تبيب: هدهد (طير) (شيرب. جاكسون 70. تمب 344، باجني 6 - وهو يفسر هذه الكلمة ب (جراح) فيخلط بينها وبين كلمة طبيب.
وتفسر هذه الكلمة غالبا بالعقعق الأخضر (الجريدة الآسيوية 1850، 1: 395).
وقف: الوُقوف خلاف الجُلوس، وقَف بالمكان وقْفاً ووُقوفاً، فهو واقف،
والجمع وُقْف ووُقوف، ويقال: وقَفتِ الدابةُ تَقِفُ وُقوفاً، ووقَفْتها
أَنا وَقْفاً. ووقَّفَ الدابةَ: جعلها تَقِف؛ وقوله:
أَحْدَثُ مَوْقِف من أُم سَلْمٍ
تَصَدِّيها، وأَصْحابي وُقوفُ
وُقوفٌ فوقَ عِيسٍ قد أُمِلَّتْ،
بَراهُنَّ الإناخةُ والوَجِيفُ
إنما أَراد وُقوف لإبلهم وهم فوقها؛ وقوله:
أَحدث موقف من أُم سلم
إنما أَراد أَحدث مواقفَ هي لي من أُم سلْم أَو من مواقِفِ أُم سلْم،
وقوله تَصَدِّيها إنما أَراد مُتصدّاها، وإنما قلت هذا لأُقابل الموقف الذي
هو الموضع بالمُتصدَّى الذي هو الموضع، فيكون ذلك مقابلة اسم باسم،
ومكان بمكان، وقد يكون موقفي ههنا وُقوفي، فإِذا كان ذلك فالتصدّي على وجهه
أَي أَنه مصدر حينئذ، فقابل المصدر بالمصدر؛ قال ابن بري: ومما جاء شاهداً
على أَوقفت الدابة قول الشاعر:
وقولها، والرِّكابُ مُوقَفةٌ:
أَقِمْ علينا أَخي، فلم أُقِمِ
وقوله:
قلت لها: قِفِي لنا، قالت: قافْ
إنما أَراد قد وقَفْتُ فاكتفى بذكر القاف. قال ابن جني: ولو نقل هذا
الشاعر إلينا شيئاً من جملة الحال فقال مع قوله قالت قاف: وأَمسكَت زمام
بعيرها أَو عاجَته علينا، لكان أَبين لما كانوا عليه وأَدل، على أَنها
أَرادت قفي لنا قفي لنا أَي تقول لي قفي لنا متعجبة منه، وهو إذا شاهَدها وقد
وقَفَتْ علم أَن قولها قاف إجابةٌ له لا رَدّ لقوله وتعَجُّب منه في قوله
قفي لنا.
الليث: الوَقْف مصدر قولك وقَفْتُ الدابةَ ووقَفْت الكلمة وقْفاً، وهذا
مُجاوِز، فإذا كان لازماً قلت وقفَتْ وُقوفاً. وإذا وقَّفْت الرجلَ على
كلمة قلت: وقَّفْتُه تَوْقيفاً. ووقَف الأَرض على المساكين، وفي الصحاح
للمساكين، وقْفاً: حبسَها، ووقفْتُ الدابةَ والأَرضَ وكلَّ شيء، فأَما
أَوقف في جميع ما تقدّم من الدواب والأَرضين وغيرهما فهي لغة رَديئة؛ قال
أَبو عمرو بن العلاء: إلا أَني لو مررت برجل واقف فقلت له: ما أَوْقَفَك
ههنا، لرأَيته حسَناً. وحكى ابن السكّيت عن الكسائي: ما أَوقَفك ههنا وأَيُّ
شيء أَوقفك ههنا أَي أَيُّ شيء صيَّرك إلى الوُقوف، وقيل: وقَف وأَوقَف
سواء. قال الجوهري: وليس في الكلام أَوقفْت إلا حرف واحد أَوقَفْت عن
الأَمر الذي كنت فيه أَي أَقْلَعْت؛ قال الطرماح:
قَلَّ في شَطِّ نَهْروانَ اغْتِماضِي،
ودَعاني هَوى العُيونِ المِراضِ
جامِحاً في غَوايَتي، ثم أَوقَفْـ
ـتُ رِضاً بالتُّقَى، وذُو البِرِّ راضي
قال: وحكى أَبو عمرو كلمتهم ثم أَوقفْت أَي سكتُّ، وكل شيء تُمسك عنه
تقول أَوقفت، ويقال: كان على أَمْر فأَوقَف أَي أَقصَر. وتقول: وقفْت الشيء
أَقِفه وقْفاً، ولا يقال فيه أَوقفت إلا على لغة رديئة. وفي كتابه لأَهل
نجْرانَ: وأن لا يُغيَّرَ واقِف من وِقِّيفاه؛ الواقف: خادم البِيعة
لأَنه وقَف نفسَه على خِدْمتها، والوِقِّيفى، بالكسر والتشديد والقصر:
الخدمة، وهي مصدر كالخِصِّيصى والخِلِّيفى. وقوله تعالى: ولو ترى إذ وُقِفوا
على النار، يحتمل ثلاثة أَوجه: جائز أَن يكونوا عاينوها، وجائز أَن يكونوا
عليها وهي تحتهم، قال ابن سيده: والأَجود أَن يكون معنى وُقفوا على
النار أُدخلوها فعرَفوا مِقدار عذابها كما تقول: وقفْت على ما عند فلان تريد
قد فَهِمته وتبيَّنْته. ورجل وقّاف: مُتَأَنٍّ غير عَجِل؛ قال:
وقد وقَفَتْني بينَ شكٍّ وشُبْهِةٍ،
وما كنت وقّافاً على الشُّبُهات
وفي حديث الحسن: إن المؤمن وقّاف مُتَأَنٍّ وليس كحاطِب الليل؛
والوقّاف: الذي لا يستعجل في الأَمور، وهو فَعّال من الوُقوف. والوقّاف:
المُحْجِم عن القتال كأَنه يَقِف نفسه عنه ويعوقها؛ قال دريد:
وإنْ يَكُ عبدُ اللّه خلَّى مكانَه،
فما كان وقَّافاً، ولا طائشَ اليدِ
وواقَفه مُواقفة ووِقافاً: وقفَ معه في حرب أَو خُصومة. التهذيب: أَوقفت
الرجلَ على خِزْيِه إذا كنت لا تحبسه بيدك، فأَنا أُوقِفه إيقافاً، قال:
وما لك تَقِف دابتك تحبسها بيدك.
والمَوْقِفُ: الموضع الذي تقِف فيه حيث كان.
وتَوْقِيفُ الناس في الحجّ: وُقوفهم بالمواقِف. والتوْقيف: كالنَّصّ،
وتواقفَ الفريقان في القِتال. وواقَفْته على كذا مُواقفة ووِقافاً
واسْتَوْقَفْته أَي سأَلته الوقُوف. والتوقُّف في الشيء: كالتلَوُّم فيه. وأَوقفت
الرجل على كذا إذا لم تحبسه بيدك. والواقفة: القدَم، يمانية صفة غالبة.
والمِيقَف والمِيقاف: عُودأَو غيره يسكَّن به غلَيان القِدر كأَنّ
غليانها يُوقف بذلك؛ كلاهما عن اللحياني.
والمَوْقُوف من عَروض مَشْطُور السَّريع والمُنْسَرِح: الجزء الذي هو
مفعولان، كقوله:
يَنْضَحْنَ في حافاتِها بالأَبْوالْ
فقوله بالأَبوال مفعولانْ أَصله مفعولاتُ أُسكنت التاء فصار مفعولاتْ،
فنقل في التقطيع إلى مفعولان، سمي بذلك لأَن حركة آخره وُقِفَت فسمي
موقوفاً، كما سميت مِنْ وقَطْ وهذه الأَشياء المبنية على سكون الأَواخِر
موقوفاً.
ومَوْقِفُ المرأَةِ: يداها وعيناها وما لا بدّ لها من إظهاره. الأَصمعي:
بدا من المرأَة مَوقِفُها وهو يداها وعيناها وما لا بدَّ لها من إظهاره.
ويقال للمرأَة: إنها لحسَنة الموقفين، وهما الوجه والقدَم. المحكم:
وإنها لجميلة مَوْقِف الراكِب يعني عينيها وذراعيها، وهو ما يراه الراكب
منها. ووقَّفَتِ المرأَةُ يديها بالحِنّاء إذا نقَّطت في يديها نُقَطاً.
ومَوْقِف الفرس: ما دخَل في وسَط الشاكلة، وقيل: مَوْقفاه الهَزْمتان اللتان
في كَشْحَيه. أَبو عبيد: الموقفان من الفرس نُقْرتا خاصرتيه. يقال: فرس
شديد الموقِفين كما يقال شَديدُ الجَنْبَين وحَبِطُ الموْقِفَينِ إذا كان
عظيم الجنبين؛ قال الجعدي:
شدِيدُ قِلاتِ المَوْقِفَيْنِ كأَنما
به نَفَسٌ، أَو قد أَراد ليَزْفِرا
وقال:
فَلِيق النَّسا حَبِط الموقفيـ
ـن، يَسْتَنُّ كالصدَعِ الأَشْعَبِ
وقيل: موقف الدابة ما أَشرف من صُلبه على خاصرته. التهذيب: قال بعضهم
فرس مُوَقَّف وهو أَبرشُ أَعلى الأُذنين كأَنهما منقوشتان ببياض ولو سائره
ما كان.
والوَقِيفةُ: الأُروِيَّةُ تُلْجِئها الكلاب إلى صخرة لا مَخلَص لها
منها في الجبل فلا يمكنها أَن تنزل حتى تصاد؛ قال:
فلا تَحْسَبَنِّي شَحْمةً من وَقِيفةٍ
مُطَرَّدةٍ مما تَصيدُكَ سَلْفَعُ
وفي رواية: تَسَرَّطُها مما تصيدك. وسَلْفَعُ: اسم كلبة، وقيل: الوقيفة
الطَّريدة إذا أَعْيَت من مُطاردة الكلاب. وقال الجوهري: الوقيفة
الوَعِل؛ قال ابن بري: وصوابه الوقيفة الأُرْوِيّة. وكلُّ موضع حبسَته الكلاب
على أَصحابه، فهو وَقِيفة.
ووقَّف الحديث: بيَّنه. أَبو زيد: وقَّفت الحديث توقيفاً وبيَّنته
تبييناً، وهما واحد. ووقَّفته على ذنبه أَي أَطلعته عليه. ويقال: وقَّفته على
الكلمة توقيفاً. والوَقْف: الخَلْخال ما كان من شيء من الفضة والذَّبْل
وغيرهما، وأَكثر ما يكون من الذبل، وقيل: هو السِّوار ما كان، وقيل: هو
السوار من الذَّبل والعاج، والجمع وقُوف. والمَسَكُ إذا كان من عاج فهو
وقْف، وإذا كان من ذَبْل فهو مَسَك، وهو كهيئة السِّوار. يقال: وقَّفَت
المرأَة توقيفاً إذا جعلت في يديها الوقْف. وحكى ابن بري عن أَبي عمرو:
أَوقَفَت الجاريةُ، جعلت لها وقْفاً من ذَبْل؛ وأَنشد ابن بري شاهداً على
الوقْف السوار من العاج لابن مُقْبل:
كأَنه وقْفُ عاجٍ بات مَكْنُونا
(*
قوله «مكنونا» كذا بالأصل وكتب بازائه: منكفتاً، وهو الذي في شرح
القاموس.)
والتوْقِيف: البياض مع السواد. ووُقُوف القوسِ: أَوتارُها المشدودة في
يدها ورجلها؛ عن ابن الأَعرابي؛ وقال أَبو حنيفة: التوْقِيف عقَب يُلْوَى
على القوس رَطباً لَيّناً حتى يصير كالحَلْقة، مشتق من الوقْف الذي هو
السوار من العاج؛ هذه حكاية أَبي حنيفة، جعل التوقيف اسماً كالتَّمْتين
والتنْبيت؛ قال ابن سيده: وأَبو حنيفة لا يؤمن على هذا، إنما الصحيح أَن
يقول: التوقيف أَن يُلْوى العَقَبُ على القوس رطباً حتى يصير كالحلقة،
فيُعَبَّر عن المصدر بالمصدر، إلاَّ أَنْ يثبت أَن أَبا حنيفة ممن يعرف مثل
هذا، قال: وعندي أَنه ليس من أَهل العلم به ولذلك لا آمنه عليه وأَحمله على
الأَوسع الأَشيع. والتوقيف أَيضاً: لَيُّ العَقَب على القوس من غير عيب.
ابن شميل: التوقيف أَن يُوَقِّف على طائفَي القوس بمضائغ من عَقَب قد
جعلهن في غِراء من دماء الظِّباء فيجئن سوداً، ثم يُغْلى على الغِراء
بصَدإِ أَطراف النَّبْل فيجيء أَسود لازقاً لا ينقطع أَبداً. ووقْفُ الترس:
المستدير بحافته، حديداً كان أَو قَرْناً، وقد وقَّفه. وضَرع مُوقَّف: به
آثار الصِّرار؛ وأَنشد ابن الأَعرابي:
إبْلُ أَبي الحَبْحاب إبْلٌ تُعْرَفُ،
يَزِينُها مُجَفَّفٌ مُوَقَّفُ
قال ابن سيده: هكذا رواه ابن الأَعرابي مجفف، بالجيم، أَي ضَرْع كأَنه
جُفٌّ وهو الوَطْب الخَلَقُ، ورواه غيره محفَّف، بالحاء، أَي ممتلئ قد
حَفَّت به. يقال: حَفَّ القوم بالشيء وحفَّفوه أَحدقوا به. والتوقيفُ:
البياض مع السواد. ودابة موقَّفة توقِيفاً وهو شِيَتُها. ودابة موقَّفة: في
قوائمها خُطوط سود؛ قال الشماخ:
وما أَرْوَى، وإنْ كَرُمَتْ علينا،
بأَدْنَى من مُوقَّفة حَرُونِ
واستعمل أَبو ذؤيب التوقيف في العُقاب فقال:
مُوقَّفة القَوادِم والذُّنابَى،
كأَنَّ سَراتها اللَّبَن الحَلِيبُ
أَبو عبيد: إذا أَصاب الأَوْظِفة بياض في موضع الوقْف ولم يعْدها إلى
أَسفل ولا فوق فذلك التوقيف. ويقال: فرس موقَّف. الليث: التوقيف في قوائم
الدابة وبقر الوحش خُطوط سود؛ وأَنشد: شَيْباً موقَّفا. وقال آخر:
لها أُمٌّ مُوَقَّفةٌ رَكُوبٌ،
بحيثُ الرَّقْوُ مَرْتَعُها البَريرُ
ورجل موقَّف: أَصابته البَلايا هذه عن اللحياني. ورجل موقَّف على الحق:
ذَلول به. وحمار موقَّف؛ عنه أَيضاً: كُوِيتْ ذراعاه كَيّاً مستديراً؛
وأَنشد:
كَوَيْنا خَشْرَماً في الرأْس عَشْراً،
ووقَّفْنا هُدَيْبةً، إذ أَتانا
اللحياني: المِيقَفُ والمِيقافُ العُودُ الذي تُحرّك به القِدر ويسكَّن
به غليانها، وهو المِدْوَمُ والمِدْوامُ؛ قال: والإدامة ترك القِدْر على
الأَثافي بعد الفراغ. وفي حديث الزبير وغَزوة حُنَيْن: أَقبلت معه فوقفت
حتى اتَّقَفَ الناسُ كلهم أَي حتى وقَفُوا؛ اتَّقف مطاوع وقَف، تقول:
وقَفْته فاتّقف مثل وعدْته فاتَّعَد، والأَصل فيه اوْتَقف، فقلبت الواو ياء
لسكونها وكسر ما قبلها، ثم قلبت الياء تاءً وأُدْغمت في تاء الافتعال.
وواقفٌ: بطن من الأَنصار من بني سالم بن مالك بن أَوْس. اين سيده: وواقف
بطن من أَوس اللاَّتِ. والوقّاف: شاعر معروف.
نمي: النَّماءُ: الزيادة. نَمَى يَنْمِي نَمْياً ونُمِيّاً ونَماءَ: زاد
وكثر، وربما قالوا يَنْمُو نُمُوًّا. المحكم: قال أَبو عبيد قال الكسائي
ولم أَسمع يَنْمُو، بالواو، إِلا من أَخَوين من بني سليم، قال: ثم سأَلت
عنه جماعة بني سليم فلم يعرفوه بالواو؛ قال ابن سيده: هذا قول أَبي
عبيد، وأَما يعقوب فقال يَنْمى ويَنْمُو فسوَّى بينهما، وهي النَّمْوة،
وأَنْماه الله إِنْماءً. قال ابن بري: ويقال نَماه اللهُ، فيعدّى بغير همزة،
ونَمَّاه، فيعدِّيه بالتضعيف؛ قال الأَعور الشَّنِّي، وقيل: ابن
خَذَّاق:لقَدْ عَلِمَتْ عَمِيرةُ أَنَّ جارِي،
إِذا ضَنَّ المُنَمِّي، من عِيالي
وأَنْمَيْتُ الشيءَ ونَمَّيْته: جعلته نامياً. وفي الحديث: أَن رجلاً
أَراد الخروج إِلى تَبُوكَ فقالت له أُمه أَو امرأَته كيف بالوَدِيِّ؟
فقال: الغَزْوُ أَنْمَى للوَدِيِّ أَي يُنَمِّيه الله للغازي ويُحْسن خِلافته
عليه. والأَشياءُ كلُّها على وجه الأَرض نامٍ وصامِتٌ: فالنَّامي مثل
النبات والشجر ونحوِه، والصامتُ كالحجَر والجبل ونحوه. ونَمَى الحديثُ
يَنْمِي: ارتفع. ونَمَيتُه: رَفَعْته. وأَنْمَيْتُه: أَذَعْته على وجه
النميمة، وقيل: نَمَّيته، مشدَّداً، أَسندته ورفعته، ونَمَّيته، مشدداً أَيضاً:
بَلَّغته على جهة النميمة والإِشاعة، والصحيح أَن نَمَيْته رفعته على
وجه الإِصلاح، ونَمَّيته، بالتشديد: رفعْته على وجه الإِشاعة أَو النميمة.
وفي الحديث أَنَّ النبي،صلى الله عليه وسلم،قال: ليس بالكاذب مَن أَصلح
بين الناس فقال خيراً ونَمَى خيراً؛ قال الأَصمعي: يقال نَمَيْتُ حديث
فلان، مخففاً، إِلى فلان أَنْمِيه نَمْياً إِذا بَلَّغْته على وجه الإِصلاح
وطلب الخير، قال: وأَصله الرفع، ومعنى قوله ونَمَى خيراً أَي بلغ خيراً
ورفع خيراً. قال ابن الأَثير: قال الحربي نَمَّى مشددة وأَكثر المحدثين
يقولونها مخففة، قال: وهذا لا يجوز ، وسيدنا رسول الله،صلى الله عليه
وسلم، لم يكن يَلْحَن، ومن خفف لزمه أَن يقول خير بالرفع، قال: وهذا ليس بشيء
فإنه ينتصب بنَمَى كما انتصب بقال، وكلاهما على زعمه لازمان، وإنما
نَمَى متعدّ، يقال: نَمَيْت الحديث أَي رفعته وأَبلغته. ونَمَيْتُ الشيءَ على
الشيء: رفعته عليه. وكل شيء رفعته فقد نَمَيْته ؛ ومنه قول النابغة:
فعَدَّ عمَّا تَرَى، إذْ لا ارْتِجاعَ له،
وانْمِ القُتُودَ على عَيرانةٍ أُجُدِ
ولهذا قيل: نَمَى الخِضابُ في اليد والشعر إنما هو ارتفع وعلا وزاد فهو
يَنْمِي، وزعم بعض الناس أَن يَنْمُو لغة. ابن سيده: ونَما الخِضاب
ازداد حمرة وسواداً؛ قال اللحياني: وزعم الكسائي أَن أَبا زياد أَنشده:
يا حُبَّ لَيْلى ، لا تَغَيَّرْ وازْدَدِ
وانْمُ كما يَنْمُو الخِضلبُ في اليَدِ
قال ابن سيده: والرواية المشهورة وانْمِ كما يَنْمِي. قال الأَصمعي:
التَّنْمِيةُ من قولك نَمّيت الحديث أُنَمِّيه تَنْمِية بأَن تُبَلِّغ هذا
عن هذا على وجه الإفساد والنميمة، وهذه مذمومة والأُولى محمودة، قال:
والعرب تَفْرُق بين نَمَيْت مخففاً وبين نَمّيت مشدداً بما وصفت، قال: ولا
اختلاف بين أَهل اللغة فيه. قال الجوهري: وتقول نَمَيْتُ الحديثَ إلى غيري
نَمْياً إِذا أَسندته ورفعته؛ وقول ساعدة بن جؤية:
فَبَيْنا هُمُ يَتّابَعُونَ ليَنْتَمُوا
بِقُذْفِ نِيافٍ مُسْتَقِلٍّ صُخُورُها
أَراد: ليَصْعدُوا إلى ذلك القُذْفِ. ونَمَيْتُه إلى أَبيه نَمْياً
ونُمِيًّا وأَنْمَيْتُه: عَزَوته ونسبته. وانْتَمَى هو إليه: انتسب . وفلان
يَنْمِي إلى حسَبٍ ويَنْتمِي: يرتفع إليه. وفي الحديث: مَن ادَّعَى إلى
غير أَبيه أَو انتَمَى إلى غير مواليه أَي انتسب إليهم ومال وصار معروفاً
بهم. ونَمَوْت إليه الحديثَ فأَنا أَنْمُوه وأَنْمِيه، وكذلك هو يَنْمو
إلى الحسب ويَنْمِي، ويقال: انْتَمَى فلان إلى فلان إذا ارتفع إليه في
النسب. ونَماه جَدُّه إذا رَفع إليه نسبه؛ ومنه قوله:
نَماني إلى العَلْياء كلُّ سَمَيْدَعٍ
وكلُّ ارتفاعٍ انتماءٌ. يقال: انْتَمَى فلان فوق الوِسادة؛ ومنه قول
الجعدِي:
إذا انْتَمَيا فوقَ الفِراشِ ، عَلاهُما
تَضَوُّعُ رَيّا رِيحِ مِسْكٍ وعَنْبرِ
ونَمَيتُ فلاناً في النسب أَي رفعته فانْتَمَي في نسبه. وتَنَمّى الشيءُ
تَنَمِّياً: ارتفع؛ قال القطامي:
فأَصْبَحَ سَيْلُ ذلك قد تنَمَّى
إلى مَنْ كان مَنْزِلُه يَفاعا
ونَمَّيت النار تَنْمِيةً إذا أَلقيت عليها حَطَباً وذكَّيتها به.
ونَمَّيت النارَ: رفَعتها وأَشبعت وَقودَها.
والنَّماءُ: الرَّيْعُ. ونَمى الإِنسان: سمن. والنامِيةُ من الإِبل :
السَّمِينةُ. يقال: نَمَتِ الناقةُ إذا سَمِنَتْ. وفي حديث معاوية:
لَبِعْتُ الفانِيةَ واشتريت النامِية أَي لبِعْتُ الهَرمة من الإِبل واشتريت
الفَتِيَّة منها. وناقة نامِيةٌ: سمينةٌ، وقد أَنْماها الكَلأُ.
ونَمى الماءُ: طَما . وانتْمَى البازي والصَّقْرُ وغيرُهما وتنَمَّى:
ارتفع من مكان إلى آخر؛ قال أَبو ذؤيب:
تنَمَّى بها اليَعْسُوبُ، حتى أَقَرَّها
إِلى مَأْلَفٍ رَحْبِ المَباءَةِ عاسِلِ
أَي ذي عَسَل.
والنَّامِيةُ: القَضِيبُ الذي عليه العَناقيد، وقيل: هي عين الكَرْم
الذي يتشقق عن ورقه وحَبِّه، وقد أَنْمى الكَرْمُ. المفضل: يقال للكَرْمة
إِنها لكثيرة النَّوامي وهي الأغصان، واحدتها نامِيةٌ، وإِذا كانت الكَرْمة
كثيرة النَّوامي فهي عاطِبةٌ، والنَّامِيةُ خَلْقُ الله تعالى. وفي حديث
عمر، رضي الله عنه: لا تُمَثِّلوا بنامِيةِ الله أَي بخَلْق الله لأَنه
يَنْمي، من نَمى الشيءُ إِذا زاد وارتفع. وفي الحديث: يَنْمي صُعُداً أَي
يرتفع ويزيد صعوداً. وأَنْمَيْتُ الصيدَ فنَمى ينْمي: وذلك أَن ترميه
فتصيبه ويذهب عنك فيموت بعدما يَغيب، ونَمى هو؛ قال امرؤ القيس:
فهْو لا تَنْمِي رَمِيَّته،
ما له؟ لا عُدَّ مِنْ نَفَرِه
ورَمَيْتُ الصيدَ فأَنْمَيْتُه إِذا غاب عنك ثم مات. وفي حديث ابن عباس:
أَن رجلاً أَتاه فقال إني إرْمي الصيدَ فأُصْمِي وأُنْمي ، فقال: كلُّ
ما أَصْمَيْتَ ودَعْ ما أَنْمَيْتَ؛ الإِنْماءُ: ترمي الصيد فيغيب عنك
فيموت ولا تراه وتجده ميتاً، وإنما نهى عنها
(* قوله«وإنما نهى عنها» أي عن
الرمية كما في عبارة النهاية.) لأَنك لا تدري هل ماتت برميك أَو بشيء
غيره، والإِصْماء: أَن ترميه فتقتله على المكان بعينه قبل أَن يغيب عنه، ولا
يجوز أَكله لأَنه لا يؤمَن أَن يكون قتله غير سهمه الذي رماه به. ويقال:
أَنْمَيْتُ الرَّمِيَّةَ، فإِن أَردت أَن تجعل الفعل للرمِيَّةِ نَفْسها
قلت قد نَمَتْ تَنْمي أَي غابت وارتفعت إلى حيث لا يراها الرامي فماتت،
وتُعَدِّيه بالهمزة لا غير فتقول أَنْمَيْتُها، منقول من نَمَت؛ وقول
الشاعر أَنْشده شمر:
وما الدَّهْرُ إلا صَرْفُ يَوْمٍ ولَيْلَةٍ:
فَمُخْطِفَةٌ تُنْمي ، ومُوتِغَةٌ تُصْمي
(*قوله«وموتغة» أورده في مادة خطف: ومقعصة.)
المُخْطِفَةُ: الرَّمْية من رَمَيات الدهر، والمُوتِغَةُ: المُعْنِتَةُ.
ويقال: أَنْمَيْت لفلان وأَمْدَيْتُ له وأَمْضَيْتُ له، وتفسير هذا
تتركه في قليل الخَطإِ حتى يبلغ أَقصاه فتُعاقِب في موضع لا يكون لصاحب الخطإ
فيه عذر.
والنَّامي: الناجي؛ قال التَّغْلَبيّ:
وقافِيةٍ كأَنَّ السُّمَّ فيها ،
وليسَ سَلِيمُها أَبداً بنامي
صَرَفْتُ بها لِسانَ القَوْمِ عَنْكُم،
فخَرَّتْ للسَّنابك والحَوامي
وقول الأَعشى:
لا يَتَنَمَّى لها في القَيْظِ يَهْبِطُها
إلاَّ الذين لهُمْ ، فيما أَتَوْا، مَهَلُ
قال أَبو سعيد: لا يَعْتَمِدُ عليها.
ابن الأَثير: وفي حديث ابن عبد العزيز أَنه طلَب من امرأَته نُمِّيَّةً
أَو نَمامِيَّ ليشتري بها عنباً فلم يجِدْها؛ النُّمِّيَّةُ: الفَلْسُ،
وجمعها نَمامِيُّ كذُرِّيَّةٍ وذَرارِيّ. قال ابن الأَثير: قال الجوهري
النُّمِّيُّ الفَلْس بالرومية، وقيل: الدرهم الذي فيه رَصاص أَو نُحاس،
والواحدة نُمِّيَّةٌ.
وقال: النَّمْءُ والنِّمْوُ القَمْلُ الصِّغار.
وتر: الوِتْرُ والوَتْرُ: الفَرْدُ أَو ما لم يَتَشَفَّعْ من العَدَدِ.
وأَوْتَرَهُ أَي أَفَذَّهُ. قال اللحياني: أَهل الحجاز يسمون الفَرْدَ
الوَتْرَ، وأَهل نجد يكسرون الواو، وهي صلاة الوِتْرِ، والوَتْرِ لأَهل
الحجاز، ويقرؤُون: والشَّفْعِ والوتْر، والكسر لتميم، وأَهل نجد يقرؤُون:
والشفع والوَتْرِ، وأَوْتَرَ: صَلَّى الوتر. وقال اللحياني: أَوتر في
الصلاة فعدّاه بفي. وقرأَ حمزة والكسائي: والوتِر، بالكسر. وقرأَ عاصم ونافع
وابن كثير وأَبو عمرو وابن عامر: والوَتر، بالفتح، وهما لغتان معروفتان.
وروي عن ابن عباس، رضي الله عنهما، أَنه قال: الوتر آدم، عليه السلام،
والشَّفْع شُفِعَ بزوجته، وقيل: الشع يوم النحر والوتر يوم عرفة، وقيل:
الأَعداد كلها شفع ووتر، كثرت أَو قلت، وقيل: الوتر الله الواحد والشفع جميع
الخلق خلقوا أَزواجاً، وهو قول عطاء؛ كان القوم وتراً فَشَفَعْتهم
وكانوا شَفْعاً فَوَتَرْتهم. ابن سيده: وتَرَهُمْ وتْراً وأَوْتَرَهُمْ جعل
شفعهم وتراً. وفي الحديث عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أَنه قال: إِذا
اسْتَجْمَرْتَ فأَوْتِرْ أَي اجعل الحجارة التي تستنجي بها فرداً، معناه
استنج بثلاثة أَحجار أَو خمسة أَو سبعة، ولا تستنج بالشفع، وكذلك يُوتِرُ
الإِنسانُ صلاةَ الليل فيصلي مثنى مثنى يسلم بين كل ركعتين ثم يصلي في
آخرها ركعة تُوتِرُ له ما قد صَلَّى؛ وأَوْتَر صلاته. وفي حديث النبي، صلى
الله عليه وسلم: إِن الله وِتْرٌ يحب الوِتْرَ فأَوْتِرُوا يا أَهل القرآن.
وقد قال: الوتر ركعة واحدة. والوتر: الفرد، تكسر واوه وتفتح، وقوله:
أَوتروا، أَمر بصلاة الوتر، وهو أَن يصلي مثنى مثنى ثم يصلي في آخرها ركعة
مفردة ويضيفها إِلى ما قبلها من الركعات.
والوَتْرُ والوِتْرُ والتِّرَةُ والوَتِيرَةُ: الظلم في الذَّحْل، وقيل:
عو الذَّحْلُ عامةً. قال اللحياني: أَهل الحجاز يفتحون فيقولون وَتْرٌ،
وتميم وأَهل نجد يكسرون فيقولون وِتْرٌ، وقد وَتَرْتُه وَتْراً وتِرَةً.
وكلُّ من أَدركته بمكروه، فقد وَتَرْتَه. والمَوْتُورُ: الذي قتل له قتيل
فلم يدرك بدمه؛ تقول منه: وتَرَهُ يَتِرُه وَتْراً وتِرَةً. وفي حديث
محمد بن مسلمة: أَنا المَوْتُور الثَّائِرُ أَي صاحب الوَتْرِ الطالبُ
بالثأْر، والموتور المفعول. ابن السكيت: قال يونس أَهل العالية يقولون:
الوِتْرُ في العدد والوَتْرُ في الذَّحْلِ، قال: وتميم تقول وِتر، بالكسر، في
العدد والذحل سواد. الجوهري: الوتر، بالكسر، الفرد، والوتر، بالفتح:
الذَّحْلُ، هذه لغة أَهل العالية، فأَما لغة أَهل الحجاز فبالضد منهم، وأَما
تميم فبالكسر فيهما. وفي حديث عبد الرحمن في الشورى: لا تَغْمِدُوا
السيوفَ عن أَعدائكم فَتُوتِرُوا ثأْركم. قال الأَزهري: هو من الوَتْرِ؛ يقال:
وَتَرْتُ فلاناً إِذا أَصبته بِوَتْرٍ، وأَوْتَرْتُه أَوجدته ذلك، قال:
والثَّأْرُ ههنا العَدُوُّ لأَنه موضع الثأْر؛ المعنى لا تُوجِدوا
عدوَّكم الوَتْرَ في أَنفسكم. ووَتَرْتُ الرجلَ: أَفزعتُه؛ عن الفراء.
ووَترَهُ حَقَّه وماله: نَقَصَه إِياه. وفي التنزيل العزيز: ولن
يَتِرَكُمْ أَعمالكم. وفي حديث النبي، صلى الله عليه وسلم: من فاتته صلاة العصر
فكأَنما وتر أَهله وماله؛ أَي نقص أَهله وماله وبقي فرداً؛ يقال:
وتَرْتُه إِذا نَقَصْتَه فكأَنك جعلته وتراً بعد أَن كان كثيراً، وقيل: هو من
الوَتْرِ الجناية التي يجنيها الرجل على غيره من قتل أَو نهب أَو سبي، فشبه
ما يلحق من فاتته صلاة العصر بمن قُتِلَ حَمِيمُهُ أَو سُلِبَ أَهله
وماله؛ ويروى بنصب الأَهل ورفعه، فمن نصب جعله مفعولاً ثانياً لوُتِرَ
وأَضمر فيها مفعولاً لم يسم فاعله عائداً إِلى الذي فاتته الصلاة، ومن رفع لم
يضمر وأَقام الأَهل مقام ما لم يسم فاعله لأَنهم المصابون المأْخوذون،
فمن ردَّ النقص إِلى الرجل نصبهما، ومن ردّه إِلى الأَهل والمال رفعهما
وذهب إِلى قوله: ولم يَتِرَكُمْ أَعمالَكم، يقول: لن يَنْقُصَكُمْ من ثوابكم
شيئاً. وقال الجوهري: أَي لن يَنْتَقِصَكم في أَعمالكم، كما تقول: دخلت
البيت، وأَنت تريد في البيت، وتقول: قد وَتَرْتُه حَقَّه إِذا نَقَصْتَه،
وأَحد القولين قريب من الآخر. وفي الحديث: اعمل من وراء البحر فإِن الله
لن يَتِرَكَ من عملك شيئاً أَي لن يَنْقُصَك. وفي الحديث: من جلس مجلساً
لم يَذْكُرِ الله فيه كان عليه تِرَةً أَي نقصاً، والهاء فيه عوض من
الواو المحذوفة مثل وَعَدْتُه عِدَةً، ويجوز نصبها ورفعها على اسم كان
وخبرها، وقيل: أَراد بالتِّرَةِ ههنا التَّبِعَةَ. الفراء: يقال وَتَرْتُ
الرجل إِذا قتلت له قتيلاً وأَخذت له مالاً، ويقال: وَتَرَه في الذَّحْلِ
يَتِرُه وَتْراً، والفعل من الوِتْرِ الذَّحْلِ وَتَرَ يَتِرُ، ومن الوِتْرِ
الفَرْد أَوْتَرَ يُوتِرُ، بالأَلف. وروي عن النبي، صلى الله عليه وسلم،
أَنه قال: قَلِّدوا الخيل ولا تُقَلِّدوها الأَوْتارَ؛ هي جمع وِتر،
بالكسر، وهي الجناية؛ قال ابن شميل: معناه لا تَطْلُبوا عليها الأَوْتارَ
والذُّحُولَ التي وُتِرْتُمْ عليها في الجاهلية. قال: ومنه حديث عَلِيٍّ
يصف أَبا بكر: فأَدْرَكْتَ أَوْتارَ ما طَلَبُوا. وفي الحديث: إِنها
لَخَيْلٌ لو كانوا يضربونها على الأَوْتارِ. قال أَبو عبيد في تفسير وقوله: ولا
تُقلدوها الأَوتار، قال: غير هذا الوجه أَشبه عندي بالصواب، قال: سمعت
محمد بن الحسن يقول: معنى الأَوتار ههنا أَوتار القِسِيِّ، وكانوا
يقلدونها أَوتار القِسِيِّ فتختنق، فقال: لا تقلدوها. وروي: عن جابر: أن النبي،
صلى الله عليه وسلم، أَمر بقطع الأَوْتارِ من أَعناق الخيل. قال أَبو
عبيد: وبلغني أَن مالك بن أَنس قال: كانوا يُقَلِّدُونها أَوتار القِسِيِّ
لئلا تصيبها العين فأَمرهم بقطعها يُعلمهم أَن الأَوْتارَ لا تَرُدُّ من
أَمر الله شيئاً؛ قال: وهذا شبيه بما كره من التمائم؛ ومنه الحديث: من
عَقَدَ لِحْيَتَهُ أَو تَقَلَّدَ وَتَراً، كانوا يزعمون أَن التَّقَلُّدَ
بالأَوْتارِ يَرُدُّ العَيْنَ ويدفع عنهم المكاره، فنهوا عن ذلك.
والتَّواتُرُ: التتابُعُ، وقيل: هو تتابع الأَشياء وبينها فَجَواتٌ
وفَتَراتٌ. وقال اللحياني: تواتَرَت الإِبل والقَطا وكلُّ شيء إِذا جاء بعضه
في إِثر بعض ولم تجئ مُصْطَفَّةً؛ وقال حميد بن ثور:
قَرِينَةُ سَبْعٍ، وإِن تواتَرْنَ مَرَّةً،
ضُرِبْنَ وصَفَّتْ أَرْؤُسٌ وجُنُوبُ
وليست المُتَواتِرَةُ كالمُتَدارِكَةِ والمُتَتابِعة. وقال مرة:
المُتَواتِرُ الشيء يكون هُنَيْهَةً ثم يجيء الآخر، فإِذا تتابعت فليست
مُتَواتِرَةً، وإِنما هي مُتَدارِكة ومتتابعة على ما تقدّم. ابن الأَعرابي: تَرى
يَتْري إِذا تَراخى في العمل فعمل شيئاً بعد شيء. الأَصمعي: واتَرْتُ
الخَبَرَ أَتْبَعْتُ وبين الخبرين هُنَيْهَةٌ. وقال غيره: المُواتَرَةُ
المُتابَعَةُ، وأَصل هذا كله من الوَتِرْ، وهو الفَرْدُ، وهو أَني جعلت كل
واحد بعد صاحبه فَرْداً فَرْداً.
والمُتَواتِرُ: كل قافية فيها حرف متحرّك بين حرفين ساكنين نحو مفاعيلن
وفاعلاتن وفعلاتن ومفعولن وفَعْلُنْ وفَلْ إِذا اعتمد على حرف ساكن نحو
فَعُولُنْ فَلْ؛ وإِياه عنى أَبو الأَسود بقوله:
وقافيةٍ حَذَّاءَ سَهْلٍ رَوِيُّها،
كَسَرْدِ الصَّنَاعِ، ليس فيها تواتُرُ
أَي ليس فيها توقف ولا فتور. وأَوْتَرَ بين أَخباره وكُتُبه وواتَرَها
مُواتَرَةً ووِتاراً: تابَعَ وبين كل كتابين فَتْرَةٌ قليلة. والخَبَرُ
المُتَواتِرُ: أَن يحدِّثه واحد عن واحد، وكذلك خبر الواحد مثل
المُتواتِرِ. والمُواتَرَةُ: المتابعة، ولا تكون المُواتَرَةُ بين الأَشياء إِلا
إِذا وقعت بينها فترة، وإِلا فهي مُدارَكَة ومُواصَلة. ومُواتَرَةُ الصوم:
أَن يصوم يوماً ويفطر يوماً أَو يومين، ويأْتي به وِتْراً؛ قال: ولا يراد
به المواصلة لأَن أَصله من الوِتْرِ، وكذلك واتَرْتُ الكُتُبَ
فَتَواتَرَت أَي جاءت بعضُها في إِثر بعض وِتْراً وِتْراً من غير أَن تنقطع. وناقة
مُواتِرَةٌ: تضع إِحدى ركبتيها أَوّلاً في البُرُوكِ ثم تضع الأُخرى ولا
تضعهما معاً فتشق على الراكب. الأَصمعي: المُواتِرَةُ من النوق هي التي
لا ترفع يداً حتى تستمكن من الأُخرى، وإِذا بركت وضعت إِحدى يديها، فإِذا
اطمأَنت وضعت الأُخرى فإِذا اطمأَنت وضعتهما جميعاً ثم تضع وركيها قليلاً
قليلاً؛ والتي لا تُواتِرُ تَزُجُّ بنفسها زَجّاً فتشق على راكبها عند
البروك. وفي كتاب هشام إِلى عامله: أَن أَصِبْ لي ناقة مُواتِرَةً؛ هي
التي تضع قوائمها بالأَرض وِتْراً وِتْراً عند البُروك ولا تَزُجُّ نفسها
زَجّاً فَتَشُقَّ على راكبها، وكان بهشام فَتْقٌ. وفي حديث الدعاء: أَلِّفْ
جَمْعَهُم وواتِرْ بين مِيَرِهم أَي لا تقطع المِيْرَةَ واجْعَلْها
تَصِلُ إِليهم مَرَّةً بعد مرة.
وجاؤوا تَتْرى وتَتْراً أَي مُتَواتِرِين، التاء مبدلة من الواو؛ قال
ابن سيده: وليس هذا البدل قياساً إِنما هو في أَشياء معلومة، أَلا ترى أَنك
لا تقول في وَزِير يَزِيرٌ؟ إِنما تَقِيسُ على إِبدال التاء من الواو في
افْتَعَل وما تصرف منها، إِذا كانت فاؤه واواً فإِن فاءه تقلب تاء وتدغم
في تاء افتعل التي بعدها، وذلك نحو اتَّزَنَ؛ وقوه تعالى: ثم أَرسلنا
رسلنا تَتْرى؛ من تتابع الأَشياء وبينها فَجَواتٌ وفَتَراتٌ لأَن بين كل
رسولين فَتْرَةً، ومن العرب من ينوّنها فيجعل أَلفها للإِلحاق بمنزلة
أَرْطى ومِعْزى، ومنهم من لا يصرف، يجعل أَلفها للتأْنيث بمنزلة أَلف سَكْرى
وغَضْبى؛ الأَزهري: قرأَ أَبو عمرو وابن كثير: تَتْرًى منوّنة ووقفا
بالأَلف، وقرأَ سائر القراء: تَتْرى غير منوّنة؛ قال الفراء: وأَكثر العرب
على ترك تنوين تترى لأَنها بمنزلة تَقْوى، ومنهم من نَوَّنَ فيها وجعلها
أَلفاً كأَلف الإِعراب؛ قال أَبو العباس: من قرأَ تَتْرى فهو مثل شَكَوْتُ
شَكْوى، غير منوّنة لأَن فِعْلى وفَعْلى لا ينوّن، ونحو ذلك قال الزجاج؛
قال: ومن قرأَها بالتنوين فمعناه وَتْراً، فأَبدل التاء من الواو، كما
قالوا تَوْلَج من وَلَجَ وأَصله وَوْلَجٌ كما قال العجاج:
فإِن يكن أَمْسى البِلى تَيْقُورِي
أَرادَ وَيْقُورِي، وهو فَيْعُول من الوَقار، ومن قرأَ تَتْرى فهو أَلف
التأْنيث، قال: وتَتْرى من المواترة. قال محمد بن سلام: سأَلت يونس عن
قوله تعالى: ثم أَرسلنا رسلنا تترى، قال: مُتَقَطِّعَةً مُتَفاوِتَةً.
وجاءت الخيل تَتْرى إِذا جاءت متقطعة؛ وكذلك الأَنبياء: بين كل نبيين دهر
طويل. الجوهري: تَتْرى فيها لغتن: تنوّن ولا تنوّن مثل عَلْقى، فمن ترك
صرفها في المعرفة جعل أَلفها أَلف تأْنيث، وهو أَجود، وأَصلها وَتْرى من
الوِتْرِ وهو الفرد، وتَتْرى أَي واحداً بعد واحد، ومن نونها جعلها ملحقة.
وقال أَبو هريرة: لا بأْس بقضاء رمضان تَتْرى أَي متقطعاً. وفي حديث أَبي
هريرة: لا بأْس أَن يُواتِرَ قضاءَ رمضان أَي يُفَرِّقَهُ فيصومَ يوماً
ويُفْطِرَ يوماً ولا يلزمه التتابع فيه فيقضيه وِتْراً وِتْراً.
والوتيرة: الطريقة، قال ثعلب: هي من التَّواتُرِ أَي التتابع، وما زال
على وَتِيرةٍ واحدة أَي على صفة. وفي حديث العباس بن عبد المطلب قال: كان
عمر بن الخطاب لي جاراً فكان يصوم النهار ويقوم الليل، فلما وَلِيَ قلت:
لأَنظرنّ اليوم إِلى عمله، فلم يزل على وَتِيرَةٍ واحدة حتى مات أَي على
طريقة واحدة مطردة يدوم عليها. قال أَبو عبيدة:الوَتِيرَةُ المداومة على
الشيء، وهو مأْخوذ من التَّواتُرِ والتتابُع. والوَتِيرَةُ في غير هذا:
الفَتْرَةُ عن الشيء والعمل؛ قال زهير يصف بقرة في سيرها:
نَجَأٌ مُجِدٌّ ليس فيه وَتِيرَةٌ
ويَذُبُّها عنها بأَسْحَمَ مِذْوَدِ
يعني القَرْنَ. ويقال: ما في عمله وَتِيرَةٌ، وسَيْرٌ ليست فيه
وَتِيرَةٌ أَي فتور. والوَتِيرَةُ: الفَتْرَةُ في الأَمر والغَمِيزَةُ والتواني.
والوَتِيرَةُ: الحَبْسُ والإِبطاء.
ووَتَرَهُ الفخِذِ: عَصَبَةٌ بين أَسفل الفخذ وبين الصَّفنِ.
والوَتِيرَةُ والوَتَرَةُ في الأَنف: صِلَةُ ما بين المنخرين، وقيل: الوَتَرَةُ حرف
المنخر، وقيل: الوَتِيرَةُ الحاجز بين المنخرين من مقدّم الأَنف دون
الغُرْضُوف. ويقال للحاجز الذي بين المنخرين: غرضوف، والمنخران: خرقا
الأَنف، ووَتَرَةُ الأَنف: حِجابُ ما بين المنخرين، وكذلك الوَتِيرَة. وفي حديث
زيد: في الوَتَرَةِ ثلث الدية؛ هي وَتَرَةُ الأَنف الحاجزة بين
المنخرين. اللحياني: الوَترَةُ ما بين الأَرْنَبَةِ والسَّبَلَةِ. وقال الأَصمعي:
خِتارُ كل شيء وَتَرُه. ابن سيده: والوَتَرَةُ والوَتِيرَةُ غُرَيضيفٌ
في أَعلى الأُذن يأْخُذُ من أَعلى الصِّماخ. وقال أَبو زيد: الوتيرة
غريضيف في جوف الأُذن يأْخذ من أَعلى الصماخ قبل الفَرْع. والوَتَرَةُ من
الفَرَسِ: ما بين الأَرْنَبَةِ وأَعلى الجَحْفَلةِ. والوَتَرَتان: هَنَتانِ
كأَنهما حلقتان في أُذني الفرس، وقيل: الوَتَرَتانِ العَصَبتان بين رؤوس
العُرْقُوبين إِلى المَأْبِضَيْنِ، ويقال: تَوَتَّرَ عَصَبُ فرسه.
والوَتَرَة من الذَّكر: العِرْقُ الذي في باطن الحَشَفَة، وقال اللحياني: هو
الذي بين الذكر والأُنثيين. والوترتان: عصبتان بين المأْبضين وبين رؤوس
العُرقوبين. والوَتَرَةُ أَيضاً: العَصَبَةُ التي تضم مَخْرَجَ رَوْثِ الفرس.
الجوهري: والوَتَرَةُ العرق الذي في باطن الكَمَرَة، وهو جُلَيْدَةٌ.
ووَتَرَةُ كل شيء: حِتارُه، وهو ما استدار من حروفه كَحِتارِ الظفر
والمُنْخُلِ والدُّبُر وما أَشبهه. والوَتَرَةُ: عَقَبَة المَتْنِ، وجمعها
وَتَرٌ. ووَتَرَةُ اليد ووَتِيرَتُها: ما بين الأَصابع، وقال اللحياني: ما بين
كل إِصبعين وَتَرَةٌ، فلم يخص اليد دون الرجل. والوَتَرَةُ
والوَتِيرَةُ: جُلَيْدَة بين السبابة والإِبهام. والوَتَرَةُ: عصبة تحت اللسان.
والوتِيرَةُ: حَلْقَةٌ يتعلم عليها الطعن، وقيل: هي حَلْقَةٌ تُحَلِّقُ على
طَرَفِ قَناةٍ يتعلم عليها الرمي تكون من وَتَرٍ ومن خيط؛ فأَما قول أُم
سلمة زوج النبي، صلى الله عليه وسلم:
حامي الحقيقةِ ماجِدٌ،
يَسْمُو إِلى طَلَبِ الوَتِيرَهْ
قال ابن الأَعرابي: فسر الوَتِرة هنا بأَنها الحَلْقَةُ، وهو غلط منه،
إِنما الوتيرة هنا الذَّحْلُ أَو الظلم في الذحلِ. وقال اللحياني:
الوَتِيرة التي يتعلم الطعن عليها، ولم يخص الحَلْقَةَ. والوَتِيرة: قطعة تستكن
وتَغْلُظ وتنقاد من الأَرض؛ قال:
لقد حَبَّبَتْ نُعْمٌ إِلينا بوجهها
مَنازِلَ ما بين الوَتائِرِ والنَّقْعِ
وربما شبهت القبور بها؛ قال ساعدة بن جؤية الهذلي يصف ضَبُعاً نبشت
قبراً:
فَذاحَتْ بالوَتائِر ثم بَدَّتْ
يديها عند جانبها، تَهِيلُ
ذَاحَتْ: يعني ضَبُعاً نَبَشَتْ عن قبر قتيل. وقال الجوهري: ذاحت
مَشَتْ؛ قال ابن بري: ذاحَتْ مَرَّتْ مَرّاً سريعاً؛ قال: والوَتائِرُ جمع
وَتِيرَةٍ الطريقة من الأَرض؛ قال: وهذا تفسير الأَصمعي؛ وقال أَبو عمرو
الشَّيْبانيُّ: الوتائر ههنا ما بين أَصابع الضبع، يريد أَنها فَرَّجَتْ بين
أَصابعها، ومعنى بَدَّتْ يديها أَي فرّقت بين أَصابع يديها فحذف المضاف.
وتَهِيل: تَحْثُو الترابَ. الأَصمعي: الوَتِيرَةُ من الأَرض، ولم
يَحُدَّها. الجوهري: الوَتِيرَةُ من الأَرض الطريقة. والوَتِيرَةُ: الأَرض
البيضاء. قال أَبو حنيفة: الوَتِيرُ نَوْرُ الوردِ، واحدته وَتِيرَةٌ.
والوَتِيرَةُ: الوَرْدَةُ البيضاء. والوتِيرَةُ: الغُرّة الصغيرة. ابن سيده:
الوَتِيرَة غرّة الفرس إِذا كانت مستديرة، فإِذا طالت فهي الشَّادِخَة. قال
أَبو منصور: شبهت غرّة الفرس إِذا كانت مستديرة بالحلقة التي يتعلم عليها
الطعن يقال لها الوتيرة. الجوهري: الوتيرة حَلْقَةٌ من عَقَبٍ يتعلم
فيها الطعن، وهي الدَّرِيئَةُ أَيضاً؛ قال الشاعر يصف فرساً:
تُبارِي قُرْحَةً مثل الْـ
ـوَتِيرَةِ لم تكن مَغْدَا
المَغْدُ: النَّتْفُ، أَي مَمْغُودَةً، وضع المصدر موضع الصفة؛ يقول:
هذه القرحة خلقة لم تنتف فتبيضَّ. والوتر، بالتحريك: واحد أَوتار القوس.
ابن سيده: الوَتَرُ شِرْعَةُ القوس ومُعَلَّقُها، والجمع أَوتارٌ.
وأَوْتَرَ القوسَ: جعل لها وَتَراً. وَوتَرَها وَوتَّرها: شدَّ تَرَها. وقال
اللحياني: وَتَّرَها وأَوْتَرَها شَدَّ وَتَرَها. وفي المثل: إِنْباضٌ بغير
تَوْتِير. ابن سيده: ومن أَمثالهم: لا تَعْجَلْ بالإِنْباضِ قبل
التَّوتِيرِ؛ وهذا مثل في استعجال الأَمر قبل بلوغ إِناه. قال: وقال بعضهم
وَتَرَها، خفيفة، عَلَّق عليها وترها. والوَتَرَةُ: مجرى السهم من القوس العربية
عنها يزل السهم إِذا أَراد الرامي أَن يرمي. وتَوَتَّرَ عَصَبُه: اشتدّ
فصار مثل الوَتَر. وتَوَتَّرَتْ عروقه: كذلك. كلُّ وَتَرَة في هذا الباب،
فجمعها وتَرٌ؛ وقول ساعدة بن جؤية:
فِيمَ نِساءُ الحَيِّ من وَتَرِيَّةٍ
سَفَنَّجَةٍ، كأَنَّها قَوْسُ تَأْلَبِ؟
قيل: هجا امرأَة نسبها إِلى الوتائر، وهي مساكن الذين هجا، وقيل:
وَتَرِيَّة صُلْبَة كالوَتَرِ.
والوَتِيرُ: موضع؛ قال أُسامة الهذلي:
ولم يَدَعُوا، بين عَرْضِ الوَتِير
وبين المناقِب، إِلا الذِّئابا
بعث: بَعَثَهُ يَبْعَثُه بَعْثاً: أَرْسَلَهُ وَحْدَه، وبَعَثَ به:
أَرسله مع غيره. وابْتَعَثَه أَيضاً أَي أَرسله فانْبعَثَ.
وفي حديث عليّ يصف النبي، صلى الله عليه وسلم، شَهِيدُك يومَ الدين،
وبَعِيثُك نعْمة؛ أَي مَبْعُوثك الذي بَعَثْته إِلى الخَلْق أَي أَرسلته،
فعيل بمعنى مفعول.
وفي حديث ابن زَمْعَة: انْبَعَثَ أَشْقاها؛ يقال: انْبَعَثَ فلانٌ
لشأْنه إِذا ثار ومَضَى ذاهباً لقضاء حاجَته.
والبَعْثُ: الرسولُ، والجمع بُعْثانٌ، والبَعْثُ: بَعْثُ الجُنْدِ إِلى
الغَزْو.
والبَعَثُ: القومُ المَبْعُوثُونَ المُشْخَصُونَ، ويقال: هم البَعْثُ
بسكون العين.
وفي النوادر: يقال ابْتَعَثْنا الشامَ عِيراً إِذا أَرسَلوا إِليها
رُكَّاباً للميرة. وفي حديث القيامة: يا آدمُ ابْعَثْ بَعْثَ النار؛ أَي
المَبْعُوث إِليها من أَهلها، وهو من باب تسمية المفعول بالمصدر. وبَعَثَ
الجُنْدَ يَبْعَثُهم بَعْثاً: وجَّهَهُمْ، وهو من ذلك، وهو البَعْثُ
والبَعِيثُ، وجمع البَعْثِ: بُعُوث؛ قال:
ولكنَّ البُعُوثَ جَرَتْ علينا،
فَصِرْنا بينَ تَطْوِيحٍ وغُرْمِ
وجمع البَعِيثِ: بُعُثٌ.
والبَعْثُ: يكون بَعْثاً للقوم يُبْعَثُون إِلى وَجْهٍ من الوجوه، مثل
السَّفْر والرَّكْب. وقولهم: كنتُ في بَعْثِ فلانٍ أَي في جيشه الذي
بُعِثَ معه. والبُعُوثُ: الجُيوش.
وبَعَثَه على الشيء: حمله على فِعْله. وبَعَثَ عليهم البَلاء: أَحَلَّه.
وفي التنزيل العزيز: بَعَثْنا عليكم عِباداً لنا أُولي بأْس شديد. وفي
الخبر: أَنَّ عبد المَلِك خَطَبَ فقال: بَعَثْنا عليكم مُسلِمَ بن عُقْبة،
فَقَتلَكم يوم الحَرَّة.
وانْبَعَثَ الشيءُ وتَبَعَّثَ: انْدَفَع.
وبَعَثَه من نَوْمه بَعَثاً، فانْبَعَثَ: أَيْقَظَه وأَهَبَّه.
وفي الحديث: أَتاني الليلةَ آتِيانِ فابْتَعَثَاني أَي أَيقَظاني من
نومي. وتأْويلُ البَعْثِ: إِزالةُ ما كان يَحْبِسُه عن التَّصَرُّف
والانْبِعاثِ.
وانْبَعَثَ في السَّيْر أَي أَسْرَع.
ورجلٌ بَعِثٌ: كثير الانْبِعاثِ من نومه. ورجل بَعْثٌ وبَعِثٌ وبَعَثٌ:
لا تزال هُمُومه تؤَرِّقُه، وتَبْعَثُه من نومه؛ قال حُمَيْدُ بن ثَوْر:
تَعْدُو بأَشْعَثَ، قد وَهَى سِرْبالُه،
بَعْثٍ تُؤَرِّقُه الهُمُوم، فيَسْهَرُ
والجمع: أَبْعاث: وفي التنزيل: قالوا يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا من
مَرْقَدِنا؟ هذا وَقْفُ التَّمام، وهو قول المشركين يوم النُّشور. وقولُه عز
وجل: هذا ما وَعَدَ الرحمنُ وصَدَقَ المُرْسَلون؛ قَوْلُ المؤْمِنين؛
وهذا رَفْعٌ بالابتداء، والخَبَرُ ما وَعَدَ الرحمنُ؛ وقرئ: يا وَيْلَنا
مَنْ بَعَثَنا مِن مَرْقَدِنا؟ أَي مِن بَعْثِ الله إِيَّانا من
مَرْقَدِنا. والبَعْثُ في كلام العرب على وجهين: أَحدهما الإِرْسال، كقوله تعالى:
ثم بَعَثْنا من بعدهم موسى؛ معناه أَرسلنا. والبَعْثُ: إِثارةُ باركٍ أَو
قاعدٍ، تقول: بَعَثْتُ البعير فانبَعَثَ أَي أَثَرْتُه فَثار. والبَعْثُ
أَيضاً: الإِحْياء منالله للمَوْتى؛ ومنه قوله تعالى: ثم بَعَثْناكم من
بَعْدِ موتِكم: أَي أَحييناكم. وبَعَثَ اللمَوْتى: نَشَرَهم ليوم
البَعْثِ. وبَعَثَ اللهُ الخَلْقَ يَبْعَثُهُم بَعْثاً: نَشَرَهم؛ من ذلك. وفتح
العين في البعث كله لغة. ومن أَسمائه عز وجل: الباعِثُ، هو الذي يَبْعَثُ
الخَلْقَ أَي يُحْييهم بعد الموت يوم القيامة.
وبَعَثَ البعيرَ فانْبَعَثَ: حَلَّ عِقالَه فأَرسله، أَو كان باركاً
فَهاجَهُ.
وفي حديث حذيفة: إِنَّ للفِتْنةِ بَعَثاتٍ ووَقَفاتٍ، فمن اسْتَطاعَ أَن
يَمُوتَ في وَقَفاتِها فَلْيَفعل. قوله: بَعَثات أَي إِثارات
وتَهْييجات، جمع بَعْثَةٍ. وكلُّ شيء أَثَرْته فقد بَعَثْته؛ ومنه حديث عائشة، رضي
الله عنها: فبَعَثْنا البَعيرَ، فإِذا العِقْدُ تحته.
والتَّبْعاثُ تَفْعال، مِن ذلك: أَنشد ابن الأَعرابيّ:
أَصْدَرها، عن كَثْرَةِ الدَّآثِ،
صاحبُ لَيْلٍ، حَرِشُ التَّبْعاثِ
وتَبَعَّثَ مني الشِّعْرُ أَي انْبَعَثَ، كأَنه سالَ.
ويومُ بُعاثٍ، بضم الباء: يوم معروف، كان فيه حرب بين الأَوْسِ
والخَزْرج في الجَاهلية، ذكره الواقدي ومحمد بن إِسحق في كتابيهما؛ قال الأَزهري:
وذكَرَ ابن المُظَفَّر هذا في كتاب العين، فجعلَه يومَ بُغَاث
وصَحَّفَه، وما كان الخليلُ، رحمه الله، لِيَخفَى عليه يومُ بُعاثٍ، لأَنه من
مشاهير أَيام العرب، وإِنما صحَّفه الليثُ وعزاه إِلى الخَليل نفسِه، وهو
لسانُه، والله أَعلم. وفي حديث عائشة، رضي الله عنها: وعندها جاريتان
تُغَنِّيانِ بما قِيل يومَ بُعَاثٍ؛ هو هذا اليوم. وبُعاثٌ: اسم حِصن للأَوْس.
وباعِثٌ وبَعِيثٌ: اسمان.
والبَعِيثُ: اسم شاعر معروف من بني تميم، اسمه خِدَاشُ بن بَشيرٍ،
وكنيته أَبو مالك، سمي بذلك قوله:
تَبَعَّثَ مني ما تَبَعَّثَ، بعدما اسْـ
ـتَمرَّ فؤَادي، واسْتَمَرَّ مَرِيري
قال ابن بري: وصواب إِنشاد هذا البيت على ما رواه ابن قُتَيْبة وعيره:
واستَمَرَّ عَزِيمي، قال: وهو الصحيح؛ ومعنى هذا البيت: أَنه قال الشعر
بعدما أَسَنَّ وكَبِرَ.
وفي حديث عمر، رضي الله عنه، لما صالَحَ نصارَى الشام، كتبوا له؛ إِنَّا
لا نُحْدِثُ كنيسةً ولا قَلِيَّة، ولا نُخْرِج سَعانِينَ، ولا باعوثاً؛
الباعوثُ للنَّصارى: كالاستسقاء للمسلمين، وهو اسم سرياني؛ وقيل: هو
بالغين المعجمة والتاء فوقها نقطتان.
وباعِيثا: موضع معروف.
حبط: الحَبَط مثل العَرَبِ: من آثارِ الجُرْحِ. وقد حَبِطَ حَبَطاً
وأَحْبَطَه الضرْبُ. الجوهري: يقال حَبِط الجرحُ حَبَطاً، بالتحريك، أَي
عَرِب ونُكس. ابن سيده: والحَبَطُ وجع يأْخذ البعير في بطْنه من كَلإٍ
يَسْتَوْبِلُه، وقد حَبِطَ حَبَطاً، فهو حَبِطٌ، وإِبِل حَباطَى وحَبَطةٌ،
وحَبِطَت الإِبلُ تَحْبَطُ. قال الجوهري: الحَبَطُ أَن تأْكل الماشية
فتُكْثِرَ حتى تَنْتَفِخَ لذلك بطونُها ولا يخرج عنها ما فيها. وحَبِطتِ الشاة،
بالكسر، حَبَطاً: انتفخ بطنها عن أَكل الذُّرَقِ، وهو الحَنْدَقُوقُ.
الأَزهري: حَبِطَ بطنُه إِذا انتفخ يحبَطُ حَبَطاً، فهو حَبِطٌ. وفي الحديث:
وإِنَّ ممّا يُنْبِتُ الرَّبِيعُ ما يَقْتُلُ حَبَطاً أَو يُلِمُّ، وذلك
الدَّاء الحُباطُ، قال: ورواه بعضهم بالخاء المعجمة من التَّخَبُّطِ،
وهو الاضْطِرابُ. قال الأَزهريّ: وأَما قول النبي، صلّى اللّه عليه وسلّم:
وإِنَّ مما يُنبِت الربيعُ ما يقْتُلُ حَبَطاً أَو يُلمّ، فإِن أَبا عبيد
فسر الحَبَطَ وترك من تفسير هذا الحديث أَشياء لا يَستغْني أَهلُ العلمِ
عن مَعْرِفتها، فذكرت الحديث على وجهه لأُفَسِّر منه كلَّ ما يحتاجُ من
تفسيره، فقال وذَكره سنده إِلى أَبي سعيد الخدري انه قال: جلس رسولُ
اللّه، صلّى اللّه عليه وسلّم، على المِنْبر وجَلسنا حولَه فقال: إِني أَخاف
عليكم بَعْدِي ما يُفْتَحُ عليكم من زَهرةِ الدنيا وزِينتِها، قال: فقال
رجل أَوَيَأْتي الخيرُ بالشرّ يا رسول اللّه؟ قال: فسكت عنه رسولُ اللّه،
صلّى اللّه عليه وسلّم، ورأَيْنا أَنه يُنْزَلُ عليه فأَفاقَ يَمْسَحُ
عنه الرُّحضاء وقال: أَين هذا السائلُ؟ وكأَنه حَمِدَه؛ فقال: إِنه لا
يأْتي الخيرُ بالشرّ، وإِنَّ مما يُنبِت الربيعُ ما يَقتل حبَطاً أَو يُلمّ
إِلاّ آكِلةَ الخَضِر، فإِنها أَكلت حتى إِذا امتلأَت خاصرتاها
استَقْبَلَتْ عينَ الشمسِ فثَلَطَتْ وبالَتْ ثم رتَعَتْ، وإِن هذا المال خَضِرةٌ
حُلوةٌ، ونِعْم صاحبُ المُسْلمِ هو لمن أَعْطى المِسْكينَ واليتيمَ وابنَ
السبيلِ؛ أَو كما قال رسول اللّه، صلّى اللّه عليه وسلّم: وإِنه مَن
يأْخذه بغير حقه فهو كالآكل الذي لا يشبع ويكون عليه شهيداً يوم القيامة. قال
الأَزهري: وإِنما تَقَصَّيْتُ رواية هذا الخبر لأَنه إِذا بُتِرَ
اسْتَغْلَقَ معناه، وفيه مثلان: ضرَب أَحدَهما للمُفْرِط في جمع الدنيا مع
مَنْعِ ما جمَع من حقّه، والمثل الآخر ضربه للمُقْتَصِد في جمْعِ المال
وبذْلِه في حقِّه، فأَما قوله: صلّى اللّه عليه وسلّم: وإِنَّ مما يُنبت
الربيعُ ما يقتل حبَطاً، فهو مثل الحَرِيصِ والمُفْرِط في الجمْع والمنْع،
وذلك أَن الربيع يُنبت أَحْرار العشب التي تَحْلَوْلِيها الماشيةُ فتستكثر
منها حتى تَنْتَفِخَ بطونها وتَهْلِكَ، كذلك الذي يجمع الدنيا ويَحْرِصُ
عليها ويَشِحُّ على ما جمَع حتى يمنَعَ ذا الحقِّ حقَّه منها يَهْلِكُ في
الآخرة بدخول النار واسْتِيجابِ العذابِ، وأَما مثل المُقْتَصِد المحمود
فقوله، صلّى اللّه عليه وسلّم، إِلاَّ آكِلةَ الخَضِر فإِنها أَكلت حتى
إِذا امتلأَتْ خَواصِرُها استقبلت عينَ الشمسِ فثَلَطَتْ وبالَتْ ثم رتعت،
وذلك أَن الخَضِرَ ليس من أَحْرارِ البقول التي تستكثر منها الماشية
فتُهْلِكه أَكلاً، ولكنه من الجَنْبةِ التي تَرْعاها بعد هَيْجِ العُشْبِ
ويُبْسِه، قال: وأَكثر ما رأَيت العرب يجعلون الخَضِرَ ما كان أَخْضَرَ من
الحَلِيِّ الذي لم يصفَرّ والماشيةُ تَرْتَعُ منه شيئاً شيئاً ولا تستكثر
منه فلا تحبَطُ بطونُها عنه؛ قال: وقد ذكره طرَفةُ فبين أَنه من نبات
الصيف في قوله:
كَبَناتِ المَخْرِ يَمْأَدْنَ، إِذا
أَنْبَتَ الصيْفُ عَسالِيجَ الخَضِرْ
فالخَضِرُ من كَلإِ الصيفِ في القَيْظِ وليس من أَحرارِ بُقولِ
الرَّبيع، والنَّعَمُ لا تَسْتَوْبِلُه ولا تَحْبَطُ بطونُها عنه، قال: وبناتُ
مَخْرٍ أَيضاً وهي سحائبُ يأْتِينَ قُبُلَ الصيف، قال: وأَما الخُضارةُ فهي
من البُقول الشَّتْوِيّة وليست من الجَنْبة، فضرب النبي، صلّى اللّه
عليه وسلّم، آكِلةَ الخَضِرِ مثلاً لمن يَقْتَصِد في أَخذ الدنيا وجمْعِها
ولا يُسْرِفُ في قَمِّها
(* قوله «قمها» أي جمعها كما بهامش الأصل.)
والحِرص عليها، وأَنه ينجو من وَبالِها كما نَجَتْ آكلةُ الخَضِر، أَلا تراه
قال: فإِنها إِذا أَصابت من الخَضِر استقبلت عين الشمس فثَلطت وبالت؟
وإِذا ثلطت فقد ذهب حبَطُها، وإِنما تَحْبَطُ الماشيةُ إِذا لم تَثْلِطْ ولم
تَبُلْ وأْتُطِمَت عليها بطونها، وقوله إِلا آكلة الخضر معناه لكنَّ آكلة
الخضر. وأَما قول النبي، صلّى اللّه عليه وسلّم: إِن هذا المال خَضِرةٌ
حُلْوة، ههنا الناعمة الغَضّةُ، وحَثَّ على إِعطاء المِسكين واليتيم منه
مع حَلاوتِه ورَغْبةِ الناس فيه، ليَقِيَه اللّهُ تبارك وتعالى وبالَ
نَعْمَتِها في دنياه وآخرته. والحَبطُ: أَن تأْكل الماشية فتكثر حتى تنتفخ
لذلك بطونها ولا يخرج عنها ما فيها. ابن سيده: والحَبطُ في الضَّرْعِ
أَهْونُ الورَمِ، وقيل: الحَبطُ الانْتِفاخُ أَين كان من داء أَو غيره.
وحَبِطَ جِلدُه: وَرِمَ. ويقال: فرس حَبِطُ القُصَيْرَى إِذا كان مُنْتَفِخَ
الخاصرتين؛ ومنه قول الجعدي:
فَلِيق النَّسا حَبِيط المَوْقِفَيْـ
ـنِ، يَسْتَنُّ كالصَّدَعِ الأَشْعَبِ
قال: ولا يقولون حَبِط الفرسُ حتى يُضِيفُوه إِلى القُصَيْرَى أَو إِلى
الخاصِرةِ أَو إِلى المَوْقِفِ لأَن حبَطَه انتفاخُ بطنِه.
واحْبَنْطَأَ الرجلُ: انتفخ بطنه.
والحَبَنْطَأُ، يهمز ولا يهمز: الغَلِيظ القَصِير البطِينُ. قال أَبو
زيد: المُحْبَنْطِئ، مهموز وغير مهموز، الممْتَلئ غضَباً، والنون والهمزة
والأَلف والباء زَوائدُ للإلحاق، وقيل: الأَلف للإلحاق بسفرجل. ورجل
حَبَنْطىً، بالتنوين، وحَبَنْطاةٌ ومُحْبَنْطٍ، وقد احْبَنْطَيْتَ، فإِن
حَقَّرْتَ فأَنت بالخيار إِن شئت حذفت النون وأَبدلت من الأَلف ياء وقلت
حُبَيْطٍ، بكسر الطاء منوناً لأَن الأَلف ليست للتأْنيث فيفتح ما قبلها كما
نفتح في تصغير حُبْلى وبُشْرى، وإِن بقَّيت النون وحذفت الأَلف قلت
حُبَيْنِطٌ، وكذلك كل اسم فيه زيادتان للإلحاق فاحذف أَيَّتَهما شئت، وإِن
شئتَ أَيضاً عوَّضْتَ من المحذوف في الموضعين، وإِن شئتَ لم تُعَوِّضْ، فإِن
عوَّضت في الأَوّل قلت حُبَيِّطٍ، بتشديد الياء والطاء مكسورة، وقلت في
الثاني حُبَيْنِيطٌ، وكذلك القول في عَفَرْنى. وامرأَة حَبَنْطاةٌ: قصيرة
دَمِيمةٌ عَظيمةُ البطْنِ. والحَبَنْطى: المُمْتلئ غضَباً أَو بطنة.
وحكى اللحياني عن الكسائي: رجل حَبَنْطىً، مقصور، وحِبَنْطىً، مكسور مقصور،
وحَبَنْطأٌ وحَبَنْطَأَةٌ أَي مُمْتلئ غيظاً أَو بِطنة؛ وأَنشد ابن بري
للراجز:
إِني إِذا أَنْشَدْتُ لا أَحْبَنْطِي،
ولا أُحِبُّ كَثْرةَ التَّمَطِّي
قال وقال في المهموز:
ما لك تَرْمِي بالخَنى إِلينا،
مُحْبَنْطِئاً مُنْتَقِماً علينا؟
وقد ترجم الجوهري على حَبْطَأَ. قال ابن بري: وصوابه أَن يذكر في ترجمة
حبط لأَن الهمزة زائدة ليست بأَصلية، وقد احْبَنْطَأْت واحْبَنْطَيْت،
وكل ذلك من الحبَطِ الذي هو الورَمُ، ولذلك حكم على نونه وهمزته أَو يائه
أَنهما مُلْحِقتان له ببناء سَفَرْجل.
والمُحْبَنْطِئُ: اللاَّزِقُ بالأَرض. وفي الحديث: إِن السِّقط
ليَظَلُّ مُحْبَنْطِياً على باب الجنة، فسروه مُتَغَضِّباً، وقيل: المُحْبَنْطِي
المُتغَضِّبُ المُسْتَبْطِئُ للشيء، وبالهمز العظيم البطن، قال ابن
الأَثير: المُحْبَنْطِئُ، بالهمز وتركه، المُتَغَضِّبُ المُسْتَبْطِئُ
للشيء، وقيل: هو الممتنِعُ امتِناعَ طلَبٍ لا امتناع إِباء. يقال: احبنطأْت
واحْبَنْطَيْت، والنون والهمزة والأَلف والياء زوائد للإلحاق. وحكى ابن
بري المُحْبَنطِي، بغير همز، المتغضِّبُ، وبالهمز المنتفخ.
وحَبِطَ حبْطاً وحُبوطاً: عَمِلَ عَملاً ثم أَفْسَدَه، واللّه أَحْبَطه.
وفي التنزيل: فأَحْبَطَ أَعمالَهم. الأَزهري: إِذا عمل الرجل عملاً ثم
أَفْسَدَه قيل حَبِطَ عَمَلُه، وأَحْبَطَه صاحبُه، وأَحْبَطَ اللّه
أَعمالَ من يُشْرِكُ به. وقال ابن السكيت: يقال حَبِطَ عملُه يَحْبَطُ حبْطاً
وحُبُوطاً، فهو حَبْطٌ، بسكون الباء، وقال الجوهري: بطل ثوابه وأَحبطه
اللّه. وروى الأَزهري عن أَبي زيد أَنه حكى عن أَعرابي قرأَ: فقد حبَط
عملُه، بفتح الباء، وقال: يَحْبِطُ حُبوطاً، قال الأَزهري، ولم أَسمع هذا
لغيره، والقراءة: فقد حَبِط عملُه. وفي الحديث: أَحْبَط اللّه عمله أَي
أَبْطَلَه، قال ابن الأَثير: وأَحْبَطه غيرُه، قال: وهو من قولهم حَبِطَت
الدابةُ حَبطاً، بالتحريك، إِذا أَصابت مَرْعىً طيِّباً فأَفرطت في الأَكل
حتى تنتفخ فتموت.
والحَبَطُ والحَبِطُ: الحرث بن مازِنِ بن مالك بن عمرو بن تَميم، سمي
بذلك لأَنه كان في سفر فأَصابه مثل الحَبَط الذي يصيبُ الماشية فنَسَبُوا
إليه، وقيل: إِنما سمي بذلك لأَن بطنه وَرِمَ من شيء أَكله، والحَبِطاتُ
والحَبَطاتُ: أَبناؤه على جهة النسَب، والنِّسْبة إِليهم حُبَطِيٌّ، وهم
من تميم، والقياس الكسر؛ وقيل: الحَبِطاتُ الحرثُ بن عمرو بن تَميم
والعَنْبَرُ بن عمرو والقُلَيْبُ بن عمرو ومازِنُ بن مالك بن عمرو. وقال ابن
الأَعرابي: ولقي دَغْفَلٌ رجلاً فقال له: ممن أَنت؟ قال: من بني عمرو بن
تميم، قال: إِنما عمرو عُقابٌ جاثِمةٌ، فالحبطات عُنُقُها، والقُلَيْبُ
رأْسها، وأُسَيِّدٌ والهُجَيْمُ جَناحاها، والعَنْبَرُ جِثْوتُها وجَثوتُها،
ومازنٌ مِخْلَبُها، وكَعْب ذنبها، يعني بالجثوة بدنها ورأَْسها.
الأَزهري: الليث الحَبِطاتُ حيّ من بني تميم منهم المِسْوَرُ بن عباد
الحَبَطِيُّ، يقال: فلان الحبطي، قال: وإِذا نسبوا إِلى الحَبِطِ قالوا حَبَطِيٌّ،
وإِلى سَلِمةَ سَلَمِيّ، وإِلى شَقِرةَ شَقَرِيٌّ، وذلك أَنهم كرهوا كثرة
الكسرات ففتحوا؛ قال الأَزهري: ولا أَرى حَبْط العَمل وبُطْلانه
مأْخوذاً إِلا من حبَط البطن لأَن صاحب البطن يَهْلِكُ، وكذلك عملُ المنافق
يَحْبَطُ، غير أَنهم سكنوا الباء من قولهم حَبِطَ عمله يَحْبَطُ حبْطاً،
وحركوها من حَبِطَ بطنه يَحْبَطُ حَبَطاً، كذلك أُثبت لنا؛ عن ابن السكيت
وغيره. ويقال: حَبِطَ دم القتيل يَحْبَطُ حَبْطاً إِذا هُدِرَ. وحَبِطَتِ
البئر حبْطاً إِذا ذهب ماؤُها. وقال أَبو عمرو: الإِحْباطُ أَن تُذْهِب ماء
الرّكيّة فلا يعود كما كان.
حرف: الحَرْفُ من حُروف الهِجاء: معروف واحد حروف التهجي. والحَرْفُ:
الأَداة التي تسمى الرابِطةَ لأَنها تَرْبُطُ الاسمَ بالاسم والفعلَ بالفعل
كعن وعلى ونحوهما، قال الأَزهري: كلُّ كلمة بُنِيَتْ أَداةً عارية في
الكلام لِتَفْرِقَة المعاني واسمُها حَرْفٌ، وإن كان بناؤها بحرف أَو فوق
ذلك مثل حتى وهل وبَلْ ولعلّ، وكلُّ كلمة تقرأُ على الوجوه من القرآن تسمى
حَرْفاً، تقول: هذا في حَرْف ابن مسعود أَي في قراءة ابن مسعود. ابن
سيده: والحَرْفُ القِراءة التي تقرأُ على أَوجُه، وما جاء في الحديث من
قوله، عليه السلام: نزل القرآن على سبعة أَحْرُف كلُّها شافٍ كافٍ، أَراد
بالحرْفِ اللُّغَةَ. قال أَبو عبيد وأَبو العباس. نزل على سبع لُغات من لغات
العرب، قال: وليس معناه أَن يكون في الحرف الواحد سبعة أَوجُه هذا لم
يسمع به، قال: ولكن يقول هذه اللغات متفرّقة في القرآن، فبعضه بلغة
قُرَيْشٍ، وبعضه بلغة أَهل اليمن، وبعضه بلغة هوازِنَ، وبعضه بلغة هُذَيْل،
وكذلك سائر اللغات ومعانيها في هذا كله واحد، وقال غيره: وليس معناه أَن يكون
في الحرف الواحد سبعةُ أَوجه، على أَنه قد جاء في القرآن ما قد قُرِئ
بسبعة وعشرة نحو: ملك يوم الدين وعبد الطاغوت، ومـما يبين ذلك قول ابن
مسعود: إني قد سمعت القراءة فوجدتهم متقاربين فاقرأُوا كما عُلِّمْتمْ إنما
هو كقول أَحدكم هَلمّ وتعالَ وأَقْبِلْ. قال ابن الأَثير: وفيه أَقوال
غير ذلك، هذا أَحسنها. والحَرْفُ في الأَصل: الطَّرَفُ والجانِبُ، وبه سمي
الحَرْفُ من حروف الهِجاء.
وروى الأَزهري عن أَبي العباس أَنه سئل عن قوله نزل القرآن على سبعة
أَحرف فقال: ما هي إلا لغات. قال الأَزهري: فأَبو العباس النحْويّ وهو واحد
عصْره قد ارتضى ما ذهب إليه أَبو عبيد واستصوَبه، قال: وهذه السبعة أَحرف
التي معناها اللغات غير خارجة من الذي كتب في مصاحف المسلمين التي اجتمع
عليها السلَف المرضيُّون والخَلَف المتبعون، فمن قرأَ بحرف ولا يُخالِفُ
المصحف بزيادة أَو نقصان أَو تقديم مؤخّرٍ أَو تأْخير مقدم، وقد قرأَ به
إمام من أَئمة القُرّاء المشتهرين في الأَمصار، فقد قرأَ بحرف من الحروف
السبعة التي نزل القرآن بها، ومن قرأَ بحرف شاذّ يخالف المصحف وخالف في
ذلك جمهور القرّاء المعروفين، فهو غير مصيب، وهذا مذهب أَهل العلم الذين
هم القُدوة ومذهب الراسخين في علم القرآن قديماً وحديثاً، وإلى هذا
أَوْمأَ أَبو العباس النحوي وأَبو بكر بن الأَنباري في كتاب له أَلفه في اتباع
ما في المصحف الإمام، ووافقه على ذلك أَبو بكر بن مجاهد مُقْرِئ أَهل
العراق وغيره من الأَثبات المتْقِنِين، قال: ولا يجوز عندي غير ما قالوا،
واللّه تعالى يوفقنا للاتباع ويجنبنا الابتداع. وحَرْفا الرأْس: شِقاه.
وحرف السفينة والجبل: جانبهما، والجمع أَحْرُفٌ وحُرُوفٌ وحِرَفةٌ. شمر:
الحَرْفُ من الجبل ما نَتَأَ في جَنْبِه منه كهَيْئة الدُّكانِ الصغير أَو
نحوه. قال: والحَرْفُ أَيضاً في أَعْلاه تَرى له حَرْفاً دقيقاً
مُشفِياً على سَواء ظهره. الجوهري: حرْفُ كل شيء طَرفُه وشفِيرُه وحَدُّه، ومنه
حَرْفُ الجبل وهو أَعْلاه الـمُحدَّدُ.
وفي حديث ابن عباس: أَهلُ الكتاب لا يأْتون النِّساء إلا على حَرْفٍ أَي
على جانب. والحَرْفُ من الإبل: النَّجِيبة الماضِيةُ التي أَنـْضَتها
الأَسفار، شبهت بحرف السيف في مضائها ونجائها ودِقَّتها، وقيل: هي
الضّامِرةُ الصُّلْبَةُ، شبهت بحرف الجبل في شِدَّتها وصَلابتها؛ قال ذو
الرمة:جُمالِيَّةٌ حَرْفٌ سِنادٌ، يَشُلُّها
وظِيفٌ أَزَجُّ الخَطْوِ رَيّانُ سَهْوَقُ
فلو كان الحَرْفُ مهزولاً لم يصفها بأَنها جُمالية سِناد ولا أَنَّ
وظِيفَها رَيّانُ، وهذا البيت يَنْقُضُ تفسير من قال ناقة حرف أَي مهزولة،
شبهت بحرف كتابة لدقّتها وهُزالها؛ وروي عن ابن عمر أَنه قال: الحرْف
الناقة الضامرة، وقال الأَصمعي: الحرْفُ الناقة المهزولة؛ قال الأَزهري: قال
أَبو العباس في تفسير قول كعب بن زهير:
حَرْفٌ أَخُوها أَبوها من مُهَجَّنةٍ،
وعَمُّها خالُها قَوْداء شِمْلِيلُ
قال: يصف الناقة بالحرف لأَنها ضامِرٌ، وتُشَبَّهُ بالحرْف من حروف
المعجم وهو الأَلف لدِقَّتِها، وتشبّه بحرف الجبل إذا وصفت بالعِظَمِ.
وأَحْرَفْتُ ناقتي إذا هَزَلْتَها؛ قال ابن الأَعرابي: ولا يقال جملٌ حَرْف
إنما تُخَصّ به الناقةُ؛ وقال خالد بن زهير:
مَتَى ما تَشأْ أَحْمِلْكَ، والرَّأْسُ مائِلٌ،
على صَعْبةٍ حَرْفٍ، وشِيكٍ طُمُورُها
كَنَى بالصعبةِ الحرْفِ عن الدَّاهِيةِ الشديدة، وإن لم يكن هنالك
مركوب. وحرْفُ الشيء: ناحِيَتُه. وفلان على حَرْف من أَمْره أَي ناحيةٍ منه
كأَنه ينتظر ويتوقَّعُ، فإن رأَى من ناحية ما يُحِبُّ وإلا مال إلى غيرها.
وقال ابن سيده: فلان على حَرْف من أَمره أَي ناحية منه إذا رأَى شيئاً لا
يعجبه عدل عنه. وفي التنزيل العزيز: ومن الناس من يَعْبُدُ اللّه على
حَرْف؛ أَي إذا لم يرَ ما يحب انقلب على وجهه، قيل: هو أَن يعبده على
السرَّاء دون الضرَّاء. وقال الزجاج: على حَرْف أَي على شَكّ، قال: وحقيقته
أَنه يعبد اللّه على حرف أَي على طريقة في الدين لا يدخُل فيه دُخُولَ
متمكّن، فإن أَصابه خير اطمأَنّ به أَي إن أَصابه خِصْبٌ وكثُرَ مالُه
وماشِيَتُه اطْمَأَنَّ بما أَصابه ورضِيَ بدينه، وإن أَصابته فِتْنَةٌ
اخْتِبارٌ بِجَدْبٍ وقِلَّة مالٍ انقلب على وجهه أَي رجع عن دينه إلى الكفر
وعِبادة الأَوْثان. وروى الأَزهري عن أَبي الهيثم قال: أَما تسميتهم الحرْف
حرْفاً فحرف كل شيء ناحيته كحرف الجبل والنهر والسيف وغيره. قال الأَزهري:
كأَن الخير والخِصْب ناحية والضرّ والشرّ والمكروه ناحية أُخرى، فهما
حرفان وعلى العبد أَن يعبد خالقه على حالتي السرّاء والضرَّاء، ومن عبد
اللّه على السرَّاء وحدها دون أَن يعبده على الضرَّاء يَبْتَلِيه اللّه بها
فقد عبده على حرف، ومن عبده كيفما تَصَرَّفَتْ به الحالُ فقد عبده عبادة
عَبْدٍ مُقِرّ بأَنَّ له خالقاً يُصَرِّفُه كيف يَشاء، وأَنه إن
امـْتَحَنَه بالَّلأْواء أَو أَنـْعَم عليه بالسرَّاء، فهو في ذلك عادل أَو متفضل
غير ظالم ولا متعدّ له الخير، وبيده الخير ولا خِيرةَ للعبد عليه. وقال
ابن عرفة: من يعبد اللّه على حرف أَي على غير طمأْنينة على أَمر أَي لا
يدخل في الدين دخول متمكن.
وحَرَفَ عن الشيء يَحْرِفُ حَرْفاً وانْحَرَفَ وتَحَرَّفَ واحْرَوْرَفَ:
عَدَلَ . الأَزهري. وإذا مالَ الإنسانُ عن شيء يقال تَحَرَّف وانحرف
واحرورف؛ وأَنشد العجاج في صفة ثور حَفَرَ كِناساً فقال:
وإنْ أَصابَ عُدَواء احْرَوْرَفا
عنها، وولاَّها ظُلُوفاً ظُلَّفا
أَي إِن أَصابَ مَوانِع. وعُدَواءُ الشي: مَوانِعُه. وتَحْرِيفُ القلم:
قَطُّه مُحَرَّفاً. وقَلمٌ مُحَرَّفٌ: عُدِلَ بأَحد حَرفَيْه عن الآخر؛
قال:
تَخالُ أُذْنَيْهِ، إذا تَشَوَّفا،
خافِيةً أَو قَلَماً مُحَرَّفا
وتَحْرِيفُ الكَلِم عن مواضِعِه: تغييره. والتحريف في القرآن والكلمة:
تغيير الحرفِ عن معناه والكلمة عن معناها وهي قريبة الشبه كما كانت اليهود
تُغَيِّرُ مَعانَي التوراة بالأَشباه، فوصَفَهم اللّه بفعلهم فقال
تعالى: يُحَرِّفُون الكَلِمَ عن مواضعه. وقوله في حديث أَبي هريرة: آمَنْتُ
بمُحَرِّفِ القلوب؛ هو الـمُزِيلُ أَي مُـمِيلُها ومُزيغُها وهو اللّه
تعالى، وقال بعضهم: الـمُحَرِّكَ. وفي حديث ابن مسعود: لا يأْتون النساء إلا
على حرف أَي على جَنْب. والـمُحَرَّفُ: الذي ذَهَب مالُه. والـمُحارَفُ:
الذي لا يُصيبُ خيراً من وجْهٍ تَوَجَّه له، والمصدر الحِرافُ.
والحُرْفُ: الحِرْمان. الأَزهري: ويقال للمحزوم الذي قُتِّرَ عليه رزقُه مُحارَفٌ.
وجاء في تفسير قوله: والذين في أَموالهم حَقٌّ مَعْلوم للسائل
والـمَحْرُوم، أَن السائل هو الذي يسأَل الناس، والمحروم هو الـمُحارَفُ الذي ليس
له في الإسلام سَهْم، وهو مُحارَفٌ. وروى الأَزهري عن الشافعي أَنه قال:
كلُّ من اسْتَغنَى بِكَسْبه فليس له أَن يسأَل الصدقةَ، وإذا كان لا
يبلُغُ كسبُه ما يُقِيمُه وعيالَه، فهو الذي ذكره المفسِّرون أَنه المحروم
الـمُحارَف الذي يَحْتَرِفُ بيدَيه، قد حُرِم سَهْمَه من الغنيمة لا
يَغْزُو مع المسلمين، فَبَقِيَ محْروماً يُعْطى من الصدقة ما يَسُدُّ
حِرْمانَه، والاسم منه الحُرْفة، بالضم، وأَما الحِرفةُ فهو اسم من الاحتِرافِ وهو
الاكْتِسابُ؛ يقال: هو يَحْرِفُ لعِيالِه ويحترف ويَقْرِشُ ويَقْتَرِشُ
بمعنى يكتسب من ههنا وههنا، وقيل: الـمُحارفُ، بفتح الراء، هو المحروم
المحدود الذي إذا طَلَب فلا يُرْزَق أَو يكون لا يَسْعَى في الكسب. وفي
الصحاح: رجل مُحارَف، بفتح الراء، أَي محدود محروم وهو خلاف قولك مُبارَكٌ؛
قال الراجز:
مُحارَفٌ بالشاء والأَباعِرِ،
مُبارَكٌ بالقَلَعِيِّ الباتِرِ
وقد حُورِفَ كَسْبُ فلان إذا شُدِّد عليه في مُعاملَته وضُيِّقَ في
مَعاشِه كأَنه مِيلَ بِرِزْقه عنه، من الانْحِرافِ عن الشيء وهو الميل عنه.
وفي حديث ابن مسعود: موتُ المؤمن بعَرَقِ الجبين تَبْقَى عليه البقِيّةُ
من الذُّنوبِ فَيُحارَفُ بها عند الموت أَي يُشَدَّد عليه لتُمَحَّصَ
ذنوبه، وُضِعَ وَضْعَ الـمُجازاةِ والـمُكافأَة، والمعنى أَن الشدَّة التي
تَعْرِض له حتى يَعْرَقَ لها جَِبينُه عند السِّياقِ تكون جزاء وكفارةً لما
بقي عليه من الذنوب، أَو هو من الـمُحارَفةِ وهو التشْديدُ في الـمَعاش.
وفي التهذيب: فيُحارَفُ بها عند الموت أَي يُقايَسُ بها فتكون كفارة
لذنوبه، ومعنى عَرَقِ الجبين شدَّةُ السّياق. والحُرْفُ: الاسم من قولك رجل
مُحارَفٌ أَي مَنْقُوصُ الحَظِّ لا ينمو له مال، وكذلك الحِرْفةُ،
بالكسر. وفي حديث عمر، رضي اللّه عنه: لَحِرْفةُ أَحدِهم أَشَدُّ عليَّ من
عَيْلَتِه أَي إغْناءُ الفَقِير وكفايةُ أَمْرِه أَيْسَرُ عليَّ من إصْلاحِ
الفاسدِ، وقيل: أَراد لَعَدم حِرْفةِ أَحدِهم والاغْتِمامُ لذلك أَشَدُّ
عليَّ من فَقْرِه. والـمُحْتَرِفُ: الصانِعُ. وفلان حَريفي أَي مُعامِلي.
اللحياني: وحُرِفَ في ماله حَرْفةً ذهَب منه شيء، وحَرَفْتُ الشيء عن
وجْهه حَرْفاً. ويقال: ما لي عن هذا الأَمْرِ مَحْرِفٌ وما لي عنه مَصْرِفٌ
بمعنى واحد أَي مُتَنَحًّى؛ ومنه قول أَبي كبير الهذلي:
أَزُهَيْرُ، هَلْ عن شَيْبةٍ من مَحْرِفِ،
أَمْ لا خُلُودَ لِباذِلٍ مُتَكَلِّفِ؟
والـمُحْرِفُ: الذي نَما مالُه وصَلَحَ، والاسم الحِرْفةُ. وأَحْرَفَ
الرجلُ إحرافاً فهو مُحْرِفٌ إذا نَما مالُه وصَلَحَ. يقال: جاء فلان
بالحِلْقِ والإحْراف إذا جاء بالمال الكثير.
والحِرْفةُ: الصِّناعةُ. وحِرفةُ الرجلِ: ضَيْعَتُه أَو صَنْعَتُه.
وحَرَفَ لأَهْلِه واحْتَرَف: كسَب وطلَب واحْتالَ، وقيل: الاحْتِرافُ
الاكْتِسابُ، أَيّاً كان. الأَزهري: وأَحْرَفَ إذا اسْتَغْنى بعد فقر. وأَحْرَفَ
الرجلُ إذا كَدَّ على عِياله. وفي حديث عائشة: لما اسْتُخْلِفَ أَبو
بكر، رضي اللّه عنهما، قال: لقد عَلِم قومي أَن حِرْفَتي لم تكن تَعْجِز عن
مؤونة أَهلي وشُغِلْتُ بأَمر المسلمين فسيأْكل آلُ أَبي بكر من هذا
ويَحْتَرِفُ للمسلمين فيه؛ الحِرْفةُ: الصِّناعةُ وجِهةُ الكَسْب؛ وحَرِيفُ
الرجل: مُعامِلُه في حِرْفَتِه، وأَراد باحترافِه للمسلمين نَظَره في
أُمورهم وتَثْميرَ مَكاسِبهمْ وأَرْزاقِهم؛ ومنه الحديث: إني لأَرى الرجل
يُعْجِبُني فأَقول: هل له حِرْفة؟ فإن قالوا: لا، سَقَطَ من عيني؛ وقيل: معنى
الحديث الأَوَّل هو أَن يكون من الحُرْفة والحِرْفة، بالضم والكسر، ومنه
قولهم: حِرْفة الأَدَبِ، بالكسر. ويقال: لا تُحارِفْ أَخاكَ بالسوء أَي
تُجازِه بسوء صنِيعِه تُقايِسْه وأَحْسِنْ إذا أَساء واصْفَحْ عنه. ابن
الأَعرابي: أَحْرَفَ الرجلُ إذا جازى على خَيْر أَو شرّ، قال: ومنه
الخَبرُ: إن العبد لَيُحارَفُ عن عمله الخير أَو الشرّ أَي يُجازى. وقولهم في
الحديث: سَلِّطْ عليهم مَوْتَ طاعُونٍ دَفِيفٍ يُحَرِّفُ القُلوبَ أَي
يُمِيلها ويَجْعَلُها على حرْفٍ أَي جانب وطَرَفٍ، ويروى يَحُوفُ، بالواو،
وسنذكره؛ ومنه الحديث: ووصف سُفيانُ بكفه فَحَرَفَها أَي أَمالَها،
والحديث الآخر: وقال بيده فحرّفها كأَنه يريد القتل ووصف بها قطْع السيفِ
بحَدِّه. وحَرَفَ عَيْنَه: كَحَلها؛ أَنشد ابن الأَعرابي:
بِزَرْقاوَيْنِ لم تُحْرَفْ، ولَـمَّا
يُصِبْها عائِرٌ بشَفير ماقِ
أَراد لم تُحْرَفا فأَقام الواحد مُقام الاثْنين كما قال أَبو ذُؤَيب:
نامَ الخَلِيُّ، وبتُّ الليلَ مُشْتَجِراً،
كأَنَّ عيْنَيَّ فيها الصَّابُ مَذْبوحُ
والمِحْرَفُ والمِحْرافُ: الـمِيلُ الذي تقاسُ به الجِراحات.
والـمِحْرَفُ والمِحْرافُ أَيضاً: المِسْبارُ الذي يُقاسُ به الجُرح؛ قال القطامي
يذكر جِراحةً:
إذا الطَّبيبُ بمِحْرافَيْه عالَجَها،
زادَتْ على النَّقْرِ أَو تَحْريكها ضَجَما
ويروى على النَّفْرِ، والنَّفْرُ الوَرَمُ، ويقال: خروج الدّم؛ وقال
الهذلي:
فإنْ يَكُ عَتَّابٌ أَصابَ بسَهْمِه
حَشاه، فَعَنَّاه الجَوى والـمَحارِفُ
والمُحارَفةُ: مُقايَسَةُ الجُرْحِ بالمِحْرافِ، وهو المِيل الذي
تُسْبَرُ به الجِراحاتُ؛ وأَنشد:
كما زَلَّ عن رأْسِ الشَّجِيجِ المحارفُ
وجمعه مَحارِفُ ومَحاريفُ؛ قال الجَعْدي:
ودَعَوْتَ لَهْفَك بعد فاقِرةٍ،
تُبْدي مَحارِفُها عن العَظْمِ
وحارَفَه: فاخَرَه؛ قال ساعِدةُ بن جُؤَيَّة:
فإنْ تَكُ قَسْرٌ أَعْقَبَتْ من جُنَيْدِبٍ،
فقد عَلِمُوا في الغَزْوِ كيْفَ نُحارِفُ
والحُرْفُ: حَبُّ الرَّشادِ، واحدته حُرْفةٌ. الأَزهري: الحُرْفُ جَبٌّ
كالخَرْدَلِ. وقال أَبو حنيفة: الحُرف، بالضم، هو الذي تسميه العامّة
حبَّ الرَّشاد.
والحُرْفُ والحُرافُ: حَيّةٌ مُظْلِمُ اللَّوْنِ يَضْرِبُ إلى السَّواد
إذا أَخذ الإنسانَ لم يبق فيه دم إلا خرج.
والحَرافةُ: طَعْم يُحْرِقُ اللِّسانَ والفَمَ. وبصل حِرِّيفٌ: يُحْرِقُ
الفم وله حَرارةٌ، وقيل: كل طعام يُحْرِقُ فم آكله بحَرارة مَذاقِه
حِرِّيف، بالتشديد، للذي يَلْذَعُ اللسانَ بحَرافَتِه، وكذلك بصل حِرّيف،
قال: ولا يقال حَرِّيف.
حلف: الحِلْفُ والحَلِفُ: القَسَمُ لغتان، حَلَفَ أَي أَقْسَم يَحْلِفُ
حَلْفاً وحِلْفاً وحَلِفاً ومَحْلُوفاً، وهو أَحد ما جاء من المصادر على
مَفْعُولٍ مثل الـمَجْلُودِ والـمَعْقُولِ والـمَعْسُور والـمَيْسُورِ،
والواحدة حَلْفةٌ؛ قال امْرؤُ القيس:
حَلَفْتُ لَها باللّهِ حَلْفةَ فاجِرٍ:
لَنامُوا فما إنْ مِنْ حَدِيثٍ ولا صالي
ويقولون: مَحْلُوفةً باللّه ما قال ذلك، ينصبون على إضمار يَحْلِفُ
باللّه مَحْلُوفةً أَي قَسَماً، والمحلوفةُ هو القَسَمُ. الأَزهري عن
الأَحمر: حَلَفْتُ محلوفاً مصدر. ابن بُزُرج: لا ومَحْلُوفائه لا أَفْعَلُ، يريد
ومَحْلُوفِه فمَدَّها. وحَلَفَ أُحْلُوفة؛ هذه عن اللحياني. ورجل حالِفٌ
وحَلاَّفٌ وحَلاَّفةٌ: كثير الحَلِفِ. وأَحْلَفْتُ الرجُلَ وحَلَّفْتُه
واسْتَحْلفته بمعنًى واحد، ومثله أَرْهَبْتُه واسْتَرْهَبْتُه، وقد
اسْتَحْلَفَه باللّه ما فَعَلَ ذلك وحَلَّفَه وأَحْلَفَه؛ قال النمر بن
تَوْلَبٍ:
قامَتْ إليَّ فأَحْلَفْتُها
بِهَدْيٍ قَلائِدُه تَخْتَنِقْ
وفي الحديث: مَن حَلَفَ على يمين فرأَى غيرها خيراً منها؛ الحَلِفُ:
اليمين وأَصلُها العَقْدُ بالعَزْمِ والنية فخالف بين اللفظين تأْكيداً
لعَقْدِه وإعْلاماً أَنَّ لَغْو اليمينِ لا ينعقد تحته.
وفي حديث حذيفة قال له جُنْدَبٌ: تسْمَعُني أُحالِفُكَ منذ اليوم وقد
سَمِعْته من رسول اللّه، صلى اللّه عليه وسلم، فلا تَنهاني؛ أُحالِفُكَ
أُفاعِلُكَ من الحلف اليمين. والحِلْفُ، بالكسر، العَهْد يكون بين القوم.
وقد حالَفَه أَي عاهَدَه، وتحالفُوا أَي تعاهَدُوا. وفي حديث أَنس: حالَفَ
رسول اللّه، صلى اللّه عليه وسلم، بين المهاجرين والأَنصار في دارنا
مرَّتين أَي آخَى بينهم، وفي رواية: حالَفَ بين قريش والأَنصار أَي آخَى
بينهم لأَنه لا حِلْف في الإسْلام. وفي حديث آخر: لا حِلْف في الإسلام. قال
ابن الأَثير: أَصل الحِلْف الـمُعاقدةُ والـمُعاهَدَةُ على التَّعاضُدِ
والتساعُدِ والاتِّفاقِ، فما كان منه في الجاهلية على الفِتَنِ والقِتالِ
بين القبائل والغاراتِ فذلك الذي ورَدَ النَّهْيُ عنه في الإسلام بقوله،
صلى اللّه عليه وسلم: لا حِلْف في الإسلام، وما كان منه في الجاهلية على
نَصْرِ الـمَظْلُومِ وصلةِ الأَرْحامِ كحِلْفِ الـمُطَيِّبِينَ وما جَرى
مَجْراه فذلك الذي قال فيه رسولُ اللّه، صلى اللّه عليه وسلم: وأَيُّمَا
حِلْفٍ كان في الجاهلية لم يَزِدْه الإسلامُ إلا شِدَّةً، يريد من
الـمُعاقدة على الخير ونُصْرةِ الحقّ، وبذلك يجتمع الحديثان، وهذا هو الحِلْفُ
الذي يَقْتَضِيه الإسلامُ والـمَمْنُوعُ منه ما خالَفَ حُكْمَ الإسلام،
وقيل: الـمُحالفة كانت قبل الفتح، وقوله لا حِلْفَ في الإسلام قاله زمن
الفتح؛ فكان ناسخاً وكان، عليه السلام، وأَبو بكر من الـمُطَيَّبينَ وكان
عمر من الأَحْلافِ، والأَحْلافُ سِتُّ قَبائِلَ: عبدُ الدَّارِ وجُمَحُ
ومَخْزُومٌ وبنو عَدِيٍّ وكعْبٌ وسَهْمٌ.
والحَلِيفُ: الـمُحالِفُ. الليث: يقال حالَف فلان فلاناً، فهو حَليفه،
وبينهما حِلْف لأَنهما تَحالَفا بالإيْمانِ أَن يكون أَمرُهما واحداً
بالوَفاء، فلما لزم ذلك عندهم في الأَحْلافِ التي في العشائر والقبائل صار
كلّ شيء لزم شيئاً فلم يُفارِقْه فهو حَلِيفُه حتى يقال: فلان حَلِيفُ
الجُودِ وفلان حَلِيفُ الإكْثارِ وفلان حلِيفُ الإقْلالِ؛ وأَنشد قول
الأَعشى:وشَرِيكَيْنِ في كثِيرٍ من الما
لِ، وكانا مُحالِفَيْ إقْلالِ
وحالَفَ فلان بَثَّه وحُزْنَه أَي لازَمَه. ابن الأَعرابي: الأَحْلافُ
في قريش خمس قبائل: عبدُ الدَّارِ وجُمَح وسَهْم ومَخْزوم وعديّ بن كعب،
سُمُّوا بذلك لـمّا أَرادَتْ بنو عبدِ مناف أَخذ ما في يَدَيْ عبدِ
الدَّار من الحجابة والرِّفادةِ واللِّواءِ والسِّقايةِ، وأَبَتْ بَنُو عبد
الدار، عَقَدَ كلّ قوم على أَمـْرِهِم حِلْفاً مؤكّداً على أَن لا يتخاذلوا،
فأَخرجت عبد مناف جَفْنة مـملوءة طيباً فوضعوها لأَحْلافهم في المسجد
عند الكعبة، وهم أَسَدٌ وزُهْرةُ وتَيْمٌ، ثم غَمَسَ القوم أَيديهم فيها
وتَعاقَدُوا ثم مسحوا الكعبة بأَيديهم توكيداً فسموا المطيَّبين، وتَعاقَدت
بنو عبد الدار وحُلفاؤها حلفاً آخر مؤكداً على أَن لا يتخاذلوا فسمو
الأَحْلافَ؛ وقال الكميت يذكرهم:
نَسَباً في الـمُطَيَّبينَ وفي الأَحْـ
ـلافِ حَلَّ الذُّؤابةَ الجُمْهُورا
قال: وروى ابن عيينة عن ابن جُرَيْجٍ عن أَبي مُلَيْكَةَ قال: كنت عند
ابن عباس فأَتاه ابن صَفْوان فقال: نِعْمَ الإمارةُ إمارةُ الأَحْلافِ
كانت لكم قال: الذي كان قبلها خير منها، كان رسول اللّه، صلى اللّه عليه
وسلم، من المطيَّبين وكان أَبو بكر من المطيبين، وكان عمر من الأَحْلافِ،
يعني إمارة عمر. وسمع ابن عباس نادِبة عمر، رضي اللّه عنه، وهي تقول: يا
سيِّدَ الأَحْلافِ فقال ابن عباس: نعم والـمُحْتَلَفِ عليهم، يعني
الـمُطيبين. قال الأَزهري: وإنما ذكرت ما اقْتَصَّه ابن الأَعرابي لأَن
القُتَيْبي ذكر الـمُطيبين والأَحْلافَ فَخَلَط فيما فسَّرَ ولم يؤدِّ القِصَّة
على وجهها، قال: وأَرجو أَن يكون ما رواه شمر عن ابن الأَعرابي صحيحاً.
وفي حديث ابن عباس: وجدنا وِلايةَ المطيَّبيّ خيراً من وِلاية
الأَحْلافيِّ، يريد أَبا بكر وعمر، يريد أَنَّ أَبا بكر كان من المطيبين وعمر من
الأَحْلاف؛ قال ابن الأَثير: وهذا أَحد ما جاء من النسب لا يُجْمَعُ لأَن
الأَحْلاف صار اسماً لهم كما صار الأَنصار اسماً للأَوْس والخَزْرج،
والأَحْلافُ الذين في شعر زهير هم: أَسَدٌ وغَطَفانُ لأَنهم تحالَفُوا على
التَّناصُرِ؛ قال ابن بري: والذي أَشار إليه من شعر زهير هو قوله:
تَدارَكْتُما الأَحْلافَ قد ثُلَّ عَرْشُها،
وُذُِبْيانَ قد زَلَّتْ بأْقْدامها النَّعْلُ
قال: وفي قوله أَيضاً:
أَلا أَبْلِغِ الأَحْلافَ عَنِّي رِسالةً
وذِبْيان: هل أَقْسَمْتُمُ كلَّ مَقْسَمِ؟
قال ابن سيده: والحَلِيفانِ أَسَدٌ وغَطَفانُ صفة لازِمةٌ لهما لُزُومَ
الاسم. ابن سيده: الحِلْفُ العَهْدُ لأَنه لا يُعْقَدُ إلا بالحَلِفِ.
والجمع أَحلاف. وقد حالَفَه مُحالَفَة وحِلافاً، وهو حِلْفُه وحَليفه؛ وقول
أَبي ذؤيب:
فَسَوْفَ تَقُولُ، إنْ هِيَ لم تَجِدْني:
أَخانَ العَهْدَ أَم أَثِيمَ الحَلِيفُ؟
الحَلِيف: الحالِفُ فيما كان بينه وبينها ليَفِيَنَّ، والجمع أَحْلافٌ
وحُلَفاء، وهو من ذلك لأَنهما تحالفا أَن يكون أَمرهما واحداً بالوفاء.
الجوهري: والأَحْلافُ أَيضاً قوم من ثَقِيفٍ لأَنَّ ثقيفاً فرقتان بنو مالك
والأَحْلافُ، ويقال لبني أَسَدٍ وطَيِّءٍ الحَلِيفان، ويقال أَيضاً
لفَزارةَ ولأَسَدٍ حَلِيفانِ لأَن خُزاعةَ لما أَجْلَتْ بني أَسد عن الحَرَم
خرجت فحالفت طيّئاً ثم حالفت بني فزارة.
ابن سيده: كل شيء مُخْتَلَف فيه، فهو مُحْلِفٌ لأَنه داعٍ إلى الحَلِفِ،
ولذلك قيل حَضارِ والوَزْنُ مُحْلِفانِ، وذلك أَنهما نَجْمانِ
يَطْلُعانِ قبل سُهَيْل من مَطْلَعِه فيظنّ الناس بكل واحد منهما أَنه سُهيل،
فيحلف الواحد أَنه سهيل ويحلف الآخر أَنه ليس به. وناقة مُحْلِفةٌ إذا شُكَّ
في سِمَنِها حتى يَدْعُوَ ذلك إلى الحلف. الأَزهري: ناقة مُحْلِفةُ
السَّنام لا يُدْرى أَفي سَنامِها شحم أَم لا؛ قال الكميت:
أَطْلال مُحْلِفةِ الرُّسُو
مِ بأَلْوَتَي بَرٍّ وفاجِرْ
أَي يَحْلِفُ اثْنان: أَحدهما على الدُّرُوسِ والآخر على أَنه ليس
بدارِسٍ فيبر أَحدهما في يمينه ويحنث الآخر، وهو الفاجر. ويقال: كُمَيْتٌ
مُحْلِفٌ إذا كان بين الأَحْوى والأَحَمّ حتى يختلف في كُمْتته، وكُمَيْتٌ
غير مُحلف إذا كان أَحْوَى خالِصَ الحُوَّة أَو أَحَمّ بَيِّنَ الحُمّةِ.
وفي الصحاح: كُمَيْتٌ مُحْلِفةٌ وفرس مُحْلِفٌ ومُحْلِفةٌ، وهو الكُمَيْت
الأَحَمُّ والأَحْوى لأَنهما مُتَدانِيانِ حتى يشكّ فيهما البَصِيرانِ
فيحلف هذا أَنه كُمَيْتٌ أَحْوى، ويحلف هذا أَنه كميت أَحَمُّ؛ قال ابن
كَلْحبة اليَرْبُوعي واسمه هُبَيْرةُ بن عبد مَناف وكَلْحَبةُ أُمه:
تُسائِلُني بَنُو جُشَمِ بن بَكْرٍ:
أَغَرَّاءُ العَرادةُ أَمْ بَهِيمُ؟
كَمَيْتٌ غيرُ مُحْلِفةٍ، ولكِنْ
كَلَوْنِ الصِّرْفِ عُلَّ به الأَديمُ
يعني أَنها خالصة اللون لا يُحْلَفُ عليها أَنها ليست كذلك، والصِّرْفُ:
شيء أَحْمر يُدْبَغُ به الجِلْدُ. وقال ابن الأَعرابي: معنى مُحلفة هنا
أَنها فرس لا تُحْوِجُ صاحبَها إلى أَن يحلف أَنه رأَى مِثْلَها كرَماً،
والصحيح هو الأَول. والـمُحْلِفُ من الغِلمان: المشكوك في احتلامه لأَن
ذلك ربما دعا إلى الحلف. الليث: أَحْلَفَ الغلامُ إذا جاوَز رِهاق
الحُلُم، قال: وقال بعضهم قد أَحْلَفَ. قال أَبو منصور: أَحْلَفَ الغُلام بهذا
المعنى خطأ، إنما يقال أَحْلَفَ الغلامُ إذا راهَقَ الحُلُم فاختلف
الناظرون إليه، فقائل يقول قد احْتَلَمَ وأَدْرَك ويحلف على ذلك، وقائل يقول
غير مُدْرِكٍ ويحلف على قوله. وكل شيء يختلف فيه الناس ولا يقِفُون منه على
أَمر صحيح، فهو مُحْلِفٌ. والعرب تقول للشيء الـمُخْتَلَفِ فيه:
مُحْلِفٌ ومُحْنِثٌ.
والحَلِيفُ: الحَديدُ من كل شيء، وفيه حَلافةٌ، وإنه لَحَلِيفُ اللسانِ
على المثل بذلك أَي حديدُ اللسان فصيحٌ. وسِنانٌ حَلِيفٌ أَي حَديد. قال
الأَزهري: أَراه جُعِلَ حليفاً لأَنه شُبِّه حِدَّةُ طرَفِه بَحِدَّةِ
أَطْرافِ الحَلْفاء. وفي حديث الحجاج أَنه قال ليزيد بن الـمُهَلَّب: ما
أَمْضى جَنانَه وأَحْلَفَ لِسانَه أَي ما أَمْضاه وأَذْرَبَه من قولهم
سِنانٌ حَلِيفٌ أَي حديد ماض.
والحَلَفُ والحَلْفاء: من نَباتِ الأَغْلاثِ، واحدتها حَلِفةٌ وحَلَفةٌ
وحَلْفاء وحَلْفاة؛ قال سيبويه: حَلْفاء واحدة وحَلْفاء للجميع لما كان
يقع للجميع ولم يكن اسماً كُسِّرَ عليه الواحد، أَرادوا أَن يكون الواحدُ
من بناء فيه علامة التأْنيث كما كان ذلك في الأَكثر الذي ليست فيه علامة
التأْنيث، ويقع مذكراً نحو التمر والبر والشعير وأَشباه ذلك، ولم
يُجاوِزُوا البناء الذي يقع للجميع حيث أَرادوا واحداً فيه علامة التأْنيث لأَنه
فيه علامة التأْنيث، فاكتفَوْا بذلك وبَيَّنُوا الواحدة بأَن وصفوها
بواحدة، ولم يَجِيئُوا بعلامة سِوى العلامة التي في الجمع لتَفْرُقَ بين هذا
وبين الاسم الذي يقع للجميع وليس فيه علامة التأْنيث نحو التمر
والبُسْر.، وأَرض حَلِفةٌ ومُحْلِفةٌ: كثيرة الحَلْفاء. وقال أَبو حنيفة: أَرض
حَلِفةٌ تُنْبِتُ الحلفاء. الليث: الحلفاء نبات حَمْلُه قصَبُ النُّشَّابِ.
قال الأَزهري: الحلفاء نبت أَطْرافُه مُحَدَّدةٌ كأَنها أَطْرافُ سَعَفِ
النخل والخوص، ينبت في مغايِضِ الماء والنُزُوزِ، الواحدة حَلَفةٌ مثل
قَصَبةٍ وقَصْباءَ وطَرَفَةٍ وطَرْفاءَ. وقال سيبويه: الحلفاء واحد وجمع،
وكذلك طرْفاء وبُهْمَى وشُكاعى واحدة وجمع. ابن الأَعرابي: الحَلْفاء
الأَمـَةُ الصَّخَّابة. الجوهري: الحَلْفاء نبت في الماء، وقال الأَصمعي:
حَلِفة، بكسر اللام. وفي حديث بدر: أَنَّ عُتْبةَ بن رَبيعةَ بَرَزَ
لعُبيدةَ فقال: مَن أَنت؟ قال: أَنا الذي في الحَلْفاء؛ أَراد أَنا الأَسد
لأَنَّ مَأْوى الأَسَد الآجامُ ومَنابتُ الحلفاء، وهو نبت معروف، وقيل: هو
قصب لم يُدْرِكْ. والحلفاء: واحد يراد به الجمع كالقصْباء والطرْفاء، وقيل:
واحدته حَلْفاةٌ.
وحُلَيْفٌ وحَلِيفٌ: اسْمان. وذو الحُلَيْفةِ: موضعٌ؛ وقال ابن هَرْمةَ:
لمْ يُنْسَ رَكْبُك يومَ زالَ مَطِيُّهُمْ
مِنْ ذي الحُلَيْفِ، فصَبَّحُوا الـمَسْلُوقا
يجوز أَن يكون ذو الحُلَيْفِ عنده لُغةً في ذي الحُلَيْفةِ، ويجوز أَن
يكون حذف الهاء من ذي الحليفة في الشعر كما حذفها الآخر من العُذَيْبةِ في
قوله وهو كثير عَزَّةَ:
لَعَمْري، لَئِنْ أُمُّ الحكيم تَرَحَّلَتْ
وأَخْلَتْ بَخَيْماتِ العُذَيْبِ ظِلالَها
وإنما اسْمُ الماءِ العُذَيْبةُ، واللّه أَعلم.
حقق: الحَقُّ: نقيض الباطل، وجمعه حُقوقٌ وحِقاقٌ، وليس له بِناء أدنى
عدَد. وفي حديث التلبية: لبَّيْك حَقّاً حقّاً أي غير باطل، وهو مصدر مؤكد
لغيره أي أنه أكََّد به معنى ألزَم طاعتَك الذي دلّ عليه لبيك، كما
تقول: هذا عبد الله حقّاً فتؤَكِّد به وتُكرِّرُه لزيادة التأْكيد،
وتَعَبُّداً مفعول له
(* قوله «وتعبداً مفعول له» كذا هو في النهاية أيضاً.) وحكى
سيبويه: لَحَقُّ أنه ذاهب بإضافة حقّ إلى أنه كأنه قال: لَيقِينُ ذاك
أمرُك، وليست في كلام كل العرب، فأمرك هو خبر يقينُ لأنه قد أضافه إلى ذاك
وإذا أضافه إليه لم يجز أن يكون خبراً عنه، قال سيبويه: سمعنا فصحاء العرب
يقولونه، وقال الأَخفش: لم أسمع هذا من العرب إنما وجدناه في الكتاب
ووجه جوازِه، على قِلَّته، طول الكلام بما أضيف هذا المبتدأ إليه، وإذا طال
الكلام جاز فيه من الحذف ما لا يجوز فيه إذا قصُر، ألا ترى إلى ما حكاه
الخليل عنهم: ما أنا بالذي قائل لك شيئاً؟ ولو قلت: ما أنا بالذي قائم
لقَبُح. وقوله تعالى: ولا تَلْبِسُوا الحقَّ بالباطل؛ قال أبو إسحق: الحق
أمر النبي، صلى الله عليه وسلم، وما أتى به من القرآن؛ وكذلك قال في قوله
تعالى: بل نَقْذِفُ بالحقِّ على الباطل. وحَقَّ الأَمرُ يَحِقُّ ويَحُقُّ
حَقّاً وحُقوقاً: صار حَقّاً وثَبت؛ قال الأَزهري: معناه وجَب يَجِب
وجُوباً، وحَقَّ عليه القولُ وأحْقَقْتُه أنا. وفي التنزيل: قال الذي حَقَّ
عليهم القولُ؛ أي ثبت، قال الزجاج: هم الجنُّ والشياطين. وقوله تعالى:
ولكن حقَّت كلمة العذاب على الكافرين؛ أي وجبت وثبتت، وكذلك: لقد حقَّ القول
على أكثرهم؛ وحَقَّه يَحُقُّه حقّاً وأحَقَّه، كلاهما: أثبته وصار عنده
حقّاً لا يشكُّ فيه. وأحقَّه: صيره حقّاً. وحقَّه وحَقَّقه: صدَّقه؛ وقال
ابن دريد: صدَّق قائلَه. وحقَّق الرجلُ إذا قال هذا الشيء هو الحقُّ
كقولك صدَّق. ويقال: أحقَقْت الأَمر إحقاقاً إذا أحكمته وصَحَّحته؛
وأنشد:قد كنتُ أوْعَزْتُ إلى العَلاء
بأنْ يُحِقَّ وذَمَ الدِّلاء
وحَقَّ الأَمرَ يحُقُّه حقّاً وأحقَّه: كان منه على يقين؛ تقول:
حَقَقْتَ الأَمر وأحْقَقْته إذا كنت على يقين منه. ويقال: ما لي فيك حقٌّ ولا
حِقاقٌ أي خُصومة. وحَقَّ حَذَرَ الرجل يَحُقُّه حَقّاً وحَقَقْتُ حذَره
وأحقَقْته أي فعلت ما كان يَحذَره. وحقَقْت الرجل وأحقَقْته إذا أتيتَه؛
حكاه أبو عبيد. قال الأَزهري: ولا تقل حَقَّ حذَرَك، وقال: حقَقْت الرجل
وأحقَقْته إذا غلَبته على الحقّ وأثبَتَّه عليه. قال ابن سيده: وحقَّه على
الحقّ وأحقَّه غلبَه عليه، واستَحقَّه طلَب منه حقَّه.
واحْتَقّ القومُ: قال كل واحد منهم: الحقُّ في يدي. وفي حديث ابن عباس
في قُرَّراء القرآن: متى ما تَغْلوا في القرآن تَحْتَقُّوا، يعني المِراء
في القرآن، ومعنى تحتقُّوا تختصموا فيقول كل واحد منهم: الحقُّ بيدي
ومعي؛ ومنه حديث الحَضانةِ: فجاءَ رجلان يَحْتَقّانِ في ولَد أي يختصِمان
ويطلُب كل واحد منهما حقّه؛ ومنه الحديث: من يحاقُّني في ولدي؟ وحديث وهْب:
كان فيما كلَّم الله أيُّوبَ، عليه السلام: أتحاقُّني بِخِطْئِك؛ ومنه
كتابه لحُصَين: إنَّ له كذا وكذا لا يُحاقُّه فيها أحد. وفي حديث أبي بكر،
رضي الله عنه: أنه خرج في الهاجرة إلى المسجد فقيل له: ما أخرجك؟ قال: ما
أخرجني إلا ما أجِدُ من حاقِّ الجُوع أي صادِقه وشدَّته، ويروى بالتخفيف
من حاقَ به يَحِيقُ حَيْقاً وحاقاً إذا أحدق به، يريد من اشتمال الجوع
عليه، فهو مصدر أقامه مقام الاسم، وهو مع التشديد اسم فاعل من حقَّ
يَحِقُّ. وفي حديث تأخير الصلاة: وتَحْتَقُّونها إلى شَرَقِ الموتَى أي
تضيِّقُون وقتَها إلى ذلك الوقت. يقال: هو في حاقٍّ من كذا أي في ضيق؛ قال ابن
الأَثير: هكذا رواه بعض المتأخرين وشرَحه، قال: والرواية المعروفة بالخاء
المعجمة والنون، وسيأتي ذكره.
والحق: من أسماء الله عز وجل، وقيل من صفاته؛ قال ابن الأَثير: هو
الموجود حقيقةً المُتحققُ وجوده وإلَهِيَّتُه. والحَق: ضدّ الباطل. وفي
التنزيل: ثم رُدُّوا إلى الله مولاهم الحَقِّ. وقوله تعالى: ولو اتبع الحقُّ
أهواءَهم؛ قال ثعلب: الحق هنا الله عز وجل، وقال الزجاج: ويجوز أن يكون
الحق هنا التنزيل أي لو كن القرآن بما يحِبُّونه لفَسَدت السمواتُ والأَرضُ.
وقوله تعالى: وجاءت سَكْرة الموتِ بالحق؛ معناه جاءَت السكرةُ التي تدل
الإنسان أنه ميت بالحقِّ بالموت الذي خُلق له. قال ابن سيده: وروي عن أبي
بكر، رضي الله عنه: وجاءت سكرة الحقِّ أي بالموت، والمعنى واحد، وقيل:
الحق هنا الله تعالى. وقولٌ حقٌّ: وُصِف به، كما تقول قولٌ باطل. وقال
الليحاني: وقوله تعالى: ذلك عيسى بنُ مريم قول الحقِّ، إنما هو على إضافة
الشيء إلى نفسه؛ قال الأَزهري: رفع الكسائي القول وجعل الحق هو الله، وقد
نصَب قولَ قومٌ من القراء يريدون ذلك عيسى ابن مريم قولاً حقّاً، وقرأ من
قرأ: فالحقُّ والحقَّ أقول برفع الحق الأَول فمعناه أنا الحقُّ. وقال
الفراءُ في قوله تعالى: قال فالحق والحقَّ أقول، قرأ القراء الأَول بالرفع
والنصب، روي الرفع عن عبد الله بن عباس، المعنى فالحقُّ مني وأقول الحقَّ،
وقد نصبهما معاً كثير من القُرَّاء، منهم من يجعل الأَول على معنى
الحقَّ لأَمْلأَنَّ، ونَصب الثاني بوقوع الفعل عليه ليس فيه اختلاف؛ قال ابن
سيده: ومن قرأ فالحقَّ والحقّ أقول بنصب الحق الأَول، فتقديره فأحُقُّ
الحقّ حقّاً؛ وقال ثعلب: تقديره فأقول الحقَّ حقّاً؛ ومن قرأ فالحقِّ، أراد
فبالحق وهي قليلة لأن حروف الجر لا تضمر. وأما قول الله عز وجل: هنالك
الوَلايةُ لله الحقَّ، فالنصب في الحق جائز يريد حقّاً أي أُحِقُّ الحقَّ
وأحُقُّه حَقّاً، قال: وإن شئت خفضت الحق فجعلته صفة لله، وإن شئت رفعته
فجعلته من صفة الولاية هنالك الولايةُ الحقُّ لله. وفي الحديث: من رآني
فقد رأى الحقَّ أي رؤيا صادقةً ليست من أضْغاث الأَحْلام، وقيل: فقد رآني
حقيقة غير مُشَبَّهٍ. ومنه الحديث: أمِيناً حقَّ أمِينٍ أي صِدْقاً،
وقيل: واجباً ثابتاً له الأَمانةُ؛ ومنه الحديث: أتدْرِي ما حَقُّ العباد على
الله أي ثوابُهم الذي وعدَهم به فهو واجبُ الإنْجازِ ثابت بوعدِه
الحقِّ؛ ومنه الحديث: الحقُّ بعدي مع عمر.
ويَحُقُّ عليك أن تفعل كذا: يجب، والكسر لغة، ويَحُقُّ لك أن تفعل
ويَحُقُّ لك تَفْعل؛ قال:
يَحُقُّ لمن أَبُو موسَى أَبُوه
يُوَفِّقُه الذي نصَب الجِبالا
وأنت حَقيِقٌ عليك ذلك وحَقيِقٌ عليَّ أَن أَفعله؛ قال شمر: تقول العرب
حَقَّ عليَّ أَن أَفعلَ ذلك وحُقَّ، وإِني لمَحْقُوق أَن أَفعل خيراً،
وهو حَقِيق به ومَحقُوق به أَي خَلِيق له، والجمع أَحِقاء ومَحقوقون. وقال
الفراء: حُقَّ لك أَن تفعل ذلك وحَقَّ، وإِني لمحقوق أَن أَفعل كذا،
فإِذا قلت حُقَّ قلت لك، وإذا قلت حَقَّ قلت عليك، قال: وتقول يَحِقُّ عليك
أَن تفعل كذا وحُقَّ لك، ولم يقولوا حَقَقْتَ أَن تفعل. وقوله تعالى:
وأَذِنَت لربِها وحُقَّت؛ أَي وحُقَّ لها أنَ تفعل. ومعنى قول من قال حَقَّ
عليك أَن تفعل وجَب عليك. وقالوا: حَقٌّ أَن تفعل وحَقِيقٌ أَن تفعل. وفي
التنزيل: حَقيق عليَّ أَن لا أَقولَ على الله إِلا الحقَّ. وحَقِيقٌ في
حَقَّ وحُقَّ، فَعِيل بمعنى مَفْعول، كقولك أَنت حَقِيق أَن تفعله أَي
محقوق أَن تفعله، وتقول: أَنت مَحْقوق أَن تفعل ذلك؛ قال الشاعر:
قَصِّرْ فإِنَّكَ بالتَّقْصِير مَحْقوق
وفي التنزيل: فحَقَّ علينا قولُ رَبِّنا. ويقال للمرأَة: أَنت حقِيقة
لذلك، يجعلونه كالاسم، وَأَنت مَحْقوقة لذلك، وأَنت مَحْقوقة أَن تفعلي
ذلك؛ وأَما قول الأَعشى:
وإِنَّ امْرَأً أَسْرى إِليكِ، ودونَه
من الأَرضِ مَوْماةٌ ويَهْماء سَمْلَقُ
لَمَحْقُوقةٌ أَن تَسْتَجِيبي لِصَوْتِه،
وأَن تَعْلَمي أَنَّ المُعانَ مُوَفَّقُ
فإِنه أَراد لَخُلّة محْقوقة، يعني بالخُلّة الخَلِيلَ، ولا تكون الهاء
في محقوقة للمبالغة لأَن المبالغة إنما هي في أسماء الفاعلين دون
المَفْعُولين، ولا يجوز أن يكون التقدير لمحقوقة أنت، لأن الصفة إذا جرت على غير
موصوفها لم يكن عند أبي الحسن الأخفش بُدًّ من إبراز الضمير، وهذا كله
تعليل الفارسي؛ وقول الفرزدق:
إذا قال عاوٍ من مَعَدٍّ قَصِيدةً،
بها جَرَبٌ، عُدَّتْ عليَّ بِزَوْبَرا
فيَنْطِقُها غَيْري وأُرْمى بذَنبها،
فهذا قَضاءٌ حَقُّه أَن يُغَيَّرا
أي حُقَّ له. والحَقُّ واحد الحُقوق، والحَقَّةُ والحِقَّةُ أخصُّ منه،
وهو في معنى الحَق؛ قال الأزهري: كأنها أوجَبُ وأخصّ، تقول هذه حَقَّتي
أي حَقِّي. وفي الحديث: أنه أعطى كلَّ ذي حَقّ حقّه ولا وصيّة لوارث أي
حظَّه ونَصِيبَه الذي فُرِضَ له. ومنه حديث عمر، رضي الله عنه: لما طُعِنَ
أُوقِظَ للصلاة فقال: الصلاةُ والله إِذَنْ ولا حقَّ أي ولا حَظَّ في
الإسلام لِمَن تركَها، وقيل: أراد الصلاةُ مقْضِيّة إذن ولا حَقَّ مَقْضِيٌّ
غيرها، يعني أن في عُنقه حُقوقاً جَمَّةً يجب عليه الخروج عن عُهْدتها
وهو غير قادر عليه، فهَبْ أنه قضى حَقَّ الصلاة فما بالُ الحُقوق الأُخر؟
وفي الحديث: ليلةُ الضَّيْفِ حَقٌّ فمن أصبح بفِنائه ضَيْف فهو عليه
دَيْن؛ جعلها حَقّاً من طريق المعروف والمُروءة ولم يزل قِرى الضَّيفِ من
شِيَم الكِرام ومَنْع القِرى مذموم؛ ومنه الحديث: أَيُّما رجُل ضافَ قوماً
فأصبح مَحْرُوماً فإِن نَصْرَه حَقٌّ على كل مسلم حتى يأْخذ قِرى ليلته من
زَرعه وماله؛ وقال الخطابي: يشبه أن يكون هذا في الذي يخاف التّلف على
نفسه ولا يجد ما يأْكل فله أن يَتناول من مال أخيه ما يُقيم نفسه، وقد
اختلف الفقهاء في حكم ما يأْكله هل يلزمه في مقابلته شيء أم لا. قال ابن
سيده: قال سيبويه وقالوا هذا العالم حَقُّ العالم؛ يريدون بذلك التَّناهي
وأنه قد بلغ الغاية فيما يصفه من الخِصال، قال: وقالوا هذا عبد الله
الحَقَّ لا الباطل، دخلت فيه اللام كدخولها في قولهم أَرْسَلَها العِراكَ، إلا
أنه قد تسقط منه فتقول حقّاً لا باطلاً.
وحُقَّ لك أن تفعل وحُقِقْتَ أن
(* قوله «وحققت أن إلخ» كذا ضبط في
الأصل وبعض نسخ الصحاح بضم فكسر والذي في القاموس فكسر.) تفعل وما كان
يَحُقُّك أن تفعله في معنى ما حُقَّ لك. وأُحِقَّ عليك القَضاء فحَقَّ أي
أُثْبِتَ فثبت، والعرب تقول: حَقَقْت عليه القضاء أحُقُّه حَقّاً وأحقَقْتُه
أُحِقُّه إحْقاقاً أي أوجبته. قال الأزهري: قال أبو عبيد ولا أعرف ما قال
الكسائي في حَقَقْت الرجلَ وأحْقَقْته أي غلبته على الحق.
وقوله تعالى: حَقّاً على المُحسنين، منصوب على معنى حَقَّ ذلك عليهم
حقّاً؛ هذا قول أبي إسحق النحوي؛ وقال الفراء في نصب قوله حقّاً على
المحسنين وما أشبهه في الكتاب: إنه نَصْب من جهة الخبر لا أنه من نعت قوله
مَتاعاً بالمعروف حقّاً، قال: وهو كقولك عبدُ اللهِ في الدار حقْاً، إنما
نَصْبُ حقّاً من نية كلام المُخبِر كأنه قال: أُخْبِركم بذلك حقّاً؛ قال
الأزهري: هذا القول يقرب مما قاله أبو إسحق لأنه جعله مصدراً مؤكِّداً كأنه
قال أُخبركم بذلك أحُقُّه حَقّاً؛ قال أبو زكريا الفراء: وكلُّ ما كان في
القرآن من نَكِرات الحق أو معرفته أو ما كان في معناه مصدراً، فوجه
الكلام فيه النصب كقول الله تعالى: وَعْدَ الحقِّ ووعدَ الصِّدْقِ؛
والحَقِيقَةُ ما يصير إليه حَقُّ الأمر ووجُوبُه.
وبلغ حقيقةَ الأمر أي يَقِينَ شأْنه. وفي الحديث: لا يبلُغ المؤمن
حقيقةَ الإيمان حتى لا يَعِيب مسلماً بِعَيْب هو فيه؛ يعني خالِصَ الإيمان
ومَحْضَه وكُنْهَه. وحقيقةُ الرجل: ما يلزمه حِفظه ومَنْعُه ويَحِقُّ عليه
الدِّفاعُ عنه من أهل بيته؛ والعرب تقول: فلان يَسُوق الوَسِيقة ويَنْسِلُ
الوَدِيقةَ ويَحْمي الحقيقة، فالوَسيقةُ الطريدةُ من الإبل، سميت وسيقة
لأن طاردها يَسِقُها إذا ساقَها أي يَقْبِضها، والوَديقةُ شدّة الحر،
والحقيقةُ ما يَحِقّ عليه أن يَحْمِيه، وجمعها الحَقائقُ. والحقيقةُ في
اللغة: ما أُقِرّ في الاستعمال على أصل وضْعِه، والمَجازُ ما كان بضد ذلك،
وإنما يقع المجاز ويُعدَل إليه عن الحقيقة لمعانٍ ثلاثة: وهي الإتِّساع
والتوكيد والتشبيه، فإن عُدِم هذه الأوصافُ كانت الحقيقة البتَّةَ، وقيل:
الحقيقة الرّاية؛ قال عامر بن الطفيل:
لقد عَلِمَتْ عَليْنا هَوازِنَ أَنَّني
أَنا الفارِسُ الحامي حَقِيقةَ جَعْفَرِ
وقيل: الحقيقة الحُرْمة، والحَقيقة الفِناء.
وحَقَّ الشئُ يَحِقُّ، بالكسر، حقّاً أي وجب. وفي حديث حذيفة: ما حَقَّ
القولُ على بني إسرائيل حتى استغْنى الرِّجالُ بالرجالِ والنساءُ
بالنساءِ أي وجَب ولَزِم. وفي التنزيل: ولكن حَقَّ القولُ مني. وأحقَقْت الشئ أي
أوجبته. وتحقق عنده الخَبَرُ أي صحَّ. وحقَّقَ قوله وظنَّه تحقيقاً أي
صدَّقَ. وكلامٌ مُحَقَّقٌ أي رَصِين؛ قال الراجز:
دَعْ ذا وحَبِّرْ مَنْطِقاً مُحَقَّقا
والحَقُّ: صِدْق الحديثِ. والحَقُّ: اليَقين بعد الشكِّ.
وأحقِّ الرجالُ: قال شيئاً أو ادَّعَى شيئاً فوجب له.
واستحقَّ الشيءَ: استوجبه. وفي التنزيل: فإن عُثِرَ على أنَّهُمَا
اسْتَحقّا إثْماً، أي استوجباه بالخِيانةِ، وقيل: معناه فإن اطُّلِعَ على
أنهما استوجبا إثماً أي خيانةً باليمين الكاذبة التي أقْدما عليها، فآخرانِ
يَقُومانِ مَقامها من ورثة المُتوفَّى الذين استُحِقَّ عليهم أي مُلِك
عليهم حقٌ من حقوقهم بتلك اليمين الكاذبة، وقيل: معنى عليهم منهم، وإذا
اشتَرَى رجل داراً من رجل فادّعاها رجل آخر وأقامَ بيِّنةً عادلةً على دعواه
وحكم له الحاكمُ ببينة فقد استحقها على المشتري الذي اشتراها أي مَلَكَها
عليه، وأخرجها الحاكم من يد المشتري إلى يد مَن استحقَّها، ورجع المشتري
على البائع بالثمن الذي أدَّاه إليه، والاستِحْقاقُ والاسْتِيجابُ
قريبان من السواء. وأما قوله تعالى: لَشَهادَتُنا أحَقُّ من شهادتهما، فيجوز
أن يكون معناه أشدُّ اسْتِحْقاقاً للقَبول، ويكون إذ ذاك على طرح الزائد
من اسْتَحقَّ أعني السين والتاء، ويجوز أن يكون أراد أثْبَتُ من شهادتهما
مشتق من قولهم حَقَّ الشيءُ إذا ثبت. وفي حديث ابن عمر أن النبي، صلى
الله عليه وسلم، قال: ما حقُّ امرئٍ أن يَبِيتَ ليلتين إلا ووَصِيَّتُه
عنده؛ قال الشافعي: معناه ما الحَزْمُ لامرئٍ وما المعروف في الأخلاق الحسَنة
لامرئٍ ولا الأحْوطُ إلا هذا، لا أنه واجب ولا هو من جهة الفرض، وقيل:
معناه أن الله حكم على عباده بوجوب الوصية مطلقاً ثم نَسخ الوصيّة للوارث
فبقي حَقُّ الرجل في ماله أن يُوصي لغير الوارث، وهو ما قدَّره الشارع
بثلث ماله.
وحاقَّهُ في الأمر مُحَاقَّةً وحِقاقاً: ادَّعَى أنه أولى بالحق منه،
وأكثر ما استعملوا هذا في قولهم حاقَّني أي أكثر ما يستعملونه في فعل
الغائب. وحاقَّهُ فحَقَّه يَحُقُّه: غَلبه، وذلك في الخصومة واستيجاب الحق.
وحاقَّهُ أي خاصَمه وادَّعَى كل واحد منهما الحق، فإذا غلبه قيل حَقَّه.
والتَّحَاقُّ: التخاصمُ. والاحْتِقاقُ: الاختصام. ويقال: احْتَقَّ فلان
وفلان، ولا يقال للواحد كما لا يقال اختصم للواحد دون الآخر. وفي حديث
علي، كرم الله وجهه: إذا بلغ النساءُ نَصَّ الحِقاقِ، ورواه بعضهم: نَصُّ
الحَقائِقِ، فالعَصَبة أوْلى؛ قال أبو عبيدة: نَصَّ كل شيء مُنتهاه
ومَبْلَغ أقصاه. والحِقاقُ: المُحاقَّةُ وهو أن تُحاقَّ الأُمُّ العَصبَة في
الجارية فتقول أنا أحَقُّ بها، ويقولون بل نحن أحَقُّ، وأراد بِنَصِّ
الحِقاق الإدْراكَ لأن وقت الصغر ينتهي فتخرج الجارية من حد الصغر إلى الكبر؛
يقول: ما دامت الجاريةُ صغيرةً فأُمُّها أوْلى بها، فإذا بَلَغَت فالعصبة
أوْلى بأمرها من أُمها وبتزويجها وحَضانتها إذا كانو مَحْرَماً لها مثل
الآباء والإخْوة والأعمام؛ وقال ابن المبارك: نَصُّ الحِقاق بلوغ العقل،
وهو مثل الإدراك لأنه إنما أراد منتهى الأمر الذي تجب به الحقوق والأحكام
فهو العقل والإدراك. وقيل: المراد بلوغ المرأة إلى الحد الذي يجوز فيه
تزويجها وتصَرُّفها في أمرها، تشبيهاً بالحِقاقِ من الإبل جمع حِقٍّ
وحِقَّةٍ، وهو الذي دخل في السنة الرابعة، وعند ذلك يُتمكَّن من ركوبه
وتحميله، ومن رواه نَصَّ الحَقائِقِ فإنه أراد جمع الحَقيقة، وهو ما يصير إليه
حَقُّ الأمر ووجوبُه، أو جمع الحِقَّة من الإبل؛ ومنه قولهم: فلان حَامي
الحَقِيقة إذا حَمَى ما يجب عليه حمايتُه. ورجل نَزِقُ الحِقاقِ إذا خاصم
في صغار الأشياء.
والحاقَّةُ: النازلة وهي الداهية أيضاً. وفي التهذيب: الحَقَّةُ الداهية
والحاقَّةُ القيامة، وقد حَقَّتْ تَحُقُّ. وفي التنزيل: الحاقَّةُ ما
الحاقَّة وما أدراك ما الحاقَّةُ؛ الحاقة: الساعة والقيامة، سميت حاقَّةً
لأنها تَحُقُّ كلَّ إنسان من خير أو شر؛ قال ذلك الزجاج، وقال الفراء:
سميت حاقَّةً لأن فيها حَواقَّ الأُمور والثوابَ. والحَقَّةُ: حقيقة الأمر،
قال: والعرب تقول لمّاعرفتَ الحَقَّةَ مِني هربْتَ، والحَقَّةُ
والحاقَّةُ بمعنى واحد؛ وقيل: سميت القيامة حاقَّةً لأنها تَحُقُّ كلَّ مُحاقٍّ في
دِين الله بالباطل أي كل مُجادِلٍ ومُخاصم فتحُقُّه أي تَغُلِبه
وتَخُصِمه، من قولك حاقَقْتُه أُحاقُّه حِقاقاً ومُحاقَّةً فحَقَقْتُه أحُقُّه
أي غلبته وفَلَجْتُ عليه. وقال أبو إسحق في قوله الحاقَّةُ: رفعت
بالابتداء، وما رَفْعٌ بالابتداء أيضاً، والحاقَّةُ الثانية خبر ما، والمعنى
تفخيم شأنها كأنه قال الحاقَّةُ أي شيءٍ الحاقَّةُ. وقوله عز وجل: وما أدراكَ
ما الحاقَّةُ، معناه أيُّ شيءٍ أعْلَمَكَ ما الحاقَّةُ، وما موضعُها
رَفْعٌ وإن كانت بعد أدْراكَ؛ المعنى ما أعْلَمَكَ أيُّ شيءٍ الحاقَّةُ.
ومن أيمانهم: لَحَقُّ لأَفْعَلَنّ، مبنية على الضم؛ قال الجوهري:
وقولهم لَحَقُّ لا آتِيكَ هو يمين للعرب يرفعونها بغير تنوين إذا جاءت بعد
اللام، وإذا أزالوا عنها اللام قالوا حَقّاً لا آتِيك؛ قال ابن بري: يريد
لَحَقُّ الله فنَزَّلَه منزلة لَعَمْرُ اللهِ، ولقد أُوجِبَ رفعُه لدخول
اللام كما وَجب في قولك لَعَمْرُ الله إذا كان باللام. والحَقُّ:
المِلْك.والحُقُقُ: القريبو العهد بالأُمور خيرها وشرها، قال: والحُقُقُ
المُحِقُّون لما ادّعَوْا أيضاً.
والحِقُّ من أولاد الإبل: الذي بلغ أن يُرْكب ويُحمَل عليه ويَضْرِب،
يعني أن يضرب الناقةَ، بيِّنُ الإحقاقِ والاسْتحقاق، وقيل: إذا بلغت أمُّه
أوَانَ الحَمْل من العام المُقْبِل فهو حِقُّ بيِّنُ الحِقَّةِ. قال
الأَزهري: ويقال بعير حِقٌّ بيِّنُ الحِقِّ بغير هاء، وقيل: إذا بلغ هو
وأُخته أن يُحْمَل عليهما ويُركبا فهو حِقٌّ؛ الجوهري: سمي حِقّاً لاستحقاقه
أن يُحْمل عليه وأن يُنتفع به؛ تقول: هو حِقٌّ بيِّنُ الحِقَّةِ، وهو
مصدر، وقيل: الحِقُّ الذي استكمل ثلاث سنين ودخل في الرابعة؛ قال:
إذا سُهَيْلٌ مَغْرِبَ الشمس طَلَعْ،
فابْنُ اللَّبونِ الحِقُّ جَذَعْ
والجمع أحُقٌّ وحِقاقٌ، والأُنثى حِقَّة وحِقٌّ أيضاً؛ قال ابن سيده:
والأُنثى من كل ذلك حِقَّةٌ بَيِّنَةُ الحِقَّةِ، وإنما حكمه بَيِّنة
الحَقاقةِ والحُقُوقةِ أو غير ذلك من الأَبنية المخالفة للصفة لأَن المصدر في
مثل هذا يخالف الصفة، ونظيره في موافقة هذا الضرب من المصادر للاسم في
البناء قولهم أسَدٌ بَيِّنُ الأَسد. قال أبو مالك: أحَقَّت البَكْرَة إذا
استوفت ثلاث سنين، وإذا لَقِحَت حين تُحِقّ قيل لَقِحت عليَّ كرهاً.
والحِقَّةُ أيضاً: الناقة التي تؤخذ في الصدقة إذا جازت عِدَّتُها خمساً
وأربعين. وفي حديث الزكاة ذكر الحِقِّ والحِقَّة، والجمع من كل ذلك حُقُقٌ
وحَقائق؛ ومنه قول المُسَيَّب بن عَلَس:
قد نالَني منه على عَدَمٍ
مثلُ الفَسِيل، صِغارُها الحُقُقُ
قال ابن بري: الضمير في منه يعود على الممدوح وهو حسان بن المنذر أخو
النعمان؛ قال الجوهري: وربما تجمع على حَقائقَ مثل إفَالٍ وأفائل، قال ابن
سيده: وهو نادر؛ وأنشد لعُمارةَ بن طارق:
ومَسَدٍ أُمِرَّ من أَيانِقِ،
لَسْنَ بأَنْيابٍ ولا حَقائِقِ
وهذا مثل جَمْعهم امرأَة غِرَّة على غَرائر، وكجمعهم ضَرَّة على ضَرائر،
وليس ذلك بِقياس مُطَّرِد. والحِقُّ والحِقَّة في حديث صدقات الإبل
والديات، قال أَبو عبيد: البعير إِذا اسْتَكْمَلَ السنة الثالثة ودخل في
الرابعة فهو حينئذ حِقُّ، والأُنثى حِقَّة. والحِقَّة: نَبْرُ أُم جَرِير بن
الخَطَفَى، وذلك لأَن سُوَيْدَ بن كراع خطبها إلى أَبيها فقال له: إِنها
لصغيرة صُرْعةٌ، قال سويد: لقد رأَيتُها وهي حِقَّةٌ أَي كالحِقَّة من
الإِبل في عِظَمها؛ ومنه حديث عمر، رضي الله عنه: ومن وَراء حِقاقِ
العُرْفُطِ أَي صغارها وشَوابِّها، تشبيهاً بِحقاق الإبل. وحَقَّتِ الحِقَّةُ
تَحِقُّ وأَحَقَّت، كلاهما: صارت حِقَّةً؛ قال الأَعشى:
بِحِقَّتِها حبِسَتْ في اللَّجيـ
نِ، حتى السَّديِسُ لها قد أَسَنّْ
قال ابن بري: يقال أَسَنَّ سدِيسُ الناقة إِذا نبَت وذلك في الثامنة،
يقول: قِيمَ عليها من لدن كانت حِقَّة إِلى أَن أَسْدَسَت، والجمع حِقاقٌ
وحُقُقٌ؛ قال الجوهري: ولم يُرد بحقَّتها صفة لها لأَنه لا يقال ذلك كما
لا يقال بجَذَعَتها فُعِلَ بها كذا ولا بثنيَّتها ولا ببازلها، ولا أَراد
بقوله أَسَنَّ كَبِرَ لأَنه لا يقال أَسَنَّ السِّنُّ، وإِنما يقال
أََسنَّ الرجل وأَسَّت المرأَة، وإِنما أَراد أَنها رُبِطَت في اللَّجين وقتاً
كانت حقة إِلى أَن نَجَمَ سَدِيسُها أَي نبَت، وجمع الحِقاق حُقُق مثل
كِتاب وكتُب؛ قال ابن سيده: وبعضهم يجعل الحِقَّة هنا الوقت، وأَتت
الناقةُ على حِقَّتها أَي على وقتها الذي ضَربها الفحل فيه من قابل، وهو إِذا
تَمَّ حَملها وزادت على السنة أَياماً
من اليوم الذي ضُربت فيه عاماً أَوّل حتى يستوفي الجَنين السنةَ، وقيل:
حِقُّ الناقة واسْتِحقاقُها تَمام حَمِلها؛ قال ذو الرمة:
أَفانين مَكْتوب لها دُون حِقِّها،
إِذا حَمْلُِها راشَ الحِجَاجَينِ بالثُّكْلِ
أَي إِذا نبَت الشعر على ولدها ألقته ميِّتاً، وقيل: معنى البيت أَنه
كتب لهذه النجائب إِسقاطُ أَولادها قبل أَناء نِتاجها، وذلك أَنها رُكبت في
سفَر أَتعبها فيه شدة السير حتى أَجْهَضَتْ أَولادها؛ وقال بعضهم: سميت
الحِقَّة لأَنها استحقَّت أَن يَطْرُقها الفحلُ، وقولهم: كان ذلك عند
حَقِّ لَقاحها وحِقِّ لَقاحها أَيضاً، بالكسر، أَي حين ثبت ذلك فيها.
الأَصمعي: إِذا جازت الناقة السنة ولم تلد قيل قد جازت الحِقَّ؛
وقولُ عَدِيّ:أَي قومي إِذا عزّت الخمر
وقامت رفاقهم بالحقاق
ويروى: وقامت حقاقهم بالرفاق، قال: وحِقاقُ الشجر صغارها شبهت بحقاق
الإِبل.
ويقال: عَذر الرَّجلُ وأَعْذَر واسْتَحقَّ واستوْجَب إِذا أَذنب ذنباً
استوْجب به عُقوبة؛ ومنه حديث النبي، صلى الله عليه وسلم: لا يَهْلِكُ
الناسُ حتى يُعْذِرُوا من أَنفسهم.
وصبَغْتُ الثوبَ
صَبْغاً تَحْقِيقاً أَي مُشْبَعاً. وثوب مُحقَّق: عليه وَشْيٌ
على صورة الحُقَق، كما يقال بُرْدٌ مُرَجَّلٌ. وثوب مُحَقَّقٌ إِذا كان
مُحْكَمَ النَّسْجِ؛ قال الشاعر:
تَسَرْبَلْ جِلْدَ وجْهِ أَبِيك، إِنّا
كَفَيْناكَ المُحَقَّقَةَ الرَّقاقا
وأَنا حَقِيقٌ على كذا أَي حَريصٌ عليه؛ عن أَبي عليّ، وبه فسر قوله
تعالى: حَقِيقٌ على أَن لا أَقول على الله إلاَّ الحَقَّ، في قراءة من قرأَ
به، وقرئ حقيق عليّ أَن لا أَقول، ومعناه واجب عليّ ترك القول على الله
إِلاَّ بالحق.
والحُقُّ والحُقَّةُ، بالضم: معروفة، هذا المَنْحوت من الخشب والعاج
وغير ذلك مما يصلح أَن
يُنحت منه، عربيٌّ معروف قد جاء في الشعر الفصيح؛ قال الأَزهري: وقد
تُسوّى الحُقة من العاج وغيره؛ ومنه قول عَمرو بن كُلْثُوم:
وثَدْياً مثلَ حُقِّ العاجِ رَخْصاً،
حَصاناً من أَكُفِّ اللاَّمِسِينا
قال الجوهري: والجمع حُقُّ وحُقَقٌ وحِقاقٌ؛ قال ابن سيده: وجمع الحُقّ
أَحْقاقٌ وحِقاقٌ، وجمع الحُقَّة حُقَقٌ؛ قال رؤبة:
سَوَّى مَساحِيهنَّ تَقْطِيطَ الحُقَقْ
وصَفَ
حَوافِرَ حُمُر الوَحْشِ أَي أَنَّ الحِجارة سوَّت حَوافِرها كأَنما
قُطِّطَتْ تَقْطِيطَ الحُقَقِ، وقد قالوا في جمع حُقَّةٍ حُقّ، فجعلوه من
باب سِدْرة وسِدْر، وهذا أَكثره إِنما هو في المخلوق دون المصنوع، ونظيره
من المصنوع دَواةٌ ودَوًى وسَفِينة وسَفِين. والحُقُّ من الورك: مَغْرِزُ
رأْس الفخذ فيها عصَبة إِلى رأْس الفخذ إِذا انقطعت حَرِقَ الرجل، وقيل:
الحُق أَصل الورك الذي فيه عظم رأْس الفخذ. والحُق أَيضاً: النُّقْرة
التي في رأْس الكتف. والحُقُّ: رأْس العَضُد الذي فيه الوابِلةُ وما
أَشْبهها.
ويقال: أَصبت حاقّ عينه وسقط فلان على حاقِّ رأْسه أَي وسَط رأْسه،
وجئته في حاقِّ الشتاء أَي في وسطه. قال الأَزهري: وسمعت أَعرابيّآً يقول
لنُقْبة من الجرَب ظهَرت ببعير فشكُّوا فيها فقال: هذا حاقُّ صُمادِحِ
الجَرَبِ.
وفي الحديث: ليس للنساء أَن يَحقُقْنَ الطَّريقَ؛ هو أَن يَركبن حُقَّها
وهو وسَطها من قولكم سقَط على حاقِّ القَفا وحُقَّه. وفي حديث يوسف بن
عمر: إِنَّ عامِلاً من عُمالي يذكُر أَنه زَرَعَ كلَّ حُقٍّ ولُقٍّ؛
الحُق: الأَرض المطمئنة، واللُّق: المرتفعة. وحُقُّ الكَهْوَل: بيت العنكبوت؛
ومنه حديث عَمرو بن العاص أَنه قال لمعاوية في مُحاوَراتٍ كانت بينهما:
لقد رأَيْتك بالعراق وإِنَّ أَمْرَك كحُقِّ الكَهول وكالحَجاةِ في
الضَّعْف فما زِلت أَرُمُّه حتى اسْتَحكم، في حديث فيه طول، قال: أَي واهٍ.
وحُقُّ الكَهول: بيت العنكبوت. قال الأَزهري: وقد روى ابن قتيبة هذا الحرف
بعينه فصحَّفه وقال: مثل حُق الكَهْدَلِ، بالدال بدل الواو، قال: وخبَطَ
في تفسيره خَبْط العَشْواء، والصواب مثل حُق الكَهول، والكَهول العنكبوت،
وحُقَّه بيته. وحاقُّ وسَطِ الرأْس: حَلاوةُ القفا.
ويقال: استحقَّت إِبلُنا ربيعاً وأَحَقَّت ربيعاً إِذا كان الربيع تاماً
فرعَتْه. وأَحقَّ القومُ إِحْقاقاً إِذا سَمِنَ مالُهم. واحتقَّ القوم
احْتقاقاً إِذا سَمِنَ وانتهى سِمَنُه. قال ابن سيده: وأَحقَّ القومُ
من الربيع إِحْقاقاً إِذا أَسْمَنُوا؛ عن أَبي حنيفة، يريد سَمِنت
مَواشِيهم. وحقَّت الناقة وأَحقَّت واستحقَّت: سمنت. وحكى ابن السكيت عن ابن
عطاء أَنه قال: أَتيت أَبا صَفْوانَ أَيام قَسمَ المَهْدِيُّ الأَعراب
فقال أَبو صفوان؛: ممن أَنت؟ وكان أَعرابيّاً فأَراد أَن يمتحنه، قلت: من
بني تميم، قال: من أَيّ تميم؟ قلت: رباني، قال: وما صنعتُك؟ قلت: الإِبل،
قال: فأَخبرني عن حِقَّة حَقَّت على ثلاث حِقاق، فقلت: سأَلت خبيراً: هذه
بَكْرة كان معها بَكْرتان في ربيع واحد فارْتَبَعْنَ
فسَمِنَت قبل أَن تسمنا فقد حقَّت واحدةً، ثم ضَبَعَت ولم تَضْبَعا فقد
حقَّت عليهما حِقَّة أُخرى، ثم لَقِحَت ولم تَلْقَحا فهذه ثلاث حِقَّات،
فقال لي: لعَمْري أَنت منهم واسْتَحَقَّت الناقة لَقاحاً إِذا لَقِحت
واستحقّ لَقاحُها، يُجْعَل الفعل مرة للناقة ومرة للِّقاح.
قال أَبو حاتم: مَحاقُّ المالِ
يكون الحَلْبة الأُولى، والثانية منها لِبَأٌ. والمَحاقُّ: اللاتي لم
يُنْتَجْن في العام الماضي ولم يُحلَبن فيه.
واحْتقَّ الفرسُ أَي ضَمُر. ويقال: لا يحقُّ
ما في هذا الوِعاء رطلاً، معناه أَنه لا يَزِنُ
رطلاً. وطعْنة مُحْتَقَّة أَي لا زَيْغَ فيها وقد نَفَذَت. ويقال: رمَى
فلان الصيدَ فاحتقَّ بعضاً وشَرَم بعضاً
أَي قتَل بعضاً وأُفْلِتَ بعض جَِريحاً؛ والمُحْتقُّ من الطعْن:
النافِذُ إِلى الجوف؛ ومنه قول أَبي كبير الهذلي:
هَلاَّ وقد شَرَعَ الأَسنَّة نَحْوها،
ما بينَ مُحْتَقٍّ ومُشَرِّمِ
أَراد من بين طَعْن نافذٍ في جوفها وآخَرَ قد شرَّمَ جلدَها ولم ينفُذ
إِلى الجوف.
والأَحقُّ من الخيل: الذي لا يَعْرَق، وهو أَيضاً الذي يضع حافر رجله
موضع حافر يده، وهما عيب؛ قال عديّ بن خَرَشةَ الخَطْمِيّ:
بأَجْرَدَ من عِتاقِ الخَيلِ نَهْدٍ
جَوادِ، لا أَحقُّ ولا شئيتُ
قال ابن سيده: هذه رواية ابن دريد، ورواية أَبي عبيد:
وأَقْدَرُ مُشْرِفُ الصَّهواتِ ساطٍ،
كُمَيْتٌ، لا أَحقُّ ولا شئيت
الأَقدرُ: الذي يجوز حافرا رجليه حافِريْ يديه، والأَحقُّ: الذي
يُطَبِّقُ حافرا رجليه حافريْ
يديه، والشَّئيتُ: الذي يقْصُر موقِعُ حافر رجله عن موقع حافر يده، وذلك
أَيضاً عيب، والاسم الحَقَق.
وبنات الحُقَيْقِ: ضرْب من رَدِيء التمر، وقيل: هو الشِّيص، قال
الأَزهري: قال الليث بنات الحقيق ضرب من التمر، والصواب لَوْن الحُبَيق ضرب من
التمر رديء. وبنات الحقيق في صفة التمر تغيير، ولَوْنُ الحُبيق معروف.
قال: وقد روينا عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أَنه نَهى عن لوْْنين من
التمر في الصدقة: أَحدهما الجُعْرُور، والآخر لون الحبيق، ويقال لنخلته
عَذْقُ ابن حبيق
(* قوله «عذق ابن حبيق» ضبط عذق بالفتح هو الصواب ففي
الزرقاني على الموطأ قال أبو عمر بفتح العين النخلة وبالكسر الكباسة أي القنو
كأن التمر سمي باسم النخلة لأنه منها اهـ. فضبطه في مادة حبق بالكسر خطأ.)
وليس بشِيص ولكنه رديء من الدَّقَلِ؛ وروى الأَزهري حديثاً آخر عن جعفر
بن محمد عن أَبيه قال: لا يُخرَج في الصدقة الجُعرور ولا لون حُبيْق؛ قال
الشافعي: وهذا تمر رديء والسس
(* قوله «والسس» كذا بالأصل ولعله وأيبس.)
تمر وتؤخذ الصدقة من وسط التمر.
والحَقْحقةُ: شدَّة السير. حَقْحقَ القومُ
إِذا اشتدّوا في السير. وقَرَبٌ مُحَقْحَقٌ: جادٌّ منه. وتعَبَّدَ عبد
الله بن مُطَرِّف بن الشِّخيِّر فلم يَقتصِد فقال له أَبوه: يا عبد الله،
العلمُ أَفضلُ من العمل، والحسَنةُ بين السَّيِّئتين، وخيرُ
الأُمور أَوساطُها، وشرُّ
السير الحَقْحقةُ؛ هو إِشارة إلى الرِّفق في العبادة، يعني عليك
بالقَصْد في العبادة ولا تَحْمِل على نفسك فتَسأَم؛ وخيرُ
العمل ما دِيمَ وإِن قلَّ، وإِذا حملت على نفسك من العبادة ما لا
تُطيِقُه انْقَطَعْتَ به عن الدَّوام على العبادة وبَقِيت حَسيراً، فتكلَّفْ من
العبادة ما تُطيقُه ولا يَحْسِرُك. والحَقحقةُ: أَرفع السير وأَتْعَبُه
للظَّهر. وقال الليث: الحقحقة سير الليل في أَوّله، وقد نهي عنه، قال:
وقال بعضهم الحقحقة في السير إِتعابُ
ساعة وكفُّ ساعة؛ قال الأَزهري: فسر الليث الحقحقة تفسيرين مختلفين لم
يصب الصواب في واحد منهما، والحقحقة عند العرب أَن يُسار البعيرُ ويُحمل
على ما يتعبه وما لا يطيقه حتى يُبْدِعَ براكبه، وقيل: هو المُتعِب من
السير، قال: وأَما قول الليث إِنّ الحقحقة سير أَول الليل فهو باطل ما قاله
أَحد، ولكن يقال فَحِّمُوا عن الليل أَي لا تسيروا فيه. وقال ابن
الأَعرابي: الحَقحقةُ أَن يُجْهِد الضعيفَ شدَّةُ
السير. قال ابن سيده: وسَيرٌ حَقْحَاقٌ شديد، وقد حَقْحَقَ وهَقْهَقَ
على البدل، وقَهْقَهَ على القلب بعد البدل. وقَرَبٌ حَقْحاق وهَقْهاق
وقَهْقاه ومُقَهْقَه ومُهَقْهَقٌ إِذا كان السير فيه شديداً مُتعِباً.
وأُمّ حِقّة: اسم امرأَة؛ قال مَعْنُ بن أَوْس:
فقد أَنْكَرَتْه أُمُّ حِقّه حادِثاً،
وأَنْكَرها ما شئت، والودُّ خادِعُ
حفل: الحَفْل: اجتماع الماء في مَحْفِلِه، تقول: حَفَل الماءُ يَحْفِل
حَفْلاً وحُفُولاً وحَفِيلاً، وحَفَل الوادي بالسَّيْل واحْتَفَل: جاء
بِملءِ جَنْبَيْه؛ وقول صخْر الغَيِّ:
أَنا المثَلَّم أَقْصِرْ قبل فاقِرَة،
إِذا تُصِيبُ سَوَاءَ الأَنف تَحْتَفِل
معناه تأْخذ مُعْظَمَه. ومَحْفِل الماء: مُجْتَمَعُه. وفي الحديث في صفة
عمر: ودفقت في مَحافِلِها؛ جمع مَحْفِل أَو مُحْتَفَل حيث يَحْتفل الماء
أَي يجتمع. وحَفَلَ اللَّبنُ في الضَّرْع يَحْفِل حَفْلاً وحُفُولاً
وتَحَفَّل واحْتَفَل: اجتمع؛ وحَفَلَه هو وحَفَّلَه. وضَرْع حافِل أَي
ممتلئ لبناً. وشُعْبة حافل ووَادٍ حافِل إِذا كَثُر سَيْلُهما، والجمع
حُفَّل. ويقال: احْتَفَل الوادي بالسيل أَي امتلأَ. والتَّحْفيل: مثل
التَّصْرِية وهو أَن لا تُحْلَب الشاة أَياماً ليجتمع اللبن في ضَرْعها للبيع،
ونهى رسول الله،صلى الله عليه وسلم، عن التصرية والتحفيل. وناقة حافِلَة
وحَفُول وشاة حافل وقد حَفَلَتْ حُفُولاً وحَفْلاً إِذا احْتَفَل لَبَنُها
في ضَرْعها، وهُنَّ حُفَّل وحوافل. وفي الحديث: من اشترى شاة مُحَفَّلة
(*
قوله «من اشترى شاة محفلة» كذا في الأصل، والذي في نسخة النهاية التي
بأيدينا: من اشترى محفلة، بدون لفظ شاة) فلم يَرْضَها رَدَّها ورَدَّ معها
صاعاً من تَمْر؛ قال: المُحَفَّلة الناقة أَو البقرة أَو الشاة لا
يحْلُبها صاحبها أَياماً حتى يجتمع لبنها في ضَرْعها، فإِذا احتلبها المشتري
وَجَدها غَزِيرة فزاد في ثمنها، فإِذا حلبها بعد ذلك وجدها ناقصة اللبن عما
حلبه أَيام تَحْفِيلها، فجعل سيدنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم،
بَدَل لبن التحفيل صاعاً من تمر؛ قال: وهذا مذهب الشافعي وأَهل السنَّة الذين
يقولون بسنة سيدنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم. والمُحَفَّلة
والمُصَرَّاة واحدة، وسميت مُحَفَّلة لأَن اللبن حُفِّل في ضَرْعها أَي جُمع.
والتحفيل مثل التصرية: وهو أَن لا تحلب الشاة أَياماً ليجتمع اللبن في
ضرعها للبيع، والشاة مُحَفَّلة ومُصَرَّاة؛ وأَنشد الأَزهري للقطَامي يذكر
إِبلاً اشتدَّ عليها حَفْلُ اللبن في ضروعها حتى آذاها:
ذَوَارِف عَيْنَيها من الحَفْل بالضُّحَى،
سُجُومٌ كَنَضَّاح الشِّنَانِ المُشَرَّب
وروي عن ابن الأَعرابي قال: الحُفَال الجَمْع العظيم. والحُفَال: اللبن
المجتمِع. وهذا ضَرْع حَفِيل أَي مملوء لبناً؛ قال ربيعة بن هَمّام بن
عامر البكري:
أَآخُذُ بالعُلا ناباً ضَرُوساً
مُدَمَّمة، لها ضَرْع حَفِيل؟
وفي حديث عائشة تصف عمر، رضي الله عنهما: لله أُمٌّ حَفَلَتْ له
ودَرَّتْ عليه أَي جَمَعت اللبن له في ثديها. وفي حديث حليمة: فإِذا هي حافل
أَي كثيرة اللبن. وفي حديث موسى وشعيب: فاستنكر أَبوهما سرعة مجيئهما
بغنمهما حُفَّلاً بِطاناً، جمع حافل أَي ممتلئة الضروع. وحَفَلَت السماءُ
حَفْلاً: جَدَّ وَقْعُها واشتدَّ مطرُها، وقيل: حَفَلَت السماءُ إِذا جَدَّ
وَقْعُها، يَعْنُون بالسماء حينئذ المطر لأَن السماء لا تَقَع. وحَفَل
الدمعُ: كثُر؛ قال كثيِّر:
إِذا قلت أَسْلُو، غارَتِ العينُ بالبُكا
غِرَاءً، ومَدَّتْها مَدامعُ حُفَّلُ
وحَفَل القومُ يَحْفِلونَ حَفْلاً واحْتَفَلوا: اجتمعوا واحْتَشَدوا.
وعنده حَفْل من الناس أَي جَمْع، وهو في الأَصل مصدر. والحَفْل: الجَمْع.
والمَحْفِل: المَجْلِس والمُجْتَمَع في غير مجلس أَيضاً. ومَحْفِلُ القوم
ومُحْتَفَلُهم: مُجْتَمَعُهم. وفي الحديث ذكر المَحْفِل، وهو مُجْتَمَع
الناس ويجمع على المَحافِل. وتَحَفَّل المجلسُ: كثر أَهلهُ. ودَعاهم
الحَفَلى والأَحْفَلى أَي بجماعتهم، والجيم أَكثر. وجَمْعٌ حَفْلٌ وحَفِيلٌ:
كثير. وجاؤوا بحَفيلتهم وحَفْلَتهم أَي بأَجمعهم. قال أَبو تراب: قال بعض
بني سليم فلان محافظ على حَسَبه ومُحَافِل عليه إِذا صانه؛ وأَنشد شمر:
يا وَرْسُ ذاتَ الجِدِّ والحَفِيل،
ما بَرِحَتْ وَرْسَةُ أَو نَشِيل
وَرْسَةُ: اسمُ عَنْزٍ كانت غَزِيرة. يقال: ذو حَفِيل في أَمره أَي ذو
اجتهاد.
والحَفِيل: الوضوء؛ عن كراع
(* قوله «والحفيل الوضوء عن كراع» هكذا في
الأصل، وعبارة القاموس وشرحه: والاحتفال الوضوح، عن كراع) ، وقال: هو من
الجمع؛ قال ابن سيده: ولا أَدري كيف ذلك. والحَفِيل والاحْتِفال:
المبالغة. ورجل ذو حَفْل وحَفْلة: مُبالغ فيما أَخذ فيه من الأُمور. وكانَ
حَفِيلَةُ ما أَعطى دِرْهَماً أَي مَبْلَغُ ما أَعطى.
الأَزهري: ومُحْتَفَل الأَمر مُعْظَمُه. ومُحْتَفَِل لحم الفَخِذ
والساق: أَكثرُه لحماً؛ ومنه قول الهذلي يصف سيفاً:
أَبْيضُ كالرَّجْع، رَسُوبٌ إِذا
ما تاخَ في مُحْتَفِل يَخْتَلي
قال: ويجوز في مُحْتَفَل. أَبو عبيدة: الاحْتِفالُ من عَدْوِ الخيل أَن
يَرَى الفارسُ أَن فرسه قد بلغ أَقصى حُضْره وفيه بقِيَّة. يقال: فَرَس
مُحْتَفِل. والحُفَال: بَقِيَّةُ التفاريق والأَقماع من الزبيب
والحَشَف.وحُفَالةُ الطعام: ما يُخْرَج منه فيُرْمى به. والحُفَالة والحُثالة:
الرديءُ من كل شيء. والحُفَالة أَيضاً: بَقِيَّة الأَقماع والقُشور في
التمر والحَبِّ، وقيل: الحُفالة قُشَارة التمر والشعير وما أَشبهها. وقال
اللحياني: هو ما يُلْقَى منه إِذا كان أَجَلَّ من التراب والدُّقاق. وفي
الحديث: وتبقى حُفَالة كحُفَالة التمر أَي رُذالة من الناس كرَدِيء التمر
ونُقَايَتِه، وهو مِثْل الحُثَالة، بالثاء، وقد تقدم. والحُفَالة: مِثْل
الحُثالة؛ قال الأَصمعي: هو من حُفَالتهم وحُثَالتهم أَي ممن لا خير فيه
منهم، قال: وهو الرَّذْل من كل شيء. ورجل ذو حَفْلة إِذا كان مبالِغاً فيما
أَخَذ فيه؛ وأَخَذَ للأَمر حَفْلَته إِذا جَدَّ فيه. والحُفَالة: ما
رَقَّ من عَكَر الدُّهن والطيب. وحُفَالة اللبن: رَغْوَته كجُفَالته؛ حكاهما
يعقوب. وحَفَلَ الشيءَ يَحْفِله حَفْلاً: جَلاه؛ قال بشر بن أَبي خازم
يصف جارية:
رأَى دُرَّةً بيضاءَ يَحْفِل لَوْنَها
سُخَامٌ، كغِرْبان البَرِير، مُقَصَّبُ
يَحْفِل لَوْنَها: يَجْلُوه؛ يريد أَن شَعَرَها يَشُبُّ بَيَاضَ
لَوْنِها فيَزِيده بياضاً بشدَّة سواده. قال ابن بري: أَراد بالسُّخَام
شَعَرَها. وكل لَيِّنٍ من شعر أَو صُوف فهو سُخَام؛ والمُقَصَّبُ:
الجَعْد.والتَّحَفُّل: التزيُّنُ. والتحفيل: التزيين؛ قال: وجاءَ في حديث
رُقْيَة النَّمْلة: العَرُوس تَقْتَال وتَحْتَفِل، وكُلَّ شيءٍ تَفْتَعِل، غير
أَنَّها لا تَعْصِي الرَّجُل؛ معنى تَقْتَال تَحْتَكم على زوجها،
وتَحْتَفِل تتزين وتحتشد للزينة. ويقال للمرأَة: تَحَفَّلي لزوجك أَي تَزَيَّني
لتَحْظَيْ عنده. وحَفَّلْت الشيءَ أَي جَلوته فَتَحَفَّل واحْتَفَل.
وطريق مُحْتَفِل أَي ظاهر مُسْتَبِين، وقد احْتَفَل أَي استبان، واحْتَفَل
الطريقُ: وَضَح؛ قال لبيد يصف طريقاً:
تَرْزُم الشارِفُ من عِرْفانِه،
كُلَّما لاح بنَجْدٍ واحْتَفَل
وقال الراعي يصف طريقاً:
في لاحِبٍ برِقاق الأَرض مُحْتَفِل؛
هادٍ إِذا غَرَّه الحُدْبُ الحَدَابِيرُ
أَراد بالحُدْب الحَدَابير صلابة الأَرض، أَي هذا الطريق واضح مستبين في
الصَّلابة أَيضاً.
وما حَفَله وما حَفل به يَحْفِل حَفْلاً وما احْتَفَل به أَي ما بالى.
والحَفْل: المُبَالاة. يقال: ما أَحْفِل بفلان أَي ما أُبالي به؛ قال
لبيد:فَمَتى أَهْلِك فلا أَحْفِلُه،
بَجَلي الآنَ من العَيْش بَجَل
وحَفَلْت كذا وكذا أَي باليت به. يقال: لا يَحْفِل به؛ قال الكميت:
أَهْذِي بظَبْيَةَ، لو تُساعِفُ دَارُها،
كَلَفاً وأَحْفِل صُرْمَها وأُبالي
وقول مُلَيح:
وإِني لأَقْرِي الهَمَّ، حين يَنُوبُني،
بُعَيْدَ الكَرَى منه ضَرِيرٌ مُحَافِل
أَراد مُكاثِر مُطَاوِل.
والحِفْوَل: شجر مثل شجر الرمان في القَدْر، وله ورق مُدَوَّر مُفَلْطَح
رقيق كأَنها في تَحَبُّب ظاهرها تُوثَة، وليست لها رطوبتها، تكون بقدر
الإِجَّاصة، والناس يأْكلونه وفيه مرارة وله عَجَمَة غير شديدة تسمى
الحَفَص؛ كل هذا عن أَبي حنيفة. الأَزهري: سلمة عن الفراء: الحَوْفَلَة
القَنْفاء. ابن الأَعرابي: حَوْفَل الشيءُ إِذا انتفخت حَوْفَلته. وفي ترجمة
حقل: الحَوْقَلة، بالقاف، الغُرْمُول اللَّيِّن؛ قال الأَزهري: هذا غَلَطٌ
غَلِطَ فيه الليث في لفظه وتفسيره، والصواب الحَوْفَلة، بالفاء، وهي
الكَمَرَة الضَّخْمة مأْخوذة من الحَفْل وهو الاجتماع والامتلاء. وقال أَبو
عمرو: قال ابن الأَعرابي والحَوْقَلة، بالقاف، بهذا المعنى خطأٌ. وقال
الجوهري: الحَوْقَلة الغُرْمُول اللَّيِّن، وفي المتأَخرين من يقوله بالفاء،
ويزعم أَنه الكَمَرَة الضخمة، ويجعله مأْخوذاً من الحَفْل، قال: وما
أَظنه مسموعاً.
وحَفَائل وحَفَايل وحُفَائل: موضع؛ قال أَبو ذؤيب:
تَأَبَّط نَعْلَيْه وشقَّ بَرِيرَة،
وقال: أَلَيْسَ الناس دون حَفَائل؟
(* قوله «بريرة» هكذا في الأصل بالباء، والذي في معجم ياقوت: مريرة
بالميم).
قال ابن جني: من ضم الحاء همز الياء البَتَّة كبرائل، وليس في الكلام
فُعَايل غير مهموز الياء، ومن فتح الياء احتمل الهمزة والياء جميعاً، أَما
الهمز فكقولك سَفَائن ورَسَائل، وأَما الياء فكقولك في جمع غِرْيَن
وحِثْيَل غَرَايِن وحَثَايِل؛ وقوله:
أَلا لَيت جَيْشَ العِير لاقَوْا كَتيبةً،
ثلاثين منا شِرْعَ ذات الحَفائل
فإِنه زاد اللام على حدّ زيادتها في قوله:
ولقد نَهَيْتك عن بنات الأَوبَر
والحَفَيْلَل: شجر، مَثَّل به سيبويه وفسره السَّيرافي.
حوم: الحَوْمُ: القَطيع الضخمُ من الإِبل أَكثرُه إِلى الأَلف؛ قال
رؤبة:ونَعَماً حَوْماً بها مُؤَبَّلا
وقيل: هي الإِبل الكثيرة من غير أَن يُحَدَّ عددُها. وحَوْمةُ كل شيء:
معظمه كالبحر والحوض والرمل. والحَوْمةُ: أَكثر موضع في البحر ماءً
وأَغْمَرُه، وكذلك في الحوض. وحَوْمَةُ القتال: معظمه وأَشدُّ موضعٍ فيه، وكذلك
من الرمل والماء وغيره؛ وأَنشد ابن بري لرؤبة:
حتى إِذا كَرَعْنَ في الحَوْمِ المَهَقْ
وحَوْمةُ الماء: غَمْرَتُهُ؛ عن اللحياني.
والحَوَمانُ: دَومانُ الطائر يُدَوِّم ويَحُومُ حول الماء. وفي حديث ابن
عمر: ما وَليَ أَحدٌ إِلاَّ حامَ على قرابته أَي عطف كفعل الحائم على
الماء، ويروى حامى. وحامَ الطائرُ
على الشيء حَوْماً وحَوَماناً: دَوَّمَ. والطائرُ يَحُومُ حول الماء
ويَلُوبُ إِذا كان يدور حوله من العطش. الجوهري: حامَ الطائر وغيره حول
الشيء يَحُومُ حَوْماً وحَوَماناً أَي دار. وفي حديث الاستسقاء: اللهم
ارْحَمْ بهائمَنا الحائمةَ؛ هي التي تحوم حول الماء أَي تطوف فلا تجد ماءً
تَرِدُهُ، وحامَتِ الإِبلُ حول الماء حَوْماً كذلك. وكلُّ من رامَ أَمْراً
فقد حامَ عليه حَوْماً وحِياماً وحُؤُوماً وحَوَماناً. والحَومُ: اسم
للجمع، وقيل: جمع. وكلُّ عطشان حائمٌ. وإِبل حَوائم وحُوَّمٌ: عطاش جِدّاً؛
الأَصمعي: الحوَّمُ من الإِبل العِطاش التي تَحومُ حول الماء؛ وقال
الأَصمعي في قول عَلْقَمة بن عَبدَةَ:
كأْسٌ عزيز من الأَعْناب عَتَّقَها،
لبَعْضِ أَربابها، حانِيَّةٌ حُومُ
قال: الحُومُ الكثيرة، وقال خالد بن كلثوم الحُومُ التي تَحُومُ في
الرأْس أَي تدور، والمُعَتَّقة: التي طال مُكْثُها.
وهامَةٌ حائِمةٌ: عَطْشى، وفي التهذيب: قد عَطِشَ دِماغُها.
والحَوْمانةُ: مكان غليظٌ منْقادٌ، وجمعه حَوْمان وحَوامِينُ. وقال أَبو
حنيفة: الحَومْانُ من السهل ما أَنبت العَرْفَجَ، وقرئ بخط شَمرٍ لأَبي
خَيْرَةَ قال: الحَوْمانُ واحدتها حَوْمانةٌ شقائق بين الجبال، وهي
أَطيب الحُزُونة، ولكنها جَلَدٌ ليس فيها إِكام ولا أَبارقُ. وقال أَبو عمرو:
ما كان فوق الرمل ودونه حين تَصْعَدُه أَو تَهْبِطُهُ. وفي حديث وَفْد
مَذْحِج: كأَنها أَخاشِبُ بالحَوْمان أَي الأَرض الغليظة المنقادة.
والحَوْمانُ: نبات بالبادية، واحدته حَوْمانةٌ؛ قال أَبو منصور: لم أَسمع
الحَوْمان في أَسماء النبات لغير الليث؛ قال: وأَظنه وَهَماً.
وحَامٌ: أَحدُ أَولاد نبيّ الله نوح، عليه السلام، وهو أَبو السُّودان؛
يقال: غلام حامِيٌّ وعَبْدٌ حامِيٌّ.
والحَوْمانُ: موضع؛ قال لبيد يصف ثَوْرَ وَحْشٍ:
وأَضحى يَقْتَرِي الحَوْمانَ فَرْداً
كنَصْلِ السَّيف حُودِثَ بالصِّقالِ
الأَزهري: وردتُ رَكِيَّة في جَوٍّ واسع يلي طَرَفاً من أَطراف الدَّوّ
يقال لها رَكِيَّة الحَوْمانة، قال: ولا أَدري الحَوْمان فَوْعال مِن
حَمَنَ، أَو فَعْلان من حام.
حجن: حَجَنَ العُودَ يَحْجِنُه حَجْناً وحَجَّنَه: عطَفَه. والحَجَنُ
والحُجْنةُ والتحَجُّن: اعْوجاج الشيء، وفي التهذيب: اعوِجاجُ الشيء
الأَحْجَنِ. والمِحْجَنُ والمِحْجَنَةُ: العَصَا المُعْوَجَّةُ. الجوهري:
المِحْجَنُ كالصَّوْلَجانِ. وفي الحديث: أَنه كان يَسْتَلِم الرُّكْنَ
بمِحْجَنَهِ؛ المِحْجَنُ: عَصاً مُعَقَّفة الرأْس كالصَّوْلجان، قال: والميم
زائدة، وكلُّ معطوف مُعْوجّ كذلك؛ قال ابن مقبل:
قد صَرَّح السَّيْرُ عن كُتْمانَ، وابتُذِلَت
وَقْعُ المَحاجِنِ بالمَهْرِيَّةِ الذُّقُنِ.
أَراد: وابتُذِلَت المَحَاجِنُ، وأَنَّثَ الوَقْعَ لإضافته إلى
المَحاجِن. وفلانٌ لا يَرْكُضُ المِحْجَن أَي لا غَنَاءَ عنده، وأَصل ذلك أَن
يُدْخَلَ مِحْجَن بين رِجْلَي البعير، فإنْ كان البعيرُ بَليداً لم يَرْكُض
ذلك المِحْجَنَ، وإن كان ذَكِيّاً رَكَض المِحْجَن ومضَى. والاحْتِجانُ:
الفعلُ بالمِحْجَن. والصَّقْرُ أَحْجَنُ المِنْقارِ. وصقرٌ أَحْجَنُ
المَخالِب: مُعَوَجُّها. ومِحْجَنُ الطائِرِ: مِنْقَارُه لاعْوِجاجِهِ.
والتَّحْجِينُ: سِمةٌ مُعْوَجَّة، اسْمٌ كالتَّنْبيتِ والتَّمْتين. ويقال:
حَجَنْت البعيرَ فأَنا أَحْجِنُه، وهو بَعِيرٌ مَحْجون إذا وُسِمَ بِسِمَة
المِحْجَن، وهو خَطٌّ في طرَفِهِ عَقْفة مثل مِحْجَنِ العصا. وأُذُنٌ
حجناء: ماثلةُ أَحد الطرَفين من قِبَل الجبهة سُفْلاً، وقيل: هي التي أَقْبَل
أَطراف إحداهما على الأُخرى قِبَل الجَبْهة، وكلُّ ذلك مع اعْوِجاج.
الأَزهري: الحُجْنةُ مصدرٌ كالحَجَن، وهو الشعرُ الذي جُعودته في أَطرافه.
قال ابن سيده: وشعر حَجِنٌ وأَحْجَنُ مُتَسَلْسِلٌ مُسْتَرْسِلٌ رَجِلٌ،
في أَطْرافه شيءٌ من جُعودةٍ وتكسُّرٍ. وقيل: مُعَقّف متداخلٌ بعضه في
بعض. قال أَبو زيد: الأَحْجَنُ الشعَرُ الرَّجِلُ. والحُجْنةُ: الرَّجَلُ.
والسَّبِطُ: الذي ليست فيه حُجْنة. قال الأَزهري: ومن الأُنوف أَحْجَنُ.
وأَنْف أَحْجَنُ: مُقْبِل الرَّوْثةِ نحوَ الفمِ، زاد الأَزهري:
واستأْخرت ناشِزتاه قُبْحاً. والحُجْنةُ: موضع أَصابه اعْوِجاجٌ من العصا.
والمِحْجَن: عصاً في طرَفها عُقَّافة، والفعل بها الاحْتِجان. ابن سيده:
الحُجْنةُ موضعُ الاعْوِجاج. وحُجْنةُ المِغْزَل، بالضم: هي المُنْعَقِفةُ في
رأْسه. وفي الحديث: توضَع الرحِمُ يومَ القيامة لها حُجْنةٌ كحُجْنةِ
المِغْزَل أَي صِنّارتِه المُعْوَجَّة في رأْسه التي يُعَلَّق بها الخيطُ
يفتل للغَزْل، وكلُّ مُتَعَقِّفٍ أَحْجَنُ. والحُجْنةُ: ما اختَزَنْتَ من
شيء واخْتَصَصْتَ به نفسك؛ الأَزهري: ومن ذلك يقال للرجل إذا اختصَّ بشيء
لنفسه قد احْتَجَنه لنفسه دون أَصحابه. والاحْتِجانُ: جمعُ الشيء وضمُّه
إليك، وهو افْتِعال من المِحْجَن. وفي الحديث: ما أَقْطَعَك العَقيقَ
لتَحْتَجنَه أَي تتملَّكه دون الناس. واحْتَجَن الشيءَ: احْتَوَى عليه. وفي
حديث ابن ذي يَزَن: واحْتَجَنّاه دون غيرنا. واحْتَجَنَ عليه: حَجَر.
وحَجِنَ عليه حَجَناً: ضَنَّ. وحَجِنَ به: كحَجِيَ به، وهو نحو الأَول.
وحَجِنَ بالدار: أَقام. وحُجْنَةُ الثُّمامِ وحَجَنَتُه: خُوصتُه. وأَحْجَنَ
الثُّمامُ: خرجت حُجْنَتُه، وهي خوصه. وفي حديث أُصَيْل حين قَدِمَ من
مكة: فسأَله رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقال: تركتُها قد أَحْجَنَ
ثُمامُها وأَعْذَقَ إذْ خِرُها وأَمْشَرَ سَلَمُها، فقال: يا أُصَيْل، دَعِ
القلوبَ تَقِرُّ، أَي بدا وَرَقُه
(* الضمير عائد إلى الثمان). والثُّمام
نبت معروف. والحَجَنُ: قَصَدٌ ينبُت في أَعراض عِيدان الثُّمام
والضِّعةِ. والحَجَنُ: القُضْبانُ القِصَارُ التي فيها العنب، واحدتُه حَجَنة.
وإنه لمِحْجَنُ مالٍ: يَصْلُح المالُ على يديه ويُحْسِن رِعْيَته والقيامَ
عليه؛ قال نافع بن لقيط الأَسدي:
قد عَنَّتَ الجَلْعَدُ شَيْخاً أَعْجَفا،
مِحْجَنَ مالٍ أَينَمَا تَصَرَّفا.
واحْتِجانُ المالِ: إصْلاحُه وجَمْعُه وضَمُّ ما انتشر منه. واحْتِجانُ
مالِ غيرِك: اقتِطاعُه وسَرِقتُه. وصاحبُ المِحْجَن في الجاهلية: رجلٌ
كان معه محجَن، وكان يقْعُد في جادَّة الطريق فيأْخذ بمحْجنِه الشيء بعد
الشيء من أَثاث المارَّة، فإن عُثِرَ عليه اعْتَلَّ بأَنه تعلق بمحْجنه،
وقد ورد في الحديث: كان يَسْرِقُ الحاجَّ بمحْجَنِه. فإِذا فُطِنَ به قال
تعلَّق بمِحْجَني، والجمع مَحاجِنُ. وفي حديث القيامة: وجَعلَت المَحاجِنُ
تُمْسِكُ رجالاً. وحَجَنْت الشيءَ واحْتَجَنْتُه إذا جَذَبْتَه
بالمِحْجَنِ إلى نَفْسِك؛ ومنه قولُ قيس بن عاصم في وصيَّتِه: عليكم بالمال
واحْتِجانِه، وهو ضمُّكَه إلى نفْسِك وإِمساكُكَ إياه. وحَجَنَه عن الشيء:
صَدَّه وصَرَفه؛ قال:
ولا بُدَّ للمَشْعُوفِ من تَبَعِ الهَوى،
إذا لم يَزَعْه من هَوَى النَّفْسِ حاجِنُ
والغَزْوَةُ الحَجُونُ: التي تُظهر غيرها ثم تخالف إلى غير ذلك الموضع
ويُقْصَدُ إليها، ويقال: هي البعيدة قال الأَعشى:
ولا بُدَّ من غَزوةٍ، في الرَّبيع،
حَجُونٍ تُكِلُّ الوَقاحَ الشَّكورا.
ويقال: سِرْنا عقَبةً حَجُوناً أَي بعيدةً طويلة. والحَجُونُ: موضعٌ
بمكة ناحية من البيت؛ قال الأَعشى:
فما أَنتَ من أَهل الحَجُونِ ولا الصَّفا،
ولا لك حَقُّ الشِّرْبِ في ماء زَمْزَم.
قال الجوهري: الحَجونُ، بفتح الحاء، جبلٌ بمكة وهي مَقْبُرة. وقال عمرو
بن الحرث بن مُضاض بن عمرو يتأَسَّف على البيت، وقيل هو للحرث الجُرْهمي:
كأَنْ لم يكن بين الحَجونِ إلى الصَّفا
أَنِيسٌ، ولم يَسْمُر بمكَّة سامِرُ
بَلى نحن كُنّا أَهلَها، فأَبادَنا
صُروفُ الليالي والجُدودُ العواثِرُ.
وفي الحديث: أَنه كان على الحَجُون كَئيباً. وقال ابن الأَثير:
الحَجُونُ الجبلُ المُشْرِف مما يَلي شِعْب الجَزَّارين بمكة، وقيل: هو موضع بمكة
فيه اعْوِجاج، قال: والمشهور الأَوَّل، وهو بفتح الحاء. والحَوْجَنُ،
بالنون: الوَرْدُ الأَحمر؛ عن كراع. وقد سمَّوْا حَجْناً وحُجَيْناً
وحَجْناءَ وأَحْجَنَ، وهو أَبو بَطْنٍ منهم، ومِحْجَناً، وهو مِحْجَن بن
عُطارِد العَنْبَريّ شاعر معروف؛ وذكر ابن بري في هذه الترجمة ما صورته:
والحَجِنُ المرأَةُ القليلةُ الطَّعْم؛ قال الشمّاخ:
وقد عَرِقَتْ مَغابِنُها، وجادَتْ
بِدرَّتِها قِرَى حَجِنٍ قَتِينِ.
قال: والقَتِينُ مثل الحَجِين أَيضاً، أَراد بالحَجِن قُراداً، وجعل
عَرَق هذه الناقة قُوتاً له، وهذا البيت بعينه ذكره الأَزهري وابن سيده في
ترجمة جحن، بالجيم قبل الحاء، فإِما أَن يكون الشيخ ابن بري وجد له وجهاً
فنقله أَو وَهم فيه.
بوب: البَوْباةُ: الفَلاةُ، عن ابن جني، وهي الـمَوْماةُ. وقال أَبو
حنيفة: البَوْباةُ عَقَبةٌ كَؤُودٌ على طريقِ مَنْ أَنْجَدَ من حاجِّ اليَمَن، والبابُ معروف، والفِعْلُ منه التَّبْوِيبُ، والجمعُ أَبْوابٌ وبِيبانٌ. فأَما قولُ القُلاخِ بن حُبابةَ، وقيل لابن مُقْبِل:
هَتَّاكِ أَخْبِيةٍ، وَلاَّجِ أَبْوِبةٍ، * يَخْلِطُ بالبِرِّ منه الجِدَّ واللِّينا(1)
(1 قوله «هتاك إلخ» ضبط بالجر في نسخة من المحكم وبالرفع في التكملة وقال فيها والقافية مضمومة والرواية: ملء الثواية فيه الجدّ واللين)
فإِنما قال أَبْوِبةٍ للازدواج لمكان أَخْبِيةٍ. قال: ولو أَفرده لم يجز.
وزعم ابن الأَعرابي واللحياني أَنَّ أَبْوِبةً جمع باب من غير أَن يكون إِتباعاً، وهذا نادر، لأَن باباً فَعَلٌ، وفَعَلٌ لا يكسّر على
أَفْعِلةٍ. وقد كان الوزيرُ ابن الـمَغْربِي يَسْأَلُ عن هذه اللفظة على سبيلِ الامْتِحان، فيقول: هل تعرف لَفظَةً تُجْمع على أَفْعِلةٍ على غير قياس جَمْعِها المشهور طَلَباً للازدواج. يعني هذه اللفظةَ، وهي أَبْوِبةٌ. قال: وهذا في صناعةِ الشعر ضَرْبٌ من البَدِيع يسمى التَّرْصِيعَ. قال: ومـما يُسْتَحْسَنُ منه قولُ أَبي صَخْرٍ الهُذلِي في صِفَة مَحْبُوبَتِه:
عَذْبٌ مُقَبَّلُها، خَدْل مُخَلْخَلُها، * كالدِّعْصِ أَسْفَلُها، مَخْصُورة القَدَمِ
سُودٌ ذَوائبُها، بِيض تَرائبُها، * مَحْض ضَرائبُها، صِيغَتْ على الكَرَمِ
عَبْلٌ مُقَيَّدُها، حالٍ مُقَلَّدُها، * بَضّ مُجَرَّدُها، لَفَّاءُ في عَمَمِ
سَمْحٌ خَلائقُها، دُرْم مَرافِقُها، * يَرْوَى مُعانِقُها من بارِدٍ شَبِمِ
واسْتَعار سُوَيْد بن كراع الأَبْوابَ للقوافِي فقال:
أَبِيتُ بأَبْوابِ القَوافِي، كأَنَّما * أَذُودُ بها سِرْباً، مِنَ الوَحْشِ، نُزَّعا
والبَوَّابُ: الحاجِبُ، ولو اشْتُقَّ منه فِعْلٌ على فِعالةٍ لقيل بِوابةٌ باظهار الواو، ولا تُقْلَبُ ياءً، لأَنه ليس بمصدر مَحْضٍ، إِنما هو
اسم. قال: وأَهلُ البصرة في أَسْواقِهم يُسَمُّون السَّاقِي الذي يَطُوف عليهم بالماءِ بَيَّاباً. ورجلٌ بَوّابٌ: لازم للْباب، وحِرْفَتُه
البِوابةُ. وبابَ للسلطان يَبُوبُ: صار له بَوَّاباً.
وتَبَوَّبَ بَوَّاباً: اتخذه. وقال بِشْرُ بن أبي خازم:
فَمَنْ يَكُ سائلاً عن بَيْتِ بِشْرٍ، * فإِنَّ له، بجَنْبِ الرَّدْهِ، بابا
<ص:224>
إِنما عنى بالبَيْتِ القَبْرَ، ولما جَعَله بيتاً، وكانت البُيوتُ ذواتِ
أَبْوابٍ، اسْتَجازَ أَن يَجْعل له باباً.
وبَوَّبَ الرَّجلُ إِذا حَمَلَ على العدُوّ.
والبابُ والبابةُ، في الحُدودِ والحِساب ونحوه: الغايةُ، وحكى سيبويه: بيَّنْتُ له حِسابَه باباً باباً.
وباباتُ الكِتابِ: سطورهُ، ولم يُسمع ما بواحدٍ، وقيل: هي وجوهُه وطُرُقُه. قال تَمِيم بن مُقْبِلٍ:
بَنِي عامرٍ! ما تأْمُرون بشاعِرٍ، * تَخَيَّرَ باباتِ الكتابِ هِجائيا
وأَبوابٌ مُبَوَّبةٌ، كما يقال أَصْنافٌ مُصَنَّفَةٌ. ويقال هذا شيءٌ
منْ بابَتِك أَي يَصْلُحُ لك. ابن الأَنباري في قولهم هذا مِن بابَتي. قال ابن السكيت وغيره: البابةُ عند العَرَب الوجْهُ، والباباتُ الوُجوه.
وأَنشد بيت تميم بن مقبل:
تَخَيَّرَ باباتِ الكِتابِ هِجائِيا
قال معناه: تَخَيَّرَ هِجائي مِن وُجوه الكتاب؛ فإِذا قال: الناسُ مِن
بابَتِي، فمعناه من الوجْهِ الذي أُريدُه ويَصْلُحُ لي.
أَبو العميثل: البابةُ: الخَصْلةُ. والبابِيَّةُ: الأُعْجوبةُ. قال النابغة الجعدي:
فَذَرْ ذَا، ولكِنَّ بابِيَّةً * وَعِيدُ قُشَيْرٍ، وأَقْوالُها
وهذا البيت في التهذيب:
ولكِنَّ بابِيَّةً، فاعْجَبوا، * وَعِيدُ قُشَيْرٍ، وأَقْوالُها
بابِيَّةٌ: عَجِيبةٌ. وأَتانا فلان بِبابيَّةٍ أَي بأُعْجوبةٍ. وقال الليث: البابِيَّةُ هَدِيرُ الفَحْل في تَرْجِيعه (1)
(1 قوله «الليث: البابية هدير الفحل إلخ» الذي في التكملة وتبعه المجد البأببة أي بثلاث باءات كما ترى هدير الفحل. قال رؤبة:
إِذا المصاعيب ارتجسن قبقبا * بخبخة مراً ومراً بأببا
ا هـ فقد أورده كل منهما في مادة ب ب ب لا ب و ب وسلم المجد من التصحيف. والرجز الذي أورده الصاغاني يقضي بان المصحف غير المجد فلا تغتر بمن سوّد الصحائف.) ، تَكْرار له. وقال رؤْبة:
بَغْبَغَةَ مَرّاً ومرّاً بابِيا
وقال أيضاً:
يَسُوقُها أَعْيَسُ، هَدّارٌ، بَبِبْ، * إِذا دَعاها أَقْبَلَتْ، لا تَتَّئِبْ (2)
(2 وقوله «يسوقها أعيس إلخ» أورده الصاغاني أيضاً في ب ب ب.)
وهذا بابةُ هذا أَي شَرْطُه.
وبابٌ: موضع، عن ابن الأَعرابي. وأَنشد:
وإِنَّ ابنَ مُوسى بائعُ البَقْلِ بالنَّوَى، * له، بَيْن بابٍ والجَرِيبِ، حَظِيرُ
والبُوَيْبُ: موضع تِلْقاء مِصْرَ إِذا بَرَقَ البَرْقُ من قِبَله لم يَكَدْ يُخْلِفُ. أَنشد أَبو العَلاءِ:
أَلا إِنّما كان البُوَيْبُ وأَهلُه * ذُنُوباً جَرَتْ مِنِّي، وهذا عِقابُها
والبابةُ: ثَغْرٌ من ثُغُورِ الرُّومِ. والأَبوابُ: ثَغْرٌ من ثُغُور
الخَزَرِ. وبالبحرين موضع يُعرف ببابَيْنِ، وفيه يقول قائلهم:
إِنَّ ابنَ بُورٍ بَيْنَ بابَيْنِ وجَمْ، * والخَيْلُ تَنْحاهُ إِلى قُطْرِ الأَجَمْ
وضَبَّةُ الدُّغْمانُ في رُوسِ الأَكَمْ، * مُخْضَرَّةً أَعيُنُها مِثْلُ الرَّخَمْ
بشر: البَشَرُ: الخَلْقُ يقع على الأُنثى والذكر والواحد والاثنين
والجمع لا يثنى ولا يجمع؛ يقال: هي بَشَرٌ وهو بَشَرٌ وهما بَشَرٌ وهم بَشَرٌ.
ابن سيده: البَشَرُ الإِنسان الواحد والجمع والمذكر والمؤنث في ذلك
سواء، وقد يثنى. وفي التنزيل العزيز: أَنُؤُمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنا؟
والجمع أَبشارٌ. والبَشضرَةُ: أَعلى جلدة الرأْس والوجه والجسد من الإِنسان،
وهي التي عليها الشعر، وقيل: هي التي تلي اللحم. وفي المثل: إِنما
يُعاتَبُ الأَديمُ ذو البَشَرَةِ؛ قال أَبو حنيفة: معناه أَن يُعادَ إِلى
الدِّباغ، يقول: إِنما يعاتَبُ مَن يُرْجَى ومَنْ له مُسْكَةُ عَقْلٍ، والجمع
بَشَرٌ. ابن بزرج: والبَشَرُ جمع بَشَرَةٍ وهو ظاهر الجلد. الليث:
البَشَرَةُ أَعلى جلدة الوجه والجسد من الإِنسان، ويُعْني به اللَّوْنُ
والرِّقَّةُ، ومنه اشتقت مُباشَرَةُ الرجل المرأَةَ لِتَضامِّ أَبْشارِهِما.
والبَشَرَةُ والبَشَرُ: ظاهر جلد الإِنسان؛ وفي الحديث: لَمْ أَبْعَثْ
عُمَّالي لِيَضْرِبُوا أَبْشاركم؛ وأَما قوله:
تُدَرِّي فَوْقَ مَتْنَيْها قُرُوناً
على بَشَرٍ، وآنَسَهُ لَبابُ
قال ابن سيده: قد يكون جمع بشرة كشجرة وشجر وثمرة وثمر، وقد يجوز أَن
يكون أَراد الهاء فحذفها كقول أَبي ذؤَيب:
أَلا لَيْتَ شِعْري، هَلْ تَنَظَّرَ خالِدٌ
عِنادي على الهِجْرانِ، أَم هُوَ يائِسُ؟
قال: وجمعه أَيضاً أَبْشارٌ، قال: وهو جمع الجمع. والبَشَرُ: بَشَرُ
الأَديمِ. وبَشَرَ الأَديمِ يَبْشُرُه بَشْراً وأَبْشَرَهُ: قَشَرَ
بَشَرَتَهُ التي ينبت عليها الشعر، وقيل: هو أَن يأْخذ باطنَه بِشَفْرَةٍ. ابن
بزرج: من العرب من يقول بَشَرْتُ الأَديم أَبْشِرهُ، بكسر الشين، إِذا
أَخذت بَشَرَتَهُ. والبُشارَةُ: ما بُشِرَ منه. وأَبْشَرَه؛ أَظهر
بَشَرَتَهُ. وأَبْشَرْتُ الأََديمَ، فهو مُبْشَرٌ إِذا ظهرتْ بَشَرَتُه التي تلي
اللحم، وآدَمْتُه إِذا أَظهرت أَدَمَتَهُ اليت ينبت عليها الشعر.
الللحياني: البُشارَةُ ما قَشَرْتَ من بطن الأَديم، والتِّحْلئُ ما قَشرْتَ عن
ظهره.
وفي حديث عبدالله: مَنْ أَحَبَّ القُرْآنَ فَليَبْشَرْ أَي فَلْيَفْرَحْ
ولَيُسَرَّ؛ أَراد أَن محبة القرآن دليل على محض الإِيمان من بَشِرَ
يَبْشَرُ، بالفتح، ومن رواه بالضم، فهو من بَشَرْتُ الأَديم أَبْشُرُه إِذا
أَخذت باطنه بالشَّفْرَةِ، فيكون معناه فَلْيُضَمِّرْ نفسه للقرآن فإِن
الاستكثار من الطعام ينسيه القرآن. وفي حديث عبدالله بن عمرو: أُمرنا أَن
نَبْشُرَ الشَّوارِبَ بَشْراً أَي نَحُفّها حتى تَبِينَ بَشَرَتُها، وهي
ظاهر الجلد، وتجمع على أَبْشارٍ. أَبو صفوان: يقال لظاهر جلدة الرأْس
الذي ينبت فيه الشعر البَشَرَةُ والأَدَمَةُ والشَّواةُ. الأَصمعي: رجل
مُؤُدَمٌ مُبْشَرٌ، وهو الذي قد جَمَعَ لِيناً وشِدَّةً مع المعرفة بالأُمور،
قال: وأَصله من أَدَمَةِ الجلد وبَشَرَتِهِ، فالبَشَرَةُ ظاهره، وهو
منبت الشعر، والأَدَمَةُ باطنه، وهو الذي يلي اللحم؛ قال والذي يراد منه
أَنه قد جَمع بَيْنَ لِينِ الأَدَمَةِ وخُشونة البَشَرَةِ وجرّب الأُمور.
وفي الصحاح: فلانٌ مُؤْدَمٌ مَبْشَرٌ إِذا كان كاملاً من الرجال، وامرأَة
مُؤْدَمَةٌ مُبْشَرَةٌ: تامَّةٌ في كُلّ وَجْهٍ. وفي حديث بحنة: ابنتك
المُؤْدَمَةُ المُبْشَرَة؛ يصف حسن بَشَرَتها وشِدَّتَها.
وبَشْرُ الجرادِ الأَرْضَ: أَكْلُه ما عليها. وبَشَرَ الجرادُ الأَرضَ
يَبْشُرُها بَشراً: قَشَرَها وأَكل ما عليها كأَن ظاهر الأَرض
بَشَرَتُها.وما أَحْسَنَ بَشَرَتَه أَي سَحْناءَه وهَيْئَتَه. وأَبْشَرَتِ الأَرْضُ
إِذا أَخرجت نباتها. وأَبْشَرَتِ الأَرضُ إِبْشاراً: بُذِرتْ فَظَهَر
نَباتُها حَسَناً، فيقال عند ذلك: ما أَحْسَنَ بَشَرَتَها؛ وقال أَبو زياد
الأَحمر: أَمْشَرَتِ الأَرضُ وما أَحْسَنَ مَشَرَتَها. وبَشَرَةُ
الأَرضِ: ما ظهر من نباتها. والبَشَرَةُ: البَقْلُ والعُشْبُ وكُلُّه مِنَ
البَشَرَةِ.
وباشَرَ الرجلُ امرأَتَهُ مُباشَرَةً وبِشاراً: كان معها في ثوب واحد
فَوَلَيِتْ بَشَرَتُهُ بَشَرَتَها. وقوله تعالى: ولا تُباشِرُ وهُنَّ
وأَنتم عاكفون في المساجد؛ معنى المباشرة الجماع، وكان الرجل يخرج من المسجد،
وهو معتكف، فيجامع ثم يعود إِلى المسجد. ومُباشرةُ المرأَةِ:
مُلامَسَتُها. والحِجْرُ المُباشِرُ: التي تَهُمُّ بالفَحْلِ. والبَشْرُ أَيضاً:
المُباشَرَةُ؛ قال الأَفوه:
لَمَّا رَأَتْ شَيْبي تَغَيَّر، وانْثَنى
مِنْ دونِ نَهْمَةِ بَشْرِها حينَ انثنى
أَي مباشرتي إِياها. وفي الحديث: أَنه كان يُقَبِّلُ ويُباشِرُ وهو
صائم؛ أَراد بالمباشَرَةِ المُلامَسَةَ وأَصله من لَمْس بَشَرَةِ الرجل
بَشَرَةَ المرأَة، وقد يرد بمعنى الوطء في الفرج وخارجاً منه.
وباشَرَ الأَمْرَ: وَلِيَهُ بنفسه؛ وهو مَثَلٌ بذلك لأَنه لا بَشَرَةَ
للأَمر إذ ليس بِعَيْنٍ. وفي حديث علي، كرّم الله تعالى وجهه: فَباشِرُوا
رُوحَ اليقين، فاستعاره لروح اليقين لأَنّ روح اليقين عَرَضٌ، وبيِّن
أَنَّ العَرَضَ ليست له بَشَرَةٌ. ومُباشَرَةُ الأَمر: أَن تَحْضُرَهُ بنفسك
وتَلِيَه بنفسك.
والبِشْرُ: الطَّلاقَةُ، وقد بَشَرَه بالأَمر يَبْشُرُه، بالضم، بَشْراً
وبُشُوراً وبِشْراً، وبَشَرَهُ به بَشْراً؛ كله عن اللحياني. وبَشَّرَهُ
وأَبْشَرَهُ فَبَشِرَ به، وبَشَرَ يَبْشُرُ بَشْراً وبُشُوراً. يقال:
بَشَرْتُه فَأَبْشَرَ واسْتَبْشَر وتَبشَّرَ وبَشِرَ: فَرِحَ. وفي التنزيل
العزيز: فاسْتْبِشرُوا بِبَيْعِكُمُ الذي بايَعْتُمْ به؛ وفيه أَيضاً:
وأَبْشِروا بالجنة. واسْتَبْشَرَهَ كَبَشَّرَهُ؛ قال ساعدة بن جؤية:
فَبَيْنَا تَنُوحُ اسْتَبْشَرُوها بِحِبِّها،
عَلى حِينِ أَن كُلَّ المَرامِ تَرومُ
قال ابن سيده: وقد يكون طلبوا منها البُشْرى على إِخبارهم إِياهم بمجيء
ابنها. وقوله تعالى: يا بُشْرايَ هذا غُلامٌ؛ كقولك عَصايَ. وتقول في
التثنية: يا بُشْرَبيَّ. والبِشارَةُ المُطْلَقَةُ لا تكون إِلاَّ بالخير،
وإِنما تكون بالشر إِذا كانت مقيدة كقوله تعالى: فَبَشِّرْهُم بعذاب
أَليم؛ قال ابن سيده: والتَّبْشِيرُ يكون بالخير والشر كقوله تعالى: فبشرهم
بعذاب أَليم؛ وقد يكون هذا على قولهم: تحيتك الضَّرْبُ وعتابك السَّيْفُ،
والاسم البُشْرى. وقوله تعالى: لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة؛
فيه ثلاثة أَقوال: أَحدها أَن بُشْراهم في الدنيا ما بُشِّرُوا به من
الثواب، قال الله تعالى: ويُبَشِّرَ المؤمنين؛ وبُشْراهُمْ في الآخرة الجنة،
وقيل بُشْراهم في الدنيا الرؤْيا الصالحة يَراها المؤْمن في منامه أَو
تُرَى له، وقيل معناه بُشْراهم في الدنيا أَن الرجل منهم لا تخرج روحه من
جسده حتى يرى موضعه من الجنة؛ قال الله تعالى: إِنَّ الذين قالوا رَبُّنا
اللهُ ثم استقاموا تَتَنَزَّلُ عليهم الملائكةُ أَن لا تخافوا ولا تحزنوا
وأَبْشِرُوا بالجنةِ التي كنتم توعدون. الجوهري: بَشَرْتُ الرجلَ
أَبْشُرُه، بالضم، بَشْراً وبُشُوراً من البُشْرَى، وكذلك الإِبشارُ
والتَّبْشِيرُ ثلاثُ لغات، والاسم البِشارَةُ والبُشارَةُ، بالكشر والضم. يقال:
بَشَرْتُه بمولود فَأَبْشَرَ إِبْشاراً أَي سُرَّ. وتقول: أَبْشِرْ بخير،
بقطع الأَلف. وبَشِرْتُ بكذا، بالكسر، أَبْشَرُ أَي اسْتَبْشَرْتُ به؛ قال
عطية بن زيد جاهلي، وقال ابن بري هو لعبد القيس بن خفاف البُرْجُميّ:
وإِذا رَأَيْتَ الباهِشِينَ إِلى العلى
غُبْراً أَكُفُّهُمُ بِقاعٍ مْمْحِلِ،
فَأَعِنْهُمُ وابْشَرْ بما بَشِرُوا بِهِ،
وإِذا هُمُ نَزَلُوا بَضَنْكٍ فانْزِلِ
ويروى: وايْسِرْ بما يَسِرُوا به. وأَتاني أَمْرٌ بَشِرْتُ به أَي
سُرِرْتُ به. وبَشَرَني فلانٌ بوجه حَسَنٍ أَي لقيني. وهو حَسَنُ البِشْرِ،
بالكسر، أَي طَلقُ الوجه. والبِشارَةُ: ما بُشِّرْتَ به. والبِشارة:
تَباشُرُ القوم بأَمر، والتَّباشِيرُ: البُشْرَى. وتَبَاشَرَ القومُ أَي
بَشَّرَ بعضُهم بعضاً. والبِشارة والبُشارة أَيضاً: ما يعطاه المبَشِّرُ
بالأَمر. وفي حديث توبة كعب: فأَعطيته ثوبي بُشارَةً؛ البشارة، بالضم: ما يعطى
البشير كالعُمَالَةِ للعامل، وبالكسر: الاسم لأَنها تُظْهِرُ طَلاقَةَ
الإِنسان. والبشير: المبَشِّرُ الذي يُبَشِّرُ القوم بأَمر خير أَو شرٍ.
وهم يتباشرون بذلك الأَمر أَي يُبَشرُ بضعهم بعضاً. والمبَشِّراتُ: الرياح
التي تَهُبُّ بالسحاب وتُبَشِّرُ بالغيث. وفي التنزيل العزيز: ومن آياته
أَن يرسل الرياحَ مُبَشِّرات؛ وفيه: وهو الذي يُرْسِلُ الرياحَ بُشْراً؛
وبُشُراً وبُشْرَى وبَشْراً، فَبُشُراً جَمعُ بَشُورٍ، وبُشْراً مخفف
منه، وبُشْرَى بمعنى بِشارَةٍ، وبَشْراً مصدر بَشَرَهُ بَشْراً إِذا
بَشَّرَهُ. وقوله عز وجل: إِن الله: يُبَشِّرُكِ؛ وقرئ: يَبْشُرُك؛ قال
الفرّاء: كأَن المشدّد منه على بِشاراتِ البُشَرَاء، وكأَن المخفف من وجه
الإِفْراحِ والسُّرُورِ، وهذا شيء كان المَشْيَخَةُ يقولونه. قال: وقال بعضهم
أَبْشَرْتُ، قال: ولعلها لغة حجازية. وكان سفيان بن عيينة يذكرها
فَلْيُبْشِرْ، وبَشَرْتُ لغة رواها الكسائي. يقال: بَشَرَني بوَجْهٍ حَسَنٍ
يَبْشُرُني. وقال الزجاج: معنى يَبْشُرُك يَسُرُّك ويُفْرِحُك. وبَشَرْتُ
الرجلَ أَبْشُرُه إِذا أَفرحته. وبَشِرَ يَبْشَرُ إِذا فرح. قال: ومعنى
يَبْشُرُك ويُبَشِّرُك من البِشارة. قال: وأَصل هذا كله أَن بَشَرَةَ
الإِنسان تنبسط عند السرور؛ ومن هذا قولهم: فلان يلقاني بِبِشْرٍ أَي بوجه
مُنْبَسِطٍ. ابن الأَعرابي: يقال بَشَرْتُه وبَشَّرْتُه وأَبْشَرْتُه
وبَشَرْتُ بكذا وكذا وبَشِرْت وأَبْشَرْتُ إِذا فَرِحْتَ بِه. ابن سيده: أَبْشَرَ
الرجلُ فَرِحَ؛ قال الشاعر:
ثُمَّ أَبْشَرْتُ إِذْ رَأَيْتُ سَواماً،
وبُيُوتاً مَبْثُوثَةً وجِلالا
وبَشَّرَتِ الناقةُ باللِّقاحِ، وهو حين يعلم ذلك عند أَوَّل ما
تَلْقَحُ. التهذيب. يقال أَبْشَرَتِ الناقَةُ إِذا لَقِحَتْ فكأَنها بَشَّرَتْ
بالِّلقاحِ؛ قال وقول الطرماح يحقق ذلك:
عَنْسَلٌ تَلْوِي، إِذا أَبْشَرَتْ،
بِخَوافِي أَخْدَرِيٍّ سُخام
وتَباشِيرُ كُلّ شيء: أَوّله كتباشير الصَّبَاح والنَّوْرِ، لا واحد له؛
قال لبيد يصف صاحباً له عرّس في السفر فأَيقظه:
فَلَمَّا عَرَّسَ، حَتَّى هِجْتُهُ
بالتَّباشِيرِ مِنَ الصُّبْحِ الأُوَلْ
والتباشيرُ: طرائقُ ضَوْءِ الصُّبْحِ في الليل. قال الليث: يقال للطرائق
التي تراها على وجه الأَرض من آثار الرياح إِذا هي خَوَّتْهُ:
التباشيرُ. ويقال لآثار جنب الدابة من الدَّبَرِ: تَباشِيرُ؛ وأَنشد:
نِضْوَةُ أَسْفارٍ، إِذا حُطَّ رَحْلُها،
رَأَيت بِدِفْأَيْها تَباشِيرَ تَبْرُقُ.
الجوهري: تَباشِيرُ الصُّبْحِ أَوائلُه، وكذلك أَوائل كل شيء، ولا يكون
منه فِعلٌ. وفي حديث الحجاج: كيف كان المطرُ وتَبْشِيرُه أَي مَبْدَؤُه
وأَوَّلُه وتَبِاشِيرُ: ليس له نظير إِلاَّ ثلاثة أَحرف: تَعاشِيبُ
الأَرض، وتَعاجِيبُ الدَّهرِ، وتَفاطِيرُ النَّباتِ ما يَنْفَطر منه، وهو
أَيضاً ما يخرج على وجه الغِلْمَان والفتيات؛ قال:
تَفاطِيرُ الجُنُونِ بِوَجْهِ سَلْمَى
قَدِيماً، لا تَقاطِيرُ الشَّبابِ.
ويروى نفاطير، بالنون. وتباشير النخل: في أَوَّل ما يُرْطِبُ. والبشارة،
بالفتح: الجمال والحُسْنُ؛ قال الأَعشى في قصيدته التي أَوَّلها:
بانَتْ لِتَحْزُنَنا عَفارَهْ،
يا جارَتا، ما أَنْتِ جارهْ .
قال منها:
وَرَأَتْ بِأَنَّ الشَّيْبَ جَا
نَبَه البَشاشةُ والبَشارَهْ
ورجلٌ بَشِيرُ الوجه إِذا كان جميله؛ وامرأَةٌ بَشِيرةُ الوجه، ورجلٌ
بَشِيرٌ وامرأَة بَشِيرَةٌ، ووجهٌ بَشيرٌ: حسن؛ قال دكين بن رجاء:
تَعْرِفُ، في أَوجُهِها البَشائِرِ،
آسانَ كُلِّ آفِقٍ مُشاجِرِ
والآسانُ: جمع أُسُنٍ، بضم الهمزة والسين، وقد قيل أَسن بفتحهما أَيضاً،
وهو الشبه. والآفق: الفاضل. والمُشَاجِرُ: الذي يَرْعَى الشجر. ابن
الأَعرابي: المَبْشُورَةُ الجارية الحسنة الخلق واللون، وما أَحْسَنَ
بَشَرَتَها. والبَشِيرُ: الجميل، والمرأَة بَشِيرَة. والبَشِيرُ: الحَسَنُ
الوجه. وأَبْشَرَ الأَمرُ وَجْهَهُ: حَسَّنَه ونَضَّرَه؛ وعليه وَجَّهَ أَبو
عمرو قراءَةَ من قرأَ: ذلك الذي يَبْشُرُ اللهُ عِبادَه؛ قال: إِنما قرئت
بالتخفيف لأَنه ليس فيه بكذا إِنما تقديره ذلك الذي يُنَضِّرُ اللهُ به
وُجوهَهم. اللحياني: وناقة بَشِيرَةٌ أَي حَسَنَةٌ؛ وناقة بَشِيرَةٌ: ليست
بمهزولة ولا سمينة؛ وحكي عن أَبي هلال قال: هي التي ليست بالكريمة ولا
الخسيسة. وفي الحديث: ما مِنْ رَجُلٍ لَهُ إِبِلٌ وبَقَرٌ لا يُؤَدِّي
حَقَّها إِلاَّ بُطِحَ لها يَوْمَ القيامة بِقَاع قَرْقَرٍ كأَكْثَرِ ما
كانَتْ وأَبْشَرِه أَي أَحْسَنِه، من البِشر، وهو طلاقة الوجه وبشاشته،
ويروى: وآشَره من النشاط
(* قوله «من النشاط» كذا بالأصل والأحسن من الأشر
وهو للنشاط). والبطر. ابن الأَعرابي: هم البُشَارُ والقُشَارُ والخُشَارُ
لِسِقاطِ الناسِ.
والتُّبُشِّرُ والتُّبَشِّرُ: طائر يقال هو الصُّفارِيَّة، ولا نظير له
إِلاَّ التُّنَوِّطُ، وهو طائر وهو مذكور في موضعه، وقولُهم: وقع في وادي
تُهلِّكَ، ووادي تُضُلِّلَ، ووادي تُخُيِّبَ. والناقةُ البَشِيرَةُ:
الصالحةُ التي على النِّصْفِ من شحمها، وقيل: هي التي بين ذلك ليست بالكريمة
ولا بالخسيسة.
وبِشْرٌ وبِشْرَةُ: اسمان؛ أَنشد أَبو علي:
وبِشْرَةُ يَأْبَوْنا، كَأَنَّ خِبَاءَنَا
جَنَاحُ سُمَانَى في السَّماءِ تَطِيرُ
وكذلك بُشَيْرٌ وبَشِيرٌ وبَشَّار ومُبَشِّر. وبُشْرَى: اسم رجل لا
ينصرف في معرفة ولا نكرة، للتأْنيث ولزوم حرف التأْنيث له، وإِن لم يكن صفة
لأَن هذه الأَلف يبنى الاسم لها فصارت كأَنها من نفس الكلمة، وليست كالهاء
التي تدخل في الاسم بعد التذكير.
والبِشْرُ: اسم ماء لبني تغلب. والبِشْرُ: اسم جبل، وقيل: جبل بالجزيرة؛
قال الشاعر:
فَلَنْ تَشْرَبي إِلاَّ بِرَنْقٍ، وَلَنْ تَرَيْ
سَواماً وحَيّاً في القُصَيْبَةِ فالبِشْرِ
حفز: الحَفْزُ: حَثُّك الشيء من خلفه سَوْقاً وغير سوق، حَفَزَه
يَحْفِزُه حَفْزاً؛ قال الأَعشى:
لها فَخِذانِ يَحْفِزانِ مَحالَةً
وَدَأْياً، كبُنْيان الصُّوى، مُتلاحِكا
وفي حديث البُراقِ: وفي فخذيه جناحان يَحْفِزُ بهما رجليه. ومن مسائل
سيبويه: مُرْهُ يَحْفِزُها، رفع على أَنه أَراد أَن يَحْفِزَها، فلما حذف
أَن رفع الفعل بعدها. ورجل مُحْفِزٌ: حافِزٌ؛ وقوله أَنشده ابن
الأَعرابي:ومُحْفِزَة الحِزامِ بِمِرْفَقَيْها،
كَشاة الرَّبْلِ أَفْلَتَت الكِلابا
مُحْفزة ههنا: مُفْعِلَة من الحَفْز، يعني أَن هذه الفرس تَدْفع الحزام
بمرفقيها من شدة جريها. وقوس حَفُوز: شديدة الحَفْز والدفع للسهم؛ عن
أَبي حنيفة. وحَفَزَه أَي دفعه من خلفه يَحْفِزُه حَفْزاً؛ قال الراجز:
تُرِيحُ بعد النَّفَسِ المَحْفوزِ
يريد النَّفَس الشديد المتتابِع كأَنه يُحفز أَي يدفع من سياق. وقال
العكلي: رأَيت فلاناً مَحْفُوزَ النَّفَس إِذا اشتد به. والليلُ يَحفِز
النهارَ حَفْزاً: يَحُثُّه على الليل ويسوقه؛ قال رؤبة:
حَفْز اللَّيالي أَمَدَ التَّزْيِيفِ
وفي الحديث عن أَنس، رضي الله عنه: من أَشراط الساعة حَفْزُ الموت، قيل:
وما حَفْزُ الموت؟ قال: موت الفَجْأَة. والحَفْزُ: الحَثّ والإِعْجال.
والرجل يَحْتَفِزُ في جلوسه: يريد القيام والبطشَ بشيء. ابن شميل:
الاحْتِفاز والاستِيفازُ والإِقْعاء واحد. وروى الأَزهري عن مجاهد قال: ذُكِرَ
القَدَرُ عند ابن عباس، رضي الله عنه، فاحْتَفَزَ وقال: لو رأَيت
أَحدَهم لعَضَضْت بأَنفه؛ قال النضر: احْتَفَزَ استوى جالاً على ورِكَيْه؛ وقال
ابن الأَثير: قلق وشَخَص ضَجَراً، وقيل: استوى جالساً على ركبتيه كأَنه
ينهض. واحْتَفَزَ في مشيه: احْتَثَّ واجتهد؛ عن ابن الأَعرابي؛ وأَنشد:
مُجَنّب مثل تَيْسِ الرَّبل مُحْتَفِز
بالقُصْرَيَيْنِ، على أُولاهُ مَصْبُوب
مُحْتَفِز أَي يجهد في مدّ يديه. وقوله: على أُولاه مصبوب، يقول: يجري
على جريه الأَوّل لا يحول عنه؛ وليس مثل قوله:
إِذا أَقْبَلَتْ قلتَ دبَّاءَةٌ
ذاك إِنما يحمد من الإِناث. وكل دَفْع حَفْز. وفي حديث أَنس، رضي الله
عنه: أَن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أُتِيَ بتمر فجعل يَقْسمه وهو
مُحْتَفِزٌ أَي مستعجل مُسْتَوْفِزٌ يريد القيام غير متمكن من الأَرض. وفي
حديث أَبي بكرة: أَنه دَبَّ إِلى الصف راكعاً وقد حَفَزَه النَّفَس.
ويقال: حافَزْت الرجل إِذا جاثيْتَه؛ وقال الشماخ:
كما بادَرَ الخَصْمُ اللَّجُوجُ المُحافِزُ
وقال الأَصمعي: معنى حافَزْته دَانَيْتُه. وقال بعض الكلابين: الحَفْزُ
تقارب النَّفَس في الصدر. وقالت امرأَة منهم: حَفَزَ النَّفَس حين يدنو
من الموت.
والحَوْفَزان: اسم رجل، وفي التهذيب: لقب لجَرَّارٍ من جَرَّارِي العرب،
وكانت العرب تقول للرجل إِذا قادَ أَلْفاً جَرَّار، وقال الجوهري:
الحَوْفَزانُ اسم الحرث بن شَرِيكٍ الشيباني، لُقّب بذلك لأَن بِسْطام بن
قَيْس طعنه فأَعْجَله؛ وقال ابن سيده: سمي بذلك لأَن قيس بن عاصم التميمي
حَفَزَه بالرمح حين خاف أَن يفوته فَعَزَج من تلك الحَفْزَة فسمي بتلك
الحَفْزَة حَوْفَزاناً؛ حكاه ابن قتيبة؛ وأَنشد جرير يفتخر بذلك:
ونحن حَفَزْنا الحَوْفَزانَ بِطَعْنَةٍ،
سَقَتْهُ نَجِيعاً من دَمِ الجَوْفِ أَشْكَلا
وحَفَزْتُه بالرمح: طَعَنْتُه. والحَوْفَزانُ: فَوْعلان من الحَفْز. قال
الجوهري: وأَما قَوْل من قال إِنما حَفَزه بِسطامُ بنُ قيس فَغَلَطٌ
لأَنه شيباني، فكيف يفتخر جريرٌ بهف
قال ابن بري: ليس البيتُ لجرير وإِنما هو لسَوّار بن حبان المِنْقَري،
قاله يوم جَدُودٍ؛ وبعده:
وحُمْرانُ أَدَّتْه إِلينا رِماحُنا،
يُنازِع غُلاًّ في ذِراعَيْه مُثْقَلا
يعني بحُمْران ابن حُمْرانَ بنِ عبدِ بنِ عمرو بنِ بشر ابن عمرو بنِ
مَرْثَدٍ؛ قال: وأَما قول الآخر:
ونحن حفزنا الحوفزان بطعنة،
سقته نجيعاً من دم الجوف آنيا
فهو الأَهتم بن سُمَيٍّ المِنْقَري؛ وأَول الشعر:
لما دَعَتْني للسِّيادة مِنْقَرٌ،
لدى مَوْطِنٍ أَضْحَى له النجمُ بادِيا
شَدَدْت لها أُزْرِي، وقد كنتُ قَبْلها
أَشُدُّ لأَحْناءِ الأُمُور إِزاريا
ورأَيته مُحْتفِزاً أَي مُستوفِزاً. وفي الحديث عن عليّ، رضي الله عنه:
إِذا صلّى الرجلُ فَلْيُخَوّ وإِذا صلَّت المرأَة فَلْتَحْتَفِزْ أَي
تتضامَّ وتَجْتمع إِذا جلست وإِذا سجدت، ولا تُخَوِّي كما يُخَوِّي الرجلُ.
وفي حديث الأَحْنف: كان يُوَسِّعُ لمن أَتاه فإِذا لم يجد مُتَّسَعاً
تَحَفَّزَ له تَحَفُّزاً.
والحَفَز: الأَجَل في لغة بني سعد؛ وأَنشد بعضهم هذا البيت:
واللهِ أَفْعَل ما أَرَدْتُمْ طائِعاً،
أَو تَضْرِبوا حَفَزاً لِعامٍ قابِلِ
أَي تضربوا أَجَلاً. يقال: جعلت بيني وبين فلان حَفَزاً أَي أَمداً،
والله أَعلم.
بهر: البُهْرُ: ما اتسع من الأَرض. والبُهْرَةُ: الأَرضُ السَّهْلَةُ،
وقيل هي الأَرض الواسعة بين الأَجْبُلِ. وبُهْرَةُ الوادي: سَرارَتُه
وخيره. وبُهْرَةُ كل شيء: وسطُه. وبُهْرَةُ الرَّحْلِ كزُفْرَتِه أَي وسطه.
وبُهْرَةُ الليل والوادي والفرس: وسطه. وابْهارَّ النهارُ: وذلك حين ترتفع
الشمس. وابْهارَّ الليلُ وابْهِيراراً إِذا انتصف؛ وقيل: ابْهارَّ
تراكبت ظلمته، وقيل: ابْهارَّ ذهبت عامّته وأَكثره وبقي نحو من ثلثه.
وابْهارَّ علينا أَي طال. وفي حديث النبي، صلى الله عليه وسلم: أَنه سار ليلةً
حتى ابْهارَّ الليلُ. قال الأَصمعي: ابْهارَّ الليلُ يعني انتصف، وهو
مأْخوذ من بُهْرَةِ الشيء وهو وسطه. قال أَبو سعيد الضرير: ابْهِيرارُ الليل
طلوعُ نجومه إِذا تنامّت واستنارت، لأَن الليل إِذا أَقبل أَقبلت
فَحْمَتُه، وإِذا استنارت النجوم ذهبت تلك الفحمة.
وفي الحديث: فلما أَبْهَرَ القومُ احترقوا أَي صاروا في بُهْرَةِ النهار
وهو وسطه.
وتَبَهَّرَتِ السحابةُ: أَضاءت. قال رجل من الأَعراب وقد كبر وكان في
داخل بينه فمرّت سحابة: كيف تراها يا بنيّ؟ فقال: أَراها قد نَكَّبتْ
وتَبَهَّرَتْ؛ نَكَّبَتْ: عَدَلَتْ.
والبُهْرُ: الغلبة. وبَهَرَهُ يَبْهَرُهُ بَهْراً: قَهَرَهُ وعلاه
وغلبه. وبَهَرَتْ فُلانةُ النساء: غلبتهن حُسْناً. وبَهَرَ القمرُ النجومَ
بُهُوراً: غَمَرَها بضوئه؛ قال:
غَمَّ النجومَ ضَوؤُه حِينَ بَهَرْ،
فَغَمَرَ النَّجْمَ الذي كان ازْدَهَرْ
وهي ليلة البُهْرِ. والثلاث البُهْرُ: التي يغلب فيها ضوءُ القمر
النجومَ، وهي الليلة السابعة والثامنة والتاسعة. يقال: قمر باهر إِذا علا
الكواكبُ ضَوؤه وغلب ضوؤُه ضوأَها؛ قال ذو الرمة يمدح عمر بن هبيرة:
ما زِلْتَ في دَرَجاتِ الأَمْرِ مُرْتَقِياً،
تَنْمي وتَسْمُو بك الفُرْعانُ مِنْ مُضَرَا (قوله الفرعان هكذا في
الأَصل، ولعلها القُرعان: ويريد بهم الأَقرع بن حابس الصحابي وأَخاه مرثداً
وكانا من سادات العرب).
حَتَّى بَهَرْتَ فما تَخْفَى على أَحَدٍ،
إِلاَّ على أَكْمَهٍ، لا يَعْرِفُ القَمَرَا.
أَي علوت كل من يفاخرك فظهرت عليه. قال ابن بري: الذي أَورده الجوهري
وقد بَهرْتَ، وصوابه حتى بَهرْتَ كما أَوردناه، وقوله: على أَحد؛ أَحد ههنا
بمعنى واحد لأَن أَحداً المستعمل بعد النفي في قولك ما أَحد في الدار لا
يصح استعماله في الواجب. وفي الحديث: صلاة الضحى إِذا بَهَرَت الشَّمسُ
الأَرضَ أَي غلبها نورها وضوْؤُها. وفي حديث عليّ: قال له عَبْدُ خَيْرٍ:
أُصَلِّي إِذا بَزَغَتِ الشمسُ؟ قال: لا، حتى تَبْهَرَ البُتَيْراءُ أَي
يستبين ضوؤُها. وفي حديث الفتنة: إِنْ خَشِيتَ أَن يَبْهَرَك شُعاعُ
السيف. ويقال لليالي البيض: بُهْرٌ، جمع باهر. ويقال: بُهَرٌ بوزن ظُلَمٍ
بُهْرَةٍ، كل ذلك من كلام العرب. وبَهَرَ الرجلُ: بَرَعَ؛ وأَنشد البيت
أَيضاً:
حتى بهرتَ فما تخفي على أَحد
وبَهْراً له أَي تَعْساً وغَلَبَةً؛ قال ابن ميادة:
تَفَاقَدَ قَوْمي إِذ يَبِيعُونَ مُهْجَتي
بجاريةٍ، بَهْراً لَهُمْ بَعْدَها بَهْرا
وقال عمر بن أَبي ربيعة:
ثم قالوا: تُحِبُّها؟ قُلْتُ: بَهْراً
عَدَدَ الرَّمْلِ والحَصَى والتُّرابِ
وقيل: معنى بَهْراً في هذا البيت جمّاً، وقيل: عَجَباً. قال سيبويه: لا
فعل لقولهم بَهْراً له في حدّ الدعاء وإنما نصب على توهم الفعل وهو مما
ينتصب على إضمار الفعل غَيْرَ المُسْتَعْمَلِ إِظهارُه. وبَهَرَهُم الله
بَهْراً: كَرَبَهُم؛ عن ابن الأَعرابي. وبَهْراً لَهُ أَي عَجَباً.
وأَبْهَرَ إِذا جاء بالعَجَبِ. ابن الأَعرابي: البَهْرُ الغلبة. والبَهْرُ:
المَلْءُ، والبَهْرُ: البُعْدُ، والبَهْرُ: المباعدة من الخير، والبَهْرُ:
الخَيْبَةُ، والبَهْرُ: الفَخْرُ. وأَنشد بيت عمر بن أَبي ربيعة؛ قال أَبو
العباس: يجوز أَن يكون كل ما قاله ابن الأَعرابي في وجوه البَهْرِ أَن
يكون معنى لما قال عمر وأَحسنها العَجَبُ. والبِهارُ: المفاخرة. شمر:
البَهْرُ التَعْسُّ، قال: وهو الهلاك.
وأَبْهَرَ إِذا استغنى بعد فقر. وأَبْهَرَ: تزوج سيدة، وهي البَهِيرَةُ.
ويقال: فلانة بَهِيرَةٌ مَهِيرَةٌ. وأَبْهَرَ إِذا تلوّن في أَخلاقه
دَمًّاثَةً مَرّةً وخُبْثاً أُخْرى. والعرب تقول: الأَزواج ثلاثة: زوجُ
مَهْرٍ، وزوجُ بَهْرٍ، وزوج دَهْرٍ؛ فأَما زوج مهرٍ فرجل لا شرف له فهو
يُسنْي المهرَ ليرغب فيه، وأَما زوج بهر فالشريف وإِن قل ماله تتزوجه المرأَة
لتفخر به، زووج دهر كفؤها؛ وقيل في تفسيرهم: يَبْهَرُ العيون بحسنه أَو
يُعدّ لنوائب الدهر أَو يؤخذ منه المهر.
والبُهْرُ: انقطاع النَّفَسِ من الإِعياء؛ وقد انْبَهَرَ وبُهِرَ فهو
مَبْهُورٌ وبَهِيرٌ؛ قال الأَعشى:
إِذا ما تَأَتَّى يُرِيدُ القيام
تَهادى، كما قَدْ رَأَيْتَ البَهِيرَا
والبُهْرُ بالضم: تتابع النَّفَسِ من الإِعياء، وبالفتح المصدر؛
بَهَرَهُ الحِمْلُ يَبْهَرُهُ بَهْراً أَي أَوقع عليه البُهْرَ فانْبَهَرَ أَي
تتابع نفسه. ويقال: بُهِرَ الرجل إِذا عدا حتى غلبه البُهْرُ وهو
الرَّبْوُ، فهو مبهور وبهير. شمر: بَهَرْت فلاناً إِذا غلبته ببطش أَو لسان.
وبَهَرْتُ البعيرَ إِذا ما رَكَضْتَهُ حتى ينقطع؛ وأَنشد ببيت ابن
ميادة:أَلا يا لقومي إِذ يبيعون مِهْجَتي
بجاريةٍ، بَهْراً لَهُمْ بَعْدَها بَهْرَا
ابن شميل: البَهْرُ تَكَلُّف الجُهْدِ إِذا كُلِّفَ فوق ذَرْعِهِ؛ يقال
بَهَرَه إِذا قطع بُهْرَهُ إِذا قطع نَفَسَه بضرب أَو خنق أَو ما كان؛
وأَنشد:
إِنَّ البخيل إِذَا سَأَلْتَ إِذَا سَأَلْتَ بَهَرْتَهُ
وفي الحديث: وقع عليه البُهْرُ، هو بالضم ما يعتري الإِنسان عند السعي
الشديد والعدو من النهيج وتتابع النَّفَس؛ ومنه حديث ابن عمر: إِنه أَصابه
قَطْعٌ أَو بُهْرٌ.
وبَهَرَه: عالجه حتى انْبَهَرَ. ويقال: انبهر فلان إِذا بالغ في الشيء
ولم يَدَعْ جُهْداً. ويقال: انْبَهَرَ في الدعاء إِذا تحوّب وجهد،
وابْتَهَرَ فُلانٌ في فلان ولفلان إِذا لم يدع جهداً مما لفلان أَو عليه، وكذلك
يقال ابتهل في الدعاء؛ قال: وهذا مما جعلت اللام فيه راء. وقال خالد بن
جنبة: ابتهل في الدعاء إِذا كان لا يفرط عن ذلك ولا يَثْجُو، قال: لا
يَثْجُو لا يسكت عنه؛ قال: وأَنشد عجوز من بني دارم لشيخ من الحي في
قعيدته:ولا ينامُ الضيف من حِذَارِها،
وقَوْلِها الباطِلِ وابْتِهارِها
وقال: الابْتِهارُ قول الكذب والحلف عليه. والابتهار: ادّعاء الشيء
كذباً؛ قال الشاعر:
وما بي إِنْ مَدَحْتُهُمُ ابْتِهارُ
وابْتُهر فُلانٌ بفلانَةَ: شُهِرَ بها.
والأَبْهرُ: عِرْق في الظهر، يقال هو الوَرِيدُ في العُنق، وبعضهم يجعله
عرْقاً مُسْتَبْطِنَ الصُّلْب؛ وقيل: الأَبْهَرانِ الأَكْحَلانِ، وفلان
شديد الأَبْهَرِ أَي الظهر. والأَبْهَرُ: عِرْقٌ إِذا انقطع مات صاحبه؛
وهما أَبْهَرانِ يخرجان من القلب ثم يتشعب منهما سائر الشَّرايين. وروي عن
النبي، صلى الله عليه وسلم، أَنه قال: ما زالت أُكْلَةُ خيبر تعاودني
فهذا أَوان قَطَعَتْ أَبْهَرِي؛ قال أَبو عبيد: الأَبْهَرُ عرق مستبطن في
الصلب والقلب متصل به فإِذا انقطع لم تكن معه حياة؛ وأَنشد الأَصمعي لابن
مقبل:
وللفؤادِ وَجِيبٌ تَحْتَ أَبَهرِه،
لَدْمَ الغُلامِ وراءَ الغَيْبِ بالحَجَرِ
الوجيب: تحرُّك القلب تحت أَبهره. والَّلدْمُ: الضَّرْب. والغيب: ما كان
بينك وبينه حجاب؛ يريد أَن للفؤاد صوتاً يسمعه ولا يراه كما يسمع صوت
الحجر الذي يرمي به الصبي ولا يراه، وخص الوليد لأَن الصبيان كثيراً ما
يلعبون برمي الحجارة، وفي شعره لدم الوليد بدل لدم الغلام. ابن الأَثير:
الأَبهر عرق في الظهر وهما أَبهران، وقيل: هما الأَكحلان اللذان في
الذراعين، وقيل: الأَبهر عرق منشؤه من الرأْس ويمتد إِلى القدم وله شرايين تتصل
بأكثر الأَطراف والبدن، فالذي في الرأْس منه يسمى النَّأْمَةَ، ومنه
قولهم: أَسْكَتَ اللهُ نَأْمَتَه أَي أَماته، ويمتدُ إِلى الحلق فيسمى الوريد،
ويمتد إِلى الصدر فيسمى الأَبهر، ويمتد إِلى الظهر فيسمى الوتين والفؤاد
معلق به، ويمتد إِلى الفخذ فيسمى النَّسَا، ويمتدّ إِلى الساق فيسمى
الصَّافِنَ، والهمزة في الأَبهر زائدة، قال: ويجوز في أَوان الضم والفتح،
فالضم لأَنه خبر المبتدإِ، والفتح على البناء لإِضافته إِلى مبني كقوله:
على حِينَ عاتبتُ المَشيبَ عَلى الصِّبا
وقلتُ: أَلمَّا تَصْحُ والشَّيْبُ وازِعُ؟
وفي حديث علي، كرم الله وجهه: فيُلْقى بالفضاء منقطعاً أَبْهَراهُ.
والأَبْهَرُ من القوس: ما بين الطائف والكُلْية. الأَصمعي: الأَبهر من القوس
كبدها وهو ما بين طرفي العِلاقَةِ ثم الكلية تلي ذلك ثم الأَبهر يلي ذلك
ثم الطائف ثم السِّيَةُ وهو ما عطف من طرفيها. ابن سيده: والأَبهر من
القوس ما دون الطائف وهما أَبهِران، وقيل: الأَبهر ظهر سية القوس، والأَبهر
الجانب الأَقصر من الريش، والأَباهر من ريش الطائر ما يلي الكُلَى
أَوّلها القَوادِمُ ثم المَنَاكِبُ ثم الخَوافي ثم الأَباهِرُ ثم الكلى؛ قال
اللحياني: يقال لأَربع ريشات من مقدّم الجناح القوادم، ولأَربع تليهن
المناكب، ولأَربع بعد المناكب الخوافي، ولأَربع بعد الخوافي الأَباهر. ويقال:
رأَيت فلاناً بَهْرَةً أَي جَهْرَةً علانية؛ وأَنشد:
وكَمْ مِنْ شُجاع بادَرَ المَوْتَ بَهْرَةً،
يَمُوتُ على ظَهْرِ الفِراشِ ويَهْرَمُ
وتَبَهَّر الإِناءُ: امْتَلأَ؛ قال أَبو كبير الهذلي:
مُتَبَهّراتٌ بالسِّجالِ مِلاؤُها،
يَخْرُجْنَ مِنْ لَجَفٍ لهَا مُتَلَقَّمِ
والبُهار: الحِمْلُ، وقيل: هو ثلثماه رطل بالقبطية، وقيل: أَربعمائة
رطل، وقيل: ستمائة رطل، عن أَبي عمرو، وقيل: أَلف رطل، وقال غيره: البهار،
بالضم، شيء يوزن به وهو ثلثمائة رطل. وروي عن عمرو بن العاص أَنه قال:
إِنّ ابن الصَّعْبَةِ، يعني طلحة ابن عبيد الله، كان يقال لأُمه الصعبة؛
قال: إِنّ ابن الصعبة ترك مائة بُهار في كل بُهار ثلاثة قناطير ذهب وفضة
فجعله وعاء؛ قال أَبو عبيد: بُهار أَحسبها كلمة غير عربية وأُراها قبطية.
الفرّاء: البُهارُ ثلثمائة رطل، وكذلك قال ابن الأَعرابي، قال:
والمُجَلَّدُ ستمائة رطل، قال الأَزهري: وهذا يدل على أَن البُهار عربي صحيح وهو ما
يحمل على البعير بلغة أَهل الشأْم؛ قال بُرَيْقٌ الهُذَليّ يصف سحاباً
ثقيلاً:
بِمُرْتَجِزٍ كَأَنَّ على ذُرَاهُ
رِكاب الشَّأْمِ، يَحْمِلْنَ البُهارا
قال القتيبي: كيف يُخْلفُ في كل ثلثمائة رطل ثلاثة قناطير؟ ولكن البُهار
الحِمْلُ؛ وأَنشد بيت الهذلي. وقال الأَصمعي في قوله يحملن البهارا:
يحملن الأَحمال من متاع البيت؛ قال: وأَراد أَنه ترك مائة حمل. قال: مقدار
الحمل منها ثلاثة قناطير، قال: والقنطار مائة رطل فكان كل حمل منها
ثلثمائة رطل. والبُهارُ: إِناءٌ كالإِبْريق؛ وأَنشد:
على العَلْياءِ كُوبٌ أَو بُهارُ
قال الأَزهري: لا أَعرف البُهارَ بهذا المعنى.
ابن سيده: والبَهارُ كُلُّ شيء حَسَنٍ مُنِيرٍ. والبَهارُ: نبت طيب
الريح. الجوهري: البَهارُ العَرارُ الذي يقال له عين البقر وهو بَهارُ
البَرْ، وهو نبت جَعْدٌ له فُقَّاحَةٌ صفراء بنبت أَيام الربيع يقال له
العرارة. الأَصمعي: العَرارُ بَهارُ البر. قال الأَزهري: العرارة الحَنْوَةُ،
قال: وأُرى البَهار فارسية. والبَهارُ: البياض في لبب الفرس.
والبُهارُ: الخُطَّاف الذي يطير تدعوه العامّة عصفور الجنة.
وامرأَة بَهِيرَةٌ: صغيرة الخَلْقِ ضعيفة. قال الليث: وامرأَةٌ
بَهِيرَةٌ وهي القصيرة الذليلة الخلقة، ويقال: هي الضعيفة المشي. قال الأَزهري:
وهذا خطأٌ والذي أَراد الليث البُهْتُرَةُ بمعنى القصيرة، وأَما
البَهِيرَةُ من النساء فهي السيدة الشريفة؛ ويقال للمرأَة إِذا ثقلت أَردافها
فإِذا مشت وقع عليها البَهْرُ والرَّبْوُ: بَهِيرَةٌ؛ ومنه قول الأَعشى:
تَهادَى كما قد رأَيتَ البَهِيرَا
وبَهَرَها بِبُهْتانٍ: قذفها به. والابتهار: أَن ترمي المرأَة بنفسك
وأَنت كاذب، وقيل: الابْتِهارُ أَن ترمي الرجل بما فيه، والابْتِيارُ أَن
ترميه بما ليس فيه. وفي حديث عمر، رضي الله عنه: أَنه رفع إِليه غلام
ابْتَهَرَ جارية في شعره فلم يُوجَدِ الثِّبَتُ فدرأَ عنه الحدّ؛ قال أَبو
عبيد: الابتهار أَن يقذفها بنفسه فيقول فعلت بها كاذباً، فإِن كان صادقاً قد
فعل فهو الإِبتيار على قلب الهاء ياء؛ قال الكميت:
قَبيحٌ بِمِثْلِيَ نَعْتُ الفَتَا
ة، إِمَّا ابْتِهاراً وإِمَّا ابْتِيارَا
ومنه حديث العوّام: الابتهار بالذنب أَعظم من ركوبه وهو أَن يقول فعلت
ولم يفعل لأَنه لم يدّعه لنفسه إِلاَّ وهو لو قدر فعل، فهو كفاعله بالنية
وزاد عليه بقبحه وهتك ستره وتبجحه بذنب لم يفعله. وبَهْراءُ: حَيٌّ من
اليمن. قال كراع: بهراء، ممدودة، قبيلة، وقد تقصر؛ قال ابن سيده: لا أَعلم
أَحداً حكى فيه القصر إِلا هو وإِنما المعروف فيه المدّ؛ أَنشد ثعلب:
وقد عَلِمَتْ بَهْرَاءُ أَنَّ سُيوفَنا
سُيوفُ النَّصارَى لا يَلِيقُ بها الدَّمُ
وقال معناه: لا يليق بنا أَن نقتل مسلماً لأَنهم نصارى معاهدون، والنسب
إِلى بَهْرَاءَ بَهْراوِيٌّ، بالواو على القياس، وبَهْرَانِيُّ مثلُ
بَحْرانِيّ على غير قياس، النون فيه بدل من الهمزة؛ قال ابن سيده: حكاه
سيبويه. قال ابن جني: من حذاقق أَصحابنا من يذهب إِلى أَن النون في بهراني
إِنما هي بدل من الواو التي تبدل من همزة التأْنيث في النسب، وأَن الأَصل
بهراوي وأَن النون هناك بدل من هذه الواو، كما أَبدلت الواو من النون في
قولك؛ من وافد، وإِن وقفت وقفت ونحو ذلك، وكيف تصرفت الحال فالنون بدل من
الهمزة؛ قال: وإِنما ذهب من ذهب إِلى هذا لأَنه لم ير النون أُبدلت من
الهمزة في غير هذا، وكان يحتج في قولهم إِن نون فعلان بدل من همزة فعلاء،
فيقول ليس غرضهم هنا البدل الذي هو نحو قولهم في ذئب ذيب وفي جؤْنة جونة،
إِنما يريدون أَن النون تعاقب في هذا الموضع الهمزة كما تعاقب لام المعرفة
التنوين أَ لا تجتمع معه فلما لم تجامعه قيل: إِنها بدل منه، وكذلك
النون والهمزة؛ قال: وهذا مذهب ليس بقصد.