Academy of the Arabic Language in Cairo, al-Muʿjam al-Wasīṭ (1998) المعجم الوسيط لمجموعة من المؤلفين
Permalink (الرابط القصير إلى هذا الباب):
http://arabiclexicon.hawramani.com/?p=79099#21c49c
(الــمعتقد) العقيدة
عقد: العَقْد: نقيض الحَلِّ؛ عَقَدَه يَعْقِدُه عَقْداً وتَعْقاداً
وعَقَّده؛ أَنشد ثعلب:
لا يَمْنَعَنَّكَ، مِنْ بِغا
ءِ الخَيْرِ، تَعْقادُ التمائمْ
واعتَقَدَه كعَقَدَه؛ قال جرير:
أَسِيلَةُ معْقِدِ السِّمْطَيْنِ منها،
وَرَيَّا حيثُ تَعْتَقِدُ الحِقابا
وقد انعَقَد وتعَقَّدَ. والمعاقِدُ: مواضع العَقْد. والعَقِيدُ:
المُعَاقِدُ. قال سيبويه: وقالوا هو مني مَعْقِدَ الإِزار أَي بتلك المنزلة في
القرب، فحذفَ وأَوْصَلَ، وهو من الحروف المختصة التي أُجريت مُجْرى غير
المختصة لأَنه كالمكان وإِن لم يكن مكاناً، وإِنما هو كالمثل، وقالوا للرجل
إِذا لم يكن عنده غناء: فلان لا يَعْقِدُ الحَبْلَ أَي أَنه يَعْجِزُ عن
هذا على هَوانِهِ وخفَّته؛ قال:
فإِنْ تَقُلْ يا ظَبْيُ حَلاً حَلاً،
تَعْلَقْ وتَعْقِدْ حَبْلَها المُنْحَلاَّ
أَي تجِدُّ وتَتَشَمَّرُ لإِغْضابِه وإِرْغامِهِ حتى كأَنها تَعْقِدُ
على نفسه الحبْل.
والعُقْدَةُ: حَجْمُ العَقْد، والجمع عُقَد. وخيوط معقَّدة: شدّد
للكثرة. ويقال: عقدت الحبل، فهو معقود، وكذلك العهد؛ ومنه عُقْدَةُ النكاح؛
وانعقَدَ عَقْدُ الحبل انعقاداً. وموضع العقد من الحبل: مَعْقِدٌ، وجمعه
مَعاقِد. وفي حديث الدعاء: أَسأَلك بِمَعاقِدِ العِزِّ من عَرْشِك أَي
بالخصال التي استحق بها العرشُ العِزَّ أَو بمواضع انعقادها منه، وحقيقة
معناه: بعز عرشك؛ قال ابن الأَثير: وأَصحاب أَبي حنيفة يكرهون هذا اللفظ من
الدعاء. وجَبَرَ عَظْمُه على عُقْدَةٍ إِذا لم يَسْتَوِ. والعُقْدَةُ:
قلادة. والعِقْد: الخيط ينظم فيه الخرز، وجمعه عُقود. وقد اعتقَدَ الدرَّ
والخرَزَ وغيره إِذا اتخذ منه عِقْداً، قال عديَّ بن الرقاع:
وما حُسَيْنَةُ، إِذ قامَتْ تُوَدِّعُنا
لِلبَيْنِ، واعَتَقَدتْ شَذْراً ومَرْجاناً
والمِعْقادُ: خيط ينظم فيه خرزات وتُعَلَّق في عنق الصبي. وعقَدَ التاجَ
فوق رأْسه واعتقده: عَصَّبَه به؛ أَنشد ثعلب لابن قيس الرقيات:
يَعْتَقِدُ التاجَ فوقَ مَفْرَقِه
على جَبينٍ، كأَنه الذَّهَبُ
وفي حديث قيس بن عَبَّاد قال: كنتُ آتي المدينةَ فأَلقى أَصحابَ رسولِ
الله، صلى الله عليه وسلم، وأَحَبُّهم إِليّ عمرُ
بن الخطاب، رضي الله عنه، وأُقيمت صلاة الصبح فخرج عمر وبين يديه رجل،
فنظر في وجوه القوم فعرفهم غيري، فدفعني من الصف وقام مقامي ثم قعد
يحدّثنا، فما رأَيت الرجال مدت أَعناقها متوجهةً إِليه فقال: هلَك أَهلُ
العُقَدِ وربِّ الكعبةِ، قالها ثلاثاً، ولا آسَى عليهم إِنما آسى على من
يَهْلِكون من الناس؛ قال أَبو منصور: العُقَدُ الوِلاياتُ على الأَمصار، ورواه
غيره: هلك أَهلُ العَقَدِ، وقيل: هو من عَقْدِ الولاية للأُمراء. وفي
حديث أُبَيّ: هلكَ أَهلُ العُقْدَة وربِّ الكعبة؛ يريد البَيْعَة المعقودة
للولاية. وعَقَدَ العَهْدَ واليمين يَعْقِدهما عَقْداً وعَقَّدهما:
أَكدهما. أَبو زيد في قوله تعالى: والذين عقَدت أَيمانكم وعاقدت أَيمانكم؛ وقد
قرئ عقدت بالتشديد، معناه التوكيد والتغليظ، كقوله تعالى: ولا تَنْقُضوا
الأَيمانَ بعد توكيدها، في الحلف أَيضاً. وفي حديث ابن عباس في قوله
تعالى: والذين عاقَدَت أَيمانُكم؛ المُعاقَدَة: المُعاهَدة والميثاق.
والأَيمانُ: جمع يمين القَسَمِ أَو اليد. فأَما الحرف في سورة المائدة: ولكن
يُؤاخذُكُم بما عَقَّدْتُم الأَيمان، بالتشديد في القاف قراءة الأَعمش
وغيره، وقد قرئ عقدتم بالتخفيف؛ قال الحطيئة:
أُولئك قوم، إِن بَنَوْا أَحْسَنُوا البنا،
وإِن عاهدوا أَوفَوْا، وإِن عاقَدوا شَدُّوا
وقال آخر:
قوْمٌ إِذا عَقَدُوا عَقْداً لجارِهِم
وقال في موضع آخر: عاقدوا، وفي موضع آخر: عَقَّدوا، والحرف قرئ
بالوجهين؛ وعَقَدْتُ الحبْلَ والبيع والعهد فانعقد. والعَقْد: العهد، والجمع
عُقود، وهي أَوكد العُهود. ويقال: عَهِدْتُ إِلى فلانٍ في كذا وكذا،
وتأْويله أَلزمته ذلك، فإِذا قلت: عاقدته أَو عقدت عليه فتأْويله أَنك أَلزمته
ذلك باستيثاق. والمعاقدة: المعاهدة. وعاقده: عهده. وتعاقد القوم: تعاهدوا.
وقوله تعالى:
يا أيُها الذين آمنوا أَوفوا بالعُقود؛ قيل: هي العهود، وقيل: هي
الفرائض التي أُلزموها؛ قال الزجاج: أَوفوا بالعُقود، خاطب الله المؤمنين
بالوفاءِ بالعقود التي عقدها الله تعالى عليهم، والعقُودِ التي يعقِدها بعضهم
على بعض على ما يوجبه الدين. والعَقِيدُ: الحَليفُ؛ قال أَبو خراش
الهذلي:
كم مِن عَقِيدٍ وجارٍ حَلَّ عِنْدَهُمُ،
ومِن مُجارٍ بِعَهْدِ اللهِ قد قَتَلُوا
وعَقَدَ البِناءَ بالجِصِّ يَعْقِدُه عَقْداً: أَلْزَقَهُ.
والعَقْدُ: ما عَقَدْتَ من البِناءِ، والجمع أَعْقادٌ وعُقودٌ. وعَقَدَ:
بنى عَقْداً. والعَقْدُ: عَقْدُ طاقِ البناءِ، وقد عَقَّدَه البَنَّاءُ
تَعْقِيداً. وتَعَقَّدَ القوْسُ في السماء إِذا صار كأَنه عَقْد مَبْنّي.
وتَعَقَّدَ السَّحابُ: صار كالعقد المبني. وأَعقادُه: ما تعَقَّدَ منه،
واحدها عَقْد. والمَعْدِدُ: المَفْصِلُ.
والأَعْقَدُ من التُّيوس: الذي في قَرْنِه الْتِواء، وقيل: الذي في قرنه
عُقْدة، والاسم العَقَد. والذئبُ الأَعْقَدُ: المُعْوَجُّ. وفحل
أَعْقَدُ إِذا رفع ذَنَبَه، وإِنما يفعل ذلك من النشاط.
وظبية عاقد: انعقد طرَفُ ذنبها، وقيل: هي العاطف، وقيل: هي التي رفعت
رأْسها حذراً على نفسها وعلى ولدها.
والعَقْداءُ من الشاء: التي ذنبها كأَنه معقود. والعَقَدُ: التواءٌ في
ذنَب الشاة يكون فيه كالعُقْدة؛ شاةٌ أَعْقَدُ وكَبْشٌ أَعْقد وكذلك ذئب
أَعقد وكلب أَعقد؛ قال جرير:
تَبُول على القَتادِ بناتُ تَيْمٍ،
مع العُقَدِ النَّوابحِ في الدِّيار
وليس شيءٌ أَحَبَّ إِلى الكلب من أَن يبول على قَتادةٍ أَو على
شُجَيْرَةٍ صغيرة غيرها. والأَعْقَدُ: الكلب لانعقاد ذنبه جعلوه اسماً له
معروفاً. وكلُّ مُلْتَوي الذنَب أَعْقَدُ. وعُقْدَة الكلب: قضيبه وإِنما قيل
عُقدة إِذا عَقَدَت عليه الكلبةُ فانتفخ طَرَفه.
والعَقَدُ: تَشبُّثُ ظبيةِ اللَّعْوَةِ ببُسْرَة قَضِيبِ له
الثَّمْثَم، والثمثمُ كلب الصَّيْد، واللعوة: الأُنثى، وظَبْيَتَهُا: حَياؤُها.
وتعاقدت الكلابُ: تَعاظَلَتْ؛ وسمى جرير الفرزدقَ عُقْدانَ، إِما على
التشبيه له بالكلب الأَعْقَدِ الذنبِ، وإِما على التشبيه بالكلب المُتعَقِّدِ
مع الكلبة إِذا عاظَلَها، فقال:
وما زِلْتَ يا عُقْدانُ صاحِبَ سَوْأَةٍ،
تُناجِي بها نَفْساً لَئِيماً ضَمِيرُها
وقال أَبو منصور: لقبه عُقْدانَ لِقِصَرِه؛ وفيه يقول:
يا لَيْتَ شِعْرى ما تَمَنَّى مُجاشِعٌ،
ولم يَتَّرِكْ عُقْدانُ لِلقَوْسِ مَنْزَعا
أَي أَعرَقَ في النَّزْع ولم يَدَعْ للصلح موضعاً. وإِذا أَرْتَجَتِ
الناقةُ على ماءِ الفحل فهي عاقِدٌ، وذلك حين تَعْقِدُ بذنبها فَيُعْلَمُ
أَنها قد حملت وأَقرت باللِّقاحِ. وناقة عاقد: تعقد بذَنَبِها عند
اللِّقاح؛ أَنشد ابن الأَعرابي:
جِمالٌ ذاتُ مَعْجَمَةٍ، وبُزْلٌ
عَواقِدُ أَمْسَكَتْ لَقَحاً وحُولُ
وظَبْيٌ عاقِدٌ: واضِعً عُنَقَه على عَجُزه، قد عطَفَه للنوم؛ قال ساعدة
بن جؤية:
وكأَنما وافاكَ، يومَ لَقِيتَها،
من وحشِ مكةَ عاقِدٌ مُتَرَبِّبُ
والجمع العَواقِدُ؛ قال النابغة الذبياني:
حِسان الوُجوهِ كالظباءِ العَواقِد
وهي العواطِفُ أَيضاً. وجاءَ عاقِداً عُنُقَه أَي لاوياً لها من
الكِبْر. وفي الحديث: من عَقَدَ لِحْيَتَه فإِن محمداً بَرِيءٌ منه؛ قيل: هو
معالجتها حتى تَنْعَقِد وتَتَجَعَّد، وقيل: كانوا يَعْقِدونها في الحروب
فأَمرهم بإِرسالها، كانوا يفعلون ذلك تكبراً وعُجْباً. وعقدَ العسلُ
والرُّبُّ ونحوُهما يَعْقِدُ وانعَقَدَ وأَعْقَدْتُه فهو مُعْقَدٌ وعَقِيد:
غَلُظَ؛ قال المتلمس في ناقة له:
أُجُدٌ إِذا اسْتَنْفَرْتَها مِن مَبْرَكٍ
حَلَبَتْ مَغَابِنَها بِرُبٍّ مِعْقَدِ
وكذلك عَقيدُ عَصير العنب. وروى بعضهم: عَقَّدْتُ العسلَ والكلامَ
أَعْقَدْتُ؛ وأَنشد:
وكان رُبًّا أَوْ كُحَيْلاً مُعْقَدا
قال الكسائي: ويقال للقطران والربّ ونحوه: أَعْقَدْتُه حتى تَعَقَّد.
واليَعْقِيدُ: عسل يُعْقَدُ حتى يَخْثُرَ، وقيل: اليَعْقِيدُ طعامٌ
يُعْقَدُ بالعسل.
وعُقْدَةِ اللسان. ما غُلظَ منه. وفي لسانه عُقْدَةٌ وعَقَدٌ أَي
التِواء. ورجل أَعْقَدُ وعَقِدٌ: في لسانه عُقْدَة أَو رَتَجٌ؛ وعَقِدَ لسانهُ
يَعْقَدُ عَقَداً.
وعَقَّد كلامَه: أَعوَصَه وعَمَّاه. وكلامٌ مُعَقَّدٌ أَي مُغَمَّضٌ.
وقال إِسحق بن فرج: سمعت أَعرابيّاً يقول: عَقَدَ فلانُ بن فلان عُنقَه
إِلى فلان إِذا لجأَ إِليه وعَكَدَها. وعَقَدَ قَلْبه على الشيء: لَزِمَه،
والعرب تقول: عَقَد فلان ناصيته إِذا غضب وتهيأَ للشر؛ وقال ابن مقبل:
أَثابُوا أَخاهُمْ، إِذْ أَرادُوا زِيالَه
بأَسْواطِ قِدٍّ، عاقِدِينَ النَّواصِيا
وفي حديث: الخيلُ مَعقودٌ في نواصيها الخيْرُ أَي ملازم لها كأَنه معقود
فيها. وفي حديث الدعاء: لك من قلوبنا عُقْدَةُ النَّدم؛ يريد عَقْدَ
العزم على الندامة وهو تحقيق التوبة. وفي الحديث: لآمُرَنَّ براحلتي
تُرْحَلُ ثم لا أَحُلُّ لها عُقْدةً حتى أَقدَمَ المدينة أَي لا أَحُلُّ عزمي
حتى أَقدَمَها؛ وقيل: أَراد لا أَنزل عنها فأَعقلها حتى أَحتاج إِلى حل
عقالها. وعُقْدَة النكاحِ والبيعِ: وجوبهما؛ قال الفارسي: هو من الشدّ
والربط، ولذلك قالوا: إِمْلاكُ المرأَةِ، لأَن أَصل هذه الكلمة أَيضاً
العَقْدُ، قيل إِملاك المرأَة كما قيل عقدة النكاح؛ وانعَقدَ النكحُ بين الزوجين
والبيعُ بين المتبابين. وعُقْدَةُ كلِّ شيءٍ: إِبرامه. وفي الحديث: مَن
عقدَ الجِزْية في عنقه فقد بَرِيءَ مما جاءَ به رسول الله، صلى الله عليه
وسلم؛ عَقْدُ الجِزْيةِ كناية عن تقريرها على نفسه كما تعقد الذمة
للكتابي عليها. واعتقدَ الشيءُ: صَلُبَ واشتد.
وتَعَقَّد الإِخاءُ: استحكم مثل تَذَلَّلَ. وتَعَقَّدَ الثَّرَى:
جَعُدَ. وثَرًى عَقِدٌ على النسَبِ: مُتجَمِّدٌ. وعقدَ الشحمُ يعقِدُ: انبنى
وظهر.
والعَقِدُ: المتراكِمُ من الرمل، واحده عَقِدَة والجمع أَعقادٌ.
والعَقَدُ لغة في العَقِدِ؛ وقال هميان:
يَفْتَحُ طُرْقَ العَقِدِ الرَّواتِجا
لكثرة المطر. والعَقدُ: ترطُّبُ الرمل من كثرة المطر. وجمل عَقِدٌ:
قويّ. ابن الأَعرابي: العَقِدُ الجمل القصير الصبور على العمل. ولئيم أَعقد:
عسر الخُلُق ليس بسهل؛ وفلان عَقِيدُ الكرَم وعَقِيدُ اللُّؤْمِ.
والعَقَدُ في الأَسنان كالقادِحِ. والعاقِدُ: حريم البئر وما حوله.
والتَّعَقُّدُ في البئر: أَن يَخْرخَ أَسفَلُ الطيِّ ويدخل أَعلاه إِلى جِرابها،
وجِرابُها اتساعها. وناقة مَعْقُودَةُ القَرا: مُوَثَّقَهُ الظهر؛ وجمل
عَقْدٌ؛ قال النابغة:
فكيْفَ مَزارُها إِلا بِعَقْدٍ
مُمَرٍّ، ليس يَنْقُضُه الخَو ون؟
المراد الحَبْلُ وأَراد به عَهْدَها. والعُقْدَةُ: الضَّيْعَةُ.
واعتَقَدَ أَيضاً: اشتراها. والعُقْدة: الأَرض الكثيرة الشجر وهي تكون من
الرِّمْثِ والعَرْفَجِ، وأَنكرها بعضهم في العرفج، وقيل: هو المكان الكثير
الشجر والنخل؛ وفي الحديث: فعدلت عن الطريق فإِذا بعقدة من شجر أَي بقعة
كثيرة الشجر؛ وقيل: العقدة من الشجر ما يكفي الماشية؛ وقيل: هي من الشجر ما
اجتمع وثبت أَصله يريد الدوامَ. وقولهم؛ آلَفُ من غُرابِ عُقْدَة؛ قال ابن
حبيب: هي أَرض كثيرة النخيل لا يطيرُ غُرابُها. وفي الصحاح: آلفُ من
غُراب عُقْدة لأَنه لا يُطَيَّرُ. والعُقْدَة: بقية المَرْعَى، والجمع
عُقَدٌ وعِقادٌ. وفي أَرض بني فلان عَقْدة تكفيهم سنتهم، يعني مكاناً ذا شجر
يرعونه. وكل ما يعتقده الإِنسان من العقار، فهو عقدة له. واعتقد ضَيْعة
ومالاً أَي اقتناهما. وقال ابن الأَنباري: في قولهم لفلان عُقْدة، العقدة
عند العرب الحائط الكثير النخل. ويقال للقَرْية الكثيرة النخل: عُقْدة،
وكأَنّ الرجل إِذا اتخذ ذلك فقد أَحكم أَمره عند نفسه واستوثق منه، ثم
صيروا كل شيء يستوثق الرجل به لنفسه ويعتمد عليه عُقْدة. ويقال للرجل إِذا
سكن غضبه: قد تحللت عُقَدُه. واعتقد كذا بقلبه وليس له معقودٌ أَي عقدُ
رأْي. وفي الحديث: أَن رجلاً كان يبايع وفي عُقْدته ضعف أَي في رأْيه ونظره
في مصالح نفسه. والعَقَدُ والعَقَدانُ: ضرب من التمر.
والعَقِدُ، وقيل العَقَد: قبيلة من اليمن ثم من بني عبد شمس بن سعد.
وبنو عَقِيدَةَ: قبيلة من قريش. وبنو عَقِيدَةَ: قبيلة من العرب. والعُقُدُ:
بطون من تميم. وقيل: العَقَدُ قبيلة من العرب يُنْسَبُ إِليهم
العَقَدِيُّ. والعَقَدُ: من بني يربوع خاصة؛ حكاه ابن الأَعرابي. قال: واللبَّكُ
بنو الحرث بن كعب ما خلا مِنْقَراً، وذِئابُ الغضا بنو كعب بن مالك بن
حَنْظَلَة.
والعُنْقُودُ: واحد عناقِيدِ العنب، والعِنقادُ لغة فيه؛ قل الراجز:
إِذ لِمَّتي سَوْداء كالعِنْقادِ
والعُقْدَةُ من المَرْعَى: هي الجَنْبَةُ ما كان فيها من مَرْعَى عام
أَوّلَ، فهو عُقْدَةٌ وعُرْوَةٌ فهذا من الجَنْبَة، وقد يضطرُّ المالُ إلى
الشجر، ويسمى عقدة وعروة فإِذا كانت الجنبة لم يقل للشجر عقدة ولا عروة؛
قال: ومنه سميت العُقْدَة؛ وقال الرقاع العاملي:
خَضَبَتْ لها عُقَدُ البِراقِ جَبينَها،
مِن عَرْكِها عَلَجانَها وعَرادَها
وفي حديث ابن عمرو: أَلم أَكن أَعلم السباعَ ههنا كثيراً؟ قيل: نعم
ولكنها عُقِدَت فهي تخالط البهائم ولا تَهِيجُها أَي عُولِجَتْ بالأُخَذِ
والطلمسات كما يعالج الرومُ الهوامَّ ذواتِ السموم، يعني عُقِدت ومُنِعتْ
أَن تضر البهائم. وفي حديث أَبي موسى: أَنه كسا في كفَّارة اليمين ثوبين
ظَهْرانِيًّا ومُعَقَّداً؛ المُعَقَّدُ: ضرب من برودِ هَجَرَ.
ذهب: الذَّهابُ: السَّيرُ والـمُرُورُ؛ ذَهَبَ يَذْهَبُ ذَهاباً
وذُهوباً فهو ذاهِبٌ وذَهُوبٌ.
والـمَذْهَبُ: مصدر، كالذَّهابِ.
وذَهَبَ به وأَذهَبَه غيره: أَزالَه. ويقال: أَذْهَبَ
به، قال أَبو إِسحق: وهو قليل. فأَمـَّا قراءة بعضهم: يَكادُ سَنا بَرْقِهِ يُذْهِبُ بالأَبْصار، فنادِرٌ. وقالوا: ذَهَبْتُ الشَّامَ، فعَدَّوْهُ بغيرِ حرفٍ، وإِن كان الشامُ ظَرْفاً مَخْصُوصاً شَبَّهوه بالمكان الـمُبْهَم، إِذ كان يَقَعُ عليه المكانُ والـمَذْهَبُ. وحكى اللحياني: إِنَّ الليلَ طوِيلٌ، ولا يَذْهَبُ بنَفْسِ أَحدٍ منَّا، أَي لا ذَهَب.
والـمَذْهَب: الـمُتَوَضَّـأُ، لأَنـَّهُ يُذْهَبُ إِليه. وفي الحديث: أَنَّ النبي، صلى اللّه عليه وسلّم، كان إِذا أَراد الغائطَ أَبْعَدَ في الـمَذْهَبِ، وهو مَفْعَلٌ من الذَّهابِ.
الكسائي: يقالُ لـمَوضع الغائطِ: الخَلاءُ، والـمَذْهَب، والـمِرْفَقُ،
والـمِرْحاضُ.
والـمَذْهَبُ: الـــمُعْتَقَد الذي يُذْهَبُ إِليه؛ وذَهَب فلانٌ لِذَهَبِه أَي لـمَذْهَبِه الذي يَذْهَبُ فيه. وحَكى اللحياني عن الكسائي: ما
يُدْرَى له أَينَ مَذْهَبٌ، ولا يُدْرَى لَهُ ما مَذْهَبٌ أَي لا يُدْرَى
أَين أَصلُه. ويقال: ذَهَبَ فُلانٌ مَذْهَباً حَسَناً. وقولهم به: مُذْهَب،
يَعْنون الوَسْوَسَة في الماءِ، وكثرة استعمالِه في الوُضوءِ. قال
الأَزْهَرِيُّ: وأَهلُ بَغدادَ يقولون للـمُوَسْوِسِ من الناس: به
الـمُذْهِبُ، وعَوَامُّهم يقولون: به الـمُذْهَب، بفَتح الهاء، والصواب
الـمُذْهِبُ.والذَّهَبُ: معروفٌ، وربما أُنِّثَ. غيره: الذَّهَبُ التِّبْرُ،
القِطْعَةُ منه ذَهَبَة، وعلى هذا يُذَكَّر ويُؤَنَّث، على ما ذُكر في الجمعِ الذي لا يُفارِقُه واحدُه إِلاَّ بالهاءِ. وفي حديث عليٍّ، كرّم اللّه وجهه: فبَعَثَ من اليَمَنِ بذُهَيْبَة. قال ابن الأَثير: وهي تصغير ذَهَبٍ، وأَدْخَلَ الهاءَ فيها لأَنَّ الذَّهَب يُؤَنَّث، والـمُؤَنَّث الثُّلاثيّ إِذا صُغِّرَ أُلْـحِقَ في تصغيرِه الهاءُ، نحو قُوَيْسَةٍ وشُمَيْسَةٍ؛ وقيل: هو تصغيرُ ذَهَبَةٍ، على نِـيَّةِ القِطْعَةِ منها، فصَغَّرَها على لفظِها؛ والجمع الأَذْهابُ والذُّهُوبُ. وفي حديث عليّ، كرّم اللّه تعالى وجهه: لو أَرادَ اللّه أَن يَفْتَحَ لهم كنوزَ الذِّهْبانِ، لفَعَل؛ هو جمعُ ذَهَبٍ، كبَرَقٍ وبِرْقانٍ، وقد يجمع بالضمِّ، نحو حَمَلٍ وحُمْلانٍ.
وأَذْهَبَ الشيءَ: طلاه بالذَّهَبِ.
والـمُذْهَبُ: الشيءُ الـمَطْليُّ بالذَّهَب؛ قال لبيد:
أَوْ مُذْهَبٌ جَدَدٌ، على أَلْواحِهِ * أَلنَّاطِقُ الـمَبْرُوزُ والـمَخْتُومُ
ويروى: على أَلواحِهِنَّ النَّاطِقُ، وإِنما عَدَل عن ذلك بعض الرُّواةِ اسْتِـيحاشاً من قَطْعِ أَلِفِ الوَصْل، وهذا جائِزٌ عند سيبويه في الشِّعْرِ، ولاسِـيَّـما في الأَنْصافِ، لأَنها مواضِعُ فُصُولٍ.
وأَهلُ الـحِجازِ يقولون: هي الذَّهَبُ، ويقال نَزَلَت بلُغَتِهِم:
والذين يَكنِزُونَ الذَّهَبَ والفضة، ولا يُنْفِقونها في سبيل اللّه؛ ولولا ذلك، لَغَلَبَ الـمُذَكَّرُ الـمُؤَنَّثَ. قال: وسائِرُ العَرب يقولون: هو الذَّهَب؛ قال الأَزهري: الذَّهب مُذَكَّر عندَ العَرَب، ولا يجوزُ
تأْنِـيثُه إِلا أَنْ تَجْعَلَهُ جَمْعاً لذَهَبَةٍ؛ وأَما قوله عزَّ وجلَّ: ولا يُنْفِقُونَها، ولم يَقُلْ ولا يُنْفِقُونَه، ففيه أَقاويل: أَحَدُها أَنَّ المعنى يَكْنزُون الذَّهَبَ والفِضَّة، ولا يُنْفِقُونَ الكُنُوزَ في سَبِـيلِ اللّه؛ وقيل: جائِزٌ أَن يكونَ مَحْمولاً على الأَمْوالِ فيكون: ولا يُنْفِقُونَ الأَموال ؛ ويجوز أن يَكونَ: ولا يُنْفِقُونَ الفِضَّة، وحذف الذَّهب كأَنه قال: والذين يَكْنِزُونَ الذَّهَب ولا يُنْفِقُونَه، والفِضَّة ولا يُنْفِقُونَها، فاخْتُصِرَ الكَلام، كما قال:
واللّه ورسولُه أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوه، ولم يَقُلْ يُرْضُوهُما.
وكُلُّ ما مُوِّهَ بالذَّهَبِ فقَدْ أُذْهِبَ، وهو مُذْهَبٌ، والفاعل مُذْهِبٌ.
والإِذْهابُ والتَّذْهِـيبُ واحدٌ، وهو التَّمويهُ بالذَّهَب.
ويقال: ذَهَّبْتُ الشيءَ فهو مُذَهَّب إِذا طَلَيْتَه بالذَّهَبِ. وفي حديث جرير وذِكْرِ الصَّدَقَةِ: حتى رَأَيْتُ وَجْهَ رَسُولِ اللّه، صلّى اللّه عليه وسلّم، يَتَهَلَّل كأَنـَّه مُذْهَبَةٌ؛ كذا جاءَ في سنن النسائي وبعضِ طُرُقِ مُسْلم، قال: والرواية بالدال المهملة والنون،
وسيأْتي ذكره؛ فَعَلى قوله مُذْهَبَةٌ، هو من الشيءِ الـمُذْهَب، وهو
الـمُمَوَّه بالذَّهَبِ، أَو هو من قولهم: فَرَس مُذْهَبٌ إِذا عَلَتْ
حُمْرَتَه صُفْرَةٌ، والأُنْثَى مُذْهَبَة، وإِنما خَصَّ الأُنْثَى بالذِّكْرِ
لأَنـَّها أَصْفَى لَوْناً وأَرَقُّ بَشَرَةً.
ويقال: كُمَيْتٌ مُذْهَب للَّذي تَعْلُو حُمْرَتَه صُفْرَة، فإِذا اشتَدَّتْ حُمْرَتُه، ولم تَعْلُه صُفْرَةٌ، فهو الـمُدَمَّى، والأُنْثى مُذْهَبَة. وشيءٌ ذَهِـيبٌ مُذْهَبٌ؛ قال: أُراه على تَوَهُّم حَذْفِ الزِّيادَةِ؛ قال حُمَيْدُ بنُ ثَوْرٍ:
مُوَشَّحَة الأَقْرابِ، أَمـَّا سَرَاتُها * فَمُلْسٌ، وأَمـَّا جِلْدُها فَذَهِـيبُ
والـمَذَاهِبُ: سُيُورٌ تُـمَوَّه بالذَّهَبِ؛ قال ابن السّكيت، في قول
قيس بن الخَطِـيم:
أَتَعْرفُ رَسْماً كاطِّرَادِ الـمَذَاهِبِ
الـمَذاهِبُ: جُلُودٌ كانت تُذْهَب، واحِدُها مُذْهَبٌ، تُجْعَلُ فيه
خُطوطٌ مُذَهَّبة، فيرى بَعْضُها في أَثرِ بَعْضٍ، فكأَنها مُتَتابِعَةٌ؛
ومنه قول الهذلي:
يَنْزِعْنَ جِلْدَ الـمَرْءِ نَزْ * عَ القَينِ أَخْلاقَ الـمَذَاهِبْ
يقول: الضِّباع يَنزِعْنَ جِلْدَ القَتِـيل، كما يَنزِعُ القَين خِلَل
السُّيُوف. قال، ويقالُ: الـمَذاهِبُ البُرود الـمُوَشَّاةُ، يقال: بُرْدٌ
مُذْهَبٌ، وهو أَرْفَعُ الأَتحَمِـيِّ.
وذَهِبَ الرجلُ، بالكسر، يَذْهَبُ ذَهَباً فهو ذَهِبٌ: هَجَمَ في الـمَعْدِن على ذَهبٍ كثير، فرآه فَزَالَ عقلُه، وبَرِقَ بَصَره من كثرة
عِظَمِه في عَيْنِه، فلم يَطْرِفْ؛ مُشْتَقٌّ من الذهب؛ قال الرَّاجز:
ذَهِبَ لـمَّا أَن رآها تَزْمُرَهْ
وفي رواية(1) :
(1 قوله «وفي رواية إلخ» قال الصاغاني في التكملة الرواية:
«ذهب لما أن رآها تزمرة» وهذا صريح في أنه ليس فيه رواية أخرى.)
ذَهِبَ لـمَّا أَن رآها ثُرْمُلَهْ،
وقال: يا قَوْمِ، رأَيتُ مُنْكرَهْ:
شَذْرَةَ وادٍ، ورأَيتُ الزُّهَرَهْ
وثُرْمُلَة: اسمُ رجل. وحكى ابن الأَعرابي: ذِهِبَ، قال: وهذا عندنا مُطَّرِدٌ إِذا كان ثانيهِ حَرْفاً من حُروفِ الـحَلْقِ، وكان الفعْل مكسور الثاني، وذلك في لغة بني تميمٍ؛ وسمعه ابن الأَعرابي فظَنَّه غيرَ مُطَّرِدٍ في لغتِهِم، فلذلك حكاه. والذِّهْبةُ، بالكسر، الـمَطْرَة، وقيل: الـمَطْرةُ الضَّعيفة، وقيل: الجَوْدُ، والجمع ذِهابٌ؛ قال
ذو الرُّمة يصف روضة:
حَوَّاءُ، قَرْحاءُ، أَشْراطِـيَّة، وكَفَتْ * فيها الذِّهابُ، وحفَّتْها البراعيمُ
وأَنشد الجوهري للبعيث:
وذي أُشُرٍ، كالأُقْحُوانِ، تَشُوفُه * ذِهابُ الصَّبَا، والـمُعْصِراتُ الدَّوالِـحُ
وقيل: ذِهْبةٌ للـمَطْرة، واحدَةُ الذِّهاب. أَبو عبيد عن أَصحابه:
الذِّهابُ الأَمْطارُ الضَّعيفة؛ ومنه قول الشاعر:
تَوَضَّحْنَ في قَرْنِ الغَزَالَةِ، بَعْدَمَا * تَرَشَّفْنَ دِرَّاتِ الذِّهابِ الرَّكائِكِ
وفي حديث عليّ، رضي اللّه عنه، في الاستسقاء: لا قَزَعٌ رَبابُها، ولا شِفّانٌ ذِهابُها؛ الذِّهابُ: الأَمْطارُ اللَّـيِّـنة؛ وفي الكلام مُضافٌ محذوف تقديرُه: ولا ذَاتُ شِفّانٍ ذِهابُها.
والذَّهَب، بفتح الهاءِ: مِكيالٌ معروفٌ لأَهْلِ اليَمَن، والجمع ذِهابٌ
وأَذهابٌ وأَذاهِـيبُ، وأَذاهِبُ جمع الجمع. وفي حديث عِكرمة أَنه قال: في أَذاهِبَ من بُرٍّ وأَذاهِبَ من شَعِـيرٍ، قال: يُضَمُّ بعضُها إِلى بعضٍ فتُزَكَّى. الذَّهَبُ: مِكيالٌ معروفٌ لأَهلِ اليمنِ، وجمعُه
أَذهابٌ، وأَذاهِبُ جمعُ الجمع.
والذِّهابُ والذُّهابُ: موضعٌ، وقيل: هو جبلٌ بعَيْنه؛ قال أَبو دواد:
لِـمَنْ طَلَلٌ، كعُنْوانِ الكتابِ، * ببَطْنِ لُواقَ، أَو بَطْنِ الذُّهابِ
ويروى: الذِّهابِ.
وذَهْبانُ: ابو بَطْنٍ.
وذَهُوبُ: اسم امرأَةٍ.
والـمُذْهِبُ: اسمُ شيطانٍ؛ يقالُ هو من وَلد ابليسَ، يَتَصَوَّر
للقُرَّاءِ، فيَفْتِنهُم عند الوضوءِ وغيرِه؛ قال ابن دُرَيْد: لا أَحسبُه
عَرَبِـيّاً.
رأي: الرُّؤيَة بالعَيْن تَتَعدَّى إلى مفعول واحد، وبمعنى العِلْم
تتعدَّى إلى مفعولين؛ يقال: رأَى زيداً عالماً ورَأَى رَأْياً ورُؤْيَةً
ورَاءَةً مثل راعَة. وقال ابن سيده: الرُّؤيَةُ النَّظَرُ بالعَيْن والقَلْب.
وحكى ابن الأَعرابي: على رِيَّتِكَ أَي رُؤيَتِكَ، وفيه ضَعَةٌ،
وحَقيقَتُها أَنه أَراد رُؤيَتك فَأبْدَلَ الهمزةَ واواً إبدالاً صحيحاً فقال
رُويَتِك، ثم أَدغَمَ لأَنَّ هذه الواوَ قد صارت حرفَ علَّة لمَا سُلِّط
عليها من البَدَل فقال رُيَّتِك، ثم كَسَرَ الراءَ لمجاورة الياء فقال
رِيَّتِكَ. وقد رَأَيْتُه رَأْيَةً ورُؤْيَة، وليست الهاءُ في رَأْية هنا
للمَرَّة الواحدة إنما هو مصدَرٌ كَرُؤيةٍ، إلاَّ أَنْ تُرِيدَ المَرَّةَ
الواحدة فيكون رَأَيْته رَأْية كقولك ضَرَبْتُه ضربة، فأَمَّا إذا لم تُردْ
هذا فرأْية كرؤْية ليست الهاءُ فيها للوَحْدَة. ورَأَيْته رِئْيَاناً:
كرُؤْية؛ هذه عن اللحياني، وَرَيْته على الحَذْف؛ أَنشد ثعلب:
وَجنْاء مُقْوَرَّة الأَقْرابِ يَحْسِبُها
مَنْ لَمْ يَكُنْ قَبْلُ رَاهَا رأْيَةً جَمَلا
حَتَّى يَدُلَّ عَلَيْها خَلْقُ أَرْبَعةٍ
في لازِقٍ لاحِقِ الأَقْرابِ، فانْشَمَلا
خَلْقُ أَربعةٍ: يعني ضُمورَ أَخْلافها، وانْشَمَلَ: ارْتَفَعَ
كانْشمرَ، يقول: من لم يَرَها قبلُ ظَنَّها جَمَلاً لِعظَمها حتي يَدلَّ ضُمورُ
أَخْلافِها فيَعْلَم حينئذ أَنها ناقة لأَن الجمل ليس له خِلْفٌ؛ وأَنشد
ابن جني:
حتى يقول من رآهُ إذْ رَاهْ:
يا وَيْحَه مِنْ جَمَلٍ ما أَشْقاهْ
أَراد كلَّ من رآهُ إذْ رآهُ، فسَكَّنَ الهاءَ وأَلقَى حركةَ الهمزة؛
وقوله:
مَنْ رَا مِثْلَ مَعْمدانَ بنِ يَحْيَى،
إذا ما النِّسْعُ طال على المَطِيَّهْ؟
ومَنْ رَامثلَ مَعْدانَ بن يَحْيَى،
إذا هَبَّتْ شآمِيَةٌ عَرِيَّهْ؟
أَصل هذا: من رأَى فخفَّف الهمزة على حدّ: لا هَناك المَرْتَعُ، فاجتمعت
أَلفان فحذف إحداهما لالتقاء الساكنين؛ وقال ابن سيده: أَصله رأَى
فأَبدل الهمزة ياء كما يقال في سأَلْت سَيَلْت، وفي قرأْت قَرَيْت، وفي
أَخْطأْت أَخْطَيْت، فلما أُبْدِلت الهمزة التي هي عين ياء أَبدلوا الياء
أَلفاً لتحركها وانفتاح ما قبلها، ثم حذفت الأَلف المنقلبة عن الياء التي هي
لام الفعل لسكونها وسكون الأَلف التي هي عين الفعل؛ قال: وسأَلت أَبا علي
فقلت له من قال:
مَنْ رَا مِثْلَ مَعْدانَ بنِ يَحْيَى
فكيف ينبغي أَن يقول فعلت منه فقال رَيَيْت ويجعله من باب حييت وعييت؟
قال: لأَن الهمزة في هذا الموضع إذا أُبدلت عن الياء تُقلب، وذهب أَبو علي
في بعض مسائله أَنه أَراد رأَى فحذَفَ الهمزةَ كما حذفها من أَرَيْت
ونحوه، وكيف كان الأَمر فقد حذفت الهمزة وقلبت الياء أَلفاً، وهذان إعلالان
تواليا في العين واللام؛ ومثله ما حكاه سيبويه من قول بعضهم: جَا يَجِي،
فهذا إبدال العين التي هي ياء أَلفاً وحذف الهمزة تخفيفاً، فأَعلّ اللام
والعين جميعاً. وأَنا أَرَأُهُ والأَصلُ أَرْآهُ، حذَفوا الهمزةَ
وأَلْقَوْا حَرَكَتها على ما قبلَها. قال سيبويه: كلُّ شيءٍ كانت أَوَّلَه
زائدةٌ سوى أَلف الوصل من رأَيْت فقد اجتمعت العرب على تخفيف همزه، وذلك لكثرة
استعمالهم إياه، جعلوا الهمزةَ تُعاقِب، يعني أَن كل شيءٍ كان أَوّلُه
زائدةً من الزوائد الأَربع نحو أَرَى ويَرَى ونرَى وتَرَى فإن العرب لا
تقول ذلك بالهمز أَي أَنَّها لا تقول أَرْأَى ولا يَرْأَى ولا نَرْأَى ولا
تَرْأَى، وذلك لأَنهم جعلوا همزة المتكلم في أَرَى تُعاقِبُ الهمزةَ التي
هي عين الفعل، وهي همزةُ أَرْأَى حيث كانتا همزتين، وإن كانت الأُولى
زائدةً والثانية أَصليةً، وكأَنهم إنما فرُّوا من التقاء همزتين، وإن كان
بينهما حرف ساكن، وهي الراء، ثم أَتْبعوها سائرَ حروفِ المضارعة فقالوا
يَرَى ونَرَى وتَرَى كما قالوا أَرَى؛ قال سيبويه: وحكى أَبو الخطاب قدْ
أَرْآهم، يَجيءُ به على الأَصل وذلك قليل؛ قال:
أَحِنُّ إذا رَأيْتُ جِبالَ نَجْدٍ،
ولا أَرْأَى إلى نَجْدٍ سَبِيلا
وقال بعضهم: ولا أَرَى على احتمال الزَّحافِ؛ قال سُراقة البارقي:
أُرِي عَيْنَيَّ ما لم تَرْأَياهُ،
كِلانا عالِمٌ بالتُّرَّهاتِ
وقد رواه الأَخفش: ما لم تَرَياهُ، على التخفيف الشائع عن العرب في هذا
الحرف. التهذيب: وتقول الرجلُ يَرَى ذاكَ، على التخفيف، قال: وعامة كلام
العرب في يَرَى ونَرَى وأرَى على التخفيف، قال: ويعضهم يحقِّقُه فيقول،
وهو قليل، زيدٌ يَرْأَى رَأْياً حَسَناً كقولك يرعى رَعْياً حَسَناً،
وأَنشد بيت سراقة البارقي. وارْتَأَيْتُ واسْتَرْأَيْت: كرَأَيْت أَعني من
رُؤية العَين. قال اللحياني: قال الكسائي اجتمعت العرب على همز ما كان من
رَأَيْت واسْتَرْأَيْت وارْتَأََيْت في رُؤْية العين، وبعضهم يَترُك الهمز
وهو قليل، قال: وكل ما جاء في كتاب الله مَهمُوزٌ؛ وأَنشد فيمن خفف:
صاحِ، هَلْ رَيْتَ، أَو سَمِعتَ بِراعٍ
رَدَّ في الضَّرْعِ ما قَرَى في الحِلابِ؟
قال الجوهري: وربما جاء ماضيه بلا هَمزٍ، وأَنشد هذا البيت أَيضاً:
صاحِ، هَلْ رَيْتَ، أَو سَمِعتَ
ويروى: في العلاب؛ ومثله للأَحوص:
أَوْ عَرَّفُوا بصَنِيعٍ عندَ مَكْرُمَةٍ
مَضَى، ولم يَثْنِه ما رَا وما سَمِعا
وكذلك قالوا في أَرَأَيْتَ وأَرَأَيْتَكَ أَرَيْتَ وأَرَيْتَك، بلا همز؛
قال أَبو الأَسود:
أَرَيْتَ امرَأً كُنْتُ لم أَبْلُهُ
أَتاني فقال: اتَّخِذْني خَلِيلا
فترَك الهمزةَ، وقال رَكَّاضُ بنُ أَبَّاقٍ الدُّبَيْري:
فقُولا صادِقَيْنِ لزَوْجِ حُبَّى
جُعلْتُ لها، وإنْ بَخِلَتْ، فِداءَ
أَرَيْتَكَ إنْ مَنَعْتَ كلامَ حُبَّى،
أَتَمْنَعُني على لَيْلى البُكاءَ؟
والذي في شعره كلام حبَّى، والذي رُوِيَ كلام لَيْلى؛ ومثله قول الآخر:
أَرَيْتَ، إذا جالَتْ بكَ الخيلُ جَوْلةً،
وأَنتَ على بِرْذَوْنَةٍ غيرُ طائِلِ
قال: وأَنشد ابن جني لبعض الرجاز:
أَرَيْتَ، إنْ جِئْتِ به أُمْلُودا
مُرَجَّلا ويَلْبَسُ البُرُودا،
أَقائِلُنَّ أَحْضِرُوا الشُّهُودا
قال ابن بري: وفي هذا البيت الأَخير شذوذ، وهو لحاق نون التأكيد لاسم
الفاعل. قال ابن سيده: والكلامُ العالي في ذلك الهمزُ، فإذا جئتَ إلى
الأَفعال المستقبلة التي في أَوائلها الياء والتاء والنون والأَلف إجتمعت
العرب، الذين يهمزون والذين لا يهمزون، على ترك الهمز كقولك يَرَى وتَرَى
ونَرَى وأَرَى، قال: وبها نزل القرآن نحو قوله عز وجل: فتَرَى الذين في
قُلُوبِهِم مَرَض، وقوله عز وجل: فتَرَى القَوْمَ فيها صَرْعَى، وإنِّي أَرَى
في المَنامِ، ويَرَى الذين أُوتوا العلم؛ إلا تَيمَ الرِّباب فإنهم
يهمزون مع حروف المضارعة فتقول هو يَرْأَى وتَرْأَى ونَرْأَى وأَرْأَى، وهو
الأَصل، فإذا قالوا متى نَراك قالوا متى نَرْآكَ مثل نَرْعاك، وبعضٌ
يقلب الهمزة فيقول متى نَراؤكَ مثل نَراعُك؛ وأَنشد:
أَلا تلك جاراتُنا بالغَضى
تقولُ: أَتَرْأَيْنَه لنْ يضِيقا
وأَنشد فيمن قلب:
ماذا نَراؤُكَ تُغْني في أَخي رَصَدٍ
من أُسْدِ خَفَّانَ، جأْبِ الوَجْه ذي لِبَدِ
ويقال: رأَى في الفقه رأْياً، وقد تركت العرب الهمز في مستقبله لكثرته
في كلامهم، وربما احتاجت إليه فهَمَزَته؛ قال ابن سيده: وأَنشد شاعِرُ
تَيْمِ الرِّباب؛ قال ابن بري: هو للأَعْلم بن جَرادَة السَّعْدي:
أَلَمْ تَرْأَ ما لاقَيْت والدَّهْرُ أَعْصُرٌ،
ومن يَتَمَلَّ الدَّهْرَ يَرْأَ ويَسْمََعِ
قال ابن بري: ويروى ويَسْمَعُ، بالرفع على الاستئناف، لأَن القصيدة
مرفوعة؛ وبعده:
بأَنَّ عَزِيزاً ظَلَّ يَرْمي بحوزه
إليَّ، وراءَ الحاجِزَينِ، ويُفْرِعُ
يقال: أَفْرَعَ إذا أَخذَ في بطن الوادي؛ قال وشاهد ترك الهمزة ما
أَنشده أَبو زيد:
لمَّا اسْتَمَرَّ بها شَيْحانُ مُبْتَجِحٌ
بالبَيْنِ عَنْك بما يَرْآكَ شَنآنا
قال: وهو كثير في القرآن والشعر، فإذا جِئتَ إلى الأَمر فإن أَهل الحجاز
يَتْركون الهمز فيقولون: رَ ذلك، وللإثنين: رَيا ذلك، وللجماعة: رَوْا
ذلك، وللمرأَة رَيْ ذلك، وللإثنين كالرجلين، وللجمع: رَيْنَ ذاكُنَّ، وبنو
تميم يهمزون جميع ذلك فيقولون: ارْأَ ذلك وارْأَيا ولجماعة النساء
ارْأَيْنَ، قال: فإذا قالوا أَرَيْتَ فلاناً ما كان من أَمْرِه أَرَيْتَكُم
فلاناً أَفَرَيْتَكُم فلاناً فإنّ أَهل الحجاز بهمزونها، وإن لم يكن من
كلامهم الهمز، فإذا عَدَوْت أَهلَ الحجاز فإن عامَّة العَرب على ترك الهمز،
نحو أَرأَيْتَ الذي يُكَذِّبُ أَرَيْتَكُمْ، وبه قرأَ الكسائي تَرَك
الهمز فيه في جميع القرآن، وقالوا: ولو تَرَ ما أَهلُ مكة، قال أَبو علي:
أَرادوا ولو تَرى ما فَحَذَفُوا لكثرة الاسْتِعْمال. اللحياني: يقال إنه
لخَبِيثٌ ولو تَر ما فلانٌ ولو تَرى ما فلان، رفعاً وجزماً، وكذلك ولا تَرَ
ما فلانٌ ولا تَرى ما فُلانٌ
فيهما جميعاً وجهان: الجزم والرفع، فإذا قالوا إنه لَخَبِيثٌ ولم تَرَ
ما فُلانٌ قالوه بالجزم، وفلان في كله رفع وتأْويلُها ولا سيَّما فلانٌ؛
حكى ذلك عن الكسائي كله. وإذا أَمَرْتَ منه على الأَصل قلت: ارْءَ، وعلى
الحذف: را. قال ابن بري: وصوابه على الحذف رَهْ، لأَن الأَمر منه رَ
زيداً، والهمزة ساقطة منه في الاستعمال. الفراء في قوله تعالى: قُلْ
أَرَأَيْتَكُم، قال: العرب لها في أَرأَيْتَ لغتان ومعنيان: أَحدهما أَنْ يسأَلَ
الرجلُ الرجلَ: أَرأَيتَ زيداً بعَيْنِك؟ فهذه مهموزة، فإذا أَوْقَعْتَها
على الرجلِ منه قلت أَرَأَيْتَكَ على غيرِ هذه الحال، يريد هل رأَيتَ
نَفْسَك على غير هذه الحالة، ثم تُثَنِّي وتَجْمع فتقولُ للرجلين
أَرَأَيْتُماكُما، وللقوم أَرَأَيْتُمُوكُمْ، وللنسوة أَرأَيْتُنَّ كُنَّ، وللمرأَة
أَرأََيْتِكِ، بخفض التاءِ لا يجوز إلا ذلك، والمعنى الآخر أَنْ تقول
أَرأَيْتَكَ وأَنت تقول أَخْبِرْني، فتَهْمِزُها وتنصِب التاءَ منها
وتَتركُ الهمزَ إن شئت، وهو أَكثر كلام العرب، وتَتْرُكُ التاءَ مُوحَّدةً
مفتوحة للواحد والواحدة والجمع في مؤَنثه ومذكره، فنقول للمرأَة:
أَرَأَيْتَكِ زيداً هل خَرج، وللنسوة: أَرَأَيْتَكُنَّ زيداً ما فَعَل، وإنما تركت
العرب التاءَ واحدةً لأَنهم لم يريدوا أَن يكون الفعل منها واقعاً على
نفسها فاكتفوا بذكرها في الكاف ووجهوا التاء إلى المذكر والتوحيد إذا لم يكن
الفعل واقعاً، قال: ونحو ذلك قال الزجاج في جميع ما قال، ثم قال: واختلف
النحويون في هذه الكاف التي في أَرأَيتَكُمْ فقال الفراء والكسائي:
لفظها لفظُ نصبٍ وتأْويلُها تأْويلُ رَفْعٍ، قال: ومثلها الكاف التي في دونك
زيداً لأَنَّ المعنى خُذْ زيداً قال أَبو إسحق: وهذا القول لم يَقُلْه
النحويون القُدَماء، وهو خطَأٌ لأَن قولك أَرأَيْتَكَ زيداً ما شأْنُه
يُصَيِّرُ أَرَأَيْتَ قد تَعَدَّتْ إلى الكاف وإلى زيدٍ، فتصيرُ
(* قوله
«فتصير إلخ» هكذا بالأصل ولعلها فتنصب إلخ). أَرأَيْتَ اسْمَيْن فيصير المعنى
أَرأَيْتَ نفْسَكَ زيداً ما حالُه، قال:وهذا محال والذي إليه النحويون
الموثوق بعلمهم أَن الكاف لا موضع لها، وإنما المعنى أَرأَيْتَ زيداً ما
حالُه، وإنما الكاف زيادة في بيان الخطاب، وهي المعتمد عليها في الخطاب
فتقول للواحد المذكر: أَرَأَيْتَكَ زيداً ما حاله، بفتح التاء والكاف،
وتقول في المؤنث: أَرَأَيْتَك زيداً ما حالُه يا مَرْأَةُ؛ فتفتح التاء على
أَصل خطاب المذكر وتكسر الكاف لأَنها قد صارت آخرَ ما في الكلمة
والمُنْبِئَةَ عن الخطاب، فإن عدَّيْتَ الفاعل إلى المفعول في هذا الباب صارت
الكافُ مفعولةً، تقول: رأَيْتُني عالماً بفلان، فإذا سألت عن هذا الشرط قلتَ
للرجل: أَرَأَيْتَكَ عالماً بفلان، وللإثنين أَرأَيتُماكما عالَمْنِ
بفلان، وللجمع أَرَأَيْتُمُوكُمْ، لأَن هذا في تأْويل أَرأَيتُم أَنْفُسَكم،
وتقول للمرأَة: أَرأَيتِكِ عالمَة بفُلانٍ، بكسر التاء، وعلى هذا قياس
هذين البابين. وروى المنذري عن أَبي العباس قال: أَرأَيْتَكَ زيداً
قائماً، إذا اسْتَخْبَر عن زيد ترك الهمز ويجوز الهمز، وإذا استخبر عن حال
المخاطب كان الهمز الاختيار وجاز تَرْكُه كقولك: أَرَأَيْتَكَ نَفْسَك أَي ما
حالُك ما أَمْرُك، ويجوز أَرَيْتَكَ نَفْسَك. قال ابن بري: وإذا جاءت
أَرأَيْتَكُما وأَرأَيْتَكُمْ بمعنى أَخْبِرْني كانت التاء موَحَّدة، فإن
كانت بمعنى العِلْم ثَنَّيْت وجَمَعْت، قُلْتَ: أَرأَيْتُماكُما
خارِجَيْنِ وأَرأَيْتُمُوكُمْ خارِجِينَ، وقد تكرر في الحديث أَرأَيْتَكَ
وأَرأيْتَكُمْ وأَرأَيْتَكما، وهي كلمة تقولها العرب عند الاستخبار بمعنى
أَخبِرْني وأَخْبِراني وأَخْبِرُوني، وتاؤُها مفتوحة أَبداً.
ورجل رَءَّاءٌ: كَثيِرُ الرُّؤيَةِ؛ قال غيلان الرَّبَعي:
كأَنَّها وقَدْ رَآها الرَّءَّاءٌ
ويقال: رأَيْتُه بعَيْني رُؤيَةً ورأَيْتُه رَأْيَ العينِ أَي حيث يقع
البصر عليه. ويقال: من رأْيِ القَلْبِ ارْتَأَيْتُ؛ وأَنشد:
ألا أَيُّها المُرْتَئِي في الأُمُور،
سيَجْلُو العَمَى عنكَ تِبْيانُها
وقال أَبو زيد: إذا أَمرْتَ من رأَيْتَ قلت ارْأَ زيداً كأنَّكَ قلت
ارْعَ زيداً، فإذا أَردت التخفيف قلت رَ زيداً، فتسقط أَلف الوصل لتحريك ما
بعدها، قال: ومن تحقيق الهمز قولك رأَيْت الرجل، فإذا أَردت التخفيف قلت
رأَيت الرجل، فحرَّكتَ الأَلف بغير إشباع الهمز ولم تسقط الهمزة لأَن ما
قبلها متحرك. وفي الحديث: أَن أَبا البَخْترِي قال ترَاءَيْنا الهِلالَ
بذاتِ عِرْق، فسأَلنا ابنَ عباسٍ فقال: إنَّ رسول الله، صلى الله عليه
وسلم، مَدَّهُ إلى رُؤْيَتِه فإنْ أُغْمِيَ عليكم فأَكْمِلوا العِدَّة، قال
شمر: قوله تَراءَيْنا الهلالَ أَي تَكَلَّفْنا النَّظَر إليه هل نَراهُ
أَم لا، قال: وقال ابن شميل انْطَلِقْ بنا حتى نُِهِلَّ الهلالَ أَي
نَنْظُر أَي نراهُ. وقد تَراءَيْنا الهِلالَ أَي نظرْناه. وقال الفراء: العرب
تقول راءَيْتُ ورأَيْتُ، وقرأَ ابن عباس: يُرَاوُون الناس. وقد رأَيْتُ
تَرْئِيَةً: مثل رَعَّيْت تَرْعِيَةً. وقال ابن الأَعرابي: أَرَيْتُه
الشيءَ إراءةً وإرايَةً وإرءَاءَةً. الجوهري: أَرَيْتُه الشيءَ فرآهُ وأَصله
أَرْأَيْتُه.
والرِّئْيُ والرُّواءُ والمَرْآةُ: المَنْظَر، وقيل: الرِّئْيُ
والرُّواءُ، بالضم، حُسْنُ المَنْظر في البَهاء والجَمال. وقوله في الحديث: حتى
يتَبيَّنَ له رئيْهُما، وهو بكسر الراء وسكون الهمزة، أَي مَنْظَرُهُما
وما يُرَى منهما. وفلان مِنِّي بمَرْأىً ومَسْمَعٍ أَي بحيث أَراهُ
وأَسْمَعُ قولَه. والمَرْآةُ عامَّةً: المَنْظَرُ، حَسَناً كان أَو قَبِيحاً.
وما لهُ رُواءٌ ولا شاهِدٌ؛ عن اللحياني لم يَزِدْ على ذلك شيئاً. ويقال:
امرأَةٌ لها رُواءٌ
إذا كانت حَسَنةَ المَرْآةِ والمَرْأَى كقولك المَنْظَرَة والمَنْظر.
الجوهري: المَرْآةُ، بالفتح على مَفْعَلةٍ، المَنْظر الحَسن. يقال: امرأَةٌ
حَسَنةُ المَرْآةِ والمَرْأَى، وفلان حسنٌ في مَرْآةِ العَين أَي في
النَّظَرِ. وفي المَثل: تُخْبِرُ عن مَجْهولِه مَرْآتُه أَي ظاهرُه يدلُّ
على باطِنِه. وفي حديث الرُّؤْيا: فإذا رجلٌ كَرِيهُ المَرْآةِ أَي قَبِيحُ
المَنْظرِ. يقال: رجل حَسَنُ المَرْأَى والمَرْآةِ حسن في مَرْآةِ
العين، وهي مَفْعَلة من الرؤية. والتَّرْئِيَةُ: حُسْنُ البَهاء وحُسْنُ
المنظرِ، اسم لا مصدر؛ قال ابن مقبل:
أَمَّا الرُّواءُ ففِينا حَدُّ تَرْئِيَةٍ،
مِثل الجِبالِ التي بالجِزْعِ منْ إضَمِ
وقوله عز وجل: هم أَحسن أَثاثاً ورِئْياً؛ قرئت رِئْياً؛ بوزن رِعْياً،
وقرئت رِيّاً؛ قال الفراء: الرِّئْيُ المَنْظَر، وقال الأَخفش: الرِّيُّ
ما ظَهَر عليه مما رأَيْت، وقال الفراء: أَهْلُ المدينة يَقْرؤُونها
رِيّاً، بغير همز، قال: وهو وجه جيد من رأَيْت لأَنَّه مع آياتٍ لَسْنَ
مهموزاتِ الأَواخِر. وذكر بعضهم: أَنَّه ذهب بالرِّيِّ إلى رَوِيت إذا لم يهمز
ونحو ذلك. قال الزجاج: من قرأَ رِيّاً، بغير همز، فله تفسيران أَحدهما
أَن مَنْظَرهُم مُرْتَوٍ من النِّعْمة كأَن النَّعِيم بِّيِّنٌ
فيهم ويكون على ترك الهمز من رأَيت، وقال الجوهري: من همزه جعله من
المنظر من رأَيت، وهو ما رأَتْهُ العين من حالٍ حسَنة وكسوة ظاهرة؛ وأَنشد
أَبو عبيدة لمحمد بن نُمَير الثقفي:
أَشاقَتْكَ الظَّعائِنُ يومَ بانُوا
بذي الرِّئْيِ الجمِيلِ منَ الأَثاثِ؟
ومن لم يهمزه إما أَن يكون على تخفيف الهمز أَو يكون من رَوِيَتْ
أَلْوانهم وجلودهم رِيّاً أَي امْتَلأَتْ وحَسُنَتْ. وتقول للمرأَة: أَنتِ
تَرَيْنَ، وللجماعة: أَنْتُنَّ تَرَيْنَ، لأَن الفعل للواحدة والجماعة سواء
في المواجهة في خَبَرِ المرأَةِ من بنَاتِ الياء، إلا أَن النون التي في
الواحدة علامة الرفع والتي في الجمع إنما هي نون الجماعة، قال ابن بري:
وفرق ثان أَن الياءَ في تَرَيْن للجماعة حرف، وهي لام الكلمة، والياء في
فعل الواحدة اسم، وهي ضمير الفاعلة المؤنثة. وتقول: أَنْتِ تَرَيْنَني، وإن
شئت أَدغمت وقلت تَرَيِنِّي، بتشديد النون، كما تقول تَضْرِبِنِّي.
واسْتَرْأَى الشيءَ: اسْتَدْعَى رُؤيَتَه. وأَرَيْتُه إياه إراءَةً وإراءً؛
المصدر عن سيبويه، قال: الهاء للتعويض، وتركها على أَن لا تعوَّض وَهْمٌ
مما يُعَوِّضُونَ بعد الحذف ولا يُعَوِّضون.
وراءَيْت الرجلَ مُراآةً ورِياءً: أَرَيْته أَنِّي على خلاف ما أَنا
عليه. وفي التنزيل: بَطَراً ورِئاءَ الناسِ، وفيه: الذين هُمْ يُراؤونَ؛
يعني المنافقين أَي إذا صَلَّى المؤمنون صَلَّوا معَهم يُراؤُونهُم أَنَّهم
على ما هم عليه. وفلان مُراءٍ وقومٌ
مُراؤُونَ، والإسم الرِّياءُ. يقال: فَعَلَ ذلك رِياءً وسُمْعَةً. وتقول
من الرِّياء يُسْتَرْأَى فلانٌ، كما تقول يُسْتَحْمَقُ ويُسْتَعْقَلُ؛
عن أَبي عمرو. ويقال: راءَى فلان الناسَ يُرائِيهِمْ مُراآةً، وراياهم
مُراياةً، على القَلْب، بمعنىً، وراءَيْته مُراآةً ورياءً قابَلْته
فرَأَيْته، وكذلك تَرَاءَيْته؛ قال أَبو ذؤيب:
أَبَى اللهُ إلا أَن يُقِيدَكَ، بَعْدَما
تَراءَيْتُموني من قَرِيبٍ ومَوْدِقِ
يقول: أَقاد الله منك عَلانيَةً ولم يُقِدْ غِيلَة. وتقول: فلان
يتَراءَى أَي ينظر إلى وجهه في المِرْآةِ أَو في السيف.
والمِرْآة: ما تَراءَيْتَ فيه، وقد أَرَيْته إياها. ورأَيْتُه
تَرْئِيَةً: عَرَضْتُها عليه أَو حبستها له ينظر نفسَه وتَراءَيْت فيها
وترَأَيْتُ. وجاء في الحديث: لا يتَمَرْأَى أَحدُكم في الماء لا يَنْظُر وَجْهَه
فيه، وَزْنُه يتَمَفْعَل من الرُّؤْية كما حكاه سيبويه من قول العرب:
تَمَسْكَنَ من المَسْكَنة، وتَمدْرَع من المَدْرَعة، وكما حكاه أَبو عبيد من
قولهم: تَمَنْدَلْت بالمِندِيل. وفي الحديث: لا يتَمَرْأَى أَحدُكُم في
الدنيا أَي لا يَنْظُر فيها، وقال: وفي رواية لا يتَمَرْأَى أَحدُكم
بالدُّنيا من الشيء المَرْئِيِّ. والمِرآةُ، بكسر الميم: التي ينظر فيها،
وجمعها المَرائي والكثير المَرايا، وقيل: من حوَّل الهمزة قال المَرايا. قال
أَبو زيد: تَراءَيْتُ في المِرآةِ تَرائِياً ورَأيْتُ الرجل تَرْئِيَةً
إذا أَمْسَكْتَ له المِرآةَ لِيَنْظُر فيها. وأَرْأَى الرجلُ إِذا تراءَى
في المِرآة؛ وأَنشد ابن بري لشاعر:
إِذا الفَتى لم يَرْكَبِ الأَهْوالا،
فأَعْطِه المِرآة والمِكْحالا،
واسْعَ له وعُدَّهُ عِيالا
والرُّؤْيا: ما رأَيْته في منامِك، وحكى الفارسي عن أَبي الحسن رُيَّا،
قال: وهذا على الإِدغام بعد التخفيف البدلي، شبهوا واو رُويا التي هي في
الأَصل همزة مخففة بالواو الأَصلية غير المقدَّر فيها الهمز، نحو لوَيْتُ
لَيّاً وشَوَيْتُ شَيّاً، وكذلك حكى أَيضاً رِيَّا، أَتبع الياء الكسرة
كما يفعل ذلك في الياء الوضعية. وقال ابن جني: قال بعضهم في تخفيف رُؤْيا
رِيَّا، بكسر الراء، وذلك أَنه لما كان التخفيف يصيِّرها إِلى رُويَا ثم
شبهت الهمزة المخففة بالواو المخلصة نحو قولهم قَرْنٌ أَلْوى وقُرُونٌ
لُيٌّ وأَصلها لُويٌ، فقلبت الواو إِلى الياء بعدها ولم يكن أَقيسُ
القولين قَلْبَها، كذلك أَيضاً كسرت الراء فقيل رِيَّا كما قيل قُرون لِيٌّ،
فنظير قلب واو رؤيا إِلحاقُ
التنوين ما فيه اللامُ، ونظير كسر الراءِ إِبدالُ الأَلف في الوقف على
المنوّن المنصوب مما فيه اللام نحو العِتابا، وهي الرُّؤَى. ورأَيتُ عنك
رُؤىً حَسَنَةً: حَلَمتها. وأَرْأَى الرجلُ إِذا كثرت رُؤَاهُ، بوزن
رُعاهُ، وهي أَحْلامه، جمعُ الرُّؤْيا. ورأَى في منامه رُؤْيا، على فُعْلى بلا
تنوين، وجمعُ الرُّؤْيا رُؤىً، بالتنوين، مثل رُعىً؛ قال ابن بري: وقد
جاء الرُّؤْيا في اليَقَظَة؛ قال الراعي:
فكَبَّر للرُّؤْيا وهَشَّ فُؤادُه،
وبَشَّرَ نَفْساً كان قَبْلُ يَلُومُها
وعليه فسر قوله تعالى: وما جعلنا الرُّؤْيا التي أَرَيْناكَ إِلا
فِتْنةً للناس؛ قال وعليه قول أَبي الطَّيِّبِ:
ورُؤْياكَ أَحْلى، في العُيون، من الغَمْضِ
التهذيب: الفراء في قوله، عز وجل: إِن كنتم للرُّؤْيا تَعْْبُرُونَ؛
إِذا تَرَكَتِ العربُ الهمز من الرؤيا قالوا الرُّويا طلباً للخفة، فإِذا
كان من شأْنهم تحويلُ الواو إِلى الياء قالوا: لا تقصص رُيَّاك، في الكلام،
وأَما في القرآن فلا يجوز؛ وأَنشد أَبو الجراح:
لَعِرْضٌ من الأَعْراض يُمْسِي حَمامُه،
ويُضْحي على أَفنانهِ الغِينِ يَهْتِفُ
أَحَبُّ إِلى قَلْبي من الدِّيكِ رُيَّةً
(* قوله «رية» تقدم في مادة عرض: رنة، بالراء المفتوحة والنون، ومثله في
ياقوت).
وبابٍ، إِذا ما مالَ للغَلْقِ يَصْرِفُ
أَراد رُؤْيةً، فلما ترك الهمز وجاءت واو ساكنة بعدها ياء تحولتا ياء
مشددة، كما يقال لَوَيْتُه لَيّاً وكَوَيْتُه كَيّاً، والأَصل لَوْياً
وكَوْياً؛ قال: وإِن أَشرتَ فيها إِلى الضمة فقلت رُيَّا فرفعت الراء فجائز،
وتكون هذه الضمة مثل قوله وحُيِلَ وسُيِق بالإِشارة. وزعم الكسائي أَنه
سمع أَعربيّاً يقرأ: إِن كنتم للرُّيَّا تَعْبُرون. وقال الليث: رأَيتُ
رُيَّا حَسَنة، قال: ولا تُجْمَعُ الرُّؤْيا، وقال غيره: تجمع الرُّؤْيا
رُؤىً كما يقال عُلْياً وعُلىً.
والرَّئِيُّ والرِّئِيُّ: الجِنِّيُّ يراه الإِنسانُ. وقال اللحياني: له
رَئيٌّ من الجن ورِئِيٌّ إِذا كان يُحِبه ويُؤَالِفُه، وتميم تقول
رِئِيٌّ، بكسر الهمزة والراء، مثل سِعيد وبِعِير. الليث: الرَّئِيُّ جَنِّيّ
يتعرض للرجل يُريه كهانة وطِبّاً، يقال: مع فلان رَئِيُّ. قال ابن
الأَنباري: به رَئِيٌّ من الجن بوزن رَعِيّ، وهو الذي يعتاد الإِنسان من الجنّ.
ابن الأَعرابي: أَرْأَى الرجلُ إِذا صار له رَئِيٌّ من الجنّ. وفي حديث
عمر، رضي الله عنه: قال لِسَوادِ بنِ قارِبٍ أَنتَ الذي أَتاكَ رَئِيُّكَ
بِظُهور رسولِ الله، صلى الله عليه وسلم؟ قال: نَعَمْ. يقال للتابع من
الجن: رَئِيٌّ بوزن كَمِيٍّ، وهو فَعِيلٌ أَو فَعُولٌ، سُمِّي به لأَنه
يَتَراءى لمَتْبوعه أَو هو من الرَّأْيِ، من قولهم فلانٌ رَئِيُّ قومِهِ
إِذا كان صاحب رأْيِهِم، قال: وقد تكسر راؤه لاتباعها ما بعدها؛ ومنه حديث
الخُدْري: فإِذا رَئِيٌّ مثل نحْيٍ، يعني حية عظِيمَةً كالزِّقِّ، سمّاها
بالرَّئِيِّ الجِنِّ لأَنهم يزعمون أَن الحيَّاتِ من مَسْخِ الجِنِّ،
ولهذا سموه شيطاناً وحُباباً وجانّاً. ويقال: به رَئِيٌّ من الجنّ أَي
مَسٌّ. وتَراءى له شيء من الجن، وللاثنين تراءيا، وللجمع تَراءَوْا.
وأَرْأَى الرجلُ إِذا تَبَّيَنت الرَّأْوَة في وجْهِه، وهي الحَماقة.
اللحياني: يقال على وجهه رَأْوَةُ الحُمْقِ إِذا عَرَفْت الحُمْق فيه قبل
أَن تَخْبُرَهُ. ويقال: إِن في وجهه لرَأْوَةً أَي نَظْرَة ودَمامَةً؛ قال
ابن بري: صوابه رَأْوَةَ الحُمْقِ. قال أَبو علي: حكى يعقوب على وجهه
رَأْوَةٌ، قال: ولا أَعرف مثلَ هذه الكلمة في تصريف رَأْى. ورَأْوَةُ
الشيء: دلالَتُه. وعلى فُلان رَأْوَةُ الحُمْقِ أَي دَلالَته. والرَّئِيُّ
والرِّئِيُّ: الثوب يُنْشَر للبَيْع؛ عن أَبي عليّ. التهذيب: الرِّئْيُ بوزن
الرِّعْيِ، بهمزة مسَكَّنَةٍ، الثوبُ الفاخر الذي يُنشَر ليُرى حُسْنُه؛
وأَنشد:
بِذِي الرِّئْيِ الجَميلِ من الأَثاثِ
وقالوا: رَأْيَ عَيْني زيدٌ فَعَلَ ذلك، وهو من نادِرِ
المصادِرِ عند سيبويه، ونظيره سَمْعَ أُذُنِي، ولا نظير لهما في
المُتَعَدِّيات. الجوهري: قال أَبو زيد بعينٍ مَا أَرَيَنَّكَ أَي اعْجَلْ
وكُنْ كأَنِّي أَنْظُر إِلَيْكَ. وفي حديث حنَظلة: تُذَكِّرُنا بالجَنَّةِ
والنَّارِ كأَنَّا رَأْيَ عَيْنٍ. تقول: جعلتُ الشَّيْءَ رَأْيَ عَيْنِك
وبمَرْأَىً مِنْكَ أَي حِذاءَكَ ومُقابِلَك بحيث تراه، وهو منصوب على
المصدر أَي كأَنَّا نراهُما رَأْيَ العَيْنِ.
والتَّرْئِيَةُ، بوزن التَّرْعِيةِ: الرجلُ المُخْتال، وكذلك
التَّرائِيَة بوزْنِ التَّراعِيَة.
والتَّرِيَّة والتَّرِّيَّة والتَّرْيَة، الأَخيرة نادرة: ما تراه
المرأَة من صُفْرةٍ أَو بَياضٍ أَو دمٍ قليلٍ عند الحيض، وقد رَأَتْ، وقيل:
التَّرِيَّة الخِرْقَة التي تَعَْرِفُ بها المرأَةُ حَيْضَها من طهرها، وهو
من الرُّؤْيَةِ. ويقال للمَرْأَةِ: ذاتُ التَّرِيَّةِ، وهي الدم القليل،
وقد رَأَتْ تَرِيَّةً أَي دَماً قليلاً. الليث: التَّرِّيَّة مشدَّدة
الراء، والتَّرِيَّة خفيفة الراء، والتَّرْية بجَزْمِ الراء، كُلُّها لغات
وهو ما تراه المرأَةُ من بَقِيَّة مَحِيضِها من صُفْرة أَو بياض؛ قال
أَبو منصور: كأَنّ الأَصل فيه تَرْئِيَةٌ، وهي تَفْعِلَةٌ من رأَيت، ثم
خُفِّفَت الهَمْزة فقيل تَرْيِيَةٌ، ثم أُدْغِمَت الياءُ في الياء فقيل
تَرِيَّة. أَبو عبيد: التَّرِيَّةُ في بقية حيض المرأَة أَقَلُّ من الصفرة
والكُدْرَة وأَخْفَى، تَراها المرأَةُ عند طُهْرِها لِتَعْلم أَنَّها قَدْ
طَهُرَت من حَيْضِها، قال شمر: ولا تكون التَّرِيّة إِلا بعد الاغتسال،
فأَما ما كان في أَيام الحيض فليس بتَرِيَّة وهو حيض، وذكر الأَزهري هذا
في ترجمة التاء والراء من المعتل. قال الجوهري: التَّرِيَّة الشيءُ
الخَفِيُّ اليَسيِرُ من الصُّفْرة والكْدْرة تَراها المرأَةُ بعد الاغْتِسال من
الحَيْضِ. وقد رَأَتِ المرأَة تَرِيئَةً إِذا رَأَت الدم القليلَ عند
الحيض، وقيل: التَّرِيَّة الماءُ الأَصْفَر الذي يكون عند انقطاع الحيض.
قال ابن بري: الأَصل في تَرِيَّة تَرْئِيَة، فنقلت حركة الهمزة على الراء
فبقي تَرِئْيَة، ثم قلبت الهمزة ياء لانكسار ما قبلها كما فعلوا مثل ذلك
في المَراة والكَماة، والأَصل المَرْأَة، فنقلت حركة الهمزة إِلى الراء
ثم أُبدلت الهمزة أَلفاً لانفتاح ما قبلها. وفي حديث أُمّ عطية: كُنَّا
لا نَعُدُّ الكُدْرة والصُّفْرة والتَّرِيَّة شيئاً، وقد جمع ابن الأَثير
تفسيره فقال: التَّرِيَّة، بالتشديد، ما تراه المرأَة بعد الحيض
والاغتسال منه من كُدْرة أَو صُفْرة، وقيل: هي البياض الذي تراه عند الطُّهْر،
وقيل: هي الخِرْقة التي تَعْرِف بها المرأَة حيضَها من طُهْرِها، والتاءُ
فيها زائدة لأَنه من الرُّؤْية، والأَصل فيها الهمز، ولكنهم تركوه
وشدَّدوا الياءَ فصارت اللفظة كأَنها فعيلة، قال: وبعضهم يشدّد الراءَ والياء،
ومعنى الحديث أَن الحائض إِذا طَهُرت واغْتَسَلت ثم عادت رَأَتْ صُفْرة
أَو كُدْرة لم يُعْتَدَّ بها ولم يُؤَثِّر في طُهْرها.
وتَراءَى القومُ: رَأَى بعضُهُم بعضاً. وتَراءَى لي وتَرَأَّى؛ عن ثعلب:
تَصَدَّى لأَرَاهُ. ورَأَى المكانُ المكانَ: قابَلَه حتى كَأَنَّه
يَراهُ؛ قال ساعدة:
لَمَّا رَأَى نَعْمانَ حَلَّ بِكِرْفِئٍ
عَكِرٍ، كما لَبَجَ النُّزُولَ الأَرْكُبُ
وقرأَ أَبو عمرو: وأَرْنا مَنَاسِكَنا، وهو نادِرٌ لما يلحق الفعلَ من
الإِجْحاف. وأَرْأَتِ الناقَةُ والشاةُ من المَعَز والضَّأْنِ، بتَقْدِير
أَرْعَتْ، وهي مُرْءٍ ومُرْئِيَةٌ: رؤِيَ في ضَرْعها الحَمْلُ واسْتُبينَ
وعَظُمَ ضَرْعُها، وكذلك المَرْأَة وجميعُ الحَوامِل إِلا في الحَافِر
والسَّبُع. وأَرْأَت العَنْزُ: وَرِمَ حَياؤُها؛ عن ابن الأَعرابي،
وتَبَيَّنَ ذلك فيها. التهذيب: أَرْأَت العَنْزُ خاصَّة، ولا يقال لِلنَّعْجة
أَرْأَتْ، ولكن يقال أَثْقَلَت لأَن حَياءَها لا يَظْهَر. وأَرْأَى
الرجلُ إِذا اسْوَدَّ ضَرْعُ شاتِهِ. وتَرَاءَى النَّحْلُ: ظَهَرَت أَلوانُ
بُسْرِهِ؛ عن أَبي حنيفة، وكلُّه من رُؤْيَةِ العين. ودُورُ
القوم مِنَّا رِثَاءٌ أَي مُنْتَهَى البَصَر حيثُ نَرَاهُم. وهُمْ
مِنِّي مَرْأىً ومَسْمَعٌ، وإِن شئتَ نَصَبْتَ، وهو من الظروف المخصوصة التي
أُجْرِيَتْ مُجْرَى غير المخصوصة عند سيبويه، قال: وهو مثل مَناطَ
الثُّرَيَّا ومَدْرَجَ السُّيُول، ومعناه هو مِنِّي بحيثُ أَرَاهُ
وأَسْمَعُه. وهُمْ رِئَاءُ أَي أَلْفٍ زُهَاءُ أَلْفٍ فيما تَرَى العَيْنُ. ورأَيت
زيداً حَلِيماً: عَلِمْتُه، وهو على المَثَل برُؤْيَةِ العَيْن. وقوله
عز وجل: أَلَمْ تَرَ إِلى الذين أُوتُوا نَصِيباً من الكتاب؛ قيل: معناه
أَلَمْ تَعْلَم أَي أَلَمْ
يَنْتَهِ عِلْمُكَ إِلى هَؤُلاء، ومَعْناه اعْرِفْهُم يعني علماء أَهل
الكتاب، أَعطاهم الله عِلْم نُبُوّةِ النبي، صلى الله عليه وسلم، بأَنه
مكتوب عندهم في التوراة والإِنجيل يَأْمرُهم بالمَعْروف ويَنْهاهُمْ عن
المُنْكر، وقال بعضهم: أَلَمْ ترَ أَلَمْ تُخْبِرْ، وتأْويلُهُ سُؤالٌ فيه
إِعْلامٌ، وتَأْوِيلُه أَعْلِنْ قِصَّتَهُم، وقد تكرر في الحديث: أَلَمْ
تَرَ إِلى فلان، وأَلَمْ تَرَ إِلى كذا، وهي كلمة تقولها العربُ عند
التَّعَجُّب من الشيء وعند تَنْبِيهِ المخاطب كقوله تعالى: أَلَمْ تَرَ
إِلى الذينَ خَرجُوا من دِيارِهْم، أَلَمْ تَرَ إِلى الذين أُوتوا
نَصِيباً من الكتاب؛ أَي أَلَمْ تَعْجَبْ لِفِعْلِهِم، وأَلَمْ يَنْتَه
شأْنُهُم إِليك. وأَتاهُم حِينَ جَنَّ رُؤْيٌ رُؤْياً ورَأْيٌ رَأْياً أَي حينَ
اختَلَطَ الظَّلام فلَمْ يَتَراءَوْا. وارْتَأَيْنا في الأَمْرِ
وتَراءَيْنا: نَظَرْناه. وقوله في حديث عمر، رضي الله عنه، وذَكَر المُتْعَة:
ارْتَأَى امْرُؤٌ بعدَ ذلك ما شاءَ أَنْ يَرْتَئِيَ أَي فكَّر وتَأَنَّى،
قال: وهو افْتَعَل من رُؤْيَة القَلْب أَو من الرَّأْيِ. ورُوِي عن النبي،
صلى الله عليه وسلم، أَنه قال: أَنا بَرِيءٌ من كُلِّ مُسْلِمٍ مَعَ
مُشْرِكٍ، قيل: لِمَ يا رسول الله؟ قال: لا تَراءَى نَارَاهُما؛ قال ابنُ
الأَثِير: أَي يَلْزَمُ المُسْلِمَ ويجب عليه أَن يُباعِدَ مَنْزِلَه عن
مَنْزِل المُشْرِك ولا يَنْزِل بالموضع الذي إِذا أُوقِدَتْ فيه نارُه
تَلُوح وتَظْهَرُ لِنَارِ
المُشْرِكِ إِذا أَوْقَدَها في مَنْزِله، ولكنه يَنْزِل معَ
المُسْلِمِين في دَارِهِم، وإِنما كره مُجاوَرَة المشركين لأَنهم لا عَهْدَ لهم
ولا أَمانَ، وحَثَّ المسلمين على الهِجْرة؛ وقال أَبو عبيد: معنى الحديث
أَنَّ المسلم لا يَحِلُّ له أَن يَسْكُنَ بلادَ المُشْرِكين فيكونَ مَعَهم
بقْدر ما يَرَى كلُّ واحدٍ منهم نارَ صاحِبه. والتَّرَائِي: تفاعُلٌ من
الرؤية. يقال: تَراءَى القومُ إِذا رَأَى بعضُهُم بعضاً. وتَراءى لي
الشيءُ أَي ظَهَر حتى رَأَيْته، وإِسناد التَّرائِي إِلى النَّارَيْن مجازٌ من
قولهم دَارِي تَنْظُر إِلى دارِ فلان أَي تُقابِلُها، يقول ناراهما
مُخْتَلِفتانِ، هذه تَدْعو إِلى الله وهذه تدعو إِلى الشيطان، فكيف
تَتَّفِقانِ؟ والأَصل في تَراءَى تَتَراءَى فحذف إِحدى التاءين تخفيفاً. ويقال:
تَراءَينا فلاناً أَي تَلاقَيْنا فَرَأَيْتُه ورَآني. وقال أَبو الهيثم في
قوله لا تَراءَى نارَاهُما: أَي لا يَتَّسِمُ المُسْلِم بسِمَةِ
المُشْرِك ولا يَتَشَبَّه به في هَدْيِه وشَكْلِهِ ولا يَتَخَلّق بأَخْلاقِه، من
قولك ما نَارُ بَعِيرِكَ أَي ما سِمةُ بعِيرِكَ. وقولهم: دَارِي تَرَى
دارَ فلانٍ أَي تُقابِلُها؛ وقال ابن مقبل:
سَلِ الدَّار مِنْ جَنْبَيْ حَبِيرٍ، فَواحِفِ،
إِلى ما رأَى هَضْبَ القَلِيبِ المصَبَّحِ
أَراد: إِلى ما قابَلَه. ويقال: مَنازِلُهم رِئَاءٌ على تقدير رِعَاء
إِذا كانت مُتَحاذِيةً؛ وأَنشد:
لَيالِيَ يَلْقَى سرْبُ دَهْماء سِرْبَنَا،
ولَسْنا بِجِيرانٍ ونَحْنُ رِئَاءُ
ويقال: قَوْمِ رِئَاءٌ يقابلُ بعضُهُم بعضاً، وكذلك بُيوتُهُم رِئَاءٌ.
وتَرَاءَى الجَمْعانِ: رَأَى بعضُهُم بعضاً. وفي حديث رَمَلِ
الطَّوافِ: إِنما كُنَّا راءَيْنا به المشركين، هو فاعَلْنا من
الرُّؤْية أَي أَرَيْناهم بذلك أَنَّا أَقْوِياء. وفي حديث النبي، صلى الله عليه
وسلم: إِنَّ أَهلَ الجَنَّةِ ليَتَراءَوْنَ أَهلَ عِلِّيِّين كما
تَرَوْنَ الكَوْكَب الدُّرِّيَّ في كَبِدِ السماء؛ قال شمر: يتَراءَوْنَ أَي
يتَفاعَلون أَي يَرَوْنَ، يَدُلُّ على ذلك قولُه كما تَرَوْن.
والرَّأْيُ: معروفٌ، وجمعه أَرْآءٌ، وآراءٌ أَيضاً مقلوب، ورَئِيٌّ على
فَعِيل مثل ضَأْنٍ وضَئِينٍ. وفي حديث الأَزرق بن قيس: وفِينا رجُلٌ له
رَأْيٌ. يقال: فلانٌ من أَهل الرَّأْي أَي أَنه يَرَى رَأْيَ الخوارج
ويقول بمَذْهَبِهم، وهو المراد ههنا، والمُحَدِّثون يُسَمُّون أَصحابَ
القياسِ أَصحابَ الرَّأْي يَعْنُون أَنهم يأْخذون بآرائِهِم فيما يُشْكِلُ من
الحديث أَو ما لم يَأْتِ فيه حديث ولا أَثَرٌ. والرَّأْيُ: الاعتِقادُ،
اسمٌ لا مصدرٌ، والجمع آراءٌ؛ قال سيبويه: لم يكَسَّر على غير ذلك، وحكى
اللحياني في جمعه أَرْءٍ مثل أَرْعٍ ورُئِيٌّ ورِئِيُّ. ويقال: فلان
يتَراءَى بِرَأْيِ
فلان إِذا كان يَرَى رَأْيَه ويَمِيلُ إِليه ويَقْتَدي به؛ وأَما ما
أَنشده خَلَفٌ الأَحمر من قول الشاعر:
أَما تَراني رَجُلاً كما تَرَى
أَحْمِلُ فَوْقي بِزَّنِي كما تَرَى
على قَلُوص صعبة كما تَرَى
أَخافُ أَن تَطْرَحَني كما تَرَى
فما تَرى فيما تَرَى كما تَرَى
قال ابن سيده: فالقول عندي في هذه الأَبيات أَنها لو كانت عدَّتُها
ثلاثة لكان الخطب فيها أَيسر، وذلك لأَنك كنت تجعل واحداً منها من رُؤْية
العَيْنِ كقولك كما تُبْصِر، والآخر من رُؤْية القَلْبِ في معنى العلم فيصير
كقولك كما تَعْلم، والثالث من رأَيْت التي بمعنى الرَّأْي الاعتقاد
كقولك فلان يرَى رَأْي الشُّراةِ أَي يعتَقِدُ اعْتِقادَهم؛ ومنه قوله عز
وجل: لتَحْكُم بين الناسِ
بما أَرَاكَ اللهُ؛ فحاسَّةُ البَصَر ههنا لا تتَوَجَّه ولا يجوز أَن
يكون بمعنى أَعْلَمَك الله لأَنه لو كان كذلك لوَجَب تعدِّيه إِلى ثلاثة
مَفْعولِين، وليس هناك إِلا مفعولان: أَحدهما الكاف في أَراك، والآخر
الضمير المحذوف للغائب أَي أَراكَه، وإِذا تعدَّت أَرى هذه إلى مفعولين لم
يكن من الثالث بُدُّ، أَوَلا تَراكَ تقول فلان يَرَى رأْيَ الخوارج ولا
تَعْني أَنه يعلم ما يَدَّعون هُمْ عِلْمَه، وإِنما تقول إِنه يعتقد ما
يعتقدون وإِن كان هو وهم عندك غير عالمين بأَنهم على الحق، فهذا قسم ثالث
لرأَيت، قال ابن سيده: فلذلك قلنا لو كانت الأَبيات ثلاثة لجاز أَن لا يكون
فيها إِيطاء لاختلاف المعاني وإِن اتفقت الأَلفاظ، وإِذْ هِي خمسة فظاهر
أَمرها أَن تكون إِيطاء لاتفاق الأَلفاظ والمعاني جميعاً، وذلك أَن العرب
قد أَجرت الموصول والصلة مُجْرى الشيء الواحد ونَزَّلَتْهما منزلة الخبر
المنفرد، وذلك نحو قول الله عز وجل: الذي هو يُطْعِمُني ويَسْقِينِ
وإِذا مَرِضْتُ فهُو يَشْفِينِ والذي يُميتُني ثم يُحْيِينِ والذي أَطْمَعُ
أَنْ يَغْفِرَ لي خطيئَتي يومَ الدِّينِ؛ لأَنه سبحانه هو الفاعل لهذه
الأَشياء كلها وحده، والشيء لا يُعْطَف على نفسِه، ولكن لما كانت الصلة
والموصول كالخبر الواحد وأَراد عطف الصلة جاء معها بالموصول لأَنهما كأَنهما
كلاهما شيء واحد مفرد؛ وعلى ذلك قول الشاعر:
أَبا ابْنَةَ عبدِ الله وابْنَةَ مالِكٍ،
ويا ابْنَةَ ذي الجَدَّينِ والفَرَسِ الوَرْدِ
إِذا ما صَنَعْتِ الزَّادَ، فالْتَمِسي لهُ
أَكِيلاً، فإِني لسْتُ آكُلُه وَحْدي
فإِنما أَراد: أَيا ابْنة عبدِ الله ومالِكٍ وذي الجَدّين لأَنها
واحدةٌ، أَلا تَراهُ يقول صنعتِ ولم يَقُلْ صنعتُنَّ؟ فإِذا جازَ هذا في المضاف
والمضاف إِليه كان في الصِّلَةِ والموصولِ
أَسْوَغَ، لأَنَّ اتِّصالَ الصِّلَةِ بالموصول أَشدُّ من اتصال المضافِ
إِليه بالمُضاف؛ وعلى هذا قول الأَعرابي وقد سأَله أَبو الحسن الأَخفشُ
عن قول الشاعر:
بَناتُ وَطَّاءٍ على خَدِّ اللَّيْل
فقال له: أَين القافية؟ فقال: خدّ الليلْ؛ قال أَبو الحسن الأَخفش:
كأَنه يريد الكلامَ الذي في آخر البيت قلَّ أَو كَثُر، فكذلك أَيضاً يجعل ما
تَرَى وما تَرَى جميعاً القافية، ويجعل ما مَرَّةً مصدراً ومرة بمنزلة
الذي فلا يكون في الأَبيات إِيطاء؛ قال ابن سيده: وتلخيص ذلك أَن يكون
تقديرها أَما تراني رجلاً كُرؤْيَتِك أَحمل فوقي بزتي كمَرْئِيِّك على قلوص
صعبة كعِلْمِكَ أَخاف أَن تطرحني كمَعْلُومك فما ترى فيما ترى
كــمُعْتَقَدِــك، فتكون ما ترى مرة رؤية العين، ومرة مَرْئِيّاً، ومرة عِلْماً ومرة
مَعلوماً، ومرة مُعْتَقَداً، فلما اختلفت المعاني التي وقعت عليها ما
واتصلت بها فكانت جزءاً منها لاحقاً بها صارت القافية وما ترى جميعاً، كما
صارت في قوله خدّ الليل هي خدّ الليل جميعاً لا الليل وحده؛ قال: فهذا
قياس من القوّة بحيث تراه، فإِن قلت: فما رويّ هذه الأَبيات؟ قيل: يجوز أَن
يكون رَوّيها الأَلفَ فتكون مقصورة يجوز معها سَعَى وأتى لأَن الأَلف
لام الفعل كأَلف سَعَى وسَلا، قال: والوجه عندي أَن تكون رائِيَّة
لأَمرين: أَحدهما أَنها قد التُزِمَت، ومن غالب عادة العرب أَن لا تلتزم أَمراً
إِلا مع وجوبه، وإِن كانت في بعض المواضع قد تتَطوَّع بالتزام ما لا يجب
عليها وذلك أَقل الأَمرين وأَدْوَنُهما، والآخر أَن الشعر المطلق أَضعاف
الشعر المقيد، وإِذا جعلتها رائية فهي مُطْلقة، وإذا جعلتها أَلِفِيَّة
فهي مقيدة، أَلا ترى أَن جميع ما جاء عنهم من الشعر المقصور لا تجد العرب
تلتزم فيه ما قبل الأَلف بل تخالف ليعلم بذلك أَنه ليس رَوِيّاً؟ وأَنها
قد التزمت القصر كما تلتزم غيره من إِطلاق حرف الروي، ولو التزمت ما قبل
الأَلف لكان ذلك داعياً إِلى إِلْباس الأَمر الذي قصدوا لإِيضاحِه،
أَعني القصرَ الذي اعتمدوه، قال: وعلى هذا عندي قصيدة يزيدَ بنِ الحَكَم،
التي فيها مُنْهَوي ومُدَّوي ومُرْعَوي ومُسْتَوي، هي واويَّة عندنا
لالتزامه الواو في جميعها والياءاتُ بعدها وُصُول لما ذكرنا. التهذيب: اليث
رَأْي ا لقَلْب والجمعُ الآراءُ. ويقال: ما أَضلَّ آراءَهم وما أَضلَّ
رأْيَهُمْ. وارْتَآهُ هو: افْتَعَل من الرَّأْي والتَّدْبِير. واسْتَرْأَيْتُ
الرُّجلَ في الرَّأْيِ أَي اسْتَشَرْتُه وراءَيْته. وهو يُرائِيهِ أَي
يشاوِرُه؛ وقال عمران بن حطَّان:
فإِن تَكُنْ حين شاوَرْناكَ قُلْتَ لَنا
بالنُّصْحِ مِنْكَ لَنَا فِيما نُرائِيكا
أَي نستشيرك. قال أَبو منصور: وأَما قول الله عزَّ وجل: يُراؤُونَ
الناسَ، وقوله: يُراؤُونَ ويَمْنَعُون الماعونَ، فليس من المشاورة، ولكن معناه
إِذا أَبْصَرَهُم الناس صَلَّوا وإِذا لم يَرَوْهم تركوا الصلاةَ؛ ومن
هذا قول الله عزَّ وجل: بَطَراً ورِئَاءَ الناسِ؛ وهو المُرَائِي كأَنه
يُرِي الناس أَنه يَفْعَل ولا يَفْعَل بالنية. وأَرْأَى الرجلُ إِذا
أَظْهَر عملاً صالِحاً رِياءً وسُمْعَة؛ وأَما قول الفرزدق يهجو قوماً
ويَرْمِي امرأَة منهم بغير الجَمِيلِ:
وبات يُراآها حَصاناً، وقَدْ جَرَتْ
لَنا بُرَتَاهَا بِالَّذِي أَنَا شَاكِرُه
قوله: يُراآها يظن أَنها كذا، وقوله: لنا بُرَتاها معناه أَنها أَمكنته
من رِجْلَيْها. وقال شمر: العرب تقول أَرَى اللهُ بفلان أَي أَرَى اللهُ
الناسَ بفلان العَذَابَ والهلاكَ، ولا يقال ذلك إِلاَّ في الشَّرِّ؛ قال
الأَعشى:
وعَلِمْتُ أَنَّ اللهَ عَمْـ
ـداً خَسَّها، وأَرَى بِهَا
يَعْنِي قبيلة ذكَرَها أَي أَرَى اللهُ بها عَدُوَّها ما شَمِتَ به.
وقال ابن الأَعرابي: أَي أَرَى الله بها أَعداءَها ما يَسُرُّهم؛
وأَنشد:أَرَانَا اللهُ بالنَّعَمِ المُنَدَّى
وقال في موضع آخر: أَرَى اللهُ بفلان أَي أَرَى به ما يَشْمَتُ به
عَدُوُّه. وأَرِنِي الشَّيءَ: عاطِنيهِ، وكذلك الاثنان والجمع والمؤَنث، وحكى
اللحياني: هو مَرآةً أَنْ يَفْعَلَ كذا أَي مَخْلَقة، وكذلك الاثنان
والجمع والمؤَنث، قال: هو أَرْآهُمْ لأَنْ يَفَعَلَ ذلك أَي أَخْلَقُهُم.
وحكى ابن الأَعرابي: لَوْ تَرَ ما وأَو تَرَ ما ولَمْ تَرَ ما، معناه كله
عنده ولا سِيَّما.
والرِّئَة، تهمز ولا تهمز: مَوْضِع النَّفَس والرِّيحِ من الإِنْسانِ
وغيره، والجمع رِئَاتٌ ورِئُون، على ما يَطّرِد في هذا النحو؛ قال:
فَغِظْنَاهُمُ، حتَّى أَتَى الغَيْظُ مِنْهُمُ
قُلوباً، وأَكْباداً لهُم، ورِئِينَا
قال ابن سيده: وإِنما جاز جمع هذا ونحوه بالواو والنون لأَنها أَسماء
مَجْهودة مُنْتَقَصَة ولا يُكَسَّر هذا الضَّرب في أَوَّلِيَّته ولا في حد
التسمية، وتصغيرها رُؤيَّة، ويقال رُويَّة؛ قال الكميت:
يُنازِعْنَ العَجاهِنَةَ الرِّئِينَا
ورَأَيْته: أَصَبْت رِئَته. ورُؤِيَ رَأْياً: اشْتكى رِئَته. غيره:
وأَرْأَى الرجلُ إِذا اشْتَكى رِئَته. الجوهري: الرِّئَة السَّحْرُ، مهموزة،
ويجمع على رِئِينَ، والهاءُ عوضٌ من الياء المَحْذوفة. وفي حديث لُقْمانَ
بنِ عادٍ: ولا تَمْلأُ رِئَتِي جَنْبِي؛ الرِّئَة التي في الجَوْف:
مَعْروفة، يقول: لست بِجَنان تَنْتَفِخُ رِئَتي فَتَمْلأُ جَنْبي، قال: هكذا
ذكرها الهَرَوي. والتَّوْرُ يَرِي الكَلْبَ إِذا طَعَنَه في رِئَتِه. قال
ابن بُزُرج: ورَيْته من الرِّئَةِ، فهو مَوْرِيّ، ووَتَنْته فهو
مَوْتونٌ وشَويْته فهو مَشْوِيّ إِذا أَصَبْت رِئَتَه وشَوَاتَه ووَتِينِه. وقال
ابن السكيت: يقال من الرِّئة رَأَيْته فهو مَرْئيٌّ إِذا أَصَبْته في
رِئَته. قال ابن بري: يقال للرجل الذي لا يَقْبَل الضَّيم حامِضُ
الرِّئَتَين؛ قال دريد:
إِذا عِرْسُ امْرِئٍ شَتَمَتْ أَخاهُ،
فَلَيْسَ بحامِضِ الرِّئَتَيْن مَحْضِ
ابن شميل: وقد وَرَى البعيرَ الدَّاءُ أَي وقع في رِئَتِه وَرْياً.
ورَأَى الزندُ: وَقَدَ؛ عن كراع، ورَأَيْته أَنا؛ وقول ذي الرمة:
وجَذْب البُرَى أَمْراسَ نَجْرانَ رُكِّبَتْ
أَوَاخِيُّها بالمُرْأَياتِ الرَّواجِفِ
يعني أَواخِيَّ الأَمْراسِ، وهذا مثل، وقيل في تفسيره: رَأْسٌ مُرْأىً
بوزن مُرْعًى طويلُ الخَطْمِ فيه شبِيةٌ بالتَّصْويب كهَيْئة الإِبْرِيقِ؛
وقال نصير:
رُؤُوسٌ مُرْأَياتٌ كَأَنَّها قَراقِيرُ
قال: وهذا لا أَعرف له فعلاً ولا مادَّة. وقال النضر: الإِرْآءُ
انْتِكابُ خَطْمِ البعيرِ على حَلْقِه، يقال: جَمَلٌ مُرأىً وجِمال مُرْآةٌ.
الأَصمعي: يقال لكل ساكِنٍ لا يَتَحَرَّك ساجٍ ورَاهٍ ورَاءٍ؛ قال شمر: لا
أَعرف راء بهذا المعنى إِلاَّ أَن يكون أَراد رَاه، فجعل بدل الهاء ياءً.
وأَرأَى الرجلُ إِذا حَرَّك بعَيْنَيْه عند النَّظَرِ
تَحْرِيكاً كَثِيراً وهو يُرْئي بِعَيْنَيْه.
وسَامَرَّا: المدينة التي بناها المُعْتَصِم، وفيها لغات: سُرَّ مَنْ
رَأَى، وسَرَّ مَنْ رَأَى، وسَاءَ مَنْ رأَى، وسَامَرَّا؛ عن أَحمد بن يحيى
ثعلب وابن الأَنباري، وسُرَّ مَنْ رَاءَ، وسُرَّ سَرَّا، وحكي عن أَبي
زكريا التبريزي أَنه قال: ثقل على الناس سُرَّ مَنْ رأَى فَغَيَّروه إِلى
عكسه فقالوا سامَرَّى؛ قال ابن بري: يريد أَنَّهُمْ حذفوا الهمزة من
سَاءَ ومن رَأَى فصار سَا مَنْ رَى، ثم أُدغمت النون في الراء فصار
سَامَرَّى، ومن قال سَامَرَّاءُ فإِنه أَخَّر همزة رأَى فجعلها بعد الأَلف فصار
سَا مَنْ رَاءَ، ثم أَدغم النون في الراء. ورُؤَيَّة: اسم أَرْضٍ؛ ويروى
بيت الفرزدق:
هل تَعْلَمون غَدَاةً يُطْرَدُ سَبْيُكُم
بالسَّفْحِ، بين رُؤَيَّةٍ وطِحَالِ؟
وقال في المحكم هنا: رَاءَ لغة في رَأَى، والاسم الرِّيءُ. ورَيَّأَهُ
تَرْيِئَة: فَسَّحَ عنه من خِناقهِ. وَرَايا فلاناً: اتَّقاه؛ عن أَبي
زيد؛ ويقال رَاءَهُ في رَآه؛ قال كثير:
وكلُّ خَلِيل رَاءَني، فهْوَ قَائِلٌ
منَ اجْلِك: هذا هامَةُ اليَومِ أَو غَدِ
وقال قيس بن الخطيم:
فَلَيْت سُوَيْداً رَاءَ فَرَّ مَنْ مِنْهُمُ،
ومَنْ جَرَّ، إِذْ يَحْدُونَهُم بالرَّكَائِبِ
وقال آخر:
وما ذاكِ من أَنْ لا تَكُوني حَبِيبَةً،
وإِن رِيءَ بالإِخْلافِ مِنْكِ صُدُودُ
وقال آخر:
تَقَرَّبَ يَخْبُو ضُوْءُهُ وشُعاعُه،
ومَصَّحَ حتى يُسْتَراءَ، فلا يُرى
يُسْتَراءَ: يُسْتَفْعَل من رأَيت. التهذيب: قال الليث يقال من الظنِّ
رِيْتُ فلاناً أَخاكَ، ومن همز قال رؤِِيتُ، فإِذا قلت أَرى وأَخَواتها لم
تهمز، قال: ومن قلب الهمز من رأَى قال راءَ كقولك نأَى وناءَ. وروي عن
سيدنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أَنه بَدأَ بالصَّلاة قبل الخُطْبة
يومَ العِيدِ ثم خَطَبَ فَرُؤِيَ أَنه لم يُسْمِعِ النساءَ فأَتاهُنَّ
ووعَظَهُنَّ؛ قال ابن الأَثير: رُؤِيَ فِعْلٌ لم يسَمّ فاعله من رَأَيْت
بمعنى ظَنَنْت، وهو يَتَعَدَّى إِلى مفعولين، تقول رأَيتُ زيداً عاقِلاً،
فإِذا بَنَيْتَه لما لم يُسَمّ فاعلُه تعدَّى إِلى مفعول واحد فقلت
رُؤِيَ زيدٌ عاقلاً، فقوله إِنه لم يُسَمِع جملة في موضع المفعول الثاني
والمفعول الأَول ضميره. وفي حديث عثمان: أَراهُمُني الباطِلُ شَيْطاناً؛
أَراد أَنَّ الباطِلَ جَعَلَني عندهم شيطاناً. قال ابن الأَثير: وفيه شذوذ من
وجهين: أَحدهما أَن ضمير الغائب إِذا وقع مُتَقَدِّماً على ضمير المتكلم
والمخاطب فالوجه أَن يُجاء بالثاني منفصلاً تقول أَعطاه إِياي فكان من
حقه أَن يقول أَراهم إِياي، والثاني أَن واو الضمير حقها أَن تثبت مع
الضمائر كقولك أَعطيتموني، فكان حقه أَن يقول أَراهُمُوني، وقال الفراء:
قرأَ بعض القراء: وتُرَى الناسَ سُكارى، فنصب الراء من تُرى، قال: وهو وجه
جيد، يريد مثلَ قولك رُؤِيتُ أَنَّك قائمٌ ورُؤِيتُك قائماً، فيجعل
سُكارى في موضع نصب لأَن تُرى تحتاج إِلى شيئين تنصبهما كما تحتاج ظن. قال
أَبو نصور: رُؤِيتُ
مقلوبٌ، الأَصلُ فيه أُريتُ، فأُخرت الهمزة، وقيل رُؤِيتُ، وهو بمعنى
الظن.
أهل: الأَهْل: أَهل الرجل وأَهْلُ الدار، وكذلك الأَهْلة؛ قال أَبو
الطَّمَحان:
وأَهْلةِ وُدٍٍّّ تَبَرَّيتُ وُدَّهم،
وأَبْلَيْتُهم في الحمد جُهْدي ونَائلي
ابن سيده: أَهْل الرجل عَشِيرتُه وذَوُو قُرْباه، والجمع أَهْلون
وآهَالٌ وأَهَالٍ وأَهْلات وأَهَلات؛ قال المُخَبَّل السعدي:
وهُمْ أَهَلاتٌ حَوْلَ قَيْسِ بنِ عاصم،
إِذا أَدْلَجوا باللَّيل يَدْعُونَ كَوْثَرا
وأَنشد الجوهري:
وبَلْدَةٍ ما الإِنْسُ من آهالِها،
تَرَى بِها العَوْهَقَ من وِئالُها
وِثالُها: جمع وائل كقائم وقِيام؛ ويروى البيت:
وبَلْدَةٍ يَسْتَنُّ حازي آلِها
قال سيبويه: وقالوا أَهْلات، فخففوا، شَبَّهوها بصعْبات حيث كان أَهل
مذكَّراً تدخله الواو والنون، فلما جاء مؤنثه كمؤنث صَعْب فُعل به كما فعل
بمؤنث صَعْب؛ قال ابن بري: وشاهد الأَهْل فيما حَكى أَبو القاسم الزجاجي
أَن حَكِيم
بن مُعَيَّة الرَّبَعي كان يُفَضِّل الفَرَزْدق على جَرير، فهَجَا جرير
حكيماً فانتصر له كنان
بن ربيعة أَو أَخوه ربعي
بن ربيعة، فقال يهجو جريراً:
غَضِبْتَ علينا أَن عَلاك ابن غالب،
فهَلاَّ على جَدَّيْك، في ذاك، تَغْضَبُ؟
هما، حينَ يَسْعَى المَرْءُ مَسْعاةَ أَهْلِهِ،
أَناخَا فشَدَّاك العِقال المُؤَرَّبُ
(* قوله: شداك العقال؛ اراد: بالعقال، فنصب بنزع الخافض، وورد مؤرب، في
الأصل، مضموماً، وحقه النصب لأنه صفة لعقال، ففي البيت إذاً إقواء).
وما يُجْعَل البَحْرُ الخِضَمُّ، إِذا طما،
كَجُدٍٍّّ ظَنُونٍ، ماؤُه يُتَرقَّبُ
أَلَسْتَ كُلْيبيًّا لألأَمِ وَالدٍ،
وأَلأَمِ أُمٍٍّّ فَرَّجَتْ بك أَو أَبُ؟
وحكى سيبويه في جمع أَهْل: أَهْلُون، وسئل الخليل: لم سكنوا الهاء ولم
يحرّكوها كما حركوا أَرَضِين؟ فقال: لأَن الأَهل مذكر، قيل: فلم قالوا
أَهَلات؟ قال: شبهوها بأَرَضات، وأَنشد بيت المخبل السعدي، قال: ومن العرب
من يقول أَهْلات على القياس. والأَهَالي: جمع الجمع وجاءت الياء التي في
أَهالي من الياء التي في الأَهْلين. وفي الحديث: أَهْل القرآن هم أَهْلُ
الله وخاصَّته أَي حَفَظة القرآن العاملون به هم أَولياء الله والمختصون
به اختصاصَ أَهْلِ الإِنسان به. وفي حديث أَبي بكر في استخلافه عمر: أَقول
له، إِذا لَقِيتُه، اسْتعملتُ عليهم خَيْرَ أَهْلِكَ؛ يريد خير
المهاجرين وكانوا يسمُّون أَهْلَ مكة أَهل الله تعظيماً لهم كما يقال بيت الله،
ويجوز أَن يكون أَراد أَهل بيت الله لأَنهم كانوا سُكَّان بيت الله. وفي
حديث أُم سلمة: ليس بكِ على أَهْلكِ هَوَانٌ؛ أَراد بالأَهل نَفْسَه، عليه
السلام، أَي لا يَعْلَق بكِ ولا يُصيبكِ هَوَانٌ عليهم.
واتَّهَل الرجلُ: اتخذ أَهْلاً؛ قال:
في دَارَةٍ تُقْسَمُ الأَزْوادُ بَيْنَهم،
كأَنَّما أَهْلُنا منها الذي اتَّهَلا
كذا أَنشده بقلب الياء تاء ثم إِدغامها في التاء الثانية، كما حكي من
قولهم اتَّمَنْته، وإلا فحكمه الهمزة أَو التخفيف القياسي أَي كأَن أَهلنا
أَهلُه عنده أَي مِثلُهم فيما يراه لهم من الحق. وأَهْلُ المذهب: مَنْ
يَدين به. وأَهْلُ الإِسلام: مَن يَدِين به. وأَهْلُ الأَمر: وُلاتُه.
وأَهْلُ البيت: سُكَّانه. وأَهل الرجل: أَخَصُّ الناس به. وأَهْلُ بيت
النبي،صلى الله عليه وسلم: أَزواجُه وبَناته وصِهْرُه، أَعني عليًّا، عليه
السلام، وقيل: نساء النبي،صلى الله عليه وسلم، والرجال الذين هم آله. وفي
التنزيل العزيز: إِنما يريد الله ليُذْهِبَ عنكم الرِّجْس أَهلَ البيت؛
القراءة أَهْلَ بالنصب على المدح كما قال: بك اللهَ نرجو الفَضْل وسُبْحانك
اللهَ العظيمَ، أَو على النداء كأَنه قال يا أَهل البيت. وقوله عز وجل
لنوح، عليه السلام: إِنه ليس من أَهْلِك؛ قال الزجاج: أَراد ليس من أَهْلِك
الذين وعدتُهم أَن أُنجيهم، قال: ويجوز أَن يكون ليس من أَهل دينك.
وأَهَلُ كل نَبيٍّ: أُمَّته.
ومَنْزِلٌ آهِلٌ أَي به أَهْلُه. ابن سيده: ومكان آهِلٌ له أَهْل؛
سيبويه: هو على النسب، ومأْهول: فيه أَهل؛ قال الشاعر:وقِدْماً كان
مأْهْولاً،وأَمْسَى مَرْتَعَ العُفْر
وقال رؤبة:
عَرَفْتُ بالنَّصْرِيَّةِ المَنازِلا
قَفْراً، وكانت مِنْهُمُ مَآهلا
ومكان مأْهول، وقد جاء: أُهِل؛ قال العجاج:
قَفْرَيْنِ هذا ثم ذا لم يُؤهَل
وكلُّ شيء من الدواب وغيرها أَلِف المَنازلَ أَهْلِيٌّ وآهِلٌ؛ الأَخيرة
على النسب، وكذلك قيل لما أَلِفَ الناسَ والقُرى أَهْلِيٌّ، ولما
اسْتَوْحَشَ بَرِّيّ ووحشي كالحمار الوحشي. والأَهْلِيُّ: هو الإِنْسِيّ. ونَهى
رسول الله،صلى الله عليه وسلم، عن أَكل لحوم الحُمُر الأَهْلية يومَ
خَيْبَرَ؛ هي الحُمُر التي تأْلف البيوت ولها أَصْحاب وهي مثل الأُنْسية ضدّ
الوحشية.
وقولهم في الدعاء: مَرْحَباً وأَهْلاً أَي أَتيتَ رُحْباً أَي سَعَة،
وفي المحكم أَي أَتيت أَهْلاً لا غُرباء فاسَْأْْنِسْ ولا تَسْتَوْحِشْ.
وأَهَّل به: قال له أَهْلاً. وأَهِل به: أَنِس. الكسائي والفراء: أَهِلْتُ
به وودَقْتُ به إِذا استأْنستَ به؛ قال ابن بري: المضارع منه آهَلُ به،
بفتح الهاء. وهو أَهْلٌ لكذا أَي مُسْتَوجب له، الواحدُ والجمعُ في ذلك
سَواء، وعلى هذا قالوا: المُلْك لله أَهْلِ المُلْك. وفي التنزيل العزيز:
هو أَهْلُ التَّقْوى وأَهْل المغفرة؛ جاء في التفسير: أَنه، عز وجل،
أَهْلٌ لأَن يُتَّقَى فلا يُعْصَى وأَهْلُ المغفرة لمن اتَّقاه، وقيل: قوله
أَهل التقوى مَوْضِعٌ لأَن يُتَّقى، وأَهْل المغفرة موضع لذلك.
الأَزهري: وخطَّأَ بعضُهم قولَ من يقول فلان يَسْتأْهِل أَن يُكْرَم أَو
يُهان بمعنى يَسْتحق، قال: ولا يكون الاستِئهال إِلاَّ من الإِهالة،
قال: وأَما أَنا فلا أُنكره ولا أُخَطِّئُ من قاله لأَني سمعت أَعرابيّاً
فَصِيحاً من بني أَسد يقول لرجل شكر عنده يَداً أُولِيَها: تَسْتَأْهِل يا
أَبا حازم ما أُولِيتَ، وحضر ذلك جماعة من الأَعراب فما أَنكروا قوله،
قال: ويُحَقِّق ذلك قولُه هو أَهْل التقوى وأَهل المَغْفِرة. المازني: لا
يجوز أَن تقول أَنت مُسْتَأْهل هذا الأَمر ولا مستأْهل لهذا الأَمر لأَنك
إِنما تريد أَنت مستوجب لهذا الأَمر، ولا يدل مستأْهل على ما أَردت،
وإِنما معنى الكلام أَنت تطلب أَن تكون من أَهل هذا المعنى ولم تُرِدْ ذلك،
ولكن تقول أَنت أَهْلٌ لهذا الأَمر، وروى أَبو حاتم في كتاب المزال
والمفسد عن الأَصمعي: يقال استوجب ذلك واستحقه ولا يقال استأْهله ولا أَنت
تَسْتَأْهِل ولكن تقول هو أَهل ذاك وأَهل لذاك، ويقال هو أَهْلَةُ ذلك.
وأَهّله لذلك الأَمر تأْهيلاً وآهله: رآه له أَهْلاً. واسْتَأْهَله: استوجبه،
وكرهها بعضهم، ومن قال وَهَّلتْه ذهب به إِلي لغة من يقول وامَرْتُ
وواكَلْت. وأَهْل الرجل وأَهلته: زَوْجُه. وأَهَل الرجلُ يَأْهِلُ ويَأْهُل
أَهْلاً وأُهُولاً، وتَأَهَّل: تَزَوَّج. وأَهَلَ فلان امرأَة يأْهُل إِذا
تزوّجها، فهي مَأْهولة. والتأَهُّل: التزوّج. وفي باب الدعاء: آهَلَك
الله في الجنة إيهالاً أَي زوّجك فيها وأَدخلكها. وفي الحديث: أَن
النبي،صلى الله عليه وسلم، أَعْطى الآهِلَ حَظَّين والعَزَب حَظًّا؛ الآهل: الذي
له زوجة وعيال، والعَزَب الذي لا زوجة له، ويروى الأَعزب، وهي لغة رديئة
واللغة الفُصْحى العَزَب، يريد بالعطاء نصيبَهم من الفَيْء. وفي الحديث:
لقد أَمست نِيران بني كعب آهِلةً أَي كثيرة الأَهل. وأَهَّلَك الله للخير
تأْهيلاً.
وآلُ الرجل: أَهْلُه. وآل الله وآل رسوله: أَولياؤه، أَصلها أَهل ثم
أُبدلت الهاء همزة فصارت في التقدير أَأْل، فلما توالت الهمزتان أَبدلوا
الثانية أَلفاً كما قالوا آدم وآخر، وفي الفعل آمَنَ وآزَرَ، فإِن قيل: ولمَ
زَعَمْتَ أَنهم قلبوا الهاء همزة ثم قلبوها فيما بعد، وما أَنكرتَ من
أَن يكون قلبوا الهاء أَلفاً في أَوَّل الحال؟ فالجواب أَن الهاء لم تقلب
أَلفاً في غير هذا الموضع فيُقاسَ هذا عليه، فعلى هذا أُبدلت الهاء همزة
ثم أُبدلت الهمزة أَلفاً، وأَيضاً فإِن الأَلف لو كانت منقلبة عن غير
الهمزة المنقلبة عن الهاء كما قدمناه لجاز أَن يستعمل آل في كل موضع يستعمل
فيه أَهل، ولو كانت أَلف آل بدلاً من أَهل لقيل انْصَرِفْ إِلى آلك، كما
يقال انْصَرِف إِلى أَهلك، وآلَكَ والليلَ كما يقال أَهْلَك والليلَ، فلما
كانوا يخصون بالآل الأَشرفَ الأَخصَّ دون الشائع الأَعم حتى لا يقال
إِلا في نحو قولهم: القُرَّاء آلُ الله، وقولهم: اللهمَّ صلِّ على محمد وعلى
آل محمد، وقال رجل مؤمن من آل فرعون؛ وكذلك ما أَنشده أَبو العباس
للفرزدق:
نَجَوْتَ، ولم يَمْنُنْ عليك طَلاقةً،
سِوى رَبَّة التَّقْريبِ من آل أَعْوَجا
لأَن أَعوج فيهم فرس مشهور عند العرب، فلذلك قال آل أَعوجا كما يقال
أَهْل الإِسكاف، دلَّ على أَن الأَلف ليست فيه بدلاً من الأَصل، وإِنما هي
بدل من الأَصل
(* قوله «وإنما هي بدل من الأصل» كذا في الأصل. ولعل فيه
سقطاً. وأصل الكلام، والله أعلم: وإنما هي بدل من الهمزة التي هي بدل من
الأصل، أو نحو ذلك.) فجرت في ذلك مجرى التاء في القسم، لأَنها بدل من
الواو فيه، والواو فيه بدل من الباء، فلما كانت التاء فيه بدلاً من بدل وكانت
فرع الفرع اختصت بأَشرف الأَسماء وأَشهرها، وهو اسم الله، فلذلك لم
يُقَل تَزَيْدٍ ولا تالبَيْتِ كما لم يُقَل آل الإِسكاف ولا آل الخَيَّاط؛
فإِن قلت فقد قال بشر:
لعَمْرُك ما يَطْلُبْنَ من آل نِعْمَةٍ،
ولكِنَّما يَطْلُبْنَ قَيْساً ويَشْكُرا
فقد أَضافه إِلى نعمة وهي نكرة غير مخصوصة ولا مُشَرَّفة، فإِن هذا بيت
شاذ؛ قال ابن سيده: هذا كله قول ابن جني، قال: والذي العمل عليه ما
قدمناه وهو رأْي الأَخفش، قال: فإِن قال أَلست تزعم أَن الواو في والله بدل من
الباء في بالله وأَنت لو أَضمرت لم تقل وَهُ كما تقول به لأَفعلن، فقد
تجد أَيضاً بعض البدل لا يقع موقع المبدل منه في كل موضع، فما ننكر أَيضاً
أَن تكون الأَلف في آل بدلاً من الهاء وإِن كان لا يقع جميع مواقع أَهل؟
فالجواب أَن الفرق بينهما أَن الواو لم يمتنع من وقوعها في جميع مواقع
الباء من حيث امتنع من وقوع آل في جميع مواقع أَهل، وذلك أَن الإِضمار
يردّ الأَسماء إِلى أُصولها في كثير من المواضع، أَلا ترى أَن من قال
أَعطيتكم درهماً فحذف الواو التي كانت بعد الميم وأَسكن الميم، فإِنه إِذا
أَضمر للدرهم قال أَعطيتكموه، فردّ الواو لأَجل اتصال الكلمة بالمضمر؟ فأَما
ما حكاه يونس من قول بعضهم أَعْطَيْتُكُمْه فشاذ لا يقاس عليه عند عامة
أَصحابنا، فلذلك جاز أَن تقول: بهم لأَقعدن وبك لأَنطلقن، ولم يجز أَن
تقول: وَكَ ولا وَهُ، بل كان هذا في الواو أَحرى لأَنها حرف منفرد فضعفت عن
القوّة وعن تصرف الباء التي هي أَصل؛ أَنشدنا أَبو علي قال: أَنشدنا أَبو
زيد:
رأَى بَرْقاً فأَوْضَعَ فوقَ بَكْرٍ،
فلا بِكَ ما أَسالَ ولا أَغاما
قال: وأَنشدنا أَيضاً عنه:
أَلا نادَتْ أُمامةُ باحْتِمالِ
ليَحْزُنَني، فلا بِك ما أُبالي
قال: وأَنت ممتنع من استعمال الآل في غير الأَشهر الأَخص، وسواء في ذلك
أَضفته إِلى مُظْهَر أَو أَضفته إِلى مضمر؛ قال ابن سيده: فإِن قيل أَلست
تزعم أَن التاء في تَوْلَج بدل من واو، وأَن أَصله وَوْلَج لأَنه
فَوْعَل من الوُلُوج، ثم إِنك مع ذلك قد تجدهم أَبدلوا الدال من هذه التاء
فقالوا دَوْلَج، وأَنت مع ذلك قد تقول دَوْلَج في جميع هذه المواضع التي تقول
فيها تَوْلَج، وإِن كانت الدال مع ذلك بدلاً من التاء التي هي بدل من
الواو؟ فالجواب عن ذلك أَن هذه مغالطة من السائل، وذلك أَنه إِنما كان
يطَّرد هذا له لو كانوا يقولون وَوْلَج ودَوْلَج ويستعملون دَوْلَجاً في جميع
أَماكن وَوْلَج، فهذا لو كان كذا لكان له به تَعَلّقٌ، وكانت تحتسب
زيادة، فأَما وهم لا يقولون وَوْلَج البَتَّةَ كراهية اجتماع الواوين في أَول
الكلمة، وإِنما قالوا تَوْلَج ثم أَبدلوا الدال من التاء المبدلة من
الواو فقالوا دَوْلَج، فإِنما استعملوا الدال مكان التاء التي هي في المرتبة
قبلها تليها، ولم يستعملوا الدال موضع الواو التي هي الأَصل فصار إِبدال
الدال من التاء في هذا الموضع كإِبدال الهمزة من الواو في نحو
أُقِّتَتْ وأُجُوه لقربها منها، ولأَنه لا منزلة بينهما واسطة، وكذلك لو عارض
معارض بهُنَيْهَة تصغير هَنَة فقال: أَلست تزعم أَن أَصلها هُنَيْوَة ثم
صارت هُنَيَّة ثم صارت هُنَيْهة، وأَنت قد تقول هُنَيْهة في كل موضع قد تقول
فيه هُنَيَّة؟ كان الجواب واحداً كالذي قبله، أَلا ترى أَن هُنَيْوة
الذي هو أَصل لا يُنْطَق به ولا يستعمل البَتَّة فجرى ذلك مجرى وَوْلَج في
رفضه وترك استعماله؟ فهذا كله يؤَكد عندك أَن امتناعه من استعمال آل في
جميع مواقع أَهل إِنما هو لأَن فيه بدلاً من بدل، كما كانت التاء في القسم
بدلاً من بدل.
والإِهالَةُ: ما أَذَبْتَ من الشحم، وقيل: الإِهَالة الشحم والزيت،
وقيل: كل دهن اؤْتُدِم به إِهالةٌ، والإِهالة الوَدَك. وفي الحديث: أَنه كان
يُدْعى إِلى خُبْز الشعير والإِهالة السَّنِخَة فيُجيب، قال: كل شيء من
الأَدهان مما يُؤْتَدَم به إِهالَةٌ، وقيل: هو ما أُذيب من الأَلْية
والشَّحم، وقيل: الدَّسَم الجامد والسَّنِخة المتغيرة الريح. وفي حديث كعب في
صفة النار: يجاء بجهنَم يوم القيامة كأَنها مَتْنُ إِهالة أَي ظَهْرُها.
قال: وكل ما اؤْتدم به من زُبْد ووَدَك شحم ودُهْنِ سمسم وغيره فهو
إِهالَة، وكذلك ما عَلا القِدْرَ من وَدَك اللحم السَّمين إِهالة، وقيل:
الأَلْية المُذابة والشحم المذاب إِهالة أَيضاً. ومَتْن الإِهالة: ظَهْرُها
إِذا سُكِبَت في الإِناء، فَشَبَّه كعب سكون جهنم قبل أَن يصير الكفار فيها
بذلك.
واسْتَأْهل الرجلُ إِذا ائتدم بالإِهالة. والمُسْتَأْهِل: الذي يأْخذ
الإِهالة أَو يأْكلها؛ وأَنشد ابن قتيبة لعمرو ابن أسوى:
لا بَلْ كُلِي يا أُمَّ، واسْتَأْهِلي،
إِن الذي أَنْفَقْتُ من مالِيَه
وقال الجوهري: تقول فلان أَهل لكذا ولا تقل مُسْتَأْهِل، والعامَّة
تقول. قال ابن بري: ذكر أَبو القاسم الزجاجي في أَماليه قال: حدثني أَبو
الهيثم خالد الكاتب قال: لما بويع لإِبراهيم بن المهدي بالخلافة طلبني وقد
كان يعرفني، فلما دخلت إِليه قال: أَنْشِدْني، فقلت: يا أَمير المؤْمنين،
ليس شعري كما قال النبي،صلى الله عليه وسلم، إِنَّ من الشعر لحكماً،
وإِنما أَنا أَمزحُ وأَعْبَثُ به؛ فقال: لا تقل يا خالد هكذا، فالعلم جِدٌّ
كله؛ ثم أَنْشدته:
كُنْ أَنت للرَّحْمَة مُسْتَأْهِلاً،
إِن لم أَكُنْ منك بِمُسْتَأْهِل
أَلَيْسَ من آفة هذا الهَوى
بُكاءٌ مقتول على قاتل؟
قال: مُسْتَأْهِل ليس من فصيح الكلام وإِنما المُسْتَأْهِل الذي يأْخذ
الإِهالة، قال: وقول خالد ليس بحجة لأَنه مولد، والله أَعلم.
أصل: الأَصْلُ: أَسفل كل شيء وجمعه أُصول لا يُكَسَّر على غير ذلك، وهو
اليأْصُول. يقال: أَصل مُؤَصَّل؛ واستعمل ابن جني الأَصلية موضع
التأَصُّل فقال: الأَلف وإِن كانت في أَكثر أَحوالها بدلاً أَو زائدة فإِنها إِذا
كانت بدلاً من أَصل جرت في الأَصلية مجراه، وهذا لم تنطق به العرب إِنما
هو شيء استعملته الأَوائل في بعض كلامها. وأَصُل الشيءُ: صار ذا أَصل؛
قال أُمية الهذلي:
وما الشُّغْلُ إِلا أَنَّني مُتَهَيِّبٌ
لعِرْضِكَ، ما لم تجْعَلِ الشيءَ يَأْصُلُ
وكذلك تَأَصَّل.
ويقال: اسْتَأْصَلَتْ هذه الشجرةُ أَي ثبت أَصلها. واستأْصل افيفي ُ بني
فلان إِذا لم يَدَعْ لهم أَصْلاً. واستأْصله أَي قَلَعه من أَصله. وفي
حديث الأُضحية: أَنه نهى عن المُسْتَأْصَلة؛ هي التي أُخِذ قَرْنُها من
أَصله، وقيل هو من الأَصِيلة بمعنى الهلاك. واسْتَأْصَلَ القومَ: قَطَعَ
أَصلَهم. واستأْصل افيفي شَأْفَتَه: وهي قَرْحة تخرج بالقَدَم فتُكْوى فتذهب،
فدَعا افيفي أَن يذهب ذلك عنه
(* قوله «ان يذهب ذلك عنه» كذا بالأصل،
وعبارته في ش ا ف: فيقال في الدعاء: اذهبهم افيفي كما اذهب ذلك الداء
بالكي).وقَطْعٌ أَصِيل: مُسْتَأْصِل. وأَصَل الشيءَ: قَتَله عِلْماً فعَرَف
أَصلَه. ويقال: إِنَّ النخلَ بأَرضِنا لأَصِيلٌ أَي هو به لا يزال ولا
يَفْنى. ورجل أَصيِيل: له أَصْل. ورَأْيٌ أَصيل: له أَصل. ورجل أَصيل: ثابت
الرأْي عاقل. وقد أَصُل أَصالة، مثل ضَخُم ضَخامة، وفلان أَصِيلُ الرأْي
وقد أَصُل رأْيُه أَصالة، وإِنه لأَصِيل الرأْي والعقل. ومجد أَصِيل أَي ذو
أَصالة. ابن الكسيت: جاؤوا بأَصِيلتهم أَي بأَجمعهم. والأَصِيلُ:
العَشِيُّ، والجمع أُصُل وأُصْلان مثل بعير وبُعران وآصال وأُصائل كأَنه جمع
أَصِيلة؛ قال أَبو ذؤيب الهذلي:
لعَمْري لأَنتَ البَيْتُ أُكْرِمُ أَهْلَه،
وأَقْعُدُ في أَفيائه بالأَصائل
وقال الزجاج: آصال جمخع أُصُل، فهو على هذا جمع الجمع، ويجوز أَن يكون
أُصُل واحداً كطُنُب؛ أَنشد ثعلب:
فتَمَذَّرَتْ نفسي لذاك، ولم أَزَلْ
بَدِلاً نِهارِيَ كُلَّه حَتى الأُصُلْ
فقوله بَدِلاً نهاري كله يدل على أَن الأُصُل ههنا واحد، وتصغيره
أُصَيْلان وأُصَيْلال على البدل أَبدلوا من النون لاماً؛ ومنه قول
النابغة:وَقَفْتُ فيها أُصَيْلالاً أُسائِلُها،
عَيَّتْ جَواباً، وما بالرَّبْع من أَحَد
قال السيرافي: إِن كان أُصَيْلان تصغير أُصْلان وأُصْلان جممع أَصِيل
فتصغيره نادر، لأَنه إِنما يصغر من الجمع ما كان على بناء أَدنى العدد،
وأَبنية أَدنى العدد أَربعة: أَفعال وأَفعُل وأَفعِلة وفعْلة، وليست أُصْلان
واحدة منها فوجب أَن يحكم عليه بالشذوذ، وإِن كان أُصْلان واحداً
كرُمَّان وقُرْبان فتصغيره على بابه؛ وأَما قول دَهْبَل:
إِنِّي الذي أَعْمَل أَخْفافَ المَطِي،
حَتَّى أَناخَ عِنْدَ بابِ الحِمْيَرِي،
فَأُعْطِي الحِلْقَ أُصَيْلالَ العَشِي
قال ابن سيده: عندي أَنه من إِضافة الشيء إلى نفسه، إِذ الأَصِيل
والعَشِيُّ سواء لا فائدة في أَحدهما إِلا ما في الآخر. وآصَلْنا: دَخَلْنا في
الأَصِيل. ولقيته أُصَيْلالاً وأُصَيلاناً إِذا لقِيتَه بالعَشِيِّ،
ولَقيتُه مُؤْصِلاً. والأَصِيلُ: الهلاك؛ قال أَوس:
خافوا الأَصِيلَ وقد أَعْيَتْ ملوكُهُمُ،
وحُمِّلوا من أَذَى غُرْمٍ بأَثقال
وأَتَيْنا مُؤْصِلِين
(* قوله «وأتينا مؤصلين» كذا بالأصل) وقولهم لا
أَصْل له ولا فَصْل؛ الأَصْل: الحَسَب، والفَصْل اللسان. والأَصِيلُ: الوقت
بعد العصر إِلى المغرب.
والأَصَلة: حَيَّة قصيرة كالرِّئَة حمراء ليست بشدية الحمرة لها رجل
واحدة تقوم عليها وتُساور الإِنسان وتنفخ فلا تصيب شيئاً بنفختها إِلا
أَهلكته، وقيل: هي مثل الرحى مستديرة حمراءُ لا تَمَس شجرة ولا عوداً إِلا
سَمَّته، ليست بالشديدة الحمرة لها قائمة تَخُطُّ بها في الأَرض وتَطْحَن
طحن الرحى، وقيل: الأَصَلة حية صغيرة تكون في الرمال لونها كلون الرِّئَة
ولها رجل واحدة تقف عليها تَثِب إِلى الإِنسان ولا تصيب شيئاً إِلا هلك،
وقيل: الأَصَلة الحية العظيمة، وجمعها أَصَل؛ وفي الصحاح: الأَصَلة،
بالتحريك، جنس من الحيات وهو أَخبثها. وفي الحديث في ذكر الدجال: أَعور جعد
كأَن رأْسه أَصَلة، بفتح الهمزة والصاد؛ قال ابن الأَنباري: الأَصَلة
الأَفْعَى، وقيل: حية ضَخْمة عظيمة قصيرة الجسم تَثِب على الفارس فتقتله فشبه
رسول افيفي ،
صفيفيى افيفي عليه وسلم، رأْس الدجال بها لِعِظَمِه واستدارته، وفي
الأَصَلة مع عظمها استدارة؛ وأَنشد:
يا ربِّ إِنْ كان يَزيدُ قد أَكَل
لَحْمَ الصَّديق عَلَلاً بعد نَهَل
ودَبَّ بالشَّرِّ دبيباً ونَشَل،
فاقْدُر له أَصَلةً من الأَصَل
(* قوله «ونشل» كذا بالأصل بالشين المعجمة، ولعله بالمهملة من النسلان
المناسب للدبيب).
كَبْساءَ، كالقُرْصة أَو خُفِّ الجَمَل،
لها سَحِيفٌ وفَحِيحٌ وزَجَل
السحيف: صوت جلدها، والفَحِيح من فمها، والكبساء: العظيمة الرأْس؛ رجل
أَكبس وكُبَاس، والعرب تشبه الرأْس الصغير الكثير الحركة برأْس الحية؛ قال
طَرَفة:
خَشَاشٌ كرأْسِ الحَيّة المُتَوَقِّدِ
(* قوله «خشاش إلخ» هو عجز بيت صدره كما في الصحاح:
انا الرجل الضرب الذي تعرفونه.
والخشاش: هو الماضي من الرجال).
وأَخذ الشيء بأَصَلته وأَصيلته أَي بجميعه لم يَدَعْ منه شيئاً؛ الأَول
عن ابن الأَعرابي.
وأَصِلَ الماءُ يأْصَل أَصَلاً كأَسِن إِذا تغير طعمه وريحه من حَمْأَة
فيه. ويقال: إِني لأَجِد من ماء حُبِّكم طَعْمَ أَصَلٍ. وأَصِيلة الرجل:
جميع ماله. ويقال: أَصِل فلان يفعل كذا وكذا كقولك طَفِق وعَلِق.