وَمِمَّا شَذَّ عَنِ الْبَابِ قَوْلُهُمْ: هُرْتُ فُلَانًا بِكَذَا أَهُــورُهُ: أَزْنَنْتُهُ بِهِ. قَالَ:
رَأَى أَنَّنِي لَا بِالْكَثِيرِ أَهُــورُهُ
كور: الكُورُ، بالضم: الرحل، وقيل: الرحل بأَداته، والجمع أَكْوار
وأَكْوُرٌ؛ قال:
أَناخَ بِرَمْلِ الكَوْمَحَيْن إِناخَةَ الْـ
ـيَماني قِلاصاً، حَطَّ عنهنّ أَكْوُرا
والكثير كُورانٌ وكُؤُور؛ قال كُثَيِّر عَزَّة:
على جِلَّةٍ كالهَضْبِ تَخْتالُ في البُرى،
فأَحْمالُها مَقْصورَةٌ وكُؤُــورُهــا
قال ابن سيده: وهذا نادر في المعتل من هذا البناء وإِنما بابه الصحيح
منه كبُنُودٍ وجُنُودٍ. وفي حديث طَهْفَة: بأَكْوارِ المَيسِ تَرْتَمِي
بنا العِيسُ؛ الأَكْوارُ جمع كُورٍ، بالضم،وهو رَحْل الناقة بأَداته، وهو
كالسَّرْج وآلتِه للفرس، وقد تكرّر في الحديث مفرداً ومجموعاً؛ قال ابن
الأَثير: وكثير من الناس يفتح الكاف، وهو خطأ؛ وقول خالد بن زهير
الهذلي:نَشَأْتُ عَسِيراً لم تُدَيَّثْ عَرِيكَتي،
ولم يَسْتَقِرَّ فوقَ ظَهْرِيَ كُــورُهــا
استعار الكُورَ لتذليل نفسه إِذ كان الكُورُ مما يذلل به البعير
ويُوَطَّأُ ولا كُورَ هنالك. ويقال للكُورِ، وهو الرحل: المَكْوَرُ، وهو
المُكْوَرُّ، إِذا فتحت الميم خففت الراء، وإِذا ثقلت الراء ضممت الميم؛ وأَنشد
قول الشاعر:
قِلاص يَمانٍ حَطَّ عنهن مَكْوَرا
فخفف، وأَنشد الأَصمعي:
كأَنّ في الحََبْلَيْنِ من مُكْــوَرِّه
مِسْحَلَ عُونٍ قَصَدَتْ لضَرِّهِ
وكُورُ الحَدَّاد: الذي فيه الجَمْر وتُوقَدُ فيه النار وهو مبنيّ من
طين، ويقال: هو الزِّقُّ أَيضاً. والكَوْرُ: الإِبل الكثيرة العظيمة.
ويقال: على فلان كَوْرٌ من الإِبل، والكَوْرُ من الإِبل: العَطيِعُ الضَّخْم،
وقيل: هي مائة وخمسون، وقيل: مائتان وأَكثر. والكَوْرُ: القطيع من البقر؛
قال ذؤيب:
ولا شَبُوبَ من الثِّيرانِ أَفْرَدَه،
من كَــوْرِه، كَثْرَةُ الإِغْراءِ والطَّرَدُ
والجمع منهما أَكْوار؛ قال ابن بري هذا البيت أَورده الجوهري:
ولا مُشِبَّ من الثِّيرانِ أَفْرَده،
عن كَــوْرِه، كَثْرَةُ الإِغراءِ والطَّرَدِ
بكسر الدال، قال: وصوابه: والطردُ، برفع الدال؛ وأَول القصيدة:
تالله يَبْقى على الأَيَّامِ مُبْتَقِلٌ،
جَوْنُ السَّراةِ رَباعٌ، سِنُّه غَرِدُ
يقول: تالله لا يبقى على الأَيَّام مُبْتَقِلٌ أَي الذي يَرْعى البقل.
والجَوْنُ: الأَسْوَدُ. والسَّراةُ: الظَّهْر. وغَرِدٌ: مُصَوِّتٌ. ولا
مُشِبَّ من الثيران: وهو المُسِنّ أَفرده عن جماعته إِغراءُ الكلب به
وطَرَدُه. والكَوْرُ: الزيادة. الليث: الكَوْرُ لَوْثُ العمامة يعني إِدارتها
على الرأْس، وقد كَوَّرْتُها تَكْوِيراً . وقال النضر: كل دارة من العمامة
كَوْرٌ، وكل دَوْرٍ كَوْرٌ. وتكْوِيرُ العمامة: كَــوْرُهــا. وكارَ
العِمامَةَ على الرأْس يَكُــورُهــا كَوْراً: لاثَها عليه وأَدارها؛ قال أَبو
ذؤيب:وصُرَّادِ غَيْمٍ لا يزالُ، كأَنه
مُلاءٌ بأَشْرافِ الجِبالِ مَكُورُ
وكذلك كَــوَّرَهــا. والمِكْوَرُ والمِكْوَرَةُ والكِوارَةُ: العمامةُ.
وقولهم: نعوذ بالله من الحَوْرِ بعد الكَوْرِ، قيل: الحَوْرُ النقصان والرجوع،
والكَوْرُ: الزيادة، أُخذ من كَوْرِ العمامة؛ يقول: قد تغيرت حاله
وانتقضت كما ينتقض كَوْرُ العمامة بعد الشدّ، وكل هذا قريب بعضه من بعض، وقيل:
الكَوْرُ تَكْوِيرُ العمامة والحَوْرُ نَقْضُها، وقيل: معناه نعوذ بالله
من الرجوع بعد الاستقامة والنقصان بعد الزيادة. وروي عن النبي، صلى الله
عليه وسلم، أَنه كان يتعوّذ من الحَوْر بعد الكَوْرِ أَي من النقصان بعد
الزيادة، وهو من تَكْوِير العمامة، وهو لفها وجمعها، قال: ويروى بالنون.
وفي صفة زرع الجنة: فيبادِرُ الطَّرْفَ نَباتُه واستحصادُه وتَكْوِيرُه
أَي جَمْعُه وإِلقاؤه.
والكِوارَة: خرقة تجعلها المرأَة على رأْسها. ابن سيده: والكِوارَةُ لوث
تَلْتاثه المرأَة على رأْسها بخمارها، وهو ضَرْبٌ من الخِمْرَةِ؛
وأَنشد:عَسْراءُ حينَ تَرَدَّى من تَفَحُّشِها،
وفي كِوارَتِها من بَغْيِها مَيَلُ
وقوله أَنشده الأَصْمَعِيُّ لبعض الأَغْفال:
جافِيَة مَعْوى ملاث الكَوْر
قال ابن سيده: يجوز أَن يعني موضع كَوْرِ العمامة: والكِوارُ
والكِوارَة: شيء يتخذ للنحل من القُضْبان، وهو ضيق الرأْس.
وتَكْوِيرُ الليل والنهار: أَن يُلْحَقَ أَحدُهما بالآخر، وقيل:
تَكْوِيرُ الليل والنهار تَغْشِيَةُ كل واحد منهما صاحبه، وقيل: إِدخال كل واحد
منهما في صاحبه، والمعاني متقاربة؛ وفي الصحاح: وتَكْوِيرُ الليل على
النهار تَغْشيته إِياه، ويقال زيادته في هذا من ذلك. وفي التنزيل العزيز:
يُكَوِّرُ الليلَ على النهار ويُكَوِّرُ النهارَ على الليل؛ أَي يُدْخِلُ
هذا على هذا، وأَصله من تَكْوِيرِ العمامة، وهو لفها وجمعها. وكُوِّرَتِ
الشمسُ: جُمِعَ ضوءُها ولُفَّ كما تُلَفُّ العمامة، وقيل: معنى كُوِّرَتْ
غُوِّرَتْ، وهو بالفارسية« كُورْبِكِرْ» وقال مجاهد: كُوِّرَت اضمحلت
وذهبت. ويقال: كُرْتُ العمامةَ على رأْسي أَكُــورُهــا وكَوَّرْتُها
أُكَــوِّرُهــا إِذا لففتها؛ وقال الأَخفش: تُلَفُّ فَتُمْحَى؛ وقال أَبو عبيدة:
كُوِّرَتْ مثل تَكْوِير العمامة تُلَفُّ فَتُمْحَى، وقال قتادة: كُوِّرَتْ ذهب
ضوءُها، وهو قول الفراء، وقال عكرمة: نُزِعَ ضوءُها، وقال مجاهد:
كُوِّرَتْ دُهْوِرَتْ، وقال الرَّبيعُ بن خَيثَمٍ: كُوِّرَتْ رُميَ بها، ويقال:
دَهْوَرْتُ الحائطَ إِذا طرحته حتى يَسْقُطَ، وحكى الجوهري عن ابن عباس:
كُوِّرَتْ غُوِّرَتْ، وفي الحديث: يُجاءُ بالشمس والقمر ثَوْرَيْنِ
يُكَوَّرانِ في النار يوم القيامة أَي يُلَفَّانِ ويُجْمَعانِ ويُلْقَيانِ
فيها، والرواية ثورين، بالثاء، كأَنهما يُمْسَخانِ؛ قال ابن الأَثير: وقد
روي بالنون، وهو تصحيف.
الجوهري: الكُورَةُ المدينة والصُّقْعُ، والجمع كُوَرٌ. ابن سيده:
والكُورَةُ من البلاد المِخْلافُ، وهي القرية من قُرَى اليمن؛ قال ابن دريد:
لا أَحْسِبُه عربيّاً.
والكارَةُ: الحالُ الذي يحمله الرجل على ظهره، وقد كارها كَوْراً
واسْتَكارَها. والكارَةُ: عِكْمُ الثِّياب، وهو منه، وكارةُ القَصَّار من ذلك،
سميت به لأَنه يُكَوِّر ثيابه في ثوب واحد ويحمِلها فيكون بعضُها على
بعض. وكوّر المتاعَ: أَلقى بعضه على بعض. الجوهري: الكارةُ ما يُحمل على
الظهر من الثِّياب، وتَكْوِيرُ المتاع: جمعُه وشدّه.
والكارُ: سُفُن مُنحدِرة فيها طعام في موضع واحد. وضربه فكَــوَّره أَي
صرَعه، وكذلك طعنه فكَــوّرَه أَي أَلقاه مجتمعاً؛ وأَنشد أَبو عبيدة:
ضَرَبْناه أُمَّ الرَّأْسِ، والنَّقْعُ ساطِعٌ،
فَخَرَّ صَرِيعاً لليَدَيْنِ مُكَوَّرَا
وكَوَّرْته فتكَوَّر أَي سقَط، وقد تكَوَّر هو؛ قال أَبو كبير الهذلي:
مُتَكَوِّرِينَ على المَعارِي، بينهم
ضرْبٌ كتَعْطاطِ المَزادِ الأَثْجَلِ
وقيل: التَّكْوِير الصَّرْع، ضرَبه أَو لم يضربْه. والاكتيارُ: صرعُ
الشيءِ بعضُه على بعضٍ. والاكْتِيار في الصِّراع: أَن يُصرَع بعضه على بعض.
والتَّكَوُّر: التَّقَطُّر والتَّشَمُّر. وكارَ الرجلُ في مشْيته
كَوْراً، واسْتَكار: أَسْرع. والكِيار: رَفْع الفَرس ذنبه في حُضْره؛ والكَيِّر:
الفرس إِذا فعل ذلك. ابن بزرج: أَكارَ عليه يضربه، وهما يَتَكايرانِ،
بالياء. وفي حديث المُنافق: يَكِير في هذه مرّة وفي هذه مرّة أَي يجري.
يقال: كارَ الفرسُ يَكِيرُ إِذا جرى رافعاً ذنبه، ويروى يَكْبِنُ. واكْتار
الفرسُ: رفع ذنَبه في عَدْوِه. واكْتارَتِ الناقة: شالت بذنَبها عند
اللِّقاح. قال ابن سيده: وإِنما حملنا ما جُهل من تصرّفه من باب الواو لأَن
الأَلف فيه عين، وانقلاب الأَلف عن العين واواً أَكثر من انقلابها عن
الياء. ويقال: جاء الفرس مُكْتاراً إِذا جاء مادّاً ذنبه تحت عَجُزِه؛ قال
الكميت يصف ثوراً:
كأَنه، من يَدَيْ قِبْطِيَّة، لَهِقاً
بالأَتْحَمِيّة مُكْتارٌ ومُنْتَقِبُ
قالوا: هو من اكْتار الرجلُ اكْتِياراً إِذا تعمَّم. وقال الأَصمعي:
اكْتارَتِ الناقة اكْتِياراً إِذا شالت بذنَبها بعد اللِّقاح. واكْتار الرجل
للرجل اكْتِياراً إِذا تهيأَ لِسبابه. وقال أَبو زيد: أَكَرْت على الرجل
أُكِيرُ كيارةً إِذا استذللته واستضعفته وأَحَلْت عليه إِحالة نحو
مائةٍ.والكُورُ: بناء الزَّنابير؛ وفي الصحاح: موضِع الزَّنابير.
والكُوَّارات: الخَلايا الأَهْلِيَّة؛ عن أَبي حنيفة، قال: وهي الكَوائر أَيضاً على
مثال الكَواعِر؛ قال ابن سيده: وعندي أَن الكَوائر ليس جمع كُوَّارة إِنما
هو جمع كُوَارة، فافهم، والكِوَار والكِوارة: بيت يُتَّخذ من قُضبانٍ
ضيِّقُ الرأْس للنحل تُعَسِّلُ فيه. الجوهري: وكُوَّارة النحل عسلها في
الشمَع. وفي حديث عليّ، عليه السلام: ليس فيما تُخْرِج أَكْوارُ النَّحْل
صدَقة، واحدها كُور، بالضم، وهو بيت النحل والزَّنابير؛ أَراد أَنه ليس في
العسل صدقة.
وكُرْت الأَرض كَوْراً: حفرتُها.
وكُور وكُوَيْرٌ والكَوْر: جبال معروفة؛ قال الراعي:
وفي يَدُومَ، إِذا اغْبَرَّتْ مَناكِبُه،
وذِرْوَةِ الكَوْرِ عن مَرْوانَ مُعْتَزَلُ
ودارَةُ الكَوْر، بفتح الكاف: موضع؛ عن كُراع. والمِكْوَرَّى: القصير
العريض. ورجل مِكْوَرَّى أَي لئيم. والمَكْوَرَّى: الرَّوْثة العظيمة،
وجعلها سيبويه صفة، فسرها السيرافي بأَنه العظيم رَوثَةِ الأَنف، وكسر الميم
فيه لغة، مأْخوذ من كَــوَّره إِذا جَمعه، قال: وهو مَفْعَلَّى، بتشديد
اللام، لأَن فَعْلَلَّى لم يَجِئ، وقد يحذف الأَلف فيقال مَِكْوَرٌّ،
والأُنثى في كل ذلك بالهاء؛ قال كراع: ولا نظير له. ورجل مَكْوَرٌّ: فاحش
مكثار؛ عنه، قال: ولا نظير له أَيضاً. ابن حبيب: كَوْرٌ أَرض باليمامة.
رفع: في أَسْماء الله تعالى الرافِعُ: هو الذي يَرْفَعُ المؤْمن
بالإِسعاد وأَولياءَه بالتقْرِيب. والرَّفْعُ: ضدّ الوَضْع، رَفَعْته فارْتَفَع
فهو نَقيض الخَفْض في كل شيء، رَفَعه يَرْفَعُه رَفْعاً ورَفُع هو رَفاعة
وارْتَفَع. والمِرْفَع: ما رُفِع به. وقوله تعالى في صفة القيامة:
خافِضةٍ رافِعة؛ قال الزجاج: المعنى أَنها تَخْفِض أَهل المعاصي وتَرْفَع أَهل
الطاعة. وفي الحديث: إِنّ اللهَ تعالى يَرفع العَدْلَ ويَخْفِضُه؛ قال
الأَزهري: معناه أَنه يرفع القِسط وهو العَدل فيُعْلِيه على الجَوْرِ
وأَهله، ومرة يخْفِضه فيُظهر أَهلَ الجور على أَهل العدل ابْتلاءً لخلقه، وهذا
في الدنيا والعاقبةُ للمتقين.
ويقال: ارْتَفَعَ الشيءُ ارْتِفاعاً بنفسه إِذا عَلا. وفي النوادر: يقال
ارتفع الشيءَ بيده ورَفَعَه. قال الأَزهري: المعروف في كلام العرب
رَفَعْت الشيءَ فارتفع، ولم أَسمع ارتفع واقعاً بمعنى رَفَع إِلاَّ ما قرأْته
في نوادر الأعراب.
والرُّفاعة، بالضم، ثوب تَرْفَع به المرأَة الرَّسْحاء عَجِيزتَها
تُعظِّمها به، والجمع الرفائعُ؛ قال الراعي:
عِراضُ القَطا لا يَتَّخِذْن الرَّفائعا
والرفاع: حبل
(* قوله «والرفاع حبل» كذا بالأصل بدون هاء تأنيث وهو عين
ما بعده.) يُشدُّ في القيد يأْخذه المُقَيَّد بيده يَرْفَعُه إِليه.
ورُفاعةُ المُقيد: خيط يرفع به قيدَه إِليه. والرَّافِعُ من الإِبل: التي
رَفَعت اللِّبَأَ في ضَرْعِها؛ قال الأَزهري: يقال للتي رَفَعَت لبنَها فلم
تَدِرَّ رافِعٌ، بالراء، فأَما الدَّافِعُ فهي التي دَفَعت اللبأَ في
ضرعها. والرَّفْع تَقرِيبك الشيء من الشيء. وفي التنزيل: وفُرُشٍ مَرْفوعة؛
أَي مُقَرَّبةٍ لهم، ومن ذلك رَفَعْتُه إِلى السلطان، ومصدره الرُّفعان،
بالضم؛ وقال الفراء: وفرش مرفوعة أَي بعضها فوق بعض. ويقال: نساء
مَرْفُوعات أَي مُكَرَّمات من قولك إِن الله يَرْفَع من يَشاء ويَخْفِضُ.ورفَعَ
السَّرابُ الشخص يَرْفَعُه رَفْعاً: زَهاه. ورُفِعَ لي الشيء: أَبصرته من
بُعْد؛ وقوله:
ما كان أَبْصَرَنِي بِغِرَّاتِ الصِّبا،
فاليَوْمَ قَد رُفِعَتْ ليَ الأَشْباحُ
قيل: بُوعِدت لأَني أَرى القريب بعيداً، ويروى: قد شُفِعت ليَ الأَشْباح
أَي أَرى الشخص اثنين لضَعْف بصري، وهو الأَصح، لأَنه يقول بعد هذا:
ومَشَى بِجَنْبِ الشخْصِ شَخْصٌ مِثْلُه،
والأَرضُ نائِيةُ الشخُوصِ بَراحُ
ورافَعْتُ فلاناً إِلى الحاكم وتَرافَعْنا إِليه ورفَعه إِلى الحَكَمِ
رَفْعاً ورُفْعاناً ورِفْعاناً: قرّبه منه وقَدَّمه إِليه ليُحاكِمَه،
ورَفَعْتُ قِصَّتي: قَدَّمْتُها؛ قال الشاعر:
وهم رَفَعُوا لِلطَّعْن أَبْناء مَذْحِجٍ
أَي قدَّمُوهم للحرب؛ وقول النابغة الذبياني:
ورَفَعَته إِلى السِّجْفَيْنِ فالنَّضَدِ
(* قوله: رفَعَته؛ في ديوان النابغة رفَّعته بتشديد الفاء.)
أَي بَلَغَتْ بالحَفْر وقَدَّمَتْه إِلى موضع السِّجْفَيْنِ، وهما
سِتْرا رُواقِ البيت، وهو من قولك ارْتَفَع الشيء أَي تقدَّم، وليس هو من
الارْتِفاعِ الذي هو بمعنى العُلُوّ، والسيرُ المَرْفُوعُ: دون الحُضْر وفوق
المَوْضُوعِ يكون للخيل والإِبل، يقال: ارْفَعْ من دابَّتك؛ هذا كلام
العرب. قال ابن السكيت: إِذا ارتفع البعير عن الهَمْلَجة فذلك السير
المَرْفُوعُ، والرَّوافِعُ إِذا رفَعُوا في مَسيرهم. قال سيبويه: المَرْفُوعُ
والمَوْضُوعُ من المصادر التي جاءت على مَفْعول كأَنه له ما يَرْفَعُه وله
ما يَضَعُه. ورفَع البعيرُ في السير يَرْفَع، فهو رافعٌ أَي بالَغَ وسارَ
ذلك السيرَ، ورفَعَه ورفَع منه: ساره، كذلك، يَتعدّى ولا يتعدّى؛ وكذلك
رَفَّعْتُه تَرْفِيعاً. ومَرْفُوعها: خلاف مَوْضُوعِها، ويقال: دابة له
مَرْفُوع ودابة ليس له مَرْفُوع، وهو مصدر مثل المَجْلُود والمَعْقُول:
قال طرفة:
مَوْضُوعُها زَوْلٌ، ومَرْفُوعها
كَمَرِّ صَوْبٍ لَجِبٍ وسْطَ رِيح
قال ابن بري: صواب إِنشاده:
مرفوعها زول، وموضوعها
كَمَرِّ صَوْبٍ لَجِبٍ وسْطَ رِيح
والمرفوعُ: أَرفع السير، والمَوضُوع دونه، أَي أَرْفَعُ سيرها عَجَب لا
يُدْرك وصْفُه وتشبيهُه، وأَمّا موضوعها وهو دون مرفوعها، فيدرك تشبيهه
وهو كمرّ الريح المُصوِّتة، ويروى: كمرّ غَيْثٍ. وفي الحديث: فَرَفَعْتُ
ناقتي أَي كلّفْتها المَرْفُوع من السير، وهو فوق الموضوع ودون العَدْو.
وفي الحديث: فرَفَعْنا مَطِيَّنا ورَفَع رسولُ الله، صلى الله عليه وسلم،
مَطِيَّتَه وصَفِيَّةُ خَلْفَه. والحمار يُرَفِّع في عَدْوه تَرْفِيعاً،
ورفَّع الحِمار: عَدا عَدْواً بعضُه أَرْفع من بعض. وكلُّ ما قدَّمْتَه،
فقد رَفَّعْته. قال الأَزهري: وكذلك لو أَخذت شيئاً فرَفَعْتَ الأَوّل،
فالأَوّل رفَّعْته ترفيعاً.
والرِّفْعة: نقيض الذِّلّة. والرِّفْعة: خلاف الضّعة، رَفُع يَرْفُع
رَفاعة، فهو رَفيع إِذا شَرُف، والأُنثى بالهاء. قال سيبويه: لا يقال رَفُع
ولكن ارْتَفَع، وقوله تعالى: في بيوت أَذِنَ الله أَن تُرْفَع؛ قال
الزجاج: قال الحسن تأْويل أَن تُرفع أَنْ تُعَظَّم؛ قال: وقيل معناه أَن
تُبْنَى، كذا جاء في التفسير. الأَصمعي: رَفَع القومُ، فهُم رافِعُون إِذا
أَصْعَدُوا في البلاد؛ قال الراعي:
دَعاهُنَّ داعٍ للخَرِيفِ، ولم تَكُنْ
لَهُنَّ بِلاداً، فانْتَجَعْنَ روافِعا
أَي مُصْعِداتٍ؛ يريد لم تكن تلك البلادُ التي دعَتْهن لهُنّ بِلاداً.
والرَّفِيعةُ: ما رُفِعَ به على الرَّجل، ورَفَعَ فلان على العامل
رَفِيعة: وهو ما يَرْفَعُه من قَضِيَّة ويُبَلِّغها. وفي الحديث: كلُّ رافِعةٍ
رَفَعتْ عَلَيْنا من البَلاغِ فقد حَرَّمْتُها أَن تُعْضَد أَو تُخْبَط
إِلاَّ لعُصْفُورِ قَتَبٍ أَو مَسْنَدِ مَحالةٍ، أَي كلُّ نفْس أَو جماعة
مُبلِّغة تُبَلِّغ وتُذِيعُ عنا ما نقوله فَلْتُبَلّغْ ولتَحْك أَنّي قد
حَرَّمْت المدينة أَن يُقْطَع شجرها أَو يُخْبَط ورَقُها، وروي: من
البُلاَّغِ، بالتشديد، بمعنى المُبَلِّغين كالحُدّاثِ بمعنى المُحدِّثِين؛
والرَّفْع هنا من رَفَع فلان على العامل إِذا أَذاع خبره وحكى عنه. ويقال:
هذه أَيامُ رَفاعٍ ورِفاعٍ، قال الكسائي: سمعت الجَرامَ والجِرامَ
وأَخَواتها إِلا الرِّفاع فإِني لم أَسمعها مكسورة، وحكى الأَزهري عن ابن
السكيت قال: يقال جاء زَمَنُ الرَّفاعِ والرِّفاعِ إِذا رُفِعَ الزَّرْعُ،
والرَّفاعُ والرِّفاعُ: اكْتِنازُ الزَّرعِ ورَفْعُه بعد الحَصاد. ورَفَع
الزَّرعَ يَرْفَعُه رَفْعاً ورَفاعة ورَفاعاً: نقله من الموضع الذي
يَحْصِدُهُ فيه إِلى البَيْدر؛ عن اللحياني: وبَرْقٌ رافع: ساطعٌ؛ قال
الأَحوص:أَصاحِ أَلم تَحْزُنْك رِيحٌ مَرِيضةٌ،
وبَرْقٌ تَلالا بالعَقِيقَيْنِ رافِعُ؟
ورجل رَفِيعُ الصوتِ أَي شريف؛ قال أَبو بكر محمد بن السَّرِيّ: ولم
يقولوا منه رَفُع؛ قال ابن بري: هو قول سيبويه، وقالوا رَفِيع ولم نَسمعهم
قالوا رَفُع. وقال غيره: رَفُعَ رِفْعة أَي ارْتَفَعَ قَدْرُه. ورَفاعةُ
الصوت ورُفاعتُه، بالضم والفتح: جَهارَتُه. ورَجل رَفِيعُ الصوت:
جَهِيرُه. وقد رَفُع الرجل: صار رَفِيع الصوتِ. وأَمّا الذي ورد في حديث
الاعتكاف: كان إِذا دخل العَشْرُ أَيْقظَ أَهلَه ورَفَع المِئْزَر، وهو تشميره عن
الإِسبال، فكناية عن الاجْتهاد في العِبادة؛ وقيل: كُنِي به عن اعْتِزال
النساء. وفي حديث ابن سلام: ما هلَكت أُمّة حتى يُرْفَع القُرآنُ على
السلطان أَي يتَأَوَّلونه ويَرَوْن الخروج به عليه.
والرَّفْعُ في الإِعراب: كالضمّ في البِناء وهو من أَوضاع النحويين،
والرَّفعُ في العربية: خلاف الجر والنصب، والمُبْتَدأُ مُرافِع للخبر لأَنَّ
كل واحد منهما يَرْفَع صاحبه.
ورِفاعةُ، بالكسر: اسم رجل. وبنو رِفاعةَ: قبيلة. وبنو رُفَيْع: بطن.
ورافِع: اسم.
ضوأ: الضَّوءُ والضُّوءُ، بالضم، معروف: الضِّياءُ، وجمعه أَضْواءٌ. وهو الضِّواءُ والضِّياءُ. وفي حديث بَدْءِ الوَحْيِ: يَسْمَعُ الصَّوْتَ وَيَرَى الضَّؤْءَ، أَي ما كان يَسمع من صوت الـمَلَك ويراه مِن نُــوره وأَنْوارِ آياتِ رَبِّه. التهذيب، الليث: الضَّوْءُ والضِّياءُ: ما أضاءَ لك.
وقال الزجاج في قوله تعالى: كُلَّما أَضاءَ لهم مَشَوْا فِيهِ. يقال: ضاءَ السِّراجُ يَضوءُ وأَضاءَ يُضِيءُ. قال: واللغة الثانية هي الـمُختارة، وقد يكون الضِّياءُ جمعاً. وقد ضاءَتِ النارُ وضاءَ الشيءُ يَضُوءُ ضَوْءاً وضُوءاً وأَضاءَ يُضِيءُ. وفي شعر العباس:
وأَنْتَ، لـمَّا وُلِدْتَ أَشْرَقَت الأَرضُ، * وضاءَتْ، بِنُورِك، الأُفُقُ
يقال: ضاءَتْ وأَضاءَتْ بمعنى أَي اسْتَنارَتْ، وصارَت مُضِيئةً.
وأَضَاءَتْه، يَتعدَّى ولا يَتعدَّى. قال الجعديّ:
أضاءَتْ لنا النارُ وَجْهاً أَغَرَّ، * مُلْتَبِساً، بالفُؤَادِ، التِباسا
أَبو عبيد: أَضاءَتِ النارُ وأَضاءَها غيرُها، وهو الضَّوْءُ والضُّوءُ، وأَمَّا الضِّياءُ، فلا همز في يائه. وأَضاءَه له واسْتَضَأْتُ به. وفي حديث علي كرَّم اللّه وجهه:
لم يَسْتَضِيئُوا بِنُورِ العِلم ولم يَلْجَؤُوا إِلى رُكْنٍ وثِيقٍ. وفي الحديث: لا تَسْتَضِيئُوا بنار الـمُشْرِكِين، أَي لا تَسْتَشِيرُوهم ولا تأْخُذُوا آراءَهم. جَعَل الضوءَ مثلاً للرأْي عند الحَيْرَةِ. وأَضأْتُ به البيتَ وضَوَّأْتُه به وضَوَّأْتُ عنه.الليث: ضَوَّأْتُ عن الأَمر تَضْوِئَةً أَي حِدْتُ. قال أَبو منصور: لم أَسمعه من غيره.
أَبو زيد في نوادره: التَّضَوُّؤُ أَن يَقومَ الإنسانُ في ظُلْمَةٍ حيث
يَرى بِضَوْءِ النار أَهْلَها ولا يَرَوْنه. قال: وعَلِقَ رجل من العَرَب
امرأَةً، فإِذا كان الليل اجْتَنَح إِلى حيث يَرَى ضَوْءَ نارِها
فَتَضَوَّأَها، فَقيل لَها إِن فلاناً يَتَضَوَّؤُكِ، لِكَيْما تَحْذَره، فلا
تُريه إِلاَّ حَسَناً. فلما سمعت ذلك حَسَرَتْ عن يَدِها إِلى مَنْكِبها ثم
ضَرَبتْ بِكَفِّها الأُخْرى إِبْطَها، وقالت: يا مُتَضَوِّئاهْ ! هذه في
اسْتِكَ إِلى الإِبْطِ. فلما رأَى ذلك رَفَضَها. يقال ذلك عند تعيير مَن لا يُبَالي ما ظَهَر منه من قَبِيح.
وأَضاءَ بِبَوْلِه: حَذَف به، حكاه عن كراع في الـمُنَجَّد.
دهم: الدُّهْمَةُ: السواد. والأَدْهَمُ: الأَسْود، يكون في الخيل والإبل
وغيرهما، فَرس أَدْهَمُ وبعير أَدْهَمُ، قال أَبو ذؤيب:
أمِنْكِ البَرْقُ أرْقُبُهُ فهَاجَا،
فبتُّ إخالُهُ دُهْماً خِلاجَا؟
والعرب تقول: ملوك الخيل دُهْمُها، وقد ادْهامَّ، وبه دُهْمَةٌ شديدة.
الجوهري: ادْهَمَّ الفرسُ إدْهِماماً أي صار أَدْهَمَ، وادْهامَّ الشيء
ادْهيماماً أي اسوادّ، وادْهامَّ الزَّرْعُ: عَلاه السواد رِيّاً. وحديقةٌ
دَهْماءُ مُدْهامَّةٌ: خضراء تَضْرِب إلى السواد من نَعْمَتِها ورِيِّها.
وفي التنزيل العزيز: مُدْهامَّتان أي سوداوان من شدة الخضرة من الريِّ؛
يقول: خَضْراوانِ إلى السواد من الرِّيّ، وقال الزجاج: يعني أنهما
خَضْراوان تَضْرِب خُضْرتُهما إلى السواد، وكل نبت أَخضر فتَمامُ خِصْبِهِ
ورِيِّهِ أن يَضْرِبَ إلى السواد. والدُّهْمةُ عند العرب: السواد، وإنما قيل
للجَنَّة مُدْهامَّة لشدة خضرتها. يقال: اسودَّت الخضرة أي اشتدَّت. وفي
حديث قُسٍّ: ورَوْضة مُدْهامَّة أي شديدة الخضرة المتناهية فيها كأَنها
سوداء لشدة خضرتها، والعرب تقول لكل أَخضر أسْودُ، وسميت قُرَى العراق
سواداً لكثرة خضرتها؛ وأَنشد ابن الأَعرابي في صفة نخل:
دُهْماً كأَنَّ الليل في زُهَائِها،
لا تَرْهَبُ الذِّئْبَ على أَطْلائها
يعني أنها خُضْرٌ إلى السواد من الرِّيّ، وأن اجتماعها يُرِي شُخوصَها
سوداً وزُهاؤها شخوصها، وأَطلاؤها أولادها، يعني فُسْلانَها، لأنها نخل لا
إبِلٌ. والأدْهَمُ: القيد لسواده، وهي الأَداهِمُ، كسَّروه تكسير
الأَسماء وإن كان في الأَصل صفة لأَنه غلب غَلَبةَ الاسم؛ قال جرير:
هو القَيْنُ وابن القَيْنِ، لا قَيْنَ مثلُهُ
لبَطْحِ المَساحي، أو لِجَدْلِ الأَداهِمِ
أبو عمرو: إذا كان القَيدُ من خَشب فهو الأَدْهَمُ والفَلَقُ. الجوهري:
يقال للقيد الأَدْهَمُ؛ وقال:
أوعَدَني، بالسِّجنِ والأَداهِمِ،
رِجْلي، ورِجْلي شََثْنَةُ المَناسِمِ
والدُّهْمَةُ من ألوان الإبل: أن تشتد الوُرْقَةُ حتى يذهب البياضُ.
بَعِيرٌ أَدْهَمُ وناقة دَهْماءُ إذا اشتدت وُرْقَتُهُ حتى ذهب البياض الذي
فيه، فإن زاد على ذلك حتى اشتد السوادُ فهو جَوْنٌ، وقيل: الأَدْهمُ من
الإبل نحو الأصفر إلا أنه أقلُّ سواداً، وقالوا: لا آتيك ما حَنَّت
الدَّهْماء؛ عن اللحياني، وقال: هي النَّاقة، لم يزد على ذلك؛ وقال ابن سيده:
وعندي أنه من الدُّهْمَةِ التي هي هذا اللون، قال الأصمعي: إذا اشتدت
وُرْقَةُ البعير لا يخالطها شيء من البياض فهو أدْهَمُ. وناقة دَهْماءُ وفرس
أَدْهَمُ بَهِيمٌ إذا كان أَسود لا شِيَةَ فيه. والوطأَةُ الدَّهْماءُ:
الجديدة، والغَبْراءُ: الدارِسَةُ؛ قال ذو الرُّمَّة:
سِوَى وَطْأَةٍ دَهْماءَ، من غير جَعْدَةٍ،
ثَنَى أُخْتَها عن غَرْزِ كَبْداء ضامِرِ
أَراد غير جَعْدَة. وقال الأصمعي: أثَرٌ أدْهَمُ جَديد، وأثر أَغْبرُ
قَديم دارِسٌ. وقال غيره: أثرٌ أَدْهَمُ قديم دارِس. قال: الوَطْأَة
الدَّهْماءُ القديمة، والحمراء الجديدة، فهو على هذا من الأضداد؛ قال:
وفي كلِّ أَرْضٍ جِئْتَها أنت واجدٌ
بها أَثَراً منها جَديداً وأَدْهَمَا
والدَّهْماءُ: ليلة تسع وعشرين. والدُّهْمُ ثلاث ليال من الشهر لأنها
دُهْمٌ. وفي حديث عليّ، عليه السلام: لم يمنع ضَوْءَ نُــورِهــا ادْهِمامُ
سَجْفِ الليل المظلمِ؛ الادْهِمامُ: مصدر ادْهَمَّ أي اسودّ. والادْهِيمامُ:
مصدر ادْهامَّ كالاحْمرار والاحْمِيرار في احْمَرَّ واحْمارَّ.
والدَّهْماء من الضأْنِ: الحمراءُ الخالصة الحُمْرةِ. الليث: الدَّهْمُ الجماعة
الكثيرة. وقد دَهَمُونا أي جاؤونا بمرة جماعة. ودَهَمَهُمْ أمرٌ إذا غشيهم
فاشِياً؛ وأنشد:
جِئْنا بدَهْمٍ يَدْهَمُ الدُّهُومَا
وفي حديث بعض العرب وسَبَقَ إلى عرفات: اللهم اغفر لي من قبل أن
يَدْهَمَك الناسُ أي يكثروا عليك؛ قال ابن الأثير: ومثل هذا لا يجوز أن
يُسْتَعْمَلَ في الدعاء إلاَّ لمن يقول بغير تَكَلُّفٍ. الأزهري: ولما نزل قوله
تعالى: عليها تِسْعَةَ عَشَرَ؛ قال أبو جهل: ما تستطيعون يا مَعشر
قُرَيْشٍ، وأنتم الدَّهْمُ، أن يَغْلِبَ كلُّ عشرة منكم واحداً منهم أي وأنتم
العدد الكثير؛ وجيش دَهْمٌ أي كثير. وجاءهم دَهْمٌ من الناس أي كثير.
والدَّهْمُ: العدد الكثير. ومنه الحديث: محمد في الدَّهْمِ بهذا القَوْر،
وحديث بَشير بن سَعْد: فأَدركه الدَّهْمُ عند الليل، والجمع الدُّهوم؛
وقال:جئْنا بدَهْمٍ يَدْهَمُ الدُّهُوما
مَجْرٍ، كأَنَّ فوقَهُ النُّجوما
ودَهِمُوهُمْ ودَهَمُوهُمْ يَدْهَمُونَهُمْ دَهْماً: غَشُوهُمْ؛ قال
بِشْرُ بن أبي خازِمٍ:
فَدَهَمْتُهُمْ دَهْماً بكل طِمِرَّةٍ
ومُقَطِّعٍ حَلَقَ الرِّحالَة مِرْجَمِ
وكل ما غشيك فقد دَهَمَكَ ودَهِمَكَ دَهْماً؛ أنشد ثعلب لأبي محمد
الحَذْلَمِيِّ:
يا سعدُ عَمَّ الماءَ وِرْدٌ يَدْهَمُهْ،
يوم تَلاقَى شاؤُه ونَعَمُهْ
ابن السكيت: دَهِمَهم الأمر يَدْهَمُهُمْ ودَهِمَتْهم الخيل، قال: وقال
أبو عبيدة ودَهَمَهُمْ، بالفتح، يَدْهَمُهُمْ لغة.
وأتتكم الدُّهَيْماءُ؛ يقال: أَراد بالدُّهَيماء السوداء المظلمة،
ويقال: أراد بذلك الداهية يذهب إلى الدُّهَيْمِ اسم ناقة، وفي حديث
حُذَيْفَةَ: وذكر الفتنة فقال أتتكم الدُّهَيْماءُ تَرْمي بالنَّشَفِ ثم التي تليها
ترمي بالرَّضْفِ؛ وفي حديث آخر: حتى ذكرَ فتنة الأَحْلاس ثم فتنة
الدُّهَيْماءِ؛ قال أبو عبيدة: قوله الدُّهَيْماءُ نراه أَراد الدَّهْماء
فصَغَّرها، قال شمر: أراد بالدَّهْماء الفتنة السوداء المظلمة والتصغير فيها
للتعظيم، ومنه حديثه الآخر: لتكونَنَّ فيكم أربع فِتَنٍ: الرَّقْطاءُ
والمظْلِمةُ وكذا وكذا؛ فالمُظْلِمةُ مثل الدَّهْماءِ، قال: وبعض الناس يذهب
بالدُّهَيْماء إلى الدُّهَيْمِ وهي الداهية، وقيل للداهية دُهَيْمٌ أَن
ناقة كان يقال لها الدُّهَيْمُ، وغزا قوم من العرب قوماً فَقُتِلَ منهم
سبعة إخْوة فحُمِلوا على الدُّهَيْمِ، فصارت مثلاً في كل داهيةٍ. قال شمر:
وسمعت ابن الأعرابي يروي عن المُفَضَّل أن هؤلاء بنو الزَّبَّان ابن
مُجالِدٍ، خرجوا في طلب إبل لهم فلقيهم كثيف ابن زُهَيْرٍ، فضرب أَعناقهم ثم
حمل رؤوسهم في جُوالِقٍ وعَلَّقه في عُنق ناقة يقال لها الدُّهَيْمُ،
وهي ناقة عمرو بن الزَّبَّان، ثم خَلاّها في الإبل فراحت على الزَّبَّان
فقال لما رأى الجُوالِقَ: أَظن بَنِيَّ صادوا بيض نَعام، ثم أهوى بيده
فأَدخلها في الجُوالِقِ فإذا رَأْسٌ، فلما رآه قال: آخِرُ البَزِّ على
القَلُوصِ، فذهبت مثلاً، وقيل: أَثقل من حِمْل الدُّهَيْمِ وأَشأَم من
الدُّهَيْمِ؛ وقيل في الدُّهَيمِ: اسم ناقة غزا عليها ستة إخوة فقُتِلُوا عن
آخرهم وحُمِلوا عليها حتى رجعت بهم، فصارت مثلاً في كل داهية، وضربت العرب
الدُّهَيْمَ مثلاً في الشر والداهية؛ وقال الراعي يذكر جَوْرَ السعاة:
كتبَ الدُّهَيْمُ من العَداءِ لِمُسْرِفٍ
عادٍ، يُريدُ مَخانةً وغُلولا
وقال الكميت:
أَهَمْدانُ مَهْلاً لا يُصَبِّح بُيوتَكمْ
بِجُرْمِكُمُ حِمْلُ الدُّهَيْمِ، وما تََزْبي
وهذا البيت حجة لما قاله المفضّل.
والدَّهْماء: الجماعة من الناس. الكسائي: يقال دَخَلْتُ في خَمَرِ الناس
أي في جماعتهم وكثرتهم، وفي دَهْماء الناس أَيضاً مثله؛ وقال:
فَقَدْناك فِقْدانَ الربِيع، وليْتَنا
فَدَيْناكَ، من دَهْمائِنا، بأُلوفِ
وما أدري أيُّ الدَّهْمِ هو وأَيُّ دَهْمِ الله هو أَي أيّ خَلْقِ الله.
والدَّهْماءُ: العدد الكثير. ودَهْماءُ الناس: جماعتهم وكثرتهم.
والدُّهَيْماءُ، تصغير الدَّهْماء: الداهية، سميت بذلك لإظْلامِها، والدُّهَيْم
أُمّ الدُّهَيْمِ الدَّواهي، وفي المحكم: الداهية. وفي الحديث: من أَراد
أهل المدينة بدَهْمٍ أي بغائلة من أمر عظيم يَدْهَمُهُمْ أي
يَفْجَؤُهُمْ. ويقال: هَدَمَهُ ودَهْدَمَه بمعنى واحد؛ قال العجاج:
وما سُؤالُ طَلَلٍ وأَرْسُمِ
والنُّؤْيِ، بَعْدَ عَهْدِهِ المُدَهْدَم
يعني الحاجز حول البيت إذا تهدم؛ وقال:
غير ثَلاثٍ في المَحَلِّ صُيَّمِ
رَوائم، وهُنَّ مثل الرُّؤَّمِ،
بعد البِلى، شِبْه الرَّمادِ الأَدْهَمِ
ورَبْعٌ أَدْهَمُ: حديث العهد بالحَيِّ، وأَرْبُعٌ دُهْمٌ؛ وقال ذو
الرمة أيضاً:
ألِلأَرْبُعِ الدُّهْمِ اللَّواتي كأَنَّها
بَقِيَّةُ وَحْيٍ في بُطونِ الصَّحائف؟
الأزهري: المُتَدَهَّمُ والمُتَدَأّمُ والمُتَدَثِّرُ هو المَجْبوسُ
المأْبونُ. والدَّهْماءُ: القِدْرُ. ابن شميل: الدَّهْماء السوداء من
القُدور، وقد دَهَّمَتْها النارُ. والدَّهْماء: سَحْنَةُ الرجل. وفَعَلَ به ما
أَدْهَمَهُ أي ساءَه وأَرْغَمَهُ؛ عن ثعلب. والدَّهْماءُ: عُشْبَة ذات
ورق وقُضُبٍ كأنها القَرْنُوَةُ، ولها نَوْرَةٌ حمراء يُدْبَغُ بها،
ومَنْبِتُها قِفافُ الرمل.
وقد سَمَّوْا داهِماً ودُهَيْماً ودُهْماناً. والدُّهَيْم: اسم ناقة،
وقد تقدم ذكرها. ودُهْمان: بطن من هُذَيْلٍ؛ قال صَخْرُ الغَيِّ:
ورَهْــط دُهْمانَ ورَهْــطُ عادِيَهْ
والأَدْهَمُ: فرس عَنْتَرَةَ بن مُعاوية
(* المشهور أنه عنترة بن شدّاد)
، صفة غالبة.
سحر: الأَزهري: السِّحْرُ عَمَلٌ تُقُرِّبَ فيه إِلى الشيطان وبمعونة
منه، كل ذلك الأَمر كينونة للسحر، ومن السحر الأُخْذَةُ التي تأْخُذُ
العينَ حتى يُظَنَّ أَن الأَمْرَ كما يُرَى وليس الأَصل على ما يُرى؛
والسِّحْرُ: الأُخْذَةُ. وكلُّ ما لَطُفَ مَأْخَذُه ودَقَّ، فهو سِحْرٌ، والجمع
أَسحارٌ وسُحُورٌ، وسَحَرَه يَسْحَرُه سَحْراً وسِحْراً وسَحَّرَه، ورجلٌ
ساحِرٌ من قوم سَحَرَةٍ وسُحَّارٍ، وسَحَّارٌ من قوم سَحَّارِينَ، ولا
يُكَسَّرُ؛ والسِّحْرُ: البيانُ في فِطْنَةٍ، كما جاء في الحديث: إِن قيس
بن عاصم المِنْقَرِيَّ والزَّبْرِقانَ بنَ بَدْرٍ وعَمْرَو بنَ الأَهْتَمِ
قدموا على النبي، صلى الله عليه وسلم، فسأَل النبيُّ، صلى الله عليه
وسلم، عَمْراً عن الزِّبْرِقانِ فأَثنى عليه خيراً فلم يرض الزبرقانُ بذلك،
وقال: والله يا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إِنه ليعلم أَنني أَفضل
مما قال ولكنه حَسَدَ مكاني منك؛ فَأَثْنَى عليه عَمْرٌو شرّاً ثم قال:
والله ما كذبت عليه في الأُولى ولا في الآخرة ولكنه أَرضاني فقلتُ بالرِّضا
ثم أَسْخَطَنِي فقلتُ بالسَّخْطِ، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم:
إِن من البيان لَسِحْراً؛ قال أَبو عبيد: كأَنَّ المعنى، والله أَعلم،
أَنه يَبْلُغُ من ثنائه أَنه يَمْدَحُ الإِنسانَ فَيَصْدُقُ فيه حتى
يَصْرِفَ القلوبَ إِلى قوله ثم يَذُمُّهُ فَيَصْدُق فيه حتى يَصْرِفَ القلوبَ
إلى قوله الآخر، فكأَنه قد سَحَرَ السامعين بذلك؛ وقال أَن الأَثير: يعني
إِن من البيان لسحراً أَي منه ما يصرف قلوب السامعين وإِن كان غير حق،
وقيل: معناه إِن من البيان ما يَكْسِبُ من الإِثم ما يكتسبه الساحر بسحره
فيكون في معرض الذمّ، ويجوز اين يكون في معرض المدح لأَنه تُسْتَمالُ به
القلوبُ ويَرْضَى به الساخطُ ويُسْتَنْزَلُ به الصَّعْبُ. قال الأَزهري:
وأَصل السِّحْرِ صَرْفُ الشيء عن حقيقته إِلى غيره فكأَنَّ الساحر لما
أَرَى الباطلَ في صورة الحق وخَيَّلَ الشيءَ على غير حقيقته، قد سحر الشيء
عن وجهه أَي صرفه. وقال الفراء في قوله تعالى: فَأَنَّى تُسْحَرُون؛ معناه
فَأَنَّى تُصْرَفون؛ ومثله: فأَنى تؤْفكون؛ أُفِكَ وسُحِرَ سواء. وقال
يونس: تقول العرب للرجل ما سَحَرَك عن وجه كذا وكذا أَي ما صرفك عنه؟ وما
سَحَرَك عنا سَحْراً أَي ما صرفك؟ عن كراع، والمعروف: ما شَجَرَك
شَجْراً. وروى شمر عن ابن عائشة
(* قوله: «ابن عائشة» كذا بالأَصل وفي شرح
القاموس: ابن أبي عائشة). قال: العرب إِنما سمت السِّحْرَ سِحْراً لأَنه يزيل
الصحة إِلى المرض، وإِنما يقال سَحَرَه أَي أَزاله عن البغض إِلى الحب؛
وقال الكميت:
وقادَ إِليها الحُبَّ، فانْقادَ صَعْبُه
بِحُبٍّ من السِّحْرِ الحَلالِ التَّحَبُّبِ
يريد أَن غلبة حبها كالسحر وليس به لأَنه حب حلال، والحلال لا يكون
سحراً لأَن السحر كالخداع؛ قال شمر: وأَقرأَني ابن الأَعرابي للنابغة:
فَقالَتْ: يَمِينُ اللهِ أَفْعَلُ إِنَّنِي
رأَيتُك مَسْحُوراً، يَمِينُك فاجِرَه
قال: مسحوراً ذاهِبَ العقل مُفْسَداً. قال ابن سيده: وأَما قوله، صلى
الله عليه وسلم: من تَعَلَّمَ باباً من النجوم فقد تعلم باباً من السحر؛
فقد يكون على المعنى أَوَّل أَي أَن علم النجوم محرّم التعلم، وهو كفر، كما
أَن علم السحر كذلك، وقد يكون على المعنى الثاني أَي أَنه فطنة وحكمة،
وذلك ما أُدرك منه بطريق الحساب كالكسوف ونحوه، وبهذا علل الدينوري هذا
الحديث.
والسَّحْرُ والسحّارة: شيء يلعب به الصبيان إِذ مُدّ من جانب خرج على
لون، وإِذا مُدَّ من جانب آخر خرج على لون آخر مخالف، وكل ما أَشبه ذلك:
سَحَّارةٌ.
وسَحَرَه بالطعامِ والشراب يَسْحَرُه سَحْراً وسَحَّرَه: غذَّاه
وعَلَّلَه، وقيل: خَدَعَه. والسِّحْرُ: الغِذاءُ؛ قال امرؤ القيس:
أُرانا مُوضِعِينَ لأَمْرِ غَيْبٍ،
ونُسْحَرُ بالطَّعامِ وبالشَّرابِ
عَصافِيرٌ وذِبَّانٌ ودُودٌ،
وأَجْرَأُ مِنْ مُجَلِّجَةِ الذِّئَابِ
أَي نُغَذَّى أَو نُخْدَعْ. قال ابن بري: وقوله مُوضِعين أَي مسرعين،
وقوله: لأَمْرِ غَيْبٍ يريد الموت وأَنه قد غُيِّبَ عنا وَقْتُه ونحن
نُلْهَى عنه بالطعام والشراب. والسِّحْرُ: الخديعة؛ وقول لبيد:
فَإِنْ تَسْأَلِينَا: فِيمَ نحْنُ؟ فإِنَّنا
عَصافيرُ من هذا الأَنَامِ المُسَحَّرِ
يكون على الوجهين. وقوله تعالى: إِنما أَنتَ من المُسَحَّرِين؛ يكون من
التغذية والخديعة. وقال الفراء: إِنما أَنت من المسحرين، قالوا لنبي
الله: لست بِمَلَكٍ إِنما أَنت بشر مثلنا. قال: والمُسَحَّرُ المُجَوَّفُ
كأَنه، والله أَعلم، أُخذ من قولك انتفخ سَحْرُكَ أَي أَنك تأْكل الطعام
والشراب فَتُعَلَّلُ به، وقيل: من المسحرين أَي ممن سُحِرَ مرة بعد مرة.
وحكى الأَزهري عن بعض أَهل اللغة في قوله تعالى: أَن تتبعون إِلا رجلاً
مسحوراً، قولين: أَحدهما إِنه ذو سَحَرٍ مثلنا، والثاني إِنه سُحِرَ وأُزيل
عن حد الاستواء. وقوله تعالى: يا أَيها السَّاحِرُ ادْعُ لنا ربك بما
عَهِدَ عندك إِننا لمهتدون؛ يقول القائل: كيف قالوا لموسى يا أَيها الساحر
وهم يزعمون أَنهم مهتدون؟ والجواب في ذلك أَن الساحر عندهم كان نعتاً
محموداً، والسِّحْرُ كان علماً مرغوباً فيه، فقالوا له يا أَيها الساحر على
جهة التعظيم له، وخاطبوه بما تقدم له عندهم من التسمية بالساحر، إِذ جاء
بالمعجزات التي لم يعهدوا مثلها، ولم يكن السحر عندهم كفراً ولا كان مما
يتعايرون به، ولذلك قالوا له يا أَيها الساحر. والساحرُ: العالِمُ.
والسِّحْرُ: الفسادُ. وطعامٌ مسحورٌ إِذا أُفْسِدَ عَمَلُه، وقيل: طعام مسحور
مفسود؛ عن ثعلب. قال ابن سيده: هكذا حكاه مفسود لا أَدري أَهو على طرح
الزائد أَم فَسَدْتُه لغة أَم هو خطأٌ. ونَبْتٌ مَسْحور: مفسود؛ هكذا حكاه
أَيضاً الأَزهري. أَرض مسحورة: أَصابها من المطر أَكثرُ مما ينبغي
فأَفسدها. وغَيْثٌ ذو سِحْرٍ إِذا كان ماؤه أَكثر مما ينبغي. وسَحَرَ المطرُ
الطينَ والترابَ سَحْراً: أَفسده فلم يصلح للعمل؛ ابن شميل: يقال للأَرض التي
ليس بها نبت إِنما هي قاعٌ قَرَقُوسٌ. أَرض مسحورة
(* قوله: «أرض مسحورة
إلخ» كذا بالأصل. وعبارة الأساس: وعنز مسحورة قليلة اللبن وأرض مسحورة
لا تنبت): قليلةُ اللَّبَنِ. وقال: إِن اللَّسَقَ يَسْحَرُ أَلبانَ الغنم،
وهو أَن ينزل اللبن قبل الولاد.
والسَّحْر والسحَر: آخر الليل قُبَيْل الصبح، والجمع أَسحارٌ.
والسُّحْرَةُ: السَّحَرُ، وقيل: أَعلى السَّحَرِ، وقيل: هو من ثلث الآخِر إِلى
طلوع الفجر. يقال: لقيته بسُحْرة، ولقيته سُحرةً وسُحْرَةَ يا هذا، ولقيته
سَحَراً وسَحَرَ، بلا تنوين، ولقيته بالسَّحَر الأَعْلى، ولقيته بأَعْلى
سَحَرَيْن وأَعلى السَّحَرَين، فأَما قول العجاج:
غَدَا بأَعلى سَحَرٍ وأَحْرَسَا
فهو خطأٌ، كان ينبغي له أَن يقول: بأَعلى سَحَرَيْنِ، لأَنه أَوَّل
تنفُّس الصبح، كما قال الراجز:
مَرَّتْ بأَعلى سَحَرَيْنِ تَدْأَلُ
ولقيتُه سَحَرِيَّ هذه الليلة وسَحَرِيَّتَها؛ قال:
في ليلةٍ لا نَحْسَ في
سَحَرِيِّها وعِشائِها
أَراد: ولا عشائها. الأَزهري: السَّحَرُ قطعة من الليل.
وأَسحَرَ القومُ: صاروا في السَّحَر، كقولك: أَصبحوا. وأَسحَرُوا
واستَحَرُوا: خرجوا في السَّحَر. واسْتَحَرْنا أَي صرنا في ذلك الوقتِ،
ونَهَضْنا لِنَسير في ذلك الوقت؛ ومنه قول زهير:
بَكَرْنَ بُكُوراً واستَحَرْنَ بِسُحْرَةٍ
وتقول: لَقِيتُه سَحَرَ يا هذا إِذا أَردتَ به سَحَر ليلَتِك، لم تصرفه
لأَنه معدول عن الأَلف واللام وهو معرفة، وقد غلب عليه التعريفُ بغير
إِضافة ولا أَلف ولا لام كما غلب ابن الزبير على واحد من بنيه، وإِذا
نكَّرْتَ سَحَر صرفتَه، كما قال تعالى: إِلاَّ آلَ لُوط نجيناهم بِسَحَرٍ؛
أَجراهُ لأَنه نكرةٌ، كقولك نجيناهم بليل؛ قال: فإِذا أَلقَتِ العربُ منه
الباءَ لم يجروه فقالوا: فعلت هذا سَحَرَ يا فتى، وكأَنهم في تركهم إِجراءه
أَن كلامهم كان فيه بالأَلف واللام فجرى على ذلك، فلما حذفت منه الأَلف
واللام وفيه نيتهما لم يصرف، وكلامُ العرب أَن يقولوا: ما زال عندنا
مُنْذُ السَّحَرِ، لا يكادون يقولون غيره. وقال الزجاج، وهو قول سيبويه:
سَحَرٌ إِذا كان نكرة يراد سَحَرٌ من الأَسحار انصرف، تقول: أَتيت زيداً
سَحَراً من الأَسحار، فإِذا أَردت سَحَرَ يومك قلت: أَتيته سَحَرَ يا هذا،
وأَتيته بِسَحَرَ يا هذا؛ قال الأَزهري: والقياس ما قاله سيبويه. وتقول:
سِرْ على فرسك سَحَرَ يا فتى فلا ترفعه لأَنه ظرف غير متمكن، وإِن سميت
بسَحَر رجلاً أَو صغرته انصرف لأَنه ليس على وزن المعدول كَأُخَرَ، تقول:
سِرْ على فرسك سُحَيْراً وإِنما لم ترفعه لأَن التصير لم يُدْخِله في الظروف
المتمكنة كما أَدخله في الأَسماء المنصرفة؛ قال الأَزهري: وقول ذي الرمة
يصف فلاة:
مُغَمِّض أَسحارِ الخُبُوتِ إِذا اكْتَسَى،
مِن الآلِ، جُلأً نازحَ الماءِ مُقْفِر
قيل: أَسحار الفلاة أَطرافها. وسَحَرُ كل شيء: طَرَفُه. شبه بأَسحار
الليالي وهي أَطراف مآخرها؛ أَراد مغمض أَطراف خبوته فأَدخل الأَلف واللام
فقاما مقام الإِضافة.
وسَحَرُ الوادي: أَعلاه. الأَزهري: سَحَرَ إِذا تباعد، وسَحَرَ خَدَعَ،
وسَحِرَ بَكَّرَ.
واستَحَرَ الطائرُ: غَرَّد بسَحَرٍ؛ قال امرؤ القيس:
كَأَنَّ المُدَامَ وصَوْبَ الغَمامِ،
وريحَ الخُزامَى ونَشْرَ القُطُرْ،
يُعَلُّ به بَرْدُ أَنيابِها،
إِذا طَرَّبَ الطائِرُ المُسْتَحِرْ
والسَّحُور: طعامُ السَّحَرِ وشرابُه. قال الأَزهري: السَّحور ما
يُتَسَحَّرُ به وقت السَّحَرِ من طعام أَو لبن أَو سويق وضع اسماً لما يؤكل ذلك
الوقت؛ وقد تسحر الرجل ذلك الطعام أَي أَكله، وقد تكرر ذكر السَّحور في
الحديث في غير موضع؛ قال ابن الأَثير: هو بالفتح اسم ما يتسحر به من
الطعام والشراب، وبالضم المصدر والفعل نفسه، وأَكثر ما روي بالفتح؛ وقيل:
الصواب بالضم لأَنه بالفتح الطعام والبركة، والأَجر والثواب في الفعل لا في
الطعام؛ وَتَسَحَّرَ: أَكل السَّحورَ.
والسَّحْرُ والسَّحَرُ والسُّحْرُ: ما التزق بالحلقوم والمَرِيء من
أَعلى البطن. ويقال للجبان: قد انتفخ سَحْرُه، ويقال ذلك أَيضاً لمن تعدّى
طَــوْرَه. قال الليث: إِذا نَزَتْ بالرجل البِطْنَةُ يقال: انتفخ سَحْرُه،
معناه عَدَا طَــوْرَهُ وجاوز قدرَه؛ قال الأَزهري: هذا خطأٌ إِنما يقال
انتفخ سَحْرُه للجبان الذي مَلأَ الخوف جوفه، فانتفخ السَّحْرُ وهو الرئة
حتى رفع القلبَ اإلى الحُلْقوم، ومنه قوله تعالى: وبلغت القلوبُ الحناجرَ
وتظنون بالله الظنون، وكذلك قوله: وأَنْذِرْهُمْ يومَ الآزفة إِذ القلوبُ
لَدَى الحناجر؛ كلُّ هذا يدل على أَن انتفاخ السَّحْر مَثَلٌ لشدّة الخوف
وتمكن الفزع وأَنه لا يكون من البطنة؛ ومنه قولهم للأَرنب:
المُقَطَّعَةُ الأَسحارِ، والمقطعة السُّحُورِ، والمقطعةُ النِّياط، وهو على التفاؤل،
أَي سَحْرُه يُقَطَّعُ على هذا الاسم. وفي المتأَخرين من يقول:
المُقَطِّعَة، بكسر الطاء، أَي من سرعتها وشدة عدوها كأَنها تُقَطَّعُ سَحْرَها
ونِياطَها. وفي حديث أَبي جهل يوم بدر: قال لِعُتْبَةَ بن ربيعة انتَفَخَ
سَحْرُك أَي رِئَتُك؛ يقال ذلك للجبان وكلِّ ذي سَحْرٍ مُسَحَّرٍ.
والسَّحْرُ أَيضاً: الرئة، والجمع أَسحارٌ وسُحُرٌ وسُحُورٌ؛ قال
الكميت:وأَربط ذي مسامع، أَنتَ، جأْشا،
إِذا انتفخت من الوَهَلِ السُّحورُ
وقد يحرك فيقال سَحَرٌ مثال نَهْرٍ ونَهَرٍ لمكان حروف الحلق.
والسَّحْرُ أَيضاً: الكبد. والسَّحْرُ: سوادُ القلب ونواحيه، وقيل: هو القلب، وهو
السُّحْرَةُ أَيضاً؛ قال:
وإِني امْرُؤٌ لم تَشْعُرِ الجُبْنَ سُحْرَتي،
إِذا ما انطَوَى مِنِّي الفُؤادُ على حِقْدِ
وفي حديث عائشة، رضي الله عنها: مات رسول الله،صلى الله عليه وسلم، بين
سَحْرِي ونَحْرِي؛ السَّحْرُ الرئة، أَي مات رسول الله، «صلى الله عليه
وسلم»،وهو مستند إِلى صدرها وما يحاذي سَحْرَها منه؛ وحكى القتيبي عن
بعضهم أَنه بالشين المعجمة والجيم، وأَنه سئل عن ذلك فشبك بين أَصابعه
وقدّمها عن صدره، وكأَنه يضم شيئاً إِليه، أَي أَنه مات وقد ضمته بيديها إِلى
نحرها وصدرها، رضي الله عنها والشَّجْرُ: التشبيك، وهو الذَّقَنُ أَيضاً،
والمحفوظ الأَوَّل، وسنذكره في موضعه. وسَحَرَه، فهو مسحور وسَحِيرٌ:
أَصاب سَحْرَه أَو سُحْرَه أَو سُحْرَتَه
(* قوله: «أو سحرته» كذا ضبط
الأصل. وفي القاموس وشرحه السحر، بفتح السكون وقد يحرك ويضم فهي ثلاث لغات
وزاد الخفاجي بكسر فسكون اهـ بتصرف).
ورجلٌ سَحِرٌ وسَحِيرٌ: انقطع سَحْرُه، وهو رئته، فإِذا أَصابه منه
السِّلُّ وذهب لحمه، فهو سَحِيرٌ وسَحِرٌ؛ قال العجاج:
وغِلْمَتِي منهم سَحِيرٌ وسَحِرْ،
وقائمٌ من جَذْبِ دَلْوَيْها هَجِرْ
سَحِرَ: انقطع سَحْرُه من جذبه بالدلو؛ وفي المحكم؛
وآبق من جذب دلويها
وهَجِرٌ وهَجِيرٌ: يمشي مُثْقَلاً متقارب الخَطْوِ كأَن به هِجَاراً لا
ينبسط مما به من الشر والبلاء. والسُّحَارَةُ: السَّحْرُ وما تعلق به مما
ينتزعه القَصَّابُ؛ وقوله:
أَيَذْهَبُ ما جَمَعْتَ صَرِيمَ سَحْرِ؟
ظَلِيفاً؟ إِنَّ ذا لَهْوَ العَجِيبُ
معناه: مصروم الرئة مقطوعها؛ وكل ما يَبِسَ منه، فهو صَرِيمُ سَحْرٍ؛
أَنشد ثعلب:
تقولُ ظَعِينَتِي لَمَّا استَقَلَّتْ:
أَتَتْرُكُ ما جَمَعْتَ صَرِيمَ سَحْرِ؟
وصُرِمَ سَحْرُه: انقطع رجاؤه، وقد فسر صَريم سَحْرٍ بأَنه المقطوع
الرجاء. وفرس سَحِيرٌ: عظيم الجَوْفِ. والسَّحْرُ والسُّحْرةُ: بياض يعلو
السوادَ، يقال بالسين والصاد، إِلاَّ أَن السين أَكثر ما يستعمل في سَحَر
الصبح، والصاد في الأَلوان، يقال: حمار أَصْحَرُ وأَتان صَحراءُ.
والإِسحارُّ والأَسْحارُّ: بَقْلٌ يَسْمَنُ عليه المال، واحدته إِسْحارَّةٌ
وأَسْحارَّةٌ. قال أَبو حنيفة: سمعت أَعرابيّاً يقول السِّحارُ فطرح الأَلف
وخفف الراء وزعم أَن نباته يشبه الفُجْلَ غير أَن لا فُجْلَةَ له، وهو
خَشِنٌ يرتفع في وسطه قَصَبَةٌ في رأْسها كُعْبُرَةٌ ككُعْبُرَةِ الفُجْلَةِ،
فيها حَبٌّ له دُهْنٌ يؤكل ويتداوى به، وفي ورقه حُروفَةٌ؛ قال: وهذا قول
ابن الأَعرابي، قال: ولا أَدري أَهو الإِسْحارّ أَم غيره. الأَزهري عن
النضر: الإِسحارَّةُ والأَسحارَّةُ بقلة حارَّة تنبت على ساق، لها ورق
صغار، لها حبة سوداء كأَنها الشِّهْنِيزَةُ.
عنن: عَنَّ الشيءُ يَعِنُّ ويَعُنُّ عَنَناً وعُنُوناً: ظَهَرَ أَمامك؛
وعَنَّ يَعِنُّ ويُعُنُّ عَنّاً وعُنوناً واعْتَنَّ: اعتَرَضَ وعَرَض؛
ومنه قول امرئ القيس:
فعَنَّ لنا سِرْبٌ كأَنَّ نِعاجه.
والاسم العَنَن والعِنانُ؛ قال ابن حِلزة:
عَنَناً باطِلاً وظُلْماً، كما تُعْــ
ـتَرُ عن حَجْرةِ الرَّبيضِ الظِّباءُ
(* قوله «عنناً باطلاً» تقدم إنشاده في مادة حجر وربض وعتر: عنتا بنون
فمثناة فوقية وكذلك في نسخ من الصحاح لكن في تلك المواد من المحكم
والتهذيب عنناً بنونين كما أنشداه هنا). وأَنشد ثعلب:
وما بَدَلٌ من أُمِّ عُثمانَ سَلْفَعٌ،
من السُّود، وَرْهــاءُ العِنان عَرُوبُ.
معنى قوله وَرْهــاءِ العِنان أَنها تَعْتنُّ في كل كلام أَي تعْترض. ولا
أَفعله ما عَنَّ في السماء نجمٌ أَي عَرَض من ذلك. والعِنَّة والعُنَّة:
الاعتراض بالفُضول. والاعْتِنانُ: الاعتراض. والعُنُنُ: المعترضون
بالفُضول، الواحد عانٌّ وعَنونٌ، قال: والعُنُن جمع العَنين وجمع المَعْنون.
يقال: عُنَّ الرجلُ وعُنِّنَ وعُنِنَ وأُعْنِنَ
(* قوله «وأعنن» كذا في
التهذيب، والذي في التكملة والقاموس: وأعنّ بالإدغام).، فهو عَنِينَ
مَعْنونٌ مُعَنٌّ مُعَنَّنٌ، وأَعْنَنْتُ بعُنَّةٍ ما أَدري ما هي أَي تعَرَّضتُ
لشيء لا أَعرفه. وفي المثل: مُعْرِضٌ
لعَنَنٍ لم يَعْنِه. والعَنَنُ: اعتراضُ الموت؛ وفي حديث سطيح:
أَم فازَ فازْلَمَّ به شَأْوُ العَننْ.
ورجل مِعَنٌّ: يعْرِض في شيء ويدخل فيما لا يعنيه، والأُنثى بالهاء.
ويقال: امرأَة مِعَنَّة إذا كانت مجدولة جَدْلَ العِنان غير مسترخية البطن.
ورجل مِعَنٌّ إذا كان عِرِّيضاً مِتْيَحاً. وامرأَة مِعَنَّة: تَعْتنُّ
وتعْترض في كل شيء؛ قال الراجز:
إنَّ لنا لَكَنَّه
مِعَنَّةً مِفَنَّه،
كالريح حول القُنَّه.
مِفَنَّة: تَفْتَنُّ عن الشيء، وقيل: تَعْتَنُّ وتَفْتنُّ في كل شيءٍ.
والمِعَنُّ: الخطيب. وفي حديث طهفة: بَرِئنا إليك من الوَثَن والعَنن؛
الوَثَنُ: الصنم، والعَنن: الاعتراض، من عَنَّ الشيء أَي اعترض كأَنه قال:
برئنا إليك من الشرك والظلم، وقيل: أَراد به الخلافَ والباطل؛ ومنه حديث
سطيح:
أَم فازَ فازْلَمَّ به شَأْوُ العَننْ.
يريد اعتراض الموت وسَبْقَه. وفي حديث علي، رضوان الله عليه: دَهَمتْه
المنيَّةُ في عَنَن جِماحه؛ هو ما ليس بقصد؛ ومنه حديثه أَيضاً يذُمُّ
الدنيا: أَلا وهي المُتَصدِّيةُ العَنُونُ أَي التي تتعرض للناس، وفَعول
للمبالغة. ويقال: عَنَّ الرجل يَعِنُّ عَنّاً وعَنَناً إذا اعترض لك من أَحد
جانبيك من عن يمينك أَو من عن شمالك بمكروه. والعَنُّ: المصدر،
والعَنَنُ: الاسم، وهو الموضع الذي يَعُنُّ فيه العانُّ؛ ومنه سمي العِنانُ من
اللجام عِناناً لأَنه يعترضه من ناحيتيه لا يدخل فمه منه شيء. ولقيه عَيْنَ
عُنَّة
(* قوله «عين عنة» بصرف عنة وعدمه كما في القاموس). أَي اعتراضاً
في الساعة من غير أَن يطلبه. وأَعطاه ذلك عَيْنَ عُنَّة أَي خاصةً من
بين أَصحابه، وهو من ذلك. والعِنان: المُعانَّة. والمُعانَّة: المعارضة.
وعُناناك أَن تفعل ذاك، على وزن قُصاراك أَي جهدك وغايتك كأَنه من
المُعانَّة، وذلك أَن تريد أَمراً فيَعْرِضَ دونه عارِضٌ يمنعك منه ويحبسك عنه؛
قال ابن بري: قال الأَخفش هو غُناماك، وأَنكر على أَبي عبيد عُناناك. وقال
النَّجِيرَميُّ: الصواب قول أَبي عبيد. وقال علي ابن حمزة: الصواب قول
الأَخفش؛ والشاهد عليه بيت ربيعة بن مقروم الضبي:
وخَصْمٍ يَرْكَبُ العَوصاءِ طاطٍ
عن المُثْلى، غُناماهُ القِذاعُ.
وهو بمعنى الغنيمة. والقِذاعُ: المُقاذَعة. ويقال: هو لك بين الأَوْبِ
والعَنَن إمّا أَن يَؤُوبَ إليك، وإِما أَن يعْرِضَ عليك؛ قال ابن مقبل:
تُبْدي صُدوداً، وتُخْفي بيننا لَطَفاً
يأْتي محارِمَ بينَ الأَوْبِ والعَنَن.
وقيل: معناه بين الطاعة والعصيان. والعانُّ من السحاب: الذي يَعْتَرِضُ
في الأُفُقِ؛ قال الأَزهري: وأَما قوله:
جَرَى في عِنان الشِّعْرَيَيْنِ الأَماعِزُ.
فمعناه جرى في عِراضِهما سَرابُ الأَماعِز حين يشتدُّ الحرُّ بالسَّراب؛
وقال الهذلي:
كأَنَّ مُلاءَتَيَّ على هِزَفٍّ،
يعُنُّ مع العَشِيَّةِ لِلرِّئالِ.
يَعُنُّ: يَعْرِض، وهما لغتان: يَعِنُّ ويَعُنُّ. والتَّعْنِين: الحبْس،
وقيل: الحبس في المُطْبَق الطويل. ويقال للمجنون: مَعْنون ومَهْرُوع
ومخفوع ومعتُوه وممتوه ومُمْتَهٌ إذا كان مجنوناً. وفلان عَنَّانٌ
عن الخير وخَنَّاسٌ
وكَزَّامٌ أَي بطيء عنه. والعِنِّينُ: الذي لا يأْتي النساء ولا يريدهن
بَيِّنُ العَنَانة والعِنِّينة والعِنِّينيَّة. وعُنِّنَ عن امرأَته إذا
حكم القاضي عليه بذلك أَو مُنعَ عنها بالسحر، والاسم منه العُنَّة، وهو
مما تقدم كأَنه اعترضه ما يَحْبِسُه عن النساء، وامرأَة عِنِّينة كذلك، لا
تريد الرجال ولا تشتهيهم، وهو فِعِّيلٌ بمعنى مفعول مثل خِرِّيج؛ قال:
وسُمِّيَ عِنِّيناً لأَنه يَعِنُّ ذكَرُه لقُبُل المرأَة من عن يمينه
وشماله فلا يقصده. ويقال: تَعَنَّنَ الرجل إذا ترك النساء من غير أَن يكون
عِنِّيناً لثأْر يطلبه؛ ومنه قول ورقاء بن زهير بن جذيمة قاله في خالد ابن
جعفر بن كلاب:
تعَنَّنْتُ للموت الذي هو واقِعٌ،
وأَدركتُ ثأْري في نُمَيْرٍ وعامِرِ.
ويقال للرجل الشريف العظيم السُّودَد: إنه لطويل العِنان. ويقال: إنه
ليأْخذ في كل فَنٍّ وعَنٍّ وسَنٍّ بمعنى واحد. وعِنانُ اللجام: السير الذي
تُمسَك به الدابة، والجمع أَعِنَّة، وعُنُنٌ نادر، فأَما سيبويه فقال: لم
يُكسَّر على غير أَعِنَّة، لأَنهم إن كسَّرُوه على بناء الأَكثر لزمهم
التضعيف وكانوا في هذا أَحرى؛ يريد إذ كانوا قد يقتصرون على أَبنية أَدنى
العدد في غير المعتل، يعني بالمعتل المدغم، ولو كسروه على فُعُل فلزمهم
التضعيف لأَدغموا، كما حكى هو أَن من العرب من يقول في جمع ذُباب ذُبٌّ.
وفرس قصير العِنان إذا ذُمَّ بِقصَر عُنُقِه، فإذا قالوا قصير العِذار فهو
مدح، لأَنه وصف حينئذ بسعة جَحْفلته. وأَعَنَّ اللجامَ: جعل له عِناناً،
والتَّعْنينُ مثله. وعَنَّن الفرسَ وأَعَنَّه: حبسه بعنانه. وفي
التهذيب: أَعَنَّ الفارسُ إذا مَدَّ عِنانَ دابته ليَثْنِيَه عن السير، فهو
مُعِنٌّ. وعَنَّ دابته عَنّاً: جعل له عِناناً، وسُمِي عِنانُ اللجام عِناناً
لاعتراض سَيْرَيه على صَفْحَتيْ عُنق الدابة من عن يمينه وشماله. ويقال:
مَلأَ فلانٌ
عِنانَ دابته إذا أَعْداه وحَمَلَهُ على الحُضْر الشديد؛ وأَنشد ابن
السكيت:
حَرْفٌ بعيدٌ من الحادي، إذا مَلأَتْ
شَمْسُ النهارِ عِنانَ الأَبْرَقِ الصَّخِبِ.
قال: أَراد بالأَبْرَقِ الصَّخِبِ الجُنْدُبَ، وعِنانُه جَهْدُه. يقول:
يَرْمَضُ فيستغيث بالطيران فتقع رجلاه في جناحيه فتسمع لهما صوتاً وليس
صوته من فيه، ولذلك يقال صَرَّ الجُنْدُب. وللعرب في العِنانِ أَمثال
سائرة: يقال ذَلَّ عِنانُ فلان إذا انقاد؛ وفُلانٌ أَبّيُّ العِنانِ إذا كان
مُمتنعاً؛ ويقال: أَرْخِ من عنانِه أَي رَفِّه عنه؛ وهما يَجْريان في
عِنانٍ إذا استويا في فَضْلٍ أو غيره؛ وقال الطِّرِمَّاحُ:
سَيَعْلَمُ كُلُّهم أَني مُسِنٌّ،
إذا رَفَعُوا عِناناً عن عِنانِ.
المعنى: سيعلم الشعراء أَني قارح. وجَرى الفرسُ عِناناً إذا جرى شوطاً؛
وقول الطرماح:
إذا رفعوا عناناً عن عنان.
أَي شوطاً بعد شوط. ويقال: اثْنِ عَليَّ عِنانَهُ أَي رُدَّه عليَّ.
وثَنَيْتُ على الفرسِ عِنانه إِذا أَلجمته؛ قال ابن مقبل يذكر فرساً:
وحاوَطَني حتى ثَنَيْتُ عِنانَهُ،
على مُدْبِرِ العِلْباءِ رَيّانَ كاهِلُهْ
حاوَطَني أَي داوَرَني وعالَجَني، ومُدْبِرِ عِلّْيائه: عُنُقُه أَراد
أَنه طويل العنق في عِلْيائِه إدبار. ابن الأَعرابي: رُبَّ جَوادٍ قد
عَثَرَ في اسْتِنانِه وكبا في عِنانه وقَصَّرَ في مَيْدانه. وقال: الفرس
يَجْري بعِتْقِه وعِرْقِه، فإِذا وُضِعَ في المِقْوَس جَرى بجَدِّ صاحبه؛ كبا
أَي عَثَر، وهي الكَبْوَةُ. يقال: لكل جواد كَبْوَة، ولكل عالم هَفْوة،
ولكل صارم نَبْوَة؛ كبا في عِنانِه أَي عثر في شَوْطه. والعِنان: الحبل؛
قال رؤبة:
إلى عِنانَيْ ضامِرٍ لَطيفِ. عنى بالعِنانين هنا المَتْنَين، والضامر
هنا المَتْنُ. وعِنانا المتن: حَبْلاه. والعِنانُ والعانُّ: من صفة الحبال
التي تَعْتَنُّ من صَوْبك وتقطع عليك طريقك. يقال: بموضع كذا وكذا عانٌّ
يَسْتَنُّ السَّابلَة. ويقال للرجل: إنه طَرِفُ العِنان إذا كان خفيفاً.
وعَنَّنَتِ المرأَةُ شعرَها: شَكَّلَتْ بعضه ببعض. وشِرْكَةُ عِنانٍ
وشِرْكُ عِنانٍ: شَرِكَةٌ
في شيء خاص دون سائر أَموالها كأَنه عَنَّ لهما شيء أَي عَرَضَ فاشترياه
واشتركا فيه؛ قال النابغة الجعدي:
وشارَكْنا قُرَيْشاً في تُقاها،
وفي أَحْسابها شِرْكَ العِنانِ
بما وَلَدَتْ نساءُ بني هِلالٍ،
وما وَلَدَتْ نساءُ بني أَبانِ.
وقيل: هو إذا اشتركا في مال مخصوص، وبانَ كلُّ واحد منهما بسائر ماله
دون صاحبه. قال أَبو منصور: الشِّرْكَة شِرْكَتانِ: شِرْكَةُ العِنان،
وشَرِكَةُ المفاوضة، فأَما شَرِكَةُ العِنان فهو أَن يخرج كل واحد من
الشريكين دنانير أَو دراهم مثل ما يُخْرج صاحبه ويَخْلِطاها، ويأْذَنَ كل واحد
منهما لصاحبه بأَن يتجر فيه، ولم تختلف الفقهاء في جوازه وأَنهما إن
رَبِحا في المالين فبينهما، وإنْ وُضِعا فعلى رأْس مال كل واحد منهما، وأَما
شركة المُفاوضة فأَن يَشْتَرِكا في كل شيء في أَيديهما أَو يَسْتَفيداه من
بَعْدُ، وهذه الشركة عند الشافعي باطلة، وعند النعمان وصاحبيه جائزة،
وقيل: هو أَن يعارض الرجل الرجل عند الشراء فيقول له: أَشْرِكني معك، وذلك
قبل أَن يَستوجب العَلَقَ، وقيل: شَرِكة العِنانِ أَن يكونا سواء في
الغَلَق وأَن يتساوى الشريكان فيما أَخرجاه من عين أَو ورق، مأْخوذ من عِنانِ
الدابة لأَن عِنانَ الدابة طاقتان متساويتان؛ قال الجعدي يمدح قومه
ويفتخر:
وشاركنا قريشاً
في تُقاها... (البيتان). أَي ساويناهم، ولو كان من الاعتراض لكان هجاء،
وسميت هذه الشركةُ شَرِكَةَ عِنانٍ لمعارضة كل واحد منهما صاحبه بمال مثل
ماله، وعمله فيه مثل عمله بيعاً وشراء. يقال: عانَّهُ عِناناً
ومُعانَّةً، كما يقال: عارَضَه يُعارضه مُعارَضةً وعِراضاً. وفلان قَصِيرُ
العِنانِ: قليل الخير، على المثل. والعُنَّة: الحَظِيرة من الخَشَبِ أَو الشجر
تجعل للإِبل والغنم تُحْبَسُ فيها، وقيد في الصحاح فقال: لتَتَدَرَّأَ بها
من بَرْدِ الشَّمال. قال ثعلب: العُنَّة الحَظِيرَةُ تكون على باب الرجل
فيكون فيها إِبله وغنمه. ومن كلامهم: لا يجتمع اثنان في عُنَّةٍ، وجمعها
عُنَنٌ؛ قال الأَعشى:
تَرَى اللَّحْمَ من ذابِلٍ قد ذَوَى،
ورَطْبٍ يُرَفَّعُ فَوْقَ العُنَنْ.
وعِنانٌ أَيضاً: مثل قُبَّةٍ وقِبابٍ. وقال البُشْتِيُّ: العُنَنُ في
بيت الأَعشى حِبال تُشَدُّ ويُلْقَى عليها القَدِيدُ. قال أَبو منصور:
الصواب في العُنَّة والعُنَنِ ما قاله الخليل وهو الحظيرة، وقال: ورأَيت
حُظُراتِ الإِبل في البادية يسمونها عُنَناً لاعْتِنانِها في مَهَبِّ
الشَّمالِ مُعْتَرِضة لتقيها بَرْدَ الشَّمالِ، قال: ورأَيتهم يَشُرُّون اللحم
المُقَدَّدَ فوقها إذا أَرادوا تجفيفه؛ قال: ولست أَدري عمن أَخذ
البُشْتِيُّ ما قال في العُنَّة إنه الحبل الذي يُمَدُّ، ومَدُّ الحبل من فِعَْلِ
الحاضرة، قال: وأُرى قائلَه رأَى فقراءَ الحرم يَمُدُّون الحبال بمِنًى
فيُلْقُون عليها لُحومَ الأَضاحي والَدْي التي يُعْطَوْنَها، ففسر قول
الأَعشى بما رأَى، ولو شاهد العرب في باديتها لعلم أَن العُنَّة هي
الحِظَارُ من الشجر. وفي المثل: كالمُهَدِّرِ في العُنَّةِ؛ يُضْرَبُ مثلاً لمن
يَتَهَدَّدُ ولا يُنَفِّذُ. قال ابن بري: والعُنَّةُ، بالضم أَيضاً،
خَيْمة تجعل من ثُمامٍ أَو أَغصان شجر يُسْتَظَلُّ بها. والعُنَّة: ما يجمعه
الرجل من قَصَبٍ ونبت ليَعْلِفَه غَنَمه. يقال: جاء بعُنَّةٍ عظيمة.
والعَنَّةُ، بفتح العين: العَطْفَة؛ قال الشاعر:
إذا انصَرَفَتْ من عَنَّةٍ بعد عَنَّةٍ،
وجَرْسٍ على آثارِها كالمُؤَلَّبِ
والعُنَّةُ: ما تُنْصَبُ عليه القِدْرُ. وعُنَّةُ القِدْر: الدِّقْدانُ؛
قال:
عَفَتْ غيرَ أَنْآءٍ ومَنْصَبِ عُنَّةٍ،
وأَوْرَقَ من تحتِ الخُصاصَةِ هامِدُ.
والعَنُونُ من الدواب: التي تُباري في سيرها الدوابَّ فتَقْدُمُها، وذلك
من حُمُر الوحش؛ قال النابغة:
كأَنَّ الرَّحْلَ شُدَّ به خَنُوفٌ،
من الجَوْناتِ، هادِيةٌ عَنُونُ.
ويروى: خَذُوفٌ، وهي السمينة من بقر الوحش. ويقال: فلان عَنَّانٌ
على آنُفِ القوم إذا كان سَبَّاقاً لهم.
وفي حديث طَهْفة: وذو العِنانِ الرَّكُوبُ؛ يريد الفرس الذَّلُولَ، نسبه
إلى العِنانِ والرَّكوب لأَنه يُلْجَم ويُرْكَب. والعِنانُ: سير
اللِّجام. وفي حديث عبد الله بن مسعود: كان رجلٌ في أَرض له إِذ مَرَّتْ به
عَنَانةٌ تَرَهْيَأُ؛ العانَّة والعَنَانةُ: السَّحابة، وجمعها عَنَانٌ. وفي
الحديث: لو بَلَغتْ خَطيئتُه عَنانَ السماء؛ العَنَان، بالفتح: السحاب،
ورواه بعضهم أَعْنان، بالأَلف، فإِن كان المحفوظ أَعْنان فهي النواحي؛
قاله أَبو عبيد؛ قال يونس بن حبيب: أَعْنانُ كل شيء نواحيه، فأَما الذي
نحكيه نحن فأَعْناءُ السماء نواحيها؛ قاله أَبو عمرو وغيره. وفي الحديث:
مَرَّتْ به سحابةٌ فقال: هل تدرون ما اسم هذه؟ قالوا: هذه السحابُ، قال:
والمُزْنُ، قالوا: والمزن، قال: والعَنان، قالوا: والعَنانُ؛ وقيل: العَنان
التي تُمْسِكُ الماءَ، وأَعْنانُ السماء نواحيها، واحدها عَنَنٌ وعَنٌّ.
وأَعْنان السماء: صَفائحُها وما اعترَضَ من أَقطارها كأَنه جمع عَنَنٍ.
قال يونس: ليس لمَنْقُوصِ البيان بَهاءٌ ولو حَكَّ بِيافُوخِه أَعْنان
السماء، والعامة تقول: عَنان السماء، وقيل: عَنانُ السماء ما عَنَّ لك منها
إذا نظرت إليها أَي ما بدا لك منها. وأَعْنانُ الشجر: أَطرافُه ونواحيه.
وعَنانُ الدار: جانبها الذي يَعُنُّ لك أَي يَعْرِضُ. وأَما ما جاء في
الحديث من أَنه، صلى الله عليه وسلم، سئل عن الإِبل فقال: أَعْنانُ
الشَّياطين لا تُقْبِلُ إلاَّ مُوَلِّية ولا تُدْبِرُ إلاَّ مُوَلِّية، فإِنه
أَراد أَنها على أَخلاق الشياطين، وحقيقةُ الأَعْنانِ النواحي؛ قال ابن
الأَثير: كأَنه قال كأَنها لكثرة آفاتها من نواحي الشياطين في أَخلاقها
وطبائعها. وفي حديث آخر: لا تصلوا في أَعْطانِ الإِبل لأَنها خلقت من
أَعْنانِ الشياطين. وعَنَنْتُ الكتابَ وأَعْنَنْتُه لكذا أَي عَرَّضْتُه له
وصرَفْته إليه. وعَنَّ الكِتابَ يَعُنُّه عَنّاً وعَنَّنه: كَعَنْوَنَه،
وعَنْوَنْتُه وعَلْوَنْتُه بمعنى واحد، مشتق من المَعْنى. وقال اللحياني:
عَنَّنْتُ الكتابَ تَعْنيناً وعَنَّيْتُه تَعْنِيَةً إذا عَنْوَنْتَه،
أَبدلوا من إِحدى النونات ياء، وسمي عُنْواناً لأَنه يَعُنُّ الكِتابَ من
ناحِيتيه، وأَصله عُنَّانٌ، فلما كثرت النونات قلبت إحداها واواً، ومن قال
عُلْوانُ الكتاب جعل النون لاماً لأَنه أَخف وأَظهر من النون. ويقال للرجل
الذي يُعَرِّض ولا يُصرِّحُ: قد جعل كذا وكذا عُِنْواناً لحاجته؛ وأَنشد:
وتَعْرِفُ في عُنْوانِها بعضَ لَحْنِها،
وفي جَوْفِها صَمْعاءُ تَحْكي الدَّواهِيا.
قال ابن بري: والعُنْوانُ الأَثر؛ قال سَوَّارُ بن المُضرِّب:
وحاجةٍ دُونَ أُخرى قد سنَحْتُ بها،
جعلتُها للتي أَخْفَيْتُ عُنْواناً
قال: وكلما استدللت بشيءٍ تُظهره على غيره فهو عُنوانٌ له كما قال حسان
بن ثابت يرثي عثمان، رضي الله تعالى عنه:
ضَحّوا بأَشْمطَ عُنوانُ السُّجودِ به،
يُقَطِّعُ الليلَ تَسْبِيحاً وقُرْآناً.
قال الليث: العُلْوانُ لغة في العُنْوان غير جيدة، والعُنوان، بالضم، هي
اللغة الفصيحة؛ وقال أَبو دواد الرُّوَاسِيّ:
لمن طَلَلٌ كعُنْوانِ الكِتابِ،
ببَطْنِ أُواقَ، أَو قَرَنِ الذُّهابِ؟
قال ابن بري: ومثله لأَبي الأَسود الدُّؤَليّ:
نظَرْتُ إلى عُنْوانِه فنبَذتُه،
كنَبْذِكَ نَعلاً أَخلقَتْ من نِعالكا.
وقد يُكْسَرُ فيقال عِنوانٌ وعِنيانٌ. واعْتَنَّ ما عند القوم أَي
أُعْلِمَ خَبَرَهم. وعَنْعَنةُ تميم: إبدالُهم العين من الهمزة كقولهم عَنْ
يريدون أَنْ؛ وأَنشد يعقوب:
فلا تُلْهِكَ الدنيا عَنِ الدِّينِ، واعْتَمِلْ
لآخرةٍ لا بُدّ عنْ سَتَصِيرُها.
وقال ذو الرمة:
أَعَنْ تَرَسَّمْتَ من خَرْقَاءَ منْزِلةً،
ماءُ الصَّبَابةِ من عَينيكَ مَسْجُومُ.
أَراد أَأَن ترَسَّمْتَ؛ وقال جِرانُ العَوْدِ:
فما أُبْنَ حتى قُلْنَ يا ليْتَ عَنَّنا
تُرابٌ، وعَنَّ الأَرضَ بالناسِ تُخْسَفُ.
قال الفراء: لغة قريش ومن جاورهــم أَنَّ، وتميمٌ وقَيْس وأَسَدٌ ومن
جاورهــم يجعلون أَلف أَن إذا كانت مفتوحة عيناً، يقولون: أَشهد عَنَّك رسول
الله، فإِذا كسروا رجعوا إلى الأَلف؛ وفي حديث قَيْلةَ: تَحْسَبُ عَنِّي
نائمة أَي تحسب أَني نائمة؛ ومنه حديث حُصَين بن مُشَمِّت: أَخبرنا فلان
عَنَّ فلاناً حَدَّثه أَي أَن فلاناً؛ قال ابن الأَثير: كأَنَّهم يفعلون
لبَحَحٍ في أَصواتهم، والعرب تقول: لأَنَّكَ ولعَنَّك، تقول ذاك بمعنى
لَعَلَّك. ابن الأَعرابي: لعنَّكَ لبني تميم، وبنو تَيْم الله بن ثَعْلبة
يقولون: رَعَنَّك، يريدون لعلك. ومن العرب من يقول: رَعَنَّكَ ولغَنَّك،
بالغين المعجمة، بمعنى لعَلَّكَ، والعرب تقول: كنا في عُنَّةٍ من الكَلأِ
وفُنَّةٍ وثُنَّةٍ وعانِكَةٍ من الكلأِ واحدٌ أَي كنا في كَلاءٍ كثير
وخِصْبٍ. وعن: معناها ما عدا الشيءَ، تقول: رميت عن القوسْ لأَنه بها قَذَفَ
سهمه عنها وعدَّاها، وأَطعمته عن جُوعٍ، جعل الجوع منصرفاً به تاركاً له
وقد جاوزه، وتقع من موقعها، وهي تكون حرفاً واسماً بدليل قولهم من عَنْه؛
قال القُطَامِيّ:
فقُلْتُ للرَّكْبِ، لما أَنْ عَلا بهمُ،
من عن يمينِ الحُبَيّا، نظرةٌ قَبَلُ.
قال: وإنِما بنيت لمضارعتها للحرف؛ وقد توضع عن موضع بعد كما قال الحرث
بن عُبَاد:
قَرِّبا مَرْبَطَ النَّعامةِ مِنِّي،
لقِحَتْ حَرْبُ وائلٍ عن حيالِ.
أَي بعد حيال؛ وقال امرؤ القيس:
وتُضْحي فَتيتُ المِسكِ فوقَ فِراشِها،
نَؤُوم الضُّحَى لم تَنْتَطِقْ عن تَفَضُّلِ.
وربما وضعت موضع على كما قال ذو الإِصبع العدواني:
لاه ابنُ عمِّكَ لا أَفْضَلْتَ في حَسَبٍ
عَني، ولا أَنتَ دَيّاني فتَخْزُوني.
قال النحويون: عن ساكنة النون حرف وضع لمَعْنى ما عَدَاكَ وتراخى عنك.
يقال: انصَرِفْ عنِّي وتنحَّ عني. وقال أَبو زيد: العرب تزيدُ عنك، يقال:
خذ ذا عنك، والمعنى: خذ ذا، وعنك زيادة؛ قال النابغة الجعدي يخاطب ليلى
الأَخيلية:
دَعي عنكِ تَشْتامَ الرجالِ، وأَقبِلي
على أَذْلَعِيٍّ يَملأُ اسْتَكِ فَيْشَلا.
أَراد يملأُ استك فَيْشلُه فخرج نصباً على التفسير، ويجوز حذف النون من
عن للشاعر كما يجوز له حذف نون من، وكأَنَّ حذْفَه إنما هو لالتقاء
الساكنين، إِلا أَن حذف نون من في الشعر أَكثر من حذف نون عن، لأَن دخول من في
الكلام أَكثر من دخول عن. وعَنِّي: بمعنى عَلِّي أَي لَعَلِّي؛ قال
القُلاخُ:
يا صاحِبَيَّ، عَرِّجا قَلِيلا،
عَنَّا نُحَيِّي الطَّلَلَ المُحِيلا.
وقال الأَزهري في ترجمة عنا، قال: قال المبرد من وإلى ورب وفي والكاف
الزائدة والباء الزائدة واللام الزائدة هي حروف الإِضافة التي يضاف بها
الأَسماء والأَفعال إلى ما بعدها، قال: فأَما ما وضعه النحويون نحو على وعن
وقبل وبَعْدُ وبَيْن وما كان مثلَ ذلك فإِنما هي أَسماء؛ يقال: جئت من
عِنْدِه، ومن عليه، ومن عن يساره، ومن عن يمينه؛ وأَنشد بيت القطامي:
من عَنْ يمين الحُبَيّا نظْرَةٌ قَبَلُ.
قال: ومما يقع الفرق فيه بين من وعن أَن من يضاف بها ما قَرُبَ من
الأَسماء، وعن يُوصَل بها ما تَراخى، كقولك: سمعت من فلان حديثاً، وحدثنا عن
فلان حديثاً. وقال أَبو عبيدة في قوله تعالى: وهو الذي يَقْبَل التوبةَ عن
عباده؛ أَي من عباده. الأَصمعي: حدَّثني فلان من فلان، يريد عنه.
ولَهِيتُ من فلان وعنه، وقال الكسائي: لَهِيتُ عنه لا غير، وقال: اله مِنْه
وعنه، وقال: عنك جاء هذا، يريد منك؛ وقال ساعدةُ بن جُؤَيّةَ:
أَفَعنْك لا بَرْقٌ، كأَنَّ ومِيضَهُ
غابٌ تَسَنَّمهُ ضِرامٌ مُوقَدُ؟
قال: يريد أَمِنْكَ بَرْقٌ، ولا صِلَةٌ؛ روى جميعَ ذلك أَبو عبيد عنهم،
قال: وقال ابن السكيت تكون عن بمعنى على؛ وأَنشد بيت ذي الإِصبع
العدواني:
لا أَفضلْتَ في حَسَبٍ عَنِّي.
قال: عَنِّي في معنى عَليَّ أَي لم تُفْضِلْ في حسب عَلَيَّ، قال: وقد
جاء عن بمعنى بعد؛ وأَنشد:
ولقد شُبَّتِ الحُرُوبُ، فما غَمْـ
ـمَرْتَ فيها، إذ قَلَّصَتْ عن حِيالِ
أي قلَّصَتْ بعد حِيالها؛ وقال في قول لبيد:
لوِرْدٍ تَقْلِصُ الغِيطانُ عنه،
يَبُكُّ مسافَةَ الخِمْسِ الكَمالِ
(* قوله «يبك مسافة إلخ» كذا أَنشده هنا كالتهذيب، وأَنشده في مادة قلص
كالمحكم:
يبذ مفازة الخمس الكلالا).
قال: قوله عنه أَي من أَجله. والعرب تقول: سِرْ عنك وانْفُذْ عنك أَي
امضِ وجُزْ، لا معنى لعَنْك. وفي حديث عمر، رضي الله عنه: أَنه طاف بالبيت
مع يَعْلَى بن أُميَّة، فلما انتهى إلى الركن الغرْبيِّ الذي يلي
الأَسْودَ قال له: أَلا تسْتَلِمُ؟ فقال له: انْفُذْ عنك فإِن النبي، صلى الله
عليه وسلم، لم يسْتَلِمْه؛ وفي الحديث: تفسيره أَي دَعْه. ويقال: جاءنا
الخبر عن النبي، صلى الله عليه وسلم، فتخفض النون. ويقال: جاءنا مِنَ الخير
ما أَوجب الشكر فتفتح النون، لأَن عن كانت في الأَصل عني ومن أَصلها
مِنَا، فدلت الفتحة على سقوط الأَلف كما دلت الكسرة في عن على سقوط الياء؛
وأَنشد بعضهم:
مِنَا أن ذَرَّ قَرْنُ الشَّمْسِ، حتى
أَغاثَ شَرِيدَهمْ مَلَثُ الظَّلامِ.
وقال الزجاج: في إِعراب من الوقفُ إِلا أَنها فتحت مع الأَسماء التي
تدخلها الأَلف واللام لالتقاء الساكنين كقولك من الناس، النون من من ساكنة
والنون من الناس ساكنة، وكان في الأَصل أَن تكسر لالتقاء الساكنين، ولكنها
فتحت لثقل اجتماع كسرتين لو كان من الناس لثَقُلَ ذلك، وأَما إِعراب عن
الناس فلا يجوز فيه إِلا الكسر لأَن أَول عن مفتوح، قال: والقول ما قال
الزجاج في الفرق بينهما.
أرخ: التَّأْريخُ: تعريف الوقت، والتَّوْريخُ مثله.
أَرَّخَ الكتابَ ليوم كذا: وَقَّته والواو فيه لغة، وزعم يعقوب أَن
الواو بدل من الهمزة، وقيل: إِن التأْريخ الذي يُؤَرِّخُه الناس ليس بعربي
محض، وإِن المسلمين أَخذوه عن أَهل الكتاب، وتأْريخ المسلمين أَُرِّخَ من
زمن هجرة سيدنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم؛ كُتِبَ في خلافة عمر، رضي
الله عنه، فصار تاريخاً إلى اليوم.
ابن بُزُرْج: آرَخْتُ الكتابَ فهو مُؤَارخ وفَعَلْتُ منه أَرَخْتُ
أَرْخاً وأَنا آرِخٌ.
الليث: والأَرْخُ والإِرْخُ والأُرْخِيُّ البقر، وخص بعضهم به الفَتِيّ
منها، والجمع آراخٌ وإِراخ، والأُنثى أَرْخَة وإِرْخَة، والجمع إِراخٌ لا
غير. والأَرْخُ: الأُنثى من البقر البِكْرُ التي لم يَنْزُ عليها
الثيران؛ قال ابن مقبل:
أَو نعجة من إِراخ الرملِ أَخْذَلها،
عن إِلْفِها، واضِحُ الخَدَّينِ مَكْحولُ
قال ابن بري: هذا البيت يقوي قول من يقول إِن الأَرخ الفتية، بكراً كانت
أَو غير بكر، أَلا تراه قد جعل لها ولداً بقوله واضح الخَدّين مكحول؟
والعرب تُشَبّه النساءَ الخَفِرات في مشيهن بالإِراخ؛ كما قال الشاعر:
يَمْشِينَ هَوْناً مِشْيَةَ الإِراخِ
والأُرْخِيَّةُ: ولد الثَّيْتَل. قال أَبو حنيفة: الأَرْخُ والإِرْخُ
الفتية من بقر الوحش، فأَلقى الهاءَ من الأَرْخَة والإِرْخَةُ وأَثبته في
الفتيَّة، وخص بالأَرْخ الوَحْشَ كما ترى، وقد ذكر أَنه الأَزْخُ بالزاي.
وقال ابن السكيت: الأَرْخُ بقر الوحش فجعله جنساً فيكون الواحد على هذا
القول أَرْخَة، مثل بَطٍّ وبَطَّةٍ، وتكون الأَرْخَة تقع على الذكر
والأُنثى. يقال: أَرْخَة ذكر وأَرْخَة أُنثى، كما يقال بَطَّةٌ ذكر وبَطَّة
أَنثى، وكذلك ما كان من هذا النوع جنساً وفي واحده تاء التأْنيث نحو حمام
وحمامة، تقول: حمامة ذكر وحمامة أُنثى؛ قال ابن بري: وهذا ظاهر كلام
الجوهري لأَنه جعل الإِراخ بقر الوحش، ولم يجعلها إِناث البقر، فيكون الواحد
أَرْخة، وتكون منطلقة على المذكر والمؤَنث. الصَّيْداويّ: الإِرْخُ ولد
البقرة الوحشية إِذا كان أُنثى. مصعب بن عبدالله الزُّبَيْريّ: الأَرخ ولد
البقرة الصغير؛ وأَنشد الباهليّ لرجل مَدَنيّ كان بالبصرة:
ليتَ لي في الخَميسِ خَمْسين عَيْناً،
كلُّها حَوْلَ مسجدِ الأَشْياخِ
(* قوله «عيناً» كذا بالأصل والذي في شرح القاموس عاماً).
مسجدٍ، لا تزال تَهْوي إِليه
أُمُّ أَرْخٍ، قِناعُها مُتَراخِي
وقيل: إِن التأْريخ مأْخوذ منه كأَنه شيء حَدَث كما يَحْدُثُ الولد؛
وقيل: التاريخ مأْخوذ منه لأَنه حديث. الأَزهري: أَنشد محمد بن سَلام
لأُمَيَّة بن أَبي الصَّلْت:
وما يَبْقى على الحِدْثانِ غُفْرٌ
بشاهقةٍ، لهُ أُمٌّ رَؤومُ
تَبِيتُ الليلَ حانِيةً عليه،
كما يَخْرَمِّسُ الأَرْخُ الأَطُومُ
قال: الغُفْرُ ولد الوَعِلِ، والأَرْخُ: ولد البقرة. ويَخْرَمِّسُ أَي
يَسْكُتُ. والأَطُومُ: الضَّمَّامُ بين شفتيه. ابن الأَعرابي: من أَسماءِ
البقرة اليَفَنَة والأَرخ، بفتح الهمزة، والطَّغْيا واللِّفْتُ. قال أَبو
منصور؛ الصحيح الأَرْخ، بفتح الأَلف، والذي حكاه الصيداوي فيه نظر،
والذي قاله الليث إِنه يقال له الأُرْخيّ لا أَعرفه.
وقالوا من الأَرْخِ ولدِ البقرة: أَرَخْتُ أَرْخاً. وأَرَخَ إِلى مكانه
يأْرَخُ (قوله «وأَرخ الى مكانه يأرخ» كذا بضبط الأصل من باب منع ومقتضى
اطلاق القاموس أنه من باب كتب). أُرُوخاً: حَنَّ إِليه؛ وقد قيل: إِن
الأَرْخَ من البقر مشتق من ذلك لحنينه إِلى مكانه ومأْواه.
أكد: أَكَّد العهدَ والعقدَ: لغة في وكَّده؛ وقيل: هو بدل، والتأْكيد
لغة في التوكيد، وقد أَكَّدْت الشيء ووكَدْته. ابن الأَعرابي: دستُ الحنطة
ودرستها وأَكَدْتها.
عقل: العَقْلُ: الحِجْر والنُّهى ضِدُّ الحُمْق، والجمع عُقولٌ. وفي حديث عمرو بن العاص: تِلْك عُقولٌ كادَها بارِئُها أَي أَرادها بسُوءٍ، عَقَلَ يَعْقِل عَقْلاً ومَعْقُولاً، وهو مصدر؛ قال سيبويه: هو صفة، وكان يقول إِن المصدر لا يأْتي على وزن مفعول البَتَّةَ، ويَتأَوَّل المَعْقُول فيقول: كأَنه عُقِلَ له شيءٌ أَي حُبسَ عليه عَقْلُه وأُيِّد وشُدِّد، قال: ويُسْتَغْنى بهذا عن المَفْعَل الذي يكون مصدراً؛ وأَنشد ابن بري:
فَقَدْ أَفادَتْ لَهُم حِلْماً ومَوْعِظَةً
لِمَنْ يَكُون له إِرْبٌ ومَعْقول
وعَقَل، فهو عاقِلٌ وعَقُولٌ من قوم عُقَلاء. ابن الأَنباري: رَجُل عاقِلٌ وهو الجامع لأَمره ورَأْيه، مأْخوذ من عَقَلْتُ البَعيرَ إِذا
جَمَعْتَ قوائمه، وقيل: العاقِلُ الذي يَحْبِس نفسه ويَرُدُّها عن هَواها، أُخِذَ من قولهم قد اعْتُقِل لِسانُه إِذا حُبِسَ ومُنِع الكلامَ.
والمَعْقُول: ما تَعْقِله بقلبك. والمَعْقُول: العَقْلُ، يقال: ما لَهُ مَعْقُولٌ أَي عَقْلٌ، وهو أَحد المصادر التي جاءت على مفعول كالمَيْسور والمَعْسُور.
وعاقَلَهُ فعَقَلَه يَعْقُلُه، بالضم: كان أَعْقَلَ منه. والعَقْلُ: التَّثَبُّت في الأُمور. والعَقْلُ: القَلْبُ، والقَلْبُ العَقْلُ، وسُمِّي العَقْلُ عَقْلاً لأَنه يَعْقِل صاحبَه عن التَّوَرُّط في المَهالِك أَي يَحْبِسه، وقيل: العَقْلُ هو التمييز الذي به يتميز الإِنسان من سائر
الحيوان، ويقال: لِفُلان قَلْبٌ عَقُول، ولِسانٌ سَؤُول، وقَلْبٌ عَقُولٌ فَهِمٌ؛ وعَقَلَ الشيءَ يَعْقِلُه عَقْلاً: فَهِمه.
ويقال أَعْقَلْتُ فلاناً أَي أَلْفَيْته عاقِلاً. وعَقَّلْتُه أَي صَيَّرته عاقِلاً. وتَعَقَّل: تكَلَّف العَقْلَ كما يقال تَحَلَّم وتَكَيَّس.
وتَعاقَل: أَظْهَر أَنه عاقِلٌ فَهِمٌ وليس بذاك. وفي حديث الزِّبْرِقانِ: أَحَبُّ صِبْيانِنا إِلينا الأَبْلَهُ العَقُول؛ قال ابن الأَثير: هو
الذي يُظَنُّ به الحُمْقُ فإِذا فُتِّش وُجِد عاقلاً، والعَقُول فَعُولٌ منه للمبالغة. وعَقَلَ الدواءُ بَطْنَه يَعْقِلُه ويَعْقُلُه عَقْلاً: أَمْسَكَه، وقيل: أَمسكه بعد اسْتِطْلاقِهِ، واسْمُ الدواء العَقُولُ. ابن الأَعرابي: يقال عَقَلَ بطنُه واعْتَقَلَ، ويقال: أَعْطِيني عَقُولاً، فيُعْطِيه ما يُمْسِك بطنَه. ابن شميل: إِذا اسْتَطْلَقَ بطنُ الإِنسان ثم اسْتَمْسَك فقد عَقَلَ بطنُه، وقد عَقَلَ الدواءُ بطنَه سواءً. واعْتَقَلَ
لِسانُه (* قوله «واعتقل لسانه إلخ» عبارة المصباح: واعتقل لسانه، بالبناء للفاعل والمفعول، إذا حبس عن الكلام أي منع فلم يقدر عليه) : امْتَسَكَ. الأَصمعي: مَرِضَ فلان فاعْتُقِل لسانُه إِذا لم يَقْدِرْ على الكلام؛ قال ذو الرمة:
ومُعْتَقَل اللِّسانِ بغَيْر خَبْلٍ،
يَميد كأَنَّه رَجُلٌ أَمِيم
واعْتُقِل: حُبِس. وعَقَلَه عن حاجته يَعْقِله وعَقَّله وتَعَقَّلَهُ واعتَقَلَه: حَبَسَه. وعَقَلَ البعيرَ يَعْقِلُه عَقْلاً وعَقَّلَه واعْتَقَله: ثَنى وَظِيفَه مع ذراعه وشَدَّهما جميعاً في وسط الذراع، وكذلك الناقة، وذلك الحَبْلُ هو العِقالُ، والجمع عُقُلٌ. وعَقَّلْتُ الإِبلَ من العَقْل، شُدِّد للكثرة؛ وقال بُقَيْلة (* قوله «وقال بقيلة» تقدم في ترجمة أزر رسمه بلفظ نفيلة بالنون والفاء والصواب ما هنا) الأَكبر وكنيته أَبو المِنْهال:
يُعَقِّلُهُنَّ جَعْدٌ شَيظَميٌّ،
وبِئْسَ مُعَقِّلُ الذَّوْدِ الظُّؤَارِ
وفي الحديث: القُرْآنُ كالإِبِلِ المُعَقَّلة أَي المشدودة بالعِقال، والتشديد فيه للتكثير؛ وفي حديث عمر: كُتِب إِليه أَبياتٌ في صحيفة، منها:
فَما قُلُصٌ وُجِدْنَ مُعَقَّلاتٍ
قَفا سَلْعٍ، بمُخْتَلَفِ التِّجار
(* قوله «بمختلف التجار» كذا ضبط في التكملة بالتاء المثناة والجيم جمع
تجر كسهم وسهام، فما سبق في ترجمة أزر بلفظ النجار بالنون والجيم فهو
خطأ).
يعني نِساءً مُعَقَّلات لأَزواجهن كما تُعَقَّل النوقُ عند الضِّراب؛
ومن الأَبيات أَيضاً:
يُعَقِّلُهنَّ جَعْدَة من سُلَيْم
أَراد أَنه يَتَعرَّض لهن فكَنى بالعَقْلِ عن الجماع أَي أَن أَزواجهن
يُعَقِّلُونَهُنَّ وهو يُعَقِّلهن أَيضاً، كأَنَّ البَدْء للأَزواج
والإِعادة له، وقد يُعْقَل العُرْقوبانِ. والعِقالُ: الرِّباط الذي يُعْقَل به،
وجمعه عُقُلٌ. قال أَبو سعيد: ويقال عَقَلَ فلان فلاناً وعَكَلَه إِذا
أَقامه على إِحدى رجليه، وهو مَعْقُولٌ مُنْذُ اليومِ، وكل عَقْلٍ رَفْعٌ.
والعَقْلُ في العَروض: إِسقاط الياء
(* قوله «اسقاط الياء» كذا في الأصل
ومثله في المحكم، والمشهور في العروض ان العقل اسقاط الخامس المحرك وهو
اللام من مفاعلتن) من مَفاعِيلُنْ بعد إِسكانها في مُفاعَلَتُنْ فيصير
مَفاعِلُنْ؛ وبيته:
مَنازِلٌ لفَرْتَنى قِفارٌ،
كأَنَّما رسُومُها سُطور
والعَقْلُ: الديَة. وعَقَلَ القَتيلَ يَعْقِله عَقْلاً: وَدَاهُ، وعَقَل
عنه: أَدَّى جِنايَته، وذلك إِذا لَزِمَتْه دِيةٌ فأَعطاها عنه، وهذا هو
الفرق
(* قوله «وهذا هو الفرق إلخ» هذه عبارة الجوهري بعد أن ذكر معنى
عقله وعقل عنه وعقل له، فلعل قوله الآتي: وعقلت له دم فلان مع شاهده مؤخر
عن محله، فان الفرق المشار إليه لا يتم الا بذلك وهو بقية عبارة الجوهري)
بين عَقَلْته وعَقَلْت عنه وعَقَلْتُ له؛ فأَما قوله:
فإِنْ كان عَقْل، فاعْقِلا عن أَخيكما
بَناتِ المَخاضِ، والفِصَالَ المَقَاحِما
فإِنما عَدَّاه لأَن في قوله اعْقِلوا
(* قوله «اعقلوا إلخ» كذا في
الأصل تبعً للمحكم، والذي في البيت اعقلات بأمر الاثنين) معنى أَدُّوا
وأَعْطُوا حتى كأَنه قال فأَدِّيا وأَعْطِيا عن أَخيكما.
ويقال: اعْتَقَل فلان من دم صاحبه ومن طائلته إِذ أَخَذَ العَقْلَ.
وعَقَلْت له دمَ فلان إِذا تَرَكْت القَوَد للدِّية؛ قالت كَبْشَة أُخت عمرو
بن مَعْدِيكرِب:
وأَرْسَلَ عبدُ الله، إِذْ حانَ يومُه،
إِلى قَوْمِه: لا تَعْقِلُوا لَهُمُ دَمِي
والمرأَة تُعاقِلُ الرجلَ إِلى ثلث الدية أَي تُوازِيه، معناه أَن
مُوضِحتها ومُوضِحته سواءٌ، فإِذا بَلَغَ العَقْلُ إِلى ثلث الدية صارت دية
المرأَة على النصف من دية الرجل. وفي حديث ابن المسيب: المرأَة تُعاقِل
الرجل إِلى ثُلُث ديتها، فإِن جاوزت الثلث رُدَّت إِلى نصف دية الرجل،
ومعناه أَن دية المرأَة في الأَصل على النصف من دية الرجل كما أَنها تَرِث نصف
ما يَرِث ما يَرِث الذَّكَرُ، فجَعَلَها سعيدُ بن المسيب تُساوي الرجلَ
فيما يكون دون ثلث الدية، تأْخذ كما يأْخذ الرجل إِذا جُني عليها، فَلها
في إِصبَع من أَصابعها عَشْرٌ من الإِبل كإِصبع الرجل، وفي إِصْبَعَيْن
من أَصابعها عشرون من الإِبل، وفي ثلاث من أَصابعها ثلاثون كالرجل، فإِن
أُصِيب أَربعٌ من أَصابعها رُدَّت إِلى عشرين لأَنه جاوزت الثُّلُث
فَرُدَّت إِلى النصف مما للرجل؛ وأَما الشافعي وأَهل الكوفة فإِنهم جعلوا في
إِصْبَع المرأَة خَمْساً من الإِبل، وفي إِصبعين لها عشراً، ولم يعتبروا
الثلث كما فعله ابن المسيب. وفي حديث جرير: فاعْتَصَم ناس منهم بالسجود
فأَسْرَع فيهم القتلَ فبلغ ذلك النبيَّ، صلى الله عليه وسلم، فأَمَر لهم
بنصفِ العَقْل؛ إِنما أَمر لهم بالنصف بعد علمه بإِسلامهم، لأَنهم قد
أَعانوا على أَنفسهم بمُقامهم بين ظَهْراني الكفار، فكانوا كمن هَلَك بجناية
نفسه وجناية غيره فتسقط حِصَّة جنايته من الدية، وإِنما قيل للدية عَقْلٌ
لأَنهم كانوا يأْتون بالإِبل فيَعْقِلونها بفِناء وَلِيِّ المقتول، ثم
كثُر ذلك حتى قيل لكل دية عَقْلٌ، وإِن كانت دنانير أَو دراهم. وفي الحديث:
إِن امرأَتين من هُذَيْل اقْتَتَلَتا فَرَمَتْ إِحداهما الأُخرى بحجر
فأَصاب بطنَها فَقَتَلَها، فقَضَى رسولُ الله، صلى الله عليه وسلم، بديتها
على عاقلة الأُخرى. وفي الحديث: قَضَى رسولُ الله، صلى الله عليه وسلم،
بدية شِبْه العَمْد والخَطإِ المَحْض على العاقِلة يُؤدُّونها في ثلاث سنين
إِلى ورَثَة المقتول؛ العاقلة: هُم العَصَبة، وهم القرابة من قِبَل
الأَب الذين يُعْطُون دية قَتْل الخَطَإِ، وهي صفةُ جماعة عاقلةٍ، وأَصلها
اسم فاعلةٍ من العَقْل وهي من الصفات الغالبة، قال: ومعرفة العاقِلة أَن
يُنْظَر إِلى إِخوة الجاني من قِبَل الأَب فيُحَمَّلون ما تُحَمَّل
العاقِلة، فإِن حْتَمَلوها أَدَّوْها في ثلاث سنين، وإِن لم يحتملوها رفِعَتْ
إِلى بَني جدّه، فإِن لم يحتملوها رُفِعت إِلى بني جَدِّ أَبيه، فإِن لم
يحتملوها رُفِعَتْ إِلى بني جَد أَبي جَدِّه، ثم هكذا لا ترفع عن بَني أَب
حتى يعجزوا. قال: ومَنْ في الدِّيوان ومن لا دِيوان له في العَقْل سواءٌ،
وقال أَهل العراق: هم أَصحاب الدَّواوِين؛ قال إِسحق بن منصور: قلت
لأَحمد بن حنبل مَنِ العاقِلَةُ؟ فقال: القَبِيلة إِلا أَنهم يُحَمَّلون بقدر
ما يطيقون، قال: فإِن لم تكن عاقلة لم تُجْعََل في مال الجاني ولكن
تُهْدَر عنه، وقال إِسحق: إِذا لم تكن العاقلة أَصْلاً فإِنه يكون في بيت
المال ولا تُهْدَر الدية؛ قال الأَزهري: والعَقْل في كلام العرب الدِّيةُ،
سميت عَقْلاً لأَن الدية كانت عند العرب في الجاهلية إِبلاً لأَنها كانت
أَموالَهم، فسميت الدية عَقْلاً لأَن القاتل كان يُكَلَّف أَن يسوق الدية
إِلى فِناء ورثة المقتول فَيَعْقِلُها بالعُقُل ويُسَلِّمها إِلى
أَوليائه، وأَصل العَقْل مصدر عَقَلْت البعير بالعِقال أَعْقِله عَقْلاً، وهو
حَبْلٌ تُثْنى به يد البعير إِلى ركبته فتُشَدُّ به؛ قل ابن الأَثير: وكان
أَصل الدية الإِبل ثم قُوِّمَتْ بعد ذلك بالذهب والفضة والبقر والغنم
وغيرها؛ قال الأَزهري: وقَضَى النبيُّ، صلى الله عليه وسلم، في دية الخطإِ
المَحْض وشِبْه العَمْد أَن يَغْرَمها عَصَبةُ القاتل ويخرج منها ولدُه
وأَبوه، فأَما دية الخطإِ المَحْض فإِنها تُقسم أَخماساً: عشرين ابنة
مَخَاض، وعشرين ابنة لَبُون، وعشرين ابن لَبُون، وعشرين حِقَّة، وعشرين
جَذَعة؛ وأَما دية شِبْه العَمْد فإِنها تُغَلَّظ وهي مائة بعير أَيضاً: منها
ثلاثون حِقَّة، وثلاثون جَذَعة، وأَربعون ما بين ثَنِيَّة إِلى بازلِ
عامِها كُلُّها خَلِفَةٌ، فعَصَبة القاتل إِن كان القتل خطأَ مَحْضاً غَرِموا
الدية لأَولياء القتيل أَخماساً كما وصَفْتُ، وإِن كان القتل شِبْه
العَمْد غَرِموها مُغَلَّظَة كما وصَفْت في ثلاث سنين، وهم العاقِلةُ. ابن
السكيت: يقال عَقَلْت عن فلان إِذا أَعطيتَ عن القاتل الدية، وقد عَقَلْت
المقتولَ أَعْقِله عَقْلاً؛ قال الأَصمعي: وأَصله أَن يأْتوا بالإِبل
فتُعْقَل بأَفْنِية البيوت، ثم كَثُر استعمالُهم هذا الحرف حتى يقال: عَقَلْت
المقتولَ إِذا أَعطيت ديته دراهم أَو دنانير، ويقال: عَقَلْت فلاناً
إِذا أَعطيت ديتَه وَرَثَتَه بعد قَتْله، وعَقَلْت عن فلان إِذا لَزِمَتْه
جنايةٌ فغَرِمْت ديتَها عنه. وفي الحديث: لا تَعقِل العاقِلةُ عمداً ولا
عَبْداً ولا صُلْحاً ولا اعترافاً أَي أَن كل جناية عمد فإِنها في مال
الجاني خاصة، ولا يَلْزم العاقِلةَ منها شيء، وكذلك ما اصطلحوا عليه من
الجنايات في الخطإِ، وكذلك إِذا اعترف الجاني بالجناية من غير بَيِّنة تقوم
عليه، وإِن ادعى أَنها خَطأٌ لا يقبل منه ولا يُلْزَم بها العاقلة؛ وروي:
لا تَعْقِل العاقِلةُ العَمْدَ ولا العَبْدَ؛ قال ابن الأَثير: وأَما
العبد فهو أَن يَجْنيَ على حُرٍّ فليس على عاقِلة مَوْلاه شيء من جناية
عبده، وإِنما جِنايته في رَقَبته، وهو مذهب أَبي حنيفة؛ وقيل: هو أَن يجني
حُرٌّ على عبد خَطَأً فليس على عاقِلة الجاني شيء، إِنما جنايته في ماله
خاصَّة، وهو قول ابن أَبي ليلى وهو موافق لكلام العرب، إِذ لو كان المعنى
على الأَوّل لكان الكلامُ: لا تَعْقِل العاقِلةُ على عبد، ولم يكن لا
تَعْقِل عَبْداً، واختاره الأَصمعي وصوّبه وقال: كلَّمت أَبا يوسف القاضي في
ذلك بحضرة الرشيد فلم يَفْرُق بين عَقَلْتُه وعَقَلْتُ عنه حتى
فَهَّمْته، قال: ولا يَعْقِلُ حاضرٌ على بادٍ، يعني أَن القَتيل إِذا كان في
القرية فإِن أَهلها يلتزمون بينهم الدّية ولا يُلْزِمون أَهلَ الحَضَر منها
شيئاً. وفي حديث عمر: أَن رجلاً أَتاه فقال: إِنَّ ابن عَمِّي شُجَّ
مُوضِحةً، فقال: أَمِنْ أَهْلِ القُرى أَم من أَهل البادية؟ فقال: من أَهل
البادية، فقال عمر، رضي الله عنه: إِنَّا لا نَتَعاقَلُ المُضَغَ بيننا؛
معناه أَن أَهل القُرى لا يَعْقِلون عن أَهل البادية، ولا أَهلُ البادية عن
أَهل القرى في مثل هذه الأَشياء، والعاقلةُ لا تَحْمِل السِّنَّ
والإِصْبَعَ والمُوضِحةَ وأَشباه ذلك، ومعنى لا نَتَعاقَل المُضَغَ أَي لا نَعْقِل
بيننا ما سَهُل من الشِّجاج بل نُلْزِمه الجاني. وتَعاقَل القومُ دَمَ
فلان: عَقَلُوه بينهم.
والمَعْقُلة: الدِّيَة، يقال: لَنا عند فلان ضَمَدٌ من مَعْقُلة أَي
بَقِيَّةٌ من دية كانت عليه. ودَمُه مَعْقُلةٌ على قومه أَي غُرْمٌ يؤدُّونه
من أَموالهم. وبَنُو فلان على مَعاقِلِهم الأُولى من الدية أَي على حال
الدِّيات التي كانت في الجاهلية يُؤدُّونها كما كانوا يؤدُّونها في
الجاهلية، وعلى مَعاقِلهم أَيضاً أَي على مراتب آبائهم، وأَصله من ذلك،
واحدتها مَعْقُلة. وفي الحديث: كتب بين قريش والأَنصار كتاباً فيه: المُهاجِرون
من قريش على رَباعَتِهم يَتَعاقَلُون بينهم مَعاقِلَهم الأُولى أَي
يكونون على ما كانوا عليه من أَخذ الديات وإِعطائها، وهو تَفاعُلٌ من
العَقْل. والمَعاقِل: الدِّيات، جمع مَعْقُلة. والمَعاقِل: حيث تُعْقَل الإِبِل.
ومَعاقِل الإِبل: حيث تُعْقَل فيها. وفلانٌ عِقالُ المِئِينَ: وهو الرجل
لشريف إِذا أُسِرَ فُدِيَ بمئينَ من الإِبل. ويقال: فلان قَيْدُ مائةٍ
وعِقالُ مائةٍ إِذا كان فِداؤُه إِذا أُسِرَ مائة من الإِبل؛ قال يزيد بن
الصَّعِق:
أُساوِرَ بيضَ الدَّارِعِينَ، وأَبْتَغِي
عِقالَ المِئِينَ في الصاع وفي الدَّهْر
(* قوله «الصاع» هكذا في الأصل بدون نقط، وفي نسخة من التهذيب: الصباح).
واعْتَقَل رُمْحَه: جَعَلَه بين ركابه وساقه. وفي حديث أُمِّ زَرْع:
واعْتَقَل خَطِّيّاً؛ اعْتِقالُ الرُّمْح: أَن يجعله الراكب تحت فَخِذه
ويَجُرَّ آخرَه على الأَرض وراءه. واعْتَقل شاتَه: وَضَعَ رجلها بين ساقه
وفخذه فَحَلبها. وفي حديث عمر: من اعْتَقَل الشاةَ وحَلَبَها وأَكَلَ مع
أَهله فقد بَرِئ من الكِبْر. ويقال: اعْتَقَل فلان الرَّحْل إِذا ثَنى
رِجْله فَوَضَعها على المَوْرِك؛ قال ذو الرمة:
أَطَلْتُ اعْتِقالَ الرَّحْل في مُدْلَهِمَّةٍ،
إِذا شَرَكُ المَوْماةِ أَوْدى نِظامُها
أَي خَفِيَتْ آثارُ طُرُقها. ويقال: تَعَقَّل فلان قادِمة رَحْله بمعنى
اعْتَقَلها؛ ومنه قول النابغة
(* قوله «قول النابغة» قال الصاغاني: هكذا
أنشده الازهري، والذي في شعره:
فليأتينك قصائد وليدفعن * جيش اليك قوادم الاكوار
وأورد فيه روايات اخر، ثم قال: وانما هو للمرار بن سعيد الفقعسي وصدره:
يا ابن الهذيم اليك اقبل صحبتي) :
مُتَعَقِّلينَ قَوادِمَ الأَكْوار
قال الأَزهري: سمعت أَعرابياً يقول لآخر: تَعَقَّلْ لي بكَفَّيْك حتى
أَركب بعيري، وذلك أَن البعير كان قائماً مُثْقَلاً، ولو أَناخه لم
يَنْهَضْ به وبحِمْله، فجمع له يديه وشَبَّك بين أَصابعه حتى وَضَع فيهما رِجْله
وركب.
والعَقَلُ: اصْطِكاك الركبتين، وقيل التواء في الرِّجْل، وقيل: هو أَن
يُفْرِطَ الرَّوَحُ في الرِّجْلَين حتى يَصْطَكَّ العُرْقوبانِ، وهو
مذموم؛ قال الجعدي يصف ناقة:
وحاجةٍ مِثْلِ حَرِّ النارِ داخِلةٍ،
سَلَّيْتُها بأَمُونٍ ذُمِّرَتْ جَمَلا
مَطْوِيَّةِ الزَّوْر طَيَّ البئر دَوسَرةٍ،
مَفروشةِ الرِّجل فَرْشاً لم يَكُنْ عَقَلا
وبعير أَعْقَلُ وناقة عَقْلاء بَيِّنة العَقَل: وهو التواء في رجل
البعير واتساعٌ، وقد عَقِلَ.
والعُقَّال: داء في رجل الدابة إِذا مشى ظَلَع ساعةً ثم انبسط،
وأَكْثَرُ ما يعتري في الشتاء، وخَصَّ أَبو عبيد بالعُقَّال الفرسَ، وفي الصحاح:
العُقَّال ظَلْعٌ يأْخذ في قوائم الدابة؛ وقال أُحَيْحة بن الجُلاح:
يا بَنِيَّ التُّخُومَ لا تَظْلِموها،
إِنَّ ظلْم التُّخوم ذو عُقَّال
وداءٌ ذو عُقَّالٍ: لا يُبْرَأُ منه. وذو العُقَّال: فَحْلٌ من خيول
العرب يُنْسَب إِليه؛ قال حمزة عَمُّ النبي، صلى الله عليه وسلم:
لَيْسَ عندي إِلاّ سِلاحٌ وَوَرْدٌ
قارِحٌ من بَنات ذي العُقَّالِ
أَتَّقِي دونه المَنايا بنَفْسِي،
وهْوَ دُوني يَغْشى صُدُورَ العَوالي
قال: وذو العُقَّال هو ابن أَعْوَج لصُلْبه ابن الدِّيناريِّ بن
الهُجَيسِيِّ بن زاد الرَّكْب، قال جرير:
إِنَّ الجِياد يَبِتْنَ حَوْلَ قِبابِنا
من نَسْلِ أَعْوَجَ، أَو لذي العُقَّال
وفي الحديث: أَنه كان النبي، صلى الله عليه وسلم، فَرَسٌ يُسمَّى ذا
العُقَّال؛ قال: العُقَّال، بالتشديد، داء في رِجْل الدواب، وقد يخفف، سمي
به لدفع عين السوء عنه؛ وفي الصحاح: وذو عُقَّال اسم فرس؛ قال ابن بري:
والصحيح ذو العُقَّال بلام التعريف. والعَقِيلة من النساء: الكَريمةُ
المُخَدَّرة، واستعاره ابن مُقْبِل للبَقَرة فقال:
عَقيلة رَمْلٍ دافَعَتْ في حُقُوفِه
رَخاخَ الثَّرى، والأُقحُوان المُدَيَّما
وعَقِيلةُ القومِ: سَيِّدُهم. وعَقِيلة كُلِّ شيء: أَكْرَمُه. وفي حديث
عليٍّ، رضي الله عنه: المختص بعَقائل كَراماتِه؛ جمع عَقِيلة، وهي في
الأَصل المرأَة الكريمة النفيسة ثم اسْتُعْمِل في الكريم من كل شيء من
الذوات والمعاني، ومنه عَقائل الكلام. وعَقائل البحر. دُرَرُه، واحدته
عَقِيلة. والدُّرَّة الكبيرةُ الصافيةُ: عَقِيلةُ البحر. قال ابن بري: العَقِيلة
الدُّرَّة في صَدَفتها. وعَقائلُ الإِنسان: كرائمُ ماله. قال الأَزهري:
العَقيلة الكَريمة من النساء والإِبل وغيرهما، والجمع العَقائلُ.
وعاقُولُ البحر: مُعْظَمُه، وقيل: مَوْجه. وعَواقيلُ الأَودِية:
دَراقِيعُها في مَعاطِفها، واحدها عاقُولٌ. وعَواقِيلُ الأُمور: ما التَبَس
منها. وعاقُولُ النَّهر والوادي والرمل: ما اعوَجَّ منه؛ وكلُّ مَعطِفِ وادٍ
عاقولٌ، وهو أَيضاً ما التَبَسَ من الأُمور. وأَرضٌ عاقولٌ: لا يُهْتَدى
لها.
والعَقَنْقَل: ما ارْتَكَم من الرَّمل وتعَقَّل بعضُه ببعض، ويُجْمَع
عَقَنْقَلاتٍ وعَقاقِل، وقيل: هو الحَبل، منه، فيه حِقَفةٌ وجِرَفةٌ
وتعَقُّدٌ؛ قال سيبويه: هو من التَّعْقِيل، فهو عنده ثلاثي. والعَقَنْقَل
أَيضاً، من الأَودية: ما عَظُم واتسَع؛ قال:
إِذا تَلَقَّتْه الدِّهاسُ خَطْرَفا،
وإِنْ تلَقَّته العَقاقِيلُ طَفا
والعَقنْقَلُ: الكثيب العظيم المتداخِلُ الرَّمْل، والجمع عَقاقِل، قال:
وربما سَمَّوْا مصارِينَ الضَّبِّ عَقَنْقَلاً؛ وعَقنْقَلُ الضبّ:
قانِصَتُه، وقيل: كُشْيَته في بطنه. وفي المثل: أَطعِمْ أَخاك من عقَنْقَل
الضبِّ؛ يُضْرب هذا عند حَثِّك الرجلَ على المواساة، وقيل: إِن هذا مَوْضوع
على الهُزْءِ.
والعَقْلُ: ضرب من المَشط، يقال: عَقَلَتِ المرأَةُ شَعرَها عَقْلاً؛
وقال:
أَنَخْنَ القُرونَ فعَقَّلْنَها،
كعَقْلِ العَسِيفِ غَرابيبَ مِيلا
والقُرونُ: خُصَل الشَّعَر. والماشِطةُ يقال لها: العاقِلة. والعَقْل:
ضرْب من الوَشْي، وفي المحكم: من الوَشْيِ الأَحمر، وقيل: هو ثوب أَحمر
يُجَلَّل به الهوْدَج؛ قال علقمة:
عَقْلاً ورَقْماً تَكادُ الطيرُ تَخْطَفُه،
كأَنه مِنْ دَمِ الأَجوافِ مَدْمومُ
ويقال: هما ضربان من البُرود. وعَقَلَ الرجلَ يَعْقِله عَقْلاً
واعْتَقَله: صَرَعه الشَّغْزَبِيَّةَ، وهو أَن يَلْوي رِجله على رجله. ولفلان
عُقْلةٌ يَعْقِلُ بها الناس. يعني أَنه إِذا صارَعهم عَقَلَ أَرْجُلَهم، وهو
الشَّغْزَبيَّة والاعْتِقال. ويقال أَيضاً: به عُقْلةٌ من السِّحر، وقد
عُمِلَت له نُشْرة. والعِقالُ: زَكاةُ عامٍ من الإِبل والغنم؛ وفي حديث
معاوية: أَنه استعمل ابن أَخيه عَمرو بن عُتْبة بن أَبي سفيان على
صَدَقاتِ كلْب فاعتَدى عليهم فقال عمرو بن العَدَّاء الكلبي:
سَعَى عِقالاً فلم يَتْرُكْ لنا سَبَداً،
فكَيفَ لوْ قد سَعى عَمرٌو عِقالَينِ؟
لأَصْبَحَ الحيُّ أَوْباداً، ولم يَجِدُوا،
عِندَ التَّفَرُّقِ في الهَيْجا، جِمالَينِ
قال ابن الأَثير: نصَب عِقالاً على الظرف؛ أَراد مُدَّةَ عِقال. وفي
حديث أَبي بكر، رضي الله عنه، حين امتنعت العربُ عن أَداء الزكاة إِليه: لو
مَنَعوني عِقالاً كانوا يُؤَدُّونه إِلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم،
لقاتَلْتُهم عليه؛ قال الكسائي: العِقالُ صَدَقة عامٍ؛ يقال: أُخِذَ منهم
عِقالُ هذا العام إِذا أُخِذَت منهم صدقتُه؛ وقال بعضهم: أَراد أَبو
بكر، رضي الله عنه، بالعِقال الحَبل الذي كان يُعْقَل به الفَرِيضة التي
كانت تؤخذ في الصدقة إِذا قبضها المُصَدِّق، وذلك أَنه كان على صاحب الإِبل
أَن يؤدي مع كل فريضة عِقالاً تُعْقَل به، ورِواءً أَي حَبْلاً، وقيل:
أَراد ما يساوي عِقالاً من حقوق الصدقة، وقيل: إِذا أَخذ المصَدِّقُ
أَعيانَ الإِبل قيل أَخَذ عِقالاً، وإِذا أَخذ أَثمانها قيل أَخَذ نَقْداً،
وقيل: أَراد بالعِقال صدَقة العام؛ يقال: بُعِثَ فلان على عِقال بني فلان
إِذا بُعِث على صَدَقاتهم، واختاره أَبو عبيد وقال: هو أَشبه عندي، قال
الخطابي: إِنما يُضْرَب المثَل في مِثْل هذا بالأَقلِّ لا بالأَكثر، وليس
بسائرٍ في لسانهم أَنَّ العِقالَ صدقة عام، وفي أَكثر الروايات: لو
مَنَعوني عَناقاً، وفي أُخرى: جَدْياً؛ وقد جاء في الحديث ما يدل على القولين،
فمن الأَول حديثُ عمر أَنه كان يأْخذ مع كل فريضة عِقالاً ورِواءً، فإِذا
جاءت إِلى المدينة باعها ثمَّ تصَدَّق بها، وحديثُ محمد بن مَسلمة: أَنه
كان يَعملَ على الصدقة في عهد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فكان يأْمر
الرجل إِذا جاء بفريضتين أَن يأْتي بعِقالَيهما وقِرانيهما، ومن الثاني
حديثُ عمر أَنه أَخَّر الصدقةَ عام الرَّمادة، فلما أَحْيا الناسُ بعث
عامله فقال: اعْقِلْ عنهم عِقالَين، فاقسِمْ فيهم عِقالاً، وأْتِني بالآخر؛
يريد صدقة عامَين. وعلى بني فلان عِقالانِ أَي صدقةُ سنتين. وعَقَلَ
المصَدِّقُ الصدقةَ إِذا قَبَضها، ويُكْرَه أَن تُشترى الصدقةُ حتى
يَعْقِلها الساعي؛ يقال: لا تَشْتَرِ الصدقة حتى يَعْقِلها المصدِّق أَي
يَقبِضَها. والعِقالُ: القَلوص الفَتِيَّة. وعَقَلَ إِليه يَعْقِلُ عَقْلاً
وعُقولاً: لجأَ. وفي حديث ظَبْيان: إِنَّ مُلوك حِمْيَر مَلَكوا مَعاقِلَ
الأَرض وقَرارها؛ المَعاقِلُ: الحُصون، واحدها مَعْقِلٌ. وفي الحديث:
ليَعْقِلَنَّ الدِّينُ من الحجاز مَعْقِلَ الأُرْوِيَّة من رأْس الجبل أَي
ليَتحَصَّن ويَعتَصِم ويَلتَجئُ إِليه كما يَلْتجئ الوَعِلُ إِلى رأْس
الجبل. والعَقْلُ: الملجأُ. والعَقْلُ: الحِصْن، وجمعه عُقول؛ قال
أُحَيحة:وقد أَعْدَدْت للحِدْثانِ عَقْلاً،
لوَ انَّ المرءَ يَنْفَعُهُ العُقولُ
وهو المَعْقِلُ؛ قال الأَزهري: أُراه أَراد بالعُقول التَّحَصُّنَ في
الجبل؛ يقال: وَعِلٌ عاقِلٌ إِذا تَحَصَّن بوَزَرِه عن الصَّيَّاد؛ قال:
ولم أَسمع العَقْلَ بمعنى المَعْقِل لغير الليث. وفلان مَعْقِلٌ لقومه أَي
مَلجأ على المثل؛ قال الكميت:
لَقَدْ عَلِمَ القومُ أَنَّا لَهُمْ
إِزاءٌ، وأَنَّا لَهُمْ مَعْقِلُ
وعَقَلَ الوَعِلُ أَي امتنع في الجبل العالي يَعْقِلُ عُقولاً، وبه
سُمِّي الوعل عاقِلاً على حَدِّ التسمية بالصفة. وعَقَل الظَّبْيُ يَعْقِلُ
عَقلاً وعُقولاً: صَعَّد وامتنع، ومنه المَعْقِل وهو المَلْجأ، وبه سُمِّي
الرجُل. ومَعْقِلُ بن يَسَارٍ: من الصحابة، رضي الله عنهم، وهو من
مُزَيْنةِ مُضَر ينسب إِليه نهرٌ بالبصرة، والرُّطَب المَعْقِليّ. وأَما
مَعْقِلُ بن سِنَانٍ من الصحابة أَيضاً، فهو من أَشْجَع. وعَقَلَ الظِّلُّ
يَعْقِل إِذا قام قائم الظَّهِيرة. وأَعْقَلَ القومُ: عَقَلَ بهم الظِّلُّ
أَي لَجأَ وقَلَص عند انتصاف النهار. وعَقَاقِيلُ الكَرْمِ: ما غُرِسَ
منه؛ أَنشد ثعلب:
نَجُذُّ رِقابَ الأَوْسِ من كلِّ جانب،
كَجَذِّ عَقَاقِيل الكُرُوم خَبِيرُها
ولم يذكر لها واحداً.
وفي حديث الدجال: ثم يأْتي الخِصب فيُعَقِّل الكَرْمُ؛ يُعَقَّلُ
الكَرْمُ معناه يُخْرِجُ العُقَّيْلي، وهو الحِصْرِم، ثم يُمَجِّج أَي يَطِيب
طَعْمُه.
وعُقَّال الكَلإِ
(* قوله «وعقال الكلأ» ضبط في الأصل كرمان وكذا ضبطه
شارح القاموس، وضبط في المحكم ككتاب): ثلاثُ بَقَلات يَبْقَيْنَ بعد
انصِرَامه، وهُنَّ السَّعْدَانة والحُلَّب والقُطْبَة.
وعِقَالٌ وعَقِيلٌ وعُقَيلٌ: أَسماء. وعاقِلٌ: جَبل؛ وثنَّاه الشاعرُ
للضرورة فقال:
يَجْعَلْنَ مَدْفَعَ عاقِلَينِ أَيامِناً،
وجَعَلْنَ أَمْعَزَ رامَتَينِ شِمَالا
قال الأَزهري: وعاقِلٌ اسم جبل بعينه؛ وهو في شعر زهير في قوله:
لِمَنْ طَلَلٌ كالوَحْيِ عافٍ مَنازِلُه،
عَفَا الرَّسُّ منه فالرُّسَيْسُ فَعَاقِلُه؟
وعُقَيْلٌ، مصغر: قبيلة. ومَعْقُلةُ. خَبْراء بالدَّهْناء تُمْسِكُ
الماء؛ حكاه الفارسي عن أَبي زيد؛ قال الأَزهري: وقد رأَيتها وفيها حَوَايا
كثيرة تُمْسِك ماء السماء دَهْراً طويلاً، وإِنما سُمِّيت مَعْقُلة لأَنها
تُمْسِك الماء كما يَعْقِل الدواءُ البَطْنَ؛ قال ذو الرمة:
حُزَاوِيَّةٍ، أَو عَوْهَجٍ مَعْقُلِيّةٍ
تَرُودُ بأَعْطافِ الرِّمالِ الحَرائر
قال الجوهري: وقولهم ما أَعْقِلُه عنك شيئاً أَي دَعْ عنك الشَّكَّ،
وهذا حرف رواه سيبويه في باب الابتداء يُضْمَر فيه ما بُنِيَ على الابتداء
كأَنه قال: ما أَعلمُ شيئاً مما تقول فدَعْ عنك الشك، ويستدل بهذا على صحة
الإِضمار في كلامهم للاختصار، وكذلك قولهم: خُذْ عَنْك وسِرْ عَنْك؛
وقال بكر المازني: سأَلت أَبا زيد والأَصمعي وأَبا مالك والأَخفش عن هذا
الحرف فقالوا جميعاً: ما ندري ما هو، وقال الأَخفش: أَنا مُنْذُ خُلِقْتُ
أَسأَل عن هذا، قال الشيخ ابن بري الذي رواه سيبويه: ما أَغْفَلَه
(* قوله
«ما أغفله» كذا ضبط في القاموس، ولعله مضارع من أغفل الامر تركه وأهمله
من غير نسيان) عنك، بالغين المعجمة والفاء، والقاف تصحيف.
عزل: عَزَلَ الشيءَ يَعْزِلُه عَزْلاً وعَزَّلَهُ فاعْتَزَلَ وانْعَزَلَ
وتَعَزَّلَ: نَحَّاه جانِباً فَتَنَحَّى. وقوله تعالى: إِنَّهُم عن
السَّمْع لَمَعْزولون؛ معناه أَنَّهم لَمَّا رُمُوا بالنجوم مُنِعوا من
السَّمْع. واعْتَزَلَ الشيءَ وتَعَزَّلَه، ويتعديان بعَنْ: تَنَحَّى عنه.
وقوله تعالى: فإِنْ لم تُؤْمِنوا لِي فاعْتَزِلونِ، أَراد إِن لم تؤمنوا بي
فلا تكونوا عَليَّ ولا مَعِي؛ وقول الأَخوص:
يا بَيْتَ عاتِكةَ الَّذي أَتَعَزَّلُ،
حَذَرَ العِدى، وبه الفُؤادُ مُوكَّلُ
يكون على الوجهين
(* قوله «يكون على الوجهين» فلعلهما تعدي أتعزل فيه
بنفسه وبعن كما هو ظاهر).
وتَعَاَزَلَ القومُ: انْعَزَلَ بَعْضُهم عن بَعَض. والعُزْلةُ:
الانْعِزال نفسُه، يقال: العُزْلةُ عِبادة. وكُنْتُ بمَعْزِلٍ عن كذا وكذا أَي
كُنْتُ بموْضع عُزْلةٍ منه. واعْتَزَلْتُ القومَ أَي فارَقْتهم وتَنَحَّيت
عنهم؛ قال تأَبَّط شَرًّا:
ولَسْتُ بِجُلْبٍ جُلْب ريحٍ وقِرَّةٍ،
ولا بصَفاً صَلْدٍ عن الخير مَعْزِل
وقَوْمٌ من القَدَرِيَّةِ يُلَقَّبون المُعْتَزِلة؛ زعموا أَنهم
اعْتَزَلوا فِئَتي الضلالة عندهم، يَعْنُون أَهلَ السُّنَّة والجماعةِ
والخَوَارجَ الذين يَسْتَعْرِضون الناسَ قَتْلاً. ومَرَّ قَتادةُ بعمرو بن عُبَيْد
بن بابٍ فقال: ما هذه المُعْتَزِلة؟ فسُمُّوا المُعْتَزِلةَ؛ وفي عمرو
بن عبيد هذا يقول القائل:
بَرئْتُ من الخَوَارج لَسْتُ منهم
مِنَ العُزَّالِ منهم وابنِ باب
(* قوله «من العزال» قال شارح القاموس: والعزال كرمان المعتزلة، وانشد
البيت).
وعَزَل عن المرأَة واعْتَزَلَها: لنم يُرِدْ ولَدها. وفي الحديث: سأَله
رجلٌ من الأَنصار عن العَزْلِ يعني عَزْلَ الماء عن النساء حَذَرَ
الحَمْل؛ قال الأَزهري: العَزْلُ عَزْلُ الرجل الماءَ عن جاريته إِذا جامعها
لئلا تَحْمِل. وفي حديث أَبي سعيد الخُدْري أَنه قال: بينا أَنا جالسٌ عند
سيدنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، جاء رجل من الأَنصار فقال: يا رسول
الله، إِنَّا نُصِيبُ سَبْياً فنُحِبُّ الأَثمان فكيف تَرَى في العَزْل؟
فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: لا، عَلَيْكم أَن لا تَفْعَلوا ذلك
فإِنَّها ما مِنْ نَسَمةٍ كَتَب اللهُ أَن تخْرُجَ إِلا وهي خارجة؛ وفي
حديث آخر: ما عَلَيْكُم أَن لا تَفْعَلوا، قال: من رواه لا عَلَيْكُم أَن
لا تَفْعَلوا فمعناه عند النحويين لا بأْس عليكم أَن لا تفعلوا، حُذِف
منه بأْس لمعرفة المخاطب به، ومن رواه ما عليكم أَن لا تَفْعَلوا فمعناه
أَيُّ شيءٍ عليكم أَن لا تفعلوا كأَنه كَرِه لهم العَزْلَ ولم يُحَرِّمه،
قال: وفي قوله نُصِيب سَبْياً فنُحِبُّ الأَثمانَ فكيف تَرَى في العَزْل،
كالدَّلالة على أَن أُمّ الولد لا تُباع. وفي الحديث: أَنه كان يَكْره
عَشْرَ خِلالٍ منها عَزْلُ الماء لغير مَحَلِّه أَي يَعْزِله عن إقراره في
فَرْج المرأَة وهو مَحَلُّه، وفي قوله لغير مَحَلِّه تعريض بإِتيان
الدُّبُر. ويقال: اعْزِلْ عنك ما يَشِينُك أَي نحِّهِ عنك.
والمِعْزَال: الذي يَنْزِل ناحيةً من السَّفْر يَنْزِل وَحْدَه، وهو
ذَمٌّ عند العرب بهذا المعنى. والمِعْزال: الراعي المنفرد؛ قال الأَعشى:
تُخْرِج الشَّيْخَ عن بَنِيه، وتَلْوي
بِلَبُون المِعْزَابَةِ المِعْزَال
وهذا المعني ليس بذَمٍّ عندهم لأَن هذا من فِعْل الشُّجْعان وذَوِي
البَأْس والنَّجْدة من الرجال، ويَكُون المِعْزَال الذي يَسْتَبدُّ برأْيه في
رَعْي أُنُف الكَلإِ ويَتَتَبَّع مَساقِطَ الغيث ويَعْزُب فيها، فيقال
له مِعْزابة ومِعْزَال؛ وأَنشد الأَصمعي:
إِذا الهَدَفُ المِعْزَالُ صَوَّبَ رأْسه،
وأَعْجَبَه ضَفْوٌ من الثَّلَّة الخُطْلِ
ويروى المِعْزاب، وهو الذي قد عَزَبَ بإِبِله، والهَدَف: الثَّقِيل
الوَخِمُ، والضَّفْوُ: كثرة المال واتِّساعه، والجمع المَعازيل؛ قال عَبْدة
بنالطبيب:
إِذ أَشْرَفَ الدِّيكُ يَدْعو بعض أُسْرتِه،
إِِلى الصَّباحِ، وهم قَوْمٌ مَعازِيلُ
(* قوله «الى الصباح» قال الصاغاني في التكملة: كذا وقع في نسخ الصحاح،
والرواية لدى الصباح وهو الصواب).
قال ابن بري: المَعازِيلُ هنا الَّذين لا سِلاح معهم، وأَراد بقوله وهم
قوم الدَّجاجَ.
والأَعْزَلُ: الرَّمْل المنفرد المنقطع المُنْعَزِل. والعَزَلُ في ذَنَب
الدابَّة: أَن يَعْزِل ذَنَبه في أَحد الجانبين، وذلك عادة لا خِلْقة
وهو عيب. ودابَّة أَعْزَلُ: مائل الذَّنَب عن الدُّبُرِ عادةً لا خِلْقة،
وقيل: هو الذي يَعْزِل ذَنَبه في شِقٍّ، وقد عَزِلَ عَزَلاً، وكُلُّه من
التَّنَحِّي والتنحية؛ ومنه قول امرئ القيس:
بِضَافٍ فُوَيْقَ الأَرْضِ لَيْسَ بأَعْزَل
وقال النضر: الكَشَف أَن تَرَى ذَنَبه زائلاً عن دُبُره وهو العَزَلُ.
ويقال لِسَائق الحِمَار: اقْرَعْ عَزَلَ حِمارك أَي مُؤَخَّره. والعَزَلة:
الحَرْقَفة. والأَعْزَلُ: الناقص إِحدى الحَرْقَفَتين؛ وأَنشد:
قد أَعْجَلَت ساقَتُها قَرْعَ العَزَل
والعُزُل والأَعْزَلُ: الذي لا سِلاحَ معه فهو يَعْتَزِل الحَرْبَ؛ حكى
الأَوَّلَ الهروي في الغريبين وربما خُصَّ به الذي لا رمح معه؛ وأَنشد
أَبو عبيد:
وأَرَى المَدينَة، حين كُنْتَ أَميرَها،
أَمِنَ البَرِيءُ بها ونام الأَعْزَلُ
وجَمْعهما أَعْزَالٌ وعُزْلٌ وعُزْلانٌ وعُزَّلٌ؛ قال أَبو كبير الهذلي:
سُجَرَاءَ نَفْسِي غَيْرَ جَمْعِ أُشابةٍ
حُشُداً، ولا هُلْكِ المَفارِشِ عُزَّلِ
(* قوله «سجراء» تقدم البيت في حشد وضبط فيه سجراء بفتح السين وسكون
الجيم وهو خطأ والصواب ما هنا).
وقال الأَعشى:
غَيْر مِيلٍ ولا عَوَاوِيرَ في الهَيْـ
جا، ولا عُزَّلٍ ولا أَكفال
قال أَبو منصور: الأَعْزال جمع العُزُل على فُعُل، كما يقال جُنُبٌ
وأَجْنَاب ومِيَاهٌ أَسدامٌ جمع سُدُم. وفي حديث سَلَمة: رآني رسول الله، صلى
الله عليه وسلم، بالحُدَيْبِية عُزُلاً أَي ليس معي سلاح. وفي الحديث:
مَنْ رأَى مَقْتَل حَمْزة؟ فقال رَجُلٌ أَعْزَلُ: أَنا رأَيته؛ ومنه حديث
الحسن: إِذا كان الرجل أَعْزَلَ فلا بأْس أَن يأْخُذَ من سلاح الغَنِيمة.
وفي حديث خَيْفان: مَسَاعِيرُ غَير عُزْلٍ، بالتسكين؛ وفي قصيد كعب:
زَالُوا فما زالَ أَنْكاسٌ ولا كُشُفٌ،
عند اللِّقاء، ولا مِيلٌ مَعازِيلُ
أَي لَيْس معهم سِلاحٌ، واحدهم مِعْزالٌ، ويقال في جمعه أَيضاً
مَعازِيلُ
(* قوله «ويقال في جمعه إلخ» هذا من جموع العزل بضمتين والاعزل
المتقدمين في صدر العبارة، وهو معطوف في عبارة ابن سيده على الجموع المتقدمة) عن
ابن جني، والاسم من ذلك كله العَزَلُ. والمَعازيلُ أَيضاً: القومُ الذين
لا رماحَ معهم؛ قال الكميت:
ولكنَّكُم حَيٌّ مَعازيلُ حِشْوةٌ،
ولا يُمْنَع الجِيرانُ باللَّوْمِ والعَذْل
وأَما قول أَبي خِراش الهُذلي:
فهل هو إِلا ثَوْبُه وسِلاحُه؟
فما بِكُمُ عُرْيٌ إِليه ولا عَزْلُ
فإِنما أَراد: ولا أَنتم عَزَلٌ، فَخَفَّف، وإِن كان سيبويه قد نَفاه،
وقد جاءت له نظائر، وروي: ولا عُزْل، أَراد ولا أَنتم عُزْل، وقد يكون
العُزْل لغةً في العَزَل، كالشُّغْل والشَّغَل والبُخْل والبَخَل.
والسِّماكُ الأَعْزَل: كوكبٌ على المَجرَّة، سمي بذلك لعَزَله مما تَشَكَّل به
السَّماك الرامحُ من شَكْل الرُّمْح؛ قال الأَزهري: وفي نجوم السماء سِما
كان: أَحدهما السِّماك الأَعْزَل، والآخر السِّماك الرامح، فأَما الأَعْزَل
فهو من منازل القمر به يَنزِل وهو شَآمٍ، وسمي أَعْزَل لأَنه لا شيء بين
يديه من الكواكب كالأَعْزَل الذي لا سلاح معه كما كان مع الرامح، ويقال:
سمي أَعْزَل لأَنه إِذا طَلَع لا يكون في أَيامه ريح ولا بَرْدٌ؛ وقال
أَوس بن
حجَر:
كأَنَّ قُرونَ الشَّمْس عند ارتفاعها،
وقد صادَفَتْ قَرْناً، من النَّجم، أَعزَلا
تَرَدَّدَ فيه ضَوْؤُها وشُعاعُها،
فأَحْصِنْ وأَزْيِنْ لامرئٍ إِن تَسْربلا
(* قوله «قرناً» كذا في الأصل تبعاً للتهذيب. وفي التكملة: طلقاً،
والطلق كما في القاموس: الذي لا اذى فيه ولا حر، وقوله «فأحصن» كذا في الأصل
والتهذيب بالصاد، وفي التكملة فأحسن بالسين).
أَراد: إِن تَسَرْبَل بها، يصف الدرع أَنك إِذا نظرْتَ إِليها وجَدْتها
صافية بَرَّاقة كأَن شُعاع الشمس وقع عليها في أَيام طلوع الأَعْزَل
والهواءُ صافٍ؛ وقوله: تَرَدَّدَ فيه يعني في الدِّرْع فذَكَّره للَّفظ
(*
قوله «فذكره للفظ» اورد في التكملة البيت بضمير المؤنث، فلعلهما روايتان)
والغالب عليها التأْنيث؛ وقال الطِّرِمّاح:
مَحاهُنَّ صَيِّبُ نَوْء الرَّبِيع،
مِنَ الأَنْجُم العُزْلِ والرَّامِحَه
وقوله: رَأَيْتُ الفِتْيَةَ الأَعْزا
لع، مِثْلَ الأَينُق الرُّعْل
إِنما الأَعزالُ فيه جمع الأَعزَل؛ هكذا رواه علي بن حمزة، بالعين
والزاي، والمعروف الأَرْعال.
والعِزال: الضَّعْفُ. ابن الأَعرابي: الأَعْزَل من اللحم يكون نصيبَ
الرجل الغائب، والجمع عُزْلٌ. والعَزْل: ما يورِدُه بيتَ المال تَقْدِمةً
غيرَ موزون ولا مُنْتَقَد إِلى محِلِّ النَّجْم.
والعَزْلاء: مَصَبُّ الماء من الراوية والقِرْبةِ في أَسفلها حيث
يُسْتَفْرَغ ما فيها من الماء؛ سُميت عَزلاء لأَنها في أَحد خُصْمَي المَزادة
لا في وَسَطها ولا هي كفَمِها الذي منه يُسْتَقى فيها، والجمع العَزالي،
بكسر اللام. وفي الحديث: وأَرْسَلَت السَّماءُ عَزالِيَها، كثُر مطَرُها
على المثل، وإِن شئت فتحت اللام مثل الصَّحاري والصَّحارى والعَذاري
والعَذارى، يقال للسحابة إِذا انهَمَرَتْ بالمَطر الجَوْد: قد حَلَّت
عَوالِيَها وأَرسَلتْ عَزالِيَها؛ قال الكميت:
مَرَتْه الجَنوبُ، فلمّا اكْفَهـ
رَّ حَلَّتْ عَزالِيَه السَّمْأَلُ
وفي حديث الاستسقاء:
دُفاقُ العَزائِل جَمُّ البُعاق
(* قوله «دفاق العزائل إلخ» صدر بيت، وعجزه كما في حاشية نسخة من
النهاية:
أغاث به الله عليا مضر)
العَزائل: أَصله العَزالي مثل الشّائك والشّاكي، والعَزالي جمع
العَزْلاء، وهو فَمُ المَزادة الأَسفل، فشَبَّه اتِّساعَ المطر واندفاقَه بالذي
يخرج من فم المزادة. وفي حديث عائشة: كُنَّا نَنْبِذ لرسول الله، صلى الله
عليه وسلم، في سِقاءٍ له عَزْلاء.
والأَعْزَل: سحابٌ لا مطر فيه.
والعَزْلُ وعُزَيْلة: موضعان. والأَعْزَلةُ: موضع. والأَعازِل: مواضع في
بني يَرْبوع؛ قال جرير:
تُرْوِي الأَجارِعَ والأَعازِلَ كُلَّها
والنَّعْفَ، حيثُ تَقابَلَ الأَحْجارُ
والأَعْزَلانِ: وادِيان لبني كُليب وبني العَدَوِيَّة، يقال لأَحدهما
الرَّيّان وللآخر الظَّمْآن. وعَزَله عن العَمل أَي نحَّاه فعُزِل.
وعُزَيْل: اسمٌ. وعَزَله أَي أَفْرَزَه. والمِعْزال: الضَّعيف الأَحْمق.
والمِعْزال: الذي يَعْتَزِل أَهلَ المَيْسِرِ لُؤماً؛ وعازِلة: اسم ضَيْعة كانت
لأَبي نُخَيْلة الحِمّاني، وهو القائل فيها:
عازِلةٌ عن كلِّ خَيْر تَعْزِلُ،
يابسةٌ بَطْحاؤُها تُفَلْفِلُ
لِلْجِنِّ بين قارَتَيْها أَفْكَلُ،
أَقْبَلَ بالخَيْر عليها مُقْبِلُ
مُقْبِل: اسم جبل أَعْلى عازِلة.