوله تعالى: وَإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْــحَقِّ (المائدة 83). وكلمة يُصَبُّ فى قوله تعالى: يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُسِهِمُ الْحَمِيمُ (الحج 19). وكلمة (يدس) فى قوله تعالى: وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ يَتَوارى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ ما بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ أَلا ساءَ ما يَحْكُمُونَ (النحل 58، 59). وكلمة قاصِراتُ فى قوله تعالى: وَعِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ عِينٌ (الصافات 48). وكلمة مُسْتَسْلِمُونَ. فى قوله تعالى: ما لَكُمْ لا تَناصَرُونَ بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ (الصافات 25، 26). ومُتَشاكِسُونَ فى قوله تعالى: ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَماً لِرَجُلٍ (الزمر 29). ويطول بى القول، إذ أنا مضيت في عرض هذه الكلمات التى توضع في مكانها المقسوم من الجملة، فتجعل المعنى مصورا تكاد تراه بعينك، وتلمسه بيدك، ولا أريد أن أمضى في تفسير الكلمات التى استشهدت بها؛
لأنها من وضوح الدلالة بمكان.
ولهذا الميل القرآنى إلى ناحية التصوير، نراه يعبر عن المعنى المعقول بألفاظ تدل على محسوسات، مما أفرد له البيانيون علما خاصّا به دعوه علم البيان، وأوثر أن أرجئ الحديث عن ذلك إلى حين، وحسبى الآن أن أبين ما يوحيه هذا النوع من الألفاظ في النفس، ذلك أن تصوير الأمر المعنوى في صورة الشيء المحسوس يزيده تمكنا من النفس، وتأثيرا فيها، ويكفى أن تقرأ قوله تعالى: خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ (البقرة 7). وقوله تعالى: أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ (الجاثية 23). لترى قدرة كلمة خَتَمَ، فى تصوير امتناع دخول الــحق قلوب هؤلاء الناس، وقوله تعالى: اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ (البقرة 257). لترى قيمة كلمتى الظلمات والنور، فى إثارة العاطفة وتصوير الــحق والباطل. وقوله تعالى: صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ (البقرة 18). لترى قيمة هذه الصفات التى تكاد تخرجهم عن دائرة البشر، وقوله سبحانه: يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ (البقرة 27).
فكلمات ينقضون ويقطعون ويوصل، تصور الأمور المعنوية في صور المحس الملموس، وفي القرآن من أمثال ذلك عدد ضخم، سوف نعرض له في حينه.
وفي القرآن كثير من الألفاظ، تشع منها قوى توحي إلى النفس بالمعنى وحيا، فتشعر به شعورا عميقا، وتحس نحو الفكرة إحساسا قويّا. خذ مثلا قوله تعالى: وَاللَّيْلِ إِذا عَسْعَسَ وَالصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ (التكوير 17، 18). فتأمل ما توحى به كلمة تَنَفَّسَ من تصوير هذه اليقظة الشاملة للكون بعد هدأة الليل، فكأنما كانت الطبيعة هاجعة هادئة، لا تحس فيها حركة ولا حياة، وكأنما الأنفاس قد خفتت حتى لا يكاد يحس بها ولا يشعر، فلما أقبل الصبح صحا الكون، ودبت الحياة في أرجائه.
وخذ قوله تعالى: لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (التوبة 117، 118). وقف عند كلمة (ضاق) فى ضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ، فإنها توحى إليك بما ألم بهؤلاء الثلاثة من الألم والندم، حتى شعروا بأن نفوسهم قد امتلأت من الندم امتلاء، فأصبحوا لا يجدون في أنفسهم مكانا، يلتمسون فيه الراحة والهدوء، فأصبح القلق يؤرق جفنهم، والحيرة تستبد بهم، وكأنما أصبحوا يريدون الفرار من أنفسهم.
واقرأ قوله تعالى: تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً (السجدة 16).
وتبين ما تثيره في نفسك كلمة تَتَجافى، من هذه الرغبة الملحة التى تملك على المتقين نفوسهم، فيتألمون إذا مست جنوبهم مضاجعهم، ولا يجدون فيها الراحة والطمأنينة، وكأنما هذه المضاجع قد فرشت بالشوك فلا تكاد جنوبهم تستقر عليها حتى تجفوها، وتنبو عنها. وقف كذلك عند كلمة يَعْمَهُونَ فى قوله سبحانه: اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (البقرة 15). فإن اشتراك هذه الكلمة مع العمى في الحروف كفيل بالإيحاء إلى النفس، بما فيه هؤلاء القوم من حيرة واضطراب نفسى، لا يكادون به يستقرون على حال من القلق.
واقرأ الآية الكريمة: كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ (النساء 185). أفلا تجد فى كلمة زُحْزِحَ ما يوحى إليك بهذا القلق، الذى يملأ صدور الناس في ذلك اليوم، لشدة اقترابهم من جهنم، وكأنما هم يبعدون أنفسهم عنها في مشقة وخوف وذعر. وفي كلمة طمس في قوله تعالى: وَلَقَدْ راوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذابِي وَنُذُرِ (القمر 37). ما يوحى إليك بانمحاء معالم هذه العيون، حتى كأن لم يكن لها من قبل في هذا الوجه وجود. ويوحى إليك الراسخون في قوله سبحانه: فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ (النساء 7). بهذا الثبات المطمئن، الذى يملأ قلب هؤلاء العلماء، لما ظفروا به من معرفة الــحق والإيمان به. وتوحى كلمة شَنَآنُ فى قوله سبحانه: وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أَنْ تَعْتَدُوا (المائدة 2). توحى بهذا الجوى، الذى يملأ الصدر، حتى لا يطيق المرء رؤية من يبغضه، ولا تستسيغ نفسه الاقتراب منه.
ولما سمعنا قوله تعالى لعيسى بن مريم: إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا (النساء 55). أوحى إلينا التعبير بالتطهير، بما يشعر به المؤمن بالله نحو قوم مشركين، اضطر إلى أن يعيش بينهم، فكأنهم يمسونه برجسهم، وكأنه يصاب بشيء من هذا الرجس، فيطهر منه إذا أنقذ من بينهم. وكلمة سُكِّرَتْ فى قوله سبحانه: وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً مِنَ السَّماءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ لَقالُوا إِنَّما سُكِّرَتْ أَبْصارُنا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ (الحجر 14، 15). قد عبر بها الكافرون عما يريدون أن يوهموا به، عما حدث لأبصارهم من الزيغ، فكانت كلمة سُكِّرَتْ، وهى مأخوذة من السكر دالة أشد دلالة على هذا الاضطراب في الرؤية، ولا سيما أن هذا السكر قد أصاب العين واستقل بها، ومعلوم أن الخلط من خصائص السكر، فلا يتبين السكران ما أمامه، ولا يميزه على الوجه الــحق. واختار القرآن عند عد المحرمات كلمة أُمَّهاتُ، إذ قال: حُرِّمَتْ
عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ وَأَخَواتُكُمْ
(النساء 3). وآثر كلمة الْوالِداتُ فى قوله سبحانه: وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ (البقرة 233)، لما أن كلمة (الأم) تبعث في النفس إحساسا بالقداسة، وتصور شخصا محاطا بهالة من الإجلال، حتى لتشمئز النفس وتنفر أن يمس بما يشين هذه القداسة، وذلك الإجلال، وتنفر من ذلك أشد النفور، فكانت أنسب كلمة تذكر عند ذكر المحرمات، وكذلك تجد كل كلمة في هذه المحرمات مثيرة معنى يؤيد التحريم، ويدفع إليه، أما كلمة الوالدات فتوحى إلى النفس بأن من الظلم أن ينزع من الوالدة ما ولدته، وأن يصبح فؤادها فارغا، ومن هنا كانت كل كلمة منهما موحية في موضعها، آخذة خير مكان تستطيع أن تحتله.
وقد تكون الكلمة في موضعها مثيرة معنى لا يراد إثارته، فيعدل عنها إلى غيرها، تجد ذلك في قوله سبحانه: وَأَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا مَا اتَّخَذَ صاحِبَةً وَلا وَلَداً (الجن 3).
فقد آثر كلمة صاحِبَةً على زوج وامرأة، لما تثيره كلاهما من معان، لا تثيرهما فى عنف مثلهما- كلمة صاحبة.
وقد يكون الجمع بين كلمتين هو سر الإيحاء ومصدره، كالجمع بين النَّاسُ وَالْحِجارَةُ فى قوله تعالى: فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ (البقرة 24). فهذا الجمع يوحى إلى النفس بالمشاكلةبينهما والتشابه. وقد تكون العبارة بجملتها هى الموحية كما تجد ذلك في قوله تعالى: فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ (المؤمنون 19). أو لا تجد هذه الثياب من النار، موحية لك بما يقاسيه هؤلاء القوم من عذاب أليم، فقد خلقت الثياب يتقى بها اللابس الحر والقر، فماذا يكون الحال إذا قدت الثياب من النيران.
لو بغير الماء صدرى شرق ... كنت كالغصان، بالماء اعتصارى
ومن هذا الباب قوله تعالى: لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبادَهُ يا عِبادِ فَاتَّقُونِ (الزمر 16). فإن الظلة إنما تكون ليتقى بها وهج الشمس، فكيف إذا كان الظلة نفسها من النيران.
هذه أمثلة قليلة لما في القرآن من كلمات شديدة الإيحاء، قوية البعث لما تتضمنه من المعانى. وهناك عدد كبير من ألفاظ، تصور بحروفها، فهذه «الظاء والشين» فى قوله تعالى: يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُواظٌ مِنْ نارٍ وَنُحاسٌ فَلا تَنْتَصِرانِ (الرحمن 35).
و «الشين والهاء» فى قوله تعالى: وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ إِذا أُلْقُوا فِيها سَمِعُوا لَها شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ (الملك 7). و «الظاء» فى قوله تعالى: فَأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظَّى (الليل 14). و «الفاء» فى قوله سبحانه: بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً إِذا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً وَزَفِيراً (الفرقان 11، 12). حروف تنقل إليك صوت النار مغتاظة غاضبة. وحرف «الصاد» فى قوله تعالى: إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ (القمر 19). يحمل إلى سمعك صوت الريح العاصفة، كما تحمل «الخاء» فى قوله سبحانه: وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَواخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (فاطر 12). إلى أذنك صوت الفلك، تشق عباب الماء.
وألفاظ القرآن مما يجرى على اللسان في سهولة ويسر، ويعذب وقعه على الأذن، في اتساق وانسجام.
قال البارزى في أول كتابه: (أنوار التحصيل في أسرار التنزيل): اعلم أن المعنى الواحد قد يخبر عنه بألفاظ بعضها أحسن من بعض، وكذلك كل واحد من جزءي الجملة قد يعبر عنه بأفصح ما يلائم الجزء الآخر، ولا بدّ من استحضار معانى الجمل، واستحضار جميع ما يلائمها من الألفاظ، ثم استعمال أنسبها وأفصحها، واستحضار هذا متعذر على البشر، فى أكثر الأحوال، وذلك عتيد حاصل في علم الله، فلذلك كان القرآن أحسن الحديث وأفصحه، وإن كان مشتملا على الفصيح والأفصح، والمليح والأملح، ولذلك أمثلة منها قوله تعالى: وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دانٍ (الرحمن 54). لو قال مكانه: «وثمر الجنتين قريب». لم يقم مقامه من جهة الجناس بين الجنى والجنتين، ومن جهة أن الثمر لا يشعر بمصيره إلى حال يجنى فيها، ومن جهة مؤاخاة الفواصل. ومنها قوله تعالى: وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ (العنكبوت 48). أحسن من التعبير بتقرأ لثقله بالهمزة. ومنها: لا رَيْبَ فِيهِ (البقرة 2). أحسن من (لا شك فيه) لثقل الإدغام، ولهذا كثر ذكر الريب. ومنها:
وَلا تَهِنُوا (آل عمران 139). أحسن من (ولا تضعفوا) لخفته. ووَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي (مريم 4). أحسن من (ضعف)؛ لأن الفتحة أخف من الضمة، ومنها «آمن» أخف من «صدق»، ولذا كان ذكره أكثر من ذكر التصديق. وآثَرَكَ اللَّهُ (يوسف 91). أخف من (فضّك) و (آتى) أخف من (أعطى) و (أنذر) أخف من (خوّف) و (خير لكم) أخف من (أفضل لكم) والمصدر في نحو: هذا خَلْقُ اللَّهِ (لقمان 11). (يؤمنون بالغيب) أخف من (مخلوق) و (الغائب) و (نكح) أخف من (تزوج)؛ لأن فعل أخف من تفعّل، ولهذا كان ذكر النكاح فيه أكثر، ولأجل التخفيف والاختصار استعمل لفظ الرحمة، والغضب، والرضا، والحب، والمقت، فى أوصاف الله تعالى مع أنه لا يوصف بها حقــيقة؛ لأنه لو عبر عن ذلك بألفاظ الــحقــيقة لطال الكلام، كأن يقال: يعامله معاملة المحب، والماقت، فالمجاز في مثل هذا أفضل من الــحقــيقة، لخفته، واختصاره، وابتنائه على التشبيه البليغ، فإن قوله: فَلَمَّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ (الزخرف 55). أحسن من (فلما عاملونا معاملة المغضب) أو (فلما أتوا إلينا بما يأتيه المغضب) أهـ .
وهناك لفظتان أبى القرآن أن ينطق بهما، ولعله وجد فيهما ثقلا، وهما كلمتا «الآجر» و «الأرضين». أما الأولى فقد أعرض عنها في سورة القصص، فبدل أن يقول: (وقال فرعون: يأيها الملأ ما علمت لكم من إله غيرى، فهيئ لى يا هامان آجرا، فاجعل لى صرحا، لعلى أطلع إلى إله موسى). قال: وَقالَ فِرْعَوْنُ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ
غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يا هامانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلى إِلهِ مُوسى
(القصص 38).
وأما الثانية فقد تركها في الآية الكريمة: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً (الطّلاق 12).
هذا ومما ينبغى الإشارة إليه أن القرآن قد أقل من استخدام بعض الألفاظ، فكان يستخدم الكلمة مرة أو مرتين، وليس مرجع ذلك لشىء سوى المقام الذى يستدعى ورود هذه الكلمة. وللقرآن استعمالات يؤثرها، فمن ذلك وصفه الحلال بالطّيب، وذكر السّجّيل مع حجارة، وإضافة الأساطير إلى الأولين، وجعل مسنون وصفا للحمأ، ويقرن التأثيم باللغو، وإلّا بذمّة، ومختالا بفخور، ويصف الكذاب بأشر.
ووازن ابن الأثير بين كلمات استخدمها القرآن وجاءت في الشعر، فمن ذلك أنه جاءت لفظة واحدة في آية من القرآن وبيت من الشعر، فجاءت في القرآن جزلة متينة، وفي الشعر ركيكة ضعيفة ... أما الآية فهى قوله تعالى: فَإِذا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذلِكُمْ كانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْــحَقِّ (الأحزاب 53). وأما بيت الشعر، فهو قول أبى الطيب المتنبى:
تلذ له المروءة، وهى تؤذى ... ومن يعشق يلذ له الغرام
وهذا البيت من أبيات المعانى الشريفة، إلا أن لفظة تؤذى قد جاءت فيه وفي آية القرآن، فحطت من قدر البيت لضعف تركيبها، وحسن موقعها في تركيب الآية ... وهذه اللفظة التى هى تؤذى إذا جاءت في الكلام، فينبغى أن تكون مندرجة مع ما يأتى بعدها، متعلقة به، كقوله تعالى: إِنَّ ذلِكُمْ كانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ وقد جاءت في قول المتنبى منقطعة، ألا ترى أنه قال: تلذ له المروءة وهى تؤذى، ثم قال: ومن يعشق يلذ له الغرام، فجاء بكلام مستأنف، وقد جاءت هذه اللفظة بعينها في الحديث النبوى، وأضيف إليها كاف الخطاب، فأزال ما بها من الضعف والركة، قال: «باسم الله أرقيك، من كل داء يؤذيك» . وكذلك ورد في القرآن الكريم، إِنَّ هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ، فلفظة (لى) أيضا مثل لفظة يؤذى، وقد جاءت في الآية مندرجة متعلقة بما بعدها، وإذا جاءت منقطعة لا تجىء لائقة، كقول أبى الطيب أيضا:
تمسى الأمانى صرعى دون مبلغه ... فما يقول لشىء: ليت ذلك لى
وهنا من هذا النوع لفظة أخرى، قد وردت في القرآن الكريم، وفي بيت من شعر الفرزدق، فجاءت في القرآن حسنة، وفي بيت الشعر غير حسنة، وتلك اللفظة هى لفظة القمل، أما الآية فقوله تعالى: فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطُّوفانَ وَالْجَرادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفادِعَ وَالدَّمَ آياتٍ مُفَصَّلاتٍ (الأعراف 133). وأما بيت الشعر فقول الفرزدق:
من عزه احتجرت كليب عنده ... زريا، كأنهم لديه القمّل
وإنما حسنت هذه اللفظة في الآية دون هذا البيت من الشعر؛ لأنها جاءت في الآية مندرجة في ضمن كلام، ولم ينقطع الكلام عندها، وجاءت في الشعر قافية أى آخرا انقطع الكلام عندها، وإذا نظرنا إلى حكمة أسرار الفصاحة في القرآن الكريم، غصنا في بحر عميق لا قرار له، فمن ذلك هذه الآية المشار إليها، فإنها قد تضمنت خمسة ألفاظ، هى: الطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم، وأحسن هذه الألفاظ الخمسة هى: الطوفان، والجراد، والدم، فلما وردت هذه الألفاظ الخمسة بجملتها قدم منها لفظتا الطوفان، والجراد، وأخرت لفظة الدم آخرا، وجعلت لفظة القمل والضفادع في الوسط؛ ليطرق السمع أولا الحسن من الألفاظ الخمسة، وينتهى إليه آخرا، ثم إن لفظة الدم أحسن من لفظتى الطوفان، والجراد، وأخف في الاستعمال، ومن أجل ذلك جىء بها آخرا، ومراعاة مثل هذه الأسرار والدقائق في استعمال الألفاظ ليس من القدرة البشرية .
وقال ابن سنان الخفاجى، معلقا على قول الشريف الرضى:
أعزز علىّ بأن أراك وقد خلت ... عن جانبيك مقاعد العواد
إيراد مقاعد في هذا البيت صحيح، إلا أنه موافق لما يكره في هذا الشأن، لا سيما وقد أضافه إلى من يحتمل إضافته إليهم، وهم العواد، ولو انفرد، كان الأمر فيه سهلا، فأما إضافته إلى ما ذكره ففيها قبح لا خفاء به . وابن سنان يشترط لفصاحة الكلمة ألا يكون قد عبر بها عن أمر آخر يكره ذكره ، قال ابن الأثير: وقد جاءت هذه اللفظة المعيبة في الشعر في القرآن الكريم فجاءت حسنة مرضية، وهى قوله تعالى: وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ (آل عمران 121).
وكذلك قوله تعالى: وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّماءَ فَوَجَدْناها مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْها مَقاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهاباً رَصَداً (الجن 8، 9). ألا ترى أنها في هاتين الآيتين غير مضافة إلى من تقبح إضافته إليه، كما جاءت في الشعر، ولو قال الشاعر بدلا من مقاعد العواد، مقاعد الزيادة، أو ما جرى مجراه، لذهب ذلك
القبح، وزالت تلك الهجنة، ولذا جاءت هذه اللفظة في الآيتين على ما تراه من الحسن، وجاءت على ما تراه من القبح، فى قول الشريف الرضى .
ومن ذلك استخدام كلمة شىء، ترجع إليها في القرآن الكريم، فترى جمالها في مكانها المقسوم لها. واستمع إلى قوله تعالى: وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً (الكهف 45). وقوله تعالى: أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخالِقُونَ (الطّور 35). وقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (يونس 44). إلى غير ذلك من عشرات الآيات التى وردت فيها تلك اللفظة، وكانت متمكنة في مكانها أفضل تمكن وأقواه، ووازن بينها في تلك، وبينها في قول المتنبى يمدح كافورا:
لو الفلك الدوار أبغضت سعيه ... لعوقه شىء عن الدوران
فإنك تحس بقلقها في بيت المتنبى، ذلك أنها لم توح إلى الذهن بفكرة واضحة، تستقر النفس عندها وتطمئن، فلا يزال المرء بعد البيت يسائل نفسه عن هذا الشيء، الذى يعوق الفلك عن الدوران، فكأن هذه اللفظة لم تقم بنصيبها في منح النفس الهدوء الذى يغمرها، عند ما تدرك المعنى وتطمئن إليه.
ولم يزد مرور الزمن بألفاظ القرآن إلا حفظا لإشراقها، وسياجا لجلالها، لم تهن لفظة ولم تتخل عن نصيبها، فى مكانها من الحسن، وقد يقال: إن كلمة الغائط من قوله سبحانه: وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً (المائدة 43). قد أصابها الزمن، فجعلها مما تنفر النفس من استعمالها، ولكنا إذا تأملنا الموقف، وأنه موقف تشريع وترتيب أحكام، وجدنا أن القرآن عبر أكرم تعبير عن المعنى، وصاغه في كناية بارعة، فمعنى الغائط في اللغة المكان المنخفض، وكانوا يمضون إليه في تلك الحالة، فتأمل أى كناية تستطيع استخدامها مكان هذه الكناية القرآنية البارعة، وإن شئت أن تتبين ذلك، فضع مكانها كلمة تبرزتم، أو تبولتم، لترى ما يثور في النفس من صور ترسمها هاتان الكلمتان، ومن ذلك كله ترى كيف كان موقع هذه الكناية يوم نزل القرآن، وأنها لا تزال إلى اليوم أسمى ما يمكن أن يستخدم في هذا الموضع التشريعى الصريح.

علم التصوف

علم التصوف
هو: علم يعرف به كيفية ترقي أهل الكمال من النوع الإنساني في مدارج سعادتهم والأمور العارضة لهم في درجاتهم بقدر الطاقة البشرية.
وأما التعبير عن هذه الدرجات والمقامات كما هو حقــه فغير ممكن لأن العبارات إنما وضعت للمعاني التي وصل إليها فهم أهل اللغات.
وأما المعاني التي لا يصل إليها إلا غائب عن ذاته فضلا عن قوى بدنه فليس بممكن أن توضع لها الألفاظ فضلا عن أن يعبر عنها بالألفاظ.
فكما أن المعقولات لا تدرك بالأوهام والموهومات لا تدرك بالخياليات والتخيلات لا تدرك بالحواس كذلك ما من شأنه أن يعاين اليقين لا يمكن أن يدرك بعلم اليقين.
فالواجب على من يريد ذلك أن يجتهد في الوصول إليه بالعيان دون أن يطلبه بالبيان فإنه طور وراء طور العقل.
علم التصوف
هو: علم يعرف به كيفية ترقي أهل الكمال، من النوع الإنساني في مدارج سعادتهم، والأمور العارضة لهم في درجاتهم، بقدر الطاقة البشرية.
وأما التعبير عن هذه الدرجات والمقامات، كما هو حقــه، فغير ممكن لأن العبارات إنما وضعت للمعاني التي وصل إليها، فهم أهل اللغات.
وأما المعاني التي لا يصل إليها إلا غائب، عن ذاته، فضلا عن قوى بدنه، فليس بممكن أن يوضع لها ألفاظ، فضلا عن أن يعبر عنها بالألفاظ.
فكما أن المعقولات لا تدرك بالأوهام، والموهومات لا تدرك بالخياليات، والتخيلات لا تدرك بالحواس، كذلك ما من شانه أن يعاين بعين اليقين، لا يمكن أن يدرك بعلم اليقين، فالواجب على من يرد ذلك، أن يجتهد في الوصول إليه بالعين، دون أن يطلبه بالبيان، فإنه طور وراء طور العقل.
(شعر)
علم التصوف علم ليس يعرفه * إلا أخو فطنة بالــحق معروف
وليس يعرفه من ليس يشهده * وكيف يشهد ضوء الشمس مكفوف
هذا ما ذكره: ابن صدر الدين.
وأما أبو الخير، فإنه جعل الطرف الثاني من كتابه في العلوم المتعلقة بالتصفية، التي هي ثمرة العمل بالعلم.
ولهذا العلم أيضا ثمرة: تسمى: (علوم المكاشفة)، لا يكشف عنها العبارة غير الإشارة.
كما قال النبي - عليه الصلاة والسلام -: (إن من العلم كهيئة المكنون، لا يعرفها إلا العلماء بالله - تعالى -، فإذا نطقوا ينكره أهل الغرة).
فرتب هذا الطرف في: مقدمة، ودوحة، لها: شعب، وثمرة.
وقال: الدوحة: في علوم الباطن.
ولها أربع شعب: العبادات، والعادات، والمهلكات، والمنجيات.
فلخص فيه: كتاب: (إحياء العلوم). للغزالي.
ولم يذكر الثمرة، فكأنه لم يذكر التصوف، المعروف بين أهله.
قال الإمام القشيري: اعلموا أن المسلمين بعد رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - لم يتسم أفاضلهم في عصرهم بتسمية علم، سوى صحبة الرسول - عليه الصلاة والسلام -، إذ لا أفضلية فوقها، فقيل لهم: الصحابة.
ولما أدركهم أهل العصر الثاني، سمي من صحب الصحابة: (بالتابعين).
ثم اختلف الناس، وتباينت المراتب، فقيل لخواص الناس، ممن لهم شدة عناية بأمر الدين: الزهاد، والعباد.
ثم ظهرت البدعة، وحصل التداعي بين الفرق، فكل فريق ادعوا: أن فيهم زهادا، فانفرد خواص أهل السنة المراعون أنفسهم مع الله - سبحانه وتعالى -، الحافظون قلوبهم عن طوارق الغفلة، باسم: (التصوف).
واشتهر هذا الاسم لهؤلاء الأكابر: قبل المائتين من الهجرة. انتهى.
وأول من سمي بالصوفي:
أبو هاشم الصوفي.
المتوفى: سنة 150، خمسين ومائة.
واعلم: أن الإشراقيين من الحكماء الإلهيين: كالصوفيين في المشرب، والاصطلاح.
خصوصا المتأخرين منهم، إلا ما يخالف مذهبهم مذهب أهل الإسلام، ولا يبعد أن يؤخذ هذا الاصطلاح من اصطلاحهم، كما لا يخفى على من تتبع كتب حكمة الإشراق.
وفي هذا الفن كتب غير محصورة، ذكرنا منها ما أثبتناه في هذا السفر، على ترتيبه إجمالا.
علم التصوف علم ليس يعرفه ... لا أخو فطنة بالــحق معروف
وليس يعرفه من ليس يشهده ... وكيف يشهد ضوء الشمس مكفوف
هذا ما ذكره ابن صدر الدين.
وأما أبو الخير فإنه جعل الطرف الثاني من كتابه في العلوم المتعلقة بالتصفية التي هي ثمرة العمل بالعلم.
ولهذا العلم أيضا ثمرة تسمى: علوم المكاشفة لا يكشف عنها العبارة غير الإشارة كما قال النبي1 - صلى الله عليه وسلم -: "إن من العلم كهيئة المكنون لا يعرفها إلا العلماء بالله تعالى فإذا نطقوا لا ينكره إلا أهل الغرة".
فرتب هذا الطرف في مقدمة ودوحة لها شعب وثمرة وقال: الدوحة في علوم الباطن لها أربع شعب: العبادات والعادات والمهلكات والمنجيات فلخص فيه كتاب: الإحياء للغزالي ولم يذكر الثمرة فكأنه لم يذكر التصوف المعروف بين أهله.
قال القشيري: اعلموا أن المسلمين بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يتسم أفاضلهم في عصرهم بتسمية علم سوى صحبة الرسول - صلى الله عليه وسلم - إذ لا أفضلية فوقها فقيل لهم الصحابة.
ولما أدركهم أهل العصر الثاني سمي من صحب الصحابة: بالتابعين. ثم اختلف الناس وتباينت المراتب.
فقيل لخواص الناس ممن لهم شدة عناية بأمر الدين: الزهاد والعباد.
ثم ظهرت البدعة وحصل التداعي بين الفرق فكل فريق ادعوا أن فيهم زهادا فانفرد خواص أهل السنة المراعون أنفسهم مع الله - سبحانه وتعالى - الحافظون قلوبهم عن طوارق الغفلة باسم التصوف. واشتهر هذا الاسم لهؤلاء الأكابر قبل المائتين من الهجرة. انتهى.
وأول من سمي بالصوفي: أبو هاشم الصوفي المتوفى سنة خمس ومائة.
واعلم: أن الإشراقيين من الحكماء الإلهيين كالصوفيين في المشرب والاصطلاح خصوصا المتأخرين منهم إلا ما يخالف مذهبهم مذهب أهل الإسلام ولا يبعد أن يؤخذ هذا الاصطلاح من اصطلاحهم كما لا يخفى على من تتبع كتب حكمة الإشراق وفي هذا الفن كتب غير محصورة ذكرها في: كشف الظنون على ترتيبه إجمالا ولشيخ الإسلام أحمد بن تيمية الحراني كتاب: الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان رد فيه على المتصوفة ردا لطيفا وهو سفر نافع جداً. فصل
قال عبد الرحمن بن خلدون: هذا العلم من العلوم الشرعية الحادثة في الملة.
وأصله: أن طريقة هؤلاء القوم لم تزل عند سلف الأمة وكبارها من الصحابة والتابعين ومن بعدهم طريقة الــحق والهداية.
وأصلها: العكوف على العبادة والانقطاع إلى الله تعالى والإعراض عن زخرف الدنيا وزينتها والزهد فيما يقبل عليه الجمهور من لذة ومال وجاه والانفراد عن الخلق في الخلوة للعبادة وكان ذلك عاما في الصحابة والسلف فلما فشا الإقبال على الدنيا في القرن الثاني وما بعده وجنح الناس إلى مخالطة الدنيا اختص المقبلون على العبادة باسم: الصوفية والمتصوفة.
وقال القشيري - رحمه الله -: ولا يشهد لهذا الاسم اشتقاق من جهة العربية ولا قياس والظاهر إنه لقب ومن قال: اشتقاقه من الصفا أو من الصفة فبعيد من جهة القياس اللغوي قال: وكذلك من الصوف لأنهم لم يختصوا بلبسه قلت: والأظهر إن قيل: بالاشتقاق أنه من الصوف وهم في الغالب مختصون بلبسه لما كانوا عليه من مخالفة الناس في لبس فاخر الثياب إلى لبس الصوف فلما اختص هؤلاء بمذهب الزهد والانفراد عن الخلق والإقبال على العبادة اختصوا بمآخذ مدركة لهم وذلك أن الإنسان بما هو إنسان إنما يتميز عن سائر الحيوان بالإدراك وإدراكه نوعان: إدراك للعلوم والمعارف من اليقين والظن والشك والوهم وإدراك للأحوال القائمة من الفرح والحزن والقبض والبسط والرضاء والغضب والصبر والشكر. وأمثال ذلك. فالروح العاقل والمتصرف في البدن تنشأ من إدراكات وإرادات وأحوال وهي التي يميز بها الإنسان وبعضها ينشأ من بعض كما ينشأ العلم من الأدلة والفرح والحزن عن إدراك المؤلم أو المتلذذ به والنشاط عن الحمام والكسل عن الإعياء وكذلك المريد في مجاهدته لا بد وأن ينشأ عن كل مجاهدة حال نتيجة تلك المجاهدة وتلك الحالة: إما أن تكون نوع عبادة فترسخ وتصير مقاما للمريد وإما أن لا تكون عبادة وإنما تكون صفة حاصلة للنفس من حزن وسرور ونشاط أو كسل أو غير ذلك من المقامات.
ولا يزال المريد يترقى من مقام إلى مقام إلى أن ينتهي إلى التوحيد والمعرفة التي هي الغاية المطلوبة للسعادة.
قال - صلى الله عليه وسلم -: "من مات يشهد أن لا إله إلا الله دخل الجنة" فالمريد لا بد له من الترقي في هذه الأطوار وأصلها كلها الطاعة والإخلاص ويتقدمها الإيمان ويصاحبها وتنشأ عن الأحوال والصفات نتائج وثمرات ثم تنشأ عنها أخرى وأخرى إلى مقام التوحيد والعرفان وإذا وقع تقصير في النتيجة أو خلل فنعلم أنه إنما أتى من قبل التقصير في الذي قبله.
وكذلك في الخواطر النفسانية والواردات القلبية فلهذا يحتاج المريد إلى محاسبة نفسه في سائر أعماله وينظر في حقــائقها لأن حصول النتائج عن الأعمال ضروري وقصورها من الخلل فيها كذلك والمريد يجد ذلك بذوقه ويحاسب نفسه عن أسبابه ولا يشاركهم في ذلك إلا القليل من الناس لأن الغفلة عن هذا كأنها شاملة وغاية أهل العبادات إذا لم ينتهوا إلى هذا النوع إنهم يأتون بالطاعات مخلصة من نظر الفقه في الأجزاء والأمثال وهؤلاء يبحثون عن نتائجها بالأذواق والمواجد ليطلعوا على أنها خالصة من التقصير أولا فظهر أن أصل طريقتهم كلها محاسبة النفس على الأفعال والتروك والكلام في هذه الأذواق والمواجد التي تحصل عن المجاهدات ثم تستقر للمريد مقاما ويترقى منها إلى غيرها ثم لهم مع ذلك آداب مخصوصة بهم واصطلاحات في ألفاظ تدور بينهم إذ الأوضاع اللغوية إنما هي للمعاني المتعارفة فإذا عرض من المعاني ما هو غير متعارف اصطلحنا عن التعبير عنه بلفظ يتيسر فهمه منه فلهذا أختص هؤلاء بهذا النوع من العلم الذي ليس لواحد غيرهم من أهل الشريعة الكلام فيه وصار علم الشريعة على صنفين: صنف مخصوص الفقهاء وأهل الفتيا وهي الأحكام العامة في العبادات والعادات والمعاملات وصنف مخصوص بالقوم في القيام بهذه المجاهدة ومحاسبة النفس عليها والكلام في الأذواق والمواجد العارضة في طريقها وكيفية الترقي منها من ذوق إلى ذوق وشرح الاصطلاحات التي تدور بينهم في ذلك فلما كتبت العلوم ودونت وألف الفقهاء في الفقة وأصوله والكلام والتفسير وغير ذلك كتب رجال من أهل هذه الطريقة في طريقهم فمنهم من كتب في الورع ومحاسبة النفس على الاقتداء في الأخذ والترك كما فعله القشيري في كتاب: الرسالة والسهروردي في كتاب: عوارف المعارف وأمثالهم وجمع الغزالي - رحمه الله - بين الأمرين في كتاب: الإحياء فدون فيه أحكام الورع والاقتداء ثم بين آداب القوم وسننهم وشرح اصطلاحاتهم في عباراتهم وصار علم التصوف في الملة علما مدونا بعد أن كانت الطريقة عبادة فقط وكانت أحكامها إنما تتلقى من صدور الرجال كما وقع في سائر العلوم التي دونت بالكتاب من التفسير والحديث والفقه والأصول وغير ذلك.
ثم إن هذه المجاهدة والخلوة والذكر يتبعها غالبا كشف حجاب الحس والإطلاع على علم من أمر الله ليس لصاحب الحس إدراك شيء منها والروح من تلك العوالم وسبب هذا الكشف: أن الروح إذا رجع عن الحس الظاهر إلى الباطن ضعفت أحوال الحس وقويت أحوال الروح وغلب سلطانه وتجدد نشوه وأعان على ذلك الذكر فإنه كالغذاء لتنمية الروح ولا يزال في نمو وتزيد إلى أن يصير شهودا بعد أن كان علما ويكشف حجاب الحس ويتم وجود النفس والعلوم اللدنية والفتح الإلهي وتقرب ذاته في تــحقــق حقــيقتها من الأفق الأعلى أفق الملائكة.
وهذا الكشف كثيرا ما يعرض لأهل المجاهدة فيدركون من حقــائق الوجود ما لا يدرك سواهم وكذلك يدركون كثيرا من الواقعات قبل وقوعها ويتصرفون بهممهم وقوى نفوسهم في الموجودات السفلية وتصير طوع إرادتهم فالعظماء منهم لا يعتبرون هذا الكشف ولا يتصرفون ولا يخبرون عن حقــيقة شيء لم يؤمروا بالتكلم فيه بل يعدون ما يقع لهم من ذلك محنة ويتعوذون منه إذا هاجمهم وقد كان الصحابة - رضي الله عنهم - على مثل هذه المجاهدة وكان حظهم من هذه الكرامات أوفر الحظوظ لكنهم لم تقع لهم بها عناية وفي فضائل أبي بكر وعمر وعثمان وعلي - رضي الله عنهم - كثير منها وتبعهم في ذلك أهل الطريقة ممن اشتملت: رسالة القشيري على ذكرهم ومن تبع طريقتهم من بعدهم.
ثم إن قوما من المتأخرين انصرفت عنايتهم إلى كشف الحجاب والمدارك التي وراءه واختلفت طرق الرياضة عنهم في ذلك باختلاف تعليمهم في إماتة القوى الحسية وتغذية الروح العاقل بالذكر حتى يحصل للنفس إدراكها التي لها من ذاتها بتمام نشوتها وتغذيتها فإذا حصل ذلك زعموا أن الوجود قد انحصر في مداركها حينئذ وأنهم اكتشفوا ذوات الوجود وتصوروا حقــائقها كلها من العرش إلى الطش هكذا قال الغزالي في كتاب: الإحياء بعد أن ذكر صورة الرياضة.
ثم إن هذا الكشف لا يكون صحيحا كاملا عندهم إلا إذا كان ناشئا عن الاستقامة: لأن الكشف قد يحصل لصاحب الجوع والخلوة وإن لم تكن هناك استقامة كالسحرة والنصارى وغيرهم من المرتاضين وليس مراده إلا الكشف الناشئ عن الاستقامة ومثاله أن المرآة الصقلية إذا كانت محدبة أو مقعرة وحوذي بها جهة المرئي فإنه يتشكل فيه معرجا على غير صورته وإن كانت مسطحة تشكل فيها المرئي صحيحا فالاستقامة للنفس كالانبساط للمرآة فيما ينطبع فيها من الأحوال ولما عني المتأخرون بهذا النوع من الكشف تكلموا في حقــائق الموجودات العلوية والسفلية وحقــائق الملك والروح والعرش والكرسي وأمثال ذلك وقصرت مدارك من لم يشاركهم في طريقهم عن فهم أذواقهم ومواجدهم في ذلك وأهل القيابين منكر عليهم ومسلم لهم وليس البرهان والدليل بنافع في هذه الطريق ردا وقبولا إذ هي من قبيل الوجدانيات وربما قصد بعض المصنفين بيان مذهبهم في كشف الوجود وترتيب حقــائقه فأتى بالأغمض فالأغمض بالنسبة إلى أهل النظر والاصطلاحات والعلوم كما فعل الفرغاني شارح قصيدة ابن الفارض في: الديباجة التي كتبها في صدر ذلك الشرح فإنه ذكر في صدور الوجود عن الفاعل وترتيبه: أن الوجود كله صادر عن صفة الوحدانية التي هي مظهر الأحدية وهما معا صادران عن الذات الكريمة التي هي عين الوحدة لا غير ويسمون هذا الصدور بالتجلي وأول مراتب التجليات عندهم تجلي الذات على نفسه وهو يتضمن الكمال بإفاضة الإيجاد والظهور لقوله في الحديث1 الذي يتناقلونه: كنت كنزا مخفيا فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق ليعرفوني.
وهذا الكمال في الإيجاد المتنزل في الوجود وتفصيل الــحقــائق وهو عندهم عالم المعاني والحضرة الكمالية والــحقــيقة المحمدية وفيها حقــائق الصفات واللوح والقلم وحقــائق الأنبياء والرسل أجمعين والكمال من أهل الملة المحمدية وهذا كله تفصيل الــحقــيقة المحمدية ويصدر عن هذه الــحقــائق حقــائق أخرى في الحضرة البهائية وهي مرتبة المثال ثم عنها العرش ثم الكرسي ثم الأفلاك ثم عالم العناصر ثم عالم التركيب.
هذا في عالم الرتق فإذا تجلت فهي في عالم الفتق ويسمى هذا المذهب: مذهب أهل التجلي والمظاهر والحضرات وهو كلام يقتدر أهل النظر على تحصيل مقتضاه لغموضه وانغلاقه وبعد ما بين كلام صاحب المشاهدة والوجدان وصاحب الدليل وربما أنكر بظاهر الشرع هذا الترتيب وكذلك ذهب آخرون منهم إلى القول: بالوحدة المطلقة وهو رأي أغرب من الأول في تعقله وتفاريعه يزعمون فيه أن الوجود له قوى في تفاصيله بها كانت حقــائق الموجودات وصورها وموادها والعناصر إنما كانت بما فيها من القوى وكذلك مادتها لها في نفسها قوة بها كان وجودها ثم إن المركبات فيها تلك القوى متضمنة في القوة التي كان بها التركيب كالقوة المعدنية فيها قوى العناصر بميولها وزيادة القوة المعدنية ثم القوة الحيوانية ثم الفلك يتضمن القوة الإنسانية وزيادة وكذا الذوات الروحانية والقوة الجامعة للكل من غير تفصيل هي: القوة الإلهية التي انبثت في جميع الموجودات كلية وجزئية وجمعتها وأحاطت بها من كل وجه لا من جهة الظهور ولا من جهة الخفاء ولا من جهة الصورة ولا من جهة المادة فالكل واحد وهو نفس الذات الإلهية وهي في الــحقــيقة واحدة بسيطة والاعتبار هو المفصل لها كالإنسانية مع الحيوانية ألا ترى أنها مندرجة فيها وكائنة بكونها فتارة يمثلونها بالجنس مع النوع في كل موجود كما ذكرناه وتارة بالكل مع الجزء على طريقة المثال وهم في هذا كله يفرون من التركيب والكثرة بوجه من الوجوه وإنما أوجبها عندهم الوهم والخيال.
والذي يظهر من كلام ابن دهقان في تقرير هذا المذهب أن حقــيقة ما يقولونه في الوحدة شبيه بما يقوله الحكماء في الألوان: من أن وجودها مشروطة بالضوء فإذا عدم الضوء لم تكن الألوان موجودة بوجه وكذا عندهم الموجودات المحسوسة كلها مشروطة بوجود المدرك الحسي بل والموجودات المعقولة والمتوهمة أيضا مشروطة بوجود المدرك العقلي فإذا الوجود المفصل كله مشروط بوجود المدرك البشري فلو فرضنا عدم المدرك البشري جملة لم يكن هناك تفصيل الوجود بل هو بسيط واحد فالحر والبرد والصلابة واللين بل والأرض والماء والنار والسماء والكواكب إنما وجدت لوجود الحواس المدركة لها لما جعل في المدرك من التفصيل الذي ليس في الموجود وإنما هو في المدرك فقط فإذا فقدت المدارك المفصلة فلا تفصيل إنما هو إدراك واحد وهو أنا لا غيره ويعتبرون ذلك بحال النائم فإنه إذا نام وفقد الحس الظاهر فقد كل محسوس وهو في تلك الحالة إلا ما يفصله له الخيال.
قالوا: فكذا اليقظان إنما يعتبر تلك المدركات كلها على التفصيل بنوع مدركه البشري ولو قدر فقد مدركة فقد التفصيل وهذا هو معنى قولهم: الموهم لا الوهم الذي هو من جملة المدارك البشرية.
وهذا ملخص رأيهم على ما يفهم من كلام ابن دهقان وهو في غاية السقوط لأنا نقطع بوجود البلد الذي نحن مسافرون عنه وإليه يقينا مع غيبته عن أعيننا وبوجود السماء المظلة والكواكب وسائر الأشياء الغائبة عنا.
والإنسان قاطع بذلك ولا يكابر أحد نفسه في اليقين مع أن المــحقــقين من المتصوفة المتأخرين يقولون: إن المريد عند الكشف ربما يعرض له توهم هذه الوحدة ويسمى ذلك عندهم مقام الجمع ثم يترقى عنه إلى التمييز بين الموجودات ويعبرون عن ذلك بمقام الفرق وهو مقام العارف المــحقــق ولا بد للمريد عندهم من عقبة الجمع وهي عقبة صعبة لأنه يخشى على المريد من وقوفه عندها فتخسر صفقته فقد تبينت مراتب أهل هذه الطريقة.
ثم إن هؤلاء المتأخرين من المتصوفة المتكلمين في الكشف وفيما وراء الحس توغلوا في ذلك فذهب الكثير منهم إلى الحلول والوحدة كما أشرنا إليه وملأوا الصحف منه مثل الهروي في كتاب: المقامات له وغيره وتبعهم ابن العربي وابن سبعين وتلميذهما ابن العفيف وابن الفارض والنجم الإسرائيلي في قصائدهم. وكان سلفهم مخالطين للإسماعيلية المتأخرين من الرافضة الدائنين أيضا بالحلول وإلاهية الأئمة مذهبا لم يعرف لأولهم فأشرب كل واحد من الفريقين مذهب الآخر واختلط كلامهم وتشابهت عقائدهم وظهر في كلام المتصوفة القول بالقطب معناه: رأس العارفين يزعمون أنه لا يمكن يساويه أحد في مقامه في المعرفة حتى يقبضه الله ثم يورث مقامه الآخر من أهل العرفان.
وقد أشار إلى ذلك ابن سينا في كتاب: الإشارات في فصول التصوف منها فقال: جل جناب الــحق أن يكون شرحه لكل وارد أو يطلع عليه إلا الواحد بعد الواحد وهذا كلام لا تقوم عليه حجة عقلية ولا دليل شرعي وإنما هو من أنواع الخطابة وهو بعينه ما تقوله الرافضة ودانوا به.
ثم قالوا بترتيب وجود الأبدال بعد هذا القطب كما قاله الشيعة في: النقباء حتى أنهم لما أسندوا لباس خرقة التصوف ليجعلوه أصلا لطريقتهم وتخليهم رفعوه إلى علي - رضي الله عنه - وهو من هذا المعنى أيضا وإلا فعلي - رضي الله عنه - لم يختص من بين الصحابة بتخلية ولا طريقة في لباس ولا حال بل كان أبو بكر وعمر - رضي الله عنهما - أزهد الناس بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأكثرهم عبادة ولم يختص أحد منهم في الدين بشيء يؤثر عنه في الخصوص بل كان الصحابة كلهم أسوة في الدين والزهد والمجاهدة يشهد لذلك من كلام هؤلاء المتصوفة في أمر الفاطمي وما شجنوا كتبهم به في ذلك مما ليس لسلف المتصوفة فيه كلام بنفي أو إثبات وإنما هو مأخوذ من كلام الشيعة والرافضة ومذاهبهم في كتبهم - والله يهدي إلى الــحق.
ثم إن كثيرا من الفقهاء وأهل الفتيا انتدبوا للرد على هؤلاء المتأخرين في هذه المقالات وأمثالها وشملوا بالنكير وسائر ما وقع لهم في الطريقة والــحق أن كلامهم معهم فيه تفصيل فإن كلامهم في أربعة مواضع: أحدها الكلام على المجاهدات وما يحصل من الأذواق والمواجد ومحاسبة النفس على الأعمال لتحصل تلك الأذواق التي تصير مقاما ويترقى منه إلى غيره كما قلناه.
وثانيها: الكلام في الكشف والــحقــيقة المدركة من عالم الغيب مثل: الصفات الربانية والعرش والكرسي والملائكة والوحي والنبوة والروح وحقــائق كل موجود غائب أو شاهد وتركيب الأكوان في صدورها عن موجدها وتكونها كما مر.
وثالثها: التصرفات في العوالم والأكوان بأنواع الكرامات.
ورابعها: ألفاظ موهمة الظاهر صدرت من كثير من أئمة القوم يعبرون عنها في اصطلاحهم بالشطحيات تستشكل ظواهرها فمنكر ومحسن ومتأول.
فأما الكلام في المجاهدات والمقامات وما يحصل من الأذواق والمواجد في نتائجها ومحاسبة النفس على التقصير في أسبابها فأمر لا مدفع فيه لأحد وأذواقهم فيه صحيحة والتــحقــيق بها هو عين السعادة.
وأما الكلام في كرامات القوم وأخبارهم1 بالمغيبات وتصرفهم في الكائنات فأمر صحيح غير منكر، وإن مال بعض العلماء إلى إنكارها فليس ذلك من الــحق وما احتج به الأستاذ أبو إسحاق الإسفرائيني من أئمة الأشعرية على إنكارها لالتباسها بالمعجزة فقد فرق المــحقــقون من أهل السنة بينهما بالتحدي وهو: دعوى وقوع المعجزة على وفق ما جاء به قالوا: ثم إن وقوعها على وفق دعوى الكاذب غير مقدور: لأن دلالة المعجرة على الصدق عقلية فإن صفة نفسها التصديق فلو وقعت مع الكاذب لتبدلت صفة نفسها وهو محال هذا مع أن الوجود شاهد بوقوع الكثير من هذه الكرامات وإنكارها نوع مكابرة وقد وقع للصحابة وأكابر السلف كثير من ذلك وهو معلوم مشهور.
وأما الكلام في الكشف وإعطاء حقــائق العلويات وترتيب صدور الكائنات فأكثر كلامهم فيه نوع من المتشابه لما أنه وجداني عندهم وفاقد الوجدان عندهم بمعزل عن أذواقهم فيه واللغات لا تعطي دلالة على مرادهم منه لأنها لم توضع إلا للمتعارف وأكثر من المحسوسات فينبغي أن لا نتعرض لكلامهم في ذلك ونتركه فيما تركناه من المتشابه ومن رزقه الله فهم شيء من هذه الكلمات على الوجه الموافق لظاهر الشريعة - فأكرم بها سعادة.
وأما الألفاظ الموهمة التي يعبرون عنها بالشطيحات ويؤاخذهم بها أهل الشرع فاعلم أن الإنصاف في شأن القوم أنهم أهل غيبة عن الحس والواردات تملكهم حتى ينطقوا عنهما بما لا يقصدونه وصاحب الغيبة غير مخاطب والمجبور معذور فمن علم منهم فضله واقتداؤه حمل على القصد الجميل من هذا وإن العبارة عن المواجد صعبة: لفقدان الوضع لها كما وقع لأبي يزيد وأمثاله ومن لم يعلم فضله ولا اشتهر فمؤاخذ بما صدر عنه من ذلك إذا لم يتبين لنا ما يحملنا على تأويل كلامه وأما من تكلم بمثلها وهو حاضر في حسه ولم يملكه الحال فمؤاخذ أيضا ولهذا أفتى الفقهاء وأكابر المتصوفة بقتل الحلاج: لأنه تكلم في حضور وهو مالك لحاله والله أعلم.
وسلف المتصوفة من أهل الرسالة أعلام الملة الذين أشرنا إليهم من قبل لم يكن لهم حرص على كشف الحجاب ولا هذا النوع من الإدراك إنما همهم الاتباع والاقتداء ما استطاعوا ومن عرض له شيء من ذلك عرض عنه ولم يحفل به بل يفرون منه ويرون أنه من العوائق والمحن وأنه إدراك من إدراكات النفس مخلوق حادث وأن الموجودات لا تنحصر في مدارك الإنسان وعلم الله أوسع وخلقه أكبر وشريعته بالهداية أملك فلا ينطقون بشيء مما يدركون بل حظروا الخوض في ذلك ومنعوا من يكشف له الحجاب من أصحابهم من الخوض فيه والوقوف عنده بل يلتزمون طريقتهم كما كانوا في عالم الحس قبل الكشف من الاتباع والاقتداء ويأمرون أصحابهم بالتزامها.
وهكذا ينبغي أن يكون حال المريد والله الموفق للصواب. انتهى كلام ابن خلدون رحمه الله.
وما ذكر من كرامات الأولياء فهو حق يدل عليه القرآن والسنة وما ذكر من التصرفات في العوالم والأخبار عن المغيبات ففيه نظر وتفصيل ذكر في محله فليعلم - والله أعلم.

الخيال

(الخيال) صَاحب الْخُيُول وفارسها (ج) خيالة
(الخيال) الشَّخْص والطيف وَمَا تشبه لَك فِي الْيَقَظَة والمنام من صُورَة وَصُورَة تِمْثَال الشَّيْء فِي الْمرْآة وَمن كل شَيْء مَا ترَاهُ كالظل وخشبة ينصب عَلَيْهَا كسَاء أسود فِي المزروعات يفزع بهَا الطير وَفِي مرابض الْغنم يفزع بهَا الذئاب وَمَا نصب فِي الأَرْض ليعلم أَنه حمى فَلَا يقرب وَإِحْدَى قوى الْعقل الَّتِي يتخيل بهَا الْأَشْيَاء (ج) أخيلة وخيلان
الخيال: أصله القوة المجردة كالصورة المتصورة في المنام وفي المرآة وفي القلب، ثم استعمل في صورة كل أمر متصور، وفي كل شخص دقيق يجري مجرى الخيال. والتخييل تصوير خيال الشيء في النفس، والتخيل تصور ذلك. والخيال كل شيء تراه كالظل. وخيال الإنسان في الماء والمرآة صورة مثاله. والخيال قوة تحفظ ما يدركه الحس المشترك من صور المحسوسات بعد غيبوبة المادة بحيث يشاهدها الحس المشترك كلما التفت إليها فهو خزانة للحس المشترك ومحله البطن الأول من الدماغ.
الخيال: قُوَّة مرتبَة فِي مُؤخر التجويف الأول من الدِّمَاغ تحفظ جَمِيع صور المحسوسات وتمثلها بعد الغيبوبة فيشاهدها الْحس الْمُشْتَرك عِنْد الِالْتِفَات إِلَيْهَا وَهِي خزانَة للحس الْمُشْتَرك وَإِنَّمَا جعلت خزانته فَقَط مَعَ أَن مدركات جَمِيع الْحَواس الظَّاهِرَة يختزن فِيهَا لِأَن محسوسات الْحَواس الظَّاهِرَة لَا تصل إِلَّا بعد وصولها إِلَى الْحس الْمُشْتَرك وتأديتها مِنْهُ إِلَيْهِ. وَأَيْضًا الْحَواس الظَّاهِرَة لَا تدركها بِسَبَب الاختزان بالخيال فَإِن إِدْرَاكهَا إِيَّاهَا يحْتَاج إِلَى إحساس جَدِيد من خَارج بِخِلَاف الْحس الْمُشْتَرك.
الخيال:
[في الانكليزية] Image ،imagination
[ في الفرنسية] Image ،imagination

بالفتح وتخفيف المثناة التحتانية وبالفارسية: بمعنى پندار، وما يرى في النوم من شخص أو صورة، أو في اليقظة ما يتخيّله الإنسان كما في المنتخب. وعند الحكماء يطلق على إحدى الحواس الباطنة وهو قوة تحفظ الصور المرتسمة في الحسّ المشترك إذا غابت تلك الصور عن الحواس الباطنة، ومحله مؤخّر التجويف الأول من التجاويف الثلاثة للدماغ عند الجمهور. وقال في شرح الإشارات كأنّ الروح المصبوب في البطن المقدّم هو آلة للحسّ المشترك والخيال إلّا أنّ ما في مقدم ذلك البطن أعني التجويف الأول أخص بالحسّ المشترك وما في مؤخّره أخصّ بالخيال. واستدلّوا على وجود الخيال بأنّا إذا شاهدنا صورة ثم ذهلنا عنها زمانا ثم نشاهد مرة أخرى نحكم عليها بأنّها هي التي شاهدناها قبل ذلك، فلو لم تكن تلك الصورة محفوظة فينا زمان الذهول لامتنع الحكم بأنّها هي التي شاهدناها قبل ذلك وإن شئت تمام التــحقــيق فارجع إلى شرح المواقف وغيره.
قال الصوفية الخيال أصل الوجود والذات الذي فيه كمال ظهور المعبود. ألا ترى إلى اعتقادك بالــحق وأنّ له من الصفات والأسماء ما له آين وآين محل ذلك، فعلم أنّ الخيال أصل جميع العوالم لأنّ الــحق هو أصل الأشياء، وذلك المحل هو الخيال، فثبت أنّ الخيال أصل العوالم بأسرها. ألا ترى إلى النبي صلى الله عليه وسلّم كيف جعل هذا المحسوس مناما، والمنام خيال حيث قال: (الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا) يعني تظهر عليهم الــحقــائق التي كانوا عليها في دار الدنيا، فيعرفون أنّهم كانوا نياما لأنّ الموت يحصل الانتباه الكلّي. فإذا الغفلة منسحبة على أهل البرزخ وأهل المحشر وأهل الجنة والنار إلى أن يتجلّى عليهم الــحق في الكثيب الذي يخرجون إليه أهل الجنة، فيشاهدون الله تعالى.
وهذه الغفلة هي النوم. فكل العوالم أصلها خيال، ولأجل هذا يقيد الخيال بمن فيها من الأشخاص فكل أمة من الأمم مقيدة بالخيال في أي عالم كانت، فأهل الدنيا مقيدون بخيال معاشهم أو معادهم، وكلا الأمرين غفلة من الحضور مع الله، فهم نائمون. والحاضر مع الله هو المنتبه وعلى قدر حضوره مع الله يكون انتباهه من النوم. ثم أهل البرزخ نائمون لكن أخف من نوم أهل الدنيا، فهم مشغولون بما كان منهم وما هم فيه من عذاب أو نعيم، وهذا نوم لأنهم غافلون عن الله وكذلك أهل القيمة فإنهم لو وقفوا بين يدي الله للمحاسبة فإنهم مع المحاسبة لا مع الله، وهذا نوم لأنه غفلة عن الحضور، لكنهم أخف نوما من أهل البرزخ.
وكذلك أهل الجنة والنار فإنّ هؤلاء مع ما تنعّموا به وهؤلاء مع ما تعذّبوا به وهذا غفلة من الله لكنهم أيضا أخف نوما من أهل المحشر. فلا انتباه إلّا لأهل الأعراف ومن في الكثيب فقط فإنّهم مع الله، وعلى قدر تجلّى الــحق عليهم يكون الانتباه حاصلا له. ومن حصل له في الدنيا بحكم تقديم ما تأخّر لأهل الجنة في الكثيب فتجلّى عليه الــحق فعرفه فهو يقظان. ولذا أخبر سيّدنا أن الناس نيام. فإذا عرفت أنّ أهل كل عالم محكوم عليهم بالنوم، فاحكم على تلك العوالم جميعها أنّها خيال لأنّ النوم عالم الخيال كذا في الإنسان الكامل.

ويقول في كشف اللغات: يقولون: إنّ الخيال هو عالم المثال، وذلك هو البرزخ بين عالم الأرواح والأجسام. وقال الجنيد (البغدادي):
إني وجدت سبعين وليا يعبدون الله بوهم وخيال. والعبادة بالوهم والخيال تلك هي التي يقال لها: إنّها تكون بغير تمكين واستقامة ومشاهدة الــحق ومعاينة حقــيقة اليقين التي هي للخواص. وليست تلك المسيطرة على العوام بالوهم والخيال. نعوذ بالله منها. والخيال عند الشعراء هو: إيراد ألفاظ مشتركة تشتمل على معنين؛ أحدهما حقــيقي والثاني مجازي. والمراد منهما هو المجازي وشرط أن يكون مجازا اصطلاحيّا مع إيراد لطيفة أو مثل، وكلّ منها شامل لمعنيين أحدهما حقــيقي والآخر مجازي، والمراد منهما هو المجازي بينما يتطرّق الخيال للــحقــيقي. أي: أنّه من جهة تشاهد صورة المعنى ومن جهة أخرى يبدو الخيال، والمعنى منهما هو المراد.

والخيال نوعان: أحدهما خيال لطيف والثاني: خيال فتّان. وأمّا الخيال اللطيف فيكون بإيراد المجاز الاصطلاحي. ومثاله البيت التالي وترجمته:
عند ما بدت (الخضرة) ومجازا (اللّحية) على ذلك الصّديق الأحمر الشفة بلغت روحي إلى شفتي من هواء تلك الخضرة (اللحية) ما إن ظهرت اللّحية حتى صرت ميتا بسببها كأنّما من أجل قتلي طالت لحيته وفي هذا الرباعي (ريش كشيدن): ظهور اللّحية له معنيان الأوّل حقــيقي وهو معلوم.
والثاني مجازي ومعناه تأكيد الفعل أي ظهوره وكونه معلوما وهو المراد. وهو أيضا يشير إلى المعنى الأصلي بطريق الخيال. والخيال الفاتن الجذاب هو أن يكون ممزوجا بنكتة لطيفة أو مثلا يضرب ومثاله:
إنّ بائعة اللّبن (الحليب) لها وجه جميل ومن ذلاقة لسانها (كلامها) يتساقط السّكر كالمطر حيثما ترى طفلا جميلا فورا تصب عليه اللبن (الحليب) فكلمة: تصب اللّبن لها معنيان أحدهما اصطلاحي وهو مثل والثاني: مفهوم الكلمات وهو حقــيقي ولكن الخيال يمرّ به وهو لطيف مشهور. ومثال آخر:
إنّ شراب الفقاع خاصتي (الجعة) ازدادت جمالا وقد بلغت حدّ الكمال من الحسن واللطف ولكن يا للأسف ما إن يعطيها أحد دانقا حتى تتجشّأ باسمه في الحال في هذا الرباعي يوجد ضرب المثل ومعناه: التفاخر، وثمة معنى حقــيقي وهو: ظهور الغازات من زجاجات الجعة وإليه الخيال يذهب، وثانيا يوجد معنى مجازي مصطلح وهو المراد أي التفاخر. كذا في جامع الصنائع.
والفرق بين الخيال والإيهام والتخييل سيذكر قريبا. 

الاشتراك

الاشتراك:
[في الانكليزية] Homonymy
[ في الفرنسية] Homonymie
في عرف العلماء كأهل العربية والأصول والميزان يطلق بالاشتراك على معنيين: أحدهما كون اللفظ المفرد موضوعا لمفهوم عام مشترك بين الأفراد ويسمّى اشتراكا معنويا، وذلك اللفظ يسمّى مشتركا معنويا، وينقسم إلى المتواطئ والمشكّك. وثانيهما كون اللفظ المفرد موضوعا لمعنيين معا على سبيل البدل من غير ترجيح، ويسمّى اشتراكا لفظيا. وذلك اللفظ يسمّى مشتركا لفظيا. فقولهم لمعنيين أي لا لمعنى واحد فيشمل ما وضع لأكثر من معنيين فهو للاحتراز عن اللفظ المنفرد وهو الموضوع لمعنى واحد، لكنه إذا وقع في معناه شكّ بحيث يتردّد بين معنيين بأنّ هذا اللفظ موضوع لهذا أو لهذا صدق عليه أنّه للمعنيين على سبيل البدل من غير ترجيح، فزيد قيد معا للاحتراز عن مثل هذا المنفرد إذ لا يصدق عليه أنّه لهما معا.
إن قيل إنّا نقطع أنّ المنفرد ليس موضوعا للمعنيين فلا حاجة إلى الاحتراز، قلت: لمّا دار وضعه بين المعنيين عند المشكّك جاز انتسابه إليهما في الوضع بحسب الظاهر عنده، فاحترز عنه بزيادة معا احتياطا، ولذا قيل: إنه للاحتراز عن المشترك معنى كالمتواطئ والمشكّك.
وقولهم على سبيل البدل احتراز عن الموضوع لمجموع المعنيين أو أكثر من حيث المجموع، وعن المتواطئ، لكن بحسب الظاهر لأن المتواطئ يحمل على أفراده بطريق الــحقــيقة فيظنّ أنه موضوع لها. وقولهم من غير ترجيح احتراز عن اللفظ بالقياس إلى معنييه الــحقــيقي والمجازي، فإنه بهذا الاعتبار لا يسمّى مشتركا؛ وهذا الاحتراز إنما هو على تقدير أن يقال بأن في المجاز وضعا أيضا، هكذا يستفاد من العضدي وحواشيه.
وبالجملة فالمنقول مطلقا ليس مشتركا لأنه لا بدّ أن يكون في أحد معنييه حقــيقة وفي الآخر مجازا، ولزم من هذا أن يكون المعنيان بنوع واحد من الواضع حتى لو كان أحدهما بوضع اللغة والآخر بوضع الشرع، مثلا كالصلاة لا يسمّى مشتركا، وقد صرّح بهذا في بعض حواشي الإرشاد أيضا. وفي بديع الميزان وضع المشترك لمعنيين فصاعدا لا يلزم أن يكون من لغة واحدة، بل يجوز أن يكون من لغة واحدة كالعين للباصرة والجارية والذهب وغيرها، أو من لغات مختلفة مثل بئر فإنه في العربية بمعنى چاه وفي الهندية برادر انتهى.
وقيل المشترك هو اللفظ الموضوع لــحقــيقتين مختلفتين أو أكثر وضعا أوّلا من حيث أنهما مختلفتان. فاحترز بالموضوع لــحقــيقتين عن الأسماء المفردة. وبقوله وضعا أولا عن المنقول وبالقيد الأخير عن المشترك معنى انتهى.
وإطلاق اللفظ وعدم تقييده بالمفرد لا يبعد أن يكون إشارة إلى عدم اختصاصه بالمفرد.

فائدة:
اختلف في أن المشترك واقع في اللغة أم لا، وقد يقال المشترك إمّا أن يجب وقوعه، أو يمتنع، أو يمكن، وحينئذ إمّا أن يكون واقعا أو لا، فهي أربعة احتمالات عقلية. وقد ذهبت إلى كلّ منها طائفة، إلّا أنّ مرجعها إلى اثنين إذ لا يتصوّر هاهنا وجوب ولا امتناع بالذات، بل بالغير، فهما راجعان إلى الإمكان. فالواجب هو الممكن الواقع والممتنع هو الممكن الغير الواقع، والصحيح أنه واقع. واختلف أيضا في وقوعه في القرآن والأصح أنه قد وقع، ودلائل الفرق تطلب من العضدي وحواشيه.
اعلم أنّ في المشترك اختلافات كثيرة.

الاختلاف الأول: في إمكانه، قال البعض:
وقوع الاشتراك ليس بممكن لأنّ المقصود من وضع الألفاظ فهم المعاني، وإذا وضع لمعان كثيرة فلا يفهم واحد منها عند خفاء القرينة وإلّا يلزم الترجيح بلا مرجّح، وفهم الجميع يستلزم ملاحظة النفس وتوجّهها إلى أشياء كثيرة بالتفصيل عند زمان الإطلاق، لأن ملاحظة المعاني بالأوضاع المتعددة المفصّلة لا بدّ أن تكون على التفصيل، وهذا باطل لما تقرّر في موضعه. وأجيب عنه بأنّ المقصود قد يكون الإجمال دون التفصيل، وقد يكون في التفصيل مفسدة، وفي الإجمال رفع الفساد كما قال الصدّيق الأكبر عند ذهاب رسول الله في وقت الهجرة من مكة إلى المدينة، حين سأله بعض الكفار عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم بقوله: من هذا قدّامك؟ فقال الصدّيق: رجل هادينا. فالتفصيل هاهنا كان موجبا للفساد العظيم فالأصح أنه ممكن لعدم امتناع وضع اللفظ الواحد لمعان متعددة مختلفة بأوضاع متعددة.
وقد يجاب بأنه يفهم واحد من المعاني، ولا يلزم الترجيح بلا مرجّح لجواز أن يكون بين بعض المعاني والذهن مناسبة ينتقل الذهن من اللفظ إليه أو يكون بعضها مناسبا للفظ بحيث يتبادر الذهن بسبب تلك المناسبة إليه، أو يكون بعضها مشهورا بحيث يتسارع الذهن بسبب الشهرة إليه، أو تكون القرينة مرجّحة لبعض المعاني على الآخر.
والاختلاف الثاني في وقوع الاشتراك في اللغة، قال البعض: ليس بواقع، لأنّ وقوعه يوجب الإجمال والإبهام وهو مخلّ للاستعمال إذا لم يبيّن. وأمّا إذا بيّن المراد فالبيان هو الكافي للمقصود، ولا حاجة إلى غيره، فيلزم اللغو في وقوع المشترك ولأن الواضع إن كان هو الله تعالى فهو متعال عن اللغو والعبث، وإن كان غيره تعالى فلا بدّ لصدور الوضع من علّة غائية لأنّ الفعل الاختياري لا بدّ له من علّة غائية كما تقرر في موضعه. وأجيب بأنّ الإجمال والإبهام قد يكون مقصودا في الاستعمال كما عرفت، ومثل أن يريد المتكلّم إفهام مقصوده للمخاطب المعيّن وإخفاءه عن غيره، فيتكلّم بلفظ مشترك يفهم المخاطب مراده منه بسبب كونه معهودا بينهما من قبل، أو بسبب قرينة خفيّة بحيث يفهم المخاطب دون غيره؛ والمبيّن قد يكون أبلغ من البيان وحده، وقد يحدث من اجتماعهما لطافة في الكلام لا يحصل من البيان وحده، وغير ذلك من الفوائد.
وأجيب بأن الواضع إذا كان الله تعالى فقد يكون المقصود منه ابتلاء العلماء الراسخين، وقد يكون المقصود منه توسيع المفاهيم بالنظر إلى جماعة العلماء المجتهدين، وقد يكون المقصود تشويق المخاطبين إلى فهم المراد حتى إذا ادركوه بعد التأمل وجدوه لذيذا لأن حصول المطلوب بعد الطلب والتعب يكون ألذ من المنساق بلا تعب وبغير نصب. وإن كان الواضع غيره تعالى فالمقصود قد يكون واحدا من تلك الأغراض وقد يكون غيرها مثل إخفاء المراد من غير المخاطب، ومثل اختبار ذهن المخاطب هل يفهم بالقرائن أم لا، أو اختيار مقدار فهم المخاطب هل يدرك بالقرائن الخفية أم لا، وغيرها من الأغراض. وقد يكون الواضع متعددا، فشخص وضع لفظا لمعنى واحد ثم شخص آخر وضعه لمعنى آخر كما في الأعلام المشتركة، فالأصح أن المشترك واقع في اللغة.
والاختلاف الثالث في كون الاشتراك بين الضّدّين، يعني اختلف بعد تسليم إمكانه ووقوعه في أنه هل هو واقع بين الضّدّين بحيث يكون لفظ واحد مشتركا بين معان متضادة متباينة.
فقال بعضهم ليس بواقع لأن الاشتراك يقتضي التوحّد، والتضادّ يقتضي التباين، وبينهما منافاة، فلا يكون واقعا. وأجيب بأنّ التوحّد والتباين ليسا من جهة واحدة ليلزم المنافاة، لأن الأول من جهة اللفظ والثاني من جهة المعاني، فلا منافاة حينئذ لاختلاف المحل، فالأصح أنه واقع بين الضّدّين كالقرء للحيض والطّهر.
الاختلاف الرابع في عموم المشترك يعني بعد تسليم إمكانه ووقوعه وتــحقّــقه بين الضّدّين.
اختلف في عموم المشترك بأن يراد بلفظ المشترك أكثر من معنى واحد معا أو لا. الأول مذهب الشافعي والثاني مذهب الإمام الأعظم.
ثم بعد كون المشترك عاما اختلف في أن إرادة العموم على سبيل الــحقــيقة أو المجاز. فذهبت طائفة منهم إلى أنه حقــيقة لأن كلا من معانيه موضوع له فكان مستعملا في الموضوع له، وهذا هو الــحقــيقة. وقال الآخرون منهم إنه مجاز وأن لفظ المشترك ليس بموضوع لمجموع المعنيين، وإلّا لما كان استعماله في أحدهما على سبيل الانفراد حقــيقة، ضرورة أنّه لا يكون نفس الموضوع له بل جزؤه، واللازم باطل بالاتفاق فثبت أنه ليس بموضوع للمجموع، فلم يكن حقــيقة. واستدل الشافعي على إرادة العموم من المشترك بقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً الخ بأنّ الصلاة مشتركة بين الرحمة والاستغفار والدعاء. وفي الآية الرحمة والاستغفار كلاهما مرادان من لفظ واحد وهو يصلّون، لأن الصلاة من الله رحمة ومن الملائكة استغفار. والجواب عن هذا الاستدلال أنّ الآية سيقت لإيجاب اقتداء المؤمنين بالله وملائكته، ولا يصحّ ذلك إلّا بأخذ معنى عام شامل للكل وهو الاعتناء بشأنه صلى الله عليه وسلم، فيكون المعنى: الله وملائكته يعتنون بشأن النبي يا أيها المؤمنون اعتنوا أنتم أيضا بشأنه، وذلك الاعتناء من الله رحمة ومن الملائكة استغفار ومن المؤمنين دعاء. فالصلاة هاهنا لمعنى الاعتناء سواء كان حقــيقة أو مجازا، وهو مفهوم واحد ومعنى عام، لكن يختلف باختلاف المحال فكانت لها أفراد مختلفة بحسب اختلاف نسبة الصلاة إليها. وعند الإمام لا يجوز استعمال المشترك في أكثر من معنى واحد لا حقــيقة لما مرّ، ولأن الوضع تخصيص اللفظ للمعنى، فكلّ وضع في المشترك يوجب أن لا يراد به إلّا هذا المعنى الموضوع له، ويوجب أن يكون هذا المعنى تمام الموضوع له. فإرادة المعنى الآخر ينافي الوضع للمعنى الأول، فلا يكون استعماله في كلا المعنيين بالوضع، فلم يكن حقــيقة ولا مجازا لأنه إذا استعمل في أكثر من معنى واحد فقد استعمل في الموضوع له وغير الموضوع له أيضا، لأنّ كل واحد من المعنيين موضوع له باعتبار وضع اللفظ لذلك المعنى، وغير الموضوع له باعتبار وضعه للمعنى الآخر، فلزم الجمع بين الــحقــيقة والمجاز، وهو لا يجوز عند الإمام الأعظم، فبطل استعمال المشترك في أكثر من معنى واحد. هذا خلاصة ما في التوضيح والتلويح وحاشية المبين والحسن على السلّم.

فائدة:
إذا دار اللفظ بين أن يكون مشتركا أو مجازا كالنّكاح، فإنه يحتمل أن يكون حقــيقة في الوطء مجازا في العقد، وأنه مشترك بينهما، فليحمل على المجاز لأنه أقرب.

فائدة:
جوّز الشافعي وأبو بكر الباقلاني وبعض المعتزلة كالجبائي وعبد الجبار وغيرهم أن يراد بالمشترك كلّ واحد من معنييه أو معانيه بطريق الــحقــيقة إذا صحّ الجمع بينهما، كاستعمال العين في الباصرة والشمس، لا كاستعمال القرء في الحيض والطهر معا، إلّا أنّ عند الشافعي وأبي بكر متى تجرد المشترك عن القرائن الصارفة إلى أحد معنييه أو معانيه وجب حمله على جميع المعاني كسائر الألفاظ العامة، وعند الباقين لا يجب، فصار العام عندهم قسمين:
قسم متفق الــحقــيقة وقسم مختلفها، وعند بعض المتأخرين يجوز إطلاقه عليهما مجازا حقــيقة.
وعند الحنفية وبعض المــحقــقين وجميع أهل اللغة وأبي هاشم وأبي عبد الله البصري يصح ذلك لا حقــيقة ولا مجازا.

الْعرض أَعم من العرضي

الْعرض أَعم من العرضي: قَالَ فِي الْحَوَاشِي الْقَدِيمَة الْأَبْيَض إِذا أَخذ لَا بِشَرْط شَيْء فَهُوَ عرضي وَإِذا أَخذ بِشَرْط شَيْء فَهُوَ الثَّوْب الْأَبْيَض مثلا وَإِذا أَخذ بِشَرْط لَا شَيْء فَهُوَ الْعرض الْمُقَابل للجوهر فَكَمَا أَن طبيعة الذاتي جنس ومادة باعتبارين أَو فصل وَصُورَة باعتبارين فطبيعة العرضي عرض وعرضي باعتبارين. وَهَذَا تَــحْقِــيق الْفرق بَين الْعرض والعرضي لَا مَا يتخيل من أَن الْفرق بَينهمَا بِالذَّاتِ فالمدرك بالبصر أَولا وبالذات هُوَ الْأَبْيَض ثمَّ من خَارج يعلم أَن الْأَبْيَض مُقَارن بموجود آخر هُوَ ثوب أَو حجر أَو غَيرهمَا حَتَّى لَو لم تكن تِلْكَ الملاحظة لم يعلم أَنه شَيْء أَبيض بل جَازَ أَن يكون أَبيض بِذَاتِهِ كَمَا أَن الثَّوْب ثوب بِذَاتِهِ وَحِينَئِذٍ كَانَ بَيَاضًا وأبيض فَيكون أَبيض ببياض هُوَ عين ذَاته إِذْ الْبيَاض هُوَ الْأَبْيَض بِاعْتِبَار التحصل وَلذَلِك لَا يحمل على مَجْمُوع المعروض والعارض. وَذَلِكَ كَمَا أَن الْبدن اسْم للجسم من حَيْثُ هُوَ مَادَّة للنَّفس وَلذَلِك لَا يحمل على مَجْمُوع النَّفس وَالْبدن بِخِلَاف الْجِسْم فَإِنَّهُ اسْم لَهُ بِأَيّ اعْتِبَار أَخذ فَلذَلِك يحمل على الْمَجْمُوع إِذا أَخذ لَا بِشَرْط شَيْء وَهَذَا وَإِن كَانَ مُخَالفا لظَاهِر أقاويل الْمُتَأَخِّرين حَتَّى الشَّيْخ فِي الشِّفَاء فَهُوَ الْــحق ويلوح إِلَيْهِ كَلَام الْمعلم الثَّانِي فِي الْمدْخل الْأَوْسَط وَيُوَافِقهُ تَعْلِيم الْمعلم الأول بِحَسب ترجمتي حنين بن اسحاق فَإِنَّهُ عبر عَن أَكثر المقولات بالمشتقات كالفاعل والمنفعل والمضاف وَغَيرهَا. وَأَرَادَ فِي التَّمْثِيل المشتقات وَمَا فِي حكمهَا كَالْأَبِ وَالِابْن وَفِي الدَّار وَفِي الْوَقْت ونظائرها وَيشْهد بِهِ الْفطْرَة السليمة من ذَوي فطنة قويمة انْتهى.
وَقَالَ الزَّاهِد فِي حَوَاشِيه على الْأُمُور الْعَامَّة من شرح المواقف وَبِهَذَا يظْهر أَن الْعرض أَعم من العرضي والمشتقات وَمَا فِي حكمهَا أَعْرَاض كَمَا يلوح إِلَيْهِ مَا نقل من الْمعلم الأول فَافْهَم فَإِنَّهُ مَعَ وضوحه لَا يَخْلُو عَن دقة انْتهى.
وَقَالَ زبدة الْعلمَاء أُسْوَة الْفُضَلَاء مَوْلَانَا مُحَمَّد أكبر الْمُفْتِي فِي أَحْمد آباد رَحْمَة الله عَلَيْهِ فِي حَوَاشِيه على تِلْكَ الْحَوَاشِي. قَوْله: وَبِهَذَا ظهر أَي بِإِرَادَة الاتصاف الْأَعَمّ الشَّامِل للمواطأة والاشتقاق فِي مَفْهُوم النَّعْت يظْهر عُمُوم الْعرض وشموله للعرضي فَإِن المشتقات عرضيات بِلَا ريب. وبهذه الْإِرَادَة صَار الْعرض متناولا لَهَا تنَاوله للمبادىء الَّتِي اعراض بِلَا رِيبَة. وَلَو اقْتصر على إِرَادَة الاتصاف بِوَاسِطَة ذُو لَا يظْهر ذَلِك.
فَإِن قيل قد تنبهت مِمَّا أسلفنا أَن المشتقات على تَــحْقِــيق الْمُــحَقــق بِاعْتِبَار شَرط لَا أَعْرَاض ومحمول بِوَاسِطَة ذُو فعلى الِاقْتِصَار أَيْضا يكون الْعرض متناولا للعرضيات (قُلْنَا) الْكَلَام فِي هَذِه الْمرتبَة على زعم الْمحشِي وَهُوَ غافل عَنهُ إِذْ نقُول الْمَقْصُود تنَاول الْعرض للعرضي من حَيْثُ إِنَّه عرضي وَهُوَ مقتصر على إِرَادَة الْأَعَمّ وَفِي الِاقْتِصَار إِنَّمَا يظْهر التَّنَاوُل لما صدق عَلَيْهِ الْعرض لَا من حَيْثُ إِنَّه عرضي فَتدبر فَإِنَّهُ دَقِيق. وانتظر لما نتكلم عَلَيْهِ فَإِنَّهُ بالتكلم حقــيق.
قَوْله والمشتقات وَمَا فِي حكمهَا إِلَى آخِره إِمَّا دَاخل تَحت الظُّهُور أَو اسْتِئْنَاف دفعا لما يتَوَهَّم على الظَّاهِر من الْمُخَالفَة المشتهرة بَين الْأَلْسِنَة فَإِن كَلِمَات الْمُتَأَخِّرين حَتَّى الشَّيْخ فِي الشِّفَاء صَرِيحَة فِي الْفرق بَين الْعرض والعرضي وَإِن المشتقات عرضيات لَيست بأعراض. والمبادىء أَعْرَاض لَيست بعرضيات بِأَن مَا نقل من الْمعلم الأول يلوح إِلَيْهِ حَيْثُ عبر عَن أَكثر المقولات بالمشتقات وَمثل لَهَا أَيْضا بالمشتقات وَمَا فِي حكمهَا على مَا سَيظْهر بعد. فَقَوله كَمَا يلوح إِلَيْهِ على الأول مُرْتَبِط بقوله يظْهر. وعَلى الثَّانِي بالمستأنف كَمَا لَا يخفى على المتأمل. وَبِالْجُمْلَةِ الْمَقْصُود أَنه وَإِن كَانَ مُخَالفا لمُخَالفَة الْمُتَأَخِّرين لكنه مُوَافق لكَلَام من هُوَ أفضل مِنْهُم من القدماء. قَوْله وَمَا فِي حكمهَا أَي مثل ذِي سَواد. قَوْله فَافْهَم فَإِنَّهُ مَعَ وضوحه دَقِيق فهم هَذَا المرام وتنقيح هَذَا الْمقَام دَاع إِلَى نوع بسط فِي الْكَلَام.
فَاعْلَم إِن السوَاد عرض وَالْأسود عرضي على مَا هُوَ الْمَشْهُور وَالْمَفْهُوم من كَلَام الْمُتَأَخِّرين حَتَّى الشَّيْخ فِي الشِّفَاء كَمَا أَشَرنَا إِلَيْهِ آنِفا وَأَن الْفرق بَينهمَا والتغاير بِالذَّاتِ وَأَن الأول مَحْمُول اشتقاقا _ وَالثَّانِي مَحْمُول مواطأة وَالْعرض مُقَابل الْجَوْهَر غير العرضي الْمُقَابل للذاتي.
وَخَالفهُم الْمُــحَقــق الْأُسْتَاذ الدواني مستنبطا من كَلَام القدماء على مَا لوحنا إِلَيْهِ. وَقَالَ إنَّهُمَا متحدان ذاتا لَا تغاير بَينهمَا إِلَّا اعْتِبَارا فالأسود هُوَ السوَاد وَكَذَا الْعَكْس إِلَّا أَنه إِذْ أَخذ لَا بِشَرْط شَيْء عرضي مَحْمُول مواطأة. وبشرط لَا شَيْء عرض مَحْمُول اشتقاقا ومبنى كَلَامه هَذَا على مَا يظْهر من الْحَاشِيَة الْقَدِيمَة على أَمريْن.
أَحدهمَا: أَن الْمدْرك بالبصر أَولا وبالذات هُوَ الْأسود أَو الْأَبْيَض ثمَّ من خَارج يعلم أَن الْأسود والأبيض مُقَارن لموجود آخر هُوَ ثوب أَو حجر أَو غَيرهمَا حَتَّى لَو لم يكن تِلْكَ الملاحظة لم يعلم أَنه شَيْء أسود أَو أَبيض _ بل جَازَ أَن يكون أسود وأبيض بِذَاتِهِ كَمَا أَن الثَّوْب ثوب بِذَاتِهِ وَحِينَئِذٍ كَانَ بَيَاضًا وأبيض وسوادا وأسود.
وتوضيحه إِنَّه إِذا رُؤِيَ شَيْء أَبيض مثلا فالمرئي بِالذَّاتِ هُوَ الْبيَاض على مَا قَالُوا ونعلم بِالضَّرُورَةِ أَنا قبل مُلَاحظَة أَن الْبيَاض عرض وَأَن الْعرض لَا يُوجد قَائِما بِنَفسِهِ نحكم بِأَنَّهُ بَيَاض وأبيض _ فَفِي تِلْكَ الْمرتبَة كَمَا يحكم بِأَنَّهُ بَيَاض يحكم بِأَنَّهُ أَبيض وَلَوْلَا الِاتِّحَاد بِالذَّاتِ بَينهمَا لم يجوز الْعقل قبل مُلَاحظَة تِلْكَ الْمُقدمَات كَونه أَبيض.
وَثَانِيهمَا: أَنه لَا يدْخل فِي مَفْهُوم الْمُشْتَقّ الْمَوْصُوف وَلَا النِّسْبَة فَيكون عين الصّفة. وتفصيله أَن فِي معنى الْمُشْتَقّ أقوالا _ الأول مَا هُوَ الْمَشْهُور من أَنه مركب من الذَّات وَالصّفة وَالنِّسْبَة. وَالثَّانِي مَا اخْتَارَهُ السَّيِّد السَّنَد الْأُسْتَاذ الْعَلامَة الشريف وَهُوَ أَنه مركب من نِسْبَة والمشتق مِنْهُ فَقَط. وَمعنى القَوْل الأول ظَاهر لَا ستْرَة فِيهِ فَإِن تَفْسِير الْكَاتِب مثلا على مَا اشْتهر وَدَار على الْأَلْسِنَة أَعنِي شَيْء لَهُ الْكِتَابَة صَرِيح الدّلَالَة عَلَيْهِ ومطمح نظر السَّيِّد السَّنَد قدس سره أَنه لَا يُمكن اعْتِبَار مَفْهُوم الشَّيْء وَلَا مَا صدق عَلَيْهِ فِيهِ للُزُوم دُخُول الْعرض الْعَام فِي الْفِعْل على الأول وَدخُول النَّوْع فِيهِ مَعَ لُزُوم انقلاب مُشْتَقّ الْإِمْكَان بِالْوُجُوب على الثَّانِي فَمَا بَقِي إِلَّا الصّفة وَالنِّسْبَة.
والمــحقــق لما رأى أَن دُخُول النِّسْبَة الَّتِي هِيَ غير مُسْتَقلَّة المفهومية فِي حَقِــيقَة مُسْتَقلَّة من غير دُخُول المنتسبين أَمر غير مَعْقُول ذهب إِلَى أَن الْمُشْتَقّ أَمر بسيط غير مُشْتَمل على النِّسْبَة إِذْ لَا يرى أَنه يعبر عَن معنى الْأسود والأبيض (بسياه وسفيد) . (كَذَا) على الْمَوْصُوف لَا عَاما وَلَا خَاصّا بل عبارَة عَن الْمُشْتَقّ مِنْهُ فَقَط وَلَيْسَ بَينه وَبَين الْمُشْتَقّ مِنْهُ تغاير بِحَسب الْــحَقِــيقَة فَهُوَ إِذا أَخذ لَا بِشَرْط شَيْء فَهُوَ عرضي ومشتق. وَإِذا أَخذ بِشَرْط لَا شَيْء فَهُوَ عرض ومشتق مِنْهُ مَحْمُول اشتقاقا كَمَا ذكرنَا آنِفا وَهَذَا هُوَ القَوْل الثَّالِث.
وَقد يُؤَيّد هَذَا القَوْل بِمَا قَالُوا إِن الضَّوْء إِذا كَانَ قَائِما بِنَفسِهِ كَانَ ضوءا مضيا على مَا يُشِير إِلَيْهِ كَلَام بهمنيار وَإِن الْوُجُود إِذا كَانَ قَائِما بِنَفسِهِ كَانَ وجودا وموجودا حَقِــيقَة وَإِن الْحَرَارَة إِذا كَانَت قَائِمَة بِنَفسِهَا وَكَانَت يَتَرَتَّب عَلَيْهَا الْآثَار الْمَطْلُوبَة يُقَال إِنَّهَا حرارة وحارة كَمَا بَين فِي بحث عَيْنِيَّة الْوُجُود للْوَاجِب وَمن الْمَعْلُوم بِالضَّرُورَةِ إِن الضَّوْء بِمُجَرَّد قِيَامه بِذَاتِهِ لَا يتبدل ذَاته وجوهره فَإِذا كَانَ عِنْد الْقيام بِالنَّفسِ مضيا ومتحدا مَعَه بِحَسب الذَّات وَالْمَفْهُوم وَلَا شكّ أَنه حِينَئِذٍ لَا يتَصَوَّر دُخُول أَمر فِيهِ يتَوَهَّم اعْتِبَاره كالموصوف وَالنِّسْبَة علم أَنَّهُمَا ليسَا بمتغائرين _ بل هما متحدان ذاتا ثمَّ إِنَّه مُتَعَلق أَيْضا بِمَا نقل من الْمعلم الأول ومترجم كَلَامه حَيْثُ عبروا عَن المقولات بالمشتقات وَمثل أَكْثَرهم بهَا فَإِنَّهُ لَوْلَا الِاتِّحَاد لما صَحَّ ذَلِك إِلَّا بالتكلف وَاعْتِبَار الْمُسَامحَة.
وَأَيْضًا وَقع النزاع فِي عرضية بعض الْأَعْرَاض كالألوان وَلَو كَانَ حَقِــيقَتهَا مبادىء الِاشْتِقَاق لم يكن النزاع ضَرُورَة أَن السوَاد وَالْبَيَاض بِمَعْنى المبدأ ليسَا بجوهرين. وَأَنت خَبِير بِمَا فِي مبْنى هَذَا القَوْل من الْوَجْهَيْنِ وَغَيرهمَا من التأييد وَالتَّعْلِيق من قدح ووهن. أما فِي الْوَجْه الأول فبأنا إِذا فَرضنَا أَن أحدا لم يسمع لفظ الْبيَاض والأبيض والجسم وَغَيره وَلم يتَصَوَّر مَعَاني هَذِه ثمَّ رأى جسما أَبيض فَفِي هَذِه الْحَالة يدْرك الْبيَاض أَي هَذَا الْعرض الْخَاص وَحده وَلم يعلم أَن هَا هُنَا شَيْئا آخر ثمَّ إِذا شَاهد أَن الْأَمر قد زَالَ وَبَقِي شَيْء آخر علم إِن هَا هُنَا شَيْء آخر كَانَ ذَلِك الْأَمر حَالا فِيهِ وَهَذَا هُوَ المُرَاد بالأبيض. وَلَا شكّ أَن هَذَا الْمَعْنى الْأَخير الَّذِي أدْركهُ آخر غير الْمَعْنى الأول وَلَا نعني بالأبيض إِلَّا هَذَا نعم لَو اصْطلحَ أحد على أَن يَجْعَل الْأَبْيَض بِمَعْنى مَا يصدر عَنهُ الْأَثر الَّذِي يُشَاهد من الْجِسْم ذِي الْبيَاض أَعنِي تَفْرِيق الْبَصَر مثلا فَحِينَئِذٍ يَصح أَن الشَّخْص الْمَفْرُوض حِين مُشَاهدَة الْبيَاض بمشاهدة الْآثَار الَّتِي تترتب عَلَيْهِ يتخيل فِي بادىء الرَّأْي أَن الشَّيْء الَّذِي تترتب عَلَيْهِ تِلْكَ الْآثَار هُوَ ذَلِك الْأَمر الْمشَاهد أَعنِي الْبيَاض لَكِن على هَذَا يصير النزاع لفضيا على إننا حِينَئِذٍ أَيْضا نقُول إِنَّه بِمُجَرَّد أَن يتخيل فِي بادىء الرَّأْي أَن الْبيَاض هُوَ الْأَبْيَض لَا يلْزم أَن يكون مَعْنَاهُمَا وَاحِدًا بِالذَّاتِ مغائرا بِالِاعْتِبَارِ. أَلا ترى أَن من أدْرك أَولا الصُّورَة الجسمية ووجدها بِحَيْثُ تتصل وتنفصل يتخيل أَن الْقَابِل للاتصال والانفصال هُوَ الْأَمر ثمَّ بعد مُلَاحظَة الْبُرْهَان يظْهر لَهُ أَن الْقَابِل لَيْسَ هُوَ ذَلِك الْأَمر بل أَمر آخر وبمجرد هَذَا التخيل فِي بادىء الرَّأْي لَا يلْزم أَن يكون الْقَابِل فِي الْوَاقِع هُوَ ذَلِك فضلا عَن أَن يكون مَعْنَاهُمَا وَاحِدًا وَمَعَ ذَلِك نقُول إِنَّه لَا شكّ أَن الْبيَاض والجسم موجودان فِي الْخَارِج بِوُجُود مغائر. وَلَا شكّ أَن المتغاير فِي الْوُجُود الْخَارِجِي لَا يُمكن حمل أَحدهمَا على الآخر بِأَيّ اعْتِبَار أَخذ من الاعتبارات الثَّلَاثَة. وَأما فِي الْوَجْه الثَّانِي فبأن الْمَوْصُوف لَا يدْخل فِيهِ على وَجه الْعُمُوم وَلَا على وَجه الْخُصُوص حَتَّى يرد عَلَيْهِ مَا ذكر بل بعنوان مُتَعَلق الْحَدث الَّذِي هُوَ مَأْخَذ الِاشْتِقَاق كَمَا يدل عَلَيْهِ تَفْسِير الْقَوْم إِيَّاه بِمَا يدل على ذَات مُبْهمَة بِاعْتِبَار معنى معِين فَفِي الْأَبْيَض مثلا لَا يدْخل الْمَوْصُوف فِي مَفْهُومه لَا بعنوان الشيئية وَلَا بعنوان الثوبية بل بعنوان المنسوبية إِلَى الْبيَاض وَذي الْبيَاض لَا بِمَعْنى أَنه معنى مفصل بل هُوَ أَمر إجمالي إِذا فصل وحلل يعبر عَنهُ بالمنسوب إِلَى الْبيَاض. وَهَذَا كَمَا يَقُولُونَ إِن التَّصْدِيق عبارَة عَن إِدْرَاك أَن النِّسْبَة وَاقعَة ومرادهم أَنه أَمر بسيط إجمالي يفصله الْعقل إِلَى ذَلِك لَا أَنه معنى تفصيلي فَلَا يلْزم التسلسل على مَا توهم ثمَّ إِنَّه كَمَا يدْخل الْمَوْصُوف إِجْمَالا يدْخل النِّسْبَة ومبدء الِاشْتِقَاق إِجْمَالا أَيْضا وَعدم المعقولية إِنَّمَا هُوَ إِذا كَانَ بِدُونِ الْمَوْصُوف تَفْصِيلًا _ وَهَذَا تَــحْقِــيق مَا حَقَّــقَهُ السَّيِّد السَّنَد صدر الدّين رَحمَه الله بِحَيْثُ انْدفع بِهِ مَا أورد عَلَيْهِ الْأُسْتَاذ الْمُــحَقــق الجديدة كَمَا يظْهر على من يطالع كَلَام الأستاذين فِي الحاشيتين.
وَالتَّــحْقِــيق إِن مصداق حمل الْمُشْتَقّ على شَيْء قيام مبدء الِاشْتِقَاق بِهِ. وَالْقِيَام إِمَّا قيام (حَقِــيقِيّ) وَهُوَ فِيمَا إِذا كَانَ مبدء الِاشْتِقَاق غير الْمَوْصُوف ذاتا أَو اعْتِبَارا أَو (غير حَقِــيقِيّ) وَهُوَ فِيمَا إِذا لم يكن غَيره أصلا بل يكون حَاصِلا بِنَفسِهِ وَأما فِي التأييد فَمَا ذكره الْمحشِي المدقق فِي بحث الْأَجْزَاء أَنه اشْتِبَاه مَفْهُوم الْمُشْتَقّ بِمَا صدق عَلَيْهِ.
ومحصله إِن مَا يعلم من هَذَا الَّذِي فالوا إِن الضَّوْء على تَقْدِير الْقيام بِالنَّفسِ يكون فَردا للمضيء لَا أَنه يكون عين مَفْهُوم المضيء وَــحَقِــيقَته. وَالْكَلَام إِنَّمَا هُوَ فِيهِ وَلَو قَالَ الْمُؤَيد إِنَّا سلمنَا مَا قلت وَنحن أَيْضا نعلمهُ كَمَا قلت لِأَنَّك خَبِير بِأَن صدق المضيء عَلَيْهِ لَيْسَ كصدقه على الْجِسْم المضيء بِهِ بِأَن يكون هَا هُنَا ذَات وَنسبَة وَوصف فَإِنَّهُ لَيْسَ إِلَّا ضوء فَقَط فَلَا يكون الصدْق إِلَّا بِاعْتِبَار أَنه ضوء فَلَو لم يكن الِاتِّحَاد بَين الضَّوْء والمضيء لم يكن الصدْق. وَهَذَا لَيْسَ من اشْتِبَاه فِي شَيْء بل الِاسْتِدْلَال من الصدْق والفردية على الِاتِّحَاد فِي الْمَفْهُوم والــحقــيقة يدْفع مَا قَالَ فَإنَّك خَبِير أَيْضا بِمَا قَالُوا إِن الضَّوْء إِذا كَانَ قَائِما بِغَيْرِهِ إِن لم يكن مضيئا بل الْغَيْر مضيء بِهِ وَإِن وجودات الممكنات لَيست بموجودة وَكَذَا الْبيَاض الْقَائِم بِالثَّوْبِ لَيْسَ بأبيض فَلَو كَانَ الِاتِّحَاد صدق المضيء وَالْمَوْجُود والأبيض على مبادئها وَلَيْسَ كَذَلِك بل هُوَ مَعْلُوم الانتفاء بِالضَّرُورَةِ.
وَمَا يتَوَهَّم إِن وجودات الممكنات موجودات والضوء الْقَائِم بِغَيْرِهِ مضيء وَكَذَا الْبيَاض الْقَائِم بِغَيْرِهِ أَبيض إِلَّا أَن لَا يُطلق عَلَيْهِ فِي عرف اللُّغَة لاشْتِرَاط الْقيام بِالنَّفسِ فِي الاطلاق فَلَو تمّ لَا يتم كليا ضَرُورَة إِن عدم كَون وجودات الممكنات مَوْجُودَة لَيْسَ بِاعْتِبَار أَمر لَفْظِي بل هُوَ أَمر معنوي إِذْ من الْمَعْلُوم بديهة إِنَّهَا لَيست بموجودة بِالْمَعْنَى البديهي الْعَام الَّذِي نفهمه من لفظ الْمَوْجُود ونحمله على الماهيات من دون أَن يلاحظه الْعرف واللغة.
فَاعْلَم إِن صدق المضيء على الضَّوْء الْقَائِم بِنَفسِهِ لَيْسَ مَبْنِيا على الِاتِّحَاد. بل التَّــحْقِــيق إِن مصداق حمل الْمُشْتَقّ على شَيْء قيام مبدء الِاشْتِقَاق بِهِ قيَاما (حَقِــيقِيًّا) وَهُوَ فِيمَا إِذا كَانَ الْوَصْف غير الشَّيْء الْمَوْصُوف سَوَاء كَانَ غَيره بِالذَّاتِ كَمَا فِي الضَّوْء الْقَائِم بالشمس وَالْبَيَاض الْقَائِم بِالثَّوْبِ أَو بِالِاعْتِبَارِ كحصة الْوُجُود الْقَائِم بِهِ لَو اعْتبر الْوُجُود مَوْجُودا أَو غير حَقِــيقِيّ وَهُوَ فِيمَا إِذا كَانَ الْوَصْف حَاصِلا بِنَفسِهِ والوجود الْقَائِم بِنَفسِهِ وَالْبَيَاض الَّذِي يكون كَذَلِك فَإِنَّهُ لَيْسَ قَائِما بِالْغَيْر لَا ذاتا وَلَا اعْتِبَارا.
وَلَا شكّ فِي أَن الْقيام بكلا قسميه فِي الضَّوْء وَالْبَيَاض القائمين بِغَيْرِهِمَا مُنْتَفٍ. أما الثَّانِي فَظَاهر. وَأما الأول فلَان الْبيَاض الْقَائِم بِالثَّوْبِ مثلا إِنَّمَا هُوَ وصف لَهُ وَاعْتبر قِيَامه بِهِ وَلم يعْتَبر فِيهِ قيام بَيَاض آخر مغائر لَهُ حَقِــيقَة أَو اعْتِبَارا فَلَا يكون ذَلِك مصداق حمل الْأَبْيَض أصلا بِخِلَاف الْقَائِم بِنَفسِهِ. فَإِن الْقيام على النَّحْو الثَّانِي مُتَــحَقــق فِيهِ. (نعم) لَو اعْتبر الْبيَاض الْقَائِم بِغَيْرِهِ فِي مرتبَة الْمَوْصُوف وَاعْتبر قيام بَيَاض آخر بِهِ مغائر لَهُ اعْتِبَارا كَمَا فِي حِصَّة الْوُجُود الْقَائِم بالوجود يكون مصداقا لذَلِك لكنه حِينَئِذٍ لَا يكون فِي مرتبَة الْوَصْف والمبدء بل فِي مرتبَة الْمَوْصُوف. وَلَيْسَ الْكَلَام فِيهِ وَلَو اتَّحد الْبيَاض والأبيض ذاتا ومفهوما لَكَانَ فِي مرتبَة الوصفية لغيره أَيْضا أَبيض وَلَيْسَ فَلَيْسَ. فَإِن قيل إِن الْبيَاض الْقَائِم بِنَفسِهِ لم يعْتَبر فِيهِ أَيْضا قيام بَيَاض آخر بِهِ فَمَا الْفرق بَينه وَبَين الْبيَاض الْقَائِم بِغَيْرِهِ فِي أَن لَا يكون فِي الثَّانِي قيام غير حَقِــيقِيّ وَيكون فِي الأول. قُلْنَا الْفرق ظَاهر فَإِنَّهُ فِيمَا إِذا كَانَ قَائِما بِذَاتِهِ يَتَرَتَّب عَلَيْهِ مَا يَتَرَتَّب فِي الْقَائِم بِغَيْرِهِ على مَجْمُوع الذَّات وَالْوَصْف فَيكون هَذَا فِي مرتبَة الذَّات وَالْوَصْف وَالنِّسْبَة فَكَأَنَّهُ ذَات قَامَ بِهِ وصف لَا يحْتَاج فِيهِ إِلَى اعْتِبَار قيام وصف آخر بِهِ وَلَو اعْتِبَارا. بِخِلَاف الْقَائِم بِغَيْرِهِ. فَإِنَّهُ لَا يَتَرَتَّب فِيهِ على مُجَرّد الْوَصْف بل على ذَات مَعَ ذَلِك فَلَيْسَ فِي تِلْكَ الْمرتبَة قَائِما مقَام الذَّات وَالْوَصْف بل يحْتَاج فِي كَونه أَبيض إِلَى مُلَاحظَة قيام حِصَّة الْبيَاض بِهِ وَهُوَ فِي هَذِه الْمرتبَة لَيْسَ من قبيل الْوَصْف والمبدء. وَأما مَا تعلق بِهِ مِمَّا نقل من الْمعلم الأول من التَّعْبِير والتمثيل فَهُوَ لَا يُوجب إِلَّا أَن يكون الْمُشْتَقّ عرضا وَهُوَ لَيْسَ بمستلزم لِأَن يكون مَعْنَاهُ عين معنى المبدء بل الْمُشْتَقّ مَعَ كَونه مغائرا لَهُ لَهُ اعتباران. بِاعْتِبَار عرض. وَبِاعْتِبَار عرضي على مَا يظْهر فِيمَا يذكر بعد عَن الْمحشِي وَكَذَا وُقُوع النزاع فِي عرضية بعض الْأَعْرَاض كالألوان لَا يدل على مَا رامه. فَإِن الْبيَاض المحسوس وَأَمْثَاله لَيْسَ مِمَّا يَأْبَى الْعقل كَونه صُورَة نوعية بديهية حَتَّى لَا يتَصَوَّر النزاع فِيهِ على تَقْدِير كَونه عبارَة عَن نفس المبدء.
وَبِالْجُمْلَةِ مَا قَالَه الْمُــحَقــق وَتفرد بِهِ مستبعد جدا مُخَالف لما يشْهد بِهِ الوجدان والبرهان. وَلما رأى الْمحشِي المدقق مَا رَأينَا وأريناك مَا ارتضى بذلك. وَقَالَ فِي بحث الْأَجْزَاء أَنَّهُمَا متغائران ذاتا وَــحَقِــيقَة. وَمعنى الْمُشْتَقّ أَمر بسيط ينتزعه الْعقل عَن الْمَوْصُوف نظرا إِلَى الْوَصْف الْقَائِم بِهِ. والموصوف وَالْوَصْف وَالنِّسْبَة كل مِنْهَا لَيْسَ عينه وَلَا دَاخِلا فِيهِ وَهُوَ يصدق على الْمَوْصُوف. وَرُبمَا يصدق على الْوَصْف وَالنِّسْبَة انْتهى.
وتوضيحه إِن الْمَوْصُوف لَيْسَ بداخل فِيهِ لَا عَاما وَلَا خَاصّا وَلَا عينه وَكَذَا الْوَصْف وَالنِّسْبَة بل هُوَ معنى بسيط انتزاعي ينتزعه الْعقل عَن الْمَوْصُوف بملاحظة قيام الْوَصْف بِهِ سَوَاء كَانَ الْقيام حَقِــيقِيًّا كَمَا إِذا كَانَ الْوَصْف غير الْمَوْصُوف غيرا بِالذَّاتِ أَو غيرا بِالِاعْتِبَارِ. أَو غير حَقِــيقِيّ كَمَا إِذا كَانَ حَاصِلا بِلَا مَحل على مَا عرفت. وَصدقه على الْمَوْصُوف ظَاهر وَأما صدقه على الْوَصْف وَالنِّسْبَة وَإِن كَانَ لَيْسَ كليا فَإِنَّهُ لَا يصدق الْأَبْيَض على الْبيَاض الْقَائِم بِغَيْرِهِ وعَلى نِسْبَة الْبيَاض وَلَا على الْمَجْمُوع. لكنه قد يصدق كالموجود الْمُطلق فَإِنَّهُ يصدق على الْوُجُود وَالنِّسْبَة. وَفِيه كَلَام نذكرهُ فِي مَوْضِعه إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
وَقَالَ أَيْضا قبل هَذَا الْكَلَام بأوراق أَن الْحمل يُطلق على ثَلَاثَة معَان: الأول: الْحمل اللّغَوِيّ وَهُوَ الحكم بِثُبُوت الشَّيْء وانتفائه عَنهُ وَــحَقِــيقَة الإذعان وَالْقَبُول. وَالثَّانِي: الْحمل الاشتقاقي وَيُقَال لَهُ الْحمل بِوُجُود شَيْء يتوسط ذُو. وَــحَقِــيقَة الْحُلُول وَهُوَ لَيْسَ مُخْتَصًّا بالمبادىء بل يجْرِي فِي المشتقات أَيْضا. فَإِن الْعرض أَعم من العرضي كَمَا أَشَرنَا إِلَيْهِ سَابِقًا.
وَقَالَ فِي هَامِش الْحَاشِيَة فالعرضي هُوَ الْعرض لَكِن باعتبارين فَإِذا أَخذ لَا بِشَرْط شَيْء كَانَ عرضيا ومحمولا مواطاة وَإِذا أَخذ بِشَرْط لَا كَانَ عرضا ومحمولا بالاشتقاق _ وَأما مَا ذهب إِلَيْهِ بعض الْمُــحَقِّــقين من أَن الْعرض والعرضي كالسواد وَالْأسود متحدان بِالذَّاتِ ومتغائران بِالِاعْتِبَارِ _ فَإِن أَخذ بِشَرْط الْأسود عرض _ والمأخوذ لَا بِشَرْط أسود عرضي. فَكَلَام بعيد هُوَ متفرد عَسى أَن يطلع عَلَيْهِ من مُسْتَقْبل القَوْل إِن شَاءَ الله تَعَالَى انْتهى الكلامان.
ولعلك استنبطت من هَذِه الْكَلِمَات أمورا: أَحدهَا: إِن الْمُشْتَقّ والمبدأ متغائران حَقِــيقَة. وَالثَّانِي: إِن الْمُشْتَقّ مَعَ كَونه مغائرا للمبدأ لَهُ اعتباران بِاعْتِبَار عرض وَبِاعْتِبَار عرضي. وَالثَّالِث: إِن الْعرض يصدق على مَا يصدق عَلَيْهِ العرضي لَكِن بِاعْتِبَار آخر. وَالرَّابِع: إِن الْمُعْتَبر فِي اعْتِبَار الْعرض كَونه مَحْمُولا اشتقاقا وَفِي العرضي كَونه مَحْمُولا مواطأة. وَالْخَامِس: إِن الْحمل الاشتقاقي غير مُخْتَصّ بالمبادىء بل يجْرِي فِي المشتقات أَيْضا بِاعْتِبَار _ وعساك تنبهت الْفرق أَيْضا بَين مَا عِنْد الْمُــحَقــق فِي هَذَا المبحث بِوُجُوه _ أما: أَولا: فبأن الْمُشْتَقّ عِنْد الْمُــحَقــق عبارَة عَن نفس المبدأ وَعند الْمحشِي عَن أَمر بسيط انتزاعي لَيْسَ بداخل فِيهِ فضلا عَن أَن يكون عينه كَمَا عرفت _ وَأما ثَانِيًا: فبأن الاعتبارين اللَّذين يكون الْمُشْتَقّ عرضا وعرضيا بحسبهما إِنَّمَا هما للمبدأ عِنْد الْمُــحَقــق وَعند الْمحشِي لَيْسَ كَذَلِك بل البدء عرض فَقَط والاعتباران الْمَذْكُورَان عِنْده للمعنى الْبَسِيط الانتزاعي المغائر لَهُ. وَكَذَا الْحمل الاشتقاقي وَالْحمل الموطاتي يكونَانِ للمبدأ فِي الْــحَقِــيقَة عِنْد الْمُــحَقــق وَعند الْمحشِي إِنَّمَا هُوَ الْمَعْنى المغائر لَهُ الانتزاعي _ وَأما: ثَالِثا: فبأن الْعرض والعرضي متساويان فِي التَّــحْقِــيق عِنْد الْمُــحَقــق _ وَعند الْمحشِي الْعرض أَعم من العرضي فَإِن المبدأ عرض وَلَيْسَ بعرضي بِلَا خَفَاء والمشتق المغائر لَهُ عرض كَمَا هُوَ عرضي باعتبارين عِنْده بِخِلَافِهِ عِنْد الْمُــحَقــق فَإِن الْمُشْتَقّ عِنْده لَيْسَ إِلَّا المبدأ وَهُوَ عرض بِاعْتِبَار كَمَا هُوَ عرضي بِاعْتِبَار على مَا حقــقت آنِفا إِلَّا أَنَّهُمَا متفقان فِي أَن الْمُعْتَبر فِي جِهَة العرضية كَونه مَحْمُولا اشتقاقا.
وَإِذا مَا لاحظت جَمِيع جَوَانِب الْكَلَام. وتنقح عنْدك مَا هُوَ تَــحْقِــيق المرام. فَاعْلَم إِن كَلَام الْمحشِي الَّذِي وَقع هَا هُنَا أَعنِي قَوْله وَبِهَذَا يظْهر أَن الْعرض أَعم من العرضي مَعْنَاهُ بِالنّظرِ إِلَى هَذِه الْكَلِمَات أَن الْعرض أَعم مِنْهُ تــحقــقا فَإِنَّهُ يتَــحَقَّــق فِي كل من المبدأ والمشتق بِخِلَاف العرضي فَإِنَّهُ لَا يتَــحَقَّــق إِلَّا فِي الْمُشْتَقّ أَو صدقا إِن أُرِيد بالعرضي مُجَرّد ذَات العرضي لَا من حَيْثُ أَنه عرضي فَإِن الْعرض لَا يصدق على العرضي من حَيْثُ هُوَ عرضي لِأَنَّك تفطنت مِمَّا نقلنا أَن الْعرض يصدق عَلَيْهِ بِاعْتِبَار لَا يصدق عَلَيْهِ العرضي بذلك الِاعْتِبَار فَلَا يكون مَا هُوَ عرضي فَردا للعرض _ وَمعنى قَوْله والمشتقات أَعْرَاض إِنَّهَا أَعْرَاض بِاعْتِبَار غير اعْتِبَار كَونهَا عرضيات.
قَوْله على مَا يلوح إِلَيْهِ مَا نقل من الْمعلم الأول. فِيهِ تلويح إِلَى أَن مَا نقل من التَّعْبِير والتمثيل لَا يدل على أَن المشتقات عبارَة عَن المبدأ وَإِنَّهَا عينه. بل إِنَّمَا يدل على كَون المشتقات أعراضا وَهُوَ غير موجوب لَهُ فَإِن للمشتق مَعَ كَونه عبارَة عَن معنى بسيط انتزاعي كَمَا عرفت اعتبارين أَيْضا بِاعْتِبَار عرض ومحمول اشتقاقا وَبِاعْتِبَار عرضي مَحْمُول مواطأة فَإِن الْأَبْيَض مَعْنَاهُ (سبيد) فَإِن لوحظ لَا بِشَرْط فَهُوَ عرضي يحمل مواطأة على الثَّوْب وَإِن لوحظ بِشَرْط لَا وتجريده عَن الثَّوْب فَهُوَ عرض يحمل اشتقاقا _ وَيُقَال إِنَّه ذُو (سبيدي) _ أَولا يرى أَن الثَّوْب فِيمَا إِذا كَانَ أسود وأبيض وأحمر وأخضر يُقَال إِنَّه ذُو هَذِه الْأَوْصَاف والنعوت. فَفِي هَذِه الْحَالة إِنَّمَا يعْتَبر المشتقات بِشَرْط لَا _ وَهَذَا وَإِن استبعد بِهِ فِي بادىء الرَّأْي إِلَّا أَنَّك لَو رجعت إِلَى الوجدان لوجدت بِهَذَا العنوان فَظهر بِهَذَا الْبَيَان أَن الملحوظ فِي جِهَة كَونهَا اعراضا هُوَ الِاعْتِبَار الَّذِي بِهِ هَا هُنَا يكون مَحْمُولَة اشتقاقا فَالْمُعْتَبر فِي الْعرض هُوَ الْحمل الاشتقاقي لَكِن قَوْله وَالْمرَاد بالنعت مَا يَتَّصِف بِهِ الشَّيْء مواطأة واشتقاقا مشْعر بِأَن الْعرض يصدق على العرضي من حَيْثُ عرضي حَيْثُ اعْتبر الاتصاف فِيهِ أَعم من أَن يكون مواطاة واشتقاقا فَيكون المشتقات اعراضا بِالِاعْتِبَارِ الَّذِي يكون عرضيات ومحمولات مواطاة فَيكون الْمُعْتَبر فِي الْعرض الْحمل الْمُطلق لَا الاشتقاقي فَقَط.
وَإِن توهم أحد أَنه لَا يلْزم من جعل النَّعْت أَعم من مَا يَتَّصِف بِهِ الشَّيْء مواطاة أَو اشتقاقا لإدخال المشتقات فِي الْعرض اعْتِبَار الْحمل أَيْضا أَعم فِي كَون الشَّيْء عرضا فَإِنَّهُ يَصح بِأَن يكون مَا هُوَ مَحْمُول مواطاة عرضا بِاعْتِبَار يكون بذلك مَحْمُولا اشتقاقا إِنَّمَا يلْزم ذَلِك لَو لم يكن للمحمولات مواطاة اعْتِبَار بهَا يَصح كَونهَا محمولات اشتقاقا وَلَيْسَ كَذَلِك فتوهمه توهم مَحْض فَإِنَّهُ لَو كَانَ الْأَمر كَذَلِك لما كَانَ لإيراده على الْمُــحَقــق بِخُرُوج المشتقات لاقتصاره على الْحمل الاشتقاقي وَجه. وَأَيْضًا مَا نقل عَنهُ فِي هَامِش الْحَاشِيَة هَا هُنَا أَعنِي قَوْله الصِّفَات المشتقة لَهَا اخْتِصَاص بموصوفاتها هُوَ منشأ لاتحادها مَعهَا اتحادا بِالْعرضِ وَحملهَا عَلَيْهَا حمل المواطاة انْتهى صَرِيح فِي أَن صدق الْعرض على المشتقات بِاعْتِبَار حمل المواطاة. ثمَّ إِن قَوْله فِيهِ اتحادا بِالْعرضِ إِشَارَة إِلَى مَا حقــق الْمُــحَقــق الدواني فِي مَوْضِعه. وَيَجِيء فِي هَذِه الْحَاشِيَة أَيْضا أَن اتِّحَاد الذاتيات لما هِيَ ذاتيات لَهُ اتِّحَاد بِالذَّاتِ واتحاد العرضيات اتِّحَاد بِالْعرضِ.
وَقد خَالف فِيهِ السَّيِّد السَّنَد صدر الدّين ونفصل الْكَلَام بعون الله الْملك العلام. فِي ذَلِك الْمقَام. بَقِي هَا هُنَا شَيْء وَهُوَ أَن كَلَام الْمُــحَقــق الدواني لَيْسَ ينص فِي الِاقْتِصَار على الْحمل الاشتقاقي فِي تَعْرِيف الْحُلُول إِنَّمَا استنبط مِنْهُ الْمحشِي المدقق من طَرِيقَته جَوَابه وَسِيَاق كَلَامه فِي الْحَاشِيَة الْقَدِيمَة فِي بحث الْجَوَاهِر. وَلَا يخفى هَذَا على من نظر فِيهِ من أهل البصائر إِنَّمَا أطنبنا الْكَلَام. فِي هَذَا الْمقَام. لِأَنَّهُ كَانَ من مزال أَقْدَام الْعلمَاء الْأَعْلَام. فَعَلَيْك بِالتَّأَمُّلِ التَّام. والاستعانة بالعليم العلام. انْتهى.
اعلموا أَيهَا الناظرون أَن هَذَا الْمُؤلف الضَّعِيف العَاصِي عَفا الله عَنهُ تلمذ أَكثر كتب التَّحْصِيل من خدمَة أُسْوَة الْفُضَلَاء وزبدة الْعلمَاء الحبر النحرير صَاحب التَّقْرِير والتحرير الشَّيْخ الْأَجَل مَوْلَانَا مُحَمَّد محسن ابْن الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن الصديقي الأحمد آبادي وَهُوَ من تلاميذ أستاذ الْكل من الْكل الْفَاضِل الْكَامِل الْمُــحَقــق والمدقق ملا مُحَمَّد أكبر بن مُحَمَّد أشرف الدهلوي الْمُفْتِي فِي أَحْمد آباد نور الله مضجعهما بِنور الْمَغْفِرَة والرضوان وَأنزل عَلَيْهِمَا شآبيب الرَّحْمَة والغفران.
الْعرض أَعم من العرضي: فَإِن الْبيَاض عرض لَيْسَ بعرضي والأبيض عرض وعرضي على مَذْهَب كَمَا ستقف عَلَيْهِ. وَالشَّيْخ الرئيس صرح بِأَن الْعرض الْمُقَابل للجوهر غير العرضي الْمُقَابل للذاتي وَهَذَا هُوَ الْــحق لَا ريب فِيهِ. وَقَالَ السَّيِّد السَّنَد الشريف الشريف قدس سره الْعرض هُوَ العرضي بِحَذْف الْيَاء تَخْفِيفًا وَبعد الْحَذف جَاءَ الِاشْتِبَاه نعم هَذَا الْعرض يُقَابل الْجَوْهَر بِمَعْنى الأَصْل كَمَا يُقَال أَي شَيْء هُوَ فِي جوهره أَو عرضه ثمَّ إِنَّه فِي الإشارات رُبمَا قَالُوا الْعرض محذوفا عَنهُ الْيَاء انْتهى.
وتفصيل هَذَا الْمقَام وتنقيح هَذَا المرام أَنهم اخْتلفُوا فِي أَن الْعرض غير العرضي ومبائن لَهُ حَقِــيقَة أم اعْتِبَارا وَفِي أَن الْعرض يباين الْمحل حَقِــيقَة أم اعْتِبَارا. وَذهب الْجُمْهُور إِلَى أَن الْعرض غير العرضي وَغير الْمحل حَقِــيقَة. وَاسْتَدَلُّوا على مُغَايرَة الْعرض للعرضي ومباينته لَهُ حَقِــيقَة بِأَن الْعرض يباين الْمحل والعرضي يتحد مَعَه وَاخْتِلَاف اللوازم يدل على اخْتِلَاف الملزومات وعَلى أَن الْعرض مباين للمحل بِأَنَّهُ يُقَال وجدت الْأَعْرَاض فَقَامَتْ بالموضوعات، فللأعراض وجود سوى وجود الموضوعات وَوُجُود الْإِعْرَاض مُتَأَخّر عَن وجود موضوعاتها.
أَلا ترى أَن وجود الْبيَاض مُتَأَخّر عَن وجود الْمَوْضُوع وَبِه يمتاز عَن العدميات كالعمى فَإِن الْعقل إِذا لاحظ مَفْهُوم الْأَعْمَى بِحَدّ أَنه لَا يتَوَقَّف الاتصاف بِهِ إِلَّا على سلب الْبَصَر عَمَّا يصلح لَهُ بِالْقُوَّةِ الشخصية أَو النوعية أَو الجنسية من غير أَن يزِيد هُنَاكَ أَمر فِي الْوُجُود بِخِلَاف الْأَبْيَض فَإِن الْجِسْم إِنَّمَا يصير أَبيض إِذا زَاد عَلَيْهِ شَيْء فِي الْوُجُود بِهِ يصير أَبيض فَذَلِك الزَّائِد الْمُتَأَخر هُوَ الْبيَاض والجسم الْمَزِيد عَلَيْهِ الْمُتَقَدّم مَحَله.
وَمَا قَالَ الشَّيْخ الرئيس وجود الْأَعْرَاض فِي أَنْفسهَا هُوَ وجودهَا لمحالها وَإِن كَانَ صَرِيحًا فِي أَن الْعرض عين الْمحل وَلَا يباينه وَلِهَذَا تمسك بِهِ من يَدعِي الِاتِّحَاد والعينية لَكِن الْــحق أَن مُرَاده وجود الْإِعْرَاض فِي أَنْفسهَا وجودهَا فِي موضوعاتها فَلَا يجوز حمل كَلَامه على الظَّاهِر كَيفَ لَا فَإِنَّهُ قَالَ فِي التعليقات وجود الْأَعْرَاض فِي أَنْفسهَا هُوَ وجودهَا فِي موضوعاتها سوى الْعرض الَّذِي هُوَ الْوُجُود لاستغنائه عَن الْوُجُود انْتهى. وَأَيْضًا حمل كَلَامه على الظَّاهِر يُوجب إثارة الْخلَل وَالْفساد فَإِن الْوُجُود وجودان أُصَلِّي يتَعَدَّى بفي، وتبعي يتَعَدَّى بِاللَّامِ وَالثَّانِي للأحوال عِنْد الْقَائِلين بهَا الأول لغَيْرهَا إعْرَاضًا كَانَ أَو جَوَاهِر فَلَو كَانَت الْإِعْرَاض مَوْجُودَة بِالثَّانِي لزم أَن تكون أحوالا والفلاسفة يُنْكِرُونَهَا وَذهب جلال الْعلمَاء وَمن تَابعه إِلَى أَن بَينهَا اتحادا بِالذَّاتِ وتغايرا بِالِاعْتِبَارِ فَإِن لطبيعة الْعرض ثَلَاث اعتبارات لَا بِشَرْط شَيْء وبشرط شَيْء وبشرط لَا شَيْء فَإِذا أخذت لَا بِشَرْط شَيْء أَي من حَيْثُ هِيَ هِيَ مَعَ قطع النّظر عَن مُقَارنَة الْمَوْضُوع وَعدمهَا فَهِيَ عرضي مَحْمُول. وَإِذا أخذت بِشَرْط شَيْء أَي بِشَرْط مُقَارنَة الْمَوْضُوع مَعهَا فعين الْمحل. وَإِذا أخذت بِشَرْط لَا شَيْء أَي بِشَرْط عدم مُقَارنَة الْمَوْضُوع مَعهَا فَعرض مُقَابل للجوهر فالبياض مثلا بِالِاعْتِبَارِ الأول يكون أَبيض وعرضيا مَحْمُولا وَبِالثَّانِي ثوبا أَبيض وبالثالث بَيَاضًا وعرضا مبائنا للموضوع.
ف (70)

خبر

بَاب الْخَبَر

أنبأ وَخبر وَتَابَ إِلَى نبأ وهينمة وهنية وَبَلغنِي وأنابني وأتاني وَورد عَليّ واتصل بِي وأثاب إِلَيّ وفجأني وبغتني وطرقني لَيْلًا 
خ ب ر

خبرت الجرل واختبرته خبراً وخبرة، " ووجدت الناس اخبر تقله ". ومالي به خبر أي علم، ومن أين خبرت هذا بالكسر، وأنا به خبير. واستخبرته عن كذا فأخبرني به وخبرني. وخرج يتخبر الأخبار: يتتبعها. وأعطاه خبرته أي نصيبه. " ونهى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن المخابرة " وهي المزارعة. ومشوا في الخبار والخبراء وهي أرض رخوة فيها جحرة. وفي مثل " من تجنب الخبار أمن العثار ".

ومن المجاز: تخبر عن مجهوله مرآته.
(خ ب ر) : (نَهَى) عَنْ الْمُخَابَرَةِ وَهِيَ مُزَارَعَةُ الْأَرْضِ عَلَى الثُّلُثِ وَالرُّبُعِ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ وَأَصْلُهَا مِنْ الْخَبَرِ وَهُوَ الْأَكَّارُ لِمُعَالَجَتِهِ الْخَبَارَ وَهُوَ الْأَرْضُ الرَّخْوَةُ وَقِيلَ مِنْ الْخُبْرَةِ النَّصِيبُ (وَعَنْ) شِمْرٍ مِنْ خَيْبَرَ لِأَنَّهَا أَوَّلُ مَا دُفِعَتْ إلَيْهِمْ كَذَلِكَ (وَعَنْ) «ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - كُنَّا لَا نَرَى بِالْخَبْرِ بَأْسًا حَتَّى زَعَمَ رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نَهَى عَنْهُ» .
[خبر] فيه: "خبزة" المسافر، بالضم هي التي يجعلها في الرماد الحار يقلبها من يد إلى يد حتى يستوين يعني يجعل الله تعالى الأرض كالرغيف العظيم الذي هو عادة المسافرين ليأكل المؤمن من تحت قدمه حتى يفرغ من الحساب، والمراد من أهل الجنة المؤمنون، ولا يلزم أن يكون أكلهم منه في الجنة، ويحتمل أن يكون ذلك في الجنة. ن: "خبزة" واحدة، بضم خاء الظلمة التي توضع في الملة ويتكفأها بيديه، أي يميلها من يد على يد حتى تجتمع وتستوي، لأنها ليست منبسطة كالرقاقة ونحوها، أي يجعل الأرض كالرغيف العظيم والطلمة ويكون طعاما لأهل الجنة وح: فيدعه "خبزة" مر في يثلغوا.
(خبر) - في حديث أَبِى هريرة، رضي الله عنه: "لا آكُلُ الخَبِيرَ" .
: أي الخُبزَ المأدومَ. والخُبرةُ: الإِدامُ، وقيل: هي الطَّعام من اللَّحم وغيره، وقيل: هي قَصعَة فيها لَحْم وخُبزٌ بين أربعةٍ وخَمْسَة، والجَفْنَة أَكبرُ من ذلك.
ويقال: اخْبُر طَعامَك: أي دَسِّمْه يقال: أَتانَا بخُبْرة بلا خُبْزة، من الخُبْز، أو هِى الأَرضُ السَّهلة.
وروى: "لا آكُلُ الخَمِير" . - في الحديث: "فدفَعْننَا في خَبارٍ ".
الخَبَار: الأَرضُ الَّليِّنة، وأنشد:
* والخَيلُ تَقتَحِمُ الخَبارَ عوابِساً *
خبر
الخُبْرُ: العلم بالأشياء المعلومة من جهة الخَبَر، وخَبَرْتُهُ خُبْراً وخِبْرَة، وأَخْبَرْتُ: أعلمت بما حصل لي من الخبر، وقيل الخِبْرَة المعرفة ببواطن الأمر، والخَبَار والخَبْرَاء: الأرض اللّيِّنة ، وقد يقال ذلك لما فيها من الشّجر، والمخابرة: مزارعة الخبار بشيء معلوم، والخَبِيرُ: الأكّار فيه، والخبر : المزادة العظيمة، وشبّهت بها النّاقة فسمّيت خبرا، وقوله تعالى: وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ [آل عمران/ 153] ، أي: عالم بأخبار أعمالكم، وقيل أي:
عالم ببواطن أموركم، وقيل: خبير بمعنى مخبر، كقوله: فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [المائدة/ 105] ، وقال تعالى: وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ [محمد/ 31] ، قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبارِكُمْ [التوبة/ 94] ، أي: من أحوالكم التي نخبر عنها.
خ ب ر : خَبَرْتُ الشَّيْءَ أَخْبُرُ مِنْ بَابِ قَتَلَ خُبْرًا عَلِمْتُهُ فَأَنَا خَبِيرٌ بِهِ وَاسْمُ مَا يُنْقَلُ وَيُتَحَدَّثُ بِهِ خَبَرٌ وَالْجَمْعُ أَخْبَارٌ وَأَخْبَرَنِي فُلَانٌ بِالشَّيْءِ فَخَبَرْتُهُ وَخَبَرْتُ الْأَرْضَ شَقَقْتُهَا لِلزِّرَاعَةِ فَأَنَا خَبِيرٌ وَمِنْهُ الْمُخَابَرَةُ وَهِيَ الْمُزَارَعَةُ عَلَى بَعْضِ مَا يَخْرُجُ مِنْ الْأَرْضِ وَاخْتَبَرْتُهُ بِمَعْنَى امْتَحَنْتُهُ وَالْخِبْرَةُ بِالْكَسْرِ اسْمٌ مِنْهُ وَخَبْرٌ مِثَالُ فَلْسٍ قَرْيَةٌ مِنْ قُرَى الْيَمَنِ وَقَرْيَةٌ مِنْ قُرَى شِيرَازَ وَالنِّسْبَةُ إلَيْهَا خَبْرِيٌّ عَلَى لَفْظِهَا وَخَيْبَرُ بِلَادُ بَنِي عَنَزَةَ عَنْ مَدِينَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
فِي جِهَةِ الشَّأْمِ نَحْوُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ. 

خبر


خَبَرَ(n. ac. خِبْر
خُبْر)
a. Tested, tried; experienced.

خَبِرَ(n. ac. خِبْر
خِبْرَة
خَبَر
مَخْبَرَة
مَخْبُرَة)
خَبُرَ(n. ac. خُبْر
خُبْرَة
خُبُوْر)
a. Was informed, well aware of, knew.

خَبَّرَa. see IV
خَاْبَرَa. Farmed; took on hire (land).
أَخْبَرَ
a. [acc.
or
Bi], Informed of; announced to.
تَخَبَّرَa. Was well acquainted with, was informed of
knew.
b. see X
إِخْتَبَرَa. see V (a)b. Tested, tried.

إِسْتَخْبَرَa. Enquired of, asked.
b. Asked about, wanted to know.

خَبْر
(pl.
خُبُوْر)
a. Leather provision bag.

خِبْر
خِبْرَة
2t
خُبْر
خُبْرَةa. Knowledge, information.
b. Experience.
c. Test, trial, probation.

خَبَر
(pl.
أَخْبَاْر أَخَاْبِيْرُ)
a. News, tidings, intelligence, information.
b. Narrative, tradition; record.
c. Attribute, enunciative.

خَبَرِيَّةa. News.
b. Tale, story.

مَخْبَرa. Real, inward state or quality.
b. Experience.

مَخْبَرَةa. see 17b. see 2
خَاْبِرa. Trying, testing.
b. Experienced; expert.

خَبِيْر
(pl.
خُبَرَآءُ)
a. Wellinformed; knowing; experienced.

أَخْبَاْرa. Annals, records.

مْخَابَرَة
a. Discussion; investigation, inquiry; question at
issue.

خَيْبَرِيّ
a. Artful, sly.

أَخْبَارِيّ
a. Annalist, historian.

خَبَرْبَج
a. Goodly, fine, excellent.

خُبْرُوْع
a. Informer, mischiefmaker; sycophant.
خ ب ر: (الْخَبَرُ) وَاحِدُ الْأَخْبَارِ وَ (أَخْبَرَهُ) بِكَذَا وَ (خَبَّرَهُ) بِمَعْنًى. وَ (الِاسْتِخْبَارُ) السُّؤَالُ عَنِ الْخَبَرِ وَكَذَا (التَّخَبُّرُ) . وَ (الْمَخْبَرُ) بِوَزْنِ الْمَصْدَرِ ضِدُّ الْمَنْظَرِ وَكَذَا (الْمَخْبُرَةُ) بِضَمِّ الْبَاءِ وَهُوَ ضِدُّ الْمَرْآةِ. وَ (خَبَرَ) الْأَمْرَ عَلِمَهُ وَبَابُهُ نَصَرَ وَالِاسْمُ (الْخُبْرُ) بِالضَّمِّ وَهُوَ الْعِلْمُ بِالشَّيْءِ. وَ (الْخَبِيرُ) الْعَالِمُ. وَالْخَبِيرُ الْأَكَّارُ وَمِنْهُ (الْمُخَابَرَةُ) وَهِيَ الْمُزَارِعَةُ بِبَعْضِ مَا يَخْرُجُ مِنَ الْأَرْضِ. وَ (الْخَبِيرُ) النَّبَاتُ. وَفِي الْحَدِيثِ: «نَسْتَخْلِبُ الْخَبِيرَ أَيْ نَقْطَعُ النَّبَاتَ وَنَأْكُلُهُ» . وَ (خَبَرَهُ) إِذَا بَلَاهُ وَ (اخْتَبَرَهُ) وَبَابُهُ نَصَرَ وَ (خِبْرَةً) أَيْضًا بِالْكَسْرِ. يُقَالُ: صَدَّقَ الْخَبَرُ الْخُبْرَ. وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي الدَّرْدَاءِ: وَجَدْتُ النَّاسَ اخْبُرْ تَقْلَهْ. فَيُرِيدُ بِذَلِكَ أَنَّكَ إِذَا خَبَرْتَهُمْ قَلَيْتَهُمْ فَأَخْرَجَ الْكَلَامَ عَلَى لَفْظِ الْأَمْرِ وَمَعْنَاهُ الْخَبَرُ. وَ (خَيْبَرُ) مَوْضِعٌ بِالْحِجَازِ. 
خبر خضر زهو قَالَ أَبُو عُبَيْد: وَالتَّفْسِير الأول أَجود لِأَن هَذَا لَيْسَ فِيهِ إعراء إِنَّمَا هِيَ نَخْلَة يملكهَا رَبهَا فَكيف تسمى عرية وَمِمَّا يبين ذَلِك قَول شَاعِر الْأَنْصَار يصف النّخل: [الطَّوِيل]

لَيست بِسَنْهَاءَ وَلَا رَجَبِيَّةٍ ... وَلَكِن عرايا فِي السنين الجوائح يَقُول: إِنَّا نعريها النَّاس. وَمِنْه الحَدِيث الآخر أَنه كَانَ يَأْمر الخراص أَن يخففوا [فِي الْخرص -] وَيَقُول: إِن فِي المَال الْعرية وَالْوَصِيَّة. وَحَدِيثه أَنه نهى عَن المخابرة. قَالَ: هِيَ الْمُزَارعَة بِالنِّصْفِ وَالثلث [وَالرّبع -] وَأَقل من ذَلِك [وَأكْثر -] وَهُوَ الْخَبَر أَيْضا الْخَبَر الْفِعْل والخبير الرجل وَكَانَ أَبُو عُبَيْدَة يَقُول: بِهَذَا سمى الأكار خَبِيرا لِأَنَّهُ يخابر الأَرْض وَالْمُخَابَرَة هِيَ المؤاكرة وَلِهَذَا سمى الأكار خَبِيرا لِأَنَّهُ يؤاكر الأَرْض. وَأما حَدِيثه أَنه نهى عَن المخاضرة فَإِنَّهَا نهي عَن أَن يُبَاع الثِّمَار قبل أَن يَبْدُو صَلَاحهَا وَهِي خضر بعد وَيدخل فِي المخاضرة أَيْضا بعض بيع الرطاب والبقول وأشباهها وَلِهَذَا كره من كره بيع الرطاب أَكثر من جزه وَأَخذه. وَهَذَا مثل حَدِيثه أَنه نهى بيع التَّمْر قبل أَن يزهو وزهوه أَن يحمر أَو يصفر.
خبر
الخَبَرُ: ما أتاكَ من نَبَأٍ، أخْبَرْتُه وخَبرْتُه، والجميع الأخْبَار. ورَجُلٌ خَبِرٌ: كريم الخَبرِ. وهو يَتَخَيرُ الأخْبَارَ.
والخَبِيرُ: العالِمُ بالأمر.
والخُبْرَةُ: مَخْبَرَةُ الإِنسان إذا خُبِرَ أي جُرِّبَ.
والخِبْرَةُ: الاخْتِبار. والخابِر: المُخْتَبِرُ المُجَرِّبُ. وخَبِرْتُه أخْبَرُه: أي عَلِمْته.
والخَبَارُ: أرْضٌ رِخْوَةٌ، واحِدُها خَبَارَةٌ.
والخَبَارُ: ما اجْتَمَع من التُراب في أصل الشَجَرَة.
والخَبْرَاءُ: شَجَرٌ في بَطْن رَوْضَةٍ فيها يَنْبُت الخَبْرُ وهو شَجَرُ السِّدْرِ والأراك.
وتُسَمّى الخَبْرَةَ أيضَاً.
والخَبْر: من مَناقِع الماء في رؤوس الجِبال.
والخِبْرُ والمُخَابَرَةُ: أنْ يَزْرَعَ على النِّصْف أو الثُّلُث ونحوه. والأكارُ خَبِيرٌ.
والمخَابَرَةُ: المُؤاكَرَةُ. وناقَةٌ خَبْر: غَزِيرةٌ، وكذلك الخَبْرَاء، تقول: أخْبَرْتُ لِقْحَةَ فلانٍ: أي وَجَدْتَها خَبْرَاءَ.
والخُبْرَةُ: الطعام.
والخَبْرُ: المَزَادةُ، وجَمْعُها خُبُوْز.
والخُبْرَةُ: السًّفْرَةُ.
والخُبُوْرُ: الزّادُ من الطعام.
والخُبْرَةُ: النَّصِيْبُ. والقِسْمَةُ أيضاً.
والخِبْرَةُ: اللَحْمُ يَشْتَرِيه الرجُلُ لأهْلِه، وجَمْعُها خِبَرٌ. واجتمعوا على خِبْرَتِه: أي طعامِه. واخْبُرْ طعامَكَ: أي دَسمْه.
والخَبِيْرَةُ: الشاة تُشْتَرى بَيْنَ جَماعةٍ فَتُذْبَح. والصُّوف الجيِّد من أوَّل الجَزِّ. وتُجْمَع خَبَائرَ. وكذلك الوَبَرُ. والزَّبَدُ.
وجِحَرَةُ الفارِ: مَخابِرُ.
والمَخْبَرَةً: المَخْرُؤة.
والخَيْبَرِيُ: الحَيةُ السَّوْداء.
ويقولون: حُمّى خَيْبَرى فإنَها خَيْسَرى.
[خبر] الخَبْرُ: المزادة العظيمة، والجمع خُبورٌ. وتُشبَّه بها الناقة في غُزْرها فتسمى: خَبْراءَ. والخَبَرُ بالتحريك: واحد الأَخبارِ. وأَخْبَرْتُهُ بكذا وخَبَّرْتُهُ، بمعنىً. والاستِخْبارُ: السؤال عن الخَبَر. وكذلك التَخَبُّرُ. والمَخْبَرُ: خلاف المنظر. وكذلك المَخْبَرَةُ والمَخْبُرَةُ أيضاً بضم الباء، وهو نقيض المَرْآة. والخَبْراءُ: القاع يُنبِت السِدر، والجمع الخَبارى والخبارى، مثل الصحارى والصحارى، والخبراوات. يقال: خَبِرَ الموضعُ بالكسر، فهو خَبِرٌ. وأرض خَبِرَةٌ وخَبْراءُ. والخَبارُ: الأرض الرخوة ذات الجحَرَةِ. ويقال أيضاً: مِن أين خَبَرْتَ هذا الأمر؟ أي من أينَ علمت. والاسم الخُبْرُ بالضم، وهو العلم بالشئ. والخبير: العالم. والخبير: الاكار، ومنه المُخابَرةُ، وهي المزارعة ببعض ما يَخرُج من الأرض. وهو الخِبْرُ أيضاً بالكسر. والخَبيرُ: النبات. وفى الحديث: " نستخلب الخَبيرَ "، أي نقطع النبات ونأكله. والخَبير: الوبَر. قال أبو النَجْم: * حتَّى إذا ما طال من خَبيرِها * وقال أبو عبيد: الخبير زَبَد أفواه الإبل. وقولهم: لأَخْبُرَنَّ خُبْرَكَ، أي لأعلمنَّ علمك. تقول منه: خَبَرْتُهُ أَخْبُرُهُ خُبْراً بالضم، وخِبْرَةً بالكسر، إذا بلوته واختبرتَه. يقال: " صدق الخبر الخبر ". وأما قول أبى الدرداء وجدت الناس اخبر تقلهم " فيريد أنك إذا خبرتهم قليتهم، فأخرج الكلام على لفظ الامر ومعناه الخبر. والخابور: موضع بناحية الشام. وخبير: موضع بالحجاز. يقال: " عليه الدبرى، وحمى خيبرى ". والخبرة بالضم: النصيب تأخذُه من سَمكٍ أو لحم، حكاه أبو عبيد. يقال: تَخَبَّروا خُبْرَةً، إذا اشتَروْا شاة فذبحوها واقتسموا لحمها.
[خبر] فيه: "الخبير" تعالى العالم بما كان ويكون، خبرته إذا عرفته على حقــيقته. وفيه: بعث عينا "يتخبر" له جيش قريش، أي يتعرف. وتخبر واستخبر إذا سأل عن الأخبار ليعرفها. وفيه: نهى عن "المخابرة" قيل: هي المزارعة على نصيب معلوم كالثلث والربع، والخبرة النصيب، وقيل: من الخبار: الأرض اللينة، وقيل: أصلها من خيبر لأنها أقرت في يد أهلها على النصف فقيل: خابرهم، أي عاملهم في خيبر. وفيه: فدفعنا في "خبار" من الأرض، أي سهلة لينة. ط: لا يجوز "المخابرة" لأنها ليست في معنى المساقاة، لأن البذر يكون من جانب العامل، والمزارعة اكتراء العامل ببعض ما يخرج، والمخابرة اكتراء العامل الأرض ببعض ما يخرج. وفيه: لو تركنا "المخابرة" أي لكان خيرًا، أو هو للتمني، قوله: نهى عنه، أي عن المخابرة. ن: المخابرة والمزارعة المعاملة على الأرض ببعض الخارج لكن البذر فيه من العامل، وفي المزارعة من مالكها، واختلف في صحتها. وفيه: لا نرى "بالخبر" بأسًا، هو بكسر خاء أشهر من فتحها وهو المخابرة. نه وفيه: ونستخلب "الخبير" هو النبات والعشب، شبه بخبير الإبل: وبرها، واستخلابه احتشاشه بالمخلب وهو المنجل، والخبير يقع على الوبر والزرع والأكار. وفي ح أبي هريرة: حين لا أكل "الخبير" كذا روى أي الخبز المأدوم، والخبرة والخبير افدام، وقيل: هو الطعام من اللحم وغيره. ويقال: أخبر طعامك، أي دسمه، وأتانا بخبزة ولم يأتنا بخبرة. ك: هو بضم معجمة وسكون موحدة وبراء الإدام. ط: "فليخبره"، أي يحبه، لأنه حث على التودد، وليقبل نصيحته، ولم يرد قوله عن أخبر بعيب فيه. وفيه: "لا تخبرنا" فأنا نرد على السباع وهي واردة علينا، فإن أخبرتنا بأسوء الحال فهو عندنا سائغ، فإن ما أخذت هو قسمتها، وما بقي فهو حقــنا نتوضأ به ونشربه. غ: "خبرته" علمته وبلوته، و"الخبير" الزبد. ك: أخبر ابن الخطاب، خصه لأنه كان معتنيا بقضية جابر، أو كان حاضرًا في أولها. وفيه: حدثنا كله "بالخبر" كله بالنصب، أي حدثنا سفيان كل الحديث بلفظ الإخبار لا بالعنعنة، وروى: بالخبر كله، فيجر بالبدلية وح: عند جهينة "خبر اليقين" مر في جيم.
الخبر: لفظ مجرد عن العوامل اللفظية مسند إلى ما تقدمه، لفظًا نحو: زيد قائم، أو تقديرًا نحو: أقائم زيد، وقيل: الخبر ما يصح السكوت عليه.

الخبر: هو الكلام المحتمل للصدق والكذب.

خبر كان وأخواتها: هو المسند بعد دخول كان وأخواتها.

خبر إن وأخواتها: هو المسند بعد دخول إن وأخواتها.

خبر لا التي لنفي الجنس: هو المسند بعد دخول "لا" هذه.

خبر "ما" و"لا" المشبهتين بـ "ليس": هو المسند بعد دخولهما.

خبر الواحد: هو الحديث الذي يرويه الواحد أو الاثنان، فصاعدا؛ ما لم يبلغ الشهرة والتواتر.

الخبر المتواتر: هو الذي نقله جماعة عن جماعة، والفرق بين المتواتر والمشهور أن جاحد الخبر المتواتر كافرٌ بالاتفاق، وجاحد الخبر المشهور مختلف فيه، والأصح أنه يكفر، وجاحد خبر الواحد لا يكفر بالاتفاق.

الخبر المتواتر: هو الخبر الثابت على ألسنة قوم لا يتصور تواطؤهم على الكذب.

الخبر على ثلاثة أقسام: خبر متواتر، وخبر مشهور، وخبر واحد. أما الخبر المتواتر؛ فهو كلام يسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم جماعة، ومنها جماعة أخرى، إلى أن ينتهي إلى المتمسك، وأما الخبر المشهور؛ فهو كلام يسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم واحد، ويسمعه من الواحد جماعة، ومن تلك الجماعة أيضًا جماعة، إلى أن ينتهي إلى المتمسك، وأما خبر الواحد؛ فهو كلام يسمعه من رسول الله واحد، ويسمعه من ذلك الواحد واحد آخر، ومن الواحد الآخر آخر إلى أن ينتهي إلى المتمسك، والفرق هو أن جاحد الخبر المتواتر يكون كافرًا بالاتفاق، وجاحد الخبر المشهور مختلف فيه، والأصح أنه يكفر، وجاحد خبر الواحد لا يكون كافرًا بالاتفاق.

الخبر نوعان: مرسل، ومسند، فالمرسل منه: ما أرسله الراوي إرسالًا من غير إسناد إلى راوٍ آخر، وهو حجة عندنا كالمسند، خلافًا للشافعي في إرسال سعيد بن المسيب، فقد روى عن أبي بكر مرسلًا. والمسند: ما أسنده الراوي إلى راوٍ آخر إلى أن يصل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ثم المسند أنواع: متواتر، ومشهور، وآحاد؛ فالمتواتر منه: ما نقله قوم عن قوم لا يتصور تواطؤهم على الكذب فيه، وهو الخبر المتصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحكمه يوجب العلم والعمل قطعًا حتى يكفر جاحده، فالمشهور منه هو ما كان من الآحاد في العصر الأول، ثم اشتهر في العصر الثاني حتى رواه جماعة لا يتصور تواطؤهم على الكذب وتلقته العلماء بالقبول، وهو أحد قسمي المتواتر، وحكمه يوجب طمأنينة القلب لا علم يقين حتى يضل جاحده ولا يكفر، وهو الصحيح، وخبر الآحاد: هو ما نقله واحد عن واحد، وهو الذي لم يدخل في حد الاشتهار، وحكمه يوجب العمل دون العلم، ولهذا لا يكون حجة في المسائل الاعتقادية.

خبر الكاذب: ما تقاصر عن التواتر.
خبر: خبر به: أخبر به وعرف به (بوشر).
أخبر فلاناً به: أعلمه به، ففي الترجمة الشخصية لابن خلدون (ص197 ق): اخبرني بالقصيدتين عن الخ.
استخبر عن: سأل عن الخبر. واستخبر من فلان وعن فلان: طلب من فلان وعن فلان: طلب من فلان وعن فلان آن يخبره بالخبر (بوشر) واستخبر فلاناً، واستخبره عنه أو فيه: ساءله عنه.
خُبْر. له خبر في: له علم في (بوشر).
خَبَبر. شئ ما تحت خبر (عامية) شئ تافه لا قيمة له (بوشر).
قامت تبصر خبر الباب: قامت لترى ماذا على الباب (ألف ليلة 1: 67).
وخَبَر: كلام تام غير الإنشائي. والتعبير عن الإرادة أو الرغبة يسمى إنشاء (دي سلان المقدمة 3: 265).
صاحب الخبر أو صاحب الأخبار: اسم كان يطلق على موظف يقيمه السلطان في عواصم الولايات وظيفته أخبار السلطان بكل الأخبار مهما كانت أهميتها وأن يعلمه بالغرباء الذين يصلون إليها وغير ذلك. وكان يقوم بهذه الوظيفة في أغلب الأحيان صاحب البريد. (انظر المؤلفين المذكورين في معجم تاريخ العرب: مملوك 1، 2: 94، 2، 2: 89، الفخري) ففي النويري (إفريقية ص44 و) في كلامه عن تميم بن المعز المتوفى سنة 501هـ: وكان له في البلاد أصحاب أخبار يطالعونه بأخبار الناس لئلا يظلموا.
وكان للإمبراطور فردريك الثاني أصحاب أخبار أيضاً (أماري ص17).
خِبْرَة: تجمع على خير (فوك).
خُبْرَة: أهل خبرة: أهل علم ومعرفة وتجربة (بوشر).
وخُبْرَة (بالأسبانية cober) : نحاس، ففي سجل أموال اليهودي موسى بن يحيى: إن الدائنين استلموا من قيمته نحاس خبره 561 مثقال. وفيه: ومن النحاس الخبرة تسعة قناطير الخ.
خَبَيري: تعبيري، نطقي، بياني (بوشر).
خَبَيريَّة: خبر، نبأ (بوشر). خبار: نوع من السمك (ياقوت 1: 886) غير أن الكلمة مشكوك في صحة كتابتها. لأن في مخطوطة القزويني مذكور: جبال أو حبال.
خبير: لا يقال خبير به فقط. بل يقال أيضاً خبير فيه (بوشر).
خبير: دليل القافلة وقائدها (بروان 1: 295، ما يليها، 370، 2: 2، بركهارت نوبية ص160، 346، دسكاريك ص591، ويرن ص29، 52، دوماس عادات ص337 - 338، كارتردن ص368، دي يونج، فان رودنبرج ص217).
خابور: الصنف الكبير من الخمان (ابن البيطار 1: 393) وفيه: ويسميه قوم الخابور.
خابور خُبْر: قطعة ضخمة من الخبز (بوشر).
أخْبَرُ: اسم تفضيل لخبير، يقال: صاحب الكلام أخبر بالمعنى أي صاحب الكلام أعلم بمعناه (بوشر).
أخْباريّ = صاحب الخبر (أنظر في مادة خَبَر) (معجم المختارات).
الإخباريَّة: فرقة من الإمامية (محيط المحيط).
مُخْبِر: صاحب الخبر (معجم المختارات).
مُخَبِر: بشير، مبشر، نذير (بوشر).
ومُخِّبْر: مخبر، صحافي (بوشر).
مخبور: مختبر، المعروف بالجودة (المقدمة 2: 387) ولا أدري إن كانت هذه الكلمة تعني نفس هذا المعنى فيما جاء في ألف ليلة (يرسل 3: 385) في الحديث عن مهار الخيل.
اختبار: امتحان (الكالا).
واختبار: عذاب، نكال (الكالا).
استخبار: عينة، مسطرة، نموذج (الكالا).

خبر: الخَبِيرُ: من أَسماء الله عز وجل العالم بما كان وما يكون.

وخَبُرْتُ بالأَمر

(* قوله: «وخبرت بالأمر» ككرم. وقوله: وخبرت الأمر من باب

قتل كما في القاموس والمصباح). أَي علمته. وخَبَرْتُ الأَمرَ أَخْبُرُهُ

إِذا عرفته على حقــيقته. وقوله تعالى: فاسْأَلْ بهِ خَبِيراً؛ أَي اسأَل عنه

خبيراً يَخْبُرُ.

والخَبَرُ، بالتحريك: واحد الأَخبْار. والخَبَرُ: ما أَتاك من نَبإِ عمن

تَسْتَخْبِرُ. ابن سيده: الخَبَرُ النَّبَأُ، والجمع أَخْبَارٌ،

وأَخابِير جمع الجمع. فأَما قوله تعالى: يومئذٍ تُحَدِّثُ أَخَبْارَها؛ فمعناه

يوم تزلزل تُخْبِرُ بما عُمِلَ عليها. وخَبَّرَه بكذا وأَخْبَرَه:

نَبَّأَهُ. واسْتَخْبَرَه: سأَله عن الخَبَرِ وطلب أَن يُخْبِرَهُ؛ ويقال:

تَخَبَّرْتُ الخَبَرَ واسْتَخْبَرْتُه؛ ومثله تَضَعَّفْتُ الرجل

واسْتَضْعَفْتّه، وتَخَبَّرْتُ الجواب واسْتَخْبَرْتُه. والاسْتِخْبارُ والتَّخَبُّرُ:

السؤال عن الخَبَر. وفي حديث الحديبية: أَنه بعث عَيْناً من خُزَاعَةَ

يَتَخَبَّر له خَبَرَ قريش أَي يَتَعَرَّفُ؛ يقال: تَخَبْرَ الخَبَرَ

واسْتَخْبَر إِذا سأَل عن الأَخبْارِ ليعرفها.

والخابِرُ: المُخْتَبِرُ المُجَرِّبُ ورجل خابر وخَبِير: عالم

بالخَبَرِ. والخَبِيرُ: المُخْبِرُ؛ وقال أَبو حنيفة في وصف شجر: أَخْبَرَني بذلك

الخَبِرُ، فجاء به على مثال فَعِلٍ؛ قال ابن سيده: وهذا لا يكاد يعرف

إِلاَّ أَن يكون على النسب. وأَخْبَرَهُ خُبُورَهُ: أَنْبأَهُ ما عنده.

وحكي اللحياني عن الكسائي: ما يُدْرَى له أَيْنَ خَبَرٌ وما يُدُرَى له

ما خَبَرٌ أَي ما يدرى، وأَين صلة وما صلة. والمَخْبَرُ: خلاف

المَنْظَرِ، وكذلك المَخْبَرَةُ والمَخْبُرَةُ، بضم الباء، وهو نقيض المَرْآةِ

والخِبْرُ والخُبْرُ والخِبْرَةُ والخُبْرَةُ والمَخْبَرَةُ والمَخْبُرَةُ،

كله: العِلْمُ بالشيء؛ تقول: لي به خِبْرٌ، وقد خَبَرَهُ يَخْبُره خُبْراً

وخُبْرَةً وخِبْراً واخْتَبَره وتَخَبَّرهُ؛ يقال: من أَين خَبَرْتَ هذا

الأَمر أَي من أَين علمت؟ وقولهم: لأَخْبُرَنَّ خُبْرَكَ أَي

لأَعْلَمَنَّ عِلْمَك؛ يقال: صَدَّقَ الخَبَرَ الخُبْرُ. وأَما قول أَبي الدرداء:

وجدتُ الناسَ اخْبُرْ نَقْلَه؛ فيريد أَنك إِذا خَبَرْتَهُم قليتهم،

فأَخرج الكلام على لفظ الأَمر، ومعناه الخَبَرُ. والخُبْرُ: مَخْبُرَةُ

الإِنسان. والخِبْرَةُ: الاختبارُ؛ وخَبَرْتُ الرجل أَخْبُرُه خُبْرِاً

وخُبْرَةً. والخِبْيرُ: العالم؛ قال المنذري سمعت ثعلباً يقول في قوله:

كَفَى قَوْماً بِصاحِبِهمْ خَبِيرا

فقال: هذا مقلوب إِنما ينبغي أَن يقول كفى قوماً بصاحبهم خُبْراً؛ وقال

الكسائي: يقول كفى قوم. والخَبِيرُ: الذي يَخْبُرُ الشيء بعلمه؛ وقوله

أَنشده ثعلب:

وشِفَاءُ عِيِّكِ خابِراً أَنْ تَسْأَلي

فسره فقال: معناه ما تجدين في نفسك من العيّ أَن تستخبري. ورجل

مَخْبَرانِيٌّ: ذو مَخْبَرٍ، كما قالوا مَنْظَرانِيّ أَي ذو مَنْظَرٍ. والخَبْرُ

والخِبْرُ: المَزادَةُ العظيمة، والجمع خُبُورٌ، وهي الخَبْرَاءُ أَيضاً؛

عن كراع؛ ويقال: الخِبْرُ، إِلاَّ أَنه بالفتح أَجود؛ وقال أَبو الهيثم:

الخَبْرُ، بالفتح، المزادة، وأَنكر فيه الكسر؛ ومنه قيل: ناقة خَبْرٌ

إِذا كانت غزيرة. والخَبْرُ والخِبْرُ: الناقة الغزيرة اللبن. شبهت

بالمزادة في غُزْرِها، والجمع كالجمع؛ وقد خَبَرَتْ خُبُوراً؛ عن اللحياني.

والخَبْراءُ: المجرَّبة بالغُزْرِ. والخَبِرَةُ: القاع يُنْبِتُ السِّدْرَ،

وجمعه خَبِرٌ، وهي الخَبْراءُ أَيضاً، والجمع خَبْراوَاتٌ وخَبَارٌ؛ قال

سيبويه: وخَبَارٌ كَسَّرُوها تكسير الأَسماء وَسَلَّموها على ذلك وإِن

كانت في الأَصل صفة لأَنها قد جرت مجرى الأَسماء. والخَبْراءُ: مَنْقَعُ

الماء، وخص بعضهم به منقع الماء في أُصول السِّدْرِ، وقيل: الخَبْراءُ القاع

ينبت السدر، والجمع الخَبَارَى والحَبارِي مثل الصحارَى والصحارِي

والخبراوات؛ يقال: خَبِرَ الموضعُ، بالكسر، فهو خَبِرٌ؛ وأَرض خَبِرَةٌ.

والخَبْرُ: شجر السدر والأَراك وما حولهما من العُشْبِ؛ واحدته

خَبْرَةٌ. وخَبْراءُ الخَبِرَةِ: شجرها؛ وقيل: الخَبْرُ مَنْبِتُ السِّدْرِ في

القِيعانِ. والخَبْرَاءُ: قاع مستدير يجتمع فيه الماء، وجمعه خَبَارَى

وخَبَاري. وفي ترجمة نقع: النَّقائهعُ خَبَارَى في بلاد تميم. الليث:

الخَبْراءُ شَجْراءُ في بطن روضة يبقى فيها الماء إِلى القيظ وفيها ينْبت

الخَبْرُ، وهو شجر السدر والأَراك وحواليها عُشْبٌ كثير، وتسمى الخَبِرَةَ،

والجمع الخَبِرُ. وخَبْرُ الخَبِرَةِ: شجرُها قال الشاعر:

فَجادَتْكَ أَنْواءُ الرَّبيعِ، وهَلِّلَتْ

عليكَ رِياضٌ من سَلامٍ ومن خَبْرِ

والخَبْرُ من مواقع الماء: ما خَبِرَ المَسِيلُ في الرؤوس فَتَخُوضُ

فيه. وفي الحديث: فَدَفعنا في خَبَارٍ من الأَرض؛ أَي سهلة لينة. والخَبارُ

من الأَرض: ما لانَ واسْتَرخَى وكانت فيهع جِحَرَةٌ. والخَبارُ:

الجَراثيم وجِحَرَةُ الجُرْذانِ، واحدته خَبارَةٌ. وفي المثل: من تَجَنَّبَ

الخَبَارَ أَمِنَ العِثارَ. والخَبارُ: أَرض رِخْوَةٌ تتعتع فيه الدوابُّ؛

وأَنشد:

تَتَعْتَع في الخَبارِ إِذا عَلاهُ،

ويَعْثُر في الطَّرِيقِ المُسْتَقِيمِ

ابن الأَعرابي: والخَبارُ ما اسْتَرْخَى من الأَرض وتَحَفَّرَ؛ وقال

غيره: وهو ما تَهَوَّرَ وساخَتْ فيه القوائم. وخَبِرَتِ الأَرضُ خَبَراً:

كثر خَبارُها. والخَبْرُ: أَن تزرع على النصف أَو الثلث من هذا، وهي

المُخابَرَةُ، واشتقت من خَيْبَرَ لأَنها أَول ما أُقْطِعَتْ كذلك.

والمُخابَرَةُ: المزارعة ببعض ما يخرج من الأَرض، وهو الخِبْرُ أَيضاً،

بالكسر. وفي الحديث: كنا نُخابر ولا نرى بذلك بأْساً حتى أَخْبَرَ رافعٌ

أَن رسولُ الله، صلى الله عليه وسلم، نهى عنها. وفي الحديث: أَنه نهى عن

المُخابرة؛ قيل: هي المزارعة على نصيب معين كالثلث والربع وغيرهما؛ وقيل:

هو من الخَبارِ، الأَرض اللينة، وقيل: أَصل المُخابرة من خَيْبر، لأَن

النبي، صلى الله عليه وسلم، أَقرها في أَيدي أَهلها على النصف من محصولها؛

فقيل: خابَرَهُمْ أَي عاملهم في خيبر؛ وقال اللحياني: هي المزارعة فعمّ

بها. والمُخَابَرَةُ أَيضاً: المؤاكرة. والخَبِيرُ: الأَكَّارُ؛ قال:

تَجُزُّ رؤُوس الأَوْسِ من كلِّ جانِبٍ،

كَجَزِّ عَقاقِيلِ الكُرومِ خَبِيرُها

رفع خبيرها على تكرير الفعل، أَراد جَزَّه خَبِيرُها أَي أَكَّارُها.

والخَبْرُ الزَّرْعُ.

والخَبِيرُ: النبات. وفي حديث طَهْفَةَ: نَسْتَخْلِبُ الخَبِيرَ أَي

نقطع النبات والعشب ونأْكله؛ شُبّهَ بِخَبِيرَ الإِبل، وهو وبَرُها لأَنه

ينبت كما ينبت الوبر. واستخلابه: احْتِشاشُه بالمِخْلَبِ، وهو المِنْجَلُ.

والخَبِيرُ: يقع على الوبر والزرع والأَكَّار. والخَبِيرُ: الوَبَرُ؛ قال

أَبو النجم يصف حمير وحش:

حتى إذا ما طار من خَبِيرِها

والخَبِيرُ: نُسَالة الشعر، والخَبِيرَةُ: الطائفة منه؛ قال المتنخل

الهذلي:

فآبوا بالرماحِ، وهُنَّ عُوجٌ،

بِهِنَّ خَبائِرُ الشَّعَرِ السِّقَاطُ

والمَخْبُورُ: الطَّيِّب الأَدام. والخَبِيرُ: الزَّبَدُ؛ وقيل: زَبَدُ

أَفواه الإِبل؛ وأَنشد الهذلي:

تَغَذّمْنَ، في جانِبيهِ، الخَبِيـ

ـرَ لَمَّا وَهَى مُزنُهُ واسْتُبِيحَا

تغذمن من يعني الفحول أَي الزَّبَدَ وعَمَيْنَهُ.

والخُبْرُ والخُبْرَةُ: اللحم يشتريه الرجل لأَهله؛ يقال للرجل: ما

اختَبَرْتَ لأَهلك؟ والخُبْرَةُ: الشاة يشتريها القوم بأَثمان مختلفة ثم

يقتسمونها فَيُسْهِمُونَ كل واحد منهم على قدر ما نَقَدَ. وتَخَبَّرُوا

خُبْرَةً: اشْتَرَوْا شَاةً فذبحوها واقتسموها. وشاة خَبِيرَةٌ: مُقْتَسَمَةٌ؛

قال ابن سيده: أُراه على طرح الزائد. والخُبْرَةُ، بالضم: النصيب تأْخذه

من لحم أَو سمك؛ وأَنشد:

باتَ الرَّبِيعِيُّ والخامِيز خُبْرَتُه،

وطاحَ طَيُّ بني عَمْرِو بْنِ يَرْبُوعِ

وفي حديث أَبي هريرة: حين لا آكلُ الخَبِيرَ؛ قال ابن الأَثير: هكذا جاء

في رواية أَي المَأْدُومَ. والخَبير والخُبْرَةُ: الأَدام؛ وقيل: هو

الطعام من اللحم وغيره؛ ويقال: اخْبُرْ طعامك أَي دَسِّمْهُ؛ وأَتانا

بِخُبْزَةٍ ولم يأْتنا بخُبْزَةٍ. وجمل مُخْتَبِرٌ: كثير اللحم. والخُبْرَةُ:

الطعام وما قُدِّم من شيء. وحكي اللحياني أَنه سمع العرب تقول: اجتمعوا

على خُبْرَتِه، يعنون ذلك. والخُبْرَةُ: الثريدة الضخمة. وخَبَرَ الطعامَ

يَخْبُرُه خَبْراً: دَسَّمَهُ. والخابُور: نبت أَو شجر؛ قال:

أَيا شَجَرَ الخابُورِ ما لَكَ مُورِقاً؟

كأَنَّكَ لم تَجْزَعُ على ابنِ طَرِيفِ

والخابُور: نهر أَو واد بالجزيرة؛ وقيل: موضع بناحية الشام. وخَيْبَرُ:

موضع بالحجاز قرية معروفة. ويقال: عليه الدَّبَرَى

(* قوله: «عليه الدبرى

إلخ» كذا بالأَصل وشرح القاموس. وسيأتي في خ س ر يقول: بفيه البرى).

وحُمَّى خَيْبَرى.

خبر

1 خَبُرَ, aor. ـُ (K,) inf. n. خُبُورٌ; (TA;) and ↓ اختبر, and ↓ تخبّر; (K;) He knew; or had, or possessed, knowledge; بِشَىْءٍ [of a thing; generally meaning, with respect to its internal, or real, state]. (K, TA.) A2: خَبَرَهُ, (S, A, Msb,) aor. ـُ (Msb, MS,) inf. n. خَبْرٌ; (Msb, MS; *) and خَبِرَهُ, [aor. ـَ (A,) inf. n. خَبَرٌ; (TA;) and ↓ اختبِرهُ, and ↓ تخبّرهُ; (TA;) He knew it; syn. عَلِمَهُ; (S, A, Msb;) [generally meaning, with respect to its internal, or real, state; like خَبُرَ بِهِ: see خُبْرٌ, its simple subst., as distinguished from its inf. n.] You say, مِنْ أَيْنَ خَبَرْتَ هَذَا الأَمْرَ, (so in a copy of the S,) or خَبِرْتَ, (so in another copy of the S, and so in the A, where it is expressly said to be with kesr,) Whence knewest thou this thing? (S, A. *) b2: And خَبَرَهُ, (S, K,) aor. ـُ (S,) inf. n. خُبْرٌ and خِبْرَةٌ, (S, K,) or the latter is a simple subst.; (Msb;) and ↓ اختبرهُ [which is the more common in this sense]; (S, Msb, K;) He tried, made trial of, made experiment of, tested, proved, assayed, proved by trial or experiment or experience him, or it. (S, Msb, K.) Hence the phrase, (S,) لَأَخْبُرَنَّ خَبَرَكَ, (S, K,) in some good lexicons خُبْرَكَ, (TA, [and so in the CK, but this I think to be a mistake, suggested by the explanation, which is not literal,]) i. q. لَأَعْلَمَنَّ عِلْمَكَ [which properly signifies I will assuredly know thy knowledge, or what thou knowest, but here means, as is shown by the manner in which the phrase that it explains is mentioned in the S, I will assuredly try, prove, or test, thy state, and so know what thou knowest]. (S, K.) [Hence, also,] the saying of Abu-dDardà, وَجَدْتُ النَّاسَ اُخْبُرْ تَقْلِهِمْ, (S,) or تَقْلِهِ, (A, K,) I found the people to be persons of whom it is said thus: [Try, prove, or test, them, or him, and thou wilt hate them, or him:] i. e. there is not one [of them] but his conduct is hated when it is tried, or proved, or tested: (K:) or when thou triest, provest, or testest, them, thou wilt hate them: the imperative form being used, but the meaning being that of an enunciative: (S, A, L, B:) [وَجَدْتُ is a verb of the kind called أَفْعَالُ القُلُوبِ, which govern two objective complements; therefore اُخْبُرْ تَقْلِهِمْ and اُخْبُرْ تَقْلِهِ are for مَقْلِيِّينَ عِنْدَ الخِبْرَةِ and مَقْلِيًّا عند الخبرة.]

A3: خَبَرَ الأَرْضَ, [and, as appears from a passage in the L, ↓ خبّرها, (see خَبْرٌ,)] He furrowed, or ploughed, the land for sowing. (Msb.) A4: خَبَرَ الطَّعَامَ, (K,) aor. ـُ inf. n. خَبْرٌ, (TA,) He made the food greasy; or put grease to it. (K, TA.) A5: خَبِرَ It (a place) was, or became, what is termed خَبْرَآء: (S:) or abounded with سِدْر [or lote-trees]. (TA.) b2: And خَبِرَتِ الأَرْضُ, aor. ـَ (K,) inf. n. خَبَرٌ, (TA,) The land, or ground, abounded with خَبَار [app. meaning soft soil: see 3]. (K.) A6: خبرت, [probably خَبُرَتْ, like غَزُرَتْ &c.,] inf. n. خُبُورٌ, (tropical:) She (a camel) abounded with milk. (Lh, TA. [See خَبْرٌ.]) 2 خَبَّرَ see 4, in two places: A2: and see 1.3 خَاْبَرَ خابرهُ, (TA,) inf. n. مَخَابَرَةٌ, (S, A, Mgh, Msb, K, &c.,) [He made a contract, or bargain, with him to till and sow and cultivate land for a share of its produce:] the inf. n. signifies i. q. مُزَارَعَةٌ [i. e. the making a contract, or bargain, with another to cultivate land for a share of its produce], (AO, Lh, S, A, IAth, Mgh, Msb,) for somewhat of its produce, (S, Msb,) or for a third or a quarter, (AO, Mgh,) or for a determined share, such as a third or a quarter or some other portion, (IAth,) or for half or the like: (so in some copies of the K and in the TA:) or the tilling the ground for half or the like: (so in other copies of the K:) and i. q. مُؤَاكَرَةٌ: (K:) and ↓ خِبْرٌ is syn. with مُخَابَرَةٌ: (S, K:) it is a forbidden practice: (A, Mgh, TA:) it is from خَبِيرٌ signifying “ a tiller, or cultivator, of land: ” (S, Mgh:) or from خَبَرَ “ he furrowed, or ploughed (land) for sowing; ” whence خَبِيرٌ also: (Msb:) or from خَبِرَتِ الأَرْضُ “ the land abounded with خَبَار: ” or from [the fortress of] خَيْبَر, because the Prophet made it to remain in the possession of its inhabitants for half of its revenue; and therefore it was said, خَابَرَهُمْ. (TA.) 4 اخبرهُ, [inf. n. إِخْبَارٌ;] (S, A, Msb, K;) and ↓ خبّرهُ, (S, A, K,) inf. n. تَخْبِيرٌ; (K;) are syn. [as signifying He informed him, told him, or acquainted him]. (S, A, K.) You say, أَخْبَرْتُهُ بِكَذَا, (S, Msb,) [and عَنْ كذا,] and ↓ خَبَّرْتُهُ, (S,) [I informed him, or told him, of such a thing; or acquainted him with such a thing; or made him to know the internal, or real, state of such a thing.] And ↓ اخبرهُ خُبُورَةً, i. e. أَنْبَأَهُ مَا عِنْدَهُ [He informed him, or told him, of what he had, or knew]. (K. [Whether it be meant that اخبر is doubly trans. without a particle, in this instance, like أَعْلَمَ, or whether خبورة be a quasi-inf. n, is not explained.]) One says also, تُخْبِرُ عَنْ مَجْهُولِهِ مَرْآتُهُ (tropical:) [His aspect acquaints one with his unknown state or qualities]. (A.) [And اخبر عَنْهُ He predicated of him, or it.]

A2: أَخْبَرْتُ اللِّقْحَة (tropical:) I found the milch camel to be abounding with milk. (K. [See 1, last sentence.]) 5 تَخَبَّرَ see 1, in two places: b2: and see 10, in four places.

A2: تخبّروا, (K,) or تخبّروا خُبْرَةً, (S,) They bought a sheep or goat, (S, K,) for different sums, (TA,) and slaughtered it, (S, K,) and divided its flesh among themselves, (S, TA,) each of them receiving a share proportioned to the sum that he had paid. (TA.) 8 إِخْتَبَرَ see 1, in three places.

A2: مَا اخْتَبَرْتَ لِأَهْلِكَ What خُبْرَة, or flesh-meat, hast thou bought for thy family? (TA.) 10 استخبرهُ (A, K) and ↓ تخبّرهُ (K) He asked, or sought, or desired, of him information, or news, or tidings: (A, * K:) or he asked him respecting news, or tidings, and desired that he should inform him thereof. (TA.) And استخبر and ↓ تخبّر, (S,) or استخبر الخَبَرَ and ↓ تخبّرهُ, (TA,) He asked, or inquired, after the news, or tidings, (S, TA,) that he might know the same: (TA:) and ↓ تخبّر الأَخْبَارَ He searched after the news, or tidings, diligently, or time after time. (A, TA.) خَبْرٌ: see خُبْرٌ.

A2: Also Trees of the kind called سِدْر [or lote-trees], (Lth, K,) and أَرَاك, with abundant herbage around them; (Lth;) as also ↓ خَبِرٌ: (Lth, K:) [both coll. gen. ns.:] ns. un.

خَبْرَةٌ and خَبِرَةٌ. (TA.) b2: Seed-produce. (K.) b3: A place where water rests, or stagnates, in a mountain: (K:) a place where water has fallen, such as the water-course has furrowed (خَبَّرَ [perhaps a mistranscription for خَبَرَ]) in the summits (رُؤُوس) [of mountains], and through which one wades. (L.) A3: A large [leathern water-bag of the kind called] مَزَادَة [q. v.]; (S, K;) as also ↓ خَبْرَآءُ (Kr, K) and ↓ خِبْرٌ: (K:) but this last is disallowed, in the sense above-explained, by AHeyth; and others say that the first word is better: (TA:) pl. of the first خُبُورٌ. (S, K.) b2: Hence, by way of comparison thereto, (S,) (tropical:) A she-camel abounding with milk; (S, K;) as also ↓ خِبْرٌ, (K,) and ↓ مَخْبُورَةٌ [نَاقَةٌ]. (TA.) خُبْرٌ (S, A, K) and ↓ خِبْرٌ (K) and ↓ خَبْرٌ, an inf. n., (Msb,) and ↓ خَبَرٌ, also an inf. n., (TA,) and ↓ خُبْرَةٌ and ↓ خِبْرَةٌ and ↓ مَخْبَرَةٌ, (K,) Knowledge, syn. عِلْمٌ, (S, A, Msb, K,) بِشَىْءٍ [of a thing]: (A, K:) or, accord. to some, خُبْزٌ signifies knowledge of the secret internal state: and ↓ خِبْزَةٌ and ↓ خُبْزَةٌ signify knowledge of the external and internal state; or, as some say, of secret internal circumstances or properties; but this necessarily involves acquaintance with external things. (TA.) You say, لِى بِهِ خُبْرٌ and ↓ خِبْرَةٌ [&c.] I have knowledge of it. (TA.) And مَا لِى بِهِ خُبْرٌ [&c.] I have not knowledge of it. (A.) b2: See also خِبْرَةٌ.

A2: And see خَبِيرٌ: A3: and خُبْرَةٌ.

خِبْرٌ: see خُبْرٌ: A2: and see also 3: A3: and see خَبْرٌ, in two places.

خَبَرٌ [originally] an inf. n. of خَبِرَهُ: see خُبْرٌ. (TA.) b2: Also Information; a piece of information; a notification; intelligence; an announcement; news; tidings; a piece of news; an account; a narration, or narrative; a story; syn. نَبَأٌ; (T, K;) that comes to one from a person of whom he asks it: (TA:) or خَبَرٌ and نَبَأٌ are not synonymous; for, accord. to Er-Rághib and others, the latter relates to a thing of great importance: and accord. to the leading authorities in lexicology and the science of conventional language, the former signifies properly, and in its common acceptation, what is related from another or others: to which authors on the Arabic language add, that it may be true or false: (MF:) or what is related from another or others, and talked of: (Msb:) pl. أَخْبَارٌ, (S, Msb, K,) and pl. pl. أَخَابِيرُ. (K.) b3: By the relaters of traditions, it is used as syn. with حَدِيثٌ [signifying A tradition; or narrative relating, or describing, a saying or an action &c. of Mohammad]: (TA:) or this latter term is applied to what comes from the Prophet; and خَبَرٌ, to what comes from another than the Prophet; or from him or another; and أَثَرٌ, to what comes from a Companion of the Prophet; but it may also be applied to a saying of the Prophet. (Kull p. 152.) b4: [In grammar, as correlative of مُبْتَدَأٌ, An enunciative: and as correlative of اِسْمٌ, the predicate of the non-attributive verb كَانَ and the like, and of كَادَ &c.] b5: Also A man's state, or case; الأَمْرُ الَّذِى هُوَ عَليْهِ. (Har p. 20.) خَبِرٌ: see خَبِيرٌ, in two places.

A2: See also خَبْرٌ. b2: خَبِرَةٌ, or أَرْضٌ خَبِرَةٌ; and مَوْضِعٌ خَبِرٌ, and خَبِرٌ alone: see خُبْرٌ.

خُبْرَةٌ: see خُبْرٌ, in two places.

A2: Also A portion, or share, (A'Obeyd, S, A, Mgh, K,) which one takes, of flesh-meat or fish. (A'Obeyd, S, K.) b2: A sheep, or goat, which is bought by a number of persons, (S, K,) for different sums, (TA,) and slaughtered, (S, K,) and of which the flesh is then divided by them among themselves, (S,) each of them receiving a share proportioned to the sum that he has paid; (TA; [see 5;]) as also ↓ خَبِيرَةٌ: (K:) and ↓ شَاةٌ خَبِيرَةٌ a sheep, or goat, divided among several persons; thought by ISd to be formed by rejection of the augmentative letter [in its verb تخبّر]. (TA.) b3: What one buys for his family; as also ↓ خُبْرٌ: (K:) accord. to some, (TA,) flesh-meat (K, TA) which one buys for his family. (TA.) b4: Food, (K, TA,) consisting of flesh-meat and other kinds. (TA.) b5: A thing brought forward or offered [for entertainment]. (Lh, K.) So in the saying, اِجْتَمَعُوا عَلَى خُبْرَتِهِ [They congregated over what he had brought forward, or offered, for their entertainment]. (Lh.) b6: A mess of crumbled, or broken, bread, moistened with broth, large, (K, TA,) and greasy. (TA.) b7: A bowl in which are bread and flesh-meat for four or five [persons]. (K.) b8: Food which the traveller carries in his journey, (K,) and provides for himself. (TA.) b9: Seasoning, condiment, or savoury food; as also ↓ خَبِيرٌ: whence the saying, أَتَانَا بِخُبْزَةٍ وَلَمْ يَأْتِنَا بِخُبْرَةٍ [He brought us a cake of bread, but he brought us not any seasoning]. (TA.) b10: Hence, by the Karaj, whose land is adjacent to 'Irák el-'Ajam, applied to A date; and by some of them pronounced خُبْلَةٌ. (TA.) خِبْرَةٌ Trial, proof, or test; (S, Msb, K;) and so ↓ خُبْرٌ, (S, K,) as in the saying, صَدَّقَ الخَبَرَ الخُبْرُ [The trial, proof, or test, verified the information]. (S.) b2: See also خُبْرٌ, in three places.

خَبْرَآءُ, (Lth, S, K,) and أَرْضٌ خَبْرَآءُ, (S,) and ↓ خَبِرَةٌ, (Lth, K, [in the CK خَبْرَة,]) or أَرْضٌ خَبِرَةٌ, (S,) A plain, or level, tract of land, that produces سِدْر [or lote-trees]: (S, K:) or a tract abounding with trees, in the lower part of a meadow, in which water remains until the hot season, and in which grow trees of the kinds called سِدْر and أَرَاك, with abundant herbage around them: (Lth:) the pl. of خَبْرَآءُ is خَبَارَى and خَبَارٍ and خَبْرَاوَاتٌ (S, K) and خِبَارٌ; (K;) and the pl. of خَبِرَةٌ is ↓ خَبِرٌ; (TA;) [or this is neither a pl. nor a quasi-pl. n.: it may be a coll. gen. n.: but it is probably only an epithet, of which خَبِرَةٌ is the fem.; for] one says also ↓ مَوْضِعٌ خَبِرٌ, (S, TA,) meaning a place abounding with سِدْر. (TA.) b2: خَبْرَآءُ also signifies A place where water collects and stagnates: (TA:) or where water collects and stagnates at the roots of trees of the kind called سِدْر: (K, TA:) or a round low tract of level ground in which water collects. (T.) b3: See also خَبَارٌ.

A2: And see خَبْرٌ.

خَبَارٌ Soft land or soil, (IAar, S, A, Mgh, K,) in which are burrows (IAar, S, A) and hollows; (IAar;) as also ↓ خَبْرَآءُ: (A:) or soft land or soil, in which beasts sink and are embarrassed: or crumbling ground, in which the feet of beasts sink. (TA.) It is said in a prov., مَنْ تَجَنَّبَ الخَبَارَ أَمِنَ العِثَارَ [He who avoids soft ground in which the feet sink will be secure from stumbling]. (A, K.) b2: Also Heaps of earth, or dust, collected at the roots of trees. (K, * TA.) b3: and Burrows of جِرْذَان [or large field-rats]: (K:) [a coll. gen. n.:] n. un. with ة. (TA.) الخَبُورُ The lion. (K.) خَبِيرٌ Knowing; having knowledge; (S, A, Msb;) as also ↓ خَبِرٌ: (AHn:) or possessing much knowledge with respect to internal things; like شَهِيدٌ with respect to external things: (L in art. شهد:) or possessing knowledge of matters of information, news, tidings, accounts, narratives, or stories; of what is termed خَبَرٌ; (K;) or of what are termed أَخْبَار; (TA;) as also ↓ خَابِرٌ and ↓ خَبِرٌ, (K,) which last is thought by ISd to be a possessive [as distinguished from a verbal] epithet, (TA,) [or it is from خَبِرَ, a form which ISd may not have known,] and ↓ خُبْرٌ, (K,) which is an intensive epithet: (TA:) also informed; possessing information. (TA.) You say, أَنَا بِهِ خَبِيرٌ I have knowledge of it. (A.) And [hence]

الخَبِيرُ is a name of God, meaning He who knoweth what hath been and what is or will be: (TA:) or He who well knoweth the internal qualities of things. (Sharh Et-Tirmidhee.) b2: Also Possessing knowledge of God, (K, TA,) by being acquainted with his names and his attributes. (TA.) b3: A lawyer; one skilled in the law, or practical religion. (TA.) b4: A head, or chief. (TA.) A2: A tiller, or cultivator, of land. (S, Mgh, Msb, K.) A3: Fur, or soft hair, syn. وَبَرٌ, (S, K,) of camels, and (tropical:) of the wild ass. (TA.) b2: Hair that has fallen: and with ة, a portion thereof. (K.) [See also خَبِيرَةٌ below.] b3: (tropical:) Plants, or herbage; (S, K, TA;) fresh herbage: (K, TA:) likened to the وَبَر of camels, because growing like the latter: and seed-produce. (TA.) It is said in a trad., نَسْتَخْلِبُ الخَبِيرَ (tropical:) We cut (S, TA) with the reaping-hook, (TA,) and eat, the plants, or herbage. (S, TA.) b4: Froth, or foam: (TA:) or the froth, or foam, of the mouths of camels. (S, K, TA.) A4: Seasoned, or made savoury. (TA.) b2: See also خُبْرَةٌ.

خُبُِورَةٌ: see 4.

خَبِيرَةٌ: see خُبَرةٌ, in two places.

A2: Also Good wool, of the first shearing. (K.) [See also خَبِيرٌ.]

A3: An invitation to the عَقِيقَة [q. v.] of a boy. (TA.) خَابِرٌ: see خَبِيرٌ. b2: Also One who tries, proves, or tests, things; having experience. (TA.) خَابُورٌ A certain plant: (K:) or a kind of tree, having a blossom beautiful and bright, yellow, and of good odour, with which gardens are adorned: MF says, I do not think it to be found in the East. (TA.) الخَيبَرَى, (K, TA,) in some copies of the K written الخَيْبَرِىُّ, (TA,) The black serpent. (K.) So in the saying, بَلَاهُ اللّٰهُ بِالخَيْبَرَى [May God afflict him, or it, with the black serpent]: app. because a ruined place becomes the resort of deadly serpents. (TA.) A2: One says also, عَلَيْهِ الدَّبَرَى وَحُمَّى خَيْبَرَى [May perdition befall him, and the fever of Kheyber: الدبرى being app. an inf. n., syn. with الدَّبَار, which is used in a similar phrase (عَلَيْهِ الدَّبَارُ) mentioned in the TA in art. دبر, and خَيْبَر being altered to خَيْبَرَى, as is indicated in the S, in order to assimilate it in form to الدبرى]: (S, TA:) the fever of Kheyber is مُتَنَاذَرَة [i. e. a fever “ against which people warn one another,” because it is generally fatal]. (TA.) [See also خَاسِرٌ.]

أَخْبَارِىٌّ A historian: a rel. n. formed from the pl., like أَنْصَارِىٌّ and أَنْمَاطِىٌّ. (TA.) مَخْبَرٌ (S) and ↓ مَخْبَرَةٌ (S, K) and ↓ مُخْبَرَةٌ (S, M) The internal state; an internal, or intrinsic, quality; the intrinsic, or real, as opposed to the apparent, state, or to the aspect, of a thing; [whether pleasing or displeasing; but when used absolutely, meaning the former;] opposite of مَرْآةٌ (S, K) and of مَنْظَرٌ [q. v.]. (S.) See also مَخْبَرَانِىٌّ.

مَخْبَرَةٌ: see خُبْرٌ: A2: and see مَخْبَرٌ.

A3: Also [A privy;] a place where excrement, or ordure, is voided. (K.) مَخْبُرَةٌ: see مَخْبَرٌ.

رَجُلٌ مَخْبَرَانِىٌّ A man of goodly internal, or intrinsic, qualities; syn. ↓ ذُو مَخْبَرٍ; like مَنْظَرَانِىٌّ as meaning ذُو مَنْظَرٍ. (TA.) مَخْبُورٌ Well seasoned; (K;) having much grease. (TA.) A2: نَاقَةٌ مَخْبُورَةٌ: see خَبْرٌ, last sentence.

مُخْتَبَرٌ (assumed tropical:) A camel having much flesh. (TA.)
خبر
خبَرَ يَخبُر، خُبْرًا وخِبْرَةً، فهو خابِر وخبير، والمفعول مَخْبور
• خبَر الحياةَ: علِمها وعرَف حقــيقتَها عن تجربة "لقد خَبَرْتك وعرفت صدقَ طويّتك- {كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا} " ° مِنْ أين خَبَرْت هذا الأمر؟: أي من أين عرفت حقــيقتَه؟.
• خبَرَ الرَّجُلَ: اختبره، امتحنه ليعرفَ حقــيقتَه. 

خبُرَ/ خبُرَ بـ يخبُر، خُبْرًا وخِبْرَةً، فهو خبير، والمفعول مَخْبُور به
• خبُر الشَّخصُ: صار خبيرًا.
• خبُر بالأمرِ: عرفه معرفة جيِّدة "صاحب الكلام أخبر بمعناه- {وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا} ". 

خبِرَ يَخبِر، خَبَرًا، فهو خابر، والمفعول مَخْبور
• خبِر الشَّيءَ والشَّخصَ: علمه وعرفه على حقــيقته. 

أخبرَ يُخبر، إخبارًا، فهو مُخبِر، والمفعول مُخبَر
• أخبره وقائع المؤتمر/ أخبره بوقائع المؤتمر/ أخبره عن وقائع المؤتمر: أعلمه وأنبأه بها "أخبر شخصًا بالتفاصيل- أخبرني عن جليّة الأمر: حقــيقته". 

اختبرَ يختبر، اختبارًا، فهو مختبِر، والمفعول مختبَر
• اختبر الدَّواءَ: جرَّبه، أخضعه للاختبار، فحصه ليعرف حقــيقتَه "اختبر السِّلاحَ".
• اختبر الشَّخصَ: امتحنه "اختبره في القراءة/ الكتابة/ القيادة/ المعلومات العامّة- عقد المدرس اختبارًا مفاجئًا لطلابه".
• اختبر اللهُ النَّاسَ: ابتلاهم امتحانًا لقوّة إيمانهم، وهو أعلم بها. 

استخبرَ يستخبر، استخبارًا، فهو مستخبِر، والمفعول مستخبَر
• استخبره عن الأمر: طلب منه أن يخبره حقــيقتَه، سأله عنه والتمس معرفتَه "استخبره عن صحّة/ أحوال أبيه- استخبره عمّا يجري في فلسطين". 

تخابرَ يتخابر، تخابُرًا، فهو متخابِر
• تخابر مع صديقه: تبادل معه الأخبارَ "تخابر الشخصان هاتفيًّا- قُبض عليه بتهمة التخابر مع دولة أجنبيّة: بتهمة إمدادها بمعلومات عن بلده". 

تخبَّرَ يتخبَّر، تخبُّرًا، فهو متخبِّر، والمفعول متخبَّر
• تخبَّر الأمرَ: تعرَّفه على حقــيقته. 

خابرَ يخابر، مُخابَرَةً، فهو مخابِر، والمفعول مخابَر
• خابر صديقَه:
1 - باحثه، بادله الأخبار "خابره في الأمر فوجد لديه كلّ تفهُّم".
2 - كالمه، اتّصل به هاتفيًّا "أرجو أن تخابرني حال نجاحك".
• خابر المالكُ الفلاَّحَ: (قن) سلّمه أرضَه لاستثمارها على نصيب معيّن كالثلث والربع وغيرهما، شاركه في زراعة أرض على نصيب معيَّن. 

خبَّرَ يخبِّر، تخبيرًا، فهو مخبِّر، والمفعول مخبَّر
• خبَّره الأمرَ/ خبَّره بالأمر/ خبَّره عن الأمر: أخبره به، أعلمه إيّاه وأبلغه به، أنبأه به "من خبَّر بنبأ فقد أنار-
 خبّره ما جرى في غيابه". 

إخبار [مفرد]:
1 - مصدر أخبرَ.
2 - (قن) قيام سلطة رسميّة أو موظّف، أو قيام من شاهد اعتداء على الأمن العام أو حياة الناس بإبلاغ المدعي العام التابع له محلّ وقوع الجريمة. 

أخباريّ [مفرد]: اسم منسوب إلى أخبار: على غير قياس: مؤرِّخ "الطبري من أبرز الأخباريِّين العرب" ° صحيفة أخباريّة: تُعنى بالأخبار والأحداث. 

إخباريّ [مفرد]: اسم منسوب إلى إخبار: إعلاميّ، مهتمّ بنشر الأخبار "شريط إخباريّ- قام الإخباريّون بتغطية أحداث الحفل وبثِّه على الهواء مباشرة".
• الإخباريّ من الأفعال: الذي يعبِّر عن إخبار، كالفعل قال أو روى. 

إخبارِيَّة [مفرد]:
1 - اسم مؤنَّث منسوب إلى إخبار: "نشرة إخباريّة" ° رسالة إخباريّة: تقرير مطبوع يُزوَّد بأخبار ومعلومات ذات أهميّة لجماعة مُعيَّنة.
2 - مصدر صناعيّ من إخبار: خبر منقول بطريقة سرِّيَّة "وصلت إلى الشُّرطة إخباريّة بوجود مهرِّبين على الحدود".
3 - (سف) فرقة من الإماميّة، وهم فرقة من الشِّيعة قالوا بالنصِّ الجليّ على إمامة علي رضي الله عنه، وكفَّروا الصحابةَ ووقعوا فيهم وساقوا الإمامة إلى جعفر الصادق. 

اختبار [مفرد]: ج اختبارات (لغير المصدر):
1 - مصدر اختبرَ.
2 - امتحان، تجربة "اجتاز الاختبارات جميعها بنجاح باهر- جرّبه على سبيل الاختبار- الاختبار مُعلِّم أخرس" ° اختبار الطَّريق: اختبار يُجرى للمركبات لمعرفة مقدار صلاحيتها للسير على الطرق، فحص للشَّخص الذي يسعى للحصول على رُخصة قيادة لمعرفة قدرته على القيادة في الطرق- اختبار قيادة: امتحان في آداب المرور وقيادة السَّيارة- اختبار معاكس: اختبار يهدف إلى التــحقــق من أن نتائج اختبار أوَّلٍ صحيحةٌ- بالون اختبار: امتحان أو تجربة لجسّ نبض الرأي العام- تحت الاختبار: موضوع تحت الملاحظة؛ لمعرفة مدى صلاحيته- حَقْــل اختبار: حقــل للاختبارات الزراعيّة، ومجازًا: إخضاع مجتمع أو جماعات لتجربة أو تجارب يكون الغرض منها تــحقــيق شعارات- على سبيل الاختبار: للتجربة- ورقة اختبار: ورقة مشبَّعة بصبغة عبَّاد الشمس؛ لإجراء اختبارات كيميائيّة.
• اختبار القُدْرة: قياس قدرة العامل على أداء واجبات معيَّنة كالقدرة الميكانيكيّة، والقدرة الكتابيَّة، والقدرة الفنِّية.
• الاختبار الأحيائيّ: (كم) تحديد نوع القوّة أو النَّشاط الحيويّ لمادَّة كالعقار أو الهرمون بمقارنة نتائجه مع تلك التي أجريت على حيوان في مختبر.
• أنبوب اختبار: (كم) مخبار، أنبوب زجاجيّ أسطوانيّ مفتوح من جانب ودائريّ من الجانب الآخر ويستخدم في التَّجارب المخبريّة.
• اختبار الحساسيَّة: (طب) اختبار لبيان مدى التَّأثُّر بدواء مُعيّن أو بمرض مُعْدٍ، بوضع لزقات على الجلد، أو بإحداث خدوش جلديّة وتعريضِها لجرعاتٍ تُسَبِّبُ المرض أو العدوى.
• اختبار الذَّكاء: (نف) نوع من الاختبارات لقياس مستوى الذكاء والقدرات العقليّة، اختبار معياريّ لتحديد مُستوى الذكاء عن طريق قياس القدرة الفرديّة على تكوين المفاهيم وحلّ المشكلات واكتساب المعلومات وتأدية عمليّات ذهنيّة أخرى. 

اختباريّ [مفرد]:
1 - اسم منسوب إلى اختبار: تجريبيّ، قائم على الاختبار والملاحظة "أسلوب اختباريّ".
2 - استقرائيّ، ناتج عن بحث وتتبُّع "حُكم اختباريّ". 

اختباريَّة [مفرد]:
1 - اسم مؤنَّث منسوب إلى اختبار: "يقضي المعيّنون الجدد فترة اختباريّة مدّتها ستة أشهر- حفرت الشَّركة عشرين بئرًا اختباريّة تنقيبًا عن البترول".
2 - مصدر صناعيّ من اختبار: قابلية شيء للسَّبْر والامتحان "اختباريّة ذاكرة".
3 - تجريبيّة، مذهب يقول بأن المعرفة كلّها مستمدّة من التّجربة والاختبار. 

استخبار [مفرد]: ج استخبارات (لغير المصدر):
1 - مصدر استخبرَ.
2 - مُحَرَّر يتضمّن أسئلة عن شئون خاصَّة بالمسئول للإجابة عنها ° إدارة الاستخبارات/ دائرة الاستخبارات: مركز لجمع المعلومات عن العدوّ حماية لأمن الدولة والسلامة العامّة- الاستخبارات العسكريَّة: مركز لجمع المعلومات العسكريَّة.
 • جهاز الاستخبارات: مباحث، جهاز رسميّ يتولَّى أعمال التجسُّس على العدوّ والكشف عمّا يعرّض أمن الدولة الداخليّ والخارجيّ للاضطرابات "جنّدتهم أجهزة استخبارات العدوّ عملاء لها". 

استخباراتيَّة [مفرد]:
1 - اسم مؤنَّث منسوب إلى استخبارات: على غير قياس "زعمت مصادر استخباراتيّة أمريكيّة أن لدى العراق أسلحة دمار شامل".
2 - مصدر صناعيّ من استخبارات: معلوماتيّة؛ مجموع التقنيَّات المتعلِّقة بالمعلومات ونقلها. 

استخباريَّة [مفرد]:
1 - اسم مؤنَّث منسوب إلى استخبار: "تم القبض عليه بتهمة القيام بنشاطات استخباريّة لصالح بلد أجنبيّ".
2 - مصدر صناعيّ من استخبار: تجسُّسيّة.
• دوائر استخباريَّة: مراكز لجمع المعلومات من أيّ مكان لحماية أمن الدَّولة أو المؤسَّسة العسكريّة. 

خابور [مفرد]: ج خَوَابيرُ:
1 - قطعة من خشب أو مطّاط يُسَدّ بها ثقب في الحائط ليسهل دقّ المسمار وتثبيته فيه.
2 - قطعة معدنيّة مدبّبة تمكّن من قرن محورين بالطَّرف أو من فك تقارنهما "خابور ربط".
3 - (نت) شجيرة طبيَّة وتزيينيَّة ذات زهر أصفر طيِّب الرائحة وثمارها سوداء. 

خَبَر [مفرد]: ج أخابيرُ (لغير المصدر) وأخبار (لغير المصدر):
1 - مصدر خبِرَ.
2 - نبأ، ما يُعَبَّر به عن واقعة ما، ما ينقل من معلومات ويُتحدَّث بها قولاً أو كتابةً وتعبّر غالبًا عن أحداث جديدة كتلك المذكورة في الصحف والإذاعة والتليفزيون "تسرّبت الأخبار- نشر خبرًا- سأله عن أخباره- عند جُهَيْنة الخَبَر اليقين [مثل]: يُضرب في معرفة حقــيقة الأمر- {سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ} " ° أخبار مَحَلِّيَّة: داخليَّة أو خاصَّة ببلدٍ ما، عكسها أخبار أو شئون عالميَّة- أصبح في خبر كان: هلَك وفَنِي- تشويه الأخبار- خبر صاعق: سيِّئ، مفاجئ وغير منتظَر- سأله عن أخباره: استفسر عن أحواله- صادق الخبر: صحيح النبأ، صَدُوق المقال- على هامش الأخبار: تعليق على الأخبار- مُرَمّات الأخبار: أكاذيبها- نشرة الأخبار: ما يقرأه المذيع في الراديو والتلفاز من أخبار محليَّة وخارجيَّة ليطّلع عليها الجمهور أو الرأي العام.
3 - حديث نبويّ ° خبر متواتر: حديث ترويه جماعة عن جماعة.
4 - عمل " {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ} ".
5 - (بغ) قول يحتمل الصِّدق والكذب لذاته.
6 - (نح) لفظ مجرد عن العوامل اللفظيّة، أُسند إلى المبتدأ متمّمًا معناه ويصحّ السكوت عليه.
• خبر آحاد: حديث انفرد به راوٍ واحد وإن تعددتِ الطرق إليه. 

خُبْر [مفرد]: مصدر خبَرَ وخبُرَ/ خبُرَ بـ ° لأَخْبُرنَّ خُبْرك: لأعلمنَّ علمَك. 

خِبْرة [مفرد]: ج خِبْرات (لغير المصدر) وخِبَر (لغير المصدر):
1 - مصدر خبَرَ وخبُرَ/ خبُرَ بـ ° أهل الخِبْرة: الخُبراء ذوو الاختصاص الذين يعود لهم حقّ الاقتراح والتقدير.
2 - نتاج ما مرّ به الشَّخص من أحداث أو رآه أو عاناه، مجموع تجارب المرء وثقافته ومعرفته "له خِبْرة بالاقتصاد العالميّ- الشباب تنقصهم الخِبْرة" ° تبادُل الخِبْرات: استفادة كلِّ شخص بخِبْرة الآخر.
• شهادة الخِبْرة: مستند لإثبات الخِبْرة. 

خَبَرِيَّة [مفرد]:
1 - اسم مؤنَّث منسوب إلى خبَرَ.
2 - مصدر صناعيّ من خَبَر: نبأ "وصلته خبريّة كاذبة".
• الجملة الخبريَّة: (نح، بغ) الجملة التي تحتمل الصِّدق أو الكذب. 

خَبير [مفرد]: ج خُبَراءُ:
1 - صفة مشبَّهة تدلّ على الثبوت من خبَرَ وخبُرَ/ خبُرَ بـ: "هم خبراءُ في مجال الطاقة/ الزراعة- اختير خبيرًا بمجمع اللُّغة العربيَّة" ° خبير تربويّ: مختصّ في نظريّات التربية والتعليم- هيئة الخُبَراء: مجموعة من الخُبراء غير الرسميِّين الذين يقومون بإسداء النصح والمشورة لواضعي السياسات خاصّة في حكومة.
2 - عارف بالأمر على حقــيقته، عالم بالبواطن والظواهر " {إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} ".
3 - (قن) مُخْبِر، شخص تعيِّنه محكمة وتكلِّفه بالكشف عن بعض الوقائع وإبداء ملاحظاته في تقرير تستند إليه في حكمها "فجّر تقرير الخبير مفاجأة في القضيّة" ° خبير مُحلَّف: الذي يؤدِّي اليمينَ أمام المحكمة.
 • الخبير: اسم من أسماء الله الحسنى، ومعناه: العالم بكُنْه الشّيء، المطّلع على حقــيقته، الذي لا تخفى عليه خافية " {وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ} ". 

مُخابرات [جمع]: مف مُخابرة: اتِّصالات لجمع الأخبار "مخابرات سرِّيّة".
• جهاز المخابرات: جهاز الاستخبارات، جهاز رسميّ يتولّى جمع الأخبار لصالح دولة معيّنة لحفظ أمنها، والكشف عمّا يعرِّض أمنها الداخليّ والخارجيّ للاضطرابات ° إدارة المخابرات/ دائرة المخابرات/ قلم المخابرات: مركز لجمع المعلومات حمايةً لأمن الدولة. 

مخابراتيَّة [مفرد]:
1 - اسم مؤنَّث منسوب إلى مُخابرات: على غير قياس "تلقَّى دورة مخابراتيّة في إحدى الدول الكبرى".
2 - مصدر صناعيّ من مُخابرات: استخباراتية، معلوماتيّة. 

مُخابرة [مفرد]:
1 - مصدر خابرَ ° مخابرة تليفونيّة/ مخابرة سريّة.
2 - (قن) أن يُعطي المالكُ الفلاحَ أرضًا يزرعها على بعض ما يخرج منها كالرّبع أو الثلث. 

مِخْبار [مفرد]: ج مَخابيرُ:
1 - اسم آلة من خبَرَ.
2 - (كم) إناء أسطوانيّ مدرّج على شكل أنبوب تقاس به حجوم السوائل والمحاليل في المعامل "مخبار مدرّج". 

مَخْبَر [مفرد]: ج مَخابِرُ: اسم مكان من خبَرَ: مكان الفحص والمراقبة والتحرِّي وإجراء التجارب "يعمل هذا الشابُّ في مخبر كيميائيّ".
• مَخْبَر الشّخص: دخيلته وحقــيقته، عكس مظهره أو منظره "مخبر شيطان في مظهر ملائكيّ- منظره خير من مخبره". 

مُخْبِر [مفرد]:
1 - اسم فاعل من أخبرَ.
2 - من يقوم بمهمّة جمع المعلومات أو الأخبار لغرض معيَّن "استعانت الشرطة بالمخبرين في القبض على اللصوص" ° مُخبر خاصّ: من يقدم خدمات لأفراد أو شركات- مُخبر صحفيّ: من يزوّد الصَّحيفةَ بالأخبار. 

مِخْبَرَة [مفرد]: ج مَخابِرُ:
1 - اسم آلة من خبَرَ.
2 - (فز) أداة تتركّب من موصل يُجعل عادة على شكل قرص صغير، له يد عازلة تُستخدم في اختبار الشُّحنات الكهربائيّة. 

مُخْتَبَر [مفرد]:
1 - اسم مفعول من اختبرَ.
2 - اسم مكان من اختبرَ.
3 - (كم) مَعْمَل، مكان مجهَّز تُجرى فيه التجاربُ العلميَّة والاختبارات والتحليلات الكيماويَّة وغيرها "مختبر الكيمياء/ الفيزياء/ اللغة/ الفضاء- مختبر نوويّ". 

مُخْتَبَرِيّ [مفرد]: اسم منسوب إلى مُخْتَبَر: قائم على التجربة والاختبار في المعامل والمُختبرات "أبحاث/ تحاليل مختبريّة". 
خبر
: (الخَبَرُ، مُحرَّكَةً: النَّبَأُ) ، هاكذا فِي المُحْكَم. وَفِي التَّهْذِيب: الخَبَر: مَا أَتَاكَ مِن نَبَإٍ عَمَّن تَسْتَخْبِرُ. قَالَ شَيْخُنَا: ظاهِرُه بل صَرِيحُه أَنَّهُما مُتَرادِفَان، وَقد سَبق الفَرْقُ بَيْنَهُمَا، وأَنَّ النَّبَأَ خَبَرٌ مُقَيَّدٌ بكَوْنِه عَن أَمْر عَظيم كَمَا قَيَّد بِهِ الرَّاعِب وغيرُه من أَئِمَّة الاشْتِقَاقِ والنَّظَرِ فِي أُصولِ العَرَبِيَّة. ثمَّ إِنَّ أَعلامَ اللَّغَةِ والاصْطِلاح قَالوا: الخَبَر عُرْفاً ولُغَة: مَا يُنْقَل عَن العَيْر، وزادَ فِيهِ أَهْلُ العَرَبِيَّة: واحْتَمَلَ الصِّدْقَ والكَذِبَ لِذَاتِه.
والمُحَدِّثُون استَعْمَلُوه بمَعْنَى الحَدِيث. أَو الحَدِيثُ: مَا عَنِ النَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم والخَبَر: مَا عَنْ غَيْرِه.
وَقَالَ جَماعَة من أَهْلِ الاصْطِلاح: الخَبَر أَعَمُّ، والأَثَرُ هُوَ الَّذِي يُعَبَّرُ بِهِ عَن غَيْر الحَدِيث كَمَا لِفُقَهاءِ خُراسَانَ. وَقد مَرَّ إِيماءٌ إِليه فِي (أَثَر) وبَسْطه فِي عُلُوم اصْطِلاح الحَدِيث.
(ج أَخْبارٌ) . و (جج) ، أَي جَمْع الجَمْع (أَخابِيرُ) .
(و) يُقَال: (رَجُلٌ خَابِرٌ وخَبِيرٌ) : عالِمٌ بالخَبَر. والخَبِيرُ: المُخْبِر.
(و) قَالَ أَبُو حَنِيفَة فِي وَصْف شَجَر: أَخْبَرني بذالِك الخَبِرُ. فجاءَ بِهِ (ككَتِف) . قَالَ ابنُ سِيده. وهاذا لَا يَكَادُ يُعْرَف إِلاَّ أَنْ يَكُونَ على النَّسَب. (و) يُقَالُ: رَجُلٌ خُبْرٌ، مثل (جُحْر) ، أَي (عَالِمٌ بِهِ) ، أَي بالخَبَر، على المُبَالَغَة، كزيد عَدْل.
(وأَخْبَره خُبُورَه) ، بالضّمّ، أَي (أَنْبَأَه مَا عِنْدَه. والخُِبْرُ والخُبْرَة، بكَسْرِهِما ويُضَمَّان، والمَخْبَرةُ) ، بفَتْح المُوَحَّدة، (والمَخْبُرَة) بضَمِّها (: العِلْمُ بالشَّيْءِ) ، تَقول: لي بِهِ خُبْرٌ وخِبْرة، (كالاخْتِبار والتَّخَبُّرِ) . وَقد اخْتَبَرَه وتَخَبَّرَه. يُقَال: مِنْ أَيْنَ خَبَرْتَ هاذا الأَمْرَ؟ أَي من أَيْن عَلِمْت. وَيُقَال صَدَّقَ الخَبَرُ الخُبْرَ. وَقَالَ بَعْضُهم: الخُبْر، بالضَّمّ: العِلْمُ بالباطِن الخَفِيِّ، لاحْتِياج العِلْم بِهِ للاخْتبار. والخِبْرَةُ: العِلْم بالظَّاهر والباطنِ، وقيلَ: بالخَفَايَا البَاطِنَةِ ويَلْزَمُها مَعْرِفَةُ الأُمورِ الظَّاهرة. (وَقد خَبُرَ) الرَّجُلُ، (كَكَرُمَ) ، خُبُوراً، فَهُوَ خَبيرٌ.
(والخِبْرُ) ، بفَتْح فَسُكُون (: المَزَادَةُ العَظِيمَة، كالخَبْرَاءِ) ، مَمْدُوداً، الأَخِير عَن كُرَاع.
(و) مِنَ المَجَازِ: الخَبْرُ: (النَّاقَةُ الغَزِيرَةُ اللَّبَنِ) ، شُبِّهَت بالمَزَادة العَظِيمة فِي غُزْرِها، وَقد خَبَرَتْ خُبُوراً عَن اللِّحْيَانِيّ، (ويُكْسرُ، فِيهِمَا) ، وأَنْكَر أَبو الهَيْثم الكَسْرَفي المَزادَة، وَقَالَ غيرُه: الفَتْحُ أَجْودُ.
(ج) ، أَي جمْعهما، (خُبُورٌ) .
(و) الخَبَرُ: (: ة بِشِيرازَ) ، بهَا قَبْرُ سَعِيدٍ أَخِي الحَسَن البَصْرِيّ. (مِنْهَا) أَبُو عَبْدِ الله (الفَضْلُ بنُ حَمَّادٍ) الخَبْرِيّ الْحَافِظ (صاحِبُ المُسْنَدِ) ، وَكَانَ يُعَدُّ من الأَدَال، ثِقَةٌ ثَبتٌ، يَرْوِي عَن سَعِيد بن أَبي مَرْيَمَ وسَعِيدِ بنِ عُفَير، وعَنْه أَبُو بَكْر بٌّ عَبدانَ الشِّيرازِيّ، وأَبو بَكْر عبد الله بن أَبي دَاوود السِّجِسْتَانيّ، وتُوفِّيَ سنة 264، (و) الخَبْرُ: (ة باليَمَن) ، نَقَلَه الصَّغانِيُّ.
(و) الخَبْرُ: (الزَّرْعُ) .
(و) الخَبْرُ: (مَنْقَعُ الماءِ فِي الجَبَل) ، وَهُوَ مَا خَبِرَ المسِيلُ فِي الرُّءُوس، فتَخُوضُ فِيهِ.
(و) الخَبْرُ: (السِّدْرُ) والأَرَاكُ وَمَا حَوْلَهُمَا من العُشْب. قَالَ الشَّاعِر:
فجادَتْكَ أَنواءُ الرَّبِيعِ وهَلَّلَتْ
عليكَ رِيَاضٌ من سَلاَمٍ ومِن خَبْرِ
(كالخَبِر، ككَتِفٍ) ، عَن اللَّيث واحِدَتُهما خَبْة وخَبِرَةٌ.
(والخَبْرَاءُ: القاعُ تُنْبِتُه) ، أَي السِّدْرَ، (كالخَبِرَة) ، بفَتْح فكَسْر، وجمْعُه خَبِرٌ. وَقَالَ اللّيث: الخَبْرَاءُ شَجْرَاءُ فِي بَطْنِ رَوْضَةٍ يَبْقَى فِيها المَاءُ إِلى القَيْظ، وفيهَا يَنْبُت الخَبْرُ وَهُوَ شَجَر السِّدْرِ والأَراكِ وحَوالَيْهَا عُشْبٌ كَثِيرٌ، وتُسَمَّى الخَبِرَة، (ج الخَباري) ، بِفَتْح الرّاءِ، (والخَبَارِي) ، بكَسْرِهَا مثل الصَّحَارَى والصَّحَارِي. (والخَبْراواتُ والخبَارُ) ، بالكَسْرِ. وَفِي التَّهْذِيب فِي (نَقْع) : النَّقَائع: خَبَارَى فِي بِلادِ تَميم.
(و) الخَبْرَاءُ: (منْقَعُ المَاءِ) . وخَصَّ بَعْضُهم بِهِ مَنْقَعَ المَاءِ (فِي أُصُولِهِ) ، أَي السِّدرِ. وَفِي التَّهْذِيب الخَبْرَاءُ: قَاعٌ مُسْتَدِيرٌ يَجْتَمِع فِيهِ المَاءُ.
(والخَبَارُ كسَحَاب: مَالاَنَ مِنَ الأَرْضِ واسْتَرْخَى) وكانَت فِيهَا جِحَرَةٌ، زادابْنُ الأَعْرَابِيّ: وتَحَفَّر. وَقَالَ غَيره: هُوَ مَا تَهوَّرَ وساخَتْ فِيهِ القَوَائِمُ. وَفِي الحَديث (فَدَفَعْنَا فِي خَبَارٍ من الأَرض) ، أَي سَهْلَةٍ لَيِّنة. وَقَالَ بعَضُهم: الخَبَارُ: أَرضٌ رِخْوَة تَتعْتَ فِيهَا الدَّوابُّ، وأَنشد:
تَتَعْتع فِي الخَبَارِ إِذَا عَلاَه
وتَعْثُرُ فِي الطَّرِيق المُسْتَقِيمِ
(و) الخَبَارُ: (الجرَاثِيمُ) ، جَمْعُ جَرْثُومٍ؛ وَهُوَ التُّرَابُ المُجْتَمِع بأُصولِ الشَّجَر. (و) الخَبَارُ: (جِحَرةُ الجُِرْذَانِ) ، واحدَتُه خَبَارةٌ. (و (مَنْ تَجَنَّبَ الخَبَارَ أَمِنَ العِثَارَ) مَثَلٌ) ذَكَرَه المَيْدَانِيّ فِي مَجْمَعِه والزَّمخْشَريّ فِي المُسْتَقْصَى والأَساس.
(وخَبِرَتْ الأَرْضُ) خَبَراً، (كفَرِح كَثُر خَبَارُهَا) . وخَبِر المَوْضِعُ، كفَرِحَ، فَهُو خَبِرٌ: كَثُرَ بِهِ الخَبْرُ، وَهُوَ السِّدْر. وأَرضٌ خَبِرَةٌ، وهاذا قَدْ أَغفَلَه المُصنَّفُ.
(وفَيْفَاءُ أَو فَيْفٌ الخَبَارِ: ع بِنَواحِي عَقيقِ المَدِينَةِ) ، كانَ عَلَيْه طَرِيقُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وسلمحِينَ خَرَجَ يُرِيدُ قُرَيشاً قبل وَقْعَة بَدْرٍ، ثمَّ انْتَهَى مِنْهُ إِلى يَلْيَلَ.
(والمُخَابَرَةُ: المُزَارَعَةُ) ، عَمَّ بهَا اللِّحْيَانيّ. وَقَالَ غَيْره: (على النِّصْفِ ونَحْوِه) ، أَي الثُّلُث. وَقَالَ ابنُ الأَثير: المُخَابَرةُ: المُزارَعَة على نَصِيبٍ مُعَيَّن، كالثُّلُث والرُّبع وغَيْرِهما.
وَقَالَ غيرُه: هُوَ المُزَارَعة ببَعْض مَا يَخْرُج من الأَرض، (كالخِبْرِ، بالكَسْر) . وَفِي الحَدِيث (كُنَّا نُخَابِرُ وَلَا نَرى بِذالك بَأْساً حتّى أَخْبَرَ رافِعٌ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وسلمنَهَى عَنْهَا) قيل: هُوَ من خَبِرَتِ الأَرْضُ خَبَراً: كَثُر خَبَارُهَا. وَقيل: أَصْلُ المُخَابَرة من خَيْبَر، لأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وسلمأَقَرَّها فِي أَيْدِي أَهْلِهَا على النِّصف من مَحْصُولِها، فَقيل: خَابَرَهُم، أَي عامَلَهُم فِي خَيْبر.
(و) المُخَابَرَة أَيْضاً (المُؤَاكَرَةُ: والخَبِيرُ: الأَكَّارُ) ، قَالَ:
تَجُزُّ رُءُوس الأَوْسِ من كُلِّ جانِبٍ
كجَزِّ عَقَاقِيلِ الكُرُومِ خَبِيرُها
رفع خَبِيرُهَا على تَكْرِيرِ الفِعْل
أَراد جَزَّه خَبِيرُها، أَي أَكَّارُها.
(و) الخَبِيرُ: (العالِمُ بِاللَّه تَعَالَى) ، بمَعْرِفَة أَسمائِه وصِفاتِه، والمُتَمكِّن من الإِخْبار بِمَا عَلِمَه وَالَّذِي يَخْبُرُ الشَّيْءَ بعِلْمه.
(و) الخَبِير: (الوَبَرُ) يَطْلُع على الإِبل، واستعاره أَبو النّجم لحمِير وَحْشٍ فَقَالَ:
حَتَّى إِذا مَا طَارَ من خَبِيرِهَا
(و) من المَجَاز فِي حَدِيثِ طَهْفَة (نَسْتَخْلِبُ الخَبِيرُ) ، أَي نَقْطَع (النَّبَات والعُشْب) ونأْكلُه. شُبِّه بخَبِير الإِبِل وَهُوَ وَبَرُهَا، لأَنَّه يَنْبُت كَمَا يَنْبُت الوَبَر؛ واستِخْلابُه: احتشاشُه بالمِخْلَبِ وَهُوَ المِنْجلُ. (و) الخَبِيرُ: الزَّبَدُ، وَقيل: (زَبَدُ أَفْوَاهِ الإِبِلِ) . وأَنْشَدَ الهُذَلِيّ:
تَغَذَّمْنَ فِي جَانِبَيْه الخَبِي
رَ لَمَّا وَهَي مُزْنهُ واستُبِيحَا
تَغَذَّمْنَ يَعْنِي الفُحُول، أَي مَضَغْن الزَّبَدَ وعَمَيْنَه.
(و) الخَبِيرُ: (نُسَالَةُ الشَّعرِ) . قَالَ المُتَنَخِّلُ الهُذَلِيّ:
فآبُوا بالرِّماح وهُنَّ عُوجٌ
بِهِنّ خَبَائِرُ الشَّعَرِ السِّقَاطِ
(و) خَبِير: (جَدُّ والدِ أَحْمَدَ بْنِ عِمْرانَ) بنِ مُوسَى بنِ خَبِير الغُوَيْدِينِيّ (المُحدِّث) النَّسَفيّ، عَن مُحَمّد بنِ عَبْدِ الرحمان الشّاميّ وغَيْرِه.
(و) الخَبِيرَةُ، (بالهاءِ) ، اسمُ (الطَّائِفَة مِنْه) ، أَي من نُسَالَةِ الشَّعر.
(و) الخَبِيرَةُ: (الشَّاةُ تُشْتَرَى بَيْن جَمَاعَةٍ) بأَثْمانِ مُخْتَلفة، (فتُذْبَحُ) ثمَّ يقْتَسِمُونها، فيُسْهِمُون، كُلُّ وَاحِد على قَدْر مَا نَقَد، (كالخُبْرة، بالضَّمِّ، وتَخَبَّروا) خُبْرةً (فَعَلُوا ذالِك) أَي استَرُوا شَاة فذَبَحُوها واقْتَسَمُوها. وشاةٌ خَبِيرَةٌ: مُقْتَسَمَةٌ. قَالَ ابنُ سِيدَه: أُرَاهُ على طَرْحِ الزَّائد.
(و) الخُبْرَة: (الصُّوفُ الجَيِّد من أَوَّل الجَزِّ) ، نَقله الصَّغَانِيّ.
(والمَخْبَرَةُ) ، بِفَتْح المُوَحّدة: (المَخْرأَةُ) ، مَوضِع الخِراءَة، نقلَه الصَّغانِيّ.
(و) المَخْبَرَةُ: (نَقِيضُ المَرْآةِ) ، وضَبطَه ابنُ سِيدَه بضَمِّ المُوَحَّدَة.
وَفِي الأَساس: وَمن المَجاز: تُخْبِرُ عَن مَجْهُولهِ مَرْآتُه.
(والخُبْرَة، بالضَّمِّ: الثَّرِيدَةُ الضَّخْمَةُ) الدَّسِمَة.
(و) الخُبْرَة: (النَّصِيبُ تَأْخذُه من لَحْمٍ أَو سَمَكٍ) ، وأَنْشَد:
باتَ الرَّبِيعِيُّ والخامِيزُ خُبْرَتُه
وطَاحَ طَيْ مِن بَنِي عَمْرِو بْنِ يَرْبُوعِ
(و) الخُبْرَة: (مَا تَشْتَرِيه لأَهْلِك) ، وخَصَّه بعضُهم باللَّحْم، (كالخُبْزِ) بِغَيْر هَاءٍ، يُقَال للرّجل مَا اخْتَبَرْتَ لأَهْلك؟ .
(و) الخُبْرَة: (الطَّعامُ) من اللَّحْم وغَيْرِه. (و) قيل: هُوَ (اللَّحْمُ) يَشْتَرِيه لأَهْلِه، (و) الخُبْرة: (مَا قُدِّمَ مِنْ شَيْءٍ) ، وحَكَى اللِّحْيَانيّ أَنَّه سمِع الْعَرَب تَقول: اجْتَمعوا على خُبْرَته، يَعْنُون ذالك، (و) قيل: الخُبْرَة: (طَعَامٌ يَحْمِلُه المُسَافِرُ فِي سُفْرَتِه) يَتَزوَّدُ بِهِ، (و) الخُبْرَة: (قَصْعَةٌ فِيهَا خُبْزٌ ولَحْمٌ بينَ أَرْبَعَةٍ أَو خَمْسَةٍ) .
(والخَابُورُ: نَبْتٌ) أَو شَجَر لَهُ زَهْرٌ زَاهِي المَنْظَرِ أَصفرُ جَيِّدُ الرائِحَةِ، تُزيَّنُ بِهِ الحَدائِقُ، قَالَ شيخُنا: مَا إِخَالُه يُوجَد بالمَشْرِق. قَالَ:
أَيَا شجَر الخَابُورِ مَالَك مُورِقاً
كَأَنَّكَ لم تَجْزَعْ عَلَى ابْنِ طَرِيفِ
(و) الخَابُورُ: (نَهرٌ بَيْنَ رَأْسِ عَيْنٍ والفُراتِ) مَشْهُور. (و) الخَابُورُ: نَهرٌ (آخرُ شَرْقِيَّ دِجْلَةَ المَوْصِلِ) ، بَينه وَبَين الرَّقَّة، عَلَيْهِ قُرًى كَثِيرةٌ وبُلَيْدَاتٌ. وَمِنْهَا عَرَابَان مِنْهَا أَخو الرّيّان سريح بن رَيّان بن سريح الخَابُورِيّ، كَتَبَ عَنهُ السَّمْعَانيّ.
(و) الخَابُورُ: (وَادٍ) بالجَزِيرة وَقيل بسِنْجَار، مِنْهُ هِشام القَرْقسائيّ الخَابُورِيّ القَصّار، عَن مَالِك، وَعَن عَبَيْد بن عَمرٍ والرَّقِّيّ. وَقَالَ الجوهريّ مَوْضِع بِنَاحِيَة الشَّام؛ وَقيل بَنواحِي دِيار بَكْرٍ، كَمَا قَالَه السّيد والسّعد فِي شَرْحَيِ الْمِفْتَاح والمُطَوَّل، كَمَا نَقَله شيخُنَا. ومُرادُه فِي شَرْحِ بَيْت التَّلْخِيص والمِفْتَاح
أَيَا شَجَرَ الخَابُورِ مَالَك مُورِقاً
المُتَقَدّم ذِكْرُه.
(وخَابُورَاءُ: ع) ويضاف إِلى عَاشُورَاءَ وَمَا مَعَه.
(وخَيْبَرُ) ، كصَيْقَل: (حِصْنٌ م) ، أَي مَعْرُوف، (قُرْبَ المَدِينَةِ) المُشَرَّفَة، على ثَمَانِيةِ بُرُدٍ مِنْهَا إِلى الشّام، سُمِّيَ باسم رَجُل من العَمَالِيقِ، نزَل بهَا، وهُو خَيْبَرُ بن قَانِيَة بن عَبِيل بن مهلان بن إِرَم بن عَبِيل، وَهُوَ أَخُو عَاد. وَقَالَ قوْم: الخَيْبَر بلسَان اليَهُودِ: الحِصْن، وَلذَا سُمِّيَت خَبائِرَ، أَيْضاً، وخَيْبَرُ مَعْرُوفٌ، غَزَاه النّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَله ذِكْرٌ فِي الصَّحِيح وَغَيره، وَهُوَ اسْمٌ للوِلاَية، وَكَانَت بِهِ سَبْعَةُ حُصُونٍ، حَوْلَها مَزارِعُ ونَخْلٌ، وصادفت قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (الله أَكْبَر، خَرِبَت خَيْبَر) . وهاذه الحُصُونُ السَّبْعَة أَسماؤُهَا: شِقّ ووَطِيح ونَطَاة وقَموص وسُلاَلِم وكَتِيبة ونَاعمِ.
(وأَحمَدُ بْنُ عَبْدِ القَاهِر) اللَّخْمِيّ الدِّمَشْقِيّ، يَرْوِي عَن مُنَبِّه بنِ سُلَيْمَان. قلت: وَهُوَ شَيْخٌ للطَّبَرَانِيّ. (ومُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ العَزِيز) أَبو مَنْصُور الأَصْبهانيّ، سَمِع من أَبي مُحَمّد بن فارِس، (الخَيْبَرِيَّانِ، كأَنَّهُمَا وُلِدَا بِهِ) ، وإِلاّ فلَم يخرُجْ مِنْهُ مَنْ يُشارُ إِليه بالفَضْل.
(وعَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بْنِ خَيْبَرَ، مُحَدِّثٌ) ، وَهُوَ شَيْخٌ لأَبءَ إِسْحَاق المُسْتَمْلِي.
(والخَيْبَرَي) ، بفتحِ الرَّاءِ وأَلِفٍ مَقْصُورَة، ومِثْلُه فِي التَّكْمِلَة، وَفِي بعضِ النُّسَخ بكَسْرِها ويَاءِ النَّسْبَة: (الحَيَّةُ السَّوْدَاءُ) . يُقَال: بَلاَه اللَّهُ بالخَيْبَرَي، يَعْنُون بِهِ تِلْك، وكَأَنَّه لَمَّا خَرِبَ صَار مَأْوَى الحَيَّاتِ القَتّالة.
(وخَبَرَه خُبْراً، بالضَّمّ، وخِبْرَةً، بالكَسْر: بَلاَهُ) وجَرَّبَه، (كاخْتَبَرَه) : امْتَحَنَه.
(و) خَبَرَ (الطَّعَامَ) يَخْبُره خَبْراً: (دَسَّمَه) . وَيُقَال: اخْبُر طَعَامَك، أَي دَسِّمْه. وَمِنْه الخُبْرَةُ: الإِدام. يُقَال: أَتَانَا بخُبْزَة، وَلم يأْتِنَا بخُبْرة. وَمِنْه تَسْمِيَة الكَرج المُلاصِقِ أَرضهم بعِراق العَجَم التمرةَ خُبْرَةً، هاذا أَصْل لُغَتِهم، ومِنْهم من يَقْلِب الرَّاءَ لاماً.
(وخابَرَانُ) ، بِفَتْح المُوَحَّدة: (نَاحِيَةٌ بَيْنَ سَرَخْسَ وأَبيوَرْد) ، وَمن قُراها مِيهَنَةُ. ومِمَّن نُسِب إِلى خَابَرَانَ أَبُو الفَتْح فَضْلُ الله بنُ عَبْد الرَّحْمان بْنِ طَاهِرٍ الخَابَرانِيّ المُحَدِّث. (و) خَابَآعانُ (ع) آخَرُ.
(واستَخْبَرَه: سأَله) عَن (الخَبَر) وطلَب أَن يُخْبِرَه، (كتَخَبَّرَه) . يُقَال: تخَبَّرْتُ الخَبَرَ واستَخْبرْتُه، ومِثْله تَضَعَّفْت الرَّجلَ واستَضْعَفْته. وَفِي حَدِيث الحُدَيْبِيَة (أَنَّه بَعَث عَيْناً من خُزَاعَة يَتَخَبَّر لَهُ خَبَرَ قُرَيْشٍ) أَي يَتَعَرَّف ويَتَبَبَّع. يُقَال: تَخَبَّر الخَبَرَ واستَخْبَرَ، إِذا سَأَل عَن الأَبار ليَعْرِفَها. (وخَبَّره تَخْبِيراً: أَخْبَرَه) . يُقَال: اسْتَخْبَرْتُه فأَخْبَرَنِي وخَبَّرَنِي.
(وخَبْرِينُ، كقَزْوِينَ: بِبُسْتَ) . وَمِنْهَا أَبُو عَلَيّ الحُسَيْن بْنُ اللَّيْث ابْن فُدَيْك الخَبْرِينِيّ البُسْتِيّ، من تَارِيخ شِيرَاز.
(والمخْبُورُ: الطَّيِّب الإِدَامِ) ، عَن ابْنِ الأَعْرابِيّ، أَبي الكَثِيرُ الخُبَرَةِ، أَي الدَّسم.
(و) خَبُورٌ، (كصَبُورٍ: الأَسَدُ) .
(و) خَبِرَةُ، (كنَبِقَة: ماءٌ لِبَنِي ثَعْلَبَةَ) بْنِ سَعْدٍ فِي ح 2 ى الرَّبذَةِ، وَعِنْده قَلِيبٌ لأَشْجَعَ.
(وخَبْرَاءُ العِذْقِ: ع بالصَّمَّانِ) ، فِي أَرْضِ تَمِيمٍ لِبَنِي يَرْبُوع. (والخَبَائِرَةُ مِن وَلَد ذِي جَبَلَة بْنِ سَوادٍ، أَبُو بَطْن من الكُلاَع) ، وَهُوَ خَبَائِرُ بْنُ سَوَاد نِ عَمْرو بْنِ الكلاع ابْن شَرَحْبِيل. (مِنْهُم أَبُو عَلِيّ) يُونُس بْن ياسِر بن إِيَادٍ (الخَبَائِرِيّ) ، رؤى عَنهُ سَعِيدُ بْنُ كثير بن عُفَيْر، فِي الأَخبار. (وسُلَيْمُ بْنُ عَامِرٍ) أَبو يَحْيَى (الخَبَائِرِيّ، تَابِعيٌّ) مِنْ ذِي الكَلاَعِ، عَن أَبَي أُمَامَةَ، وَعنهُ مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، (وعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الجَبَّارِ الخَبَائِرِيُّ) الحِمْصيّ، لَقَبُه زُرَيْق، عَن إِسْمَاعِيل ابنِ عَيّاش، وَعنهُ مُحَمَّد بنُ عَبْد الرحمان بن يُونُس السّرّاج، وأَبُو الأَحْوَص، وجَعْفَرٌ الفِرْيَابيّ، قالَه الدَّارقُطْنِيّ.
(و) قَوْلُهم: (لأَخْبُرَنَّ خَبَرَكَ) ، هاكذا هُوَ مَضْبُوطٌ عِنْدَنَا محرّكةً. وَفِي بعْض الأُصول الجَيِّدة بضَمًّ فَسُكُون، أَي (لأَعْلَمَنَّ عِلْمَك) . والخُبْرُ والخَبَرُ: العِلْم بالشَّيْءِ، (و) الحَدِيثُ الّذِي رَوَاه أَبُو الدَّرْدعًّءِ وأَخْرَجَه الطَّبَرانِيّ فِي الكَبِير، وأَبُو يَعْلَى فِي المُسْنَدَ ((وَجَدْتُ النَّاسَ اخْبُرْ تَقْلَِه) أَي وَجَدْتُهُم مَقُولاً فِيهِم هَذَا) القَوْلُ. (أَي مَا مِنْ أَحَد إِلاَّ وَهُوَ مَسْخُطُ الفِعْلِ عِنْدَ الخِبْرَة) والامْتِحَانِ، هاكَذَا فِي التَّكْمِلَة، وَفِي اللِّسَانِ والأَساسِ وتَبِعَهُم المُصَنِّفُ فِي البَصَائِرِ، يُرِيدُ أَنَّك إِذَا خَبَرْتَهُم قَلَيْتَهُم، أَي أَبْغَضْتَهم، فأَخْرَجَ الكلامَ علَى لَفْظِ الأَمْرِ، وَمَعْنَاه الخَبَر.
(وأَخْبَرْتُ اللِّقْحَةَ: وَجدْتُهَا) مَخْبُورَةً، أَي (غَزِيرَةً) ، نَقله الصَّغانِيّ كأَحْمَدْتُه: وَجَدْتُه مَحْمُوداً.
(ومُحَمَّدُ بْنُ عَليَ الخَابِرِيُّ، مُحَدِّثٌ) ، عَن أَبي يَعْلَى عَبْدِ المُؤْمن ابْنِ خَلَف النَّسَفِيّ، وَعنهُ عَبْدُ الرَّحيم ابنُ أَحمدَ البُخَارِيّ.
وَمِمَّا يُسْتَدْرَك عَلَيْهِ:
الخَبِير مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ: العالِمُ بِما كَانَ وبِمَا يَكُون. وَفِي شَرْح التِّرْمَذِيّ: هُوَ العَلِيم ببَواطِنِ الأَشْيَاءِ.
والخَابِرُ: المُخْتَبِرُ المُجَرِّب.
والخَبِيرُ: المُخْبِر.
ورجلٌ مَخْبَرانِيٌّ: ذُو مَخْبَرٍ، كَمَا قَالُوا: مَنْظَرَانِيّ ذُو مَنْظَرٍ.
والخَبْرَاءُ: المُجَرَّبَة بالغُزْرِ.
والخَبِيرُ: الزَّرْعُ.
والخَبِيرُ: الفَقِيه، والرَّئِيسُ.
والخَبِير: الإِدَام، والخبِيرُ: المَأْدُومُ.
وَمِنْه حَديثُ أَبي هُرَيْرَة (حينَ لَا آكُل الخَبيرَ) .
وجَمَلٌ مُخْتَبِرٌ: كَثيرُ اللَّحْمِ. وَيُقَال: عَلَيْهِ الدَّبَرَى وحُمَّى خَيْبَرى. وحُمَّى خَيْبَرَ، مُتَناذَرَةٌ، قَالَ الأَخْنَس ابْنُ شه 2 اب:
كَمَا اعْتَادَ مَحْمُوماً بخَيْبَرَ صالِبُ
والأَخْبَاريّ المُؤَرّخ، نُسِب للفْظ الأَخْبَار، كالأَنْصَاري والأَنْمَاطي وشِبْههما. واشْتَهَرَ بهَا الهَيْثَم بنُ عَديّ الطَّائيّ.
والخَبَائرَةُ: بَطْنٌ من العَرَب، ومَساكنُهُم فِي جِيزةِ مِصْر.
وَمن أَمْثَالهم (لَا هُلْكَ بوَادِي خبرٍ) بالضَّمّ.
والخَبِيرَة: الدَّعْوَةُ على عَقِيقَة الغُلام، قَالَه الحَسَنُ بنُ عَبْد الله العَسْكَرِيّ فِي كتاب (الأَسْمَاء والصِّفات) .
والخَيَابِرُ: سَبْعَةُ حُصُونٍ، تقدَّم ذِكرُهُم. وخَيْبَرِيّ بن أَفْلَت بن سِلْسِلَة ابْن غَنْم بن ثَوْب بن مَعْن، قَبيلَة فِي طَيِّىء، مِنْهُم إِياسُ بنُ مَالِك بنِ عَبْدِ الله ابْن خَيْبَرِيّ الشَّاعِر، وَله وِفَادَة، قَالَه ابنُ الكَلْبيّ. وخَيْبَرُ بنُ أُوَام بن حَجْوَر بن أَسْلم بن عَلْيَانَ: بَطْن من هَمْدَان. وخَيْبَر بنُ الوَلِيد، عَن أَبيه عَن جَدِّه عَن أَبي مُوسَى، ومُدْلِجُ بنُ سُوَيْد بن مَرْثَد ابْن خَيْبَرِيّ الطَّائِيّ، لقَبُه مُجِيرُ الجَرادِ. والخَيْبَرِيّ بنُ النُّعمان الطائِيّ: صحابيّ، وسِمَاكٌ الإِسرائِيلِيُّ الخَيْبَرِيُّ، ذَكَره الرُّشاطيّ فِي الصَّحَابَة. وإِبْراهِيمُ بنُ عبدِ الله ابْنِ عُمَر بن أَبي الخَيْبَرِيّ القَصَّار العَبْسِيّ الكُوفِيّ، عَن وَكِيع وغيرِه. وجَمِيل بن (عبد الله بن) مَعْمَر بنِ (الْحَارِث بن) خَيْبَرِيّ العُذْرِيّ الشَّاعِرُ المَشحِور.

الكلمة

الكلمة: لفظ وضع لمعنى مفرد.
الكلمة:
[في الانكليزية] Word ،speech
[ في الفرنسية] Parole ،mot ،discours
بالفتح وكسر اللام وسكونها وبالكسر والسكون أيضا ثلاث لغات وهي في اللغة ما ينطق به الإنسان مفردا كان أو مركّبا، وتطلق أيضا على الخطبة وكلمة الشهادة والقصيدة.
وعند النحاة قسم من اللفظ وهو اللفظ الموضوع لمعنى مفرد. فاللفظ يشتمل المهمل وغيره، وبإضافة الوضع إليه خرج المهمل ولا حاجة إلى إخراج الدوال الأربع وهي الخطوط والعقود والنصب والإشارات لعدم دخولها في اللفظ، وكذا خرج المحرفات نحو قلف محرف قفل، وكذا الألفاظ الدالة بالطبع كأح أح فإنّه يدلّ على السعال، وكذا الدالة بالعقل كدلالة اللفظ على اللافظ فإنّه ليس من جهة هذه الدلالة كلمة. ثم إنّه إن أريد بالوضع تخصيص شيء بشيء فذكر المعنى بعده للاحتراز عن حروف الهجاء الموضوعة لغرض التركيب لا بإزاء المعنى، لأنّ المعنى ما يعنى من اللفظ أو يفهم منه، وغرض التركيب لا يصلح أن يعنى بحروف الهجاء أو يفهم منها، فلا يكون لها معنى. وإن أريد به تعيين اللفظ بإزاء المعنى بنفسه أو تخصيص شيء بشيء بحيث متى أطلق أو أحسّ الشيء الأول فهم منه الشيء الثاني، فذكر المعنى بعده مبني على التجريد أي تجريد المعنى عنه، ولا يخرج من الحدّ الألفاظ الموضوعة بإزاء الألفاظ لأنّ المعنى أعمّ من أن يكون لفظا أو غيره. وبقيد المفرد خرج الألفاظ المركّبة نحو عبد الله علما وضرب زيد ومعاني الألفاظ الواقعة في التعريف مشروحة في مواضعها. ثم الكلمة ثلاثة أقسام. اسم إن دلت على معنى بالاستقلال ولم يقترن بأحد الأزمنة الثلاثة، وفعل إن اقترنت به، وحرف إن لم تدل على معنى بالاستقلال، وقد ذكر في لفظ الاسم مستوفى. وعند المنطقيين هي اللفظ المفرد الدالّ على معنى وزمان من الأزمنة الثلاثة بصيغته ووزانه، وهي قسمان: حقــيقية كضرب ووجودية ككان، وسيأتي مستوفى في لفظ المفرد. وعند النصارى تطلق على صفة العلم وقد مرّ في لفظ الأقنوم. وعند أهل التصوّف عين من الأعيان الثابتة في العلم الإلهي الداخلة تحت الإيجاد. في الانسان الكامل في باب أم الكتاب الكلمات عبارة عن حقــائق المخلوقات العينية أعني المتعيّنة في العالم الشهادي انتهى.
وقال الشيخ الكبير صدر الدين القونوي أيضا في كتاب النفحات إنّ الصورة معلومية كلّ شيء في عرصة العلم الإلهي الأزلي مرتبة الحرفية، فإذا صبغها الــحقّ بنوره الوجودي الذاتي وذلك بحركة معقولة معنوية يقتضيها شأن من الشئون الإلهية المعبّر عنها بالكتابة تسمّى تلك الصورة أعنى صورة معلومية الشيء المراد تكوينه كلمة، وبهذا الاعتبار سمّى الــحقّ سبحانه الموجودات كلها كلمات، ولذا سمّي عيسى عليه السلام كلمة وقال أيضا. لا تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ وقال في حقّ أرواح العباد إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ أي الأرواح الطاهرة، فإذا فهمت هذا عرفت أنّ شيئية الأشياء من حيث حرفيتها شيئية ثبوتية في عرصة العلم ومقام الاستهلاك في الــحقّ سبحانه، وأنّها بعينها في عرصة الوجود العيني باعتبار انبساط نور وجود الــحقّ عليها وعلى لوازمها وإظهارها لها لا له سبحانه، هي كلمة وجودية فلها بهذا الاعتبار الثاني شيئية وجودية بخلاف الاعتبار الأول كذا في شرح الفصوص في الخطبة. وفي الفص الأول منه الكلم ثلاث كلمة جامعة لحروف الفعل والتأثير التي هي حقــائق الوجود وكلمة جامعة لحروف الانفعال التي هي حقــائق الإمكان وكلمة برزخية جامعة بين حروف حقــائق الوجوب وبين حروف حقــائق الإمكان التي هي فاصلة متوسّطة بينهما وهي حقــيقة الإنسان الكامل انتهى. وسيتضح هذا زيادة اتضاح بعيد هذا في لفظ الكلام.

التّشبيه

التّشبيه:
[في الانكليزية] Simile
[ في الفرنسية] Comparaison
لغة الدلالة على مشاركة أمر لأمر آخر.
وظاهر هذا شامل لنحو قولنا قاتل زيد عمروا، وجاءني زيد وعمرو وما أشبه ذلك، مع أنها ليست من التشبيه. وأجيب بأنّ المدلول المطابقي في هذه الأمثلة: ثبوت المسند لكل من الأمرين ويلزمه مشاركتهما في المسند. فالمتكلّم إن قصد المعنى المطابقي فلم يدل على المشاركة، إذ المتبادر من إسناد الأفعال إلى ذوي الاختيار ما صدر بالقصد فلم يندرج في التفسير المذكور، وإن قصد المعنى الالتزامي فقد دلّ على المشاركة فهو داخل في التشبيه. وما وقع في عبارة أئمة التصريف أنّ باب فاعل وتفاعل للمشاركة والتشارك فمسامحة، والمراد أنّه يلزمهما.
فمنشأ الاعتراض إما ظاهر عبارة أئمة التصريف أو عدم الفرق بين ثبوت حكم لشيء وبين مشاركة أحدهما لآخر، أو الغفلة عن اعتبار القصد فيما يسند إلى ذوي الاختيار. والتــحقــيق أنّ هذه الأمثلة على تقدير قصد المشاركة فيهما تدلّ على التشابه، وفرق بين التشابه والتشبيه كما ستعرف.
وعند أهل البيان هو الدلالة على مشاركة أمر لأمر آخر في معنى لا على وجه الاستعارة التــحقــيقية والاستعارة بالكناية والتجريد. وكثيرا ما يطلق في اصطلاحهم على الكلام الدّال على المشاركة المذكورة أيضا. فالأمر الأول هو المشبّه على صيغة اسم المفعول والثاني هو المشبّه به، والمعنى هو وجه التشبيه، والمتكلّم هو المشبّه على صيغة اسم الفاعل. قيل وينبغي أن يزاد فيه قولنا بالكاف ونحوه ليخرج عنه نحو قاتل زيد عمروا وجاءني زيد وعمرو. وفيه أنّه ليس تشبيها كما عرفت، فدخل في هذا التفسير ما يسمّى تشبيها بلا خلاف وهو ما ذكرت فيه أداة التشبيه نحو: زيد كالأسد أو كالأسد بحذف زيد لقيام قرينة. وما يسمّى تشبيها على القول المختار وهو ما حذفت فيه أداة التشبيه وجعل المشبّه به خبرا عن المشبّه أو في حكم الخبر سواء كان مع ذكر المشبّه أو مع حذفه، فالأول كقولنا زيد أسد والثاني كقوله تعالى: صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ أي هم صمّ بكم عمي، فإن المــحقــقين على أنّه يسمّى تشبيها بليغا لا استعارة.
ثم إنّ هذا التعريف عرف به الخطيب على ما هو مذهبه فإنّ مذهبه أنّ الاستعارة مشتركة لفظا بين الاستعارة التــحقــيقية والاستعارة بالكناية. ولذا لم يقل لا على وجه الاستعارة مع كونه أخصر، إذ لا يصح إرادة المعنيين من المشترك في إطلاق واحد ولم يذكر الاستعارة التخييلية لأنها عنده، وكذا عند السلف إثبات لوازم المشبّه به للمشبّه بطريق المجاز العقلي، وليست فيه دلالة على مشاركة أمر لأمر فهي خارجة بقوله الدلالة على مشاركة أمر لأمر، بل لم يدخل في التفسير حتى يحتاج إلى إخراجه بقيد. وأمّا على مذهب السّكّاكي وهو أنّ الاستعارة مشتركة معنى بين الكلّ والتخييلية استعارة اللفظ لمفهوم شبه المــحقــق فيجب الاكتفاء بقوله ما لم يكن على وجه الاستعارة، لأن في التقييد تطويلا وكذا عند السلف فإنّ لفظ الاستعارة عندهم مشترك معنى بين التــحقــيقية والمكنية. وقوله والتجريد أي لا على وجه التجريد ليخرج تشبيه يتضمنه التجريد وهو التجريد الذي لم يكن تجريد الشيء عن نفسه لأنه حينئذ لا تشبيه نحو لَهُمْ فِيها دارُ الْخُلْدِ فإنّه لا نزاع أن دار الانتزاع دار الخلد من جهنّم وهي عين دار الخلد لا مشبّه به، بخلاف لقيت من زيد أسدا فإنّه لتجريد أسد من زيد وأسد مشبّه به لزيد لا عينه، ففيه تشبيه مضمر في النفس. فمن احترز به عن نحو قولهم لهم فيها دار الخلد فلم يجرد عقله عن غواشي الوهم، وكأن حبالة الوهم فيه تعريف التجريد بالانتزاع من أمر ذي صفة الخ. ثم إنّهم زعموا أنّ إخراج التجريد من التشبيه مخالفة من الخطيب مع المفتاح حيث صرّح بجعل التجريد من التشبيه. وفيه ما ستعرفه في خاتمة لفظ الاستعارة.
فائدة.
إذا أريد الجمع بين شيئين في أمر مركّبا كان أو مفردا حسيّا كان أو عقليا واحدا كان أو متعددا، فالأحسن أن يسمّى تشابها لا تشبيها ويجوز التشبيه أيضا، وذلك تارة يكون في المتساويين في وجه الشّبه، وتارة يكون في المتفاوتين من غير قصد إفادة التفاوت. قال الشاعر:
رقّ الزجاج ورقّت الخمر فتشابها وتشاكل الأمر فكأنّه خمر ولا قدح. وكأنّها قدح ولا خمر
فائدة
أركان التشبيه أربعة. طرفاه يعني المشبّه والمشبّه به وأداته كالكاف وكأنّ ومثل وشبه ونحوها ووجهه وهو ما يشتركان فيه تــحقــيقا أو تخييلا، أي وجه التشبيه ما يشترك الطرفان فيه بحكم التشبيه فيؤول المعنى إلى ما دلّ على اشتراكهما فيه، فلا يرد نحو ما أشبهه بالأسد للجبان لأنّ الشجاعة ليست مشتركة بينهما مع أنّها وجه التشبيه للدلالة على مشاركتهما فيها ولا يلزم أن يكون من وجوه التشبيه في زيد كالأسد الوجود والجسمية والحيوانية. ويتجه أنه يلزم أن يكون الطرفان قبل الدلالة على الاشتراك فيه طرفين إلّا أن يتجوّز، وأخرج التعريف مخرج من قتل قتيلا. وفي قولنا تــحقــيقا أو تخييلا إشارة إلى أنّ وجه الشبه لا يجب أن يكون من أوصاف الشيء في نفسه من غير اعتبار معتبر. والمراد بالتخييل هو أن لا يوجد في أحد الطّرفين أو كليهما إلّا على سبيل التخييل والتأويل.
فائدة:
الغرض من التشبيه في الأغلب يعود إلى المشبّه لبيان إمكان وجوده أو لبيان حاله بأنّه على أيّ وصف من الأوصاف كما في تشبيه ثوب بآخر في السّواد، أو لبيان مقدار حاله كما في تشبيه الثوب بالغراب في شدّة السواد، أو لبيان تقريرها أي تقرير حال المشبّه في نفس السامع وتقوية شأنه كما في تشبيه من لا يحصل من سعيه على طائل بمن يرقم على الماء. وهذه الأغراض الأربعة تقتضي أنّ يكون وجه الشّبه في المشبّه به أتمّ وهو به أشهر، أو لبيان تزيينه في عين السامع كما في تشبيه وجه أسود بمقلة الظبي، أو لبيان تشويهه أي تقبيحه كما في تشبيه وجه مجدور بسلحة- البراز- جامدة قد نقرتها الديكة، أو لبيان استطرافه أي عدّ المشبّه طريفا حديثا كما في تشبيه فحم فيه جمر. قال الشاعر:
كأنما الفحم والجمار به بحر من المسك موجه الذهب أي لإبراز المشبّه في صورة الممتنع عادة.
وله أي للاستطراف وجه آخر غير الإبراز في صورة الممتنع عادة وهو أن يكون المشبّه به نادر الحضور في الذهن، إمّا مطلقا كما في المثال المذكور وإمّا عند حضور المشبّه كما في قوله في البنفسج:
ولازورديّة تزهو بزرقتها بين الرياض على حمر اليواقيت كأنّها فوق قامات ضعفن بها أوائل النار في أطراف كبريت فإنّ صورة اتصال النّار بأطراف الكبريت لا تندر كندرة بحر من المسك موجه الذهب، لكن تندر عند حضور صورة البنفسج. وقد يعود الغرض إلى المشبّه به وهو ضربان: الضرب الأول إيهام أنّه أتمّ في وجه التشبيه من المشبّه وذلك في التشبيه المقلوب، وهو أن يجعل الناقص في وجه الشّبه مشبّها به قصدا إلى ادّعاء أنه زائد في وجه الشّبه كقوله:
بدأ الصّباح كأنّ غرّته وجه الخليفة حين يمتدح فإنّه قصد إيهام أنّ وجه الخليفة أتمّ من الصباح في الوضوح والضياء.

قال في الأطول: ولا يخفى أنّه يجوز أن يكون التشبيه المقلوب مبنيا على تسليم أنّه أتم من المشبّه إذا كان بينك وبين مخاطبك نزاع في ذلك وأنت جاريت معه، وأنه يصحّ التشبيه المقلوب في تشبيه التزيين والتشويه والاستطراف لا دعاء أنّ الزينة في المشبّه به أتم أو القبح أكثر، أو ادّعاء أنّ المشبّه أندر وأخفى. ولا يظهر اختصاصه بصورة الحاق الناقص بالكامل.
والضرب الثاني بيان الاهتمام به أي بالمشبه به كتشبيه الجائع وجها كالبدر في الإشراق والاستدارة بالرغيف، ويسمّى هذا النوع من الغرض إظهار المطلوب.

قال في الأطول: ويمكن تربيع قسمة الغرض ويجعل ثالث الأقسام أن يعود الغرض إلى ثالث وهو تحصيل العناق أي الاتصال بين صورتين متباعدتين غاية التباعد، فإنّه أمر مستطرف مرغوب للطباع جدا. ورابعها أن يعود الغرض إلى المشبّه والمشبّه به جميعا، وهو جعلهما مستطرفين بجميعهما لأنّ كلا من المتباعدين مستطرف إذا تعانقا.
[التقسيم]
التقسيم الأول
وللتشبيه تقسيمات باعتبارات. الأول باعتبار الطرفين إلى أربعة أقسام لأنّهما إمّا حسّيان نحو كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ أو عقليان نحو ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً. كذا مثّل في البرهان، وكأنه ظنّ أنّ التشبيه واقع في القسوة وهو غير ظاهر بل هو واقع بين القلوب والحجارة، فمثاله العلم والحياة. أو مختلفان بأن يكون المشبّه عقليا والمشبّه به حسّيا كالمنيّة والسبع أو بالعكس مثل العطر وخلق رجل كريم، ولم يقع هذا القسم في القرآن، بل قيل إنّ تشبيه المحسوس بالمعقول غير جائز لأنّ العلوم العقلية مستفادة من الحواس ومنتهية إليها. ولذا قيل من فقد حسّا فقد علما، يعنى العلم المستفاد من ذلك الحسّ. وإذا كان المحسوس أصلا للمعقول فتشبيهه به يكون جعلا للفرع أصلا والأصل فرعا، وهو غير جائز.
والمراد بالحسيّ المدرك هو أو مادته بالحسّ أي بإحدى الحواس الخمس الظاهرة، فدخل فيه الخيالي، وبالعقلي ما عدا ذلك وهو ما لا يكون هو ولا مادته مدركا بإحدى الحواس الظاهرة فدخل فيه الوهمي الذي لا يكون للحسّ مدخل فيه لكونه غير منتزع منه، بخلاف الخيالي فإنّه منتزع منه، وكذا دخل الوجدانيات كاللذة والألم. وأيضا التشبيه باعتبار الطرفين إمّا تشبيه مفرد بمفرد ويسمّى بالتشبيه المفرق والمفردان إمّا مقيدان بأن يكون للمقيد بهما مدخل في التشبيه كقولهم لمن لا يحصل من سعيه على طائل هو كالراقم على الماء، فإنّ المشبّه به هو الراقم المقيّد بكون رقمه على الماء لأنّ وجه الشبه فيه التسوية بين الفعل وعدمه وهو موقوف على اعتبار هذين القيدين. ثم إنّ القيد يشتمل الصلة والمفعول ولا يخصّ بالإضافة والوصف كما هو المشهور. ومن القيود الحال أو غير مقيدين كتشبيه الخد بالورد أو مختلفان في التقييد وعدمه كقوله والشمس كالمرآة في كفّ الأشل. فإن المشبّه وهو الشمس غير مقيد والمشبّه به وهو المرآة مقيّد بكونها في كفّ الأشل وعكسه، أي تشبيه المرآة في كفّ الأشل بالشمس فيما يكون المشبّه مقيدا والمشبّه به غير مقيد. وإما تشبيه مركّب بمركّب وحينئذ يجب أن يكون كلّ من المشبّه والمشبّه به هيئة حاصلة من عدة أمور وهو قد يكون بحيث يحسن تشبيه كل جزء من أجزاء أحد الطرفين بما يقابله من الطرف الآخر كقوله:
كأن أجرام النجوم لوامعا درر نثرن على بساط أزرق فإنّ تشبيه النجوم بالدّرر وتشبيه السماء ببساط أزرق تشبيه حسن، وقد لا يكون بهذه الحيثية كقوله:
فكأنما المريخ والمشتري قدامه في شامخ الرفعة منصرف بالليل عن دعوة قد أسرجت قدّامه شمعة فإنه لا يصح تشبيه المريخ بالمنصرف بالليل عن دعوة. وقد يكون بحيث لا يمكن أن يعتبر لكل جزء من أجزاء الطرفين ما يقابله من الطرف الآخر إلّا بعد تكلّف، نحو مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً. الآية فإنّ الصحيح أنّ هذين التشبيهين من التشبيهات المركّبة التي لا يتكلّف لواحد واحد شيء يقدر تشبيهه به فإن جعلتها من المفرقة فلا بد من تكلّف وهو أن يقال في الأول شبّه المنافق بالمستوقد نارا وإظهاره الإيمان بالإضاءة وانقطاع انتفاعه بانطفاء النار، وفي الثاني شبّه دين الإسلام بالصيّب وما يتعلّق به من شبه الكفر بالظلمات وما فيه من الوعد والوعيد بالبرق والرعد، وما يصيب الكفرة من الإفزاع والبلايا والفتن من جهة أهل الإسلام بالصواعق. وإمّا تشبيه مفرد بمركّب كتشبيه الشاة الجبلي بحمار أبتر مشقوق الشفة والحوافر نابت على رأسه شجرتا غضا.
والفرق بين المفرد المقيّد وبين المركّب يحتاج إلى تأمّل، فإنّ المشبّه به في قولنا هو كالراقم على الماء إنّما هو الراقم بشرط أن يكون رقمه على الماء، وفي الشاة الجبلي هو المجموع المركّب من الأمور المتعددة بل الهيئة الحاصلة منها. وإمّا تشبيه مركّب بمفرد. وأيضا التشبيه باعتبار الطرفين إن تعدد طرفاه فإمّا ملفوف وهو أن يؤتى على طريق العطف أو غيره بالمشبّهات أو لا، ثمّ بالمشبّه بها [كذلك،] أو بالعكس كقولنا كالشمس والقمر زيد وعمرو، وقولنا كالقمرين زيد وعمرو إذا أريد تشبيه أحدهما بالشمس والآخر بالقمر، أو مفروق وهو أن يؤتى بمشبّه ومشبّه به ثم آخر وآخر كقوله: النشر مسك والوجوه دنانير. ولا يخفى أنّ الملفوف والمفروق لا يخصّ بالطرف بل يجري في الوجه أيضا. وإن تعدّد طرفه الأول يعني المشبّه يسمى تشبيه التسوية لأنه سوّى بين المشبهين كقوله.
صدغ الحبيب وحالي كلاهما كالليالي. ثغوره في صفاء ودمعي كاللآلئ وإن تعدّد طرفه الثاني أعني المشبه به فتشبيه الجمع لأنّه يجمع للمشبّه وجوه تشبيه أو يجمع له أمور مشبهات كقوله:
كإنّما تبسم عن لؤلؤ. منضّد أو برد أو أقاح وقيل شعر آخر مشتملا على عدة تشبيهات وهو:
نفسي الفداء لثغر راق مبسمه وزانه شنب ناهيك من شنب.
يفتر عن لؤلؤ رطب وعن برد وعن أقاح وعن طلع وعن حبب هكذا في مقامات الحريري
التقسيم الثاني
باعتبار الأداة إلى مؤكد وهو ما حذفت أداته نحو زيد أسد ومرسل وهو بخلافه. وفي جعل زيد في جواب من قال من يشبه الشمس تشبيها مؤكدا نظر، لأن حذف الأداة على هذا الوجه لا يشعر بأنّ المشبّه عين المشبّه به.
فالوجه أن يفرّق بين الحذف والتقدير ويجعل الحذف كناية عن الترك بالكلية بحيث لا تكون مقدّرة في نظم الكلام. ويجعل الكلام خلوا عنها مشعرا بأنّ المشبّه عين المشبّه به في الواقع بحسب الظاهر. فعلى هذا قوله تعالى وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ إذا كان تقديره مثل مرّ السّحاب بالقرينة، فتشبيه مرسل، وبدعوى أن مرور الجبال عين مرّ السحاب تشبيه مؤكّد فاعرفه، فإنّه من المواهب. فالمرسل ما قصد أداته لفظا أو تقديرا لعدم تقييده بالتأكيد المستفاد من إجراء المشبّه به على المشبه. فإن قلت إنّ زيدا كالأسد مشتمل على تأكيد التشبيه فكيف يجعل مرسلا؟ قلت اعتبر في المؤكد والمرسل التأكيد بالنظر إلى نفس أركان التشبيه مع قطع النظر عما هو خارج عما يفيد التشبيه.
التقسيم الثالث
باعتبار الوجه. فالوجه إمّا غير خارج عن حقــيقة الطرفين سواء كان نفس الــحقــيقة أو نوعا أو جنسا أو فصلا، وسواء كان حسيا مدركا بالحس أو عقليا، وإمّا خارج عن حقــيقتهما.
ولا يخفى أنّ تشبيه الإنسان بالفرس في الحيوانية لا في الحيوان كما هو دأب أرباب اللسان. وكون الشيء حيوانا ليس جنسا فكأنّه أريد بالوجه الداخل ما يوجد بالنظر إلى الداخل. ثم الخارج لا بدّ أن يكون صفة، أي معنى قائما بالطرفين لأنّ الخارج الذي ليس كذلك غير صالح لكونه وجه شبه. والصفة إمّا حقــيقية أي موجودة في الطرفين لا بالقياس إلى الشيء سواء كانت حسّية أي مدركة بالحسّ أو عقلية وإمّا إضافية. وأيضا باعتبار الوجه وجه التشبيه إمّا واحد وهو ما لا جزء له، وإمّا بمنزلة الواحد لكونه مركبا من متعدّد، إمّا تركيبا حقــيقيا بأن يكون وجه التشبيه حقــيقة ملتئمة من متعدّد، أو تركيبا اعتباريا بأن يكون هيئة منتزعة انتزعها العقل من متعدّد، وإمّا متعدّد بأن يقصد [فيه] بالتشبيه تشريك الطرفين في كلّ واحد من متعدّد، بخلاف المركّب من وجه الشبه، فإنّ القصد فيه إلى تشريكهما في مجموع الأمور أو في الهيئة المنتزعة عنها. هذا ثمّ الظاهر أن يخصّ التركيب في هذا العرف بالمركّب الاعتباري ويجعل المركب الــحقــيقي داخلا في الواحد إذ ليس المراد بتركيب المشبّه أو المشبّه به أن يكون حقــيقته مركبة من أجزاء مختلفة، ضرورة أنّ الطرفين في قولنا زيد كالأسد مفردان لا مركبان، وكذا في وجه الشّبه ضرورة أنّ وجه الشبه في قولنا: زيد كعمرو في الإنسانيّة واحد لا منزّل منزلة الواحد، بل المراد بالتركيب أن تقصد إلى عدة أشياء مختلفة أو إلى عدة أوصاف لشيء واحد فتنتزع منها هيئة وتجعلها مشبّها ومشبّها به، أو وجه تشبيه. ولذلك ترى صاحب المفتاح يصرّح في تشبيه المركّب بالمركّب بأنّ كلّا من المشبّه والمشبّه به هيئة منتزعة.
اعلم أنّه لا يخفى أنّ هذا التقسيم يجري في الطرفين، فإنّ المشبّه أو المشبّه به قد يكون واحدا وقد يكون بمنزلة الواحد وقد يكون متعددا. فالقول بأنّ تعدّد الطرف يوجب تعدّد التشبيه عرفا دون تعدّد وجه الشّبه لو تمّ لتمّ وجه التخصيص.
واعلم أيضا أنّ كلّا من الواحد وما هو بمنزلته إمّا حسّي أو عقلي، والمتعدّد إمّا حسّي أو عقلي أو مختلف، أي بعضه حسّي وبعضه عقلي، والحسّي وكذا المختلف طرفاه حسّيان لا غير، والعقلي أعمّ. وبالجملة فوجه الشبه إمّا واحد أو مركّب أو متعدّد، وكل من الأولين إمّا حسّي أو عقلي، والأخير إمّا حسّي أو عقلي أو مختلف، فصارت سبعة أقسام، وكل منه إمّا طرفاه حسّيان أو عقليان وإمّا المشبّه حسّي والمشبّه به عقلي أو بالعكس، فتصير ثمانية وعشرين، لكن بوجوب كون طرفي الحسّي حسّيين يسقط اثنا عشر ويبقى ستة عشر. هذا ما قالوا. والــحق أن يقسم ما هو بمنزلة الواحد أيضا ثلاثيا، كتقسيم المتعدّد. فعلى هذا يبلغ الأقسام إلى اثنين وثلاثين والباقي بعد الإسقاط سبعة عشر، كما يشهد به التأمّل هكذا في الأطول. وأيضا باعتبار الوجه إمّا تمثيل أو غير تمثيل، والتمثيل تشبيه وجه منتزع من متعدّد وغير التمثيل بخلافه.
وأيضا باعتبار الوجه إمّا مفصّل أو مجمل، فالمفصّل ما ذكر وجهه وهو على قسمين: أحدهما أن يكون المذكور حقــيقة وجه الشبه نحو زيد كالأسد في الشجاعة. وثانيهما أن يكون المذكور أمرا مستلزما له كقولهم الكلام الفصيح هو كالعسل في الحلاوة، فإنّ الجامع فيه هو لازم الحلاوة وهو ميل الطّبع لأنه المشترك بين الكلام والعسل. والمجمل ما لم يذكر وجهه فمنه ظاهر يفهم وجهه كلّ أحد ممن له مدخل في ذلك نحو زيد كالأسد، ومنه خفي لا يدرك وجهه إلّا الخاصة سواء أدركه بالبداهة أو بالتأمّل، كقولك هم كالحلقة المفرغة لا يدرى أين طرفاها، أي هم متناسبون في الشرف كالحلقة المفرغة متناسبة في الأجزاء صورة. ولا يخفى أنّ المراد بالخفي الخفي في حدّ ذاته، فلا يخرجه عن الخفاء عروض ما يوجب ظهوره كما في هذا المثال. فإنّ وصف الحلقة بالمفرغة يظهر وجه الشّبه فلا اختصاص لهذا التقسيم بالمجمل، بل يجري في المفصل أيضا كأنّهم خصّوا به للتنبيه على أنّه مع خفاء التشبيه فيه يحذف الوجه. وأيضا من المجمل ما لم يذكر فيه وصف أحد الطرفين أي وصف يذكر له من حيث أنّه طرف وهو وصف يشعر بوجه الشّبه، فلا يخرج منه زيد الفاضل أسد لأنّ زيدا لا يثبت له الفضل من حيث أنّه كالأسد. ومنه ما ذكر فيه وصف المشبّه به فقط كقولك هم كالحلقة المفرغة إلخ، فإنّ وصف الحلقة بالمفرغة مشعر بوجه الشّبه. ومنه ما ذكر فيه وصف المشبّه فقط وكأنّهم لم يذكروا هذا القسم لعدم الظّفر به في كلامهم. ومنه ما ذكر فيه وصفهما أي وصف المشبّه والمشبّه به كليهما نحو فلان كثير المواهب أعرضت عنه أو لم تعرض كالغيث فإنّه يصيبك جئته أو لم تجئ. وهذان الوصفان مشعران بوجه الشّبه أي الإفاضة [في] حالتي الطلب وعدمه وحالتي الإقبال والإعراض.
اعلم أنّه لا يخفى جريان هذا التقسيم في المفصل وكأنّهم لم يتعرّضوا له لأنه لم يوجد إذ لا معنى لإيراد ما يشعر بالوجه مع ذكره، أو لأنّ ذكره في المجمل لدفع توهّم أنه ليس التقسيم مجملا مع ما يشعر بالوجه، ولا داعي لذكره في المفصل. وأيضا باعتبار الوجه إمّا قريب مبتذل وهو التشبيه الذي ينتقل فيه من المشبّه إلى المشبّه به من غير تدقيق نظر لظهور وجهه في بادئ الرأي. ولا ينتقض التعريف بتشبيه يكون المشبّه به لازما ذهنيا للمشبّه مع خفاء وجهه، لأنّه ليس انتقالا لظهور وجهه في بادئ الرأي. وقولنا لظهور وجهه قيد للتعريف. وتــحقــيقه أن يكون [المشبّه] بحيث إذا نظر العقل فيه ظهر المفهوم الكلّي الذي يشترك بينه وبين المشبّه به من غير تدقيق نظر، والتفت النفس إلى المشبّه به من غير توقف.
ولم يكتف بما ظهر وجهه في بادئ الرأي لأنه يتبادر منه الظهور بعد التشبيه وإحضار الطرفين وهو لا يكفي في الابتذال، بل لا بدّ أن يكون الانتقال من المشبّه إلى المشبّه به لظهور وجهه بمجرد ملاحظة المشبّه كتشبيه الشمس بالمرآة المجلوّة في الاستدارة والاستنارة، فإنّ وجه الشبه فيه لكونه تفصيليا ظاهر. وإمّا غريب بعيد وهو ما لا ينتقل فيه من المشبّه إلى المشبّه به لظهور وجهه في بادئ الرأي، سواء انتقل فيه من المشبّه إلى المشبّه به من بادئ الرأي لكون المشبّه به لازما ذهنيا، لا لظهور وجهه، أولا ينتقل منه إليه كذلك أصلا كقوله والشمس كالمرآة في كفّ الأشل. وكلما كان تركيب وجه التشبيه خياليا كان أو عقليا من أمور أكثر كان التشبيه أبعد لكون تفاصيله أكثر كقوله تعالى إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ الآية. وقد يتصرف في التشبيه القريب بما يجعله غريبا نحو قول الشاعر
عزماته مثل النجوم ثواقبا لو لم يكن للثاقبات أفول أي غروب. وهذا التشبيه يسمّى بالتشبيه المشروط، وهو التشبيه الذي يقيّد فيه المشبّه أو المشبّه به أو كلاهما بشرط وجودي أو عدمي أو مختلف يدلّ عليه بصريح اللفظ كما في البيت السابق، أو بسياق الكلام نحو هو بدر يسكن الأرض، فإنّه في قوة ولو كان البدر يسكن الأرض، وهذه القبّة فلك ساكن أي لو كان الفلك ساكنا.
التقسيم الرابع
باعتبار الغرض فالتشبيه بهذا الاعتبار إمّا مقبول وهو الوافي بإفادة الغرض كأن يكون المشبّه به أعرف الطرفين بوجه الشّبه في بيان الحال أو أتمّهما فيه، أي في وجه الشبه في إلحاق الناقص بالكامل، أو كأن يكون مسلّم الحكم فيه، أي في وجه الشبه معروفا عند المخاطب في بيان الإمكان أو التزيين أو التشويه، وإمّا مردود وهو بخلافه، أي ما يكون قاصرا عن إفادة الغرض وقد سبق في بيان الغرض. ثم التسمية بالمقبول والمردود بالنظر إلى وجه الشّبه فقط مجرد اصطلاح، وإلّا فكلما انتفى شرط من شرائط التشبيه باعتبار الوجه أو الطرف فمردود، لكن بعد الاصطلاح على جعل فائت شرط الوجه أو الطرف مقبولا لإفادة الغرض لا يقال الوفاء بالغرض لا يوجد بدون اجتماع شرائط التشبيه مطلقا. هذا كله خلاصة ما في الأطول والمطول.
فائدة:
القاعدة في المدح تشبيه الادنى بالأعلى وفي الذم تشبيه الأعلى بالأدنى لأن المدح مقام الأعلى والأدنى طارئ عليه [والذم بالعكس،] فيقال في المدح فصّ كالياقوت وفي الذمّ ياقوت كالزجاج، وكذا في السلب، ومنه قوله تعالى يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ أي في النزول لا في العلوّ، وقوله تعالى أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ أي في سوء الحال، أي لا نجعلهم كذلك. نعم أورد على ذلك مثل نوره كمشكاة فإنّه شبّه فيه الأعلى بالأدنى لا في مقام السلب، وأجيب بأنه للتقريب إلى أذهان المخاطبين، إذ لا أعلى من نوره، فيشبّه به كذا في الاتقان. أقول هكذا أورد في تشبيه الصلاة على نبينا وآله صلى الله عليه وعليهم وسلّم بالصلاة على إبراهيم وآله بأن الصلاة على نبينا أكمل وأعلى لقوله تعالى إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ولقوله تعالى هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ الآية. ولأنّ نبينا عليه الصلاة والسلام سيد المرسلين بالإجماع لا خلاف فيه لأحد من المؤمنين، فالصلاة عليه أشرف وأكمل وأعلى بلا ريب فيلزم تشبيه الأعلى بغير الأعلى. وأجيب عن ذلك بوجوه:
أوّلها أنّ إبراهيم على نبيّنا وعليه الصلاة والسلام دعا لنبينا حيث قال رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ الآية وقال النبي صلى الله عليه وسلم (أنا دعوة إبراهيم) الحديث، فلما وجب للخليل على الحبيب حق دعائه قضى الله تعالى عنه حقّــه بأن أجرى ذكره على ألسنة أمته إلى يوم القيمة. وثانيها أنّ إبراهيم سأل ربه بقوله وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ يعني ابق لي ثناء حسنا في أمة محمد عليه الصلاة والسلام، فأجابه الله تعالى إليه وقرن ذكره بذكر حبيبه إبقاء للثناء الحسن عليه في أمته. وثالثها أنّ إبراهيم أبو الملّة لقوله تعالى مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ الآية ولقوله تعالى قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً الآية، وغيرها من الآيات. ونبينا عليه السلام كان أبا الرحمة لقوله تعالى النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ الآية فلمّا وجب لكل واحد منهما عليهما السلام حقّ الأبوة وحقّ الرحمة قرن بين ذكريهما في باب الصلاة والثناء. ورابعها أنّ إبراهيم كان منادي الشريعة في الحجّ وكان نبينا عليه السلام منادي الدين لقوله تعالى رَبَّنا إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِياً يُنادِي لِلْإِيمانِ الآية، فجمع بينهما في الصلاة. وخامسها أنّ الشّهرة والظهور في المشبّه به كاف للتشبيه، ولا يشترط كون المشبّه به أكمل وأتمّ في وجه التشبيه. وكان أهل مكّة يدينون ملة إبراهيم على زعمهم وكان أكثرهم من أولاد إسماعيل وإسماعيل بن إبراهيم، وكان إبراهيم مشهورا عندهم وكذلك عند اليهود والنصارى لأنهم من أولاد إسحاق وهو ابن إبراهيم أيضا، فكلّهم ينسبون إلى إبراهيم عليهم السلام. وسادسها بعد تسليم الاشتراط المذكور يكفي أن يكون المشبّه به أتم وأكمل ممن سبق أو من غيره، ولا يشترط كونه أتمّ من المشبّه كما في قوله تعالى اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ الآية. هكذا في التفسير الكبير وشرح المشكاة ومدارج النبوة.

اعلم أنّه في جامع الصنائع يقول: إنّ التشبيه ينقسم إلى قسمين: الأول: مرعي، يعني أنّ المشبّه والمشبّه به كلاهما من الأعيان، أي الموجودات كما في تشبيه السالفة بالليل والشفة بالسكر. والثاني: غير مرعي: وهو أن يكون المشبّه به ليس من الموجودات، ولكن من الممكن أن يكون كما في تشبيه العمود المدبّب الرأس «ويشعل في الحرب» بالجبل وكانون النار «المصنوع من النحاس» كأنّه بحر من الذهب.

ثم إنّ التشبيه على أنواع: أحدها: التشبيه المطلق، وهو الذي ذكرت فيه أداة التّشبيه وهي في اللسان العربي: الكاف، وكأنّ، ومثل، ونحو ذلك وفي الفارسية: چون «مثل» «ومانند» «مثل» و «گوئي» «كأنك تقول» وما أشبه ذلك. مثال التشبيه المطلق:
عيناك قاهرة كالنار وجودك جار كالماء وطبعك صاف كالنسيم وحلمك ثابت كالطين (الأرض) الثاني: تشبيه مشروط بأنّ يكون شيء يشبه شيئا آخر ومتوقّف على شرط مثاله: إنّي اسمّي قامتك الجميلة سروا ولكن بشرط أن يكون للسّرو غنج ودلال. حينما تخطرون في الحديقة لا يبلغ الورد إلى مستوى رائحتكم ولكن السّرو يستطيع مصارعة قامتكم لو كان غير مقيّد.

الثالث: التشبيه بالعكس: وهو أن يشبّه شيء بشيء في وصف.
ثم يعود فيشبّه المشبّه به في صفة بالمشبّه مثاله:
لقد أضاء سطح الأرض من لمعان الحديد في حوافر خيله حتى بدت كالفلك.
وصار الفلك من غبار جيشه كالأرض مملوءا بالعجاج. مثال آخر:
كرة الأرض من بهاء طلعتك تسامي الفلك في سمّوه والفلك الدوار من غبار حصانك اتخذ الأرض شعارا الرابع: تشبيه الإضمار وهو إيراد شيئين يمكن التشبيه بهما دون ذكر التشبيه، ثم ذكر ألفاظ تجعل السامع يظنّ أنّ المراد هو شيء آخر. وهنا يقع الإيهام والغموض بأنّ المراد هو التشبيه.

ومثاله: إن تحركي سالفك فسأملأ الدنيا هياجا.

أجل: فالمجنون يزيد هيجانه إذا حرّك أحد قيوده.

الخامس: التشبيه بالكناية. أي أن يشبّه شيء بشيء دون ذكر اسمه صراحة، يعني يكنّى عن المشبّه به ولا ذكر للمشبّه أو المشبّه به في الكلام، ولكنه يفهم من السّياق، ومثاله: نزلت من النرجس (قطرات) من اللؤلؤ وسقّت الورد وهزّت العنّاب بحبات من البرد الذي يبهج النفس (الروح).

السادس: تشبيه التفضيل وهو أن يشبّه شيئا بآخر ثم يرجع عن ذلك فيشبّه المشبّه به بالمشبّه مع تفضيل المشبّه ومثاله: أنت كالقمر ولكن أي قمر إنّه متكلّم. أنت كالسّرو ولكن سرو مغناج.

السابع: تشبيه التّسوية: أن يشبّه شيء بشيء آخر يساويه في الصفة انتهى. ويقول في مجمع الصنائع: إنّ تشبيه التسوية حسب ما هو مشهور هو أن يعمد الشاعر إلى صفة من صفاته صفة مماثلة من أوصاف محبوبه فيشبههما بشيء آخر. وأمّا الطريق غير المشهور فهو أن يشبّه الشاعر شيئين بشيء واحد. ومثال هذين النوعين في بيت من الشعر العربي وهما: صدغ الحبيب وحالي كلاهما كالليالي ثغوره في صفاء ودمعي كاللآلي والتشبيه عند أهل التصوّف عبارة عن صورة الجمال، لأنّ الجمال الإلهي له معان وهي الأسماء والأوصاف الإلهية، وله صورة وهي تجليّات تلك المعاني فيما يقع عليه من المحسوس أو المعقول. فالمحسوس كما في قوله عليه السلام «رأيت ربي صورة شاب أمرد». والمعقول كقوله تعالى «أنا عند ظنّ عبدي بي فليظن بي ما شاء» وهذه الصورة هي المراد بالتشبيه، وهو في ظهوره بصور جماله باق على ما استــحقــه من تنزيه. فكما أعطيت الجناب الإلهي حقّــه من التنزيه فكذلك أعطه من التشبيه الإلهي حقّــه.
واعلم أنّ التشبيه في حقّ الله تعالى حكم بخلاف التنزيه، فإنه في حقّــه أمر عيني ولا يدركه إلّا الكمّل. وأمّا من سوههم من العارفين فإنما يدرك ما قلنا إيمانا وتقليدا لما تقضيه صور حسنه وجماله، إذ كل صورة من صور الموجودات هي صورة حسنه، فإن شهدت الصورة على الوجه التشبيهي ولم تشهد شيئا من التنزيه فقد أشهدك الــحق حسنه من وجه واحد، وإن أشهدك الصورة التشبيهية وتعلّقت فيها التنزيه الإلهي فقد أشهدك الــحقّ جماله وجماله من وجهي التشبيه والتنزيه فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ. واعلم أنّ للــحق تشبيهين: تشبيه ذاتي وهو ما عليك من صور الموجودات المحسوسة أو ما يشبه المحسوسة في الخيال، وتشبيه وصفي وهو ما عليه صور المعاني الأسمائية المنتزعة عما يشبه المحسوس.
وهذه الصورة تتعقل في الذهن ولا تتكيف في الحسّ، فمتى تكيفت التــحقــت بالتشبيه الذاتي، لأن التكيّف من كمال التشبيه والكمال بالذات أولى فبقي التشبيه الوصفي، وهو ما لا يمكن التكيّف فيه بنوع من الأنواع ولا حين يضرب المثل. ألا ترى الــحقّ سبحانه كيف ضرب المثل عن نوره بالمشكاة والمصباح والزجاجة وكأنّ الإنسان صورة هذا التشبيه الذاتي، لأن المراد بالمشكاة صدره والزجاجة قلبه وبالمصباح سرّه وبالشجرة المباركة الإيمان بالغيب، وهو ظهور الــحقّ في صورة الخلق، لأن معنى الــحق غيب في صورة شهادة الخلق، والإيمان به هو الإيمان بالغيب. والمراد بالزيتونية الــحقــيقة المطلقة التي لا تقول بأنها من كلّ الوجوه حقّ، ولا بأنها من كل الوجوه خلق، فكانت الشجرة الإيمانية لا شرقية، فنذهب إلى التنزيه المطلق بحيث ينفى التشبيه، ولا غربية فنقول بالتشبيه المطلق حتى ينفى التنزيه، فهي تعصر بين قشر التشبيه ولبّ التنزيه، وحينئذ يكاد زيتها يضيئ الذي هو يغيبها فترتفع ظلمة الزيت بنوره ولو لم تمسسه نار المعاينة الذي هو نور عياني، وهو نور التشبيه على نور الإيمان، وهو نور التنزيه يهدي الله لنوره من يشاء. فكان هذا التشبيه ذاتيا، وهو وإن كان ظاهرا بنوع من ضرب المثل فذلك المثل أحد صور حسنه.
فكلّ مثل ظهر فيه الممثّل به فإنّ المثل أحد صور الممثّل به لظهوره به، كذا في الإنسان الكامل.

التَّصَوُّر والتصديق

التَّصَوُّر والتصديق: وَإِنَّمَا قدمنَا التَّصَوُّر على التَّصْدِيق لِأَن التَّصَوُّر إِمَّا شَرط التَّصْدِيق أَو شطره أَي جزءه. وَالشّرط والشطر مقدمان طبعا على الْمَشْرُوط وَالْكل بِالضَّرُورَةِ فقدمنا التَّصَوُّر على التَّصْدِيق وَصفا ليُوَافق الْوَضع الطَّبْع.
ثمَّ اعْلَم أَن التَّصَوُّر يُطلق بالاشتراك اللَّفْظِيّ على أَمريْن. أَحدهمَا: الْحُضُور الذهْنِي مُطلقًا والتصور بِهَذَا الْمَعْنى مرادف للْعلم المنقسم إِلَى التَّصَوُّر والتصديق وَيُقَال لَهُ التَّصَوُّر الْمُطلق والتصور لَا بِشَرْط شَيْء. وَثَانِيهمَا: الْحُضُور الذهْنِي مَعَ اعْتِبَار عدم الإذعان وَهَذَا التَّصَوُّر قسم الْعلم فَيكون قسما للتصور بِالْمَعْنَى الأول أَيْضا وقسيما للتصديق وَيُقَال لَهُ التَّصَوُّر الساذج وتصور فَقَط والتصور بِشَرْط لَا شَيْء. وَقد علم من هَذَا الْبَيَان أَن مورد الْقِسْمَة هُوَ التَّصَوُّر بِالْمَعْنَى الأول. وَقَالَ الْمُــحَقــق الرَّازِيّ فِي الرسَالَة المعمولة فِي التَّصَوُّر والتصديق فسر التَّصَوُّر بِأُمُور. أَحدهَا: بِأَنَّهُ عبارَة عَن حُصُول صُورَة الشَّيْء فِي الْعقل وَهُوَ بِهَذَا الْمَعْنى مرادف للْعلم. وَثَانِيها: بِأَنَّهُ عبارَة عَن حُصُول صُورَة الشَّيْء فِي الْعقل فَقَط وَهُوَ مُحْتَمل لوَجْهَيْنِ: أَحدهمَا: حُصُول صُورَة الشَّيْء مَعَ اعْتِبَار عدم الحكم. وَثَانِيهمَا: حُصُول صُورَة الشَّيْء مَعَ عدم اعْتِبَار الحكم. وَهُوَ بِهَذَا التَّفْسِير أَعم مِنْهُ بالتفسير الثَّانِي لِأَنَّهُ جَازَ أَن يكون مَعَ الحكم. وأخص مِنْهُ بالتفسير الأول لِأَن الأول جَازَ أَن يكون مَعَ اعْتِبَار الحكم انْتهى. وَقَالَ الزَّاهِد فِي حَوَاشِيه على الْحَوَاشِي الجلالية على التَّهْذِيب التَّصَوُّر عبارَة عَن الصُّورَة الْحَاصِلَة من الشَّيْء فِي الْعقل فَقَط وَهُوَ مُحْتَمل لوَجْهَيْنِ: الأول: مَعَ عدم اعْتِبَار الإذعان وَالثَّانِي: مَعَ اعْتِبَار عدم الإذعان وَالْأول أَعم من الثَّانِي بِحَسب الْمَفْهُوم دون التــحقــق لِأَن الْعلم التصديقي هُوَ الْعلم المتكيف بالكيفية الإذعانية لَا يُمكن فِيهِ عدم اعْتِبَار الإذعان وَلَا اعْتِبَار عدم الإذعان. وَغير الْعلم التصديقي يُمكن فِيهِ كل مِنْهُمَا انْتهى.

وللتصديق فِي اللُّغَة ثَلَاثَة معَان: الأول: هُوَ الإذعان بِصدق الْقَضِيَّة أَي التَّصْدِيق بِأَن معنى الْقَضِيَّة مُطَابق للْوَاقِع ويعبر عَنهُ بِالْفَارِسِيَّةِ (براست دانستن وصادق دانستن) ، وَالثَّانِي: الإذعان بِمَعْنى الْقَضِيَّة أَي التَّصْدِيق بِأَن الْمَحْمُول ثَابت للموضوع فِي الْوَاقِع أَو مسلوب عَنهُ كَذَلِك ويعبر عَنهُ بِالْفَارِسِيَّةِ (بكرويدن وباوركردن) وَهَذَا الْمَعْنى هُوَ التَّصْدِيق المنطقي. من هَا هُنَا قد اشْتهر فِيمَا بَينهم أَن التَّصْدِيق المنطقي هُوَ بِعَيْنِه هُوَ التَّصْدِيق اللّغَوِيّ، وَالثَّالِث: عبارَة عَن التَّصْدِيق بِأَن الْقَائِل مخبر عَن كَلَام مُطَابق للْوَاقِع ويعبر عَنهُ بِالْفَارِسِيَّةِ (براست كو داشتن وَــحقّ كو دانستن) .
وَقد علم من هَذَا الْبَيَان أَن الْمَعْنى الأول مَأْخُوذ من الصدْق الَّذِي وصف الْقَضِيَّة وَالثَّالِث مَأْخُوذ من الصدْق الَّذِي وصف الْقَائِل فَإِن قيل بَين هذَيْن الْقَوْلَيْنِ أَي قَوْلهم التَّصْدِيق المنطقي هُوَ التَّصْدِيق اللّغَوِيّ وَبَين قَوْلهم التَّصْدِيق المنطقي هُوَ التَّصْدِيق الأول والتصديق اللّغَوِيّ تَصْدِيق ثَان مُنَافَاة لِأَن القَوْل الأول يدل على العينية وَالْقَوْل الثَّانِي على الْمُغَايرَة والأولوية والثانوية لَا يتصوران إِلَّا فِي المتغايرين قُلْنَا تنْدَفع الْمُنَافَاة مِمَّا ذكرنَا من الْمعَانِي الثَّلَاثَة للتصديق فَإِن المُرَاد بالتصديق اللّغَوِيّ فِي القَوْل الأول هُوَ التَّصْدِيق اللّغَوِيّ بِالْمَعْنَى الثَّانِي. وَقد عرفت أَنه هُوَ التَّصْدِيق المنطقي وعينه. وَهَذَا التَّصْدِيق أَي التَّصْدِيق اللّغَوِيّ بِالْمَعْنَى الثَّانِي مقدم على التَّصْدِيق اللّغَوِيّ بِالْمَعْنَى الأول أَي يحصل قبل حُصُوله كَمَا لَا يخفى. فَالْحَاصِل أَن التَّصْدِيق اللّغَوِيّ الَّذِي هُوَ عين التَّصْدِيق المنطقي هُوَ التَّصْدِيق بِالْمَعْنَى الثَّانِي والتصديق الَّذِي مَحْكُوم عَلَيْهِ بِأَنَّهُ ثَان أَي مُتَأَخّر هُوَ التَّصْدِيق اللّغَوِيّ بِالْمَعْنَى الأول.
ثمَّ اعْلَم أَنهم اخْتلفُوا فِي بساطة التَّصْدِيق وتركبه. والحكماء ذَهَبُوا إِلَى بساطته وفسروه بالحكم أَي الاذعان بِالنِّسْبَةِ التَّامَّة الخبرية كَمَا هُوَ الْمَشْهُور. أَو الإذعان بِأَن الْمَحْمُول ثَابت للموضوع أَو مسلوب عَنهُ فِي الْوَاقِع كَمَا هُوَ تَــحْقِــيق الزَّاهِد. وَعَلَيْك أَن تعلم أَن الحكم بِاعْتِبَار حُصُوله فِي الذِّهْن تصور بِالْمَعْنَى الأول ولخصوصية كَونه حكما يُسمى تَصْدِيقًا وَسَيَجِيءُ توضيح هَذَا الْإِجْمَال فِي ذيل هَذَا الْمقَال أَو الاذعان بِنِسْبَة الِاتِّصَال واللااتصال وبنسبة الِانْفِصَال واللاانفصال. وَالْإِمَام الرَّازِيّ رَحمَه الله ذهب إِلَى أَنه مركب عبارَة عَن مَجْمُوع تصور الْمَحْكُوم عَلَيْهِ وَبِه وَالْحكم لما صرح بِهِ فِي الملخص. وَقيل إِن أول من نسب تركيب التَّصْدِيق إِلَى الإِمَام هُوَ الكاتبي فِي شرح الملخص حَيْثُ حمل عبارَة الملخص على ظَاهرهَا فَصَارَ كسخاوة حَاتِم وشجاعة رستم وَإِلَّا فعبارات الإِمَام فِي سَائِر كتبه نَص على أَن التَّصْدِيق نفس الحكم على مَا عَلَيْهِ الْحُكَمَاء. وَقَالَ القَاضِي سراج الدّين الأرموي فِي الْمطَالع الْعلم إِمَّا تصور إِن كَانَ إدراكا ساذجا وَإِمَّا تَصْدِيق إِن كَانَ مَعَ حكم بِنَفْي أَو إِثْبَات وَقَالَ صَاحب الْكَشْف فِي كتاب الْبَيَان التَّصَوُّر إِدْرَاك الشَّيْء من حَيْثُ هُوَ مَقْطُوع النّظر عَن كَونه خَالِيا عَن الحكم بِهِ أَو عَلَيْهِ بِإِيجَاب أَو سلب والمنظور إِلَيْهِ مَعَ أَحدهمَا هُوَ التَّصْدِيق. وَفِي ميزَان الْمنطق الْعلم إِمَّا تصور فَقَط وَهُوَ حُصُول صُورَة الشَّيْء فِي الْعقل. وَإِمَّا تَصْدِيق وَهُوَ تصور مَعَه حكم. وَفِي الشمسية الْعلم إِمَّا تصور فَقَط وَهُوَ حُصُول صُورَة الشَّيْء فِي الْعقل وَإِمَّا تصور مَعَه حكم وَيُقَال للمجموع تَصْدِيق. وَهَكَذَا قسمه الطوسي فِي تَجْرِيد الْمِيزَان.
وَلَا يخفى أَن هَذِه التفاسير للتصديق لَا تنطبق على شَيْء من مذهبي الْحُكَمَاء وَالْإِمَام. أما الأول: فلامتناع معية الشَّيْء بِنَفسِهِ. وَأما الثَّانِي: فَلِأَن الحكم لما كَانَ سَابِقًا على الْمَجْمُوع بِحكم الْجُزْئِيَّة لم يكن مَعَه للتضاد بَين التَّقَدُّم والمعية.
وَأَنت خَبِير بِمَا فِيهِ من منع التضاد لجَوَاز أَن تكون معية زمانية وَهِي لَا تنَافِي التَّقَدُّم الذاتي كَمَا هُوَ شَأْن الْجُزْء مَعَ الْكل. نعم مَا ذكره السَّيِّد السَّنَد الشريف الشريف قدس سره فِي حَاشِيَته على شرح الشمسية يُسْتَفَاد مِنْهُ دَلِيل قَاطع على عدم انطباق هَذِه التفاسير على مَذْهَب الإِمَام وَمن أَرَادَ الِاطِّلَاع عَلَيْهِ فَليرْجع إِلَيْهِ. وَيفهم مِمَّا قَالَ الْعَلامَة الْأَصْفَهَانِي فِي شرح الْمطَالع والطوالع أَن هَذِه التفاسير مَبْنِيَّة على مَذْهَب ثَالِث مستحدث مِنْهُم فِي التَّصْدِيق وَلَا مشاحة فِي الِاصْطِلَاح. ومحصل كَلَامه أَن حَقِــيقَة التَّصْدِيق هِيَ مَا يكون الحكم لاحقــا بِهِ عارضا لَهُ وَهُوَ مَجْمُوع التصورات الثَّلَاثَة من حَيْثُ إِنَّه ملحوق ومعروض للْحكم المرادف للتصديق فتسمية المعروض بالتصديق من بَاب إِجْرَاء الْعَارِض على المعروض وَمَا عدا ذَلِك تصور ساذج وَحِينَئِذٍ لَا يلْزم أَن يكون تصور الْمَحْكُوم عَلَيْهِ وَحده أَو تصور الْمَحْكُوم بِهِ وَحده وَلَا مجموعهما مَعًا وَحدهمَا تَصْدِيقًا لَكِن يلْزم أَن يكون إِدْرَاك النِّسْبَة وَحده تَصْدِيقًا لِأَن الحكم عَارض لَهُ حَقِــيقَة كَمَا هُوَ الْمَشْهُور وَإِن قلت إِن المُرَاد من التَّصَوُّر المعروض للْحكم مَجْمُوع التصورات الثَّلَاثَة كَمَا مر وَالْحكم وَإِن كَانَ عارضا للنسبة حَقِــيقَة لكنه بِوَاسِطَة قِيَامهَا بالطرفين عَارض للمجموع فَإِن عرُوض أَمر بِجُزْء يسْتَلْزم عروضه للْكُلّ قُلْنَا لَا دلَالَة للتصور على التَّعَدُّد فضلا عَن أَن يكون دَالا على مَجْمُوع التصورات الثَّلَاثَة. وَأما تَقْسِيم صَاحب الشمسية فَلَا ينطبق على مَذْهَب الْحُكَمَاء بِالضَّرُورَةِ وَلَا على مَذْهَب الإِمَام لما ذكره السَّيِّد السَّنَد قدس سره فِي تِلْكَ الْحَاشِيَة.
وَاعْلَم أَن السَّيِّد السَّنَد قدس سره قَالَ فِي تِلْكَ الْحَاشِيَة وَإِن كَانَ أَي التَّصْدِيق عبارَة عَن الْمَجْمُوع الْمركب مِنْهُمَا كَمَا صرح بِهِ أَي بقوله وَيُقَال للمجموع تَصْدِيق لم يكن التَّصْدِيق قسما من الْعلم بل مركبا من أحد قسميه مَعَ أَمر آخر مُقَارن لَهُ أَعنِي الحكم وَذَلِكَ بَاطِل انْتهى قَوْله لم يكن التَّصْدِيق قسما من الْعلم لِأَن الحكم على هَذَا التَّقْسِيم فعل فَلَا يكون التَّصْدِيق الْمركب مِنْهُ وَمن الْعلم علما وَذَلِكَ بَاطِل لاتفاقهم على أَن التَّصْدِيق قسم من الْعلم وَإِنَّمَا الِاخْتِلَاف فِي حَقِــيقَته فَلَا يَصح التَّقْسِيم فضلا عَن الانطباق كَمَا فِي الْحَوَاشِي الحكيمية - أَقُول إِن الحكم عِنْد الإِمَام علم وَإِدْرَاك لَا فعل كَمَا سَيَجِيءُ فتقسيم صَاحب الشمسية منطبق على مَذْهَب الإِمَام. فَإِن قلت أَي مَذْهَب من مذهبي الْحُكَمَاء وَالْإِمَام حق قُلْنَا الْمَذْهَب الْــحق هُوَ مَذْهَب الْحُكَمَاء كَمَا قَالَ السَّيِّد السَّنَد قدس سره هَذَا هُوَ الْــحق لِأَن تَقْسِيم الْعلم إِلَى هذَيْن الْقسمَيْنِ إِنَّمَا هُوَ لامتياز كل وَاحِد مِنْهُمَا من الآخر بطرِيق خَاص يستحصل بِهِ.
ثمَّ إِن الْإِدْرَاك الْمُسَمّى بالحكم ينْفَرد بطرِيق خَاص يُوصل إِلَيْهِ وَهُوَ الْحجَّة المنقسمة إِلَى أقسامها. وَمَا عدا هَذَا الْإِدْرَاك لَهُ طَرِيق وَاحِد وَهُوَ القَوْل الشَّارِح فتصور الْمَحْكُوم عَلَيْهِ وتصور الْمَحْكُوم بِهِ وتصور النِّسْبَة الْحكمِيَّة يُشَارك سَائِر التصورات فِي الاستحصال بالْقَوْل الشَّارِح فَلَا فَائِدَة فِي ضمهَا إِلَى الحكم وَجعل الْمَجْمُوع قسما وَاحِدًا من الْعلم مُسَمّى بالتصديق. لِأَن هَذَا الْمَجْمُوع لَيْسَ لَهُ طَرِيق خَاص فَمن لاحظ مَقْصُود الْفَنّ أَعنِي بَيَان الطّرق الموصلة إِلَى الْعلم لم يلتبس عَلَيْهِ أَن الْوَاجِب فِي تقسيمه مُلَاحظَة الامتياز فِي الطّرق فَيكون الحكم أحد قسميه الْمُسَمّى بالتصديق لكنه مَشْرُوط فِي وجوده ضمه إِلَى أُمُور مُتعَدِّدَة من أَفْرَاد الْقسم الآخر انْتهى. فَإِن قيل إِن الحكم عِنْد الإِمَام فعل من أَفعَال النَّفس لَا علم وَإِدْرَاك فَكيف يكون الْمَجْمُوع الْمركب من التصورات الثَّلَاثَة وَالْحكم قسما من الْعلم فَإِن تركيب التَّصْدِيق الَّذِي هُوَ قسم الْعلم من الْعلم وَغَيره محَال قُلْنَا الحكم عِنْد الإِمَام إِدْرَاك قطعا وَمَا اشْتهر أَنه فعل عِنْده غلط نَشأ من اشْتِرَاك لفظ الحكم بَين الْمَعْنى الاصطلاحي وَهُوَ الإذعان وَبَين الْمَعْنى اللّغَوِيّ وَهُوَ ضم أحد المفهومين إِلَى الآخر وَالضَّم فعل من أَفعَال النَّفس فَمن قَالَ إِن الحكم عِنْده فعل والتصديق عبارَة عَن مَجْمُوع التصورات الثَّلَاثَة وَالْحكم فقد افترى عَلَيْهِ بهتانا عَظِيما.
نعم يرد على الإِمَام اعْتِرَاض من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَنه يلْزم قلب الْمَوْضُوع لاستلزامه أَن يكون التَّصْدِيق مكتسبا من القَوْل الشَّارِح والتصور من الْحجَّة وَالْأَمر بِالْعَكْسِ أما الأول فَلِأَن التَّصْدِيق عِنْده هُوَ الْمَجْمُوع من التصورات الثَّلَاثَة وَالْحكم فَلَو كَانَ الحكم الَّذِي هُوَ جزؤه بديهيا غَنِيا عَن الِاكْتِسَاب وَيكون تصور أحد طَرفَيْهِ كسبيا كَانَ ذَلِك الْمَجْمُوع كسبيا. فَإِن احْتِيَاج الْجُزْء إِلَى الشَّيْء يسْتَلْزم احْتِيَاج الْكل إِلَيْهِ وَحِينَئِذٍ يكون اكتسابه من القَوْل الشَّارِح. وَلَا يخفى مَا فِيهِ لِأَن التصورات كلهَا عِنْده بديهية فَلَا يتَصَوَّر أَن يكون تصور أحد الطَّرفَيْنِ عِنْده كسبيا حَتَّى يلْزم الْمَحْذُور الْمَذْكُور. وَأما الثَّانِي: فَلِأَن الحكم عِنْده إِدْرَاك وَلَيْسَ هُوَ وَحده تَصْدِيقًا عِنْده بل الْمَجْمُوع الْمركب مِنْهُ وَمن التصورات الثَّلَاثَة فَلَا بُد أَن يكون تصورا فَإِذا كَانَ كسبيان يكون اكتسابه من الْحجَّة فَيلْزم اكْتِسَاب التَّصَوُّر من الْحجَّة وَهُوَ مُمْتَنع لما سَيَجِيءُ فِي مَوْضُوع الْمنطق إِن شَاءَ الله تَعَالَى. إِلَّا أَن يُقَال إِن الإِمَام جَازَ أَن يكون مُلْتَزما أَن يكون بعض التصورات أَعنِي الحكم مكتسبا من الْحجَّة فَهُوَ لَيْسَ بمعتقد بِمَا هُوَ الْمَشْهُور من أَن التَّصَوُّر مكتسب من القَوْل الشَّارِح فَقَط والتصديق من الْحجَّة فَحسب. والاعتراض بِالْوَجْهِ الثَّانِي أَن الْوحدَة مُعْتَبرَة فِي الْمقسم كَمَا ذكرنَا فِي جَامع الغموض شرح الكافية فِي شرح اللَّفْظ كَيفَ لَا وَإِن لم يُقيد بهَا لم ينْحَصر كل مقسم فِي أقسامه فَإِن مَجْمُوع الْقسمَيْنِ قسم ثَالِث للمطلق. فالتصديق الَّذِي هُوَ عبارَة عَن الادراكات الَّتِي هِيَ عُلُوم مُتعَدِّدَة لَا ينْدَرج تَحت الْعلم الْوَاحِد الَّذِي جعل مقسمًا. وَالْجَوَاب أَن التَّصْدِيق الْمَذْكُور فِي نَفسه وَإِن كَانَت علوما مُتعَدِّدَة لَكِن لَهَا نوع وحدة فَلَا بَأْس باندراجها بِحَسب تِلْكَ الْوحدَة تَحت الْعلم مَعَ أَن التَّرْكِيب بِدُونِ اعْتِبَار الْوحدَة مُمْتَنع وَمن سوى الْحُكَمَاء قَائِل بتركيب التَّصْدِيق فَلهُ وحدة بحسبها مندرج تَحت الْعلم فَلَا إِشْكَال. وَقَالَ الزَّاهِد فِي حَاشِيَة الرسَالَة أَقُول يرد على الإِمَام أَن أَجزَاء التَّصْدِيق يجب أَن تكون علوما تصورية لِأَن الْعلم منحصر فِي التَّصَوُّر والتصديق وجزء التَّصْدِيق لَا يُمكن أَن يكون شَيْئا غير الْعلم أَو علما تصديقيا غير التصوري وَلَا شكّ أَن التصورات كلهَا بديهيات عِنْده وَمن الضروريات أَنه إِذا حصل جَمِيع أَجزَاء الشَّيْء بالبداهة يحصل ذَلِك الشَّيْء بالبداهة فَيلْزم أَن يكون التصديقات أَيْضا كلهَا بديهية مَعَ أَنه لَا يَقُول بذلك انْتهى. وَقَالَ فِي الْهَامِش المُرَاد بِالْجَمِيعِ الْكل الإفرادي فَلَا يرد أَن جَمِيع أَجزَاء الشَّيْء هُوَ بِعَيْنِه ذَلِك الشَّيْء فَيرجع الْكَلَام إِلَى أَنه إِذا حصل ذَلِك الشَّيْء يحصل ذَلِك الشَّيْء. ثمَّ حُصُول كل وَاحِد من الْأَجْزَاء بِأَيّ نَحْو كَانَ مُسْتَلْزم لحُصُول الْكل كَذَلِك إِذا لم يعْتَبر مَعَه الْهَيْئَة الاجتماعية وحصوله بطرِيق البداهة لَيْسَ بمستلزم لحُصُول الْكل كَذَلِك إِذا اعْتبر مَعَه تِلْكَ الْهَيْئَة انْتهى.
وَاعْلَم أَن الْحُكَمَاء قاطبة بعد اتِّفَاقهم على أَن التَّصْدِيق بسيط عبارَة عَن الاذعان وَالْحكم فَقَط اخْتلفُوا فِي أَن مُتَعَلق الاذعان إِمَّا النِّسْبَة الخبرية ثبوتية أَو سلبية. أَو مُتَعَلقَة وُقُوع النِّسْبَة الثبوتية التقييدية أَولا وُقُوعهَا يَعْنِي أَن النِّسْبَة وَاقعَة أَو لَيست بواقعة فَاخْتَارَ المتقدمون مِنْهُم الأول وَقَالُوا بِتَثْلِيث أَجزَاء الْقَضِيَّة الْمَحْكُوم عَلَيْهِ والمحكوم بِهِ وَالنِّسْبَة الخبرية ثبوتية أَو سلبية وَهَذَا هُوَ الْــحق إِذْ لَا يفهم من زيد قَائِم مثلا إِلَّا نِسْبَة وَاحِدَة وَلَا يحْتَاج فِي عقده إِلَى نِسْبَة أُخْرَى. والتصديق عِنْدهم نوع آخر من الْإِدْرَاك مغائر للتصور مُغَايرَة ذاتية لَا بِاعْتِبَار الْمُتَعَلّق. وَذهب الْمُتَأَخّرُونَ مِنْهُم إِلَى الثَّانِي وَقَالُوا بتربيع أَجزَاء الْقَضِيَّة الْمَحْكُوم عَلَيْهِ والمحكوم بِهِ وَالنِّسْبَة التقييدية ثبوتية أَو سلبية الَّتِي سَموهَا بِالنِّسْبَةِ الْحكمِيَّة. وَالرَّابِع النِّسْبَة التَّامَّة الخبرية وَهِي أَن النِّسْبَة وَاقعَة أَو لَيست بواقعة وَالَّذِي حملهمْ على ذَلِك أَنهم ظنُّوا أَنه لَو جعلُوا مُتَعَلق الْإِدْرَاك النِّسْبَة الْحكمِيَّة لَا أَن النِّسْبَة وَاقعَة أَو لَيست بواقعة لدخل الشَّك وَالوهم والتخييل فِي التَّصْدِيق لِأَنَّهَا أَيْضا إِدْرَاك النِّسْبَة الْحكمِيَّة ففرقوا بَين التَّصَوُّر والتصديق بِاعْتِبَار الْمُتَعَلّق وازدادوا جُزْءا رَابِعا وجعلوه مُتَعَلق الْإِدْرَاك. وَزَعَمُوا أَن الشَّك وَكَذَا الْوَهم والتخييل لَيْسَ إِدْرَاك أَن النِّسْبَة وَاقعَة وَلَكِن لم يتنبهوا أَن الشَّك أَيْضا إِدْرَاك الْوُقُوع أَو اللاوقوع لَكِن لَا على سَبِيل التَّسْلِيم والإذعان فَلم يَنْفَعهُمْ الازدياد بل زَاد الْفساد بِخُرُوج التصديقات الشّرطِيَّة فَإِن النِّسْبَة وَاقعَة أَو لَيست بواقعة نِسْبَة حملية وَالنِّسْبَة فِي الشرطيات هِيَ نِسْبَة الِاتِّصَال واللاتصال والانفصال واللاانفصال. وَأَيْضًا يتَوَهَّم مِنْهُ أَن مَفْهُوم أَن النِّسْبَة وَاقعَة أَو لَيست بواقعة مُعْتَبر فِي معنى الْقَضِيَّة وَالْأَمر لَيْسَ كَذَلِك فَإِن الْمُعْتَبر فِيهِ نِسْبَة بسيطة يصدق عَلَيْهَا هَذِه الْعبارَة المفصلة إِلَّا أَن يُقَال لَيْسَ مقصودهم إِثْبَات النسبتين المتغائرتين حَقِــيقَة بل أَن النِّسْبَة الْوَاحِدَة الَّتِي هِيَ النِّسْبَة التَّامَّة الخبرية إِذا أخذت من حَيْثُ إِنَّهَا نِسْبَة بَين الْمَوْضُوع والمحمول يتَعَلَّق بِهِ الشَّك وأخواه. وَإِذا أخذت من حَيْثُ إِنَّهَا نِسْبَة وَاقعَة أَو لَيست بواقعة يتَعَلَّق بهَا التَّصْدِيق وَيُشِير إِلَى هَذَا مَا فِي شرح الْمطَالع من أَن أَجزَاء الْقَضِيَّة عِنْد التَّفْصِيل أَرْبَعَة فَافْهَم. وَمَا ذكرنَا من أَن مُتَعَلق الإذعان وَالْحكم هُوَ النِّسْبَة التَّامَّة الخبرية هُوَ الْمَشْهُور وَمذهب الْجُمْهُور وَأما الزَّاهِد فَلَا يَقُول بِهِ فَإِنَّهُ قَالَ إِن التَّصْدِيق أَي الاذعان وَالْحكم يتَعَلَّق أَولا وبالذات بالموضوع والمحمول حَال كَون النِّسْبَة رابطة بَينهمَا وَثَانِيا وبالعرض بِالنِّسْبَةِ لِأَن النِّسْبَة معنى حرفي لَا يَصح أَن يتَعَلَّق التَّصْدِيق بهَا من حَيْثُ هِيَ هِيَ. أَقُول نعم إِن النِّسْبَة من حَيْثُ إِنَّهَا رابطة فِي الْقَضِيَّة لَا يُمكن أَن تلاحظ قصدا وبالذات لِأَنَّهَا معنى حرفي فَلَا يُمكن تعلق الاذعان والتصديق بهَا بجعلها مَوْضُوعا ومحكوما عَلَيْهَا أَو بهَا بالاذعان والتصديق لَكِن لَا نسلم أَن تعلقهما بهَا مُطلقًا مَوْقُوف على ملاحظتها قصدا وبالذات فَقَوله لَا يَصح أَن يتَعَلَّق التَّصْدِيق بهَا من حَيْثُ هِيَ هِيَ لَا يَصح.
وتوضيحه أَن الْمَعْنى مَا لم يُلَاحظ قصدا وبالذات لَا يُمكن جعله مَحْكُومًا عَلَيْهِ أَو بِهِ بِنَاء على أَن النَّفس مجبولة على أَنَّهَا مَا لم تلاحظ الشَّيْء كَذَلِك لَا تقدر على أَن تحكم عَلَيْهِ أَو بِهِ كَمَا يشْهد بِهِ الوجدان وَالْمعْنَى الْحر فِي لَا يُمكن أَن يُلَاحظ كَذَلِك فَلَا يُمكن الحكم عَلَيْهِ أَو بِهِ فَتعلق الاذعان وَالْحكم بِهِ مُمْتَنع.
وَأما عرُوض الْعَوَارِض بِحَسب الْوَاقِع وَنَفس الْأَمر للمعنى الْحرفِي الملحوظ تبعا وَمن حَيْثُ إِنَّه آلَة لملاحظة الطَّرفَيْنِ فَلَيْسَ بممتنع. أَلا ترى أَن الِابْتِدَاء الَّذِي هُوَ مَدْلُول كلمة من إِذا لوحظ فِي أَي تركيب يعرض لَهُ الْوُجُود والإمكان والاحتياج إِلَى الطَّرفَيْنِ وَالْقِيَام بهما وَنَحْوهَا لَا على وَجه الحكم بل على وَجه مُجَرّد الْقيام وَالْعرُوض وَهَذَا لَيْسَ بممتنع والإذعان من هَذَا الْقَبِيل فَيجوز أَن يتَعَلَّق بِالنِّسْبَةِ الملحوظة فِي الْقَضِيَّة تبعا على وَجه الْعرُوض لَكِن أَيهَا القَاضِي العَاصِي لَا تبطل حق القَاضِي الزَّاهِد وَلَا تتْرك الانصاف وَإِن امْتَلَأَ أَحْمد نكر من الْجور والاعتساف وَلَا تقس عرُوض الاذعان للنسبة على عرُوض الْوُجُود والإمكان فَإِنَّهُ قِيَاس مَعَ الْفَارِق فَإِن الاذعان لكَونه أمرا اختياريا مُكَلّفا بِهِ قصديا بِدَلِيل التَّكْلِيف بِالْإِيمَان لَا يُمكن عروضه وتعلقه بالمذعن بِهِ إِلَّا بعد تعلقه وملاحظته قصدا وبالذات بِخِلَاف الْوُجُود والإمكان وَنَحْوهمَا فَإِن عروضها لشَيْء لَيْسَ بموقوف على قصد قَاصد كَمَا لَا يخفى.
وَاعْلَم أَن الزَّاهِد قَالَ فِي حَوَاشِيه على الرسَالَة الثَّالِث مَا هُوَ يَبْدُو فِي أول النّظر وَيظْهر فِي بادئ الرَّأْي من أَن التَّصْدِيق هُوَ الْكَيْفِيَّة الإدراكية. وَمَا يَقْتَضِيهِ النّظر الدَّقِيق. ويلوح مِمَّا أَفَادَهُ أهل التَّــحْقِــيق. هُوَ أَن الْكَيْفِيَّة الاذعانية وَرَاء الْكَيْفِيَّة الإدراكية أَلَيْسَ إِنَّا إِذا سمعنَا قَضِيَّة وأدركناها بِتمَام أَجْزَائِهَا ثمَّ أَقَمْنَا الْبُرْهَان عَلَيْهَا لَا يحصل لنا إِدْرَاك آخر بل تقترن بالإدراك السَّابِق حَالَة أُخْرَى تسمى الإذعان وَالْقَبُول وَإِلَّا يلْزم أَن تكون لشَيْء وَاحِد صُورَتَانِ فِي الذِّهْن. وَلَا يخفى على من يرجع إِلَى وجدانه أَن الْعلم صفة يحصل مِنْهُ الانكشاف والإذعان صفة لَيْسَ كَذَلِك بل تحصل مِنْهُ بعد الانكشاف كَيْفيَّة أُخْرَى للنَّفس وَبِذَلِك يَصح تَقْسِيم الْعلم إِلَى التَّصَوُّر الساذج والتصور مَعَه التَّصْدِيق كَمَا وَقع عَن كثير من الْمُــحَقِّــقين انْتهى. أَقُول قَوْله: (صُورَتَانِ فِي الذِّهْن) أَي صُورَتَانِ مساويتان وَهُوَ محَال فَلَا يرد أَنه قَالَ فِي حَوَاشِيه على شرح المواقف للوجود صُورَة وللعدم صُورَتَانِ فَإِن للعدم صُورَتَيْنِ إجمالية وتفصيله كَمَا سَيَجِيءُ فِي مَوْضِعه إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
وَاعْلَم أَنه يعلم من هَذَا الْمقَال أَن من قسم الْعلم إِلَى التَّصَوُّر فَقَط وَإِلَى تصور مَعَه حكم أَو إِلَى تصور مَعَه تَصْدِيق مَبْنِيّ على أُمُور. أَحدهَا: أَن التَّصْدِيق وَالْحكم والإذعان أَلْفَاظ مترادفة. وَثَانِيها: أَن الْعلم منقسم إِلَى تصورين أَحدهمَا تصور ساذج أَي غير مقرون بالحكم. وَثَانِيهمَا تصور مقرون بِهِ. وَثَالِثهَا: أَن التَّصْدِيق لَيْسَ بِعلم بِنَاء على أَنه كَيْفيَّة إذعانية لَا كَيْفيَّة إدراكية حَتَّى يكون علما. وَرَابِعهَا: أَن الْقسم الثَّانِي لما لم يَنْفَكّ عَن التَّصْدِيق الَّذِي هُوَ الحكم سمي بالتصديق مجَازًا من قبيل تَسْمِيَة الشَّيْء باسم مَا يقارنه وَلَا يَنْفَكّ عَنهُ. ثمَّ المُرَاد بالتصور الْمُقَارن بالحكم إِمَّا الإدراكات الثَّلَاثَة فَقَط أَو إِدْرَاك أَن النِّسْبَة وَاقعَة أَو لَيست بواقعة أَيْضا على الِاخْتِلَاف كَمَا مر. وَلَا يخفى عَلَيْك أَن كَون التَّصْدِيق علما كنار على علم. وانقسام الْعلم إِلَى التَّصَوُّر والتصديق من ضروريات مَذْهَب الْحُكَمَاء وَحمل إِطْلَاق التَّصْدِيق على الْقسم الثَّانِي على الْمجَاز لَا يعلم من إطلاقاتهم وَقَوله: (إِن الْكَيْفِيَّة الإذعانية وَرَاء الْكَيْفِيَّة الإدراكية) إِن أَرَادَ بِهِ أَنه لَيْسَ الأولى عين الثَّانِيَة فَمُسلم لَكِن لَا يجدي نفعا مَا لم يثبت بَينهمَا مباينة. وَإِن أَرَادَ بِهِ أَن بَينهمَا مباينة بالنوع فَمَمْنُوع لِأَن الثَّانِيَة أَعم من الأولى فَإِن الأولى من أَنْوَاع الثَّانِيَة فَإِن للنَّفس من واهب الصُّور قبُول وَإِدْرَاك لَهَا قطعا تصورية أَو تصديقية. نعم إِن فِي التصورات إِدْرَاك وَقبُول لَا على وَجه الإذعان وَفِي التصديقات إِدْرَاك وَقبُول على وَجه الإذعان بِمَعْنى أَن ذَلِك الْإِدْرَاك نفس الإذعان إِذْ لَا نعني بالإذعان إِلَّا إِدْرَاك أَن النِّسْبَة وَاقعَة أَو لَيست بواقعة وقبولها كَذَلِك فَكَانَ نِسْبَة الْإِدْرَاك وَالْقَبُول المطلقين مَعَ الإذعان نِسْبَة الْعَام مَعَ الْخَاص بل نِسْبَة الْمُطلق إِلَى الْمُقَيد وَنسبَة الْجِنْس إِلَى النَّوْع وَقَوله: (لَا يحصل لنا إِدْرَاك آخر) مَمْنُوع إِذْ لَو أَرَادَ بالإدراك الْحَالة الإدراكية فَمَنعه ظَاهر ضَرُورَة أَن الْحَالة الإدراكية قبل إِقَامَة الْبُرْهَان كَانَت مترتبة على مَحْض تعلق التَّصَوُّر بمضمون الْقَضِيَّة شكا أَو غَيره وَبعدهَا حصلت حَالَة إدراكية أُخْرَى وَهِي إِدْرَاك أَن النِّسْبَة وَاقعَة أَو لَيست بواقعة وَهِي عين الْحَالة الَّتِي يسميها حَالَة إذعانية وإذعانا وَكَذَا إِذا أَرَادَ بِهِ الصُّورَة الذهنية ضَرُورَة أَن الْمَعْلُوم كَانَ محفوفا بالعوارض الإدراكية الْغَيْر الإذعانية فَكَانَ صُورَة ثمَّ حف بعد إِقَامَة الدَّلِيل بالحالة الإدراكية الإذعانية فَكَانَ صُورَة أُخْرَى فَإِن تغاير الْعَارِض يدل على تغاير المعروض من حَيْثُ إِنَّه معروض. نعم ذَات الْمَعْلُوم من حَيْثُ هُوَ فِي الصُّورَتَيْنِ أَمر وَاحِد لم يَتَجَدَّد واستحالة أَن يكون لشَيْء وَاحِد صُورَتَانِ فِي الذِّهْن من جِهَتَيْنِ مَمْنُوع بل هُوَ وَاقع وَقَوله: (والإذعان صفة لَيْسَ كَذَلِك) أَيْضا مَمْنُوع لِأَن الإذعان سَوَاء أُرِيد بِهِ صُورَة إذعانية أَو حَالَة إدراكية نوع من صُورَة إدراكية أَو حَالَة إدراكية فَإِنَّهُ يَتَرَتَّب عَلَيْهِ مَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِمَا من الانكشاف وَلَو ترَتّب قبل ذَلِك هُنَاكَ انكشافات عددية تصورية.
اعْلَم أَن هَا هُنَا ثَلَاث مُقَدمَات أجمع عَلَيْهَا الْمُــحَقِّــقُونَ وتلقوها بِالْقبُولِ والإذعان. وَلم يُنكر عَنْهَا أحد إِلَى الْآن. الأولى: أَن الْعلم والمعلوم متحدان بِالذَّاتِ. وَالثَّانيَِة: أَن التَّصَوُّر والتصديق نَوْعَانِ مُخْتَلِفَانِ بِالذَّاتِ. وَالثَّالِثَة: أَنه لَا حجر فِي التصورات فَيتَعَلَّق بِكُل شَيْء حَتَّى يتَعَلَّق بِنَفسِهِ بل بنقيضه وبالتصديق أَيْضا فَيتَوَجَّه اعتراضان.

الِاعْتِرَاض الأول: أَن التَّصَوُّر والتصديق إِذا تعلقا بِشَيْء وَاحِد وَلَا امْتنَاع فِي هَذَا التَّعَلُّق بِحكم الْمُقدمَة الثَّالِثَة فَيلْزم اتحادهما نوعا بِحكم الْمُقدمَة الأولى وَاللَّازِم بَاطِل لِأَن صيرورة الشَّيْء الْوَاحِد نَوْعَيْنِ مُخْتَلفين بِالذَّاتِ محَال بِالضَّرُورَةِ. وَجَوَابه أَنا لَا نسلم أَن التَّصْدِيق علم لما مر من أَنه كَيْفيَّة إذعانية لَا كَيْفيَّة إدراكية حَتَّى يكون علما فضلا عَن أَن يكون عين الْمَعْلُوم فَيتَعَلَّق التَّصَوُّر والتصديق بِشَيْء وَاحِد وَلَا يلْزم اتحادهما لتوقفه على كَون التَّصْدِيق عين ذَلِك الشَّيْء وَهَذِه العينية مَوْقُوفَة على كَون التَّصْدِيق علما. وَإِن سلمنَا أَن التَّصْدِيق علم كَمَا هُوَ الْمَشْهُور فَنَقُول إِن الْمُقدمَة الأولى مَخْصُوصَة بِالْعلمِ التصوري فالعلم التصديقي لَيْسَ عين الْمُصدق بِهِ الْمَعْلُوم.

والاعتراض الثَّانِي: أَن التَّصَوُّر إِذا تعلق بالتصديق يلْزم اتحادهما فِي الْمَاهِيّة النوعية بِحكم الْمُقدمَة الأولى. وَأجِيب عَنهُ بِأَن التَّصَوُّر الْمُتَعَلّق بالتصديق تصور خَاص فاللازم هَا هُنَا هُوَ الِاتِّحَاد بَينه وَبَين التَّصْدِيق والتباين النوعي إِنَّمَا هُوَ بَين التَّصَوُّر والتصديق المطلقين. وَيُمكن الْجَواب عَنهُ بِأَن تعلق التَّصَوُّر بِكُل شَيْء لَا يسْتَلْزم تعلقه بِكُل وَجه فَيجوز أَن يمْتَنع تعلقه بِــحَقِــيقَة التَّصْدِيق وكنهه وَيجوز التَّعَلُّق بِاعْتِبَار وَجهه ورسمه فَإِن حَقِــيقَة الْوَاجِب تَعَالَى مُمْتَنع تصَوره بالكنه وَإِنَّمَا يجوز بِالْوَجْهِ وَأَن الْمعَانِي الحرفية يمْتَنع تصورها وَحدهَا وَإِنَّمَا يجوز بعد ضم ضميمة إِلَيْهَا. وَأجَاب عَنهُ الزَّاهِد فِي حَاشِيَته على الرسَالَة المعمولة فِي التَّصَوُّر والتصديق بقوله وَالَّذِي يَقْتَضِيهِ النّظر الصائب. والفكر الثاقب. هُوَ أَن الْــحَقِــيقَة الإدراكية زَائِدَة على مَا هُوَ حَاصِل فِي الذِّهْن كإطلاق الْكَاتِب على الْإِنْسَان كَمَا مرت إِلَيْهِ الْإِشَارَة فالتصور والتصديق قِسْمَانِ لما هُوَ علم حَقِــيقَة وَالْعلم الَّذِي هُوَ عين الْمَعْلُوم هُوَ مَا يصدق عَلَيْهِ الْعلم أَي مَا هُوَ حَاصِل فِي الذِّهْن انْتهى. وَهَا هُنَا جوابات أخر تركتهَا لتردد الخاطر الفاتر بعداوة الْعدوان. وفقدان الأعوان. 

الوجود

الوجود أضرب: وجود بإحدى الحواس الخمس نحو، وجدت زيدا، ووجود بقوة الشهوة نحو: وجدت الشبع، ووجود بقوة الغضب كوجود الحزن والسخط، ووجود بالعقل أو بواسطة العقل كمعرفة الله والنبوة، ويعبر عن التمكن من الشيء بالوجود نحو {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} .
الوجود عند أهل الــحقــيقة: فقدان العبد بمحوا أوصافه البشرية، ووجود الــحق لأنه لا بقاء للبشرية عند ظهور سلطان الــحقــيقة.
الوجود:
[في الانكليزية] Being ،existence ،reality
[ في الفرنسية] Etre ،existence ،realite

وبالفارسية: هستى- أي الكون ويقابله العدم- واختلف في تعريفه. فقيل لا يعرّف، فمنهم من قال لأنّه بديهي التصوّر فلا يجوز أن يعرّف إلا تعريفا لفظيا، ومنهم من قال لأنّه لا يتصوّر أصلا لا بداهة ولا كسبا. وقيل يعرّف لأنّه كسبي التصوّر. وفي تعريفه عبارات.
الأولى أنّ الموجود هو الثابت العين والمعدوم هو المنفي العين، وفائدة لفظ العين التنبيه على أنّ المعرّف هو الموجود في نفسه والمعدوم في نفسه لا الموجود لغيره والمعدوم عن غيره، ولا ما هو أعمّ منهما، فمعنى الثابت العين الذي ثبت عينه ونفسه فيشتمل الجوهر والعرض.
والثانية أنّه المنقسم إلى فاعل ومنفعل أي مؤثّر ومتأثّر وإلى حادث وقديم، والمعدوم ما لا يكون كذلك. وهذان التعريفان مختصّان بالموجود الخارجي. والثالثة أنّه ما يعلم ويخبر عنه أي يصحّ أن يعلم ويخبر منه، والمعدوم ما لا يصحّ أن يكون كذلك، وهذا التعريف يشتمل الموجود الذهني أيضا، وعلى هذا فقس تعريفات الوجود والعدم. فالوجود ثبوت العين أو ما به ينقسم الشيء إلى فاعل ومنفعل وإلى حادث وقديم، أو ما به يصحّ أن يعلم ويخبر عنه، والعدم ما لا يكون كذلك، وكلّ هذه تعريفات الشيء بالأخفى فإنّ الجمهور يعرّفون معنى الوجود والموجود ولا يعرّفون شيئا مما ذكر. قال مرزا زاهد في حاشية شرح المواقف:
الظاهر أنّ القائل ببداهة تصوّر الوجود أراد بالوجود المعنى المصدري الانتزاعي، والقائل بكسبيته أو بامتناعه أراد به منشأ الانتزاع أي الوجود الــحقــيقي الذي هو حقــيقة الواجب تعالى على تقدير وحدة الوجود وحقــيقة ما عينه متعيّنة بنفسها على تقدير تعدّده، فالوجود الــحقــيقي على كلا التقديرين هو الوجود القائم بنفسه الواجب لذاته، والوجود يطلق على هذين المعنيين. قال الشيخ في إلهيات الشفاء لكلّ أمر حقــيقة هو بها ما هو، فللمثلث حقــيقة أنّه مثلث، وللبياض حقــيقة أنّه بياض، وذلك هو الذي ربّما سمّيناه الوجود الخاص، ولم يرد به معنى الوجود الانتزاعي، فإنّ لفظ الوجود يدلّ به على معان كثيرة. ولا شكّ أنّ تصوّر الوجود الانتزاعي بالكنه بديهي ضرورة أنّ كنهه ليس إلّا ما يرتسم في الذهن عند انتزاعه عن الماهيات وفهمه من الألفاظ الدالة عليه، إذ لا نعني بكنهه غيره، وتصوّر الوجود الــحقــيقي بالكنه غير ممكن، أو كسبي فإنّه إن كان جزئيا حقــيقيا وواجبا لذاته فتصوّره ممتنع وإلّا فكسبي. ثم لا يخفى أنّ بعد تصوّر الشيء بالكنه لا يمكن تعريفه بالرسم إذ بعد تصوّره بالكنه لا يقصد تصوره إلّا بوجه آخر، فلا يكون المعرّف حينئذ في الــحقــيقة ذلك الشيء، ولا يكون التعريف تعريفا له بل يكون المعرّف هو الشيء الموجود مع الوصف والتعريف تعريف له. فعلى تقدير أن يكون تصوّر الوجود بالكنه لا يمكن تعريفه إلّا تعريفا لفظيا فتأمّل انتهى. ويؤيّد إطلاق الوجود على المعنيين المذكورين ما في شرح إشراق الحكمة حيث قال: الوجود يطلق بإزاء الروابط كما يقال زيد يوجد كاتبا، فإنّه عبارة عن نسبة المحمول إلى الماهية الخارجية إلى الموضوع بالوجود أعني سيوجد مكان ما كان يعبر عنه هو، وقد يقال على الــحقــيقة والذات كما يقال ذات الشيء وحقــيقته ووجود الشيء وعينه ونفسه أي ذاته انتهى كلامه.

التقسيم:
اعلم أنّ الوجود ينقسم إلى العيني أي الخارجي وإلى الذهني حقــيقة وإلى اللفظي والخطّي مجازا إذ ليس في اللفظ والخط من الإنسان التشخّص ولا الماهية كما في الخارج والذهن، بل الاسم في اللفظي وصورته في الخطي، وكلّ من الموجود العيني والذهني يستعمل لمعنيين كما في بعض حواشي شرح المطالع: أحدهما أنّ الموجود الخارجي ما يكون اتصافه بالوجود خارج الذهن والموجود الذهني هو ما يكون اتصافه بالوجود في الذهن.
وأما قولهم تارة من أنّ النسبة من الأمور الخارجية وأخرى بأنّها ليست من الأمور الخارجية فيمكن التطبيق بينهما بأنّه لا شكّ في الفرق بين كون الخارج ظرفا لنفس الشيء وبين كونه ظرفا لوجوده. فإنّ قولنا زيد موجود في الخارج جعل فيه الخارج ظرفا لنفس الوجود وهو لا يقتضي وجود المظروف وإنّما يقتضي وجود ما جعل ظرفا لوجوده. فالموجود في هذه الصورة زيد لا وجود زيد. ففي قولنا زيد قائم في الخارج جعل الخارج ظرفا لنفس ثبوت القيام لزيد، فاللازم كون القيام ثابتا في الخارج بثبوت لغيره لا بثبوت له. وبالجملة فالمعتبر في كون الموجود خارجيا كون الخارج ظرفا لوجوده لا لنفسه وفي الذهني كون الذهن ظرفا لوجوده.
فمتى قيل إنّ النسبة من الأمور الاعتبارية أريد أنّ الخارج ليس ظرفا لوجودها. ومتى قيل إنّها من الأمور الخارجية أريد أنّ الخارج ظرف لنفسها، وكذا الحال في كون الشيء موجودا في الواقع ونفس الأمر. وقال صاحب الأطول في بحث صدق الخبر: ونحن نقول الخارجي اسم للأمر الموجود في الخارج كالذهني الذي هو اسم للأمر الموجود في الذهن، ومعنى كون الشيء موجودا في الخارج والأعيان أنّه واحد منها أو في عدادها، فظرفية الخارج للوجود مسامحة إذ الوجود ليس في عداد الأعيان.
ومعنى زيد موجود في الخارج أنّ وجوده في وجود الخارج وفي عداد وجوداته، فليس الخارج إلّا ظرفا لنفس الشيء، لكنه إذا جعل ظرفا له حقــيقة اقتضى وجوده، وإذا جعل ظرفا له مسامحة لم يقتض وجوده، هكذا حقّــق الخارج والواقع واحفظه فإنّه خلاف المستفيض الشائع. وثانيهما أنّ الموجود الخارجي هو ما يكون متصفا بوجود أصيل وهو مصدر الآثار ومظهر الأحكام، سواء كان ظرف الاتصاف هو الذهن أو خارجه، والموجود الذهني هو ما يكون متصفا بوجود ظلّي وذلك الاتصاف لا يكون إلّا في الذهن، يعني أنّ الموجود الخارجي ما يتصف بوجود أصيل، أي ذا أصل وعرق ليس ظلا وحكاية عن شيء به، أي بذلك الوجود يصدر عن الموجود آثاره ويظهر عنها أحكامه، أي يترتّب عليه أي على الموجود الآثار والأحكام، سواء كان ذلك الترتّب في الذهن أو خارج الذهن، فالكيفيات النفسانية التي يترتّب عليها آثارها في الذهن كالعلم من قبيل الموجودات الخارجية والموجود الذهني ما يتصف بوجود غير أصيل لا يترتّب به عليه الأحكام والآثار.
إن قيل إن أريد بالآثار والأحكام في تعريف الموجود الخارجي الآثار والأحكام الخارجية لزم الدور، وإن أريد الأعم من الخارجية والذهنية دخل في تعريف الموجود الخارجي الموجود الذهني فإنّه أيضا مبدأ الآثار في الجملة، فإنّ المعقولات الثانية آثار للمعقولات الأولى.
أجيب بأنّ المراد الآثار المطلوبة منه أي التي يطلب كلّ واحد تلك الآثار منه والأحكام المعلومة واتصافه بها لكلّ أحد كالإحراق والاشتعال والطبخ من النار، فالموجود الذهني ما يكون متصفا بوجود لا يترتّب به عليه تلك الآثار والأحكام، سواء ترتّب عليه آثار وأحكام أخر أو لا، وقيل لا حكم ولا أثر للوجود الذهني والمعقولات الثانية آثار للصور الشخصية القائمة بالذهن وهي من الموجودات الخارجية.
وقيل المراد الخارجية بمعنى ما يكون في خارج الذهن لا بمعنى ما يكون باعتبار الوجود الخارجي، فلا دور. ثم الأحكام والآثار متقاربان، وقد يقال في قوله مظهر ومصدر إشارة إلى أنّ المراد بالأحكام ما لا يكون فاعلا له وبالآثار ما يكون فاعلا له، ولو اكتفى بأحدهما لكفى أيضا. اعلم أنّ الاستعمال الأول هو الأصل إذ المتبادر من الخارج في مقابلة الذهن هو خارج الذهن، والاستعمال الثاني متفرّع عليه لأنّ إطلاق الخارج على الوجود الأصيل الذي ظرفه الذهن باعتبار التشبيه بالوجود الذي ظرفه خارج الذهن في الكون أصيل فإنّ كلّ خارجي بهذا المعنى أصيل.

تنبيه:
الموجود الذهني بالمعنى الأول أعمّ مطلقا من الذهني بالمعنى الثاني لأنّه يتناول نوعين:
الأول ما يترتّب عليه الآثار والأحكام الخارجية كوجود الكيفيات النفسانية، وهو أحد قسمي الوجود الخارجي بالمعنى الثاني، فإنّ الصورة الحاصلة من الشيء مثلا من حيث إنّها مكتنفة بالعوارض الذهنية موجودة في الذهن بوجود يحذو حذو الوجود الخارجي في ترتّب الآثار فإنّها بهذا الاعتبار صورة علمية يحصل بها الانكشاف. والثاني ما لا يترتّب عليه تلك الآثار والأحكام وهو الوجود الذهني بالمعنى الثاني فإنّ الصورة الحاصلة من الشيء من حيث هو مع قطع النظر عن العوارض الذهنية موجودة في الذهن بصورتها بوجود لا يترتّب عليه الآثار والأحكام، وأعمّ من وجه من الخارجي بالمعنى الثاني لصدقهما على وجود الكيفيات النفسانية وصدق الذهني فقط على ما لا يترتّب عليه الآثار والأحكام، وصدق الخارجي فقط على ما يترتّب عليها الأحكام والآثار في الخارج والخارجي بالمعنى الأول أخصّ من الخارجي بالمعنى الثاني مطلقا لعدم شموله وجود الكيفيات النفسانية ومباين للوجود الذهني بالمعنيين، وكذا الخارجي بالمعنى الثاني بالنسبة إلى الذهن بالمعنى الثاني.
اعلم أنّ للموجود في نفس الأمر معنيان أحدهما أنّ وجوده ليس متعلّقا بفرض فارض واعتبار معتبر سواء كان فرضا اختراعيا أو انتزاعيا. وثانيهما أنّ وجوده ليس متعلّقا بفرض اختراعي سواء كان متعلّقا بفرض انتزاعي أو لم يكن. ثم إنّ نفس الأمر بالمعنيين أعمّ مطلقا من الخارج إذ كلّ موجود في الخارج بالمعنى الأول موجود في نفس الأمر بلا عكس كلّي ومن الذهن من وجه لإمكان ملاحظة الكواذب كزوجية الخمسة فتكون موجودة في الذهن لا في نفس الأمر ومثله يسمّى ذهنيا فرضيا، وزوجية الأربعة موجودة فيهما ومثله يسمّى ذهنيا حقــيقيا، والــحقــائق الغير المتصوّرة موجودة في نفس الأمر لا في الذهن، واعترض عليه بأنّه إن أريد من الذهن القوى السّافلة خاصة صحّ ما ذكر، لكن ما في القوى إمّا أن لا يكون من الموجود في الخارج فيلزم عدم انحصار الموجود في القسمين، وإمّا أن يكون من الموجود في الخارج فيلزم عدم صحّة ما ذكر من النسبة، بل يكون نفس الأمر أخصّ مطلقا من الخارج. وإن أريد من الذهن القوى العالية خاصة أو الأعمّ منها فيلزم عدم كون نفس الأمر أعمّ من الذهن من وجه بل هي أخصّ مطلقا منه. ويمكن أن يجاب باختيار الشقّ الأول ويقال الموجود في الذهن هو ما يكون القوى السّافلة ظرفا لوجوده، وتعتبر تلك الظرفية سواء كان بتعمّلها أو لا، والموجود في الخارج ما يكون خارج القوى السّافلة ظرفا لوجوده، وتعتبر تلك الظرفية والموجود في نفس الأمر، وإن لم يكن خاليا عن أحدهما فهو ما يصحّ للعقل أن يحكم بتــحقّــقه مع قطع النظر عن الطرفين، فالموجود الذهني الذي يكون بتعلّمه أي باختراع الذهن وفرضه كزوجية الخمسة ليس بموجود في نفس الأمر لعدم صحّة حكم العقل بتــحقّــقه مع قطع النظر عن ظرفه، والموجود في القوى السّافلة أيضا لا يكون خاليا عن أحدهما وهو ما يكون حاضرا عندها والحاضر عندها إذا اعتبر كون القوى السّافلة ظرفا لوجوده فموجود ذهني، فما لا يكون بتعمّل الذهن يصدق عليه أنّ القوى السّافلة ظرف لوجوده فهو موجود خارجي، وإذا لم يعتبر الظرفان فموجود في نفس الأمر، وإن لم يكن خارجا عن الموجود الذهني أو الخارجي والموجود الذهني الذي يكون بتعمّله إذا قطع النظر عن ظرفه فليس بموجود عند القوى العالية ولا في نفس الأمر إذ ليس له تــحقّــق ولا يصحّ للعقل الحكم بتــحقّــقه مع قطع النظر عن ظرفه، وعلى هذا فلا يرد شيء.
ويمكن أن يجاب باختيار الشقّ الرابع وهو أن يراد بالذهن القوى العالية والسّافلة جميعا، فالموجود الذهني ما يكون موجودا فيهما معا، ولا ريب أنّ ما لا يكون موجودا فيهما بموجود أصلا، وأنّه لا يمكن أن يوجد شيء في القوى السّافلة إلّا ويوجد في القوى العالية، وما ليس موجودا في القوى السّافلة فقط فموجود خارجي فلا يرد عدم الانحصار، وصحّ كون الموجود في نفس الأمر أعمّ من الموجود في الذهن من وجه إذ قد يجتمعان كما في الصوادق الحاصلة في القوى العالية والسّافلة، ويصدق الموجود في نفس الأمر فقط في الصوادق الغير الحاصلة في القوى السّافلة، وإن كانت حاصلة في القوى العالية ويصدق الموجود الذهني فقط في الكواذب الحاصلة في القوى السّافلة والعالية، هكذا ذكر العلمي في حاشية شرح هداية الحكمة.
اعلم أنّ وجود الشيء للشيء على معنيين:
الأول وجود الشيء لغيره بأن يكون محمولا عليه ومستقلا بالمفهومية كوجود الأعراض والثاني وجوده لغيره بأن يكون رابطا بين الموضوع والمحمول وغير مستقل بالمفهومية ويسمّى وجودا رابطيا.
فائدة:
المتكلّمون أنكروا الوجود الذهني لأنّه لو اقتضى تصوّر الشيء حصوله ذهنا لزم كون الذهن حارا وباردا ومستقيما ومعوجا، وأيضا حصول الجبل والسماء مع عظمهما في ذهننا مما لا يعقل، وأثبته الحكماء وأجابوا عن الوجهين بأنّ الحاصل في الذهن صورة وماهية موجودة بوجود ظلّي لا هوية عينية موجودة بوجود أصيل. والحار ما يقوم به هوية الحرارة لا صورتها وماهيتها، وكذا الحال في البارد والمستقيم والمعوج. وبأنّ الذي يمتنع حصوله في الذهن هو هوية الجبل والسماء وغيرهما وأما مفهوماتها الكلّية وماهيتها فلا. وبالجملة فالصورة الذهنية كلّية كانت كصور المعقولات أو جزئية كصور المحسوسات مخالفة للخارجية في اللوازم المستندة إلى خصوصية أحد الوجودين وإن كانت مشاركة لها في لوازم الماهية من حيث هي. وما ذكرتم امتناعه هو حكم الخارجي فلم قلتم إنّ الذهني كذلك. والتفصيل أنّ هاهنا ثلاثة اعتبارات: الأول اعتبار الشيء من حيث هو، والثاني اعتباره من حيث إنّه مقترن باللوازم الخارجية، والثالث اعتباره من حيث إنّه مقترن باللوازم الذهنية. فالشيء من حيث هو معلوم بالذات لحصول صورته في الذهن وموجود في الخارج والذهن معا لحصوله في الخارج بنفسه وفي الذهن بصورته. والشيء من حيث إنّه مقترن بالعوارض الخارجية معلوم بالعرض لتــحقّــق العلم عند انتفائه وموجود في الخارج فقط لترتّب الآثار الخارجية عليه دون الذهنية. والشيء المقترن بالعوارض الذهنية علم لكونه صورة ذهنية للاعتبار الأول وموجود خارجي لترتّب الآثار الخارجية عليه واتصاف الذهن اتصافا انضماميا وحصوله في الذهن بنفسه لا بصورته، فالعلم والمعلوم في الحصولي متحدان ذاتا ومتغايران اعتبارا كما أنّهما في العلم الحضوري متحدان ذاتا واعتبارا كذا في شرح المواقف.
فائدة:
الوجود مشترك في الموجودات بأسرها اشتراكا معنويا وإليه ذهب الحكماء والمعتزلة غير أبي الحسن وأتباعه، وذهب إليه جمع من الأشاعرة أيضا، إلّا أنّه مشكّك عند الحكماء متواطئ عند غيرهم. والقائلون بأنّه نفس الــحقــيقة في الكلّ ذهبوا إلى أنّه مشترك لفظا فيها. ونقل عن الكبشي وأتباعه أنّه مشترك لفظا بين الواجب والممكن ومشترك معنى بين الممكنات كلّها، والتفصيل في شرح المواقف.
فائدة:
ذهب الأشعري إلى أنّ الوجود نفس الــحقــيقة في الواجب والممكن والحكماء إلى أنّه نفس الماهية في الواجب زائد في الممكن.
وقيل إنّه زائد على الماهية في الكلّ. قال مرزا زاهد في حاشية شرح المواقف ليس المراد بعينية الوجود وزيادته حمله على الموجود حملا أوليا، وانتفاء هذا الحمل كما هو المشهور ضرورة لأنّه لا يتصوّر أن يكون مفهوم الوجود عين الــحقــيقة الواجبة أو الممكنة، بل المراد منهما حمله عليه حملا بالذات وحملا بالعرض. والحمل بالذات أن يكون مصداق الحمل نفس ذات الموضوع من حيث هي والحمل بالعرض أن يكون مصداقه خارجا عنها كما مرّ في موضعه. فمصداق حمل الوجود على تقدير العينية ذات الموضوع من حيث هي وعلى تقدير الغيرية ذات الموضوع مع حيثية زائدة عليه عقلي كحيثية استناده إلى الجاعل. ويقرب من ذلك ما قيل إنّ محلّ النزاع هو الوجود بمعنى مصدر الآثار. ثم قال: وتــحقــيق مذهب الحكماء أنّ حقــيقة الوجود ليس ما يفهم منه من المعنى المصدري لأنّ هذا المعنى متــحقّــق باعتبار العقل وانتزاع الذهن وحقــيقته متــحقّــقة مع قطع النظر عن ذهن الذاهن واعتبار المعتبر، كما يشهد به الضرورة العقلية. فمفهوم الوجود مغاير لــحقــيقته، وتلك الــحقــيقة على ما يحكم به النظر الدقيق منشأ لانتزاع هذا المفهوم ومصداق لحمله ومطابق لصدقه وهي في الممكن زائدة لأنّه موجود بغيره. فمصداق حمل الوجود عليه أمر زائد وفي الواجب عين لأنّه موجود بذاته فمصداق حمل الوجود عليه نفس ذاته من غير اعتبار أمر آخر، فالواجب سبحانه وجود خاص قائم بذاته ذاتية محضة لا ماهية له، فإنّ الماهية هي الــحقــيقة المعراة عن الأوصاف في اعتبار العقل وهو سبحانه منزّه عن أن يلــحقــه التعرية وأن يحيطه الاعتبار. وبالجملة فبعد تدقيق النظر يظهر أن ليس في الخارج مثلا إلّا ذات الشيء من حيث يصحّ انتزاع مفهوم الوجود عنه والعقل بضرب من التحليل ينتزع عنه الوجود ويصفه به ويحمل عليه، فهنا ثلاثة أمور: الأول المنتزع عنه وهو ذات الشيء وماهيته. والثاني الحيثية التي هي منشأ الانتزاع وهي تعلّق الشيء بالوجود الــحقــيقي الذي هو موجود بنفسه وواجب لذاته وارتباطه به. والثالث المنتزع وهو الوجود بالمعنى المصدري وهو أمر اعتباري وليس أفراده إلّا حصصا ولا يصدق مواطأة إلّا عليها.
ومن جوّز أن يكون له فرد غير الحصّة فقد أخطأ، كيف والمعنى المصدري الانتزاعي لا حقــيقة له إلّا ما يفهم منه عند انتزاعه وذلك المفهوم لا يحمل على ما يغايره إلّا اشتقاقا.
وهذه الأمور الثلاثة كلّها متــحقّــقة في الممكن واثنان منها في الواجب فإنّ ذاته تعالى منشأ الانتزاع ومصداق الحمل. ويحول حول ذلك ما قيل إنّ في الممكن الوجود المطلق وحصّته والوجود الخاص زائد وفي الواجب الأول والثاني زائدان دون الثالث لانتفائه هناك، إذ عين الذات ينوب منابه في كونه مصداق الحمل. وما قيل إنّ محلّ الخلاف هو الوجود بمعنى مصدر الآثار والوجود الــحقــيقي الذي به الموجودية انتهى. والوجود عند الصوفية قد مرّ بيانه في لفظ الوجد.

القياس

القياس: عند أهل الميزان: مؤلف من قضايا إذا سلمت لزم عنها لذاتها قول آخر نحو: العالم متغير، وكل متغير حادث، فهو من قول مركب من قضيتين إذا سلمتا لزم عنهما لذاتهما العالم حادث.وعند أهل الأصول: إلحاق معلوم بمعلوم في حكمه لمساواة الأول للثاني في علة حكمه.
القياس:
حمل الفرع على الأصل لعلة جامعة بينهما، وهو في القراءة نوعان: * قياس مطلق، وهو الذي ليس له أصل في القراءة يعتمد عليه، ومنه قياس ما لا يروى على ما روي، مثل قياس أحكام الميم المقلوبة من النون والتنوين على الميم الأصلية، وهذا هو القياس الممنوع؛ لأن القراءة سنة متبعة تعتمد على النقل والمشافهة.
* قياس يعتمد على إجماع انعقد أو أصل معتمد، فهذا لا بد منه عند الاضطرار والحاجة إليه فيما لم يرد فيه نص صريح عن أئمة القراء، وهو من قبيل نسبة الجزئي إلى الكلي ومن رد الفروع إلى الأصول، مثل ما اختير في تخفيف بعض الهمزات.
* والأصل في القراءات أنها لا تعتمد على القياس بل الاعتماد فيها على الرواية فقط، ولو خالفت القياس، وفي ذلك يقول الشاطبي (ت 590 هـ):
وما لقياسٍ في القراءة مدخل فدونك ما فيه الرضا متكفلاً.
القياس:
[في الانكليزية] Syllogism
[ في الفرنسية] Syllogisme
بالكسر وتخفيف الياء هو في اللغة التقدير والمساواة. وفي عرف العلماء يطلق على معان.
منها قانون مستنبط من تتبّع لغة العرب أعني مفردات ألفاظهم الموضوعة وما في حكمها، كقولنا كلّ واو متحرّك ما قبلها تقلب ألفا ويسمّى قياسا صرفيا كما في المطول في بحث الفصاحة، ولا يخفى أنّه من قبيل الاستقراء.
فعلى هذا القانون المستنبط من تراكيب العرب إعرابا وبناء يسمّى قياسا نحويا، وربّما يسمّى ذلك قياسا لغويا أيضا، حيث ذكر في معدن الغرائب أنّ القياس اللغوي هو قياس أهل النحو العقلي هو قياس الحكمة والكلام والمنطق.
ومنها القياس اللغوي وهو ما ثبت من الواضع لا ما جعله الصرفيون قاعدة، فأبى يأبى مخالف للقياس الصرفي موافق للقياس اللغوي كذا في الأطول وذلك لأنّ القياس الصرفي أن لا يجيء من باب فتح يفتح إلّا ما كان عينه أو لامه حرف الحلق، والقياس اللغوي أن لا يجيء منه إلّا ما كان عينه أو لامه حرف الحلق سوى ألفاظ مخصوصة كأبي يأبى فهو مخالف للقياس الصرفي دون اللغوي، والمعتبر في الفصاحة الخلوّ عن مخالفة القياس اللغوي كما مرّ، ومنها قول مؤلّف من قضايا متى سلمت لزم عنها لذاتها قول آخر، كقولنا العالم متغيّر، وكلّ متغيّر حادث، فإنّه مؤلّف من قضيتين ولزم عنهما أنّ العالم حادث وهو القياس العقلي والمنطقي، ويسمّى بالدليل أيضا كما مرّ في محله. والقول الآخر يسمّى مطلوبا إن سبق منه إلى العالم ونتيجة إن سبق من القياس إليه ويسمّى بالرّدف أيضا كما في شرح إشراق الحكمة. ثم القول يطلق بالاشتراك اللفظي على اللفظ المركّب وعلى المفهوم العقلي المركّب، وكذا القياس يطلق بالاشتراك اللفظي على المعقول وهو المركّب من القضايا المعقولة وعلى الملفوظ المسموع وهو المركّب من القضايا الملفوظة.
فإطلاق القياس على الملفوظ أيضا حقــيقة إلّا أنّه نقل إليه بواسطة دلالته على المعقول، وهذا الحدّ يمكن أن يجعل حدا لكلّ واحد منهما، فإن جعل حدا للقياس المعقول يراد بالقول والقضايا الأمور المعقولة، وإن جعل حدّا للمسموع يراد بهما الأمور اللفظية، وعلى التقديرين يراد بالقول الآخر القول المعقول لأنّ التلفّظ بالنتيجة غير لازم للقياس المعقول ولا للمسموع، وإنّما احتيج إلى ذكر المؤلّف لأنّ القول في أصل اللغة مصدر استعمل بمعنى المقول واشتهر في المركّب وليس في مفهومه التركيب حتى يتعلّق الجار به لغوا، فلو قيل قول من قضايا يكون تعلّق الجار به استقرارا أي كائن من قضايا فيتبادر منه أنّه بعض منها، بخلاف ما إذا قيل قول مؤلّف فإنّه يفهم منه التركيب فيتعلّق به لغوا، فلفظ المؤلّف ليس مستدركا. والمفهوم من شرح المطالع أنّ القول مشترك معنوي بينهما وأنّ التعريف للقدر المشترك حيث قال: فالقول جنس بعيد يقال بالاشتراك على الملفوظ وعلى المفهوم العقلي فكأنّه أراد بالمركّب المعنى اللغوي لا الاصطلاحي إذ ليس ذلك قدرا مشتركا بين المعقول والملفوظ، وحينئذ يلزم استدراك قيد المؤلّف. والمراد من القضايا ما فوق الواحد سواء كانتا مذكورتين أو أحدهما مقدّرة نحو فلان يتنفّس فهو حي، ولما كانت الشمس طالعة فالنهار موجود، لأنّ القياس لا يتركّب إلّا من قضيتين. وأما القياس المركّب فعدّوه من لواحق القياس على ما هو الــحقّ. وقيل القياس المركّب داخل في القياس أيضا. ثم القضايا تشتمل الحمليات والشّرطية، واحترز بها عن القضية الواحدة المستلزمة لعكسها وعكس نقيضها فإنّها قول مؤلّف لكن لا من قضايا بل من المفردات.
لا يقال لو عني بالقضايا ما هي بالقوّة دخل القضية الشرطية، ولو عني ما هي بالفعل خرج القياس الشّعري، لأنّا نقول المعنى ما هي بالقوة وتخرج الشرطية بقولنا متى سلمت فإنّ أجزاءها لا تحتمل التسليم لوجود المانع أعني أدوات الشرط والعناد، أو المعنى بالقضية ما يتضمّن تصديقا أو تخييلا فتخرج الشرطية بها، ولم نقل من مقدّمات وإلّا لزم الدور. وقولنا متى سلمت إشارة إلى أنّ تلك القضايا لا يجيب أن تكون مسلّمة في نفسها، بل لو كانت كاذبة منكرة لكن بحيث لو سلمت لزم عنها قول آخر فهي قياس، فإنّ القياس من حيث إنّه قياس يجب أن يؤخذ بحيث يشتمل الصناعات الخمس، والجدلي والخطابي والسوفطائي منها لا يجب أن تكون مقدماتها صادقة في نفس الأمر بل بحيث لو سلمت لزم عنها ما يلزم. وأمّا القياس الشعري فإنّه وإن لم يحاول الشاعر التصديق به بل التخييل لكن يظهر إرادة التصديق ويستعمل مقدّماته على أنّها مسلّمة، فإذا قال فلان قمر لأنّه حسن فهو يقيس هكذا، فلان حسن، وكلّ حسن قمر، فهو قول إذا سلم لزم عنه قول آخر، لكن الشاعر لا يقصد هذا وإن كان يظهر أنّه بهذه حتى يخيل فيرغب أو ينفر.
واعلم أنّ الوقوع واللاوقوع الذي يشتمل عليه القضية ليس من الأمور العينية لا باعتبار كون الخارج ظرفا لوجوده وهو ظاهر ولا باعتبار نفسه لأنّ الطرفين قد لا يكونان من الأمور العينية، فلزوم النتيجة في القياس إنّما هو بحسب نفس الأمر في الذهن لا بحسب الخارج. فإمّا أن يعتبر العلّية التي يشعر به لفظ عنها، فاللزوم منها من حيث العلم فإنّ التصديق بالمقدمتين على القضية المخصوصة يوجب التصديق بالنتيجة ولا يوجب تــحقّــقها تــحقّــق النتيجة، وكذا القضية الواحدة بالقياس إلى عكسها لا لزوم هاهنا بحسب العلم فضلا عن أن يكون عنها. واللزوم بمعنى الاستعقاب إذ العلم بالنتيجة ليس في زمان العلم بالقياس ولا بدّ حينئذ من اعتبار قيد آخر أيضا، وهو تفطّن كيفية الاندراج لتدخل الأشكال الثلاثة، فإنّ العلم بها يحصل من غير حصول العلم بالنتيجة. وما قيل إنّ اللزوم أعمّ من البيّن وغيره لا ينفع لأنّ التعميم فرع تــحقّــق اللزوم وامتناع الانفكاك، والانفكاك بين العلمين بشرط تسليم مقدّمات القياس والاعتقاد بها، ألا يرى أنّ قياس كلّ واحد من الخصمين لا يوجب العلم بالنتيجة للآخر لعدم اعتقاده بمقدّمات قياسه، والصواب حينئذ عنه لأنّ للهيئة مدخلا في اللزوم. وأمّا أن لا تعتبر العلّية المستفادة من لفظ عنها فاللزوم بينهما من حيث التــحقّــق في نفس الأمر، يعني لو تــحقّــقت تلك القضايا في نفس الأمر تــحقّــق القول الآخر سواء علمها أحد أو لم يعلمها، وسواء كانت المقدّمات صادقة أو كاذبة، فإنّ اللزوم لا يتوقّف على تــحقّــق الطرفين. ألا يرى أنّ قولهم العالم قديم وكلّ قديم مستغن عن المؤثّر، لو ثبت في نفس الأمر يستلزم قولهم العالم مستغن عن المؤثّر، وحينئذ بمعناه أي امتناع الانفكاك وهو متــحقّــق في جميع الأشكال بلا ريبة ولا يحتاج إلى تقييد اللزوم بحسب العلم ولا إلى اعتبار الهيئة في اللزوم، والقضية الواحدة المستلزمة لعكسها داخلة فيه خارجة بقيد مؤلّف من قضايا وقيد لو سلمت ليس لإفادة أنّه لا لزوم على تقدير عدم التسليم بل لإفادة التعميم ودفع توهّم اختصاص التعريف بالقضايا الصادقة. فمفهوم المخالفة المستفاد عن التقييد بالشرط غير مراد هاهنا لأنّ التقييد في معنى التعميم. وأمّا ما قال المــحقّــق التفتازاني في حاشية العضدي من أنّ الاستلزام في الصناعات الخمس إنّما هو على تقدير التسليم، وأمّا بدونه فلا استلزام إلّا في البرهان فوجهه غير ظاهر لأنّه إن اعتبر اللزوم من حيث العلم فلا لزوم في البرهان بدون التسليم أيضا، فإن نظر المبطل في دليل المــحق لا يفيده العلم بعد التسليم، وإن اعتبر اللزوم بحسب الثبوت في نفس الأمر فهو متــحقّــق في الكلّ من غير التسليم كما عرفت. وقولنا لزم عنها يخرج الاستقراء والتمثيل أي من حيث إنّه استقراء أو تمثيل. أما إذا ردّ إلى هيئة القياس فاللزوم متــحقّــق، والسّرّ في ذلك أنّ اللزوم منوط باندراج الأصغر تحت الأوسط والأوسط تحت الأكبر في القياس الاقتراني، واستلزام المقدّم للتالي في الاستثنائي سواء كانت المقدّمات صادقة أو كاذبة، فإذا تــحقّــق المقدّمات المشتملة عليها تــحقّــق اللزوم بخلاف الاستقراء والتمثيل فإنّه لا علاقة بين تتبع الجزئيات تتبعا ناقصا وبين الحكم الكلّي إلّا ظنّ أن يكون الجزئي الغير المتتبع مثل المتتبع ولا علاقة بين الجزئيين إلّا وجود الجامع المشترك فيهما، وتأثيره في الحكم لو كانت العلّة منصوصة. ويجوز أن يكون خصوصية الأصل شرطا أو خصوصية الفرع مانعا. وما قيل إنّه يلزم على هذا أن لا يكون الاستقراء والتمثيل من الدليل لأنّهم فسّروا الدليل بما يلزم من العلم بشيء آخر فمدفوع بأنّ للدليل عندهم معنيين: أحدهما الموصل إلى التصديق وهما داخلان فيه وثانيهما أخصّ وهو المختص بالقياس بل بالقطعي منه على ما نصّ عليه في المواقف. وبما حررنا علم أنّ القياس الفاسد الصورة غير داخلة في التعريف، ولذا أخرجوا الضروب العقيمة عن الأشكال بالشرائط. فالمغالطة ليست مطلقا من أقسام القياس بل ما هو فاسد المادة. وقولنا لذاتها أي لا يكون بواسطة مقدمة غريبة إمّا غير لازمة لإحدى المقدّمتين وهي الأجنبية أو لازمة لإحدهما وهي في قوة المذكورة، والأول كما في قياس المساواة وهو المركّب من قضيتين متعلّق محمول أولهما يكون موضوع الأخرى كقولنا: أمساو لب وب مساو لج فإنّهما يستلزمان أنّ أمساو لج لكن لا لذاتهما بل بواسطة مقدمة أجنبية، وهو أنّ كل مساوي المساوي للشيء مساو له، ولذا لا يتــحقّــق الاستلزام إذا قلنا أمباين لب وب مباين لج فإنّه لا يلزم أن يكون أمباين لج، وكذا إذا قلنا أنصف ب وب نصف ج لا يلزم أن تكون أنصف ج، ولعدم الاطراد في الاستلزام أخرجوه عن القياس كما أخرجوا الضروب العقيمة عنه.
والثاني كما في القياس بعكس النقيض كقولنا جزء الجوهر يوجب ارتفاعه ارتفاع الجوهر وما ليس بجوهر لا يوجب ارتفاعه ارتفاع الجوهر فإنّه يلزم منها أنّ جزء الجوهر جوهر بواسطة عكس نقيض المقدّمة الثانية، وهو قولنا كلّ ما يوجب ارتفاعه ارتفاع الجوهر فجوهر. ثم الفرق بين الاستلزام بواسطة العكس وبينه بواسطة عكس النقيض وجعل الأول داخلا في التعريف والثاني خارجا عنه لحكم، ولا يتوهّم أنّ الأشكال الثلاثة تخرج عن الحدّ لاحتياجها إلى مقدّمات غير بيّنة يثبت بها انتاجها، لأنّ تلك المقدّمات واسطة في الإثبات لا في الثبوت والمنفي في التعريف هو الثاني. وقولنا قول آخر المراد به أنّه يغاير كلّ واحد من المقدمتين فإنّه لو لم يعتبر التغاير لزم أن يكون كلّ من المقدمتين قياسا كيف اتفقتا لاستلزام مجموعهما كلّا منهما. وأيضا المقدمة موضوعة في القياس على أنّها مسلّمة، فلو كانت النتيجة أحدهما لم يحتج إلى القياس، وكلّ قول يكون كذلك لا يكون قياسا.
التقسيم
القياس قسمان لأنّه إن كانت النتيجة أو نقيضها مذكورا فيه بالفعل فهو الاستثنائي كقولنا إن كان هذا جسما فهو متحيّز لكنه جسم ينتج أنّه متحيّز، فهو بعينه مذكور في القياس، أو لكنه ليس بمتحيز ينتج أنّه ليس بجسم، ونقيضه أي قولنا أنّه جسم مذكور في القياس، وإن لم يكن كذلك فهو الاقتراني كقولنا الجسم مؤلّف وكلّ مؤلّف محدث فالجسم محدث فليس هو ولا نقيضه مذكورا فيه، سمّي به لاقتران الحدود فيه. وإنّما قيّد التعريفان بالفعل لأنّ النتيجة في الاقتراني مذكورة بالقوة فإنّ أجزاءها التي هي علّة مادّية لها مذكورة فيه ومادّة الشيء ما به يحصل ذلك الشيء بالقوة، فلو لم يقيّد بالفعل انتقض تعريف الاستثنائي طردا وتعريف الاقتراني عكسا. فإن قلت النتيجة ونقيضها ليسا مذكورين في الاستثنائي بالفعل لأنّ كلّا منهما قضية والمذكور فيه بالفعل ليس بقضية، نقول المراد أجزاء النتيجة أو نقيضها على الترتيب وهي مذكورة بالفعل. لا يقال قد بطل تعريف القياس لأنّه اعتبر فيه تغاير القول اللازم لكلّ من المقدّمات لأنّا نقول لا نسلّم أنّ النتيجة إذا كانت مذكورة في القياس بالفعل لم تكن مغايرة لكلّ من المقدّمات، وإنّما يكون كذلك لو لم تكن النتيجة جزءا لمقدّمة وهو ممنوع فإنّ المقدّمة في الاستثنائي ليس قولنا الشمس طالعة بل إن كانت الشمس طالعة فالنهار موجود. ثم الاقتراني ينقسم بحسب القضايا إلى حملي وهو المركّب من الحمليات الساذجة وشرطي وهو المركّب من الشرطيات الساذجة أو منها ومن الحمليات وأقسام الشرطي خمس فإنّه إمّا أن يتركّب من متّصلتين أو منفصلتين أو حملية ومتّصلة أو حملية ومنفصلة أو متّصلة ومنفصلة؛ والاستثنائي ضربان: الضرب الأول ما يكون بالشرط ويسمّى بالاستثنائي المتّصل ويسمّى المقدّمة المشتملة على الشرط شرطية والشرط مقدّما والجزاء تاليا والمقدمة الأخرى استثنائية، نحو إن كان هذا إنسانا فهو حيوان لكنه إنسان فهو حيوان، ومن أنواعه قياس الخلف.
والضرب الثاني ما يكون بغير شرط ويسمّى استثنائيا منفصلا نحو الجسم إمّا جماد أو حيوان لكنه جماد فليس بحيوان.
اعلم أنّ من لواحق القياس القياس المركّب وهو قياس ركّب من مقدّمات ينتج مقدّمتان منها نتيجة وهي مع المقدّمة الأخرى نتيجة أخرى وهلمّ جرا الشيء أن يحصل المطلوب. قال المــحقــق التفتازاني القياس المنتج لمطلوب واحد يكون مؤلّفا بحكم الاستقراء الصحيح من مقدّمتين لا أزيد ولا أنقص، لكن ذلك القياس قد يفتقر مقدّمتاه أو أحدهما إلى الكسب بقياس آخر وكذلك إلى أن ينتهي الكسب إلى المبادي البديهية أو المسلّمة، فيكون هناك قياسات مترتّبة محصّلة للقياس المنتج للمطلوب، فسمّوا ذلك قياسا مركّبا وعدّوه من لواحق القياس انتهى. أي من لواحق القياس البسيط المذكور سابقا، فإن صرّح بنتائج تلك الأقيسة سمّي موصول النتائج لوصل تلك النتائج بالمقدّمات، كقولنا كلّ ج ب وكل ب أفكل ج أثم كل أد فكل ج د وكل د هـ فكل ج هـ، وإن لم يصرّح بنتائج تلك الأقيسة سمّي مفصول النتائج ومطويها، كقولنا كل ج ب وكل ب د وكل د أوكل أهـ فكل ج هـ. هذا كلّه خلاصة ما حقّــقه المولوي عبد الحكيم في حاشية شرح الشمسية وما في شرح المطالع والعضدي وحواشيه. ومنها القياس الشرعي ويسمّيه المنطقيون والمتكلّمون تمثيلا كما في شرح الطوالع وغيره وإنّما سمّي شرعيا لأنّه من مصطلحات أهل الشرع وهو المستعمل في الأحكام الشرعية وفسّر بأنّه مساواة الفرع للأصل في علّة حكمه فأركانه أربعة: الأصل والفرع وحكم الأصل والوصف الجامع أي العلّة، وذلك لأنّه أي القياس الشرعي من أدلة الأحكام فلا بدّ من حكم مطلوب وله محلّ ضرورة والمقصود إثبات ذلك الحكم في ذلك المحلّ لثبوته في محلّ آخر يقاس هذا به، فكان هذا أي محلّ الحكم المطلوب إثباته فيه فرعا وذلك أي محلّ الحكم المعلوم ثبوته فيه أصلا لاحتياجه إليه وابتنائه عليه ولا يمكن ذلك في كلّ شيئين بل إذا كان بينهما أمر مشترك يوجب الاشتراك في الحكم ويسمّى علّة الحكم؛ وأمّا حكم الفرع فثمرة القياس فيتأخّر عنه فلا يكون ركنا، ولما أردنا بالأصل والفرع ما ذكرنا لم يلزم الدور لأنّه إنّما يلزم لو أريد بالفرع المقيس وبالأصل المقيس عليه. وبالجملة فالمراد بهما ذات الأصل والفرع والموقوف على القياس وصفا الأصلية والفرعية. ثم إنّه لا بدّ أن يعلم علّة الحكم في الأصل ويعلم ثبوت مثلها في الفرع إذ ثبوت عينها في الفرع مما لا يتصوّر لأنّ المعنى الشخصي لا يقوم بعينه بمحلّين وبذلك يحصل ظنّ مثل الحكم في الفرع وهو المطلوب. فالعلم بعلّة الحكم وثبوتها في الفرع وإن كان يقينيا لا يفيد في الفرع إلّا الظّنّ لجواز أن تكون خصوصية الأصل شرطا للحكم أو خصوصية الفرع مانعا منه. مثاله أن يكون المطلوب ربوية الذّرة فيدلّ عليه مساواته البرّ فيما هو علّة لربوية البرّ من طعم أو قوت أو كيل فإنّ ذلك دليل على ربوية الذّرة، فالأصل البرّ والفرع الذّرة وحكم الأصل حرمة الربا في البر وحكم الفرع المثبت بالقياس حرمة الربا في الذّرة. قيل المساواة أعمّ من أن يكون في نظر المجتهد أو في نفس الأمر فالتعريف شامل للقياس الصحيح والفاسد وهو الذي لا يكون المساواة فيه في نفس الأمر. وقيل المتبادر إلى الفهم هو المساواة في نفس الأمر فيختصّ التعريف بالقياس الصحيح عند المخطّئة. وأما المصوّبة وهم القائلون بأنّ كلّ مجتهد مصيب فالقياس الصحيح عندهم ما حصلت فيه المساواة في نظر المجتهد سواء ثبت في نفس الأمر أو لا حتى لو تبيّن غلطه ووجب الرجوع عنه فإنّه لا يقدح في صحته عندهم، بل ذلك انقطاع لحكمه لدليل صحيح آخر حدث، فكان قبل حدوثه القياس الأول صحيحا، وإن زال صحته فــحقّــهم أن يقولوا هو مساواة الفرع للأصل في نظر المجتهد في علّة حكمه. وإذا أردنا حدّ القياس الشامل للصحيح والفاسد لم يشترط المساواة وقلنا بدلها إنّها تشبيه فرع بالأصل أي الدلالة على مشاركته أي الفرع له أي للأصل في أمر هو الشّبه والجامع فإن كان حاصلا فالتشبيه مطابق وإلّا فغير مطابق، وعلى كل تقدير فالمشبّه إمّا أن يعتقد حصوله فيصحّ في الواقع أو في نظره، وإمّا أن لا يعتقد حصوله ففاسد.
هذا ثم اعلم أنّ المراد بالمساواة أعمّ من التضمّنيّة والمصرّح بها فلا يرد أنّ الحدّ لا يتناول قياس الدلالة وهو ما لا يذكر فيه العلّة بل وصف ملازم لها كما يقال في المكره يأثم بالقتل فيجب عليه القصاص كالمكره فإنّ الإثم بالقتل لا يكون علّة لوجوب القصاص. ووجه الدفع أنّ المساواة في التأثيم دلّت على قصد الشارع حفظ النفس بهما وهو العلّة، أو يقال هذا تعريف قياس العلّة فإنّ لفظ القياس إذا أطلقناه فلا نعني به إلّا قياس العلّة ولا نطلقه على قياس الدلالة إلّا مقيّدا. قيل لا يتناول الحدّ قياس العكس فإنّه ثبت فيه نصّ حكم الأصل بنقيض علّته. مثاله قول الحنفية لمّا وجب الصيام في الاعتكاف بالنّذر وجب بغير النّذر كالصلاة فإنّها لمّا لم تجب بالنّذر لم تجب بغير النّذر، فالأصل الصلاة والفرع الصوم، والحكم في الأصل عدم الوجوب بغير نذر وفي الفرع نقيضه وهو الوجوب بغير نذر، والعلّة في الأصل عدم الوجوب بالنّذر وفي الفرع نقيضه وهو الوجوب بالنّذر. وأجيب بأنّه ملازمة والقياس لبيان الملازمة والمساواة حاصلة على التقدير، وحاصله لو لم يشترط لم يجب بالنّذر واللازم منتف، ثم بيّن الملازمة بالقياس على الصلاة فإنّها لمّا لم تكن شرطا لم تجب بالنّذر.
ولا شكّ أنّ على تقدير عدم وجوبه بالنّذر المساواة حاصلة بينها وبين الصوم وإن لم يكن حاصلا في نفس الأمر.
واعلم أنّ القياس وإن كان من أدلّة الأحكام مثل الكتاب والسّنّة لكنّ جميع تعريفاته واستعمالاته منبئ عن كونه فعل المجتهد، فتعريفه بنفس المساواة محلّ نظر. ولذا عرّفه الشيخ أبو منصور بأنّه إبانة مثل حكم أحد المذكورين بمثل علّته في الآخر. واختيار لفظ الإبانة دون الإثبات لأنّ القياس مظهر للحكم وليس بمثبت له بل المثبت هو الله تعالى. وذكر مثل الحكم ومثل العلّة احتراز عن لزوم القول بانتقال الأوصاف. وذكر لفظ المذكورين ليشتمل القياس بين الموجودين وبين المعدومين، كقياس عديم العقل بسبب الجنون على عديم العقل بسبب الصّغر في سقوط الخطاب عنه بالعجز عن فهم الخطاب وأداء الواجب. وقيل القياس بذل الجهد في استخراج الــحقّ وهو مردود ببذل الجهد في استخراج الــحقّ من النّصّ والإجماع، فإنّ مقتضاهما قد لا يكون ظاهرا فيحتاج إلى اجتهاد في صيغ العموم والمفهوم والإيماء ونحو ذلك. وقيل القياس الدليل الواصل إلى الــحقّ وهو مردود أيضا بالنّصّ والإجماع. وقيل هو العلم عن نظر ورد بالعلم الحاصل عن النظر في نصّ أو إجماع، وفيه أنّ العلم ثمرة القياس لا هو وقال أبو هاشم هو حمل الشيء على غيره بإجراء حكمه عليه وهو منقوض بحمل بلا جامع فيحتاج إلى قيد الجامع. وقال القاضي أبو بكر هو حمل معلوم على معلوم في إثبات الحكم لهما أو نفيه عنهما بأمر جامع بينهما من إثبات حكم أو صفة أو نفيهما. فقوله معلوم يشتمل الموجود والمعدوم، ولو قال شيء على شيء لاختصّ بالموجود. وقوله في إثبات حكم لهما أو نفيه عنهما ليتناول القياس في الحكم الوجودي والحكم العدمي. وقوله بأمر جامع إلى آخره إشارة إلى أنّ الجامع قد يكون حكما شرعيا إثباتا أو نفيا، ككون القتل عدوانا أو ليس بعدوان، وقد يكون وصفا عقليا إثباتا أو نفيا ككونه عمدا أو ليس بعمد. ردّ عليه بأنّ الحمل ثمرة القياس لا نفسه، وإنّ قيد جامع كاف في التمييز ولا حاجة إلى تفصيل الجامع.
وإن شئت الزيادة فارجع إلى العضدي وحواشيه.
اعلم أنّ أكثر هذه التعاريف يشتمل دلالة النّصّ فإنّ بعض الحنفية وبعض الشافعية ظنّ أنّ دلالة النّصّ قياس جلي، لكن الجمهور منهم على الفرق بينهما. ولهذا عرّف صاحب التوضيح القياس بأنّه تعدية الحكم من الأصل إلى الفرع بعلّة متّحدة لا تدرك بمجرّد اللّغة، والتعدية إثبات حكم مثل حكم الأصل في الفرع. وقوله لا تدرك بمجرّد اللغة احتراز عن دلالة النّصّ.
التقسيم
القياس تلــحقــه القسمة باعتبارين. الأول باعتبار العلّة إلى قياس علّة وقياس دلالة وقياس في معنى الأصل: فالأول هو القياس الذي ذكر فيه العلّة. والثاني أي قياس الدلالة ويسمّى بقياس التلازم أيضا هو الذي لا يذكر فيه العلّة بل وصف ملازم لها كما لو علّل في قياس النبيذ على الخمر برائحته المشتدّة. وحاصله إثبات حكم في الفرع وهو حكم آخر يوجبهما علّة واحدة في الأصل فيقال ثبت هذا الحكم في الفرع لثبوت الآخر فيه وهو ملازم له، فيكون القائس قد جمع بأحد موجبي العلّة في الأصل لوجوده في الفرع بين الأصل والفرع في الموجب الآخر لملازمته الآخر، ويرجع إلى الاستدلال بأحد الموجبين على العلّة وبالعلّة على الموجب الآخر. لكن يكتفي بذكر موجب العلّة عن التصريح بها. ففي المثال المذكور الحكم في الفرع هو التحريم وهو حكم آخر وهو الرائحة يوجبهما علّة واحدة هي الإسكار في الخمر، فيقال ثبت التحريم في النبيذ لثبوت الرائحة فيه، وهو أي الحكم الآخر الذي هو الرائحة ملازم للأول الذي هو التحريم فيكون القائس قد جمع بالرائحة التي يوجبها الإسكار في الخمر لوجودها في النبيذ بين الخمر والنبيذ في التحريم الذي هو حكم آخر يوجبه الإسكار على الإسكار، وبالإسكار على التحريم الذي هو أيضا ممّا يوجبه الإسكار، لكن قد اكتفى بذكر الرائحة عن التصريح بالإسكار. والثالث أي القياس في معنى الأصل ويسمّى بتنقيح المناط أيضا هو أن يجمع بين الأصل والفرع بنفي الفارق أي بمجرّد عدم الفارق من غير تعرّض لوصف هو علّة، وإذا تعرّض للعلّة وكان عدم الفارق قطعيا كان قياسا جليا كما إذا كان ظنيا كان خفيا، ومثاله ورد في لفظ التنبيه. والثاني باعتبار القوة إلى جلي وخفي. فالقياس الجليّ ما علم فيه نفي الفارق بين الأصل والفرع قطعا كقياس الأمة على العبد في أحكام العتق كالتقويم على معتق الشّقص، وإنّا نعلم قطعا أنّ الذكورة والأنوثة مما لا يعتبره الشارع وأن لا فارق إلّا ذلك، والخفي بخلافه، وهو ما يكون نفي الفارق فيه مظنونا كقياس النبيذ على الخمر في الحرمة إذ لا يمتنع أن يكون خصوصية الخمر معتبرة، ولذلك اختلف فيه. هكذا في العضدي. وفي التوضيح القياس الجليّ هو الذي يسبق إليه الإفهام والخفي بخلافه ويسمّى بالاستحسان أيضا. والجليّ له قسمان: الأول ما ضعف أثره، والثاني ما ظهر فساده وخفي صحته. والخفي أيضا له قسمان: الأول ما قوي أثره والثاني ما ظهر صحته وخفي فساده، وله تفصيل طويل الذيل لا يليق إيراده هاهنا.

القرآن

القرآن:
[في الانكليزية] The Koran
[ في الفرنسية] Le Coran
بالضم اختلف فيه. فقيل هو اسم علم غير مشتقّ خاصّ بكلام الله فهو غير مهموز وبه قرأ ابن كثير وهو مروي عن الشافعي. وقيل هو مشتقّ من قرنت الشيء بالشيء سمّي به لقران السور والآيات والحروف فيه. وقال الفرّاء هو مشتقّ من القرائن وعلى كلّ تقدير فهو بلا همزة ونونه أصلية. وقال الزجاج هذا سهو والصحيح أنّ ترك الهمزة فيه من باب التخفيف، ونقل حركة الهمزة إلى الساكن قبلها. واختلف القائلون بأنّه مهموز، فقيل هو مصدر لقرأت سمّي به الكتاب المقروء من باب تسميته بالمصدر. وقيل هو وصف على فعلان مشتق من القرء بمعنى الجمع كذا في الاتقان. قال أهل السّنّة والجماعة: القرآن ويسمّى بالكتاب أيضا كلام الله تعالى غير مخلوق وهو مكتوب في مصاحفنا محفوظ في قلوبنا مقروء بألسنتنا مسموع بآذاننا غير حالّ فيها أي مع ذلك ليس حالّا في المصاحف ولا في القلوب والألسنة والآذان، لأنّ كلام الله ليس من جنس الحروف والأصوات لأنّها حادثة، وكلام الله صفة أزلية قديمة منافية للسكوت الذي هو ترك التكلّم مع القدرة عليه والآفة التي هي عدم مطاوعة الآلات بل هو معنى قديم قائم بذات الله تعالى يلفظ ويسمع بالنّظم الدّال عليه ويحفظ بالنظم المخيل ويكتب بنقوش وأشكال موضوعة للحروف الدالة عليه، كما يقال النار جوهر محرق يذكر باللفظ ويكتب بالقلم ولا يلزم منه كون حقــيقة النار صوتا وحرفا. وتــحقــيقه أنّ للشيء وجودا في الأذهان ووجودا في الكتابة. فالكتابة تدلّ على العبارة وهي على ما في الأذهان وهو على ما في الأعيان، فحيث يوصف القرآن بما هو من لوازم القديم كقولنا القرآن غير مخلوق فالمراد حقــيقته الموجودة في الخارج، وحيث يوصف بما هو من لوازم المخلوقات يراد به الألفاظ المنطوقة المسموعة كقولك قرأت نصف القرآن أو المخيلة كقولك حفظت القرآن أو الأشكال كقولك يحرم للمحدث مسّ القرآن. ثم الكلام القديم الذي هو صفة لله تعالى يجوز أن يسمع وهو مذهب الأشعري ومنعه الأستاذ أبو إسحاق الأسفرايني، وهو اختيار الشيخ أبي منصور رحمه الله تعالى. فمعنى قوله: حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ يسمع ما يدلّ عليه كما يقال سمعت علم فلان. فموسى صلوات الله عليه سمع صوتا دالّا على كلام الله، لكن لمّا كان بلا واسطة الكتاب والملك خصّ باسم الكليم. وقيل خصّ به لما سمعه من جميع الجهات على خلاف المعتاد. وأمّا من يجوّز سماعه فهو يقول خصّ به لأنّه سمع كلامه الأزلي بلا حرف وصوت كما يرى ذاته تعالى في الآخرة بلا كمّ ولا كيف.
فإن قيل لو كان كلام الله حقــيقة في المعنى القديم مجازا في النّظم المؤلّف يصحّ نفيه عنه بأن يقال ليس النّظم كلام الله والإجماع على خلافه، وأيضا المعجز هو كلام الله حقــيقة مع القطع بأنّ الإعجاز إنّما يتصوّر في النظم.
قلنا التــحقــيق أنّ كلام الله تعالى مشترك بين الكلام النفسي القديم ومعنى الإضافة كونه صفة له تعالى وبين اللفظي الحادث، ومعنى الإضافة حينئذ أنّه مخلوق له تعالى ليس من تأليفات المخلوقين، فلا يصحّ النفي أصلا ولا يكون الإعجاز إلّا في كلام الله تعالى. وما وقع في عبارة بعض المشايخ من أنّه مجاز فليس معناه أنّه غير موضوع للنظم بل إنّ الكلام في التــحقــيق وبالذات اسم للمعنى القائم بالنفس وتسمية اللفظ به وضعه لذاك إنّما هو باعتبار دلالته على المعنى، فلا نزاع لهم في الوضع والتسمية باعتبار معنى مجازي يكون حقــيقة أيضا، كما يكون باعتبار معنى حقــيقي. ويؤيّد هذا ما وقع في شرح التجريد من أنّه لا نزاع في إطلاق اسم القرآن وكلام الله بطريق الاشتراك على المعنى القائم بالنفس القديم وعلى المؤلّف الحادث وهو المتعارف عند العامة والقراء والأصوليين والفقهاء وإليه يرجع الخواص التي هي من صفات الحادث. وإطلاق هذين اللفظين عليه ليس بمجرد أنّه دالّ على كلامه القديم حتى لو كان مخترع هذه الألفاظ غير الله تعالى لكان الإطلاق بحاله، بل لأنّ له اختصاصا به تعالى وهو أنّه اخترعه بأن أوجد أولا الأشكال في اللوح المحفوظ لقوله بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ والأصوات في لسان الملك لقوله: إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ. ثم اختلفوا، فقيل القرآن وكلام الله اسمان لهذا المؤلّف المخصوص القائم بأوّل لسان اخترعه الله تعالى فيه، حتى إنّ ما يقرأه كلّ أحد سواه بلسان يكون مثله لا عينه. والأصحّ أنّه اسم له لا من حيث تعيّن المحلّ فيكون واحدا بالنوع ويكون ما يقرأه القارئ أيّ قارئ كان نفسه لا مثله، وهكذا الحكم في كلّ متغيّر وكتاب ينسب إلى مؤلّفه. وعلى التقديرين فقد يجعل اسما للمجموع بحيث لا يصدق على البعض وقد يجعل اسما بمعنى كلّ صادق على المجموع وعلى كلّ بعض من أبعاضه.
وبالجملة فما يقال إنّ المكتوب في كلّ مصحف والمقروء بكل لسان كلام الله، فباعتبار الوحدة النوعية. وما يقال إنّه حكاية عن كلام الله ومماثل له وإنّما الكلام هو المخترع في لسان الملك فباعتبار الوحدة الشخصية. وما يقال إنّ كلام الله ليس قائما بلسان أو قلب ولا حالّا في مصحف فيراد به الكلام الــحقــيقي النفسي. ومنعوا من القول بحلول اللفظي أيضا رعاية للتأدّب واحترازا عن ذهاب الوهم إلى الــحقــيقي النفسي، على أنّ إطلاق اسم المدلول على الدّال وكذا إجراء صفات الدّال على المدلول شائع ذائع مثل: سمعت هذا المعنى من فلان انتهى كلامه. وقال صاحب المواقف إنّ المعنى من قول مشايخنا كلام الله تعالى معنى قديم ليس المراد به مدلول اللفظ بل الأمر القائم بالغير فيكون الكلام النفسي عندهم أمرا شاملا للفظ والمعنى جميعا قائما بذاته تعالى وهو مكتوب في المصاحف مقروء بالألسنة محفوظ في الصدور، وهو غير القراءة والكتابة والحفظ الحادثة. وما يقال من أنّ الحروف والألفاظ مترتّبة متعاقبة فجوابه أنّ ذلك الترتّب إنما هو في التلفّظ بسبب عدم مساعدة الآلة، فالتلفّظ حادث والأدلة الدالة على الحدوث يجب حملها على حدوثه دون حدوث الملفوظ جمعا بين الأدلة انتهى. قيل عليه القول بأنّ ترتّب الحروف إنّما هو في التلفّظ دون الملفوظ، فالتلفّظ حادث دون الملفوظ أمر خارج عن العقل وما ذلك إلّا مثل أن يتصوّر حركة تكون أجزاؤها مجتمعة في الوجود لا يكون لبعضها تقدّم على بعض، ويندفع بما قيل إنّ المراد بالملفوظ هو اللفظ القائم به تعالى وبالتلفّظ اللفظ القائم بنا عبّر عنه بالتلفّظ، فرقا بينهما وإشعارا بأنّ اللفظ الحادث كالنسبة المصدرية لكونه غير قارّ، ولولا هذا الاعتبار لكان القول بقدم الملفوظ دون التلفّظ تناقضا، وبه يندفع من أنّ حمل المعنى على الأمر القائم بالغير بعيد جدا لأنّ الأدلة إنّما تدلّ على حدوث ماهية القرآن لا حدوث التلفّظ لأنّه ليس بقرآن، وذلك لأنّ اللفظ يعدّ واحدا في المحال كلها وتباينه إنّما هو بتباين الهيئات. فاللفظ القائم بنا وبه تعالى واحد حقــيقة، والأول حادث والثاني قديم.
فإن قيل يفهم من هذا التوجيه أنّه لا ترتّب في اللفظ القائم بذاته تعالى فيلزم عدم الفرق بين لمع وعلم. قيل ترتّب الكلمات وتقدّم بعضها على بعض لا يقتضي الحدوث لأنّ التقدّم ربما لا يكون زمانيا كالحروف المنطبعة في شمعة دفعة من الطابع عليه، وقد يمثل أيضا بوجود الألفاظ في نفس الحافظ فإنّ جميعها مع الترتيب المخصوص مجتمعة الوجود فيها وليس وجود بعضها مشروطا بانقضاء البعض وانعدامه عن نفسه. والفرق بأنّ وجود الحرف على هذا الوجه في ذاته تعالى بالوجود العيني وفي نفس الحافظ بالظلّي لا يضرّ إذ الغرض منه مجرّد التصوير والتفهيم لا إثباته بطريق التمثيل، فحينئذ يكون الحاصل أنّ الترتيب المقتضي للحدوث إنّما هو في التلفّظ أي اللفظ القائم بنا، هذا غاية توجيه المقام فافهم.
فائدة:
في بيان كيفية الإنزال قال في الاتقان وفيه مسائل. الأولى قال الله تعالى شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ وقال إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ. اختلف في كيفية إنزاله من اللوح المحفوظ على ثلاثة أقوال. الأول وهو الأصح الأشهر أنّه نزل إلى سماء الدنيا ليلة القدر جملة واحدة ثم نزل بعد ذلك منجّما في عشرين سنة أو ثلاث وعشرين أو خمس وعشرين على حسب الخلاف في مدة إقامته صلى الله عليه وآله وسلم بمكة بعد البعثة.
الثاني أنّه نزل إلى سماء الدنيا في عشرين ليلة القدر أو ثلاث وعشرين أو خمس وعشرين، في كلّ ليلة ما يقدر الله إنزاله في كلّ سنة، ثم نزل بعد ذلك منجّما في جميع السنة، وهذا القول ذكره الرازي بطريق الاحتمال ثم توقّف. هل هذا أولى أو الأول؟ قال ابن كثير وهذا الذي جعله احتمالا نقله القرطبى عن مقاتل بن حيان، وحكى الإجماع على أنّه نزل جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزّة في سماء الدنيا. الثالث أنّه ابتدأ انزاله في ليلة القدر ثم نزل بعد ذلك منجّما في أوقات مختلفة من سائر الأوقات، وبه قال الشعبي. قال ابن حجر والأول هو الصحيح المعتمد. قال وحكى الماوردي قولا رابعا أنّه نزل من اللوح المحفوظ جملة واحدة وأنّ الحفظة نجّمته على جبرئيل في عشرين ليلة وأنّ جبرئيل نجّمه على النبي صلى الله عليه وآله وسلم في عشرين سنة، والمعتمد أنّ جبرئيل كان يعارضه في رمضان بما ينزل به عليه في طول السنة. قال أبو شامة:
نزوله جملة إلى سماء الدنيا قبل ظهور نبوّته ويحتمل أن يكون بعدها، قيل الظاهر هو الثاني. قيل السرّ في إنزاله جملة إلى سماء الدنيا تفخيم أمره وأمر من نزل عليه وذلك بإعلام سكان السموات السبع أنّ هذا آخر الكتب المنزّلة على خاتم الرسل أشرف الأمم قد قرّبناه إليهم لننزّله عليهم، ولولا أنّ الحكمة الإلهية اقتضت وصوله إليهم منجّما بحسب الوقائع لهبط به إلى الأرض جملة كسائر الكتب المنزّلة قبله، ولكن الله باين بينه وبينها فجعل له الأمرين إنزاله جملة ثم إنزاله مفرّقا تشريفا للمنزّل عليه. وقيل إنزاله منجّما لأنّ الوحي إذا كان يتجدّد في كلّ حادثة كان أقوى للقلب وأشدّ عناية بالمرسل إليه، ويستلزم ذلك كثرة نزول الملك إليه فيحدث له من السرور ما يقصر عنه العبارة. والثانية في كيفية الإنزال والوحي.
قال الأصفهاني اتفق أهل السّنة والجماعة على أنّ كلام الله منزّل واختلفوا في معنى الإنزال.
فمنهم من قال إظهار القراءة، ومنهم من قال إنّ الله تعالى ألهم كلامه جبرئيل وهو في السماء وهو عال من المكان وعلّمه قراءته ثم جبرئيل أدّاه إلى الأرض وهو يهبط في المكان. وفي التنزيل طريقان أحدهما أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم انخلع من الصورة البشرية إلى الصورة الملكية وأخذه من جبرئيل، ثانيهما أنّ الملك انخلع إلى البشرية حتى يأخذه الرسول منه، والأوّل أصعب الحالين. وقال القطب الرازي إنزال الكلام ليس مستعملا في المعنى اللغوي الــحقــيقي وهو تحريك الشيء من العلو إلى السفل بل هو مجاز. فمن قال بقدمه فإنزاله أن يوجد الكلمات والحروف الدّالّة على ذلك المعنى ويثبتها في اللوح المحفوظ، ومن قال بحدوثه وأنّه هو الألفاظ فإنزاله مجرّد إثباته في اللوح المحفوظ. ويمكن أن يكون المراد بإنزاله إثباته في سماء الدنيا بعد الإثبات في اللوح المحفوظ والمراد بإنزال الكتب على الرسل أن يتلقّفها الملك من الله تلقّفا روحانيا أو يحفظها من اللوح المحفوظ وينزل بها فيلقيها عليهم.

وقال غيره فيه ثلاثة أقوال: الأول أنّ المنزّل هو اللفظ والمعنى وأنّ جبرئيل حفظ القرآن من اللوح المحفوظ ونزل به، وذكر بعضهم أنّ أحرف القرآن في اللوح المحفوظ كلّ حرف منها بقدر جبل قاف، وأنّ تحت كلّ حرف منها معان لا يحيط بها إلّا الله. الثاني أنّ جبرئيل عليه السلام إنّما نزل بالمعاني خاصة وأنّه صلى الله عليه وآله وسلم علم تلك المعاني وعبّر عنها بلغة العرب لقوله تعالى نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَ، الثالث أنّ جبرئيل ألقى عليه المعنى وأنّه عبّر بهذه الألفاظ بلغة العرب، وأنّ أهل السماء يقرءونه بالعربية ثم أنّه نزل به كذلك بعد ذلك. وقال الجويني كلام الله المنزّل قسمان. قسم قال الله تعالى لجبرئيل قل للنبي الذي أنت مرسل إليه إنّ الله يقول افعل كذا وكذا وأمر بكذا وكذا، ففهم جبرئيل ما قاله ربّه ثم نزل على ذلك النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقال له ما قاله ربّه، ولم تكن العبارة تلك العبارة كما يقول الملك لمن يثق به قل لفلان يقول لك الملك اجتهد في الخدمة واجمع الجند للقتال، فإن قال الرسول يقول لك الملك لا تتهاون في خدمتي واجمع الجند وحثّهم على المقاتلة لا ينسب إلى كذب ولا تقصير في أداء الرسالة. وقسم آخر قال الله تعالى لجبرئيل اقرأه على النبي هذا الكتاب فنزل جبرئيل بكلمة الله من غير تغيير كما يكتب الملك كتابا ويسلّمه إلى أمين ويقول اقرأه على فلان فهو لا يغيّر منه كلمة ولا حرفا. قيل القرآن هو القسم الثاني والقسم الأول هو السّنّة. كما ورد أنّ جبرئيل كان ينزل بالسّنّة كما ينزل بالقرآن. ومن هاهنا جاز رواية السّنّة بالمعنى لأنّ جبرئيل أدّاه بالمعنى ولم تجز القراءة بالمعنى لأنّ جبرئيل أدّاه باللفظ. والسّرّ في ذلك أنّ المقصود منه التعبّد بلفظه والإعجاز به وأنّ تحت كلّ حرف منه معان لا يحاط بها كثرة فلا يقدر أحد أن يأتي بلفظ يقوم مقامه، والتخفيف على الأمة حيث جعل المنزّل إليهم على قسمين: قسم يروونه بلفظ الموحى به وقسم يروونه بالمعنى، ولو جعل كلّه مما يروى باللفظ لشقّ أو بالمعنى لم يؤمن من التبديل والتحريف. الثالثة للوحي كيفيات. الأولى أن يأتيه الملك في مثل صلصلة الجرس كما في الصحيح وفي مسند احمد (عن عبد الله بن عمر سألت النبي صلى الله عليه وآله وسلم: هل تحسّ بالوحي؟ فقال أسمع صلاصل ثم اسكت عند ذلك. فما من مرّة يوحى إليّ إلّا ظننت أنّ نفسي تقبض). قال الخطابي المراد أنّه صوت متداول يسمعه ولا يتبينه أوّل ما يسمعه حتى يفهمه بعد. وقيل هو صوت خفق أجنحة الملك، والحكمة في تقدّمه أن يقرع سمعه الوحي فلا يبقي فيه مكانا لغيره. وفي الصحيح أنّ هذه الحالة أشدّ حالات الوحي عليه. وقيل إنّه إنّما كان ينزل هكذا إذا نزلت آية وعيد أو تهديد. الثانية أن ينفث في روعه الكلام نفثا كما قال صلى الله عليه وآله وسلم (إنّ روح القدس نفث في روعي) أخرجه الحاكم، وهذا قد يرجع إلى الحالة الأولى أو التي بعدها بأن يأتيه في إحدى الكيفيتين وينفث في روعه. الثالثة أن يأتيه في صورة رجل فيكلّمه كما في الصحيح (وأحيانا يتمثّل لي الملك رجلا فيكلّمني فأعي ما يقول) زاد أبو عوانة في صحيحة وهو أهونه عليّ. الرابعة أن يأتيه في النوم وعدّ من هذا قوم سورة الكوثر. الخامسة أن يكلّمه الله تعالى إمّا في اليقظة كما في ليلة الإسراء أو في النوم كما في حديث معاذ (أتاني ربّي فقال فيم يختصم الملأ الأعلى) الحديث انتهى ما في الإتقان.
وقال الصوفية القرآن عبارة عن الذات التي يضمحلّ فيها جميع الصفات فهي المجلى المسمّى بالأحدية أنزلها الــحقّ تعالى على نبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم ليكون مشهد الأحدية من الأكوان. ومعنى هذا الإنزال أنّ الــحقــيقة الأحدية المتعالية في ذراها ظهرت بكمالها في جسده، فنزلت عن أوجها مع استحالة العروج والنزول عليها، لكنه صلى الله عليه وآله وسلم لما تــحقّــق بجسده جميع الــحقــائق الإلهية وكان مجلى الاسم الواحد بجسده، كما أنّه بهويته مجلى الأحدية وبذاته عين الذات، فلذلك قال صلى الله عليه وآله وسلم: (أنزل عليّ القرآن جملة واحدة) يعبّر عن تــحقّــقه بجميع ذلك تــحقّــقا ذاتيا كليا جسميا، وهذا هو المشار إليه بالقرآن الكريم لأنه أعطاه الجملة، وهذا هو الكرم التّام لأنّه ما ادّخر عنه شيئا بل أفاض عليه الكلّ كرما إلهيا ذاتيا. وأمّا القرآن الحكيم فهو تنزّل الــحقــائق الإلهية بعروج العبد إلى التــحقّــق بها في الذات شيئا فشيئا على مقتضى الحكمة الإلهية التي يترتّب الذات عليها فلا سبيل إلى غير ذلك، لأنّه لا يجوز من حيث الإمكان أن يتــحقّــق أحد بجميع الــحقــائق الإلهية بجهده من أوّل إيجاده، لكن من كانت فطرته مجبولة على الألوهة فإنّه يترقّى فيها ويتــحقّــق منها بما ينكشف له من ذلك شيئا بعد شيء مرتبا ترتيبا إلهيا. وقد أشار الــحقّ إلى ذلك بقوله:
وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلًا، وهذا الحكم لا ينقطع ولا ينقضي، بل لا يزال العبد في ترقّ، وهكذا لا يزال الــحقّ في تجلّ، إذ لا سبيل إلى استيفاء ما لا يتناهى لأنّ الــحقّ في نفسه لا يتناهى. فإن قلت ما فائدة قوله: أنزل عليّ القرآن جملة واحدة؟ قلنا ذلك من وجهين: الوجه الواحد من حيث الحكم لأنّ العبد الكامل إذا تجلّى الــحقّ له بذاته حكم بما شهده أنّه جملة الذات التي لا تتناهى وقد تنزّلت فيه من غير مفارقة لمحلها الذي هو المكانة. والوجه الثاني من حيث استيفاء بقيات البشرية واضمحلال الرسوم الخلقية بكمالها لظهور الــحقــائق الإلهية بآثارها في كلّ عضو من أعضاء الجسد. فالجملة متعلّقة بقوله على هذا الوجه الثاني، ومعناها ذهاب جملة النقائص الخلقية بالتــحقّــق بالــحقــائق الإلهية.
وقد ورد في الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (أنزل القرآن دفعة واحدة إلى سماء الدنيا) ثم أنزله الــحقّ عليه آيات مقطّعة بعد ذلك، هذا معنى الحديث. فإنزال القرآن دفعة واحدة إلى سماء الدنيا إشارة إلى التــحقّــق الذاتي، ونزول الآيات مقطّعة إشارة إلى ظهور آثار الأسماء والصفات مع ترقّي العبد في التــحقّــق بالذات شيئا فشيئا. وقوله تعالى وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ، فالقرآن العظيم هاهنا عبارة عن الجملة الذاتية لا باعتبار النزول ولا باعتبار المكانة بل مطلق الأحدية الذاتية التي هي مطلق الهوية الجامعة لجميع المراتب والصفات والشئون والاعتبارات المعبّر عنها بساذج الذات مع جملة الكمالات.
ولذا قورن بلفظ العظيم لهذه العظمة، والسبع المثاني عبارة عمّا ظهر عليه في وجوده الجسدي من التــحقّــق بالسبع الصفات. وقوله تعالى الرَّحْمنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ إشارة إلى أنّ العبد إذا تجلّى عليه الرحمن يجد في نفسه لذة رحمانية تكسبه تلك اللذة معرفة الذات فتتــحقّــق بــحقــائق الصفات، فما علّمه القرآن إلّا الرحمن وإلّا فلا سبيل إلى الوصول إلى الذات بدون تجلّي الرحمن الذي هو عبارة عن جملة الأسماء والصفات، إذ الــحقّ تعالى لا يعلم إلّا من طريق أسمائه وصفاته فافهم، ولا يعقله إلّا العالمون، كذا في الانسان الكامل.
القرآن: عند أهل الفقه: اللفظ المنزل على محمد للإعجاز بسورة منه، المكتوب في المصاحف المنقول عنه نقلا متواترا.القرآن عند أهل الــحق: العلم اللدني الإجمالي الجامع للــحقــائق كلها.
القرآن
هو العلم الخاص بهذا الكتاب الذى نزل على محمد، لم يشركه غيره من كتب الله في هذا الاسم، وقد اختار الكتاب العزيز له من الصفات ما يوضّح رسالته، والهدف الذى نزل من أجله، فهو هُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ (البقرة 97). هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ (البقرة 185). هذا بَيانٌ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (آل عمران 138).
هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفاءٌ (فصلت 44). يَهْدِي إِلَى الْــحَقِّ وَإِلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ (الأحقــاف 30). أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً قَيِّماً لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً (الكهف 1، 2). فرسالة القرآن الأساسية هداية الناس إلى الــحق وطريق الصواب، وتبشير المهتدى وإنذار الضال، إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً وَأَنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً (الإسراء 9، 10).
وإذا كان الكتاب قد أنزل للهداية صحّ وصفه بأنه شفاء، أليس هو بلسما يبرئ أدواء القلوب، ودواء لعلل النفوس، وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (الإسراء 82). وصح وصفه بأنه كالمصباح، يخرج الناس من الظلمات إلى النور، كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (إبراهيم 1). وبأنه لم يدع سبيلا للإرشاد إلا بيّنه، وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ (النمل 89). ولما كان كتاب هداية كان واضحا في دلالته، بيّنا في إرشاده، هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ (العنكبوت 49). وكان خير ذكرى، يلجأ إليه المسترشد فيرشد، والضال فيجد عنده التوفيق والهداية، إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرى لِلْعالَمِينَ (الأنعام 90). وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ (الزخرف 44). وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا (الإسراء 41). وهو ذكر مبارك، ناضج الثمر، جليل الأثر، وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ (الأنعام 92). وهو حق لا مرية فيه لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (فصلت 42). وهو قول فصل وَما هُوَ بِالْهَزْلِ (الطارق 14). وكتاب حكيم، وذكر مبين، قد أحكمت آياته، ثم فصلت.
أليس كتاب هذا شأنه وتلك صفاته جديرا بالاتّباع، خليقا بالاسترشاد والاقتداء، أو ليس في تلك الصفات ما يحرك النفس إلى الاستماع إليه، وتدبر آياته، والإنصات إلى عظاته، ولا سيما أنه كثيرا ما يقترن بذكر الحكمة، وفي الحكمة ما يغرى بحبها واتباعها، إذ يقول: كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِنا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (البقرة 151).
وردد القرآن كثيرا أنه نزل من الله بالــحق، وَبِالْــحَقِّ أَنْزَلْناهُ وَبِالْــحَقِّ نَزَلَ (الإسراء 105). ويؤكد ذلك في قوله: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلًا (الإنسان 23). وينفى أن يكون وحى شيطان، أو أن يستطيع الشياطين الإيحاء بمثله، وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (الشعراء 192 - 194).
وَما تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّياطِينُ وَما يَنْبَغِي لَهُمْ وَما يَسْتَطِيعُونَ (الشعراء 210، 211). ويؤكد في صراحة أن الإنس والجن مجتمعين لا يستطيعون الإتيان بمثل القرآن، ولو ظاهر بعضهم بعضا، وإذا كان المجيء به مما ليس في طوق مخلوق فمن غير المعقول أن يفترى من دون الله، وَما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (يونس 37). ولما ادعى المعارضون أن محمدا تقوّله أو افتراه تحداهم القرآن أن يأتوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كانُوا صادِقِينَ (الطور 34). ثم تحداهم أن ائتوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (هود 13). ثم نزل إلى سورة مثله، فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّما يَتَّبِعُونَ أَهْواءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (القصص 50). ويتحدث القرآن في صراحة عما كان يمكن أن ينتظر محمدا من الجزاء الصارم لو أنه افترى أو تقوّل، فقال: وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ (الحاقة 44 - 47). أرأيت كيف يصوّر القرآن، كيف يلتزم محمد ما أوحى إليه، من غير أن يستطيع تعدى الحدود التى رسمت له، فى جلاء ووضوح، لأنه ليس سوى رسول عليه بلاغ ما عهد إليه أن يبلغه فى أمانة وصدق.
كما ردد كثيرا أنه بلسان عربىّ مبين، إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (يوسف 2).
وفي ترديد هذه الفكرة ودفع العجمة عن القرآن، ما يدفع العرب إلى التفكير في أمره وأن كونه بلسانهم ثمّ عجزهم عن المجيء بمثله، مع تحديهم صباح مساء، دليل على أنه ليس من عند محمد، ولا قدرة لمحمد على الإتيان بقرآن مثله، وهو بهذا الوصف يقرر عجزهم الدائم، وأنه لا وجه لهم في الانحراف عن جادة الطريق، وما يدعو إليه العقل السليم، والتفكير المستقيم.
وقرّر أنه كتاب متشابه مثان، ومعنى تشابهه أن بعضه يشبه بعضا في قوة نسجه، وعمق تأثيره، وإحكام بلاغته، فكل جزء مؤثر بألفاظه وأفكاره وأخيلته وتصويره، ومعنى أنه مثان أن ما فيه من معان يثنى في مواضع مختلفة، ومناسبات عديدة، فيكون لهذا التكرير أثره في الهداية والإرشاد، وهو بهذا التكرير يؤدى رسالته التى جاء من أجلها، ولذا كان بتشابهه وتكرير ما جاء به من عظات، مؤثرا أكبر الأثر في القلوب، حتى لتقشعرّ منه جلود أولئك الذين يتدبرونه، وتنفعل له قلوبهم، ثم لا يلبثون أن تطمئن أفئدتهم إلى هداه، وتهدأ نفوسهم إلى ذكر الله، اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللَّهِ ذلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ (الزمر 23). ويعرف القرآن ما له من تأثير قوى بالغ حتى لتتأثر به صم الحجارة إذا أدركت معناه، لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ (الحشر 21).
ومع طول القرآن وتعدد مناحيه لا عوج فيه، ولا اضطراب في أفكاره ولا أخيلته، أو لا ترى أن أمّيا لا يستطيع تأليف كتاب على هذا القدر من الطول من غير أن يقع فيه الخلل والاختلاف والاضطراب، أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً (النساء 82).
ومما أكده القرآن أنه مصدّق لما نزل قبله من التوراة والإنجيل، وإلى جانب ذلك، سجل القرآن ما قابله به أهل الكتاب والمشركون، من كفر به وإنكار له، أما بعض أهل الكتاب فقد مضوا يكابرون، منكرين أن يكون الله قد أنزل كتابا على إنسان، وما كان أسهل دحض هذه الفرية بما بين أيديهم من كتاب موسى، يبدون بعضه ويخفون الكثير منه، قال سبحانه: وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قالُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى نُوراً وَهُدىً لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَراطِيسَ تُبْدُونَها وَتُخْفُونَ كَثِيراً وَعُلِّمْتُمْ ما لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آباؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ (الأنعام 91). ولم يزد الكثير من أهل الكتاب نزول القرآن إلا تماديا فى الكفر وشدة في الطغيان، قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لَسْتُمْ عَلى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْراةَ
وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْياناً وَكُفْراً فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ
(المائدة 68). وقالوا إن محمّدا يتعلم القرآن من إنسان عليم بأخبار الماضين، وكان من السهل أيضا إبطال تلك الدعوى، فإن هذا الذى زعموه يعلمه ذو لسان أعجمى، وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (النحل 103). ثم زعموا أنه إفك اختلقه، وأعانه على إتمامه سواه ممن يعرفون أساطير الأولين ويتقنونها، وهنا يرد القرآن في هدوء بأن هذه الأسرار التى في القرآن، والتى ما كان يعلمها محمد ولا قومه، إنما أنزلها الذى يعلم أسرار السموات والأرض، وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذا إِلَّا إِفْكٌ افْتَراهُ وَأَعانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جاؤُ ظُلْماً وَزُوراً وَقالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (الفرقان 4 - 6). ونزلوا في المكابرة إلى أعمق درك، فزعموا مرة أن ليس ما في القرآن من أخبار سوى أضغاث أحلام، وحينا زعموا أنه قول شاعر، وأن القرآن لا يصلح أن يكون آية قاطعة كآيات الرسل السابقين، بَلْ قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ بَلِ افْتَراهُ بَلْ هُوَ شاعِرٌ فَلْيَأْتِنا بِآيَةٍ كَما أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ (الأنبياء 5). ولم يتحمل القرآن الرد على دعوى أضغاث الأحلام لتفاهتها، ووضوح بطلانها، ولكنه نفى أن يكون القرآن شعرا بوضوح الفرق بين القرآن والشعر، الذى لا يليق أن يصدر من محمد، وجعلوا القرآن سحرا من محمد، لا صلة لله به، وهنا يبين القرآن مدى مكابرتهم، فيقول: وَلَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً فِي قِرْطاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (الأنعام 7).
ومضى بعض الناس يذيع الأحاديث الباطلة ليضل عن سبيل الله، ويصم أذنيه عن سماع القرآن مستكبرا مستهزئا به، والقرآن يغضب لموقف هؤلاء شديد الغضب، وينذرهم كما استهزءوا، بعذاب يهينهم ويؤلمهم، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَها هُزُواً أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا وَلَّى مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (لقمان 6، 7).
ومن عجب أن كثيرا من الكافرين كان لا يرضى عما في القرآن من أفكار التوحيد والعبادة، فكان يطلب من الرسول أن يأتى بقرآن غير هذا القرآن، فكان رد الرسول صريحا في أنه لا يستطيع أن يفعل شيئا من تلقاء نفسه، وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (يونس 15).
ومما اعترضوا به على القرآن أنه نزل منجّما، واقترحوا أن ينزل دفعة واحدة، ولكن القرآن ردّ على هذا الاقتراح، بأن نزوله على تلك الطريقة، فيه تثبيت لفؤاد الرسول، ليكون دائم الاتصال بربه، أو ليس في نزوله كذلك تثبيت لأفئدة المؤمنين أيضا إذ ينقلهم القرآن بتعاليمه مرحلة مرحلة إلى الدين الجديد، ويروى القرآن هذا الاعتراض، ويرد عليه في قوله سبحانه: وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلًا وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْناكَ بِالْــحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً (الفرقان 32، 33).
ولقد تعبوا في صدّ تيار القرآن الجارف، ووقف أثره في النفوس فما استطاعوا ثم هداهم خيالهم الضّيق إلى طريقة يحولون بها بين القرآن وسامعيه تلك هى الصّخب عند سماع القرآن واللغو فيه، ولما كان في ذلك استقبال لا يليق بالقرآن قابله الله بتهديد عنيف، وإيعاد شديد، إذ يقول: وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذاباً شَدِيداً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ ذلِكَ جَزاءُ أَعْداءِ اللَّهِ النَّارُ لَهُمْ فِيها دارُ الْخُلْدِ جَزاءً بِما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ (فصلت 26 - 28). وذلك أقوى دليل على الإخفاق، وأنه لا حجة عندهم يستطيعون أن يهدموا بها حجة القرآن.
وحرّك القرآن فيهم غريزة الخوف إن كذبوا به، فسألهم ماذا تكون النتيجة إذا ثبت حقّــا أنه من عند الله، وظلوا كافرين به، أيكون ثمّ من هو أضل منهم أو أظلم، يثير تلك الغريزة في قوله: قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقاقٍ بَعِيدٍ (فصلت 52). ويقف منهم موقف من بين الخير والشر، ثم تركهم لأنفسهم يفكرون، ألا يثير فيهم ذلك كثيرا من الخوف من أن ينالهم سوء إعراضهم بأوخم العواقب، إذ يقول: إِنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ لِلنَّاسِ بِالْــحَقِّ فَمَنِ اهْتَدى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (الزمر 41). أما سورة الفرقان فيراد به هنا القرآن، كما أنه في مواضع أخرى يطلق على كتب الله، لأنها تفرق بين الــحق والباطل، والصواب والخطأ.
ولعل بدء هذه السورة بقوله سبحانه: تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً (الفرقان 1). فيه دلالة على أنها تحوى إنذارا ووعيدا وتهديدا، وحقــا لقد اتسمت هذه السورة بالرد المنذر على كثير من دعاوى المنكرين لأحقــية القرآن ورسالة محمد ووحدانية الله، وقد بدأها بالحديث عن منزل القرآن، وتفرده بالملك وتعجبه من أن اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَياةً وَلا نُشُوراً (الفرقان 3). وبدأ بعد ذلك يعدد مفترياتهم على القرآن وتشكيكهم في رسالة محمد، ثم يتعمّق في السبب الذى دفعهم إلى إنكار القرآن ونبوة محمد، فيراه التكذيب باليوم الآخر، وكأنما غضبت جهنم لهذا التكذيب، حتى إنها إِذا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً وَزَفِيراً (الفرقان 12).
ويمضى في تصوير ما ينتظرهم في ذلك اليوم من مصير مؤلم موازنا بين ذلك، وبين جنة الخلد التى وعد المتقون، ثم يعود إلى أكاذيبهم، فيردّ على بعضها، ويبسط
بعضها الآخر، واضعا إلى جانب هذه الأكاذيب ما ينتظرها من عقوبة يوم الدين، وهنا يلجأ إلى التصوير المؤثر، يرسم به موقفهم في ذلك اليوم، علّه يردهم بذلك إلى الصواب، إذا ذكروا سوء المغبة؛ وتأمل قوة تصوير من ظلم نفسه بهجر القرآن وتكذيبه، فى قوله: وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ يَقُولُ يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا يا وَيْلَتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلًا لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جاءَنِي وَكانَ الشَّيْطانُ لِلْإِنْسانِ خَذُولًا وَقالَ الرَّسُولُ يا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً (الفرقان 27 - 30). ويعود مرة إلى شبهة من شبهاتهم في القرآن فيدحضها وينذرهم بشر مكان في جهنم، ويعدد لهم عواقب من كذب الرسل من قبلهم. ثم يأتى إلى إثم آخر من آثامهم باستهزائهم بالرسول الذى كاد يصرفهم عن آلهتهم، لولا أن صبروا عليها، وهنا يناقشهم في اتخاذ هذه الآلهة التى لا يصلح اتخاذها إلها إذا وزنت بالله الذى يعدد من صفاته ما يبين بوضوح وجلاء أنهم يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُهُمْ وَلا يَضُرُّهُمْ (الفرقان 55). ويطيل القرآن في تعداد صفات الله وبيان مظاهر قدرته. وإذا كانت السورة قد مضت تنذر المنكرين وتعدّد آثامهم، فإنها قد أخذت تذكر كذلك صفات المؤمنين الصادقين، ليكونوا إلى جانبهم مثالا واضحا للفرق بين الصالح والطّالح، ولتكون الموازنة بينهما مدعاة إلى تثبيت النموذجين في النفس، وختمت السورة بالإنذار بأن العذاب نازل بهم لا محالة، ما داموا قد كذبوا، فكانت السورة كلّها من المبدأ إلى المنتهى تتجه إلى الوعيد، ما دامت تناقش المنكرين في مفتريات تتعلق بالقرآن ومن نزل عليه القرآن، وقد رأينا كيف كان يقرن كل افتراء بما أعدّ له من العذاب.

القصر

القصر: لغة: الحبس. واصطلاحا: تخصيص شيء بشيء، وحصره فيه. ويسمى الأول مقصورا والثاني مقصورا عليه، كقولنا في القصر بين المبتدأ والخبر: إنما زيد قائم، وبين الفعل والفاعل: ما ضربت إلا زيدا.
القصر:
* ترك الزيادة من المد ". * عند المتقدمين: تحريك هاء الكناية من غير صلة.
* قراءة الكلمة بدون مد، نحو (ملك).
القصر:
[في الانكليزية] Shortening ،laundering ،arrest ،confinement ،castle ،palace
[ في الفرنسية] Ecourtement ،blanchissement d'habit ،arret ،emprisonnement ،chateau ،palais
بالفتح وسكون الصاد المهملة في اللغة الفارسية له عدد من المعاني: التوقيف، والإعادة، والسّجن، والتوقّف لشيء، والتقليل، ودقّ الثياب (لتبييضها) ومنه (القصار). وغسل الثياب، وأداء الصلاة الرباعية ركعتين (في السفر)، وحلول الظلام، وهبوط الليل، ونزول الستائر، وغير ذلك. وإغماض العين، والقصر (البناء العالي). كما في كنز اللغات.
وعند القراء هو ضدّ المدّ كما سيجيء.
وعند أهل العروض إسقاط الحرف الآخر الساكن وإسكان ما قبله إذا كان آخر الجزء سببا خفيفا وهو يختص بالأسباب، والجزء الذي فيه القصر يسمى مقصورا. فمقصور فاعلاتن فاعلات بسكون التاء، ومقصور فعولن فعول بسكون اللام، هكذا في رسائل العروض العربية والفارسية. وعند أهل المعاني ويسمّى بالحصر والتخصيص أيضا جعل بعض أجزاء الكلام مخصوصا بالبعض بحيث لا يتجاوزه ولا يكون انتسابه إلّا إليه، ولا يرد عليه اختصّ زيد بالقيام. فإنّه لا تخصيص لجزء من أجزاء الكلام بالآخر لأنّه لم تخص الفاعلية بزيد بالقيام ولا مفعولية القيام بزيد، وإن لزم اختصاص القيام بزيد لكنه ليس اختصاص جزء بجزء بل صفة بموصوف لا من حيث الجزئية للكلام. فتقييد البعض التعريف بقوله بطريق معهود نحو العطف والاستثناء ونحوهما للاحتراز عن مثل ذلك محلّ تأمّل. وهو قسمان حقــيقي وغير حقــيقي. ولما كان الــحقــيقي قد يطلق على ما يقابل المجازي وقد يطلق على ما يقابل الإضافي كما يقال الصفة إمّا حقــيقية أو إضافية وقع الاختلاف فيما بينهم فاختار البعض أنّ المراد من غير الــحقــيقي وهو المجازي لأنّ تخصيص الشيء بالشيء على معنى أنّه لا يتجاوزه إلى غيره أصلا إنّما يسمّى قصرا وتخصيصا حقــيقيا لأنّه حقــيقة التخصيص المنافية للاشتراك، ولذلك يتبادر هذا المعنى عند إطلاق التخصيص وما في معناه. وأمّا تخصيص الشيء بآخر على معنى أنّه لا يتجاوزه إلى بعض ما عداه فهو معنى مجازي للتخصيص غير مناف للاشتراك، ولذلك يحتاج في فهمه إلى قرينة فسمّي تخصيصا غير حقــيقي، وفيه أنّ القصر الادّعائي يجب أن يدخل في غير الــحقــيقي مع أنّ الإثبات لشيء والسلب عن جميع ما عداه ادّعاء داخل في القصر الــحقــيقي، ولذا اختار البعض أنّ المراد من غير الــحقــيقي هو الإضافي وفيه أنّ القصر مطلقا إضافي. فالــحقــيقي بالإضافة إلى جميع ما عدا الشيء وغير الــحقــيقي بالإضافة إلى بعضه، فالــحقــيقي بأي معنى يعبّر لا يخلو عن شوب إلّا أن يدعى أنّه اصطلاح من القوم. فإن قلت تقسيم القصر إلى الــحقــيقي والمجازي يستلزم استعمال القصر في المعنى الــحقــيقي والمجازي معا. قلت المراد بالــحقــيقي ما يكون حقــيقة بالنسبة إلى اللغة وكذا بالمجازي، وإلّا فالقصر المقسم له معنى اصطلاحي يندرج فيه كلا القسمين حقــيقة. ثم إنّ كلّا من الــحقــيقي وغير الــحقــيقي نوعان: قصر الموصوف على الصفة المعنوية وقصر الصفة المعنوية على الموصوف، والفرق بينهما أنّ معنى الأول أنّ الموصوف ليس له غير تلك الصفة، لكن تلك الصفة يجوز أن تكون حاصلة لموصوف آخر ويجوز أن لا تكون حاصلة له، ومعنى الثاني أنّ تلك الصفة ليست إلّا لذلك الموصوف، لكن يجوز أن يكون لذلك الموصوف صفات ويجوز أن لا يكون له صفة سواها، والأوّل من الــحقــيقي نحو ما زيد إلّا كاتب إذا أريد أنّه لا يتّصف بغيرها، وهو لا يكاد يوجد لتعذّر الإحاطة بصفات الشيء.
والثاني كثير نحو ما في الدار إلّا زيد على معنى أنّ الكون في الدار مقصور على زيد، ونحو لا إله إلّا الله، وقد يقصد به أي بالثاني المبالغة لعدم الاعتداد بغير المذكور كما يقصد بالمثال المذكور أنّ جميع من في الدار ممن عدا زيد في حكم المعدوم، ويكون هذا قصرا حقــيقيا ادّعائيا لا قصرا غير حقــيقي. فالــحقــيقي نوعان:
حقــيقي تــحقــيقا وحقــيقي مبالغة وادّعاء، ويمكن أن يعتبر هذا في قصر الموصوف على الصفة أيضا بناء على عدم الاعتداد بباقي الصفات.
والفرق بين الــحقــيقي الادّعائي والإضافي في موارد الاستعمال دقيق كثيرا ما يلتبس أحدهما بالآخر، فليتأمّل السامع الذكي لئلّا يخبط، لا أنّ بين مفهوميهما دقّة وخفاء كما وهم البعض.

والأول من غير الــحقــيقي نحو: وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ أي أنّه مقصور على الرسالة لا يتعدّاها إلى التبرّؤ من الموت استعظموه الذي هو من شأن الإله. والثاني منه نحو: قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً الآية، فإنّه ليس الغرض الحصر الــحقــيقي بل الرّدّ على الكفّار الذين كانوا يحلّون الميتة والدّم ولحم الخنزير وما أهلّ لغير الله به وكانوا يحرّمون كثيرا من المباحات. ثم اعلم أنّ كلّا من قصر الموصوف على الصفة وقصر الصفة على الموصوف ضربان لأنّه إمّا تخصيص أمر بصفة دون أخرى أو مكان أخرى، وإمّا تخصيص صفة بأمر دون أمر آخر أو مكان أمر آخر. والمخاطب بالضرب الأول من كلّ منهما من يعتقد الشركة أي شركة صفتين أو أكثر في موصوف واحد في قصر الموصوف على الصفة، وشركة موصوفين أو أكثر في صفة واحدة في العكس ويسمّى هذا القصر قصر أفراد لقطع الشركة، نحو إِنَّمَا اللَّهُ إِلهٌ واحِدٌ خوطب به من يعتقد اشتراك الله والأصنام في الألوهية. والمخاطب بالضرب الثاني من كلّ منهما من يعتقد العكس ويسمّى قصر قلب لقلب حكم المخاطب نحو: رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ خوطب به نمرود الذي اعتقد أنّه المحيي والمميت دون الله، أو تساويا عنده ويسمّى قصر تعيين لتعيينه ما هو غير معيّن عند المخاطب كقولك ما زيد إلّا قائم لمن يعتقد أنّه إمّا قائم أو قاعد ولا يعرفه على التعيين، وما شاعر إلّا زيد لمن يعتقد أنّ الشاعر إمّا زيد أو عمرو من غير أن يعلمه على التعيين. قال المــحقّــق التفتازاني هذا التقسيم لا يجري في القصر الــحقــيقي إذ العاقل لا يعتقد اتصاف أمر بجميع الصفات ولا اتّصافه بجميع الصفات غير صفة واحدة ولا يردّده أيضا بين ذلك، وكذلك لا يعتقد اشتراك صفة بين جميع الأمور لا ثبوتها للجميع غير واحد ولا يردّدها أيضا بين الجميع. قال صاحب الأطول وفيه نظر لأنّ القصر الــحقــيقي يصحّ أن يكون لردّ اعتقاد أنّ في الدار زيدا مع إنسان ما، فيقال في ردّه ما في الدار إلّا زيد لأنّه لا بد لنفي إنسان ما من عموم النفي كما لا يخفى لصحّة قولنا ما في البلد من غلمانه إلّا زيد لمن اعتقد أنّ جميع غلمانه في البلد، أو يردّد المسند بين غلمانه أو يجعل المسند لما سوى زيد من غلمانه؛ على أنّه لا مانع من ردّ اعتقاد الشركة بالقصر فيكون قصر أفراد وقلب اعتقاده به فيكون قصر قلب والتعيين به. كذلك نعم لا يجب أن يكون المخاطب به واحدا من هؤلاء بل يحتمل أن يكون خالي الذهن. ومن بدائع قصر القلب ما تريد به الشركة فكان كالجامع للقصر ونقيضه إذ القصر قد يكون لقطع الشركة ولا يكون للشركة فيكون الكلام معه كالجامع بين المتنافيين، وفيه السحر الواضح الذي يوجب الحسن والتزيين كقوله تعالى: وَأَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا فإنّه قدّم للناس للتخصيص وقصر القلب وذلك إنّما يتــحقّــق بجعل الناس للاستغراق أي لجميع الناس لا لبعضهم، ردّا لاعتقاد من ادّعى أنّه نبيّ العرب فقط، فصار بذلك القصر رسالته مشتركة بين الناس منتقلا من الخصوص إلى العموم، وهذا من دقائق القصر انتهى.
فائدة:
في الإتقان قد يفهم كثير من الناس من الاختصاص الحصر وليس كذلك وإنّما الاختصاص شيء والحصر شيء آخر، والفرق بينهما أنّ الحصر نفي غير المذكور وإثبات المذكور والاختصاص قصد الخاص من جهة خصوصه. بيان ذلك أنّ الاختصاص افتعال من الخصوص والخصوص مركّب من شيئين أحدهما عام مشترك بين شيئين أو أشياء والثاني معنى منضمّ إليه يفصله عن غيره كضرب زيد فإنّه أخصّ من مطلق الضرب. فإذا قلت ضربت زيدا أخبرت بضرب عام وقع منك على شخص خاص فصار ذلك الضرب المخبر به خاصا لما انضم إليه منك وعلى زيد، وهذه المعاني الثلاثة أعني مطلق الضرب، وكونه وقعا منك وكونه واقعا على زيد قد يكون قصد المتكلّم لها ثلاثتها على السواء، وقد يترجّح قصده لبعضها على بعض ويعرف ذلك بما ابتدأ به كلامه، فإنّ الابتداء بالشيء يدلّ على الاهتمام به وأنّه هو الأرجح في غرض المتكلّم، فإذا قلت زيدا ضربت علم أنّ خصوص الضرب على زيد هو المقصود، ولا شكّ أنّ كلّ مركّب من خاصّ وعام له جهتان، فقد يقصد من جهة عمومه وقد يقصد من جهة خصوصه، والثاني هو الاختصاص وأنّه هو الأهم عند المتكلّم وهو الذي قصد إفادته السامع من غير تعرّض ولا قصد لغيره بإثبات ولا نفي، ففي الحصر معنى زائد عليه وهو نفي ما عدا المذكور.
القصر
يستخدم القرآن ألوانا من القصر، عند ما يراد إثبات الحكم لمذكور ونفيه عما عداه، فقد يقصر صفة على موصوف قصرا حقــيقيّا، بحيث لا يتصف بهذه الصفة إلا ذلك الموصوف وحده، كما تجده في قوله سبحانه: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْواكُمْ (محمد 19)، وقوله سبحانه: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (الفاتحة 4، 5). وقد لا يريد هذا الحصر الــحقــيقى بل يبغى إثبات الحكم لموصوفات يعتقد اتصافها بغير هذه الصفة، كما في قوله تعالى:
قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (الأنعام 145)، فليس الطعام المحرم هو ما ذكر في تلك الآية فحسب بدليل آية المائدة وإنما ذكرت تلك المحرمات هنا في معرض الرد على من كان يعتقد حلها.
وقد يقصر موصوفا على صفة، ولم يرد في القرآن هذا القصر حقــيقيا، ومما ورد منه إضافيّا قوله تعالى: وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ (آل عمران 144)، فليس المراد هنا قصر محمد على الرسالة فحسب، بحيث لا يتعداها إلى غيرها، بل المراد أن محمدا مقصور على الرسالة، لا يتعداها إلى الخلوص من الموت الذى استعظموا أن يلم به.
وقد تتجسم صفة من صفات الشيء، حتى تطغى على ما سواها، وحتى كأن الموصوف قد خلص لها فلم يعد متصفا بغيرها، فيصح قصره عليها، كما في قوله تعالى: وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ (الأنعام 32).
ويخاطب القرآن بأسلوب القصر من يعتقد الشركة، فيثبت القرآن بهذا الأسلوب الحكم لواحد وينفيه عن غيره، كما في قوله تعالى: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا إِلهٌ واحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (المائدة 73).
وقد يقلب به ما يعتقده المخاطب، كما ترى ذلك في قوله سبحانه: وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَما آمَنَ النَّاسُ قالُوا أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ وَلكِنْ لا يَعْلَمُونَ (البقرة 13)، فقد كان المنافقون، كما ترى، يعتقدون أن المؤمنين سفهاء دونهم.
واستخدم القرآن من طرق القصر (ما وإلا)، وهى أقوى أدواته لما فيها من وضوح معنى القصر، ولذا تستخدم في الأمور التى هى مجال الشك والإنكار، نجد ذلك في قوله سبحانه: نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُوراً (النمل 47)، ألا ترى أن الظالمين يخاطبون بذلك قوما آمنوا، وينكرون دعوى سحر الرسول.
وقوله سبحانه: وَنُخَوِّفُهُمْ فَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْياناً كَبِيراً (النمل 6)، فالتخويف يبعث فى النفس الشك في أنهم ينصرفون عن كفرهم، فكان ثمة مدعاة لتأكيد زيادة طغيانهم.
وقوله تعالى: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَساراً (الإسراء 82)، فهذا القرآن الذى هو شفاء ورحمة، مجال لشك النفس في أنه خسار للظالمين، فكان المجال مجال تأكيد ذلك بما وإلا.
فإذا جاء أمر من الأمور المسلم بها بالنفى والإثبات، فذلك لتقدير أمر صار به فى حكم المشكوك فيه، كقوله سبحانه: وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ (فاطر 22، 23)، فالمجيء هنا بالنفى والإثبات لأن النبى قد خوطب خطاب من يظن أنه يستطيع أن يحول قلوب المشركين عما هى عليه من الإباء والعناد، ولا يعلم علم اليقين أن ليس في وسعه شىء أكثر من التحذير والإنذار، فجرى الأسلوب كما يجرى في خطاب الشاك، فقيل: «إن أنت إلا نذير».
وكقوله تعالى: قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَما مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (الأعراف 188)، فهو يخاطب قوما يرون في الرسول مخلوقا قد يملك لنفسه الضر والنفع، ويعلم الغيب، فكان من المناسب، وتلك حالهم، أن يأتى من أدوات القصر بالنفى والاستثناء، يزيل بها بذور الشك من نفوس سامعيه.
وكقوله تعالى: قالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى قالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونا عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا فَأْتُونا بِسُلْطانٍ مُبِينٍ قالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ (إبراهيم 10، 11).
فإن هؤلاء المشركين «جعلوا الرسل كأنهم بادعائهم النبوة قد أخرجوا أنفسهم عن أن يكونوا بشرا مثلهم، وادعوا أمرا لا يجوز أن يكون لمن هو بشر، ولما كان الأمر كذلك أخرج اللفظ مخرجه حيث يراد إثبات أمر يدفعه المخاطب ويدعى خلافه، ثم جاء الجواب من الرسل الذى هو قوله تعالى: قالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ (إبراهيم 11). كذلك بإن وإلا دون إنما، لأن من حكم من ادعى عليه خصمه الخلاف في أمر هو لا يخالف فيه، أن يعيد كلام الخصم على وجهه، ويجيء به على هيئته، ويحكيه كما هو» .
ويجيء النفى والاستثناء أيضا لبيان تأكيد الأمر في نفس قائله، كما في قوله سبحانه: يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا (الإسراء 52). فهذا تعبير صادق لشعور المبعوثين يوم القيامة، بأنه ما انقضى عليهم منذ وفاتهم سوى أمد يسير.
كما يجيء للإجابة عن سؤال مــحقــق أو مقدر لتأكيد لهذا الجواب، كما في قوله سبحانه: وَإِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قالَ سُبْحانَكَ ما يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِــحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ ما قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ (المائدة 116، 117).
واستخدم إنما، والأصل فيها أن تأتى في الأمور التى يدعى أنها من الوضوح بمكان، قال تعالى: ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلَّا يَجِدُوا ما يُنْفِقُونَ إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِياءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ وَطَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (التوبة 91 - 93). ألا ترى أنه من الوضوح بمكان مؤاخذة هؤلاء الأغنياء القادرين على المساهمة في الجهاد، ثم يستأذنون راضين بأن يكونوا مع الخوالف. واقرأ قوله تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (الأنفال 2). فواضح بين أن المؤمنين ليسوا سوى هؤلاء الذين تخاف قلوبهم إذا ذكروا الله، ويزدادون إيمانا إذا تليت عليهم آياته ويتوكلون على ربهم.
ولأنها تستخدم في الأمور الواضحة جاء قوله تعالى حكاية عن اليهود: وَإِذا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قالُوا إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ (البقرة 11). فقد ادعوا أن إصلاحهم أمر واضح لا يحتاج إلى دليل، ولذا احتوى الرد عليهم فنونا من التوكيد، إذ قال سبحانه: أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلكِنْ لا يَشْعُرُونَ (البقرة 12). وكذلك حكى القرآن عنهم في موضع آخر فقال: وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ (البقرة 14)، فهم يدعون لشياطينهم أن استهزاءهم بالمؤمنين من الأمور التى لا مجال للريب فيها، ولا تكون مبعثا لسوء ظن شياطينهم فيهم.
وقد تجىء إنما في موضع هو مجال للشك أو الإنكار كما في قوله تعالى:
قالُوا إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (الشعراء 153)، فهم يخاطبون الرسول الذى ينكر ولا ريب هذا الحكم، ولكنهم أتوا بتلك الصيغة، كأنهم يدعون وضوح أنه مسحور لا ينطق عن عقل واع مفكر.
قال عبد القاهر : «ثم اعلم أنك إذا استقريت وجدتها أقوى ما تكون وأعلق ما ترى بالقلب، إذا كان لا يراد بالكلام بعدها نفس معناه، ولكن التعريض بأمر هو مقتضاه، نحو أنا نعلم أن ليس الغرض من قوله تعالى: إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ (الزمر 9)، أن يعلم السامعون ظاهر معناه، ولكن أن يذم الكفار، وأن يقال إنهم من فرط العناد ومن غلبة الهوى عليهم، فى حكم من ليس بذى عقل وإنكم إذا طمعتم منهم في أن ينظروا ويتذكروا، كنتم كمن طمع في ذلك من غير أولى الألباب، وكذلك قوله: إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها (النازعات 45)، وقوله عز اسمه: إِنَّما تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ (فاطر 18)، المعنى على أن من لم تكن له هذه الخشية فهو كأنه ليس له أذن تسمع، وقلب يعقل، فالإنذار معه كلا إنذار».
وإنما في مقام التعريض وسيلة مؤدبة مؤثرة معا فضلا عن إيجازها. أما إنها مؤدبة فلأنها تصل إلى الغرض من غير أن تذكر الطرف المقابل، ومؤثرة من ناحية أنك توحى بأن ترك التصريح بما يخالف ما أثبته هو من الوضوح بمكان، كما أن الاكتفاء بالمثبت يوحى أحيانا بأنه لا يليق أن يوازن بين ما أثبت وما نفى.
ويغلب على إنما في القرآن أن تكون بمثابة الجواب عن سؤال يقتضيه السياق قبلها صريحا أو ضمنا ، يكثر في الصريح سبقها بمادة القول، كما في قوله سبحانه: يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللَّهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (الأعراف 187). ومن السؤال الضمنى قوله تعالى: وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْها رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْها إِذا هُمْ يَسْخَطُونَ وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا ما آتاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ راغِبُونَ إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقابِ وَالْغارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (التوبة 58 - 60).
وقل أن تستخدم أنما مفتوحة الهمزة وسيلة للقصر في القرآن، كقوله تعالى:
قُلْ إِنَّما يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ (الأنبياء 108). فالآية الكريمة تقصر الوحى على وحدانية الله، والقصر هنا إضافى لا حقــيقى.
ويفيد التقديم الحصر في مواضع كثيرة، كما سبق أن ذكرنا، ومن أظهر ما يبدو فيه الحصر للتقديم مواضع الاستفهام، وخذ لذلك مثلا قوله تعالى:
أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كانَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (الزخرف 40)، فمعنى الآية أأنت بخاصة قد أوتيت قدرة إسماع الصم وهداية العمى، وقوله تعالى: قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (الأنعام 14). وقوله تعالى: قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شاءَ وَتَنْسَوْنَ ما تُشْرِكُونَ (الأنعام 40، 41). ففي الآية الأولى اتجه الإنكار إلى اتخاذ غير الله وليا، وفي الآية الثانية لا يسألون عن مطلق الدعاء، ولكن عن دعاء غير الله، بإفراده بالدعاء أو بإشراكه مع الله، فقد حصل بالتقديم معنى قولك أيكون غير الله بمثابة أن يتخذ وليا؟! ومعنى قولك أيكون غير الله بمثابة أن يكون موضعا لدعائكم. وكذلك الحكم في قوله تعالى: فَقالُوا أَبَشَراً مِنَّا واحِداً نَتَّبِعُهُ (القمر 24).
ومن وسائل القصر في القرآن الكريم ضمير الفصل ، وقد سبق بيان ذلك في باب التوكيد.
وتعريف طرفى الجملة وسيلة للقصر أيضا، وكثيرا ما يذكر بين الطرفين ضمير الفصل كما في قوله تعالى: لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النَّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفائِزُونَ (الحشر 20)، وقوله تعالى: أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (البقرة 5). وضمير الفصل في هذا ومثله يجعل ما بعده خالصا لأن يكون خبرا. 

اخْتِلَاف الدَّاريْنِ

اخْتِلَاف الدَّاريْنِ: إِنَّمَا يتَــحَقَّــق باخْتلَاف الْعَسْكَر وَالْملك بِحَيْثُ تَنْقَطِع الْعِصْمَة فِيمَا بَينهم حَتَّى يسْتَحل كل من الْملكَيْنِ قتال الآخر. وَإِذا ظفر رجل من عَسْكَر أَحدهمَا بِرَجُل من عَسْكَر الآخر قَتله وَهَذَا الِاخْتِلَاف بَين الْوَارِث والمورث من مَوَانِع الْإِرْث فِي حق أهل الْكفْر كُلية حَتَّى لَا يَرث الذِّمِّيّ من الْحَرْبِيّ وَلَا الْحَرْبِيّ من الذِّمِّيّ. وَأما فِي حق الْمُسلمين فَإِنَّمَا يُؤثر فِي الحرمان جزئية لَا كُلية حَتَّى لَو مَاتَ الْمُسلم فِي دَار الْإِسْلَام وَله ابْن مُسلم فِي دَار الْحَرْب بالاستئمان أَو على الْعَكْس يَرث كل وَاحِد مِنْهُمَا من الآخر بِالْإِجْمَاع. وَأما الْمُسلم الَّذِي لم يُهَاجر من دَار الْحَرْب فَلَا يَرث الْمُسلم المُهَاجر بالِاتِّفَاقِ. وَمِمَّا حررنا لَك يظْهر التَّوْفِيق بَين مَا هُوَ الْمَشْهُور من أَن اخْتِلَاف الدَّاريْنِ إِنَّمَا هُوَ مَانع من الْإِرْث فِي حق الْكفَّار خَاصَّة. وَبَين مَا ذكره صَاحب الْبَسِيط وشارحه من أَن اخْتِلَاف الدَّاريْنِ بَين الشخصين على ثَلَاثَة أوجه. (اخْتِلَاف حَقِــيقَة وَحكما) وَهُوَ مَانع فِي حق الْكَافِر وَالْمُسلم كالحربي وَالذِّمِّيّ وكالمسلم الَّذِي فِي دَارنَا وَمن أسلم فِي دَار الْحَرْب وَلم يُهَاجر (وَاخْتِلَاف حكما لَا حَقِــيقَة) وَهُوَ مَانع أَيْضا فِي حَقّــهمَا كالكافر الْمُسْتَأْمن مَعَ الذِّمِّيّ وكالمسلم الْمُسْتَأْمن الَّذِي كَانَ فِي دَار الْحَرْب وَلم يُهَاجر وَاسْتَأْمَنَ مَعَ الْمُسلم الَّذِي فِي دَار الْإِسْلَام. (وَالثَّالِث اخْتِلَاف حَقِــيقَة لَا حكما) وَهُوَ لَيْسَ بمانع لَا فِي حق الْكَافِر وَلَا فِي حق الْمُسلم كالكافر الْمُسْتَأْمن مَعَ الْحَرْبِيّ وَالْمُسلم الَّذِي فِي دَار الْإِسْلَام وَاسْتَأْمَنَ من الْحَرْبِيّ مَعَ الْمُسلم الَّذِي فِي دَار الْإِسْلَام. (وَالِاخْتِلَاف الْــحَقِــيقِيّ) أَن يكون أَحدهمَا فِي دَار الْإِسْلَام حسا وَالْآخر فِي دَار الْحَرْب. (وَالِاخْتِلَاف الْحكمِي) أَن يكون أَحدهمَا فِي اعْتِبَار الشَّرْع وَحكمه من أهل دَار الْإِسْلَام وَالْآخر من أهل دَار الْحَرْب وَإِن كَانَا مَعًا فِي مَكَان وَاحِد فالاختلاف حكما وحقــية مَا يكون اخْتِلَافا بِحَسب الْحس وَفِي اعْتِبَار الشَّارِع كحربي مَاتَ فِي دَار الْحَرْب وَله أَب أَو ابْن ذمِّي فِي دَار الْإِسْلَام فَإِنَّهُ لَا يَرث الذِّمِّيّ من ذَلِك الْحَرْبِيّ. وَكَذَا لَو مَاتَ الذِّمِّيّ فِي دَار الْإِسْلَام وَله أَب أَو ابْن فِي دَار الْحَرْب فَإِنَّهُ لَا يَرث ذَلِك الْحَرْبِيّ من ذَلِك الذِّمِّيّ. وَكَذَا لَو مَاتَ الْمُسلم الَّذِي فِي دَارنَا وَله أَب أَو ابْن أسلم فِي دَار الْحَرْب يَعْنِي لم يُهَاجر إِلَيْنَا فَإِنَّهُ لَا يَرث الْأَب أَو الابْن من ذَلِك الْمُسلم وَذَلِكَ لِأَن اخْتلَافهمْ فِي الدَّار حسا وَفِي اعْتِبَار الشَّرْع. (وَالِاخْتِلَاف حكما فَقَط) كمستأمن مَاتَ فِي دَارنَا وَله وَارِث ذمِّي لَا يَرث مِنْهُ لِأَنَّهُمَا وَإِن كَانَا فِي دَار وَاحِدَة حَقِــيقَة فهما فِي دارين حكما لِأَن الْمُسْتَأْمن على عزم الرُّجُوع وَتمكن مِنْهُ بل يتَوَقَّف مَاله لوَرثَته الَّذين فِي دَار الْحَرْب لِأَن حكم الْأمان بَاقٍ فِي مَاله لــحقــه وَمن جملَة حَقــه إِيصَال مَاله إِلَى ورثته فَلَا يصرف المَال إِلَى بَيت المَال انْتهى وَالْمرَاد بالمستأمن فِي مِثَال الِاخْتِلَاف حكما لَا حَقِــيقَة الْمُسلم الَّذِي كَانَ فِي دَار الْحَرْب وَلم يُهَاجر وَاسْتَأْمَنَ حَتَّى يكون مِثَالا لاخْتِلَاف الدَّار حكما لَا حَقِــيقَة بِخِلَاف الْمُسْتَأْمن فِي مِثَال الِاخْتِلَاف حَقِــيقَة لَا حكما فَإِن المُرَاد بِهِ الْمُسلم الَّذِي فِي دَار الْإِسْلَام وَاسْتَأْمَنَ من الْحَرْبِيّ ليدْخل فِي دَار الْحَرْب فَافْهَم واحفظ.

وَإِن: أردْت توضيح التَّوْفِيق فَاعْلَم أَنهم لما عدوا اخْتِلَاف الدَّاريْنِ من الْمَوَانِع ثمَّ فسروه باخْتلَاف المنعة وَالْملك كَاد أَن ينْتَقض بِالْمُسْلِمين الْمُخْتَلِفين بِالْعَدْلِ وَالْبَغي مَعَ أَنهم يتوارثون بالِاتِّفَاقِ خصصوا الْكُلية بالكفار يَعْنِي أَن اخْتِلَاف الدَّار بِهَذَا التَّفْسِير إِنَّمَا يمْنَع كُلية فِي حق الْكفَّار حَتَّى أَن الْكفَّار فِي دارين من دَار الْحَرْب مُخْتَلفين بالمنعة وَالْملك لَا يتوارثون بِخِلَاف أهل الْإِسْلَام فَإِن الِاخْتِلَاف فِيمَا بَينهم بِالدَّار بِهَذَا التَّفْسِير لَا يمْنَع كُلية فَإِن الْبَاغِي والعادل مَعَ أَنَّهُمَا فِي دارين مختلفتين بالمنعة وَالْملك يتوارثان كَمَا خصص السَّيِّد السَّنَد قدس سره فِي شَرحه مُعَللا بِهَذَا التَّعْلِيل كَمَا يلوح لمن يطالعه وشارح الْبَسِيط مَعَ أَنه قَالَ بالتعميم أَولا مَال إِلَى التَّخْصِيص بِعَين هَذَا التَّعْلِيل ثَانِيًا بقوله بعد التَّفْسِير الْمَذْكُور وَهَذَا بِخِلَاف الْمُسلمين فليطالع فِيهِ ليطلع عَلَيْهِ. ثمَّ لما كَانَ الْمُسلم الَّذِي لم يُهَاجر من دَار الْحَرْب لَا يَرث الْمُسلم المُهَاجر بِالنَّصِّ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: {وَالَّذين آمنُوا وَلم يهاجروا مَا لكم من وَلَا يتهم من شَيْء حَتَّى يهاجروا} إِذْ الْإِرْث من بَاب الْولَايَة حَتَّى أَن أَصْحَاب التفاسير بأجمعهم صَرَّحُوا بذلك.

فِي الْبَيْضَاوِيّ: فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى {من ولايتهم} أَي من توليتهم فِي الْمِيرَاث وَفِي المدارك لصَاحب الْكَنْز هَذَا التَّفْسِير بِعَيْنِه مَعَ زِيَادَة قَوْله فَكَانَ لَا يَرث الْمُؤمن الَّذِي لم يُهَاجر مِمَّن آمن وَهَاجَر انْتهى. عمم صَاحب الْبَسِيط وشارحه اخْتِلَاف الدَّاريْنِ الْمَانِع من الْإِرْث بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْكفَّار وَأهل الْإِسْلَام لكنهما أَرَادوا بالدارين أخص من التَّفْسِير الَّذِي فسر بِهِ المخصصون وَهُوَ دَار الْإِسْلَام وَالْكفْر فَقَط يَعْنِي أَن اخْتِلَاف دَار الْكفْر وَالْإِسْلَام يمْنَع الْإِرْث مُطلقًا وَإِن كَانَ الِاخْتِلَاف بالمنعة وَالْملك لَا يمْنَع كُلية مُطلقًا بل فِيمَا بَين الْكفَّار خَاصَّة. وَأما بَين الْمُسلمين فَإِنَّمَا يمْنَع إِذا تــحقــق فِي ضمن الِاخْتِلَاف بدار الْكفْر وَالْإِسْلَام حَتَّى إِذا تــحقــق فِي ضمن فَرد آخر لَا يمْنَع كَمَا بَين الْبَاغِي والعادل فالمخصصون عنوا بِهِ التَّفْسِير الْأَعَمّ والمعمم أَرَادَ الْمَعْنى الْأَخَص فَلَا تدافع. وَأما تواطؤهم على التَّصْرِيح بجري التَّوَارُث بَين الْمُسلم الَّذِي هُوَ فِي دَار الْإِسْلَام مَعَ ورثته الَّذين فِي دَار الْحَرْب فَيَقْتَضِي أَن لَا يُؤثر الِاخْتِلَاف بدار الْكفْر وَالْإِسْلَام أَيْضا فِي حق أهل الْإِسْلَام فيصادم بِنَاء التَّوْفِيق فَلَا يُنَافِي قَول صَاحب الْبَسِيط
لِأَنَّهُ يحْتَمل أَن يُرَاد بقَوْلهمْ مَعَ رثته الَّذين فِي دَار الْحَرْب ورثته الَّذين دخلُوا دَار الْحَرْب بعد الْهِجْرَة لَا الَّذين لم يهاجروا على مَا يرشدك إِلَيْهِ عبارَة وَاحِد من المخصصين وَهُوَ صَاحب ضوء السراج من قَوْله حَتَّى لَو دخل التَّاجِر الْمُسلم دَار الْحَرْب لأجل التِّجَارَة وَمَات فِيهَا تَرث مِنْهُ ورثته الَّذين كَانُوا فِي دَار الْإِسْلَام كَذَلِك الْمُسلم إِذا أسره أهل الْحَرْب وألــحقــوه بدارهم وَمَات فِيهَا وَلم يُفَارق دينه يَرث مِنْهُ ورثته الَّذين فِي دَار الْإِسْلَام لِأَن الدُّخُول فِي دَار الْحَرْب للتِّجَارَة أَو بالأسر لَا يكون إِلَّا بعد الْهِجْرَة. وَلَا يُنكره صَاحب الْبَسِيط أَيْضا لِأَن الِاخْتِلَاف بدار الْكفْر وَالْإِسْلَام إِنَّمَا يُؤثر إِذا كَانَ حكما كَمَا صرح هُوَ بِهِ والداخل للتِّجَارَة أَو المأسور على إِرَادَة الرُّجُوع فَكَأَنَّهُ فِي دَار الْإِسْلَام بل صرح بِهِ شَارِحه بقوله وَالْمُسلم الْمُسْتَأْمن مَعَ الْمُسلم الَّذِي فِي دَار الْإِسْلَام فَحصل التَّوْفِيق وَالله ولي التَّوْفِيق. بَقِي شَيْء وَهُوَ أَنه أطبق كلمة المخصصين سوى الحبر النحرير السَّيِّد السَّنَد قدس سره على جعل التَّوَارُث بَين الْمُسلم الَّذِي فِي دَار الْحَرْب وَالَّذِي فِي دَار الْإِسْلَام غَايَة وَثَمَرَة لهَذَا التَّخْصِيص فَلَو أُرِيد بِهِ روما للتوفيق الْمُسلم الَّذِي دخل دَار الْحَرْب بعد الْهِجْرَة لم يصلح أَن يكون ثَمَرَة لَهُ فَإِنَّهُ لَو فرض تَأْثِير تبَاين الدَّاريْنِ فِي حق أهل الْإِسْلَام أَيْضا فِي الحرمان جرى التَّوَارُث بَينهمَا لاعْتِبَار التباين حكما وَهُوَ مُنْتَفٍ هَا هُنَا. أَلا ترى إِلَى توارث الْكَافِر الْمُسْتَأْمن وَالْحَرْبِيّ مَعَ اعْتِبَار تبَاين الدَّاريْنِ فِي حَقــهم بالِاتِّفَاقِ فَلَا بُد أَن يحمل على مَا قبل الْهِجْرَة فينهدم قصر التَّوْفِيق لكنه يُمكن أَن يُقَال عِبَارَات المخصصين سوى صَاحب ضوء السراج مجملة مُحْتَملَة لِأَن يُرَاد فِيهَا بالورثة الْمُسلمين الَّذين فِي دَار الْحَرْب الَّذين لم يهاجروا بعد أَو هَاجرُوا ثمَّ دخلُوا. وَعبارَة ضوء السراج كَمَا سَمِعت آنِفا مفسرة متعينة فِي الثَّانِي. وَمن مسلمات فن الْأُصُول حمل الْمُجْمل على الْمُفَسّر فَلَا بُد أَن يُرَاد مَا بعد الْهِجْرَة خَاصَّة وَأَيْضًا الِاحْتِمَال الأول مُخَالف للنَّص الصَّرِيح فَبَطل وَبَقِي الِاحْتِمَال الثَّانِي جزما فَحصل التَّوْفِيق فِي أصل الْمَسْأَلَة. إِمَّا جعلهم إِيَّاه ثَمَرَة التَّخْصِيص فإمَّا أَن يحمل على قلَّة التعمق مِنْهُم وَلذَا ترى أُسْوَة الْمُــحَقِّــقين وَسيد الشُّرَّاح قدس سره لم يَجْعَل ثَمَرَة. وَإِمَّا أَن يُقَال إِن اخْتِلَاف الدَّاريْنِ بِمَعْنى دَار الْكفْر وَالْإِسْلَام الَّذِي هُوَ مَانع فِيمَا بَين أهل الْإِسْلَام أَيْضا لَا يمْنَع كُلية فِي حق أهل الْإِسْلَام كَمَا لَا يمْنَع اخْتِلَاف الدَّاريْنِ بِالْمَعْنَى الْأَعَمّ أَي الِاخْتِلَاف بالمنعة وَالْملك كُلية فِي حَقــهم بل إِنَّمَا يمْنَع إِذا كَانَ قبل الْهِجْرَة أما بعد الْهِجْرَة كَمَا إِذا دخل تَاجِرًا أَو أَسِيرًا فَلَا. بِخِلَاف الْكفَّار فَإِن ذَلِك الِاخْتِلَاف مُؤثر فِي الحرمان بَينهم مُطلقًا فَإِن الْأَسير مِنْهُم فِي أَيْدِينَا حَال كَونه على دينه لَا يَرث مِمَّن هُوَ فِي دَار الْحَرْب من أَقَاربه فَإِنَّهُ مَمْلُوك ذمِّي وَالذِّمِّيّ لَا يَرث من الْحَرْبِيّ وَإِن كَانَ يَرث التَّاجِر مِنْهُم إِلَى دَارنَا من أهل الْحَرْب فالثمرة فِي عبارَة ضوء السراج هُوَ الْمَجْمُوع
يَعْنِي أَن اخْتِلَاف الدَّاريْنِ دَار الْكفْر وَالْإِسْلَام إِنَّمَا يُؤثر فِي الحرمان مُطلقًا فِي حق الْكفَّار أما فِي حق الْمُسلمين فَإِنَّمَا يُؤثر قبل الْهِجْرَة أما بعد الْهِجْرَة فَلَا يُؤثر حَتَّى أَن الدَّاخِل فِي دَار الْحَرْب تَاجِرًا أَو أَسِيرًا يَرث فَمن هُوَ فِي دَار الْإِسْلَام بِخِلَاف الْكفَّار فَإِنَّهُم يتوارثون فِي الصُّورَة الأولى دون الثَّانِيَة وَفِي عبارَة الشهابي وَغَيره من المجملين هُوَ الثَّانِي فَقَط أَي الدَّاخِل دَارهم أَسِيرًا فَعلم أَن الْأسر فِي حَقــنا لَا يقطع الْولَايَة بخلافهم فَإِن ولَايَة أهل الْإِسْلَام قَوِيَّة فبعدما ثبتَتْ بِالْهِجْرَةِ لم يظْهر عَلَيْهَا اسْتِيلَاء الْكفَّار بالأسر لِأَن الْإِسْلَام بحذافيره يَعْلُو وَلَا يعلى بِخِلَاف الْكفَّار فَإِنَّهُ لما كَانَت ولايتهم فِيمَا بَينهم ضَعِيفَة ترْتَفع باستيلاء أهل الْإِسْلَام. هَذَا التَّوْفِيق الفويق نور من أنوار السَّيِّد السَّنَد السَّيِّد نور الْهدى سلمه الله الْعلي الْأَعْلَى.

الْحمل

(الْحمل) فلَان حمل على أَهله إِذا كَانَ ثقيل الْمَرَض وَمَا كَانَ فِي بطن أَو على شجر والهودج وَالْبَعِير عَلَيْهِ الهودج (ج) أحمال وحمول وحمال

(الْحمل) مَا يحمل على الظّهْر وَنَحْوه والهودج وَالْبَعِير عَلَيْهِ الهودج و (فِي الرياضيات) الثّقل أَو الْجِسْم الَّذِي يرفع أَو يجر بوساطة الْآلَات (مج)(ج) أحمال وحمول

(الْحمل) الصَّغِير من الضَّأْن (ج) حملان وأحمال وبرج فِي السَّمَاء من البروج الربيعية
الْحمل: بِالْكَسْرِ بار وبالفتح بار برداشتن وبارشكم وهرباري كه باشد. وَالْحمل مُخْتَصّ بالإنسان كالنتاج بِالْحَيَوَانِ وَلذَا قيل فِي كتب الْفِقْه الْحمل مَا فِي بطن الْإِنْسَان وَأَقل مُدَّة الْحمل سِتَّة أشهر بالِاتِّفَاقِ وَفِي أَكْثَرهَا اخْتِلَاف عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله وَأَصْحَابه سنتَانِ لما رُوِيَ عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أَنَّهَا قَالَت لَا يبْقى الْوَلَد فِي رحم أمه أَكثر من سنتَيْن وَلَو بِقدر ظلّ مغزل وَمثل هَذَا لَا يعرف قِيَاسا بل سَمَاعا عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَعند الشَّافِعِي رَحمَه الله أَربع سِنِين لما رُوِيَ أَن الضَّحَّاك ولد لأَرْبَع سِنِين وَقد بَدَت ثناياه وَهُوَ يضْحك فَسُمي ضحاكا وَعند لَيْث بن سعد الفهمي رَحمَه الله ثَلَاث سِنِين وَعند الزُّهْرِيّ رَحمَه الله سبع سِنِين. وبرج من البروج الاثْنَي عشر من الْفلك الْأَعْظَم.وَالْحمل عِنْد أَرْبَاب الْمَعْقُول يُطلق بالاشتراك اللَّفْظِيّ على ثَلَاثَة معَان:

الأول: الْحمل اللّغَوِيّ، وَالثَّانِي: الْحلم الاشتقاقي، وَالثَّالِث: حمل المواطأة. (أما الْحمل اللّغَوِيّ) فَهُوَ الحكم بِثُبُوت شَيْء بِشَيْء أَو انتفائه عَنهُ وَــحَقِــيقَته الإذعان وَالْقَبُول. (وَأما الْحمل الاشتقاقي) فَهُوَ الْحمل بِوَاسِطَة (فِي) أَو (ذُو) أَو (لَهُ) وَــحَقِــيقَته الْحُلُول فَإنَّك إِذا قلت زيد ذُو مَال فقد حملت المَال على زيد بِوَاسِطَة (ذُو) . فَإِن قلت: إِن المَال مَحْمُول على زيد بِوَاسِطَة ذُو وَلَيْسَ حَالا فِيهِ فَكيف يَصح أَن حَقِــيقَته الْحُلُول. قلت: الْمَحْمُول فِي الْــحَقِــيقَة هُوَ الْإِضَافَة الَّتِي بَين زيد وَالْمَال وَهُوَ التَّمَلُّك. وَلَا شكّ أَن التَّمَلُّك حَال فِي زيد والتملك مَحْمُول على زيد فِي ضمن التَّمَلُّك الْمُشْتَقّ مِنْهُ كَمَا أَن الْكِتَابَة مَحْمُول على زيد فِي ضمن الْكَاتِب وَالْكَاتِب مَحْمُول عَلَيْهِ بالاشتقاق وَلِهَذَا سمي هَذَا الْحمل بالاشتقاق وَقس عَلَيْهِ زيد فِي الدَّار وَزيد أَب لعَمْرو فَإِن الْمَحْمُول فِي الْــحَقِــيقَة هُوَ الْإِضَافَة الَّتِي بَين زيد وداره وَبَين زيد وَعَمْرو وَهِي الظَّرْفِيَّة والأبوة والنبوة.
وَأما حمل المواطأة فَهُوَ حمل شَيْء بقول على مثل الْإِنْسَان حَيَوَان يَعْنِي الْحَيَوَان مَحْمُول على الْإِنْسَان وَــحَقِــيقَته هُوَ هُوَ. وَبِعِبَارَة أُخْرَى نِسْبَة الْمَحْمُول إِلَى الْمَوْضُوع إِن كَانَت بِلَا وَاسِطَة وَهُوَ القَوْل على الشَّيْء فَهِيَ الْحمل بالمواطأة وَهَذَا الْحمل يرجع إِلَى اتِّحَاد المتغائرين فِي نَحْو من اتِّحَاد الْوُجُود بِحَسب نَحْو آخر من أنحائه فَإِن كَانَ الْمَحْمُول ذاتيا فَهُوَ حمل بِالذَّاتِ أَو عرضيا فَهُوَ حمل بِالْعرضِ. فَفِي حمل الذاتيات اتِّحَاد بِالذَّاتِ وَفِي حمل العرضيات اتِّحَاد بِالْعرضِ.
ثمَّ اعْلَم أَن الْحمل بالمواطأة يَنْقَسِم إِلَى قسمَيْنِ: الأول: حمل الشَّيْء على نَفسه، وَالثَّانِي: الْحمل الْمُتَعَارف وَيُسمى الْحمل الشَّائِع أَيْضا. ثمَّ من الْقسم الأول الْحمل الأولي وَهُوَ يُفِيد أَن الْمَحْمُول هُوَ بِعَيْنِه عنوان حَقِــيقَة الْمَوْضُوع وَإِنَّمَا سمي حملا أوليا لكَونه أولي الصدْق أَو الْكَذِب. وَمِنْه حمل الشَّيْء على نَفسه مَعَ تغاير بَين الطَّرفَيْنِ بِأَن يُؤْخَذ. أَحدهمَا: مَعَ حيثية أَو بِدُونِ التغاير بَينهمَا بِأَن يتَكَرَّر الِالْتِفَات إِلَى شَيْء وَاحِد ذاتا واعتبارا فَيحمل ذَلِك الشَّيْء على نَفسه من غير أَن يَتَعَدَّد الملتفت إِلَيْهِ وَالْأول صَحِيح غير مُفِيد وَالثَّانِي غير صَحِيح وَغير مُفِيد ضَرُورَة أَنه لَا يعقل النِّسْبَة إِلَّا بَين اثْنَيْنِ وَلَا يُمكن أَن يتَعَلَّق بِشَيْء وَاحِد التفاتان من نفس وَاحِدَة فِي زمَان وَاحِد والتغاير من جِهَة الِالْتِفَات لَا يَكْفِي هَا هُنَا لِأَن الِالْتِفَات لَا يلْتَفت إِلَيْهِ حِين الِالْتِفَات والتعدد فِي الِالْتِفَات لَا يتَصَوَّر إِلَّا بالتعدد فِي أحد هَذِه الْأُمُور الثَّلَاثَة الملتفت والملتفت إِلَيْهِ وَالزَّمَان. وَالْحمل الْمُتَعَارف يُفِيد أَن يكون الْمَوْضُوع من أَفْرَاد الْمَحْمُول أَو مَا هُوَ فَرد لأَحَدهمَا فَرد للْآخر وَإِنَّمَا سمي متعارفا لتعارفه وشيوع اسْتِعْمَاله.
وَرُبمَا يُطلق الْحمل الْمُتَعَارف فِي الْمنطق على الْحمل المتــحقــق فِي المحصورات سَوَاء كَانَت حَقِــيقَة كَمَا هُوَ الظَّاهِر أَو حكما كالمهملات. فالحمل فِي قَوْلنَا الْإِنْسَان كَاتب مُتَعَارَف على كلا الاصطلاحين وَفِي قَوْلنَا الْإِنْسَان نوع مُتَعَارَف على الِاصْطِلَاح الأول وَغير مُتَعَارَف على الِاصْطِلَاح الثَّانِي.
ثمَّ اعْلَم أَن الفارابي جعل الْحمل على أَرْبَعَة أَقسَام: حمل الْكَلْبِيّ على الجزئي مثل زيد إِنْسَان. وَحمل الْكَلْبِيّ على الْكُلِّي مثل الْإِنْسَان حَيَوَان وَالْإِنْسَان إِنْسَان وَحمل الجزئي على الجزئي مثل هَذَا زيد وَهَذَا الْإِنْسَان هَذَا الْكَاتِب. قَالَ الْفَاضِل الزَّاهِد فِي الْهَامِش على حَوَاشِيه على شرح المواقف أَن الأول وَالثَّالِث حمل مُتَعَارَف وَالْمرَاد بالفرد الْوَاقِع فِي تَعْرِيفه مَا صدق عَلَيْهِ مُطلقًا. وَالثَّانِي يحْتَمل أَن يكون متعارفا أَو غير مُتَعَارَف لِامْتِنَاع أَن يصدق جزئي على جزئي آخر إِلَّا بِأَن يكون الجزئي حِصَّة كحصة من الْإِنْسَان أَو الْكَاتِب فَحمل تِلْكَ الْحصَّة حملا متعارفا على حِصَّة أَو على جزئي آخر أَو عَكسه بِالنّظرِ إِلَى الْوُجُود بِالذَّاتِ أَو الْوُجُود بِالْعرضِ انْتهى.
وَقَالَ السَّيِّد السَّنَد الشريف الشريف قدس سره فِي حَوَاشِيه على شرح الشمسية كَون الجزئي الْــحَقِــيقِيّ مقولا على وَاحِد إِنَّمَا هُوَ بِحَسب الظَّاهِر وَإِمَّا بِحَسب الْــحَقِــيقَة فالجزئي الْــحَقِــيقِيّ لَا يكون مَحْمُولا مقولا على شَيْء أصلا بل يُقَال وَيحمل عَلَيْهِ المفهومات الْكُلية فَهُوَ مقول عَلَيْهِ لَا مقول بِهِ وَكَيف لَا وَحمله على نَفسه لَا يتَصَوَّر قطعا إِذْ لَا بُد فِي الْحمل الَّذِي هُوَ النِّسْبَة بَين الْمَوْضُوع والمحمول أَن تكون بَين أَمريْن متغائرين وَحمله على غَيره بِأَن يُقَال زيد عَمْرو إِيجَابا مُمْتَنع أَيْضا وَأما قَوْلك هَذَا زيد فَلَا بُد فِيهِ من التَّأْوِيل لِأَن هَذَا إِشَارَة إِلَى الشَّخْص الْمعِين فَلَا يُرَاد بزيد ذَلِك الشَّخْص الْمعِين وَإِلَّا فَلَا حمل من حَيْثُ الْمَعْنى كَمَا عرفت بل يُرَاد مَفْهُوم مُسَمّى بزيد أَو صَاحب اسْم زيد وَهَذَا الْمَفْهُوم كلي. وَإِن فرض انحصاره فِي شخص وَاحِد فالمحمول أَعنِي الْمَقُول على غَيره لَا يكون إِلَّا كليا انْتهى.
وَقَالَ أفضل الْمُتَأَخِّرين مَوْلَانَا عبد الْحَكِيم رَحمَه الله قَوْله لَا يكون مقولا على شَيْء لِأَن منَاط الْحمل الِاتِّحَاد فِي الْوُجُود وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَن وجودا وَاحِدًا قَائِم بهما لِامْتِنَاع قيام الْعرض الْوَاحِد بمحلين بل مَعْنَاهُ أَن الْوُجُود لأَحَدهمَا بالإصالة وَللْآخر بالتبع بِأَن يكون منتزعا عَنهُ وَلَا شكّ أَن الجزئي هُوَ الْمَوْجُود إصالة والأمور الْكُلية سَوَاء كَانَت ذاتية أَو عرضية منتزعة عَنهُ على مَا هُوَ تَــحْقِــيق الْمُتَأَخِّرين. فَالْحكم باتحاد الْأُمُور الْكُلية مَعَ الجزئي صَحِيح دون الْعَكْس فَإِن وَقع مَحْمُولا كَمَا فِي بعض الْإِنْسَان زيد فَهُوَ مَحْمُول على الْعَكْس أَو على التَّأْوِيل فَانْدفع مَا قيل إِنَّه يجوز أَن يُقَال زيد إِنْسَان فليجز الْإِنْسَان زيد لِأَن الِاتِّحَاد من الْجَانِبَيْنِ فَظهر أَنه لَا يُمكن حمله على الْكُلِّي وَأما على الجزئي فَلِأَنَّهُ إِمَّا نَفسه بِحَيْثُ لَا تغاير بَينهمَا أصلا بِوَجْه من الْوُجُوه حَتَّى بالملاحظة والالتفات على مَا قَالَ بعض الْمُــحَقِّــقين لَهُ إِذا لوحظ شخص مرَّتَيْنِ وَقيل زيد زيد كَانَ مغائرا بِحَسب الملاحظة وَالِاعْتِبَار قطعا وَيَكْفِي هَذَا الْقدر من التغاير فِي الْحمل فَلَا يُمكن تصور الْحمل بَينهمَا فضلا عَن إِمْكَانه. وَإِمَّا جزئي آخر مغائر لَهُ وَلَو بالملاحظة والالتفات فالحمل وَإِن كَانَ يتَــحَقَّــق ظَاهرا لكنه فِي الْــحَقِــيقَة حكم بتصادق الاعتبارين على ذَات وَاحِدَة فَإِن معنى الْمِثَال الْمَذْكُور أَن زيدا الْمدْرك أَولا هُوَ زيد الْمدْرك ثَانِيًا. وَالْمَقْصُود مِنْهُ تصادق الاعتبارين عَلَيْهِ وَكَذَا فِي قَوْلك هَذَا الضاحك هَذَا الْكَاتِب الْمَقْصُود اجْتِمَاع الوصفين فِيهِ فَفِي الْــحَقِــيقَة الجزئي مقول عَلَيْهِ للاعتبارين. نعم على القَوْل بِوُجُود الْكُلِّي الطبيعي فِي الْخَارِج حَقِــيقَة كَمَا هُوَ رَأْي الأقدمين والوجود الْوَاحِد إِنَّمَا قَامَ بالأمور المتعددة من حَيْثُ الْوحدَة لَا من حَيْثُ التَّعَدُّد يَصح حمله على الْكُلِّي لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْوُجُود والاتحاد من الْجَانِبَيْنِ وَلَعَلَّ هَذَا مَبْنِيّ على مَا نقل عَن الفارابي وَالشَّيْخ من صِحَة حمل الجزئي انْتهى.
وَقَالَ الباقر فِي الْأُفق الْمُبين نِسْبَة الْمَحْمُول إِلَى الْمَوْضُوع إِمَّا بِوُجُود (فِي) أَو توَسط (ذُو) أَو (لَهُ) بَين هُوَ هُوَ وَيُقَال لَهَا الْحمل الاشتقاقي. وَإِمَّا بقول (على) وَيُقَال لَهَا حمل المواطأة أَي الِاتِّحَاد بَين الشَّيْئَيْنِ بهو هُوَ وَهُوَ يُفِيد إِعْطَاء الِاسْم وَالْحَد وَيُشبه أَن يكون قَول الْحمل عَلَيْهِمَا باشتراك الِاسْم أَي بالاشتراك اللَّفْظِيّ دون الْمَعْنى وَالْآخر وَهُوَ مفَاد الْهَيْئَة التركيبية الحملية حَقِــيقَة اتِّحَاد المتغائرين فِي نَحْو من أنحاء لحاظ التعقل بِحَسب نَحْو آخر من أنحاء الْوُجُود اتحادا بِالذَّاتِ أَو بِالْعرضِ وَفَوق ذَلِك ذكر سيقرع سَمعك إِن شَاءَ الله تَعَالَى تَفْصِيله فِي تبصرة حمل شَيْء على شَيْء. إِمَّا أَن يَعْنِي بِهِ أَن الْمَوْضُوع هُوَ بِعَيْنِه أَخذ مَحْمُولا على أَن يتَكَرَّر إِدْرَاك شَيْء وَاحِد بِتَكَرُّر الِالْتِفَات إِلَيْهِ من دون تكَرر فِي الْمدْرك والملتفت إِلَيْهِ أصلا وَلَو بِالِاعْتِبَارِ وَهُوَ حمل الشَّيْء على نَفسه وتأبى الضَّرُورَة الفطرية إِلَّا أَن تشهد بِبُطْلَانِهِ وَإِن وَقع بعض الأذهان فِي مَخْمَصَة تجويزه فَإِن صَحَّ فَكيف يَصح أَن تلْتَفت نفس وَاحِدَة إِلَى مَفْهُوم وَاحِد ذاتا واعتبارا فِي زمَان بِعَيْنِه مرَّتَيْنِ. وَإِمَّا أَن يَعْنِي ذَلِك لَكِن على أَن يَجْعَل تكَرر الْإِدْرَاك حيثية تقيدية يتكثر بحسبها الْمدْرك فَيحكم بِأَن الْمدْرك بِأحد الإدراكين هُوَ نفس الْمدْرك بالإدراك الآخر وَلَا يلحظ تعددا إِلَّا من تِلْكَ الْجِهَة وَهُوَ الَّذِي يُقَال إِنَّه ضرب مَنْصُور من حمل الشَّيْء على نَفسه وَلكنه هدر غير مُفِيد. وَإِمَّا أَن يَعْنِي بِهِ أَن الْمَحْمُول هُوَ بِعَيْنِه نفس الْمَوْضُوع بعد أَن يلحظ التغاير الاعتباري أَي هُوَ بِعَيْنِه عنوان حَقِــيقَته لَا أَن يقْتَصر على مُجَرّد الِاتِّحَاد فِي الْوُجُود وَيُسمى الْحمل الأولي الذاتي لكَونه أولى الصدْق أَو الْكَذِب غير معنى بِهِ إِلَّا أَن هَذَا الْمَفْهُوم هُوَ نفس ذَاته وعنوان حَقِــيقَته. فَإِذا اعْتبر بَين المفهومات المتغائرة فِي جليل النّظر رُبمَا احْتِيجَ تعْيين الْإِيجَاب أَو السَّلب إِلَى تَدْقِيقه كَمَا يَقُول الْوُجُود هُوَ الْمَاهِيّة أَو لَيْسَ والوجود هُوَ الْوحدَة أَو لَيْسَ يحْتَاج فِي الأذهان إِلَى الْبُرْهَان. وَإِمَّا أَن يَعْنِي بِهِ مُجَرّد اتِّحَاد الْمَوْضُوع والمحمول ذاتا ووجودا وَيرجع إِلَى كَون الْمَوْضُوع من أَفْرَاد الْمَحْمُول أَو كَون مَا هُوَ فَرد أَحدهمَا هُوَ فَرد الآخر وَيُسمى الْحمل الْعرفِيّ الْمُتَعَارف لشيوعه بِحَسب التعارف الصناعي وينقسم بِحَسب كَون الْمَحْمُول ذاتيا للموضوع أَو عرضيا لَهُ إِلَى الْحمل بِالذَّاتِ وَالْحمل بِالْعرضِ.
ثمَّ إِن فِي الْحمل الْمُتَعَارف قد يكون الْمَوْضُوع فَردا حَقِــيقِيًّا للمحمول وَهُوَ مَا يكون أخص بِحَسب الصدْق كالإنسان بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْحَيَوَان وَقد يكون فَردا اعتباريا وَهُوَ مَا يكون أخصيته بِحَسب نَحْو الِاعْتِبَار كمفهوم الْمَوْجُود الْمُطلق بِالنِّسْبَةِ إِلَى تَعْيِينه وَكَذَلِكَ الْمُمكن الْعَام وَالْمَفْهُوم والكلي وَمَا ضاهاها فتلطف فِي سرك تنتصر انْتهى. وَإِنَّمَا قَالَ وَيُشبه الخ لِأَن معنى حمل المواطأة أَعنِي الِاتِّحَاد الْمَخْصُوص لَا يصلح مقسمًا لَهُ وللحمل الاشتقاقي كَمَا لَا يخفى.
وَفِي الْأَسْفَار اعْلَم أَن حمل الشَّيْء على الشَّيْء واتحاده مَعَه يتَصَوَّر على وَجْهَيْن: أَحدهمَا: الشَّائِع الصناعي الْمُسَمّى بِالْحملِ الْمُتَعَارف وَهُوَ عبارَة عَن مُجَرّد اتِّحَاد الْمَوْضُوع والمحمل ووجودا وَيرجع إِلَى كَون الْمَوْضُوع من أَفْرَاد مَفْهُوم الْمَحْمُول سَوَاء كَانَ الحكم على نفس مَفْهُوم الْمَوْضُوع كَمَا فِي الْقَضِيَّة الطبيعية أَو على أَفْرَاده كَمَا فِي القضايا المتعارفة من المحصورات وَغَيرهَا سَوَاء كَانَ الْمَحْكُوم بِهِ ذاتيا للمحكوم عَلَيْهِ وَيُقَال لَهُ الْحمل بِالذَّاتِ أَو عرضيا لَهُ وَيُقَال لَهُ الْحمل بِالْعرضِ والجميع يُسمى حملا عرضيا. وَثَانِيهمَا: أَن يَعْنِي بِهِ أَن الْمَوْضُوع هُوَ بِعَيْنِه نفس مَاهِيَّة الْمَحْمُول وَمَفْهُومه بعد أَن يلحظ نَحْو من التغاير أَي هَذَا بِعَيْنِه عنوان مَاهِيَّة ذَلِك لَا أَن يقْتَصر على مُجَرّد الِاتِّحَاد فِي الذَّات والوجود وَيُسمى حملا ذاتيا أوليا. أما ذاتيا فلكونه لَا يجْرِي وَلَا يصدق إِلَّا فِي الذاتيات. وَأما أوليا فلكونه أولى الصدْق أَو الْكَذِب. فكثيرا مَا يصدق ويكذب مَحْمُول وَاحِد على مَوْضُوع وَاحِد بل مَفْهُوم وَاحِد على نَفسه بِخِلَاف اخْتِلَاف هذَيْن الحملين كالجزئي واللامفهوم واللاممكن بالإمكان الْعَام واللاموجود بالوجود الْمُطلق وَعدم الْعَدَم والحرف وَشريك الْبَارِي والنقيضين وَلذَلِك اعْتبرت فِي التَّنَاقُض وحدة أُخْرَى سوى المشروطات الثَّمَانِية الْمَشْهُورَة وَتلك هِيَ وحدة الْحمل والجزئي مثلا جزئي بِالْحملِ الذاتي لَيْسَ بجزئي بل كلي بِالْحملِ الْمُتَعَارف وَمَفْهُوم الْحَرْف حرف بِالْأولِ اسْم بِالثَّانِي انْتهى. وَإِنَّمَا أطنبت الْكَلَام. فِي هَذَا الْمقَام. لِأَنَّهُ زل فِيهِ اقدام الْإِعْلَام. ونقلت أَيْضا مَا ذكره الْعلمَاء الْكِرَام. عَسى أَن يَتَّضِح بِهِ المرام. حمل النقيض على النقيض: جَائِز عِنْد الْجُمْهُور. فَإِن قلت. حق النقيض أَن يكون مُخَالفا للنقيض لَا مُوَافقا لَهُ فَكيف يحمل أَحدهمَا على الآخر. قلت: النقيض لَهُ طرفان طرف للثبوت وطرف للنَّفْي فَيحمل أَحدهمَا على الآخر لاشْتِرَاكهمَا فِي كَونهمَا طرفين فَهُوَ فِي الْــحَقِــيقَة حمل النظير لَا حمل النقيض على النقيض وَقد نبه على هَذَا الشَّيْخ عبد القاهر قدس سره فِي النظير.
(بَاب الْحمل)
يُقالُ للمرأةِ أَوَّلُ مَا تَحْمِلُ (280) : قد نُسِئَتْ تُنْسَأُ نَسْأً، وامرأةٌ نَسِئٌ ونِسْوَةٌ نَسْئٌ ونُسُوءٌ. ثُمَّ يُقالُ لَهَا: حامِلٌ وحُبْلَى. والحَبَلُ إنَّما هُوَ الامتلاءُ. ويُقالُ: حِبِلَ الرجلُ من الشرابِ: إِذا امتلأَ مِنْهُ، ورَجُلٌ حَبْلانُ، وامرأةٌ حَبْلَى. وكأَنَّ الحُبْلَى مُشْتَقٌ من ذَلِك. ورجلٌ حَبْلانُ: إِذا امْتَلَأَ غَضَباً. ويُقال لَهَا إِذا عَظُمَ بَطْنُها: امرأةٌ مُثْقِلٌ، وَقد أَثْقَلَتْ، وَمِنْه قولُ اللهِ عزَّ وجّلَّ: (فَلَمَّا أَثْقَلَتْ) (281) . ويُقالُ [أَيْضا] : امرأةٌ مُجِحٌ، للحامِلِ المُقْرِبِ. وأَصْلُ ذَلِك فِيويُقالُ لبَيْضِها: المَكْنُ، والواحدةُ مَكْنَةٌ. ويُقالُ فِي (308) مِثْلِ ذلكَ مِن ذِي الجَناحِ: جَمَّعَ الطائرُ تَجْمِيعاً. وأَمْكَنَتِ الجرادةُ إِذا جَمَعَتِ البَيْضَ [فِي جوفِها] . وسَرَأَتْ: إِذا باضَتْ، وسَرْؤُها: بَيْضُها مِثالُ سَوْعِها (309) . ويُقالُ: أَرْتَجَتِ الدَّجاجةُ، إِذا امتلأَ بَطْنُها بَيْضاً وأَمْكَنَتْ فَهِيَ مَكُونٌ. ويُقالُ: أَقْطَعَتْ وأَقْفَّتْ، إِذا انقَطَعَ بَيْضُها.

المنقول

المنقول: ما كان مشتركا بين المعاني وترك استعماله في المعنى الأول، ويسمى به لنقله من المعنى الأول. والناقل إما الشرع فيكون منقولا شرعيا وإما غيره، وهو إما العرف العام فهو المنقول عرفي ويسمى حقــيقة عرفية، أو العرف الخاص ويسمى منقولا اصطلاحيا كاصطلاح النحاة والنظار.
المنقول:
[في الانكليزية] Personal property ،transcribed ،modified ،neologism
[ في الفرنسية] Bien meuble ،effet mobilier ،transcrit ،transfere ،modifie ،neologisme
هو ما ينقل من مكان إلى مكان ويحول من هيئة إلى هيئة كالكتاب والمنشار والطست والجنازة وثيابها والسلاح والخيل والحمار والعبيد وآلات الزراعة والشجر والشرب مع الأرض والحمام مع البرج والنحل مع الكوّارة، كذا في جامع الرموز في كتاب الكراهية. هو عند أهل النظر يطلق على قول الغير المأتي عنه كما عرفت. وعند أهل العربية يطلق على لفظ وضع لمعنى بعد وضعه لمعنى آخر أولا، وعلى لفظ وضع لمعنى لمناسبته لمعنى وضع له ذلك اللفظ أولا، وعلى المعنى الأخصّ منه وهو لفظ غلب في غير المعنى الموضوع له أولا بحيث يفهم بلا قرينة مع وجود العلاقة بينه وبين المعنى الموضوع له أولا وينسب إلى الناقل، لأنّ وصف المنقولية إنّما حصل من جهته فيسمّى منقولا شرعيا إن كان ناقله شرعا، ومنقولا عرفيا إن كان ناقله عرفا، ومنقولا اصطلاحيا إن كان ناقله اصطلاحا. وباعتبار انقسام كلّ من وضعيه إلى لغوي وشرعي وعرفي واصطلاحي ينقسم ستة عشر قسما حاصلا من ضرب الأربعة في الأربعة إلّا أنّ بعض الأقسام مما لا تــحقّــق له في الوجود كالمنقول اللغوي من معنى عرفي أو اصطلاحي مثلا وغير ذلك، لأنّ اللغة أصل والنقل طار عليه، فلا يقال منقول لغوي. ثم المعنى الثاني المنقول إن لم يكن من أفراد المعنى الأول فاللفظ حقــيقة في المعنى الأول مجاز في المعنى الثاني من جهة الوضع الأول وبالعكس من جهة الوضع الثاني كالصلاة حقــيقة في الدعاء مجاز في الأركان المخصوصة وبالعكس شرعا أي حقــيقة في الأركان مجاز في الدعاء، وإن كان من أفراد المعنى الأول كالدابة لذي الأربع خاصة وهي في الأصل اسم لما يدبّ أي يتحرّك على الأرض، فإطلاق اللفظ على ما هو من أفراد المعنى الثاني أعني المقيّد إن كان باعتبار أنّه من أفراد المعنى الأول أعني المطلق فاللفظ حقــيقة من جهة الوضع الأول مجاز من جهة الوضع الثاني، وإن كان باعتبار أنّه من أفراد المعنى الثاني فــحقــيقة من جهة الوضع الثاني مجاز من جهة الوضع الأول، مثلا لفظ الدابة في الفرس إن كان من حيث إنّه من أفراد ما يدبّ على الأرض فــحقــيقة لغة مجاز عرفا، وإن كان من حيث إنّه من أفراد ذوات الأربع فمجاز لغة حقــيقة عرفا، لأنّ اللفظ لم يوضع في اللغة للمقيد بخصوصه ولا في العرف للمطلق بإطلاقه، فلفظ الدابة في الفرس بحسب اللغة حقــيقة باعتبار مجاز باعتبار، وكذلك بحسب العرف، فتبيّن بهذا أنّ المنقول قسم من الــحقــيقة والمجاز. وأمّا ما قالوا من أنّ اللفظ إذا تعدّد مفهومه فإن لم يتخلّل بينهما نقل فهو المشترك وإن تخلّل فإن لم يكن النّقل لمناسبة فمرتجل، وإن كان فإن هجر المعنى الأول فمنقول وإلّا ففي الأول حقــيقة وفي الثاني مجاز، فمبني على تمايز الأقسام بالحيثية والاعتبار دون الــحقــيقة والذات، كذا في التلويح في التقسيم الثاني.

اما

اما



أَمَا, used to denote an interrogation, is a compound of the interrogative hemzeh and the negative مَا: (M:) it is a mere interrogative [respecting a negative, like أَلَا]; as in the saying, أَمَا تَسْتَحْيِى مِنَ اللّٰهِ [Art not thou ashamed for thyself, or of thyself, with respect to God?]. (Lth, T.) b2: [IHsh says, after explaining two other usages of أَمَا which we have yet to mention,] El-Málakee adds a third meaning of أَمَا, saying that it is a particle denoting عَرْضٌ [or the asking, or requiring, a thing in a gentle manner], like [أَلَا (q. v.) and]

لَوْلَا; and is connected peculiarly with a verb; as in أَمَا تَقُومُ [Wherefore wilt not thou do stand?], and أَمَا تَفْعَلُ [Wherefore wilt not thou do such a thing?]; which may be explained by saying that the hemzeh is used as an interrogative to make one confess, or acknowledge, a thing, as it is in أَلَمْ and أَلَا, and that مَا is a negative. (Mughnee.) b3: It is also an inceptive word, used in the manner of أَلَا: (M:) followed by أَلَا, it is syn. with أَلَا: (S:) [meaning Now: or now surely: or] both of these meaning verily, or truly; i. c. حَقًّــا: and for this reason Sb allows one's saying, أَمَا إنَّه مُنْطَلقٌ and أَمَا أَنَّهُ مُنْطَلقٌ [Verily, or truly, he is going away]; with kesr after the manner of أَلَا إِنَّهُ, and with fet-h after the manner of حَقًّــا أَنَّهُ: and هَمَا وَاللّٰهِ لَقَدْ كَانَ كَذَا is mentioned as meaning أَمَا وَ اللّٰهِ [&c., i. e. Verily, or truly, by God, such a thing did indeed happen]; the ه being a substitute for the hemzeh: (M:) so too حَمَى واللّٰه [or حَمَا واللّٰه]: (Sgh and K in art. حمى:) it denotes the truth of the words which follow it; as when you say, أَمَا إِنَّ زَيْدًا عَاقِلٌ, meaning Truly, or properly speaking, not tropically, Zeyd is intelligent; and أَمَّا و اللّٰه قَد ضَرَبَ زَيْدٌ عَمْرًا [Truly, &c., by God, Zeyd beat, or struck, Amr]: (S in art. امو:) [in other words,] it corroborates an oath and a sentence; as in أَمَا وَ اللّٰه لَئِنْ سْهَرْتُ لَكَ لَيْلَةً لَأَ دَعَنَّكَ نَادِمًا [Verily, or now surely, by God, if I remain awake for thee a night, then will I indeed leave thee repenting]; and أَمَا لَو عَلِمْتُ مَكَانَكَ لَأَزْعَجْتُكَ مِنْهُ [Verily, or now surely, if I had known thy place of being, then had I unsettled thee, or removed thee, from it]; and أَمَا إِنَّهُ لَرَجُلٌ كَرِيمٌ [Verily, or now surely, he is (emphatically) a generous man]: (T:) or it is an inceptive particle, used in the manner of أَلَا; [meaning now: or now surely:] (Mughnee:) or a particle used to give notice of what is about to be said: only put before a proposition [as in exs. mentioned above]: (TA:) and often occurring before an oath [as in exs. mentioned above]: and sometimes its hemzeh is changed into ه or ع, before the oath; each with the ا remaining; [written هَمَا or عَمَا;] and with the ا elided; [written هَمَ or عَمَ;] or with the ا elided, but without the substitution; [written أَمَ;] and when انَّ occurs after أَمَا, it is with kesr, as it is after أَلَا: and it also means حَقًّــا [verily, or truly]: or أَــحقًّــا [verily? or truly?]: accord. to different opinions: and in this case, انَّ after it is with fet-h, as it is after حَقَّــا: accord. to Ibn-Kharoof, this is a particle: but some say that it is a noun in the sense of حَقًّــا: and others, that it consists of two words, namely, the interrogative hemzeh and مَا as a noun in the sense of شَىْءٌ; i. e. أَذالِكَ الشَّىْءُ حَقٌّ [is that thing ture?]; so that the meaning is أَــحَقًّــا: [if so, أَمَا أَنَّه مُنْطَلقٌ means Verily, or truly, is he going away?] and this, which is what Sb says, is the correct opinion: مَا is virtually in the accus. case, as an adverbial noun, like as حَقًّــا is literally: and أَنَّ with its complement is an inchoative, of which the adverbial noun is the enunciative: but Mbr says that حَقًّــا is the inf. n. of يَــحِقُّ, which is suppressed, and that أنَّ with its complement is an agent. (Mughnee.) أَمَّا is a conditional and partitive and corroborative particle; and is sometimes written أَيْمَا, by the change of the first م into ى. (Mughnee, K.) b2: It is used as a conditional particle in the words of the Kur [ii.24], فأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ

أَنَّهُ الْــحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَا ذَا أَرَادَ اللّٰهُ بِهذَا مَثَلاً [For as for those who have believed, they know that it is the truth from their Lord; but as for those who have disbelieved, they say, What is it that God meaneth by this as a parable?]. (Mughnee,* K,* TA.) That it denotes a condition is shown by the necessary occurrence of ف after it; for if this ف were a conjunction, it would not be prefixed to the enunciative; and if it were redundant, it might be dispensed with; but it may not be dispensed with except in a case of necessity in poetry or in a case of an ellipsis. b3: In most cases, (Mughnee, K,) it is used as a partitive, (S, Mughnee, K,) implying the meaning of a condition; (S; [in which it is mentioned with أَمَا;]) and thus it is used in the passage of the Kur cited above; (Mughnee;) and in the following exs. [in the Kur xviii. 78 and 79 and 81], أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِى البَحْرِ and وَأَمَا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنِينَ and وأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغلَامَينِ يَتَيمَيْنِ [As for the ship, it belonged to poor men who worked on the sea . . . and as for the boy, his two parents were believers . . . and as for the wall, it belonged to two orphan boys]. (Mughnee, * K, * TA.) [It is a partitive also in the phrase أَمَّابَعْدُ, which see in art. بعد.] b4: Few have mentioned its use as a corroborative: (Mughnee:) it is thus used in the phrase أَمَّا زَيْدٌ فَذَاهِبٌ [Whatever be the case, or happen what will or what may, or at all events, Zeyd is going away], when you mean that Zeyd is inevitably going away, and determined, or decided, upon doing so: (Z cited in the Mughnee, and K:) therefore Sb explains it as meaning, in this case, مَهْمَا يَكُنْ مِنْ شَىْءٍ [whatever be the case, &c., as above, or, in some instances, happen what would or what might]; thereby showing it to be a corroborative, and to have a conditional meaning: (Z cited in the Mughnee: [and the same explanation of it is given, with a similar ex., in the S, in art. امو:]) the فَ, in this case, is transferred from its proper place before the inchoative, and put before the enunciative. (I 'AK p. 306.) Ks says that أَمَّا is used in commanding and forbidding and announcing: you say, أَمَّا اللّٰهَ فَاعْبُدْ [Whatever be the case, or happen what will, &c., God worship thou]: and أَمَّا الخَمْرَ فَلَا تَشْرَبْهَا [i. e. أَمَّا الخَمْرَ فَلَا تَشْرَبْهَا (as is shown in the case of a similar ex. in the Mughnee, though you may say أَمَّا الخَمْرُ فَلَا تَشْرَبْهَا, without an ellipsis, like as you say أمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ as well as أَمَّا ثَمُودَ, in the Kur xli. 16, accord. to different readers,) Whatever be the case, &c., wine (drink not), drink not thou it]: and أَمَّا زَيْدٌ فَخَرَجَ [Whatever be the case, &c., with respect to other things, Zeyd has gone forth; or whatever be the case with respect to others, as for Zeyd, he has gone forth]: whereas إِمَّا [which see in the next paragraph] is used in expressing a condition and in expressing doubt and in giving option and in taking option. (T.) b5: [IHsh says that in his opinion,] in the phrase أَمَّا العَبِيدَ فَذُو عَبِيدٍ, thus heard, with العبيد in the accus. case, the meaning is, مَهَما ذَكَرْتَ [&c., i. e. Whenever thou mentionest the slaves, he is a possessor of slaves: but I would rather say that the meaning is, أَمَّا ذِكْرُكَ العَبِيدَ, &c., i. e. as for thy mentioning the slaves, &c.]: and so in similar phrases which have been heard. (Mughnee.) A2: Distinct from the foregoing is أَمَّا in the saying in the Kur [xxvii. 86], أَمَّا ذاكُنْتُمْ تَعمَلُونَ [Or rather, what is it that ye were doing?]: for here it is a compound of the unconnected أَمْ and the interrogative مَا (Mughnee.) A3: So too in the saying of the poet, أَبَا خُرَاشَةَ أَمَّا أَنْتَ ذَا نَسفَرٍ

فَإنَّ قُوْمِىَ لَمْ تَأكُلْهُمُ الضَّبُعُ [O Aboo-Khurásheh, because thou wast possessor of a number of men dost thou boast? Verily, my people, the year of dearth, or of sterility, hath not consumed them]: for here it is a compound of the أَنْ termed مَصُدَرِيَّة [which combines with a verb following it to form an equivalent to an inf. n.] and the redundant مَا: أَمَّا أَنْتَ is for لِأَنْ كُنْتَ; the preposition and the verb are suppressed for the sake of abridgment, so that the pronoun [تَ in كُنْتَ] becomes separate; and مَا is substituted for the verb [thus deprived of its affixed pronoun], and the ن [of ان] is incorporated into the م [of ما]. (Mughnee.) [See another reading of this verse voce إِمَّا; and there also, immediately after, another ex. (accord. to the Mughnee) of أَمَّا used in the manner explained above. See also أَنْ as a conditional particle, like إِنْ.]

A4: Also i. q. إِمَّا, q. v. (Mughnee, K.) إِمَّا is sometimes written أَمَّا, and sometimes its first م is changed into ى, [forming أَيْمَا or إِيْمَا or both, as will be shown below,] (Mughnee, [in my copy of which it is written أَيْمَا, and so in some copies of the K,] and K, [in some copies of which it is written إيمَا,]) and it is held by Sb to be a compound of إِنْ and مَا, (Mughnee,) or as denoting the complement of a condition it is a compound of إِنْ and مَا. (M, K.) b2: It denotes doubt; (Ks, T, Mughnee, K;) as in مَا أَدْرِى مَنْ قَامَ إِمَّا زَيْدٌوإِمَّا عَمْرٌو [I know not who stood: either Zeyd or 'Amr]: (Ks, T:) and جَآءَنِى إِمَّا زَيْدٌ وَإِمَّا عَمْرٌو [There came to me either Zeyd or 'Amr], said when one knows not which of them came. (Mughnee, K.) b3: It also denotes vagueness of meaning; as in [the Kur ix. 107,] إِمَّا يُعَذِّبُهُم وأمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ [Either He will punish them or He will turn unto them with forgiveness]. (Mughnee, K.) b4: It also denotes giving option; as in [the Kur xviii. 85,] إِمَّا أَن تُعَذِّبَ وإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيِهِمْ حُسْناً [Either do thou punish, or do thou what is good to them]. (Mughnee, K.) b5: It also denotes the making a thing allowable; as in تَعَلَّمْ إِمَّا فِقْهًا وإِمَّا نَحْوًا [Learn thou either low or syntax; (an ex. given in the T, on the authority of Ks, as an instance of the usage of إِمَّا to denote giving option;)] but its use with this intent is disputed by some, (Mughnee, K,) while they assert it of أَوْ. (Mughnee.) b6: It is also used as a partitive; as in [the Kur lxxvi. 3,] إمَّا شَاكِراً و إمَّا كَفُورًا [Either, or whether, being thankful or being unthankful]; (Mughnee, K;) the two epithets being here in the accus. case as denotatives of state: or, accord. to the Koofees, إمَّا may be here [a compound of] the conditional إِنْ and the redundant مَا; كَانَ, accord. to Ibn-EshShejeree, being understood after it: (Mughnee:) and Fr says that the meaning is, إِنْ شَكَرَ وَإِنْ كَفَرَ [if he be thankful and if he be unthankful]. (T.) b7: It also denotes taking option; as in the saying, لِى دَارٌ بِالكُوفَةِ فَأنَا خَارِجٌ إلَيْهَا فَإمَّا أَنْ أَسْكُنَهَا وإِمَّا أَنْ

أَبِيعَهَا [I have a house in El-Koofeh, and I am going forth to it, and either I will inhabit it or I will sell it: but this is similar to the usage first mentioned above]. (Ks, T.) b8: It is a conjunction, (S in art. امو, and Mughnee,) accord. to most authorities, i. e., the second إِمَّا in the like of the saying, جَاءَنِى إمَّا زَيْدٌ وإِمَّا عَمْرٌو [mentioned above]; (Mughnee;) used in the manner of أَوْ in all its cases except this one, that in the use of او you begin with assurance, and then doubt comes upon you; whereas you begin with إِمَّا in doubt, and must repeat it; as in the saying last mentioned: (S: [and the like is said in the Mughnee, after the explanations of the meanings:]) but some assert that it is like the first إِمَّا, not a conjunction; because it is generally preceded by the conjunction و: and some assert that إِمَّا conjoins the noun with the noun, and the و conjoins إِمَّا with إِمَّا; but the conjoining of a particle with a particle is strange. (Mughnee.) b9: Sometimes the و is suppressed; as in the following verse, (Mughnee,) of El-Ahwas; (S;) يَا لَيْتَمَا أُمُّنِا شَالَتْ نَعَامَتُهَا

أَيْمَا إِلَى جَنَّةٍ أَيْمَا إِلَى نَارِ [O, would that our mother took her departure, either to Paradise or Hell-fire!]; (S,* Mughnee, K;) cited by Ks, with ايما for إِمَّا: (T:) and sometimes it is with kesr [i. e. إِيمَا]: (S:) IB says that it is correctly إِمَّا, with kesr; asserting the original to be إِمَّا, with kesr, only. (TA.) b10: And sometimes the former مَا is dispensed with; as in the following verse, (Mughnee,) which shows also that مَا is sometimes suppressed; سَقَتْهُ ارَّوَاعِدُ مِنْ صَيِّفٍ

وَإِنْ مِنْ خَرِيفٍ فَلَنْ يَعْدَمَا [The thundering clouds of summer-rain watered him, or of autumn-rain; so he will not want sufficient drink]: i. e. إِمَّا مِنْ صَيِّفٍ وَإِمَّا مِنْ خَرِيفٍ. (Mughnee, K.) Mbr and As say that إِنْ is here conditional, and that the ف is its complement: but this assertion is of no weight; for the object is the description of a mountain-goat as having sufficient drink in every case: AO says that إِنْ in this verse is redundant. (Mughnee.) b11: Sometimes, also, one does not require to mention the second إِمَّا, by mentioning what supplies its place; as in the saying, إِمَّا أَنْ تَتَكَلَّمَ بِخَيْرٍ

وَإِلَّا فاسْكُتْ [Either do thou speak what is good or else be silent]. (Mughnee.) [See art. الا, near its end.]

A2: Distinct from the foregoing is إِمَّا in the saying in the Kur [xix. 26], فَإِمَّأِتَريِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًاِ [And if thou see, of mankind, any one]: for this is [a compound of] the conditional إِن and the redundant مَا. (S * in art. امو, and Mughnee.) [In like manner,] you say, in expressing a condition, إِمَّا تَشْتِمَنَّ زْيدًا فَإِنَّهُ يَحْلُمُ عَنْكَ [If thou revile Zeyd, he will treat thee with forbearance]. (Ks, T.) And إِمَّا تَأْتِنِي أُكِْرِمْكَ [If thou come to me, I will treat thee with honour]. (S.) b2: In the following saying, إِمَّا أَنْتَ مُنْطَلِقًا انْطَلَقْتُ [If thou be going away, I go away], the مَا is not that which restrains the particle to which it is subjoined from governing, but is a substitute for a verb; (K and TA in art. مَا;) as though the speaker said, إِذَا صِرْتَ مُنْطَلِقًا [or rather إِنْ صِرْتَ]. (TA in that art.) And hence the saying of the poet, [of which a reading different from that here following has been given voce أَمَّا,] أَبَا خُرَاشَةَ إِمَّا أَنْتَ ذَا نَسفَرٍ

فَإنَّ قَوْمِىَ لَمْ تَإْكُلْهُمُ الضَّبُغُ [O Aboo-Khurásheh, if thou be possessor of a number of men, verily, my people, the year of dearth, or of sterility, hath not consumed them]; as though he said, إِنْ كُنْتُ ذَا نَفَرٍ. (TA in that art.) [But IHsh states the case differently; saying,] An instance of أَمَّا أَنْتَ مُنطَلِقًا انْطَلَقْتُ not used to restrain from governing, but as a substitute for a verb, occurs in the saying, أَمَّا أَنْتَ مُنطَلِقًا اِنْطَلَقْتُ [ Because thou wast going away, I went away]; originally, اِنْطَلَقْتُ لِأَنْ كُنْتَ مُنطَلِقاً: [for an explanation of which, see what is said of أَمَّا أَنْتَ in a reading of the verse commencing with أَبَا خُرَاشَة voce أَمَّا:] but accord. to El-Fárisee and IJ, the government belongs to مَا; not to كَانَ [or كُنْتَ]. (Mughnee in art. مَا.) b3: So too in the saying, اِفْعَلْ هذَا

إِمَّالَا, meaning إِنْ كُنْتَ لَاتَفْعَلُ غَيْرَهُ [i. e. Do thou this if thou wilt not do another thing; or do thou this at least]; (Mughnee and K, each in art. مَا;) indicating a person's refusal to do [fully] that which he is ordered to do: (TA in that art.:) or إِمَّالَا فَافْعَلْ كَذَا, meaning if thou wilt not do that, then do thou this; the three particles [إِنْ and مَا and لَا] being made as one word: so says Lth: (T:) [J says,] إِمَّالَا فَافْعَلْ كَذَا is pronounced with imáleh, [i. e. “ immá-lè,”] and is originally إِن لَا with مَا as a connective; and the meaning is, if that thing will not be, then do thou thus: (S in art. لَا:) [but] AHát [ disallows this pronunciation, and] says, sometimes the vulgar, in the place of اِفْعَلْ ذٰلِكَ إِمَّالَا, say, اِفْعَلْ ذٰلِكَ بَارِى

[Do thou that at least]; but this is Persian, and is rejected as wrong: and they say also, أُمَّالَىْ, with damm to the ا [and with imáleh in the case of the final vowel, and thus it is vulgarly pronounced in the present day]; but this too is wrong; for it is correctly إِمَّالَا, [with kesr, and] not pronounced with imáleh, for particles [in general] are not thus pronounced: (T:) and the vulgar also convert the hemzeh into ه with damm [saying هُمَّالَىْ]. (TA in art. مَا.) [Fei says,] لَا is a substitute for the verb in the saying, إِمَّالَا فَافْعَلْ هٰذَا, the meaning being If thou do not that, then [at least] do thou this: the origin thereof is this; that certain things are incumbent on a man to do, and he is required to do them, but refuses; and then one is content with his doing some, or a part, of them, and says to him thus: i. e., if thou wilt not do all, then do thou this: then the verb is suppressed, on account of the frequency of the usage of the phrase, and مَا is added to give force to the meaning: and some say that it is for this reason that لَا is here pronounced with imáleh; because it serves for the verb; like as بَلَى is, and the vocative يَا: but it is said that it is correctly pronounced without imáleh; because particles [in general] are not pronounced therewith; as Az says. (Msb in art. لَا.) [El-Hareeree says that]

إِمَّالَا is properly [a compound of] three particles, which are إِنْ and مَا and لَا, made as one word, and the ا at the end thereof is like the ا of حُبَارَى

[in which it is written ى, agreeably with rule]; wherefore it is pronounced with imáleh, like as is the ا of this latter word. (Durrat el-Ghowwás, in De Sacy's Anthol. Gr. Ar. p. 57 of the Arabic text.) In the Lubáb it is said that لَا is used as a negative of the future, as in لا تَفْعَلْ; and the verb [in إِمَّالَا] is suppressed; so it [لا] serves as a substitute in the saying, اِفْعَلْ هٰذَا إِمَّالَا; therefore they pronounce its ا with imáleh: and IAth says that the Arabs sometimes pronounced لَا with a slight imáleh; and the vulgar make the imáleh thereof full, so that its ا becomes ى; but this is wrong. (TA.) You say also, خُذْ هٰذَا إِمَّالَا, meaning Take thou this if thou take not that. (T.) It is related that the Prophet saw a runaway camel, and said, “To whom belongeth this camel? ”

when, lo, some young men of the Ansár said, “ We have drawn water upon him during twenty years, and yet he has in him fat; so we desired to slaughter him; but he escaped from us. ” He said, “Will ye sell him? ” They answered, “No: but he is thine. ” And he said, إِمَّالَا فأَحْسِنُوا إِلَيْهِ حَتَّى يأْتِيَهُ أَجَلُهُ, meaning If ye will not sell him, act well to him until his term of life come to him. (T.)

التّنوين

التّنوين:
[في الانكليزية] Morphemes» un ،an ،in «،added at the end of the indefite noun
[ في الفرنسية] Morphemes un ،an ،in ،ajoutes a la fin du nom indefini
هو في الأصل مصدر نونته أي أدخلته نونا. وفي اصطلاح النحاة نون ساكنة تتبع حركة آخر الكلمة لا لتأكيد الفعل. فقولهم ساكنة أي بذاتها فلا تضرّها الحركة العارضة مثل عادا الأولى وهي شاملة لنون من ولدن، فخرجت بقولهم تتبع حركة آخر الكلمة. وإنّما لم يقل تتبع الآخر لأنّ المتبادر من متابعتها الآخر لحوقها به من غير تخلّل شيء، وهاهنا الحركة متخلّلة بين آخر الكلمة والتنوين. ولم يقل آخر الاسم ليشمل تنوين الترنّم في الفعل. والقيد الأخير لإخراج نون التأكيد الخفيفة، كذا في الفوائد الضيائية.

وفي المغني: النون تأتي على أربعة أوجه. الأول نون التأكيد وهي خفيفة وثقيلة، وهما أصلان عند البصريين. وقال الكوفيون الثقيلة أصل. قال الخليل: التوكيد بالثقيلة أبلغ وتختصان بالفعل.
والثاني نون الإناث نحو يذهبن وهي اسم خلافا للمازني. والثالث نون الوقاية وتسمّى نون عماد أيضا وهي تلــحق قبل ياء المتكلم المنتصبة بواحد من ثلاثة: الفعل واسم الفعل والحرف لحفظ حركة ما قبلها، ولذا سمّيت نون وقاية.
والرابع التنوين وهو نون ساكنة زائدة تلــحق آخر الكلمة بغير توكيد فخرج نون حسن ونون لنسفعا وأقسامه خمسة. تنوين التمكن وهو اللاحق للاسم المعرب المنصرف إعلاما ببقائه على أصله ويسمّى تنوين الأمكنية. وتنوين الصرف أيضا كزيد ورجل. وتنوين التنكير وهو اللاحق لبعض الأسماء المبنية فرقا بين معرفتها ونكرتها كصه ومه. وتنوين المقابلة كمسلمات جعل في مقابلة لنون في مسلمين، وقيل هو عوض من الفتحة نصبا، وقيل وهو تنوين التمكن. وتنوين العوض وهو اللاحق عوضا من حرف أصلي أو زائد أو مضاف إليه مفردا وجملة كتنوين جوار عوض من الياء المحذوفة وجندل فإنه عوض من ألف جنادل، قاله ابن مالك. ونحو كل وبعض إذا قطعا عن الإضافة، ونحو يومئذ. وتنوين الترنّم وهو اللاحق للقوافي المطلقة بدلا من حروف الإطلاق وهو الألف والياء والواو.
والذي صرّح به سيبويه وغيره من المــحقــقين أنه جيء به لقطع الترنم وهو التغني الذي يحصل بحروف الإطلاق لقبولها مدّ الصوت، فإذا أنشدوا ولم يترنّموا جاءوا بالنون في مكانها، ولا يختص هذا التنوين بالاسم. وزاد الأخفش والعروضيون تنوينا سادسا سمّوه الغالي بالغين المعجمة وهو اللاحق للقوافي المقيّدة، سمّي به لتجاوزه حدّ الوزن ويسمّي الأخفش الحركة التي قبلها غلوا، وفائدته الفرق بين الوقف والوصل.
وجعله ابن بعيش من نوع تنوين الترنّم زاعما أن الترنّم يحصل نفسها لأنها حرف أغن. وأنكر الزجاج والسيرافي ثبوت هذا التنوين البتة لأنه يكسر الوزن. واختار هذا ابن مالك. وزعم أبو الحجاج بن مغرور أنّ ظاهر كلام سيبويه في المسمّى تنوين الترنّم أنه نون عرضت من المدّة وليس بتنوين. وزعم مالك في التّحفة أنّ
موسوعة كشاف اصطلاحات الفنون والعلوم ج 1 520 التنوين: ..... ص: 519

جعله ابن بعيش من نوع تنوين الترنّم زاعما أن الترنّم يحصل نفسها لأنها حرف أغن. وأنكر الزجاج والسيرافي ثبوت هذا التنوين البتة لأنه يكسر الوزن. واختار هذا ابن مالك. وزعم أبو الحجاج بن مغرور أنّ ظاهر كلام سيبويه في المسمّى تنوين الترنّم أنه نون عرضت من المدّة وليس بتنوين. وزعم مالك في التّحفة أنّ تسمية اللاحق للقوافي المطلقة والمقيدة تنوينا مجاز وإنّما هو نون أخرى زائدة، ولهذا لا يختص بالاسم ويجامع الألف واللام ويثبت في الوقف. وزاد بعضهم سابعا وهو تنوين الضرورة وهو اللاحق لما لا ينصرف والمنادى المضموم.
وثامنا هو التنوين الشاذ وفائدته مجرد تكثير اللفظ. وذكر ابن الخبّاز في شرح الجزولية أن أقسام التنوين عشرة وجعل كلا من تنوين المنادي وتنوين صرف ما لا ينصرف قسما برأسه. والعاشر تنوين الحكاية مثل ان تسمّي رجلا لعاقلة لبيبة انتهى.
والنون عند الصوفية عبارة عن انتقاش صور المخلوقات بأحوالها وأوصافها كما هي عليه جملة واحدة. وذلك الانتقاش هو عبارة عن كلمة الله لها كن، فهي تكون على حسب ما جرى به القدر في اللوح المحفوظ الذي هو مظهر لكلمة الحضرة، لأنّ كل ما يصدر من لفظ كن فهو تحت حيطة اللوح المحفوظ، فلذا قلنا إنّ النون مظهر لكلام الله تعالى وكناية عن اللوح المحفوظ، فهو كتاب الله أيضا، والتوضيح في الإنسان الكامل في باب الصفة.

ويقول في لطائف اللغات: النون في اصطلاح الصوفية عبارة عن العلم الإجمالي للحضرة الأحديّة. وهي عند بعضهم كناية عن العقل الكلّي، وعند صاحب الفتوحات المكية (ابن عربي) فهي عبارة عن العرش العظيم، وعند فريق آخر كناية عن بحر النور. ومرجع الجميع واحد. ويقول في كشف اللغات: النون في اصطلاح المتصوفة اسم من أسماء الله تعالى وهو تجلّي الــحقّ بالاسم الظاهر في كلّ مجمع الأكوان.
Learn Quranic Arabic from scratch with our innovative book! (written by the creator of this website)
Available in both paperback and Kindle formats.