والجَرَنْدَقُ: شاعِرٌ.
والجَرَنْدَقُ: شاعِرٌ.
صدق: الصِّدْق: نقيض الكذب، صَدَقَ يَصْدُقُ صَدْقاً وصِدْقاً
وتَصْداقاً. وصَدَّقه: قَبِل قولَه. وصدَقَه الحديث: أَنبأَه بالصِّدْق؛ قال
الأَعشى:
فصدَقْتُها وكَذَبْتُها،
والمَرْءُ يَنْفَعُه كِذابُهْ
ويقال: صَدَقْتُ القومَ أي قلت لهم صِدْقاً، وكذلك من الوعيد إذا أَوقعت
بهم قلت صَدَقْتُهم. ومن أَمثالهم: الصِّدقُ ينبئُ عنك لا الوَعِيد.
ورجل صَدُوقٌ: أبلغ من الصادق. وفي المثل: صَدَقَني سِنَّ بَكْرِه؛ وأَصله
أن رجلاً أَراد بيع بَكْرٍ له فقال للمشتري: إنه جمل، فقال المشتري: بل
هو بَكْرٌ، فينما هما كذلك إذ ندَّ البكر فصاح به صاحِبُه: هِدَعْ وهذه
كلمة يسكَّن بها صغار الإبل إذا نفرت، وقيل: يسكن بها البَكارة خاصَّة،
فقال المشتري: صدقَني سِنَّ بَكْرِه. وفي حديث علي، رضي الله عنه:
صَدَقَني سِنَّ بَكْرِه.؛ وهو مثل يضرب للصادق في خبره. والمُصَدِّقُ: الذي
يُصَدِّقُك في حديثك. وكَلْبٌ تقلب الصاد مع القاف زاياً، تقول ازْدُقْني أي
اصْدُقْني، وقد بيَّن سيبويه هذا الضرب من المضارعة في باب الإدغام.
وقوله تعالى: لِيَسْأَلَ الصَّادِقينَ عن صِدْقِهم؛ تأْويله ليسأل
المُبَلِّغين من الرسل عن صِدْقِهم في تبليغهم، وتأْويل سؤالهم التبكيتُ للذين
كفروا بهم لأن الله تعالى يعلم أَنهم صادِقُون. ورجل صِدْقٌ وامرأَة صِدْقٌ:
وُصِفا بالمصدر، وصِدْقٌ صادِقٌ كقولهم شِعْرٌ شاعِرٌ، يريدون المبالغة
والإشارة. والصِّدِّيقُ، مثال الفِسَّيق: الدائمُ التَّصْدِيقِ، ويكون
الذي يُصَدِّقُ قولَه بالعمل؛ ذكره الجوهري، ولقد أَساء التمثيل بالفِسِّيق
في هذا المكان. والصِّدِّيقُ: المُصَدِّقُ. وفي التنزيل: وأُمُّه
صِدِّيقةٌ أي مبالغة في الصِّدْق والتَّصْديِقِ على النسب أي ذات تَصْدِيق.
وقوله تعالى: والذي جاء بالصِّدْقِ وصَدَّق به. روي عن علي بن أبي طالب،
رضوان الله عليه، أنه قال: الذي جاء بالصِّدْق محمدٌ، صلى الله عليه وسلم،
والذي صَدَّقَ به أَبو بكر، رضي الله عنه، وقيل: جبرئيل ومحمد، عليهما
الصلاة والسلام، وقيل: الذي جاء بالصدق محمدٌ، صلى الله عليه وسلم، وصَدَّقَ
به المؤمنون. الليث: كل من صَدَّقَ بكل أَمر الله لا يَتخالَجُه في شيء
منه شكٌّ وصَدَّقَ النبي، صلى الله عليه وسلم، فهو صِدِّيقٌ، وهو قول الله
عز وجل: والصِّدِّيقون والشُّهَداء عند ربهم. والصِّدِّيقُ: المبالغ في
الصِّدْق. وفلان لا يَصْدُق أَثَرُهُ وأَثَرَهَ كَذِباً أي إذا قيل له من
أين جئت قال فلم يَصْدُقْ.
ورجلٌ صَدْقٌ: نقيض رجل سَوْءٌ، وكذلك ثوبٌ صَدْقٌ وخمار صَدْقٌ؛ حكاه
سيبويه. ويقال: رجُلُ صِدْقٍ، مضاف بكسر الصاد، ومعناه نِعم الرجل هو،
وامرأَةُ صِدْقٍ كذلك، فإن جعلته نعتاً قلت هو الرجل الصَّدْقُ، وهي
صَــدْقةٌ، وقوم صَدْقون ونساء صَدْقات؛ وأَنشد:
مَقْذوذة الآذانِ صَدْقات الحَدَقْ
أي نافذات الحدق؛ وقال رؤبة يصف فرساً:
والمراي الصدق يبلي الصدقا
(* قوله «المراي الصدق إلخ» هكذا في الأصل، وفي نسخة المؤلف من شرح
القاموس: والمري إلخ).
وقال الفراء في قوله تعالى: ولقد صَدَقَ عليهم إبليسُ ظَنَّه؛ قرئ
بتخفيف الدال ونصْبِ الظن أَي صَدَقَ عليهم في ظنه، ومن قرأَ: ولقد صَدَّقَ
عليهم إبليسُ ظنَّه؛ فمعناه أَنه حقق ظنه حين قال: ولأُضِلَّنَّهم
ولأُمَنِّيَنَّهم، لأنه قال ذلك ظانّاً فحققه في الضالين. أَبو الهيثم: صَدَقَني
فلانٌ أي قال لي الصِّدْقَ، وكَذَبَني أي قال لي الكذب. ومن كلام العرب:
صَدَقْتُ الله حديثاً إن لم أَفعل كذا وكذا؛ المعنى لا صَدَقْتُ اللهَ
حديثاً إن لم أَفعل كذا وكذا.
والصَّداقةُ والمُصادَقةُ: المُخالّة. وصَدَقَه النصيحةَ والإخاء:
أَمْحَضه له. وصادَقْتُه مُصادَقةً وصِداقاً: خالَلْتُه، والاسم الصَّداقة.
وتصادَقا في الحديث وفي المودّة، والصَّداقةُ مصدر الصَّدِيق، واشتقاقُه
أَنه صَدَقَه المودَّة والنصيحةَ. والصَّدِيقُ: المُصادِقُ لك، والجمع
صُدَقاء وصُدْقانٌ وأَصْدِقاء وأَصادِقُ؛ قال عمارة بن طارق:
فاعْجَلْ بِغَرْبٍ مثل غَرْبِ طارِقِ،
يُبْذَلُ للجيرانِ والأصادِقِ
وقال جرير:
وأَنْكَرْتَ الأصادِقَ والبلادا
وقد يكون الصَّدِيقُ جمعاً وفي التنزيل: فما لنا من شافِعين ولا صَديقٍ
حَميم؛ ألا تراه عطفه على الجمع؟ وقال رؤبة:
دعْها فما النَّحْويُّ من صَدِيِقها
والأُنثى صديق أَيضاً؛ قال جميل:
كأنْ لم نُقاتِلْ يا بُثَيْنُ لَوَ انَّها
تُكَشَّفُ غُمَاها، وأنتِ صَديق
وقال كُثَيّر فيه:
لَيالَي من عَيْشٍ لَهَوْنا بِوَجْهِه
زَماناً، وسُعْدى لي صَدِيقٌ مُواصِلُ
وقال آخر:
فلو أَنَّكِ في يوم الرَّخاء سَأَلْتِني
فِراقَكَ، لم أَبْخَلْ، وأنتِ صَدِيقُ
وقال آخر في جمع المذكر:
لعَمْري لَئِنْ كُنْتْم على النَّأْيِ والنَّوى
بِكُم مِثْلُ ما بي، إِنّكم لَصَدِيقُ
وقيل صَدِيقةٌ؛ وأَنشد أَبو زيد والأَصمعي لَقَعْنَب بن أُمّ صاحب:
ما بالُ قَوْمٍ صَدِيقٍ ثمَّ ليس لهم
دِينٌ، وليس لهم عَقْلٌ إِذا ائْتُمِنوا؟
ويقال: فلان صُدَيِّقِي أَي أَخَصُّ أَصْدِقائي وإِنما يصغر على جهة
المدح كقول حباب بن المنذر: أَنا جُذَيْلُها المُحَكَّك وعُذَيْقُها
المُرَجَّب؛ وقد يقال للواحد والجمع والمؤنث صَدِيقٌ؛ قال جرير:
نَصَبْنَ الهَوى ثم ارْتَمَيْنَ قُلوبَنا
بأَعْيُنِ أَعْداءٍ، وهُنَّ صَدِيقُ
أَوانِس، أَمّا مَنْ أَرَدْنَ عناءَه
فعانٍ، ومَنْ أَطْلَقْنه فطَلِيقُ
وقال يزيد بن الحكم في مثله:
ويَهْجُرْنَ أََقْواماً، وهُنَّ صَدِيقُ
والصَّدْقُ: الثَّبْتُ اللقاء، والجمع صُدْق، وقد صَدَقَ اللقاءَ
صَدْقاً؛ قال حسان بن ثابت:
صلَّى الإِلهُ على ابنِ عَمْروٍ إِنِّه
صَدَقَ اللِّقاءَ، وصَدْقُ ذلك أَوفقُ
ورجل صَدْقُ اللقاء وصَدْقُ النظر وقوم صُدْقٌ، بالضم: مثل فرس وَرْدٌ
وأَفراس وُرْدٌ وجَوْن وجُون. وصَدَقُوهم القِتالَ: أَقدموا عليهم،
عادَلُوا بها ضِدَّها حين قالوا كَذَبَ
عنه إِذا أَحجم، وحَمْلةٌ صادِقةٌ كما قالوا ليست لها مكذوبة؛ فأَما
قوله:
يَزِيد زادَ الله في حياته،
حامِي نزارٍ عند مَزْدُوقاتِه
فإِنه أَراد مَصْدُوقاتِهِ فقلب الصاد زاياً لضرب من المضارعة. وصَدَقَ
الوَحْشِي إِذا حملت عليه فعدا ولم يلت،ت. وهذا مِصْداقُ هذا أَي ما
يُصَدِّقُه. ورجل ذو مَصْدَقٍ، بالفتح، أَي صادقُ الحَمْلِة، يقال ذلك
للشجاع والفرسِ
الجَوادِ، وصادِقُ الجَرْي: كأَنه ذو صِدْقٍ فيما يَعِدُكَ من ذلك؛ قال
خفاف ابن ندبة:
إِذا ما استْحَمَّتْ أَرْضُه من سَمائِهِ
جَرى، وهو مَوْدوعٌ وواعِدُ مَصْدَقِ
يقول: إِذا ابتلَّت حوافره من عَرق أَعاليه جرى وهو متروك لا يُضرب ولا
يزجر ويصدقك فيما يعدك البلوغ إلى الغاية؛ وقول أَبي ذؤيب:
نَماه من الحَيَّيْنِ قرْدٌ ومازنٌ
لُيوثٌ، غداةَ البَأْس، بيضٌ مَصادِقُ
يجوز أَن يكون جمع صَدْق على غير قياس كمَلامح ومَشابِه، ويجوز أَن يكون
على حذف المضاف أَي ذو مَصادِق فحذف، وكذلك الفرس، وقد يقال ذلك في
الرأْي. والمَصْدَق أَيضاً: الجِدُّ، وبه فسر بعضهم قول دريد:
وتُخْرِجُ منه ضَرَّةُ القومِ مَصْدَقاً،
وطُولُ السُّرى دُرِّيَّ عَضْبٍ مُهَنَّدِ
ويروى ذَرِّيّ. والمَصْدَق: الصلابة؛ عن ثعلب. ومِصْداق الأَمر:
حقيقتُه.والصَّدْق، بالفتح: الصلب من الرماح وغيرها.
ورمح صَدْقٌ: مستوٍ، وكذلك سيف صَدْق؛ قال أَبو قيس بن الأَسلت السلمي:
صَدْقٍ حُسامٍ وادقٍ حَدُّه،
ومُحْنإٍ أَسْمَرَ قرَّاعِ
قال ابن سيده: وظن أَبو عبيد الصَّدْقَ في هذا البيت الرمحَ فغلط؛ وروى
الأَزهري عن أَبي الهيثم أَنه أَنشده لكعب:
وفي الحِلْم إِدْهانٌ، وفي العَفُو دُرْسةٌ،
وفي الصِّدْق مَنْجاةٌ من الشرِّ، فاصْدُقِ
قال: الصِّدْقُ ههنا الشجاعة والصلابة؛ يقول: إِذا صَلُبْت وصَدَقْت
انهزم عنك من تَصْدُقه، وإِن ضعفت قَوي عليك واستمكن منك؛ روى ابن بري عن
ابن درستويه قال: ليس الصِّدق من الصلابة في شيء، ولكن أَهل اللغة أَخذوه
من قول النابغة:
في حالِك اللَّوْن صَدْق غير ذي أمَد
قال: وإِنما الصِّدْقُ الجامع للأَوصاف المحمودة، والرمح يوصف بالطول
واللين والصلابة ونحو ذلك. قال الخليل: الصَّدْقُ الكامل من كل شيء. يقال:
رجل صَدْقٌ وامرأَة صَــدْقة؛ قال ابن درستويه؛ وإِنما هذا بمنزلة قولك رجل
صَدْقٌ وامرأَة صَدْقٌ، فالصَّدْق من الصِّدْق بعينه، والمعنى أَنه
يَصْدُق في وصفه من صلابة وقوة وجودة، قال: ولو كان الصِّدْق الصُّلْبَ لقيل
حجر صَدْقٌ وحديد صَدْق، قال: وذلك لا يقال.
وصَدَقاتُ
الأَنعامِ: أَحدُ أَثمان فرائضها التي ذكرها الله تعالى في الكتاب.
والصَّــدَقة: ما تصَدَّقْت به على للفقراء . والصَّــدَقة: ما أَعطيته في ذات
الله للفقراء. والمُتَصَدِّق: الذي يعطي الصِّــدَقَةَ. والصَّــدَقة: ما
تصَدَّقْت به على مسكين، وقد تَصَدَّق عليه، وفي التنزيل: وتَصَدَّقْ علينا،
وقيل: معنى تصدق ههنا تفَضَّلْ بما بين الجيّد والرديء كأَنهم يقولون اسمح
لنا قبولَ
هذه البضاعة على رداءتها أَو قلَّتها لأَن ثعلب فسر قوله تعالى: وجِئْنا
بِبضاعةٍ مُزْجاةٍ
فأَوْفِ لنا الكيلَ وتَصَدَّقْ علينا، فقال: مزجاة فيها اغماض ولم يتم
صلاحُها، وتَصَدَّقْ علينا قال: فَضِّل ما بين الجيّد والرديء. وصَدَّق
عليه: كتَصَدَّق، أَراه فَعَّل في معنى تَفَعَّل. والمُصَدِّق: القابل
للصَّــدقة، ومررت برجل يسأَل ولا تقل برجل يَتَصَدَّق، والعامة تقوله، إِنما
المُتَصَدِّق الذي يعطي الصَّــدَقة. وقوله تعالى: إِن المُصَّدِّقِين
والمُصَّدَّقات، بتشديد الصاد، أَصله المُتَصَدِّقِين فقلبت التاء صاداً
فأُدغمت في مثلها؛ قال ابن بري: وذكر ابن الأَنباري أَنه جاء تَصَدَّق بمعنى
سأَل؛ وأَنشد:
ولَوَ انَّهم رُزِقُوا على أَقْدارِهِم،
لَلَقِيتَ أَكثَر مَنْ تَرى يَتَصَدَّقُ
وفي الحديث لما قرأ: ولتنظُرْ
نفسٌ ما قدَّمت لِغدٍ، قال: تصَدَّق رجل من دينارِه ومن دِرْهمِه ومن
ثوبه أَي ليتصدق، لفظه الخبر ومعناه الأَمر كقولهم أَنجز حُرٌّ ما وعد أَي
ليُنْجِزْ.
والمُصَدِّقُ: الذي يأْخذ الحُقوقَ من الإِبل والغنم. يقال: لا تشترى
الصــدَقَةُ حتى يَعْقِلَها المُصَدِّقُ أَي يقبضها، والمعطي مُتَصَدِّق
والسائل مُتَصَدِّق هما سواء؛ قال الأَزهري: وحُذَّاق النحويين ينكرون أَن
يقال للسائل مُتَصَدِّق ولا يجيزونه؛ قال ذلك الفراء والأَصمعي وغيرهما.
والمُتصَدِّق: المعطي؛ قال الله تعالى: وتَصَدَّقْ
علينا إِنَّ الله يَجْزِي المُتَصَدِّقِين، ويقال للذي يقبض الصَّدَقات
ويجمعها لأَهل السُّهْمان مُصَدِّق، بتخفيف الصاد، وكذلك الذي ينسب
المُحدِّث إِلى الصِّدْق مُصَدِّق، بالتخفيف قال الله تعالى: أَئِنَّك لمن
المُصَدِّقِين، الصاد خفيفة والدال شديدة، وهو من تَصْديِقِك صاحِبَك إِذا
حدَّثك؛ وأَما المُصَّدِّق، بتشديد الصاد والدال، فهو المُتَصَدِّق أُدغمت
التاء في الصاد فشددت. قال الله تعالى: إِنَّ المُصَّدِّقِينَ
والمُصَّدِّقاتِ وهم الذين يُعْطون الصَّدَقات. وفي حديث الزكاة: لا تُؤْخَذُ في
الصَّــدَقةِ هَرِمةٌ ولا تَيْسٌ إِلاَّ أَن يشاءَ المُصَدَّقُ؛ رواه أَبو
عبيد بفتح الدال والتشديد، يُرِيد صاحبَ الماشية الذي أُخذت صَــدقةُ ماله،
وخالَفه عامة الرُّواة فقالوا بكسر الدال، وهو عامل الزكاة الذي
يستوفيها من أَربابها، صَدَّقَهم يُصَدِّقُهم، فهو مُصَدِّقٌ؛ وقال أَبو موسى:
الرواية بتشديد الصاد والدال معاً وكسر الدال، وهو صاحب المال، وأَصله
المُتَصَدِّق فأُدغمت التاء في الصاد، والاستثناءُ
من التَّيْسِ خاصة، فإِنَّ الهَرِمة وذات العُوَّار لا يجوز أَخذها في
الصــدقة إِلاَّ أَن يكون المال كله كذلك عند بعضهم، وهذا إِنما يتجه إِذا
كان الغرض من الحديث النهي عن أَخذ التيس لأَنه فحل المَعَز، وقد نهي عن
أَخذ الفحل في الصــدقة لأَنه مُضِرٌّ برَبِّ المال لأَنه يَعِزُّ عليه
إِلاَّ أَن يسمح به فيؤْخذ؛ قال ابن الأَثير: والذي شرحه الخطابي في المعالم
أَن المُصَدِّق، بتخفيف الصاد، العاملُ وأَنه وكيل الفقراء في القبض فله
أَن يتصرف بهم بما يراه مما يؤَدِّي إِليه اجتهاده. والصَّــدَقةُ
والصَّــدُقةُ والصُّــدُقةُ والصُّــدْقةُ، بالضم وتسكين الدال، والصَّــدْقةُ
والصَّداقُ
والصِّداقُ: مهر المرأَة، وجمعها في أَدنى العدد أَصْــدِقةٌ، والكثير
صُدُقٌ، وهذان البناءَ ان إِنما هما على الغالب. وقد أَصْدَق المرأَةَ حين
تزوَّجها أَي جعل لها صَداقاً، وقيل: أَصْدَقَها سمَّى لها صَداقاً. أَبو
إِسحق في قوله تعالى: وآتوا النساءَ صَدُقاتِهنَّ نِحْلةً؛ الصَّدُقات
جمع الصَّــدُقةِ، ومن قال صُــدْقة قال صُدْقاتِهنَّ، قال: ولا يقرأُ من هذه
اللغات بشيء إِن القراءَة سنَّة. وفي حديث عمر، رضي الله عنه: لا تُغالُوا
في الصَّدُقاتِ؛ هي جمع صَــدُقة وهو مهر المرأَة؛ وفي رواية: لا تُغالُوا
في صُدُق النساء، جمع صَداقٍ. وفي الحديث: وليس عند أَبَوَيْنا ما
يُصْدِقانِ عَنَّا أَي يُؤدِّيانِ إِلى أَزواجنا الصَّداقَ.
والصَّيْدَقُ، على مثال صَيْرف: النجمُ الصغير اللاصق بالوُسْطَى من
نبات نعش الكبرى؛ عن كراع، وقال شمر: الصَّيْدقُ الأَمِينُ؛ وأَنشد قول
أُمية:
فيها النجومُ تُطِيعُ غير مُراحةٍ،
ما قال صَيْدَقُها الأَمِينُ الأَرْشَدُ
وقال أَبو عمرو: الصَّيْدَقُ القطب، وقيل المَلِك، وقال يعقوب: هي
الصُّنْدوق والجمع الصَّنادِيق.
دقق: الدَّقُّ: مصدر قولك دَقَقْت الدَّواءَ أَدُقُّه دقّاً، وهو
الرَّضُّ. والدَّقُّ: الكَسر والرَّضُّ في كل وجه، وقيل: هو أَن تضرب الشيءَ
بالشيء حتى تَهْشِمَه، دَقَّة يَدُقُّه دَقّاً ودقَقْتُه فانْدَقَّ.
والتَّدْقيقُ: إنعامُ الدَّقّ. والمِدَقُّ والمِــدَقَّةُ والمُدُقُّ: ما دقَقْتَ
به الشيءَ؛ قال سيبويه: وقالوا المُدُقُّ لأَنهم جعلوه اسماً له
كالجُلْمُود، يعني أَنه لو كان على الفعل لكان قياسه المِدَقَّ أو المِــدَقَّة
لأنه مما يُعتمل بها، وهو أَحد ما جاء من الأدوات التي يُعتمل بها على
مُفعُل بالضم؛ قال العجاج يصف الحِمار والأُتُن:
يَتْبَعْنَ جأْباً كَمُدُقِّ المِعْطِيرْ
يعني مِدْوَكَ العَطّار، حَسِب أَنه يُدَقُّ به، وتصغيره مُدَيْق،
والجمع مَداقُّ. التهذيب: والمُدق حجر يُدّق به الطيب، ضمّ الميم لأنه جعل
اسماً، وكذلك المُنْخُل، فإذا جعل نعتاً رُدَّ إلى مِفْعل؛ وقول رؤبة أَنشده
ابن دريد:
يَرْمي الجَلامِيدَ بِجُلْمُود مِدَقّْ
استشهد به على أن المِدقّ ما دققت به الشيء، فإن كان ذلك فمدق بدل من
جلمود، والسابقُ إليّ من هذا أنه مِفعل من قولك حافز مدَق أَي يدُقُّ
الأشياء، كقولك رجل مِطْعَن، فإن كان كذلك فهو هنا صفة لجلمود؛ قال الأزهري:
مُدُقٌّ وأَخواته وهي مُسْعُط ومُنخل ومُدْهُن ومُنْصُلٌ ومُكْحُلةٌ جاءت
نوادِرَ، بضم الميم، وموضع العين من مفعلُ، وسائر كلام العرب جاء على
مِفْعل ومفْعلة فيما يعتمل به نحو مِخْرَز ومِقْطَع ومِسَلّة وما
أَشبهها.وفي حديث عطاء في الكَيل قال: لا دقّ ولا زَلْزَلةَ؛ هو أن يَدُقَّ ما
في الميكال من المَكيال حتى يَنْضَمَّ بعضُه إلى بعض.
والدَّقّاقةُ: شيء يُدَقُّ به الأَرزُّ.
والدَّقوقةُ والدَّواقُّ: البقر والحمر التي تَدُوس البُرَّ.
والدُّقاقةُ والدُّقاقُ: ما انْدَقَّ من الشيء، وهو التراب اللَّيِّن
الذي كَسَحَته الريح من الأرض. ودُقَقُ التراب: دُقاقهُ، واحدتها دُقَّة؛
قال رؤبة:
تَبْدو لنا أَعْلامُه بَعْدَ الغَرَقْ،
في قِطَعِ الآلِ وهَبْوات الدُّقَقْ
والدُّقاقُ: فُتات كل شيء دُقَّ. والــدُّقَّةُ والدُّقَقُ: ما تَسْهَك به
الريح من الأرض؛ وأنشد:
بساهِكاتٍ دُقَقٍ وجَلْجالْ
وفي مناجاة موسى، على نبينا وعليه الصلاة والسلام: سَلْنِي حتى
الــدُّقّة؛ هي بتشديد القاف: المِلح المدقوق. وهي أَيضاً ما تسحَقه الريح من
التراب. والــدّقّةُ: مصدر الدَّقِيق، تقول: دَقَّ الشيء يدِقّ دِقّة، وهو على
أَربعة أنحاء في المعنى.
والدَّقِيقُ: الطحين. والرجل القليل الخير هو الدَّقِيق. والدَّقِيق:
الأمر الغامض. والدقيق: الشيء لا غِلَظَ له. وأَهل مكة يسمّون توابِل
القِدْر كلها دُقّة؛ ابن سيده: الــدُّقّة التّوابل وما خُلط به من الابزار نحو
القِزْح وما أَشبهه. والــدُّقة: الملح وما خلط به من الأبزار، وقيل: الــدقة
الملح المدقوق وحده. وما له دُقة أَي ما له مِلْح. وامرأَة لا دُقة لها
إذا لم تكن مَلِيحة. وإن فلانة لقليلة الــدقة إذا لم تكن مليحة، وقال
كراع: رجل دَقِمٌ مَدْقوق الأسنان على المثَل مشتقّ من الدقِّ، والميم زائدة،
وهذا يبطله التصريف.
والدِّقُّ: كل شيء دَقَّ وصغُر؛ تقول: ما رَزأْتُه دِقّاً ولا جِلاًّ.
والدِّقُّ: نقيض الجِلِّ، وقيل: هو صغاره دون جَلّه وجِلّه، وقيل: هو
صغاره ورَدِيئه، شيء دِقٌّ ودَقِيق ودُقاق. ودِقُّ الشجر: صغاره، وقيل:
خِساسه. وقال أَبو حنيفة: الدِّق ما دَقّ على الإبل من النبت ولانَ فيأْكله
الضعيف من الإبل والصغير والأَدْرَد والمريض، وقيل: دِقُّه صغار ورَقه؛ قال
جُبِيْها الأَشجعي:
فلو أَنَّها قامَتْ بِظِنْبٍ مُعَجَّمٍ،
نَفَى الجَدْبُ عنه دِقّه، فهو كالِحُ
(* قوله «بظنب إلخ» هذا البيت أوردوه شاهداً على الظنب بالكسر أصل
الشجرة، ووقع في مادة بجج بطاء مهملة مضمومة في البيت وتفسيره وهو خطأ).
ورواه ابن دريد:
فلو أَنها طافت بنَبْتٍ مُشَرْشَرٍ،
نفى الدِّقَّ عنه جَدْبُه، فهو كالحُ
المُشرشَر: الذي قد شَرْشَرتْه الماشية أَي أَكلته. والدَّقيق:
الطِّحْن. والدَّقِيقيُّ: بائع الدقيق. قال سيبويه: ولا يقال دَقّاق. ورجلْ
دَقِيقٌ بيِّن الدِّقّ: قليل الخير بخيل؛ قال:
وإن جاءكم مِنّا غَرِيبٌ بأَرضكم،
لَوَيْتُم له، دِقّاً، جُنوبَ المَناخرِ
وشيء دَقِيق: غامض. والدّقيق: الذي لا غِلظَ له خلاف الغليظ، وكذلك
الدُّقاقُ بالضم. والدِّق، بالكسر، مثله، ومنه حُمّى الدِّقّ. قال ابن بري:
الفرق بين الدَّقيق والرّقِيق أَن الدقِيق خلاف الغليظ، والرّقيق خلافل
الثَّخين، ولهذا يقال حَساء رَقيق وحَساء ثخين، ولا يقال فيه حساء دقيق.
ويقال: سيف دقيق المَضْرِب، ورُمْح دَقِيق، وغُصن دقيق كما تقول رُمح غليظ
وغصن غليظ، وكذلك حبل دقيق وحبل غليظ، وقد يُوقَع الدّقيق من صفة الأمر
الحقير الصغير فيكون ضدّه الجليل؛ قال الشاعر:
فإنَّ الدَّقِيقَ يهِيجُ الجَلِيلَ،
وإنَّ الغَرِيب إذا شاء ذَلْ
وفي حديث معاذ قال: اسْتَدِقَّ الدنيا واجْتَهِد رأْيَك أَي احْتقِرها
واستصغِرْها، وهو استَفْعل من الشيء الدّقيق. وقولهم: أَخذتُ جِلّه
ودِقَّه كما يقال أَخذت قليله وكثيره. وفي حديث الدعاء: اللهم اغفر لي ذنبي
كلَّه: دِقَّه وجِلَّه.
وما له دَقِيقة ولا جَلِيلة أَي ما له شاةٌ ولا ناقة. وأَتيته فما
أَدَقَّني ولا أَجلَّني أَي ما أَعطاني إحداهما، وقيل أَي ما أَعطاني دقيقاً
ولا جَلِيلاً؛ وقال ذو الرمة يهجو قوماً:
إذا اصْطَكَّت الحَرْبُ امْرأَ القَيْسِ، أَخْبَروا
عَضارِيطَ، إذ كانوا رِعاء الدَّقائقِ
أَراد أَنهم رعاء الشاء والبَهْم.
ودقَّقْت الشيءَ وأَدْقَقْته: جعلته دَقيقاً. وقد دَقَّ يَدِقُّ
دِقَّةً: صار دقيقاً، وأَدقَّه غيره ودقَّقَه. المُفَضَّل: الدَّقْداقُ صغار
الأنْقاء المتراكمة. ابن الأعرابي: الدَّقَقةُ المُظهرون أقْذالَ الناس أَي
عُيوبهم، واحدها قَذَلٌ. ودَقَّ الشيءَ يدُقُّه إذا أظهره؛ ومنه قول
زهير:ودَقُّوا بينهم عِطْرَ مَنْشِمِ
أي أَظهروا العُيوب والعَداوات. ويقال في التهدّد: لأَدُقَّنَّ شُقورَك
أي لأُظهِرنَّ أُمورَك.
ومُسْتَدَقُّ الساعد: مُقَدَّمه مما يلي الرُّسْغَ. ومستدَقُّ كل شيء:
ما دَقَّ منه واسْترَقَّ. واستَدَقَّ الشيءُ أي صار دقيقاً؛ والعرب تقول
للحَشْو من الإبل الــدُّقَّة. والمِدَقُّ: القويّ. والدَّقْــدَقةُ: حكاية
أصوات حوافر الدوابّ في سُرعة تردُّدها مثل الطَّقْطَقةِ. والمُداقَّةُ في
الأمر: التَّداقُّ. والمُداقَّة: فعل بين اثنين، يقال: إنه ليُداقُّه
الحِساب.
حلل: حَلَّ بالمكان يَحُلُّ حُلولاً ومَحَلاًّ وحَلاًّ وحَلَلاً، بفك
التضعيف نادر: وذلك نزول القوم بمَحَلَّة وهو نقيض الارتحال؛ قال الأَسود
بن يعفر:
كَمْ فاتَني من كَريمٍ كان ذا ثِقَة،
يُذْكي الوَقُود بجُمْدٍ لَيْلة الحَلَل
وحَلَّه واحْتَلَّ به واحْتَلَّه: نزل به. الليث: الحَلُّ الحُلول
والنزول؛ قال الأَزهري: حَلَّ يَحُلُّ حَلاًّ؛ قال المُثَقَّب العَبْدي:
أَكُلَّ الدهر حَلٌّ وارتحال،
أَما تُبْقِي عليّ ولا تَقِيني؟
ويقال للرجل إِذا لم يكن عنده غَنَاء: لا حُلِّي ولا سِيرِي، قال ابن
سيده: كأَن هذا إِنما قيل أَوَّل وَهْلَة لمؤنث فخوطب بعلامة التأْنيث، ثم
قيل ذلك للمذكر والاثنين والاثنتين والجماعة مَحْكِيًّا بلفظ المؤنث،
وكذلك حَلَّ بالقوم وحَلَّهُم واحْتَلَّ بهم، واحْتَلَّهم، فإِما أَن تكونا
لغتين كلتاهما وُضِع، وإِمَّا أَن يكون الأَصل حَلَّ بهم، ثم حذفت الباء
وأُوصل الفعل إِلى ما بعده فقيل حَلَّه؛ ورَجُل حَالٌّ من قوم حُلُول
وحُلاَّلٍ وحُلَّل. وأَحَلَّه المكانَ وأَحَلَّه به وحَلَّله به وحَلَّ به:
جَعَله يَحُلُّ، عاقَبَت الباء الهمزة؛ قال قيس بن الخَطِيم:
دِيَار التي كانت ونحن على مِنًى
تَحُلُّ بنا، لولا نَجَاءُ الرَّكائب
أَي تَجْعلُنا نَحُلُّ. وحَالَّه: حَلَّ معه. والمَحَلُّ: نقيض
المُرْتَحَل؛ وأَنشد:
إِنَّ مَحَلاًّ وإِن مُرْتَحَلا،
وإِنَّ في السَّفْر ما مَضَى مَهَلا
قال الليث: قلت للخليل: أَلست تزعم أَن العرب العاربة لا تقول إِن رجلاً
في الدار لا تبدأْ بالنكرة ولكنها تقول إِن في الدار رجلاً؟ قال: ليس
هذا على قياس ما تقول، هذا حكاية سمعها رجل من رجل: إِنَّ مَحَلاًّ وإِنَّ
مُرْتَحَلا؛ ويصف بعد حيث يقول:
هل تَذْكُرُ العَهْد في تقمّص، إِذ
تَضْرِب لي قاعداً بها مَثَلا؛
إِنَّ مَحَلاًّ وإِنَّ مُرْتَحَلا
المَحَلُّ: الآخرة والمُرْتَحَل؛ . . .
(* هكذا ترك بياض في الأصل)
وأَراد بالسَّفْر الذين ماتوا فصاروا في البَرْزَخ، والمَهَل البقاء
والانتظار؛ قال الأَزهري: وهذا صحيح من قول الخليل، فإِذا قال الليث قلت للخليل
أَو قال سمعت الخليل، فهو الخليل بن أَحمد لأَنه ليس فيه شك، وإِذا قال
قال الخليل ففيه نظر، وقد قَدَّم الأَزهري في خطبة كتابه التهذيب أَنه في
قول الليث قال الخليل إِنما يَعْني نَفْسَه أَو أَنه سَمَّى لِسانَه
الخَليل؛ قال: ويكون المَحَلُّ الموضع الذي يُحَلُّ فيه ويكون مصدراً، وكلاهما
بفتح الحاء لأَنهما من حَلِّ يَحُلُّ أَي نزل، وإِذا قلت المَحِلّ، بكسر
الحاء، فهو من حَلَّ يَحِلُّ أَي وَجَب يَجِب. قال الله عز وجل: حتى
يبلغ الهَدْيُ مَحِلَّه؛ أَي الموضع الذي يَحِلُّ فيه نَحْرُه، والمصدر من
هذا بالفتح أَيضاً، والمكان بالكسر، وجمع المَحَلِّ مَحَالُّ، ويقال
مَحَلٌّ ومَحَلَّة بالهاء كما يقال مَنْزِل ومنزِلة. وفي حديث الهَدْي: لا
يُنْحَر حتى يبلغ مَحِلَّه أَي الموضع أَو الوقت اللذين يَحِلُّ فيهما
نَحْرُه؛ قال ابن الأَثير: وهو بكسر الحاء يقع على الموضع والزمان؛ ومنه حديث
عائشة: قال لها هل عندكم شيء؟ قالت: لا، إِلا شيء بَعَثَتْ به إِلينا
نُسَيْبَة من الشاة التي بَعَثْتَ إِليها من الصــدقة، فقال: هاتي فقد
بَلَغَتْ مَحِلَّها أَي وصلت إِلى الموضع الذي تَحِلُّ فيه وقُضِيَ الواجبُ فيها
من التَّصَدّق بها، وصارت مِلْكاً لن تُصُدِّق بها عليه، يصح له التصرف
فيها ويصح قبول ما أُهدي منها وأَكله، وإِنما قال ذلك لأَنه كان يحرم
عليه أَكل الصــدقة. وفي الحديث: أَنه كره التَّبَرُّج بالزينة لغير
مَحِلِّها؛ يجوز أَن تكون الحاء مكسورة من الحِلِّ ومفتوحة من الحُلُول، أَراد به
الذين ذكرهم الله في كتابه: ولا يبدين زينتهن إِلا لبُعُولتهن، الآية،
والتَّبَرُّج: إِظهار الزينة. أَبو زيد: حَلَلْت بالرجل وحَلَلْته ونَزَلْت
به ونَزَلْته وحَلَلْت القومَ وحَلَلْت بهم بمعنًى. ويقال: أَحَلَّ فلان
أَهله بمكان كذا وكذا إِذا أَنزلهم. ويقال: هو في حِلَّة صِدْق أَي
بمَحَلَّة صِدْق. والمَحَلَّة: مَنْزِل القوم.
وحَلِيلة الرجل: امرأَته، وهو حَلِيلُها، لأَن كل واحد منهما يُحَالُّ
صاحبه، وهو أَمثل من قول من قال إِنما هو من الحَلال أَي أَنه يَحِلُّ لها
وتَحِلُّ له، وذلك لأَنه ليس باسم شرعي وإِنما هو من قديم الأَسماء.
والحَلِيل والحَلِيلة: الزَّوْجان؛ قال عنترة:
وحَلِيل غانيةٍ تَرَكْتُ مُجَدَّلاً،
تَمْكُو فَرِيصَتُه كشِدْقِ الأَعْلَم
وقيل: حَلِيلَته جارَتُه، وهو من ذلك لأَنهما يَحُلاَّن بموضع واحد،
والجمع الحَلائل؛ وقال أَبو عبيد: سُمِّيا بذلك لأَن كل واحد منهما يُحَالُّ
صاحبَه. وفي الحديث: أَن تُزَاني حَلِيلة جارك، قال: وكل من نَازَلَكَ
وجَاوَرَك فهو حَليلك أَيضاً. يقال: هذا حَليله وهذه حَليلته لمن
تُحَالُّه في دار واحدة؛ وأَنشد:
ولَستُ بأَطْلَسِ الثَّوْبَيْن يُصْبي
حَلِيلَته، إِذا هَدَأَ النِّيَامُ
قال: لم يرد بالحَلِيلة هنا امرأَته إِنما أَراد جارته لأَنها تُحَالُّه
في المنزل. ويقال: إِنما سميت الزوجة حَلِيلة لأَن كل واحد منهما
مَحَلُّ إِزار صاحبه. وحكي عن أَبي زيد: أَن الحَلِيل يكون للمؤنث بغير
هاء.والحِلَّة: القوم النزول، اسم للجمع، وفي التهذيب: قوم نزول؛ وقال
الأَعشى:
لقد كان في شَيْبان، لو كُنْتَ عالماً،
قِبَابٌ وحَيٌّ حِلَّة وقَبائل
وحَيٌّ حِلَّة أَي نُزُول وفيهم كثرة؛ هذا البيت استشهد به الجوهري،
وقال فيه:
وحَوْلي حِلَّة ودَراهم
(* قوله «وحولي» هكذا في الأصل، والذي في نسخة الصحاح التي بايدينا:
وحيّ).
قال ابن بري: وصوابه وقبائل لأَن القصيدة لاميَّة؛ وأَولها:
أَقَيْس بنَ مَسْعود بنِ قيس بن خالدٍ،
وأَنتَ امْرُؤ يرجو شَبَابَك وائل
قال: وللأَعشى قصيدة أُخرى ميمية أَولها:
هُرَيْرَةَ ودِّعْها وإِن لام لائم
يقول فيها:
طَعَام العراق المُسْتفيضُ الذي ترى،
وفي كل عام حُلَّة وَدَارهِم
قال: وحُلَّة هنا مضمومة الحاء، وكذلك حَيٌّ حِلال؛ قال زهير:
لِحَيٍّ حِلالٍ يَعْصِمُ الناسَ أَمْرُهُم،
إِذا طَرَقَت إِحْدى اللَّيَالي بمُعْظَم
والحِلَّة: هَيئة الحُلُول. والحِلَّة: جماعة بيوت الناس لأَنها
تُحَلُّ؛ قال كراع: هي مائة بيت، والجمع حِلال؛ قال الأَزهري: الحِلال جمع بيوت
الناس، واحدتها حِلَّة؛ قال: وحَيٌّ حِلال أَي كثير؛ وأَنشد شمر:
حَيٌّ حِلالٌ يَزْرَعون القُنْبُلا
قال ابن بري: وأَنشد الأَصمعي:
أَقَوْمٌ يبعثون العِيرَ نَجْداً
أَحَبُّ إِليك، أَم حَيٌّ حِلال؟
وفي حديث عبد المطلب:
لا هُمَّ إِنَّ المَرْءَ يَمْـ
ـنَعُ رَحْلَه، فامْنَعْ حِلالَك
الحِلال، بالكسر: القومُ المقيمون المتجاورون يريد بهم سُكَّان الحَرَم.
وفي الحديث: أَنهم وَجَدوا ناساً أَحِلَّة، كأَنه جمع حِلال كعِماد
وأَعْمِدَة وإِنما هو جمع فَعال، بالفتح؛ قال ابن الأَثير: هكذا قال بعضهم
وليس أَفْعِلة في جمع فِعال، بالكسر، أَولى منها في جمع فَعال، بالفتح،
كفَدَان وأَفْدِنة. والحِلَّة: مجلس القوم لأَنهم يَحُلُّونه. والحِلَّة:
مُجْتَمَع القوم؛ هذه عن اللحياني. والمَحَلَّة: منزل القوم.
ورَوْضة مِحْلال إِذا أَكثر الناسُ الحُلول بها. قال ابن سيده: وعندي
أَنها تُحِلُّ الناس كثيراً، لأَن مِفْعالاً إِنما هي في معنى فاعل لا في
معنى مفعول، وكذلك أَرض مِحْلال. ابن شميل: أَرض مِحْلال وهي السَّهْلة
اللَّيِّنة، ورَحَبة مِحْلال أَي جَيِّدة لمحَلّ الناس؛ وقال ابن الأَعرابي
في قول الأَخطل:
وشَرِبْتها بأَرِيضَة مِحْلال
قال: الأَرِيضَة المُخْصِبة، قال: والمِحْلال المُخْتارة للحِلَّة
والنُّزول وهي العَذاة الطَّيِّبة؛ قال الأَزهري: لا يقال لها مِحْلال حتى
تُمْرِع وتُخْصِب ويكون نباتها ناجعاً للمال؛ وقال ذو الرمة:
بأَجْرَعَ مِحْلالٍ مِرَبٍّ مُحَلَّل
والمُحِلَّتانِ: القِدْر والرَّحى، فإِذا قلت المُحِلاَّت فهي القِدْر
والرَّحى والدَّلْو والقِرْبة والجَفْنَة والسِّكِّين والفَأْس والزَّنْد،
لأَن من كانت هذه معه حَلَّ حيث شاء، وإِلا فلا بُدَّ له من أَن يجاور
الناس يستعير منهم بعض هذه الأَشياء؛ قال:
لا يَعْدِلَنَّ أَتاوِيُّون تَضْرِبُهم
نَكْباءُ صِرٌّ بأَصحاب المُحِلاَّت
الأَتاويُّون: الغُرَباء أَي لا يَعْدِلَنَّ أَتاوِيُّون أَحداً بأَصحاب
المُحِلاَّت؛ قال أَبو علي الفارسي: هذا على حذف المفعول كما قال تعالى:
يوم تُبَدَّل الأَرضُ غيرَ الأَرض والسمواتُ؛ أَي والسمواتُ غيرَ
السمواتِ، ويروى: لا يُعْدَلَنَّ، على ما لم يسمَّ فاعله، أَي لا ينبغي أَن
يُعْدل فعلى هذا لا حذف فيه.
وتَلْعة مُحِلَّة: تَضُمُّ بيتاً أَو بيتين. قال أَعرابي: أَصابنا
مُطَيْر كسَيْل شعاب السَّخْبَرِ رَوَّى التَّلْعة المُحِلَّة، ويروى: سَيَّل
شِعابَ السَّخْبَر، وإِنما شَبَّه بشِعاب السَّخْبَر، وهي مَنابِته، لأَن
عَرْضَها ضَيِّق وطولها قدر رَمْية حَجَر.
وحَلَّ المُحْرِمُ من إِحرامه يَحِلُّ حِلاًّ وحَلالاً إِذا خَرج من
حِرْمه. وأَحَلَّ: خَرَج، وهو حَلال، ولا يقال حالٌّ على أَنه القياس. قال
ابن الأَثير: وأَحَلَّ يُحِلُّ إِحْلالاً إِذا حَلَّ له ما حَرُم عليه من
مَحْظورات الحَجِّ؛ قال الأَزهري: وأَحَلَّ لغة وكَرِهها الأَصمَعي وقال:
أَحَلَّ إِذا خَرج من الشُّهُور الحُرُم أَو من عَهْد كان عليه. ويقال
للمرأَة تَخْرُج من عِدَّتها: حَلَّتْ. ورجل حِلٌّ من الإِحرام أَي حَلال.
والحَلال: ضد الحرام. رَجُل حَلال أَي غير مُحْرِم ولا متلبس بأَسباب
الحج، وأَحَلَّ الرجلُ إِذا خرج إِلى الحِلِّ عن الحَرَم، وأَحَلَّ إِذا
دخل في شهور الحِلِّ، وأَحْرَمْنا أَي دخلنا في الشهور الحُرُم. الأَزهري:
ويقال رجل حِلٌّ وحَلال ورجل حِرْم وحَرام أَي مُحْرِم؛ وأَما قول زهير:
جَعَلْن القَنانَ عن يَمينٍ وحَزْنَه،
وكم بالقَنان من مُحِلّ ومُحْرِم
فإِن بعضهم فسره وقال: أَراد كَمْ بالقَنان من عَدُوٍّ يرمي دَماً
حَلالاً ومن مُحْرم أَي يراه حَراماً. ويقال: المُحِلُّ الذي يَحِلُّ لنا
قِتالُه، والمُحْرِم الذي يَحْرُم علينا قتاله. ويقال: المُحِلُّ الذي لا
عَهْد له ولا حُرْمة، وقال الجوهري: من له ذمة ومن لا ذمة له. والمُحْرِم:
الذي له حُرْمة. ويقال للذي هو في الأَشهر الحُرُم: مُحْرِم، وللذي خرج
منها: مُحِلٌّ. ويقال للنازل في الحَرَم: مُحْرِم، والخارج منه: مُحِلّ،
وذلك أَنه ما دام في الحَرَم يحرم عليه الصيد والقتال، وإِذا خرج منه حَلَّ
له ذلك. وفي حديث النخعي: أَحِلَّ بمن أَحَلَّ بك؛ قال الليث: معناه من
ترك الإِحرام وأَحَلَّ بك فقاتَلَك فأَحْلِل أَنت أَيضاً به فقائِلُه
وإِن كنت مُحْرماً، وفيه قول آخر وهو: أَن المؤمنين حَرُم عليهم أَن يقتل
بعضهم بعضاً ويأْخذ بعضهم مال بعضهم، فكل واحد منهم مُحْرِم عن صاحبه،
يقول: فإِذا أَحَلَّ رجل ما حَرُم عليه منك فادفعه عن نفسك بما تَهَيَّأَ لك
دفعُه به من سلاح وغيره وإِن أَتى الدفع بالسلاح عليه، وإَحْلال البادئ
ظُلْم وإِحْلال الدافع مباح؛ قال الأَزهري: هذا تفسير الفقهاء وهو غير
مخالف لظاهر الخبر. وفي حديث آخر: من حَلَّ بك فاحْلِلْ به أَي من صار
بسببك حَلالاً فَصِرْ أَنت به أَيضاً حَلالاً؛ هكذا ذكره الهروي وغيره، والذي
جاء في كتاب أَبي عبيد عن النخعي في المُحْرِم يَعْدو عليه السَّبُع أَو
اللِّصُّ: أَحِلَّ بمن أَحَلَّ بك. وفي حديث دُرَيد بن الصِّمَّة: قال
لمالك بن عوف أَنت مُحِلٌّ بقومك أَي أَنك قد أَبَحْت حَرِيمهم وعَرَّضتهم
للهلاك، شَبَّههم بالمُحْرِم إِذا أَحَلَّ كأَنهم كانوا ممنوعين
بالمُقام في بيوتهم فحَلُّوا بالخروج منها. وفعل ذلك في حُلِّه وحُرْمه وحِلِّه
وحِرْمه أَي في وقت إحْلاله وإِحرامه. والحِلُّ: الرجل الحَلال الذي خرج
من إِحرامه أَو لم يُحْرِم أَو كان أَحرم فحَلَّ من إِحرامه. وفي حديث
عائشة: قالت طَيَّبْت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لحِلِّه وحِرْمه؛ وفي
حديث آخر: لحِرْمِه حين أَحْرَم ولحِلِّه حين حَلَّ من إِحرامه، وفي
النهاية لابن الأَثير: لإِحْلاله حين أَحَلَّ.
والحِلَّة: مصدر قولك حَلَّ الهَدْيُ. وقوله تعالى: حتى يَبْلغ الهَدْيُ
مَحِلَّه؛ قيل مَحِلُّ من كان حاجّاً يوم النَّحر، ومَحِلُّ من كان
معتمراً يوم يدخل مكة؛ الأَزهري: مَحِلُّ الهدي يوم النحر بمِنًى، وقال:
مَحِلُّ هَدْي المُتَمَتِّع بالعُمْرة إِلى الحج بمكة إِذا قَدِمها وطاف
بالبيت وسعى بين الصفا والمروة. ومَحِلُّ هَدْيِ القارن: يوم النحر بمنًى،
ومَحِلُّ الدَّيْن: أَجَلُه، وكانت العرب إِذا نظرت إِلى الهلال قالت: لا
مَرْحَباً بمُحِلِّ الدَّيْن مُقَرِّب الأَجَل. وفي حديث مكة: وإِنما
أُحِلَّت لي ساعة من نهار، يعني مَكَّة يوم الفتح حيث دخلها عَنْوَة غير
مُحْرِم. وفي حديث العُمْرة: حَلَّت العُمْرة لمن اعْتَمَرَ أَي صارت لكم
حَلالاً جائزة، وذلك أَنهم كانوا لا يعتمرون في الأَشهر الحُرُم، فذلك معنى
قولهم إِذا دَخَل صَفَر حَلَّت العُمْرَةُ لمن اعْتَمَر.
والحِلُّ والحَلال والحِلال والحَلِيل: نَقِيض الحرام، حَلَّ يَحِلُّ
حِلاًّ وأَحَلَّه الله وحَلَّله. وقوله تعالى: يُحِلُّونه عاماً
ويُحَرِّمونه عاماً؛ فسره ثعلب فقال: هذا هو النسِيء، كانوا في الجاهلية يجمعون
أَياماً حتى تصير شهراً، فلما حَجَّ النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: الآنَ
اسْتَدارَ الزمانُ كهيئته. وهذا لك حِلٌّ أَي حَلال. يقال: هو حِلٌّ
وبِلٌّ أَي طَلْق، وكذلك الأُنثى. ومن كلام عبد المطلب: لا أُحِلُّها لمغتسل
وهي لشارب حِلٌّ وبِلٌّ أَي حَلال، بِلٌّ إِتباع، وقيل: البِلُّ مباح،
حِمْيَرِيَّة. الأَزهري: روى سفيان عن عمرو بن دينار قال: سمعت ابن عباس
يقول: هي حِلٌّ وبِلٌّ يعني زمزم، فسُئِل سفيان: ما حِلٌّ وبِلٌّ؟ فقال:
حِلٌّ مُحَلَّل. ويقال: هذا لك حِلٌّ وحَلال كما يقال لضدّه حِرْم وحَرام
أَي مُحَرَّم. وأَحْلَلت له الشيءَ. جعلته له حَلالاً. واسْتَحَلَّ
الشيءَ: عَدَّه حَلالاً. ويقال: أَحْلَلت المرأَةَ لزوجها. وفي الحديث: لعن
رسول الله، صلى الله عليه وسلم، المُحَلِّل والمُحَلَّل له، وفي رواية:
المُحِلَّ والمُحَلَّ له، وهو أَن يطلق الرجل امرأَته ثلاثاً فيتزوجها رجل
آخر بشرط أَن يطلقها بعد مُوَاقَعته إِياها لتَحِلَّ للزوج الأَول. وكل شيء
أَباحه الله فهو حَلال، وما حَرَّمه فهو حَرَام. وفي حديث بعض الصحابة:
ولا أُوتي بحَالٍّ ولا مُحَلَّل إِلا رَجَمْتُهما؛ جعل الزمخشري هذا
القول حديثاً لا أَثراً؛ قال ابن الأَثير: وفي هذه اللفظة ثلاث لغات حَلَّلْت
وأَحْلَلت وحَلَلْت، فعلى الأَول جاء الحديث الأَول، يقال حَلَّل فهو
مُحَلِّل ومُحَلَّل، وعلى الثانية جاء الثاني تقول أَحَلَّ فهو مُحِلٌّ
ومُحَلٌّ له، وعلى الثالثة جاء الثالث تقول حَلَلْت فأَنا حَالٌّ وهو
مَحْلول له؛ وقيل: أَراد بقوله لا أُوتَى بحالٍّ أَي بذي إِحْلال مثل قولهم
رِيحٌ لاقِح أَي ذات إِلْقاح، وقيل: سُمِّي مُحَلِّلاً بقصده إِلى التحليل
كما يسمى مشترياً إِذا قصد الشراء. وفي حديث مسروق في الرجل تكون تحته
الأَمة فيُطَلِّقها طلقتين ثم يشتريها قال: لا تَحِلُّ له إِلا من حيث
حَرُمت عليه أَي أَنها لا تَحِلُّ له وإِن اشتراها حتى تنكح زوجاً غيره، يعني
أَنها حَرُمت عليه بالتطليقتين، فلا تَحِلُّ له حتى يطلقها الزوج الثاني
تطليقتين، فتَحِلّ له بهما كما حَرُمت عليه بهما. واسْتَحَلَّ الشيءَ:
اتخذه حَلالاً أَو سأَله أَن يُحِلَّه له. والحُلْو الحَلال: الكلام الذي
لا رِيبة فيه؛ أَنشد ثعلب:
تَصَيَّدُ بالحُلْوِ الحَلالِ، ولا تُرَى
على مَكْرَهٍ يَبْدو بها فيَعِيب
وحَلَّلَ اليمينَ تحليلاً وتَحِلَّة وتَحِلاًّ، الأَخيرة شاذة:
كَفَّرَها، والتَّحِلَّة: ما كُفِّر به. وفي التنزيل: قد فرض الله لكم تَحِلَّة
أَيمانكم؛ والاسم من كل ذلك الحِلُّ؛ أَنشد ابن الأَعرابي:
ولا أَجْعَلُ المعروف حِلَّ أَلِيَّةٍ،
ولا عِدَةً في الناظر المُتَغَيَّب
قال ابن سيده: هكذا وجدته المُتَغَيَّب، مفتوحة الياء، بخَطِّ الحامِض،
والصحيح المُتَغَيِّب، بالكسر. وحكى اللحياني: أَعْطِ الحالف حُلاَّنَ
يَمينه أَي ما يُحَلِّل يمينه، وحكى سيبويه: لأَفعلن كذا إِلاَّ حِلُّ ذلك
أَن أَفعل كذا أَي ولكن حِلُّ ذلك، فحِلُّ مبتدأ وما بعدها مبنيّ عليها؛
قال أَبو الحسن: معناه تَحِلَّةُ قَسَمِي أَو تحليلُه أَن أَفعل كذا.
وقولهم: فعلته تَحِلَّة القَسَم أَي لم أَفعل إِلا بمقدار ما حَلَّلت به
قَسَمي ولم أُبالِغ. الأَزهري: وفي حديث النبي، صلى الله عليه وسلم: لا يموت
لمؤمن ثلاثة أَولاد فتَمَسّه النار إِلا تَحِلَّة القَسَم؛ قال أَبو
عبيد: معنى قوله تَحِلَّة القَسَم قول الله عز وجل: وإِنْ منكم إِلا
واردُها، قال: فإِذا مَرَّ بها وجازها فقدأَبَرَّ الله قَسَمَه. وقال غير أَبي
عبيد: لا قَسَم في قوله تعالى: وإِن منكم إِلا واردها، فكيف تكون له
تَحِلَّة وإِنما التَّحِلَّة للأَيْمان؟ قال: ومعنى قوله إِلا تَحِلَّة
القَسَم إِلا التعذير الذي لا يَبْدَؤُه منه مكروه؛ ومنه قول العَرَب: ضَرَبْته
تحليلاً ووَعَظْته تَعْذيراً أَي لم أُبالِغ في ضربه ووَعْظِه؛ قال ابن
الأَثير: هذا مَثَل في القَلِيل المُفْرِط القِلَّة وهو أَن يُباشِر من
الفعل الذي يُقْسِم عليه المقدارَ الذي يُبِرُّ به قَسَمَه ويُحَلِّلُه،
مثل أَن يحلف على النزول بمكان فلو وَقَع به وَقْعة خفيفة أَجزأَته فتلك
تَحِلَّة قَسَمِه، والمعنى لا تَمَسُّه النار إِلا مَسَّة يسيرة مثل
تَحِلَّة قَسَم الحالف، ويريد بتَحِلَّتِه الوُرودَ على النار والاجْتيازَ
بها، قال: والتاء في التَّحِلَّة زائدة؛ وفي الحديث الآخر: من حَرَس ليلة من
وراء المسلمين مُتَطَوِّعاً لم يأْخذه الشيطان ولم ير النار تَمَسُّه
إِلا تَحِلَّة القَسَم؛ قال الله تعالى: وإِن منكم إِلا واردها، قال
الأَزهري: وأَصل هذا كله من تحليل اليمين وهو أَن يحلف الرجل ثم يستثني استثناء
متصلاً باليمين غير منفصل عنها، يقال: آلى فلان أَلِيَّة لم يَتَحَلَّل
فيها أَي لم يَسْتثْنِ ثم جعل ذلك مثلاً للتقليل؛ ومنه قول كعب بن زهير:
تَخْدِي على يَسَراتٍ، وهي لاحقة،
بأَرْبَعٍ، وَقْعُهُنَّ الأَرضَ تَحْلِيل
(* قوله «لاحقة» في نسخة النهاية التي بأيدينا: لاهية).
وفي حواشي ابن بري:
تَخْدِي على يَسَرات، وهي لاحقة،
ذَوَابِل، وَقْعُهُنَّ الأَرضَ تَحْلِيل
أَي قليل
(* قوله «أي قليل» هذا تفسير لتحليل في البيت) كما يحلف
الإِنسان على الشيء أَن يفعله فيفعل منه اليسير يُحَلِّل به يَمِينه؛ وقال
الجوهري: يريد وَقْعَ مَناسِم الناقة على الأَرض من غير مبالغة؛ وقال
الآخر:أَرَى إِبلي عافت جَدُودَ، فلم تَذُقْ
بها قَطْرَةً إِلا تَحِلَّة مُقْسِم
قال ابن بري: ومثله لعَبْدَةَ بن الطبيب:
تُحْفِي الترابَ بأَظْلافٍ ثَمانية
في أَرْبَع، مَسُّهنَّ الأَرضَ تَحْلِيلُ
أَي قليل هَيِّن يسير. ويقال للرجل إِذا أَمْعَن في وَعِيد أَو أَفرط في
فَخْر أَو كلام: حِلاًّ أَبا فلان أَي تَحَلَّلْ في يمينك، جعله في
وعيده إِياه كاليمين فأَمره بالاستثناء أَي اسْتَثْن يا حالف واذْكُر حِلاًّ.
وفي حديث أَبي بكر: أَنه قال لامرأَة حَلَفت أَن لا تُعْتِق مَوْلاة لها
فقال لها: حِلاًّ أُمَّ فلان، واشتراها وأَعتقها، أَي تَحَلَّلِي من
يمينك، وهو منصوب على المصدر؛ ومنه حديث عمرو بن معد يكرب: قال لعمر حِلاًّ
يا أَمير المؤمنين فيما تقول أَي تَحَلَّلْ من قولك. وفي حديث أَنس: قيل
له حَدِّثْنا ببعض ما سمعتَه من رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال:
وأَتَحلَّل أَي أَستثني. ويقال: تَحَلَّل فلان من يمينه إِذا خرج منها
بكفارة أَو حِنْث يوجب الكفارة؛ قال امرؤ القيس:
وآلَتْ حِلْفةً لم تَحَلَّل
وتَحَلَّل في يمينه أَي استثنى.
والمُحَلِّل من الخيل: الفَرَسُ الثالث من خيل الرِّهان، وذلك أَن يضع
الرَّجُلانِ رَهْنَين بينهما ثم يأْتي رجل سواهما فيرسل معهما فرسه ولا
يضع رَهْناً، فإِن سَبَق أَحدُ الأَوَّليْن أَخَذَ رهنَه ورهنَ صاحبه وكان
حَلالاً له من أَجل الثالث وهو المُحَلِّل، وإِن سبَقَ المُحَلِّلُ ولم
يَسْبق واحد منهما أَخَذَ الرهنين جميعاً، وإِن سُبِقَ هو لم يكن عليه
شيء، وهذا لا يكون إِلاَّ في الذي لا يُؤْمَن أَن يَسْبق، وأَما إِذا كان
بليداً بطيئاً قد أُمِن أَن يَسْبِقهما فذلك القِمَار المنهيّ عنه،
ويُسَمَّى أَيضاً الدَّخِيل.
وضَرَبه ضَرْباً تَحْلِيلاً أَي شبه التعزير، وإِنما اشتق ذلك من
تَحْلِيل اليمين ثم أُجْري في سائر الكلام حتى قيل في وصف الإِبل إِذا
بَرَكَتْ؛ ومنه قول كعب
بن زهير:
نَجَائِب وَقْعُهُنَّ الأَرضَ تَحْليل
أَي هَيِّن. وحَلَّ العُقْدة يَحُلُّها حَلاًّ: فتَحَها ونَقَضَها
فانْحَلَّتْ. والحَلُّ: حَلُّ العُقْدة. وفي المثل السائر: يا عاقِدُ اذْكُرْ
حَلاًّ، هذا المثل ذكره الأَزهري والجوهري؛ قال ابن بري: هذا قول
الأَصمعي وأَما ابن الأَعرابي فخالفه وقال: يا حابِلُ اذْكُرْ حَلاًّ وقال: كذا
سمعته من أَكثر من أَلف أَعرابي فما رواه أَحد منهم يا عاقِدُ، قال:
ومعناه إِذا تحَمَّلْتَ فلا نُؤَرِّب ما عَقَدْت، وذكره ابن سيده على هذه
الصورة في ترجمة حبل: يا حابِلُ اذْكُرْ حَلاًّ. وكل جامد أُذِيب فقد
حُلَّ.والمُحَلَّل: الشيء اليسير، كقول امرئ القيس يصف جارية:
كبِكْرِ المُقاناةِ البَيَاض بصُفْرة،
غَذَاها نَمِير الماءِ غَيْر المُحَلَّل
وهذا يحتمل معنيين: أَحدهما أَن يُعْنَى به أَنه غَذَاها غِذَاء ليس
بمُحَلَّل أَي ليس بيسير ولكنه مُبالَغ فيه، وفي التهذيب: مَرِيءٌ ناجِعٌ،
والآخر أَن يُعْنى به غير محلول عليه فيَكْدُر ويَفْسُد. وقال أَبو
الهيثم: غير مُحَلَّل يقال إِنه أَراد ماء البحر أَي أَن البحر لا يُنْزَل عليه
لأَن ماءه زُعَاق لا يُذَاق فهو غير مُحَلَّل أَي غير مَنْزولٍ عليه،
قال: ومن قال غير مُحَلَّل أَي غير قليل فليس بشيء لأَن ماء البحر لا يوصف
بالقلة ولا بالكثرة لمجاوزة حدِّه الوصفَ، وأَورد الجوهري هذا البيت
مستشهداً به على قوله: ومكان مُحَلَّل إِذا أَكثر الناسُ به الحُلُولَ، وفسره
بأَنه إِذا أَكثروا به الحُلول كدَّروه. وكلُّ ماء حَلَّتْه الإِبل
فكَدَّرَتْه مُحَلَّل، وعَنى امرُؤ القيس بقوله بِكْر المُقَاناة دُرَّة غير
مثقوبة. وحَلَّ عليه أَمرُ الله يَحِلُّ حُلولاً: وجَبَ. وفي التنزيل:
أَن يَحِلَّ عليكم غَضَبٌ من ربكم، ومن قرأَ: أَن يَحُلَّ، فمعناه أَن
يَنْزِل. وأَحَلَّه اللهُ عليه: أَوجبه؛ وحَلَّ عليه حَقِّي يَحِلُّ
مَحِلاًّ، وهو أَحد ما جاء من المصادر على مثال مَفْعِل بالكسر كالمَرْجِعِ
والمَحِيص وليس ذلك بمطَّرد، إِنما يقتصر على ما سمع منه، هذا مذهب سيبويه.
وقوله تعالى: ومن يَحْلُِلْ عليه غَضَبي فقد هَوَى؛ قرئَ ومن يَحْلُل
ويَحْلِل، بضم اللام وكسرها، وكذلك قرئَ: فيَحُِلُّ عليكم غضبي، بكسر الحاء
وضمها؛ قال الفراء: والكسر فيه أَحَبُّ إِليَّ من الضم لأَن الحُلول ما
وقع من يَحُلُّ، ويَحِلُّ يجب، وجاء بالتفسير بالوجوب لا بالوقوع، قال:
وكلٌّ صواب، قال: وأَما قوله تعالى: أَم أَردتم أَن يَحِلَّ عليكم، فهذه
مكسورة، وإِذا قلت حَلَّ بهم العذابُ كانت تَحُلُّ لا غير، وإِذا قلت
عَليَّ أَو قلت يَحِلُّ لك كذا وكذا، فهو بالكسر؛ وقال الزجاج: ومن قال
يَحِلُّ لك كذا وكذا فهو بالكسر، قال: ومن قرأَ فيَحِلُّ عليكم فمعناه فيَجِب
عليكم، ومن قرأَ فيَحُلُّ فمعناه فيَنْزِل؛ قال: والقراءة ومن يَحْلِل
بكسر اللام أَكثر. وحَلَّ المَهْرُ يَحِلُّ أَي وجب. وحَلَّ العذاب يَحِلُّ،
بالكسر، أَي وَجَب، ويَحُلُّ، بالضم، أَي نزل. وأَما قوله أَو تَحُلُّ
قريباً من دارهم، فبالضم، أَي تَنْزل. وفي الحديث: فلا يَحِلُّ لكافر
يَجِد ريح نَفَسه إِلاَّ مات أَي هو حَقٌّ واجب واقع كقوله تعالى: وحَرَام
على قَرْية؛ أَي حَقٌّ واجب عليها؛ ومنه الحديث: حَلَّت له شفاعتي، وقيل:
هي بمعنى غَشِيَتْه ونَزَلَتْ به، فأَما قوله: لا يَحُلُّ المُمْرِض على
المُصِحّ، فبضم الحاء، من الحُلول النزولِ، وكذلك فَلْيَحْلُل، بضم اللام.
وأَما قوله تعالى: حتى يبلغ الهَدْيُ مَحِلَّه، فقد يكون المصدرَ ويكون
الموضعَ. وأَحَلَّت الشاةُ والناقةُ وهي مُحِلٌّ: دَرَّ لبَنُها، وقيل:
يَبِسَ لبنُها ثم أَكَلَت الرَّبيعَ فدَرَّت، وعبر عنه بعضهم بأَنه نزول
اللبن من غير نَتاج، والمعنيان متقاربان، وكذلك الناقة؛ أَنشد ابن
الأَعرابي:
ولكنها كانت ثلاثاً مَيَاسِراً،
وحائلَ حُول أَنْهَزَتْ فأَحَلَّتِ
(* قوله «أَنهزت» أورده في ترجمة نهز بلفظ أنهلت باللام، وقال بعده:
ورواه ابن الاعرابي أنهزت بالزاي ولا وجه له).
يصف إِبلاً وليست بغنم لأَن قبل هذا:
فَلو أَنَّها كانت لِقَاحِي كَثيرةً،
لقد نَهِلَتْ من ماء جُدٍّ وعَلَّت
(* قوله «من ماء جد» روي بالجيم والحاء كما أورده في المحلين).
وأَنشد الجوهري لأُمية بن أَبي الصلت الثقفي:
غُيوث تَلتَقي الأَرحامُ فيها،
تُحِلُّ بها الطَّروقةُ واللِّجاب
وأَحَلَّت الناقةُ على ولدها: دَرَّ لبنُها، عُدِّي بعَلى لأَنه في معنى
دَرَّت. وأَحَلَّ المالُ فهو يُحِلُّ إِحْلالاً إِذا نزل دَرُّه حين
يأْكل الربيع. الأَزهري عن الليث وغيره: المَحالُّ الغنم التي ينزل اللبن في
ضروعها من غير نَتاج ولا وِلاد.
وتَحَلَّل السَّفَرُ بالرجل: اعْتَلَّ بعد قدومه.
والإِحْلِيل والتِّحْلِيل: مَخْرَج البول من الإِنسان ومَخْرج اللبن من
الثدي والضَّرْع. الأَزهري: الإِحْلِيل مَخْرج اللبن من طُبْي الناقة
وغيرها. وإِحْلِيل الذَّكَرِ: ثَقْبه الذي يخرج منه البول، وجمعه
الأَحالِيل؛ وفي قصيد كعب بن زهير:
تُمِرُّ مثلَ عَسِيب النخل ذا خُصَلٍ،
بغارب، لم تُخَوِّنْه الأَحالِيل
هو جمع إِحْلِيل، وهو مَخْرَج اللبن من الضَّرْع، وتُخَوِّنه: تَنْقُصه،
يعني أَنه قد نَشَفَ لبنُها فهي سمينة لم تضعف بخروج اللبن منها.
والإِحْلِليل: يقع على ذَكَرِ الرجل وفَرْج المرأَة، ومنه حديث ابن عباس:
أَحْمَد إِليكم غَسْل الإِحْلِيل أَي غَسْل الذكر. وأَحَلَّ الرجلُ بنفسه إِذا
استوجب العقوبة. ابن الأَعرابي: حُلَّ إِذا سُكِن، وحلَّ إِذا عَدا،
وامرأَة حَلاَّء رَسْحاء، وذِئْب أَحَلُّ بَيِّن الحَلَل كذلك. ابن
الأَعرابي: ذئب أَحَلُّ وبه حَلَل، وليس بالذئب عَرَج، وإِنما يوصف به لخَمَع
يُؤنَس منه إِذا عَدا؛ وقال الطِّرِمَّاح:
يُحِيلُ به الذِّئْبُ الأَحَلُّ، وَقُوتُه
ذَوات المَرادِي، من مَناقٍ ورُزّح
(* قوله «المرادي» هكذا في الأصل، وفي الصحاح: الهوادي، وهي الأعناق.
وفي ترجمة مرد: أن المراد كسحاب العنق).
وقال أَبو عمرو: الأَحَلُّ أَن يكون مَنْهوس المُؤْخِر أَرْوَح
الرِّجلين. والحَلَل: استرخاء عَصَب الدابة، فَرَسٌ أَحَلُّ. وقال الفراء:
الحَلَل في البعير ضعف في عُرْقوبه، فهو أَحَلُّ بَيِّن الحَلَل، فإِن كان في
الرُّكْبة فهو الطَّرَق. والأَحَلُّ: الذي في رجله استرخاء، وهو مذموم في
كل شيء إِلا في الذئب. وأَنشد الجوهري بيت الطرماح: يُحِيلُ به الذِّئبُ
الأَحَلُّ، ونسبه إِلى الشماخ وقال: يُحِيلُ أَي يُقِيم به حَوْلاً. وقال
أَبو عبيدة: فَرَس أَحَلُّ، وحَلَلُه ضعف نَساه ورَخاوة كَعْبه، وخَصّ
أَبو عبيدة به الإِبل. والحَلَل: رخاوة في الكعب، وقد حَلِلْت حَلَلاً.
وفيه حَلَّة وحِلَّة أَي تَكَسُّر وضعف؛ الفتح عن ثعلب والكسر عن ابن
الأَعرابي. وفي حديث أَبي قتادة: ثم تَرَك فتَحَلَّل أَي لما انْحَلَّت قُواه
ترك ضَمَّه إِليه، وهو تَفَعُّل من الحَلِّ نقيض الشَّدّ؛ وأَنشد ابن بري
لشاعر:
إِذا اصْطَكَّ الأَضاميمُ اعْتَلاها
بصَدْرٍ، لا أَحَلَّ ولا عَموج
وفي الحديث: أَنه بَعَث رجلاً على الصــدقة فجاء بفَصِيل مَحْلُول أَو
مَخْلول بالشك؛ المحلول، بالحاء المهملة: الهَزِيل الذي حُلَّ اللحم عن
أَوصاله فعَرِيَ منه، والمَخْلُول يجيء في بابه.
وفي الحديث: الصلاة تحريمها التكبير وتَحْلِيلها التسليم أَي صار
المُصَلِّي بالتسليم يَحِلُّ له ما حرم فيها بالتكبير من الكلام والأَفعال
الخارجة عن كلام الصلاة وأَفعالها، كما يَحِلُّ للمُحْرِم بالحج عند الفراغ
منه ما كان حَراماً عليه. وفي الحديث: أَحِلُّوا الله يغفر لكم أَي
أَسلموا؛ هكذا فسر في الحديث، قال الخطابي: معناه الخروج من حَظْر الشِّرك إِلى
حِلِّ الإِسلام وسَعَته، من قولهم حَلَّ الرجلُ إِذا خرج من الحَرَم
إِلى الحِلِّ، ويروى بالجيم، وقد تقدم؛ قال ابن الأَثير: وهذا الحديث هو عند
الأَكثر من كلام أَبي الدرداء، ومنهم من جعله حديثاً. وفي الحديث: من
كانت عنده مَظْلِمة من أَخيه فَلْيسْتَحِلَّه. وفي حديث عائشة أَنها قالت
لامرأَة مَرَّتْ بها: ما أَطول ذَيْلَها فقال: اغْتَبْتِها قُومي إِليها
فَتَحلَّليها؛ يقال: تَحَلَّلته واسْتَحْلَلْته إِذا سأَلته أَن يجعلك في
حِلٍّ من قِبَله. وفي الحديث: أَنه سئل أَيّ الأَعمال أَفضل فقال:
الحالُّ المُرْتَحِل، قيل: وما ذاك؟ قال: الخاتِم المفتَتِح هو الذي يَخْتم
القرآن بتلاوته ثم يَفْتَتح التلاوة من أَوّله؛ شبَّهه بالمُسافر يبلغ
المنزل فيَحُلُّ فيه ثم يفتتح سيره أَي يبتدئه، وكذلك قُرَّاء أَهل مكة إِذا
ختموا القرآن بالتلاوة ابتدأُوا وقرأُوا الفاتحة وخمس آيات من أَول سورة
البقرة إِلى قوله: أُولئك هم المفلحون، ثم يقطعون القراءة ويُسَمُّون ذلك
الحالَّ المُرْتَحِل أَي أَنه ختم القرآن وابتدأَ بأَوَّله ولم يَفْصِل
بينهما زمان، وقيل: أَراد بالحالِّ المرتحل الغازِيَ الذي لا يَقْفُل عن
غَزْوٍ إِلا عَقَّبه بآخر.
والحِلال: مَرْكَبٌ من مراكب النساء؛ قال طُفَيْل:
وراكضةٍ، ما تَسْتَجِنُّ بجُنَّة،
بَعِيرَ حِلالٍ، غادَرَتْه، مُجَعْفَلِ
مُجَعْفَل: مصروع؛ وأَنشد ابن بري لابن أَحمر:
ولا يَعْدِلْنَ من ميل حِلالا
قال: وقد يجوز أَن يكون متاعَ رَحْل البعير. والحِلُّ: الغَرَض الذي
يُرْمى إِليه. والحِلال: مَتاع الرَّحْل؛ قال الأَعشى:
وكأَنَّها لم تَلْقَ سِتَّة أَشهر
ضُرّاً، إِذا وَضَعَتْ إِليك حِلالَها
قال أَبو عبيد: بلغتني هذه الرواية عن القاسم بن مَعْن، قال: وبعضهم
يرويه جِلالَها، بالجيم؛ وقوله أَنشده ابن الأَعرابي:
ومُلْوِيَةٍ تَرى شَماطِيطَ غارة،
على عَجَلٍ، ذَكَّرْتُها بِحِلالِها
فسره فقال: حِلالُها ثِيابُ بدنها وما على بعيرها، والمعروف أَن الحِلال
المَرْكَب أَو متاع الرَّحْل لا أَن ثياب المرأَة مَعْدودة في الحِلال،
ومعنى البيت عنده: قلت لها ضُمِّي إِليك ثِيابَك وقد كانت رَفَعَتْها من
الفَزَع. وفي حديث عيسى، عليه السلام، عند نزوله: أَنه يزيد في الحِلال؛
قيل: أَراد أَنه إِذا نَزَل تَزَوَّجَ فزاد فيما أَحَلَّ اللهُ له أَي
ازداد منه لأَنه لم يَنْكِح إِلى أَن رُفِع.
وفي الحديث: أَنه كسا عليّاً، كرّم الله وجهه، حُلَّة سِيَراء؛ قال خالد
بن جَنْبة: الحُلَّة رِداء وقميص وتمامها العِمامة، قال: ولا يزال الثوب
الجَيِّد يقال له في الثياب حُلَّة، فإِذا وقع على الإِنسان ذهبت
حُلَّته حتى يجتمعن له إِمَّا اثنان وإِما ثلاثة، وأَنكر أَن تكون الحُلَّة
إِزاراً ورِداء وَحْدَه. قال: والحُلَل الوَشْي والحِبرَة والخَزُّ والقَزُّ
والقُوهِيُّ والمَرْوِيُّ والحَرِير، وقال اليَمامي: الحُلَّة كل ثوب
جَيِّد جديد تَلْبسه غليظٍ أَو دقيق ولا يكون إِلا ذا ثوبَين، وقال ابن
شميل: الحُلَّة القميص والإِزار والرداء لا تكون أَقل من هذه الثلاثة، وقال
شمر: الحُلَّة عند الأَعراب ثلاثة أَثواب، وقال ابن الأَعرابي: يقال
للإِزار والرداء حُلَّة، ولكل واحد منهما على انفراده حُلَّة؛ قال الأَزهري:
وأَما أَبو عبيد فإِنه جعل الحُلَّة ثوبين. وفي الحديث: خَيْرُ الكَفَن
الحُلَّة، وخير الضَّحِيَّة الكبش الأَقْرَن. والحُلَل: بُرود اليمن ولا
تسمى حُلَّة حتى تكون ثوبين، وقيل ثوبين من جنس واحد؛ قال: ومما يبين ذلك
حديث عمر: أَنه رأَى رجلاً عليه حُلَّة قد ائتزرَ بأَحدهما وارْتَدى
بالآخر فهذان ثوبان؛ وبَعَث عمر إِلى مُعاذ بن عَفْراء بحُلَّة فباعها واشترى
بها خمسة أَرؤس من الرقيق فأَعتقهم ثم قال: إِن رجلاً آثر قِشْرَتَيْن
يَلْبَسُهما على عِتْق هؤلاء لَغَبينُ الرأْي: أَراد بالقِشْرَتَين
الثوبين؛ قال: والحُلَّة إِزار ورداء بُرْد أَو غيره ولا يقال لها حُلَّة حتى
تكون من ثوبين والجمع حُلَل وحِلال؛ أَنشد ابن الأَعرابي:
ليس الفَتى بالمُسْمِن المُخْتال،
ولا الذي يَرْفُل في الحِلال
وحَلَّله الحُلَّة: أَلبسه إِياها؛ أَنشد ابن الأَعرابي:
لَبِسْتَ عليك عِطاف الحَياء،
وحَلَّلَك المَجْدَ بَنْيُ العُلى
أَي أَلْبَسك حُلَّته، وروى غيره: وجَلَّلَك. وفي حديث أَبي اليَسَر: لو
أَنك أَخَذْت بُرْدة غُلامك وأَعْطَيْتَه مُعافِرِيَّك أَو أَخَذْت
مُعافِريَّه وأَعطيته بُرْدتك فكانت عليك حُلَّة وعليه حُلَّة. وفي حديث
عَليّ: أَنه بعث ابنته أُم كلثوم إِلى عمر، رضي الله عنهم، لمَّا خَطَبَها
فقال لها: قُولي له أَبي يقول هل رَضِيت الحُلَّة؟ كَنى عنها بالحُلَّة
لأَن الحُلَّة من اللباس ويكنى به عن النساء؛ ومنه قوله تعالى: هُنَّ لِباس
لكم وأَنتم لباس لهن. الأَزهري: لَبِس فلان حُلَّته أَي سِلاحه.
الأَزهري: أَبو عَمْرو الحُلَّة القُنْبُلانِيَّة وهي الكَراخَة.
وفي حديث أَبي اليَسَر
(* قوله «وفي حديث أَبي اليسر» الذي في نسخة
النهاية التي بأيدينا أنه حديث عمر) والحُلاَّن الجَدْيُ، وسنذكره في
حلن.والحِلَّة: شجرة شاكَة أَصغر من القَتادة يسميها أَهل البادية
الشِّبْرِق، وقال ابن الأَعرابي: هي شجرة إِذا أَكَلَتْها الإِبل سَهُل خروج
أَلبانها، وقيل: هي شجرة تنبت بالحجاز تظهر من الأَرض غَبْراء ذات شَوْك
تأْكلها الدواب، وهو سريع النبات ينبت بالجَدَد والآكام والحَصباء، ولا ينبت
في سَهْل ولا جَبَل؛ وقال أَبو حنيفة: الحِلَّة شجرة شاكَة تنبت في غَلْظ
الأَرض أَصغر من العَوْسَجة ووَرَقُها صغار ولا ثمر لها وهي مَرْعى
صِدْقٍ؛ قال:
تأْكل من خِصْبٍ سَيالٍ وسَلَم،
وحِلَّة لَمَّا تُوَطَّأْها قَدَم
والحِلَّة: موضع حَزْن وصُخور في بلاد بني ضَبَّة متصل برَمْل.
وإحْلِيل: اسم واد؛ حكاه ابن جني؛ وأَنشد:
فلو سَأَلَتْ عَنَّا لأُنْبِئَتَ آنَّنا
بإِحْلِيل، لا نُزْوى ولا نتَخَشَّع
وإِحْلِيلاء: موضع. وحَلْحَل القومَ: أَزالهم عن مواضعهم.
والتَّحَلْحُل: التحرُّك والذهاب. وحَلْحَلْتهم: حَرَّكْتهم. وتَحَلْحَلْت عن المكان
كتَزَحْزَحْت؛ عن يعقوب. وفلان ما يَتَحَلْحل عن مكانه أَي ما يتحرك؛
وأَنشد للفرزدق:
ثَهْلانُ ذو الهَضَبات ما يَتَحَلْحَل
قال ابن بري: صوابه ثَهْلانَ ذا الهَضَبات، بالنصب، لأَن صدره:
فارفع بكفك إِن أَردت بناءنا
قال: ومثله لليلى الأَخيلية:
لنا تامِكٌ دون السماء، وأَصْلُه
مقيم طُوال الدهر، لن يَتَحَلْحلا
ويقال: تَحَلْحَل إِذا تَحَرَّك وذهب، وتَلَحْلَح إِذا أَقام ولم
يتحرَّك. والحَلُّ: الشَّيْرَج. قال الجوهري: والحَلُّ دُهْن السمسم؛ وأَما
الحَلال في قول الراعي:
وعَيَّرني الإِبْلَ الحَلالُ، ولم يكن
ليَجْعَلَها لابن الخَبِيثة خالِقُه
فهو لقب رجل من بني نُمَيْر؛ وأَما قول الفرزدق:
فما حِلَّ من جَهْلٍ حُبَا حُلَمائنا،
ولا قائلُ المعروف فينا يُعَنَّف
أَراد حُلَّ، على ما لم يسم فاعله، فطرح كسرة اللام على الحاء؛ قال
الأَخفش: سمعنا من ينشده كذا، قال: وبعضهم لا يكسر الحاء ولكن يُشِمُّها
الكسر كما يروم في قيل الضم، وكذلك لغَتُهم في المُضعَّف مثل رُدَّ
وشُدَّ.والحُلاحِل: السَّيِّد في عشيرته الشجاع الرَّكين في مجلسه، وقيل: هو
الضَّخْم المروءة، وقيل: هو الرَّزِين مع ثَخانة، ولا يقال ذلك للنساء،
وليس له فعل، وحكى ابن جني: رجل مُحَلْحَل ومُلَحْلَح في ذلك المعنى، والجمع
الحَلاحِل؛ قال امرؤ القيس:
يا لَهْفَ نفسي إِن خَطِئْن كاهِلا،
القاتِلِينَ المَلِكَ الحُلاحِلا
قال ابن بري: والحُلاحِل أَيضاً التامّ؛ يقال: حَوْلٌ حُلاحِل أَي تام؛
قال بُجَير بن
لأْي بن حُجْر:
تُبِين رُسوماً بالرُّوَيْتِج قد عَفَتْ
لعَنْزة، قد عُرِّين حَوْلاً حُلاحِلا
وحَلْحَل: اسم موضع. وحَلْحَلة: اسم رجل. وحُلاحِل: موضع، والجيم أَعلى.
وحَلْحَل بالإِبل: قال لها حَلْ حَلْ، بالتخفيف؛ وأَنشد:
قد جَعَلَتْ نابُ دُكَيْنٍ تَزْحَلُ
أُخْراً، وإِن صاحوا به وحَلْحَلوا
الأَصمعي: يقال للناقة إِذا زَجَرَتْها: حَلْ جَزْم، وحَلٍ مُنَوَّن،
وحَلى جزم لا حَليت؛ قال رؤبة:
ما زال سُوءُ الرَّعْي والتَّنَاجِي،
وطُولُ زَجْرٍ بحَلٍ وعاجِ
قال ابن سيده: ومن خفيف هذا الاسم حَلْ وحَلٍ، لإِناث الإِبل خاصة.
ويقال: حَلا وحَلِيَ لا حَليت، وقد اشتق منه اسم فقيل الحَلْحال؛ قال
كُثَيِّر عَزَّة:
نَاجٍ إِذا زُجِر الركائبُ خَلْفَه،
فَلَحِقْنه وثُنِينَ بالحَلْحال
قال الجوهري: حَلْحَلْت بالناقة إِذا قلت لها حَلْ، قال: وهو زَجْر
للناقة، وحَوْبٌ زَجْر للبعير؛ قال أَبو النجم:
وقد حَدَوْناها بحَوْبٍ وحَلِ
وفي حديث ابن عباس: إِن حَلْ لَتُوطِيءُ الناس وتُؤْذِي وتَشْغَل عن ذكر
الله عز وجل، قال: حَلْ زَجْر للناقة إِذا حَثَثْتَها على السير أَي إِن
زجرك إِياها عند الإِفاضة من عرفات يُؤَدِّي إِلى ذلك من الإِيذاء
والشَّغْل عن ذكر الله، فَسِرْ على هِينَتِك.
ربع: الأَربعة والأَربعون من العدد: معروف. والأَربعة في عدد المذكر
والأَربع في عدد المؤنث، والأَربعون نعد الثلاثين، ولا يجوز في أَربعينَ
أَربعينُ كما جاز في فِلَسْطِينَ وبابه لأَن مذهب الجمع في أَربعين وعشرين
وبابه أَقْوَى وأَغلب منه في فِلَسْطين وبابها؛ فأَما قول سُحَيْم بن
وَثِيل الرِّياحيّ:
وماذا يَدَّري الشُّعراء مِنِّي،
وقد جاوَزْتُ حَدَّ الأَرْبَعِينِ ؟
(* وفي رواية أخرى: وماذا تبتغي الشعراء مني إلخ.)
فليست النون فيه حرف إِعراب ولا الكسرة فيها علامة جرِّ الاسم، وإِنما
هي حركة لالتقاء الساكنين إِذا التقيا ولم تفتح كما تفتح نون الجمع لأَن
الشاعر اضطُرَّ إِلى ذلك لئلا تختلف حركة حرف الرويّ في سائر الأَبيات؛
أَلا ترى أَن فيها:
أَخُو خَمْسِينَ مُجتمِعٌ أَشُدِّي،
ونَجَّذَني مُداوَرَةُ الشُّؤُونِ
ورُباعُ: معدول من أَربعة. وقوله تعالى: مَثْنَى وثُلاثَ ورُباعَ؛ أَراد
أَربعاً فعدَله ولذلك ترك صرْفه. ابن جني: قرأَ الأَعمش مَثْنَى وثُلَثَ
ورُبَعَ، على مثال عُمر، أَراد ورُباع فحذف الأَلف.
ورَبَعَ القومَ يَرْبَعُهم رَبْعاً: صار رابِعَهم وجعلهم أَربعة أَو
أَربعين. وأَربَعُوا: صاروا أَربعة أَو أَربعين. وفي حديث عمرو بن عَبْسةَ:
لقد رأَيْتُني وإِنِّي لرُبُعُ الإِسلام أَي رابِعُ أَهل الإِسلام
تقدَّمني ثلاثةٌ وكنت رابعهم. وورد في الحديث: كنت رابِعَ أَربعة أَي واحداً من
أَربعة. وفي حديث الشعبي في السَّقْط: إِذا نُكِس في الخلق الرابع أَي
إِذا صار مُضْغة في الرَّحِم لأَن الله عز وجل قال: فإِنا خلقناكم من
تُراب ثم من نطفة ثم من علَقة ثم من مُضْغة. وفي بعض الحديث: فجاءت عيناه
بأَربعة أَي بدُموع جرَتْ من نواحي عينيه الأَربع.
والرِّبْعُ في الحُمَّى: إِتيانُها في اليوم الرابع، وذلك أَن يُحَمَّ
يوماً ويُتْرَك يومين لا يُحَمّ ويُحَمّ في اليوم الرابع، وهي حُمَّى
رِبْعٍ، وقد رُبِع الرجل فهو مَرْبوع ومُرْبَع، وأُرْبِعَ؛ قال أُسامةُ بن
حبيب الهذلي:
مِن المُرْبَعِينَ ومن آزِلٍ،
إِذا جَنَّه الليلُ كالناحِطِ
وأَرْبَعَت عليه الحُمَّى: لغة في رُبِعَ، فهو مُرْبَع. وأَربَعَت
الحُمّى زيداً وأَرْبَعَت عليه: أَخذَته رِبعاً، وأَغَبَّتْه: أَخذته غِبًّا،
ورجل مُرْبِعٌ ومُغِبٌّ، بكسر الباء. قال الأَزهري: فقيل له لم قلت
أَرْبَعَتِ الحُمَّى زيداً ثم قلت من المُرْبِعين فجعلته مرة مفعولاً ومرة
فاعلاً؟ فقال: يقال أَرْبَعَ الرجل أَيضاً. قال الأَزهري: كلام العرب أَربعت
عليه الحمى والرجل مُرْبَع، بفتح الباء، وقال ابن الأَعرابي:
أَرْبَعَتْه الحمى ولا يقال رَبَعَتْه. وفي الصحاح: تقول رَبَعَتْ عليه الحُمّى.
وفي الحديث: أَغِبُّوا في عيادة المريض وأَرْبِعُوا إِلا أَن يكون مغلوباً؛
قوله أَرْبِعُوا أَي دَعُوه يومين بعد العيادة وأْتوه اليوم الرابع،
وأَصله من الرِّبْع في أَورادِ الإِبل.
والرِّبْعُ: الظِّمْء من أَظْماء الإِبل، وهو أَن تُحْبَس الإِبلُ عن
الماء أَربعاً ثم تَرِدَ الخامس، وقيل: هو أَن ترد الماءَ يوماً وتَدَعَه
يومين ثم تَرِدَ اليوم الرابع، وقيل: هو لثلاث ليال وأَربعة أَيام.
ورَبَعَت الإِبلُ: وَرَدتْ رِبعاً، وإِبلٌ رَوابِعُ؛ واستعاره العَجَّاج
لوِرْد القطا فقال:
وبَلْدةٍ تُمْسِي قَطاها نُسَّسا
رَوابِعاً، وقَدْرَ رِبْعٍ خُمَّسا
وأَرْبَعَ الإِبلَ: أَوردها رِبْعاً. وأَرْبعَ الرجلُ: جاءت إِبلُه
رَوابعَ وخَوامِس، وكذلك إِلى العَشْر. والرَّبْعُ: مصدر رَبَعَ الوَترَ
ونحوه يَرْبَعه رَبْعاً، جعله مفتولاً من أَربع قُوًى، والقوة الطاقةُ،
ويقال: وَتَرٌ مَرْبوعٌ؛ ومنه قول لبيد:
رابِطُ الجأْشِ على فَرْجِهِمُ،
أَعْطِفُ الجَوْنَ بمرْبوعٍ مِتَلِّ
أَي بعنان شديد من أَربع قُوًى. ويقال: أَراد رُمْحاً مَرْبوعاً لا
قصيراً ولا طويلاً، والباء بمعنى مع أَي ومعيَ رُمْح. ورمح مربوع: طوله
أَرْبَعُ أَذْرُعٍ.
وربَّع الشيءَ: صيره أَربعةَ أَجزاء وصيره على شكل ذي أَربع وهو
التربيع. أَبو عمرو: الرُّومِيُّ شِراعُ السفينة الفارغة، والمُرْبِعُ شِراعُ
المَلأَى، والمُتَلَمِّظةُ مَقْعدُ الاشْتِيام وهو رَئيسُ الرُّكابِ.
والتربيعُ في الزرع: السَّقْية التي بعد التثليث.
وناقة رَبوعٌ: تَحْلُبُ أَربعة أَقداح؛ عن ابن الأَعرابي.
ورجل مُرَبَّعُ الحاجبين: كثير شعرهما كأَنَّ له أَربعة حَواجبَ؛ قال
الراعي:
مُرَبَّع أَعلى حاجبِ العينِ، أُمُّه
شَقيقةُ عَبْدٍ، من قَطينٍ، مُوَلَّدِ
والرُّبْع والرُّبْع والرَّبيعُ: جزء من أَربعة يَطَّرد ذلك في هذه
الكسور عند بعضهم، والجمع أَرباعٌ ورُبوعٌ. وفي حديث طلحة: أَنه لما رُبِعَ
يوم أُحُد وشَلَّت يدُه قال له: باءَ طلحةُ بالجنةِ؛ رُبِعَ أَي أُصِيبَت
أَرباعُ رأْسه وهي نواحيه، وقيل: أَصابه حُمّى الرِّبْع، وقيل: أُصِيبَ
جَبينُه؛ وأَما قول الفَرزدق:
أَظُنُّك مَفْجوعاً بِرُبْعِ مُنافِقٍ،
تَلَبَّس أَثوابَ الخِيانةِ والغَدْرِ
فإِنه أَراد أَنَّ يمينه تُقْطَع فيَذْهَب رُبْع أَطرافِه الأَربعة.
ورَبَعَهم يَرْبَعُهم رَبْعاً: أَخذ رُبْع أَموالهم مثل عَشَرْتُهم
أَعْشُرُهم. ورَبَعهم: أَخذ رُبع الغنيمة.
والمِرْباع: ما يأْخذه الرئيس وهو ربع الغنيمة؛ قال:
لكَ المِرْباعُ منها والصَّفايا،
وحُكْمُكَ والنَّشِيطةُ والفُضول
الصَّفايا: ما يَصْطَفِيه الرئيس، والنَّشِيطةُ: ما أَصاب من الغنيمة
قبل أَن يصير إِلى مُجتَمع الحيّ، والفُضول: ما عُجِزَ أَن يُقْسَم لقلته
وخُصَّ به. وفي حديث القيامة: أَلم أَذَرْكَ تَرْأَسُ وتَرْبَعُ أَي تأْخذ
رُبع الغنيمة أَو تأْخذ المِرْباع؛ معناه أَلم أَجْعَلْك رئيساً
مُطاعاً؟ قال قطرب: المِرْباع الرُّبع والمِعْشار العُشر ولم يسمع في غيرهما؛
ومنه قول النبي، صلى الله عليه وسلم، لعديّ بن حاتم قبل إِسلامه: إِنك
لتأْكلُ المِرْباع وهو لا يَحِلُّ لك في دينك؛ كانوا في الجاهلية إِذا غَزا
بعضهم بعضاً وغَنِموا أَخذ الرئيس ربع الغنيمة خالصاً دون أَصحابه، وذلك
الربع يسمى المِرْباع؛ ومنه شعر وفد تَمِيم:
نحن الرُّؤُوس وفينا يُقْسم الرُّبُعُ
وقال ابن سكيت في قول لبيد يصف الغيث:
كأَنَّ فيه، لمَّا ارْتَفَقْتُ له،
رَيْطاً ومِرْباعَ غانمٍ لَجَبا
قال: ذكر السَّحاب، والارْتِفاقُ: الاتِّكاءُ على المِرْفَقِ؛ يقول:
اتَّكأْت على مِرْفَقي أَشِيمُه ولا أَنام، شبَّه تبَوُّجَ البرق فيه
بالرَّيْط الأَبيض، والرَّيْطةُ: مُلاءة ليست بمُلَفَّقة، وأَراد بمرباع غانمٍ
صوْتَ رعده، شبهه بمرباع صاحب الجيش إِذا عُزل له ربع النَّهْب من الإِبل
فتحانَّت عند المُوالاة، فشبه صوت الرعد فيه بِحَنِينها؛ ورَبعَ
الجَيْشَ يَرْبَعُهم رَبْعاً ورَباعةً: أَخذ ذلك منهم.
ورَبَع الحَجرَ يَرْبَعُه رَبْعاً وارتبعه: شالَه ورفعه، وقيل: حمله،
وقيل: الرَّبْعُ أَن يُشال الحجر باليد يُفْعَلُ ذلك لتُعْرَفَ به شدَّة
الرجل. قال الأَزهري: يقال ذلك في الحجر خاصّة. والمَرْبُوعُ والرَّبيعة:
الحجر المَرْفُوع، وقيل: الذي يُشال. وفي الحديث: مرَّ بقوم يَرْبَعُون
حَجراً أَو يَرْتَبِعُون، فقال: عُمّالُ الله أَقْوَى من هؤُلاء؛
الرَّبْعُ: إِشالةُ الحجر ورَفْعُه لإِظْهار القوَّةِ.
والمِرْبَعةُ: خُشَيْبة قصيرة يُرْفَع بها العِدْل يأْخذ رجلان
بطَرَفَيْها فيَحْمِلان الحِمْل ويَضَعانه على ظهر البعير؛ وقال الأَزهري: هي عصا
تحمل بها الأَثقال حتى توضَع على ظهر الدوابّ، وقيل: كل شيء رُفع به شيء
مِرْبَعة، وقد رابَعَه. تقول منه: رَبَعْت الحِمْل إِذا أَدخَلتها تحته
وأَخذت أَنت بطَرَفِها وصاحِبُك بطرَفِها الآخر ثم رَفَعْتَه على البعير؛
ومنه قول الشاعر:
أَينَ الشِّظاظانِ وأَينَ المِرْبَعهْ؟
وأَينَ وَسْقُ الناقةِ الجَلَنْفَعَهْ؟
فإِن لم تكن المِرْبَعةُ فالمُرابَعةُ، وهي أَن تأْخذ بيد الرجل ويأْخذ
بيدك تحت الحِمْل حتى تَرفعاه على البعير؛ تقول: رابَعْت الرَّجل إِذا
رَفَعْتَ معه العِدْلَ بالعصا على ظهر البعير؛ قال الراجز:
يا لَيْتَ أُمَّ العَمْر كانتْ صاحِبي،
مَكانَ مَنْ أَنْشا على الرَّكائبِ
ورابَعَتْني تحتَ لَيْلٍ ضارِبِ،
بساعِدٍ فَعْمٍ وكَفٍّ خاضِبِ
ورَبَع بالمكان يَرْبَعُ رَبْعاً: اطمأَنَّ. والرَّبْع: المنزل والدار
بعينها، والوَطَنُ متى كان وبأَيِّ مكان كان، وهو مشتق من ذلك، وجمعه
أَرْبُعٌ ورِباعٌ ورُبُوعٌ وأَرْباعٌ. وفي حديث أُسامة: قال له، عليه السلام:
وهل تَرَك لنا عَقِيلٌ من رَبْعٍ؟ وفي رواية: من رِباعٍ؛ الرَّبْعُ:
المَنْزِلُ ودارُ الإِقامة. ورَبْعُ القوم: مَحَلَّتُهم. وفي حديث عائشة:
أرادت بيع رِباعِها أَي مَنازِلها. وفي الحديث: الشُّفْعَةُ في كل رَبْعةٍ
أَو حائط أَو أَرض؛ الرَّبْعةُ: أَخصُّ من الرَّبع، والرَّبْعُ
المَحَلَّة. يقال: ما أَوسع رَبْعَ بني فلان والرَّبّاعُ: الرجل الكثير شراءِ
الرِّباع، وهي المنازِل. ورَبَعَ بالمكان رَبْعاً: أَقام. والرَّبْعُ:
جَماعةُ الناسِ. قال شمر: والرُّبُوع أَهل المَنازل أَيضاً؛ قال
الشَّمّاخ:تُصِيبُهُمُ وتُخْطِئُني المَنايا،
وأَخْلُفُ في رُبُوعٍ عن رُبُوعِ
أَي في قَوْم بعد قوم؛ وقال الأَصمعي: يريد في رَبْعٍ من أَهلي أَي في
مَسْكَنهم، بعد رَبْع. وقال أَبو مالك: الرَّبْعُ مثل السَّكن وهما أَهل
البيتِ؛ وأَنشد:
فإِنْ يَكُ ربْعٌ من رِجالٍ، أَصابَهمْ،
من الله والحَتْمِ المُطِلِّ، شَعُوبُ
وقال شمر: الرَّبْعُ يكون المنزلَ وأَهل المنزل، قال ابن بري:
والرَّبْعُ أَيضاً العَدَدُ الكثير؛ قال الأَحوص:
وفِعْلُكَ مرضِيٌّ، وفِعْلُكَ جَحْفَلّ،
ولا عَيْبَ في فِعْلٍ ولا في مُرَكَّبِ
(* قوله «وفعلك إلخ» كذا بالأصل ولا شاهد فيه ولعله وربعك جحفل.)
قال: وأَما قول الراعي:
فَعُجْنا على رَبْعٍ برَبْعٍ، تَعُودُه،
من الصَّيْفِ، جَشّاء الحَنِينِ تُؤَرِّجُ
قال: الرَّبْع الثاني طَرَف الجَبل. والمَرْبُوع من الشعر: الذي ذهَب
جزآن من ثمانية أَجزاء من المَديد والبَسِيط؛ والمَثْلُوث: الذي ذهب جزآن
من ستة أَجزاء.
والرَّبِيعُ: جزء من أَجزاء السنة فمن العرب من يجعله الفصل الذي يدرك
فيه الثمار وهو الخريق ثم فصل الشتاء بعده ثم فصل الصيف، وهو الوقت الذي
يَدْعُوه العامة الرّبيعَ، ثم فصل القَيْظ بعده، وهو الذي يدعوه العامةُ
الصيف، ومنهم من يسمي الفصل الذي تدرك فيه الثمار، وهو الخريف، الربيعَ
الأَول ويسمي الفصل الذي يتلو الشتاء وتأْتي فبه الكَمْأَة والنَّوْرُ
الربيعَ الثاني، وكلهم مُجْمِعون على أَنّ الخريف هو الربيع؛ قال أَبو حنيفة:
يسمى قِسما الشتاء ربيعين: الأَوَّل منهما ربيع الماء والأَمطار،
والثاني ربيع النبات لأَن فيه ينتهي النبات مُنْتهاه، قال: والشتاء كله ربيع
عند العرب من أَجل النَّدى، قال: والمطر عندهم ربيع متى جاء، والجمع
أَرْبِعةٌ ورِباعٌ. وشَهْرا رَبِيعٍ سميا بذلك لأَنهما حُدّا في هذا الزمن
فلَزِمَهما في غيره وهما شهرانِ بعد صفَر، ولا يقال فيهما إِلا شهرُ ربيع
الأَوّل وشهرُ ربيع الآخر. والربيعُ عند العرب رَبيعانِ: رَبيعُ الشهور
وربيع الأَزمنة، فربيع الشهور شهران بعد صفر، وأَما ربيع الأَزمنة فربيعان:
الربيعُ الأَول وهو الفصل الذي تأْتي فيه الكمأَة والنَّوْر وهو ربيع
الكَلإ، والثاني وهو الفصل الذي تدرك فيه الثمار، ومنهم من يسميه الرّبيع
الأَوّل؛ وكان أَبو الغوث يقول: العرب تجعل السنة ستة أَزمنة: شهران منها
الربيع الأَوّل، وشهران صَيْف، وشهران قَيظ، وشهران الربيع الثاني، وشهران
خريف، وشهران شتاء؛ وأَنشد لسعد بن مالك بن ضُبَيْعةَ:
إِنَّ بَنِيَّ صِبْيةٌ صَيْفِيُّونْ،
أَفْلَحَ مَن كانتْ له رِبْعِيُّونْ
فجعل الصيف بعد الربيع الأَول. وحكى الأَزهري عن أَبي يحيى بن كناسة في
صفة أَزمنة السنة وفُصولها وكان علاَّمة بها: أَن السنة أَربعةُ أَزمنة:
الربيع الأَول وهو عند العامّة الخريف، ثم الشتاء ثم الصيف، وهو الربيع
الآخر، ثم القيظ؛ وهذا كله قول العرب في البادية، قال: والربيع الأَوّل
الذي هو الخريف عند الفُرْس يدخل لثلاثة أَيام من أَيْلُول، قال: ويدخل
الشتاء لثلاثة أَيام من كانُون الأَوّل، ويدخل الصيف الذي هو الربيع عند
الفرس لخمسة أَيام تخلو من أَذار، ويدخل القيظ الذي هو صيف عند الفرس
لأَربعة أَيام تخلو من حَزِيران، قال أَبو يحيى: وربيع أَهل العِراق موافق
لربيع الفرس، وهو الذي يكون بعد الشتاء، وهو زمان الوَرْد وهو أَعدل
الأَزمنة، وفيه تُقْطع العروق ويُشرب الدّواء؛ قال: وأَهل العراق يُمطَرون في
الشتاء كله ويُخْصِبون في الربيع الذي يتلو الشتاء، فأَما أَهل اليمن فإِنهم
يُمْطَرون في القيظ ويُخْصِبون في الخريف الذي تسميه العرب الربيع
الأَول. قال الأَزهري: وسمعت العرب يقولون لأَوّل مطر يقع بالأَرض أَيام
الخريف ربيع، ويقولون إِذا وقع ربيع بالأَرض: بَعَثْنا الرُّوّاد وانْتَجَعْنا
مساقِط الغَيْثِ؛ وسمعتهم يقولون للنخيل إِذا خُرِفت وصُرِمَت: قد
تَربَّعَت النَّخِيلُ، قال: وإِنما سمي فصل الخريف خريفاً لأَن الثمار
تُخْتَرَف فيه، وسمته العرب ربيعاً لوقوع أَوّل المطر فيه. قال الأَزهري: العرب
تَذْكُر الشهور كلها مجردة إِلا شَهْرَيْ رَبِيع وشهر رمضان. قال ابن
بري: ويقال يومٌ قائظٌ وصافٍ وشاتٍ، ولا يقال يومٌ رابِعٌ لأَنهم لم
يَبْنُوا منه فِعْلاً على حدّ قاظَ يومُنا وشتا فيقولوا رَبَعَ يومُنا لأَنه لا
معنى فيه لحَرّ ولا بَرْد كما في قاظَ وشتا. وفي حديث الدعاء: اللهم
اجْعلِ القرآنَ رَبِيعَ قَلْبي؛ جعله ربيعاً له لأَن الإِنسان يرتاح قلبه في
الربيع من الأَزمان ويَمِيل إِليه، وجمعُ الربيع أَرْبِعاء وأَرْبِعة مثل
نَصِيب وأَنْصِباء وأَنْصِبة، قال يعقوب: ويجمع رَبِيع الكلإِ على
أَربعة، ورَبِيعُ الجَداولِ أَرْبِعاء. والرَّبِيع: الجَدْوَلُ. وفي حديث
المُزارَعةِ: ويَشْتَرِط ما سقَى الرَّبيعُ والأَرْبِعاء؛ قال: الربيعُ
النَّهرُ الصغير، قال: وهو السَّعِيدُ أَيضاً. وفي الحديث: فعدَلَ إِلى
الرَّبِيعِ فَتَطَهَّر. وفي الحديث: بما يَنْبُت على ربِيعِ السَّاقي، هذا من
إِضافة المَوْصُوف إِلى الصفة أَي النهر الذي يَسْقِي الزَّرْع؛ وأَنشد
الأَصمعي قول الشاعر:
فُوهُ رَبيعٌ وكَفُّه قَدَحٌ،
وبَطْنُه، حين يَتَّكِي، شَرَبَهْ
يَسَّاقَطُ الناسُ حَوْلَهُ مَرَضاً،
وهْو صَحِيحٌ، ما إِنْ به قَلَبَهْ
أَراد بقوله فوه ربيع أَي نهر لكثرة شُرْبه، والجمع أَرْبِعاء؛ ومنه
الحديث: أَنهم كانوا يُكْرُون الأَرض بما يَنْبُت على الأَرْبِعاء أَي كانوا
يُكرون الأَرض بشيء معلوم، ويشترطون بعد ذلك على مُكْتريها ما يَنْبُت
على الأَنهار والسواقي. وفي حديث سَهْل بن سعد، رضي الله عنه: كانت لنا
عجوز تأْخذ من أُصُول سِلْقٍ كنا نَغْرِسُه على أَرْبِعائنا. ورَبِيعٌ
رابِعٌ: مُخْصِبٌ على المبالغة، وربما سمي الكَلأُ والغَيْثُ رَبِيعاً.
والرّبيعُ أَيضاً: المطر الذي يكون في الربيع، وقيل: يكون بعد الوَسْمِيِّ
وبعده الصيف ثم الحَمِيمُ. والرَّبيعُ: ما تَعْتَلِفُه الدوابُّ من الخُضَر،
والجمع من كل ذلك أَرْبعةٌ. والرِّبعة، بالكسر: اجْتِماعُ الماشية في
الرَّبِيع، يقال: بلد مَيِّتٌ أَنيثٌ طَيِّبُ الرِّبْعةِ مَريء العُود.
ورَبَع الرَّبُِعُ يَرْبَع رُبُوعاً: دخَل. وأَرْبَع القومُ: دخلوا في
الرَّبِيع، وقيل: أَرْبعوا صاروا إِلى الرِّيف والماء. وتَرَبَّع القومُ
الموضِع وبه وارْتَبَعوه: أَقاموا فيه زمَن الربيع.
وفي حديث ابن عبد العزيز: أَنه جَمَّع في مُتَرَبَّعٍ له؛ المَرْبَع
والمُرْتَبَعُ والمُتَرَبَّعُ: الموضع الذي يُنْزَلُ فيه أَيّام الربيع،
وهذا على مذهب من يَرى إِقامة الجمعة في غير الأَمصار، وقيل: تَرَبَّعوا
وارْتَبَعوا أَصابوا ربيعاً، وقيل: أَصابوه فأَقاموا فيه. وتربَّعت الإِبل
بمكان كذا وكذا أَي أَقامت به؛ قال الأَزهري: وأَنشدني أَعرابي:
تَرَبَّعَتْ تَحْتَ السُّمِيِّ الغُيَّمِ،
في بَلَدٍ عافي الرِّياضِ مُبْهِمِ
عافي الرِّياضِ أَي رِياضُهُ عافِيةٌ وافِيةٌ لم تُرْعَ. مُبْهِم: كثير
البُهْمى. والمَرْبَع: المَوضع الذي يقام فيه زمن الرَّبِيع خاصّة،
وتقول: هذه مَرابعُنا ومَصايِفُنا أَي حيث نَرْتَبِع ونَصِيفُ، والنسبة إِلى
الرّبيع رِبعيٌّ، بكسر الراء، وكذلك رِبْعِيُّ ابن خِراش. وقيل:
أَرْبَعُوا أَي أَقاموا في المَرْبَع عن الارْتِياد والنُّجْعة؛ ومنه قولهم:
غَيْثٌ مُرْبِعٌ مُرْتِع؛ المُرْتِعُ الذي يُنْبِت ما تَرْتَعُ فيه الإِبل.
وفي حديث الاسْتِسْقاء: اللهم اسْقِنا غَيْثاً مَرِيعاً مُرْبِعاً،
فالمَرِيع: المُخْصِب الناجِعُ في المال، والمُرْبِع: العامُّ المُغْني عن
الارْتِياد والنُّجعة لِعمومه، فالناس يَرْبَعُون حيث كانوا أَي يُقِيمون
للخِصْب العامّ ولا يَحتاجُون إِلى الانتقال في طَلَب الكلإِ، وقيل: يكون من
أَرْبَعَ الغَيْثُ إِذا أَنبت الرّبِيعَ؛ وقول الشاعر:
يَداكَ يَدٌ رَبيعُ النَّاسِ فيها
وفي الأُخْرَى الشُّهورُ من الحَرام
أَراد أَنَّ خِصْب الناسِ في إِحدى يديه لأَنه يُنْعِش الناسَ بسَيْبِه،
وفي يده الأُخرى الأَمْنُ والحَيْطة ورَعْيُ الذِّمام. وارْتَبَعَ
الفرَسُ والبعيرُ وترَبَّع: أَكل الربيع. والمُرْتَبِعُ من الدّوابّ: الذي
رَعى الربيع فسَمِن ونَشِط. ورُبِعَ القومُ رَبْعاً: أَصابهم مطر الرَّبيع؛
ومنه قول أَبي وجزة:
حتى إِذا ما إِيالاتٌ جَرَتْ بُرُحاً،
وقد رَبَعْن الشَّوَى من ماطِرٍ ماجِ
فإِنّ معنى رَبَعْن أَمْطَرْن من قولك رُبِعْنا أَي أَصابَنا مطر
الربيع، وأَراد بقوله من ماطر أَي عَرَق مأْجٍ ملْحٍ؛ يقول: أَمْطَرْن
قَوائمَهن من عَرَقِهن. ورُبِعَت الأَرضُ، فهي مَرْبُوعة إِذا أَصابها مطر
الربيع. ومُرْبِعةٌ ومِرْباعٌ: كثيرة الرَّبِيع؛ قال ذو الرمة:
بأَوَّلَ ما هاجَتْ لكَ الشَّوْقَ دِمْنةٌ
بِأَجْرَعَ مِرْباعٍ مَرَبٍّ، مُحَلَّلِ
وأَرْبَع لإِبله بمكان كذا وكذا: رعاها في الربيع؛ وقول الشاعر:
أَرْبَعُ عند الوُرُودِ في سُدُمٍ،
أَنْقَعُ من غُلَّتي وأُجْزِئُها
قيل: معناه أَلَغُ في ماءٍ سُدُمٍ وأَلهَجُ فيه.
ويقال: ترَبَّعْنا الحَزْن والصَّمّانَ أَي رَعَينا بُقولها في
الشِّتاء.وعامَله مُرابَعة ورِباعاً: من الرَّبيع؛ الأَخيرة عن اللحياني.
واستأْجره مُرابعةً ورِباعاً؛ عنه أَيضاً، كما يقال مُصايَفة ومشاهَرة.
وقولهم: ما له هُبَعٌ ولا رُبَعٌ، فالرُبَع: الفَصيل الذي يُنْتَج في
الربيع وهو أَوّل النِّتاج، سمي رُبَعاً لأَنه إِذا مشى ارتَبَع ورَبَع أَي
وسَّع خطْوه وعَدا، والجمع رِباع وأَرْباع مثل رُطَب ورِطاب وأَرْطاب؛
قال الراجز:
وعُلْبة نازَعْتها رِباعي،
وعُلْبة عند مَقِيل الرّاعِي
والأُنثى رُبَعةٌ، والجمع رُبَعات، فإِذا نُتِج في آخر النِّتاج فهو
هُبَع، والأُنثى هُبَعة، وإِذا نسب إِليه فهو رُبَعِيٌّ. وفي الحديث: مري
بَنِيك أَن يُحْسِنوا غذاء رِباعهم؛ الرِّباع، بكسر الراء: جمع رُبَع وهو
ما وُلد من الإِبل في الربيع، وقيل: ما ولد في أَوّل النِّتاج؛ وإِحْسان
غِذائها أَن لا يُستَقْصى حلَب أُمهاتها إِبقاء عليها؛ ومنه حديث عبد
الملك بن عمير: كأَنه أَخْفاف الرِّباع. وفي حديث عمر: سأَله رجل من الصَّــدقة
فأَعْطاه رُبَعة يَتْبَعُها ظِئراها؛ هو تأْنيث الرُّبَع؛ وفي حديث
سليْمَان بن عبد الملك:
إِنَّ بَنِيَّ صِبْيةٌ صَيْفِيُّونْ،
أَفْلَحَ مَن كان له رِبْعِيُّونْ
الرِّبْعي: الذي ولد في الربيع على غير قياس، وهو مثل للعرب قديم. وقيل
للقمَر: ما أَنت ابنُ أَربع، فقال: عَتَمة رُبَعْ لا جائع ولا مُرْضَع؛
وقال الشاعر في جمع رِباع:
سَوْفَ تَكْفِي من حُبِّهِنَّ فتاةٌ
تَرْبُقُ البَهْمَ، أَو تَخُلُّ الرِّباعا
يعني جمع رُبَع أَي تَخُلّ أَلسِنةَ الفِصال تَشُقُّها وتجعل فيها عوداً
لئلا تَرْضَع، ورواه ابن الأَعرابي: أَو تحُلّ الرِّباعا أَي تحل
الرَّبيع معنا حيث حَلَلْنا، يعني أَنها مُتَبَدِّية، والرواية الأُولى أَولى
لأَنه أَشبه بقوله تربق البَهْم أَي تَشُدُّ البَهم عن أُمّهاتها لئلا
تَرْضَع ولئلا تُفَرَّقَ، فكأَنّ هذه الفَتاة تَخْدم البَهْم والفِصال،
وأَرْباعٌ ورِباع شاذّ لأَن سيبويه قال: إِنّ حُكْم فُعَل أَن يُكَسَّر على
فِعْلان في غالب الأَمر، والأُنثى رُبَعة.
وناقة مُرْبِعٌ: ذات رُبَع، ومِرْباعٌ: عادتُها أَن تُنْتَج الرِّباع،
وفرَّق الجوهري فقال: ناقة مُرْبِع تُنْتَج في الربيع، فإِن كان ذلك
عادتها فهي مِرْباع. وقال الأَصمعي: المِرْباع من النوق التي تلد في أَوّل
النِّتاج. والمِرْباعُ: التي ولدها معها وهو رُبَع. وفي حديث هشام في وصف
ناقة: إِنها لمِرْباعٌ مِسْياعٌ؛ قال: هي من النوق التي تلد في أَول
النتاج، وقيل: هي التي تُبَكِّر في الحَمْل، ويروى بالياء، وسيأْتي ذكره.
ورِبْعِيّة القوم: ميرَتُهم في أَول الشتاء، وقيل: الرِّبْعِية ميرة الرَّبيع
وهي أَوَّل المِيَر ثم الصَّيْفِيَّةُ ثم الدَّفَئية ثم الرَّمَضِيَّة،
وكل ذلك مذكور في مواضعه. والرِّبْعية أَيضاً: العير الممْتارة في الربيع،
وقيل: أَوّلَ السنة، وإِنما يذهبون بأَوّل السنة إِلى الربيع، والجمع
رَباعيّ. والرِّبْعِيَّة: الغَزوة في الرَّبيع؛ قال النابغة:
وكانَتْ لهم رِبْعِيَّةٌ يَحْذَرُونَها،
إِذا خَضْخَضَتْ ماءَ السّماء القَنابِل
(* في ديوان النابغة: القبائل بدل القنابل.)
يعني أَنه كانت لهم غزوة يَغْزُونها في الربيع. وأَرْبَعَ الرجلُ، فهو
مُرْبِعٌ: ولد له في شبابه، على المثل بالربيع، وولده رِبْعِيّون؛
وأَورد:إِنَّ بَنِيَّ غِلْمةٌ صَيْفِيُّونْ،
أَفْلَحَ مَن كانت له رِبْعِيُّونْ
(* سابقاً كانت: صبية بدل غلمة.)
وفصيل رِبْعِيٌّ: نُتِجَ في الربيع نسب على غير قياس. ورِبْعِيّة
النِّتاج والقَيْظ: أَوَّله. ورِبْعيّ كل شيء: أَوَّله. رِبْعيّ النتاج
ورِبْعيّ الشباب: أَوَّله؛ أَنشد ثعلب:
جَزِعْت فلم تَجْزَعْ من الشَّيْبِ مَجْزَعا،
وقد فاتَ رِبْعيُّ الشبابِ فَوَدَّعا
وكذلك رِبْعِيّ المَجْد والطعْنِ؛ وأَنشد ثعلب أَيضاً:
عليكم بِرِبْعِيِّ الطِّعان، فإِنه
أَشَقُّ على ذي الرَّثْيةِ المُتَصَعِّبِ
(* قوله «المتصعب» أَورده المؤلف في مادة ضعف المتضعف.)
رِبْعِيُّ الطِّعان: أَوَّله وأَحَدُّهُ. وسَقْب رِبْعي وسِقاب رِبْعية:
وُلِدت في أَوَّل النِّتاج؛ قال الأَعشى:
ولكِنَّها كانت نَوًى أَجْنَبيَّةً،
تَواليَ رِبْعيِّ السِّقابِ فأَصْحَبا
قال الأَزهري: هكذا سمعت العرب تُنْشِده وفسروا لي تَوالي رِبْعِي
السقاب أَنه من المُوالاة، وهو تمييز شيء من شيء. يقال: والَيْنا الفُصْلان عن
أُمهاتها فتَوالَتْ أَي فَصَلْناها عنها عند تَمام الحَوْل، ويَشْتَدّ
عليها المُوالاة ويَكْثُر حَنِينها في إِثْر أُمهاتها ويُتَّخَذ لها
خَنْدق تُحْبَس فيه، وتُسَرَّح الأُمهات في وَجْه من مراتِعها فإِذا تَباعَدت
عن أَولادها سُرِّحت الأَولاد في جِهة غير جهة الأُمهات فترعى وحدها
فتستمرّ على ذلك، وتُصْحب بعد أَيام؛ أَخبر الأَعشى أَنّ نَوَى صاحِبته
اشْتدَّت عليه فَحنّ إِليها حَنِين رِبْعيِّ السِّقاب إِذا وُوليَ عن أُمه،
وأَخبر أَنَّ هذا الفصيل
(* قوله «ان هذا الفصيل إلخ» كذا بالأصل ولعله أنه
كالفصيل.) يستمر على المُوالاة ولم يُصْحِب إِصْحاب السَّقْب. قال
الأَزهري: وإِنما فسرت هذا البيت لأَن الرواة لما أَشكل عليهم معناه
تخَبَّطُوا في اسْتِخْراجه وخَلَّطوا، ولم يَعْرِفوا منه ما يَعْرِفه مَن شاهَد
القوم في باديتهم، والعرب تقول: لو ذهبْت تريد ولاء ضَبَّةَ من تَميم
لتعَذَّر عليك مُوالاتُهم منهم لاختلاط أَنسابهم؛ قال الشاعر:
وكُنَّا خُلَيْطَى في الجِمالِ، فَأَصْبَحَتْ
جِمالي تُوالى وُلَّهاً من جِمالِك
تُوالى أَي تُمَيَّز منها. والسِّبْطُ الرِّبْعِي: نَخْلة تُدْرك آخر
القيظ؛ قال أَبو حنيفة: سمي رِبعِيّاً لأَن آخر القيظ وقت الوَسْمِيّ.
وناقة رِبْعِية: مُتَقَدِّمة النِّتاج، والعرب تقول: صَرَفانةٌ رِبْعِيّة
تُصْرَم بالصيف وتؤكل بالشَّتِيّة؛ رِبعِية: مُتقدِّمة.
وارْتَبَعتِ الناقةُ وأَرْبَعَتْ وهي مُرْبِعٌ: اسْتَغْلَقَت رَحِمُها
فلم تَقبل الماء.
ورجل مَرْبوع ومُرْتَبَع ومُرْتَبِع ورَبْعٌ ورَبْعة ورَبَعة أَي
مَرْبُوعُ الخَلْق لا بالطويل ولا بالقصير، وُصِف المذَكَّر بهذا الاسم
المؤَنّث كما وصف المذكر بخَمْسة ونحوها حين قالوا: رجال خمسة، والمؤنث رَبْعة
وربَعة كالمذكر، وأَصله له، وجَمْعُهما جميعاً رَبَعات، حركوا الثاني وإِن
كان صفة لأَن أَصل رَبْعة اسمٌ مؤنث وقع على المذكر والمؤنثِ فوصف به،
وقد يقال رَبْعات، بسكون الباء، فيجمع على ما يجمع هذا الضرب من الصفة؛
حكاه ثعلب عن ابن الأَعرابي. قال الفراء: إِنما حُرِّكَ رَبَعات لأَنه جاء
نعتاً للمذكر والمؤَنث فكأَنه اسم نُعت به. قال الأَزهري: خُولِفَ به
طريق ضَخْمة وضَخْمات لاستواء نُعِت الرجل والمرأَة في قوله رجل رَبْعة
وامرأَة ربعة فصار كالاسم، والأَصل في باب فَعْلة من الأَسماء مثل تَمْرة
وجَفْنة أَن يجمع على فَعَلات مثل تَمَرات وجَفَنات، وما كان من النعوت على
فَعْلة مثل شاة لَجْبة وامرأَة عَبْلة أَن يجمع على فَعْلات بسكون العين
وإِنما جمع رَبْعة على رَبَعات وهو نعت لأَنه أَشبه الأَسماء لاستواء لفظ
المذكر والمؤنث في واحده؛ قال: وقال الفراء من العرب من يقول امرأَة
رَبْعة ونسوة رَبْعات، وكذلك رجل رَبْعة ورجال رَبْعون فيجعله كسائر النعوت.
وفي صفته، صلى الله عليه وسلم: أَطول من المَرْبوع وأَقْصَر من
المُشَذَّب؛ فالمشذَّب: الطويل البائن، والمَرْبوعُ: الذي ليس بطويل ولا قصير،
فالمعنى أَنه لم يكن مُفرط الطول ولكن كان بين الرَّبْعة والمُشَذَّب.
والمَرابيعُ من الخيل: المُجْتَمِعةُ الخَلْق.
والرَّبْعة، بالتسكين: الجُونة جُونة العَطَّار. وفي حديث هِرَقْل: ثم
دعا بشيء كالرَّبْعة العظيمة؛ الرَّبْعة: إِناء مُربَّع كالجُونة.
والربَعَة: المسافة بين قوائم الأَثافي والخِوان. وحملْت رَبْعَه أَي
نَعْشَه.والربيعُ: الجَدْوَلُ. والرَّبيعُ: الحَظُّ من الماء ما كان، وقيل: هو
الحَظّ منه رُبْع يوم أَو ليلة؛ وليس بالقَوِيّ. والربيع: الساقية الصغيرة
تجري إِلى النخل، حجازية، والجمع أَرْبِعاء ورُبْعان.
وتركناهم على رَباعاتِهم
(* قوله «رباعاتهم إلخ» ليست هذه اللغة في
القاموس وعبارته: هم على رباعتهم ويكسر ورباعهم وربعاتهم محركة وربعاتهم ككتف
وربعتهم كعنبة.) ورِباعَتِهم، بكسر الراء، ورَبَعاتهم ورَبِعاتِهم، بفتح
الباء وكسرها، أَي حالةٍ حسَنةٍ من اسْتقامتهم وأَمْرِهم الأَوَّل، لا
يكون في غير حسن الحال، وقيل: رِباعَتُهم شَأْنُهم، وقال ثعلب: رَبَعاتُهم
ورَبِعاتُهم مَنازِلُهم. وفي كتابه للمهاجرين والأَنصار: إِنهم أُمَّة
واحدة على رِباعتهم أَي على استقامتهم؛ يريد أَنهم على أَمرهم الذي كانوا
عليه. ورِباعةُ الرجل: شأْنه وحالهُ التي هو رابِعٌ عليها أَي ثابت
مُقيمٌ. الفراء: الناس على سَكَناتهم ونَزلاتهم ورَباعتهم ورَبَعاتهم يعني على
استقامتهم. ووقع في كتاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ليهود على
رِبْعَتهم؛ هكذا وجد في سِيَر ابن إِسحقَ وعلى ذلك فسره ابن هشام. وفي حديث
المُغيرة: أَن فلاناً قد ارْتَبَعَ أَمْرَ القوم أَي ينتظر أَن يُؤَمَّر
عليهم؛ ومنه المُسْتَرْبِعُ المُطيقُ للشيء. وهو على رباعة قومه أَي هو
سَيِّدهم. ويقال: ما في بني فلان من يَضْبِطُ رِباعَته غير فلان أَي
أَمْرَه وشأْنه الذي هو عليه. وفي التهذيب: ما في بني فلان أَحد تُغْني
رِباعَتُه؛ قال الأَخطل:
ما في مَعَدٍّ فَتًى تُغْنِي رِباعَتُه،
إِذا يَهُمُّ بأَمْرٍ صالِحٍ فَعَلا
والرِّباعةُ أَيضاً: نحو من الحَمالة. والرَّباعةُ والرِّباعة: القبيلة.
والرَّباعِيةُ مثل الثمانية: إِحدى الأَسنان الأَربع التي تلي الثَّنايا
بين الثَّنِيّة والنّاب تكون للإِنسان وغيره، والجمع رَباعِياتٌ؛ قال
الأَصمعي: للإِنسان من فوق ثَنِيّتان ورَباعِيتان بعدهما، ونابانِ وضاحِكان
وستةُ أَرْحاء من كل جانب وناجِذان، وكذلك من أَسفل. قال أَبو زيد: يقال
لكل خُفّ وظِلْف ثَنِيّتان من أَسفل فقط، وأَما الحافرُ والسِّباع
كلُّها فلها أَربع ثَنايا، وللحافر بعد الثنايا أَربعُ رَباعِيات وأَربعة
قَوارِحَ وأَربعة أَنْياب وثمانية أَضراس. وأَرْبَعَ الفرسُ والبعير: أَلقى
رَباعِيته، وقيل: طلعت رَباعِيتُه. وفي الحديث: لم أَجد إِلا جملاً
خِياراً رَباعِياً، يقال للذكر من الإِبل إِذا طلَعت رَباعِيتُه: رَباعٌ
ورَباعٍ، وللأُنثى رَباعِيةٌ، بالتخفيف، وذلك إِذا دخلا في السنة السابعة.وفرس
رَباعٍ مثل ثَمان وكذلك الحمار والبعير، والجمع رُبَع، بفتح الباء؛ عن
ابن الأَعرابي، ورُبْع، بسكون الباء؛ عن ثعلب، وأَرباع ورِباع، والأُنثى
رَباعية؛ كل ذلك للذي يُلقِي رَباعيته، فإِذا نصبت أَتممت فقلت: ركبت
بِرْذَوْناً رَباعياً؛ قال العجاج يصف حماراً وحْشيّاً:
رَباعِياً مُرْتَبِعاً أَو شَوْقَبَا
والجمع رُبُعٌ مثل قَذال وقُذُل، ورِبْعان مثل غَزال وغِزْلان؛ يقال ذلك
للغنم في السنة الرابعة، وللبقر والحافر في السنة الخامسة، وللخُفّ في
السنة السابعة، أَرْبَعَ يُرْبِع إِرْباعاً، وهو فرس رَباع وهي فرس
رَباعِية. وحكى الأَزهري عن ابن الأَعرابي قال: الخيل تُثْنِي وتُرْبِع
وتُقْرِح، والإِبل تُثْنِي وتُرْبِع وتُسْدِسُ وتَبْزُلُ، والغنم تُثْنِي
وتُرْبِع وتُسدس وتَصْلَغُ، قال: ويقال للفرس إِذا استتم سنتين جَذَع، فإِذا
استتم الثالثة فهو ثَنيّ، وذلك عند إِلقائه رَواضِعَه، فإِذا استتم
الرابعة فهو رَباع، قال: وإِذا سقطت رَواضِعه ونبت مكانها سِنّ فنبات تلك السنّ
هو الإِثْناء، ثم تَسْقُط التي تليها عند إِرباعه فهي رَباعِيته،
فيَنْبُت مكانه سن فهو رَباع، وجمعه رُبُعٌ وأَكثر الكلام رُبُعٌ وأَرْباع.
فإِذا حان قُرُوحه سقط الذي يلي رَباعيته، فينبت مكانه قارِحُه وهو نابُه،
وليس بعد القروح سقُوط سِنّ ولا نبات سنّ؛ قال: وقال غيره إِذا طعَن
البعيرُ في السنة الخامسة فهو جذَع، فإِذا طعن في السنة السادسة فهو ثَنِيّ،
فإِذا طعن في السنة السابعة فهو رَباع، والأُنثى رَباعِية، فإِذا طعن في
الثامنة فهو سَدَسٌ وسَدِيس، فإِذا طعن في التاسعة فهو بازِل، وقال ابن
الأَعرابي: تُجْذِع العَناق لسنة، وتُثْنِي لتمام سنتين، وهي رَباعِية
لتمام ثلاث سنين، وسَدَسٌ لتمام أَربع سنين، وصالِغٌ لتمام خمس سنين. وقال
أَبو فقعس الأَسدي: ولد البقرة أَوّل سنة تبيع ثم جذَع ثم ثَنِيّ ثم رَباع
ثم سَدَس ثم صالغٌ، وهو أَقصى أَسنانه.
والرَّبيعة: الرَّوْضة. والرَّبيعة: المَزادَة. والرَّبيعة: العَتِيدة.
وحَرْب رَباعِية: شديدة فَتِيَّة، وذلك لأَن الإِرْباع أَول شدّة البعير
والفرس، فهي كالفرس الرَّباعي والجمل الرَّباعي وليست كالبازل الذي هو في
إِدبار ولا كالثَنيِّ فتكون ضعيفة؛ وأَنشد:
لأُصْبِحَنْ ظالماً حَرْباً رَباعِيةً.
فاقْعُدْ لها، ودَعَنْ عنكَ الأَظانِينا
قوله فاقْعُد لها أَي هيِّء لها أَقْرانَها. يقال: قعد بنو فلان لبني
فلان إِذا أَطاقوهم وجاؤوهم بأَعْدادهم، وكذلك قَعد فلان بفلان، ولم يفسر
الأَظانين، وجملٌ رباعٍ: كرباعٌ
(* في القاموس: جملٌ رباعٍ ورباعٌ.) وكذلك
الفرس؛ حكاه كراع قال: ولا نظير له إِلاَّ ثمانٍ وشَناحٍ في ثمانٌ
وشناحٌ؛ والشناحُ: الطويل. والرَّبِيعةُ: بيضة السّلاح الحديد.
وأَرْبَعَت الإِبل بالوِرْد: أَسْرَعت الكرّ إِليه فوردت بلا وقت، وحكاه
أَبو عبيد بالغين المعجمة، وهو تصحيف. والمُرْبِعُ: الذي يُورِد كلَّ
وقت من ذلك. وأَرْبَع بالمرأَة: كرّ إِلى مُجامَعتها من غير فَتْرة، وذكر
الأَزهري في ترجمة عذَم قال: والمرأَة تَعْذَم الرجلَ إِذا أَرْبَع لها
بالكلام أَي تَشْتُمه إِذا سأَلها المَكْروه، وهو الإِرْباعُ.
والأَرْبِعاء والأَرْبَعاء والأَرْبُعاء: اليوم الرابع من الأُسْبوع
لأَن أَوّل الأَيام عندهم الأَحد بدليل هذه التسمية ثم الاثنان ثم الثلاثاء
ثم الأَربعاء، ولكنهم اختصوه بهذا البناء كما اختصوا الدَّبَرانَ
والسِّماك لِما ذهبوا إِليه من الفَرْق. قال الأَزهري: من قال أَربعاء حمله على
أَسْعِداء. قال الجوهري: وحكي عن بعض بني أَسَد فتح الباء في الأَربعاء،
والتثنية أَرْبعاوان والجمع أَربعاوات، حُمِل على قياس قَصْباء وما
أَشبهها. قال اللحياني: كان أَبو زياد يقول مضى الأَربعاء بما فيه فيُفْرده
ويذكّره، وكان أَبو الجرّاح يقول مضت الأَربعاء بما فيهن فيؤنث ويجمع يخرجه
مخرج العدد، وحكي عن ثعلب في جمعه أَرابيع؛ قال ابن سيده: ولست من هذا
على ثقة. وحكي أَيضاً عنه عن ابن الأَعرابي: لا تَك أَرْبعاوِيّاً أَي ممن
يصوم الأَربعاء وحده. وحكى ثعلب: بنى بَيْته على الأَرْبُعاء وعلى
الأَرْبُعاوَى، ولم يأعت على هذا المثال غيره، إِذا بناه على أَربعة أَعْمِدة.
والأَرْبُعاء والأَرْبُعاوَى: عمود من أَعْمِدة الخِباء. وبيت
أَرْبُعاوَى: على طريقة واحدة وعلى طريقتين وثلاث وأَربع. أَبو زيد: يقال بيت
أُرْبُعاواء على أُفْعُلاواء، وهو البيت على طريقتين، قال: والبيوت على
طريقتين وثلاث وأَربع وطريقة واحدة، فما كان على طريقة واحدة فهو خباء، وما
زاد على طريقة فهو بيت، والطريقةُ: العَمَدُ الواحد، وكلُّ عمود طريقةٌ،
وما كان بين عمودين فهو مَتْنٌ. ومَشت الأَرْنَبُ الأُرْبَعا، بضم الهمزة
وفتح الباء والقصر: وهي ضرب من المَشْي.
وتَرَبَّع في جلوسه وجلس الأُرْبَعا على لفظ ما تقدم
(* قوله «على لفظ
ما تقدم» الذي حكاه المجد ضم الهمزة والباء مع المد.): وهي ضرب من
الجِلَس، يعني جمع جِلْسة. وحكى كراع: جلَس الأُربُعَاوى أَي متربعاً، قال: ولا
نظير له. أَبو زيد: اسْتَرْبَع الرَّملُ إِذا تراكم فارتفع؛ وأَنشد:
مُسْتَرْبِع من عَجاجِ الصَّيْف مَنْخُول
واستربَعَ البعيرُ للسير إِذا قَوِي عليه. وارْتَبَعَ البَعيرُ
يَرْتَبِعُ ارْتباعاً: أَسرع ومَرَّ يضرب بقوائمه كلها؛ قال العجاج:
كأَنَّ تَحْتي أَخْدرِيًّا أَحْقَبا،
رَباعِياً مُرْتَبِعاً أَو شَوْقَبا،
عَرْدَ التّراقي حَشْوَراً مُعَرْقَبا
(* قوله «معرقبا» نقله المؤلف في مادة عرد معقربا.)
والاسم الرَّبَعةُ وهي أَشدّ عَدْو الإِبل؛ وأَنشد الأَصمعي، قال ابن
بري: هو لأَبي دواد الرُّؤَاسي:
واعْرَوْرَتِ العُلُطَ العُرْضِيَّ تَرْكُضُه
أُمُّ الفَوارِس بالدِّئْداء والرَّبَعهْ
وهذا البيت يضرب مثلاً في شدَّة الأَمر؛ يقول: ركِبَت هذه المرأَة التي
لها بنون فوارِسُ بعيراً من عُرْض الإِبل لا من خيارها وهي أَرْبَعُهن
لَقاحاً أَي أَسْرَعُهنّ؛ عن ثعلب.
ورَبَع عليه وعنه يَرْبَعُ رَبْعاً: كَفَّ. وربَعَ يَرْبَعُ إِذا وقَفَ
وتَحَبَّس. وفي حديث شُرَيْح: حَدِّثِ امرأَةً حَدِيثين، فإِن أَبت
فارْبَعْ؛ قيل فيه: بمعنى قِفْ واقْتَصِر، يقول: حَدّثها حديثين فإِن أَبت
فأَمْسِك ولا تُتْعِب نفسك، ومن قطع الهمزة قال: فأَرْبَعْ، قال ابن
الأَثير: هذا مثل يضرب للبليد الذي لا يفهم ما يقال له أَي كرِّر القول عليها
أَرْبَع مرات وارْبَعْ على نفسك رَبْعاً أَي كُفَّ وارْفُق، وارْبَع عليك
وارْبَع على ظَلْعك كذلك معناه: انتظر؛ قال الأَحوص:
ما ضَرَّ جِيرانَنا إِذ انْتَجَعوا،
لو أَنهم قَبْلَ بَيْنِهم رَبَعُوا؟
وفي حديث سُبَيْعةَ الأَسْلَمِية: لما تَعَلَّت من نِفاسها تَشَوَّفَت
للخُطَّاب، فقيل لها: لا يَحِلّ لكِ، فسأَلت النبي، صلى الله عليه وسلم،
فقال لها: ارْبَعي على نَفْسك؛ قيل له تأْويلان: أَحدهما أَن يكون بمعنى
التَّوقُّف والانتظار فيكون قد أَمرها أَن تَكُفّ عن التزوج وأَن
تَنْتَظِر تَمام عدَّة الوَفاة على مذهب من يقول إِن عدتها أَبْعدُ الأَجَلَيْن،
وهو من رَبَعَ يَرْبَع إِذا وقف وانتظر، والثاني أَن يكون من رَبَع الرجل
إِذا أَخْصَب، وأَرْبَعَ إِذا دخل في الرَّبيع، أَي نَفِّسي عن نفسك
وأَخْرِجيها من بُؤْس العِدَّة وسُوء الحال، وهذا على مذهب من يرى أَنَّ
عدتها أَدْنى الأَجلين، ولهذا قال عمر، رضي الله عنه: إِذا ولدت وزوجها على
سَرِيره يعني لم يُدْفَن جاز لها أَن تَتزوَّج. ومنه الحديث: فإِنه لا
يَرْبَع على ظَلْعِك من لا يَحْزُنُه أَمْرُك أَي لا يَحْتَبِس عليك
ويَصْبِر إِلا من يَهُمُّه أَمرُك. وفي حديث حَلِيمة السَّعْدية: اربَعِي علينا
أَي ارْفُقِي واقتصري. وفي حديث صِلةَ بن أَشْيَم قلت لها: أَي نَفْسِ
جُعِل رزْقُكِ كَفافاً فارْبَعي، فَرَبعت ولم تَكَد، أَي اقْتصِري على
هذا وارْضَيْ به. ورَبَعَ عليه رَبْعاً: عطَفَ، وقيل: رَفَق.
واسْتَرْبَع الشيءَ: أَطاقه؛ عن ابن الأَعرابي؛ وأَنشد:
لَعَمْري، لقد ناطَتْ هَوازِنُ أَمْرَها
بمُسْتَرْبِعِينَ الحَرْبَ شُمِّ المَناخِرِ
أَي بمُطِيقين الحرب. ورجل مُسْتَرْبِع بعمله أَي مُسْتَتِلٌّ به
قَوِيٌّ عليه؛ قال أَبو وجزةَ:
لاعٍ يَكادُ خَفِيُّ الزَّجْرِ يُفْرِطُه،
مُسْتَرْبِعٌ بسُرى المَوْماةِ هَيّاج
اللاعي: الذي يُفْزِعه أَدنى شيء. ويُفْرِطُه: يَمْلَؤُه رَوعاً حتى
يذهب به؛ وأَما قول صخر:
كريم الثَّنا مُسْتَرْبِع كُلَّ حاسِد
فمعناه أَنه يحتمل حسَده ويَقْدِر؛ قال الأَزهري: هذا كله من رَبْع
الحجر وإِشالَته. وتَرَبَّعَت الناقةُ سَناماً طويلاً أَي حملته؛ قال: وأَما
قول الجعدي:
وحائل بازِل ترَبَّعت، الصْـ
ـصَيفَ، طَويلَ العِفاء، كالأُطُم
فإِنه نصب الصيف لأَنه جعله ظرفاً أَي تربعت في الصيف سَناماً طويل
العِفاء أَي حملته، فكأَنه قال: تربَّعت سَناماً طويلاً كثير الشحم.
والرُّبُوعُ: الأَحْياء.
والرَّوْبَع والرَّوْبعةُ: داء يأْخذ الفصال. يقال: أَخَذه رَوْبَعٌ
ورَوْبَعةٌ أَي سُقوط من مرض أَو غيره؛ قال جرير:
كانت قُفَيْرةُ باللِّقاحِ مُرِبَّةً
تَبْكي إِذا أَخَذَ الفَصيلَ الرَّوْبَعُ
قال ابن بري: وقول رؤبة:
ومَنْ هَمَزْنا عِزَّه تبَرْكَعا،
على اسْتِه، رَوْبعةً أَو رَوْبَعا
قال: ذكره ابن دريد والجوهري بالزاي، وصوابه بالراء روبعة أَو روبعا؛
قال: وكذلك هو شعر رؤْبة وفسر بأَنه القصِير الحقير، وقيل: القصير
العُرْقوبِ، وقيل: الناقص الخَلْقِ، وأَصله في ولد الناقة إِذا خرج ناقص الخلق؛
قاله ابن السكيت وأَنشد الرجز بالراء، وقيل: الرَّوْبع والرَّوبعة
الضعيف.واليَرْبُوع: دابة، والأُنثى بالهاء. وأَرض مَرْبَعةٌ: ذاتُ يَرابِيعَ.
الأَزهري: واليَرْبُوعُ دُوَيْبَّة فوق الجُرَذِ، الذكر والأُنثى فيه
سواء. ويَرابيعُ المَتْن: لحمه على التشبيه باليَرابيع؛ قاله كراع، واحدها
يَرْبوع في التقدير، والياء زائدة لأَنهم ليس في كلامهم فَعْلول، وقال
الأَزهري: لم أَسمع لها بواحد. أَحمد بن يحيى: إِن جعلت واو يربوع أَصلية
أَجْريت الاسم المسمى به، وإِن جعلتها غير أَصلية لم تُجْرِه وأَلحقته
بأَحمد، وكذلك واو يَكْسُوم. واليرابيع: دوابٌّ كالأَوْزاغ تكون في الرأْس؛
قال رؤبة:
فقَأْن بالصَّقْع يَرابيعَ الصادْ
أَراد الصَّيدَ فأَعلَّ على القياس المتروك. وفي حديث صَيْد المحرم: وفي
اليَرْبوع جَفْرة؛ قيل: اليَرْبوع نوع من الفأْر؛ قال ابن الأَثير:
والياء والواو زائدتان.
ويَرْبُوع: أَبو حَيّ من تَميم، وهو يربوع بن حنظلة ابن مالك بن عمرو بن
تميم. ويربوع أَيضاً: أَبو بَطن من مُرَّةَ، وهو يربوع بن غَيْظ بن
مرَّة بن عَوْف بن سعد بن ذُبيان، منهم الحرث بن ظالم اليربوعي المُرِّي.
والرَّبْعةُ: حَيّ من الأَزْد؛ وأَما قولُ ذِي الرُّمَّة:
إِذا ذابَتِ الشمْسُ، اتَّقَى صَقَراتِها
بأَفْنانِ مَرْبُوع الصَّرِيمةِ مُعْبِل
فإِنما عنى به شجراً أَصابه مطر الربيع أَي جعله شجراً مَرْبُوعاً فجعله
خَلَفاً منه.
والمَرابِيعُ: الأَمطار التي تجيءُ في أَوَّل الربيع؛ قال لبيد يصف
الديار:
رُزِقَتْ مَرايَِيعَ النُّجومِ، وصابها
وَدْقُ الرَّواعِد: جَوْدُها فرِهامُها
وعنى بالنجوم الأَنْواء. قال الأَزهري: قال ابن الأَعرابي مَرابِيعُ
النجوم التي يكون بها المطر في أَوَّل الأَنْواء. والأَرْبَعاء: موضع
(*
قوله « والأربعاء موضع» حكي فيه أيضاً ضم أوله وثالثه، انظر معجم ياقوت.)
ورَبِيعةُ: اسم. والرَّبائع: بُطون من تميم؛ قال الجوهري: وفي تَميم
رَبِيعتانِ: الكبرى وهو رَبِيعة بن مالك بن زَيْد مَناةَ بن تميم وهو ربيعة
الجُوع، والوسطى وهو رَبيعة بن حنظلة بن مالك. ورَبِيعةُ: أَبو حَيّ من
هَوازِن، وهو ربيعة بن عامر بن صَعْصَعةَ وهم بنو مَجْدٍ، ومجدٌ اسم أُمهم
نُسِبوا إِليها. وفي عُقَيْل رَبيعتان: رَبِيعة بن عُقَيل وهو أَبو
الخُلَعاء، وربيعة بن عامر بن عُقيل وهو أَبو الأَبْرص وقُحافةَ وعَرْعرةَ
وقُرّةَ وهما ينسبان للرَّبيعتين. ورَبِيعةُ الفرَس: أَبو قَبِيلة رجل من طيّء
وأَضافوه كما تضاف الأَجناس، وهو رَبِيعة بن نِزار بن مَعدّ بن عَدْنان،
وإِنما سمي ربيعة الفَرَس لأَنه أُعطي من مال أَبيه الخيل وأُعطي أَخوه
الذهَب فسمي مُضَر الحَمْراء، والنسبة إِليهم ربَعي، بالتحريك. ومِرْبَع:
اسم رجل؛ قال جرير:
زَعَمَ الفَرَزْدَقُ أَن سَيَقْتُل مِرْبعاً،
أَبْشِرْ بِطُول سَلامةٍ يا مِرْبَع
وسمت العرب رَبِيعاً ورُبَيْعاً ومِرْبَعاً ومِرْباعاً؛ وقول أَبي ذؤيب:
صَخِبُ الشَّوارِبِ لا يَزالُ، كأَنه
عَبْدٌ لآلِ أَبي رَبِيعةَ مُسْبَعُ
أَراد آل ربيعة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم لأَنهم كثيرو الأَموال
والعبيد وأَكثر مكة لهم. وفي الحديث ذكر مِرْبع، بكسر الميم: هو مالُ
مِرْبَعٍ بالمدينة في بني حارِثةَ، فأَمّا بالفتح فهو جبل قرب مكة. والهُدْهُد
يُكنَّى أَبا الرَّبِيع. والرَّبائعُ: مَواضِعُ؛ قال:
جَبَلٌ يَزِيدُ على الجِبال إِذا بَدا،
بَيْنَ الرَّبائعِ والجُثومِ مُقِيمُ
والتِّرْباعُ أَيضاً: اسم موضع؛ قال:
لِمَنِ الدِّيارُ عَفَوْنَ بالرَّضمِ،
فَمَدافِعِ التِّرْباعِ فالرَّجمِ
(* قوله «الرضم والرجم» ضبطا في الأصل بفتح فسكون، وبمراجعة ياقوت تعلم
أن الرجم بالتحريك وهما موضعان.)
ورِبْع: اسم رجل من هُذَيْل.
عتد: عَتُدَ الشيءُ عَتاداً، فهو عَتِيدٌ: جَسُمَ. والعَتِيدَةُ: وعاءُ
الطِّيب ونحوهُ، منه. قال الأَزهري: والعَتِيدَةُ طَبْلُ العَرائس
أُعْتِدَتْ لِما تحتاج إِليه العَرُوسُ من طيب وأَداة وبَخُور ومُِشْط وغيره،
أُدخل فيها الهاء على مذهب الأَسماء. وفي حديث أُم سليم: فَفَتَحَتْ
عَتِيدَتَها؛ هي كالصندوق الصغير الذي تترك فيه المرأَة ما يَعِزُّ عليها من
متاعها.
وأَعْتَدَ الشيءَ: أَعَدَّه؛ قال الله عز وجل: وأَعتدَت لهن مُتَّكَأً
أَي هَيَّأَتْ وأَعَدَّت. وحكى يعقوب أَن تاء أَعْتَدْتُه بدل من دال
أَعْدَدْتُه. يقال: أَعْتَدْتُ الشيءَ وأَعْدَدْتُه، فهو مُعْتَدٌ وعَتِيدٌ؛
وقد عَتَّدَه تَعْتِيداً. وفي التنزيل: إِنا أَعْتَدْنا للظالمين ناراً؛
وقال الشاعر:
أَعْتَدْتُ للغُرَماءِ كَلْباً ضارِياً
عِنْدي، وفَضْلَ هِراوَةٍ مِن أَزرَقِ
وشيء عَتِيدٌ: مُعَدٌّ حاضِرٌ. وعَتُدَ الشيءُ عَتادَةً، فهو عَتِيدٌ:
حاضر. قال الليث: ومن هناك سُمِّيَتِ العَتِيدَةُ التي فيها طِيبُ الرجل
وأَدْهانُه.
وقوله عز وجل: هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ؛ في رفعها ثلاثة أوجه عند
النحويين: أَحدها أَنه على إِضمار التكرير كأَنه قال: هذا ما لدي هذا عتيد،
ويجوز أَن ترفعه على أَنه خبر بعد خبر، كما تقول هذا حلو حامض، فيكون المعنى
هذا شيء لديّ عتيد، ويجوز أَن يكون بإِضمار هو كأَنه قال: هذا ما لديّ هو
عتيد، يعني ما كتبه من عمله حاضر عندي، وقال بعضهم قريب.
والعَتادُ: العُدَّةُ، والجمع أَعْتِدَةٌ وعُتُدٌ. قال الليث: والعتاد
الشيء الذي تُعِدُّه لأَمْرٍ ما وتُهَيِّئُه له، يقال: أَخذ للأَمر
عُدَّتَه وعَتادَه أَي أُهْبَتَه وآلته. وفي حديث صفته، عليه السلام: لكل حالٍ
عنده عَتادٌ أَي ما يَصْلُحُ لكلّ ما يقع من الأُمور. ويقال: إِنَّ
العُدَّةَ إِنما هي العُتْدَةُ، وأَعَدَّ يُعِدُّ إِنما هو أَعْتَدَ يُعْتِدُ،
ولكن أُدغمت التاء في الدال؛ قال: وأَنكر الآخرون فقالوا اشتقاق أَعَدَّ
من عين ودالين لأَنهم يقولون أَعددناه فيظهرون الدالين؛ وأَنشد:
أَعْدَدْتُ للحَرْبِ صارماً ذَكَراً،
مُجَرَّبَ الوقْع، غيرَ ذي عَتَبِ
ولم يقل أَعْتَدْتُ. قال الأَزهري: وجائز أَن يكون عَتَدَ بِناءً على
حِدَةٍ وعَدَّ بناء مضاعفاً؛ قال: وهذا هو الأَصوب عندي. وفي الحديث: أَن
النبي، صلى الله عليه وسلم، نَدَب الناسَ إِلى الصَّــدقةِ فقيل له: قد
مَنَعَ خالدُ بنُ الوليدِ والعباسُ عَمُّ النبي، صلى الله عليه وسلم، فقال
رسول الله، صلى الله عليه وسلم: أَمّا خالد فإِنهم يَظْلِمون خالداً، إِنَّ
خالداً جَعَل رقيقَه وأَعْتُدَه حُبُساً في سبيل الله، وأَما العباس
فإِنها عليه ومثلُها معها؛ الأَعْتُدُ: جمع قلة للعَتاد، وهو ما أَعدّه
الرجل من السلاح والدواب وآلة الحرب للجهاد، ويجمع على أَعْتِدَةٍ أَيضاً.
وفي رواية: أَنه احْتَبَسَ أَدْراعَهُ وأَعْتادَه؛ قال الدارقطني، قال
أَحمد بن حنبل، قال علي بن حفص: وأَعْتادَه وأَخطأَ فيه وصحَّف وإِنما هو
أَعْتُدَه، وجاء في رواية أَعْبُدَه، بالباء الموحدة، جمع قلة للعبد؛ وفي
معنى الحديث قولان: أَحدهما انه كان قد طولب بالزكاة عن أَثمان الدروع
والأَعْتُدِ على معنى أَنها كانت عنده للتجارة فأَخبرهم النبي، صلى الله عليه
وسلم، أَنه لا زكاة عليه فيها وأَنه قد جعلها حُبساً في سبيل الله،
والثاني أَن يكون اعتذر لخالد ودافع عنه؛ يقول: إِذا كان خالد قد جعل أَدراعه
وأَعتاده في سبيل الله تبرعاً وتقرباً إِلى الله، وهو غير واجب عليه،
فكيف يستجيز منع الصــدقة الواجبة عليه؟
وفرس عَتَدٌ وعَتِدٌ، بفتح التاء وكسرها: شديد تامّ الخلق سريع الوثبة
مُعَدٌّ للجَرْيِ ليس فيه اضطِرابٌ ولا رَخاوَةٌ، وقيل: هو العتيد الحاضر
المُعَدُّ للركوب، الذكر والأُنثى فيهما سواء؛ قال الأَشْعَرُ
الجُعْفِيُّ:
راحُوا بَصائِرُهُم على أَكتافِهِمْ،
وبَصِيرَتي يَعْدُو بها عَتَِدٌ وَأَى
وقال سلامة بن جندل:
بِكُلِّ مُجَنَّب كالسِّيدِ نَهْدٍ،
وكلِّ طُوالَةٍ عَتَِدٍ نِزاقِ
ومثله رجل سَبِطٌ وسَبَطٌ، وشعَرٌ رَجِلٌ ورَجَلٌ، وثَغْرٌ رَتِلٌ
ورَتَلٌ أَي مُفَلَّج.
والعَتُودُ: الجَدْيُ الذي استَكْرَشَ، وقيل: هو الذي بلغ السِّفادَ،
وقيل: هو الذي أَجْذَعَ. والعَتُودُ من أَولاد المَعَز: ما رَعى وقَوِيَ
وأَتى عليه حَوْل. وفي حديث الأُضحية: وقد بقي عندي عَتُودٌ. وفي حديث عمر
وذكَرَ سِياسَتَهُ فقال: وَأَضُمُّ العَتُودَ أَي أَرُدُّه إِذا نَدَّ
وشَرَدَ، والجمع أَعْتِدَةٌ وعِدَّانٌ، وأَصله عِتْدانٌ إِلا أَنه أُدغم؛
وأَنشد أَبو زيد:
واذْكُرْ غُدانَةَ عِدّاناً مُزَنَّمَةً
من الحَبَلَّقِ، تُبْنى حَوْلها الصِّيَرُ
وهو العَريضُ أَيضاً. ابن الأَعرابي: العَتادُ القَدَحُ، وهو العَسْفُ
والصَّحْنُ، والعَتادُ: العُسُّ من الأَثل؛ عن أَبي حنيفة. قال الجوهري:
وربما سَمَّوُا القَدَحَ الضَّخْم عَتاداً؛ وأَنشد أَبو عمرو:
فكُلْ هَنِيّاً ثم لا تُزَمِّلِ،
وادْعُ هُديتَ بِعَتادٍ جُنْبُلِ
قال شمر: أَنشد ابن عدنان وذكر أَن أَعرابيّاً مِنْ بَلْعَنْبَرِ أَنشده
هذه الأُرجوزة:
يا حمزُ هل شَبِعْتَ من هذا الخَبَطْ؟
(* «الخبط» كذا بالأصل)؟
أَو أَنتَ في شَكٍّ فهذا مُنْتَفَدْ،
صَقْبٌ جَسِيمٌ وشَديدُ المُعْتَمَدْ:
يَعْلُو به كلُّ عَتُودٍ ذاتِ وَدْ،
عرُوقُها في البحر تَرْمي بالزَّبَدْ
قال: العَتُودُ السِّدْرَة أَو الطَّلْحَةُ. وعَتائِد: موضع، وذهب
سيبويه إِلى أَنه رباعي. وعَتْيَدٌ وعِتْوَدٌ: واد أَو موضع؛ قال ابن جني:
عَتْيَدٌ مصنوع كَصَهْيَدٍ، وعِتْوَدٌ دُوَيْبَّةٌ مثل بها سيبويه وفسرها
السيرافي. وَعَتْوَدٌ على بِناء جَهْورٍ
(* قوله «على بناء جهور» في المعجم
لياقوت وقال العمراني: عتود، بفتح أوله، واد، قال ويروى بكسر العين، قال
ابن مقبل: جلوساً به الشعب الطوال كأَنهم): مَأْسَدَةٌ؛ قال ابن مقبل:
جُلوساً به الشُّمُّ العِجافُ كأَنَّه
أُسودٌ بِتَرْجٍ، أَو أُسودٌ بَعَتْوَدا
وعِتْوَدٌ: اسم واد، وليس في الكلام فِعْوَلٌ غيره، وغير خِرْوَعٍ.
ثني: ثَنَى الشيءَ ثَنْياً: ردَّ بعضه على بعض، وقد تَثَنَّى وانْثَنَى.
وأَثْناؤُه ومَثانِيه: قُواه وطاقاته، واحدها ثِنْي ومَثْناة ومِثْناة؛
عن ثعلب. وأَثْناء الحَيَّة: مَطاوِيها إِذا تَحَوَّتْ. وثِنْي الحيّة:
انْثناؤُها، وهو أَيضاً ما تَعَوَّج منها إِذا تثنت، والجمع أَثْناء؛
واستعارة غيلان الرَّبَعِي لليل فقال:
حتى إِذا شَقَّ بَهِيمَ الظَّلْماءْ،
وساقَ لَيْلاً مُرْجَحِنَّ الأَثْناءْ
وهو على القول الآخر اسم. وفي صفة سيدنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم:
ليسَ بالطويل المُتَثَنّي؛ هو الذاهب طولاً، وأَكثر ما يستعمل في طويل
لا عَرْض له. وأَثْناء الوادِي: مَعاطِفُه وأَجْراعُه. والثِّنْي من
الوادي والجبل: مُنْقَطَعُه. ومَثاني الوادي ومَحانِيهِ: مَعاطِفُه. وتَثَنَّى
في مِشيته. والثِّنْي: واحد أَثْناء الشيء أَي تضاعيفه؛ تقول: أَنفذت
كذا ثِنْيَ كتابي أَي في طَيّه. وفي حديث عائشة تصف أَباها، رضي الله
عنهما: فأَخذ بطَرَفَيْه ورَبَّقَ لكُمْ أَثْناءَه أَي ما انْثَنَى منه،
واحدها ثِنْيٌ، وهي معاطف الثوب وتضاعيفه. وفي حديث أَبي هريرة: كان يَثْنِيه
عليه أَثْناءً من سَعَتِه، يعني ثوبه. وثَنَيْت الشيء ثَنْياً: عطفته.
وثَناه أَي كَفَّه. ويقال: جاء ثانياً من عِنانه. وثَنَيْته أَيضاً:
صَرَفته عن حاجته، وكذلك إِذا صرت له ثانياً. وثَنَّيْته تَثْنِية أَي جعلته
اثنين. وأَثْناءُ الوِشاح: ما انْثنَى منه؛ ومنه قوله:
تَعَرُّض أَثْناء الوِشاح المُفَصَّل
(* البيت لامرئ القيس من معلقته).
وقوله:
فإِن عُدَّ من مَجْدٍ قديمٍ لِمَعْشَر،
فَقَوْمي بهم تُثْنَى هُناك الأَصابع
يعني أَنهم الخيار المعدودون؛ عن ابن الأَعرابي، لأَن الخيار لا يكثرون.
وشاة ثانِيَةٌ بَيِّنة الثِّنْي: تَثْني عنقها لغير علة. وثَنَى رجله عن
دابته: ضمها إِلى فخذه فنزل، ويقال للرجل إِذا نزل عن دابته. الليث:
إِذا أَراد الرجل وجهاً فصرفته عن وجهه قلت ثَنَيْته ثَنْياً. ويقال: فلان
لا يُثْنى عن قِرْنِه ولا عن وجْهه، قال: وإِذا فعل الرجل أَمراً ثم ضم
إِليه أَمراً آخر قيل ثَنَّى بالأَمر الثاني يُثَنِّي تَثْنِية. وفي حديث
الدعاء: من قال عقيب الصلاة وهو ثانٍ رِجْلَه أَي عاطفٌ رجله في التشهد
قبل أَن ينهَض. وفي حديث آخر: من قال قبل أَن يَثْنيَ رِجْلَه؛ قال ابن
الأَثير: وهذا ضد الأَول في اللفظ ومثله في المعنى، لأَنه أَراد قبل أَن
يصرف رجله عن حالتها التي هي عليها في التشهد. وفي التنزيل العزيز: أَلا
إِنهم يَثْنُون صُدورَهم؛ قال الفراء: نزلت في بعض من كان يلقى النبي، صلى
الله عليه وسلم، بما يحب ويَنْطَوِي له على العداوة والبُغْض، فذلك
الثَّنْيُ الإِخْفاءُ؛ وقال الزجاج: يَثْنُون صدورهم أَي يسرّون عداوة النبي،
صلى الله عليه وسلم؛ وقال غيره: يَثْنُون صدورهم يُجِنُّون ويَطْوُون ما
فيها ويسترونه استخفاء من الله بذلك. وروي عن ابن عباس أَنه قرأَ: أَلا
إِنَّهم تَثْنَوْني صدورهم، قال: وهو في العربية تَنْثَني، وهو من الفِعل
افعَوْعَلْت. قال أَبو منصور: وأَصله من ثَنَيت الشيء إِذا حَنَيْته
وعَطَفته وطويته. وانْثَنى أَي انْعطف، وكذلك اثْنَوْنَى على افْعَوْعَل.
واثْنَوْنَى صدره على البغضاء أَي انحنى وانطوى. وكل شيء عطفته فقد ثنيته.
قال: وسمعت أَعرابيّاً يقول لراعي إِبل أَوردها الماءَ جملة فناداه: أَلا
واثْنِ وُجوهَها عن الماء ثم أَرْسِل مِنْها رِسْلاً رِسْلاً أَي قطيعاً،
وأَراد بقوله اثْنِ وُجوهها أَي اصرف وجوهها عن الماء كيلا تزدحم على
الحوض فتهدمه. ويقال للفارس إِذا ثَنَى عنق دابته عند شدَّة حُضْرِه: جاء
ثانيَ العِنان. ويقال للفرس نفسه: جاء سابقاً ثانياً إِذا جاء وقد ثَنَى
عنقه نَشاطاً لأَنه إِذا أَعيا مدّ عنقه، وإِذا لم يجئ ولم يَجْهَد وجاء
سيرُه عَفْواً غير مجهود ثَنى عنقه؛ ومنه قوله:
ومَن يَفْخَرْ بمثل أَبي وجَدِّي،
يَجِئْ قبل السوابق، وهْو ثاني
أَي يجئ كالفرس السابق الذي قد ثَنى عنقه، ويجوز أَن يجعله كالفارس
الذي سبق فرسُه الخيل وهو مع ذلك قد ثَنى من عنقه.
والاثْنان: ضعف الواحد. فأَما قوله تعالى: وقال الله لا تتخذوا إِلَهين
اثنَين، فمن التطوّع المُشامِ للتوكيد، وذلك أَنه قد غَنِيَ بقوله
إِلَهَيْن عن اثنين، وإِنما فائدته التوكيد والتشديد؛ ونظيره قوله تعالى:
ومَنَاة الثالثةَ الأُخرى؛ أَكد بقولة الأُخرى، وقوله تعالى: فإِذا نُفخ في
الصور نفخةٌ واحدةٌ، فقد علم بقوله نفخة أَنها واحدة فأَكد بقوله واحدة،
والمؤنث الثِّنْتان، تاؤه مبدلة من ياء، ويدل على أَنه من الياء أَنه من
ثنيت لأَن الاثنين قد ثني أَحدهما إِلى صاحبه، وأَصله ثَنَيٌ، يدلّك على
ذلك جمعهم إِياه على أَثْناء بمنزلة أَبناء وآخاءٍ، فنقلوه من فَعَلٍ إِلى
فِعْلٍ كما فعلوا ذلك في بنت، وليس في الكلام تاء مبدلة من الياء في غير
افتعل إِلا ما حكاه سيبويه من قولهم أَسْنَتُوا، وما حكاه أَبو علي من
قولهم ثِنْتان، وقوله تعالى: فإِن كانتا اثْنَتين فلهما الثلثان؛ إِنما
الفائدة في قوله اثنتين بعد قوله كانتا تجردهما من معنى الصغر والكبر، وإِلا
فقد علم أَن الأَلف في كانتا وغيرها من الأَفعال علامة التثنية. ويقال:
فلان ثاني اثْنَين أَي هو أَحدهما، مضاف، ولا يقال هو ثانٍ اثْنَين،
بالتنوين، وقد تقدم مشبعاً في ترجمة ثلث. وقولهم: هذا ثاني اثْنَين أَي هو
أَحد اثنين، وكذلك ثالثُ ثلاثةٍ مضاف إِلى العشرة، ولا يُنَوَّن، فإِن
اختلفا فأَنت بالخيار، إِن شئت أَضفت، وإِن شئت نوّنت وقلت هذا ثاني واحد
وثانٍ واحداً، المعنى هذا ثَنَّى واحداً، وكذلك ثالثُ اثنين وثالثٌ اثنين،
والعدد منصوب ما بين أَحد عشر إِلى تسعة عشر في الرفع والنصب والخفض إِلا
اثني عشر فإِنك تعربه على هجاءين. قال ابن بري عند قول الجوهري والعدد
منصوب ما بين أَحد عشر إِلى تسعة عشر، قال: صوابه أَن يقول والعدد مفتوح،
قال: وتقول للمؤنث اثنتان، وإِن شئت ثنتان لأَن الأَلف إِنما اجتلبت لسكون
الثاء فلما تحركت سقطت. ولو سمي رجل باثْنين أَو باثْنَي عشر لقلت في
النسبة إِليه ثَنَوِيٌّ في قول من قال في ابْنٍ بَنَوِيٌّ، واثْنِيٌّ في
قول من قال ابْنِيٌّ؛ وأَما قول الشاعر:
كأَنَّ خُصْيَيْه مِنَ التَّدَلْدُلِ
ظَرْفُ عجوزٍ فيه ثِنْتا حَنْظَلِ
أَراد أَن يقول: فيه حنظلتان، فأَخرج الاثنين مخرج سائر الأَعداد
للضرورة وأَضافه إِلى ما بعده، وأَراد ثنتان من حنظل كما يقال ثلاثة دراهم
وأَربعة دراهم، وكان حقه في الأَصل أَن يقول اثنا دراهم واثنتا نسوة، إِلاَّ
أَنهم اقتصروا بقولهم درهمان وامرأَتان عن إِضافتهما إِلى ما بعدهما.
وروى شمر بإِسناد له يبلغ عوف بن مالك أَنه سأَل النبي، صلى الله عليه وسلم،
عن الإِمارة فقال: أَوَّلها مَلامة وثِناؤُها نَدامة وثِلاثُها عذابٌ
يومَ القيامة إِلاَّ مَنْ عَدَل؛ قال شمر: ثِناؤها أَي ثانيها، وثِلاثها
أَي ثالثها. قال: وأَما ثُناءُ وثُلاثُ فمصروفان عن ثلاثة ثلاثة واثنين
اثنين، وكذلك رُباعُ ومَثْنَى؛ وأَنشد:
ولقد قَتَلْتُكُمُ ثُناءَ ومَوْحَداً،
وتركتُ مُرَّةَ مثلَ أَمْسِ الدَّابِرِ
وقال آخر:
أُحاد ومَثْنَى أَضْعَفَتْها صَواهِلُه
الليث: اثنان اسمان لا يفردان قرينان، لا يقال لأَحدهما اثْنٌ كما أَن
الثلاثة أَسماء مقترنة لا تفرق، ويقال في التأْنيث اثْنَتان ولا يفردان،
والأَلف في اثنين أَلف وصل، وربما قالوا اثْنتان كما قالوا هي ابنة فلان
وهي بنته، والأَلف في الابنة أَلف وصل لا تظهر في اللفظ، والأَصل فيهما
ثَنَيٌ، والأَلف في اثنتين أَلف وصل أَيضاً، فإِذا كانت هذه الأَلف مقطوعة
في الشعر فهو شاذ كما قال قيس بن الخَطِيم:
إِذا جاوَزَ الإِثْنَيْن سِرٌّ، فإِنه
بِنثٍّ وتَكْثيرِ الوُشاةِ قَمِينُ
غيره: واثنان من عدد المذكر، واثنتان للمؤنث، وفي المؤَنث لغة أُخرى
ثنتان بحذف الأَلف، ولو جاز أَن يفرد لكان واحده اثن مثل ابن وابنة وأَلفه
أَلف وصل، وقد قطعها الشاعر على التوهم فقال:
أَلا لا أَرى إِثْنَيْنِ أَحْسنَ شِيمةً،
على حدثانِ الدهرِ، مني ومنْ جُمْل
والثَّنْي: ضَمُّ واحد إِلى واحد، والثِّنْيُ الاسم، ويقال: ثِنْيُ
الثوب لما كُفَّ من أَطرافه، وأَصل الثَّنْي الكَفّ. وثَنَّى الشيءَ: جعله
اثنين، واثَّنَى افتعل منه، أَصله اثْتنَى فقلبت الثاء تاء لأَن التاء آخت
الثاء في الهمس ثم أُدغمت فيها؛ قال:
بَدا بِأَبي ثم اتَّنى بأَبي أَبي،
وثَلَّثَ بالأَدْنَيْنَ ثَقْف المَحالب
(* قوله «ثقف المحالب» هو هكذا بالأصل).
هذا هو المشهور في الاستعمال والقويّ في القياس، ومنهم من يقلب تاء
افتعل ثاء فيجعلها من لفظ الفاء قبلها فيقول اثَّنى واثَّرَدَ واثَّأَرَ، كما
قال بعضهم في ادَّكر اذَّكر وفي اصْطَلحوا اصَّلحوا. وهذا ثاني هذا أَي
الذي شفعه. ولا يقال ثَنَيْته إِلاَّ أَن أَبا زيد قال: هو واحد فاثْنِه
أَي كن له ثانياً. وحكى ابن الأَعرابي أَيضاً: فلان لا يَثْني ولا
يَثْلِثُ أَي هو رجل كبير فإِذا أَراد النُّهوض لم يقدر في مرة ولا مرتين ولا
في الثالثة. وشَرِبْتُ اثْنَا القَدَح وشرِبت اثْنَيْ هذا القَدَح أَي
اثنين مِثلَه، وكذلك شربت اثْنَيْ مُدِّ البصرة، واثنين بِمدّه البصرة.
وثَنَّيتُ الشيء: جعلته اثنين. وجاء القوم مَثْنى مَثْنى أَي اثنين اثنين.
وجاء القوم مَثْنى وثُلاثَ غير مصروفات لما تقدم في ث ل ث، وكذلك النسوة
وسائر الأَنواع، أَي اثنين اثنين وثنتين ثنتين. وفي حديث الصلاة صلاة
الليل: مَثْنى مَثْنى أَي ركعتان ركعتان بتشهد وتسليم، فهي ثُنائِِية لا
رُباعية. ومَثْنَى: معدول من اثنين اثنين؛ وقوله أَنشده ابن الأَعرابي:
فما حَلَبَتْ إِلاَّ الثَّلاثة والثُّنَى،
ولا قَيَّلَتْ إِلاَّ قريباً مَقالُها
قال: أَراد بالثلاثة الثلاثة من الآنية، وبالثُّنَى الاثنين؛ وقول كثير
عزة:
ذكرتَ عَطاياه، وليْستْ بحُجَّة
عليكَ، ولكن حُجَّةٌ لك فَاثْنِني
قيل في تفسيره: أَعطني مرة ثانية ولم أَره في غير هذا الشعر.
والاثْنانِ: من أَيام الأُسبوع لأَن الأَول عندهم الأَحد، والجمع
أَثْناء، وحكى مطرز عن ثعلب أَثانين، ويومُ الاثْنين لا يُثَنى ولا يجمع لأَنه
مثنّىً، فإِن أَحببت أَن تجمعه كأَنه صفة الواحد، وفي نسخة كأَن لَفْظَه
مبنيٌّ للواحد، قلت أَثانِين، قال ابن بري: أَثانين ليس بمسموع وإِنما هو
من قول الفراء وقِياسِه، قال: وهو بعيد في القياس؛ قال: والمسموع في جمع
الاثنين أَثناء على ما حكاه سيبويه، قال: وحكى السيرافي وغيره عن العرب
أن فلاناً ليصوم الأَثْناء وبعضهم يقول ليصوم الثُّنِيَّ على فُعول مثل
ثُدِيٍّ، وحكى سيبويه عن بعض العرب اليوم الثِّنَى، قال: وأَما قولهم
اليومُ الاثْنانِ، فإِنما هو اسم اليوم، وإِنما أَوقعته العرب على قولك
اليومُ يومان واليومُ خمسةَ عشرَ من الشهر، ولا يُثَنَّى، والذين قالوا
اثْنَيْ جعلوا به على الاثْن، وإِن لم يُتَكلم به، وهو بمنزلة الثلاثاء
والأربعاء يعني أَنه صار اسماً غالباً؛ قال اللحياني: وقد قالوا في الشعر يوم
اثنين بغير لام؛ وأَنشد لأَبي صخر الهذلي:
أَرائحٌ أَنت يومَ اثنينِ أَمْ غادي،
ولمْ تُسَلِّمْ على رَيْحانَةِ الوادي؟
قال: وكان أَبو زياد يقول مَضى الاثْنانِ بما فيه، فيوحِّد ويذكِّر،
وكذا يَفْعل في سائر أَيام الأُسبوع كلها، وكان يؤنِّث الجمعة، وكان أَبو
الجَرَّاح يقول: مضى السبت بما فيه، ومضى الأَحد بما فيه، ومضى الاثْنانِ
بما فيهما، ومضى الثلاثاء بما فيهن، ومضى الأربعاء بما فيهن، ومضى الخميس
بما فيهن، ومضت الجمعة بما فيها، كان يخرجها مُخْرج العدد؛ قال ابن جني:
اللام في الاثنين غير زائدة وإِن لم تكن الاثنان صفة؛ قال أَبو العباس:
إِنما أَجازوا دخول اللام عليه لأَن فيه تقدير الوصف، أَلا ترى أَن معناه
اليوم الثاني؟ وكذلك أَيضاً اللام في الأَحد والثلاثاء والأَربعاء ونحوها
لأَن تقديرها الواحد والثاني والثالث والرابع والخامس والجامع والسابت،
والسبت القطع، وقيل: إِنما سمي بذلك لأَن الله عز وجل خلق السموات
والأَرض في ستة أَيام أَولها الأَحد وآخرها الجمعة، فأَصبحت يوم السبت منسبتة
أَي قد تمت وانقطع العمل فيها، وقيل: سمي بذلك لأَن اليهود كانوا ينقطعون
فيه عن تصرفهم، ففي كلا القولين معنى الصفة موجود. وحكى ثعلب عن ابن
الأَعرابي: لا تكن اثْنَويّاً أَي ممن يصوم الاثنين وحده.
وقوله عز وجل: ولقد آتيناك سبعاً من المثاني والقرآن العظيم؛ المثاني من
القرآن: ما ثُنِّيَ مرة بعد مرة، وقيل: فاتحة الكتاب، وهي سبع آيات، قيل
لها مَثَانٍ لأَنها يُثْنى بها في كل ركعة من ركعات الصلاة وتعاد في كل
ركعة؛ قال أَبو الهيثم: سميت آيات الحمد مثاني، واحدتها مَثْناة، وهي سبع
آيات؛ وقال ثعلب: لأَنها تثنى مع كل سورة؛ قال الشاعر:
الحمد لله الذي عافاني،
وكلَّ خيرٍ صالحٍ أَعطاني،
رَبِّ مَثاني الآيِ والقرآن
وورد في الحديث في ذكر الفاتحة: هي السبع المثاني، وقيل: المثاني سُوَر
أَوَّلها البقرة وآخرها براءة، وقيل: ما كان دون المِئِين؛ قال ابن بري:
كأَن المِئِين جعلت مبادِيَ والتي تليها مَثاني، وقيل: هي القرآن كله؛
ويدل على ذلك قول حسان بن ثابت:
مَنْ للقَوافي بعدَ حَسَّانَ وابْنِه؟
ومَنْ للمثاني بعدَ زَيْدِ بنِ ثابتِ؟
قال: ويجوز أَن يكون، والله أَعلم، من المثاني مما أُثْني به على الله
تبارك وتقدَّس لأَن فيها حمد الله وتوحيدَه وذكر مُلْكه يومَ الدين،
المعنى؛ ولقد آتَيناك سبع آيات من جملة الآيات التي يُثْنَى بها على الله عز
وجل وآتيناك القرآن العظيم؛ وقال الفراء في قوله عز وجل: اللهُ نَزَّلَ
أَحسَن الحديث كتاباً مُتشابهاً مَثانيَ؛ أَي مكرراً أَي كُرِّرَ فيه
الثوابُ والعقابُ؛ وقال أَبو عبيد: المَثاني من كتاب الله ثلاثة أَشياء،
سَمَّى اللهُ عز وجل القرآن كله مثانيَ في قوله عز وجل: الله نزل أَحسن الحديث
كتاباً متشابهاً مَثاني؛ وسَمَّى فاتحةَ الكتاب مثاني في قوله عز وجل:
ولقد آتيناك سبعاً من المثاني والقرآن العظيم؛ قال: وسمي القرآن مَثاني
لأَن الأَنْباء والقِصَصَ ثُنِّيَتْ فيه، ويسمى جميع القرآن مَثانيَ أَيضاً
لاقتران آية الرحمة بآية العذاب. قال الأَزهري: قرأْت بخط شَمِرٍ قال
روى محمد بن طلحة بن مُصَرِّف عن أَصحاب عبد الله أَن المثاني ست وعشرون
سورة وهي: سورة الحج، والقصص، والنمل، والنور، والأَنفال، ومريم،
والعنكبوت، والروم، ويس، والفرقان، والحجر، والرعد، وسبأ، والملائكة، وإِبراهيم،
وص، ومحمد، ولقمان، والغُرَف، والمؤمن، والزُّخرف، والسجدة، والأَحقاف،
والجاثِيَة، والدخان، فهذه هي المثاني عند أَصحاب عبد الله، وهكذا وجدتها
في النسخ التي نقلت منها خمساً وعشرين، والظاهر أَن السادسة والعشرين هي
سورة الفاتحة، فإِما أَن أَسقطها النساخ وإِمّا أَن يكون غَنيَ عن ذكرها
بما قدَّمه من ذلك وإِما أَن يكون غير ذلك؛ وقال أَبو الهيثم: المَثاني
من سور القرآن كل سورة دون الطُّوَلِ ودون المِئِين وفوق المُفَصَّلِ؛
رُوِيَ ذلك عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ثم عن ابن مسعود وعثمان وابن
عباس، قال: والمفصل يلي المثاني، والمثاني ما دُونَ المِئِين، وإِنما قيل
لِمَا ولِيَ المِئِينَ من السُّوَر مثانٍ لأَن المئين كأَنها مَبادٍ
وهذه مثانٍ، وأَما قول عبد الله بن عمرو: من أَشراط الساعة أَن توضَعَ
الأَخْيار وتُرْفَعَ الأَشْرارُ وأَن يُقْرَأَ فيهم بالمَثناةِ على رؤوس
الناسِ ليس أَحَدٌ يُغَيّرُها، قيل: وما المَثْناة؟ قال: ما اسْتُكْتِبَ من
غير كتاب الله كأَنه جعل ما اسْتُكتب من كتاب الله مَبْدَأً وهذا مَثْنىً؛
قال أَبو عبيدة: سأَلتُ رجلاً من أَهل العِلم بالكُتُبِ الأُوَلِ قد
عرَفها وقرأَها عن المَثْناة فقال إِن الأَحْبار والرُّهْبان من بني إِسرائيل
من بعد موسى وضعوا كتاباً فيما بينهم على ما أَرادوا من غير كتاب الله
فهو المَثْناة؛ قال أَبو عبيد: وإِنما كره عبد الله الأَخْذَ عن أَهل
الكتاب، وقد كانت عنده كتب وقعت إِليه يوم اليَرْمُوكِ منهم، فأَظنه قال هذا
لمعرفته بما فيها، ولم يُرِدِ النَّهْيَ عن حديث رسول الله، صلى الله
عليه وسلم، وسُنَّتِه وكيف يَنْهَى عن ذلك وهو من أَكثر الصحابة حديثاً عنه؟
وفي الصحاح في تفسير المَثْناةِ قال: هي التي تُسَمَّى بالفارسية
دُوبَيْني، وهو الغِناءُ؛ قال: وأَبو عبيدة يذهب في تأْويله إِلى غير هذا.
والمَثاني من أَوْتارِ العُود: الذي بعد الأَوّل، واحدها مَثْنىً.
اللحياني: التَّثْنِيَةُ أَن يَفُوزَ قِدْحُ رجل منهم فيَنجُو ويَغْنَم
فيَطْلُبَ إِليهم أَن يُعِيدُوه على خِطارٍ، والأَول أَقْيَسُ
(* قوله
«والأول أقيس إلخ» أي من معاني المثناة في الحديث). وأَقْرَبُ إِلى
الاشتقاق، وقيل: هو ما اسْتُكْتِبَ من غير كتاب الله.
ومَثْنى الأَيادِي: أَن يُعِيدَ معروفَه مرتين أَو ثلاثاً، وقيل: هو أَن
يأْخذَ القِسْمَ مرةً بعد مرة، وقيل: هو الأَنْصِباءُ التي كانت
تُفْصَلُ من الجَزُور، وفي التهذيب: من جزور المَيْسِر، فكان الرجلُ الجَوادُ
يَشْرِيها فَيُطْعِمُها الأَبْرامَ، وهم الذين لا يَيْسِرون؛ هذا قول أَبي
عبيد: وقال أَبو عمرو: مَثْنَى الأَيادِي أَن يَأْخُذَ القِسْمَ مرة بعد
مرة؛ قال النابغة:
يُنْبِيك ذُو عِرْضِهمْ عَنِّي وعالِمُهُمْ،
وليس جاهلُ أَمْر مِثْلَ مَنْ عَلِمَا
إِني أُتَمِّمُ أَيْسارِي وأَمْنَحُهُمْ
مَثْنَى الأَيادِي، وأَكْسُو الجَفْنَة الأُدُما
والمَثْنَى: زِمامُ الناقة؛ قال الشاعر:
تُلاعِبُ مَثْنَى حَضْرَمِيٍّ، كأَنَّهُ
تَعَمُّجُ شَيْطانٍ بذِي خِرْوَعٍ قَفْرِ
والثِّنْيُ من النوق: التي وضعت بطنين، وثِنْيُها ولدها، وكذلك المرأَة،
ولا يقال ثِلْثٌ ولا فوقَ ذلك. وناقة ثِنْيٌ إِذا ولدت اثنين، وفي
التهذيب: إِذا ولدت بطنين، وقيل: إِذا ولدت بطناً واحداً، والأَول أَقيس،
وجمعها ثُناءٌ؛ عن سيبويه، جعله كظِئْرٍ وظُؤارٍ؛ واستعاره لبيد للمرأَة
فقال:لياليَ تحتَ الخِدْرِ ثِنْي مُصِيفَة
من الأُدْم، تَرْتادُ الشُّرُوج القَوابِلا
والجمع أَثْناء؛ قال:
قامَ إِلى حَمْراءَ مِنْ أَثْنائِها
قال أَبو رِياش: ولا يقال بعد هذا شيء مشتقّاً؛ التهذيب: وولدها الثاني
ثِنْيُها؛ قال أَبو منصور: والذي سمعته من العرب يقولون للناقة إِذا ولدت
أَول ولد تلده فهي بِكْر، وَوَلَدها أَيضاً بِكْرُها، فإِذا ولدت الولد
الثاني فهي ثِنْيٌ، وولدها الثاني ثِنْيها، قال: وهذا هو الصحيح. وقال في
شرح بيت لبيد: قال أَبو الهيثم المُصِيفة التي تلد ولداً وقد أَسنَّت،
والرجل كذلك مُصِيف وولده صَيْفِيّ، وأَرْبَعَ الرجلُ وولده رِبْعِيُّون.
والثَّواني: القُرون التي بعد الأَوائل.
والثِّنَى، بالكسر والقصر: الأَمر يعاد مرتين وأَن يفعل الشيءَ مرتين.
قال ابن بري: ويقال ثِنىً وثُنىً وطِوىً وطُوىً وقوم عِداً وعُداً ومكان
سِوىً وسُوىً. والثِّنَى في الصّــدَقة: أَن تؤخذ في العام مرتين. ويروى عن
النبي، صلى الله عليه وسلم، أَنه قال: لا ثِنَى في الصــدقة، مقصور، يعني
لا تؤخذ الصــدقة في السنة مرتين؛ وقال الأَصمعي والكسائي، وأَنشد أَحدهما
لكعب بن زهير وكانت امرأَته لامته في بَكْرٍ نحره:
أَفي جَنْبِ بَكْرٍ قَطَّعَتْني مَلامَةً؟
لَعَمْري لَقَدْ كانَتْ مَلامَتُها ثِنَى
أَي ليس بأَوّل لومِها فقد فعلته قبل هذا، وهذا ثِنىً بعده، قال ابن
بري: ومثله قول عديّ بن زيد:
أَعاذِلُ، إِنَّ اللَّوْمَ، في غير كُنْهِهِ،
عَليَّ ثِنىً من غَيِّكِ المُتَرَدِّد
قال أَبو سعيد: لسنا ننكر أَن الثِّنَى إِعادة الشيء مرة بعد مرة ولكنه
ليس وجهَ الكلام ولا معنى الحديث، ومعناه أَن يتصدق الرجل على آخر بصــدقة
ثم يبدو له فيريد أَن يستردَّها، فيقال لا ثِنَى في الصــدقة أَي لا رجوع
فيها، فيقول المُتَصَدِّقُ بها عليه ليس لك عليَّ عُصْرَةُ الوالد أَي ليس
لك رجوع كرجوع الوالد فيما يُعطي وَلَده؛ قال ابن الأَثير: وقوله في
الصــدقة أَي في أَخذ الصــدقة، فحذف المضاف، قال: ويجوز أَن تكون الصــدقة بمعنى
التصديق، وهو أَخذ الصــدقة كالزكاة والذكاة بمعنى التزكية والتذكية، فلا
يحتاج إِلى حذف مضاف. والثِّنَى: هو أَن تؤخذ ناقتان في الصــدقة مكان
واحدة.والمَثْناة والمِثْناة: حبل من صوف أَو شعر، وقيل: هو الحبل من أَيّ شيء
كان. وقال ابن الأَعرابي: المَثْناة، بالفتح، الحبل.
الجوهري: الثِّنَاية حبل من شعر أَو صوف؛ قال الراجز:
أَنا سُحَيْمٌ، ومَعِي مِدرايَهْ
أَعْدَدْتُها لِفَتْكِ ذِي الدوايَهْ،
والحَجَرَ الأَخْشَنَ والثِّنايَهْ
قال: وأَما الثِّناءُ، ممدود، فعقال البعير ونحو ذلك من حبل مَثْنيٍّ،
وكل واحد من ثِنْيَيْه فهو ثِناءٌ لو أُفرد؛ قال ابن بري: إِنما لم يفرد
له واحد لأَنه حبل واحد تشدّ بأَحد طرفيه اليد وبالطرف الآخر الأُخرى،
فهما كالواحد. وعقلت البعير بِثنايَيْن، غير مهموز، لأَنه لا واحد له إِذا
عقلت يديه جميعاً بحبل أَو بطرفي حبل، وإِنما لم يهمز لأَنه لفظ جاء
مُثَنّىً لا يفرد واحده فيقال ثِناء، فتركت الياء على الأَصل كما قالوا في
مِذْرَوَيْن، لأَن أَصل الهمزة في ثِنَاءٍ لو أُفْرد ياءٌ، لأَنه من ثنيت،
ولو أُفرد واحده لقيل ثناءان كما تقول كساءان ورداءان. وفي حديث عمرو بن
دينار قال: رأَيت ابن عمر ينحر بدنته وهي باركة مَثْنِيَّة بِثِنايَيْن،
يعني معقولة بِعِقالين، ويسمى ذلك الحبل الثِّنايَة؛ قال ابن الأَثير:
وإِنما لم يقولوا ثناءَيْن، بالهمز، حملاً على نظائره لأَنه حبل واحد يشد
بأَحد طرفيه يد، وبطرفه الثاني أُخرى، فهما كالواحد، وإِن جاء بلفظ اثنين
فلا يفرد له واحد؛ قال سيبويه: سأَلت الخليل عن الثِّنايَيْن فقال: هو
بمنزلة النهاية لأَن الزيادة في آخره لا تفارقه فأَشبهت الهاء، ومن ثم قالوا
مذروان، فجاؤوا به على الأَصل لأَن الزيادة فيه لا تفارقه. قال سيبويه:
وسأَلت الخليل، رحمه الله، عن قولهم عَقَلْته بِثِنايَيْن وهِنايَيْن
لِمَ لم يهمزوا؟ فقال: تركوا ذلك حيث لم يُفْرد الواحدُ. وقال ابن جني: لو
كانت ياء التثنية إِعراباً أَو دليل إِعراب لوجب أَن تقلب الياء التي بعد
الأَلف همزة فيقال عقلته بِثِناءَيْن، وذلك لأَنها ياء وقعت طرفاً بعد
أَلف زائدة فجرى مجرى ياء رِداءٍ ورِماءٍ وظِباءٍ. وعَقَلْتُه بِثِنْيَيْنِ
إِذا عَقَلْت يداً واحدة بعُقْدتين. الأَصمعي: يقال عَقَلْتُ البعيرَ
بثِنَايَيْنِ، يُظهرون الياء بعد الأَلف وهي المدة التي كانت فيها، ولو مدّ
مادٌّ لكان صواباً كقولك كساء وكساوان وكساءان. قال: وواحد
الثِّنَايَيْنِ ثِناءٌ مثل كساء ممدود. قال أَبو منصور: أَغفل الليث العلة في
الثِّنايَين وأَجاز ما لم يجزه النحويون؛ قال أَبو منصور عند قول الخليل تركوا
الهمزة في الثِّنَايَيْن حيث لم يفردوا الواحد، قال: هذا خلاف ما ذكره
الليث في كتابه لأَنه أَجاز أَن يقال لواحد الثِّنَايَيْن ثِناء، والخليل
يقول لم يهمزوا الثِّنايَيْنِ لأَنهم لا يفردون الواحد منهما، وروى هذا شمر
لسيبويه. وقال شمر: قال أَبو زيد يقال عقلت البعير بثِنايَيْن إِذا عقلت
يديه بطرفي حبل، قال: وعقلته بثِنْيَيْنِ إِذا عقله يداً واحدة بعقدتين.
قال شمر: وقال الفراء لم يهمزوا ثِنَايَيْن لأَن واحده لا يفرد؛ قال
أَبو منصور: والبصريون والكوفيون اتفقوا على ترك الهمز في الثنايين وعلى أَن
لا يفردوا الواحد. قال أَبو منصور: والحبل يقال له الثِّنَايةُ، قال:
وإِنما قالوا ثِنايَيْن ولم يقولوا ثِنايتَيْنِ لأَنه حبل واحد يُشَدُّ
بأَحد طرفيه يَدُ البعير وبالطرف الآخر اليدُ الأُخْرى، فيقال ثَنَيْتُ
البعير بثِنايَيْنِ كأَنَّ الثِّنايَيْن كالواحد وإِن جاء بلفظ اثنين ولا
يفرد له واحد، ومثله المِذْرَوانِ طرفا الأَلْيَتَيْنِ، جعل واحداً، ولو
كانا اثنين لقيل مِذْرَيان، وأَما العِقَالُ الواحدُ فإِنه لا يقال له
ثِنايَةٌ، وإِنما الثِّناية الحبل الطويل؛ ومنه قول زهير يصف السَّانيةَ
وشدَّ قِتْبِها عليها:
تَمْطُو الرِّشاءَ، فَتُجْرِي في ثِنايَتها،
من المَحالَةِ، ثَقْباً رائداً قَلِقاً
والثِّنَاية ههنا: حبل يشد طرفاه في قِتْب السانية ويشد طرف الرِّشاء في
مَثْناته، وكذلك الحبل إِذا عقل بطرفيه يد البعير ثِنايةٌ أَيضاً. وقال
ابن السكيت: في ثِنَايتها أَي في حبلها، معناه وعليها ثنايتها. وقال أَبو
سعيد: الثِّنَاية عود يجمع به طرفا المِيلين من فوق المَحَالة ومن تحتها
أُخرى مثلها، قال: والمَحَالة والبَكَرَة تدور بين الثّنَايتين. وثِنْيا
الحبل: طرفاه، واحدهما ثِنْيٌ. وثِنْيُ الحبل ما ثَنَيْتَ؛ وقال طرفة:
لَعَمْرُك، إِنَّ الموتَ ما أَخْطَأَ الفَتَى
لَكالطِّوَلِ المُرْخى، وثِنْياه في اليد
يعني الفتى لا بُدَّ له من الموت وإِن أُنْسِئ في أَجله، كما أَن
الدابة وإِن طُوّل له طِوَلُه وأُرْخِي له فيه حتى يَرُود في مَرتَعه ويجيء
ويذهب فإِنه غير منفلت لإِحراز طرف الطِّوَل إِياه، وأَراد بِثِنْييه الطرف
المَثْنِيَّ في رُسْغه، فلما انثنى جعله ثِنْيين لأَنه عقد بعقدتين،
وقيل في تفسير قول طرفة: يقول إِن الموت، وإِن أَخطأَ الفتى، فإِن مصيره
إِليه كما أَن الفرس، وإِن أُرْخِي له طِوَلُه، فإِن مصيره إِلى أَن يَثْنيه
صاحبه إِذ طرفه بيده. ويقال: رَبَّق فلان أَثناء الحبل إِذا جعل وسطه
أَرْباقاً أَي نُشَقاً للشاء يُنْشَق في أَعناق البَهْمِ.
والثِّنَى من الرجال: بعد السَّيِّد، وهو الثُّنْيان؛ قال أَوس بن
مَغْراء:
تَرَى ثِنانا إِذا ما جاء بَدْأَهُمُ،
وبَدْؤُهُمْ إِن أَتانا كان ثُنْيانا
ورواه الترمذي: ثُنْيانُنا إِن أَتاهم؛ يقول: الثاني منَّا في الرياسة
يكون في غيرنا سابقاً في السُّودد، والكامل في السُّودد من غيرنا ثِنىً في
السودد عندنا لفضلنا على غيرنا. والثُّنْيان، بالضم: الذي يكون دون
السيد في المرتبة، والجمع ثِنْيةٌ؛ قال الأَعشى:
طَوِيلُ اليدَيْنِ رَهْطُه غيرُ ثِنْيةٍ،
أَشَمُّ كَرِيمٌ جارُه لا يُرَهَّقُ
وفلان ثِنْية أَهل بيته أَي أَرذلهم. أَبو عبيد: يقال للذي يجيء ثانياً
في السُّودد ولا يجيء أَولاً ثُنىً، مقصور، وثُنْيانٌ وثِنْيٌ، كل ذلك
يقال. وفي حديث الحديبية: يكون لهم بَدْءُ الفُجور وثِناه أَي أَوَّله
وآخره.
والثَّنِيّة: واحدة الثَّنايا من السِّن. المحكم: الثَّنِيّة من
الأَضراس أولُ ما في الفم. غيره: وثَنايا الإنسان في فمه الأربعُ التي في مقدم
فيه: ثِنْتانِ من فوق، وثِنْتانِ من أَسفل. ابن سيده: وللإنسان والخُفِّ
والسَّبُع ثَنِيّتان من فوقُ وثَنِيّتان من أَسفلَ. والثَّنِيُّ من الإبل:
الذي يُلْقي ثَنِيَّته، وذلك في السادسة، ومن الغنم الداخل في السنة
الثالثة، تَيْساً كان أَو كَبْشاً. التهذيب: البعير إذا استكمل الخامسة وطعن
السادسة فهو ثَنِيّ، وهو أَدنى ما يجوز من سنِّ الإبل في الأَضاحي،
وكذلك من البقر والمِعْزى
(* قوله «وكذلك من البقر والمعزى» كذا بالأصل، وكتب
عليه بالهامش: كذا وجدت أ هـ. وهو مخالف لما في القاموس والمصباح
والصحاح ولما سيأتي له عن النهاية)، فأما الضأن فيجوز منها الجَذَعُ في
الأَضاحي، وإنما سمي البعير ثَنِيّاً لأَنه أَلقى ثَنيَّته. الجوهري: الثَّنِيّ
الذي يُلْقِي ثَنِيَّته، ويكون ذلك في الظِّلْف والحافر في السنة
الثالثة، وفي الخُفّ في السنة السادسة. وقيل لابْنةِ الخُسِّ: هل يُلْقِحُ
الثَّنِيُّ؟ فقالت: وإلْقاحُه أَنِيٌّ أَي بَطِيءٌ، والأُنْثى ثَنِيَّةٌ،
والجمع ثَنِيّاتٌ، والجمع من ذلك كله ثِناء وثُناء وثُنْيانٌ. وحكى سيبويه
ثُن. قال ابن الأَعرابي: ليس قبل الثَّنيّ اسم يسمى ولا بعد البازل اسم
يسمى. وأَثْنَى البعيرُ: صار ثَنِيّاً، وقيل: كل ما سقطت ثَنِيّته من غير
الإنسان ثَنيٌّ، والظبي ثَنِيٌّ بعد الإجذاع ولا يزال كذلك حتى يموت.
وأَثْنى أَي أَلْقى ثَنِيّته. وفي حديث الأضحية: أَنه أمر بالثَّنِيَّة من
المَعَز؛ قال ابن الأَثير: الثَّنِيّة من الغنم ما دخل في السنة الثالثة،
ومن البقر كذلك، ومن الإبل في السادسة، والذكر ثَنِيٌّ، وعلى مذهب أَحمد بن
حنبل ما دخل من المَعَز في الثانية، ومن البقر في الثالثة. ابن
الأَعرابي: في الفرس إذا استَتمَّ الثالثة ودخل في الرابعة ثَنِيٌّ، فإذا أَثْنَى
أَلقى رواضعه، فيقال أَثْنَى وأدْرَم للإثناء، قال: وإذا أَثْنَى سقطت
رواضعه ونبت مكانها سِنٌّ، فنبات تلك السن هو الإثناء، ثم يسقط الذي يليه
عند إرباعه. والثَّنِيُّ من الغنم: الذي استكمل الثانية ودخل في الثالثة،
ثم ثَنِيٌّ
في السنة الثالثة مثل الشاة سواءً. والثَّنِيّة: طريق العقبة؛ ومنه
قولهم: فلان طَلاَّع الثَّنايا إذا كان سامياً لمعالمي الأُمور كما يقال
طَلاَّ أَنْجُدٍ، والثَّنِيّة: الطريقة في الجبل كالنَّقْب، وقيل: هي
العَقَبة، وقيل: هي الجبل نفسه. ومَثاني الدابة: ركبتاه ومَرْفقاه؛ قال امرؤ
القيس:
ويَخْدِي على صُمٍّ صِلابٍ مَلاطِسٍ،
شَديداتِ عَقْدٍ لَيِّناتِ مَثاني
أَي ليست بجاسِيَة. أَبو عمرو: الثَّنايا العِقاب. قال أَبو منصور:
والعِقاب جبال طِوالٌ بعَرْضِ الطريق، فالطريق تأخذ فيها، وكل عَقَبة مسلوكة
ثَنِيَّةٌ، وجمعها ثَنايا، وهي المَدارِج أَيضاً؛ ومنه قول عبد الله ذي
البِجادَيْن المُزَني:
تَعَرَّضِي مَدارِجاً، وَسُومِي،
تعَرُّضَ الجَوْزاء للنُّجوم
يخاطب ناقة سيدنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وكان دليله بركوبه،
والتعرّض فيها: أن يَتَيامَن الساندُ فيها مرَّة ويَتَياسَر أخرى ليكون
أَيسر عليه. وفي الحديث: مَنْ يَصْعَدْ ثَنِيّة المُرارِ حُطَّ عنه ما حُطَّ
عن بني إسرائيل؛ الثَّنِيّة في الجبل: كالعقبة فيه، وقيل: هي الطريق
العالي فيه، وقيل: أَعلى المَسِيل في رأْسه، والمُرار، بالضم: موضع بين مكة
والمدينة من طريق الحُدَيْبية، وبعضهم يقوله بالفتح، وإنما حَثَّهم على
صعودها لأَنها عَقَبة شاقَّة، وصلوا إليها ليلاً حين أَرادوا مكة سنة
الحديبية فرغَّبهم في صعودها، والذي حُطَّ عن بني إسرائيل هو ذنوبهم من قوله
تعالى: وقولوا حِطَّةٌ نغفر لكم خطاياكم؛ وفي خطبة الحجَّاج:
أَنا ابنُ جَلا وطَلاَّع الثَّنايا
هي جمع ثَنِيّة، أَراد أَنه جَلْدٌ يرتكب الأُمور العظام.
والثَّناءُ: ما تصف به الإنسانَ من مَدْح أَو ذم، وخص بعضهم به المدح،
وقد أثْنَيْتُ عليه؛ وقول أبي المُثلَّم الهذلي:
يا صَخْرُ، أَو كنت تُثْني أَنَّ سَيْفَكَ مَشْـ
قُوقُ الخُشَيْبةِ، لا نابٍ ولا عَصِلُ
معناه تمتدح وتفتخر، فحذف وأَوصل. ويقال للرجل الذي يُبْدَأُ بذكره في
مَسْعاةٍ أو مَحْمَدة أَو عِلْمٍ: فلان به تُثْنَى الخناصر أَي تُحْنَى في
أَوَّل من يُعَدّ ويُذْكر، وأَثْنَى عليه خيراً، والاسم الثَّناء.
المظفر: الثَّناءُ، ممدود، تَعَمُّدُك لتُثْنيَ على إنسان بحسَن أَو قبيح. وقد
طار ثَناءُ فلان أَي ذهب في الناس، والفعل أَثْنَى فلان
(* قوله «والفعل
أثنى فلان» كذا بالأصل ولعل هنا سقطاً من الناسخ وأصل الكلام: والفعل
أثنى فلان إلخ). على الله تعالى ثم على المخلوق يثني إثناء أَو ثناء يستعمل
في القبيح من الذكر في المخلوقين وضده. ابن الأَعرابي: يقال أَثْنَى إذا
قال خيراً أَو شرّاً، وأَنْثَنَى إذا اغتاب.
وثِناء الدار: فِناؤها. قال ابن جني: ثِناء الدار وفِناؤها أَصْلانِ
لأَن الثِّناء مِن ثَنَى يَثْني، لأَن هناك تَنْثَني عن الانبساط لمجيء
آخرها واستقصاء حدودها، وفِناؤها مِنْ فَنِيَ يَفْنَى لأَنك إذا تناهيت إلى
أَقصى حدودها فَنِيَتْ. قال ابن سيده: فإن قلت هلا جعلت إجماعهم على
أَفْنِيَة، بالفاء، دلالة على أَن الثاء في ثِناء بدل من فاء فناء، كما زعمت
أَن فاء جَدَف بدل من ثاء جَدَث لإجماعهم على أَجْداث بالثاء، فالفرق
بينهما وجودنا لِثِناء من الاشتقاق ما وجدناه لِفِناء، أَلا ترى أَن الفعل
يتصرف منهما جميعاً؟ ولَسْنا نعلم لِجَدَفٍ بالفاء تَصَرُّفَ جَدَثٍ، فلذلك
قضينا بأَن الفاء بدل من الثاء، وجعله أَبو عبيد في المبدل.
واسْتَثْنَيْتُ الشيءَ من الشيء: حاشَيْتُه. والثَّنِيَّة: ما اسْتُثْني. وروي عن
كعب أَنه قال: الشُّهداء ثَنِيَّةُ الله في الأَرض، يعني مَن اسْتَثْناه من
الصَّعْقة الأُولى، تأوَّل قول الله تعالى: ونفخ في الصور فصَعِق من في
السموات ومن في الأَرض إلا من شاء الله؛ فالذين استَثْناهم الله عند كعب
من الصَّعْق الشهداء لأَنهم أَحياء عند ربهم يُرْزَقون فَرِحِين بما
آتاهم الله من فضله، فإذا نُفِخ في الصور وصَعِقَ الخَلْقُ عند النفخة
الأُولى لم يُصْعَقوا، فكأَنهم مُسْتَثْنَوْنَ من الصَّعِقين، وهذا معنى كلام
كعب، وهذا الحديث يرويه إبراهيم النخعي أَيضاً. والثَّنِيَّة: النخلة
المستثناة من المُساوَمَة.
وحَلْفةٌ غير ذات مَثْنَوِيَّة أَي غير مُحَلَّلة. يقال: حَلَف فلان
يميناً ليس فيها ثُنْيا ولا ثَنْوَى
(* قوله «ليس فيها ثنيا ولا ثنوى» أي
بالضم مع الياء والفتح مع الواو كما في الصحاح والمصباح وضبط في القاموس
بالضم، وقال شارحه: كالرجعى). ولا ثَنِيَّة ولا مَثْنَوِيَّةٌ
ولا استثناء، كله واحد، وأصل هذا كله من الثَّنْي والكَفِّ والرَّدّ
لأَن الحالف إذا قال والله لا أَفعل كذا وكذا إلا أَن يشاء الله غَيْرَه فقد
رَدَّ ما قاله بمشيئة الله غيره. والثَّنْوة: الاستثناء. والثُّنْيانُ،
بالضم: الإسم من الاستثناء، وكذلك الثَّنْوَى، بالفتح. والثُّنيا
والثُّنْوى: ما استثنيته، قلبت ياؤه واواً للتصريف وتعويض الواو من كثرة دخول
الياء عليها، والفرقِ أَيضاً بين الإسم والصفة. والثُّنْيا المنهي عنها في
البيع: أَن يستثنى منه شيء مجهول فيفسد البيع، وذلك إذا باع جزوراً بثمن
معلوم واستثنى رأْسه وأَطرافه، فإن البيع فاسد. وفي الحديث: نهى عن
الثُّنْيا إلا أَن تُعْلَمَ؛ قال ابن الأَثير: هي أَن يستثنى في عقد البيع شيء
مجهول فيفسده، وقيل: هو أَن يباع شيء جزافاً فلا يجوز أَن يستثنى منه
شيء قلَّ أَو كثر، قال: وتكون الثُّنْيا في المزارعة أَن يُسْتثنى بعد
النصف أَو الثلث كيل معلوم. وفي الحديث: من أَعتق أو طلَّق ثم استثنى فله
ثُنْياءُ أَي من شرط في ذلك شرطاً أَو علقه على شيء فله ما شرط أَو استثنى
منه، مثل أَن يقول طلقتها ثلاثاً إلا واحدة أَو أَعتقتهم إلا فلاناً،
والثُّنْيا من الجَزور: الرأْس والقوائم، سميت ثُنْيا لأَن البائع في
الجاهلية كان يستثنيها إذا باع الجزور فسميت للاستثناء الثُّنْيا. وفي الحديث:
كان لرجل ناقة نجيبة فمرضت فباعها من رجل واشترط ثُنْياها؛ أَراد قوائمها
ورأْسها؛ وناقة مذكَّرة الثُّنْيا؛ وقوله أَنشده ثعلب:
مذَكَّرة الثُّنْيا مُسانَدة القَرَى،
جُمالِيَّة تَخْتبُّ ثم تُنِيبُ
فسره فقال: يصف الناقة أَنها غليظة القوائم كأَنها قوائم الجمل لغلظها.
مذكَّرة الثُّنْيا: يعني أَن رأْسها وقوائمها تشبه خَلْق الذِّكارة، لم
يزد على هذا شيئاً. والثَّنِيَّة: كالثُّنْيا. ومضى ثِنْيٌ من الليل أَي
ساعة؛ حكى عن ثعلب: والثُنون
(* قوله «والثنون إلخ» هكذا في الأصل): الجمع
العظيم.
نقص: النَّقْصُ: الخُسْران في الحظِّ، والنقصانُ يكون مصدراً ويكون قدر
الشيء الذاهب من المنقوص. نَقَصَ الشيءُ يَنْقُصُ نَقْصاً ونُقْصاناً
ونَقِيصةً ونَقَصَه هو، يتعدى ولا يتعدى؛ وأَنْقَصَه لغة؛ وانْتَقَصَه
وتَنَقَّصَه: أَخذ منه قليلاً قليلاً على حد ما يجيءُ عليه هذا الضرب من
الأَبنية بالأَغلب. وانْتَقَصَ الشيءُ: نَقَصَ، وانْتَقَصْتُه أَنا، لازمٌ
وواقعٌ، وقد انْتَقَصَه حقَّه. أَبو عبيد في باب فَعَلَ الشيءُ وفَعَلْتُ
أَنا: نَقَصَ الشيءُ ونَقَصْتُه أَنا، قال: وهكذا قال الليث، وقال: استوى
فيه فَعَلَ اللازمُ والمُجاوز. واسْتَنْقَصَ المُشتري الثمنَ أَي
اسْتَحَطَّ، وتقول: نُقْصانُه كذا وكذا هذا قدْرُ الذاهب؛ قال ابن دريد: سمعت
خزاعيّاً يقول للطيِّب إِذا كانت له رائحة طيِّبة: إِنه لَنَقِيصٌ؛ وروى قول
امرئ القيس:
كلَوْن السَّيالِ وهو عذب نَقِيص
أَي طيِّب الريح. اللحياني في باب الإِتباع: طَيِّبٌ نَقِيص. وفي
الحديث: شَهْرا عِيدٍ لا يَنْقُصان، يعني في الحكم، وإِن نَقَصا في العدد أَي
أَنه لا يَعْرِِضُ في قلوبكم شكٌّ إِذا صُمتم تسعة وعشرين، أَو إِن وقَعَ
في يوم الحجّ خطأٌ لم يكن في نُسُكِكم نَقْصٌ. وفي الحديث: عشر من
الفِطْرة وانْتقاص الماء، قال أَبو عبيد: معناه انْتِقاصُ البول بالماء إِذا
غُسِل به يعني المذاكير، وقيل: هو الانتضاح بالماء، ويروى انْتِفاص،
بالفاء، وقد تقدم. وفي الحديث: انْتِفاص الماء الاستنجاء، قيل: هو الانتضاح
بالماء. قال أَُّبو عبيد: انْتقاصُ الماء غَسْلُ الذكَر بالماء، وذلك أَنه
إِذا غسل الذكر ارتد البول ولم ينزل، وإِن لم يغسل نزل منه الشيء حتى
يُسْتَبْرأَ.
والنَّقْصُ في الوافر من العَروض: حذْفُ سابعِه بعد إِسكان خامسه،
نَقَصَه يَنْقُصُه نَقْصاً وانْتَقَصَه. وتَنَقَّصَ الرجلَ وانْتَقَصَه
واسْتَنْقَصَه: نسب إِليه النُّقْصَانَ، والاسم النَّقِيصةُ؛ قال:
فلو غَيرُ أَخوالي أَرادوا نَقِيصَتي،
جَعَلْتُ لهم فَوْقَ العَرانِينِ مِيسَما
وفلان يَنْتَقِصُ فلاناً أَي يقع فيه ويَثْلِبُه. والنَّقْصُ: ضعْفُ
العقل. ونَقُصَ الشيءُ نَقاصَةً، فهو نَقِيصٌ: عَذُبَ؛ وأَنشد ابن بري
لشاعر:حَصَانٌ رِيقُها عَذْبٌ نَقِيص
والمَنْقَصَةُ: النَّقْصُ. والنَّقِيصةُ: العيب. والنقيصةُ: الوَقِيعةُ
في الناس، والفِعْل الانْتِقاصُ، وكذلك انْتِقاصُ الحقّ؛ وأَنشد:
وذا الرِّحْمِ لا تَنْتَقِصْ حقَّه،
فإِنَّ القَطِيعَة في نَقْصِ
وفي حديث بيع الرُّطَب بالتمر قال: أَيَنْقُص الرُّطَب إِذا يَبِس؟
قالوا: نعم، لفظُه استفهام ومعناه تنبيهٌ وتقرير لِكُنْهِ الحُكْم وعلَّته
ليكون معتبراً في نظائره، وإِلا فلا يجوز أَن يخفى مثل هذا على النبي، صلّى
اللّه عليه وسلّم، كقوله تعالى: أَلَيْسَ اللّهُ بكافٍ عَبْدَه؛ وقول
جرير:
أَلَسْتُم خيرَ مَنْ رَكِبَ المَطايا
نذر: النَّذْرُ: النَّحْبُ، وهو ما يَنْذِرُه الإِنسان فيجعله على نفسه
نَحْباً واجباً، وجمعه نُذُور، والشافعي سَمَّى في كتاب جِراحِ العَمْد
ما يجب في الجِراحات من الدِّيات نَذْراً، قال: ولغة أَهل الحجاز كذلك،
وأَهل العراق يسمونه الأَرْش. وقال أَبو نَهْشَل: النَّذْرُ لا يكون إِلا
في الجِراح صِغارها وكِبارها وهي مَعاقِل تلك الجِراح. يقال: لي قِبَل
فلان نذْر إِذا كان جُرْحاً واحداً له عَقْل؛ وقال أَبو سعيد الضرير: إِنما
قيل له نَذْر لأَنه نُذِرَ فيه أَي أَوجب، من قولك نَذَرتُ على نفسي أَي
أَوجبْت. وفي حديث ابن المسيَّب: أَن عمر وعثمان، رضي الله عنهما، قَضَيا
في المِلْطاة بنصف نَذْرِ المُوضِحَة أَي بنصف ما يجب فيها من الأَرْش
والقِيمة؛ وقد نَذَرَ على نفسه لله كذا يَنْذِرُ ويَنْذُر نَذْراً
ونُذُوراً.
والنَّذِيرة: ما يُعطيه. والنَّذِيرة: الابن يجعله أَبواه قَيِّماً أَو
خادماً للكَنيسة أَو للمتعبَّد من ذكر وأُنثى، وجمعه النَّذَائر، وقد
نَذَرَه.
وفي التنزيل العزيز: إِني نَذَرْتُ لكَ ما في بطني مُحَرَّراً؛ قالته
امرأَة عِمران أُمُّ مريم. قال الأَخفش: تقول العرب نَذَرَ على نفسه
نَذْراً ونذَرتُ مالي فأنا أَنذِرُه نذْراً؛ رواه عن يونس عن العرب. وفي الحديث
ذِكْرُ النَّذْرِ مُكرّراً؛ تقول: نذَرْتُ أَنذِرُ وأَنذُر نذْراً إِذا
أَوجبتَ على نفسِك شيئاً تبرعاً من عبادة أَو صــدقة أَو غيرِ ذلك. قال ابن
الأَثير: وقد تكرّر في أَحاديثه ذِكْرُ النهي عنه وهو تأْكيدٌ لأَمرِه
وتحذيرٌ عن التَّهاوُن به بعد إِيجابه؛ قال: ولو كان معناه الزَّجْرُ عنه
حتى لا يُفعلَ لكان في ذلك إِبطالُ حُكمِهِ وإِسقاطُ لُزُومِ الوَفاء به،
إِذْ كان بالنهي يصير معصية فلا يَلزمُ، وإِنما وجهُ الحديث أَنه قد
أَعلمهم أَن ذلك أَمرٌ لا يَجرُّ لهم في العاجل نفعاً ولا يَصرِف عنهم
ضَرًّا ولا يَرُدَ قضاء، فقال: لا تَنْذِرُوا على أَنكم تُدرِكون بالنَّذرِ
شيئاً لم يُقدِّرْه الله لكم أَو تَصرفون به عنكم ما جرى به القضاء عليكم،
فإِذا نذَرْتم ولم تعتقدوا هذا فاخرُجوا عنه بالوَفاء فإِن الذي
نذَرْتُمُوه لازم لكم.
ونَذِرَ بالشيء وبالعدوّ، بكسر الذال، نذْراً: عَلِمَهُ فحَذِرَه.
وأَنذَرَه بالأَمر
(* قوله «وأنذره بالامر إلخ» هكذا بالأصل مضبوطاً، وعبارة
القاموس مع شرحه: وأَنذره بالأمر انذاراً ونذراً، بالفتح عن كراع
واللحياني ويضم وبضمتين، ونذيراً) إِنْذاراً ونُذْراً؛ عن كراع واللحياني:
أَعلَمَهُ، والصحيح أَن النُّذْر الاسم والإِنذار المصدرُ. وأَنذَره أَيضاً:
خوّفه وحذَّره. وفي التنزيل العزيز: وأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الآزِفَةِ؛
وكذلك حكى الزجاجي: أَنذَرْتهُ إِنذاراً ونذِيراً، والجيِّد أَن الإِنذار
المصدر، والنذِير الاسم.
وفي التنزيل العزيز: فستعلمون كيف نَذِير. وقوله تعالى: فكيف كان
نَذِيرِ؛معناه فكيف كان إِنذاري. والنذِير: اسمُ الإِنذار. وقوله تعالى:
كَذَّبَتْ ثَمُودُ بالنُّذُرِ؛ قال الزجاج: النُّذُر جمع نَذِير. وقوله عز وجل:
عُذْراً أَو نُذْراً؛ قرئت: عُذُراً أَو نُذُراً، قال: معناهما المصدر
وانتصابُهما على المفعول له، المعنى فالمُلْقِيات ذكراً للإِعذارِ أَو
الإِنذار. ويقال: أَنذَرْتُه إِنذاراً. والنُّذُر: جمع النذِير، وهو الاسم
من الإِنذار. والنذِيرة: الإِنذار. والنذِيرُ: الإِنذار. والنذِير:
المُنْذِر، والجمع نُذُرٌ، وكذلك النذِيرة؛ قال ساعدة بن جُؤيَّة:
وإِذا تُحُومِيَ جانبٌ يَرْعَوْنَه،
وإِذا تَجيء نَذِيرة لم يَهْربوا
وقال أَبو حنيفة: النذيرُ صَوْت القَوْس لأَنه يُنْذِر الرَّمِيَّة؛
وأَنشد لأَوس بن حجر:
وصَفْراء من نَبْعٍ كأَن نذِيرَها،
إِذا لم تُخفِّضه عن الوَحْشِ، أَفْكَلُ
وتَناذَر القوم: أَنذر بعضُهم بعضاً، والاسم النُّذْر. الجوهري. تَناذرَ
القومُ كذا أَي خَوّف بعضُهم بعضاً؛ وقال النابغة الذُّبياني يصف حَيَّة
وقيل يصف أَن النعمان توعَّده فبات كأَنه لديغ يَتململ على فِراشه:
فبِتُّ كأَني ساوَرَتْني ضَئِيلَةٌ
من الرُّقْشِ، في أَنيابِها السُّمُّ ناقِعُ
تَناذَرَها الرَّاقُون من سُوء سَمِّها،
تُطَلّقُه طَوْراً، وطَوْراً تُراجِعُ
ونَذِيرة الجيش: طَلِيعَتُهم الذي يُنْذِرُهم أَمرَ عَدُوّهم أَي
يُعلمهم؛ وأَما قول ابن أَحمر:
كَم دون لَيْلى من تَنُوفِيَّةٍ
لَمَّاعَةٍ تُنْذَرُ فيها النُّذُرْ
فيقال: إِنه جمع نَذْر مثل رَهْن ورُهُن. ويقال: إِنه جمع نَذِير بمعنى
مَنْذُور مثل قَتيل وجَديد. والإِنذارُ: الإِبلاغ، ولا يكون إِلا في
التخويف، والاسم النُّذُر. ومنه قوله تعالى: فكيف كان عذابي ونُذُرِ أَي
إِنذاري. والنَّذِير: المُحذِّر، فعيل بمعنى مُفْعِل، والجمع نُذُر. وقوله عز
وجل: وجاءكُمُ النَّذِيرُ؛ قال ثعلب: هو الرسول، وقال أَهل التفسير:
يعني النبي، صلى الله عليه وسلم، كما قال عز وجل: إِنا أَرسَلْناك شاهِداً
ومُبَشِّراً ونَذِيراً. وقال بعضهم: النَّذِير ههنا الشَّيْب، قال
الأَزهري: والأَوّل أَشبَه وأَوضح. قال أَبو منصور: والنذِيرُ يكون بمعنى
المُنْذِر وكان الأَصلَ وفعلُه الثُّلاثيُّ أُمِيتَ، ومثله السميعُ بمعنى
المُسمِعِ والبديعُ بمعنى المُبدِعِ. قال ابن عباس: لما أَنزل الله تعالى:
وأَنْذِرْ عَشِيرتَكَ الأَقْرَبِين، أَتى رسول الله، صلى الله عليه وسلم،
الصَّفا فصعَّد عليه ثم نادى: يا صباحاه فاجتمع إِليه الناسُ بين رجُل
يَجيء ورجُل يَبعثُ رسوله، قال: فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يا بني
عبدِ المطَّلِب، يا بني فلان، لو أَخبرْتُكم أَن خَيْلاً ستَفْتَحُ هذا
الجبَلَ
(* قوله« ستفتح هذا الجبل» هكذا بالأصل؛ والذي في تفسير الخطيب
والكشاف بسفح هذا الجبل) تُريدُ أَن تُغِيرَ عليكم صدّقتُموني؟ قالوا:
نعم. قال: فإِني نَذِيرٌ لكم بين يَدَيْ عذابٍ شديدٍ، فقال أَبو لَهَب:
تَبًّا لكم سائرَ القَومِ أَما آذنْتُمونا إِلا لهذا؟ فأَنزل الله تعالى:
تَبَّتْ يَدَا أَبي لَهَبٍ وتَبَّ. ويقال: أَنذَرْتُ القومَ سَيْرَ العدُوّ
إِليهم فنَذِروا أَي أَعلمتُهم ذلك فعَلِموا وتحرّزوا.
والتَّناذُر: أَن يُنْذِر القومُ بعضُهم بعضاً شرًّا مَخُوفاً؛ قال
النابغة:
تَناذَرَها الرَّاقُون من شرِّ سَمِّها
يعني حيَّة إِذا لَدَغَتْ قتلت.
ومن أَمثال العرب: قد أَعذَرَ من أَنذَر أَي من أَعلَمك أَنه يُعاقِبُك
على المكروهِ منك فيما يَستقبِله ثم أَتيتَ المكروه فعاقَبَك فقد جَعَل
لنفسه عُذْراً يكُفُّ به لائِمَةَ الناس عنه. والعرب تقول: عُذْراك لا
نُذراك أَي أَعْذِر ولا تُنْذِر.
والنَّذِيرُ العُرْيانُ: رجُل من خَثْعَمَ حَمَلَ عليه يومَ ذِي
الخَلَصَةِ عَوْفُ بنُ عامر فقطَع يَده ويَدَ امرأَتِه؛ وحكى ابن بَرّي في
أَماليه عن أَبي القاسم الزجاجي في أَماليه عن ابن دريد قال: سأَلت أَبا حاتم
عن قولهم أَنا النَّذِيرُ العُرْيان، فقال: سمعت أَبا عُبيدة يقول: هو
الزبير بن عمرو الخثْعَمي، وكان ناكِحاً في بني زُبَيْد، فأَرادت بنو زبيد
أَن يُغِيروا على خَثْعَمَ فخافوا أَن يُنْذِر قومَه فأَلقَوْا عليه
بَراذِعَ وأَهْداماً واحتَفَظوا به فصادف غِرّة فحاضَرَهم وكان لا يُجارَى
شَدًّا، فأَتى قومَه فقال:
أَنا المُنْذِرُ العُرْيان يَنْبِذ ثَوبَه،
إِذا الصَّدْقُ لا يَنْبِذْ لَكَ الثَّوبَ كاذِبُ
الأَزهري: من أَمثال العرب في الإِنذار: أَنا النَّذِيرُ العُرْيان؛ قال
أَبو طالب: إِنما قالوا أَنا النذِيرُ العريان لأنّ الرجُل إِذا رأَى
الغارة قد فَجِئَتْهُم وأَراد إِنذار قومه تجرّد من ثيابه وأَشار بها
ليُعلم أَن قد فَجِئَتْهُم الغارة، ثم صار مثلاً لكل شيء تخاف مُفاجأَته؛ ومنه
قول خُفاف يصف فرساً:
ثَمِلٌ إِذا صَفَرَ اللِّجامُ كأَنه
رجُل، يُلوِّحُ باليدَيْن، سَلِيبُ
وفي الحديث: كان إِذا خَطَب احْمرَّت عيناه وعلا صَوْتُه واشتدّ غضبُه
كأَنه مُنذِر جَيش يقول صَبَّحَكُم ومَسَّاكم؛ المُنْذِر: المعلِم الذي
يُعْرّف القومَ بما يكون قد دهَمَهم من عَدُوّ أَو غيره، وهو المخوِّف
أَيضاً، وأَصل الإِنذار الإِعلام. يقال: أَنذَرْته أُنْذِرُه إِنْذاراً إِذا
أَعلمته،فأَنا مُنْذِر ونَذير أَي مُعْلِم ومُخوِّف ومُحذِّر. ونَذِرْت
به إِذا عَلِمْت؛ ومنه الحديث: انذَرِ القوم أَي احْذَرْ منهم واستعِدّ
لهم وكُنْ منهم على عِلم وحَذَرٍ.
ومُنذِر ومُناذِر: اسْمان. وبات بليلة ابن المُنذِر يعني النعمان، أَي
بليلة شديدة؛ قال ابن أَحمر:
وبات بنو أُمّي بِليلِ ابنِ مُنذِر،
وأَبناءُ أَعمامي عذُوباً صَوادِيا
عذُوب: وُقُوف لا ماء لهم ولا طعام. ومُناذِر ومحمد بن مَناذِر، بفتح
الميم: اسم، وهُمُ المَناذِرة يريد آل المُنذِر أَو جماعةَ الحيّ مثل
المَهالِبة والمَسامِعة؛ قال الجوهري: ابن مناذِر شاعر، فمن فتح الميم منه لم
يصرفه، ويقول إِنه جمع مُنذِر لأَنه محمد بن مُنذِر بن مُنذِر بن مُنذِر،
ومن ضمها صرَفه.