عبــقر: عَبْــقَر: موضع بالبادية كثير الجن. يقال في المثل: كأَنهم جِنُّ
عَبْــقَر؛ فأَما قول مَرَّار بن مُنْقِذٍ العَدَوي:
هل عَرَفْتَ الدارَ أَم أَنكرتَهَا
بَيْنَ تِبْراكٍ فَشَمَّيْ عَبَــقُرْ؟
وفي الصحاح: فَشَسَّيْ عَبَــقُرْ، فإِن أَبا عثمان ذهب إِلى أَنه أَراد
عَبْــقَر فغير الصيغة؛ ويقال: أَراد عبَــيْقُر فحذف الياء، وهو واسع جدّاً؛
قال الأَزهري: كأَنه توهم تثقيل الراء وذلك أَنه احتاج إِلى تحريك الباء
لإِقامة الوزن، فلو ترك القاف على حالها مفتوحة لتحول البناء إِلى لفظ
لم يجئ مثله، وهو عَبَــقَر، لم يجئ على بنائه ممدود ولا مُثَقَّل، فلما
ضم القاف توهم به بناء قَرَبوسٍ ونحوه والشاعر يجوز له أَن يَقْصُِر قربوس
في اضطرار الشعر فيقول قَرَبُس، وأَحسن ما يكون هذا البناء إِذا ذهب حرف
المدّ منه أَن يثقل آخره لأَن التثقيل كالمد؛ قال الجوهري: إِنه لما
احتاج إِلى تحريك الباء لإِقامة الوزن وتَوَهَّمَ تشديد الراء ضم القاف لئلا
يخرج إِلى بناء لم يجئ مثله فأَلحقه ببناءٍ جاء في المَثَل، وهو قولهم
هو أَبْردُ من عَبَــقُرٍّ، ويقال: حَبَقُرٍّ كأَنهما كلمتان جُعِلَتا
واحدة لأَن أَبا عمرو بن العلاء يرويه أَبرد من عَبِّ قُرٍ؛ قال: والــعَبُّ
اسم للبَرَد الذي ينزل من المُزْن، وهو حَبُّ الغَمام، فالعين مبدلة من
الحاء. والقُرُّ: البَردُ؛ وأَنشد:
كأَنَّ فاها عَبُّ قُرٍ باردٌ،
أَو ريحُ مسك مَسَّه تَنْضاحُ رِكْ
ويروى:
كأَنَّ فاها عَبْــقَرِيٌّ بارد
والرِّكُّ: المطر الضعيف، وتَنْضاحُهُ: ترشُّشه. الأَزهري: يقال إِنه
لأَبْرَدُ من عَبَــقُرٍّ وأَبرد من حَبَقُرٍّ وأَبرد من عَضْرَسٍ؛ قال:
المبرد والحَبَقُرُّ والــعَبَــقُرُّ والعَضْرَسُ البَرَدُ. الأَزهري: قال
عَبَــقُرٌّ والــعَبَــقُرُّ البَرَد. الجوهري: الــعَبْــقَرُ موضع تزعم العرب أَنه من
أَرض الجن؛ قال لبيد:
ومَنْ فادَ من إِخوانِهِم وبَنِيهِمُ،
كُهُول وشُبَّان كجنَّةِ عَبْــقَرِ
مَضَوْاً سَلَفاً قَصْدُ السبيلِ عليهمُ
بَهيّاً من السُّلاَّفِ، ليس بِجَيْدَر
أَي قصير؛ ومنها:
أَقي العِرضَ بالمال التِّلادِ، وأَشْتَري
به الحمدَ، إِن الطالبَ الحمد مُشْتَري
وكم مُشْتَرٍ من ماله حُسْنَ صِيته
لآِبائِهِ في كلّ مَبْدًى ومَحْضَرِ
ثم نسبوا إِليه كل شيء تعجبوا من حِذْقِهِ أَو جَوْدة صنعته وقوته
فقالوا: عَبْــقَرَِيٌّ، وهو واحد وجمع، والأُنثى عَبْــقَرِيَّةٌ؛ يقال: ثياب
عبــقرية. قال ابن بري: قول الجوهري الــعَبْــقرُ موضع صوابه أَن يقول عَبْــقَرٌ
بغير أَلف ولام لأَنه اسم علم لموضع؛ كما قال امرؤ القيس:
كأَنّ صَليلَ المَرْوِ، حين تشدُّهُ،
صَليلُ زُيُوفٍ يُنْتَقَدْنَ بــعَبْــقَرا
وكذلك قول ذي الرمة:
حتى كأَنَّ رِياض القُفِّ أَلْبَسَها،
من وشْيِ عَبْــقَر، تَجْليلٌ وتَنْجِيدُ
قال ابن الأَثير: عَبْــقَر قرية تسكنها الجن فيما زعموا، فكلَّما رأَوا
شَيئاً فائقاً غريباً مما يصــعب عملُه ويَدِقُّ أَو شيئاً عظيماً في نفسه
نسبوه إِليها فقالوا: عَبْــقَرِيٌّ، اتُّسِعَ فيه حتى سمي به السيّد
والكبير. وفي الحديث: أَنه كان يسجد على عَبْــقَرِيٍّ؛ وهي هذه البُسُط التي
فيها الأَصْباغ والنُّقوش، حتى قالوا ظُلْمٌ عبــقريّ، وهذا عبــقريٌّ قوم للرجل
القوي، ثم خاطبهم الله تعالى بما تعارَفوه: فقال عَبْــقَريّ حِسانٍ؛
وقرأَه بعضهم: عَبــاقِريّ، وقال: أَراد جمع عبــقريّ، وهذا خطأٌ لأَن المنسوب لا
يجمع على نسبته ولا سيما الرباعي، لا يُجْمَع الخَثْعَمِيُّ
بالخَثاعِمِيّ ولا المُهَلَّبِيُّ بالمَهالِبِيّ، ولا يجوز ذلك إِلاَّ أَن يكون
نُسِب إِلى اسم على بناء الجماعة بعد تمام الاسم نحو شيء تنسبه إِلى حَضاجِر
فتقول حضاجِرِيّ، فينسب كذلك إِلى عبــاقِر فيقال عبــاقِرِيّ، والسراويلُ
ونحو ذلك كذلك؛ قال الأَزهري: وهذا قول حُذَّاق النحويين الخليل وسيبويه
والكسائي؛ قال الأَزهري: وقال شمر قرئ عبــاقَريّ، بنصب القاف، وكأَنه منسوب
إِلى عبــاقِر. قال الفراء: الــعَبْــقَرِيّ الطنافِس الثخانُ، واحدتها
عَبــقريّة، والــعَبْــقَرِيّ الديباج؛ ومنه حديث عمر: أَنه كان يسجد على
عَبْــقَرِيّ. قيل: هو الديباج، وقيل: البسُط المَوْشِيّة، وقيل: الطنافس الثخان،
وقال قتادة: هي الزَّرابيّ، وقال سعيد بن جبير: هي عِتاقُ الزرابي، وقد
قالوا عَبــاقِر ماء لبني فزارة؛ وأَنشد لابن عَنمة:
أَهْلي بِنَجْدٍ ورحْلي في بيوتكمُ،
على عبــاقِرَ من غَوْريّة العلَم
قال ابن سيده: والــعَبْــقَرِيّ والــعَبــاقري ضرب من البسط، الواحدة
عَبْــقَرِيّة. قال: وعَبْــقَر قرية باليمن تُوَشَّى فيها الثياب والبسط، فثيابها
أَجود الثياب فصارت مثلاً لكل منسوب إِلى شيء رفيع، فكلما بالغوا في نعت
شيء مُتَناهٍ نسبوه إِليه، وقيل: إِنما يُنْسَب إِلى عَبْــقَر الذي هو موضع
الجن، وقال أَبو عبــيد: ما وجدنا أَحداً يدري أَين هذه البلاد ولا متى
كانت. ويقال: ظُلْمٌ عَبْــقَرِيّ ومالٌ عَبْــقَرِيّ ورجل عَبْــقَرِيّ كامل. وفي
الحديث: أَنه قصَّ رُؤيا رآها وذكر عمرَ فيها فقال: فلم أَرَ
عَبْــقَرِيّاً يَفْرِي فَرِيَّه؛ قال الأَصمعي: سأَلت أَبا عمرو بن العلاء عن
الــعَبْــقَرِيّ، فقال: يقال هذا عَبْــقَرِيُّ قومٍ، كقولك هذا سيدُ قوم وكبيرهم
وشديدهم وقويُّهم ونحو ذلك. قال أَبو عبــيد: وإِنما أَصل هذا فيما يقال أَنه
نسب إِلى عَبْــقَر، وهي أَرض يسكنها الجنُّ، فصارت مثلاً لكل منسوب إِلى
شيء رفيع؛ وقال زهير:
بِخَيْلٍ عليها جِنَّةٌ عَبْــقَريةٌ،
جَديرون يوماً أَن يَنالوا فيَسْتَعْلُوا
وقال: أَصل الــعَبْــقَرِيّ صفةٌ لكل ما بولغ في وصفه، وأَصله أَن عَبْــقَرَ
بلد يُوشَّى فيه البسُط وغيرُها، فنُسب كل شيء جيّد إِلى عَبْــقَر.
وعَبْــقَريُّ القومِ: سيدُهم، وقيل: الــعَبْــقَريّ الذي ليس فوقه شيء،
والــعَبْــقَريّ: الشديد، والــعَبْــقَرِيُّ: السيد من الرجال، وهو الفاخر من الحيوان
والجوهر. قال ابن سيده: وأَما عَبَــقُرٌ فقيل أَصله عَبَــيْقُرٌ، وقيل:
عَبَــقُور فحذفت الواو، وقال: وهو ذلك الموضع نفسه.
والــعَبْــقَرُ والــعَبْــقَرةُ من النساء: المرأَة التارّة الجميلة؛ قال:
تَبَدَّلَ حِصْنٌ بأَزواجه
عِشاراً، وعَبــقرةً عَبْــقَرا
أَراد عَبْــقَرَةً عَبْــقَرَةً فأَبدل من الهاء أَلفاً للوصل، وعَبْــقَر:
من أَسماء النساء. وفي حديث عصام: عينُ الظَّبْية الــعَبْــقَرةِ؛ يقال:
جارية عَبْــقَرةٌ أَي ناصِعَةُ اللون، ويجوز أَن تكون واحدةَ الــعَبْــقَرِ، وهو
النرْجِسُ تشبّه به العين. والــعَبْــقَرِيّ: البساطُ المُنَقّش.
والــعَبْــقَرةُ: تَلأْلُؤُ السراب. وعَبْــقَرَ السرابُ: تَلأْلأَ. والــعَبَــوْقَرة: اسم
موضع؛ قال الهجري: هو جبل في طريق المدينة من السَّيالة قبل مَللٍ
بميلين؛ قال كثير عزة:
أَهاجَك بالــعَبَــوْقَرةِ الدِّبارُ؟
نَعَمْ منّا مَنازِلُها قِفارُ
والــعَبْــقَرِيّ: الكذب البحت. كَذِبٌ عَبْــقَرِيٌّ وسُمَاقٌ أَي خالص لا
يَشوبُه صِدْق. قال الليث: والــعَبْــقَرُ أَول ما ينبت من أُصول القصب
ونحوه، وهو غضٌّ رَخْصٌ قبل أَن يظهر من الأَرض، الواحدة عَبْــقَرة؛ قال
العجاج:كَــعَبْــقَراتِ الحائرِ المَسْحور
قال: وأَولادُ الدهاقِين يقال لهم عَبْــقر، شبَّههمِ لتَرارتِهم
ونَعْمتِهم بالــعَبْــقَر؛ هكذا رأَيت في نسخ التهذيب، وفي الصحاح: عُنْقُرُ القَصَب
أَصْلُه، بزيادة النون، وهذا يحتاج إِلى نظر، والله أَعلم بالصواب.