عن: ثلاثين رجلا، منهم: اثنا عشر رجلا من التابعين.
وله: طرق، منها:
طريق: الثعلبي.
وطريق: أبي عصمة المروزي.
قتل: القَتْل: معروف، قَتَلَه يَقْتُله قَتْلاً وتَقْتالاً وقَتَل به
سواء عند ثعلب، قال ابن سيده: لا أَعرفها عن غيره وهي نادرة غريبة، قال:
وأَظنه رآه في بيت فحسِب ذلك لغة؛ قال: وإِنما هو عندي على زيادة الباء
كقوله:
سُودُ المَحاجِرِ لا يَقْرَأْنَ بالسُّوَر
وإِنما هو يقرأْن السُّوَر، وكذلك قَتَّله وقَتَل به غيرَه أَي قتله
مكانه؛ قال:
قَتَلتُ بعبد الله خيرَ لِداتِه
ذُؤاباً، فلم أَفخَرْ بذاك وأَجْزَعا
التهذيب: قَتَله إِذا أَماته بضرْب أَو حجَر أَو سُمّ أَو علَّة،
والمنية قاتلــة؛ وقول الفرزدق وبلغه موت زياد، وكان زياد هذا قد نفاه وآذاه ونذر
قتله فلما بلغ موته الفرزدق شَمِت به فقال:
كيف تراني قالِباً مِجَنِّي،
أَقْلِب أَمري ظَهْره لِلْبَطْنِ؟
قد قَتَلَ اللهُ زياداً عَنِّي
عَدَّى قَتَل بعنْ لأَنَّ فيه معنى صَرَفَ فكأَنه قال: قد صَرَف الله
زياداً، وقوله قالِباً مِجَنِّي أَي أَفعل ما شئت لا أَتَرَوَّع ولا
أَتَوقَّع. وحكى قطرب في الأَمر إِقْتُل، بكسر الهمزة على الشذوذ، جاء به على
الأَصل؛ حكى ذلك ابن جني عنه، والنحويون ينكرون هذا كراهية ضمة بعد كسرة
لا يحجُز بينهما إِلا حرف ضعيف غير حصين. ورجل قَتِيل: مَقْتول، والجمع
قُتَلاء؛ حكاه سيبويه، وقَتْلى وقَتالى؛ قال منظور بن مَرْثَد:
فظلَّ لَحْماً تَرِبَ الأَوْصالِ،
وَسْطَ القَتلى كالهَشِيم البالي
ولا يجمع قَتِيل جمعَ السلامة لأَن مؤنثه لا تدخله الهاء، وقَتَله
قِتْلة سَوء، بالكسر. ورجل قَتِيل: مَقْتول. وامرأَة قَتِيل: مَقْتولة، فإِذا
قلت قَتيلة بَني فلان قلت بالهاء، وقيل: إِن لم تذكر المرأَة قلت هذه
قَتِيلة بني فلان، وكذلك مررت بقَتِيلة لأَنك تسلك طريق الاسم. وقال
اللحياني: قال الكسائي يجوز في هذا طرْح الهاء وفي الأَوّل إِدخال الهاء يعني
أَن تقول: هذه امرأَة قَتِيلة ونِسْوة قَتْلى.
وأَقْتَل الرجلَ: عرَّضه للقَتْل وأَصْبَره عليه. وقال مالك بن نُوَيْرة
لامرأَته يوم قَتَله خالد بن الوليد: أَقْتَلْتِني أَي عرَّضْتِني
بحُسْن وجهك للقَتْل بوجوب الدفاع عنك والمُحاماة عليك، وكانت جميلة فقَتَله
خالد وتزوَّجها بعد مَقْتَله، فأَنكر ذلك عبد الله بن عمر؛ ومثله:
أَبَعْتُ الثَّوْب إِذا عَرَّضْته للبيع. وفي الحديث: أَشدُّ الناس عذاباً يوم
القيامة من قتَل نبيّاً أَو قَتَله نبيٌّ؛ أَراد من قَتَله وهو كافر
كقَتْله أُبيَّ بن خَلَف يوم بدْر لا كمَن قَتَله تطهيراً له في الحَدِّ
كماعِزٍ. وفي الحديث: لا يُقْتَل قُرَشيٌّ بعد اليوم صبْراً؛ قال ابن الأَثير:
إِن كانت اللام مرفوعة على الخَبر فهو محمول على ما أَباح من قَتْل
القُرَشيّين الأَربعة يوم الفَتْح، وهم ابن خَطَل ومَنْ معه أَي أَنهم لا
يعودون كفَّاراً يُغْزوْن ويُقْتَلون على الكفر كما قُتِل هؤلاء، وهو كقوله
الآخر: لا تُغْزَى مكة بعد اليوم أَي لا تعودُ دار كفر تُغْزى عليه، وإِن
كانت اللام مجزومة فيكون نهياً عن قَتْلهم في غير حَدٍّ ولا قِصاص. وفي
حديث سَمُرة: مَنْ قَتَل عَبْده قَتَلْناه ومن جَدَعَ عبده جَدَعْناه؛
قال ابن الأَثير: ذكر في رواية الحسن أَنه نَسِيَ هذا الحديث فكان يقول لا
يُقْتَل حرٌّ بعبد، قال: ويحتمل أَن يكون الحسن لم يَنْسَ الحديث، ولكنه
كان يتأَوَّله على غير معنى الإِيجاب ويراه نوعاً من الزَّجْر
ليَرْتَدِعوا ولا يُقْدِموا عليه كما قال في شارب الخمر: إِنْ عاد في الرابعة أَو
الخامسة فاقتُلوه، ثم جيء به فيها فلم يَقْتله، قال: وتأَوَّله بعضهم أَنه
جاء في عَبْد كان يملِكه مرَّة ثم زال مِلْكه عنه فصار كُفؤاً له
بالحُرِّية، قال: ولم يقل بهذا الحديث أَحد إِلاَّ في رواية شاذة عن سفيان
والمرويُّ عنه خلافه قال: وقد ذهب جماعة إِلى القِصاص بين الحرِّ وعبد الغير،
وأَجمعوا على أَن القِصاص بينهم في الأَطراف ساقط، فلما سقَط الجَدْع
بالإِجماع سقط القِصاص لأَنهما ثَبَتا معاً، فلما نُسِخا نُسِخا معاً،
فيكون حديث سَمُرة منسوخاً؛ وكذلك حديث الخمر في الرابعة والخامسة، قال: وقد
يرد الأَمر بالوَعيد رَدْعاً وزَجْراً وتحذيراً ولا يُراد به وقوع الفعل،
وكذلك حديث جابر في السارق: أَنه قُطِع في الأُولى والثانية والثالثة
إِلى أَن جيء به في الخامسة فقال اقتُلوه، قال جابر: فقَتَلْناه، وفي
إِسناده مَقال قال: ولم يذهب أَحد من العلماء إِلى قَتْل السارق وإِن تكررت
منه السَّرقة.
ومن أَمثالهم: مَقْتَلُ الرجل بين فَكَّيْه أَي سبب قَتْله بين
لَحْيَيْه وهو لِسانه. وقوله في حديث زيد بن ثابت: أَرسَل إِليَّ أَبو بكر
مَقْتَلع أَهل اليمامة؛ المَقْتَل مَفْعَل من القَتْل، قال: وهو ظرف زمان ههنا
أَي عند قَتْلهم في الوَقْعة التي كانت باليمامة مع أَهل الرِّدَّة في
زمن أَبي بكر، رضي الله عنه.
وتَــقاتَل القوم واقتَتَلوا وتقَتَّلوا وقَتَّلوا وقِتَّلوا، قال سيبويه:
وقد أَدغم بعض العرب فأَسكن لمَّا كان الحرفان في كلمة واحدة ولم يكونا
مُنفَصِلين، وذلك قولهم يَقِتِّلون وقد قِتَّلوا، وكسروا القاف لأَنهما
ساكنان التقيا فشبِّهت بقولهم رُدِّ يا فَتى، قال: وقد قال آخرون
قَتَّلوا، أَلقَوْا حركة المتحرك على الساكن، قال: وجاز في قاف اقتَتَلوا
الوَجْهان ولم يكن بمنزلة عَصَّ وقِرَّ يلزمه شيء واحد لأَنه لا يجوز في الكلام
(* قوله «لأنه لا يجوز في الكلام إلخ» هكذا في الأصل) فيه الإِظهار
والإِخْفاء والإِدغام، فكما جاز فيه هذا في الكلام وتصرَّف دَخَله شيئَان
يَعْرضان في التقاء الساكنين، وتحذف أَلف الوَصْل حيث حرِّكت القاف كما حذفت
الأَلف التي في رُدَّ حيث حركت الراء، والأَلف التي في قلَّ لأَنهم حرفان
في كلمة واحدة لحقها الإِدغام، فحذفت الأَلف كما حذفت في رُبَّ لأَنه قد
أُدْغِم كما أُدْغم، قال: وتصديق ذلك قراءة الحسن: إِلا مَنْ خَطَّف
الخَطْفة؛ قال: ومن قال يَقَتِّل قال مُقَتِّل، ومن قال يَقِتِّل قال
مُقِتِّل، وأَهل مكة يقولون مُقُتِّل يُتْبِعون الضمة الضمة. قال سيبويه:
وحدثني الخليل وهرون أَنَّ ناساً يقولون مُرُدِّفين يريدون مُرْتَدِفين
أَتبَعُوا الضمةَ الضمة؛ وقول منظور بن مرثد الأَسدي:
تَعَرَّضَتْ لي بمكان حِلِّ،
تَعَرُّضَ المُهْرةِ في الطِّوَلِّ،
تَعَرُّضاً لم تَأْلُ عن قَتْلَلِّي
أَراد عن قَتْلي، فلما أَدخل عليه لازماً مشدَّدة كما أَدخل نوناً
مشدَّدة في قول دَهْلَب بن قريع:
جارية ليسَتْ من الوَخْشَنِّ
أُحِبُّ منكِ مَوْضِع القُرْطنِّ
وصار الإِعراب فيه فتَحَ اللامَ الأُولى كما تفتح في قولك مررت بتَمْرٍ
وبتَمْرَةٍ وبرجُلٍ وبرَجُلَين؛ قال ابن بري والمشهور في رجز منظور:
لم تَأْلُ عن قَتْلاً لي
على الحِكاية أَي عن قولها قَتْلاً له أَي اقتُلوه. ثم يُدغم التنوين في
اللام فيصير في السَّمْع على ما رواه الجوهري، قال: وليس الأَمر على ما
تأَوَّله. وقاتَلــه مُــقاتَلــة وقِتالاً، قال سيبويه: وَفَّروا الحروف
كما وَفَّروها في أَفْعَلْت إِفْعالاً.
قال: والتَّقْتال القَتْل وهو بناء موضوع للتَّكثير كأَنك قلت في
فَعَلْت فَعَّلْت، وليس هو مصدر فَعَّلْت، ولكن لما أَردت التَّكْثير بَنَيْت
المصدر على هذا كما بنيت فَعَّلْت على فَعَلْت. وقتَّلوا تقْتيلاً: شدِّد
للكثرة. والمُــقاتَلــة: القتال؛ وقد قاتَلــه قِتالاً وقِيتالاً، وهو من كلام
العرب، وكذلك المُــقاتَل؛ قال كعب بن مالك:
أُــقاتِل حتى لا أَرى لي مُــقاتَلــاً،
وأَنجو إِذا عُمَّ الجَبانُ من الكَرْب
وقال زيد الخيل:
أُــقاتِل حتى لا أَرى لي مُــقاتَلــاً،
وأَنجُو إِذا لم يَنْجُ إِلا المُكَيّس
والمُــقاتِلــة: الذين يَلُون القِتال، بكسر التاء، وفي الصحاح: القوم
الذين يَصْلحون للقتال. وقوله تعالى: قاتَلــهم الله أَنَّى يؤفَكُون؛ أَي
لَعَنَهم أَنَّى يُصْرَفون، وليس هذا بمعنى القِتال الذي هو من المُــقاتلــة
والمحاربة بين اثنين. وقال الفراء في قوله تعالى: قُتِل الإِنسان ما
أَكْفَره؛ معناه لُعِن الإِنسان، وقاتَلــه الله لعَنه الله؛ وقال أَبو عبيدة:
معنى قاتَلَ الله فلاناً قَتَله. ويقال: قاتَل الله فلاناً أَي عاداه. وفي
الحديث: قاتَل الله اليهود أَي قَتَلَهُم الله، وقيل: لعَنهم الله، وقيل:
عاداهم، قال ابن الأَثير: وقد تكرر في الحديث ولا يخرج عن أَحد هذه
المعاني، قال: وقد يرد بمعنى التعجب من الشيء كقولهم: تَرِبَتْ يداه، قال: وقد
ترد ولا يراد بها وُقوعُ الأَمر، وفي حديث عمر، رضي الله عنه: قاتَل
الله سَمُرة؛ وسَبِيلُ فاعَلَ أَن يكون بين اثنين في الغالب، وقد يرد من
الواحد كسافرْت وطارَقْت النعْل. وفي حديث المارّ بين يدي المُصَلِّي:
قاتِلْــه فإِنه شيطان أَي دافِعْه عن قِبْلَتِك، وليس كل قِتال بمعنى القَتْل.
وفي حديث السَّقِيفة: قَتَلَ الله سعداً فإِنه صاحب فتنة وشرٍّ أَي دفع
الله شرَّه كأَنه إِشارة إِلى ما كان منه في حديث الإِفْك، والله أَعلم؛
وفي رواية: أَن عمر قال يوم السَّقِيفة اقْتُلوا سعداً قَتَله الله أَي
اجعلوه كمن قُتِل واحْسِبُوه في عِدادمَنْ مات وهلك، ولا تَعْتَدُّوا
بمَشْهَده ولا تُعَرِّجوا على قوله. وفي حديث عمر أَيضاً: مَنْ دَعا إِلى
إِمارة فسِه أَو غيره من المسلمين فاقتلوه أَي اجعلوه كمن قُتِلَ ومات بأَن
لا تَقْبَلوا له قولاً ولا تُقِيموا له دعوة، وكذلك الحديث الآخر: إِذا
بُويِع لخَلِيفتين فاقتلوا الأَخير منهما أَي أَبْطِلوا دعوته واجعلوه
كمَنْ قد مات.
وفي الحديث: على المُقْتَتِلِين أَن يَنْحَجِزوا الأَوْلى فالأَوْلى،
وإِن كانت امرأَة؛ قال ابن الأَثير: قال الخطابي معناه أَن يَكُفُّوا عن
القَتْل مثل أَن يُقْتَل رجل له وَرَثة فأَيهم عفا سقط القَوَدُ، والأَوْلى
هو الأَقرب والأَدنى من ورثة القتيل، ومعنى المُقْتَتِلِين أَن يطلُب
أَولياء القَتِيل القَوَد فيمتنع القَتَلة فينشأ بينهم القِتال من أَجله،
فهو جمع مُقْتَتِل، اسم فاعل من اقْتَتَل، ويحتمل أَن تكون الرواية بنصب
التاءين على المفعول؛ يقال: اقْتُتِل، فهو مُقْتَتَل، غير أَن هذا إِنما
يكثر استعماله فيمن قَتَله الحُبُّ؛ قال ابن الأَثير: وهذا حديث مشكل
اختلف فيه أَقوال العلماء فقيل: إِنه في المُقْتَتِلِين من أَهل القِبْلة على
التأْويل فإِن البَصائر ربما أَدْرَكت بعضَهم فاحتاج إِلى الانصراف من
مَقامه المذموم إِلى المحمود، فإِذا لم يجد طريقاً يمرُّ فيه إِليه بقي في
مكانه الأَول فعسى أَن يُقْتَل فيه، فأُمِرُوا بما في هذا الحديث، وقيل:
إِنه يدخل فيه أَيضاً المُقْتَتِلون من المسلمين في قِتالهم أَهل الحرب،
إِذ قد يجوز أَن يَطْرأَ عليهم مَنْ معه العذر الذي أُبِيح لهم الانصراف
عن قِتاله إِلى فِئة المسلمين التي يَتَقَوَّون بها على عدوِّهم، أَو
يصيروا إِلى قوم من المسلمين يَقْوَون بهم على قِتال عدوِّهم فيــقاتِلــونهم
معهم. ويقال: قُتِل الرجل، فإِن كان قَتَله العِشْق أَو الجِنُّ قيل
اقْتُتِل. ابن سيده: اقْتُتِل فلان قتله عشق النساء أَو قَتَله الجِنُّ، وكذلك
اقْتَتَلَتْه النساء، لا يقال في هذين إِلا اقْتُتِل. أَبو زيد:
اقْتُتِل جُنَّ، واقْتَتَله الجِنُّ خُبِل، واقْتُتِل الرجل إِذا عَشِق عِشْقاً
مُبَرِّحاً؛ قال ذو الرمة:
إِذا ما امْرُؤٌ حاوَلْن أَن يَقْتَتِلْنه،
بِلا إِحْنةٍ بين النُّفوس، ولا ذَحْل
هذا قول أَبي عبيد؛ وقد قالوا قَتَله الجِنّ وزعموا أَن هذا البيت:
قَتَلْنا سَيِّد الخَزْرَ
ج سعدَ بْنَ عُباده
إِنما هو للجنّ. والقِتْلة: الحالة من ذلك كله. وفي الحديث: أَعَفُّ
الناس قِتْلَةً أَهلُ الإِيمان؛ القِتْلة، بالكسر: الحالة من القَتْل،
وبفتحها المرَّة منه، وقد تكرر في الحديث ويفهَم المراد بهما من سياق اللفظ.
ومَــقاتِل الإِنسان: المواضع التي إِذا أُصيبت منه قَتَلَتْه، واحدها
مَقْتَل. وحكى ابن الأَعرابي عن أَبي المجيب: لا والذي أَتَّقِيه إِلا
بمَقْتَلِه
(* قوله «والذي أتقيه إلا بمقتله» هكذا في الأصل) أَي كل موضع مني
مَقْتَل بأَيِّ شيءٍ شاء أَن ينزِل قَتْلي أَنزله، وأَضاف المَقْتَل إِلى
الله لأَن الإِنسان كله مِلْك لله عز وجل، فمَــقاتِلــه ملك له.
وقالوا في المَثل: قَتَلَتْ أَرْضٌ جاهلَها وقَتَّلَ أَرضاً عالِمُها.
قال أَبو عبيدة: من أَمثالهم في المعرفة وحمدِهم إِياها قولُهم قَتَّل
أَرضاً عالمُها وقَتَلت أَرضٌ جاهلها، قال: قولهم قتَّل ذلك من قولهم فلان
مُقَتَّل مُضَرَّس، وقالوا قَتَله عِلْماً على المَثل أَيضاً، وقَتَلْت
الشيء خُبْراً. قال تعالى: وما قَتَلوه يَقِيناً بل رفعه الله إِليه؛ أَي
لم يُحيطوا به عِلْماً، وقال الفراء: الهاء ههنا للعلم كما تقول قَتَلْتُه
علماً وقَتَلْتَه يقيناً للرأْي والحديث، وأَما الهاء في قوله: وما
قَتَلوه وما صَلَبوه، فهو ههنا لعيسى، عليه الصلاة والسلام؛ وقال الزجاج:
المعنى ما قَتَلوا علْمَهم يقيناً كما تقول أَنا أَقْتُل الشيء علماً
تأْويله أَي أَعْلم علماً تامًّا. ابن السكيت: يقال هو قاتِل الشَّتَوات أَي
يُطعِم فيها ويُدْفِيءُ الناس، والعرب تقول للرجل الذي قد جرَّب الأُمور:
هو مُعاوِد السَّقْي سقى صَيِّباً. وقَتَل غَليلَه: سقاه فزال غَليلُه
بالرِّيِّ، مثل بما تقدم؛ عن ابن الأَعرابي.
والقِتْل، بالكسر: العدوُّ؛ قال:
واغْتِرابي عن عامِر بن
لُؤَيٍّ في بلادٍ كثيرة الأَقْتال
الأَقتال: الأَعداء، واحدهم قِتْل وهم الأَقْران؛ قال ابن بري: البيت
لابن قيس الرُّقَيّات، ولُؤَي بالهمز تصغير اللأْيِ، وهو الثور الوحشيُّ.
والقَتالُ والكَتَالُ: الكِدْنة والغِلْظ، فإِذا قيل ناقة نَقِيَّة
القَتال فإِنما يريد أَنها، وإِن هُزِلت، فإِن عملَها باقٍ؛ قال ابن
مقبل:ذعرْت بِجَوْس نَهْبَلَةٍ قِذَافٍ
من العِيدِيِّ باقِية القَتَال
والقِتْل: القِرْن في قِتال وغيره. وهما قِتْلان أَي مِثْلان وحَِتْنان.
وقِتْل الرجل: نظيرة وابنُ عمه. وإِنه لقِتْل شرٍّ أَي عالم به، والجمع
من ذلك كله أَقْتال.
ورجل مُقَتَّل: مجرِّب للأُمور. أَبو عمرو: المجرِّبُ والمُجَرَّس
والمُقَتَّل كله الذي جرَّب الأُمور وعرفها. وقَتَل الخمر قَتْلاً: مزجها
فأَزال بذلك حِدَّتها؛ قال الأَخطل:
فقلتُ: اقْتُلوها عنكُم بمِزاجِها،
وحُبَّ بها مَقْتولة، حين تُقْتَل
وقال حسان:
إِنَّ التي عاطَيْتَني فَرَدَدْتُها
قُتِلَتْ، قُتِلْتَ فهاتِها لم تُقْتَل
قوله قُتِلْتَ دعاء عليه أَي قَتَلك الله لِمَ مزجتها؛ وقول دكين:
أُسْقَى بَراوُوقِ الشَّباب الخاضِلِ،
أُسْقَى من المَقْتولَةِ القَواتِلِ
أَي من الخُمور المَقْتولة بالمَزْج القَواتِل بحدَّتها وإِسكارها.
وتَقَتَّل الرجل للمرأَة: خضَع. ورجل مُقَتَّل أَي مُذَلَّل قَتَله
العشق. وقلْب مُقَتَّل: قُتِل عشقاً، وقيل مذلَّل بالحب؛ وقال أَبو الهيثم في
قوله:
بسَهْمَيْكِ في أَعْشارِ قَلْب مُقَتَّل
(* هذا البيت لامرئ القيس من معلقته، وصدره:
وما ذَرَفَت عيناك إلا لتضربي)
قال: المُقَتَّل العَوْد المُضَرَّس بذلك الفعل كالناقة المُقَتَّلة
المُذَلَّلة لعمل من الأَعمال وقد رِيضت وذُلِّلَتْ وعُوِّدت؛ قال: ومن ذلك
قيل للخمر مَقْتولة إِذا مُزِجت بالماء حتى ذهبت شدَّتها فصار رِياضة
لها. والمُقَتَّل: المَكْدود بالعمل المُذَلَّلُ. وجمل مُقَتَّل: ذَلول؛ قال
زهير:
كأَنَّ عَيْنيَّ في غَرْبَيْ مُقَتَّلَةٍ،
من النواضِحِ، تَسْقي جَنَّةً سُحُقَا
واسْتَقْتَل أَي اسْتَمات. التهذيب: المُقَتَّل من الدواب الذي ذَلَّ
ومَرَن على العمل. وناقة مُقَتَّلة: مذللة. وتَقَتَّلَت المرأَةُ للرجل:
تزينت. وتَقَتَّلت: مشت مِشْية حسنة تقلَّبت فيها وتثنَّت وتكسَّرت؛ يوصف
به العشق؛ وقال:
تَقَتّلْتِ لي، حتى إِذا ما قَتَلْتِني
تنسَّكْتِ، ما هذا بفِعْل النَّواسِكِ
قال أَبو عبيد: يقال للمرأَة هي تَقَتَّل في مِشْيتها؛ قال الأَزهري:
معناه تَدَلُّلها واخْتيالها.
واسْتَقْتَل في الأَمر: جدَّ فيه. وتقتَّل لحاجته: تهيَّأ وجدَّ.
والقَتَال: النَّفْس، وقيل بقيَّتها؛ قال ذو الرمة:
أَلم تَعْلَمِي يا مَيُّ أَني، وبيننا
مَهاوٍ يَدَعْنَ الجَلْسَ نَحْلاً قَتَالُها،
أُحَدِّثُ عنكِ النَّفْسَ حتى كأَنني
أُناجِيكِ من قُرْبٍ، فيَنْصاحُ بالُها؟
ونَحْلاً: جمع ناحِل، تقول منه قَتْله كما تقول صَدرَه ورأَسَه
وفَأَدَه. والقَتَال: الجسمُ واللحمُ، وقيل: القَتال بقيَّة الجسم. وقال في موضع
آخر: العُجُوس مَشْيُ العَجَاساء وهي الناقة السمينة تتأَخَّر عن النُّوق
لثِقَل قَتالها، وقَتالُها شحمُها ولحمُها. ودابة ذات قَتال: مستوية
الخَلْق وَثِيقة. وبقي منه قَتَال إِذا بقي منه بعد الهُزال غِلَظ
أَلواح.وامرأَة قَتُول أَي قاتلــة؛ وقال مدرك بن حصين:
قَتُول بعَيْنَيْها رَمَتْكَ، وإِنما
سِهامُ الغَواني الــقاتِلــاتُ عُيونُها
والقَتُول وقَتْلَة: اسمان؛ وإِياها عنى الأَعشى بقوله:
شاقَتْك مَنْ قَتْلَة أَطْلالُها،
بالشَّطِّ فالوُِتْر إِلى حاجِرِ
والقَتَّال الكِلابي: من شُعَرائهم.
رجل: الرَّجُل: معروف الذكرُ من نوع الإِنسان خلاف المرأَة، وقيل: إِنما
يكون رَجلاً فوق الغلام، وذلك إِذا احتلم وشَبَّ، وقيل: هو رَجُل ساعة
تَلِدُه أُمُّه إِلى ما بعد ذلك، وتصغيره رُجَيْل ورُوَيْجِل، على غير
قياس؛ حكاه سيبويه. التهذيب: تصغير الرجل رُجَيْل، وعامَّتهم يقولون
رُوَيْجِل صِدْق ورُوَيْجِل سُوء على غير قياس، يرجعون إِلى الراجل لأَن اشتقاقه
منه، كما أَن العَجِل من العاجل والحَذِر من الحاذِر، والجمع رِجال. وفي
التنزيل العزيز: واسْتَشْهِدوا شَهِيدَين من رِجالكم؛ أَراد من أَهل
مِلَّتكم، ورِجالاتٌ جمع الجمع؛ قال سيبويه: ولم يكسر على بناء من أَبنية
أَدْنى العدد يعني أَنهم لم يقولوا أَرْجال؛ قال سيبويه: وقالوا ثلاثةُ
رَجْلةٍ جعلوه بدلاً من أَرْجال، ونظيره ثلاثة أَشياء جعلوا لَفْعاء بدلاً
من أَفعال، قال: وحكى أَبو زيد في جمعه رَجِلة، وهو أَيضاً اسم الجمع لأَن
فَعِلة ليست من أَبنية الجموع، وذهب أَبو العباس إِلى أَن رَجْلة مخفف
عنه. ابن جني: ويقال لهم المَرْجَل والأُنثى رَجُلة؛ قال:
كلُّ جار ظَلَّ مُغْتَبِطاً،
غيرَ جيران بني جَبَله
خَرَقُوا جَيْبَ فَتاتِهم،
لم يُبالوا حُرْمَة الرَّجُله
عَنى بجَيْبِها هَنَها وحكى ابن الأَعرابي: أَن أَبا زياد الكلابي قال
في حديث له مع امرأَته: فَتَهايَجَ الرَّجُلانِ يعني نفسه وامرأَته، كأَنه
أَراد فَتَهايَجَ الرَّجُلُ والرَّجُلة فغَلَّب المذكر.
وتَرَجَّلَتِ المرأَةُ: صارت كالرَّجُل. وفي الحديث: كانت عائشة، رضي
الله عنها، رَجُلة الرأْي؛ قال الجوهري في جمع الرَّجُل أَراجل؛ قال أَبو
ذؤيب:
أَهَمَّ بَنِيهِ صَيْفُهُم وشِتاؤهم،
وقالوا: تَعَدَّ واغْزُ وَسْطَ الأَراجِل
يقول: أَهَمَّهم نفقةُ صيفهم وشتائهم وقالوا لأَبيهم: تعدَّ أَي انصرف
عنا؛ قال ابن بري: الأَراجل هنا جمع أَرجال، وأَرجال جمع راجل، مثل صاحب
وأَصحاب وأَصاحيب إِلا أَنه حذف الياء من الأَراجيل لضرورة الشعر؛ قال
أَبو المُثَلَّم الهذلي:
يا صَخْرُ ورّاد ماء قد تتابَعَه
سَوْمُ الأَراجِيل، حَتَّى ماؤه طَحِل
وقال آخر:
كأَن رَحْلي على حَقْباء قارِبة
أَحْمى عليها أَبانَيْنِ الأَراجيل
أَبانانِ: جَبَلانِ؛ وقال أَبو الأَسود الدؤلي:
كأَنَّ مَصاماتِ الأُسود ببَطْنه
مَراغٌ، وآثارُ الأَراجِيلِ مَلْعَب
وفي قَصِيد كعب بن زهير:
تَظَلُّ منه سِباعُ الجَوِّ ضامزةً،
ولا تَمَشَّى بِواديه الأَراجِيلُ
وقال كثير في الأَراجل:
له، بجَبُوبِ القادِسِيَّة فالشَّبا،
مواطنُ، لا تَمْشي بهنَّ الأَراجلُ
قال: ويَدُلُّك على أَن الأَراجل في بيت أَبي ذؤيب جمع أَرجال أَن أَهل
اللغة قالوا في بيت أَبي المثلم الأَراجيل هم الرَّجَّالة وسَوْمُهم
مَرُّهُم، قال: وقد يجمع رَجُل أَيضاً على رَجْلة. ابن سيده: وقد يكون
الرَّجُل صفة يعني بذلك الشدّة والكمال؛ قال: وعلى ذلك أَجاز سيبويه الجر في
قولهم مررت برَجُلٍ رَجُلٍ أَبوه، والأَكثر الرفع؛ وقال في موضع آخر: إِذا
قلت هذا الرَّجُل فقد يجوز أَن تعْني كماله وأَن تريد كل رَجُل تكلَّم
ومشى على رِجْلَيْن، فهو رَجُل، لا تريد غير ذلك المعنى، وذهب سيبويه إِلى
أَن معنى قولك هذا زيد هذا الرَّجُل الذي من شأْنه كذا، ولذلك قال في
موضع آخر حين ذكر ابن الصَّعِق وابن كُرَاع: وليس هذا بمنزلة زيد وعمرو من
قِبَل أَن هذه أَعلام جَمَعَت ما ذكرنا من التطويل فحذفوا، ولذلك قال
الفارسي: إِن التسمية اختصار جُمْلة أَو جُمَل. غيره: وفي معنى تقول هذا رجل
كامل وهذا رجل أَي فوق الغلام، وتقول: هذا رَجُلٌ أَي راجل، وفي هذا
المعنى للمرأَة: هي رَجُلة أَي راجلة؛ وأَنشد:
فإِن يك قولُهمُ صادقاً،
فَسِيقَتْ نسائي إِليكم رِجَالا
أَي رواجلَ. والرُّجْلة، بالضم: مصدر الرَّجُل والرَّاجِل والأَرْجَل.
يقال: رَجُل جَيِّد الرُّجلة، ورَجُلٌ بيِّن الرُّجولة والرُّجْلة
والرُّجْليَّة والرُّجوليَّة؛ الأَخيرة عن ابن الأَعرابي، وهي من المصادر التي
لا أَفعال لها. وهذا أَرْجَل الرَّجُلين أَي أَشدُّهُما، أَو فيه
رُجْلِيَّة ليست في الآخر؛ قال ابن سيده: وأُراه من باب أَحْنَك الشاتين أَي أَنه
لا فعل له وإِنما جاء فعل التعجب من غير فعل. وحكى الفارسي: امرأَة
مُرْجِلٌ تلد الرِّجال، وإِنما المشهور مُذْكِر، وقالوا: ما أَدري أَيُّ ولد
الرجل هو، يعني آدم، على نبينا وعليه الصلاة والسلام. وبُرْدٌ مُرَجَّلٌ:
فيه صُوَر كَصُوَر الرجال. وفي الحديث: أَنه لعن المُتَرَجِّلات من
النساء، يعني اللاتي يتشبهن بالرجال في زِيِّهِم وهيآتهم، فأَما في العلم
والرأْي فمحمود، وفي رواية: لَعَنَ الله الرَّجُلة من النساء، بمعنى
المترجِّلة. ويقال: امرأَة رَجُلة إِذا تشبهت بالرجال في الرأْي
والمعرفة.والرِّجْل: قَدَم الإِنسان وغيره؛ قال أَبو إِسحق: والرَّجْل من أَصل
الفخذ إِلى القدم، أُنْثى. وقولهم في المثل: لا تَمْشِ برِجْلِ من أَبى،
كقولهم لا يُرَحِّل رَحْلَك من ليس معك؛ وقوله:
ولا يُدْرِك الحاجاتِ، من حيث تُبْتَغَى
من الناس، إِلا المُصْبِحون على رِجْل
يقول: إِنما يَقْضِيها المُشَمِّرون القِيام، لا المُتَزَمِّلون
النِّيام؛ فأَما قوله:
أَرَتْنيَ حِجْلاً على ساقها،
فَهَشَّ الفؤادُ لذاك الحِجِلْ
فقلت، ولم أُخْفِ عن صاحبي:
أَلابي أَنا أَصلُ تلك الرِّجِلْ
(* قوله «ألابي أنا» هكذا في الأصل، وفي المحكم: ألائي، وعلى الهمزة
فتحة).
فإِنه أَراد الرِّجْل والحِجْل، فأَلقى حركة اللام على الجيم؛ قال: وليس
هذا وضعاً لأَن فِعِلاً لم يأْت إِلا في قولهم إِبِل وإِطِل، وقد تقدم،
والجمع أَرْجُل، قال سيبويه: لا نعلمه كُسِّر على غير ذلك؛ قال ابن جني:
استغنوا فيه بجمع القلة عن جمع الكثرة. وقوله تعالى: ولا يَضْرِبْن
بأَرْجُلِهن ليُعْلَم ما يُخْفِين من زينتهن؛ قال الزجاج: كانت المرأَة ربما
اجتازت وفي رجلها الخَلْخال، وربما كان فيه الجَلاجِل، فإِذا ضَرَبت
برِجْلها عُلِم أَنها ذات خَلْخال وزينة، فنُهِي عنه لما فيه من تحريك الشهوة،
كما أُمِرْن أَن لا يُبْدِين ذلك لأَن إِسماع صوته بمنزلة إِبدائه. ورجل
أَرْجَل: عظيم الرِّجْل، وقد رَجِل، وأَرْكبُ عظيم الرُّكْبة، وأَرْأَس
عظيم الرأْس. ورَجَله يَرْجله رَجْلاً: أَصاب رِجْله، وحكى الفارسي رَجِل
في هذا المعنى. أَبو عمرو: ارْتَجَلْت الرَّجُلَ إِذا أَخذته برِجْله.
والرُّجْلة: أَن يشكو رِجْله. وفي حديث الجلوس في الصلاة: إِنه لجَفاء
بالرَّجُل أَي بالمصلي نفسه، ويروى بكسر الراء وسكون الجيم، يريد جلوسه على
رِجْله في الصلاة.
والرَّجَل، بالتحريك: مصدر قولك رَجِلَ، بالكسر، أَي بقي راجلاً؛
وأَرْجَله غيره وأَرْجَله أَيضاً: بمعنى أَمهله، وقد يأْتي رَجُلٌ بمعنى راجل؛
قال الزِّبْرِقان بن بدر:
آليت لله حَجًّا حافياً رَجُلاً،
إِن جاوز النَّخْل يمشي، وهو مندفع
ومثله ليحيى بن وائل وأَدرك قَطَريّ
بن الفُجاءة الخارجي أَحد بني مازن حارثي:
أَمَا أُــقاتِل عن دِيني على فرس،
ولا كذا رَجُلاً إِلا بأَصحاب
لقد لَقِيت إِذاً شرّاً، وأَدركني
ما كنت أَرْغَم في جسمي من العاب
قال أَبو حاتم: أَما مخفف الميم مفتوح الأَلف، وقوله رجلاً أَي راجلاً
كما تقول العرب جاءنا فلان حافياً رَجُلاً أَي راجلاً، كأَنه قال أَما
أُــقاتل فارساً ولا راجلاً إِلا ومعي أَصحابي، لقد لقيت إِذاً شَرًّا إِن لم
أُــقاتل وحدي؛ وأَبو زيد مثله وزاد: ولا كذا أُــقاتل راجلاً، فقال: إِنه
خرج يــقاتل السلطان فقيل له أَتخرج راجلاً تــقاتل؟ فقال البيت؛ وقال ابن
الأَعرابي: قوله ولا كذا أَي ما ترى رجلاً كذا؛ وقال المفضل: أَما خفيفة
بمنزلة أَلا، وأَلا تنبيه يكون بعدها أَمر أَو نهي أَو إِخبار، فالذي بعد
أَما هنا إِخبار كأَنه قال: أَما أُــقاتل فارساً وراجلاً. وقال أَبو علي في
الحجة بعد أَن حكى عن أَبي زيد ما تقدم: فَرجُلٌ على ما حكاه أَبو زيد
صفة، ومثله نَدُسٌ وفَطُنٌ وحَذْرٌ وأَحرف نحوها، ومعنى البيت كأَنه يقول:
اعلموا أَني أُــقاتل عن ديني وعن حَسَبي وليس تحتي فرس ولا معي أَصحاب.
ورَجِلَ الرَّجُلُ رَجَلاً، فهو راجل ورَجُل ورَجِلٌ ورَجِيلٌ ورَجْلٌ
ورَجْلان؛ الأَخيرة عن ابن الأَعرابي؛ إِذا لم يكن له ظهر في سفر يركبه؛
وأَنشد ابن الأَعرابي:
عَلَيّ، إِذا لاقيت لَيْلى بخلوة،
أَنَ آزدار بَيْتَ الله رَجْلانَ حافيا
والجمع رِجَالٌ ورَجَّالة ورُجَّال ورُجَالى ورُجَّالى ورَجَالى
ورُجْلان ورَجْلة ورِجْلة ورِجَلة وأَرْجِلة وأَراجل وأَراجيل؛ وأَنشد لأَبي
ذؤيب:
واغُزُ وَسْط الأَراجل
قال ابن جني: فيجوز أَن يكون أَراجل جمع أَرْجِلة، وأَرْجِلة جمع رِجال،
ورجال جمع راجل كما تقدم؛ وقد أَجاز أَبو إِسحق في قوله:
في ليلة من جُمادى ذات أَنديةٍ
أَن يكون كَسَّر نَدًى على نِداء كجَمَل وجِمال، ثم كَسَّر نِداء على
أَندِية كرِداء وأَرْدِية، قال: فكذلك يكون هذا؛ والرَّجْل اسم للجمع عند
سيبويه وجمع عند أَبي الحسن، ورجح الفارسي قول سيبويه وقال: لو كان جمعاً
ثم صُغِّر لرُدَّ إِلى واحده ثم جُمِع ونحن نجده مصغراً على لفظه؛
وأَنشد:بَنَيْتُه بعُصْبةٍ من ماليا،
أَخشى رُكَيْباً ورُجَيْلاً عاديا
وأَنشد:
وأَيْنَ رُكَيْبٌ واضعون رِحالهم
إِلى أَهل بيتٍ من مقامة أَهْوَدا؟
ويروى: من بُيُوت بأَسودا؛ وأَنشد الأَزهري:
وظَهْر تَنُوفةٍ حَدْباء تمشي،
بها، الرُّجَّالُ خائفةً سِراعا
قال: وقد جاء في الشعر الرَّجْلة، وقال تميم بن أَبي
(* قوله «تميم بن
أبي» هكذا في الأصل وفي شرح القاموس. واأنشده الأزهري لأبي مقبل، وفي
التكملة: قال ابن مقبل) :
ورَجْلة يضربون البَيْضَ عن عُرُض
قال أَبو عمرو: الرَّجْلة الرَّجَّالة في هذا البيت، وليس في الكلام
فَعْلة جاء جمعاً غير رَجْلة جمع راجل وكَمْأَة جمع كَمْءٍ؛ وفي التهذيب:
ويجمع رَجاجِيلَ.
والرَّجْلان أَيْضاً: الراجل، والجمع رَجْلى ورِجال مثل عَجْلان وعَجْلى
وعِجال، قال: ويقال رَجِلٌ ورَجالى مثل عَجِل وعَجالى. وامرأَة رَجْلى:
مثل عَجْلى، ونسوة رِجالٌ: مثل عِجال، ورَجالى مثل عجالى. قال ابن بري:
قال ابن جني راجل ورُجْلان، بضم الراء؛ قال الراجز:
ومَرْكَبٍ يَخْلِطني بالرُّكْبان،
يَقي به اللهُ أَذاةَ الرُّجْلان
ورُجَّال أَيضاً، وقد حكي أَنها قراءة عبد الله في سورة الحج وبالتخفيف
أَيضاً، وقوله تعالى: فإِن خِفْتم فرِجالاً أَو رُكْباناً، أَي فَصَلُّوا
رُكْباناً ورِجالاً، جمع راجل مثل صاحب وصِحاب، أَي إِن لم يمكنكم أَن
تقوموا قانتين أَي عابدين مُوَفِّين الصَّلاةَ حَقَّها لخوف ينالكم
فَصَلُّوا رُكْباناً؛ التهذيب: رِجالٌ أَي رَجَّالة. وقوم رَجْلة أَي رَجَّالة.
وفي حديث صلاة الخوف: فإِن كان خوف هو أَشدّ من ذلك صَلوا رِجالاً
ورُكْباناً؛ الرِّجال: جمع راجل أَي ماش، والراجل خلاف الفارس. أَبو زيد: يقال
رَجِلْت، بالكسر، رَجَلاً أَي بقيت راجِلاً، والكسائي مثله، والعرب تقول
في الدعاء على الإِنسان: ما له رَجِلَ أَي عَدِمَ المركوبَ فبقي راجلاً.
قال ابن سيده: وحكى اللحياني لا تفعل كذا وكذا أُمُّك راجل، ولم يفسره،
إِلا أَنه قال قبل هذا: أُمُّك هابل وثاكل، وقال بعد هذا: أُمُّك عَقْري
وخَمْشى وحَيْرى، فَدَلَّنا ذلك بمجموعة أَنه يريد الحزن والثُّكْل.
والرُّجْلة: المشي راجلاً. والرَّجْلة والرِّجْلة: شِدَّة المشي؛ خكاهما أَبو
زيد.
وفي الحديث: العَجْماء جَرْحها جُبَار، ويَرْوي بعضم: الرِّجْلُ جُبارٌ؛
فسَّره من ذهب إِليه أَن راكب الدابة إِذا أَصابت وهو راكبها إِنساناً
أَو وطئت شيئاً بيدها فضمانه على راكبها، وإِن أَصابته برِجْلها فهو جُبار
وهذا إِذا أَصابته وهي تسير، فأَمَّا أَن تصيبه وهي واقفة في الطريق
فالراكب ضامن، أَصابت ما أَصابت بيد أَو رجل. وكان الشافعي، رضي الله عنه،
يرى الضمان واجباً على راكبها على كل حال، نَفَحَتْ برِجلها أَو خبطت
بيدها، سائرة كانت أَو واقفة. قال الأَزهري: الحدث الذي رواه الكوفيون أَن
الرِّجل جُبار غير صحيح عند الحفاظ؛ قال ابن الأَثير في قوله في الحديث:
الرِّجل جُبار أَي ما أَصابت الدابة برِجْلها فلا قَوَد على صاحبها، قال:
والفقهاء فيه مختلفون في حالة الركوب عليها وقَوْدها وسَوْقها وما أَصابت
برِجْلها أَو يدها، قال: وهذا الحديث ذكره الطبراني مرفوعاً وجعله
الخطابي من كلام الشعبي.
وحَرَّةٌ رَجْلاءُ: وهي المستوية بالأَرض الكثيرة الحجارة يَصْعُب المشي
فيها، وقال أَبو الهيثم: حَرَّة رَجْلاء، الحَرَّة أَرض حجارتها سُودٌ،
والرَّجْلاء الصُّلْبة الخَشِنة لا تعمل فيها خيل ولا إِبل ولا يسلكها
إِلا راجل. ابن سيده: وحَرَّة رَجْلاء لا يستطاع المشي فيها لخشونتها
وصعوبتها حتى يُتَرَجَّل فيها. وفي حديث رِفاعة الجُذامي ذِكْر رِجْلى، هي
بوزن دِفْلى، حَرَّةُ رِجْلى: في ديار جُذام. وتَرَجَّل الرجلُ: ركب
رِجْليه.والرَّجِيل من الخيل: الذي لا يَحْفى. ورَجُلٌ رَجِيل أي قَوِيٌّ على
المشي؛ قال ابن بري: كذلك امرأَة رَجِيلة للقوية على المشي؛ قال الحرب بن
حِلِّزة:
أَنَّى اهتديتِ، وكُنْتِ غير رَجِيلةٍ،
والقومُ قد قَطَعوا مِتان السِّجْسَج
التهذيب: ارْتَجَل الرجلُ ارتجالاً إِذا ركب رجليه في حاجته ومَضى.
ويقال: ارْتَجِلْ ما ارْتَجَلْتَ أَي اركب ما ركبت من الأُمور. وتَرَجَّل
الزَّنْدَ وارتجله: وضعه تحت رجليه. وتَرَجَّل القومُ إِذا نزلوا عن دوابهم
في الحرب للقتال. ويقال: حَمَلك الله على الرُّجْلة، والرُّجْلة ههنا:
فعل الرَّجُل الذي لا دابة له.
ورَجَلَ الشاةَ وارتجلها: عَقَلها برجليها. ورَجَلها يَرْجُلها رَجْلاً
وارتجلها: علَّقها برجلها.
والمُرَجَّل من الزِّقاق: الذي يُسْلَخ من رِجْل واحدة، وقيل: الذي
يُسْلَخ من قِبَل رِجْله. الفراء: الجِلْد المُرَجَّل الذي يسلخ من رِجْل
واحدة، والمَنْجُول الذي يُشَقُّ عُرْقوباه جميعاً كما يسلخ الناسُ اليومَ،
والمُزَقَّق الذي يسلخ من قِبَل رأْسه؛ الأَصمعي وقوله:
أَيام أَلْحَفُ مِئْزَري عَفَرَ الثَّرى،
وأَغُضُّ كُلَّ مُرَجَّلٍ رَيَّان
(* قوله «أَيام ألحف إلخ» تقدم في ترجمة غضض:
أيام أسحب لمتي عفر الملا
ولعلهما روايتان).
أَراد بالمُرَجَّل الزِّقَّ الملآن من الخَمْر، وغَضُّه شُرْبُه. ابن
الأَعرابي: قال المفضل يَصِف شَعْره وحُسْنه، وقوله أَغُضّ أَي أَنْقُص منه
بالمِقْراض ليستوي شَعَثُه. والمُرَجَّل: الشعر المُسَرَّح، ويقال للمشط
مِرْجَل ومِسْرَح. وفي الحديث: أَن النبي، صلى الله عليه وسلم، نَهَى عن
الترَجُّل إِلا غِبًّا؛ الترجل والترجيل: تسريح الشعر وتنظيفه وتحسينه،
ومعناه أَنه كره كثرة الادِّهان ومَشْطَ الشعر وتسويته كل يوم كأَنه كره
كثرة التَّرفُّه والتنعم.
والرُّجْلة والترجيل: بياض في إِحدى رجلي الدابة لا بياضَ به في موضع
غير ذلك. أَبو زيد: نَعْجة رَجْلاء وهي البيضاء إِحدى الرجلين إِلى الخاصرة
وسائرها أَسود، وقد رَجِلَ رَجَلاً، وهو أَرْجَل. ونعجة رَجْلاء:
ابْيَضَّتْ رَِجْلاها مع الخاصرتين وسائرها أَسود. الجوهري: الأَرجل من الخيل
الذي في إِحدى رجليه بياض، ويُكْرَه إِلا أَن يكون به وَضَحٌ؛ غيره: قال
المُرَقِّش الأَصغر:
أَسِيلٌ نَبِيلٌ ليس فيه مَعابةٌ،
كُمَيْتٌ كَلَوْن الصِّرف أَرْجَل أَقرَح
فمُدِح بالرَّجَل لَمَّا كان أَقرح. قال: وشاة رَجْلاء كذلك. وفرس
أَرْجَل: بَيِّن الرَّجَل والرُّجْلة. ورَجَّلَت المرأَةُ ولدَها
(* قوله
«ورجلت المرأة ولدها» ضبط في القاموس مخففاً، وضبط في نسخ المحكم بالتشديد) :
وضَعَتْه بحيث خَرَجَتْ رِجْلاه قبْل رأْسه عند الولادة، وهذا يقال له
اليَتْن. الأُموي: إِذا وَلَدت الغنمُ بعضُها بعد بعض قيل وَلَّدتُها
الرُّجَيْلاء مثال الغُمَيْصاء، ووَلَّدتها طَبَقة بعد طَبَقة.
ورِجْلُ الغُراب: ضَرْب من صَرِّ الإِبل لا يقدر الفصيل على أَن يَرْضَع
معه ولا يَنْحَلُّ؛ قال الكميت:
صُرَّ رِجْلَ الغُراب مُلْكُكَ في النا
س، على من أَراد فيه الفجورا
رِجْلَ الغراب مصدر لأَنه ضرب من الصَّرِّ فهو من باب رَجَع القَهْقَرى
واشتمل الصَّمَّاء، وتقديره صَرًّا مثل صَرِّ رِجْل الغُراب، ومعناه
اسْتَحْكَم مُلكُك فلا يمكن حَلُّه كما لا يمكن الفَصِيلَ حَلُّ رِجْل
الغراب. وقوله في الحديث: الرُّؤيا لأَوَّلِ عابر وهي على رِجْل طائر أَي أَنها
على رِجْلِ قَدَرٍ جارٍ وقضاء ماضٍ من خير أَو شَرٍّ، وأَن ذلك هو الذي
قَسَمه الله لصاحبها، من قولهم اقتسموا داراً فطار سهمُ فلان في ناحيتها
أَي وَقَعَ سهمُه وخَرج، وكلُّ حَركة من كلمة أَو شيء يَجْري لك فهو
طائر، والمراد أَن الرؤيا هي التي يُعَبِّرها المُعَبِّر الأَول، فكأَنها
كانت على رِجْل طائر فسقطت فوقعتْ حيث عُبِّرت، كما يسقط الذي يكون على
رِجْل الطائر بأَدنى حركة. ورِجْل الطائر: مِيسَمٌ. والرُّجْلة: القُوَّةُ
على المشي. رَجِلَ الرَّجُلُ يَرْجَل رَجَلاً ورُجْلة إِذا كان يمشي في
السفر وحده ولا دابة له يركبها. ورَجُلٌ رُجْليٌّ: للذي يغزو على رِجليه،
منسوب إِلى الرُّجْلة. والرَّجيل: القَوِيُّ على المشي الصبور عله؛
وأَنشد:حَتى أُشِبَّ لها، وطال إِيابُها،
ذو رُجْلة، شَثْنُ البَراثِن جَحْنَبُ
وامرأَة رَجِيلة: صَبُورٌ على المشي، وناقة رَجِيلة. ورَجُل راجل
ورَجِيل: قويٌّ على المشي، وكذلك البعير والحمار، والجمع رَجْلى ورَجالى.
والرَّجِيل أَيضاً من الرجال: الصُّلْبُ. الليث: الرُّجْلة نجابة الرَّجِيل من
الدواب والإِبل وهو الصبور على طول السير، قال: ولم أَسمع منه فِعْلاً
إِلا في النعوت ناقة رَجِيلة وحمار رَجِيل. ورَجُل رَجِيل: مَشَّاء.
التهذيب: رَجُل بَيِّن الرُّجولِيَّة والرُّجولة؛ وأَنشد أَبو بكر:
وإِذا خَلِيلُك لم يَدُمْ لك وَصْلُه،
فاقطع لُبانَته بحَرْفٍ ضامِر،
وَجْناءَ مُجْفَرةِ الضُّلوع رَجِيلةٍ،
وَلْقى الهواجر ذاتِ خَلْقٍ حادر
أَي سريعة الهواجر؛ الرَّجِيلة: القَوية على المشي، وحَرْفٌ: شبهها
بحَرْف السيف في مَضائها. الكسائي: رَجُلٌ بَيِّن الرُّجولة وراجل بيِّن
الرُّجْلة؛ والرَّجِيلُ من الناس: المَشّاء الجيِّد المشي. والرَّجِيل من
الخيل: الذي لا يَعْرَق. وفلان قائم على رِجْلٍ إِذا حَزْبَه أَمْرٌ فقام
له. والرِّجْل: خلاف اليد. ورِجل القوس: سِيَتُها السفْلى، ويدها: سِيَتُها
العليا؛ وقيل: رِجْل القوس ما سَفَل عن كبدها؛ قال أَبو حنيفة: رِجْل
القوس أَتمُّ من يدها. قال: وقال أَبو زياد الكلابي القوّاسون يُسَخِّفون
الشِّقَّ الأَسفل من القوس، وهو الذي تُسميه يَداً، لتَعْنَت القِياسُ
فَيَنْفُق ما عندهم. ابن الأَعرابي: أَرْجُلُ القِسِيِّ إِذا أُوتِرَت
أَعاليها، وأَيديها أَسافلها، قال: وأَرجلها أَشد من أَيديها؛ وأَنشد:
لَيْتَ القِسِيَّ كلَّها من أَرْجُل
قال: وطَرفا القوس ظُفْراها، وحَزَّاها فُرْضتاها، وعِطْفاها سِيَتاها،
وبَعْدَ السِّيَتين الطائفان، وبعد الطائفين الأَبهران، وما بين
الأَبهَرَين كبدُها، وهو ما بين عَقْدَي الحِمالة، وعَقْداها يسميان الكُليتين،
وأَوتارُها التي تُشَدُّ في يدها ورجلها تُسَمَّى الوُقوف وهو المضائغ.
ورِجْلا السَّهم: حَرْفاه. ورِجْلُ البحر: خليجه، عن كراع. وارْتَجل الفرسُ
ارتجالاً: راوح بين العَنَق والهَمْلَجة، وفي التهذيب: إِذا خَلَط
العَنق بالهَمْلجة. وتَرَجَّل أَي مشى راجلاً. وتَرَجَّل البئرَ تَرَجُّلاً
وتَرَجَّل فيها، كلاهما: نزلها من غير أَن يُدَلَّى.
وارتجالُ الخُطْبة والشِّعْر: ابتداؤه من غير تهيئة. وارْتَجَل الكلامَ
ارْتجالاً إِذا اقتضبه اقتضاباً وتكلم به من غير أَن يهيئه قبل ذلك.
وارْتَجَل برأْيه: انفرد به ولم يشاور أَحداً فيه، والعرب تقول: أَمْرُك ما
ارْتَجَلْتَ، معناه ما استبددت برأْيك فيه؛ قال الجعدي:
وما عَصَيْتُ أَميراً غير مُتَّهَم
عندي، ولكنَّ أَمْرَ المرء ما ارْتَجلا
وتَرَجَّل النهارُ، وارتجل أَي ارتفع؛ قال الشاعر:
وهاج به، لما تَرَجَّلَتِ الضُّحَى،
عصائبُ شَتى من كلابٍ ونابِل
وفي حديث العُرَنِيّين: فما تَرَجَّل النهارُ حتى أُتيَ بهم أَي ما
ارتفع النهار تشبيهاً بارتفاع الرَّجُل عن الصِّبا.
وشعرٌ رَجَلٌ ورَجِل ورَجْلٌ: بَيْنَ السُّبوطة والجعودة. وفي صفته، صلى
الله عليه وسلم: كان شعره رَجِلاً أَي لم يكن شديد الجعودة ولا شديد
السبوطة بل بينهما؛ وقد رَجِل رَجَلاً ورَجَّله هو ترجيلاً، ورَجُلٌ رَجِلُ
الشَّعر ورَجَلُه، وجَمْعهما أَرجال ورَجالى. ابن سيده: قال سيبويه: أَما
رَجْلٌ، بالفتح، فلا يُكَسَّرُ استغنوا عنه بالواو والنون وذلك في
الصفة، وأَما رَجِل، وبالكسر، فإِنه لم ينص عليه وقياسه قياس فَعُل في الصفة،
ولا يحمل على باب أَنجاد وأَنكاد جمع نَجِد ونَكِد لقلة تكسير هذه الصفة
من أَجل قلة بنائها، إِنما الأَعرف في جميع ذلك الجمع بالواو والنون،
لكنه ربما جاء منه الشيء مُكَسَّراً لمطابقة الاسم في البناء، فيكون ما حكاه
اللغويون من رَجالى وأَرجال جمع رَجَل ورَجِل على هذا.
ومكان رَجِيلٌ: صُلْبٌ. ومكان رَجِيل: بعيد الطَّرفين موطوء رَكوب؛ قال
الراعي:
قَعَدوا على أَكوارها فَتَردَّفَتْ
صَخِبَ الصَّدَى، جَذَع الرِّعان رَجِيلاً
وطريق رَجِيلٌ إِذا كان غليظاً وَعْراً في الجَبَل. والرَّجَل: أَن
يُترك الفصيلُ والمُهْرُ والبَهْمة مع أُمِّه يَرْضَعها متى شاء؛ قال
القطاميّ:
فصاف غلامُنا رَجَلاً عليها،
إِرادَة أَن يُفَوِّقها رَضاعا
ورَجَلها يَرْجُلها رَجْلاً وأَرجلها: أَرسله معها، وأَرجلها الراعي مع
أُمِّها؛ وأَنشد:
مُسَرْهَدٌ أُرْجِل حتى فُطِما
ورَجَلَ البَهْمُ أُمَّه يَرْجُلها رَجْلاً: رَضَعها. وبَهْمة رَجَلٌ
ورَجِلٌ وبَهِمٌ أَرجال ورَجَل. وارْتَجِلْ رَجَلك أَي عليك شأْنَك
فالْزَمْه؛ عن ابن الأَعرابي. ويقال: لي في مالك رِجْل أَي سَهْم. والرِّجْل:
القَدَم. والرِّجْل: الطائفة من الشيء، أُنثى، وخص بعضهم به القطعة العظيمة
من الجراد، والجمع أَرجال، وهو جمع على غير لفظ الواحد، ومثله كثير في
كلامهم كقولهم لجماعة البقر صِوَار، ولجماعة النعام خِيط، ولجماعة
الحَمِير عانة؛ قال أَبو النجم يصف الحُمُر في عَدْوها وتَطايُر الحصى عن
حوافرها:
كأَنما المَعْزاء من نِضالها
رِجْلُ جَرادٍ، طار عن خُذَّالها
وجمع الرِّجْل أَرجال. وفي حديث أَيوب، عليه السلام: أَنه كان يغتسل
عُرياناً فَخَرَّ عليه رِجْلٌ من جَراد ذَهَب؛ الرِّجل، بالكسر: الجراد
الكثير؛ ومنه الحديث: كأَنَّ نَبْلهم رِجْلُ جَراد؛ ومنه حديث ابن عباس: أَنه
دَخَل مكَّة رِجْلٌ من جَراد فَجَعل غِلْمانُ مكة يأْخذون منه، فقال:
أَمَا إِنَّهم لو علموا لم يأْخذوه؛ كَرِه ذلك في الحرم لأَنه صيد.
والمُرْتَجِل: الذي يقع بِرِجْلٍ من جَرَاد فيَشْتَوي منها أَو يطبخُ؛ قال
الراعي:
كدُخَان مُرْتَجِلٍ، بأَعلى تَلْعة،
غَرْثانَ ضَرَّم عَرْفَجاً مبْلُولا
وقيل: المُرْتَجِل الذي اقتدح النار بزَنْدة جعلها بين رِجْليه وفَتل
الزَّنْدَ في فَرْضِها بيده حتى يُورِي، وقيل: المُرْتَجِل الذي نَصَب
مِرْجَلاً يطبخ فيه طعاماً. وارْتَجَل فلان أَي جَمَع قِطْعَة من الجَرَاد
ليَشْوِيها؛ قال لبيد:
فتنازعا سَبَطاً يطير ظِلالُه،
كدخان مُرتَجِلٍ يُشَبُّ ضِرَامُها
قال ابن بري: يقال للقِطْعة من الجراد رِجْل ورِجْلة. والرِّجْلة
أَيضاً: القطعة من الوحش؛ قال الشاعر:
والعَيْن عَيْن لِياحٍ لَجَلْجَلَتْ وَسَناً،
لرِجْلة من بَنات الوحش أَطفال
وارْتَجَل الرجلُ: جاء من أَرض بعيدة فاقتدح ناراً وأَمسك الزَّنْد
بيديه ورجليه لأَنه وحده؛ وبه فَسَّر بعضهم:
كدُخَان مُرْتَجِلٍ بأَعلى تَلْعةٍ
والمُرَجَّل من الجَراد: الذي ترى آثار أَجنحته في الأَرض. وجاءت رِجْلُ
دِفاعٍ أَي جيشٌ كثير، شُبّه برِجْل الجَراد. وفي النوادر: الرَّجْل
النَّزْوُ؛ يقال: بات الحِصَان يَرْجُل الخيلَ. وأَرْجَلْت الحِصانَ في
الخيل إِذا أَرسلت فيها فحلاً. والرِّجْل: السراويلُ الطاقُ؛ ومنه الخبر عن
النبي، صلى الله عليه وسلم: أَنه اشترى رِجْلَ سَراوِيل ثم قال للوَزَّان
زِنْ وأَرْجِحْ؛ قال ابن الأَثير: هذا كما يقال اشترى زَوْجَ خُفٍّ
وزوْجَ نَعْل، وإِنما هما زَوْجان يريد رِجْلَيْ سراويل لأَن السراويل من لباس
الرِّجْلين، وبعضهم يُسَمِّي السراويل رِجْلاً. والرِّجْل: الخوف والفزع
من فوت الشيء، يقال: أَنا من أَمري على رِجْلٍ أَي على خوف من فوته.
والرِّجْل، قال أَبو المكارم: تجتمع القُطُر فيقول الجَمَّال: لي الرِّجْل
أَي أَنا أَتقدم. والرِّجْل: الزمان؛ يقال: كان ذلك على رِجْل فلان أَي في
حياته وزمانه وعلى عهده. وفي حديث ابن المسيب: لا أَعلم نَبِيًّا هَلَكَ
على رِجْله من الجبابرة ما هَلَك على رِجْل موسى، عليه الصلاة والسلام،
أَي في زمانه. والرِّجْل: القِرْطاس الخالي. والرِّجْل: البُؤْس والفقر.
والرِّجْل: القاذورة من الرجال. والرِّجْل: الرَّجُل النَّؤوم.
والرِّجْلة: المرأَة النؤوم؛ كل هذا بكسر الراء. والرَّجُل في كلام أَهل اليمن:
الكثيرُ المجامعة، كان الفرزدق يقول ذلك ويزعم أَن من العرب من يسميه
العُصْفُورِيَّ؛ وأَنشد:
رَجُلاً كنتُ في زمان غُروري،
وأَنا اليومَ جافرٌ مَلْهودُ
والرِّجْلة: مَنْبِت العَرْفج الكثير في روضة واحدة. والرِّجْلة: مَسِيل
الماء من الحَرَّة إِلى السَّهلة. شمر: الرِّجَل مَسايِلُ الماء،
واحدتها رِجْلة؛ قال لبيد:
يَلْمُج البارضَ لَمْجاً في النَّدَى،
من مَرابيع رِياضٍ ورِجَل
اللَّمْج: الأَكل بأَطراف الفم؛ قال أَبو حنيفة: الرِّجَل تكون في
الغِلَظ واللِّين وهي أَماكن سهلة تَنْصَبُّ إِليها المياه فتُمْسكها. وقال
مرة: الرِّجْلة كالقَرِيِّ وهي واسعة تُحَلُّ، قال: وهي مَسِيل سَهْلة
مِنْبات.
أَبو عمرو: الراجلة كَبْش الراعي الذي يَحْمِل عليه متاعَه؛ وأَنشد:
فظَلَّ يَعْمِتُ في قَوْطٍ وراجِلةٍ،
يُكَفِّتُ الدَّهْرَ إِلاَّ رَيْثَ يَهْتَبِد
أَي يَطْبُخ. والرِّجْلة: ضرب من الحَمْض، وقوم يسمون البَقْلة
الحَمْقاء الرِّجْلة، وإِنما هي الفَرْفَخُ. وقال أَبو حنيفة: ومن كلامهم هو
أَحمق من رِجْلة، يَعْنون هذه البَقْلة، وذلك لأَنها تنبت على طُرُق الناس
فتُدَاس، وفي المَسايل فيَقْلَعها ماء السيل، والجمع رِجَل.
والرِّجْل: نصف الراوية من الخَمْر والزيت؛ عن أَبي حنيفة. وفي حديث
عائشة: أُهدي لنا رِجْل شاة فقسمتها إِلاّ كَتِفَها؛ تريد نصف شاة طُولاً
فسَمَّتْها باسم بعضها. وفي حديث الصعب بن جَثَّامة: أَنه أَهدى إِلى
النبي، صلى الله عليه وسلم، رِجْل حمار وهو مُحْرِمٌ أَي أَحد شقيه، وقيل:
أَراد فَخِذه. والتَّراجِيل: الكَرَفْس، سواديّة، وفي التهذيب بِلُغَة
العجم، وهو اسم سَواديٌّ من بُقول البساتين. والمِرْجَل: القِدْر من الحجارة
والنحاسِ، مُذَكَّر؛ قال:
حتى إِذا ما مِرْجَلُ القومِ أَفَر
وقيل: هو قِدْر النحاس خاصة، وقيل: هي كل ما طبخ فيها من قِدْر وغيرها.
وارْتَجَل الرجلُ: طبخ في المِرْجَل. والمَراجِل: ضرب من برود اليمن.
المحكم: والمُمَرْجَل ضرب من ثياب الوشي فيه صور المَراجل، فمُمَرْجَل على
هذا مُمَفْعَل، وأَما سيبويه فجعله رباعيّاً لقوله:
بشِيَةٍ كشِيَةِ المُمَرْجَل
وجعل دليله على ذلك ثبات الميم في المُمَرْجَل، قال: وقد يجوز أَن يكون
من باب تَمَدْرَع وتَمَسْكَن فلا يكون له في ذلك دليل. وثوب مِرْجَلِيٌّ:
من المُمَرْجَل؛ وفي المثل:
حَدِيثاً كان بُرْدُك مِرْجَلِيّا
أَي إِنما كُسيت المَراجِلَ حديثاً وكنت تلبس العَبَاء؛ كل ذلك عن ابن
الأَعرابي. الأَزهري في ترجمة رحل: وفي الحديث حتى يَبْنَي الناسُ بيوتاً
يُوَشُّونها وَشْيَ المراحِل، ويعني تلك الثياب، قال: ويقال لها المراجل
بالجيم أَيضاً، ويقال لها الراحُولات، والله أعلم.
كيل: الكَيْلُ: المِكْيال. غيره: الكَيْل كَيْل البُرِّ ونحوه، وهو مصدر
كالَ الطعامَ ونحوه يَكِيلُ كَيْلاً ومَكالاً ومَكِيلاً أَيضاً، وهو شاذ
لأَن المصدر من فَعَل يَفْعِل مَفْعِل، بكسر العين؛ يقال: ما في برك
مَكالٌ، وقد قيل مَكِيل عن الأَخفش؛ قال ابن بري: هكذا قال الجوهري، وصوابه
مَفْعَل بفتح العين. وكِيلُ الطعامُ، على ما لم يسم فاعله، وإِن شئت ضممت
الكاف، والطعامُ مَكِيلٌ ومَكْيُول مثل مَخِيط ومَخْيوط، ومنهم من يقول:
كُولَ الطعامُ وبُوعَ واصْطُودَ الصَّيْدُ واسْتُوقَ مالُه، بقلب الياء
واواً حين ضم ما قبلها لأَن الياء الساكنة لا تكون بعد حرف مضموم.
واكْتالَه وكالَه طعاماً وكالَه له؛ قال سيبويه: اكْتَل يكون على
الاتحاد وعلى المُطاوَعة. وقوله تعالى: الذين إِذا اكْتالوا على الناس
يَسْتَوْفُون؛ أَي اكْتالوا منهم لأَنفسهم؛ قال ثعلب: معناه من الناس، والاسم
الكِيلَةُ، بالكسر، مثل الجِلْسة والرِّكْبة. واكْتَلْت من فلان واكْتَلْت
عليه وكِلْت فُلاناً طعاماً أَي كِلْتُ له؛ قال الله تعالى: وإِذا
كالُوهمْ أَو وَزَنُوهم؛ أَي كالُوا لهم. وفي المثل: أَحَشَفاً وسُوء كِيلة؟ أَي
أَتَجْمَعُ عليَّ أَن يكون المَكِيل حَشَفاً وأَن يكون الكَيل
مُطَفَّفاً؛ وقال اللحياني: حَشَف وسوء كِيلةٍ وكَيْلٍ ومَكِيلةٍ. وبُرٌّ مَكِيلٌ،
ويجوز في القياس مَكْيول، ولغة بني أَسد مَكُول، ولغة رديئة مُكالٌ؛ قال
الأَزهري: أَما مُكالٌ فمن لغات الحَضَرِيِّين، قال: وما أَراها عربية
محضة، وأَما مَكُول فهي لغة رديئة، واللغة الفصيحة مَكِيل ثم يليها في
الجودة مَكْيول. الليث: المِكْيال ما يُكالُ به، حديداً كان أَو خشباً.
واكْتَلْتُ عليه: أَخذت منه. يقال: كال المعطي واكْتال الآخِذ. والكَيْلُ
والمِكْيَلُ والمِكْيال والمِكْيَلةُ: ما كِيلَ به؛ الأَخيرة نادرة. ورجل
كَيَّال: من الكَيْل؛ حكاه سيبويه في الإِمالة، فإِما أَن يكون على التكثير
لأَن فِعْله معروف، وإِما يُفَرّ إِلى النسَب إِذا عُدِم الفعل؛ وقوله
أَنشده ابن الأَعرابي:
حين تكالُ النِّيبُ في القَفِيزِ
فسره فقال: أَراد حين تَغْزُر فيُكال لَبَنُها كَيْلاً فهذه الناقة
أَغزرهنَّ. وكال الدراهمَ والدنانير: وزنها؛ عن ابن الأَعرابي خاصة؛ وأَنشد
لشاعر جعل الكَيْل وَزْناً:
قارُروة ذات مِسْك عند ذي لَطَفٍ،
من الدَّنانيرِ، كالُوها بمِثْقال
فإِما أَن يكون هذا وَضْعاً، وإِما أَن يكون على النسب لأَن الكَيْل
والوزن سواء في معرِفة المَقادير. ويقال: كِلْ هذه الدراهمَ، يريدون زِنْ.
وقال مُرَّة: كُلُّ ما وزن فقد كِيلَ.
وهما يتَكايَلان أَي يتَعارَضان بالشَّتْم أَو الوَتْرِ؛ قالت امرأَة من
طيِّءٍ:
فيَقْتل خيراً بامرِئٍ لم يكن له
نِواءٌ، ولكن لا تَكَايُلَ بالدَّمِ
قال أَبو رِياش: معناه لا يجوز لك أَن تقتل إِلاَّ ثأْرَك ولا تعتبر فيه
المُساواة في الفضل إِذا لم يكن غيره. وكايَل الرجلُ صاحبَه: قال له مثل
ما يقول أَو فَعَل كفعله. وكايَلْته وتكايَلْنا إِذا كالَ لَكَ وكِلْتَ
له فهو مُكائِل، بالهمز. وفي حديث عمر، رضي الله عنه: أَنه نَهَى عن
المُكايَلة وهي المُقايَسة بالقَوْل والفعل، والمراد المُكافأَة بالسُّوءِ
وتركُ الإِغْضاء والاحتمالِ أَي تقول له وتفعَل معه مثل ما يقول لك ويفعل
معك، وهي مُفاعلة من الكَيْل، وقيل: أَراد بها المُقايَسة في الدِّين وترك
العمل بالأَثر. وكالَ الزَّنْدُ يَكِيلُ كَيْلاً: مثل كَبا ولم يخرِج
ناراً فشبه مؤخَّر الصفوف
(* قوله «فشبه مؤخر الصفوف إلى قوله من كان فيه»
هكذا في الأصل هنا، وقد ذكره ابن الاثير عقب حديث دجانة، ونقله المؤلف
عنه فيما يأتي عقب ذلك الحديث ولا مناسبة له هنا فالاقتصار على ما يأتي
احق) في الحرب به لأَنه لا يُــقاتِل مَن كان فيه.
وروي عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أَنه قال: المِكْيال مِكْيال أَهل
المدينة والمِيزانُ مِيزانُ أَهلِ مكة؛ قال أَبو عبيدة: يُقال إِن هذا
الحديث أَصل لكل شيء من الكَيْل والوَزْن، وإِنما يأْتَمُّ الناس فيهما
بأَهل مكة وأَهل المدينة، وإِن تغيَّر ذلك في سائر الأَمصار، أَلا ترى أَن
أَصل التمر بالمدينة كَيْلٌ وهو يُوزَن في كثير من الأَمصار، وأَنَّ
السَّمْن عندهم وَزْن وهو كَيْل في كثير من الأَمصار؟ والذي يعرف به أَصل
الكَيْل والوَزْن أَن كل ما لَزِمه اسم المَخْتوم والقَفِيزِ والمَكُّوكِ
والمُدِّ والصاعِ فهو كَيْل، وكلُّ ما لزمه اسم الأَرْطالِ والأَواقيِّ
والأَمْناءِ فهو وزن؛ قال أَبو منصور: والتمر أَصله الكَيْل فلا يجوز أَن يباع
منه رِطْل برطل ولا وزن بوزن، لأَنه إِذا رُدَّ بعد الوزن إِلى الكيل
تَفاضَل، إِنما يُباع كَيْلاً بكَيْل سواء بسواء، وكذلك ما كان أَصله
مَوْزُوناً فإِنه لا يجوز أَن يُباع منه كَيْل بكَيْل، لأَنه إِذا رُدَّ إِلى
الوزن لم يؤْمن فيه التَّفاضُل، قال: وإِنما احتيج إِلى هذا الحديث لهذا
المعنى، ولا يتَهافت الناس في الرِّبَا الذي نَهَى الله عز وجل عنه، وكل
ما كان في عَهْد النبي، صلى الله عليه وسلم، بمكة والمدينة مَكِيلاً فلا
يُباعُ إِلا بالكَيْل، وكل ما كان بها مَوْزُوناً فلا يُباع إِلا بالوزن
لئلا يدخله الرِّبا بالتَّفاضُل، وهذا في كل نوع تتعلق به أَحكام الشرع
من حقوق الله تعالى دون ما يَتعامل به الناسُ في بِياعاتِهم، فأَما
المِكْيال فهو الصاع الذي يتعلَّق به وُجوب الزكاة والكفارات والنفقات وغير
ذلك، وهو مقدر بكيل أَهل المدينة دون غيرها من البُلْدان لهذا الحديث، وهو
مِفْعال من الكَيْل، والميم فيه للآلة؛ وأَما الوَزْن فيريد به الذهب
والفضة خاصة لأَن حق الزكاة يتعلَّق بهما، ودِرْهمُ أَهلِ مكة ستة دَوانيق،
ودراهم الإِسلام المعدَّلة كل عشرة دراهم سبعة مَثاقيل، وكان أَهلُ
المدينة يتَعاملون بالدراهم عند مَقْدَمِ سيدنا رسول الله، صلى الله عليه
وسلم، بالعَدَدِ فأَرْشَدَهم إِلى وزن مكة، وأَما الدنانير فكانت تحمل إِلى
العرب من الرُّوم إِلى أَن ضَرَبَ عبدُ الملك بن مَرْوان الدينار في
أَيامه، وأَما الأَرطالُ والأَمْناءُ فللناس فيها عادات مختلفة في البُلْدان
وهم مُعاملون بها ومُجْرَوْن عليها.
والكَيُّولُ: آخِرُ الصُّفوفِ في الحرب، وقيل: الكَيُّول مؤخر الصفوف؛
وفي الحديث: أَن رجلاً أَتى النبي، صلى الله عليه وسلم، وهو يــقاتِلُ
العدوَّ فسأَله سيفاً يــقاتِل به فقال له: فلَعَلَّك إِن أَعطيتك أَن تقوم في
الكَيُّول، فقال: لا، فأَعطاه سيفاً فجعل يُــقاتِل وهو يقول:
إِنِّي امْرُؤٌ عهَدَني خَلِيلي
أَن لا أَقومَ الدَّهْرَ في الكَيُّولِ
أَضْرِبْ بسيفِ الله والرسولِ،
ضَرْبَ غُلامٍ ماجدٍ بُهْلولِ
فلم يزل يــقاتِل به حتى قُتِل. الأَزهري: أَبو عبيد الكَيُّولُ هو مؤخر
الصفوف، قال: ولم أَسمع هذا الحرف إِلا في هذا الحديث، وسكن الباءَ في
أَضْرِبْ لكثرة الحركات. وتَكَلَّى الرجلُ أَي قام في الكَيُّول، والأَصل
تَكَيَّل وهو مقلوب منه؛ قال ابن بري: الرجَز لأَبي دُجَانَةَ سِمَاك بن
خَرَشَةَ؛ قال ابن الأَثير: الكَيُّول، فَيْعُول، من كالَ الزندُ إِذا
كَبَا ولم يخرج ناراً، فشبَّه مؤخَّر الصفوف به لأَن مَنْ كان فيه لا
يُــقاتِل، وقيل: الكَيُّول الجَبَان؛ والكَيُّول: ما أَشرف من الأَرض، يُريد
تقومُ فوقَه فتنظر ما يصنع غيرك. أَبو منصور: الكَيُّول في كلام العرب ما خرج
من حَرِّ الزَّنْد مُسْوَدّاً لا نار فيه.
الليث: الفرس يُكايِل الفرس في الجَرْي إِذا عارَضه وباراه كأَنه يَكِيل
له من جَرْيهِ مثل ما يَكِيل له الآخر. ابن الأَعرابي: المُكَايلة أَن
يتَشاتَم الرجلان فيُرْبِي أَحدهما على الآخر، والمُواكلة أَن يُهْدِيَ
المُدانُ للمَدِينِ ليُؤخِّر قضاءه. ويقال: كِلْتُ فلاناً بفلانٍ أَي
قِسْتُه به، وإِذا أَردْت عِلْمَ رجل فكِلْهُ بغيره، وكِلِ الفرسَ بغيره أَي
قِسْه به في الجَرْي؛ قال الأَخطل:
قد كِلْتُموني بالسَّوابِقِ كُلِّها،
فَبَرَّزْتُ منها ثانياً من عِنَانِيَا
أَي سبقتها وبعض عِناني مَكْفوف.
والكِيَالُ: المُجاراة؛ قال:
أُقْدُرْ لنَفْسِكَ أَمْرَها،
إِن كان من أَمْرٍ كِيَالَهْ
وذكر أَبو الحسن بن سيده في أَثناء خُطْبة كتابه المحكم مما قَصَدَ به
الوَضْعَ من ابن السكيت فقال: وأَيُّ مَوْقِفةٍ أَخْزَى لِواقِفِها من
مقامة أَبي يوسف يعق بن إِسحق السكيت مع أَبي عثمان المازني بين يدي
المتوكِّل جعفر؟ وذلك أَن المتوكل قال: يا مازني سل يعقوب عن مسأَلة من النحو،
فَتَلَكَّأَ المازني عِلْماً بتأَخر يعقوب في صناعة الإِعراب، فعَزَم
المتوكل عليه وقال: لا بدَّ لك من سؤاله، فأَقبل المازني يُجْهِد نفسه في
التلخيص وتَنكُّب السؤال الحُوشِيِّ العَوِيص، ثم قال: يا أَبا يوسف ما
وَزْن نَكْتَلْ من قوله عز وجل: فأَرْسِلْ معنا أَخانا نَكْتَلْ، فقال له:
نَفْعَل؛ قال: وكان هناك قوم قد علموا هذا المِقْدار، ولم يُؤْتَؤْا من
حَظِّ يعقوب في اللغة المِعْشار، ففاضوا ضَحِكاً، وأَداروا من اللَّهْو
فَلَكاً، وارتفع المتوكِّل وخرج السِّكِّيتي والمازني، فقال ابن السكيت: يا
أَبا عثمان أَسأْت عِشْرَتي وأَذْويْتَ بَشَرتي، فقال له المازني: والله
ما سأَلتُك عن هذا حتى بحثت فلم أَجد أَدْنى منه مُحاوَلاً، ولا أَقْرَب
منه مُتَناوَلاً.
هلل: هَلَّ السحابُ بالمطر وهَلَّ المطر هَلاًّ وانْهَلَّ بالمطر
انْهِلالاً واسْتَهَلَّ: وهو شدَّة انصبابه. وفي حديث الاستسقاء: فأَلَّف الله
السحاب وهَلَّتنا. قال ابن الأَثير: كذا جاء في رواية لمسلم، يقال: هَلَّ
السحاب إِذا أَمطر بشدَّة، والهِلالُ الدفعة منه، وقيل: هو أَوَّل ما
يصيبك منه، والجمع أَهِلَّة على القياس، وأَهاليلُ نادرة. وانْهَلَّ المطر
انْهِلالاً: سال بشدَّة، واستهلَّت السماءُ في أَوَّل المطر، والاسم
الهِلالُ. وقال غيره: هَلَّ السحاب إِذا قَطَر قَطْراً له صوْت، وأَهَلَّه
الله؛ ومنه انْهِلالُ الدَّمْع وانْهِلالُ المطر؛ قال أَبو نصر: الأَهالِيل
الأَمْطار، ولا واحد لها في قول ابن مقبل:
وغَيْثٍ مَرِيع لم يُجدَّع نَباتُهُ،
ولتْه أَهالِيلُ السِّماكَيْنِ مُعْشِب
وقال ابن بُزُرْج: هِلال وهَلالُهُ
(* قوله «هلال وهلاله إلخ» عبارة
الصاغاني والتهذيب: وقال ابن بزرج هلال المطر وهلاله إلخ) وما أَصابنا
هِلالٌ ولا بِلالٌ ولا طِلالٌ؛ قال: وقالوا الهِلَلُ الأَمطار، واحدها هِلَّة؛
وأَنشد:
من مَنْعِجٍ جادت رَوابِيهِ الهِلَلْ
وانهلَّت السماءُ إِذا صبَّت، واستهلَّت إِذا ارتفع صوتُ وقعها، وكأَنَّ
استِهْلالَ الصبيّ منه. وفي حديث النابغة الجعديّ قال: فنَيَّف على
المائة وكأَنَّ فاهُ البَرَدُ المُنْهَلُّ؛ كل شيء انصبَّ فقد انْهَلَّ،
يقال: انهلَّ السماء بالمطر ينهلُّ انْهِلالاً وهو شدة انْصِبابه. قال: ويقال
هلَّ السماء بالمطر هَلَلاً، ويقال للمطر هَلَلٌ وأُهْلول. والهَلَلُ:
أَول المطر. يقال: استهلَّت السماء وذلك في أَول مطرها. ويقال: هو صوت
وَقْعِه. واستهلَّ الصبيُّ بالبُكاء: رفع صوتَه وصاح عند الوِلادة. وكل شيء
ارتفع صوتُه فقد استهلَّ. والإِهْلالُ بالحج: رفعُ الصوت بالتَّلْبية.
وكلُّ متكلم رفع صوته أَو خفضه فقد أَهَلَّ واستهلَّ. وفي الحديث: الصبيُّ
إِذا وُلِد لم يُورَث ولم يَرِثْ حتى يَسْتَهِلَّ صارخاً. وفي حديث
الجَنِين: كيف نَدِي مَن لا أَكَل ولا شَرِبَ ولا اسْتَهَلَّ؟ وقال
الراجز:يُهِلُّ بالفَرْقَدِ رُكْبانُها،
كما يُهِلُّ الرَّاكِبُ المُعْتَمِرْ
وأَصله رَفْعُ الصوَّت. وأَهَلَّ الرجل واستهلَّ إِذا رفع صوتَه.
وأَهَلَّ المُعْتَمِرُ إِذا رفع صوتَه بالتَّلْبية، وتكرر في الحديث ذكر
الإِهْلال، وهو رفعُ الصوت بالتَّلْبِية. أَهَلَّ المحرِمُ بالحج يُهِلُّ
إِهْلالاً إِذا لَبَّى ورفَع صوتَه. والمُهَلُّ، بضم الميم: موضعُ الإِهْلال،
وهو الميقات الذي يُحْرِمون منه، ويقع على الزمان والمصدر. الليث:
المُحرِمُ يُهِلُّ بالإِحْرام إِذا أَوجب الحُرْم على نفسه؛ تقول: أَهَلَّ
بحجَّة أَو بعُمْرة في معنى أَحْرَم بها، وإِنما قيل للإِحرامِ إِهْلال لرفع
المحرِم صوته بالتَّلْبية. والإِهْلال: التلبية، وأَصل الإِهْلال رفعُ
الصوتِ. وكل رافِعٍ صوتَه فهو مُهِلّ، وكذلك قوله عز وجل: وما أُهِلَّ لغير
الله به؛ هو ما ذُبِحَ للآلهة وذلك لأَن الذابح كان يسمِّيها عند الذبح،
فذلك هو الإِهْلال؛ قال النابغة يذكر دُرَّةً أَخرجها غَوَّاصُها من
البحر:
أَو دُرَّة صَدَفِيَّة غَوَّاصُها
بَهِجٌ، متى يَره يُهِلَّ ويَسْجُدِ
يعني بإِهْلالِه رفعَه صوتَه بالدعاء والحمد لله إِذا رآها؛ قال أَبو
عبيد: وكذلك الحديث في اسْتِهْلال الصبيِّ أَنه إِذا وُلد لم يَرِثْ ولم
يُورَثْ حتى يَسْتَهِلَّ صارخاً وذلك أَنه يُستدَل على أَنه وُلد حيًّا
بصوته. وقال أَبو الخطاب: كلّ متكلم رافعِ الصوت أَو خافضِه فهو مُهلّ
ومُسْتَهِلّ؛ وأَنشد:
وأَلْفَيْت الخُصوم، وهُمْ لَدَيْهِ
مُبَرْسمَة أَهلُّوا ينظُرونا
وقال:
غير يَعفور أَهَلَّ به
جاب دَفَّيْه عن القلب
(* قوله «غير يعفور إلخ» هو هكذا في الأصل والتهذيب).
قيل في الإِهْلال: إِنه شيء يعتريه في ذلك الوقت يخرج من جوفه شبيه
بالعُواء الخفيف، وهو بين العُواء والأَنين، وذلك من حاقِّ الحِرْص وشدّة
الطلب وخوف الفَوْت. وانهلَّت السماء منه يعني كلب الصيد إِذا أُرسل على
الظَّبْي فأَخذه؛ قال الأَزهري: ومما يدل على صحة ما قاله أَبو عبيد وحكاه
عن أَصحابه قول الساجع عند سيدنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، حين قَضى
في الجَنين (قوله «حين قضى في الجنين إلخ» عبارة التهذيب: حين قضى في
الجنين الذي أسقطته أمه ميتاً بغرة إلخ) إِذا سقَط ميتاً بغُرَّة فقال:
أَرأَيت مَن لا شرب ولا أَكَلْ، ولا صاح فاسْتَهَلّْ، ومثل دَمِه يُطَلُّ،
فجعله مُسْتَهِلاًّ برفعِه صوته عند الوِلادة.
وانهلَّت عينُه وتَهَلَّلتْ: سالت بالدمع. وتَهَلَّلتْ دموعُه: سالت.
واستهلَّت العين: دمَعت؛ قال أَوس:
لا تَسْتَهِلُّ من الفِراق شُؤوني
وكذلك انْهَلَّتِ العَيْن؛ قال:
أَو سُنْبُلاً كُحِلَتْ به فانْهَلَّتِ
والهَليلةُ: الأَرض التي استهلَّ بها المطر، وقيل: الهَلِيلةُ الأَرض
المَمْطورة وما حَوالَيْها غيرُ مَمطور. وتَهَلَّل السحابُ بالبَرْق:
تَلأْلأَ. وتهلَّل وجهه فَرَحاً: أَشْرَق واستهلَّ. وفي حديث فاطمة، عليها
السلام: فلما رآها استبشَر وتهلَّل وجهُه أَي استنار وظهرت عليه أَمارات
السرور. الأَزهري: تَهَلَّل الرجل فرحاً؛ وأَنشد
(* هذا البيت لزهير بن ابي
سلمى من قصيدة له) :
تَراه، إِذا ما جئتَه، مُتَهَلِّلاً
كأَنك تُعطيه الذي أَنت سائلُهْ
واهْتَلَّ كتَهلَّل؛ قال:
ولنا أَسامٍ ما تَليقُ بغيرِنا،
ومَشاهِدٌ تَهْتَلُّ حين تَرانا
وما جاء بِهِلَّة ولا بِلَّة؛ الهِلَّة: من الفرح والاستهلال،
والبِلَّة: أَدنى بَللٍ من الخير؛ وحكاهما كراع جميعاً بالفتح. ويقال: ما أَصاب
عنده هِلَّة ولا بِلَّة أَي شيئاً. ابن الأَعرابي: هَلَّ يَهِلُّ إِذا فرح،
وهَلَّ يَهِلُّ إِذا صاح.
والهِلالُ: غرة القمر حين يُهِلُّه الناسُ في غرة الشهر، وقيل: يسمى
هِلالاً لليلتين من الشهر ثم لا يسمَّى به إِلى أَن يعود في الشهر الثاني،
وقيل: يسمى به ثلاث ليال ثم يسمى قمراً، وقيل: يسماه حتى يُحَجِّر، وقيل:
يسمى هِلالاً إِلى أَن يَبْهَرَ ضوءُه سواد الليل، وهذا لا يكون إِلا في
الليلة السابعة. قال أَبو إِسحق: والذي عندي وما عليه الأَكثر أَن يسمَّى
هِلالاً ابنَ ليلتين فإِنه في الثالثة يتبين ضوءُه، والجمع أَهِلَّة؛
قال:
يُسيلُ الرُّبى واهِي الكُلَى عَرِضُ الذُّرَى،
أَهِلَّةُ نضّاخِ النَّدَى سابِغ القَطْرِ
أَهلَّة نضّاخ النَّدَى كقوله:
تلقّى نَوْءُهُنّ سِرَارَ شَهْرٍ،
وخيرُ النَّوْءِ ما لَقِيَ السِّرَارا
التهذيب عن أَبي الهيثم: يسمَّى القمر لليلتين من أَول الشهر هِلالاً،
ولليلتين من آخر الشهر ستٍّ وعشرين وسبعٍ وعشرين هِلالاً، ويسمى ما بين
ذلك قمراً.
وأَهَلَّ الرجلُ: نظر إِلى الهِلال. وأَهْلَلْنا هِلال شهر كذا
واسْتَهْللناه: رأَيناه. وأَهْلَلْنا الشهر واسْتَهْللناه: رأَينا هِلالَه.
المحكم: وأَهَلَّ الشهر واستَهلَّ ظهر هِلالُه وتبيَّن، وفي الصحاح: ولا يقال
أَهَلَّ. قال ابن بري: وقد قاله غيره؛ المحكم أَيضاً: وهَلَّ الشهر ولا
يقال أَهَلَّ. وهَلَّ الهِلالُ وأَهَلَّ وأُهِلَّ واستُهِلَّ، على ما لم
يسم فاعله: ظهَر، والعرب تقول عند ذلك: الحمدُلله إِهْلالَك إِلى سِرارِك
ينصبون إِهْلالَك على الظرف، وهي من المصادر التي تكون أَحياناً لسعة
الكلام كخُفوق النجم. الليث: تقول أُهِلَّ القمر ولا يقال أُهِلَّ
الهِلالُ؛ قال الأَزهري: هذا غلط وكلام العرب أُهِلَّ الهِلالُ. روى أَبو عبيد عن
أَبي عمرو: أُهِلَّ الهلالُ واستُهِلَّ لا غير، وروي عن ابن الأَعرابي:
أُهِلَّ الهلالُ واستُهِلَّ، قال: واسْتَهَلَّ أَيضاً، وشهر مُسْتَهل؛
وأَنشد:
وشهر مُسْتَهل بعد شهرٍ،
ويومٌ بعده يومٌ جَدِيدُ
قال أَبو العباس: وسمي الهلالُ هِلالاً لأَن الناس يرفعون أَصواتهم
بالإِخبار عنه. وفي حديث عمر، رضي الله عنه: أَن ناساً قالوا له إِنَّا بين
الجِبال لا نُهِلُّ هِلالاً إِذا أَهَلَّه الناس أَي لا نُبْصِره إِذا
أَبصره الناس لأَجل الجبال. ابن شميل: انطَلِقْ بنا حتى نُهِلَّ الهِلال أَي
نَنْظُر أَنَراه. وأَتَيْتُك عند هِلَّةِ الشهر وهِلِّه وإِهْلاله أَي
اسْتِهلاله.
وهالَّ الأَجيرَ مُهالّةً وهِلالاً: استأْجره كل شهر من الهِلال إِلى
الهِلال بشيء؛ عن اللحياني، وهالِلْ أَجيرَك كذا؛ حكاه اللحياني عن العرب؛
قال ابن سيده: فلا أَدري أَهكذا سمعه منهم أَم هو الذي اختار التضعيف؛
فأَما ما أَنشده أَبو زيد من قوله:
تَخُطُّ لامَ أَلِفٍ مَوْصُولِ،
والزايَ والرَّا أَيَّما تَهْلِيلِ
فإِنه أَراد تَضَعُها على شكْلِ الهِلال، وذلك لأَن معنى قوله تَخُطُّ
تُهَلِّلُ، فكأَنه قال: تُهَلِّل لام أَلِفٍ مَوْصولٍ تَهْلِيلاً أَيَّما
تَهْليل.
والمُهَلِّلةُ، بكسر اللام، من الإِبل: التي قد ضَمَرت وتقوَّست.
وحاجِبٌ مُهَلَّلٌ: مشبَّه بالهلال. وبعير مُهَلَّل، بفتح اللام:
مقوَّس.والهِلالُ: الجمَل الذي قد ضرَب حتى أَدَّاه ذلك إِلى الهُزال
والتقوُّس.الليث: يقال للبعير إِذا اسْتَقْوَس وحَنا ظهرُه والتزق بطنه هُزالاً
وإِحْناقاً: قد هُلِّل البعير تهليلاً؛ قال ذو الرمة:
إِذا ارْفَضَّ أَطرافُ السِّياطِ، وهُلِّلتْ
جُرُومُ المَطايا، عَذَّبَتْهُنّ صَيْدَحُ
ومعنى هُلِّلتْ أَي انحنتْ كأَنه الأَهلَّة دِقَّةً وضُمْراً. وهِلالُ
البعير: ما استقوس منه عند ضُمْره؛ قال ابن هرمة:
وطارِقِ هَمٍّ قد قَرَيْتُ هِلالَهُ،
يَخُبُّ، إِذا اعْتَلَّ المَطِيُّ، ويَرْسُِمُ
أَراد أَنه قَرَى الهَمَّ الطارقَ سيْر هذا البعير. والهلالُ: الجمل
المهزول من ضِراب أَو سير. والهِلال: حديدة يُعَرْقَب بها الصيد. والهِلالُ:
الحديدة التي تضمُّ ما بين حِنْوَيِ الرَّحْل من حديد أَو خشب، والجمع
الأُهِلَّة. أَبو زيد: يقال للحدائد التي تضمُّ ما بين أَحْناءِ الرِّحال
أَهِلَّة، وقال غيره: هلالُ النُّؤْي ما استقْوَس منه. والهِلالُ:
الحيَّة ما كان، وقيل: هو الذكَر من الحيّات؛ ومنه قول ذي الرمة:
إِلَيك ابْتَذَلْنا كلَّ وَهْمٍ، كأَنه
هِلالٌ بدَا في رَمْضةٍ يَتَقَلَّب
يعني حيَّة. والهِلال: الحيَّة إِذا سُلِخَت؛ قال الشاعر:
تَرَى الوَشْيَ لَمَّاعاً عليها كأَنه
قَشيبُ هِلال، لم تقطَّع شَبَارِقُهْ
وأَنشد ابن الأَعرابي يصف درعاً شبهها في صَفائها بسَلْخ الحيَّة:
في نَثْلةٍ تَهْزَأُ بالنِّصالِ،
كأَنها من خِلَعِ الهِلالِ
وهُزْؤُها بالنِّصال: ردُّها إِياها. والهِلالُ: الحجارة المَرْصوف
بعضُها إِلى بعضٍ. والهِلالُ: نِصْف الرَّحَى. والهلالُ: الرَّحَى؛ ومنه قول
الراجز:
ويَطْحَنُ الأَبْطالَ والقَتِيرا،
طَحْنَ الهِلالِ البُرَّ والشَّعِيرَا
والهِلالُ: طرف الرَّحَى إِذا انكسر منه. والهِلالُ: البياض الذي يظهر
في أُصول الأَظْفار. والهِلالُ: الغُبار، وقيل: الهِلالُ قطعة من الغُبار.
وهِلالُ الإِصبعِ: المُطيفُ بالظفر. والهِلالُ: بقيَّة الماء في الحوض.
ابن الأَعرابي: والهِلالُ ما يبقى في الحوض من الماء الصافي؛ قال
الأَزهري: وقيل له هِلالٌ لأَن الغدير عند امتلائه من الماء يستدير، وإِذا قلَّ
ماؤه ذهبت الاستدارةُ وصار الماء في ناحية منه. الليث: الهُلاهِلُ من وصف
الماء الكثير الصافي، والهِلالُ: الغلام الحسَن الوجه، قال: ويقال
للرَّحى هِلال إِذا انكسرت. والهِلالُ: شيء تُعرقَبُ به الحميرُ. وهِلالُ
النعل: ذُؤابَتُها.
والهَلَلُ: الفَزَع والفَرَقُ؛ قال:
ومُتَّ مِنِّي هَلَلاً، إِنما
مَوْتُك، لو وارَدْت، وُرَّادِيَهْ
يقال: هَلَكَ فلان هَلَلاً وهَلاًّ أَي فَرَقاً، وحَمل عليه فما كذَّب
ولا هَلَّلَ أَي ما فَزِع وما جبُن. يقال: حَمَل فما هَلَّل أَي ضرب
قِرْنه. ويقال: أَحجم عنَّا هَلَلاً وهَلاًّ؛ قاله أَبو زيد.
والتَّهْليل: الفِرارُ والنُّكوصُ؛ قال كعب بن زهير:
لا يقَعُ الطَّعْنُ إِلا في نُحورِهِمُ،
وما لهمْ عن حِياضِ المَوْتِ تَهْليلُ
أَي نُكوصٌ وتأَخُّرٌ. يقال: هَلَّل عن الأَمر إِذا ولَّى عنه ونَكَص.
وهَلَّل عن الشيء: نَكَل. وما هَلَّل عن شتمي أَي ما تأَخر. قال أَبو
الهيثم: ليس شيء أَجْرأَ من النمر، ويقال: إِنّ الأَسد يُهَلِّل ويُكَلِّل،
وإِنَّ النَّمِر يُكَلِّل ولا يُهَلِّل، قال: والمُهَلِّل الذي يحمل على
قِرْنه ثم يجبُن فَيَنْثَني ويرجع، ويقال: حَمَل ثم هَلَّل، والمُكَلِّل:
الذي يحمل فلا يرجع حتى يقع بقِرْنه؛ وقال:
قَوْمي على الإِسْلام لمَّا يَمْنَعُوا
ماعُونَهُمْ، ويُضَيِّعُوا التَّهْلِيلا
(* قوله «ويضيعوا التهليلا» وروي ويهللوا التهليلا كما في التهذيب).
أَي لمَّا يرجعوا عمَّا هم عليه من الإِسلام، من قولهم: هَلَّل عن
قِرْنه وكَلَّس؛ قال الأَزهري: أَراد ولمَّا يُضَيِّعوا شهادة أَن لا إِله
إِلا الله وهو رفع الصوت بالشهادة، وهذا على رواية من رواه ويُضَيِّعوا
التَّهْليلا، وقال الليث: التَّهْليل قول لا إِله إِلا الله؛ قال الأَزهري:
ولا أَراه مأْخوذاً إِلا من رفع قائله به صوته؛ وقوله أَنشده ثعلب:
وليس بها رِيحٌ، ولكن وَدِيقَةٌ
يَظَلُّ بها السَّامي يُهِلُّ ويَنْقَعُ
فسره فقال: مرَّة يذهب رِيقُه يعني يُهِلُّ، ومرة يَجيء يعني يَنْقَع؛
والسامي الذي يصطاد ويكون في رجله جَوْرَبان؛ وفي التهذيب في تفسير هذا
البيت: السامي الذي يطلب الصيد في الرَّمْضاء، يلبس مِسْمَاتَيْه ويُثير
الظِّباء من مَكانِسِها، فإِذا رَمِضت تشقَّقت أَظْلافها ويُدْرِكها السامي
فيأْخذها بيده، وجمعه السُّمَاة؛ وقال الباهلي في قوله يُهِلُّ: هو أَن
يرفع العطشان لسانه إِلى لَهاته فيجمع الريق؛ يقال: جاء فلان يُهِلُّ من
العطش. والنَّقْعُ: جمع الريق تحت اللسان.
وتَهْلَلُ: من أَسماء الباطل كَثَهْلَل، جعلوه اسماً له علماً وهو نادر،
وقال بعض النحويين: ذهبوا في تَهْلَل إِلى أَنه تَفْعَل لمَّا لم يجدوا
في الكلام «ت هـ ل» معروفة ووجدوا «هـ ل ل» وجاز التضعيف فيه لأَنه علم،
والأَعلام تغير كثيراً، ومثله عندهم تَحْبَب. وذهب في هِلِيَّانٍ وبذي
هِلِيَّانٍ أَي حيث لا يدرَى أَيْنَ هو.
وامرأَة هِلٌّ: متفصِّلة في ثوب واحدٍ؛ قال:
أَناةٌ تَزِينُ البَيْتَ إِمَّا تلَبَّسَتْ،
وإِن قَعَدَتْ هِلاًّ فأَحْسنْ بها هِلاَّ
والهَلَلُ: نَسْجُ العنكبوت، ويقال لنسج العنكبوت الهَلَل والهَلْهَلُ.
وهَلَّلَ الرجلُ أَي قال لا إِله إِلا الله. وقد هَيْلَلَ الرجلُ إِذا
قال لا إِله إِلا الله. وقد أَخذنا في الهَيْلَلَة إِذا أَخذنا في
التَّهْليل، وهو مثل قولهم حَوْلَقَ الرجل وحَوْقَلَ إِذا قال لا حول ولا قوة
إِلا بالله؛ وأَنشد:
فِداكَ، من الأَقْوام، كُلُّ مُبَخَّل
يُحَوْلِقُ إِمَّا سالهُ العُرْفَ سائلُ
الخليل: حَيْعَل الرجل إِذا قال حيّ على الصلاة. قال: والعرب تفعل هذا
إِذا كثر استعمالهم للكلمتين ضموا بعض حروف إِحداهما إِلى بعض حروف
الأُخرى، منه قولهم: لا تُبَرْقِل علينا؛ والبَرْقَلة: كلام لا يَتْبَعه فعل،
مأْخوذ من البَرْق الذي لا مطر معه. قال أَبو العباس: الحَوْلَقة
والبَسْملة والسَّبْحَلة والهَيْلَلة، قال: هذه الأَربعة أَحرف جاءت هكذا، قيل
له: فالْحَمدلة؟ قال: ولا أنكره
(* قوله «قال ولا أنكره» عبارة الازهري:
فقال لا وأنكره).
وأَهَلَّ بالتسمية على الذبيحة، وقوله تعلى: وما أُهِلَّ به لغير الله؛
أَي نودِيَ عليه بغير اسم الله.
ويقال: أَهْلَلْنا عن ليلة كذا، ولا يقال أَهْلَلْناه فهَلَّ كما يقال
أَدخلناه فدَخَل، وهو قياسه. وثوب هَلٌّ وهَلْهَلٌ وهَلْهالٌ وهُلاهِل
ومُهَلْهَل: رقيق سَخيفُ النَّسْج. وقد هَلْهَل النَّسَّاج الثوبَ إِذا
أَرقّ نَسْجه وخفَّفه. والهَلْهَلةُ: سُخْفُ النسْج. وقال ابن الأَعرابي:
هَلْهَله بالنَّسْج خاصة. وثوب هَلْهَل رَديء النسْج، وفيه من اللغات جميع
ما تقدم في الرقيق؛ قال النابغة:
أَتاك بقولٍ هَلْهَلِ النَّسْجِ كاذبٍ،
ولم يأْتِ بالحقّ الذي هو ناصِعُ
ويروى: لَهْلَه. ويقال: أَنْهَجَ الثوبُ هَلْهالاً. والمُهَلْهَلة من
الدُّروع: أَرْدَؤها نسْجاً. شمر: يقال ثوب مُلَهْلَةٌ ومُهَلْهَل
ومُنَهْنَةٌ؛ وأَنشد:
ومَدَّ قُصَيٌّ وأَبْناؤه
عليك الظِّلالَ، فما هَلْهَلُوا
وقال شمر في كتاب السلاح: المُهَلْهَلة من الدُّروع قال بعضهم: هي
الحَسنة النسْج ليست بصفيقة، قال: ويقال هي الواسعة الحَلَق. قال ابن
الأَعرابي: ثوب لَهْلَهُ النسج أَي رقيق ليس بكثيف. ويقال: هَلْهَلْت الطحين أَي
نخلته بشيء سَخيف؛ وأَنشد لأُمية:
(* قوله «وأنشد لامية إلخ» عبارة التكملة لامية بن ابي الصلت يصف
الرياح:أذعن به جوافل معصفات * كما تذري المهلهلة
الطحينابه اي بذي قضين وهو موضع).
كما تَذْرِي المُهَلْهِلةُ الطَّحِينا
وشعر هَلْهل: رقيقٌ.
ومُهَلْهِل: اسم شاعر، سمي بذلك لِرَداءة شعْره، وقيل: لأَنه أَوَّل من
أَرقَّ الشعْر وهو امرؤ القيس ابن ربيعة
(* قوله: وهو امرؤ القيس بن
ربيعة: هكذا في الأصل، والمشهور أنه ابو ليلى عَدِيّ بن ربيعة) أَخو كُليب
وائل؛ وقيل: سمي مهلهِلاً بقوله لزهير بن جَناب:
لمَّا تَوَعَّرَ في الكُراعِ هَجِينُهُمْ،
هَلْهَلْتُ أَثْأَرُ جابراً أَو صِنْبِلا
ويقال: هَلهَلْت أُدرِكه كما يقال كِدْت أُدْرِكُه، وهَلْهَلَ يُدْركه
أَي كان يُدركه، وهذا البيت أَنشده الجوهري:
لما تَوَغَّلَ في الكُراع هَجِينُهم
قال ابن بري: والذي في شعره لما توعَّر كما أَوردْناه عن غيره، وقوله
لما توَعَّر أَي أَخذ في مكان وعْر. ويقال: هَلْهَل فلان شعْره إِذا لم
ينَقِّحه وأَرسله كما حضَره ولذلك سمي الشاعر مُهَلهِلاً.
والهَلْهَل: السَّمُّ الــقاتِل، وهو معرَّب؛ قال الأَزهري: ليس كل سَمّ
قاتل يسمَّى هَلهَلاً ولكن الهَلهَلُ سَمٌّ من السُّموم بعينه قاتِلٌ،
قال: وليس بعربيّ وأَراه هنْدِيّاً.
وهَلهَلَ الصوْتَ: رجَّعه. وماءٌ هُلاهِلٌ: صافٍ كثير. وهَلْهَل عن
الشيء: رجَع. والهُلاهِلُ: الماء الكثير الصافي. والهَلْهَلةُ: الانتظار
والتأَني؛ وقال الأَصمعي في قول حَرملة بن حَكيم:
هَلهِلْ بكَعْبٍ، بعدما وَقَعَتْ
فوق الجَبِين بساعِدٍ فَعْمِ
ويروى: هَلِّلْ ومعناهما جميعاً انتظر به ما يكون من حاله من هذه
الضرْبة؛ وقال الأَصمعي: هَلْهِلْ بكَعْب أَي أَمْهِله بعدما وقعت به شَجَّة
على جبينه، وقال شمر: هَلْهَلْت تَلَبَّثت وتنظَّرت.
التهذيب: ويقال أَهَلَّ السيفُ بفلان إِذا قطع فيه؛ ومنه قول ابن أَحمر:
وَيْلُ آمِّ خِرْقٍ أَهَلَّ المَشْرَفِيُّ به
على الهَباءَة، لا نِكْسٌ ولا وَرَع
وذو هُلاهِلٍ: قَيْلٌ من أَقْيال حِمْير.
وهَلْ: حرف استفهام، فإِذا جعلته اسماً شددته. قال ابن سيده: هل كلمة
استفهام هذا هو المعروف، قال: وتكون بمنزلة أَم للاستفهام، وتكون بمنزلة
بَلْ، وتكون بمنزلة قَدْ كقوله عز وجل: يَوْمَ نقولُ لجهنَّم هَلِ
امْتَلأْتِ وتقولُ هَلْ مِنْ مزيدٍ؟ قالوا: معناه قد امْتَلأْت؛ قال ابن جني: هذا
تفسير على المعنى دون اللفظ وهل مُبقاة على استفهامها، وقولها هَلْ مِن
مزيد أَي أَتعلم يا ربَّنا أَن عندي مزيداً، فجواب هذا منه عزَّ اسمه لا،
أَي فكَما تعلم أَن لا مَزيدَ فحسبي ما عندي، وتكون بمعنى الجزاء، وتكون
بمعنى الجَحْد، وتكون بمعنى الأَمر. قال الفراء: سمعت أَعرابيّاً يقول:
هل أَنت ساكت؟ بمعنى اسكت؛ قال ابن سيده: هذا كله قول ثعلب وروايته.
الأَزهري: قال الفراء هَلْ قد تكون جَحْداً وتكون خبَراً، قال: وقول الله عز
وجل: هَلْ أَتى على الإِنسان حينٌ من الدهر؛ قال: معناه قد أَتى على
الإِنسان معناه الخبر، قال: والجَحْدُ أَن تقول: وهل يقدِر أَحد على مثل هذا؛
قال: ومن الخبَر قولك للرجل: هل وعَظْتك هل أَعْطَيتك، تقرَّره بأَنك قد
وعَظْته وأَعطيته؛ قال الفراء: وقال الكسائي هل تأْتي استفهاماً، وهو
بابُها، وتأْتي جَحْداً مثل قوله:
أَلا هَلْ أَخو عَيْشٍ لذيذٍ بدائم
معناه أَلا ما أَخو عيشٍ؛ قال: وتأْتي شرْطاً، وتأْتي بمعنى قد، وتأْتي
تَوْبيخاً، وتأْتي أَمراً، وتأْتي تنبيهاً؛ قال: فإِذا زدت فيها أَلِفاً
كانت بمعنى التسكين، وهو معنى قوله إِذا ذُكِر الصالحون فحَيَّهَلاً
بعُمَر، قال: معنى حَيّ أَسرِعْ بذكره، ومعنى هَلاً أَي اسْكُن عند ذكره حتى
تنقضي فضائله؛ وأَنشد:
وأَيّ حَصانٍ لا يُقال لَها هَلاً
أَي اسْكُني للزوج؛ قال: فإِن شَدَّدْت لامَها صارت بمعنى اللوْم
والحضِّ، اللومُ على ما مضى من الزمان، والحَضُّ على ما يأْتي من الزمان، قال:
ومن الأَمر قوله: فهَلْ أَنتُم مُنْتَهون.
وهَلاً: زجْر للخيل، وهالٍ مثله أَي اقرُبي. وقولهم: هَلاً استعجال وحث.
وفي حديث جابر: هَلاَّ بكْراً تُلاعِبُها وتُلاعِبُك؛ هَلاَّ، بالتشديد:
حرف معناه الحثُّ والتحضيضُ؛ يقال: حيّ هَلا الثريدَ، ومعناه هَلُمَّ
إِلى الثريد، فُتحت ياؤه لاجتماع الساكنين وبُنِيَت حَيّ وهَلْ اسماً
واحداً مثل خمسة عشر وسمِّي به الفعل، ويستوي فيه الواحد والجمع والمؤنث،
وإِذا وقفت عليه قلت حَيَّهَلا، والأَلف لبيان الحركة كالهاء في قوله
كِتابِيَهْ وحِسابِيَهْ لأَنَّ الأَلِف من مخرج الهاء؛ وفي الحديث: إِذا ذكِرَ
الصالحون فحَيَّهَلَ بعُمَرَ، بفتح اللام مثل خمسة عشر، أَي فأَقْبِلْ به
وأَسرِع، وهي كلمتان جعلتا كلمة واحدة، فحَيَّ بمعنى أَقبِلْ وهَلا بمعنى
أَسرِعْ، وقيل: معناه عليك بعُمَر أَي أَنه من هذه الصفة، ويجوز
فحَيَّهَلاً، بالتنوين، يجعل نكرة، وأَما حَيَّهَلا بلا تنوين فإِنما يجوز في
الوقف فأَما في الإِدراج فهي لغة رديئة؛ قال ابن بري: قد عرَّفت العرب
حَيَّهَلْ؛ وأَنشد فيه ثعلب:
وقد غَدَوْت، قبل رَفْعِ الحَيَّهَلْ،
أَسوقُ نابَيْنِ وناباً مِلإِبِلْ
وقال: الحَيَّهَل الأَذان. والنابانِ: عَجُوزان؛ وقد عُرِّف بالإِضافة
أَيضاً في قول الآخر:
وهَيَّجَ الحَيَّ من دارٍ، فظلَّ لهم
يومٌ كثير تَنادِيه، وحَيَّهَلُهْ
قال: وأَنشد الجوهري عجزه في آخر الفصل:
هَيْهاؤُه وحَيْهَلُهْ
وقال أَبو حنيفة: الحَيْهَل نبت من دِقّ الحَمْض، واحدته حَيْهَلة، سميت
بذلك لسُرعة نباتها كما يقال في السرعة والحَثّ حَيَّهَل؛ وأَنشد لحميد
بن ثور:
بِمِيثٍ بَثاءٍ نَصِيفِيَّةٍ،
دَمِيثٍ بها الرِّمْثُ والحَيْهَلُ
(* قوله «بها الرمث والحيهل» هكذا ضبط في الأصل، وضبط في القاموس في
مادة حيهل بتشديد الياء وضم الهاء وسكون اللام، وقال بعد ان ذكر الشطر
الثاني: نقل حركة اللام الى الهاء).
وأَما قول لبيد يذكر صاحِباً له في السفر كان أَمَرَه بالرَّحِيل:
يَتمارَى في الذي قلتُ له،
ولقد يَسْمَعُ قَوْلي حَيَّهَلْ
فإِنما سكنه للقافية. وقد يقولون حَيَّ من غير أَن يقولو هَلْ، من ذلك
قولهم في الأَذان: حَيَّ على الصلاة حَيَّ على الفَلاح إِنما هو دعاء
إِلى الصَّلاةِ والفَلاحِ؛ قال ابن أَحمر:
أَنْشَأْتُ أَسأَلهُ: ما بالُ رُفْقَتِهِ
حَيَّ الحُمولَ، فإِنَّ الركْبَ قد ذهَبا
قال: أَنْشَأَ يسأَل غلامه كيف أَخذ الركب. وحكى سيبويه عن أَبي الخطاب
أَن بعض العرب يقول: حَيَّهَلا الصلاة، يصل بهَلا كما يوصل بعَلَى فيقال
حَيَّهَلا الصلاة، ومعناه ائتوا الصلاة واقربُوا من الصلاة وهَلُمُّوا
إِلى الصلاة؛ قال ابن بري: الذي حكاه سيبويه عن أَبي الخطاب حَيَّهَلَ
الصلاةَ بنصب الصلاة لا غير، قال: ومثله قولهم حَيَّهَلَ الثريدَ، بالنصب لا
غير. وقد حَيْعَلَ المؤَذن كما يقال حَوْلَقَ وتَعَبْشَمَ مُرَكَّباً من
كلمتين؛ قال الشاعر:
أَلا رُبَّ طَيْفٍ منكِ باتَ مُعانِقي
إِلى أَن دَعَا داعي الصَّباح، فَحَيْعَلا
وقال آخر:
أَقولُ لها، ودمعُ العينِ جارٍ:
أَلمْ تُحْزِنْك حَيْعَلةُ المُنادِي؟
وربما أَلحقوا به الكاف فقالوا حَيَّهَلَك كما يقال رُوَيْدَك، والكاف
للخطاب فقط ولا موضع لها من الإِعراب لأَنها ليست باسم. قال أَبو عبيدة:
سمع أَبو مَهْدِيَّة الأَعرابي رجلاً يدعو بالفارسية رجلاً يقول له زُوذْ،
فقال: ما يقول؟ قلنا: يقول عَجِّل، فقال: أَلا يقول: حَيَّهَلك أَي
هَلُمَّ وتَعَال؛ وقول الشاعر:
هَيْهاؤه وحَيْهَلُهْ
فإِنما جعله اسماً ولم يأْمر به أَحداً. الأَزهري: عن ثعلب أَنه قال:
حيهل أَي أَقبل إِليَّ، وربما حذف فقيل هَلا إِليَّ، وجعل أَبو الدقيش هَل
التي للاستفهام اسماً فأَعربه وأَدخل عليه الأَلف واللام، وذلك أَنه قال
له الخليل: هَلْ لك في زُبدٍ وتمر؟ فقال أَبو الدقيش: أَشَدُّ الهَلِّ
وأَوْحاهُ، فجعله اسماً كما ترى وعرَّفه بالأَلف واللام، وزاد في الاحتياط
بأَن شدَّده غير مضطر لتتكمَّل له عدّةُ حروف الأُصول وهي الثلاثة؛
وسمعه أَبو نُوَاس فتلاه فقال للفضل
بن الربيع:
هَلْ لكَ، والهَلُّ خِيَرْ،
فيمَنْ إِذا غِبْتَ حَضَرْ؟
ويقال: كلُّ حرف أَداة إِذا جعلت فيه أَلِفاً ولاماً صار اسمً فقوِّي
وثقِّل كقوله:
إِنَّ لَيْتاً وإِنَّ لَوًّا عَناءُ
قال الخليل: إِذا جاءت الحروف الليِّنة في كلمة نحو لَوْ وأَشباهها
ثقِّلت، لأَن الحرف الليِّن خَوَّار أَجْوَف لا بدَّ له من حَشْوٍ يقوَّى به
إِذا جُعل اسماً، قال: والحروف الصِّحاح القويَّة مستغنية بجُرُوسِها لا
تحتاج إِلى حَشْو فنترك على حاله، والذي حكاه الجوهري في حكاية أَبي
الدقيش عن الخليل قال: قلت لأَبي الدُّقيْش هل لك في ثريدةٍ كأَنَّ ودَكَها
عُيُونُ الضَّيَاوِن؟ فقال: أَشدُّ الهَلِّ؛ قال ابن بري: قال ابن حمزة
روى أَهل الضبط عن الخليل أَنه قال لأَبي الدقيش أَو غيره هل لك في تَمْرٍ
وزُبْدٍ؟ فقال: أَشَدُّ الهَلِّ وأَوْحاه، وفي رواية أَنه قال له: هل لك
في الرُّطَب؟ قال: أَسْرعُ هَلٍّ وأَوْحاه؛ وأَنشد:
هَلْ لك، والهَلُّ خِيَرْ،
في ماجدٍ ثبْتِ الغَدَرْ؟
وقال شَبيب بن عمرو الطائي:
هَلْ لك أَن تدخُل في جَهَنَّمِ؟
قلتُ لها: لا، والجليلِ الأَعْظَمِ،
ما ليَ هَلٍّ ولا تكلُّمِ
قال ابن سلامة: سأَلت سيبويه عن قوله عز وجل: فلولا كانت قريةٌ آمَنَتْ
فنفَعها إِيمانُها إِلاَّ قَوْمَ يونُسَ؛ على أَي شيء نصب؟ قال: إِذا كان
معنى إِلاَّ لكنّ نصب، وقال الفراء في قراءة أُبيّ فهَلاَّ، وفي مصحفنا
فلولا، قال: ومعناها أَنهم لم يؤمنوا ثم استثنى قوم يونس بالنصب على
الانقطاع مما قبله كأَنَّ قوم يونس كانوا منقطِعين من قوم غيره؛ وقال الفراء
أَيضاً: لولا إِذا كانت مع الأَسماء فهي شرط، وإِذا كانت مع الأَفعال فهي
بمعنى هَلاَّ، لَوْمٌ على ما مضى وتحضيضٌ على ما يأْتي. وقال الزجاج في
قوله تعالى: لولا أَخَّرْتَني إِلى أَجلٍ قريب، معناه هَلاَّ. وهَلْ قد
تكون بمعنى ما؛ قالت ابنة الحُمارِس:
هَلْ هي إِلاَّ حِظَةٌ أَو تَطْلِيقْ،
أَو صَلَفٌ من بين ذاك تَعْلِيقْ
أَي ما هي ولهذا أُدخلت لها إِلا. وحكي عن الكسائي أَنه قال: هَلْ زِلْت
تقوله بمعنى ما زِلْتَ تقوله، قال: فيستعملون هَلْ بمعنى ما. ويقال: متى
زِلْت تقول ذلك وكيف زِلْت؛ وأَنشد:
وهَلْ زِلْتُمُ تأْوِي العَشِيرةُ فيكُم،
وتنبتُ في أَكناف أَبلَجَ خِضْرِمِ؟
وقوله:
وإِنَّ شِفائي عَبْرَةٌ مُهَرَاقَة،
فهَل عند رَسْمٍ دارسٍ من مُعَوَّل؟
قال ابن جني: هذا ظاهره استفهام لنفسه ومعناه التحضيض لها على البكاء،
كما تقول أَحسنت إِليّ فهل أَشْكُرك أَي فَلأَشْكُرَنَّك، وقد زُرْتَني
فهل أُكافِئَنَّك أَي فَلأُكافِئَنَّك. وقوله: هل أَتَى على الإِنسان؟ قال
أَبو عبيدة: معناه قد أَتَى؛ قال ابن جني: يمكن عندي أَن تكون مُبْقاةً
في هذا الموضع على ما بها من الاستفهام فكأَنه قال، والله أَعلم: وهل
أَتَى على الإِنسان هذا، فلا بدّ في جَوابهم من نَعَمْ ملفوظاً بها أَو مقدرة
أَي فكما أَن ذلك كذلك، فينبغي للإِنسان أَن يحتقر نفسه ولا يُباهي بما
فتح له، وكما تقول لمن تريد الاحتجاج عليه: بالله هل سأَلتني فأَعطيتك
أَم هل زُرْتَني فأَكرمتك أَي فكما أَن ذلك كذلك فيجب أَن تعرِف حقي عليك
وإِحْساني إِليك؛ قال الزجاج: إِذا جعلنا معنى هل أَتى قد أَتى فهو بمعنى
أَلَمْ يأْتِ على الإِنسان حينٌ من الدَّهْر؛ قال ابن جني: ورَوَيْنا عن
قطرب عن أَبي عبيدة أَنهم يقولون أَلْفَعَلْت، يريدون هَلْ فَعَلْت.
الأَزهري: ابن السكيت إِذا قيل هل لك في كذا وكذا؟ قلت: لي فيه، وإِن لي فيه،
وما لي فيه، ولا تقل إِن لي فيه هَلاًّ، والتأْويل: هَلْ لك فيه حاجة
فحذفت الحاجة لمَّا عُرف المعنى، وحذف الرادُّ ذِكْر الحاجة كما حذفها
السائل. وقال الليث: هَلْ حقيقة استفهام، تقول: هل كان كذا وكذا، وهَلْ لك في
كذا وكذا؛ قال: وقول زهير:
أَهل أَنت واصله
اضطرار لأَن هَلْ حرف استفهام وكذلك الأَلف، ولا يستفهم بحَرْفي
استفهام.ابن سيده: هَلاَّ كلمة تحضيض مركبة من هَلْ ولا.
وبنو هلال: قبيلة من العرب. وهِلال: حيٌّ من هَوازن. والهلالُ: الماء
القليل في أَسفل الرُّكيّ. والهِلال: السِّنانُ الذي له شُعْبتان يصاد به
الوَحْش.
حوز: الحَوْزُ السير الشديد والرُّوَيْد، وقيل: الحَوْز والحَيْزُ السوق
اللين. وحازَ الإِبلَ يَحُوزُها ويَحِيزها حَوْزاً وحَيْزاً وحَوَّزَها:
ساقها سوقاً رُوَيْداً. وسَوْقٌ حَوْزٌ، وصف بالمصدر، قال الأَصمعي: وهو
الحوز؛ وأَنشد:
وقد نَظَرْتُكُمُ إِينَاء صادِرَةٍ
للوِرْدِ، طال بها حَوْزِي وتَنْساسِي
ويقال: حُزْها أَي سُقْها سوقاً شديداً.
وليلة الحَوْز: أَول ليلة تُوَجَّه فيها الإِبل إِلى الماء إِذا كانت
بعيدة منه، سميت بذلك لأَنه يُرْفَقُ بها تلك الليلة فَيُسار بها
رُوَيْداً. وحَوَّزَ الإِبلَ: ساقها إِلى الماء؛ قال:
حَوَّزَها، من بُرَقِ الغَمِيمِ،
أَهْدَأُ يَمْشِي مِشْيَةَ الظَّلِيمِ
بالحَوْز والرِّفْق وبالطَّمِيمِ
وقول الشاعر:
ولم تُحَوَّز في رِكابي العيرُ
عَنى أَنه لم يشتدّ عليها في السَّوْق؛ وقال ثعلب: معناه لم يُحْمَل
عليها.
والأَحْوَزِيّ والحُوزِي: الحَسَن السِّياقة وفيه مع ذلك بعض النِّفار؛
قال العجاج يصف ثوراً وكلاباً:
يَحُوزُهُنَّ، وله حُوزِيّ،
كما يَحُوزُ الفِئَةَ الكَمِيّ
والأَحْوَزِيُّ والحُوزِيّ: الجادْ في أَمره. وقالت عائشة في عمر، رضي
الله عنهما: كان واللهِ أَحْوَزِيّاً نَسِيجَ وَحْدِه؛ قال ابن الأَثير:
هو الحَسَن السِّياق للأُمور وفيه بعض النِّفار. وكان أَبو عمرو يقول:
الأَحْوَزِيّ الخفيف، ورواه بعضهم: كان الله أَحْوَذِيّاً، بالذال، وهو قريب
من الأَحْوَزِيّ، وهو السائق الخفيف. وكان أَبو عبيدة يروي رجز العجاج
حُوذِيّ، بالذال، والمعنى واحد، يعني به الثورَ أَنه يَطْرد الكلابَ وله
طارِدٌ من نفسه يَطْرده من نشاطه وحَدّه. وقول العجاج: وله حُوزِيّ أَي
مَذْخُور سَيْرٍ لم يَبْتذله، أَي يغلبهن بالهُوَيْنا. والحُوزِيّ:
المُتَنَزِّه في المَحِل الذي يحتمل ويَحُلُّ وحده ولا يخالط البيوت بنفسه ولا
ماله.
وانْحازَ القومُ: تركوا مَرْكَزهم ومَعْركة قتالهم ومالوا إِلى موضع
آخر. وتَحَوَّز عنه وتَحَيَّزَ إِذا تَنَحَّى، وهي تَفَيْعَل، أَصلها
تَحَيْوَز فقلبت الواو ياء لمجاورة الياء وأُدغمت فيها. وتَحَوَّزَ له عن
فراشه: تَنَحَّى. وفي الحديث: كما تَحَوَّز له عن فِراشه. قال أَبو عبيدة:
التَّحَوُّز هو التنحي، وفيه لغتان: التَّحَوّز والتَّحَيّز. قال الله عز
وجل: أَو مُتَحَيِّزاً إِلى فئة؛ فالتَّحَوّز التَّفَعُّل، والتَّحَيُّز
التَّفَيْعُل، وقال القطامي يصف عجوزاً استضافها فجعلت تَرُوغ عنه فقال:
تَحَوَّزُ عَنِّي خِيفَةً أَن أَضِيفَها،
كما انْحازَت الأَفْعَى مَخافَة ضارِبِ
يقول: تَتَنَحَّى هذه العجوز وتتأَخر خوفاً أَن أَنزل عليها ضيفاً،
ويروى: تَحَيَّزُ مني، وقال أَبو إِسحق في قوله تعالى: أَو مُتَحَيِّزاً إِلى
فئة، نصب مُتَحَيِّزاً ومُتَحَرِّفاً على الحال أَي إِلا أَن يتحرف لأَن
يــقاتل أَو أَن يَنْحاز أَي ينفرد ليكون مع المُــقاتِلــة، قال: وأَصل
مُتَحَيِّز مُتَحَيْوِز فأُدغمت الواو في الياء. وقال الليث: يقال ما لك
تَتَحَوَّز إِذا لم يستقر على الأَرض، والاسم منه التَّحَوُّز.
والحَوْزاءُ: الحَرب تَحُوز القوم، حكاها أَبو رياش في شرح أَشعار
الحماسة في وقول جابر بن الثعلب:
فَهَلاَّ على أَخْلاق نَعْلَيْ مُعَصِّبٍ
شَغَبْتَ، وذُو الحَوْزاءِ يَحْفِزُه الوِتْر
الوِتْر ههنا: الغضب. والتَّحَوُّز: التَّلبُّث والتَّمَكُّث.
والتَّحَيُّز والتَّحَوُّز: التَّلَوّي والتقلُّب، وخص بعضهم به الحية. يقال:
تَحَوَّزَت الحية وتَحَيَّزت أَي تَلَوَّت. ومن كلامه: ما لك تَحَوَّزُ كما
تَحَيَّزُ الحية؟ وتَحَوَّزُ تَحَيُّز الحية، وتَحَوُّزَ الحية، وهو
بُطْءُ القيام إِذا أَراد أَن يقوم؛ قال غيره: والتَّحَوُّس مثله، وقال
سيبويه: هو تَفَيْعل من حُزْت الشيء، والحَوْز من الأَرض أَن يتخذها رجلٌ ويبين
حدودها فيستحقها فلا يكون لأَحد فيها حق معه، فذلك الحَوْز. تَحَوَّز
الرجل وتَحَيَّز إِذا أَراد القيام فأَبطأَ ذلك عليه. والحَوْز: الجمع.
وكل من ضَمَّ شيئاً إِلى نفسه من مال أَو غير ذلك، فقد حازَه حَوْزاً
وحِيازَة وحازَه إِليه واحْتازَهُ إِليه؛ وقول الأَعشى يصف إِبلاً:
حُوزِيَّة طُوِيَتْ على زَفَراتِها،
طَيَّ القَناطِرِ قد نَزَلْنَ نُزُولا
قال: الحُوزِيَّة النُّوق التي لها خَلِفة انقطعت عن الإِبل في
خَلِفَتها وفَراهتها، كما تقول: مُنْقَطِعُ القَرِينِ، وقيل: ناقة حُوزِيَّة أَي
مُنْحازة عن الإِبل لا تخالطها، وقيل: بل الحُوزِيَّة التي عندها سير
مذخور من سيرها مَصُون لا يُدْرك، وكذلك الرجل الحُوزِيُّ الذي له إِبْداءٌ
من رأْيه وعقله مذخور. وقال في قول العجاج: وله حُوزِيّ، أَي يغلبهن
بالهُوَيْنا وعنده مذخور لم يَبْتَذِله. وقولهم حكاه ابن الأَعرابي: إِذا
طَلَعَتِ الشِّعْرَيانِ يَحُوزُهما النهار فهناك لا يجد الحَرُّ مَزِيداً،
وإِذا طلعتا يَحُوزُهما الليل فهناك لا يجد القُرّ مَزيداً، لم يفسره؛ قال
ابن سيده: وهو يحتمل عندي أَن يكون يضمُّهما وأَن يكون يسوقهما. وفي
الحديث: أَن رجلاً من المشركين جَميعَ اللأْمَةِ كان يحوز المسلمين أَي
يجمعهم؛ حازَه يَجُوزه إِذا قبضه ومَلَكه واسْتَبَدَّ به. قال شمر: حُزْت
الشيء جَمَعْتُه أَو نَحَّيته؛ قال: والحُوزِيّ المُتَوَحِّد في قول
الطرماح:يَطُفْن بِحُوزيِّ المَراتِع، لم تَرُعْ
بوَادِيه من قَرْعِ القِسِيِّ، والكَنَائِن
قال: الحُوزِيُّ المتوحد وهو الفحل منا، وهو من حُزْتُ الشيء إِذا جمعته
أَو نَحَّيته؛ ومنه حديث معاذ، رضي الله عنه: فَتَحَوَّز كلٌّ منهم
فَصَلَّى صلاة خفيفة أَي تَنَحَّى وانفرد، ويروى بالجيم، من السرعة والتسهل؛
ومنه حديث يأْجوج: فَحَوِّزْ عبادي إِلى الطُّور أَي ضُمَّهم إِليه،
والرواية فَحَرِّزْ، بالراء، وفي حديث عمر، رضي الله عنه، قال لعائشة، رضي
الله عنها، يوم الخَنْدَقِ: ما يُؤَمِّنُك أَن يكون بَلاء أَو تَحَوُّزٌ؟
وهو من قوله تعالى: أَو مُتَحَيِّزاً إِلى فئة، أَي مُنْضمّاً إِليها.
والتَّحَوُّزُ والتَّحَيُّز والانْحِياز بمعنى. وفي حديث أَبي عبيدة: وقد
انْحازَ على حَلْقَة نَشِبَت في جراحة النبي، صلى الله عليه وسلم، يوم
أُحُدٍ أَي أَكَبَّ عليها وجمع نفسه وضَمَّ بعضها إِلى بعض. قال عبيد بن حرٍّ
(* قوله « عبيد بن حر» كذا بالأصل): كنت مع أَبي نَضْرَة من الفُسْطاط
إِلى الإِسْكنْدَرِيَّة في سفينة، فلما دَفَعْنا من مَرْسانا أَمر
بِسُفْرته فَقُرِّبت ودعانا إِلى الغداء، وذلك في رمضان، فقلت: ما تَغَيَّبَتْ
عنا منازلُنا؛ فقال: أَترغب عن سنة النبي، صلى الله عليه وسلم؟ فلم نزل
مفطرين حتى بلغنا ماحُوزَنا؛ قال شمر في قوله ماحُوزَنا: هو موضعهم الذي
أَرادوه، وأَهل الشام يسمون المكان الذي بينهم وبين العدوّ الذي فيه
أَساميهِم ومَكاتِبُهُم الماحُوزَ، وقال بعضهم: هو من قولك حُزْتُ الشيء إِذا
أَحْرَزْتَه، قال أَبو منصور: لو كان منه لقيل مَحازنا أَو مَحُوزنا.
وحُزت الأَرض إِذا أَعلَمتها وأَحييت حدودها. وهو يُحاوِزُه أَي يخالطه
ويجامعه؛ قال: وأَحسب قوله ماحُوزَنا بِلُغَةٍ غير عربية، وكذلك الماحُوز لغة
غير عربية، وكأَنه فاعُول، والميم أَصلية، مثل الفاخُور لنبت،
والرَّاجُول للرَّجل. ويقال للرجل إِذا تَحَبَّسَ في الأَمر: دعني من حَوْزك
وطِلْقك. ويقال: طَوّل علينا فلانٌ بالحَوْزِ والطِّلْق، والطِّلق: أَن يخلي
وجوه الإِبل إِلى الماء ويتركها في ذلك ترعى لَيْلَتَئِذٍ فهي ليلة
الطِّلْق؛ وأَنشد ابن السكيت:
قد غَرّ زَيْداً حَوْزُه وطِلْقُه
وحَوْز الدار وحَيْزها: ما انضم إِليها من المَرافِقِ والمنافع. وكل
ناحية على حِدَةٍ حَيِّز، بتشديد الياء، وأَصله من الواو. والحَيْز: تخفيف
الحَيِّز مثل هَيْن وهَيِّن وليْن وليِّن، والجمع أَحْيازٌ نادر. فأَما
على القياس فَحَيائِز، بالهمز، في قول سيبويه، وحَياوِزُ، بالواو، في قول
أَبي الحسن. قال الأَزهري: وكان القياس أَن يكون أَحْواز بمنزلة الميت
والأَموات ولكنهم فرقوا بينهما كراهة الالتباس.
وفي الحديث: فَحَمَى حَوْزَة الإِسلام أَي حدوده ونواحيه. وفلان مانع
لحَوْزَته أَي لما في حَيّزه. والحَوْزة، فَعْلَةٌ، منه سميت بها الناحية.
وفي الحديث: أَنه أَتى عبدَ الله بن رَواحَةَ يعوده فما تَحَوَّز له عن
فراشه أَي ما تَنَحَّى؛ التَّحَوُّز: من الحَوزة، وهي الجانب كالتَّنَحِّي
من الناحية. يقال: تَحَوَّز وتَحَيَّز إِلا أَن التَّحَوُّز تَفَعُّل
والتَّحَيُّز تَفَيْعُل، وإِنما لم يَتَنَحَّ له عن صدر فراشه لأَن السنَّة
في ترك ذلك. والحَوْز: موضع يَحُوزه الرجل يَتَّخِذُ حواليه مُسَنَّاةً،
والجمع أَحْواز، وهو يَحْمِي حَوْزته أَي ما يليه ويَحُوزه. والحَوْزة:
الناحية. والمُحاوَزَةُ: المخالطة. وحَوْزَةُ المُلْكِ: بَْيضَتُه.
وانْحاز عنه: انعدل. وانحاز القومُ: تركوا مركزهم إِلى آخر. يقال
للأَولياء: انحازوا عن العدوّ وحاصُوا، وللأَعداء: انهزموا ووَلَّوْا
مُدْبِرين. وتَحاوَز الفريقان في الحَرْب أَي انْحاز كلُّ فريق منهم عن الآخر.
وحاوَزَه: خالطه. والحَوْز: الملْك. وحَوْزة المرأَة: فَرْجها؛ وقالت
امرأَة:فَظَلْتُ أَحْثي التُّرْبَ في وجهِه
عَني، وأَحْمِي حَوْزَةَ الغائب
قال الأَزهري: قال المنذري يقال حَمَى حَوْزاتِه؛ وأَنشد يقول:
لها سَلَف يَعُودُ بِكُلِّ رَيْع،
حَمَى الحَوْزاتِ واشْتَهَر الإِفالا
قال: السلَفُ الفحل. حَمَى حوزاتِه أَي لا يَدْنو فحل سواه منها؛ وأَنشد
الفراء:
حَمَى حَوْزاتِه فَتُركْنَ قَفْراً،
وأَحْمَى ما يَلِيه من الإِجامِ
أَراد بحَوْزاته نواحيه من المرعى.
قال محمد بن المكرم: إِن كان للأَزهري دليل غير شعر المرأَة في قولها
وأَحْمِي حَوْزَتي للغائب على أَن حَوْزة المرأَة فَرْجها سُمِعَ،
واستدلالُه بهذا البيت فيه نظر لأَنها لو قالت وأَحْمي حَوْزتي للغائب صح
الاستدلال، لكنها قالت وأَحمي حوزة الغائب، وهذا القول منها لا يعطي حصر المعنى
في أَن الحَوْزَة فرج المرأَة لأَن كل عِضْو للإِنسان قد جعله الله تعالى
في حَوْزه، وجميع أَعضاء المرأة والرجل حَوْزُه، وفرج المرأَة أَيضاً في
حَوْزها ما دامت أَيِّماً لا يَحُوزُه أَحد إِلا إِذا نُكِحَتْ برضاها،
فإِذا نكحت صار فَرْجها في حَوْزة زوجها، فقولا وأَحْمي حَوْزَة الغائب
معناه أَن فرجها مما حازه زوجُها فملكه بعُقْدَةِ نكاحها، واستحق التمتع
به دون غيره فهو إِذاً حَوْزَته بهذه الطريق لا حَوْزَتُها بالعَلَمية،
وما أَشبه هذا بِوَهْم الجوهري في استدلاله ببيت عبد الله بن عمر في محبته
لابنه سالم بقوله:
وجِلْدَةُ بينِ العينِ والأَنْفِ سالِمُ
على أَن الجلدة التي بين العين والأَنْف يقال لها سالم، وإِنما قَصَد
عبدُ الله قُرْبَه منه ومحله عنده، وكذلك هذه المرأَة جَعَلَت فرجها
حَوْزَة زوجها فَحَمَتْه له من غيره، لا أَن اسمه حَوْزَة، فالفرج لا يختص بهذا
الاسم دون أَعضائها، وهذا الغائب بعينه لا يختص بهذا الاسم دون غيره ممن
يتزوجها، إِذ لو طَلَّقها هذا الغائبُ وتزوجها غيره بعده صار هذا الفرجُ
بعينه حَوْزَةً للزوج الأَخير، وارتفع عنه هذا الاسم للزوج الأَول،
والله أَعلم. ابن سيده: الحَوْز النكاح. وحازَ المرأَةَ حَوْزاً: نكحها؛ قال
الشاعر:
يقولُ لَمَّا حازَها حَوْزَ المَطِي
أَي جامعها.
والحُوَّازُ: ما يَحُوزه الجُعَلُ من الدُّحْرُوج وهو الخُرْءُ الذي
يُدَحْرِجُه؛ قال:
سَمِينُ المَطايا يَشْرَبُ الشِّرْبَ والحِسا،
قِمَطْرٌ كحُوَّاز الدَّحارِيجِ أَبْتَرُ
والحَوْزُ: الطبيعة من خير أَو شر. وحَوْز الرجل: طَبيعته من خير أَو
شر. وفي حديث ابن مسعود، رضي الله عنه: الإِثْمُ حَوَّازُ القلوب؛ هكذا
رواه شمر، بتشديد الواو، من حازَ يَحُوز أَي يَجْمَعُ القلوبَ، والمشهور
بتشديد الزاي، وقيل: حَوَّازُ القلوب أَي يَحُوز القلبَ ويغلب عليه حتى
يَرْكَبَ ما لا يُحَب، قال الأَزهري: ولكن الرواية حَزَّاز القلوب أَي ما
حَزَّ في القلب وحَكَّ فيه.
وأَمر مُحَوَّزٌ: محكم. والحائِزُ: الخشبةُ التي تنصب عليها الأَجْذاع.
وبنو حُوَيْزَة: قبيلة؛ قال ابن سيده: أَظن ذلك ظنّاً. وأَحْوَزُ
وحَوّازٌ: اسمان. وحَوْزَةُ: اسم موضع؛ قال صخر بن عمرو:
قَتَلْتُ الخالِدَيْن بها وعَمْراً
وبِشْراً، يومَ حَوْزَة، وابْنَ بِشْرِ
ثأر: الثَّأْر والثُّؤْرَةُ: الذَّحْلُ. ابن سيده: الثَّأْرُ الطَّلَبُ
بالدَّمِ، وقيل: الدم نفسه، والجمع أَثْآرٌ وآثارٌ، على القلب؛ حكاه
يعقوب. وقيل: الثَّأْرُ قاتلُ حَمِيمكَ، والاسم الثُّؤْرَةُ. الأَصمعي: أَدرك
فلانٌ ثُؤْرَتَهُ إِذا أَدرك من يطلب ثَأْرَهُ. والتُّؤُرة: كالثُّؤرة؛
هذه عن اللحياني. ويقال: ثَأَرْتُ القتيلَ وبالقتيل ثَأْراً وثُؤْرَةً،
فأَنا ثائرٌ، أَي قَتَلْتُ قاتلَــه؛ قال الشاعر:
شَفَيْتُ به نفْسِي وأَدْرَكْتُ ثُؤْرَتي،
بَني مالِكٍ، هل كُنْتُ في ثُؤْرَتي نِكْسا؟
والثَّائِرُ: الذي لا يبقى على شيء حتى يُدْرِك ثَأَرَهُ. وأَثْأَرَ
الرجلُ واثَّأَرَ: أَدرك ثَأْرَهُ. وثَأْرَ بِهِ وثَأْرَهْ: طلب دمه. ويقال:
تَأَرْتُك بكذا أَي أَدركت به ثَأْري منك. ويقال: ثَأَرْتُ فلاناً
واثَّأَرْتُ به إِذا طلبت قاتلــه. والثائر: الطالب. والثائر: المطلوب، ويجمع
الأَثْآرَ؛ والثُّؤْرَةُ المصدر. وثَأَرْتُ القوم ثَأْراً إذا طلبت
بثأْرِهِم. ابن السكيت: ثَأَرْتُ فلاناً وثَأَرْتُ بفلان إِذا قَتَلْتَ قاتلــه.
وثَأْرُكَ: الرجل الذي أَصاب حميمك؛ وقال الشاعر:
قَتَلْتُ به ثَأْري وأَدْرَكْتُ ثُؤْرَتي
(* يظهر أن هذه رواية ثانية البيت الذي مرّ ذكره قبل هذا الكلام).
وقال الشاعر:
طَعَنْتُ ابنَ عَبْدُ القَيْسِ طَعْنَةَ ثائِرٍ،
لهَا نَفَذٌ، لَوْلا الشُّعاعُ أَضاءَها
وقال آخر:
حَلَفْتُ، فَلَمْ تَأْثَمْ يمِيني: لأَثْأَرَنْ
عَدِيّاً ونُعْمانَ بنَ قَيْلٍ وأَيْهَما
قال ابن سيده: هؤلاء قوم من بني يربوع قتلهم بنو شيبان يوم مليحة فحلف
أَن يطلب بثأْرهم. ويقال: هو ثَأْرُهُ أَي قاتل حميمه؛ قال جرير:
وامْدَحْ سَراةَ بَني فُقَيْمٍ، إِنَّهُمْ
قَتَلُوا أَباكَ، وثَأْرُهُ لم يُقْتَلِ
قال ابن بري: هو يخاطب بهذا الشعر الفرزدق، وذلك أَن ركباً من فقيم
خرجوا يريدون البصرة وفيهم امرأَة من بني يربوع بن حنظلة معها صبي من رجل من
بني فقيم، فمرّوا بخابية من ماء السماء وعليها أَمة تحفظها، فأَشرعوا
فيها إِبلهم فنهتهم الأَمة فضربوها واستقوا في أَسقيتهم، فجاءت الأَمة
أَهلها فأَخبرتهم، فركب الفرزدق فرساً له وأَخذ رمحاً فأَدرك القوم فشق
أَسقيتهم، فلما قدمت المرأَة البصرة أَراد قومها أَن يثأَروا لها فأَمرتهم أَن
لا يفعلوا، وكان لها ولد يقال له ذكوان بن عمرو بن مرة بن فقيم، فلما شبّ
راضَ الإِبل بالبصرة فخرج يوم عيد فركب ناقة له فقال له ابن عم له: ما
أَحسن هيئتك يا ذكوان لو كنت أَدركت ما صُنع بأُمّك. فاستنجد ذكوان ابن
عم له فخرج حتى أَتيا غالباً أَبتا الفرزدق بالحَزْنِ متنكرين يطلبان له
غِرَّةً، فلم يقدرا على ذلك حتى تحمَّل غالب إِلى كاظمة، فعرض له ذكوان
وابن عمه فقالا: هل من بعير يباع؟ فقال: نعم، وكان معه بعير عليه معاليق
كثيرة فعرضه عليهما فقالا: حط لنا حتى ننظر إِليه، ففعل غالب ذلك وتخلف معه
الفرزدق وأَعوان له، فلما حط عن البعير نظرا إِليه وقالا له: لا يعجبنا،
فتخلف الفرزدق ومن معه على البعير يحملون عليه ولحق ذكوان وابن عمه
غالباً، وهو عديل أُم الفرزدق، على بعير في محمل فعقر البعير فخر غالب
وامرأَته ثم شدّا على بعير جِعْثِنَ أُخت الفرزدق فعقراه ثم هربا، فذكروا أَن
غالباً لم يزل وجِعاً من تلك السَّقْطَةِ حتى مات بكاظمة.
والمثْؤُور به: المقتولُ. وتقول: يا ثاراتِ فلان أَي يا قتلة فلان. وفي
الحديث: يا ثاراتِ عثمان أَي يا أَهل ثاراته، ويا أَيها الطالبون بدمه،
فحذف المضاف وأَقام المضاف إِليه مقامه؛ وقال حسان:
لَتَسْمَعَنَّ وَشِيكاً في دِيارِهِمُ:
اللهُ أَكْبَرُ، يا ثاراتِ عُثْمانا
الجوهري: يقال يا ثارات فلان أَي يا قتلته، فعلى الأَوّل يكون قد نادى
طالبي الثأْر ليعينوه على استيفائه وأَخذه، والثاني يكون قد نادى القتلة
تعريفاً لهم وتقريعاً وتفظيعاً للأَمر عليهم حتى يجمع لهم عند أَخذ
الثَّأْرِ بين القتل وبين تعريف الجُرْمِ؛ وتسميتُه وقَرْعُ أَسماعهم به
ليَصْدَعَ قلوبهم فيكون أَنْكَأَ فيهم وأَشفى للناس. ويقال: اثَّأَرَ فلان من
فلان إِذا أَدرك ثَأْرَه، وكذلك إِذا قتل قاتل وليِّه؛ وقال لبيد:
والنِّيبُ إِنْ تَعْرُ مِنّي رِمَّةً خَلَقاً،
بَعْدَ الْمَماتِ، فإِنّي كُنْتُ أَثَّئِرُ
أَي كنت أَنحرها للضيفان، فقد أَدركت منها ثَأْري في حياتي مجازاة
لتَقَضُّمِها عظامي النَّخِرَةَ بعد مماتي، وذلك أَن الإِبل إِذا لم تجد
حَمْضاً ارْتَمَّتْ عِظَامَ الموتَى وعِظامَ الإِبل تُخْمِضُ بها.
وفي حديث عبد الرحمن يوم الشُّورَى: لا تغمدوا سيوفكم عن أَعدائكم
فَتُوتِروا ثأْرَكُمْ؛ الثَّأْرُ ههنا: العدو لأَنه موضع الثأْر، أَراد انكم
تمكنون عدوّكم من أَخذ وَتْرِهِ عندكم.
يقال: وَتَرْتُه إِذا أَصبته بِوَترٍ، وأَوْتَرْتُه إِذا أَوْجَدْتَهُ
وَتْرَهُ ومكنته منه. واثَّأَر: كان الأَصل فيه اثْتَأَرَ فأُدغمت في
الثاء وشدّدت، وهو افتعال
(* قوله: «وهو افتعال إِلخ» أَي مصدر اثتأَر افتعال
من ثأَر) من ثأَرَ.
والثَّأْرُ المُنِيمُ: الذي يكون كُفُؤاً لِدَمِ وَلِيِّكَ. وقال
الجوهري: الثَّأْرُ المُنِيمُ الذي إِذا أَصابه الطالبُ رضي به فنام بعده؛ وقال
أَبو زيد: اسْتَثْأَرَ فلان فهو مُسْتَثْئِرٌ إِذا استغاث لِيَثْأَرَ
بمقتوله:
إِذا جاءهم مُسْتَثْئِرٌ كانَ نَصْره
دعاءً: أَلا طِيرُوا بِكُلِّ وأَىَ نَهْدِ
قال أَبو منصور: كأَنه يستغيث بمن يُنْجِدُه على ثَأْرِه. وفي حديث محمد
بن سلمة يوم خيبر: أَنا له يا رسول الله المَوْتُور الثَّائرُ أَي طالب
الثَّأْر، وهو طلب الدم. والتُّؤْرُورُ: الجلْوازُ، وقد تقدّم في حرف
التاء أَنه التؤرور بالتاء؛ عن الفارسي.
بوأ: باءَ إِلى الشيء يَبُوءُ بَوْءاً: رَجَعَ. وبُؤْت إِليه وأَبَأْتُه،
عن ثعلب، وبُؤْته، عن الكسائي، كأَبَأْتُه، وهي قليلة.
والباءة، مثل الباعةِ، والباء: النِّكاح. وسُمي النكاحُ باءةً وباءً
من المَباءة لأَن الرجل يَتَبَوَّأُ من أَهله أَي يَسْتَمْكِنُ من
أَهله، كما يَتَبَوَّأُ من دارِه. قال الراجز يصف الحِمار والأُتُنَ:
يُعْرِسُ أَبْكاراً بها وعُنَّسا، أَكرَمُ عِرْسٍ، باءةً، إِذ أعْرَسا
وفي حديث النبي صلى اللّه عليه وسلم: مَن استطاع منكم الباءة،
فَليْتزوَّجْ، ومَن لم يَسْتَطِعْ، فعليهِ بالصَّومِ، فإِنَّه له؛ وجاء: أَراد
بالباءة النكاحَ والتَّزْويج. ويقال: فلان حَريصٌ على الباءة أَي على النكاح. ويقال: الجِماعُ نَفْسُه باءةٌ، والأصلُ في الباءةِ المَنْزِل ثم قيل لِعَقْدِ التزويج باءةٌ لأَنَّ مَن تزوَّج امرأَةً بَوَّأَها منزلاً.
والهاء في الباءة زائدة، والناسُ يقولون: الباه.
قال ابن الأَعرابي: الباءُ والباءةُ والباهُ كُلها مقولات. ابن
الأَنباري: الباءُ النِّكاح، يقال: فُلانٌ حريصٌ على الباء والباءة والباهِ، بالهاء والقصر، أَي على النكاح؛ والباءةُ الواحِدةُ والباء الجمع، وتُجمع الباءة على الباءَاتِ. قال الشاعر:
يا أَيُّـــها الرّاكِبُ، ذُو الثّباتِ،
إِنْ كُنتَ تَبْغِي صاحِبَ الباءَاتِ،
فــــاعْمِدْ إِلى هاتِيكُمُ الأَبْياتِ
وفي الحديث: عليكم بالباءة، يعني النّكاحَ والتَّزْويج؛ ومنه الحديث الآخر: إِن امرأَة مات عنها زوجُها فمرّ بها رجل وقد تَزَيَّنَت للباءة.وبَوَّأَ الرجلُ: نَكَحَ. قال جرير:
تُبَوّئُها بِمَحْنِيةٍ، وحِيناً * تُبادِرُ حَدَّ دِرَّتِها السِّقابا
وللبئرِ مَباءَتان: إِحداهما مَرْجِع الماء إِلى جَمِّها، والأُخْرى
مَوْضِعُ وقُوفِ سائِق السّانِية. وقول صخر الغي يمدَح سيفاً له:
وصارِمٍ أُخْلِصَتْ خَشِيبَتُهُ، * أَبْيضَ مَهْوٍ، في مَتْنِه رُبَدُ
فَلَوْتُ عنه سُيوفَ أَرْيحَ، * حَتَّى باءَ كَفّي، ولم أَكَدْ أَجِدُ
الخَشِيبةُ: الطَّبْعُ الأَوَّلُ قبل أَن يُصْقَلَ ويُهَيَّأً، وفَلَوْتُ: انْتَقَيْتُ.
أَرْيَحُ: مِن اليَمَنِ. باءَ كَفِّي: أَي صارَ كَفِّي له مَباءة أَي
مَرْجِعاً. وباءَ بذَنْبِه وبإِثْمِه يَبُوءُ بَوْءاً وبَواءً: احتمَله
وصار المُذْنِبُ مأْوَى الذَّنب، وقيل اعْتَرفَ به. وقوله تعالى: إِنِّي
أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بإِثْمِي وإِثْمِك، قال ثعلب: معناه إِن عَزَمْتَ على
قَتْلِي كان الإِثْمُ بك لا بي. قال الأَخفش: وباؤُوا بغَضَبٍ من اللّه:
رَجَعُوا به أَي صارَ عليهم. وقال أَبو إِسحق في قوله تعالى فباؤُوا بغَضَبٍ على غَضَب، قال: باؤُوا في اللغة: احتملوا، يقال: قد بُؤْتُ بهذا الذَّنْب أَي احْتَمَلْتُه. وقيل: باؤُوا بغَضَب أَي بإِثْم اسْتَحَقُّوا به النارَ على إِثْمٍ اسْتَحَقُّوا به النارَ أَيضاً.
قال الأَصمعي: باءَ بإِثْمِه، فهو يَبُوءُ به بَوْءاً: إِذا أَقَرّ به.
وفي الحديث: أَبُوءُ بِنعْمَتِك عليَّ، وأَبُوءُ بذنبي أَي أَلتزِمُ
وأَرْجِع وأُقِرُّ. وأَصل البَواءِ اللزومُ. وفي الحديث: فقد باءَ به أَحدُهما أَي التزَمَه ورجَع به. وفي حديث وائلِ بن حُجْر: انْ عَفَوتَ عنه يَبُوء بإِثْمِه وإِثْم صاحِبِه أَي كانَ عليه عُقُوبةُ ذَنْبِه وعُقوبةُ قَتْلِ صاحِبِه، فأَضافَ الإِثْمَ إِلى صاحبه لأَن قَتلَه سَبَب لإِثْمه؛ وفي رواية: إِنْ قَتَلَه كان مِثْلَه أَي في حُكم البَواءِ وصارا مُتَساوِيَيْن لا فَضْلَ للمُقْتَصِّ إِذا اسْتوْفَى حَقَّه على المُقْتَصِّ منه. وفي حديث آخر: بُؤْ للأَمِيرِ بذَنْبِك، أَي اعْتَرِفْ به. وباءَ بدَمِ فلان وبحَقِّه: أَقَرَّ، وذا يكون أَبداً بما عليهِ لا لَه. قال لبيد:
أَنْكَرْت باطِلَها، وبُؤْت بحَقِّها * عِنْدِي، ولم تَفْخَرْ عَلَيَّ كِرامُها
وأَبَأْتُه: قَرَّرْتُه وباءَ دَمُه بِدَمِه بَوْءاً وبَواءً: عَدَلَه. وباءَ فُلانٌ بِفُلانٍ بَواءً، ممدود، وأَباءَه وباوَأَه: إِذا قُتِل به وصار دَمُه بِدَمِه. قال عبدُاللّه بنُ الزُّبير:
قَضَى اللّهُ أَنَّ النَّفْسَ بالنَّفْسِ بَيْنَنا، * ولــمَ نـكُ نَرْضَى أَنْ نُباوِئَكـُمْ قَبـْلُ
والبَواء: السَّواء. وفُلانٌ بَواءُ فُلانٍ: أَي كُفْؤُهُ ان قُتِلَ به،
وكذلك الاثنانِ والجَمِيعُ. وباءه: قَتَلَه به(1)
(1 قوله «وباءه قتله به» كذا في النسخ التي بأيدينا ولعله وأباءه بفلان قتله به.)
أَبو بكر، البواء: التَّكافُؤ، يقال: ما فُلانٌ ببَواءٍ لفُلانٍ: أَي ما
هو بكُفْءٍ له. وقال أَبو عبيدة يقال: القوم بُواءٌ: أَي سَواءٌ. ويقال: القومُ على بَواءٍ. وقُسِمَ المال بينهم على بَواءٍ: أَي على سواءٍ. وأَبَأْتُ فُلاناً بفُلانٍ: قَتَلْتُه به.
ويقال: هم بَواءٌ في هذا الأَمر: أَي أَكْفاءٌ نُظَراء، ويقال: دمُ فلان
بَواءٌ لدَم فُلان: إِذا كان كُفْأً له. قالت لَيْلى الأَخْيلية في مَقْتَلِ تَوْبةَ بن الحُمَيِّر:
فانْ تَكُنِ القَتْلى بَواءً، فإِنَّكُمْ * فَتىً مَّا قَتَلْتُم، آلَ عَوْفِ بنِ عامِرِ
وأَبَأْتُ الــقاتِلَ بالقَتِيل واسْتَبَأْتُه أَيضاً: إِذا قَتَلْته به. واسْتَبَأْتُ الحَكَمَ واسْتَبَأْتُ به كلاهما: اسْتَقَدْته.
وتَباوَأَ القَتِيلانِ: تَعادَلا. وفي الحديث: أَنه كان بَيْنَ حَيَّيْنِ من العَربِ قتالٌ، وكان لأَحَدِ الحَيَّينِ طَوْلٌ على الآخَر، فقالوا
لا نَرْضَى حتى يُقْتَل بالعَبْدِ مِنَّا الحُرُّ منهم وبالمرأَةِ
الرجلُ، فأَمَرهم النبيُّ صلى اللّه عليه وسلم أَن يَتَباءَوْا. قال أَبو
عبيدة: هكذا روي لنا بوزن يَتَباعَوْا، قال: والصواب عندنا أَن يَتَباوَأُوا بوزن يَتباوَعُوا على مثال يَتَقاوَلوا، من البَواءِ وهي المُساواةُ، يقال: باوَأْتُ بين القَتْلى: أَي ساوَيْتُ؛ قال ابن بَرِّي: يجوز أَن يكون يتَباءَوْا على القلب، كما قالوا جاءَاني، والقياس جايَأَني في المُفاعَلة من جاءَني وجِئْتُه؛ قال ابن الاثير وقيل: يَتَباءَوْا صحيحٌ. يقال: باءَ به إِذا كان كُفْأً له، وهم بَواءٌ أَي أَكْفاءٌ،
معناه ذَوُوبَواء. وفي الحديث أَنه قال: الجِراحاتُ بَواءٌ يعني أَنها مُتَساويةٌ في القِصاص، وأَنه لا يُقْتَصُّ للمَجْرُوحِ الاَّ مِنْ جارِحِه الجاني، ولا يُؤْخَذُ إِلا مِثْلُ جِراحَتِه سَواء وما يُساوِيها في الجُرْحِ، وذلك البَواءُ. وفي حديث الصَّادِقِ: قيل له: ما بالُ العَقْرَبِ مُغْتاظةً على بني آدمَ؟ فقال: تُريدُ البَواءَ أَي تُؤْذِي كما تُؤْذَى. وفي حديث علي رضِي اللّه عنه: فيكون الثّوابُ جزاءً والعِقابُ بَواءً.
وباءَ فلان بفلان: إِذا كان كُفْأً له يُقْتَلُ به؛ ومنه قول
الـمُهَلْهِلِ لابن الحرث بن عَبَّادٍ حين قَتَله: بُؤْ بِشِسْعِ نَعْلَيْ كُلَيْبٍ،
معناه: كُنْ كُفْأً لِشسْعِ نَعْلَيْه. وباء الرجلُ بصاحبه: إِذا قُتِلَ
به. يقالُ: باءتْ عَرارِ بكَحْلٍ، وهما بَقَرَتانِ قُتِلَتْ إِحداهما
بالأُخرى؛ ويقال: بُؤْ به أَي كُنْ مـمن يُقْتَل به. وأَنشد الأَحمر لرجل قَتَلَ قاتِلَ أَخِيه، فقال:
فقلتُ له بُؤْ بامرِئٍ لَسْتَ مثْلَه، * وإِن كُنتَ قُنْعاناً لِمَنْ يَطْلُبُ الدَّما
يقول: أَنتَ، وإِن كنتَ في حَسَبِكَ مَقْنَعاً لكل مَنْ طَلَبَكَ بثَأْر،
فلَسْتَ مِثلَ أَخي.
وإِذا أَقَصَّ السلطانُ رجلاً برجل قِيل: أَباءَ فلاناً بفلان. قال
طُفَيْل الغَنَوِيُّ:
أَباءَ بقَتْلانا مِن القومِ ضِعْفَهم، * وما لا يُعَدُّ مِن أَسِيرٍ مُكَلَّبِ
قال أَبو عبيد: فان قتله السلطانُ بقَود قيل: قد أَقادَ السلطانُ فلاناً
وأَقَصَّه وأَباءَه وأَصْبَرَه. وقد أَبأْتُه أُبيئُه إِباءة. قال ابن
السكِّيت في قول زُهَيْر بن أَبي سُلْمَى:
فَلَم أَرَ مَعْشَراً أَسَرُوا هَديًّا، * ولم أَرَ جارَ بَيْتٍ يُسْتَباءُ
قال: الهَديُّ ذو الحُرْمَة؛ وقوله يُسْتَباءُ أَي يُتَبَوّأُ، تُتَّخَذ
امرأَتُهُ أَهلاً؛ وقال أَبو عمرو الشيباني: يُسْتبَاء، من البَواء، وهو
القَوَد. وذلك أَنه أَتاهم يريد أَن يَسْتَجِيرَ بهم فأَخَذُوه، فقتلوه
برجل منهم. وقول التَّغْلَبي:
أَلا تَنْتَهِي عَنَّا مُلوكٌ، وتتَّقي * مَحارِمَنا لا يُبْأَءُ الدَّمُ بالدَّمِ
أَرادَ: حِذارَ أَن يُباء الدَّم بالدَّم؛ ويروى: لا يَبْؤُءُ الدَّمُ
بالدَّمِ أَي حِذارَ أَنْ تَبُوءَ دِماؤُهم بدِماءِ مَنْ قتَلوه. وبَوَّأَ
الرُّمحَ نحوه: قابَله به، وسَدَّدَه نحْوَه. وفي الحديث: أَنَّ رجلاً
بَوَّأَ رَجلاً برُمحِه، أَي سَدَّده قِبَلَه وهَيَّأَه. وبَوَّأَهُم
مَنْزِلاً: نَزَلَ بهم إِلى سَنَدِ جَبَل. وأَبَأْتُ بالمَكان: أَقَمْتُ
به.وبَوَّأْتُكَ بَيتاً: اتَّخَذْتُ لك بيتاً. وقوله عز وجل: أَنْ تَبَوَّآ
لقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيوتاً، أَي اتَّخِذا. أَبو زيد: أَبَأْتُ القومَ
مَنْزلاً وبَوَّأْتُهم مَنْزِلاً تَبْوِيئاً، وذلك إِذا نزلْتَ بهم إِلى
سَنَدِ جبل، أَو قِبَلِ نَهر.
والتبوُّؤُ: أَن يُعْلِمَ الرجلُ الرجلَ على المَكان إِذا أَعجبه لينزله.
وقيل: تَبَوَّأَه: أَصْلَحه وهَيَّأَه. وقيل: تَبوَّأَ فلان مَنْزِلاً: إِذا نظَر إِلى أَسْهَلِ ما يُرى وأَشَدِّه اسْتِواءً وأَمْكَنِه لِمَبيتِهِ، فاتَّخذَه؛ وتَبوَّأَ: نزل وأَقام، والمَعْنَيانِ قَريبان. والمباءة: مَعْطِنُ القَوْمِ للابِل، حيث تُناخُ في المَوارِد. وفي الحديث: قال له رجل: أُصَلِّي في مَباءة الغَنَم؟ قال: نَعَمْ، أَي مَنْزِلها الذي تَأْوِي إليه، وهو المُتَبَوّأُ أَيضاً. وفي الحديث أَنه قال: في المدينة ههُنا المُتَبَوَّأُ. وأَباءَه مَنْزِلاً وبَوَّأَه إِيَّاهُ وبَوَّأَه له وبَوَّأَهُ فيه، بمعنى هَيَّأَه له وأَنْزَلَه ومَكَّنَ له فيه. قال:
<ص:39>
وبُوِّئَتْ في صَمِيمِ مَعْشَرِها، * وتَمَّ، في قَوْمِها، مُبَوَّؤُها
أَي نَزَلَت من الكَرم في صَمِيمِ النَّسب. والاسم البِيئةُ.
واسْتَباءه أَي اتَّخَذَهُ مَباءة.
وتَبَوَّأْتُ منزلاً أَي نَزَلْتُه. وقوله تعالى: والذِين تَبَوَّأُوا
الدارَ والإِيمانَ، جَعلَ الإِيمانَ مَحَلاًّ لهم على المَثَل؛ وقد يكون
أَرادَ: وتَبَوَّأُوا مكانَ الإِيمانِ وبَلَدَ الإِيمانِ، فحَذَف.
وتَبَوَّأَ المكانَ: حَلَّه. وإِنه لَحَسَنُ البِيئةِ أَي هيئة التَّبَوُّءِ.والبيئةُ والباءة والمباءة: المنزل، وقيل مَنْزِل القوم حيث يَتَبَوَّأُونَ من قِبَلِ وادٍ، أَو سَنَدِ جَبَلٍ. وفي الصحاح: المَباءة: مَنْزِلُ القوم في كل موضع، ويقال: كلُّ مَنْزِل يَنْزِله القومُ. قال طَرَفة: طَيِّبو الباءة ، سَهْلٌ، ولَهُمْ * سُبُلٌ، إِن شئتَ في وَحْش وَعِر(1)
(1 قوله «طيبو الباءة» كذا في النسخ وشرح القاموس بصيغة جمع المذكر السالم والذي في مجموعة أَشعار يظن بها الصحة طيب بالأفراد وقبله:
ولي الأصل الذي في مثله * يصلح الآبر زرع المؤتبر)
وتَبَوَّأَ فلان مَنْزِلاً، أَي اتخذه، وبَوَّأْتُهُ مَنْزِلاً
وأَبَأْتُ القَومَ منزلاً. وقال الفرَّاء في قوله عز وجل: والذين آمَنُوا
وعَمِلُوا الصّالحاتِ لَنُبَوِّئنَّهُمْ مِن الجَنَّة غُرَفاً، يقال: بَوَّأْتُه منزلاً، وأَثْوَيْتُه مَنْزِلاً ثُواءً: أَنْزَلْتُه، وبَوَّأْتُه منزلاً أَي جعلته ذا منزل.
وفي الحديث: مَن كَذَبَ عَليَّ مُتَعَمِّداً، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَه من النار. وتكرّرت هذه اللفظة في الحديث ومعناها: لِيَنْزِلْ مَنْزِله
مِن النار. يقال: بَوَّأَه اللّهُ منزلاً أَي أَسكَنه إِياه. ويسمى كِناسُ
الثَّوْرِ الوَحْشِيِّ مَبَاءة؛ ومَباءة الإِبل: مَعْطِنها.
وأَبَأْتُ الإِبل مَباءة: أَنَخْتُ بعضَها إِلى بعض. قال الشاعر:
حَلِيفان، بَيْنَهما مِيرةٌ * يُبِيئانِ في عَطَنٍ ضَيِّقِ
وأَبَأْتُ الإِبلَ، رَدَدْتُها إِلى الـمَباءة، والـمَباءة: بيتها في
الجبل؛ وفي التهذيب: وهو الـمُراحُ الذي تَبِيتُ فيه. والـمَباءة مِن
الرَّحِمِ: حيث تَبَوَّأَ الولَدُ. قال الأَعلم:
ولَعَمْرُ مَحْبَلِكِ الهَجِينِ على * رَحبِ الـمَباءة، مُنْتِنِ الجِرْمِ
وباءَتْ بِبيئةِ سُوءٍ، على مِثالِ بِيعةٍ: أَي بحالِ سُوءٍ؛ وانه
لحَسَنُ البِيئةِ؛ وعَمَّ بعضُهم به جميعَ الحال. وأَباءَ عليه مالَه:
أَراحَه. تقول: أَبَأْتُ على فلان ماله: إِذا ارَحْتَ عليه إِبلَه وغَنَمَه،
وأَباءَ منه.
وتقول العرب: كَلَّمناهم، فأَجابونا عن بَواءٍ واحدٍ: أَي جوابٍ واحد.
وفي أَرض كذا فَلاةٌ تُبيء في فلاةٍ: أَي تَذْهبُ.
الفرَّاء: باءَ، بوزن باعَ: إِذا تكبَّر، كأَنه مقلوب مَن بَأَى، كما
قالوا أَرى ورأَى(2)
(2 مقتضاه أَنّ أرى مقلوب من رأى كما ان باء مقلوب من بأى،
ولا تنظير بين الجانبين كما لا يخفى فضلاًعن ان أرى ليس من المقلوب وان اوهم لفظُه ذلك والصواب «كما قالوا راءَ من رأى».(ابراهيم اليازجي))
وسنذكره في بابه. وفي حاشية بعض نسخ الصحاح: وأَبَأْتُ أَدِيمَها: جَعَلْتُه في الدباغ .
وقع: وقَع على الشيء ومنه يَقَعُ وَقْعاً ووُقُوعاً: سقَطَ، ووَقَعَ
الشيءُ من يدي كذلك، وأَوْقَعَه غيرُه ووَقَعْتُ من كذا وعن كذا وَقْعاً،
ووَقَعَ المطرُ بالأَرض، ولا يقال سَقَطَ؛ هذا قول أَهل اللغة، وقد حكاه
سيبويه فقال: سَقَط المطرُ مكانَ كذا فمكانَ كذا. ومَواقِعُ الغيثِ:
مَساقِطُه. ويقال: وقَع الشيءُ مَوْقِعَه، والعرب تقول: وقَعَ رَبِيعٌ بالأرض
يَقَعُ وُقُوعاً لأَوّلِ مطر يقع في الخَرِيفِ. قال الجوهري: ولا يقال
سَقَطَ. ويقال: سمعت وَقْعَ المطرِ وهو شدّةُ ضَرْبِه الأَرضَ إِذا وَبَلَ.
ويقال: سمعت لحَوافِرِ الدّوابِّ وقْعاً ووُقُوعاً؛ وقول أَعْشَى
باهِلةَ:وأَلْجَأَ الكلبَ مَوْقُوعُ الصَّقِيعِ به،
وأَلْجَأَ الحَيَّ من تَنْفاخِها الحَجرُ
إِنما هو مصدر كالمَجْلُودِ والمَعْقُول.
والمَوْقِعُ والمَوْقِعةُ: موضِعُ الوُقُوع؛ حكى الأَخيرةَ اللحياني.
وَوِقاعةُ السّترِ، بالكسر: مَوْقِعُه إِذا أُرسل. وفي حديث أُم سلمةَ
أَنها قالت لعائشة، رضي الله عنهما: اجْعَلي بَيْتَكِ حِصْنَكِ وَوِقاعةَ
السِّتْرِ قَبْرَكِ؛ حكاه الهرويّ في الغريبين، وقال ابن الأَثير: الوِقاعةُ،
بالكسر، موضعُ وُقُوعِ طَرَفِ الستْرِ على الأَرض إِذا أُرْسِلَ، وهي
مَوْقِعُه ومَوْقِعَتُه، ويروى بفتح الواو، أَي ساحةَ الستْرِ.
والمِيقَعةُ: داءٌ يأْخذ الفصيل كالحَصْبةِ فيَقَعُ فلا يكاد يقوم.
ووَقْعُ السيفِ ووَقْعَتُه ووُقُوعُه: هِبَّتُه ونُزُولُه بالضَّرِيبة،
والفعل كالفعل، ووَقَعَ به ماكر يَقَعُ وُقُوعاً ووَقِيعةً: نزل.
وفي المثل: الحِذارُ أَشدُّ من الوَقِيعةِ؛ يضرب ذلك للرجل يَعْظُمُ في
صَدْرِه الشيءُ، فإِذا وقع فيه كان أَهْوَنَ مما ظنّ، وأَوْقَعَ ظَنَّه على
الشيء ووَقَّعَه، كلاهما: قَدَّرَه وأَنْزَلَه. ووَقع بالأَمر: أَحدثه
وأَنزله. ووَقَعَ القولُ والحكْمُ إِذا وجَب. وقوله تعالى: وإِذا وَقَعَ
القولُ عليهم أَخرجنا لهم دابةً؛ قال الزجاج: معناه، والله سبحانه أَعلم،
وإِذا وجب القول عليهم أَخرجنا لهم دابة من الأَرض، وأَوْقَعَ به ما
يَسُوءُهُ كذلك. وقال عز وجل: ولَمّا وقَع عليهم الرِّجْزُ، معناه أَصابَهم
ونزَلَ بهم. ووَقَعَ منه الأَمْرُ مَوْقِعاً حسَناً أَو سَيِّئاً: ثبت لديه،
وأَمّا ما ورد في الحديث: اتَّقُوا النارَ ولو بِشِقّ تمرة فإِنها تَقَعُ
من الجائِعِ مَوْقِعَها من الشبْعانِ، فإِنه أَراد أَنَّ شقّ التمرةِ لا
يَتَبَيَّنُ له كبيرُ مَوْقِعٍ من الجائع إِذا تناوَلَه كما لا يتبين
على شِبَعِ الشبعانِ إِذا أَكله، فلا تعْجِزُوا أَن تتصدّقوا به، وقيل:
لأَنه يسأَل هذا شقَّ تمرة وذا شق تمرة وثالثاً ورابعاً فيجتمع له ما
يَسُدُّ به جَوْعَتَه. وأَوْقَعَ به الدهرُ: سَطا، وهو منه.
والوَقِعةُ: الدّاهِيةُ. والواقِعةُ: النازِلةُ من صُرُوف الدهرِ،
والواقعةُ: اسم من أَسماء يوم القيامة. وقوله تعالى: إِذا وقعَتِ الواقِعةُ
ليس لِوَقْعَتِها كاذبةٌ، يعني القيامةَ. قال أَبو إِسحق: يقال لكل آت
يُتَوَقَّعُ قد وقَعَ الأَمْرُ كقولك قد جاء الأَمرُ، قال: والواقِعةُ ههنا
الساعةُ والقيامةُ.
والوَقْعةُ والوَقِيعةُ: الحْربُ والقِتالُ، وقيل: المَعْرَكةُ، والجمع
الوَقائِعُ. وقد وقَعَ بهم وأَوْقَعَ بهم في الحرب والمعنى واحد، وإِذا
وقَعَ قومٌ بقوم قيل: واقَعُوهم وأَوْقَعُوا بهم إِيقاعاً. والوَقْعةُ
والواقِعةُ: صَدْمةُ الحرب، وواقَعُوهم في القتالِ مُواقَعةً وَوِقاعاً. وقال
الليث: الوقْعَةُ في الحرب صَدْمةٌ بعد صَدْمةٍ. ووَقائِعُ العرب: أَيّامُ
حُرُوبِهم. والوِقاعُ: المُواقَعةُ في الحَرْبِ؛ قال القطامي:
ومَنْ شَهِدَ المَلاحِمَ والوِقاعا
والوَقْعةُ: النَّوْمة في آخِرِ اليل. والوَقْعةُ: أَن يَقْضِيَ في كلّ
يومٍ حاجةً إِلى مثل ذلك من الغَدِ، وهو من ذلك. وتَبَرَّزَ الوَقْعةَ أَي
الغائِطَ مَرَّةً في اليوم. قال ابن الأَعرابي ويعقوب: سئل رجل عن سَيْرِه
كيف كان سَيْرُكَ؟ قال: كنت آكُل الوجْبةَ، وأَنْجو الوَقْعةَ،
وأُعَرِّسُ إِذا أَفْجَرْتُ، وأَرْتَحِلُ إثذا أَسْفَرْتُ، وأَسِيرُ المَلْعَ
والخَبَبَ والوَضْعَ، فأَتَيْتُكم لِمُسْيِ سَبْع؛ الوَجْبةُ: أَكْلة في اليوم
إِلى مثلها من الغَدِ، ابن الأَثير: تفسيره الوَقْعةُ المرّةُ من
الوُقُوعِ السُّقُوطِ، وأَنْجُو من النَّجْو الحَدَثِ أَي آكُلُ مرَّةً واحدة
وأُحْدِثُ مرة في كل يومٍ، والمَلْعُ فوقَ المَشْيِ ودُونَ الخَبَبِ،
والوَضْعُ فوق الخبب؛ وقوله لِمُسْي سبع أَي لِمَساء سبع. الأَصمعي: التوْقِيعُ
في السير شبيه بالتلقيف وهو رفعه يدَه إِلى فوق.
ووَقَّعَ القومُ تَوْقِيعاً إِذا عَرَّسوا؛ قال ذو الرمة:
إِذا وقَّعُوا وهْناً أَناخُوا مَطِيَّهُمْ
وطائِرٌ واقِعٌ إِذا كان على شجر أَو مُوكِناً؛ قال الأَخطل:
كأَنّما كانُوا غُراباً واقِعا،
فطارَ لَمّا أَبْصَرَ الصَّواعِقا
(* قوله« الصواعقا» كذا بالأصل هنا، وتقدم في صقع: الصواقعا شاهداً على
أنها لغة لتميم في الصواعق.)
ووَقَعَ الطائِرُ يَقَعُ وُقُوعاً، والاسم الوَقْعةُ: نزلَ عن
طَيَرانِه، فهو واقِعٌ. وإِنه لَحَسَنُ الوِقْعةِ، بالكسر. وطير وُقَّعٌ ووُقُوعٌ:
واقِعةٌ؛ وقوله:
فإِنَّك والتَّأْبِينَ عُرْوةَ بَعْدَما
دَعاكَ، وأَيْدِينا إِليه شَوارِعُ،
لَكَالرَّجُلِ الحادِي، وقد تَلَعَ الضُّحَى،
وطَيْرُ المَنايا فوْقَهُنَّ أَواقِعُ
إِنما أَراد وواقِعٌ جَمْعَ واقِعةٍ فهمز الواو الأُولى.
ووَقِيعةُ الطائِر ومَوْقَعَتُه، بفتح القاف: موضع وُقُوعه الذي يَقَعُ
عليه ويَعْتادُ الطائِرُ إِتْيانَه، وجمعها مَواقِعُ.ومِيقَعةُ البازِي:
مكان يأْلَفُه فيقع عليه؛ وأَنشد:
كأَنَّ مَتْنَيْهِ من النَّفِيّ
مَواقِع الطَّيْرِ على الصُّفِيّ
شبه ما انتشر من ماء الاستقاء بالدلو على متنيه بمواقع الطير على
الصَّفا إِذا زَرَقَتْ عليه. وقال الليث: المَوْقِعُ موضع لكل واقِعٍ. تقول:
إِنَّ هذا الشيء لَيَقَعُ من قلبِي مَوْقِعاً، يكون ذلك في المَسرّةِ
والمَساءةِ. والنَّسْرُ الواقِعُ: نَجْمٌ سمي بذلك كأَنه كاسِرٌ جناحَيْه من
خلفه، وقيل: سمي واقِعاً لأَنّ بِحِذائِه النَّسْرَ الطائر، فالنسرُ
الواقِعُ شامِيٌّ، والنَّسْرُ الطائرُ حَدّه ما بين النجوم الشامية واليمانية،
وهو مُعْتَرِضٌ غير مستطيل، وهو نَيِّرٌ ومعه كوكبان غامِضان، وهو بينهما
وقّاف كأَنهما له كالجناحين قد بسَطَهما، وكأَنه يكاد يطير وهو معهما
مُعْتَرِضٌ مُصْطَفّ، ولذلك جعلوه طائراً، وأَمّا الواقِعُ فهو ثلاثةُ
كواكِبُ كالأَثافي، فكوكبان مختلفان ليسا على هيئة النسر الطائر، فهما له
كالجناحين ولكنهما منضمان إِليه كأَنه طائِرٌ وقَعَ. وإِنه لواقِعُ الطيْرِ
أَي ساكِنٌ لَيِّنٌ. ووَقَعَتِ الدّوابُّ ووَقَّعَتْ: رَبَضَتْ.
ووَقَعَتِ الإِبلُ ووَقَّعَتْ: بَرَكَتْ، وقيل: وَقَّعَتْ، مشدّدة، اطمأَنت
بالأَرض بعد الريّ؛ أَنشد ابن الأَعرابي:
حتى إِذَا وَقَّعْنَ بالأَنْباتِ،
غيرَ خَفِيفاتِ ولا غِراثِ
وإِنما قال غير خفيفات ولا غِراث لأَنها قد شَبِعَتْ ورَوِيَتْ
فَثَقُلَتْ.
والوَقِيعةُ في الناس: الغِيبةُ، ووَقَعَ فيهم وُقُوعاً ووَقِيعةً:
اغْتابهم، وقيل: هو أَن يذكر في الإِنسان ما ليس فيه. وهو رجل وَقّاعٌ
ووَقّاعةٌ أَي يَغْتابُ الناسَ. وقد أَظْهَرَ الوقِيعةَ في فلان إِذا عابَهُ. وفي
حديث ابن عمر: فوَقَعَ بي أَبي أَي لامَنِي وعَنَّقَنِي. يقال: وقَعْت
بفلان إِذا لُمْتَه ووَقَعْتُ فيه إِذا عِبْتَه وذَمَمْتَه؛ ومنه حديث
طارقٍ: ذهَب رجل ليَقَعَ في خالد أَي يَذُمَّه ويَعِيبَه ويَغْتابَه.
ووَقاعِ: دائِرةٌ على الجاعِرَتَيْن أَو حيثُما كانت عن كَيٍّ، وقيل: هي
كَيّةٌ تكون بين القَرْنَيْن قَرْنَي الرأْسِ؛ قال عوفُ بن الأَحوص:
وكتُ، إِذا مُنِيتُ بخَصْمِ سَوْءٍ،
دَلَفْتُ له فأَكْوِيهِ وَقاعِ
وهذا البيت نسبه الأَزهري لقيس بن زهير. قال الكسائي: كوَيْتُه وقاعِ،
قال: ولا تكون إِلا دارةً حيث كانت يعني ليس لها موضع معلوم. وقال شمر:
كَواهُ وَقاعِ إِذا كَوَى أُمّ رأْسِه. يقال: وَقَعْتُه أَقَعُه إِذا
كَوَيْتَه تلك الكَيّةَ، ووَقَعَ في العَمَلِ وُقُوعاً: أَخذ.
وواقَعَ الأُمورَ مُواقَعةً ووِقاعاً: داناها؛ قال ابن سيده وأَرى قول
الشاعر أَنشده ابن الأَعرابي:
ويُطْرِقُ إِطْراقَ الشُّجاعِ وعِنْدَه،
إِذا عُدَّتِ الهَيْجا، وِقاعُ مُصادِفِ
إِنما هو من هذا، قال: وأَما ابن الأَعرابي فلم يفسره. والوِقاعُ:
مُواقَعةُ الرجلِ امرأَتَه إِذا باضَعَها وخالَطَها. وواقَعَ المرأَة ووَقَعَ
عليها. جامَعَها؛ قال ابن سيده: وأَراهما عن ابن الأَعرابي. والوَقائِعُ:
المنَاقِعُ؛ أَنشد ابن بري:
رَشِيفَ الغُرَيْرِيّاتِ ماءَ الوَقائِعِ
والوَقِيعُ: مناقع الماء، وقال أَبو حنيفة: الوَقِيعُ من الأَرضِ
الغليظُ الذي لا يُنَشِّفُ الماء ولا يُنْبِتُ بَيِّنُ الوَقاعةِ، والجمع
وُقُعٌ.
والوَقِيعةُ: مكان صْلْبٌ يُمْسِكُ الماء، وكذلك النُّقْرةُ في الجبل
يَسْتَنْقِعُ فيها الماءُ، وجمعها وَقائِعُ؛ قال:
إِذا ما اسْتَبالُوا الخيلَ كانتْ أَكُفُّهُمْ
وَقائِعَ للأَبْوالِ، والماءُ أَبْرَدُ
يقول: كانوا في فَلاةٍ فاسْتَبالُوا الخيلَ في أَكفهم فشربوا أَبواها من
العطش. وحكى ابن شميل: أَرضٌ وَقِيعةٌ لا تكاد تُنَشِّفُ الماءَ من
القِيعانِ وغيرها من القفافِ والجبالِ، قال: وأَمْكِنةٌ وُقُعٌ بَيِّنةُ
الوَقاعةِ، قال: وسمعت يعقوب بن مَسْلَمَةَ الأَسدِيّ يقول: أَوْقَعَتِ الروضةُ
إِذا أَمْسَكَتِ الماءَ؛ وأَنشدني فيه:
مُوقِعة جَثْجاثُها قد أَنْوَرا
والوَقِيعةُ: نُقْرةٌ في متن حجر في سَهْل أَو جبل يَسْتَنْقِعُ فيها
الماءُ، وهي تصغر وتعظم حتى تُجاوِزَ حَدَّ الوَقِيعةِ فتكون وَقِيطاً؛ قال
ابن أَحمر:
الزَّاجِرُ العِيسَ في الإِمْلِيسِ أَعْيُنُها
مِثْلُ الوَقائِعِ، في أَنْصافِها السَّمَلُ
والوَقْعُ، بالتسكين: المكان المرتفع من الجبل، وفي التهذيب: الوَقْعُ
المكان المرتفع وهو دون الجبل. الحصَى الصِّغارُ، واحدتها وَقْعةٌ.
والوَقْعُ، بالتحريك: الحجارةُ، واحدتها وَقَعةٌ؛ قال الذبياني:
بَرَى وَقَعُ الصَّوانِ حَدَّ نُسُورِها،
فَهُنَّ لِطافٌ كالصِّعادِ الذَّوائِدِ
(* قوله« الذوائد» بهامش الأصل صوابه: الذوابل.)
والتوْقِيعُ: رَمْيٌ قريب لا تُباعِدُه كأَنك تريد أَن تُوقِعَه على
شيء، وكذلك توْقِيعُ الأَرْكانِ. والتوْقِيعُ: الإِصابة؛ أَنشد ثعلب:
وقد جَعَلَتْ بَوائِقُ من أُمورٍ
تُوَقِّعُ دُونَه، وتَكُفُّ دُوني
والتَّوَقُّعُ: تَنَظُّرُ الأَمْرِ، يقال: تَوَقَّعْتُ مَجِيئَه
وتَنَظَّرْتُه. وتَوَقَّعَ الشيءَ واسْتَوْقَعَه: تَنَظَّرَه
وتَخَوَّفَه.والتوْقِيعُ: تَظَنِّي الشيءِ وتَوهُّمُه، يقال: وَقِّعْ أَي أَلْقِ
ظَنَّكَ على شيء، والتوْقِيعُ بالظنّ والكلام والرَّمْيِ يَعْتَمِدُه
ليَقَعَ عليه وَهْمُه.
والوَقْعُ والوَقِيعُ: الأَثَرُ الذي يخالفُ اللوْنَ. والتوقيعُ: سَحْجٌ
في ظهر الدابةِ، وقيل: في أَطرافِ عظامِ الدّابّةِ من الركوب، وربما
انْحَصَّ عنه الشعَرُ ونَبَتَ أَبيضَ، وهو من ذلك. والتوْقِيعُ: الدَّبَرُ.
وبعير مُوَقَّعُ الظهرِ: به آثارُ الدَّبَرِ، وقيل: هو إِذا كان به
الدَّبَرُ؛ وأَنشد ابن الأَعرابي للحكم بن عَبْدَلٍ الأَسدِيّ:
مِثْل الحِمارِ المُوَقَّعِ الظَّهْرِ، لا
يُحْسِنُ مَشْياً إِلاَّ إِذا ضُرِبا
وفي الحديث: قَدِمَتْ عليه حلمةُ فشَكَتْ إِليه جَدْبَ البلادِ، فلكم لها
خديجةَ فَأَعْطَتْها أَربعين شاةً وبعيراً مُوَقَّعاً للظَّعِينةِ؛
المُوَقَّعُ: الذي بظَهْرِه آثار الدِّبر لكثرة ما حُمِلَ عليه ورُكِبَ، فهو
ذَلُولٌ مجرّبٌ، والظَّعِينةُ: الهُوْدَجُ ههنا؛ ومنه حديث عمر، رضي الله
عنه: مَنْ يَدُلُّني على نَسِيجِ وحْدِه؟ قالوا: ما نعلمه غيرَكَ، فقال:
ما هي إِلا إِبلٌ مُوَقَّعٌ ظُهُورُها أَي أَنا مِثْلُ الإِبلِ
المُوَقَّعةِ في العيْبِ بدَبَر ظهورها؛ وأَنشد الأَزهري:
ولم يُوَقَّعْ بِرُكُوبٍ حَجَبُهْ
والتوْقِيعُ: إِصابةُ المَطر بعضَ الأَرضِ وإِخطاؤه بعضاً، وقيل: هو
إِنباتُ بعضها، دون بعض؛ قال الليث: إِذا أَصابَ الأَرضَ مطر متفرّق أَصاب
وأَخْطأَ، فذلك تَوْقِيعٌ في نَبْتِها. والتوْقِيعُ في الكتابِ: إِلْحاقُ
شيء فيه بعد الفراغِ منه، وقيل: هو مُشْتَقٌّ من التوْقِيعِ الذي هو
مخالفةُ الثاني للأَوّلِ. قال الأَزهري: تَوْقِيعُ الكاتِب في الكتاب
المَكْتُوبِ أَن يُجْمِلَ بين تَضاعِيفِ سُطُوره مَقاصِدَ الحاجة ويَحْذِفَ
الفُضُولَ، وهو مأْخوذ من تَوْقِيعِ الدَّبَرِ ظهرَ البعير، فكأَنّ المُوَقِّع
في الكتاب يُؤَثِّر في الأَمر الذي كُتِبَ الكتابُ فيه ما يُؤَكِّدُه
ويُوجبه. والتوْقِيعُ: ما يُوَقَّعُ في الكتابِ. ويقال: السُّرُورُ تَوْقِيع
جائزٌ.
ووَقَعَ الحدِيدَ والمُدْيةَ والسيفَ والنصلَ يَقَعُها وَقْعاً:
أَحَدَّها وضَرَبَها؛ قال الأَصمعي: يقالُ ذلك إِذا فعلته بين حجرين؛ قال أَبو
وجزة العسدي:
حَرَّى مُوَقَّعة ماجَ البَنانُ بها
على خِضَمٍّ، يُسَقَّى الماءَ، عجَّاجِ
أَراد بالحَرَّى المِرْماةَ العَطْشَى. ونَصْلٌ وقِيعٌ: محدّد، وكذلك
الشَّفْرةُ بغير هاء؛ قال عنترة:
وآخَرُ مِنْهُمُ أَجْرَرْتُ رُمْحِي،
وفي البَجْلِيّ مِعْبَلةٌ وقِيعُ
هذا البيت رواه الأَصمعي: وفي البَجَلِيّ، فقال له أَعرابي كان
بالمِرْبَدِ: أَخْطَأْتَ
(* قوله« أخطأت إلخ» في مادة بجل من الصحاح: وبجلة بطن من
سليم والنسبة اليهم بجلي بالتسكين، ومنه قول عنترة: وفي البجلي إلخ.) يا
شيخُ ما الذي يَجْمَعُ بين عَبْسٍ وبَجِيةَ؟ والوَقِيعُ من السيوف: ما
شُحِذَ بالحجر. وسكِّينٌ وقِيعٌ أَي حدِيدٌ وُقِعَ بالميقَعةِ، يقال: قَعْ
حَدِيدك؛ قال الشماخ:
يُباكِرْنَ العِضاه بمُقْنَعاتٍ،
نَواجِذُهُنَّ كالحَدَإِ الوَقِيعِ
ووَقَعْتُ السِّكِّينَ: أَحْدَدْتُها. وسكين مُوَقَّعٌ أَي مُحَدَّدٌ.
واسْتَوْقَعَ السيفُ: احتاجَ إِلى الشَّحْذِ.
والمِيقَعةُ: ما وُقِعَ به السيف، وقيل: المِيقَعةُ المِسَنُّ الطويل.
والتوْقِيعُ: إِقْبالُ الصَّيْقَلِ على السيف بِمِيقَعَتِه يُحَدّده،
ومِرْماةٌ مُوَقَّعةٌ. والمِيقَعُ والمِيقَعةُ، كلاهما: المِطْرَقةُ.
والوَقِيعةُ: كالمِيقَعةِ، شاذٌّ لأَنها آلة، والآلةُ إِنما تأْتي على مِفْعل؛
قال الهذلي:
رَأَى شَخْصَ مَسْعُودِ بن سَعْدٍ، بكَفِّه
حدِيدٌ حدِيثٌ، بالوَقِيعةِ مُعْتَدِي
وقول الشاعر:
دَلَفْتُ له بأَبْيَضَ مَشْرَفِيّ،
كأَنَ، على مَواقِعِه، غُبارا
يعني به مَواقِعَ المِيقَعةِ وهي المِطْرَقةُ؛ وأَنشد الجوهري لابن
حِلِّزة:
أَنْمِي إِلى حَرْفٍ مُذَكَّرةٍ،
تَهِصُ الحَصى بمَواقِعٍ خْنْسِ
ويروى: بمنَاسِمٍ مُلْسِ.
وفي حديث ابن عباس: نَزَل مع آدم، عليه السلام، المِيقَعةُ والسِّنْدانُ
والكَلْتبانِ؛ قال: المِيقَعةُ المِطْرقةُ، والجمع المَواقِع، والميم
زائدة والياء بدل من الواو قلبت لكسرة الميم. والمِيقَعةُ: خشبة القَصّارِ
التي يَدُقُّ عليها. يقال: سيف وَقِيعٌ وربما وُقِّعَ بالحجارة. وفي
الحديث: ابنُ أَخي وَقِعٌ أَي مريضٌ مُشْتَكٍ، وأَصل الوَقَعِ الحجارةُ
المحَددة.
والوَقَعُ: الحَفاءُ؛ قال رؤبة:
لا وَقَعٌ في نَعْلِه ولا عَسَمْ
والوَقِعُ: الذي يشتكي رجله من الحجارة، والحجارةُ الوَقَعُ. ووَقِعَ
الرجلُ والفرسُ يَوْقَعُ وقَعاً، فهو وَقِعٌ: حَفِيَ من الحجارة أَو الشوْك
واشتكى لحمَ قدميه، زاد الأَزهري: بعد غَسْلٍ من غِلَظِ الأَرض
والحجارة. وفي حديث أُبَيٍّ: قال لرجل لو اشتريْتَ دابة تَقِيكَ الوَقَعَ؛ هو
بالتحريك أَن تُصيب الحجارةُ القَدَمَ فتُوهِنَها. يقال: وَقِعْتُ أَوْقَعُ
وَقَعاً؛ ومنه قول أَبي المِقْدامِ واسمه جَسّاسُ ابن قُطَيْبٍ:
يا لَيْتَ لي نَعْلَيْنِ من جِلْدِ الضَّبُعْ،
وشُرُكاً مِنَ اسْتِها لا تَنْقَطِعُ،
كلَّ الحِذاءِ يَحْتَذِي الحافي الوَقِعْ
قال الأَزهري: معناه أَنَّ الحاجةَ تَحْمِلُ صاحبَها على التعلق بكل شيء
قَدَرَ عليه، قال: ونحوٌ منه قولهم الغَرِيقُ يتعلقُ بالطُّحْلُبِ.
ووقِعَتِ الدابةُ تَوْقَعُ إِذا أَصابها داء ووَجَعٌ في حافرها من وَطْء على
غِلظٍ، والغِلظ هو الذي يَبرِي حَدَّ نُسورِها، وقد وَقَّعه الحجرُ
تَوْقِيعاً كما يُسَنُّ الحديد بالحجارة. ووَقَّعَتِ الحجارةُ الحافِرُ فقطعت
سنابِكَه تَوْقِيعاً، وحافر وَقِيعٌ: وَقَعَتْه الحجارةُ فغَضَّتْ منه.
وحافر مَوْقوعٌ: مثل وَقِيعٍ؛ ومنه قول رؤْبة:
لأْم يَدُقُّ الحَجَرَ المُدَمْلَقا،
بكلِّ موْقُوعِ النُّسورِ أَخْلَقا
(* قوله« لأم إلخ» عكس الجوهري البيت في مادة دملق وتبعه المؤلف هناك.)
وقدم موْقوعةٌ: غليظةٌ شديدة؛ وقال الليث في قول رؤبة:
يَرْكَبُ قَيْناه وقِيعاً ناعِلا
الوقِيعُ: الحافرُ المحَدَّد كأَنه شُحِذَ بالأَحجار كما يُوقَعُ السيفُ
إِذا شُحِذ، وقيل: الوقِيعُ الحافرُ الصُّلْبُ، والناعِلُ الذي لا
يَحْفى كأَنَّ عليه نعْلاً. ويقال: طريق مُوَقَّعٌ مُذَلَّلٌ، ورجل مُوَقَّعٌ
مُنَجَّذٌ، وقيل: قد أَصابته البلايا؛ هذه عن اللحياني، وكذلك البعير؛
قال الشاعر:
فما مِنْكُمُ، أَفْناءَ بَكْرِ بنِ وائِلٍ،
بِغارَتِنا، إِلا ذَلُولٌ مُوَقَّعُ
أَبو زيد: يقال لغِلافِ القارورةِ الوَقْعةُ والوِقاعُ، والوِقْعةُ
للمجمع.
والواقِعُ: الذي يَنْفُرُ الرَّحى وهم الوَقَعةُ.
والوَقْعُ: السحابُ الرَّقيق، وأَهل الكوفة يسمون الفِعْل المتعدِّي
واقِعاً.
والرِيقاعُ: من إِيقاعِ اللحْنِ والغِناءِ وهو أَن يوقع الأَلحانَ
ويبنيها، وسمى الخليل، رحمه الله، كتاباً من كتبه في ذلك المعنى كتاب
الإِيقاعِ. والوَقَعةُ: بَطْنٌ من العرب، قال الأَزهري: هم حيّ من بني سعد بن بكر؛
وأَنشد الأَصمعي:
من عامِرٍ وسَلولٍ أَوْ مِنَ الوَقَعهْ
ومَوْقوعٌ: موضع أَو ماء. وواقِعٌ: فرسٌ لربيعة ابنِ جُشَمَ.