في فضائل الــقرآن العظيم، والفرقان الحكيم.
لأبي بكر: محمد بن أحمد بن الغساني، الوادياشي.
لخص فيه: زبدة ما في كتب فضائل الــقرآن العظيم، وخواصها، وعدد الآيات، والحروف.
سندس: الجوهري في الثلاثيّ: السُّنْدُسُ البُزْيُون؛ وأَنشد أَبو عبيدة
ليزيد بن حَذَّاق العَبْدِيّ:
أَلا هل أَتاها أَنَّ شَكَّةَ حازم
لَدَيَّ، وأَني قد صَنَعْتُ الشَّمُوسا؟
وداويْتُها حتى شَتَتْ حَبَشِيَّةً،
كأَن عليها سُنْدُساً وسُدُوسا
الشَّمُوس: فرسه وصُنْعُه لها: تَضْمِيرُه إِياها، وكذلك قوله داويتها
بمعنى ضمَّرتها. وقوله حَبَشِيَّة يريد حبشية اللون في سوادها، ولهذا
جعلها كأَنها جُلِّلَتْ سُدُوساً، وهو الطَّيْلَسان الأَخضر. وفي الحديث: أَن
النبي، صلى اللَّه عليه وسلم، بعث إِلى عمر، رضي اللَّه عنه، بجُبَّةِ
سُنْدُسٍ؛ قال المفسرون في السندس: إِنه رَقيق الدِّيباج ورَفيعُه، وفي
تفسير الإِسْتَبْرَقِ: إِنه غليظ الديباج ولم يختلفوا فيه الليث:
السُّنْدُسُ ضَرْبٌ من البُزْيون يتخذ من المِرْعِزَّى ولم يختلف أَهل اللغة فيهما
أَنهما معرّبان، وقيل: السُّنْدُس ضرب من البُرود.
كلم: الــقرآنُ: كلامُ الله وكَلِمُ الله وكَلِماتُه وكِلِمته، وكلامُ
الله لا يُحدّ ولا يُعدّ، وهو غير مخلوق، تعالى الله عما يقول المُفْتَرُون
علُوّاً كبيراً. وفي الحديث: أَعوذ بِكلماتِ الله التامّاتِ؛ قيل: هي
الــقرآن؛ قال ابن الأَثير: إنما وَصَف كلامه بالتَّمام لأَنه لا يجوز أَن
يكون في شيء من كلامه نَقْص أَو عَيْب كما يكون في كلام الناس، وقيل: معنى
التمام ههنا أَنها تنفع المُتَعَوِّذ بها وتحفظه من الآفات وتَكْفِيه. وفي
الحديث: سبحان الله عَدَد كلِماتِه؛ كِلماتُ الله أي كلامُه، وهو صِفتُه
وصِفاتُه لا تنحصر بالعَدَد، فذِكر العدد ههنا مجاز بمعنى المبالغة في
الكثرة، وقيل: يحتمل أَن يريد عدد الأَذْكار أَو عدد الأُجُور على ذلك،
ونَصْبُ عدد على المصدر؛ وفي حديث النساء: اسْتَحْلَلْتم فُرُوجَهن بكلمة
الله؛ قيل: هي قوله تعالى: فإمساك بمعروف أو تسريح بإحْسان، وقيل: هي
إباحةُ الله الزواج وإذنه فيه. ابن سيده: الكلام القَوْل، معروف، وقيل:
الكلام ما كان مُكْتَفِياً بنفسه وهو الجملة، والقول ما لم يكن مكتفياً بنفسه،
وهو الجُزْء من الجملة؛ قال سيبويه: اعلم أَنّ قُلْت إنما وقعت في
الكلام على أَن يُحكى بها ما كان كلاماً لا قولاً، ومِن أَدلّ الدليل على
الفرق بين الكلام والقول إجماعُ الناس على أَن يقولوا الــقُرآن كلام الله ولا
يقولوا الــقرآن قول الله، وذلك أَنّ هذا موضع ضيِّق متحجر لا يمكن تحريفه
ولا يسوغ تبديل شيء من حروفه، فَعُبِّر لذلك عنه بالكلام الذي لا يكون
إلا أَصواتاً تامة مفيدة؛ قال أَبو الحسن: ثم إنهم قد يتوسعون فيضعون كل
واحد منهما موضع الآخر؛ ومما يدل على أَن الكلام هو الجمل المتركبة في
الحقيقة قول كثيِّر:
لَوْ يَسْمَعُونَ كما سمِعتُ كلامَها،
خَرُّوا لِعَزَّةَ رُكَّعاً وسُجُودا
فمعلوم أَن الكلمة الواحدة لا تُشجِي ولا تُحْزِنُ ولا تَتملَّك قلب
السامع، وإنما ذلك فيما طال من الكلام وأَمْتَع سامِعِيه لعُذوبة
مُسْتَمَعِه ورِقَّة حواشيه، وقد قال سيبويه: هذا باب أَقل ما يكون عليه الكلم،
فدكر هناك حرف العطف وفاءه ولام الابتداء وهمزة الاستفهام وغير ذلك مما هو
على حرف واحد، وسمى كل واحدة من ذلك كلمة. الجوهري: الكلام اسم جنس يقع
على القليل والكثير، والكَلِمُ لا يكون أقل من ثلاث كلمات لأَنه جمع كلمة
مثل نَبِقة ونَبِق، ولهذا قال سيبويه: هذا باب علم ما الكلِمُ من العربية،
ولم يقل ما الكلام لأنه أَراد نفس ثلاثة أَشياء: الاسم والفِعْل
والحَرف، فجاء بما لا يكون إلا جمعاً وترك ما يمكن أن يقع على الواحد والجماعة،
وتميم تقول: هي كِلْمة، بكسر الكاف، وحكى الفراء فيها ثلاث لُغات: كَلِمة
وكِلْمة وكَلْمة، مثل كَبِدٍ وكِبْدٍ وكَبْدٍ، ووَرِقٍ ووِرْقٍ ووَرْقٍ،
وقد يستعمل الكلام في غير الإنسان؛ قال:
فَصَبَّحَتْ، والطَّيْرُ لَمْ تَكَلَّمِ،
جابِيةً حُفَّتْ بِسَيْلٍ مُفْعَمِ
(* قوله «مفعم» ضبط في الأصل والمحكم هنا بصيغة اسم المفعول وبه أيضاً
ضبط في مادة فعم من الصحاح).
وكأَنّ الكلام في هذا الاتساع إنما هو محمول على القول، أَلا ترى إلى
قلة الكلام هنا وكثرة القول؟ والكِلْمَة: لغةٌ تَميمِيَّةٌ، والكَلِمة:
اللفظة، حجازيةٌ، وجمعها كَلِمٌ، تذكر وتؤنث. يقال: هو الكَلِمُ وهي
الكَلِمُ. التهذيب: والجمع في لغة تميم الكِلَمُ؛ قال رؤبة:
لا يَسْمَعُ الرَّكْبُ به رَجْعَ الكِلَمْ
وقالل سيبويه: هذا باب الوقف في أَواخر الكلم المتحركة في الوصل، يجوز
أن تكون المتحركة من نعت الكَلِم فتكون الكلم حينئذ مؤنثة، ويجوز أن تكون
من نعت الأَواخر، فإذا كان ذلك فليس في كلام سيبويه هنا دليل على تأْنيث
الكلم بل يحتمل الأَمرين جميعاً؛ فأَما قول مزاحم العُقَيليّ:
لَظَلّ رَهِيناً خاشِعَ الطَّرْفِ حَطَّه
تَحَلُّبُ جَدْوَى والكَلام الطَّرائِف
فوصفه بالجمع، فإنما ذلك وصف على المعنى كما حكى أَبو الحسن عنهم من
قولهم: ذهب به الدِّينار الحُمْرُ والدِّرْهَمُ البِيضُ؛ وكما قال:
تَراها الضَّبْع أَعْظَمهُنَّ رَأْسا
فأَعادَ الضمير على معنى الجنسية لا على لفظ الواحد، لما كانت الضبع هنا
جنساً، وهي الكِلْمة، تميمية وجمعها كِلْم، ولم يقولوا كِلَماً على
اطراد فِعَلٍ في جمع فِعْلة. وأما ابن جني فقال: بنو تميم يقولون كِلْمَة
وكِلَم كَكِسْرَة وكِسَر. وقوله تعالى: وإذ ابْتَلى إبراهيمَ رَبُّه
بكَلِمات؛ قال ثعلب: هي الخِصال العشر التي في البدن والرأْس. وقوله تعالى:
فتَلَقَّى آدمُ من ربه كَلِماتٍ؛ قال أَبو إسحق: الكَلِمات، والله أَعلم،
اعْتِراف آدم وحواء بالذَّنب لأَنهما قالا رَبَّنا ظَلَمنا أَنْفُسَنا. قال
أَبو منصور: والكلمة تقع على الحرف الواحد من حروف الهجاء، وتقع على لفظة
مؤلفة من جماعة حروفٍ ذَاتِ مَعْنىً، وتقع على قصيدة بكمالها وخطبة
بأَسْرها. يقال: قال الشاعر في كَلِمته أَي في قصيدته. قال الجوهري: الكلمة
القصيدة بطُولها.
وتَكلَّم الرجل تَكلُّماً وتِكِلاَّماً وكَلَّمه كِلاَّماً، جاؤوا به
على مُوازَنَة الأَفْعال، وكالمَه: ناطَقَه. وكَلِيمُك: الذي يُكالِمُك.
وفي التهذيب: الذي تُكَلِّمه ويُكَلِّمُك يقال: كلَّمْتُه تَكلِيماً
وكِلاَّماً مثل كَذَّبْته تَكْذيباً وكِذَّاباً. وتَكلَّمْت كَلِمة وبكَلِمة.
وما أَجد مُتكَلَّماً، بفتح اللام، أي موضع كلام. وكالَمْته إذا حادثته،
وتَكالَمْنا بعد التَّهاجُر. ويقال: كانا مُتَصارِمَيْن فأَصبحا
يَتَكالَمانِ ولا تقل يَتَكَلَّمانِ. ابن سيده: تَكالَمَ المُتَقاطِعانِ كَلَّمَ
كل واحد منهما صاحِبَه، ولا يقال تَكَلَّما. وقال أَحمد بن يحيى في قوله
تعالى: وكَلَّم الله موسى تَكْلِيماً؛ لو جاءت كَلَّمَ الله مُوسَى مجردة
لاحتمل ما قلنا وما قالوا، يعني المعتزلة، فلما جاء تكليماً خرج الشك
الذي كان يدخل في الكلام، وخرج الاحتمال للشَّيْئين، والعرب تقول إذا وُكِّد
الكلامُ لم يجز أن يكون التوكيد لغواً، والتوكيدُ بالمصدر دخل لإخراج
الشك. وقوله تعالى: وجعلها كَلِمة باقِيةً في عَقِبه؛ قال الزجاج: عنى
بالكلمة هنا كلمة التوحيد، وهي لا إله إلا الله، جَعلَها باقِيةً في عَقِب
إبراهيم لا يزال من ولده من يوحِّد الله عز وجل. ورجل تِكْلامٌ وتِكْلامة
وتِكِلاَّمةٌ وكِلِّمانيٌّ: جَيِّدُ الكلام فَصِيح حَسن الكلامِ
مِنْطِيقٌٌ. وقال ثعلب: رجل كِلِّمانيٌّ كثير الكلام، فعبر عنه بالكثرة، قال:
والأُنثى كِلِّمانيَّةٌ، قال: ولا نظير لِكِلِّمانيٍّ ولا لِتِكِلاَّمةٍ. قال
أَبو الحسن: وله عندي نظير وهو قولهم رجل تِلِقَّاعةٌ كثير الكلام.
والكَلْمُ: الجُرْح، والجمع كُلُوم وكِلامٌ؛ أَنشد ابن الأَعرابي:
يَشْكُو، إذا شُدَّ له حِزامُه،
شَكْوَى سَلِيم ذَرِبَتْ كِلامُه
سمى موضع نَهْشة الحية من السليم كَلْماً، وإنما حقيقته الجُرْحُ، وقد
يكون السَّلِيم هنا الجَرِيحَ، فإذا كان كذلك فالكلم هنا أَصل لا مستعار.
وكَلَمَه يَكْلِمُه
(* قوله «وكلمه يكلمه» قال في المصباح: وكلمه يكلمه
من باب قتل ومن باب ضرب لغة ا هـ. وعلى الأخيرة اقتصر المجد. وقوله «وكلمة
كلماً جرحه» كذا في الأصل وأصل العبارة للمحكم وليس فيها كلماً) كَلْماً
وكَلَّمه كَلْماً: جرحه، وأَنا كالِمٌ ورجل مَكْلُوم وكَلِيم؛ قال:
عليها الشَّيخُ كالأَسَد الكَلِيمِ
والكَلِيمُ، فالجر على قولك عليها الشيخ كالأَسدِ الكليم إذا جُرِح
فَحَمِي أَنْفاً، والرفع على قولك عليها الشيخُ الكلِيمُ كالأَسد، والجمع
كَلْمى. وقوله تعالى: أَخرجنا لهم دابّة من الأَرض تُكَلِّمهم؛ قرئت:
تَكْلِمُهم وتُكَلِّمُهم، فتَكْلِمُهم: تجرحهم وتَسِمهُم، وتُكَلِّمُهم: من
الكلام، وقيل: تَكْلِمهم وتُكَلِّمهم سواء كما تقول تَجْرحهُم وتُجَرِّحهم،
قال الفراء: اجتمع القراء على تشديد تُكَلِّمهم وهو من الكلام، وقال أَبو
حاتم: قرأَ بعضهم تَكْلِمهُم وفسر تَجْرحهُم، والكِلام: الجراح، وكذلك
إن شدد تُكلِّمهم فذلك المعنى تُجَرِّحهم، وفسر فقيل: تَسِمهُم في وجوههم،
تَسِمُ المؤمن بنقطة بيضاء فيبيضُّ وجهه، وتَسِم الكافر بنقطة سوداء
فيسودّ وجهه. والتَّكْلِيمُ: التَّجْرِيح؛ قال عنترة:
إذ لا أَزال على رِحالةِ سابِحٍ
نَهْدٍ، تَعاوَرَه الكُماة، مُكَلَّمِ
وفي الحديث: ذهَب الأَوَّلون لم تَكْلِمهم الدنيا من حسناتهم شيئاً أي
لم تؤثِّر فيهم ولم تَقْدح في أَديانهم، وأَصل الكَلْم الجُرْح. وفي
الحديث: إنا نَقُوم على المَرْضى ونُداوي الكَلْمَى؛ جمع كَلِيم وهو الجَريح،
فعيل بمعنى مفعول، وقد تكرر ذكره اسماً وفعلاً مفرداً ومجموعاً. وفي
التهذيب في ترجمة مسح في قوله عز وجل: بِكَلِمةٍ منه اسمه المَسِيح؛ قال أَبو
منصور: سمى الله ابتداء أَمره كَلِمة لأَنه أَلْقَى إليها الكَلِمة ثم
كَوَّن الكلمة بشَراً، ومعنى الكَلِمة معنى الولد، والمعنى يُبَشِّرُك
بولد اسمه المسيح؛ وقال الجوهري: وعيسى، عليه السلام، كلمة الله لأَنه لما
انتُفع به في الدّين كما انتُفع بكلامه سمي به كما يقال فلان سَيْفُ الله
وأَسَدُ الله.
والكُلام: أَرض غَليظة صَليبة أو طين يابس، قال ابن دريد: ولا أَدري ما
صحته، والله أَعلم.
غضض: الغَضُّ والغَضِيضُ: الطَّرِيُّ. وفي الحديث: مَنْ سَرَّه أَن
يَقرأَ الــقرآن غَضّاً كما أُنْزِلَ فَلْيَسْمَعْه من ابنِ أُمّ عَبْدٍ؛
الغَضُّ الطريّ الذي لم يتغير، أَراد طريقه في القِراءة وهيأَته فيها، وقيل:
أَراد الآيات التي سمعها منه من أَول سورة النساء إِلى قوله: فكيف إِذا
جئنا من كل أُمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيداً. ومنه حديث عليّ: هل
يَنْتَظِرُ أَهلُ غَضاضةِ الشباب أَي نَضارَتِه وطَراوَتِه. وفي حديث ابن عبد
العزيز أَن رجلاً قال: إِن تزوّجت فلانة حتى أَكل الغَضِيض فهي طالق؛
الغَضِيضُ: الطريّ، والمراد به الطَّلْعُ، وقيل: الثَّمَرُ أَوَّلَ ما
يخرج. ويقال: شيء غَضٌّ بَضٌّ وغاضٌّ باضٌّ، والأُنثى غَضّةٌ وغَضِيضةٌ. وقال
اللحياني: الغضّةُ من النساءِ الرَّقيقةُ الجلدِ الظاهرةُ الدمِ، وقد
غَضَّتْ تَغِضُّ
(* قوله «تغض» بكسر الغين على انه من باب ضرب كما في
المصباح وبفتحها على أَنه من باب سمع كما في القاموس.) وتَغَضُّ غَضاضةً
وغُضُوضةً. ونبت غَضٌّ: ناعِمٌ؛ وقوله:
فَصَبَّحَتْ والظِّلُّ غَضٌّ ما زَحَلْ
أَي أَنه لم تُدْرِكه الشمسُ فهو غَضٌّ كما أَن النبت إِذا لم تدركه
الشمس كان كذلك. وتقول منه: غَضِضْتَ وغَضَضْتَ غَضاضةً وغُضوضةً. وكل ناضِر
غَضٌّ نحو الشّاب وغيره. قال ابن بري: أَنكر عليّ بن حمزة غَضاضةً وقال:
غَضٌّ بيِّن الغُضوضةِ لا غير، قال: وإِنما يقال ذلك فيما يُغْتَضُّ منه
ويُؤْنَفُ، والفعل منه غَضَّ واغْتَضَّ أَي وضَع ونَقَضَ. قال ابن بري:
وقد قالوا بَضٌّ بيِّن البَضاضةِ والبُضُوضةِ، قال: وهذا يقوّي قول
الجوهري في الغَضاضة. التهذيب: واختلف في فعلت من غَضّ، فقال بعضهم: غَضِضْتَ
تَغَضُّ، وقال بعضهم: غَضَضْتَ تَغَضُّ. والغضُّ: الحِبْنُ من حين
يَعْقِدُ إِلى أَن يَسْوَدّ ويَبْيَضَّ، وقيل: هو بعد أَن يَحْدِرَ إِلى أَن
يَنْضَج. والغَضِيضُ الطلْعُ حين يَبْدُو. والغَضُّ من أَولاد البقر:
الحديث النتاج، والجمع الغِضاضُ؛ قال أَبو حية النميري:
خَبَأْنَ بها الغُنَّ الغِضاضَ فأَصْبَحَتْ
لَهُنَّ مَراداً، والسِّخالُ مَخابِئا
الأَصمعي: إِذا بدا الطَّلعُ فهو الغَضِيضُ، فإِذا اخْضَرَّ قيل: خَضَبَ
النخلُ، ثم هو البلح. ابن الأَعرابي: يقال للطَّلْعِ الغِيضُ والغَضِيضُ
والإِغْرِيضُ، ويقال غَضَّضَ إِذا أَكل الغَضَّ.
والغَضاضةُ: الفُتُورُ في الطرف؛ يقال: غَضَّ وأَغْضى إِذا دانى بين
جفنيه ولم يُلاقِ؛ وأَنشد:
وأَحْمَقُ عِرِّيضٌ عَلَيْهِ غَضاضةٌ،
تَمَرَّسَ بي مِنْ حَيْنِه، وأَنا الرَّقِمْ
قال الأَزهري: عليه غَضاضةٌ أَي ذُلّ. ورجل غَضِيضٌ: ذَلِيلٌ بَيِّنُ
الغَضاضةِ من قوم أَغِضّاءَ وأَغِضّةٍ، وهم الأَذِلاّءُ. وغَضَّ طَرْفَه
وبَصره يَغُضُّه غَضّاً وغَضاضاً وغِضاضاً وغَضاضةً، فهو مَغْضُوضٌ
وغَضِيضٌ: كفَّه وخَفَضَه وكسره، وقيل: هو إِذا دانى بين جفونه ونظر، وقيل:
الغَضِيضُ الطرْفِ المُسْتَرْخي الأَجفانِ. وفي الحديث: كان إِذا فَرِحَ
غَضَّ طرْفَه أَي كسَره وأَطرَق ولم يفتح عينه، وإِنما كان يفعل ذلك ليكون
أَبعد من الأَشَرِ والمَرَحِ. وفي حديث أُم سلمة: حُمادَياتُ النساءِ غَضُّ
الأَطرافِ، في قول القتيبي؛ ومنه قصيد كعب:
وما سُعادُ، غَداةَ البين إِذ رَحَلُوا،
إِلا أَغَنُّ غَضِيضُ الطَّرْفِ، مَكْحُولُ
هو فَعِيلٌ بمعنى مَفْعول، وذلك إِنما يكون من الحَياءِ والخَفَرِ،
وغَضَّ من صوته، وكلُّ شيء كَفَفْته، فقد غَضَضْتَه، والأَمر منه في لغة أَهل
الحجاز: اغْضُضْ. وفي التنزيل: واغضُض من صوتك، أَي اخْفِضِ الصوت. وفي
حديث العُطاسِ: إِذا عَطَسَ غَضَّ صوتَه أَي خَفَضَه ولم يرفعه؛ وأَهل
نجد يقولون: غُضَّ طرْفَك، بالإدْغامِ؛ قال جرير:
فَغُضَّ الطرْف، إِنَّكَ من نُمَيْرٍ،
فلا كَعْباً بَلَغْتَ، ولا كِلابا
معناه: غُضَّ طَرْفَكَ ذُلاًّ ومَهانَة. وغَضَّ الطرْفَ أَي كَفَّ
البَصَرَ. ابن الأَعرابي: بضَّضَ الرجلُ إِذا تَنَعَّمَ، وغَضَّضَ صار غَضّاً
مُتَنَعِّماً، وهي الغَضُوضةُ. وغَضَّضَ إِذا أَصابته غَضاضةٌ.
وانْغِضاضُ الطرْفِ. انْغِماضُه. وظبي غَضِيضُ الطرْفِ أَي فاتِرُه. وغَضُّ
الطرْفِ: احتمالُ المكروه؛ وأَنشد أَبو الغوث:
وما كانَ غَضُّ الطرْفِ مِنَّا سَجِيَّةً،
ولَكِنَّنا في مَذْحِجٍ غُرُبان
ويقال: غُضَّ من بصرك وغُضَّ من صوتك. ويقال: إِنك لَغَضِيضُ الطرْفِ
نَقِيُّ الظَّرْفِ؛ قال: والظَّرْفُ وِعاؤه، يقول: لسْتَ بخائن. ويقال:
غُضَّ من لجام فرَسك أَي صَوِّبْه وانْقُص من غَرْبِه وحِدّتِه. وغَضَّ منه
يَغُضُّ أَي وَضَعَ ونَقَصَ من قدره. وغَضَّه يَغُضُّه غَضّاً: نَقَصَه.
ولا أَغُضُّكَ دِرْهَماً أَي لا أَنْقُصُكَ. وفي حديث ابن عباس: لَوْ
غَضَّ الناسُ في الوصِيَّة من الثلُث أَي نَقَصُوا وحَطُّوا؛ وقوله:
أَيّامَ أَسْحَبُ لِمَّتي عَفَرَ المَلا،
وأَغُضُّ كلَّ مُرَجَّلٍ رَيّان
قيل: يعني به الشَّعَر، فالمُرَجَّلُ على هذا المَمْشُوطُ، والرّيانُ
المُرْتَوِي بالدهن، وأَغُضُّ: أَكُفُّ منه، وقيل: إِنما يعني به الزِّقّ،
فالمُرَجَّلُ على هذا الذي يُسْلَخُ من رجل واحدة، والرّيّانُ المَلآنُ.
وما عليك بهذا غَضاضةٌ أَي نَقْصٌ ولا انْكسارٌ ولا ذُلٌّ. ويقال: ما
أَرَدْت بذا غَضيضةً فلان ولا مَغَضَّتَه كقولك: ما أَردت نقيصته
ومَنْقَصَته. ويقال: ما غَضَضْتك شيئاً أَي ما نَقَصْتُك شيئاً.
والغَضْغَضةُ: النقص. وتَغَضْغَضَ الماءُ: نقَص. الليث: الغَضُّ وَزْعُ
العَذْلِ؛ وأَنشد:
غُضّ المَلامةَ إِنِّي عَنْك مَشْغُولُ
(* قوله «غض الملامة» كذا هو في الأصل بضاد بدون ياء وفي شرح القاموس
بالياء خطاباً لمؤنث.)
وغَضْغَضَ الماءَ والشيءَ فَغَضْغَضَ وتَغَضْغَضَ: نقَصه فنَقَصَ. وبحر
لا يُغَضْغَضُ ولا يُغَضْغِضُ أَي لا يُنْزَحُ. يقال: فلان بحر لا
يُغَضْغَضُ؛ وفي الخبر: إِن أَحد الشعراء الذين اسْتَعانَتْ بهم سَلِيطٌ على
جرير لما سمع جريراً ينشد:
يَتْرُكُ أَصْفانَ الخُصى جَلاجِلا
قال: علمت أَنه بحر لا يُغَضْغَضُ أَو يُغَضْغِضُ؛ قال الأَحوص:
سَأَطْلُبُ بالشامِ الوَلِيدَ، فإِنَّه
هوَ البَحْرُ ذو التَّيّارِ، لا يَتَغَضْغَضُ
ومطر لا يُغَضْغِضُ أَي لا ينقطع. والغَضْغَضَةُ: أَن يَتَكَلَّمَ
الرجلُ فلا يُبِين.
والغَضاضُ والغُضاضُ: ما بين العِرْنينِ وقُصاصِ الشعَر، وقيل ما بين
أَسفل رَوْثَةِ الأَنف إِلى أَعْلاه، وقيل هي الرَّوْثةُ نفسها؛ قال:
لَمَّا رَأَيْتُ العَبْدَ مُشْرَحِفّا
لِلشَّرِّ لا يُعْطِي الرِّجالَ النِّصْفا،
أَعْدَمْتُه غُضاضَه والكَفّا
ورواه يعقوب في الأَلفاظ عُضاضَه، وقد تقدّم، وقيل: هو مقدم الرأْس وما
يليه من الوجه، ويقال للراكب إِذا سأَلته أَن يُعَرّج عليك قليلاً: غُضّ
ساعة؛ وقال الجعدي:
خَلِيلَيَّ غُضَّا ساعةً وتَهَجَّرا
أَي غُضّا من سَيرِكما وعَرّجا قليلاً ثم روحا متهجرين. ولما مات عبد
الرحمن بن عوف قال عمرو بن العاص: هَنِيئاً لك يا ابن عوف خَرَجْتَ من
الدنيا بِبِطْنَتِكَ ولم يَتَغَضْغَضْ منها شيء؛ قال الأَزهري: ضَرَبَ
البِطْنةَ مثلاً لوفور أَجره الذي اسْتَوْجَبَهُ بِهِجْرَته وجِهادِه مع
النبي، صلّى اللّه عليه وسلّم، وأَنه لم يتلبس بشيء من وِلايةٍ ولا عَمَل
يَنْقُصُ أُجُورَه التي وجَبَت له.
وروى ابن الفرج عن بعضهم: غَضَضْتُ الغُصْنَ وغَضَفْتُه إِذا كسرْته فلم
تُنْعِم كَسْرَه. وقال أَبو عبيد في باب موت البَخِيلِ: ومالُه وافرٌ لم
يُعْطِ منه شيئاً؛ من أَمثالهم في هذا: مات فلان ببطنه لم يَتَغَضْغَضْ
منها شيء، زاد غيره: كما يقال مات وهو عَرِيضُ البطان أَي سمين من كثرة
المال.
سور: سَوْرَةُ الخمرِ وغيرها وسُوَارُها: حِدَّتُها؛ قال أَبو ذؤيب:
تَرى شَرْبَها حُمْرَ الحِدَاقِ كأَنَّهُمْ
أُسارَى، إِذا ما مَارَ فِيهمْ سُؤَار
وفي حديث صفة الجنة: أَخَذَهُ سُوَارُ فَرَحٍ؛ أَي دَبَّ فيه الفرح دبيب
الشراب. والسَّوْرَةُ في الشراب: تناول الشراب للرأْس، وقيل: سَوْرَةُ
الخمر حُمَيّاً دبيبها في شاربها، وسَوْرَةُ الشَّرَابِ وُثُوبُه في
الرأْس، وكذلك سَوْرَةُ الحُمَةِ وُثُوبُها. وسَوْرَةُ السُّلْطان: سطوته
واعتداؤه. وفي حديث عائشة، رضي الله عنها، أَنها ذكرت زينب فقالت: كُلُّ
خِلاَلِها محمودٌ ما خلا سَوْرَةً من غَرْبٍ أَي سَوْرَةً منْ حِدَّةٍ؛ ومنه
يقال لِلْمُعَرْبِدِ: سَوَّارٌ. وفي حديث الحسن: ما من أَحد عَمِلَ
عَمَلاً إِلاَّ سَارَ في قلبه سَوُْرَتانِ.
وسارَ الشَّرَابُ في رأْسه سَوْراً وسُؤُوراً وسُؤْراً على الأَصل: دار
وارتفع.
والسَّوَّارُ: الذي تَسُورُ الخمر في رأْسه سريعاً كأَنه هو الذي يسور؛
قال الأَخطل:
وشارِبٍ مُرْبِحٍ بالكَاسِ نادَمَني
لا بالحَصُورِ، ولا فيها بِسَوَّارِ
أَي بمُعَرْبِدٍ من سار إِذا وَثَبَ وَثْبَ المُعَرْبِدِ. وروي: ولا
فيها بِسَأْآرِ، بوزن سَعَّارِ بالهمز، أَي لا يُسْئِرُ في الإِناء سُؤْراً
بل يَشْتَفُّه كُلَّه، وهو مذكور في موضعه؛ وقوله أَنشده ثعلب:
أُحِبُّهُ حُبّاً له سُوَّارى،
كَمَا تُحِبُّ فَرْخَهَا الحُبَارَى
فسره فقال: له سُوَّارَى أَي له ارتفاعٌ؛ ومعنى كما تحب فرخها الحبارى:
أَنها فيها رُعُونَةٌ فمتى أَحبت ولدها أَفرطت في الرعونة. والسَّوْرَةُ:
البَرْدُ الشديد. وسَوْرَةُ المَجْد: أَثَرُه وعلامته ارتفاعه؛ وقال
النابغة:
ولآلِ حَرَّابٍ وقَدٍّ سَوْرَةٌ،
في المَجْدِ، لَيْسَ غُرَابُهَا بِمُطَارِ
وسارَ يَسُورُ سَوْراً وسُؤُوراً: وَثَبَ وثارَ؛ قال الأَخطل يصف خمراً:
لَمَّا أَتَوْهَا بِمِصْبَاحٍ ومِبْزَلِهمْ،
سَارَتْ إِليهم سُؤُورَ الأَبْجَلِ الضَّاري
وساوَرَهُ مُساوَرَةٌ وسِوَاراً: واثبه؛ قال أَبو كبير:
. . . . . . ذو عيث يسر
إِذ كان شَعْشَعَهُ سِوَارُ المُلْجمِ
والإِنسانُ يُساوِرُ إِنساناً إِذا تناول رأْسه. وفلانٌ ذو سَوْرَةٍ في
الحرب أَي ذو نظر سديد. والسَّوَّارُ من الكلاب: الذي يأْخذ بالرأْس.
والسَّوَّارُ: الذي يواثب نديمه إِذا شرب. والسَّوْرَةُ: الوَثْبَةُ. وقد
سُرْتُ إِليه أَي وثَبْتُ إِليه. ويقال: إِن لغضبه لسَوْرَةً. وهو سَوَّارٌ
أَي وثَّابٌ مُعَرْبِدٌ. وفي حديث عمر: فكِدْتُ أُساوِرُه في الصلاة أَي
أُواثبه وأُقاتله؛ وفي قصيدة كعب بن زهير:
إِذا يُساوِرُ قِرْناً لا يَحِلُّ له
أَنْ يَتْرُكَ القِرْنَ، إِلا وهْو مَجْدُولُ
والسُّورُ: حائط المدينة، مُذَكَّرٌ؛ وقول جرير يهجو ابن جُرْمُوز:
لَمَّا أَتَى خَبَرُ الزُّبَيْرِ تَوَاضَعَتْ
سُورُ المَدِينَةِ، والجِبالُ الخُشَّعُ
فإِنه أَنث السُّورَ لأَنه بعض المدينة فكأَنه قال: تواضعت المدينة،
والأَلف واللام في الخشع زائدة إِذا كان خبراً كقوله:
ولَقَدْ نَهَيْتُكَ عَنْ بَنَات الأَوْبَرِ
وإِنما هو بنات أَوبر لأَن أَوبر معرفة؛ وكما أَنشد الفارسي عن أَبي
زيد:يَا لَيْتَ أُمَّ العَمْرِ كانت صَاحِبي
أَراد أُم عمرو، ومن رواه أُم الغمر فلا كلام فيه لأَن الغمر صفة في
الأَصل فهو يجري مجرى الحرث والعباس، ومن جعل الخشع صفة فإِنه سماها بما آلت
إِليه. والجمع أَسْوارٌ وسِيرَانٌ. وسُرْتُ الحائطَ سَوْراً
وتَسَوَّرْتُه إِذا عَلَوْتَهُ. وتَسَوَّرَ الحائطَ: تَسَلَّقَه. وتَسَوَّرَ الحائط:
هجم مثل اللص؛ عن ابن الأَعرابي: وفي حديث كعب بن مالك: مَشَيْتُ حتى
تَسَوَّرْتُ جِدَارَ أَبي قتادة أَي عَلَوْتُه؛ ومنه حديث شيبة: لم يَبْقَ
إِلا أَنَّ أُسَوِّرَهُ أَي أَرتفع إِليه وآخذه. وفي الحديث:
فَتَساوَرْتُ لها؛ أَي رَفَعْتُ لها شخصي. يقال: تَسَوَّرْتُ الحائط وسَوَّرْتُه.
وفي التنزيل العزيز: إِذ تَسَوَّرُوا المِحْرَابَ؛ وأَنشد:
تَسَوَّرَ الشَّيْبُ وخَفَّ النَّحْضُ
وتَسَوَّرَ عليه: كَسَوَّرَةُ
والسُّورَةُ: المنزلة، والجمع سُوَرٌ وسُوْرٌ، الأَخيرة عن كراع،
والسُّورَةُ من البناء: ما حَسُنَ وطال. الجوهري: والسُّوْرُ جمع سُورَة مثل
بُسْرَة وبُسْرٍ، وهي كل منزلة من البناء؛ ومنه سُورَةُ الــقرآن لأَنها
منزلةٌ بعد منزلة مقطوعةٌ عن الأُخرى والجمع سُوَرٌ بفتح الواو؛ قال
الراعي:هُنَّ الحرائِرُ لا رَبَّاتُ أَخْمِرَةٍ،
سُودُ المحَاجِرِ لا يَقْرَأْنَ بالسُّوَرِ
قال: ويجوز أَن يجمع على سُوْرَاتٍ وسُوَرَاتٍ. ابن سيده: سميت
السُّورَةُ من الــقرآن سُورَةً لأَنها دَرَجَةٌ إِلى غيرها، ومن همزها جعلها بمعنى
بقية من الــقرآن وقِطْعَة، وأَكثر القراء على ترك الهمزة فيها؛ وقيل:
السُّورَةُ من الــقرآن يجوز أَن تكون من سُؤْرَةِ المال، ترك همزه لما كثر في
الكلام؛ التهذيب: وأَما أَبو عبيدة فإِنه زعم أَنه مشتق من سُورة
البناء، وأَن السُّورَةَ عِرْقٌ من أَعراق الحائط، ويجمع سُوْراً، وكذلك
الصُّورَةُ تُجْمَعُ صُوْراً؛ واحتج أَبو عبيدة بقوله:
سِرْتُ إِليه في أَعالي السُّوْرِ
وروى الأَزهري بسنده عن أَبي الهيثم أَنه ردّ على أَبي عبيدة قوله وقال:
إِنما تجمع فُعْلَةٌ على فُعْلٍ بسكون العين إِذا سبق الجمعَ الواحِدُ
مثل صُوفَةٍ وصُوفٍ، وسُوْرَةُ البناء وسُوْرُهُ، فالسُّورُ جمع سبق
وُحْدَانَه في هذا الموضع؛ قال الله عز وجل: فضرب بينهم بسُورٍ له بابٌ
باطِنُهُ فيه الرحمةُ؛ قال: والسُّور عند العرب حائط المدينة، وهو أَشرف
الحيطان، وشبه الله تعالى الحائط الذي حجز بين أَهل النار وأَهل الجنة بأَشرف
حائط عرفناه في الدنيا، وهو اسم واحد لشيء واحد، إِلا أَنا إِذا أَردنا
أَن نعرِّف العِرْقَ منه قلنا سُورَةٌ كما نقول التمر، وهو اسم جامع للجنس،
فإِذا أَردنا معرفة الواحدة من التمر قلنا تمرة، وكلُّ منزلة رفيعة فهي
سُورَةٌ مأْخوذة من سُورَةِ البناء؛ وأَنشد للنابغة:
أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله أَعطاكَ سُورَةً،
تَرَى كُلَّ مَلْكٍ دُونَهَا يَتَذَبْذَبُ؟
معناه: أَعطاك رفعة وشرفاً ومنزلة، وجمعها سُوْرٌ أَي رِفَعٌ. قال:
وأَما سُورَةُ الــقرآن فإِنَّ الله، جل ثناؤه، جعلها سُوَراً مثل غُرْفَةٍ
وغُرَفٍ ورُتْبَةٍ ورُتَبٍ وزُلْفَةٍ وزُلَفٍ، فدل على أَنه لم يجعلها من
سُور البناء لأَنها لو كانت من سُور البناء لقال: فأْتُوا بِعَشْرِ سُوْرٍ
مثله، ولم يقل: بعشر سُوَرٍ، والقراء مجتمعون على سُوَرٍ، وكذلك اجتمعوا
على قراءة سُوْرٍ في قوله: فضرب بينهم بسور، ولم يقرأْ أَحد: بِسُوَرٍ،
فدل ذلك على تميز سُورَةٍ من سُوَرِ الــقرآن عن سُورَةٍ من سُوْرِ البناء.
قال: وكأَن أَبا عبيدة أَراد أَن يؤيد قوله في الصُّورِ أَنه جمع صُورَةٍ
فأَخطأَ في الصُّورِ والسُّورِ، وحرَّفَ كلام العرب عن صيغته فأَدخل فيه
ما ليس منه، خذلاناً من الله لتكذيبه بأَن الصُّورَ قَرْنٌ خلقه الله
تعالى للنفخ فيه حتى يميت الخلق أَجمعين بالنفخة الأُولى، ثم يحييهم
بالنفخة الثانية والله حسيبه. قال أَبو الهيثم: والسُّورَةُ من سُوَرِ الــقرآن
عندنا قطعة من الــقرآن سبق وُحْدانُها جَمْعَها كما أَن الغُرْفَة سابقة
للغُرَفِ، وأَنزل الله عز وجل الــقرآن على نبيه، صلى الله عليه وسلم، شيئاً
بعد شيء وجعله مفصلاً، وبيَّن كل سورة بخاتمتها وبادئتها وميزها من التي
تليها؛ قال: وكأَن أَبا الهيثم جعل السُّورَةَ من سُوَرِ الــقرآن من
أَسْأَرْتُ سُؤْراً أَي أَفضلت فضلاً إِلا أَنها لما كثرت في الكلام وفي
الــقرآن ترك فيها الهمز كما ترك في المَلَكِ وردّ على أَبي عبيدة، قال
الأَزهري: فاختصرت مجامع مقاصده، قال: وربما غيرت بعض أَلفاظه والمعنى معناه. ابن
الأَعرابي: سُورَةُ كل شيء حَدُّهُ. ابن الأَعرابي: السُّورَةُ
الرِّفْعَةُ، وبها سميت السورة من الــقرآن، أَي رفعة وخير، قال: فوافق قوله قول
أَبي عبيدة. قال أَبو منصور: والبصريون جمعوا الصُّورَةَ والسُّورَةَ وما
أَشبهها صُوَراً وصُوْراً وسُوَراً وسُوْراً ولم يميزوا بين ما سبق
جَمْعُهُ وُحْدَانَه وبين ما سبق وُحْدانُهُ جَمْعَه، قال: والذي حكاه أَبو
الهيثم هو قول الكوفيين . .
(* كذا بياض بالأَصل ولعل محله: وسنذكره في
بابه) . . به، إِن شاء الله تعالى. ابن الأَعرابي: السُّورَةُ من الــقرآن
معناها الرفعة لإِجلال الــقرآن، قال ذلك جماعة من أَهل اللغة.
قال: ويقال للرجل سُرْسُرْ إِذا أَمرته بمعالي الأُمور. وسُوْرُ الإِبل:
كرامها؛ حكاه ابن دريد؛ قال ابن سيده: وأَنشدوا فيه رجزاً لم أَسمعه،
قال أَصحابنا؛ الواحدة سُورَةٌ، وقيل: هي الصلبة الشديدة منها. وبينهما
سُورَةٌ أَي علامة؛ عن ابن الأَعرابي.
والسِّوارُ والسُّوَارُ القُلْبُ: سِوَارُ المرأَة، والجمع أَسْوِرَةٌ
وأَساوِرُ، الأَخيرة جمع الجمع، والكثير سُوْرٌ وسُؤْورٌ؛ الأَخيرة عن ابن
جني، ووجهها سيبويه على الضرورة، والإِسْوَار
(* قوله: «والاسوار» كذا
هو مضبوط في الأَصل بالكسر في جميع الشواهد الآتي ذكرها، وفي القاموس
الأَسوار بالضم. قال شارحه ونقل عن بعضهم الكسر أَيضاً كما حققه شيخنا والكل
معرب دستوار بالفارسية). كالسِّوَارِ، والجمع أَساوِرَةٌ. قال ابن بري:
لم يذكر الجوهري شاهداً على الإِسْوَارِ لغة في السِّوَارِ ونسب هذا القول
إِلى أَبي عمرو بن العلاء؛ قال: ولم ينفرد أَبو عمرو بهذا القول، وشاهده
قول الأَحوص:
غادَةٌ تَغْرِثُ الوِشاحَ، ولا يَغْـ
ـرَثُ منها الخَلْخَالُ والإِسْوَارُ
وقال حميد بن ثور الهلالي:
يَطُفْنَ بِه رَأْدَ الضُّحَى ويَنُشْنَهُ
بِأَيْدٍ، تَرَى الإِسْوَارَ فِيهِنَّ أَعْجَمَا
وقال العَرَنْدَسُ الكلابي:
بَلْ أَيُّها الرَّاكِبُ المُفْنِي شَبِيبَتَهُ،
يَبْكِي على ذَاتِ خَلْخَالٍ وإِسْوَارِ
وقال المَرَّارُ بنُ سَعِيدٍ الفَقْعَسِيُّ:
كما لاحَ تِبْرٌ في يَدٍ لمَعَتْ بِه
كَعَابٌ، بَدا إِسْوَارُهَا وخَضِيبُها
وقرئ: فلولا أُلْقِيَ عليه أَساوِرَةٌ من ذهب. قال: وقد يكون جَمْعَ
أَساوِرَ. وقال عز وجل: يُحَلَّون فيها من أَسَاوِرَ من ذهب؛ وقال أَبو
عَمْرِو ابنُ العلاء: واحدها إِسْوارٌ.
وسوَّرْتُه أَي أَلْبَسْتُه السِّوَارَ فَتَسَوَّرَ. وفي الحديث:
أَتُحِبِّينَ أَن يُسَوِّرَكِ اللهُ بِسوَارَيْنِ من نار؟ السِّوَارُ من
الحُلِيِّ: معروف. والمُسَوَّرُ: موضع السِّوَارِ كالمُخَدَّمِ لموضع
الخَدَمَةِ. التهذيب: وأَما قول الله تعالى: أَسَاوِرَ من ذَهَبٍ، فإِن أَبا إِسحق
الزجاج قال: الأَساور من فضة، وقال أَيضاً: فلولا أُلقيَ عليه
أَسْوِرَةٌ من ذَهَبٍ؛ قال: الأَسَاوِرُ جمع أَسْوِرَةٍ وأَسْوِرَةٌ جمعُ سِوَارٍ،
وهو سِوَارُ المرأَة وسُوَارُها. قال: والقُلْبُ من الفضة يسمى سِوَاراً
وإِن كان من الذهب فهو أَيضاً سِوارٌ، وكلاهما لباس أَهل الجنة،
أَحلَّنا الله فيها برحمته.
والأُسْوَارُ والإِسْوارُ: قائد الفُرْسِ، وقيل: هو الجَيِّدُ الرَّمْي
بالسهام، وقيل: هو الجيد الثبات على ظهر الفرس، والجمع أَسَاوِرَةٌ
وأَسَاوِرُ؛ قال:
وَوَتَّرَ الأَسَاوِرُ القِياسَا،
صُغْدِيَّةً تَنْتَزِعُ الأَنْفاسَا
والإِسْوَارُ والأُسْوَارُ: الواحد من أَسَاوِرَة فارس، وهو الفارس من
فُرْسَانِهم المقاتل، والهاء عوض من الياء، وكأَنَّ أَصله أَسَاوِيرُ،
وكذلك الزَّنادِقَةُ أَصله زَنَادِيقُ؛ عن الأَخفش.
والأَسَاوِرَةُ: قوم من العجم بالبصرة نزلوها قديماً كالأَحامِرَة
بالكُوفَةِ.
والمِسْوَرُ والمِسْوَرَةُ: مُتَّكَأٌ من أَدَمٍ، وجمعها المَسَاوِرُ.
وسارَ الرجلُ يَسُورُ سَوْراً ارتفع؛ وأَنشد ثعلب:
تَسُورُ بَيْنَ السَّرْجِ والحِزَامِ،
سَوْرَ السَّلُوقِيِّ إِلى الأَحْذَامِ
وقد جلس على المِسْوَرَةِ. قال أَبو العباس: إِنما سميت المِسْوَرَةُ
مِسْوَرَةً لعلوها وارتفاعها، من قول العرب سار إِذا ارتفع؛ وأَنشد:
سُرْتُ إِليه في أَعالي السُّورِ
أَراد: ارتفعت إِليه. وفي الحديث: لا يَضُرُّ المرأَة أَن لا تَنْقُضَ
شعرها إِذا أَصاب الماء سُورَ رأْسها؛ أَي أَعلاه. وكلُّ مرتفع: سُورٌ.
وفي رواية: سُورَةَ الرأْس، ومنه سُورُ المدينة؛ ويروى: شَوَى رأْسِها، جمع
شَوَاةٍ، وهي جلدة الرأْس؛ قال ابن الأَثير: هكذا قال الهَرَوِيُّ، وقال
الخَطَّابيُّ: ويروى شَوْرَ الرَّأْسِ، قال: ولا أَعرفه، قال: وأُراه
شَوَى جمع شواة. قال بعض المتأَخرين: الروايتان غير معروفتين، والمعروف:
شُؤُونَ رأْسها، وهي أُصول الشعر وطرائق الرَّأْس.
وسَوَّارٌ ومُساوِرٌ ومِسْوَرٌ: أَسماء؛ أَنشد سيبويه:
دَعَوْتُ لِمَا نابني مِسْوَراً،
فَلَبَّى فَلَبَّيْ يَدَيْ مِسْوَرِ
وربما قالوا: المِسوَر لأَنه في الأَصل صفةٌ مِفْعَلٌ من سار يسور، وما
كان كذلك فلك أَن تدخل فيه الأَلف واللام وأَن لا تدخلها على ما ذهب
إِليه الخليل في هذا النحو. وفي حديث جابر بن عبدالله الأَنصاري: أَن النبي،
صلى الله عليه وسلم، قال لأَصحابه: قوموا فقد صَنَعَ جابرٌ سُوراً؛ قال
أَبو العباس: وإِنما يراد من هذا أَن النبي، صلى الله عليه وسلم، تكلم
بالفارسية. صَنَعَ سُوراً أَي طعاماً دعا الناس إِليه.
وسُوْرَى، مثال بُشْرَى، موضع بالعراق من أَرض بابل، وهو بلد
السريانيين.