حمل الفرع على الأصل لعلة جامعة بينهما، وهو في القراءة نوعان: * قياس مطلق، وهو الذي ليس له أصل في القراءة يعتمد عليه، ومنه قياس ما لا يروى على ما روي، مثل قياس أحكام الميم المقلوبة من النون والتنوين على الميم الأصلية، وهذا هو القياس الممنوع؛ لأن القراءة سنة متبعة تعتمد على النقل والمشافهة.
* قياس يعتمد على إجماع انعقد أو أصل معتمد، فهذا لا بد منه عند الاضطرار والحاجة إليه فيما لم يرد فيه نص صريح عن أئمة القراء، وهو من قبيل نسبة الجزئي إلى الكلي ومن رد الفروع إلى الأصول، مثل ما اختير في تخفيف بعض الهمزات.
* والأصل في القراءات أنها لا تعتمد على القياس بل الاعتماد فيها على الرواية فقط، ولو خالفت القياس، وفي ذلك يقول الشاطبي (ت 590 هـ):
وما لقياسٍ في القراءة مدخل فدونك ما فيه الرضا متكفلاً.
[في الانكليزية] Syllogism
[ في الفرنسية] Syllogisme
بالكسر وتخفيف الياء هو في اللغة التقدير والمساواة. وفي عرف العلماء يطلق على معان.
منها قانون مستنبط من تتبّع لغة العرب أعني مفردات ألفاظهم الموضوعة وما في حكمها، كقولنا كلّ واو متحرّك ما قبلها تقلب ألفا ويسمّى قياسا صرفيا كما في المطول في بحث الفصاحة، ولا يخفى أنّه من قبيل الاستقراء.
فعلى هذا القانون المستنبط من تراكيب العرب إعرابا وبناء يسمّى قياسا نحويا، وربّما يسمّى ذلك قياسا لغويا أيضا، حيث ذكر في معدن الغرائب أنّ القياس اللغوي هو قياس أهل النحو العقلي هو قياس الحكمة والكلام والمنطق.
ومنها القياس اللغوي وهو ما ثبت من الواضع لا ما جعله الصرفيون قاعدة، فأبى يأبى مخالف للقياس الصرفي موافق للقياس اللغوي كذا في الأطول وذلك لأنّ القياس الصرفي أن لا يجيء من باب فتح يفتح إلّا ما كان عينه أو لامه حرف الحلق، والقياس اللغوي أن لا يجيء منه إلّا ما كان عينه أو لامه حرف الحلق سوى ألفاظ مخصوصة كأبي يأبى فهو مخالف للقياس الصرفي دون اللغوي، والمعتبر في الفصاحة الخلوّ عن مخالفة القياس اللغوي كما مرّ، ومنها قول مؤلّف من قضايا متى سلمت لزم عنها لذاتها قول آخر، كقولنا العالم متغيّر، وكلّ متغيّر حادث، فإنّه مؤلّف من قضيتين ولزم عنهما أنّ العالم حادث وهو القياس العقلي والمنطقي، ويسمّى بالدليل أيضا كما مرّ في محله. والقول الآخر يسمّى مطلوبا إن سبق منه إلى العالم ونتيجة إن سبق من القياس إليه ويسمّى بالرّدف أيضا كما في شرح إشراق الحكمة. ثم القول يطلق بالاشتراك اللفظي على اللفظ المركّب وعلى المفهوم العقلي المركّب، وكذا القياس يطلق بالاشتراك اللفظي على المعقول وهو المركّب من القضايا المعقولة وعلى الملفوظ المسموع وهو المركّب من القضايا الملفوظة.
فإطلاق القياس على الملفوظ أيضا حقيقة إلّا أنّه نقل إليه بواسطة دلالته على المعقول، وهذا الحدّ يمكن أن يجعل حدا لكلّ واحد منهما، فإن جعل حدا للقياس المعقول يراد بالقول والقضايا الأمور المعقولة، وإن جعل حدّا للمسموع يراد بهما الأمور اللفظية، وعلى التقديرين يراد بالقول الآخر القول المعقول لأنّ التلفّظ بالنتيجة غير لازم للقياس المعقول ولا للمسموع، وإنّما احتيج إلى ذكر المؤلّف لأنّ القول في أصل اللغة مصدر استعمل بمعنى المقول واشتهر في المركّب وليس في مفهومه التركيب حتى يتعلّق الجار به لغوا، فلو قيل قول من قضايا يكون تعلّق الجار به استقرارا أي كائن من قضايا فيتبادر منه أنّه بعض منها، بخلاف ما إذا قيل قول مؤلّف فإنّه يفهم منه التركيب فيتعلّق به لغوا، فلفظ المؤلّف ليس مستدركا. والمفهوم من شرح المطالع أنّ القول مشترك معنوي بينهما وأنّ التعريف للقدر المشترك حيث قال: فالقول جنس بعيد يقال بالاشتراك على الملفوظ وعلى المفهوم العقلي فكأنّه أراد بالمركّب المعنى اللغوي لا الاصطلاحي إذ ليس ذلك قدرا مشتركا بين المعقول والملفوظ، وحينئذ يلزم استدراك قيد المؤلّف. والمراد من القضايا ما فوق الواحد سواء كانتا مذكورتين أو أحدهما مقدّرة نحو فلان يتنفّس فهو حي، ولما كانت الشمس طالعة فالنهار موجود، لأنّ القياس لا يتركّب إلّا من قضيتين. وأما القياس المركّب فعدّوه من لواحق القياس على ما هو الحقّ. وقيل القياس المركّب داخل في القياس أيضا. ثم القضايا تشتمل الحمليات والــشّرطــية، واحترز بها عن القضية الواحدة المستلزمة لعكسها وعكس نقيضها فإنّها قول مؤلّف لكن لا من قضايا بل من المفردات.
لا يقال لو عني بالقضايا ما هي بالقوّة دخل القضية الــشرطــية، ولو عني ما هي بالفعل خرج القياس الشّعري، لأنّا نقول المعنى ما هي بالقوة وتخرج الــشرطــية بقولنا متى سلمت فإنّ أجزاءها لا تحتمل التسليم لوجود المانع أعني أدوات الــشرط والعناد، أو المعنى بالقضية ما يتضمّن تصديقا أو تخييلا فتخرج الــشرطــية بها، ولم نقل من مقدّمات وإلّا لزم الدور. وقولنا متى سلمت إشارة إلى أنّ تلك القضايا لا يجيب أن تكون مسلّمة في نفسها، بل لو كانت كاذبة منكرة لكن بحيث لو سلمت لزم عنها قول آخر فهي قياس، فإنّ القياس من حيث إنّه قياس يجب أن يؤخذ بحيث يشتمل الصناعات الخمس، والجدلي والخطابي والسوفطائي منها لا يجب أن تكون مقدماتها صادقة في نفس الأمر بل بحيث لو سلمت لزم عنها ما يلزم. وأمّا القياس الشعري فإنّه وإن لم يحاول الشاعر التصديق به بل التخييل لكن يظهر إرادة التصديق ويستعمل مقدّماته على أنّها مسلّمة، فإذا قال فلان قمر لأنّه حسن فهو يقيس هكذا، فلان حسن، وكلّ حسن قمر، فهو قول إذا سلم لزم عنه قول آخر، لكن الشاعر لا يقصد هذا وإن كان يظهر أنّه بهذه حتى يخيل فيرغب أو ينفر.
واعلم أنّ الوقوع واللاوقوع الذي يشتمل عليه القضية ليس من الأمور العينية لا باعتبار كون الخارج ظرفا لوجوده وهو ظاهر ولا باعتبار نفسه لأنّ الطرفين قد لا يكونان من الأمور العينية، فلزوم النتيجة في القياس إنّما هو بحسب نفس الأمر في الذهن لا بحسب الخارج. فإمّا أن يعتبر العلّية التي يشعر به لفظ عنها، فاللزوم منها من حيث العلم فإنّ التصديق بالمقدمتين على القضية المخصوصة يوجب التصديق بالنتيجة ولا يوجب تحقّقها تحقّق النتيجة، وكذا القضية الواحدة بالقياس إلى عكسها لا لزوم هاهنا بحسب العلم فضلا عن أن يكون عنها. واللزوم بمعنى الاستعقاب إذ العلم بالنتيجة ليس في زمان العلم بالقياس ولا بدّ حينئذ من اعتبار قيد آخر أيضا، وهو تفطّن كيفية الاندراج لتدخل الأشكال الثلاثة، فإنّ العلم بها يحصل من غير حصول العلم بالنتيجة. وما قيل إنّ اللزوم أعمّ من البيّن وغيره لا ينفع لأنّ التعميم فرع تحقّق اللزوم وامتناع الانفكاك، والانفكاك بين العلمين بــشرط تسليم مقدّمات القياس والاعتقاد بها، ألا يرى أنّ قياس كلّ واحد من الخصمين لا يوجب العلم بالنتيجة للآخر لعدم اعتقاده بمقدّمات قياسه، والصواب حينئذ عنه لأنّ للهيئة مدخلا في اللزوم. وأمّا أن لا تعتبر العلّية المستفادة من لفظ عنها فاللزوم بينهما من حيث التحقّق في نفس الأمر، يعني لو تحقّقت تلك القضايا في نفس الأمر تحقّق القول الآخر سواء علمها أحد أو لم يعلمها، وسواء كانت المقدّمات صادقة أو كاذبة، فإنّ اللزوم لا يتوقّف على تحقّق الطرفين. ألا يرى أنّ قولهم العالم قديم وكلّ قديم مستغن عن المؤثّر، لو ثبت في نفس الأمر يستلزم قولهم العالم مستغن عن المؤثّر، وحينئذ بمعناه أي امتناع الانفكاك وهو متحقّق في جميع الأشكال بلا ريبة ولا يحتاج إلى تقييد اللزوم بحسب العلم ولا إلى اعتبار الهيئة في اللزوم، والقضية الواحدة المستلزمة لعكسها داخلة فيه خارجة بقيد مؤلّف من قضايا وقيد لو سلمت ليس لإفادة أنّه لا لزوم على تقدير عدم التسليم بل لإفادة التعميم ودفع توهّم اختصاص التعريف بالقضايا الصادقة. فمفهوم المخالفة المستفاد عن التقييد بالــشرط غير مراد هاهنا لأنّ التقييد في معنى التعميم. وأمّا ما قال المحقّق التفتازاني في حاشية العضدي من أنّ الاستلزام في الصناعات الخمس إنّما هو على تقدير التسليم، وأمّا بدونه فلا استلزام إلّا في البرهان فوجهه غير ظاهر لأنّه إن اعتبر اللزوم من حيث العلم فلا لزوم في البرهان بدون التسليم أيضا، فإن نظر المبطل في دليل المحق لا يفيده العلم بعد التسليم، وإن اعتبر اللزوم بحسب الثبوت في نفس الأمر فهو متحقّق في الكلّ من غير التسليم كما عرفت. وقولنا لزم عنها يخرج الاستقراء والتمثيل أي من حيث إنّه استقراء أو تمثيل. أما إذا ردّ إلى هيئة القياس فاللزوم متحقّق، والسّرّ في ذلك أنّ اللزوم منوط باندراج الأصغر تحت الأوسط والأوسط تحت الأكبر في القياس الاقتراني، واستلزام المقدّم للتالي في الاستثنائي سواء كانت المقدّمات صادقة أو كاذبة، فإذا تحقّق المقدّمات المشتملة عليها تحقّق اللزوم بخلاف الاستقراء والتمثيل فإنّه لا علاقة بين تتبع الجزئيات تتبعا ناقصا وبين الحكم الكلّي إلّا ظنّ أن يكون الجزئي الغير المتتبع مثل المتتبع ولا علاقة بين الجزئيين إلّا وجود الجامع المشترك فيهما، وتأثيره في الحكم لو كانت العلّة منصوصة. ويجوز أن يكون خصوصية الأصل شرطــا أو خصوصية الفرع مانعا. وما قيل إنّه يلزم على هذا أن لا يكون الاستقراء والتمثيل من الدليل لأنّهم فسّروا الدليل بما يلزم من العلم بشيء آخر فمدفوع بأنّ للدليل عندهم معنيين: أحدهما الموصل إلى التصديق وهما داخلان فيه وثانيهما أخصّ وهو المختص بالقياس بل بالقطعي منه على ما نصّ عليه في المواقف. وبما حررنا علم أنّ القياس الفاسد الصورة غير داخلة في التعريف، ولذا أخرجوا الضروب العقيمة عن الأشكال بالشرائط. فالمغالطة ليست مطلقا من أقسام القياس بل ما هو فاسد المادة. وقولنا لذاتها أي لا يكون بواسطة مقدمة غريبة إمّا غير لازمة لإحدى المقدّمتين وهي الأجنبية أو لازمة لإحدهما وهي في قوة المذكورة، والأول كما في قياس المساواة وهو المركّب من قضيتين متعلّق محمول أولهما يكون موضوع الأخرى كقولنا: أمساو لب وب مساو لج فإنّهما يستلزمان أنّ أمساو لج لكن لا لذاتهما بل بواسطة مقدمة أجنبية، وهو أنّ كل مساوي المساوي للشيء مساو له، ولذا لا يتحقّق الاستلزام إذا قلنا أمباين لب وب مباين لج فإنّه لا يلزم أن يكون أمباين لج، وكذا إذا قلنا أنصف ب وب نصف ج لا يلزم أن تكون أنصف ج، ولعدم الاطراد في الاستلزام أخرجوه عن القياس كما أخرجوا الضروب العقيمة عنه.
والثاني كما في القياس بعكس النقيض كقولنا جزء الجوهر يوجب ارتفاعه ارتفاع الجوهر وما ليس بجوهر لا يوجب ارتفاعه ارتفاع الجوهر فإنّه يلزم منها أنّ جزء الجوهر جوهر بواسطة عكس نقيض المقدّمة الثانية، وهو قولنا كلّ ما يوجب ارتفاعه ارتفاع الجوهر فجوهر. ثم الفرق بين الاستلزام بواسطة العكس وبينه بواسطة عكس النقيض وجعل الأول داخلا في التعريف والثاني خارجا عنه لحكم، ولا يتوهّم أنّ الأشكال الثلاثة تخرج عن الحدّ لاحتياجها إلى مقدّمات غير بيّنة يثبت بها انتاجها، لأنّ تلك المقدّمات واسطة في الإثبات لا في الثبوت والمنفي في التعريف هو الثاني. وقولنا قول آخر المراد به أنّه يغاير كلّ واحد من المقدمتين فإنّه لو لم يعتبر التغاير لزم أن يكون كلّ من المقدمتين قياسا كيف اتفقتا لاستلزام مجموعهما كلّا منهما. وأيضا المقدمة موضوعة في القياس على أنّها مسلّمة، فلو كانت النتيجة أحدهما لم يحتج إلى القياس، وكلّ قول يكون كذلك لا يكون قياسا.
التقسيم
القياس قسمان لأنّه إن كانت النتيجة أو نقيضها مذكورا فيه بالفعل فهو الاستثنائي كقولنا إن كان هذا جسما فهو متحيّز لكنه جسم ينتج أنّه متحيّز، فهو بعينه مذكور في القياس، أو لكنه ليس بمتحيز ينتج أنّه ليس بجسم، ونقيضه أي قولنا أنّه جسم مذكور في القياس، وإن لم يكن كذلك فهو الاقتراني كقولنا الجسم مؤلّف وكلّ مؤلّف محدث فالجسم محدث فليس هو ولا نقيضه مذكورا فيه، سمّي به لاقتران الحدود فيه. وإنّما قيّد التعريفان بالفعل لأنّ النتيجة في الاقتراني مذكورة بالقوة فإنّ أجزاءها التي هي علّة مادّية لها مذكورة فيه ومادّة الشيء ما به يحصل ذلك الشيء بالقوة، فلو لم يقيّد بالفعل انتقض تعريف الاستثنائي طردا وتعريف الاقتراني عكسا. فإن قلت النتيجة ونقيضها ليسا مذكورين في الاستثنائي بالفعل لأنّ كلّا منهما قضية والمذكور فيه بالفعل ليس بقضية، نقول المراد أجزاء النتيجة أو نقيضها على الترتيب وهي مذكورة بالفعل. لا يقال قد بطل تعريف القياس لأنّه اعتبر فيه تغاير القول اللازم لكلّ من المقدّمات لأنّا نقول لا نسلّم أنّ النتيجة إذا كانت مذكورة في القياس بالفعل لم تكن مغايرة لكلّ من المقدّمات، وإنّما يكون كذلك لو لم تكن النتيجة جزءا لمقدّمة وهو ممنوع فإنّ المقدّمة في الاستثنائي ليس قولنا الشمس طالعة بل إن كانت الشمس طالعة فالنهار موجود. ثم الاقتراني ينقسم بحسب القضايا إلى حملي وهو المركّب من الحمليات الساذجة وشرطــي وهو المركّب من الــشرطــيات الساذجة أو منها ومن الحمليات وأقسام الــشرطــي خمس فإنّه إمّا أن يتركّب من متّصلتين أو منفصلتين أو حملية ومتّصلة أو حملية ومنفصلة أو متّصلة ومنفصلة؛ والاستثنائي ضربان: الضرب الأول ما يكون بالــشرط ويسمّى بالاستثنائي المتّصل ويسمّى المقدّمة المشتملة على الــشرط شرطــية والــشرط مقدّما والجزاء تاليا والمقدمة الأخرى استثنائية، نحو إن كان هذا إنسانا فهو حيوان لكنه إنسان فهو حيوان، ومن أنواعه قياس الخلف.
والضرب الثاني ما يكون بغير شرط ويسمّى استثنائيا منفصلا نحو الجسم إمّا جماد أو حيوان لكنه جماد فليس بحيوان.
اعلم أنّ من لواحق القياس القياس المركّب وهو قياس ركّب من مقدّمات ينتج مقدّمتان منها نتيجة وهي مع المقدّمة الأخرى نتيجة أخرى وهلمّ جرا الشيء أن يحصل المطلوب. قال المحقق التفتازاني القياس المنتج لمطلوب واحد يكون مؤلّفا بحكم الاستقراء الصحيح من مقدّمتين لا أزيد ولا أنقص، لكن ذلك القياس قد يفتقر مقدّمتاه أو أحدهما إلى الكسب بقياس آخر وكذلك إلى أن ينتهي الكسب إلى المبادي البديهية أو المسلّمة، فيكون هناك قياسات مترتّبة محصّلة للقياس المنتج للمطلوب، فسمّوا ذلك قياسا مركّبا وعدّوه من لواحق القياس انتهى. أي من لواحق القياس البسيط المذكور سابقا، فإن صرّح بنتائج تلك الأقيسة سمّي موصول النتائج لوصل تلك النتائج بالمقدّمات، كقولنا كلّ ج ب وكل ب أفكل ج أثم كل أد فكل ج د وكل د هـ فكل ج هـ، وإن لم يصرّح بنتائج تلك الأقيسة سمّي مفصول النتائج ومطويها، كقولنا كل ج ب وكل ب د وكل د أوكل أهـ فكل ج هـ. هذا كلّه خلاصة ما حقّقه المولوي عبد الحكيم في حاشية شرح الشمسية وما في شرح المطالع والعضدي وحواشيه. ومنها القياس الشرعي ويسمّيه المنطقيون والمتكلّمون تمثيلا كما في شرح الطوالع وغيره وإنّما سمّي شرعيا لأنّه من مصطلحات أهل الشرع وهو المستعمل في الأحكام الشرعية وفسّر بأنّه مساواة الفرع للأصل في علّة حكمه فأركانه أربعة: الأصل والفرع وحكم الأصل والوصف الجامع أي العلّة، وذلك لأنّه أي القياس الشرعي من أدلة الأحكام فلا بدّ من حكم مطلوب وله محلّ ضرورة والمقصود إثبات ذلك الحكم في ذلك المحلّ لثبوته في محلّ آخر يقاس هذا به، فكان هذا أي محلّ الحكم المطلوب إثباته فيه فرعا وذلك أي محلّ الحكم المعلوم ثبوته فيه أصلا لاحتياجه إليه وابتنائه عليه ولا يمكن ذلك في كلّ شيئين بل إذا كان بينهما أمر مشترك يوجب الاشتراك في الحكم ويسمّى علّة الحكم؛ وأمّا حكم الفرع فثمرة القياس فيتأخّر عنه فلا يكون ركنا، ولما أردنا بالأصل والفرع ما ذكرنا لم يلزم الدور لأنّه إنّما يلزم لو أريد بالفرع المقيس وبالأصل المقيس عليه. وبالجملة فالمراد بهما ذات الأصل والفرع والموقوف على القياس وصفا الأصلية والفرعية. ثم إنّه لا بدّ أن يعلم علّة الحكم في الأصل ويعلم ثبوت مثلها في الفرع إذ ثبوت عينها في الفرع مما لا يتصوّر لأنّ المعنى الشخصي لا يقوم بعينه بمحلّين وبذلك يحصل ظنّ مثل الحكم في الفرع وهو المطلوب. فالعلم بعلّة الحكم وثبوتها في الفرع وإن كان يقينيا لا يفيد في الفرع إلّا الظّنّ لجواز أن تكون خصوصية الأصل شرطــا للحكم أو خصوصية الفرع مانعا منه. مثاله أن يكون المطلوب ربوية الذّرة فيدلّ عليه مساواته البرّ فيما هو علّة لربوية البرّ من طعم أو قوت أو كيل فإنّ ذلك دليل على ربوية الذّرة، فالأصل البرّ والفرع الذّرة وحكم الأصل حرمة الربا في البر وحكم الفرع المثبت بالقياس حرمة الربا في الذّرة. قيل المساواة أعمّ من أن يكون في نظر المجتهد أو في نفس الأمر فالتعريف شامل للقياس الصحيح والفاسد وهو الذي لا يكون المساواة فيه في نفس الأمر. وقيل المتبادر إلى الفهم هو المساواة في نفس الأمر فيختصّ التعريف بالقياس الصحيح عند المخطّئة. وأما المصوّبة وهم القائلون بأنّ كلّ مجتهد مصيب فالقياس الصحيح عندهم ما حصلت فيه المساواة في نظر المجتهد سواء ثبت في نفس الأمر أو لا حتى لو تبيّن غلطه ووجب الرجوع عنه فإنّه لا يقدح في صحته عندهم، بل ذلك انقطاع لحكمه لدليل صحيح آخر حدث، فكان قبل حدوثه القياس الأول صحيحا، وإن زال صحته فحقّهم أن يقولوا هو مساواة الفرع للأصل في نظر المجتهد في علّة حكمه. وإذا أردنا حدّ القياس الشامل للصحيح والفاسد لم يشترط المساواة وقلنا بدلها إنّها تشبيه فرع بالأصل أي الدلالة على مشاركته أي الفرع له أي للأصل في أمر هو الشّبه والجامع فإن كان حاصلا فالتشبيه مطابق وإلّا فغير مطابق، وعلى كل تقدير فالمشبّه إمّا أن يعتقد حصوله فيصحّ في الواقع أو في نظره، وإمّا أن لا يعتقد حصوله ففاسد.
هذا ثم اعلم أنّ المراد بالمساواة أعمّ من التضمّنيّة والمصرّح بها فلا يرد أنّ الحدّ لا يتناول قياس الدلالة وهو ما لا يذكر فيه العلّة بل وصف ملازم لها كما يقال في المكره يأثم بالقتل فيجب عليه القصاص كالمكره فإنّ الإثم بالقتل لا يكون علّة لوجوب القصاص. ووجه الدفع أنّ المساواة في التأثيم دلّت على قصد الشارع حفظ النفس بهما وهو العلّة، أو يقال هذا تعريف قياس العلّة فإنّ لفظ القياس إذا أطلقناه فلا نعني به إلّا قياس العلّة ولا نطلقه على قياس الدلالة إلّا مقيّدا. قيل لا يتناول الحدّ قياس العكس فإنّه ثبت فيه نصّ حكم الأصل بنقيض علّته. مثاله قول الحنفية لمّا وجب الصيام في الاعتكاف بالنّذر وجب بغير النّذر كالصلاة فإنّها لمّا لم تجب بالنّذر لم تجب بغير النّذر، فالأصل الصلاة والفرع الصوم، والحكم في الأصل عدم الوجوب بغير نذر وفي الفرع نقيضه وهو الوجوب بغير نذر، والعلّة في الأصل عدم الوجوب بالنّذر وفي الفرع نقيضه وهو الوجوب بالنّذر. وأجيب بأنّه ملازمة والقياس لبيان الملازمة والمساواة حاصلة على التقدير، وحاصله لو لم يشترط لم يجب بالنّذر واللازم منتف، ثم بيّن الملازمة بالقياس على الصلاة فإنّها لمّا لم تكن شرطــا لم تجب بالنّذر.
ولا شكّ أنّ على تقدير عدم وجوبه بالنّذر المساواة حاصلة بينها وبين الصوم وإن لم يكن حاصلا في نفس الأمر.
واعلم أنّ القياس وإن كان من أدلّة الأحكام مثل الكتاب والسّنّة لكنّ جميع تعريفاته واستعمالاته منبئ عن كونه فعل المجتهد، فتعريفه بنفس المساواة محلّ نظر. ولذا عرّفه الشيخ أبو منصور بأنّه إبانة مثل حكم أحد المذكورين بمثل علّته في الآخر. واختيار لفظ الإبانة دون الإثبات لأنّ القياس مظهر للحكم وليس بمثبت له بل المثبت هو الله تعالى. وذكر مثل الحكم ومثل العلّة احتراز عن لزوم القول بانتقال الأوصاف. وذكر لفظ المذكورين ليشتمل القياس بين الموجودين وبين المعدومين، كقياس عديم العقل بسبب الجنون على عديم العقل بسبب الصّغر في سقوط الخطاب عنه بالعجز عن فهم الخطاب وأداء الواجب. وقيل القياس بذل الجهد في استخراج الحقّ وهو مردود ببذل الجهد في استخراج الحقّ من النّصّ والإجماع، فإنّ مقتضاهما قد لا يكون ظاهرا فيحتاج إلى اجتهاد في صيغ العموم والمفهوم والإيماء ونحو ذلك. وقيل القياس الدليل الواصل إلى الحقّ وهو مردود أيضا بالنّصّ والإجماع. وقيل هو العلم عن نظر ورد بالعلم الحاصل عن النظر في نصّ أو إجماع، وفيه أنّ العلم ثمرة القياس لا هو وقال أبو هاشم هو حمل الشيء على غيره بإجراء حكمه عليه وهو منقوض بحمل بلا جامع فيحتاج إلى قيد الجامع. وقال القاضي أبو بكر هو حمل معلوم على معلوم في إثبات الحكم لهما أو نفيه عنهما بأمر جامع بينهما من إثبات حكم أو صفة أو نفيهما. فقوله معلوم يشتمل الموجود والمعدوم، ولو قال شيء على شيء لاختصّ بالموجود. وقوله في إثبات حكم لهما أو نفيه عنهما ليتناول القياس في الحكم الوجودي والحكم العدمي. وقوله بأمر جامع إلى آخره إشارة إلى أنّ الجامع قد يكون حكما شرعيا إثباتا أو نفيا، ككون القتل عدوانا أو ليس بعدوان، وقد يكون وصفا عقليا إثباتا أو نفيا ككونه عمدا أو ليس بعمد. ردّ عليه بأنّ الحمل ثمرة القياس لا نفسه، وإنّ قيد جامع كاف في التمييز ولا حاجة إلى تفصيل الجامع.
وإن شئت الزيادة فارجع إلى العضدي وحواشيه.
اعلم أنّ أكثر هذه التعاريف يشتمل دلالة النّصّ فإنّ بعض الحنفية وبعض الشافعية ظنّ أنّ دلالة النّصّ قياس جلي، لكن الجمهور منهم على الفرق بينهما. ولهذا عرّف صاحب التوضيح القياس بأنّه تعدية الحكم من الأصل إلى الفرع بعلّة متّحدة لا تدرك بمجرّد اللّغة، والتعدية إثبات حكم مثل حكم الأصل في الفرع. وقوله لا تدرك بمجرّد اللغة احتراز عن دلالة النّصّ.
التقسيم
القياس تلحقه القسمة باعتبارين. الأول باعتبار العلّة إلى قياس علّة وقياس دلالة وقياس في معنى الأصل: فالأول هو القياس الذي ذكر فيه العلّة. والثاني أي قياس الدلالة ويسمّى بقياس التلازم أيضا هو الذي لا يذكر فيه العلّة بل وصف ملازم لها كما لو علّل في قياس النبيذ على الخمر برائحته المشتدّة. وحاصله إثبات حكم في الفرع وهو حكم آخر يوجبهما علّة واحدة في الأصل فيقال ثبت هذا الحكم في الفرع لثبوت الآخر فيه وهو ملازم له، فيكون القائس قد جمع بأحد موجبي العلّة في الأصل لوجوده في الفرع بين الأصل والفرع في الموجب الآخر لملازمته الآخر، ويرجع إلى الاستدلال بأحد الموجبين على العلّة وبالعلّة على الموجب الآخر. لكن يكتفي بذكر موجب العلّة عن التصريح بها. ففي المثال المذكور الحكم في الفرع هو التحريم وهو حكم آخر وهو الرائحة يوجبهما علّة واحدة هي الإسكار في الخمر، فيقال ثبت التحريم في النبيذ لثبوت الرائحة فيه، وهو أي الحكم الآخر الذي هو الرائحة ملازم للأول الذي هو التحريم فيكون القائس قد جمع بالرائحة التي يوجبها الإسكار في الخمر لوجودها في النبيذ بين الخمر والنبيذ في التحريم الذي هو حكم آخر يوجبه الإسكار على الإسكار، وبالإسكار على التحريم الذي هو أيضا ممّا يوجبه الإسكار، لكن قد اكتفى بذكر الرائحة عن التصريح بالإسكار. والثالث أي القياس في معنى الأصل ويسمّى بتنقيح المناط أيضا هو أن يجمع بين الأصل والفرع بنفي الفارق أي بمجرّد عدم الفارق من غير تعرّض لوصف هو علّة، وإذا تعرّض للعلّة وكان عدم الفارق قطعيا كان قياسا جليا كما إذا كان ظنيا كان خفيا، ومثاله ورد في لفظ التنبيه. والثاني باعتبار القوة إلى جلي وخفي. فالقياس الجليّ ما علم فيه نفي الفارق بين الأصل والفرع قطعا كقياس الأمة على العبد في أحكام العتق كالتقويم على معتق الشّقص، وإنّا نعلم قطعا أنّ الذكورة والأنوثة مما لا يعتبره الشارع وأن لا فارق إلّا ذلك، والخفي بخلافه، وهو ما يكون نفي الفارق فيه مظنونا كقياس النبيذ على الخمر في الحرمة إذ لا يمتنع أن يكون خصوصية الخمر معتبرة، ولذلك اختلف فيه. هكذا في العضدي. وفي التوضيح القياس الجليّ هو الذي يسبق إليه الإفهام والخفي بخلافه ويسمّى بالاستحسان أيضا. والجليّ له قسمان: الأول ما ضعف أثره، والثاني ما ظهر فساده وخفي صحته. والخفي أيضا له قسمان: الأول ما قوي أثره والثاني ما ظهر صحته وخفي فساده، وله تفصيل طويل الذيل لا يليق إيراده هاهنا.