وَإِذَا تُجَوِّزُهَا حِبَــالُ قَبِيلَةٍ ... أَخَذَتْ مِنَ الْأُخْرَى إِلَيْكَ حِبَــالَهَا
وَيُرِيدُ الْأَمَانَ وَعُهُودَ الْخِفَارَةِ. يُرِيدُ أَنَّهُ يُخْفَرُ مِنْ قَبِيلَةٍ حَتَّى يَصِلَ إِلَى قَبِيلَةٍ أُخْرَى، فَتَخْفِرُ هَذِهِ حَتَّى تَبْلُغَ. وَالْــحِبَــالَةُ: حِبَــالَةُ الصَّائِدِ. وَيُقَالُ احْتَبَلَ الصَّيْدَ، إِذَا صَادَهُ بِالْــحِبَــالَةِ. قَالَ الْكُمَيْتُ:
وَلَا تَجْعَلُونِي فِي رَجَائِيَ وُدَّكُمْ ... كَرَاجٍ عَلَى بَيْضِ الْأَنُوقِ احْتِبَالَهَا
لَا تَجْعَلُونِي كَمَنْ رَجَا مَنْ لَا يَكُونُ ; لِأَنَّ الرَّخَمَةَ لَا يُوصَلُ إِلَيْهَا، فَمَنْ رَجَا أَنْ يَصِيدَهَا عَلَى بَيْضِهَا فَقَدْ رَجَا مَا لَا يَكُونُ.
وَأَمَّا قَوْلُ لَبِيدٍ:
وَلَقَدْ أَغْدُو وَمَا يُعْدِمُنِي ... صَاحِبٌ غَيْرُ طَوِيلِ الْمُحْتَبَلْ
فَإِنَّهُ يُرِيدُ بِمُحْتَبَلِهِ أَرْسَاغَهُ، لِأَنَّ الْــحَبْــلَ يَكُونُ فِيهَا إِذَا شُكِلَ.
وَيُقَالُ لِلْوَاقِفِ مَكَانَهُ لَا يَفِرُّ. " حَبِــيلُ بَرَاحٍ "، كَأَنَّهُ مَــحْبُــولٌ، أَيْ قَدْ شُدَّ بِالْــحِبَــالِ. وَزَعَمَ نَاسٌ أَنَّ الْأَسَدَ يُقَالُ لَهُ حَبِــيلُ بَرَاحٍ.
وَمِنَ الْمُشْتَقِّ مِنْ هَذَا الْأَصْلِ الْــحِبْــلُ، بِكَسْرِ الْحَاءِ، وَهِيَ الدَّاهِيَةُ. قَالَ:
فَلَا تَعْجَلِي يَا عَزُّ أَنْ تَتَفَهَّمِي ... بِنُصْحٍ أَتَى الْوَاشُونَ أَمْ بِــحُبُــولِ
وَوَجْهُهُ عِنْدِي أَنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا دُهِيَ فَكَأَنَّهُ قَدْ حُبِــلَ، أَيْ وَقَعَ فِي الْــحِبَــالَةِ، كَالصَّيْدِ الَّذِي يُــحْبَــلُ. وَلَيْسَ هَذَا بِبَعِيدٍ. وَمِنَ الْبَابِ الْــحَبَــلُ، وَهُوَ الْحَمْلُ، وَذَلِكَ أَنِ الْأَيَّامَ تَمْتَدُّ بِهِ. وَأَمَّا الْكَرْمُ فَيُقَالُ لَهُ حَبْــلَةٌ وَــحَبَــلَةٌ، وَهُوَ مِنَ الْبَابِ، لِأَنَّهُ فِي نَبَاتِهِ كَالْأَرْشِيَةِ. وَأَمَّا الْــحُبْــلَةُ فَثَمَرُ الْعِضَاهِ. وَقَالَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ: «كُنَّا نَغْزُو مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَمَا لَنَا طَعَامٌ إِلَّا الْــحُبْــلَةُ وَوَرَقُ السَّمُرِ» ". وَفِيمَا أَحْسَبُ أَنَّ الْــحُبْــلَةَ، وَهِيَ حَلْيٌ يُجْعَلُ فِي الْقَلَائِدِ، مِنْ هَذَا، وَلَعَلَّهُ مُشَبَّهٌ بِثَمَرِهِ. قَالَ:
وَيَزِينُهَا فِي النَّحْرِ حَلْيٌ وَاضِحٌ ... وَقَلَائِدٌ مِنْ حُبْــلَةٍ وَسُلُوسِ