Permalink (الرابط القصير إلى هذا الباب):
http://arabiclexicon.hawramani.com/?p=94905#672687
الــانفراد
انظر: الــانفرادة.
انظر: الــانفرادة.
فرد: الله تعالى وتقدس هو الفَرْدُ، وقد تَفَرَّدَ بالأَمر دون خلقه.
الليث: والفَرْد في صفات الله تعالى هو الواحد الأَحد الذي لا نظير له ولا
مثل ولا ثاني. قال الأَزهري: ولم أَجده في صفات الله تعالى التي وردت في
السنَّة، قال: ولا يوصف الله تعالى إِلا بما وصف به نفسه أَو وصفه به
النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: ولا أَدري من أَين جاء به الليث. والفرد:
الوتر، والجمع أَفراد وفُرادَى، على غير قياس، كأَنه جمع فَرْدانَ. ابن
سيده: الفَرْدُ نصف الزَّوْج، والفرد: المَنْحَرُ (قوله «المنحر» كذا
بالأصل وكتب بهامشه السيد مرتضى صوابه المتحد وفي القاموس الفرد المتحد.)
والجمع فِرادٌ؛ أَنشد ابن الأَعرابي:
تَخَطُّفَ الصَّقْرِ فِرادَ السِّرْبِ
والفرد أَيضاً: الذي لا نظير له، والجمع أَفراد. يقال: شيء فَرْدٌ
وفَرَدٌ وفَرِدٌ وفُرُدٌ وفارِدٌ.
والمُفْرَدُ: ثورُ الوَحْشِ؛ وفي قصيدة كعب:
تَرْمِي الغُيوبَ بَعَيْنَي مُفْرَدٍ لَهِقٍ
المفرد: ثور الوحش شبَّه به الناقة. وثور فُرُدٌ وفارِدٌ وفَرَدٌ
وفَرِدٌ وفَرِيد، كله بمعنى مُنْفَرِدٍ. وسِدْرَةٌ فارِدَةٌ: انفردت عن سائر
السِّدْر. وفي الحديث: لا تُعَدُّ فارِدَتُكُم؛ يعني الزائدة على الفريضة
أَي لا تضم إِلى غيرها فتعد معها وتُحْسَب. وفي حديث أَبي بكر: فمنكم
المُزْدَلِفُ صاحِب العِمامة الفَرْدَة؛ إِنما قيل له ذلك لأَنه كان إِذا ركب
لم يَعْتَمّ معه غيرُه إِجلالاً له. وفي الحديث: جاءه رجل يشكو رجلاً من
الأَنصار شَجَّه فقال:
يا خَيْرَ مَنْ يَمْشي بِنَعْلٍ فَرْدِ،
أَوْهَبَه لِنَهْدَةٍ ونَهْدِ
(* قوله «وأهبه» كذا بألف قبل الواو هنا وفي النهاية أيضاً في مادة ن هـ
د وسيأتي للمؤلف فيها وهبه.) أَراد النعل التي هي طاق واحد ولم تُخْصَفْ
طاقاً على طاق ولم تُطارَقْ، وهم يمدحون برقَّة النعال، وإِنما يلبسها
ملوكهم وساداتهم؛ أَراد: يا خير الأَكابر من العرب لأَنَّ لبس النَّعال
لهم دون العجم. وشجرة فارِدٌ وفَارِدَةٌ: متَنَحِّية؛ قال المسيب بن علس:
في ظِلِّ فاردَةٍ منَ السِّدْرِ
وظبية فاردٌ: منفردة انقطعت عن القطيع. قوله: لا بَغُلَّ فارِدَتكم؛
فسره ثعلب فقال: معناه من انفرد منكم مثل واحد أَو اثنين فأَصاب غنيمة
فليردَّها على الجماعة ولا يَغُلَّها أَي لا يأْخذها وحده. وناقة فارِدَةٌ
ومِفْرادٌ: تَنْفَرِدُ في المراعي، والذكر فاردٌ لا غير.
وأَفرادُ النجوم: الدَّرارِيُّ التي تطلع في آفاق السماء، سميت بذلك
لَتَنَحِّيها وانفرادها من سائر النجوم. والفَرُودُ من الإِبل: المتنحية في
المرعى والمشرب؛ وفَرَدَ بالأَمر يَفْرُد وتَفَرَّدَ وانْفَرَدَ
واسْتَفْرَدَ؛ قال ابن سيده: وأُرَى اللحياني حكى فَرِدَ وفَرُدَ واسْتَفْرَدَ
فلاناً: انَفَردَ به. أَبو زيد: فَرَدْتُ بهذا الأَمرِ أَفْرُدُ به
فُروُداً إِذا انفَرَدْتَ به. ويقال: اسْتَفْرَدْتُ الشيء إِذا أَخذته فَرْداً
لا ثاني له ولا مِثْلَ؛ قال الطرماح يذكر قِدْحاً من قِداحِ الميسر:
إِذا انْتَخَت بالشَّمال بارِحةً،
حال بَريحاً واسْتَفْرَدَتْهُ يَدُه
والفارِدُ والفَرَدُ: الثور؛ وقال ابن السكيت في قوله:
طاوِي المَصِيرِ كَسَيْفِ الصَّيْقَلِ الفَرَدِ
قال: الفَرَدُ والفُرُدُ، بالفتح والضم، أَي هو منقطع القَرِينِ لا مثل
له في جَوْدَتِه. قال: ولم أَسمع بالفَرَدِ إِلا في هذا البيت.
واسْتَفْرَدَ الشيءَ: أَخرجه من بين أَصحابه. وأَفرده: جعله فَرْداً.
وجاؤوا فُرادَى وفِرادَى أَي واحداً بعد واحد. أَبو زيد عن الكلابيين:
جئتمونا فرادى وهم فُرادٌ وأَزواجٌ نَوَّنُوا. قال: وأَما قوله تعالى:
ولقد جئتمونا فُرادَى؛ فإِن الفراء قال: فرادى جمع. قال: والعرب تقول قومٌ
فرادى، وفُرادَ يا هذا فلا يجرونها، شبهت بِثُلاثَ ورُباعَ. قال: وفُرادَى
واحدها فَرَدٌ وفَرِيدٌ وفَرِدٌ وفَرْدانُ، ولا يجوز فرْد في هذا
المعنى؛ قال وأَنشدني بعضهم:
تَرَى النُّعَراتِ الزُّرْقَ تحتَ لَبانِه،
فُرادَ ومَثْنى، أَضعَفَتْها صَواهِلُهْ
وقال الليث: الفَرْدُ ما كان وحده. يقال: فَرَدَ يَفْرُدُ وأَفْرَدْتُه
جعلته واحداً. ويقال: جاء القومُ فُراداً وفُرادَى، منوناً وغير منون،
أَي واحداً واحداً.
وعددت الجوز أَو الدارهم أَفراداً أَي واحداً واحداً. ويقال: قد استطرد
فلان لهم فكلما استفرد رجلاً كرّ عليه فَجدَّله. والفَرْدُ: الجانِب
الواحد من اللَّحْي كأَنه يتوهم مُفْرداً، والجمع أَفراد. قال ابن سيده: وهو
الذي عناه سيبويه بقوله: نحو فَرْدٍ وأَفْراداٍ، ولم يعن الفرد الذي هو
ضد الزوج لأَن ذلك لا يكاد يجمع. وفَرْدٌ: كَثِيبٌ منفرد عن الكثبانِ غَلب
عليه ذلك، وفيه الأَلف واللام
(* قوله: وفيه الألف واللام يخالف قوله
فيما بعد: ولم نسمع فيه الفرد.) ، حتى جعل ذلك اسماً له كزيد، ولم نسمع
فيه الفرد ؛ قال:
لَعَمْري لأَعْرابيَّة في عَباءَةٍ
تَحُلُّ الكَثِيبَ من سُوَيْقَةَ أَو فَرْداً
وفَرْدَةُ أَيضاً: رملة معروفة؛ قال الراعي:
إِلى ضَوءِ نارٍ بَيْنٍ فَرْدَةَ والرَّحَى
وفَرْدَةُ: ماء من مياه جَرْم.
والفَريدُ والفَرائِدُ: المَحالُ التي انفردت فوقعت بين آخر المَحالاتِ
السِّتِّ التي تلي دَأْيَ العُنُق، وبين الست التي بيت العَجْبِ وبين
هذه، سميت به لــانفرادها، واحدتها فَريدَة؛ وقيل: الفَريدة المَحالةُ التي
تَخْرُجُ من الصَّهْوَة التي تَلي المَعاقِمَ وقد تَنْتَأُ من بعض الخيل،
وإِنما دُعِيت فَريدَة لأَنها وقَعَتْ بين فِقارِ الظهر وبين مَحال الظهر
(* قوله «وبين محال الظهر» كذا في الأصل المعتمد وهي عين قوله بين فقار
الظهر فالأَحسن حذف أحدهما كما صنع شارح القاموس حين نقل عبارته.)
ومعَاقِمِ العَجُزِ؛ المَعاقِمُ: مُلْتَقى أَطراف العِظامِ ومعاقِمِ العجز.
والفَريدُ والفَرائدُ: الشَّذْرُ الذي يَفْصِل بين اللُّؤْلؤ والذهب، واحدته
فَريدَةٌ، ويقال له: الجاوَرْسَقُ بلسان العجم، وبَيَّاعُه الفَرَّادُ.
والفَريدُ: الدُّرُّ إِذا نُظمَ وفُصِلَ بغيره، وقيل: الفَريدُ، بغير هاء،
الجوهرة النفيسة كأَنها مفردة في نوعِها، والفَرَّادُ صانِعُها. وذَهَبٌ
مُفَرَّدٌ: مَفَصَّلٌ بالفريد. وقال إِبراهيم الحربي: الفَريدُ جمع
الفَريدَة وهي الشَّذْرُ من فضة كاللؤْلؤَة. وفَرائِدُ الدرِّ:
كِبارُها.ابن الأَعرابي: وفَرَّدَ الرجلُ إِذا تَفَقَّه واعتزل الناس وخلا
بمراعاة الأَمر والنهي. وقد جاء في الخبر: طوبى للمفرِّدين وقال القتيبي في
هذا الحديث: المُفَرِّدون الذين قد هلَك لِداتُهُم من الناس وذهَب القَرْنُ
الذي كانوا فيه وبَقُواهم يذكرون الله؛ قال أَبو منصور: وقول ابن
الأَعرابي في التفريد عندي أَصوب من قول القتيبي. وفي الحديث عن أَبي هريرة:
أَن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، كان في طريق مكة على جبل يقال له
بُجْدانُ فقال: سيروا هذا بُجْدانُ، سَبَقَ المُفَرِّدون، وفي رواية: طوبى
للمُفَرِّدين، قالوا: يا رسول الله، ومن المُفَرِّدون؟ قال: الذاكرون الله
كثيراً والذاكراتُ، وفي رواية قال: الذين اهتزوا في ذكر الله.
ويقال: فَرَدَ
(* قوله «ويقال فرد» هو مثلث الراء.) برأْيه وأَفْرَدَ
وفَرَّد واستَفْرَدَ بمعنى انْفَرَد به. وفي حديث الحديبية: لأُقاتِلَنَّهم
حتى تَنْفَرِدَ سالِفَتي أَي حتى أَموتَ؛ السالفة: صفحة العنق وكنى
بــانفرادها عن الموت لأَنها لا تنفرد عما يليها إِلا به. وأَفْرَدْتُه: عزلته،
وأَفْرَدْتُ إِليه رسولاً. وأَفْرَدَتِ الأُنثى: وضعت واحداً فهي
مُفْرِدٌ وموُحِدٌ ومُفِذٌّ؛ قال: ولا يقال ذلك في الناقة لأَنها لا تلد إِلاَّ
واحداً؛ وفَرِدَ وانْفَرَدَ بمعنى؛ قال الصمة القشيري:
ولم آتِ البُيوتَ مُطَنَّباتٍ،
بأَكْثِبَةٍ فَرِدْنَ من الرَّغامِ
وتقول: لِقيتُ زيداً فَرْدَيْنِ إِذا لم يكن معكما أَحد. وتَفَرَّدْتُ
بكذا واستَفْرَدْتُه إِذا انفَرَدْتَ به.
والفُرُودُ: كواكِبُ
(* قوله «والفرود كواكب» كذا بالأَصل وفي القاموس
والفردود، زاد شارحه كسرسور كما هو نص التكملة، وفي بعض النسخ الفرود.)
زاهِرَةٌ حَولَ الثُّرَيَّا. والفُرودُ: نجوم حولَ حَضارِ، وحِضارِ هذا
نَجم وهو أَحد المُحْلِفَيْنِ؛ أَنشد ثعلب:
أَرى نارَ لَيْلى بالعَقِيقِ كأَنَّها
حَضارِ، إِذا ما أَعرضَتْ، وفُرودُها
وفَرُودٌ وفَرْدَة: اسما مَوْضِعَيْنِ؛ قال بعض الأَغفال:
لَعَمْرِي لأَعْرابِيَّةٌ في عَباءَةٍ
تَحُلُّ الكَثِيبَ مِنْ سوُيْقَةَ أَو فرْدا،
أَحَبّ إِلى القَلْبِ الذي لَجَّ في الهَِوِى،
من اللاَّبِساتِ الرَّيْطَ يُظْهِرْنَه كَيْدا
أَرْدَفَ أَحَدَ البيتين ولم يُرْدِفِ الآخر. قال ابن سيده: وهذا نادر؛
ومثله قول أَبي فرعون:
إِذا طَلَبْتُ الماءَ قالَتْ: لَيْكا،
كأَنَّ شَفْرَيْها، إِذا ما احتَكَّا،
حَرْفا بِرامٍ كُسِرا فاصْطَكَّا
قال: ويجوز أَن يكون قوله أَو فَرْداً مُرَخَّماً من فَرْدَة، رخمه في
غير النداءِ اضطراراً، كقول زهير:
خُذوا حَظَّكُم، يا آلَ عِكْرِمَ، واذْكُروا
أَواصِرنا، والرِّحْمُ بالغَيْبِ تُذْكَرُ
أَراد عِكرمةَ: والفُرُداتُ: اسم موضع؛ قال عمرو بن قمِيئَة:
نَوازِع للخالِ، إِنْ شِمْنَه
على الفُرُداتِ يَسِحُّ السِّجالا
وحد: الواحدُ: أَول عدد الحساب وقد ثُنِّيَ؛ أَنشد ابن الأَعرابي:
فلما التَقَيْنا واحِدَيْنِ عَلَوْتُه
بِذي الكَفِّ، إِني للكُماةِ ضَرُوبُ
وجمع بالواو والنون؛ قال الكميت:
فَقَدْ رَجَعُوا كَحَيٍّ واحدِدِينا
التهذيب: تقول: واحد واثنان وثلاثة إِلى عشرة فإِن زاد قلت أَحد عشر
يجري أَحد في العدد مجرى واحد، وإِن شئت قلت في الابتداء واحد اثنان ثلاثة
ولا يقال في أَحد عشر غير أَحد، وللتأْنيث واحدة، وإِحدى في ابتداء العدد
تجري مجرى واحد في قولك أَحد وعشرون كما يقال واحد وعشرون، فأَما إِحدى
عشرة فلا يقال غيرها، فإِذا حملوا الأَحد على الفاعل أُجري مجرى الثاني
والثالث، وقالوا: هو حادي عِشْريهم وهو ثاني عشريهم، والليلة الحاديةَ
عشْرَةَ واليوم الحادي عشَر؛ قال: وهذا مقلوب كما قالوا جذب وجبذ، قال ابن
سيده: وحادي عشر مقلوبٌ موضِع الفاء إِلى اللام لا يستعمل إِلا كذلك، وهو
فاعِل نقل إِلى عالف فانقلبت الواو التي هي الأَصل ياءً لانكسار ما قبلها.
وحكى يعقوب: معي عشرة فأَحِّدْهُنَّ لِيَهْ أَي صَيِّرْهُنَّ لي أَحد
عشر. قال أَبو منصور: جعل قوله فأَحِّدْهُنَّ ليه، من الحادي لا من أَحد،
قال ابن سيده: وظاهر ذلك يؤنس بأَن الحادي فاعل، قال: والوجه إِن كان هذا
المروي صحيحاً أَن يكون الفعل مقلوباً من وحَدْت إِلى حَدَوْت، وذلك
أَنهم لما رأَوا الحادي في ظاهر الأَمر على صورة فاعل، صار كأَنه جارٍ على
حدوث جَرَيانَ غازٍ على غزوت؛ وإِحدى صيغة مضروبة للتأْنيث على غير بناء
الواحد كبنت من ابن وأُخت من أَخ. التهذيب: والوُحْدانُ جمع الواحِدِ ويقال
الأُحْدانُ في موضع الوُحْدانِ. وفي حديث العيد: فصلينا وُحداناً أَي
منفردين جمع واحد كراكب ورُكْبان. وفي حديث حذيفة: أَوْ لَتُصَلُّنّ
وُحْداناً. وتقول: هو أَحدهم وهي إِحداهنّ، فإِن كانت امرأَة مع رجال لم يستقم
أَن تقول هي إِحداهم ولا أَحدهم ولا إِحداهنّ إِلاّ أَن تقول هي كأَحدهم
أَو هي واحدة منهم. وتقول: الجُلوس والقُعود واحد، وأَصحابي وأَصحابك
واحد. قال: والمُوَحِّدُ كالمُثَنِّي والمُثَلِّث. قال ابن السكيت: تقول هذا
الحاديَ عَشَرَ وهذا الثانيَ عَشَرَ وهذا الثالثَ عَشَرَ مفتوح كله إِلى
العشرين؛ وفي المؤَنث: هذه الحاديةَ عَشْرة والثانيةَ عشرة إِلى العشرين
تدخل الهاء فيها جميعاً. قال الأَزهري: وما ذكرت في هذا الباب من
الأَلفاظ النادرة في الأَحد والواحد والإِحدى والحادي فإِنه يجري على ما جاء عن
العرب ولا يعدّى ما حكي عنهم لقياس متوهّم اطراده، فإِن في كلام العرب
النوادر التي لا تنقاس وإِنما يحفظها أَهل المعرفة المعتنون بها ولا
يقيسون عليها؛ قال: وما ذكرته فإِنه كله مسموع صحيح. ورجل واحد: مُتَقَدِّم في
بَأْس أَو علم أَو غير ذلك كأَنه لا مثل له فهو وحده لذلك؛ قال أَبو
خراش:
أَقْبَلْتُ لا يَشْتَدُّ شَدِّيَ واحِدٌ،
عِلْجٌ أَقَبُّ مُسَيَّرُ الأَقْرابِ
والجمع أُحْدانٌ ووُحْدانٌ مثل شابٍّ وشُبّانٍ وراع ورُعْيان. الأَزهري:
يقال في جمع الواحد أُحْدانٌ والأَصل وُحْدان فقلبت الواو همزة
لانضمامها؛ قال الهذلي:
يَحْمِي الصَّريمةَ، أُحْدانُ الرجالِ له
صَيْدٌ، ومُجْتَرِئٌ بالليلِ هَمّاسُ
قال ابن سيده: فأَما قوله:
طارُوا إِليه زَرافاتٍ وأُحْدانا
فقد يجوز أَن يُعْنى أَفراداً، وهو أَجود لقوله زرافات، وقد يجوز أَن
يعنى به الشجعان الذين لا نظير لهم في البأْس؛ وأَما قوله:
لِيَهْنِئ تُراثي لامْرئٍ غيرِ ذِلّةٍ،
صَنابِرُ أُحْدانٌ لَهُنَّ حَفِيفُ
سَريعاتُ مَوتٍ رَيِّثاتُ إِفاقةٍ،
إِذا ما حُمِلْنَ، حَمْلُهُنَّ خَفِيفُ
فإِنه عنى بالأُحْدانِ السهام الأَفْراد التي لا نظائر لها، وأَراد
لامْرئٍ غير ذي ذِلّةٍ أَو غير ذليل. والصَّنابِرُ: السِّهامُ الرِّقاقُ.
والحَفِيف: الصوتُ. والرَّيِّثاتُ: البِطاءُ. وقوله: سَرِيعاتُ موت
رَيِّثاتُ إِفاقة، يقول: يُمِتْنَ مَن رُميَ بهن لا يُفيق منهن سريعاً، وحملهن
خفيف على من يَحْمِلُهُنَّ.
وحكى اللحياني: عددت الدراهم أَفْراداً ووِحاداً؛ قال: وقال بعضهم:
أَعددت الدراهم أَفراداً ووِحاداً، ثم قال: لا أَدري أَعْدَدْتُ أَمن العَدَد
أَم من العُدّة. والوَحَدُ والأَحَدُ: كالواحد همزته أَيضاً بدل من واو،
والأَحَدُ أَصله الواو. وروى الأَزهري عن أَبي العباس أَنه سئل عن
الآحاد: أَهي جمع الأَحَدِ؟ فقال: معاذ الله ليس للأَحد جمع، ولكن إِن جُعلت
جمعَ الواحد، فهو محتمل مثل شاهِد وأَشْهاد. قال: وليس للواحد تثنية ولا
لللاثنين واحد من جنسه. وقال أَبو إِسحق النحوي: الأَحَد أَن الأَحد شيء
بني لنفي ما يذكر معه من العدد، والواحد اسم لمفتتح العدد، وأَحد يصلح في
الكلام في موضع الجحود وواحد في موضع الإِثبات. يقال: ما أَتاني منهم
أَحد، فمعناه لا واحد أَتاني ولا اثنان؛ وإِذا قلت جاءني منهم واحد فمعناه
أَنه لم يأْتني منهم اثنان، فهذا حدُّ الأَحَد ما لم يضف، فإِذا أُضيف
قرب من معنى الواحد، وذلك أَنك تقول: قال أَحد الثلاثة كذا وكذا وأَنت تريد
واحداً من الثلاثة؛ والواحدُ بني على انقطاع النظير وعَوَزِ المثل،
والوحِيدُ بني على الوَحْدة والــانفراد عن الأَصحاب من طريق بَيْنُونته عنهم.
وقولهم: لست في هذا الأَمر بأَوْحَد أَي لست بعادم فيه مثلاً أَو
عِدْلاً. الأَصمعي: تقول العرب: ما جاءَني من أَحد ولا تقول قد جاءَني من أَحد،
ولا يقال إِذا قيل لك ما يقول ذلك أَحد: بَلى يقول ذلك أَحد. قال: ويقال:
ما في الدّار عَريبٌ، ولا يقال: بلى فيها عريب. الفراء قال: أَحد يكون
للجمع والواحد في النفي؛ ومنه قول الله عز وجل: فما منكم من أَحد عنه
حاجزين؛ جُعِل أَحد في موضع جمع؛ وكذلك قوله: لا نفرّق بين أَحد من رسله؛
فهذا جمع لأَن بين لا تقع إِلا على اثنين فما زاد.
قال: والعرب تقول: أَنتم حَيّ واحد وحي واحِدون، قال: ومعنى واحدين
واحد. الجوهري: العرب تقول: أَنتم حيّ واحد وحيّ واحدون كما يقال شِرْذِمةٌ
قليلون؛ وأَنشد للكميت:
فَضَمَّ قَواصِيَ الأَحْياءِ منهم،
فَقَدْ رَجَعوا كَحَيٍّ واحِدينا
ويقال: وحَّدَه وأَحَّدَه كما يقال ثَنَّاه وثَلَّثه. ابن سيده: ورجل
أَحَدٌ ووَحَدٌ ووَحِدٌ ووَحْدٌ ووَحِيدٌ ومُتَوَحِّد أَي مُنْفَرِدٌ،
والأُنثى وَحِدةٌ؛ حكاه أَبو علي في التذكرة، وأَنشد:
كالبَيْدانةِ الوَحِدهْ
الأَزهري: وكذلك فَريدٌ وفَرَدٌ وفَرِدٌ. ورجل وحِيدٌ: لا أَحَدَ معه
يُؤنِسُه؛ وقد وَحِدَ يَوْحَدُ وَحادةً ووَحْدةً وَوَحْداً. وتقول: بقيت
وَحيداً فَريداً حَريداً بمعنى واحد. ولا يقال: بقيت أَوْحَدَ وأَنت تريد
فَرْداً، وكلام العرب يجيء على ما بني عليه وأُخذ عنهم، ولا يُعَدّى به
موضعُه ولا يجوز أَن يتكلم فيه غير أَهل المعرفة الراسخين فيه الذين أَخذوه
عن العرب أَو عمن أَخذ عنهم من ذوي التمييز والثقة. وواحدٌ ووَحَد
وأَحَد بمعنى؛ وقال:
فلَمَّا التَقَيْنا واحدَيْن عَلَوْتُهُ
اللحياني: يقال وَحِدَ فلان يَوْحَدُ أَي بقي وحده؛ ويقال: وَحِدَ
وَوَحُدَ وفَرِدَ وفَرُدَ وفَقِهَ وفَقُهَ وسَفِهَ وسَفُهَ وسَقِمَ وسَقُمَ
وفَرِعَ وفَرُعَ وحَرِضَ وحَرُضَ. ابن سيده: وحِدَ ووحُدَ وحادةً وحِدةً
ووَحْداً وتَوَحَّدَ: بقي وحده يَطَّرد إِلى العشرة؛ عن الشيباني.
وفي حديث ابن الحنظلية: وكان رجلا مُتوحّداً أَي مُنْفرداً لا يُخالِط
الناس ولا يُجالِسهم. وأَوحد الله جانبه أَي بُقِّي وَحْدَه. وأَوْحَدَه
للأَعْداء: تركه. وحكى سيبويه: الوَحْدة في معنى التوَحُّد. وتَوَحَّدَ
برأْيه: تفرّد به، ودخل القوم مَوْحَدَ مَوْحَدَ وأُحادَ أُحادَ أَي فُرادى
واحداً واحداً، معدول عن ذلك. قال سيبويه: فتحوا مَوْحَد إِذ كان اسماً
موضوعاً ليس بمصدر ولا مكان. ويقال: جاؤوا مَثْنَى مَثنى ومَوْحَدَ
مَوْحد، وكذلك جاؤوا ثُلاثَ وثُناءَ وأُحادَ. الجوهري: وقولهم أُحادَ وَوُحادَ
ومَوْحَد غير مصروفات للتعليل المذكور في ثُلاثَ. ابن سيده: مررت به
وحْدَه، مصدر لا يثنى ولا يجمع ولا يُغَيّر عن المصدر، وهو بمنزلة قولك
إِفْراداً وإِن لم يتكلم به، وأَصله أَوْحَدْتُه بِمُروري إِيحاداً ثم حُذِفت
زياداته فجاءَ على الفعل؛ ومثله قولهم: عَمْرَكَ اللَّهَ إِلاَّ فعلت
أَي عَمَّرتُك الله تعميراً. وقالوا: هو نسيجُ وحْدِه وعُيَبْرُ وحْدِه
وجْحَيْشُ وحْدِه فأَضافوا إِليه في هذه الثلاثة، وهو شاذّ؛ وأَما ابن
الأَعرابي فجعل وحْدَه اسماً ومكنه فقال جلس وحْدَه وعلا وحْدَه وجلَسا على
وحْدَيْهِما وعلى وحْدِهما وجلسوا على وَحْدِهم، وقال الليث: الوَحْد في كل
شيء منصوب جرى مجرى المصدر خارجاً من الوصف ليس بنعت فيتبع الاسم، ولا
بخبر فيقصد إِليه، فكان النصب أَولى به إِلا أَن العرب أَضافت إِليه
فقالت: هو نَسيجُ وحْدِه، وهما نَسِيجا وحْدِهما، وهم نُسَجاءُ وحدِهم، وهي
نَسِيجةُ وحدِها، وهنَّ نسائج وحْدِهنَّ؛ وهو الرجل المصيب الرأْي. قال:
وكذلك قَريعُ وحْدِه، وكذلك صَرْفُه، وهو الذي لا يقارعه في الفضل أَحد.
قال أَبو بكر: وحده منصوب في جميع كلام العرب إِلا في ثلاثة مواضع، تقول:
لا إِله إِلا الله وحده لا شريك له، ومررت بزيد وحده؛ وبالقوم وحدي. قال:
وفي نصب وحده ثلاثة أَقوال: قال جماعة من البصريين هو منصوب على الحال،
وقال يونس: وحده هو بمنزلة عنده، وقال هشام: وحده منصوب على المصدر، وحكى
وَحَدَ يَحِدُ صَدَر وَحْدَه على هذا الفعل. وقال هشام والفراء: نَسِيجُ
وحدِه وعُيَيْرُ وحدِه وواحدُ أُمّه نكرات، الدليل على هذا أَن العرب
تقول: رُبَّ نَسِيجِ وحدِه قد رأَيت، وربّ واحد أُمّه قد أَسَرْتُ؛ وقال
حاتم:
أَماوِيّ إِني رُبَّ واحِدِ أُمِّه
أَخَذْتُ، فلا قَتْلٌ عليه، ولا أَسْرُ
وقال أَبو عبيد في قول عائشة، رضي الله عنها، ووصْفِها عمر، رحمه الله:
كان واللهِ أَحْوذِيّاً نَسِيجَ وحدِه؛ تعني أَنه ليس له شبيه في رأْيه
وجميع أُموره؛ وقال:
جاءَتْ به مُعْتَجِراً بِبُرْدِه،
سَفْواءُ تَرْدي بِنَسيجِ وحدِه
قال: والعرب تنصب وحده في الكلام كله لا ترفعه ولا تخفضه إِلا في ثلاثة
أَحرف: نسيج وحده، وعُيَيْر وحده، وجُحَيْش وحده؛ قال: وقال البصريون
إِنما نصبوا وحده على مذهب المصدر أَي تَوَحَّد وحدَه؛ قال: وقال أَصحابنا
إِنما النصْبُ على مذهب الصفة؛ قال أَبو عبيد: وقد يدخل الأَمران فيه
جميعاً؛ وقال شمر: أَما نسيج وحده فمدح وأَما جحيش وحده وعيير وحده فموضوعان
موضع الذمّ، وهما اللذان لا يُشاوِرانِ أَحداً ولا يُخالِطانِ، وفيهما مع
ذلك مَهانةٌ وضَعْفٌ؛ وقال غيره: معنى قوله نسيج وحده أَنه لا ثاني له
وأَصله الثوب الذي لا يُسْدى على سَداه لِرِقّة غيره من الثياب. ابن
الأَعرابي: يقال نسيجُ وحده وعيير وحده ورجلُ وحده. ابن السكيت: تقول هذا رجل
لا واحد له كما تقول هو نسيج وحده. وفي حديث عمر: من يَدُلُّني على نسيج
وحده؟ الجوهري: الوَحْدةُ الــانفراد. يقال: رأَيته وحده وجلس وحده أَي
منفرداً، وهو منصوب عند أَهل الكوفة على الظرف، وعند أَهل البصرة على المصدر
في كل حال، كأَنك قلت أَوحدته برؤْيتي إِيحاداً أَي لم أَرَ غيره ثم
وضَعْت وحده هذا الموضع. قال أَبو العباس: ويحتمل وجهاً آخر، وهو أَن يكون
الرجل بنفسه منفرداً كأَنك قلت رأَيت رجلاً منفرداً انفراداً ثم وضعت وحده
موضعه، قال: ولا يضاف إِلا في ثلاثة مواضع: هو نسيج وحده، وهو مدح،
وعيير وحده وجحيش وحده، وهما ذم، كأَنك قلت نسيج إِفراد فلما وضعت وحده موضع
مصدر مجرور جررته، وربما قالوا: رجيل وحده. قال ابن بري عند قول الجوهري
رأَيته وحده منصوب على الظرف عند أَهل الكوفة وعند أَهل البصرة على
المصدر؛ قال: أَما أَهل البصرة فينصبونه على الحال، وهو عندهم اسم واقع موقع
المصدر المنتصب على الحال مثل جاء زيد رَكْضاً أَي راكضاً. قال: ومن
البصريين من ينصبه على الظرف، قال: وهو مذهب يونس. قال: وليس ذلك مختصاً
بالكوفيين كما زعم الجوهري. قال: وهذا الفصل له باب في كتب النحويين
مُسْتَوْفًى فيه بيان ذلك.
التهذيب: والوحْد خفِيفٌ حِدةُ كلِّ شيء؛ يقال: وَحَدَ الشيءُ، فهو
يَحِدُ حِدةً، وكلُّ شيء على حِدةٍ فهو ثاني آخَرَ. يقال: ذلك على حِدَتِه
وهما على حِدَتِهما وهم على حِدَتِهم. وفي حديث جابر ودَفْنِ أَبيه: فجعله
في قبر على حِدةٍ أَي منفرداً وحدَه، وأَصلها من الواو فحذفت من أَولها
وعوّضت منها الهاء في آخرها كعِدة وزِنةٍ من الوعْد والوَزْن؛ والحديث
الآخر: اجعل كلَّ نوع من تمرك على حِدةٍ. قال ابن سيده: وحِدةُ الشيء
تَوَحُّدُه وهذا الأَمر على حِدته وعلى وحْدِه. وحكى أَبو زيد: قلنا هذا الأَمر
وحْدينا، وقالتاه وحْدَيْهِما، قال: وهذا خلاف لما ذكرنا.
وأَوحده الناس تركوه وحده؛ وقول أَبي ذؤَيب:
مُطَأْطَأَة لم يُنْبِطُوها، وإِنَّها
لَيَرْضَى بها فُرِّاطُها أُمَّ واحِدِ
أَي أَنهم تَقَدَّمُوا يَحْفِرونها يَرْضَوْن بها أَن تصير أُمّاً لواحد
أَي أَن تَضُمَّ واحداً، وهي لا تضم أَكثر من واحد؛ قال ابن سيده: هذا
قول السكري. والوحَدُ من الوَحْش: المُتَوَحِّد، ومن الرجال: الذي لا يعرف
نسبه ولا أَصله. الليث: الوحَدُ المنفرد، رجل وحَدٌ وثَوْر وحَد؛ وتفسير
الرجل الوَحَدِ أَن لا يُعرف له أَصل؛ قال النابغة:
بِذي الجَلِيلِ على مُسْتَأْنِسٍ وحَدِ
والتوحيد: الإِيمان بالله وحده لا شريك له. والله الواحِدُ الأَحَدُ: ذو
الوحدانية والتوحُّدِ. ابن سيده: والله الأَوحدُ والمُتَوَحِّدُ وذُو
الوحْدانية، ومن صفاته الواحد الأَحد؛ قال أَبو منصور وغيره: الفرق بينهما
أَن الأَحد بني لنفي ما يذكر معه من العدد، تقول ما جاءَني أَحد، والواحد
اسم بني لِمُفْتَتَح العدد، تقول جاءني واحد من الناس، ولا تقول جاءني
أَحد؛ فالواحد منفرد بالذات في عدم المثل والنظير، والأَحد منفرد بالمعنى؛
وقيل: الواحد هو الذي لا يتجزأُ ولا يثنى ولا يقبل الانقسام ولا نظير له
ولا مثل ولا يجمع هذين الوصفين إِلا الله عز وجل؛ وقال ابن الأَثير: في
أَسماء الله تعالى الواحد، قال: هو الفرد الذي لم يزل وحده ولم يكن معه
آخر؛ قال الأَزهري: وأَما اسم الله عز وجل أَحد فإِنه لا يوصف شيء
بالأَحدية غيره؛ لا يقال: رجل أَحَد ولا درهم أَحَد كما يقال رجل وحَدٌ أَي فرد
لأَن أَحداً صفة من صفات الله عز وجل التي استخلصها لنفسه ولا يشركه فيها
شيء؛ وليس كقولك الله واحد وهذا شيء واحد؛ ولا يقال شيء أَحد وإِن كان
بعض اللغويين قال: إِن الأَصل في الأَحَد وحَد؛ قال اللحياني: قال
الكسائي: ما أَنت من الأَحد أَي من الناس؛ وأَنشد:
وليس يَطْلُبُني في أَمرِ غانِيَةٍ
إِلا كَعَمرٍو، وما عَمرٌو من الأَحَدِ
قال: ولو قلت ما هو من الإِنسان، تريد ما هو من الناس، أَصبت. وأَما قول
الله عز وجل: قل هو الله أَحد الله الصمَد؛ فإِن أَكثر القراء على تنوين
أَحد. وقد قرأَه بعضهم بترك التنوين وقرئَ بإِسكان الدال: قل هو الله
أَحَدْ، وأَجودها الرفع بإِثبات التنوين في المرور وإِنما كسر التنوين
لسكونه وسكون اللام من الله، ومن حذف التنوين فلالتقاء الساكنين أَيضاً.
وأَما قول الله تعالى: هو الله، فهو كناية عن ذكر الله المعلوم قبل نزول
القرآن؛ المعنى: الذي سأَلتم تبيين نسبه هو الله، وأَحد مرفوع على معنى هو
الله أَحد، وروي في التفسير: أَن المشركين قالوا للنبي، صلى الله عليه
وسلم: انْسُبْ لنا ربَّك، فأَنزل الله عز وجل: قل هو الله أَحد الله الصمد.
قال الأَزهري: وليس معناه أَنّ لله نَسَباً انْتَسَبَ إِليه ولكن معناه
نفي النسب عن اللهِ تعالى الواحدِ، لأَن الأَنْسابَ إِنما تكون للمخلوقين،
والله تعالى صفته أَنه لم يلد ولداً ينسب إِليه، ولم يولد فينتسب إِلى
ولد، ولم يكن له مثل ولا يكون فيشبه به تعالى الله عن افتراء المفترين،
وتقدَّس عن إِلحادِ المشركين، وسبحانه عما يقول الظالمون والجاحدون علوًّا
كبيراً. قال الأَزهري: والواحد من صفات الله تعالى، معناه أَنه لا ثاني
له، ويجوز أَن ينعت الشيء بأَنه واحد، فأَما أَحَد فلا ينعت به غير الله
تعالى لخلوص هذا الاسم الشريف له، جل ثناؤه. وتقول: أَحَّدْتُ الله تعالى
ووحَّدْته، وهو الواحدُ الأَحَد. وروي عن النبي، صلى الله عليه وسلم،
أَنه قال لرجل ذَكَرَ اللَّهَ وأَومَأَ بإِصْبَعَيْهِ فقال له: أَحِّدْ
أَحِّدْ أَي أَشِرْ بِإِصْبَعٍ واحدة. قال: وأَما قول الناس: تَوَحَّدَ الله
بالأَمر وتفرّد، فإِنه وإِن كان صحيحاً فإِني لا أُحِبُّ أَن أَلْفِظَ به
في صفة الله تعالى في المعنى إِلا بما وصف به نفسه في التنزيل أَو في
السُّنَّة، ولم أَجد المُتَوَحِّدَ في صفاته ولا المُتَفَرِّدَ، وإِنما
نَنْتَهِي في صفاته إِلى ما وصف به نفسه ولا نُجاوِزُه إِلى غيره لمَجَازه
في العربية. وفي الحديث: أَن الله تعالى لم يرض بالوَحْدانيَّةِ لأَحَدٍ
غيره، شَرُّ أُمَّتي الوَحْدانيُّ المُعْجِبُ بدينه المُرائي بعَمَلِه،
يريد بالوحْدانيِّ المُفارِقَ للجماعة المُنْفَرِدَ بنفسه، وهو منسوب إِلى
الوَحْدةِ والــانفرادِ، بزيادة الأَلف والنون للمبالغة.
والمِيحادُ: من الواحدِ كالمِعْشارِ، وهو جزء واحد كما أَن المِعْشارَ
عُشْرٌ، والمَواحِيدُ جماعة المِيحادِ؛ لو رأَيت أَكَماتٍ مُنْفَرِداتٍ كل
واحدة بائنة من الأُخرى كانت مِيحاداً ومواحِيدَ. والمِيحادُ: الأَكمة
المُفْرَدةُ. وذلك أَمر لَسْتُ فيه بأَوْحَد أَي لا أُخَصُّ به؛ وفي
التهذيب: أَي لست على حِدةٍ. وفلانٌ واحِدُ دَهْرِه أَي لا نَظِيرَ له.
وأَوحَدَه اللَّهُ: جعله واحد زمانه؛ وفلانٌ أَوْحَدُ أَهل زمانه وفي حديث
عائشة تصف عمر، رضي الله تعالى عنهما: للهِ أُمٌّ
(* قوله «لله أم إلخ» هذا
نص النهاية في وحد ونصها في حفل: لله أم حفلت له ودرت عليه أي جمعت اللبن
في ثديها له.) حَفَلَتْ عليه ودَرَّتْ لقد أَوْحَدَت به أَي ولَدَتْه
وحِيداً فَرِيداً لا نظير له، والجمع أُحْدان مثل أَسْوَدَ وسُودان؛ قال
الكميت:
فباكَرَه، والشمسُ لم يَبْدُ قَرْنُها،
بِأُحْدانِه المُسْتَوْلِغاتِ، المُكَلِّبُ
يعني كلابَه التي لا مثلها كلاب أَي هي واحدة الكلاب. الجوهري: ويقال:
لست في هذا الأَمر بأَوْحَد ولا يقال للأُنثى وَحْداء. ويقال: أَعْطِ كل
واحد منهم على حِدَة أَي على حِيالِه، والهاء عِوَضٌ من الواو كما قلنا.
أَبو زيد: يقال: اقتضيت كل درهم على وَحْدِه وعلى حِدته. تقول: فعل ذلك من
ذاتِ حدته ومن ذي حدته بمعنى واحد. وتَوَحَّده الله بعِصْمته أَي عَصَمه
ولم يَكِلْه إِلى غيره. وأَوْحَدَتِ الشاةُ فهي مُوحِدٌ أَي وَضَعَتْ
واحِداً مثل أَفَذَّتْ. ويقال: أَحَدْتُ إِليه أَي عَهِدْتُ إِليه؛ وأَنشد
الفراء:
سارَ الأَحِبَّةُ بالأَحْدِ الذي أَحَدُوا
يريد بالعَهْدِ الذي عَهِدُوا؛ وروى الأَزهري عن أَبي الهيثم أَنه قال
في قوله:
لقدْ بَهَرْتَ فما تَخْفَى على أَحَدٍ
قال: أَقام أَحداً مقام ما أَو شيءٍ وليس أَحد من الإِنس ولا من الجن،
ولا يتكَلَّمُ بأَحَد إِلا في قولك ما رأَيت أَحداً، قال ذلك أَو تكلم
بذلك من الجن والإِنس والملائكة. وإِن كان النفي في غيرهم قلت: ما رأَيت
شيئاً يَعْدِلُ هذا وما رأَيت ما يعدل هذا، ثم العَربُ تدخل شيئاً على أَحد
وأَحداً على شيء. قال الله تعالى: وإِن فاتكم شيء من أَزواجكم (الآية)
وقرأَ ابن مسعود: وإن فاتكم أَحد من أَزواجكم؛ وقال الشاعر:
وقالتْ: فلَوْ شَيءٌ أَتانا رَسُوله
سِواكَ، ولكنْ لم نَجِدْ لكَ مَدْفَعا
أَقام شيئاً مقام أَحَدٍ أَي ليس أَحَدٌ مَعْدُولاً بك. ابن سيده: وفلان
لا واحد له أَي لا نظير له. ولا يقوم بهذا الأَمرِ إِلا ابن إِحداها أَي
كريم الآباءِ والأُمهاتِ من الرجال والإِبل؛ وقال أَبو زيد: لا يقوم
بهذا الأَمرِ إِلا ابن إِحداها أَي الكريم من الرجال؛ وفي النوادر: لا
يستطيعها إِلا ابن إِحْداتها يعني إِلا ابن واحدة منها؛ قال ابن سيده
وقوله:حتى اسْتثارُوا بيَ إِحْدَى الإِحَدِ،
لَيْثاً هِزَبْراً ذا سِلاحٍ مُعْتَدِي
فسره ابن الأَعرابي بأَنه واحد لا مثل له؛ يقال: هذا إِحْدَى الإِحَدِ
وأَحَدُ الأَحَدِين وواحِدُ الآحادِ. وسئل سفيان الثوري عن سفيان بن عيينة
قال: ذلك أَحَدُ الأَحَدِين؛ قال أَبو الهيثم: هذا أَبلغ المدح. قال:
وأَلف الأَحَد مقطوعة وكذلك إِحدى، وتصغير أَحَد أُحَيْدٌ وتصغير إِحْدَى
أُحَيدَى، وثبوت الأَلِف في أَحَد وإِحْدى دليل على أَنها مقطوعة، وأَما
أَلِف اثْنا واثْنَتا فأَلِف وصل، وتصغير اثْنا ثُنَيَّا وتصغير اثْنَتا
ثُنَيَّتا.
وإِحْدَى بناتِ طَبَقٍ: الدّاهِيةُ، وقيل: الحَيَّةُ سميت بذلك
لِتَلَوِّيها حتى تصير كالطَّبَق.
وبَنُو الوَحَدِ: قوم من بني تَغْلِب؛ حكاه ابن الأَعرابي؛ قال وقوله:
فَلَوْ كُنتُمُ مِنَّا أَخَذْنا بأَخْذِكم،
ولكِنَّها الأَوْحادُ أَسْفَلُ سافِلِ
أَراد بني الوَحَد من بني تَغْلِبَ، جعل كل واحد منهم أَحَداً. وقوله:
أَخَذْنا بأَخْذِكم أَي أَدْرَكْنا إِبلكم فرددناها عليكم.
قال الجوهري: وبَنُو الوَحِيدِ بطْنٌ من العرب من بني كلاب بن ربيعة بن
عامر بن صَعْصَعةَ.
والوَحِيدُ: موضع بعينه؛ عن كراع. والوحيد: نَقاً من أَنْقاء
الدَّهْناءِ؛ قال الراعي:
مَهارِيسُ، لاقَتْ بالوَحِيدِ سَحابةً
إِلى أُمُلِ الغَرّافِ ذاتِ السَّلاسِلِ
والوُحْدانُ: رِمال منقطعة؛ قال الراعي:
حتى إِذا هَبَطَ الوُحْدانُ، وانْكَشَفَتْ
مِنْه سَلاسِلُ رَمْلٍ بَيْنَها رُبَدُ
وقيل: الوُحْدانُ اسم أَرض. والوَحِيدانِ: ماءانِ في بلاد قَيْس
معروفان. قال: وآلُ الوَحِيدِ حيٌّ من بني عامر. وفي حديث بلال: أَنه رَأَى
أُبَيَّ بنَ خَلَفٍ يقول يوم بدر: يا حَدْراها؛ قال أَبو عبيد: يقول هل أَحد
رأَى مثل هذا؟ وقوله عز وجل: إِنما أَعظُكم بواحدة هي هذه أَنْ تقوموا
لله مَثْنَى وفُرادَى؛ وقيل: أَعظُكم أَنْ تُوَحِّدُوا الله تعالى. وقوله:
ذَرْني ومَن خَلَقْتُ وحِيداً؛ أَي لم يَشْرَكْني في خلقه أَحَدٌ، ويكون
وحيداً من صفة المخلوق أَي ومَنْ خَلَقْتُ وحْدَه لا مال له ولا وَلد ثم
جَعَلْت له مالاً وبنين. وقوله: لَسْتُنَّ كأَحَد من النساءِ، لم يقل
كَواحِدة لأَن أَحداً نفي عام للمذكر والمؤنث والواحد والجماعة.
بتل: البَتْل: القَطْع. بَتَله يَبْتِله ويَبْتُله بَتْلاً وبَتَّله
فانْبَتَل وتَبَتَّل: أَبانَه من غيره، ومنه قولهم: طلقها بَتَّةً بَتْلَةً؛
وقول ذي الرمة:
رَخِيمات الكَلام مُبَتَّلات،
جواعل في البَرَى قَصَباً خِدَالا
قال ابن سيده: زعم الفارسي أَن الكسر رواية وجاء به شاهداً على حذف
المفعول؛ أَراد مُبَتِّلات الكلام مُقَطَّعات له. وفي حديث حذيفة: أُقيمت
الصلاة فَتَدافَعُوها وأَبَوْا إِلا تقديمَه، فلما سَلَّم قال:
لَتَبْتِلُنَّ لها إِماماً أَو لَتُصَلُّنَّ وُحْداناً، معناه لتَنْصِبُنَّ لكم
إِماماً وتَقْطَعُنَّ الأَمرَ بإِمامته من البَتْلِ القَطْعِ؛ قال ابن
الأَثير: أَورده أَبو موسى في هذا الباب وأَورده الهروي في باب الباء واللام
والواو، وشَرَحَه بالامتحان والاختبار من الابتلاء، فتكون التاءَان فيها عند
الهروي زائدتين الأُولى للمضارعة والثانية للافتعال، وتكون الأُولى عند
أَبي موسى زائدة للمضارعة والثانية أَصلية، قال: وشرحه الخطابي في غريبه
على الوجهين معاً.
التهذيب: الأَصمعي المُبْتِل النَّخْلة يكون لها فَسِيلة قد انفردت
واستغنت عن أُمّها فيقال لتلك الفَسِيلة البَتُول. ابن سيده: البَتُول
والبَتِيل والبَتِيلة من النخْل الفَسِيلة المُنْقَطِعةُ عن أُمها المستغنيةُ
عنها. والمُبْتِلةُ: أُمُّها، يستوي فيه الواحد والجمع؛ وقول المتنخل
الهذلي:
ذَلِكَ ما دِينُكَ، إِذ جُنِّبَتْ
أَجْمالُها كالبُكُرِ المُبْتل
إِنما أَراد جمع مُبْتِلة كتَمْرة وتَمْر، وقوله ذلك ما دينك أَي ذلك
البكاء دينك وعادتك، والبُكُر: جمع بَكُور وهي التي تُدرك أَوّلَ النَّخْل،
وقد انْبتَلَت من أُمِّها وتَبَتَّلت واسْتَبْتَلَتْ، وقيل: البَتْلَة
من النخل الوَدِيَّة، وقال الأَصمعي: هي الفَسِيلة التي بانت عن أُمها،
ويقال للأُم مُبْتِل. والبَتْل: الحَقُّ، بَتْلاً أَي حقّاً؛ ومنه: صَدَقَة
بَتْلة أَي منقطعة عن صاحبها كبَتَّة أَي قَطَعها من ماله، وأَعطيته
عطاء بَتْلاً أَي مُنْقَطعاً، إِما أَن يريد الغاية أَي أَنه لا يشبهه عطاء،
وإِما أَن يريد أَنه لا يعطيه عطاءً بعده. وحَلَف يميناً بَتْلَة أَي
قَطَعَها.
وتَبَتَّلَ إِلى الله تعالى: انقطع وأَخلص. وفي التنزيل: وتَبَتّل إِليه
تبتيلاً؛ جاء المصدر فيه على غير طريق الفعل، وله نظائر، ومعناه
أَخْلِصْ له إِخْلاصاً. والتَّبَتُّلُ: الانقطاع عن الدنيا إِلى الله تعالى،
وكذلك التبتيل. يقال للعابد إِذا ترك كل شيء وأَقبل على العبادة: قد
تَبَتَّل أَي قطع كُلَّ شيء إِلا أَمْرَ الله وطاعتَه. وقال أَبو إِسحق:
وتَبَتَّلْ إِليه، أَي انقطِعْ إِليه في العبادة؛ وكذلك صدقة بَتْلَة أَي
مُنْقَطِعة من مال المتصدّق بها خارجة إِلى سبيل الله؛ والأَصل في تبتل أَن
تقول تبتلت تبتلاً، فتبتيلاً محمول على معنى بَتِّل إِليه تبتيلاً.
وانْبَتَل، فهو مُنْبَتِل أَي انقطع، وهو مثل المُنْبَتِّ؛ وأَنشد:
كأَنَّه تيسُ إِرانٍ مُنْبَتِل
ورجل أَبْتَل إِذا كان بعيدَ ما بَين المَنْكِبَينِ. وقد بتل يبتل
بتلاً.والبَتُول من النساء: المنقطعة عن الرجال لا أَرَبَ لها فيهم؛ وبها
سُمِّيت مريمُ أُمُّ المَسيح، على نبينا وعليه الصلاة والسلام، وقالوا لمريم
العَذْراء البَتُول والبَتِيل لذلك، وفي التهذيب: لتركها التزويج.
والبَتُول من النساء: العَذْراء المنقطعة من الأَزواج، ويقال: هي المنقطعة إِلى
الله عز وجل عن الدنيا. والتَّبَتُّل: ترك النكاح والزهدُ فيه والانقطاع
عنه. التهذيب: البتول كل امرأَة تنقبض من الرجال لا شهوة لها ولا حاجة
فيهم، ومنه التبتل وهو ترك النكاح؛ وقال ربيعة
بن مقروم الضبي:
لو أَنَّها عَرَضَتْ لأَشْمَطَ راهِبٍ،
عَبَدَ الإِلهَ، صَرُورَةٍ مُتَبَتِّل
وروى سعيد بن المسيب أَنه سمع سعد بن أَبي وقاص يقول: لقد ردَّ رسول
الله،صلى الله عليه وسلم، على عثمان بن مظعون التَّبَتُّل ولو أَحَلَّه
لاخْتَصَيْنا، وفسر أَبو عبيد التَّبَتُّل بنحو ما ذكرنا. وفي الحديث: لا
رَهْبانيَّة ولا تَبَتُّل في الإِسلام؛ والتَّبَتُّلُ: الانقطاع عن النساء
وترك النكاح، وأَصل البَتْلِ القَطْع. وسئل أَحمد بن يحيى عن فاطمة، رضوان
الله عليها، بنت سيدنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم: لم قيل لها
البَتُول؟ فقال: لانقطاعها عن نساء أَهل زمانها ونساء الأُمة عفافاً وفضلاً
وديناً وحسباً، وقيل: لانقطاعها عن الدنيا إِلى الله عز وجل. وامرأَة
مُبَتَّلة الخَلْق أَي منْقطعة الخَلْق عن النساء لها عليهن فضل؛ من ذلك قول
الأَعشى:
مُبَتَّلة الخَلْقِ مِثْل المَهَا
ةِ، لمْ تَرَ شَمْساً ولا زَمْهَرِيرا
وقيل: المُبَتَّلة التامة الخَلْقِ؛ وأَنشد لأَبي النجم:
طَالَتْ إِلى تَبْتِيلِها في مَكْرِ
أَي طالت في تمام خَلْقِها؛ وقيل: تَبْتِيل خَلْقِها انفراد كل شيء منها
بحسنه لا يتكل بعضُه على بعض. قال ابن الأَعرابي: المبتلة من النساء
الحسَنة الخَلْقِ لا يَقْصُر شيء عن شيء، لا تكون حَسَنة العين سَمِجَة
الأَنف، ولا حَسَنة الأَنف سَمِجَة العين، ولكن تكون تامَّة؛ قال غيره: هي
التي تفرّد كل شيء منها بالحسن على حِدَتِه. والمُبَتَّلة من النساء: التي
بُتِّلَ حسنها على أَعضائها أَي قُطِّع، وقيل: هي التي لم يَرْكَبْ بعضُ
لحمها بعضاً فهو لذلك مُنْماز؛ وقال اللحياني: هي التي في أَعضائها
استرسال لم يركب بعضه بعضاً، والأَول أَقرب إِلى الاشتقاق، وجمل مُبَتَّل
كذلك. الجوهري: امرأَة مُبَتَّلة، بتشديد التاء مفتوحةً، أَي تامَّة الخَلْق
لم يركب لحمها بعضه بعضاً، ولا يوصف به الرجل؛ وأَنشد بيت ذي الرمة:
رَخِيمات الكَلامِ مُبَتَّلات
ويقال للمرأَة إِذا تزينت وتحسنت: إِنها تتبتل، وإِذا تركت النكاح فقد
تبتلت، وهذا ضدّ الأَول، والأَول مأْخوذ من المُبَتَّلة التي تم حسن كل
عضو منها.
والبَتِيلة: كل عضو مكتنز مُنْمازٍ. الليث: البَتِيلَةُ كل عضو بلحمه
مُكْتَنز من أَعضاء اللحم على حِيَاله، والجمع بتائل؛ وأَنشد:
إِذا المُتُونُ مَدَّتِ البَتَائلا
وفي الحديث: بَتَل رسول الله،صلى الله عليه وسلم، العُمْرَى أَي أَوجبها
ومَلَّكَها مِلْكاً لا يتطرق إِليه نقض، والعُمْرَى بَتَاتٌ
(* قوله
«والعمرى بتات» هكذا في الأصل).
وفي حديث النضر بن كَلدة: والله، يا مَعْشر قريش، لقد نزل بكم أَمر ما
أَبْتَلْتم بَتْله. يقال: مَرَّ على بَتِيلة من رأْيه ومُنْبَتِلة أَي
عَزِيمة لا تُرَدُّ. وانْبَتَل في السير: مضى وجدّ؛ قال الخطابي: هذا خطأ،
والصواب ما انْتَبَلْتم نَبْله أَي ما انتبهتم له ولم تعلموا عِلْمَه.
تقول العرب: أَنْذرْتُكَ الأَمرَ فلم تَنْتَبِلْ نَبْله أَي لم تَنْتَبه له،
قال: فحينئذ يكون من باب النون لا من باب الباء. والبَتِيلة: العَجُز في
بعض اللغات لانقطاعه عن الظهر؛ قال:
إِذا الظهور مَدَّتِ البَتَائِلا
والبَتْل: تمييز الشيء من غيره. والبُتُل: كالمَسايل في أَسفل الوادي،
واحدها بَتِيلٌ. وبَتِيلُ اليَمامة: جَبَل هنالك، وهو البَتِيل أَيضاً؛
قال:
فإِنَّ بني ذُبْيان حيث عَلِمْتُمُ،
بجِزْعِ البَتِيلِ، بَينَ بادٍ وحاضِرِ
حما: حَمْوُ المرأَة وحَمُوها وحَماها: أَبو زَوْجها وأَخُو زوجها،
وكذلك من كان من قِبَلِه. يقال هذا حَمُوها ورأَيت حَمَاها ومررت بحَمِيها،
وهذا حَمٌ في الــانفراد. وكلُّ من وَلِيَ الزوجَ من ذي قَرابته فهم أَحْماء
المرأَة، وأُمُّ زَوجها حَماتُها، وكلُّ شيء من قِبَلِ الزوج أَبوه أَو
أَخوه أَو عمه فهم الأَحْماءُ، والأُنثى حماةٌ، لا لغة فيها غير هذه؛
قال:إنّ الحَماةَ أُولِعَتْ بالكَنَّهْ،
وأَبَتِ الكَنَّةُ إلاَّ ضِنَّهْ
وحَمْوُ الرجل: أَبو امرأَته أو أَخوها أَو عمها، وقيل: الأَحْماءُ من
قِبَل المرأَة خاصةً والأَخْتانُ من قِبَل الرجل، والصِّهْرُ يَجْمَعُ ذلك
كلَّه. الجوهري: حَماةُ المرأَة أُمّ زوجها، لا لغة فيها غير هذه. وفي
الحَمْو أَربع لغات: حَماً مثل قَفاً، وحَمُو مثل أَبُو، وحَمٌ مثل أَبٍ؛
قال ابن بري: شاهد حَماً قول الشاعر:
وَبجارَة شَوْهاءَ تَرْقُبُني،
وحَماً يخِرُّ كَمَنْبِذِ الحِلْسِ
وحَمْءٌ ساكنةَ الميم مهموزة؛ وأَنشد:
قُلْتُ لِبَوَّابٍ لَدَيْهِ دَارُها:
تِئْذَنْ، فإني حَمْؤُها وجَارُها
ويُروْى: حَمُها، بترك الهمز. وكلّ شيء من قِبَل المرأَة فهم الأَخْتان.
الأَزهري: يقال هذا حَمُوها ومررت بحَمِيها ورأَيت حَمَاها، وهذا حَمٌ
في الــانفراد. ويقال: رأَيت حَماها وهذا حَماها ومررت بِحَماها، وهذا حَماً
في الــانفراد، وزاد الفراء حَمْءٌ، ساكنة الميم مهموزة، وحَمُها بترك
الهمز؛ وأَنشد:
هِيَ ما كَنَّتي، وتَزْ
عُمُ أَني لهَا حَمُ
الجوهري: وأَصل حَمٍ حَمَوٌ، بالتحريك، لأَن جمعه أَحْماء مثل آباء.
قال: وقد ذكرنا في الأَخ أَن حَمُو من الأَسماء التي لا تكون مُوَحَّدة إلا
مضافة، وقد جاء في الشعر مفرداً؛ وأَنشد:
وتزعم أَني لها حَمُو
قال ابن بري: هو لفَقيد ثَقِيف
(* قوله: فقيد ثقيف؛ هكذا في الأصل).
قال: والواو في حَمُو للإطلاق؛ وقبل البيت:
أَيُّها الجِيرةُ اسْلَمُوا،
وقِفُوا كَيْ تُكَلَّمُوا
خَرَجَتْ مُزْنَةٌ من الـ
بَحْر ريَّا تَجَمْجَمُ
هِيَ ما كَنَّتي، وتَزْ
عُمُ أَني لَها حَمُ
وقال رجل كانت له امرأَة فطلقها وتزوّجها أَخوه:
ولقد أَصْبَحَتْ أَسْماءُ حَجْراً مُحَرَّما،
وأَصْبَحْتُ من أَدنى حُمُوّتِها حَمَا
أَي أَصبحت أَخا زوجها بعدما كنت زوجها. وفي حديث عمر، رضي الله عنه،
أَنه قال: ما بالُ رجال لا يزالُ أَحدُهم كاسِراً وِسادَه عند امرأَة
مُغْزِيةٍ يَتحدَّث إليها؟ عليكم بالجَنْبةِ. وفي حديث آخر: لا يَدْخُلَنَّ
رجلٌ على امرأَة، وفي رواية: لا يَخْلُوَنَّ رجلٌ بمُغِيبة وإن قيل
حَمُوها أَلا حَمُوها الموتُ؛ قال أَبو عبيد: قوله أَلا حَمُوها الموت، يقول
فَلْيَمُتْ ولا يفعل ذلك، فإذا كان هذا رأْيَه في أَبي الزَّوْج وهو
مَحْرَم فكيف بالغريب؟ الأَزهري: قد تدبرت هذا التفسير فلم أَرَهُ مُشاكلاً
للفظ الحديث. وروى ثعلب عن ابن الأَعرابي أَنه قال في قوله الحَمُ الموتُ:
هذه كلمة تقولها العرب كما تقول الأَسَدُ الموت أَي لقاؤه مثل الموت، وكما
تقول السلطانُ نارٌ، فمعنى قوله الحَمُ الموتُ أَن خلوة الحَمِ معها
أَشد من خلوة غيره من الغرباء، لأَنه ربما حسَّن لها أَشياء وحملها على
أُمور تثقل على الزوج من التماس ما ليس في وسعه أَو سوء عشرة أَو غير ذلك،
ولأَن الزوج لا يؤثر أَن يطلع الحَمُ على باطن حاله بدخول بيته؛ الأَزهري:
كأَنه ذهب إلى أَن الفساد الذي يجري بين المرأَة وأَحمائها أَشد من فساد
يكون بينها وبين الغريب ولذلك جعله كالموت. وحكي عن الأَصمعي أَنه قال:
الأَحماءُ من قِبَل الزوج، والأَخْتانُ من قِبَل المرأَة، قال: وهكذا قال
ابن الأَعرابي وزاد فقال: الحَماةُ أُمُّ الزوج، والخَتَنة أُمُّ
المرأَة، قال: وعلى هذا الترتيب العباسُ وعليٌّ وحمزةُ وجعفر أَحماءُ عائشةَ،
رضي الله عنهم أَجمعين. ابن بري: واختلف في الأَحْماءِ والأَصْهار فقيل
أَصْهار فلان قوم زوجته وأَحْماءُ فلانة قوم زوجها. وعن الأَصمعي:
الأَحْماءُ من قِبَل المرأَة والصِّهْر يَجْمَعهما؛ وقول الشاعر:
سُبِّي الحَماةَ وابْهَتي عَلَيْها،
ثم اضْرِبي بالوَدِّ مِرْفَقَيْها
مما يدل على أَن الحماة من قِبَل الرجل، وعند الخليل أَن خَتَنَ القوم
صِهْرُهم والمتزوِّج فيهم أَصهار الخَتَنِ
(* قوله: أصهار الختن: هكذا في
الأصل)، ويقال لأَهل بيتِ الخَتَنِ الأَخْتَانُ، ولأَهل بيت المرأَة
أَصهارٌ، ومن العرب من يجعلهم كلَّهم أَصْهاراً.
الليث: الحَماةُ لَحْمة مُنْتَبِرَة في باطِنِ الساق. الجوهري: والحماة
عَضَلَةُ الساق. الأَصمعي: وفي ساق الفرس الحَماتانِ، وهما اللَّحْمَتان
اللتان في عُرْض الساق تُرَيانِ كالعَصَبَتَين من ظاهر وباطن، والجمع
حَمَوات. وقال ابن شميل: هما المُضْغَتان المُنتَبِرتان في نصف الساقين من
ظاهر. ابن سيده: الحَماتان من الفرس اللَّحْمتان المجتمعتان في ظاهر
الساقين من أَعاليهما.
وحَمْوُ الشمس: حَرُّها. وحَمِيَت الشمسُ والنارُ تَحْمَى حَمْياً
وحُمِيّاً وحُمُوّاً، الأَخيرة عن اللحياني: اشتدَّ حَرُّها، وأَحْماها اللهُ،
عنه أَيضاً. الصحاح: اشْتَدَّ حَمْيُ الشمسِ وحَمْوُها بِمعْنىً.
وحَمَى الشيءَ حَمْياً وحِمىً وحِماية ومَحْمِيَة: منعه ودفع عنه. قال
سيبويه: لا يجيء هذا الضرب على مَفْعِلٍ إلا وفيه الهاء، لأَنه إن جاء
على مَفْعِلٍ بغير هاءٍ اعْتَلَّ فعدلوا إلى الأَخفِّ. وقال أَبو حنيفة:
حَمَيْتُ الأَرض حَمْياً وحِمْيَةً وحِمايَةً وحِمْوَةً، الأَخيرة نادرة
وإنما هي من باب أَشَاوي. والحِمْيَة والحِمَى: ما حُمِيَ من شيءٍ، يُمَدُّ
يقصر، وتثنيته حِمَيانِ على القياس وحِمَوان على غير قياس. وكلأٌ حِمىً:
مَحْمِيٌّ. وحَماه من الشيء وحَماه إيّاه؛ أَنشد سيبويه:
حَمَيْنَ العَراقِيبَ العَصا، فَتَرَكْنَه
به نَفَسٌ عَالٍ، مُخالِطُه بُهْرُ
وحَمَى المَريضَ ما يضرُّه حِمْيَةً: مَنَعَه إيَّاه؛ واحْتَمَى هو من
ذلك وتَحَمَّى: امْتَنَع. والحَمِيُّ:
المَريض الممنوع من الطعام والشراب؛ عن ابن الأَعرابي؛ وأَنشد:
وجْدي بصَخْرَةَ، لَوْ تَجْزِي المُحِبَّ به،
وَجْدُ الحَمِيِّ بماءٍ المُزْنةِ الصَّادي
واحْتَمَى المريضُ احْتِماءً من الأَطعمة. ويقال: حَمَيْتُ المريض وأَنا
أَحْمِيه حِمْيَةً وحِمْوَةً من الطعام، واحْتَمَيت من الطعام
احْتِماءً، وحَمَيْت القومَ حِماية، وحَمَى فلانٌ أَنْفَه يَحْمِيه حَمِيِّةً
ومَحْمِيَةً.
وفلان ذُو حَمِيَّةٍ مُنْكَرةَ إذا كان ذا غضب وأَنَفَةٍ. وحَمَى أَهلَه
في القِتال حِماية. وقال الليث: حَمِيتُ من هذا الشيءِ أَحْمَى مِنْه
حَمِيَّةً أَي أَنَفاً وغَيْظاً. وإنه لَرَجُل حَمِيٌّ: لا يَحْتَمِل
الضَّيْم، وحَمِيُّ الأَنْفِ. وفي حديث مَعْقِل بنِ يَسارٍ: فَحَمِيَ من ذلك
أَنَفاً أَي أَخَذَتْه الحَمِيَّة، وهي الأَنَفَة والغَيْرة. وحَمِيت عن
كذا حَمِيَّةً، بالتشديد، ومَحْمِيَة إذا أَنِفْت منه وداخَلَكَ عارٌ
وأَنَفَةٌ أَن تفْعَله. يقال: فلان أَحْمَى أَنْفاً وأَمْنَعُ ذِماراً من
فلان. وحَماهُ الناسَ يَحْمِيه إياهْم حِمىً وحِمايةً: منعه.
والحامِيَةُ: الرجلُ يَحْمِي أَصحابه في الحرب، وهم أَيضاً الجماعة
يَحْمُون أَنفُسَهم؛ قال لبيد:
ومَعِي حامِيةٌ من جَعْفرٍ،
كلَّ يوْمٍ نَبْتَلي ما في الخِلَلِ
وفلان على حامِية القوم أَي آخِرُ من يَحْمِيهِمْ في انْهِزامِهم.
وأَحْمَى المكانَ: جعله حِمىً لا يُقْرَب. وأَحْماهُ: وجَدَه حِمىً. الأَصمعي:
يقال حَمىَ فلان الأَرضَ يَحْمِيها حمىً لا يُقْرَب. الليث: الحِمَى
موضع فيه كَلأٌ يُحْمَى من الناس أَن يُرْعى.
وقال الشافعي، رضي الله تعالى عنه، في تفسير قوله، صلى الله عليه وسلم:
لا حِمَى إلا لله ولِرَسُولِه، قال: كان الشريف من العرب في الجاهلية إذا
نزل بلداً في عشيرته اسْتَعْوَى كَلْباً فحَمَى لخاصَّته مَدَى عُواءِ
الكَلْبِ لا يَشرَكُه فيه غيرهُ فلم يَرْعَه معه أَحد وكان شريكَ القوم في
سائر المرَاتع حَوْله، وقال: فنهى النبي، صلى الله عليه وسلم، أن
يُحْمَى على الناس حِمىً كما كانوا في الجاهلية يفعلون، قال: وقوله إلا لله
ولرسوله، يقول: إلا ما يُحْمَى لخيل المسلمين ورِكابِهِم التي تُرْصَد
للجهاد ويُحْمَل عليها في سبيل الله، وإبل الزكاة، كما حَمَى عمر النَّقِيع
لِنَعَمِ الصدقة والخيل المُعَدَّة في سبيل الله. وفي حديث أَبيَضَ بنِ
حَمّالٍ لا حِمَى في الأَراكَ، فقال أَبيَضُ: أَراكَةٌ في حِظاري أَي في
أَرضي، وفي رواية: أَنه سأَله عما يُحْمَى من الأَراك فقال ما لم تَنَلْهُ
أَخفافُ الإبلِ؛ معناه أَن الإبل تأْكل مُنْتَهى ما تصل إليه أَفواهها،
لأَنها إنما تصل إليه بمشيها على أَخفافها فيُحْمَى ما فوق ذلك، وقيل:
أَراد أَنه يُحْمَى من الأَراك ما بَعُدَ عن العِمارة ولم تبلغه الإبلُ
السارحة إذا أُرْسِلت في المَرْعَى، ويشبه أَن تكون هذه الأَراكة التي سأَل
عنها يوم أَحْيا الأَرضَ وحَظَر عليها قائمةَ فيها فأَحيا الأَرض فملكها
بالإحياء ولم يملك الأَراكة، فأَما الأَراك إذا نبت في مِلك رجل فإنه يحميه
ويمنع غيره منه؛ وقول الشاعر:
من سَراةِ الهِجانِ، صَلَّبَها العُضْـ
ض ورَعْيُ الحِمَى وطولُ الحِيال
رَعْيُ الحِمَى: يريد حِمَى ضَرِيَّة، وهو مَراعي إبل المُلوك وحِمَى
الرَّبَذَةِ دونَه. وفي حديث الإفْكِ: أَحْمِي سَمْعي وبصَري أَي
أَمنَعُهما من أَن أَنسُب إليهما ما لم يُدْرِكاه ومن العذاب لو كَذَبْت
عليهما.وفي حديث عائشة وذكَرَت عثمان: عَتَبْنا عليه موضع الغَمامة المُحْماةِ؛
تريد الحِمَى الذي حَماه. يقال: أَحْمَيْت المكان فهو مُحْمىً إذا جعلته
حِمىً، وجعلته عائشة، رضي الله عنها، موضعاً للغمامة لأَنها تسقيه
بالمطر والناس شُركاء فيما سقته السماء من الكَلإِ إذا لم يكن مملوكاً فلذلك
عَتَبُوا عليه. وقال أَبو زيد: حَمَيْتُ الحِمَى حَمْياً مَنَعْته، قال:
فإذا امتَنع منه الناسُ وعَرَفوا أَنه حِمىً قلت أَحمَيْتُه. وعُشْبٌ
حِمىً: مَحْمِيٌّ. قال ابن بري: يقال حَمَى مكانَه وأَحْماه؛ قال
الشاعر:حَمَى أَجَماتِه فتُرِكْنَ قَفْراً،
وأَحْمَى ما سِواه مِنَ الإجامِ
قال: ويقال أَحْمَى فلانٌ عِرْضَه؛ قال المُخَبَّلُ:
أَتَيْتَ امْرَأً أَحْمَى على الناسِ عِرْضَه،
فما زِلْتَ حتى أَنْتَ مُقْعٍ تُناضِلُهْ
فأَقْعِ كما أَقْعى أَبوكَ على اسْتِهِ،
رأَى أَنَّ رَيْماً فوْقَه لا يُعادِلُهْ
الجوهري: هذا شيءٌ حِمىً على فِعَلٍ أَي مَحْظُور لا يُقْرَب، وسمع
الكسائي في تثنية الحِمَى حِمَوانِ، قال: والوجه حِمَيانِ. وقيل لعاصم بن
ثابت الأَنصاري: حَمِيٌّ الدَّبْرِ، على فَعِيلٍ بمعنى مَفعول. وفلان حامي
الحقِيقةِ: مثل حامي الذِّمارِ، والجمع حُماةٌ وحامِية؛ وأَما قول
الشاعر:وقالوا: يالَ أَشْجَعَ يومَ هَيْجٍ،
ووَسْطَ الدارِ ضَرْباً واحْتِمايا
قال الجوهري: أَخرجه على الأَصل وهي لغة لبعض العرب؛ قال ابن بري: أَنشد
الأَصمعي لأَعْصُرَ بنِ سعدِ بن قيسِ عَيْلان:
إذا ما المَرْءُ صَمَّ فلمْ يُكَلَّمْ،
وأَعْيا سَمْعهُ إلا نِدَايا
ولاعَبَ بالعَشِيِّ بَني بَنِيهِ،
كفِعْلِ الهِرِّ يَحْتَرِشُ العَظايا
يُلاعِبُهُمْ، ووَدُّوا لوْ سَقَوْهُ
من الذَّيْفانِ مُتْرَعَةً إنايا
فلا ذاقَ النَّعِيمَ ولا شَراباً،
ولا يُعْطى منَ المَرَضِ الشِّفايا
وقال: قال أَبو الحسن الصِّقِلِّي حُمِلت أَلف النصب على هاء التأْنيث
بمقارنتها لها في المخرج ومشابهتها لها في الخفاء، ووجه ثان وهو أَنه إذا
قال الشفاءَا وقعت الهمزة بين أَلفين، فكرهها كما كرهها في عَظاءَا،
فقلبها ياءً حملاً على الجمع.
وحُمَّةُ الحَرِّ: مُعْظَمُه، بالتشديد.
وحامَيْتُ عنه مُحاماةً وحِماءً. يقال: الضَّرُوسُ تُحامي عن وَلدِها.
وحامَيْتُ على ضَيْفِي إذا احتَفَلْت له؛ قال الشاعر:
حامَوْا على أَضْيافِهِمْ، فشَوَوْا لَهُمْ
مِنْ لَحْمِ مُنْقِيَةٍ ومن أَكْبادِ
وحَمِيتُ عليه: غَضِبْتُ، والأُموي يهمزه. ويقال: حِماءٌ لك، بالمد، في
معنى فِداءٌ لك. وتحاماه الناس أَي توَقَّوْهُ واجتنبوه. وذهَبٌ حَسَنُ
الحَماءِ، ممدود: خرج من الحَماءِ حسَناً. ابن السكيت: وهذا ذهَبٌ جيِّدٌ
يخرج من الإحْماءِ، ولا يقال على الحَمَى لأَنه من أَحمَيْتُ. وحَمِيَ من
الشيء حَمِيَّةً ومَحْمِيَةً: أَنِفَ، ونظير المَحْمِيَة المَحْسِبةُ من
حَسِب، والمَحْمِدة من حَمِدَ، والمَوْدِدة من وَدَّ، والمَعْصِيةُ من
عَصَى. واحْتَمى في الحرب: حَمِيَتْ نَفْسهُ. ورجل حَمِيٌّ: لا يحتمل
الضَّيْمَ، وأَنْفٌ حَمِيٌّ من ذلك. قال اللحياني: يقال حَمِيتُ في الغضب
حُمِيّاً. وحَمِيَ النهار، بالكسر، وحَمِيَ التنور حُمِيّاً فيهما أَي
اشتدَّ حَرُّه. وفي حديث حُنَيْنٍ: الآن حَميَ الوَطِيسُ؛ التَّنُّورُ وهو
كناية عن شدَّة الأَمر واضْطِرامِ الحَرْبِ؛ ويقال: هذه الكلمة أوَّلُ من
قالها النبي، صلى الله عليه وسلم، لما اشْتَدَّ البأْسُ يومَ حُنَيْنٍ ولم
تُسْمَعُ قَبْله، وهي من أَحسن الاستعارات. وفي الحديث: وقِدْرُ القَوْمِ
حامِيةٌ تَفُور أَي حارَّة تَغْلي، يريد عِزَّةَ جانبِهم وشدَّةَ
شَوْكَتِهم. وحَمِيَ الفرسُ حِمىً: سَخُنَ وعَرِقَ يَحْمَى حَمْياً، وحَمْيُ
الشَّدِّ مثله؛ قال الأَعشى:
كَأَنَّ احْتِدامَ الجَوْفِ من حَمْيِ شَدِّه،
وما بَعْدَه مِنْ شَدّه، غَلْيُ قُمْقُمِ
ويجمع حَمْيُ الشَّدّ أَحْماءً؛ قال طَرَفَة:
فهي تَرْدِي، وإذا ما فَزِعَتْ
طارَ من أَحْمائِها شَدّ الأُزُرْ
وحِميَ المِسْمارُ وغيره في النار حَمْياً وحُمُوّاً: سَخُنَ،
وأَحْمَيْتُ الحديدة فأَنا أُحْمِيها إحْماءً حتى حَمِيَتْ تَحْمَى. ابن السكيت:
أَحْمَيْتُ المسمار إحْماء فأَنا أُحْمِيهِ. وأَحْمَى الحديدةَ وغيرها في
النار: أَسْخَنَها، ولا يقال حَمَيْتها.
والحُمَة: السَّمُّ؛ عن اللحياني، وقال بعضهم: هي الإبْرة التي تَضْرِبُ
بها الحَيّةُ والعقرب والزُّنْبور ونحو ذلك أَو تَلْدَغُ بها، وأَصله
حُمَوٌ أَو حُمَيٌ، والهاء عوض، والجمع حُماتٌ وحُمىً. الليث: الحُمَةُ في
أَفواه العامَّة إبْرةُ العَقْرب والزُّنْبور ونحوه، وإنما الحُمَةُ
سَمُّ كل شيء يَلْدَغُ أَو يَلْسَعُ.
ابن الأَعرابي: يقال لسَمّ العقرب الحُمَةُ والحُمَّةُ. وقال الأَزهري:
لم يسمع التشديد في الحُمَّة إلا لابن الأَعرابي، قال: وأَحسبه لم يذكره
إلا وقد حفظه. الجوهري: حُمَةُ العقرب سمها وضرها، وحُمَة البَرْدِ
شِدَّته.
والحُمَيَّا: شِدَّةُ الغضب وأَوَّلُه. ويقال: مضى فلان في حَمِيَّتهِ
أَي في حَمْلَته. ويقال: سارَتْ فيه حُمَيَّا الكَأْسِ أَي سَوْرَتُها،
ومعنى سارَت ارتفعت إلى رأْسه. وقال الليث: الحُمَيَّا بُلُوغ الخَمْر من
شاربها. أَبو عبيد: الحُمَيَّا دَبِيبُ الشَّراب. ابن سيده: وحُمَيَّا
الكأْسِ سَوْرَتُها وشدَّتها، وقيل: أَوَّلُ سَوْرتها وشدَّتها، وقيل:
إسْكارُها وحِدَّتُها وأَخذُها بالرأْس. وحُمُوَّة الأَلَمِ: سَوْرَته.
وحُمَيّا كُلّ شيء: شِدَّته وحِدَّته. وفَعَل ذلك في حُمَيَّا شَبابه أَي في
سَوْرته ونَشاطه؛ ويُنْشَد:
ما خِلْتُني زِلْتُ بَعْدَكُمْ ضَمِناً،
أََشْكُو إلَيْكُمْ حُمُوَّةَ الأَلَمِ
وفي الحديث: أَنَّه رَخَّصَ في الرُُّقْيَةِ من الحُمَة، وفي رواية: من
كُلِّ ذي حُمَة. وفي حديث الدجال: وتُنْزَع حُمَةُ كُلِّ دابَّة أَي
سَمُّها؛ قال ابن الأَثير: وتطلق على إبرة العقرب للمجاورة لأَن السم منها
يخرج. ويقال: إنه لَشديد الحُمَيَّا أَي شديد النَّفْسِ والغَضَب. وقال
الأَصمعي: إنه لحامِي الحُمَيَّا أَي يَحْمِي حَوْزَتَه وما وَلِيَه؛
وأَنشد:حَامِي الحُمَيَّا مَرِسُ الضَّرِير
والحَامِيَةُ: الحجارةُ التي تُطْوَى بها البئر. ابن شميل: الحَوامي
عِظامُ الحجارة وثِقالها، والواحدة حامِيَةٌ. والحَوَامِي: صَخْرٌ عِظامٌ
تُجْعَل في مآخِير الطَّيِّ أَن يَنْقَلِعَ قُدُماً، يَحْفِرون له نِقَاراً
فيَغْمزونه فيه فلا يَدَعُ تُراباً ولا يَدْنُو من الطَّيِّ فيدفعه.
وقال أَبو عمرو: الحَوامِي ما يَحْمِيه من الصَّخْر، واحدتها حامِيَة. وقال
ابن شميل: حجارة الرَّكِيَّة كُلُّها حَوَامٍ، وكلها على حِذَاءٍ واحدٍ،
ليس بعضها بأَعظم من بعض، والأَثافِي الحَوامِي أَيضاً، واحدتها حاميةٌ؛
وأَنشد شمر:
كأَنَّ دَلْوَيَّ، تَقَلَّبانِ
بينَ حَوَامِي الطَّيِّ ، أَرْنَبانِ
والحَوامِي: مَيامِنُ الحَافِر ومَياسِرهُ. والحَامِيَتانِ: ما عن
اليمين والشمال من ذلك. وقال الأَصمعي: في الحَوافر الحَوَامِي، وهي حروفها من
عن يمين وشمال؛ وقال أَبو دُوادٍ:
لَهُ، بَيْنَ حَوامِيهِ،
نُسُورٌ كَنَوَى القَسْبِ
وقال أَبو عبيدة: الحَامِيَتانِ ما عن يمين السُّنْبُك وشُماله.
والحَامِي: الفَحْلُ من الإبل يَضْرِبُ الضِّرَابَ المعدودَ قيل عشرة أَبْطُن،
فإذا بلغ ذلك قالوا هذا حامٍ أَي حَمَى ظَهْرَه فيُتْرَك فلا ينتفع منه
بشيء ولا يمنع من ماء ولا مَرْعىً. الجوهري: الحامي من الإبل الذي طال مكثه
عندهم. قال الله عز وجل: ما جعل الله من بَحِيرةٍ ولا سائبة ولا
وَصِيلةٍ ولا حامٍ؛ فأَعْلَم أَنه لم يُحَرِّمْ شيئاً من ذلك؛ قال:
فَقَأْتُ لها عَيْنَ الفَحِيلِ عِيافَةً،
وفيهنَّ رَعْلاء المَسامِعِ والْحامي
قال الفراء: إذا لَقِحَ ولَد وَلَدهِ فقد حَمَى ظَهْرَه ولا يُجَزُّ له
وَبَر ولا يُمْنَع من مَرْعىً.
واحْمَوْمَى الشيءُ: اسودَّ كالليل والسحاب؛ قال:
تَأَلَّقَ واحْمَوْمَى وخَيَّم بالرُّبَى
أَحَمُّ الذُّرَى ذو هَيْدَب مُتَراكِب
وقد ذكر هذا في غير هذا المكان. الليث: احْمَوْمَى من الشيء فهو
مُحْمَوْمٍ، يُوصف به الأَسْوَدُ من نحو الليل والسحاب. والمُحْمَوْمِي من
السحاب: المُتَراكم الأَسْوَدُ.
وحَمَاةُ: موضع؛ قال امرؤ القيس:
عَشيَّةَ جَاوَزْنا حَمَاةَ وشَيْزَرا
(* وصدر البيت:
تقطَّعُ أسبابُ اللُّبانة، والهوى).
وقوله أَنشده يعقوب:
ومُرْهَقٍ سَالَ إمْتاعاً بوُصدَته
لم يَسْتَعِنْ، وحَوامِي المَوْتِ تَغْشَاهُ
قال: إنما أَراد حَوائِم من حامَ يَحُومُ فقلب، وأَراد بسَال سَأَلَ،
فإما أَن يكون أَبدل، وإما أَن يريد لغة من قال سَلْتَ تَسَالُ.
نفس: النَّفْس: الرُّوحُ، قال ابن سيده: وبينهما فرق ليس من غرض هذا
الكتاب، قال أَبو إِسحق: النَّفْس في كلام العرب يجري على ضربين: أَحدهما
قولك خَرَجَتْ نَفْس فلان أَي رُوحُه، وفي نفس فلان أَن يفعل كذا وكذا أَي
في رُوعِه، والضَّرْب الآخر مَعْنى النَّفْس فيه مَعْنى جُمْلَةِ الشيء
وحقيقته، تقول: قتَل فلانٌ نَفْسَه وأَهلك نفسه أَي أَوْقَتَ الإِهْلاك
بذاته كلِّها وحقيقتِه، والجمع من كل ذلك أَنْفُس ونُفُوس؛ قال أَبو خراش
في معنى النَّفْس الروح:
نَجَا سالِمٌ والنَّفْس مِنْه بِشِدقِهِ،
ولم يَنْجُ إِلا جَفْنَ سَيفٍ ومِئْزَرَا
قال ابن بري: الشعر لحذيفة بن أَنس الهذلي وليس لأَبي خراش كما زعم
الجوهري، وقوله نَجَا سَالِمٌ ولم يَنْجُ كقولهم أَفْلَتَ فلانٌ ولم يُفْلِتْ
إِذا لم تعدّ سلامتُه سلامةً، والمعنى فيه لم يَنْجُ سالِمٌ إِلا بجفن
سيفِه ومئزرِه وانتصاب الجفن على الاستثناء المنقطع أَي لم ينج سالم إِلا
جَفْنَ سيف، وجفن السيف منقطع منه، والنفس ههنا الروح كما ذكر؛ ومنه
قولهم: فَاظَتْ نَفْسُه؛ وقال الشاعر:
كادَت النَّفْس أَنْ تَفِيظَ عَلَيْهِ،
إِذْ ثَوَى حَشْوَ رَيْطَةٍ وبُرُودِ
قال ابن خالويه: النَّفْس الرُّوحُ، والنَّفْس ما يكون به التمييز،
والنَّفْس الدم، والنَّفْس الأَخ، والنَّفْس بمعنى عِنْد، والنَّفْس قَدْرُ
دَبْغة. قال ابن بري: أَما النَّفْس الرُّوحُ والنَّفْسُ ما يكون به
التمييز فَشاهِدُهُما قوله سبحانه: اللَّه يَتَوفَّى الأَنفُس حين مَوتِها،
فالنَّفْس الأُولى هي التي تزول بزوال الحياة، والنَّفْس الثانية التي تزول
بزوال العقل؛ وأَما النَّفْس الدم فشاهده قول السموأَل:
تَسِيلُ على حَدِّ الظُّبَّاتِ نُفُوسُنَا،
ولَيْسَتْ عَلى غَيْرِ الظُّبَاتِ تَسِيلُ
وإِنما سمي الدم نَفْساً لأَن النَّفْس تخرج بخروجه، وأَما النَّفْس
بمعنى الأَخ فشاهده قوله سبحانه: فإِذا دخلتم بُيُوتاً فسلموا على
أَنْفُسِكم، وأَما التي بمعنى عِنْد فشاهده قوله تعالى حكاية عن عيسى، على نبينا
محمد وعليه الصلاة والسلام: تعلم ما في نفسي ولا أَعلم ما في نفسك؛ أَي
تعلم ما عندي ولا أَعلم ما عندك، والأَجود في ذلك قول ابن الأَنباري: إِن
النَّفْس هنا الغَيْبُ، أَي تعلم غيبي لأَن النَّفْس لما كانت غائبة
أُوقِعَتْ على الغَيْبِ، ويشهد بصحة قوله في آخر الآية قوله: إِنك أَنت
عَلاَّمُ الغُيُوب، كأَنه قال: تعلم غَّيْبي يا عَلاَّم الغُيُوبِ. والعرب قد
تجعل النَّفْس التي يكون بها التمييز نَفْسَيْن، وذلك أَن النَّفْس قد
تأْمره بالشيء وتنهى عنه، وذلك عند الإِقدام على أَمر مكروه، فجعلوا التي
تأْمره نَفْساً وجعلوا التي تنهاه كأَنها نفس أُخرى؛ وعلى ذلك قول
الشاعر:يؤَامِرُ نَفْسَيْهِ، وفي العَيْشِ فُسْحَةٌ،
أَيَسْتَرْجِعُ الذُّؤْبَانَ أَمْ لا يَطُورُها؟
وأَنشد الطوسي:
لمْ تَدْرِ ما لا؛ ولَسْتَ قائِلَها،
عُمْرَك ما عِشْتَ آخِرَ الأَبَدِ
وَلمْ تُؤَامِرْ نَفْسَيْكَ مُمْتَرياً
فِيهَا وفي أُخْتِها، ولم تَكَدِ
وقال آخر:
فَنَفْسَايَ نَفسٌ قالت: ائْتِ ابنَ بَحْدَلٍ،
تَجِدْ فَرَجاً مِنْ كلِّ غُمَّى تَهابُها
ونَفْسٌ تقول: اجْهَدْ نجاءك، لا تَكُنْ
كَخَاضِبَةٍ لم يُغْنِ عَنْها خِضَابُهَا
والنَّفْسُ يعبَّر بها عن الإِنسان جميعه كقولهم: عندي ثلاثة أَنْفُسٍ.
وكقوله تعالى: أَن تقول نَفْسٌ يا حَسْرَتا على ما فَرَّطْتُ في جنب
اللَّه؛ قال ابن سيده: وقوله تعالى: تعلم ما في نفسي ولا أَعلم ما في نفسك؛
أَي تعلم ما أَضْمِرُ ولا أَعلم ما في نفسك أَي لا أَعلم ما حقِيقَتُك ولا
ما عِنْدَكَ عِلمُه، فالتأَويل تعلَمُ ما أَعلَمُ ولا أَعلَمُ ما
تعلَمُ. وقوله تعالى: ويحذِّرُكم اللَّه نَفْسَه؛ أَي يحذركم إِياه، وقوله
تعالى: اللَّه يتوفى الأَنفس حين موتها؛ روي عن ابن عباس أَنه قال: لكل
إسنسان نَفْسان: إِحداهما نفس العَقْل الذي يكون به التمييز، والأُخرى نَفْس
الرُّوح الذي به الحياة. وقال أَبو بكر بن الأَنباري: من اللغويين من
سَوَّى النَّفْس والرُّوح وقال هما شيء واحد إِلا أَن النَّفْس مؤنثة
والرُّوح مذكر، قال: وقال غيره الروح هو الذي به الحياة، والنفس هي التي بها
العقل، فإِذا نام النائم قبض اللَّه نَفْسه ولم يقبض رُوحه، ولا يقبض الروح
إِلا عند الموت، قال: وسميت النَّفْسُ نَفْساً لتولّد النَّفَسِ منها
واتصاله بها، كما سَّموا الرُّوح رُوحاً لأَن الرَّوْحَ موجود به، وقال
الزجاج: لكل إِنسان نَفْسان: إِحداهما نَفْس التمييز وهي التي تفارقه إِذا
نام فلا يعقل بها يتوفاها اللَّه كما قال اللَّه تعالى، والأُخرى نفس
الحياة وإِذا زالت زال معها النَّفَسُ، والنائم يَتَنَفَّسُ، قال: وهذا الفرق
بين تَوَفِّي نَفْس النائم في النوم وتَوفِّي نَفْس الحيّ؛ قال: ونفس
الحياة هي الرُّوح وحركة الإِنسان ونُمُوُّه يكون به، والنَّفْس الدمُ؛ وفي
الحديث: ما لَيْسَ له نَفْس سائلة فإِنه لا يُنَجِّس الماء إِذا مات
فيه، وروي عن النخعي أَنه قال: كلُّ شيء له نَفْس سائلة فمات في الإِناء
فإِنه يُنَجِّسه، أَراد كل شيء له دم سائل، وفي النهاية عنه: كل شيء ليست له
نَفْس سائلة فإِنه لا يُنَجِّس الماء إِذا سقط فيه أَي دم سائل.
والنَّفْس: الجَسَد؛ قال أَوس بن حجر يُحَرِّض عمرو بن هند على بني حنيفة وهم
قتَلَة أَبيه المنذر بن ماء السماء يوم عَيْنِ أَباغٍ ويزعم أَن عَمْرو ابن
شمر
(* قوله «عمرو بن شمر» كذا بالأصل وانظره مع البيت الثاني فإنه يقتضي
العكس.) الحنفي قتله:
نُبِّئْتُ أَن بني سُحَيْمٍ أَدْخَلوا
أَبْياتَهُمْ تامُورَ نَفْس المُنْذِر
فَلَبئسَ ما كَسَبَ ابنُ عَمرو رَهطَهُ
شمرٌ وكان بِمَسْمَعٍ وبِمَنْظَرِ
والتامُورُ: الدم، أَي حملوا دمه إِلى أَبياتهم ويروى بدل رهطه قومه
ونفسه. اللحياني: العرب تقول رأَيت نَفْساً واحدةً فتؤنث وكذلك رأَيت
نَفْسَين فإِذا قالوا رأَيت ثلاثة أَنفُس وأَربعة أَنْفُس ذَكَّرُوا، وكذلك
جميع العدد، قال: وقد يجوز التذكير في الواحد والاثنين والتأْنيث في الجمع،
قال: حكي جميع ذلك عن الكسائي، وقال سيبويه: وقالوا ثلاثة أَنْفُس
يُذكِّرونه لأَن النَّفْس عندهم إنسان فهم يريدون به الإِمنسان، أَلا ترى أَنهم
يقولون نَفْس واحد فلا يدخلون الهاء؟ قال: وزعم يونس عن رؤبة أَنه قال
ثلاث أَنْفُس على تأْنيث النَّفْس كما تقول ثلاث أَعْيُنٍ للعين من الناس،
وكما قالوا ثلاث أَشْخُصٍ في النساء؛ وقال الحطيئة:
ثلاثَةُ أَنْفُسٍ وثلاثُ ذَوْدٍ،
لقد جار الزَّمانُ على عِيالي
وقوله تعالى: الذي خلقكم من نَفْس واحدة؛ يعي آدم، عليه السلام، وزوجَها
يعني حواء. ويقال: ما رأَيت ثمَّ نَفْساً أَي ما رأَيت أَحداً. وقوله في
الحديث: بُعِثْتُ في نَفَس الساعة أَي بُعِثْتُ وقد حان قيامُها وقَرُبَ
إِلا أَن اللَّه أَخرها قليلاً فبعثني في ذلك النَّفَس، وأَطلق النَّفَس
على القرب، وقيل: معناه أَنه جعل للساعة نَفَساً كَنَفَس الإِنسان،
أَراد: إِني بعثت في وقت قريب منها، أَحُس فيه بنَفَسِها كما يَحُس بنَفَس
الإِنسان إِذا قرب منه، يعني بعثت في وقتٍ بانَتْ أَشراطُها فيه وظهرت
علاماتها؛ ويروى: في نَسَمِ الساعة، وسيأْتي ذكره والمُتَنَفِّس: ذو
النَّفَس. ونَفْس الشيء: ذاته؛ ومنه ما حكاه سيبويه من قولهم نزلت بنَفْس الجيل،
ونَفْسُ الجبل مُقابِلي، ونَفْس الشيء عَيْنه يؤكد به. يقال: رأَيت
فلاناً نَفْسه، وجائني بَنَفْسِه، ورجل ذو نَفس أَي خُلُق وجَلَدٍ، وثوب ذو
نَفس أَي أَكْلٍ وقوَّة. والنَّفْس: العَيْن. والنَّافِس: العائن.
والمَنْفوس: المَعْيون. والنَّفُوس: العَيُون الحَسُود المتعين لأَموال الناس
ليُصيبَها، وما أَنْفَسه أَي ما أَشدَّ عينه؛ هذه عن اللحياني.ويقال: أَصابت
فلاناً نَفْس، ونَفَسْتُك بنَفْس إِذا أَصَبْتَه بعين. وفي الحديث: نهى
عن الرُّقْيَة إِلا في النَّمْلة والحُمَة والنَّفْس؛ النَّفْس: العين،
هو حديث مرفوع إِلى النبي، صلى اللَّه عليه وسلم، عن أَنس. ومنه الحديث:
أَنه مسح بطنَ رافع فأَلقى شحمة خَضْراء فقال: إِنه كان فيها أَنْفُس
سَبْعَة، يريد عيونهم؛ ومنه حديث ابن عباس: الكِلابُ من الجِنِّ فإِن
غَشِيَتْكُم عند طعامكم فأَلقوا لهن فإِن لهن أَنْفُساً أَي أَعْيناً. ويقالُ:
نَفِس عليك فلانٌ يَنْفُسُ نَفَساً ونَفاسَةً أَي حَسَدك. ابن الأَعرابي:
النَّفْس العَظَمَةُ والكِبر والنَّفْس العِزَّة والنَّفْس الهِمَّة
والنَّفْس عين الشيء وكُنْهُه وجَوْهَره، والنَّفْس الأَنَفَة والنَّفْس
العين التي تصيب المَعِين.
والنَّفَس: الفَرَج من الكرب. وفي الحديث: لا تسبُّوا الريح فإِنها من
نَفَس الرحمن، يريد أَنه بها يُفرِّج الكربَ ويُنشِئ السحابَ ويَنشر
الغيث ويُذْهب الجدبَ، وقيل: معناه أَي مما يوسع بها على الناس، وفي الحديث:
أَنه، صلى اللَّه عليه وسلم، قال: أَجد نَفَس ربكم من قِبَلِ اليمن، وفي
رواية: أَجد نَفَس الرحمن؛ يقال إِنه عنى بذلك الأَنصار لأَن اللَّه عز
وجل نَفَّس الكربَ عن المؤمنين بهم، وهم يَمانُونَ لأَنهم من الأَزد،
ونَصَرهم بهم وأَيدهم برجالهم، وهو مستعار من نَفَس الهواء الذي يَرُده
التَّنَفُّس إِلى الجوف فيبرد من حرارته ويُعَدِّلُها، أَو من نَفَس الريح
الذي يَتَنَسَّمُه فيَسْتَرْوِح إِليه، أَو من نفَس الروضة وهو طِيب روائحها
فينفرج به عنه، وقيل: النَّفَس في هذين الحديثين اسم وضع موضع المصدر
الحقيقي من نَفّسَ يُنَفِّسُ تَنْفِيساً ونَفَساً،كما يقال فَرَّجَ
يُفَرِّجُ تَفْريجاً وفَرَجاً، كأَنه قال: اَجد تَنْفِيسَ ربِّكم من قِبَلِ
اليمن، وإِن الريح من تَنْفيس الرحمن بها عن المكروبين، والتَّفْريج مصدر
حقيقي، والفَرَج اسم يوضع موضع المصدر؛ وكذلك قوله: الريح من نَفَس الرحمن
أَي من تنفيس اللَّه بها عن المكروبين وتفريجه عن الملهوفين. قال العتبي:
هجمت على واد خصيب وأَهله مُصْفرَّة أَلوانهم فسأَلتهم عن ذلك فقال شيخ
منهم: ليس لنا ريح. والنَّفَس: خروج الريح من الأَنف والفم، والجمع
أَنْفاس. وكل تَرَوُّح بين شربتين نَفَس.
والتَنَفُّس: استمداد النَفَس، وقد تَنَفَّس الرجلُ وتَنَفَّس
الصُّعَداء، وكلّ ذي رِئَةٍ مُتَنَفِّسٌ، ودواب الماء لا رِئاتَ لها. والنَّفَس
أَيضاً: الجُرْعَة؛ يقال: أَكْرَع في الإِناء نَفَساً أَو نَفَسَين أَي
جُرْعة أَو جُرْعَتين ولا تزد عليه، والجمع أَنفاس مثل سبب وأَسباب؛ قال
جرجر:
تُعَلِّلُ، وَهْيَ ساغِبَةٌ، بَنِيها
بأَنْفاسٍ من الشَّبِمِ القَراحِ
وفي الحديث: نهى عن التَّنَفُّسِ في الإِناء. وفي حديث آخر: أَنه كان
يَتَنفّسُ في الإِناء ثلاثاً يعني في الشرب؛ قال الأَزهري: قال بعضهم
الحديثان صحيحان. والتَنَفُّس له معنيان: أَحدهما أَن يشرب وهو يَتَنَفَّسُ في
الإِناء من غير أَن يُبِينَه عن فيه وهو مكروه، والنَّفَس الآخر أَن
يشرب الماء وغيره من الإِناء بثلاثة أَنْفاسٍ يُبينُ فاه عن الإِناء في كل
نَفَسٍ. ويقال: شراب غير ذي نَفَسٍ إِذا كان كَرِيه الطعم آجِناً إِذا
ذاقه ذائق لم يَتَنَفَّس فيه، وإِنما هي الشربة الأُولى قدر ما يمسك رَمَقَه
ثم لا يعود له؛ وقال أَبو وجزة السعدي:
وشَرْبَة من شَرابٍ غَيْرِ ذي نََفَسٍ،
في صَرَّةٍ من نُجُوم القَيْظِ وهَّاجِ
ابن الأَعرابي: شراب ذو نَفَسٍ أَي فيه سَعَةٌ وريٌّ؛ قال محمد بن
المكرم: قوله النَّفَس الجُرْعة، وأَكْرَعْ في الإِناء نَفَساً أَو نَفَسين
أَي جُرْعة أَو جُرْعتين ولا تزد عليه، فيه نظر، وذلك أَن النّفَس الواحد
يَجْرع الإِنسانُ فيه عِدَّة جُرَع، يزيد وينقص على مقدار طول نَفَس
الشارب وقصره حتى إِنا نرى الإِنسان يشرب الإِناء الكبير في نَفَس واحد علة
عدة جُرَع. ويقال: فلان شرب الإِناء كله على نَفَس واحد، واللَّه أَعلم.
ويقال: اللهم نَفِّس عني أَي فَرِّج عني ووسِّع عليَّ، ونَفَّسْتُ عنه
تَنْفِيساً أَي رَفَّهْتُ. يقال: نَفَّس اللَّه عنه كُرْبته أَي فرَّجها.
وفي الحديث: من نَفَّسَ عن مؤمن كُرْبة نَفَّسَ اللَّه عنه كرْبة من
كُرَب الآخرة، معناه من فَرَّجَ عن مؤمن كُربة في الدنيا فرج اللَّه عنه
كُرْبة من كُرَب يوم القيامة. ويقال: أَنت في نَفَس من أَمرك أَي سَعَة،
واعمل وأَنت في نَفَس من أَمرك أَي فُسحة وسَعة قبل الهَرَم والأَمراض
والحوادث والآفات. والنَّفَس: مثل النَّسيم، والجمع أَنْفاس.
ودارُك أَنْفَسُ من داري أَي أَوسع. وهذا الثوب أَنْفَسُ من هذا أَي
أَعرض وأَطول وأَمثل. وهذا المكان أَنْفَسُ من هذا أَي أَبعد وأَوسع. وفي
الحديث: ثم يمشي أَنْفَسَ منه أَي أَفسح وأَبعد قليلاً. ويقال: هذا المنزل
أَنْفَس المنزلين أَي أَبعدهما، وهذا الثوب أَنْفَس الثوبين أَي أَطولهما
أَو أَعرضهما أَو أَمثلهما.
ونَفَّس اللَّه عنك أَي فرَّج ووسع. وفي الحديث: من نَفَّس عن غريمه أَي
أَخَّر مطالبته. وفي حديث عمار: لقد أَبْلَغْتَ وأَوجَزْتَ فلو كنت
تَنَفَّسْتَ أَي أَطلتَ؛ وأَصله أَن المتكلم إِذا تَنَفَّسَ استأْنف القول
وسهلت عليه الإِطالة. وتَنَفَّسَتْ دَجْلَةُ إِذا زاد ماؤها. وقال
اللحياني: إِن في الماء نَفَساً لي ولك أَي مُتَّسَعاً وفضلاً، وقال ابن
الأَعرابي: أَي رِيّاً؛ وأَنشد:
وشَربة من شَرابٍ غيرِ ذِي نَفَسٍ،
في كَوْكَبٍ من نجوم القَيْظِ وضَّاحِ
أَي في وقت كوكب. وزدني نَفَساً في أَجلي أَي طولَ الأَجل؛ عن اللحياني.
ويقال: بين الفريقين نَفَس أَي مُتَّسع. ويقال: لك في هذا الأَمر
نُفْسَةٌ أَي مُهْلَةٌ. وتَنَفَّسَ الصبحُ أَي تَبَلَّج وامتدَّ حتى يصير
نهاراً بيّناً. وتَنَفَّس النهار وغيره: امتدَّ وطال. ويقال للنهار إِذا زاد:
تَنَفَّسَ، وكذلك الموج إِذا نَضحَ الماءَ. وقال اللحياني: تَنَفَّس
النهار انتصف، وتنَفَّس الماء. وقال اللحياني: تَنَفَّس النهار انتصف،
وتنَفَّس أَيضاً بَعُدَ، وتنَفَّس العُمْرُ منه إِما تراخى وتباعد وإِما اتسع؛
أَنشد ثعلب:
ومُحْسِبة قد أَخْطأَ الحَقُّ غيرَها،
تَنَفَّسَ عنها جَنْبُها فهي كالشِّوا
وقال الفراء في قوله تعالى: والصبح إِذا تَنَفَّسَ، قال: إِذا ارتفع
النهار حتى يصير نهاراً بيّناً فهو تَنَفُّسُ الصبح. وقال مجاهد: إِذا
تَنَفَّس إِذا طلع، وقال الأَخفش: إِذا أَضاء، وقال غيره: إِذا تنَفَّس إِذا
انْشَقَّ الفجر وانْفَلق حتى يتبين منه. ويقال: كتبت كتاباً نَفَساً أَي
طويلاً؛ وقول الشاعر:
عَيْنَيَّ جُودا عَبْرَةً أَنْفاسا
أَي ساعة بعد ساعة. ونَفَسُ الساعة: آخر الزمان؛ عن كراع.
وشيء نَفِيسٌ أَي يُتَنافَس فيه ويُرْغب. ونَفْسَ الشيء، بالضم،
نَفاسَةً، فهو نَفِيسٌ ونافِسٌ: رَفُعَ وصار مرغوباً فيه، وكذلك رجل نافِسٌ
ونَفِيسٌ، والجمع نِفاسٌ. وأَنْفَسَ الشيءُ: صار نَفيساً. وهذا أَنْفَسُ مالي
أَي أَحَبُّه وأَكرمه عندي. وقال اللحياني: النَّفِيسُ والمُنْفِسُ
المال الذي له قدر وخَطَر، ثم عَمَّ فقال: كل شيء له خَطَرٌ وقدر فهو نَفِيسٌ
ومُنْفِس؛ قال النمر بن تولب:
لا تَجْزَعي إِنْ مُنْفِساً أَهْلَكْتُه،
فإِذا هَلَكْتُ، فعند ذلك فاجْزَعي
وقد أَنْفَسَ المالُ إِنْفاساً ونَفُس نُفُوساً ونَفاسَةً. ويقال: إِن
الذي ذكَرْتَ لمَنْفُوس فيه أَي مرغوب فيه. وأَنْفَسَني فيه ونَفَّسَني:
رغَّبني فيه؛ الأَخيرة عن ابن الأَعرابي؛ وأَنشد:
بأَحْسَنَ منه يومَ أَصْبَحَ غادِياً،
ونفَّسَني فيه الحِمامُ المُعَجَّلُ
أَي رغَّبني فيه. وأَمر مَنْفُوس فيه: مرغوب. ونَفِسْتُ عليه الشيءَ
أَنْفَسُه نَفاسَةً إِذا ضَنِنْتَ به ولم تحب أَن يصل إِليه. ونَفِسَ عليه
بالشيء نَفَساً، بتحريك الفاء، ونَفاسَةً ونَفاسِيَةً، الأَخيرة نادرة:
ضَنَّ. ومال نَفِيس: مَضْمون به. ونَفِسَ عليه بالشيء، بالكسر: ضَنَّ به
ولم يره يَسْتأْهله؛ وكذلك نَفِسَه عليه ونافَسَه فيه؛ وأَما قول
الشاعر:وإِنَّ قُرَيْشاً مُهْلكٌ مَنْ أَطاعَها،
تُنافِسُ دُنْيا قد أَحَمَّ انْصِرامُها
فإِما أَن يكون أَراد تُنافِسُ في دُنْيا، وإِما أَن يريد تُنافِسُ
أَهلَ دُنْيا. ونَفِسْتَ عليَّ بخيرٍ قليل أَي حسدت.
وتَنافَسْنا ذلك الأَمر وتَنافَسْنا فيه: تحاسدنا وتسابقنا. وفي التنزيل
العزيز: وفي ذلك فَلْيَتَنافَس المُتَنافِسون أَي وفي ذلك فَلْيَتَراغَب
المتَراغبون. وفي حديث المغيرة: سَقِيم النِّفاسِ أَي أَسْقَمَتْه
المُنافَسة والمغالبة على الشيء. وفي حديث إِسمعيل، عليه السلام: أَنه
تَعَلَّم العربيةَ وأَنْفَسَهُمْ أَي أَعجبهم وصار عندهم نَفِيساً. ونافَسْتُ في
الشيء مُنافَسَة ونِفاساً إِذا رغبت فيه على وجه المباراة في الكرم.
وتَنافَسُوا فيه أَي رغبوا. وفي الحديث: أَخشى أَن تُبْسط الدنيا عليكم كما
بُسِطَتْ على من كان قبلكم فتَنافَسوها كما تَنافَسُوها؛ هو من
المُنافَسَة الرغبة في الشيء والــانفرادية، وهو من الشيء النَّفِيسِ الجيد في
نوعه.ونَفِسْتُ بالشيء، بالكسر، أَي بخلت. وفي حديث علي، كرم اللَّه وجهه:
لقد نِلْتَ صِهْرَ رسول اللَّه، صلى اللَّه عليه وسلم، فما نَفِسْناه عليك.
وحديث السقيفة: لم نَنْفَسْ عليك أَي لم نبخل.
والنِّفاسُ: ولادة المرأَة إِذا وضَعَتْ، فهي نُفَساءٌ. والنَّفْسُ:
الدم. ونُفِسَت المرأَة ونَفِسَتْ، بالكسر، نَفَساً ونَفاسَةً ونِفاساً وهي
نُفَساءُ ونَفْساءُ ونَفَساءُ: ولدت. وقال ثعلب: النُّفَساءُ الوالدة
والحامل والحائض، والجمع من كل ذلك نُفَساوات ونِفاس ونُفاس ونُفَّس؛ عن
اللحياني، ونُفُس ونُفَّاس؛ قال الجوهري: وليس في الكلام فُعَلاءُ يجمع على
فعالٍ غير نُفَسَاء وعُشَراءَ، ويجمع أَيضاً على نُفَساوات وعُشَراوات؛
وامرأَتان نُفساوان، أَبدلوا من همزة التأْنيث واواً. وفي الحديث: أَن
أَسماء بنت عُمَيْسٍ نُفِسَتْ بمحمد بن أَبي بكر أَي وضَعَت؛ ومنه الحديث:
فلما تَعَلَّتْ من نِفاسها أَي خرجت من أَيام ولادتها. وحكى ثعلب:
نُفِسَتْ ولداً على فعل المفعول. وورِثَ فلان هذا المالَ في بطن أُمه قبل أَن
يُنْفَس أَي يولد. الجوهري: وقولهم ورث فلان هذا المال قبل أَن يُنْفَسَ
فلان أَي قبل أَن يولد؛ قال أَوس بن حجر يصف محاربة قومه لبني عامر بن
صعصعة:
وإِنَّا وإِخْواننا عامِراً
على مِثلِ ما بَيْنَنا نَأْتَمِرْ
لَنا صَرْخَةٌ ثم إِسْكاتَةٌ،
كما طَرَّقَتْ بِنِفاسٍ بِكِرْ
أَي بولد. وقوله لنا صرخة أَي اهتياجة يتبعها سكون كما يكون للنُّفَساء
إِذا طَرَّقَتْ بولدها، والتَطْريقُ أَن يعسر خروج الولد فَتَصْرُخ لذلك،
ثم تسكن حركة المولود فتسكن هي أَيضاً، وخص تطريق البِكر لأَن ولادة
البكر أَشد من ولادة الثيب. وقوله على مثل ما بيننا نأْتمر أَي نمتثل ما
تأْمرنا به أَنْفسنا من الإِيقاع بهم والفتك فيهم على ما بيننا وبينهم من
قرابة؛ وقولُ امرئ القيس:
ويَعْدُو على المَرْء ما يَأْتَمِرْ
أَي قد يعدو عليه امتثاله ما أَمرته به نفسه وربما كان داعَية للهلاك.
والمَنْفُوس: المولود. وفي الحديث: ما من نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ إِلا وقد
كُتِبَ مكانها من الجنة والنار، وفي رواية: إِلا :كُتِبَ رزقُها وأَجلها؛
مَنْفُوسَةٍ أَي مولودة. قال: يقال نَفِسَتْ ونُفِسَتْ، فأَما الحيض فلا
يقال فيه إِلا نَفِسَتْ، بالفتح. وفي حديث عمر، رضي اللَّه عنه: أَنه
أَجْبَرَ بني عَمٍّ على مَنْفُوسٍ أَي أَلزمهم إِرضاعَه وتربيتَه. وفي حديث
أَبي هريرة: أَنه صَلَّى على مَنْفُوسٍ أَي طِفْلٍ حين ولد، والمراد أَنه
صلى عليه ولم يَعمل ذنباً. وفي حديث ابن المسيب: لا يرثُ المَنْفُوس حتى
يَسْتَهِلَّ صارخاً أَي حتى يسمَع له صوت.
وقالت أُم سلمة: كنت مع النبي، صلى اللَّه عليه وسلم، في الفراش
فَحِضْتُ فخَرَجْتُ وشددت عليَّ ثيابي ثم رجعت، فقال: أَنَفِسْتِ؟ أَراد:
أَحضتِ؟ يقال: نَفِسَت المرأَة تَنْفَسُ، بالفتح، إِذا حاضت.
ويقال: لفلان مُنْفِسٌ ونَفِيسٌ أَي مال كثير. يقال: ما سرَّني بهذا
الأَمر مُنْفِسٌ ونَفِيسٌ.
وفي حديث عمر، رضي اللَّه عنه: كنا عنده فَتَنَفَّسَ رجلٌ أَي خرج من
تحته ريح؛ شَبَّهَ خروج الريح من الدبر بخروج النَّفَسِ من الفم.
وتَنَفَّسَت القوس: تصدَّعت، ونَفَّسَها هو: صدَّعها؛ عن كراع، وإِنما يَتَنَفَّس
منها العِيدانُ التي لم تفلق وهو خير القِسِيِّ، وأَما الفِلْقَة فلا
تَنَفَّسُ. ابن شميل: يقال نَفَّسَ فلان قوسه إِذا حَطَّ وترها، وتَنَفَّس
القِدْح والقوس كذلك. قال ابن سيده: وأَرى اللحياني قال: إِن النَّفْس
الشق في القوس والقِدح وما أَشْبهها، قال: ولست منه على ثقة. والنَّفْسُ من
الدباغ: قدرُ دَبْغَةٍ أَو دَبْغتين مما يدبغ به الأَديم من القرظ وغيره.
يقال: هب لي نَفْساً من دباغ؛ قال الشاعر:
أَتَجْعَلُ النَّفْسَ التي تُدِيرُ
في جِلْدِ شاةٍ ثم لا تَسِيرُ؟
قال الأَصمعي: بعثت امرأَة من العرب بُنَيَّةً لها إِلى جارتها فقالت:
تقول لكِ أُمي أَعطيني نَفْساً أَو نَفْسَيْنِ أَمْعَسُ بها مَنِيئَتي
فإِني أَفِدَةٌ أَي مستعجلة لا أَتفرغ لاتخاذ الدباغ من السرعة، أَرادت قدر
دبغة أَو دبغتين من القَرَظ الذي يدبغ به. المَنِيئَةُ: المَدْبَغة وهي
الجلود التي تجعل في الدِّباغ، وقيل: النَّفْس من الدباغ مِلءُ الكفِّ،
والجمع أَنْفُسٌ؛ أَنشد ثعلب:
وذِي أَنْفُسٍ شَتَّى ثَلاثٍ رَمَتْ به،
على الماء، إِحْدَى اليَعْمُلاتِ العَرَامِس
يعني الوَطْبَ من اللبن الذي دُبِغَ بهذا القَدْر من الدّباغ.
والنَّافِسُ: الخامس من قِداح المَيْسِر؛ قال اللحياني: وفيه خمسة فروض
وله غُنْمُ خمسة أَنْصباءَ إِن فاز، وعليه غُرْمُ خمسة أَنْصِباءَ إِن لم
يفز، ويقال هو الرابع.
أثر: الأَثر: بقية الشيء، والجمع آثار وأُثور. وخرجت في إِثْره وفي
أَثَره أَي بعده. وأْتَثَرْتُه وتَأَثَّرْته: تتبعت أَثره؛ عن الفارسي.
ويقال: آثَرَ كذا وكذا بكذا وكذا أَي أَتْبَعه إِياه؛ ومنه قول متمم بن نويرة
يصف الغيث:
فَآثَرَ سَيْلَ الوادِيَّيْنِ بِدِيمَةٍ،
تُرَشِّحُ وَسْمِيّاً، من النَّبْتِ، خِرْوعا
أَي أَتبع مطراً تقدم بديمة بعده.
والأَثر، بالتحريك: ما بقي من رسم الشيء. والتأْثير: إِبْقاءُ الأَثر في
الشيء. وأَثَّرَ في الشيء: ترك فيه أَثراً. والآثارُ: الأَعْلام.
والأَثِيرَةُ من الدوابّ: العظيمة الأَثَر في الأَرض بخفها أَو حافرها بَيّنَة
الإِثارَة. وحكى اللحياني عن الكسائي: ما يُدْرى له أَيْنَ أَثرٌ وما
يدرى له ما أَثَرٌ أَي ما يدرى أَين أَصله ولا ما أَصله.
والإِثارُ: شِبْهُ الشِّمال يُشدّ على ضَرْع العنز شِبْه كِيس لئلا
تُعانَ.
والأُثْرَة، بالضم: أَن يُسْحَى باطن خف البعير بحديدة ليُقْتَصّ
أَثرُهُ. وأَثَرَ خفَّ البعير يأْثُرُه أَثْراً وأَثّرَه: حَزَّه. والأَثَرُ:
سِمَة في باطن خف البعير يُقْتَفَرُ بها أَثَرهُ، والجمع أُثور.
والمِئْثَرَة والثُّؤْرُور، على تُفعول بالضم: حديدة يُؤْثَرُ بها خف
البعير ليعرف أَثرهُ في الأَرض؛ وقيل: الأُثْرة والثُّؤْثور والثَّأْثور،
كلها: علامات تجعلها الأَعراب في باطن خف البعير؛ يقال منه: أَثَرْتُ
البعيرَ، فهو مأْثور، ورأَيت أُثرَتَهُ وثُؤْثُوره أَي موضع أَثَره من
الأَرض. والأَثِيَرةُ من الدواب: العظيمة الأَثرِ في الأَرض بخفها أَو
حافرها.وفي الحديث: من سَرّه أَن يَبْسُطَ اللهُ في رزقه ويَنْسَأَ في أَثَرِه
فليصل رحمه؛ الأَثَرُ: الأَجل، وسمي به لأَنه يتبع العمر؛ قال زهير:
والمرءُ ما عاش ممدودٌ له أَمَلٌ،
لا يَنْتَهي العمْرُ حتى ينتهي الأَثَرُ
وأَصله من أَثَّرَ مَشْيُه في الأَرض، فإِنَّ من مات لا يبقى له أَثَرٌ
ولا يُرى لأَقدامه في الأَرض أَثر؛ ومنه قوله للذي مر بين يديه وهو يصلي:
قَطَع صلاتَنا قطع الله أَثره؛ دعا عليه بالزمانة لأَنه إِذا زَمِنَ
انقطع مشيه فانقطع أَثَرُه. وأَما مِيثَرَةُ السرج فغير مهموزة.
والأَثَر: الخبر، والجمع آثار. وقوله عز وجل: ونكتب ما قدّموا وآثارهم؛
أَي نكتب ما أَسلفوا من أَعمالهم ونكتب آثارهم أَي مَن سنّ سُنَّة حَسَنة
كُتِب له ثوابُها، ومَن سنَّ سُنَّة سيئة كتب عليه عقابها، وسنن النبي،
صلى الله عليه وسلم، آثاره.
والأَثْرُ: مصدر قولك أَثَرْتُ الحديث آثُرُه إِذا ذكرته عن غيرك. ابن
سيده: وأَثَرَ الحديثَ عن القوم يأْثُرُه ويأْثِرُه أَثْراً وأَثارَةً
وأُثْرَةً؛ الأَخيرة عن اللحياني: أَنبأَهم بما سُبِقُوا فيه من الأَثَر؛
وقيل: حدّث به عنهم في آثارهم؛ قال: والصحيح عندي أَن الأُثْرة الاسم وهي
المَأْثَرَةُ والمَأْثُرَةُ. وفي حديث عليّ في دعائه على الخوارج: ولا
بَقِيَ منكم آثِرٌ أَي مخبر يروي الحديث؛ وروي هذا الحديث أَيضاً بالباء
الموحدة، وقد تقدم؛ ومنه قول أَبي سفيان في حديث قيصر: لولا أَن يَأْثُرُوا
عني الكذب أَي يَرْوُون ويحكون. وفي حديث عمر، رضي الله عنه: أَنه حلف
بأَبيه فنهاه النبي، صلى الله عليه وسلم، عن ذلك، قال عمر: فما حلفت به
ذاكراً ولا آثراً؛ قال أَبو عبيد: أَما قوله ذاكراً فليس من الذكر بعد
النسيان إِنما أَراد متكلماً به كقولك ذكرت لفلان حديث كذا وكذا، وقوله ولا
آثِراً يريد مخبراً عن غيري أَنه حلف به؛ يقول: لا أَقول إِن فلاناً قال
وأَبي لا أَفعل كذا وكذا أَي ما حلفت به مبتدئاً من نفسي، ولا رويت عن أَحد
أَنه حلف به؛ ومن هذا قيل: حديث مأْثور أَي يُخْبِر الناسُ به بعضُهم
بعضاً أَي ينقله خلف عن سلف؛ يقال منه: أَثَرْت الحديث، فهو مَأْثور وأَنا
آثر؛ قال الأَعشى:
إِن الذي فيه تَمارَيْتُما
بُيِّنَ للسَّامِعِ والآثِرِ
ويروى بَيَّنَ. ويقال: إِن المأْثُرة مَفْعُلة من هذا يعني المكرمة،
وإِنما أُخذت من هذا لأَنها يأْثُرها قَرْنٌ عن قرن أَي يتحدثون بها. وفي
حديث عليّ، كرّم الله وجهه: ولَسْتُ بمأْثور في ديني أَي لست ممن يُؤْثَرُ
عني شرّ وتهمة في ديني، فيكون قد وضع المأْثور مَوْضع المأْثور عنه؛ وروي
هذا الحديث بالباء الموحدة، وقد تقدم. وأُثْرَةُ العِلْمِ وأَثَرَته
وأَثارَتُه: بقية منه تُؤْثَرُ أَي تروى وتذكر؛ وقرئ:
(* قوله: «وقرئ إلخ»
حاصل القراءات ست: أثارة بفتح أو كسر، وأثرة بفتحتين، وأثرة مثلثة
الهمزة مع سكون الثاء، فالأثارة، بالفتح، البقية أي بقية من علم بقيت لكم من
علوم الأولين، هل فيها ما يدل على استحقاقهم للعبادة أو الأمر به، وبالكسر
من أثار الغبار أريد منها المناظرة لأنها تثير المعاني. والأثرة بفتحتين
بمعنى الاستئثار والتفرد، والأثرة بالفتح مع السكون بناء مرة من رواية
الحديث، وبكسرها معه بمعنى الأثرة بفتحتين وبضمها معه اسم للمأثور المرويّ
كالخطبة اهـ ملخصاً من البيضاوي وزاده). أَو أَثْرَةٍ من عِلْم
وأَثَرَةٍ من علم وأَثارَةٍ، والأَخيرة أَعلى؛ وقال الزجاج: أَثارَةٌ في معنى
علامة ويجوز أَن يكون على معنى بقية من علم، ويجوز أَن يكون على ما يُؤْثَرُ
من العلم. ويقال: أَو شيء مأْثور من كتب الأَوَّلين، فمن قرأَ:
أَثارَةٍ، فهو المصدر مثل السماحة، ومن قرأَ: أَثَرةٍ فإِنه بناه على الأَثر كما
قيل قَتَرَةٌ، ومن قرأَ: أَثْرَةٍ فكأَنه أَراد مثل الخَطْفَة
والرَّجْفَةِ. وسَمِنَتِ الإِبل والناقة على أَثارة أَي على عتيق شحم كان قبل ذلك؛
قال الشماخ:
وذاتِ أَثارَةٍ أَكَلَتْ عليه
نَباتاً في أَكِمَّتِهِ فَفارا
قال أَبو منصور: ويحتمل أَن يكون قوله أَو أَثارة من علم من هذا لأَنها
سمنت على بقية شَحْم كانت عليها، فكأَنها حَمَلَت شحماً على بقية شحمها.
وقال ابن عباس: أَو أَثارة من علم إِنه علم الخط الذي كان أُوتيَ بعضُ
الأَنبياء. وسئل النبي، صلى الله عليه وسلم، عن الخط فقال: قد كان نبيّ
يَخُط فمن وافقه خَطّه أَي عَلِمَ مَنْ وافَقَ خَطُّه من الخَطَّاطِين خَطَّ
ذلك النبيّ، عليه السلام، فقد علِمَ عِلْمَه. وغَضِبَ على أَثارَةٍ قبل
ذلك أَي قد كان
(* قوله: «قد كان إلخ» كذا بالأصل، والذي في مادة خ ط ط
منه: قد كان نبي يخط فمن وافق خطه علم مثل علمه، فلعل ما هنا رواية، وأي
مقدمة على علم من مبيض المسودة). قبل ذلك منه غَضَبٌ ثم ازداد بعد ذلك
غضباً؛ هذه عن اللحياني. والأُثْرَة والمأْثَرَة والمأْثُرة، بفتح الثاء
وضمها: المكرمة لأَنها تُؤْثر أَي تذكر ويأْثُرُها قرن عن قرن يتحدثون بها،
وفي المحكم: المَكْرُمة المتوارثة. أَبو زيد: مأْثُرةٌ ومآثر وهي القدم
في الحسب. وفي الحديث: أَلا إِنَّ كل دم ومأْثُرَةٍ كانت في الجاهلية
فإِنها تحت قَدَمَيّ هاتين؛ مآثِرُ العرب: مكارِمُها ومفاخِرُها التي تُؤْثَر
عنها أَي تُذْكَر وتروى، والميم زائدة. وآثَرَه: أَكرمه. ورجل أَثِير:
مكين مُكْرَم، والجمع أُثَرَاءُ والأُنثى أَثِيرَة.
وآثَرَه عليه: فضله. وفي التنزيل: لقد آثرك الله علينا. وأَثِرَ أَن
يفعل كذا أَثَراً وأَثَر وآثَرَ، كله: فَضّل وقَدّم. وآثَرْتُ فلاناً على
نفسي: من الإِيثار. الأَصمعي: آثَرْتُك إِيثاراً أَي فَضَّلْتُك. وفلان
أَثِيرٌ عند فلان وذُو أُثْرَة إِذا كان خاصّاً. ويقال: قد أَخَذه بلا
أَثَرَة وبِلا إِثْرَة وبلا اسْتِئثارٍ أَي لم يستأْثر على غيره ولم يأْخذ
الأَجود؛ وقال الحطيئة يمدح عمر، رضي الله عنه:
ما آثَرُوكَ بها إِذ قَدَّموكَ لها،
لكِنْ لأَنْفُسِهِمْ كانَتْ بها الإِثَرُ
أَي الخِيَرَةُ والإِيثارُ، وكأَنَّ الإِثَرَ جمع الإِثْرَة وهي
الأَثَرَة؛ وقول الأَعرج الطائي:
أَراني إِذا أَمْرٌ أَتَى فَقَضَيته،
فَزِعْتُ إِلى أَمْرٍ عليَّ أَثِير
قال: يريد المأْثور الذي أَخَذَ فيه؛ قال: وهو من قولهم خُذْ هذا
آثِراً. وشيء كثير أَثِيرٌ: إِتباع له مثل بَثِيرٍ.
واسْتأْثَرَ بالشيء على غيره: خصَّ به نفسه واستبدَّ به؛ قال الأَعشى:
اسْتَأْثَرَ اللهُ بالوفاءِ وبالـ
ـعَدْلِ، ووَلَّى المَلامَة الرجلا
وفي الحديث: إِذا اسْتأْثر الله بشيء فَالْهَ عنه. ورجل أَثُرٌ، على
فَعُل، وأَثِرٌ: يسْتَأْثر على أَصحابه في القَسْم. ورجل أَثْر، مثال
فَعْلٍ: وهو الذي يَسْتَأْثِر على أَصحابه، مخفف؛ وفي الصحاح أَي يحتاج
(*
قوله: «أي يحتاج» كذا بالأصل. ونص الصحاح: رجل أثر، بالضم على فعل بضم العين،
إذا كان يستأثر على أصحابه أي يختار لنفسه أخلاقاً إلخ). لنفسه أَفعالاً
وأَخلاقاً حَسَنَةً. وفي الحديث: قال للأَنصار: إِنكم ستَلْقَوْنَ
بَعْدي أَثَرَةً فاصْبروا؛ الأَثَرَة، بفتح الهمزة والثاء: الاسم من آثَرَ
يُؤْثِر إِيثاراً إِذا أَعْطَى، أَراد أَنه يُسْتَأْثَرُ عليكم فَيُفَضَّل
غيرُكم في نصيبه من الفيء. والاستئثارُ: الــانفراد بالشيء؛ ومنه حديث عمر:
فوالله ما أَسْتَأْثِرُ بها عليكم ولا آخُذُها دونكم، وفي حديثة الآخر
لما ذُكر له عثمان للخلافة فقال: أَخْشَى حَفْدَه وأَثَرَتَه أَي إِيثارَه
وهي الإِثْرَةُ، وكذلك الأُثْرَةُ والأَثْرَة؛ وأَنشد أَيضاً:
ما آثروك بها إِذ قدَّموك لها،
لكن بها استأْثروا، إِذا كانت الإِثَرُ
وهي الأُثْرَى؛ قال:
فَقُلْتُ له: يا ذِئْبُ هَل لكَ في أَخٍ
يُواسِي بِلا أُثْرَى عَلَيْكَ ولا بُخْلِ؟
وفلان أَثيري أَي خُلْصاني. أَبو زيد: يقال قد آثَرْت أَن أَقول ذلك
أُؤَاثرُ أَثْراً. وقال ابن شميل: إِن آثَرْتَ أَنْ تأْتينا فأْتنا يوم كذا
وكذا، أَي إِن كان لا بد أَن تأْتينا فأْتنا يوم كذا وكذا. ويقال: قد
أَثِرَ أَنْ يَفْعلَ ذلك الأَمر أَي فَرغ له وعَزَم عليه. وقال الليث: يقال
لقد أَثِرْتُ بأَن أَفعل كذا وكذا وهو هَمٌّ في عَزْمٍ. ويقال: افعل هذا
يا فلان آثِراً مّا؛ إِن اخْتَرْتَ ذلك الفعل فافعل هذا إِمَّا لا.
واسْتَأْثرَ الله فلاناً وبفلان إِذا مات، وهو ممن يُرجى له الجنة ورُجِيَ له
الغُفْرانُ.
والأَثْرُ والإِثْرُ والأُثُرُ، على فُعُلٍ، وهو واحد ليس بجمع:
فِرِنْدُ السَّيفِ ورَوْنَقُه، والجمع أُثور؛ قال عبيد بن الأَبرص:
ونَحْنُ صَبَحْنَا عامِراً يَوْمَ أَقْبَلوا
سُيوفاً، عليهن الأُثورُ، بَواتِكا
وأَنشد الأَزهري:
كأَنَّهم أَسْيُفٌ بِيضٌ يَمانِيةٌ،
عَضْبٌ مَضارِبُها باقٍ بها الأُثُرُ
وأَثْرُ السيف: تَسَلْسُلُه وديباجَتُه؛ فأَما ما أَنشده ابن الأَعرابي
من قوله:
فإِنِّي إِن أَقَعْ بِكَ لا أُهَلِّكْ،
كَوَقْع السيفِ ذي الأَثَرِ الفِرِنْدِ
فإِن ثعلباً قال: إِنما أَراد ذي الأَثْرِ فحركه للضرورة؛ قال ابن سيده:
ولا ضرورة هنا عندي لأَنه لو قال ذي الأَثْر فسكنه على أَصله لصار
مفاعَلَتُن إِلى مفاعِيلن، وهذا لا يكسر البيت، لكن الشاعر إِنما أَراد توفية
الجزء فحرك لذلك، ومثله كثير، وأَبدل الفرنْدَ من الأَثَر. الجوهري: قال
يعقوب لا يعرف الأَصمعي الأَثْر إِلا بالفتح؛ قال: وأَنشدني عيسى بن عمر
لخفاف بن ندبة وندبة أُمّه:
جَلاهَا الصيْقَلُونَ فأَخُلَصُوها
خِفاقاً، كلُّها يَتْقي بأَثْر
أَي كلها يستقبلك بفرنده، ويَتْقِي مخفف من يَتَّقي، أَي إِذا نظر
الناظر إِليها اتصل شعاعها بعينه فلم يتمكن من النظر إِليها، ويقال تَقَيْتُه
أَتْقيه واتَّقَيْتُه أَتَّقِيه. وسيف مأْثور: في متنه أَثْر، وقيل: هو
الذي يقال إِنه يعمله الجن وليس من الأَثْرِ الذي هو الفرند؛ قال ابن
مقبل:إِني أُقَيِّدُ بالمأْثُورِ راحِلَتي،
ولا أُبالي، ولو كنَّا على سَفَر
قال ابن سيده: وعندي أَنَّ المَأْثور مَفْعول لا فعل له كما ذهب إِليه
أَبو علي في المَفْؤُود الذي هو الجبان. وأُثْر الوجه وأُثُرُه: ماؤه
ورَوْنَقُه وأَثَرُ السيف: ضَرْبَته. وأُثْر الجُرْح: أَثَرهُ يبقى بعدما
يبرأُ. الصحاح: والأُثْر، بالضم، أَثَر الجرح يبقى بعد البُرء، وقد يثقل مثل
عُسْرٍ وعُسُرٍ؛ وأَنشد:
عضب مضاربها باقٍ بها الأُثر
هذا العجز أَورده الجوهري:
بيضٌ مضاربها باقٍ بها الأَثر
والصحيح ما أَوردناه؛ قال: وفي الناس من يحمل هذا على الفرند. والإِثْر
والأُثْر: خُلاصة السمْن إِذا سُلِئَ وهو الخَلاص والخِلاص، وقيل: هو
اللبن إِذا فارقه السمن؛ قال:
والإِثْرَ والضَّرْبَ معاً كالآصِيَه
الآصِيَةُ: حُساءٌ يصنع بالتمر؛ وروى الإِيادي عن أَبي الهيثم أَنه كان
يقول الإِثر، بكسرة الهمزة، لخلاصة السمن؛ وأَما فرند السيف فكلهم يقول
أُثْر. ابن بُزرُج: جاء فلان على إِثْرِي وأَثَري؛ قالوا: أُثْر السيف،
مضموم: جُرْحه، وأَثَرُه، مفتوح: رونقه الذي فيه. وأُثْرُ البعير في ظهره،
مضموم؛ وأَفْعَل ذلك آثِراً وأَثِراً. ويقال: خرجت في أَثَرِه وإِثْرِه،
وجاء في أَثَرِهِ وإتِْرِه، وفي وجهه أَثْرٌ وأُثْرٌ؛ وقال الأَصمعي:
الأُثْر، بضم الهمزة، من الجرح وغيره في الجسد يبرأُ ويبقى أَثَرُهُ. قال
شمر: يقال في هذا أَثْرٌ وأُثْرٌ، والجمع آثار، ووجهه إِثارٌ، بكسر الأَلف.
قال: ولو قلت أُثُور كنت مصيباً. ويقال: أَثَّر بوجهه وبجبينه السجود
وأَثَّر فيه السيف والضَّرْبة.
الفراء: ابدَأْ بهذا آثراً مّا، وآثِرَ ذي أَثِير، وأَثيرَ ذي أَثيرٍ
أَي ابدَأْ به أَوَّل كل شيء. ويقال: افْعَلْه آثِراً ما وأَثِراً ما أَي
إِن كنت لا تفعل غيره فافعله، وقيل: افعله مُؤثراً له على غيره، وما زائدة
وهي لازمة لا يجوز حذفها، لأَن معناه افعله آثِراً مختاراً له مَعْنيّاً
به، من قولك: آثرت أَن أَفعل كذا وكذا. ابن الأَعرابي: افْعَلْ هذا
آثراً مّا وآثراً، بلا ما، ولقيته آثِراً مّا، وأَثِرَ ذاتِ يَدَيْن وذي
يَدَيْن وآثِرَ ذِي أَثِير أَي أَوَّل كل شيء، ولقيته أَوَّل ذِي أَثِيرٍ،
وإِثْرَ ذي أَثِيرٍ؛ وقيل: الأَثير الصبح، وذو أَثيرٍ وَقْتُه؛ قال عروة بن
الورد:
فقالوا: ما تُرِيدُ؟ فَقُلْت: أَلْهُو
إِلى الإِصْباحِ آثِرَ ذِي أَثِير
وحكى اللحياني: إِثْرَ ذِي أَثِيرَيْن وأَثَرَ ذِي أَثِيرَيْن وإِثْرَةً
مّا. المبرد في قولهم: خذ هذا آثِراً مّا، قال: كأَنه يريد أَن يأْخُذَ
منه واحداً وهو يُسامُ على آخر فيقول: خُذْ هذا الواحد آثِراً أَي قد
آثَرْتُك به وما فيه حشو ثم سَلْ آخَرَ. وفي نوادر الأَعراب: يقال أَثِرَ
فُلانٌ بقَوْل كذا وكذا وطَبِنَ وطَبِقَ ودَبِقَ ولَفِقَ وفَطِنَ، وذلك
إِذا إِبصر الشيء وضَرِيَ بمعرفته وحَذِقَه.
والأُثْرَة: الجدب والحال غير المرضية؛ قال الشاعر:
إِذا خافَ مِنْ أَيْدِي الحوادِثِ أُثْرَةً،
كفاهُ حمارٌ، من غَنِيٍّ، مُقَيَّدُ
ومنه قول النبي، صلى الله عليه وسلم: إِنكم ستَلْقَوْن بَعْدي أُثْرَةً
فاصبروا حتى تَلْقَوني على الحوض.
وأَثَر الفَحْلُ الناقة يأْثُرُها أَثْراً: أَكثَرَ ضِرابها.