للإمام، أبي الحسن: علي بن عمر الدارقطني.
المتوفى: سنة خمس وثمانين وثلاثمائة.
جمع فيه: ما وجده على شرط البخاري ومسلم، من الأحاديث الصحاح، وليس بمذكور في كتابهما.
برح: بَرِحَ بَرَحاً وبُرُوحاً: زال. والبَراحُ: مصدر قولك بَرِحَ
مكانَه أَي زال عنه وصار في البَراحِ. وقولهم: لا بَراحَ، منصوب كما نصب قولهم
لا رَيْبَ، ويجوز رفعه فيكون بمنزلة ليس؛ كما قال سعدُ بنُ ناشِبٍ في
قصيدة مرفوعة:
مَنْ فَرَّ عن نِيرانِها،
فأَنا ابنُ قَيْسٍ لا بَراحُ
قال ابن الأَثير: البيت لسعد بن مالك يُعَرِّضُ بالحرث بن عَبَّاد، وقد
كان اعتزل حَرْبَ تَغْلِبَ وبكرٍ ابني وائل؛ ولهذا يقول:
بِئْسَ الخَلائِفُ بَعْدَنا:
أَولادُ يَشْكُرَ واللِّقاحُ
وأَراد باللقاح بني حنيفة، سُمُّوا بذلك لأَنهم لا يَدِينُونَ بالطاعة
للملوك، وكانوا قد اعتزلوا حرب بكر وتَغْلِبَ إِلاَّ الفِنْدَ
الزِّمَّانِيَّ.
وتَبَرَّج: كَبَرِحَ؛ قال مُلَيحٌ الهُذَليُّ:
مَكَثْنَ على حاجاتِهنَّ، وقد مَضَى
شَبابُ الضُّحَى، والعِيسُ ما تَتَبَرَّحُ
وأَبْرَحَه هو. الأَزهري: بَرِحَ الرجلُ يَبْرَحُ بَراحاً إِذا رامَ من
موضعه.
وما بَرِحَ يفعل كذا أَي ما زال، ولا أَبْرَحُ أَفعل ذاك أَي لا أَزال
أَفعله. وبَرِحَ الأَرضَ: فارَقَها. وفي التنزيل: فلن أَبْرَحَ الأَرضَ
حتى يَأْذَنَ لي أَبي؛ وقوله تعالى: لن نَبْرَحَ عليه عاكفين أَي لن
نَزالَ.وحَبِيلُ بَراحٍ: الأَسَدُ كأَنه قد شُدّ بالحبال فلا يَبْرَح، وكذلك
الشجاعُ. والبَراحُ: الظهور والبيان. وبَرِحَ الخَفاء وبَرَحَ، الأَخيرة عن
ابن الأَعرابي: ظَهَر؛ قال:
بَرَِحَ الخَفاءُ فما لَدَيَّ تَجَلُّدٌ
أَي وَضَحَ الأَمر كأَنه ذهب السِّرُّ وزال. الأَزهري: بَرِحَ الخَفاء
معناه زال الخَفاءُ، وقيل: معناه ظهر ما كان خافياً وانكشف، مأْخوذ من
بَراحِ الأَرض، وهو البارز الظاهر، وقيل: معناه ظهر ما كنت أُخْفِي. وجاء
بالكفر بَراحاً أَي بَيِّناً. وفي الحديث: جاء بالكفر بَراحاً أَي جِهاراً،
بَرِحَ الخَفاءُ إِذا ظهر، ويروى بالواو. وجاءَنا بالأَمر بَراحاً أَي
بَيِّناً. وأَرض بَراح: واسعة ظاهرة لا نبات فيها ولا عُمرانَ. والبَراح،
بالفتح: المُتَّسِع من الأَرض لا زرع فيه ولا شجر. وبَراحُ وبَراحِ: اسم
للشمس، معرفة مثل قَطامِ، سميت بذلك لانتشارها وبيانها؛ وأَنشد
قُطْرُبٌ:هذا مُقامُ قَدَمَيْ رَباحِ،
ذَبَّبَ حتى دَلَكَتْ بَراحِ
بَراحِ يعني الشمس. ورواه الفراء: بِراحِ، بكسر الباء، وهي باء الجر،
وهو جمع راحة وهي الكف أَي اسْتُريحَ منها، يعني أَن الشمس قد غَرَبَتْ أَو
زالت فهم يضعون راحاتهم على عيونهم، ينظرون هل غربت أَو زالت. ويقال
للشمس إِذا غربت: دَلَكَتْ بَراحِ يا هذا، على فَعالِ: المعنى: أَنها زالت
وبَرِحَتْ حين غَرَبَتْ، فَبَراحِ بمعنى بارحة، كما قالوا الكلب الصيدِ:
كَسابِ بمعنى كاسِبَة، وكذلك حَذامِ بمعنى حاذِمَة. ومن قال: دَلَكَتِ
الشمسُ بِراحِ، فالمعنى: أَنها كادت تَغْرُبُ؛ قال: وهو قول الفراء؛ قال ابن
الأَثير: وهذان القولان، يعني فتح الباء وكسرها، ذكرهما أَبو عبيد
والأَزهريُّ والهَرَوِيُّ والزمخشري وغيرهم من مفسري اللغة والغريب، قال: وقد
أَخذ بعضُ المتأَخرين القولَ الثاني على الهروي، فظن أَنه قد انفرد به،
وخطَّأَه في ذلك، ولم يعلم أَن غيره من الأَئمة قبله وبعده ذهب إِليه؛
وقال الغَنَوِيُّ:
بُكْرَةَ حتى دَلَكَتْ بِراحِ
يعني برائح، فأَسقط الياء، مثل جُرُف هارٍ وهائر. وقال المفضل: دَلَكَتْ
بَراحِ وبَراحُ، بكسر الحاء وضمها؛ وقال أَبو زيد: دلكت بِراحٍ، مجرور
منوَّن، ودلكت بَراحُ، مضموم غير منوّن؛ وفي الحديث: حين دلكتْ بَراحِ.
ودُلوك الشمس: غروبها.
وبَرَّحَ بنا فلان تَبْريحاً، وأَبْرَحَ، فهو مُبَرِّحٌ بنا ومُبْرِحٌ:
آذانا بالإِلحاح، وفي التهذيب: آذاك بإِلحاح المشقة، والاسم البَرْحُ
والتَّبْريحُ، ويوصف به فيقال: أَمر بَرْحٌ؛ قال:
بنا والهَوَى بَرْحٌ على مَنْ يُغالِبُه
وقالوا: بَرْحٌ بارِحٌ وبَرْحٌ مُبْرِحٌ، على المبالغة، فإِن دَعَوْتَ
به، فالمختار النصب، وقد يرفع؛ وقول الشاعر:
أَمُنْحَدِراً تَرْمِي بك العِيسُ غُرْبَةً؟
ومُصْعِدَةً؟ بَرْحٌ لعينيك بارِحُ
يكون دعاء ويكون خبراً. والبَرْحُ: الشر والعذاب الشديد. وبرَّحَ به:
عذبه. والتباريح: الشدائد، وقيل: هي كُلَفُ المعيشة في مشقة. وتَبارِيحُ
الشَّوْق: تَوَهُّجُه. ولقيت منه بَرْحاً بارِحاً أَي شِدَّةً وأَذىً؛ وفي
الحديث: لقينا منه البَرْحَ أَي الشدّة؛ وفي حديث أَهل النَّهْرَوانِ:
لَقُوا بَرْحاً؛ قال الشاعر:
أَجَدِّكَ هذا، عَمْرَك اللهَ كلما
دَعاكَ الهَوَى؟ بَرْحٌ لعينيك بارِحُ
وضربه ضرباً مُبَرِّحاً: شديداً، ولا تقل مُبَرَّحاً. وفي الحديث:
ضَرْباً غير مُبَرِّح أَي غير شاقٍّ. وهذا أَبْرَحُ عليّ من ذاك أَي أَشق
وأَشدّ؛ قال ذو الرمة:
أَنيناً وشَكْوَى بالنهارِ كثيرةً
عليّ، وما يأْتي به الليلُ أَبْرَحُ
وهذا على طرح الزائد، أَو يكون تعجباً لا فعل له كأَحْنَك الشاتَين.
والبُرَحاءُ: الشِّدَّة والمشقة، وخص بعضهم به شدّة الحُمَّى؛
وبُرَحايا، في هذا المعنى. وبُرَحاءُ الحُمَّى وغيرها: شِدَّة الأَذى. ويقال
للمحموم الشديد الحُمَّى: أَصابته البُرَحاءُ. الأَصمعي: إِذا تمدَّدَ
المحمومُ للحُمَّى، فذلك المطوّى، فإِذا ثاب عليها، فهي الرُّحَضاءُ، فإِذا
اشتدت الحمى، فهي البُرَحاءُ. وفي الحديث: بَرَّحَتْ بي الحمى أَي أَصابني
منها البُرَحاءُ، وهو شِدتُها. وحديث الإِفْكِ: فأَخذه البُرَحاءُ؛ هو شدّة
الكرب من ثِقَلِ الوَحْيِ.
وفي حديث قتل أَبي رافع اليهودي: بَرَّحَتْ بنا امرأَته بالصِّياح.
وتقول: بَرَّحَ به الأَمرُ تَبْريحاً أَي جَهَدَه، ولقيت منه بَناتِ بَرْحٍ
وبَني بَرْحٍ.
والبِرَــحِينَ والبُرَــحِينَ، بكسر الباء وضمها، والبَرَــحِينَ أَي الشدائد
والدواهي، كأَن واحد البِرَــحِينَ بِرَحٌ، ولم ينطق به إِلا أَنه مقدّر،
كأَن سبيله أَن يكون الواحد بِرَحة، بالتأْنيث، كما قالوا: داهية
ومُنْكَرَة، فلما لم تظهر الهاء في الواحد جعلوا جمعه بالواو والنون، عوضاً من
الهاء المقدّرة، وجرى ذلك مجرى أَرضٍ وأَرَضِينَ، وإِنما لم يستعملوا في
هذا الإِفرادَ، فيقولوا: بِرَحٌ، واقتصروا فيه على الجمع دون الإِفراد من
حيث كانوا يصفون الدواهي بالكثرة والعموم والاشتمال والغلبة؛ والقول في
الفِتْكَرِينَ والأَقْوَرِينَ كالقول في هذه؛ ولقيت منه بَرْحاً بارِحاً،
ولقيتُ منه ابنَ بَرِيحٍ، كذلك؛ والبَرِيحُ: التَّعَبُ أَيضاً؛ وأَنشد:
به مَسِيحٌ وبَرِيحٌ وصَخَبْ
والبَوارِحُ: شدّة الرياح من الشمال في الصيف دون الشتاء، كأَنه جمع
بارِحَة، وقيل: البوارح الرياح الشدائد التي تحمل التراب في شدة الهَبَواتِ،
واحدها بارِحٌ، والبارح: الريح الحارة في الصيف. والبوارح: الأَنْواءُ،
حكاه أَبو حنيفة عن بعض الرواة ورَدَّه عليهم. أَبو زيد: البَوارِحُ
الشَّمالُ في الصيف خاصة؛ قال الأَزهري: وكلام العرب الذين شاهدتهم على ما
قال أَبو زيد، وقال ابن كُناسَة: كل ريح تكون في نُجُوم القَيْظ، فهي عند
العرب بَوارِحُ، قال: وأَكثر ما تَهُبُّ بنُجُوم الميزان وهي السَّمائِم؛
قال ذو الرمة:
لا بل هو الشَّوْقُ من دارٍ تَخَوَّنَها
مَرًّا سَحابٌ، ومَرّا بْارِحٌ تَرِبُ
فنسبها إِلى التراب لأَنها قَيْظِيَّة لا رِبْعِيَّة. وبَوارِحُ الصيف:
كلها تَرِبَة. والبارِحُ من الظِّباءِ والطير: خلافُ السَّانح، وقد
بَرَحَتْ تَبْرُحُ
(* قوله «وقد برحت تبرح» بابه نصر، وكذا برح بمعنى غضب.
وأَما بمعنى زال ووضح فمن باب سمع كما في القاموس.) بُرُوحاً؛ قال:
فَهُنَّ يَبْرُحْنَ له بُرُوحا،
وتارةً يأْتِينَه سُنُوحا
وفي الحديث: بَرَحَ ظَبْيٌ؛ هو من البارح ضد السانح. والبارِحُ: ما مر
من الطير والوحش من يمينك إِلى يسارك، والعرب تتطير به لأَنه لا
يُمَِكِّنُك أَن ترميه حتى تَنْحَرِفَ، والسانح: ما مرَّ بين يديك من جهة يسارك
إِلى يمينك، والعرب تَتَيَمَّنُ به لأَنه أَمكن للرمي والصيد. وفي المثل:
مَنْ لي بالسَّانح بعد البارِحِ؟ يُضرب للرجل يُسِيءُ الرجلَ، فيقال له:
إِنه سوف يحسن إِليك، فيضرب هذا المثل؛ وأَصل ذلك أَن رجلاً مرت به ظِباءٌ
بارِحَةٌ، فقيل له: سوف تَسْنَحُ لك، فقال: من لي بالسانح بعد البارح؟
وبَرَحَ الظبي، بالفتح، بُرُوحاً إِذا ولاَّك مياسره، يمرّ من ميامنك
إِلى مياسرك؛ وفي المثل: إِنما هو كبارِحِ الأُرْوِيِّ قليلاً ما يُرى؛
يضرب ذلك للرجل إِذا أَبطأَ عن الزيارة، وذلك أَن الأُرْوِيّ يكون مساكنها
في الجبال من قِنانِها فلا يَقْدِرُ أَحد عليها أَن تَسْنَحَ له، ولا يكاد
الناس يَرَوْنَها سانِحةً ولا بارِحةً إِلاَّ في الدهور مرة.
وقَتَلُوهم أَبْرَحَ قتلٍ أَي أَعجبه؛ وفي حديث عكرمة: أَن النبي، صلى
الله عليه وسلم، نهى عن التَّوْلِيهِ والتَّبْرِيح؛ قال: التبريح قَتْلُ
السَّوْءِ للحيوان مثل أَن يلقى السمك على النار حيّاً، وجاء التفسير
متصلاً بالحديث؛ قال شمر: ذكر ابن المبارك هذا الحديث مع ما ذكره من كراهة
إِلقاء السمكة إِذا كانت حية على النار وقال: أَما الأَكل فتؤْكل ولا
يعجبني، قال: وذكر بعضهم أَن إِلقاء القمل في النار مثله؛ قال الأَزهري:
ورأَيت العرب يَمْلأُون الوِعاءَ من الجراد وهي تَهْتَشُّ فيه، ويحتفرون
حُفْرَة في الرمل ويوقدون فيها ثم يَكُبُّونَ الجراد من الوعاء فيها،
ويُهِيلُون عليها الإِرَةَ المُوقَدَةَ حتى تموت، ثم يستخرجونها يُشَرِّرُونها في
الشمس، فإِذا يَبِسَتْ أَكلوها. وأَصلُ التَّبْرِيحِ: المشقَّةُ
والشدّة. وبَرَّحَ به إِذا شَقَّ عليه. وما أَبْرَحَ هذا الأَمرَ أَي ما
أَعجبه قال الأَعشى:
أَقولُ لها، حِينَ جَدَّ الرَّحيـ
ـلُ: أَبْرَحْتِ رَبّاً، وأَبرَحْتِ جارا
أَي أَعْجَبْتِ وبالغتِ؛ وقيل: معنى هذا البيت أَبْرَحْتِ أَكْرَمْتِ
أَي صادَفْتِ كريماً؛ وأَبرَحَه بمعنى أَكرمه وعظمه.
وقال أَبو عمرو: بَرْحَى له ومَرْحى له إِذا تعجب منه، وأَنشد بيت
الأَعشى وفسره، فقال: معناه أَعْظَمْتِ رَبّاً؛ وقال آخرون: أَعجَبتِ رَبّاً،
ويقال: أَكْرمت من رَبٍّ، وقال الأَصمعي: أَبرَحْتِ بالَغْتِ.
ويقال: أَبرَحْتَ لُؤْماً وأَبرَحْتَ كَرَماً أَي جئت بأَمرٍ مُفْرِطٍ.
وأَبرَحَ فلانٌ رجلاً إِذا فضَّله؛ وكذلك كل شيء تُفَضِّلُه.
وبَرَّحَ اللهُ عنه أَي فَرَّج الله عنه؛ وإِذا غضب الإِنسان على صاحبه،
قيل: ما أَشَدَّ ما بَرَحَ عليه والعرب تقول: فعلنا البارِحَةَ كذا
وكذا لِلَّيلَةِ التي قد مضت، يقال ذلك بعد زوال الشمس، ويقولون قبل الزوال:
فعلنا الليلة كذا وكذا؛ وقول ذي الرمة:
تَبَلَّغَ بارِحِيَّ كَراه فيه
قال بعضهم: أَراد النوم الذي شق عليه أَمره لامتناعه منه، ويقال: أَراد
نومَ الليلة البارِحَةِ. والعرب تقول: ما أَشبه الليلة بالبارحة أَي ما
أَشْبه الليلة التي نحن فيها بالليلة الأُولى التي قد بَرِحَتْ وزالت
ومضت. والبارِحَةُ: أَقربُ ليلة مضت؛ تقول: لقيته البارِحَةَ، ولقيته
البارِحَةَ الأُولى، وهو من بَرِحَ أَي زال، ولا يُحَقَّرُ؛ قال ثعلب: حكي عن
أَبي زيد أَنه قال: تقول مُذْ غُدْوَةٍ إِلى أَن تزول الشمس: رأَيت الليلةَ
في منامي، فإِذا زالت، قلت: رأَيتُ البارِحَةَ؛ وذكر السيرافي في أَخبار
النحاة عن يونس، قال: يقولون كان كذا وكذا الليلةَ إِلى ارتفاع الضحى،
وإِذا جاوز ذلك، قالوا: كان البارِحَةَ.
الجوهري: وبَرْحَى، على فَعلى، كلمة تقال عند الخطإِ في الرَّمي،
ومَرْحَى عند الإِصابة؛ ابن سيده: وللعرب كلمتان عند الرمي: إِذا أَصاب قالوا:
مَرْحَى، وإِذا أَخطأَ قالوا: بَرْحى.
وقولٌ بَرِيحٌ: مُصَوَّبٌ به؛ قال الهذلي:
أَراه يُدافِعُ قَوْلاً بَرِيحا
وبُرْحةُ كل شيء: خِيارُه؛ ويقال: هذه بُرْحَةٌ من البُرَحِ، بالضم،
للناقة إِذا كانت من خيار الإِبل؛ وفي التهذيب: يقال للبعير هو بُرْحَة من
البُرَحِ؛ يريد أَنه من خيار الإِبل.
وابنُ بَرِيح، وأُمُّ بَرِيحٍ: اسمٌ للغراب معرفةٌ، سمِّي بذلك لصوته؛
وهُنَّ بناتُ بَرِيحٍ، قال ابن بري: صوابه أَن يقول ابنُ بَرِيح، قال:
وقد يُستعمل أَيضاً في الشِّدَّة، يقال: لقيت منه ابنَ بَريحٍ؛ ومنه قول
الشاعر:
سَلا القلبُ عن كُبْراهما بعدَ صَبْوَةٍ،
ولاقَيْتَ من صُغْراهما ابنَ بَرِيحِ
ويقال في الجمع: لَقِيتُ منه بناتِ بَرْحٍ وبَني بَرْحٍ. ويَبْرَحُ: اسم
رجل؛ وفي حديث أَبي طلحة: أُحب أَموالي إِليّ بيرحاء؛ ابن الأَثير: هذه
اللفظة كثيراً ما تختلف أَلفاظ المحدِّثين فيها فيقولون: بَيرَحاء، بفتح
الباء وكسرها، وبفتح الراء وضمها، والمد فيهما، وبفتحهما والقصر، وهو اسم
مال وموضع بالمدينة، قال: وقال الزمخشري في الفائق: إِنها فَيْعَلٌ من
البراح، وهي الأَرض الظاهرة.
حور: الحَوْرُ: الرجوع عن الشيء وإِلى الشيء، حارَ إِلى الشيء وعنه
حَوْراً ومَحاراً ومَحارَةً وحُؤُورواً: رجع عنه وإِليه؛ وقول العجاج:
في بِئْرِ لا حُورٍ سَرَى وما شَعَرْ
أَراد: في بئر لا حُؤُورٍ، فأَسكن الواو الأُولى وحذفها لسكونها وسكون
الثانية بعدها؛ قال الأَزهري: ولا صلة في قوله؛ قال الفرّاء: لا قائمة في
هذا البيت صحيحة، أَراد في بئر ماء لا يُحِيرُ عليه شيئاً. الجوهري: حارَ
يَحُورُ حَوْراً وحُؤُوراً رجع. وفي الحديث: من دعا رجلاً بالكفر وليس
كذلك حارَ عليه؛ أَي رجع إِليه ما نسب إِليه؛ ومنه حديث عائشة: فَغَسلْتها
ثم أَجْفقتها ثم أَحَرْتها إِليه؛ ومنه حديث بعض السلف: لو عَيَّرْتُ
رجلاً بالرَّضَعِ لخشيتُ أَن يَحُورَ بي داؤه أَي يكونَ عَلَيَّ مَرْجِعُه.
وكل شيء تغير من حال إِلى حال، فقد حارَ يَحُور حَوْراً؛ قال لبيد:
وما المَرْءُ إِلاَّ كالشِّهابِ وضَوْئِهِ،
يِحُورُ رَماداً بعد إِذْ هو ساطِعُ
وحارَتِ الغُصَّةُ تَحُورُ: انْحَدَرَتْ كأَنها رجعت من موضعها،
وأَحارَها صاحِبُها؛ قال جرير:
ونُبِّئْتُ غَسَّانَ ابْنَ واهِصَةِ الخُصى
يُلَجْلِجُ مِنِّي مُضْغَةً لا يُحِيرُها
وأَنشد الأَزهري:
وتِلْكَ لَعَمْرِي غُصَّةٌ لا أُحِيرُها
أَبو عمرو: الحَوْرُ التَّحَيُّرُ، والحَوْرُ: الرجوع. يقال: حارَ بعدما
كارَ. والحَوْرُ: النقصان بعد الزيادة لأَنه رجوع من حال إِلى حال. وفي
الحديث: نعوذ بالله من الحَوْرِ بعد الكَوْرِ؛ معناه من النقصان بعد
الزيادة، وقيل: معناه من فساد أُمورنا بعد صلاحها، وأَصله من نقض العمامة بعد
لفها، مأْخوذ من كَوْرِ العمامة إِذا انقض لَيُّها وبعضه يقرب من بعض،
وكذلك الحُورُ، بالضم. وفي رواية: بعد الكَوْن؛ قال أَبو عبيد: سئل عاصم
عن هذا فقال: أَلم تسمع إِلى قولهم: حارَ بعدما كان؟ يقول إِنه كان على
حالة جميلة فحار عن ذلك أَي رجع؛ قال الزجاج: وقيل معناه نعوذ بالله من
الرُّجُوعِ والخُروج عن الجماعة بعد الكَوْرِ، معناه بعد أَن كنا في
الكَوْرِ أَي في الجماعة؛ يقال كارَ عِمامَتَهُ على رأْسه إِذا لَفَّها، وحارَ
عِمامَتَهُ إِذا نَقَضَها. وفي المثل: حَوْرٌ في مَحَارَةٍ؛ معناه نقصان
في نقصان ورجوع في رجوع، يضرب للرجل إِذا كان أَمره يُدْبِرُ. والمَحارُ:
المرجع؛ قال الشاعر:
نحن بنو عامِر بْنِ ذُبْيانَ، والنَّا
سُ كهَامٌ، مَحارُهُمْ للقُبُورْ
وقال سُبَيْعُ بن الخَطِيم، وكان بنو صُبْح أَغاروا على إِبله فاستغاث
بزيد الفوارس الضَّبِّيّ فانتزعها منهم، فقال يمدحه:
لولا الإِلهُ ولولا مَجْدُ طالِبِها،
لَلَهْوَجُوها كما نالوا مِن الْعِيرِ
واسْتَعْجَلُوا عَنْ خَفِيف المَضْغِ فازْدَرَدُوا،
والذَّمُّ يَبْقَى، وزادُ القَوْمِ في حُورِ
اللَّهْوَجَة: أَن لا يُبالغ في إِنضاج اللحم أَي أَكلوا لحمها من قبل
أَن ينضج وابتلعوه؛ وقوله:
والذم يبقى وزاد القوم في حور
يريد: الأَكْلُ يذهب والذم يبقى. ابن الأَعرابي: فلان حَوْرٌ في
مَحارَةٍ؛ قال: هكذا سمعته بفتح الحاء، يضرب مثلاً للشيء الذي لا يصلح أَو كان
صالحاً ففسد. والمَحارة: المكان الذي يَحُور أَو يُحارُ فيه. والباطل في
حُورٍ أَي في نقص ورجوع. وإِنك لفي حُورٍ وبُورٍ أَي في غير صنعة ولا
إِجادة. ابن هانئ: يقال عند تأْكيد المَرْزِئَةِ عليه بِقِلَّةِ النماء: ما
يَحُور فلان وما يَبُورُ، وذهب فلان في الحَوَارِ والبَوَارِ، بفتح
الأَول، وذهب في الحُورِ والبُورِ أَي في النقصان والفساد. ورجل حائر بائر،
وقد حارَ وبارَ، والحُورُ الهلاك وكل ذلك في النقصان والرجوع. والحَوْرُ:
ما تحت الكَوْرِ من العمامة لأَنه رجوع عن تكويرها؛ وكلَّمته فما رَجَعَ
إِلَيَّ حَوَاراً وحِواراً ومُحاوَرَةً وحَوِيراً ومَحُورَة، بضم الحاء،
بوزن مَشُورَة أَي جواباً.
وأَحارَ عليه جوابه: ردَّه. وأَحَرْتُ له جواباً وما أَحارَ بكلمة،
والاسم من المُحاوَرَةِ الحَوِيرُ، تقول: سمعت حَوِيرَهما وحِوَارَهما.
والمُحاوَرَة: المجاوبة. والتَّحاوُرُ: التجاوب؛ وتقول: كلَّمته فما أَحار
إِليَّ جواباً وما رجع إِليَّ خَوِيراً ولا حَوِيرَةً ولا مَحُورَةً ولا
حِوَاراً أَي ما ردَّ جواباً. واستحاره أَي استنطقه. وفي حديث علي، كرم الله
وجهه: يرجع إِليكما ابنا كما بِحَوْرِ ما بَعَثْتُما بِه أَي بجواب ذلك؛
يقال: كلَّمته فما رَدَّ إِليَّ حَوْراً أَي جواباً؛ وقيل: أَراد به
الخيبة والإِخْفَاقَ. وأَصل الحَوْرِ: الرجوع إِلى النقص؛ ومنه حديث عُبادة:
يُوشِك أَن يُرَى الرجُل من ثَبَجِ المسلمين قُرَّاء القرآن على لسان
محمد، صلى الله عليه وسلم، فأَعاده وأَبْدَأَه لا يَحُورُ فيكم إِلا كما
يَحُور صاحبُ الحمار الميت أَي لا يرجع فيكم بخير ولا ينتفع بما حفظه من
القرآن كما لا ينتفع بالحمار الميت صاحبه. وفي حديث سَطِيحٍ: فلم يُحِرْ
جواباً أَي لم يرجع ولم يَرُدَّ. وهم يَتَحاوَرُون أَي يتراجعون الكلام.
والمُحاوَرَةُ: مراجعة المنطق والكلام في المخاطبة، وقد حاوره.
والمَحُورَةُ: من المُحاوَرةِ مصدر كالمَشُورَةِ من المُشاوَرَة كالمَحْوَرَةِ؛
وأَنشد:
لِحاجَةِ ذي بَتٍّ ومَحْوَرَةٍ له،
كَفَى رَجْعُها من قِصَّةِ المُتَكَلِّمِ
وما جاءتني عنه مَحُورَة أَي ما رجع إِليَّ عنه خبر.
وإِنه لضعيف الحَوْرِ أَي المُحاوَرَةِ؛ وقوله:
وأَصْفَرَ مَضْبُوحٍ نَظَرْتُ حَِوارَهُ
على النَّارِ، واسْتَوْدَعْتُهُ كَفَّ مُجْمِدِ
ويروى: حَوِيرَه، إِنما يعني بحواره وحويره خروجَ القِدْحِ من النار أَي
نظرت الفَلَجَ والفَوْزَ.
واسْتَحار الدارَ: اسْتَنْطَقَهَا، من الحِوَارِ الذي هو الرجوع؛ عن ابن
الأَعرابي.
أَبو عمرو: الأَحْوَرُ العقل، وما يعيش فلانٌ بأَحْوَرَ أَي ما يعيش
بعقل يرجع إِليه؛ قال هُدْبَةُ ونسبه ابن سيده لابن أَحمر:
وما أَنْسَ مِ الأَشْياءِ لا أَنْسَ قَوْلَها
لجارَتِها: ما إِن يَعِيشُ بأَحْوَرَا
أَراد: من الأَشياء. وحكى ثعلب: اقْضِ مَحُورَتَك أَي الأَمر الذي أَنت
فيه.
والحَوَرُ: أَن يَشْتَدَّ بياضُ العين وسَوادُ سَوادِها وتستدير حدقتها
وترق جفونها ويبيضَّ ما حواليها؛ وقيل: الحَوَرُ شِدَّةُ سواد المُقْلَةِ
في شدّة بياضها في شدّة بياض الجسد، ولا تكون الأَدْماءُ حَوْراءَ؛ قال
الأَزهري: لا تسمى حوراء حتى تكون مع حَوَرِ عينيها بيضاءَ لَوْنِ
الجَسَدِ؛ قال الكميت:
ودامتْ قُدُورُك، للسَّاعِيَيْـ
ن في المَحْلِ، غَرْغَرَةً واحْوِرارَا
أَراد بالغَرْغَرَةِ صَوْتَ الغَلَيانِ، وبالاحورار بياضَ الإِهالة
والشحم؛ وقيل: الحَوَرُ أَن تسودّ العين كلها مثل أَعين الظباء والبقر، وليس
في بني آدم حَوَرٌ، وإِنما قيل للنساء حُورُ العِينِ لأَنهن شبهن بالظباء
والبقر.
وقال كراع: الحَوَرُ أَن يكون البياض محدقاً بالسواد كله وإِنما يكون
هذا في البقر والظباء ثم يستعار للناس؛ وهذا إِنما حكاه أَبو عبيد في
البَرَج غير أَنه لم يقل إِنما يكون في الظباء والبقر. وقال الأَصمعي: لا
أَدري ما الحَوَرُ في العين وقد حَوِرَ حَوَراً واحْوَرَّ، وهو أَحْوَرُ.
وامرأَة حَوْراءُ: بينة الحَوَرِ. وعَيْنٌ حَوْراءٌ، والجمع حُورٌ، ويقال:
احْوَرَّتْ عينه احْوِرَاراً؛ فأَما قوله:
عَيْناءُ حَورَاءُ منَ العِينِ الحِير
فعلى الإِتباع لعِينٍ؛ والحَوْراءُ: البيضاء، لا يقصد بذلك حَوَر عينها.
والأَعْرابُ تسمي نساء الأَمصار حَوَارِيَّاتٍ لبياضهن وتباعدهن عن
قَشَفِ الأَعراب بنظافتهن؛ قال:
فقلتُ: إِنَّ الحَوارِيَّاتِ مَعْطَبَةٌ،
إِذا تَفَتَّلْنَ من تَحْتِ الجَلابِيبِ
يعني النساء؛ وقال أَبو جِلْدَةَ:
فَقُلْ للحَوَارِيَّاتِ يَبْكِينَ غَيْرَنا،
ولا تَبْكِنا إِلاَّ الكِلابُ النَّوابِحُ
بكَيْنَ إِلينا خفيةً أَنْ تُبِيحَها
رِماحُ النَّصَارَى، والسُّيُوفُ الجوارِحُ
جعل أَهل الشأْم نصارى لأَنها تلي الروم وهي بلادها. والحَوارِيَّاتُ من
النساء: النَّقِيَّاتُ الأَلوان والجلود لبياضهن، ومن هذا قيل لصاحب
الحُوَّارَى:
مُحَوَّرٌ؛ وقول العجاج:
بأَعْيُنٍ مُحَوَّراتٍ حُورِ
يعني الأَعين النقيات البياض الشديدات سواد الحَدَقِ.
وفي حديث صفة الجنة: إِن في الجنة لَمُجْتَمَعاً للحُورِ العِينِ.
والتَّحْوِيرُ: التببيض. والحَوارِيُّونَ: القَصَّارُونَ لتبييضهم
لأَنهم كانوا قصارين ثم غلب حتى صار كل ناصر وكل حميم حَوارِيّاً. وقال بعضهم:
الحَوارِيُّونَ صَفْوَةُ الأَنبياء الذين قد خَلَصُوا لَهُمْ؛ وقال
الزجاج: الحواريون خُلْصَانُ الأَنبياء، عليهم السلام، وصفوتهم. قال: والدليل
على ذلك قول النبي، صلى الله عليه وسلم: الزُّبَيْرُ ابن عمتي
وحَوارِيَّ من أُمَّتِي؛ أَي خاصتي من أَصحابي وناصري. قال: وأَصحاب النبي، صلى
الله عليه وسلم، حواريون، وتأْويل الحواريين في اللغة الذين أُخْلِصُوا
ونُقُّوا من كل عيب؛ وكذلك الحُواَّرَى من الدقيق سمي به لأَنه يُنَقَّى من
لُباب البُرِّ؛ قال: وتأْويله في الناس الذي قد روجع في اختِياره مرة بعد
مرة فوجد نَقِيّاً من العيوب. قال: وأَصل التَّحْوِيرِ في اللغة من حارَ
يَحُورُ، وهو الرجوع. والتَّحْوِيرُ: الترجيع، قال: فهذا تأْويله، والله
أَعلم. ابن سيده: وكلُّ مُبالِغٍ في نُصْرَةِ آخر حوَارِيٌّ، وخص بعضهم
به أَنصار الأَنبياء، عليهم السلام، وقوله أَنشده ابن دريد:
بَكَى بِعَيْنِك واكِفُ القَطْرِ،
ابْنَ الحَوارِي العَالِيَ الذِّكْرِ
إِنما أَراد ابنَ الحَوارِيِّ، يعني الحَوارِيِّ الزُّبَيرَ، وعنى بابنه
عَبْدَ اللهِو بْنَ الزبير. وقيل لأَصحاب عيسى، عليه
السلام: الحواريون للبياض، لأَنهم كانوا قَصَّارين. والحَوارِيُّ:
البَيَّاضُ، وهذا أَصل قوله، صلى الله عليه وسلم، في الزبير: حَوارِيَّ من
أُمَّتي، وهذا كان بدأَه لأَنهم كانوا خلصاء عيسى وأَنصاره، وأَصله من
التحوير التبييض، وإِنما سموا حواريين لأَنهم كانوا يغسلون الثياب أَي
يُحَوِّرُونَها، وهو التبييض؛ ومنه الخُبْزُ الحُوَّارَى؛ ومنه قولهم: امرأَة
حَوارِيَّةٌ إِذا كانت بيضاء. قال: فلما كان عيسى بن مريم، على نبينا وعليه
السلام، نصره هؤلاء الحواريون وكانوا أَنصاره دون الناس قيل لناصر نبيه
حَوارِيُّ إِذا بالغ في نُصْرَتِه تشبيهاً بأُولئك. والحَوارِيُّونَ:
الأَنصار وهم خاصة أَصحابه. وروى شمر أَنه قال: الحَوارِيُّ الناصح وأَصله
الشيء الخالص، وكل شيء خَلَصَ لَوْنُه، فهو حَوارِيٌّ. والأَحْوَرِيُّ:
الأَبيض الناعم؛ وقول الكميت:
ومَرْضُوفَةٍ لم تُؤْنِ في الطَّبْخِ طاهِياً،
عَجِلْتُ إِلى مُحْوَرِّها حِينَ غَرْغَرَا
يريد بياض زَبَدِ القِدْرِ. والمرضوفة: القدر التي أُنضجت بالرَّضْفِ،
وهي الحجارة المحماة بالنار. ولم تؤْن أَي لم تحبس. والاحْوِرَارُ:
الابْيِضاضُ. وقَصْعَةٌ مُحْوَرَّةٌ: مُبْيَضَّةٌ بالسَّنَامِ؛ قال أَبو المهوش
الأَسدي:
يا وَرْدُ إِنِّي سَأَمُوتُ مَرَّهْ،
فَمَنْ حَلِيفُ الجَفْنَةِ المُحْوَرَّهْ؟
يعني المُبْيَضَّةَ. قال ابن بري: وورد ترخيم وَرْدَة، وهي امرأَته،
وكانت تنهاه عن إِضاعة ماله ونحر إِبله فقال ذلك: الأَزهري في الخماسي:
الحَوَرْوَرَةُ البيضاء. قال: هو ثلاثي الأَصل أُلحق بالخماسي لتكرار بعض
حروفها. والحَوَرُ: خشبة يقال لها البَيْضاءُ.
والحُوَّارَى: الدقيق الأَبيض، وهو لباب الدقيق وأَجوده وأَخلصه.
الجوهري: الحُوَّارَى، بالضم وتشديد الواو والراء مفتوحة، ما حُوِّرَ من الطعام
أَي بُيّصَ. وهذا دقيق حُوَّارَى، وقد حُوِّرَ الدقيقُ وحَوَّرْتُه
فاحْوَرَّ أَي ابْيَضَّ. وعجين مُحَوَّر، وهو الذي مسح وجهه بالماء حتى صفا.
والأَحْوَرِيُّ: الأَبيض الناعم من أَهل القرى؛ قال عُتَيْبَةُ بن
مِرْدَاسٍ المعروفُ بأَبي فَسْوَةَ:
تكُفُّ شَبَا الأَنْيَابِ منها بِمِشْفَرٍ
خَرِيعٍ، كَسِبْتِ الأَحْوَرِيِّ المُخَصَّرِ
والحَوُْر: البَقَرُ لبياضها، وجمعه أَحْوارٌ؛ أَنشد ثعلب:
للهِ دَرُّ منَازِل ومَنازِل،
إِنَّا بُلِينَ بها ولا الأَحْوارُ
والحَوَرُ: الجلودُ البِيضُ الرِّقَاقُ تُعمل منها الأَسْفَاطُ، وقيل:
السُّلْفَةُ، وقيل: الحَوَرُ الأَديم المصبوغ بحمرة. وقال أَبو حنيفة: هي
الجلود الحُمْرُ التي ليست بِقَرَظِيَّةٍ، والجمع أَحْوَارٌ؛ وقد
حَوَّرَهُ. وخُفَّ مُحَوَّرٌ بطانته بِحَوَرٍّ؛ وقال الشاعر:
فَظَلَّ يَرْشَحُ مِسْكاً فَوْقَهُ عَلَقٌ،
كأَنَّما قُدَّ في أَثْوابِه الحَوَرُ
الجوهري: الحَوَرُ جلود حمر يُغَشَّى بها السِّلالُ، الواحدةُ حَوَرَةٌ؛
قال العجاج يصف مخالف البازي:
بِحَجَباتٍ يَتَثَقَّبْنَ البُهَرْ،
كأَنَّما يَمْزِقْنَ باللَّحْمِ الحَوَرْ
وفي كتابه لِوَفْدِ هَمْدَانَ: لهم من الصدقة الثِّلْبُ والنَّابُ
والفَصِيلُ والفَارِضُ والكَبْشُ الحَوَرِيُّ؛ قال ابن الأَثير: منسوب إِلى
الحَوَرَِ، وهي جلود تتخذ من جلود الضأْن، وقيل: هو ما دبغ من الجلود بغير
القَرَظِ، وهو أَحد ما جاء على أَصله ولم يُعَلَّ كما أُعلَّ ناب.
والحُوَارُ والحِوَارُ، الأَخيرة رديئة عند يعقوب: ولد الناقة من حين
يوضع إِلى أَن يفطم ويفصل، فإِذا فصل عن أُمه فهو فصيل، وقيل: هو حُوَارٌ
ساعةَ تضعه أُمه خاصة، والجمع أَحْوِرَةٌ وحِيرانٌ فيهما. قال سيبويه:
وَفَّقُوا بين فُعَالٍ وفِعَال كما وَفَّقُوا بين فُعالٍ وفَعِيلٍ، قال: وقد
قالوا حُورَانٌ، وله نظير، سمعت العرب تقول رُقاقٌ ورِقاقٌ، والأُنثى
بالهاء؛ عن ابن الأَعرابي. وفي التهذيب: الحُوَارُ الفصيل أَوَّلَ ما ينتج.
وقال بعض العرب: اللهم أَحِرْ رِباعَنا أَي اجعل رباعنا حِيراناً؛
وقوله:أَلا تَخافُونَ يوماً، قَدْ أَظَلَّكُمُ
فيه حُوَارٌ، بِأَيْدِي الناسِ، مَجْرُورُ؟
فسره ابن الأَعرابي فقال: هو يوم مَشْؤُوم عليكم كَشُؤْم حُوارِ ناقة
ثمود على ثمود.
والمِحْوَرُ: الحديدة التي تجمع بين الخُطَّافِ والبَكَرَةِ، وهي أَيضاً
الخشبة التي تجمع المَحَالَةَ. قال الزجاج: قال بعضهم قيل له مِحْوَرٌ
للدَّوَرَانِ لأَنه يرجع إِلى المكان الذي زال عنه، وقيل: إِنما قيل له
مِحْوَرٌ لأَنه بدورانه ينصقل حتى يبيض. ويقال للرجل إِذا اضطرب أَمره: قد
قَلِقَتْ مَحاوِرُه؛ وقوله أَنشده ثعلب:
يا مَيُّ ما لِي قَلِقَتْ مَحاوِرِي،
وصَارَ أَشْبَاهَ الفَغَا ضَرائِرِي؟
يقول: اضطربت عليّ أُموري فكنى عنها بالمحاور. والحديدة التي تدور عليها
البكرة يقال لها: مِحْورٌ. الجوهري: المِحْوَرُ العُودُ الذي تدور عليه
البكرة وربما كان من حديد. والمِحْوَرُ: الهَنَةُ والحديدة التي يدور
فيها لِسانُ الإِبْزِيمِ في طرف المِنْطَقَةِ وغيرها. والمِحْوَرُ: عُودُ
الخَبَّازِ. والمِحْوَرُ: الخشبة التي يبسط بها العجين يُحَوّرُ بها الخبز
تَحْوِيراً. قال الأَزهري: سمي مِحْوَراً لدورانه على العجين تشبيهاً
بمحور البكرة واستدارته.
وحَوَّرَ الخُبْزَةَ تَحْوِيراً: هَيَّأَها وأَدارها ليضعها في
المَلَّةِ. وحَوَّرَ عَيْنَ الدابة: حَجِّرَ حولها بِكَيٍّ وذلك من داء يصيبها،
والكَيَّةُ يقال لها الحَوْراءُ، سميت بذلك لأَن موضعها يبيضُّ؛ ويقال:
حَوِّرْ عينَ بعيرك أَي حَجَّرْ حولها بِكَيٍّ. وحَوَّرَ عين البعير: أَدار
حولها مِيسَماً. وفي الحديث: أَنه كَوَى أَسْعَدَ بنَ زُرَارَةَ على
عاتقه حَوْراءَ؛ وفي رواية: وجد وجعاً في رقبته فَحَوَّرَهُ رسولُ الله، صلى
الله عليه وسلم، بحديدة؛ الحَوْراءُ: كَيَّةٌ مُدَوَّرَةٌ، وهي من حارَ
يَحُورُ إِذا رجع. وحَوَّرَه: كواه كَيَّةً فأَدارها. وفي الحديث: أَنه
لما أُخْبِرَ بقتل أَبي جهل قال: إِن عهدي به وفي ركبتيه حَوْراءُ فانظروا
ذلك، فنطروا فَرَأَوْهُ؛ يعني أَثَرَ كَيَّةٍ كُوِيَ بها.
وإِنه لذو حَوِيرٍ أَي عداوة ومُضَادَّةٍ؛ عن كراع. وبعض العرب يسمي
النجم الذي يقال له المُشْتَري: الأَحْوَرَ. والحَوَرُ: أَحد النجوم الثلاثة
التي تَتْبَعُ بنات نَعْشٍ، وقيل: هو الثالث من بنات نعش الكبرى اللاصق
بالنعش.
والمَحارَةُ: الخُطُّ والنَّاحِيَةُ. والمَحارَةُ: الصَّدَفَةُ أَو
نحوها من العظم، والجمع مَحاوِرُ ومَحارٌ؛ قال السُّلَيْكُ
بْنُ السُّلَكَةِ:
كأَنَّ قَوَائِمَ النِّخَّامِ، لَمَّا
تَوَلَّى صُحْبَتِي أَصْلاً، مَحارُ
أَي كأَنها صدف تمرّ على كل شيء؛ وذكر الأَزهري هذه الترجمة أَيضاً في
باب محر، وسنذكرها أَيضاً هناك. والمَحارَةُ: مرجع الكتف. ومَحَارَةُ
الحَنَكِ: فُوَيْقَ موضع تَحْنيك البَيْطار. والمَحارَةُ: باطن الحنك.
والمَحارَةُ: مَنْسِمُ البعير؛ كلاهما عن أَبي العَمَيْثَلِ الأَعرابي.
التهذيب: المَحارَةُ النقصان، والمَحارَةُ: الرجوع، والمَحارَةُ:
الصَّدَفة.والحَوْرَةُ: النُّقْصانُ. والحَوْرَةُ: الرَّجْعَةُ.
والحُورُ: الاسم من قولك: طَحَنَتِ الطاحنةُ فما أَحارتْ شيئاً أَي ما
رَدَّتْ شيئاً من الدقيق؛ والحُورُ: الهَلَكَةُ؛ قال الراجز:
في بِئْرٍ لا حُورٍ سَرَى وما شَعَرْ
قال أَبو عبيدة: أَي في بئر حُورٍ، ولا زَيادَةٌ. وفلانٌ حائِرٌ بائِرٌ:
هذا قد يكون من الهلاك ومن الكَسادِ. والحائر: الراجع من حال كان عليها
إِلى حال دونها، والبائر: الهالك؛ ويقال: حَوَّرَ الله فلاناً أَي خيبه
ورَجَعَهُ إِلى النقص.
والحَوَر، بفتح الواو: نبت؛ عن كراع ولم يُحَلِّه. وحَوْرانُ، بالفتح:
موضع بالشام. وما أَصبت منه حَوْراً وحَوَرْوَراً أَي شيئاً.
وحَوَّارُونَ: مدينة بالشام؛ قال الراعي:
ظَلِلْنَا بِحَوَّارِينَ في مُشْمَخِرَّةٍ،
تَمُرُّ سَحابٌ تَحْتَنَا وثُلُوجُ
وحَوْرِيتُ: موضع؛ قال ابن جني: دخلت على أَبي عَلِيٍّ فــحين رآني قال:
أَين أَنت؟ أَنا أَطلبك، قلت: وما هو؟ قال: ما تقول في حَوْرِيتٍ؟ فخضنا
فيه فرأَيناه خارجاً عن الكتاب، وصَانَعَ أَبو علي عنه فقال: ليس من لغة
ابني نِزَارٍ، فأَقَلَّ الحَفْلَ به لذلك؛ قال: وأَقرب ما ينسب إِليه أَن
يكون فَعْلِيتاً لقربه من فِعْلِيتٍ، وفِعْلِيتٌ موجود.
كون: الكَوْنُ: الحَدَثُ، وقد كان كَوْناً وكَيْنُونة؛ عن اللحياني
وكراع، والكَيْنونة في مصدر كانَ يكونُ أَحسنُ. قال الفراء: العرب تقول في
ذوات الياء مما يشبه زِغْتُ وسِرْتُ: طِرْتُ طَيْرُورَة وحِدْتُ حَيْدُودَة
فيما لا يحصى من هذا الضرب، فأَما ذوات الواو مثل قُلْتُ ورُضْتُ،
فإِنهم لا يقولون ذلك، وقد أَتى عنهم في أَربعة أَحرف: منها الكَيْنُونة من
كُنْتُ، والدَّيْمُومة من دُمْتُ، والهَيْعُوعةُ من الهُواع،
والسَّيْدُودَة من سُدْتُ، وكان ينبغي أَن يكون كَوْنُونة، ولكنها لما قَلَّتْ في
مصادر الواو وكثرت في مصادر الياءِ أَلحقوها بالذي هو أَكثر مجيئاً منها، إِذ
كانت الواو والياء متقاربتي المخرج. قال: وكان الخليل يقول كَيْنونة
فَيْعولة هي في الأَصل كَيْوَنونة، التقت منها ياء وواوٌ والأُولى منهما
ساكنة فصيرتا ياء مشددة مثل ما قالوا الهَيِّنُ من هُنْتُ، ثم خففوها فقالوا
كَيْنونة كما قالوا هَيْنٌ لَيْنٌ؛ قال الفراء: وقد ذهب مَذْهباً إِلا
أَن القول عِندي هو الأَول؛ وقول الحسن بن عُرْفُطة، جاهليّ:
لم يَكُ الحَقُّ سوَى أَنْ هاجَهُ
رَسْمُ دارٍ قد تَعَفَّى بالسَّرَرْ
إِنما أَراد: لم يكن الحق، فحذف النون لالتقاء الساكنين، وكان حكمه إِذا
وقعت النون موقعاً تُحَرَّكُ فيه فتَقْوَى بالحركة أَن لا يَحْذِفَها
لأَنها بحركتها قد فارقت شِبْهَ حروف اللِّينِ، إِذ كُنَّ لا يَكُنَّ إِلا
سَوَاكِنَ، وحذفُ النون من يكن أَقبح من حذف التنوين ونون التثنية
والجمع، لأَن نون يكن أَصل وهي لام الفعل، والتنوين والنون زائدان، فالحذف
منهما أَسهل منه في لام الفعل، وحذف النون أَيضاً من يكن أَقبح من حذف النون
من قوله: غير الذي قد يقال مِلْكذب، لأَن أَصله يكون قد حذفت منه الواو
لالتقاء الساكنين، فإِذا حذفت منه النون أَيضاً لالتقاء الساكنين أَجحفت
به لتوالي الحذفين، لا سيما من وجه واحد، قال: ولك أَيضاً أَن تقول إِن من
حرفٌ، والحذف في الحرف ضعيف إِلا مع التضعيف، نحو إِنّ وربَّ، قال: هذا
قول ابن جني، قال: وأَرى أَنا شيئاً غير ذلك، وهو أَن يكون جاء بالحق
بعدما حذف النون من يكن، فصار يكُ مثل قوله عز وجل: ولم يكُ شيئاً؛ فلما
قَدَّرَهُ يَك، جاء بالحق بعدما جاز الحذف في النون، وهي ساكنة تخفيفاً،
فبقي محذوفاً بحاله فقال: لم يَكُ الحَقُّ، ولو قَدَّره يكن فبقي محذوفاً،
ثم جاء بالحق لوجب أَن يكسر لالتقاء الساكنين فيَقْوَى بالحركة، فلا يجد
سبيلاً إِلى حذفها إِلا مستكرهاً، فكان يجب أَن يقول لم يكن الحق، ومثله
قول الخَنْجَر بن صخر الأَسدي:
فإِنْ لا تَكُ المِرآةُ أَبْدَتْ وَسامةً،
فقد أَبْدَتِ المِرآةُ جَبْهةَ ضَيْغَمِ
يريد: فإِن لا تكن المرآة. وقال الجوهري: لم يك أَصله يكون، فلما دخلت
عليها لم جزمتها فالتقى ساكنان فحذفت الواو فبقي لم يكن، فلما كثر
استعماله حذفوا النون تخفيفاً، فإِذا تحركت أَثبتوها، قالوا لم يَكُنِ الرجلُ،
وأَجاز يونس حذفها مع الحركة؛ وأَنشد:
إِذا لم تَكُ الحاجاتُ من همَّة الفَتى،
فليس بمُغْنٍ عنكَ عَقْدُ الرَّتائِمِ
ومثله ما حكاه قُطْرُب: أَن يونس أَجاز لم يكُ الرجل منطلقاً؛ وأَنشد
بيت الحسن بن عُرْفُطة:
لم يَكُ الحَقُّ سوى أَن هاجَه
والكائنة: الحادثة. وحكى سيبوية: أَنا أَعْرِفُكَ مُذْ كنت أَي مذ
خُلِقْتَ، والمعنيان متقاربان. ابن الأَعرابي: التَّكَوُّنُ التَّحَرُّك، تقول
العرب لمن تَشْنَؤُه: لا كانَ ولا تَكَوَّنَ؛ لا كان: لا خُلِقَ، ولا
تَكَوَّن: لا تَحَرَّك أَي مات. والكائنة: الأَمر الحادث. وكَوَّنَه
فتَكَوَّن: أَحدَثَه فحدث. وفي الحديث: من رآني في المنام فقد رآني فإِن
الشيطان لا يتَكَوَّنُني، وفي رواية: لا يتَكَوَّنُ على صورتي
(* قوله «على
صورتي» كذا بالأصل، والذي في نسخ النهاية: في صورتي، أَي يتشبه بي ويتصور
بصورتي، وحقيقته يصير كائناً في صورتي) . وكَوَّنَ الشيءَ: أَحدثه. والله
مُكَوِّنُ الأَشياء يخرجها من العدم إلى الوجود. وبات فلان بكِينةِ سَوْءٍ
وبجِيبةِ سَوْءٍ أَي بحالة سَوءٍ. والمكان: الموضع، والجمع أَمْكِنة
وأَماكِنُ، توهَّموا الميم أَصلاً حتى قالوا تَمَكَّن في المكان، وهذا كما
قالوا في تكسير المَسِيل أَمْسِلة، وقيل: الميم في المكان أَصل كأَنه من
التَّمَكُّن دون الكَوْنِ، وهذا يقويه ما ذكرناه من تكسيره على
أَفْعِلة؛ وقد حكى سيبويه في جمعه أَمْكُنٌ، وهذا زائد في الدلالة على أَن وزن
الكلمة فَعَال دون مَفْعَل، فإن قلت فان فَعَالاً لا يكسر على أَفْعُل إلا
أَن يكون مؤنثاً كأَتانٍ وآتُنٍ. الليث: المكان اشتقاقُه من كان يكون،
ولكنه لما كثر في الكلام صارت الميم كأَنها أَصلية، والمكانُ مذكر، قيل:
توهموا
(* قوله «قيل توهموا إلخ» جواب قوله فان قيل فهو من كلام ابن سيده،
وما بينهما اعتراض من عبارة الازهري وحقها التأخر عن الجواب كما لا
يخفى) . فيه طرح الزائد كأَنهم كَسَّروا مَكَناً وأَمْكُنٌ، عند سيبويه، مما
كُسِّرَ على غير ما يُكَسَّرُ عليه مثلُه، ومَضَيْتُ مَكانتي ومَكِينَتي
أي على طِيَّتي. والاستِكانة: الخضوع. الجوهري: والمَكانة المنزلة.
وفلانٌ مَكِينٌ عند فلان بَيِّنُ المكانة. والمكانة: الموضع. قال تعالى: ولو
نشاءُ لمَسَخْناهم على مَكانتهم؛ قال: ولما كثرلزوم الميم تُوُهِّمت
أَصلية فقيل تَمَكَّن كما قالوا من المسكين تَمَسْكَنَ؛ ذكر الجوهري ذلك في
هذه الترجمة، قال ابن بري: مَكِينٌ فَعِيل ومَكان فَعال ومَكانةٌ فَعالة
ليس شيء منها من الكَوْن فهذا سهوٌ، وأَمْكِنة أَفْعِلة، وأَما تمسكن فهو
تَمَفْعل كتَمَدْرَع مشتقّاً من المِدْرَعة بزيادته، فعلى قياسه يجب في
تمكَّنَ تمَكْونَ لأَنه تمفْعل على اشتقاقه لا تمكَّنَ، وتمكَّنَ وزنه
تفَعَّلَ، وهذا كله سهو وموضعه فصل الميم من باب النون، وسنذكره هناك.
وكان ويكون: من الأَفعال التي ترفع الأَسماء وتنصب الأَخبار، كقولك كان
زيد قائماً ويكون عمرو ذاهباً، والمصدر كَوْناً وكياناً. قال الأَخفش في
كتابه الموسوم بالقوافي: ويقولون أَزَيْداً كُنْتَ له؛قال ابن جني:
ظاهره أَنه محكيّ عن العرب لأَن الأَخفش إنما يحتج بمسموع العرب لا بمقيس
النحويين، وإذا كان قد سمع عنهم أَزيداً كنت له، ففيه دلالة على جواز
تقديم خبر كان عليها، قال: وذلك انه لا يفسر الفعل الناصب المضمر إلا بما
لو حذف مفعوله لتسلط على الاسم الأَول فنصبه، أَلا تَراكَ تقول أَزيداً
ضربته، ولو شئت لحذفت المفعول فتسلطتْ ضربت هذه الظاهرة على زيد نفسه
فقلت أَزيداً ضربت، فعلى هذا قولهم أَزيداً كنت له يجوز في قياسه أَن تقول
أَزيداً كُنْتَ، ومثَّل سيبويه كان بالفعل المتعدِّي فقال: وتقول
كُنّاهْم كما تقول ضربناهم، وقال إذا لم تَكُنْهم فمن ذا يَكُونُهم كما تقول
إذا لم تضربهم فمن ذا يضربهم، قال: وتقول هو كائِنٌ ومَكُونٌ كما تقول
ضارب ومضروب. غيره: وكان تدل على خبر ماضٍ في وسط الكلام وآخره، ولا
تكون صلَةً في أَوَّله لأَن الصلة تابعة لا متبوعة؛ وكان في معنى جاء
كقول الشاعر:
إذا كانَ الشِّتاءُ فأَدْفئُوني،
فإنَّ الشَّيْخَ يُهْرِمُه الشِّتاءُ
قال: وكان تأْتي باسم وخبر، وتأْتي باسم واحد وهو خبرها كقولك كان
الأَمْرُ وكانت القصة أي وقع الأَمر ووقعت القصة، وهذه تسمى التامة
المكتفية؛ وكان تكون جزاءً، قال أَبو العباس: اختلف الناس في قوله تعالى: كيف
نُكَلِّمُ من كان في المَهْدِ صبيّاً؛ فقال بعضهم: كان ههنا صلة،
ومعناه كيف نكلم من هو في المهد صبيّاً، قال: وقال الفراء كان ههنا شَرْطٌ
وفي الكلام تعَجبٌ، ومعناه من يكن في المهد صبيّاً فكيف يُكَلَّمُ، وأَما
قوله عز وجل: وكان الله عَفُوّاً غَفُوراً، وما أَشبهه فإن أَبا إسحق
الزجاج قال: قد اختلف الناس في كان فقال الحسن البصري: كان الله عَفُوّاً
غَفُوراً لعباده. وعن عباده قبل أَن يخلقهم، وقال النحويون البصريون:
كأَنَّ القوم شاهَدُوا من الله رحمة فأُعْلِمُوا أَن ذلك ليس بحادث وأَن
الله لم يزل كذلك، وقال قوم من النحويين: كانَ وفَعَل من الله تعالى
بمنزلة ما في الحال، فالمعنى، والله أَعلم،. والله عَفُوٌّ غَفُور؛ قال أَبو
إسحق: الذي قاله الحسن وغيره أَدْخَلُ في العربية وأَشْبَهُ بكلام العرب،
وأَما القول الثالث فمعناه يؤُول إلى ما قاله الحسن وسيبويه، إلاَّ أن
كون الماضي بمعنى الحال يَقِلُّ، وصاحبُ هذا القول له من الحجة قولنا
غَفَر الله لفلان بمعنى لِيَغْفِر الله، فلما كان في الحال دليل على
الاستقبال وقع الماضي مؤدِّياً عنها استخفافاً لأَن اختلاف أَلفاظ الأَفعال إنما
وقع لاختلاف الأَوقات. وروي عن ابن الأَعرابي في قوله عز وجل: كُنتُم
خَيْرَ أُمَّة أُخرجت للناس؛ أَي أَنتم خير أُمة، قال: ويقال معناه كنتم
خير أُمة في علم الله. وفي الحديث: أَعوذ بك من الحَوْر بعد الكَوْنِ، قال
ابن الأَثير:الكَوْنُ مصدر كان التامَّة؛ يقال: كان يَكُونُ كَوْناً أَي
وُجِدَ واسْتَقَرَّ، يعني أَعوذ بك من النقص بعد الوجود والثبات، ويروى:
بعد الكَوْرِ، بالراء، وقد تقدم في موضعه. الجوهري: كان إذا جعلته عبارة
عما مضى من الزمان احتاج إلى خبر لأَنه دل على الزمان فقط، تقول: كان
زيد عالماً، وإذا جعلته عبارة عن حدوث الشيء ووقوعه استغنى عن الخبر لأَنه
دل على معنى وزمان، تقول: كانَ الأَمْرُ وأَنا أَعْرفُه مُذْ كان أَي
مُذْ خُلِقََ؛ قال مَقَّاسٌ العائذيّ:
فِداً لبَني ذُهْلِ بن شَيْبانَ ناقَتي،
إذا كان يومٌ ذو كواكبَ أَشْهَبُ
قوله: ذو كواكب أَي قد أَظلم فبَدَتْ كواكبُه لأَن شمسه كسفت بارتفاع
الغبار في الحرب، وإذا كسفت الشمس ظهرت الكواكب؛ قال: وقد تقع زائدة
للتوكيد كقولك كان زيد منطلقاً، ومعناه زيد منطلق؛ قال تعالى: وكان الله
غفوراً رحيماً؛ وقال أَبو جُندب الهُذَلي:
وكنتُ، إذ جاري دعا لمَضُوفةٍ،
أُشَمِّرُ حتى يَنْصُفَ الساقَ مِئْزَري
وإنما يخبر عن حاله وليس يخبر بكنت عمَّا مضى من فعله، قال ابن بري عند
انقضاء كلام الجوهري، رحمهما الله: كان تكون بمعنى مَضَى وتَقَضَّى، وهي
التامة، وتأْتي بمعنى اتصال الزمان من غير انقطاع، وهي الناقصة، ويعبر
عنها بالزائدة أَيضاً، وتأْتي زائدة، وتأَتي بمعنى يكون في المستقبل من
الزمان، وتكون بمعنى الحدوث والوقوع؛ فمن شواهدها بمعنى مضى وانقضى قول
أَبي الغول:
عَسَى الأَيامُ أَن يَرْجِعـ
نَ قوماً كالذي كانوا
وقال ابن الطَّثَرِيَّة:
فلو كنتُ أَدري أَنَّ ما كانَ كائنٌ،
وأَنَّ جَدِيدَ الوَصْلِ قد جُدَّ غابِرُهْ
وقال أَبو الأَحوصِ:
كم مِن ذَوِي خُلَّةٍ قبْلي وقبْلَكُمُ
كانوا، فأَمْسَوْا إلى الهِجرانِ قد صاروا
وقال أَبو زُبَيْدٍ:
ثم أَضْحَوْا كأَنهُم لم يَكُونوا،
ومُلُوكاً كانوا وأَهْلَ عَلاءِ
وقال نصر بن حجاج وأَدخل اللام على ما النافية:
ظَنَنتَ بيَ الأَمْرَ الذي لو أَتَيْتُه،
لَمَا كان لي، في الصالــحين، مَقامُ
وقال أَوْسُ بن حجَر:
هِجاؤُكَ إلاَّ أَنَّ ما كان قد مَضَى
عَليَّ كأَثْوابِ الحرام المُهَيْنِم
وقال عبد الله بن عبد الأَعلى:
يا لَيْتَ ذا خَبَرٍ عنهم يُخَبِّرُنا،
بل لَيْتَ شِعْرِيَ، ماذا بَعْدَنا فَعَلُوا؟
كنا وكانوا فما نَدْرِي على وَهَمٍ،
أَنَحْنُ فيما لَبِثْنا أَم هُمُ عَجِلُوا؟
أَي نحن أَبطأْنا؛ ومنه قول الآخر:
فكيف إذا مَرَرْتَ بدارِ قَوْمٍ،
وجيرانٍ لنا كانُوا كرامِ
وتقديره: وجيرانٍ لنا كرامٍ انْقَضَوْا وذهب جُودُهم؛ ومنه ما أَنشده
ثعلب:
فلو كنتُ أَدري أَنَّ ما كان كائنٌ،
حَذِرْتُكِ أَيامَ الفُؤادُ سَلِيمُ
(* قوله «أيام الفؤاد سليم» كذا بالأصل برفع سليم وعليه ففيه مع قوله
غريم اقواء).
ولكنْ حَسِبْتُ الصَّرْمَ شيئاً أُطِيقُه،
إذا رُمْتُ أَو حاوَلْتُ أَمْرَ غَرِيمِ
ومنه ما أَنشده الخليل لنفسه:
بَلِّغا عنِّيَ المُنَجِّمَ أَني
كافِرٌ بالذي قَضَتْه الكَواكِبْ،
عالِمٌ أَنَّ ما يكُونُ وما كا
نَ قَضاءٌ من المُهَيْمِنِ واجِبْ
ومن شواهدها بمعنى اتصالِ الزمانِ من غير انقطاع قولُه سبحانه وتعالى:
وكان الله غفوراً رحيماً؛ أي لم يَزَلْ على ذلك؛ وقال المتلمس:
وكُنَّا إذا الجَبَّارُ صَعَّرَ خَدَّه،
أَقَمْنا له من مَيْلِهِ فتَقَوَّما
وقول الفرزدق:
وكنا إذا الجَبَّارُ صَعَّرَ خَدَّه،
ضَرَبْْناه تحتَ الأَنْثَيَينِ على الكَرْدِ
وقول قَيْسِ بن الخَطِيم:
وكنتُ امْرَأً لا أَسْمَعُ الدَّهْرَ سُبَّةً
أُسَبُّ بها، إلاَّ كَشَفْتُ غِطاءَها
وفي القرآن العظيم أَيضاً: إن هذا كان لكم جَزاءً وكان سَعْيُكُم
مَشْكُوراً؛ فيه: إنه كان لآياتِنا عَنِيداً؛ وفيه: كان مِزاجُها زَنْجبيلاً.
ومن أَقسام كان الناقصة أَيضاً أَن تأْتي بمعنى صار كقوله سبحانه: كنتم
خَيْرَ أُمَّةٍ؛ وقوله تعالى: فإذا انْشَقَّتِ السماءُ فكانت وَرْدَةً
كالدِّهانِ؛ وفيه: فكانت هَبَاءً مُنْبَثّاً؛ وفيه: وكانت الجبالُ
كَثِيباً مَهِيلاً؛ وفيه: كيف نُكَلِّمُ من كانَ في المَهْدِ صَبِيّاً؛ وفيه:
وما جَعَلْنا القِبْلَةَ التي كُنْتَ عليها؛ أَي صِرْتَ إليها؛ وقال ابن
أَحمر:
بتَيْهاءَ قَفْرٍ، والمَطِيُّ كأَنَّها
قَطا الحَزْنِ، قد كانَتْ فِراخاً بُيوضُها
وقال شَمْعَلَةُ بن الأَخْضَر يصف قَتْلَ بِسْطامِ ابن قَيْسٍ:
فَخَرَّ على الأَلاءَة لم يُوَسَّدْ،
وقد كانَ الدِّماءُ له خِمارَا
ومن أَقسام كان الناقصة أَيضاً أن يكون فيها ضميرُ الشأْن والقِصَّة،
وتفارقها من اثني عشر وجهاً لأَن اسمها لا يكون إلا مضمراً غير ظاهر، ولا
يرجع إلى مذكور، ولا يقصد به شيء بعينه، ولا يؤَكد به، ولا يعطف عليه،
ولا يبدل منه، ولا يستعمل إلا في التفخيم، ولا يخبر عنه إلا بجملة، ولا
يكون في الجملة ضمير، ولا يتقدَّم على كان؛ ومن شواهد كان الزائدة قول
الشاعر:
باللهِ قُولُوا بأَجْمَعِكُمْ:
يا لَيْتَ ما كانَ لم يَكُنِ
وكان الزائدةُ لا تُزادُ أَوَّلاً، وإنما تُزادُ حَشْواً، ولا يكون لها
اسم ولا خبر، ولا عمل لها؛ ومن شواهدها بمعنى يكون للمستقبل من الزمان
قول الطِّرمَّاح بن حَكِيمٍ:
وإني لآتِيكُمْ تَشَكُّرَ ما مَضَى
من الأَمْرِ، واسْتِنْجازَ ما كانَ في غَدِ
وقال سَلَمَةُ الجُعْفِيُّ:
وكُنْتُ أَرَى كالمَوْتِ من بَيْنِ سَاعَةٍ،
فكيفَ بِبَيْنٍ كانَ مِيعادُه الحَشْرَا؟
وقد تأْتي تكون بمعنى كان كقولِ زيادٍ الأَعْجَمِ:
وانْضَخْ جَوانِبَ قَبْرِهِ بدِمائها،
ولَقَدْ يَكُونُ أَخا دَمٍ وذَبائِح
ومنه قول جَرِير:
ولقد يَكُونُ على الشَّبابِ بَصِيرَا
قال: وقد يجيء خبر كان فعلاً ماضياً كقول حُمَيْدٍ الأَرْقَطِ:
وكُنْتُ خِلْتُ الشَّيْبَ والتَّبْدِينَا
والهَمَّ مما يُذْهِلُ القَرِينَا
وكقول الفرزدق:
وكُنَّا وَرِثْناه على عَهْدِ تُبَّعٍ،
طَوِيلاً سَوارِيه، شَديداً دَعائِمُهْ
وقال عَبْدَةُ بنُ الطَّبِيبِ:
وكانَ طَوَى كَشْحاً على مُسْتَكِنَّةٍ،
فَلا هُوَ أَبْداها ولم يَتَجَمْجَمِ
وهذا البيت أَنشده في ترجمة كنن ونسبه لزهير، قال: ونقول كانَ كَوْناً
وكَيْنُونة أَيضاً، شبهوه بالحَيْدُودَة والطَّيْرُورة من ذوات الياء،
قال: ولم يجيء من الواو على هذا إلا أَحرف: كَيْنُونة وهَيْعُوعة
ودَيْمُومة وقَيْدُودَة، وأَصله كَيْنُونة، بتشديد الياء، فحذفوا كما حذفوا من
هَيِّنٍ ومَيُِّتٍ، ولولا ذلك لقالوا كَوْنُونة لأَنه ليس في الكلام
فَعْلُول، وأَما الحيدودة فأَصله فَعَلُولة بفتح العين فسكنت. قال ابن بري:
أَصل كَيّنُونة كَيْوَنُونة، ووزنها فَيْعَلُولة، ثم قلبت الواو ياء فصار
كَيّنُونة، ثم حذفت الياء تخفيفاً فصار كَيْنُونة، وقد جاءت بالتشديد
على الأَصل؛ قال أَبو العباس أَنشدني النَّهْشَلِيُّ:
قد فارَقَتْ قَرِينَها القَرِينَه،
وشَحَطَتْ عن دارِها الظَّعِينه
يا ليتَ أَنَّا ضَمَّنَا سَفِينه،
حَتَّى يَعُودَ الوَصْل كَيّنُونه
قال: والحَيْدُودَة أَصل وزنها فَيْعَلُولة، وهو حَيْوَدُودَة، ثم فعل
بها ما فعل بكَيْنونة. قال ابن بري: واعلم أَنه يلحق بباب كان وأَخواتها
كل فِعْلٍ سُلِبَ الدِّلالةَ على الحَدَث، وجُرِّدَ للزمان وجاز في
الخبر عنه أَن يكون معرفة ونكرة، ولا يتم الكلام دونه، وذلك مثل عادَ
ورَجَعَ وآضَ وأَتى وجاء وأَشباهها كقول الله عز وجل: يَأْتِ بَصيراً؛ وكقول
الخوارج لابن عباس: ما جاءت حاجَتُك أَي ما صارت؛ يقال لكل طالب أَمر
يجوز أَن يَبْلُغَه وأَن لا يبلغه. وتقول: جاء زيدٌ الشريفَ أَي صار زيدٌ
الشريفَ؛ ومنها: طَفِق يفعل، وأَخَذ يَكْتُب، وأَنشأَ يقول، وجَعَلَ يقول.
وفي حديث تَوْبةِ كَعْبٍ: رأَى رجلاً لا يَزُول به السَّرابُ فقال كُنْ
أَبا خَيْثَمة أَي صِرْهُ. يقال للرجل يُرَى من بُعْدٍ: كُن فلاناً أَي
أَنت فلان أَو هو فلان. وفي حديث عمر، رضي الله عنه: أَنه دخل المسجد
فرأَى رجلاً بَذَّ الهيئة، فقال: كُنْ أَبا مسلم، يعني الخَوْلانِيَّ.
ورجل كُنْتِيٌّ: كبير، نسب إلى كُنْتُ. وقد قالوا كُنْتُنِيٌّ، نسب إلى
كُنْتُ أَيضاً، والنون الأَخيرة زائدة؛ قال:
وما أَنا كُنْتِيٌّ، ولا أَنا عاجِنُ،
وشَرُّ الرِّجال الكُنْتُنِيُّ وعاجِنُ
وزعم سيبويه أَن إخراجه على الأَصل أَقيس فتقول كُونِيٌّ، على حَدِّ ما
يُوجِبُ النَّسَبَ إلى الحكاية. الجوهري: يقال للرجل إذا شاخ هو
كُنْتِيٌّ، كأَنه نسب إلى قوله كُنْتُ في شبابي كذا؛ وأَنشد:
فأَصْبَحْتُ كُنْتِيّاً، وأَصْبَحْتُ عاجِناً،
وشَرُّ خِصَالِ المَرْءِ كُنْتُ وعاجِنُ
قال ابن بري: ومنه قول الشاعر:
إذا ما كُنْتَ مُلْتَمِساً لِغَوْثٍ،
فلا تَصْرُخْ بكُنْتِيٍّ كبِيرِ
فَلَيْسَ بِمُدْرِكٍ شيئاً بَسَعْيِ،
ولا سَمْعٍ، ولا نَظَرٍ بَصِيرِ
وفي الحديث: أَنه دخل المسجدَ وعامَّةُ أَهله الكُنْتِيُّونَ؛ هم
الشُّيوخُ الذين يقولون كُنَّا كذا، وكانَ كذا، وكنت كذا، فكأَنه منسوب إلى
كُنْتُ. يقال: كأَنك والله قد كُنْتَ وصِرْتَ إلى كانَ أَي صرتَ إلى أَن
يقال عنك: كانَ فلان، أَو يقال لك في حال الهَرَم: كُنْتَ مَرَّةً كذا، وكنت
مرة كذا. الأَزهري في ترجمة كَنَتَ: ابن الأَعرابي كَنَتَ فلانٌ في
خَلْقِه وكان في خَلْقِه، فهو كُنْتِيٌّ وكانِيُّ. ابن بُزُرْج: الكُنْتِيُّ
القوي الشديد؛ وأَنشد:
قد كُنْتُ كُنْتِيّاً، فأَصْبَحْتُ عاجِناً،
وشَرُّ رِجال الناسِ كُنْتُ وعاجِنُ
يقول: إذا قام اعْتَجَن أَي عَمَدَ على كُرْسُوعه، وقال أَبو زيد:
الكُنْتِيُّ الكبير؛ وأَنشد:
فلا تَصْرُخْ بكُنْتِيٍّ كبير
وقال عَدِيُّ بن زيد:
فاكتَنِتْ، لا تَكُ عَبْداً طائِراً،
واحْذَرِ الأَقْتالَ مِنَّا والثُّؤَرْ
قال أَبو نصر: اكْتَنِتْ ارْضَ بما أَنت فيه، وقال غيره: الاكْتناتُ
الخضوع؛ قال أَبو زُبَيْدٍ:
مُسْتَضْرِعٌ ما دنا منهنَّ مُكْتَنِتٌ
للعَظْمِ مُجْتَلِمٌ ما فوقه فَنَعُ
قال الأَزهري: وأَخبرني المنذري عن أَبي الهيثم أَنه قال لا يقال
فَعَلْتُني إلا من الفعل الذي يتعدَّى إلى مفعولين، مثل ظَنَنْتُني ورأَيْتُني،
ومُحالٌ
أَن تقول ضَرَبْتُني وصَبَرْتُني لأَنه يشبه إضافة الفعل إلى ني، ولكن
تقول صَبَرْتُ نفسي وضَرَبْتُ نَفْسِي، وليس يضاف من الفعل إلى ني إلاّ
حرف واحد وهو قولهم كُنْتي وكُنْتُني؛ وأَنشد:
وما كُنْتُ كُنْتِيّاً، وما كُنْت عاجِناً،
وشَرُّ الرجالِ الكُنْتُنِيُّ وعاجِنُ
فجمع كُنْتِيّاً وكُنْتُنيّاً في البيت. ثعلب عن ابن الأَعرابي: قيل
لصَبِيَّةٍ من العرب ما بَلَغَ الكِبَرُ من أَبيك؟ قالت: قد عَجَنَ وخَبَزَ
وثَنَّى وثَلَّثَ وأَلْصَقَ وأَوْرَصَ وكانَ وكَنَتَ. قال أَبو العباس:
وأَخبرني سلمة عن الفراء قال: الكُنْتُنِيُّ في الجسم، والكَانِيُّ في
الخُلُقِ. قال: وقال ابن الأَعرابي إذا قال كُنْتُ شابّاً وشجاعاً فهو
كُنْتِيٌّ، وإذا قال كانَ لي مال فكُنْتُ أُعطي منه فهو كانِيٌّ. وقال ابن
هانئ في باب المجموع مُثَلَّثاً: رجل كِنْتَأْوٌ ورجلان كِنْتَأْوان ورجال
كِنْتَأْوُونَ، وهو الكثير شعر اللحية الكَثُّها؛ ومنه:
جَمَلٌ سِنْدَأْوٌ وسِنْدَأْوان وسِندَأْوُونَ، وهو الفسيح من الإبل في مِشْيَتِه، ورجل
قَنْدَأْوٌ ورجلان قِنْدَأْوان ورجال قَنْدَأْوُون، مهموزات. وفي الحديث:
دخل عبد الله بن مسعود المسجدَ وعامة أَهله الكُنْتِيُّون، فقلتُ: ما
الكُنْتِيُّون؟ فقال: الشُّيُوخُ الذين يقولون كانَ كذا وكذا وكُنْتُ، فقال
عبد الله: دارَتْ رَحَى الإسلام عليَّْ خمسةً وثَلاثين، ولأَنْ تَمُوتَ
أَهلُ دارِي أَحَبُّ إليَّ من عِدَّتِهم من الذِّبَّان والجِعْلانِ. قال
شمر: قال الفراء تقول كأَنَّك والله قد مُتَّ وصِرْتَ إلى كانَ، وكأَنكما
مُتُّمَا وصرتما إلى كانا، والثلاثة كانوا؛ المعنى صِرْتَ إلى أَن يقال
كانَ وأَنت ميت لا وأَنت حَيٌّ، قال: والمعنى له الحكاية على كُنْت مَرَّةً
للمُواجهة ومرة للغائب، كما قال عز من قائلٍ: قل للذين كفروا
ستُغْلَبُون وسَيُغْلَبُون؛ هذا على معنى كُنْتَ وكُنْتَ؛ ومنه قوله: وكُلُّ أَمْرٍ
يوماً يَصِيرُ كان. وتقول للرجل: كأَنِّي بك وقد صِرْتَ كانِيّاً أَي
يقال كان وللمرأَة كانِيَّة، وإن أَردت أَنك صرت من الهَرَم إلى أَن يقال
كُنْت مرة وكُنْت مرة، قيل: أَصبحتَ كُنْتِيّاً وكُنْتُنِيّاً، وإنما قال
كُنْتُنِيّاً لأَنه أَحْدَثَ نوناً مع الياء في النسبة ليتبين الرفع، كما
أَرادوا تَبين النَّصبِ في ضَرَبني، ولا يكون من حروف الاستثناء، تقول:
جاء القوم لا يكون زيداً، ولا تستعمل إلى مضمراً فيها، وكأَنه قال لا
يكون الآتي زيداً؛ وتجيء كان زائدة كقوله:
سَراةُ بَني أَبي بَكْرٍ تَسامَوْا
على كانَ المُسَوَّمةَِ العِرابِ
أَي على المُسوَّمة العِراب. وروى الكسائي عن العرب: نزل فلان على كان
خَتَنِه أَي نزَل على خَتَنِه؛ وأَنشد الفراء:
جادَتْ بكَفَّيْ كانَ من أَرمى البَشَرْ
أَي جادت بكفَّي من هو من أَرمى البشر؛ قال: والعرب تدخل كان في الكلام
لغواً فتقول مُرَّ على كان زيدٍ؛ يريدون مُرَّ فأَدخل كان لغواً؛ وأَما
قول الفرزدق:
فكيفَ ولو مَرَرْت بدارِِ قومٍ،
وجِيرانٍ لنا كانوا كِرامِ؟
ابن سيده: فزعم سيبويه أَن كان هنا زائدة، وقال أَبو العباس: إن تقديره
وجِيرانٍ كِرامٍ كانوا لنا، قال ابن سيده: وهذا أَسوغ لأَن كان قد عملت
ههنا في موضع الضمير وفي موضع لنا، فلا معنى لما ذهب إليه سيبويه من أَنها
زائدة هنا، وكان عليه كَوْناً وكِياناً واكْتانَ: وهو من الكَفالة. قال
أَبو عبيد: قال أَبو زيد اكْتَنْتُ به اكْتِياناً والاسم منه الكِيانةُ،
وكنتُ عليهم أَكُون كَوْناً مثله من الكفالة أَيضاً ابن الأَعرابي: كان
إذا كَفَل. والكِيانةُ: الكَفالة، كُنْتُ على فلانٍ أكُونُ كَوْناً أَي
تَكَفَّلْتُ به. وتقول: كُنْتُكَ وكُنْتُ إياك كما تقول ظننتك زيداً
وظَنْنتُ زيداً إِياك، تَضَعُ المنفصل موضع المتصل في الكناية عن الاسم والخبر،
لأَنهما منفصلان في الأَصل، لأَنهما مبتدأ وخبر؛ قال أَبو الأَسود
الدؤلي:
دَعِ الخمرَ تَشربْها الغُواةُ، فإنني
رأيتُ أَخاها مُجْزِياً لمَكانِها
فإن لا يَكُنها أَو تَكُنْه، فإنه
أَخوها، غَذَتْهُ أُمُّهُ بلِبانِها
يعني الزبيب. والكَوْنُ: واحد الأَكْوان.
وسَمْعُ الكيان: كتابٌ للعجم؛ قال ابن بري: سَمْعُ الكيان بمعنى سَماعِ
الكِيان، وسَمْعُ بمعنى ذِكْرُِ الكيان، وهو كتاب أَلفه أَرَسْطو.
وكِيوانُ زُحَلُ: القولُ فيه كالقول في خَيْوان، وهو مذكور في موضعه، والمانع
له من الصرف العجمة، كما أَن المانع لخَيْوان من الصرف إنما هو التأْنيث
وإرادة البُقْعة أَو الأَرض أَو القَرْية. والكانونُ: إن جعلته من الكِنِّ
فهو فاعُول، وإن جعلته فَعَلُولاً على تقدير قَرَبُوس فالأَلف فيه
أَصلية، وهي من الواو، سمي به مَوْقِِدُ النار.