بالفتح، وهو مصدر منع الشيء مناعة:
اسم جبل في شعر ساعدة بن جؤيّة الهذلي:
أرى الدهر لا يبقى على حدثانه ... أبود بأطراف الــمناعة جلعد
الأبود: الآبد وهو المتوحش، والجلعد: الشديد.
منع: المَنْعُ: أَن تَحُولَ بين الرجل وبين الشيء الذي يريده، وهو خلافُ
الإِعْطاءِ، ويقال: هو تحجيرُ الشيء، مَنَعَه يَمْنَعُه مَنْعاً
ومَنَّعَه فامْتَنَع منه وتمنَّع.
ورجل مَنُوعٌ ومانِعٌ ومَنَّاعٌ: ضَنِينٌ مُمْسِكٌ. وفي التنزيل:
مَنَّاعٍ للخير، وفيه: وإِذا مسَّه الخيْرُ مَنُوعاً. ومَنِيعٌ: لا يُخْلَصُ
إِليه في قوم مُنَعاءَ، والاسم المَنَعةُ والمَنْعةُ والمِنْعةُ. ابن
الأَعرابي: رجل مَنُوعٌ يَمْنَع غيره، ورجل مَنِعٌ يمنع نفسه، قال:
والمَنِيعُ أَيضاً الممتنِعُ، والمَنُوع الذي منع غيره؛ قال عمرو بن
معديكرب:بَراني حُبُّ مَنْ لا أَسْتَطِيعُ،
ومَنْ هو للذي أَهْوَى مَنُوعُ
والمانِعُ: من صفات الله تعالى له معنيان: أَحدهما ما روي عن النبي، صلى
الله عليه وسلم، أَنه قال: اللهم لا مانِعَ لما أَعْطَيْتَ ولا مُعْطِيَ
لِما مَنَعْتَ، فكان عز وجل يُعْطِي من استحقَّ العطاءَ ويمنع من لم
يستحق إِلاَّ المنع، ويعطي من يشاء ويمنع من يشاء وهو العادل في جميع ذلك،
والمعنى الثاني من تفسير المانع أَنه تبارك وتعالى يمنع أَهل دينه أَي
يَحُوطُهم وينصرهم،وقيل: يمنع من يريد من خلقه ما يريد ويعطيه ما يريد، ومن
هذا يقال فلان في مَنَعةٍ أَي في قوم يحمونه ويمنعونه، وهذا المعنى في
صفة الله جل جلاله بالغ، إِذ لا منعة لمن لم يمنعه الله ولا يمتنع من لم
يكن الله له مانعاً. وفي الحديث: اللهم مَن مَنَعْتَ مَمْنُوعٌ أَي من
حََرَمْتَه فهو مَحْرُومٌ لا يعطيه أَحد غيرك. وفي الحديث: أَنه كان ينهي عن
عُقُوقِ الأُمَّهات ومَنْعٍ وهات أَي عن مَنْعِ ما عليه إِعطاؤُه وطَلبِ
ما ليس له. وحكى ابن بري عن النَّجِيرَمِيّ
(* قوله« النجيرمي» حكى ياقوت
في مجمعه فتح الجيم وكسرها مع فتح الراء): مَنَعةٌ جمع مانِعٍ. وفي
الحديث: سيَعُوذُ بهذا البيتِ قومٌ ليست لهم مَنْعةٌ أَي قوَّة تمنع من
يريدهم بسوء، وقد تفتح النون،وقيل: هي بالفتح جمعُ مانِعٍ مثل كافِرٍ
وكُفَرةٍ.
ومانَعْتُه الشيءَ مُمَانَعةً، ومَنُعَ الشيءُ مَناعةً، فهو مَنِيعٌ:
اعتَزَّ وتعسَّر. وفلان في عِزٍّ ومَنَعةٍ، بالتحريك وقد يُسكن، يقال:
المَنعةُ جمعٌ كما قدَّمنا أَي هو في عِزٍّ ومن يَمْنعه من عشيرتِه، وقد
تمنَّع وامرأَة مَنِيعةٌ متمنِّعةٌ: لا تؤاآتى على فاحِشةٍ، والفعلُ كالفعل،
وقد مَنُعَتْ مَناعةً، وكذلك حصِنٌ مَنِيعٌ، وقد مَنُعَ، بالضم، مَناعةً
إِذا لم يُرَمُ. وناقة مانِعٌ: مَنَعَتْ لبنها، على النسب؛ قال أُسامةُ
الهُذَلي:
كأَني أُصادِيها على غُبْرِ مانِعٍ
مُقَلِّصةٍ، قد أَهْجَرَتها فُحُولُها
ومَناعِ: بمعنى امْنَعْ. قال اللحياني: وزعم الكسائي أَن بني أَسد
يفتحون مَناعَها ودَراكَها وما كان من هذا الجنس، والكسر أَعرف. وقوسٌ
مَنْعةٌ: ممتنعةٌ مُتَأَبِّيةٌ شاقَّةٌ؛ قال عمرو بن براء:
ارْمِ سَلاماً وأَبا الغَرَّافِ،
وعاصماً عن مَنْعَةٍ قَذَّافِ
والمُتَمنِّعَتانِ: البكْرَةُ والعَناقُ يَتَمَنَّعانِ على السَّنةِ
لفَتائِهما وإِنهما يَشْبَعانِ قَبْلَ الجِلَّةِ، وهما المُقاتِلتانِ
الزمانَ على أَنفُسِهما. ورجل مَنِيعٌ: قويُّ البدن شديدُه. وحكى اللحياني: لا
مَنْعَ عن ذاك، قال: والتأْويل حقّاً أَنك إِن فعلت ذلك.
ابن الأَعرابي: المَنْعِيُّ أَكَّالُ المُنُوعِ وهي السَّرطاناتُ،
واحدها مَنْعٌ.
ومانِعٌ ومَنِيعٌ ومُنَيْعٌ وأَمْنَعُ: أَسماءٌ. ومَناعِ: هَضْبةٌ في
جبل طيِّءٍ. والــمَناعةُ: اسم بلد؛ قال ساعدةُ بن جُؤَيَّةَ:
أَرَى الدَّهْر لا يَبْقَى على حَدَثانِه،
أُبُودٌ بأَطرافِ الــمَناعةِ جَلْعَدُ
(* قوله« بأطراف الــمناعة» تقدم في مادة أبد إِنشاده بأطراف المثاعد.)
قال ابن جني: الــمَناعةُ تحتمل أَمرين: أَحدهما أَن تكون فَعالةً من مَنَعَ،
والآخر أَن تكون مَفْعَلَةً من قولهم جائِعٌ نائِعٌ، وأَصلها مَنْوَعةٌ
فجرَت مَجْرى مَقامةٍ وأَصلُها مَقْوَةٌ.
حصن: حَصُنَ المكانُ يَحْصُنُ حَصانةً، فهو حَصِين: مَنُع، وأَحْصَنَه
صاحبُه وحَصَّنه. والحِصْنُ: كلُّ موضع حَصِين لا يُوصَل إلى ما في
جَوْفِه، والجمع حُصونٌ. وحِصْنٌ حَصِينٌ: من الحَصانة. وحَصَّنْتُ القرية إذا
بنيتَ حولَها، وتَحَصَّنَ العَدُوُّ. وفي حديث الأَشعث: تَحَصَّنَ في
مِحْصَنٍ
(* قوله «في محصن» كذا ضبط في الأصل، وقال شارح القاموس كمنبر،
والذي في بعض نسخ النهاية كمقعد). المِحْصَنُ: القصرُ والحِصْنُ. وتَحَصَّنَ
إذا دخل الحِصْنَ واحْتَمى به. ودرْعٌ حَصِين
وحَصِينة: مُحْكمَة؛ قال ابن أَحمر:
همُ كانوا اليَدَ اليُمْنى، وكانوا
قِوامَ الظِّهْرِ والدِّرعَ الحَصِينا.
ويروى: اليدَ العُلْيا، ويروى: الوُثْقَى؛ قال الأََعشى:
وكلُّ دِلاصٍ، كالأَضاةِ، حَصِينةٍ،
ترى فَضْلَها عن رَبِّها يَتَذَبْذَبُ
(* قوله «عن ربها» كذا في الأصل،
وفي التهذيب والمحكم عن ريعها). وقال شمر: الحَصِينة من الدروع الأَمينة
المُتدانية الحِلَق التي لا يَحِيكُ فيها السِّلاح؛ قال عَنْترة
العَبْسيُّ:
فَلَقَّى أَلَّتي بَدَناً حَصِيناً،
وعَطْعَطَ ما أَعَدَّ من السِّهام. وقال الله تعالى في قصة داود، على
نبينا وعليه الصلاة والسلام: وعَلَّمْناه صنعةَ لَبُوسٍ لكم لتُحْصِنَكم
مِنْ بأْسِكم؛ قال الفراء: قُرئ لِيُحْصِنَكم ولِتُحْصِنَكم ولنحصنكم، فمن
قرأَ ليُحْصِنكم فالتذكير لِلَّبُوس، ومن قرأَ لتُحْصِنَكم ذهب إلى
الصنعة، وإن شئت جعلته للدرع لأَنها هي اللبوسُ وهي مؤنثة، ومعنى ليُحْصِنَكم
ليمنعكم ويُحْرِزَكم، ومن قرأَ لِنُحْصِنَكم، بالنون، فمعنى لنُحْصِنَكم
نحنُ، الفعلُ لله عز وجل. وامرأَة حَصانٌ، بفتح الحاء: عفيفة بَيِّنة
الحَصانةِ والحُصْنِ ومتزوِّجَةٌ أَيضاً من نسوة حُصُنٍ وحَصاناتٍ، وحاصِنٌ
من نِسْوَةٍ حَواصِنَ وحاصِنات، وقد حَصُنَت تَحْصُنُ حِصْناً وحُصْناً
وحَصْناً إذا عَفَّتْ عن الرِّيبة، فهي حَصانٌ؛ أَنشد ابن بري:
الحُصْنُ أَدْنى، لو تآيَيْتِهِ،
مِنْ حَثْيِكِ التُّرْبَ على الرَّاكِبِ.
وحَصَّنَت المرأَةُ نفسَها وتَحَصَّنَتْ وأَحْصَنَها وحَصَّنها
وأَحْصَنَت نفسها. وفي التنزيل العزيز: والتي أَحْصَنَتْ فَرْجَها. وقال شمر:
امرأَة حَصانٌ وحاصِنٌ وهي العفيفة، وأَنشد:
وحاصِن منْ حاصِنات مُلْسِ
مِنَ الأَذَى، ومن قِرافِ الوَقْسِ.
وفي الصحاح: فهي حاصِنٌ وحَصانٌ وحَصْناء أَيضاً بَيِّنة الحَصانةِ.
والمُحْصَنةُ: التي أَحصنها زوجها، وهن المُحْصَنات، فالمعنى أَنهن
أُحْصِنَّ بأَزْواجِهنَّ. والمُحْصَنات: العَفائِفُ من النساء. وروى الأَزهري عن
ابن الأَعرابي أَنه قال: كلامُ العرب كلُّه على أَفْعَلَ فهو مُفْعِل إلا
ثلاثة أَحرف: أَحْصَنَ فهو مُحْصَنٌ، وأَلْفَجَ فهو مُلْفَجٌ، وأَسْهَبَ
في كلامِهِ فهو مُسْهَب؛ زاد ابن سيده: وأَسْهَمَ فهو مُسْهَم. وفي
الحديث ذِكْرُ الإحْصان والمُحْصَناتِ في غير موضع، وأَصل الإحْصانِ المنعُ،
والمرأَة تكون مُحْصَنة بالإسلام والعَفافِ والحريّة والتزويج. يقال:
أَحْصَنَت المرأَة، فهي مُحْصَنة ومُحْصِنَة، وكذلك الرجل. والمُحْصَنُ،
بالفتح: يكون بمعنى الفاعل والمفعول؛ وفي شعر حسَّان يُثْني على عائشة، رضي
الله عنها:
حَصَانٌ رَازانٌ ما تُزَنُّ بِريبةٍ،
وتُصْبِحُ غَرْثَى من لُحومِ الغَوافِل.
وكلُّ امرأَةٍ عفيفةٍ مُحْصَنةٌ ومُحْصِنَةٌ، وكلُّ امرأَة متزوِّجة
مُحْصَنةٌ، بالفتح لا غير؛ وقال:
أَحْصَنُوا أُمَّهُمُ مِنْ عَبْدِهم،
تلك أَفْعالُ القِزام الوَكَعهْ أَي زَوَّجُوا. والوَكَعة: جمع
أَوْكَعَ. يقال: عبدٌ أَوْكَعُ، وكان قياسُهُ وُكع، فشُبِّه بفاعِل فجُمِع
جَمْعَه، كما قالوا أَعْزَل وعُزَّل كأَنه جمع عازِل؛ وقال أَبو عبيد: أَجمع
القرَّاء على نصب الصاد في الحرف الأََول من النساء، فلم يختلفوا في فتح
هذه لأَن تأْويلها ذوات الأَزواج يُسْبَيْنَ فيُحِلُّهنَّ السِّباء لِمَنْ
وطئِها من المالِكين لها، وتنقطع العِصْمةُ بينهنَّ وبين أَزواجهن بأَن
يَحِضْنَ حيضة ويَطْهُرْنَ منها، فأَما سوى الحرف الأول فالقُرَّاءُ
مختلفون: فمنهم من يكسر الصاد، ومنهم من يفتحها، فمَنْ نَصَبَ ذَهَبَ إلى ذوات
الأَزواج اللاتي قد أَحْصَنَهُنَّ أَزواجُهن، ومَنْ كسَر ذهبَ إلى أَنهن
أَسْلَمْنَ فأَحْصَنْ أَنفسهن فهنَّ مُحْصِنات. قال الفراء:
والمُحْصَنات من النساء، بِنَصْب الصاد، أَكثر في كلام العرب. وأَحْصَنَتْ المرأَةُ:
عَفَّت، وأَحْصَنَها زَوْجُها، فهي مُحْصَنة ومُحْصِنة. ورجل مُحْصَنٌ:
متزوِّج، وقد أَحْصَنَه التزوّجُ. وحكى ابن الأَعرابي: أَحْصَنَ الرجلُ
تزوجَ، فهو مُحصَن، بفتح الصاد فيهما نادر. قال الأَزهري: وأَما قوله
تعالى: فإِذا أُحْصِنَّ فإِن أَتَيْنَ بفاحشةٍ فعليهنَّ نِصْفُ ما على
المُحْصَناتِ من العذاب؛ فإن ابن مسعود قرأَ: فإذا أَحْصَنَّ، وقال: إِحْصانُ
الأَمةِ إسلامُها، وكان ابن عباس يقرؤها: فإِذا أُحْصِنَّ، على ما لم
يسمَّ فاعله، ويفسره: فإِذا أُحْصِنَّ بِزَوْجٍ، وكان لا يرَى على الأَمة
حدّاً ما لم تزوّج، وكان ابن مسعود يرى عليها نِصْفَ حدّ الحرَّة إذا أَسلمت
وإن لم تزوّج، وبقوله يقولُ فقهاء الأَمصار، وهو الصواب. وقرأَ ابن كثير
ونافع وأَبو عمرو وعبد الله بن عامر ويعقوب: فإِذا أُحْصِنّ، بضم
الأَلف، وقرأَ حفص عن عاصم مثلَه، وأَما أَبو بكر عن عاصم فقد فتح الأَلف،
وقرأَ حمزة والكسائي فإِذا أُحْصَنَّ، بفتح الألف، وقالَ شمر: أَصلُ
الحَصانةِ المنعُ، ولذلك قيل: مَدِينةَ حَصينة ودِرْعٌ حَصِينة؛ وأَنشد يونس:
زَوْجٌ حصان حُصْنُها لم يُعْقَم.
وقال: حُصْنُها تَحْصِينُها نفسَها. وقال الزجاج في قوله تعالى:
مُحْصِنينَ غيرَ مُسافحِين؛ قال: مُتَزَوِّجين غير زُناةٍ، قال: والإحْصانُ
إِحْصانُ الفرج وهو إِعْفافُه؛ ومنه قوله تعالى: أَحْصَنَتْ فَرْجَها؛ أَي
أَعفَّتْه. قال الأَزهري: والأَمة إذا زُوِّجَتْ جازَ أَن يقال قد
أُحْصِنَت لأَن تزويجها قد أَحْصَنَها، وكذلك إذا أُعْتِقَتْ فهي مُحْصَنة، لأَن
عِتْقَها قد أَعَفَّها، وكذلك إذا أَسْلَمت فإِن إسْلامَها إِحْصانٌ لها.
قال سيبويه: وقالوا بناءٌ حَصِينٌ وامرأَة حَصَان، فَرقوا بين البِنَاء
والمرأَةِ حين أَرادُوا أَن يخبروا أَن البناء مُحْرِز لمن لجأَ إليه،
وأَن المرأَة مُحْرِزة لفَرْجها. والحِصَانُ: الفحلُ من الخيل، والجمع
حُصُنٌ. قال ابن جني: قولهم فرَسٌ
حِصانٌ بَيِّنُ التحصُّن هو مُشْتَقٌّ من الحَصانةِ لأَنه مُحْرِز
لفارسه، كما قالوا في الأُنثى حِجْر، وهو من حَجَر عليه أَي منعه. وتَحَصَّنَ
الفَرسُ: صارَ حِصاناً. وقال الأَزهري: تَحَصَّنَ إذا تَكَلَّف ذلك،
وخَيْلُ العرب حُصونها. قال الأَزهري: وهُمْ إلى اليوم يُسَمُّونها حُصوناً
ذُكورَها وإناثَها، وسئل بعض الحُكَّام عن رجلٍ جعل مالاً له في الحُصونِ
فقال: اشْتَرُوا خَيْلاً واحْمِلوا عليها في سبيل الله؛ ذهب إلى قول
الجعفي:
ولقد عَلِمْتُ على تَوَقِّي الرَّدَى
أَن الحُصونَ الخَيْلُ، لا مَدَرُ القُرى.
وقيل: سُمِّيَ الفرسُ حِصاناً لأَنه ضُنَّ بمائه فلم يُنْزَ إلا على
كريمة، ثم كثُر ذلك حتى سَمَّوا كلَّ ذَكَر من الخيل حِصاناً، والعرب تسمي
السِّلاحَ كلَّه حِصْناً؛ وجعل ساعِدةُ الهذليّ النّصالَ أَحْصِنة فقال:
وأَحْصِنةٌ ثُجْرُ الظُّباتِ كأَنَّها،
إذا لم يُغَيِّبْها الجفيرُ، جَحِيمُ.
الثُّجْرُ: العراضُ، ويروى: وأَحصَنه ثجرُ الظبات أَي أَحْرَزَه؛ وقول
زهير:
وما أَدْرِي، وسَوْفَ إِخالُ أَدْرِي،
أَقومٌ آلُ حِصْنٍ أَم نِساءُ
يريد حِصْنَ بنَ حُذَيْفَةَ الفزاريَّ. والحَواصِنُ من النساء:
الحَبالى؛ قال:
تُبِيل الحَواصِنُ أَبْوالَها
والمِحْصَنُ
(* زاد في المحكم: وأحصنت المرأة حملت وكذلك الأتان، قال
رؤبة:
قد أحصنت مثل دعاميص الرفق * أجنة في مستكنات الحلق
عدّاه لما كان معناه حملت، والمحصن القفل إلخ).: القُفْلُ. والمِحْصَنُ
أَيضاً: المِكْتلةُ التي هي الزَّبيلُ، ولا يقال مِحْصَنة. والحِصْنُ:
الهِلالُ. وحُصَيْنٌ: موضع؛ عن ابن الأَعرابي؛ وأَنشد:
أَقول، إذا ما أَقلعَ الغَيْثُ عَنْهُمُ:
أَمَا عَيْشُنا يومَ الحُصَيْن بعائد؟
والثعلبُ يُكْنى أَبا الحِصْنِ. قال الجوهري: وأَبو الحُصَيْن كنية
الثعلب؛ وأَنشد ابن بري:
لله دَرُّ أَبي الحُصَيْنِ لقدْ بَدَتْ
منه مَكايِدُ حُوَّلِيٍّ قُلَّبِ.
قال: ويقال له أَبو الهِجْرِس وأَبو الحِنْبِص. والحِصْنانِ: موضعٌ،
النسب إليه حِصْنيٌّ كراهية اجتماع إعرابين، وهو قول سيبويه، وقال بعضهم:
كراهية اجتماع النونين، قال الجوهري: وحِصْنانِ بلد. قال اليَزِيديُّ:
سأَلني والكسائيَّ المهديُّ عن النِّسْبة إلى البحرين وإلى حِصْنَين لِمَ
قالوا حِصْنِيٌّ وبَحْرانِيٌّ فقال الكسائي: كرهوا أََن يقولوا حِصْنانيٌّ
لاجتماع النونين، وقلتُ أَنا: كرهوا أن يقولوا بَحْرِيٌّ فيُشْبه
النِّسبةَ إلى البَحْر. وبنو حِصْنٍ: حَيٌّ. والحِصْنُ: ثَعْلبة بن عُكابَة
وتَيْم اللاتِ وذُهْل. ومِحْصَن: اسمٌ. ودارةُ مِحْصَن: موضعٌ؛ عن كراع.
وحُصَيْنٌ: أَبو الراعي عُبَيْدُ بنُ حُصَيْنٍ النُّمَيْريّ الشاعر. وقد سمَّت
العربُ حِصْناً وحَصِيناً.
لقح: اللِّقاحُ: اسم ماء الفحل
(* قوله «اللقاح اسم ماء الفحل» صنيع
القاموس، يفيد أَن اللقاح بهذا المعنى، بوزن كتاب، ويؤيده قول عاصم: اللقاح
كسحاب مصدر، وككتاب اسم، ونسخة اللسان على هذه التفرقة. لكن في النهاية
اللقاح، بالفتح: اسم ماء الفحل اهـ. وفي المصباح: والاسم اللقاح، بالفتح
والكسر.) من الإِبل والخيل؛ وروي عن ابن عباس أَنه سئل عن رجل كانت له
امرأَتان أَرضعت إِحداهما غلاماً وأَرضعت الأُخرى جارية: هل يتزوَّج الغلامُ
الجارية؟ قال: لا، اللِّقاح واحد؛ قال الأَزهري: قال الليث: اللِّقاح
اسم لماء الفحل فكأَنَّ ابن عباس أَراد أَن ماء الفحل الذي حملتا منه واحد،
فاللبن الذي أَرضعت كل واحدة منهما مُرْضَعَها كان أَصله ماء الفحل،
فصار المُرْضَعان ولدين لزوجهما لأَنه كان أَلْقَحهما. قال الأزهري: ويحتمل
أَن يكون اللِّقاحُ في حديث ابن عباس معناه الإِلْقاحُ؛ يقال: أَلْقَح
الفحل الناقة إِلقاحاً ولَقاحاً، فالإِلقاح مصدر حقيقي، واللِّقَاحُ: اسم
لما يقوم مقام المصدر، كقولك أَعْطَى عَطاء وإِعطاء وأَصلح صَلاحاً
وإِصلاحاً وأَنْبَت نَباتاً وإِنباتاً. قال: وأَصل اللِّقاح للإِبل ثم استعير
في النساء، فيقال: لَقِحَتِ إِذا حَمَلَتْ، وقال: قال ذلك شمر وغيره من
أَهل العربية. واللِّقاحُ: مصدر قولك لَقِحَتْ الناقة تَلْقَحُ إِذا
حَمَلَتْ، فإِذا استبان حملها قيل: استبان لَقاحُها.
ابن الأَعرابي: ناقة لاقِحٌ وقارِحٌ يوم تَحْمِلُ فإِذا استبان حملها،
فهي خَلِفَةٌ. قال: وقَرَحتْ تَقرَحُ قُرُوحاً ولَقِحَتْ تَلْقَح لَقاحاً
ولَقْحاً وهي أَيام نَتاجِها عائذ.
وقد أَلقَح الفحلُ الناقةَ، ولَقِحَتْ هي لَقاحاً ولَقْحاً ولَقَحاً:
قبلته. وهي لاقِحٌ من إِبل لوَاقِح ولُقَّحٍ، ولَقُوحٌ من إِبل لُقُحٍ.
وفي المثل: اللَّقُوحُ الرِّبْعِيَّةُ مالٌ وطعامٌ. الأَزهري:
واللَّقُوحُ اللَّبُونُ وإِنما تكون لَقُوحاً أَوّلَ نَتاجِها شهرين ثم ثلاثة
أَشهر، ثم يقع عنها اسم اللَّقوحِ فيقال لَبُونٌ، وقال الجوهري: ثم هي لبون
بعد ذلك، قال: ويقال ناقة لَقُوحٌ ولِقْحَةٌ، وجمع لَقُوحٍ: لُقُحٌ
ولِقاحٌ ولَقائِحُ، ومن قال لِقْحةٌ، جَمَعها لِقَحاً. وقيل: اللَّقُوحُ
الحَلُوبة. والمَلْقوح والملقوحة: ما لَقِحَتْه هي من الفحلِ؛ قال أَبو الهيثم:
تُنْتَجُ في أَوَّل الربيع فتكون لِقاحاً واحدتُها لِقْحة ولَقْحةٌ
ولَقُوحٌ، فلا تزال لِقاحاً حتى يُدْبِرَ الصيفُ عنها. الجوهري: اللِّقاحُ،
بكسر اللام. الإِبلُ بأَعيانها، الواحدة لَقُوح، وهي الحَلُوبُ مثل
قَلُوصٍ وقِلاصٍ. الأَزهري: المَلْقَحُ يكون مصدراً كاللَّقاحِ؛ وأَنشد:
يَشْهَدُ منها مَلْقَحاً ومَنْتَحا
وقال في قول أَبي النجم:
وقد أَجَنَّتْ عَلَقاً ملقوحا
يعني لَقِحَتْه من الفَحل أَي أَخذته.
وقد يقال للأُمَّهات: المَلاقِيحُ؛ ونهى عن أَولادِ المَلاقِيح وأَولاد
المَضامِين في المبايعة لأَنهم كانوا يتبايعون أَولاد الشاء في بطون
الأُمهات وأَصلاب الآباء. والمَلاقِيحُ في بطون الأُمهات، والمَضامِينُ في
أَصلاب الآباء. قال أَبو عبيد: الملاقيح ما في البطون، وهي الأَجِنَّة،
الواحدة منها مَلْقُوحة من قولهم لُقِحَتْ كالمحموم من حُمَّ والمجنونِ من
جُنَّ؛ وأَنشد الأَصمعي:
إِنَّا وَجَدْنا طَرَدَ الهَوامِلِ
خيراً من التَّأْنانِ والمَسائِلِ
وعِدَةِ العامِ، وعامٍ قابلِ،
مَلْقوحةً في بطنِ نابٍ حائِلِ
يقول: هي مَلْقوحةٌ فيما يُظْهِرُ لي صاحبُها وإِنما أُمُّها حائل؛ قال:
فالمَلْقُوح هي الأَجِنَّة التي في بطونها، وأَما المضامين فما في
أَصلاب الفُحُول، وكانوا يبيعون الجَنينَ في بطن الناقة ويبيعون ما يَضْرِبُ
الفحلُ في عامه أَو في أَعوام. وروي عن سعيد بن المسيب أَنه قال: لا رِبا
في الحيوان، وإِنما نهى عن الحيوان عن ثلاث: عن المَضامِين والمَلاقِيح
وحَبَلِ الحَبَلَةِ؛ قال سعيد: فالملاقِيحُ ما في ظهور الجمال، والمضامين
ما في بطون الإِناث، قال المُزَنِيُّ: وأَنا أَحفظ أَن الشافعي يقول
المضامين ما في ظهور الجمال، والملاقيح ما في بطون الإِناث؛ قال المزني:
وأَعلمت بقوله عبد الملك بن هشام فأَنشدني شاهداً له من شعر العرب:
إِنَّ المَضامِينَ، التي في الصُّلْبِ،
ماءَ الفُحُولِ في الظُّهُورِ الحُدْبِ،
ليس بمُغْنٍ عنك جُهْدَ اللَّزْبِ
وأَنشد في الملاقيح:
منيَّتي مَلاقِحاً في الأَبْطُنِ،
تُنْتَجُ ما تَلْقَحُ بعد أَزْمُنِ
(* قوله «منيتي ملاقحاً إلخ» كذا بالأصل.)
قال الأَزهري: وهذا هو الصواب. ابن الأَعرابي: إِذا كان في بطن الناقة
حَمْلٌ، فهي مِضْمانٌ وضامِنٌ وهي مَضامِينُ وضَوامِنُ، والذي في بطنها
مَلْقوح ومَلْقُوحة، ومعنى الملقوح المحمول ومعنى اللاقح الحامل. الجوهري:
المَلاقِحُ الفُحولُ، الواحد مُلقِحٌ، والمَلاقِحُ أَيضاً الإِناث التي
في بطونها أَولادها، الواحدة مُلْقَحة، بفتح القاف. وفي الحديث: أَنه نهى
عن بيع الملاقيح والمضامين؛ قال ابن الأَثير: الملاقيح جمع مَلْقوح، وهو
جنين الناقة؛ يقال: لَقِحَت الناقةُ وولدها مَلْقُوحٌ به إِلاَّ أَنهم
استعملوه بحذف الجار والناقة ملقوحة، وإِنما نهى عنه لأَنه من بيع الغَرَر،
وسيأْتي ذكره في المضامين مستوفى. واللِّقْحَةُ: الناقة من حين يَسْمَنُ
سَنامُ ولدها، لا يزال ذلك اسمها حتى يمضي لها سبعة أَشهر ويُفْصَلَ
ولدها، وذلك عند طلوع سُهَيْل، والجمع لِقَحٌ ولِقاحٌ، فأَما لِقَحٌ فهو
القياس، وأَما لِقاحٌ فقال سيبويه كَسَّروا فِعْلَة على فِعالٍ كما كسَّروا
فَعْلَة عليه، حتى قالوا: جَفْرَةٌ وجِفارٌ، قال: وقالوا لِقاحانِ
أَسْودانِ جعلوها بمنزلة قولهم إِبلانِ، أَلا تَرَى أَنهم يقولون لِقاحة واحدة
كما يقولون قِطعة واحدة؟ قال: وهو في الإِبل أَقوى لأَنه لا يُكَسَّر
عليه شيء. وقيل: اللِّقْحة واللَّقحة الناقة الحلوب الغزيرة اللبن ولا يوصف
به، ولكن يقال لَقْحة فلان وجمعه كجمع ما قبله؛ قال الأَزهري: فإِذا
جعلته نعتاً قلت: ناقة لَقُوحٌ. قال: ولا يقال ناقة لَِقْحة إِلا أَنك تقول
هذه لَِقْحة فلان؛ ابن شميل: يقال لِقْحةٌ ولِقَحٌ ولَقُوحٌ ولَقائح.
واللِّقاحُ: ذوات الأَلبان من النوق، واحدها لَقُوح ولِقْحة؛ قال
عَدِيُّ بن زيد:
من يكنْ ذا لِقَحٍ راخِياتٍ،
فَلِقاحِي ما تَذُوقُ الشَّعِيرا
بل حَوابٍ في ظِلالٍ فَسِيلٍ،
مُلِئَتْ أَجوافُهُنّ عَصِيرا
فَتَهادَرْنَ لِذاك زماناً،
ثم مُوِّتْنَ فكنَّ قُبُورا
وفي الحديث: نِعْمَ المِنْحة اللِّقْحة اللقحة، بالفتح والكسر: الناقة
القريبة العهد بالنَّتاج. وناقة لاقِحٌ إِذا كانت حاملاً؛ وقوله:
ولقد تَقَيَّلَ صاحبي من لَِقْحةٍ
لَبناً يَحِلُّ، ولَحْمُها لا يُطْعَمُ
عنى باللِّقْحة فيه المرأَة المُرْضِعَة وجعل المرأَة لَِقْحة لتصح له
الأُحْجِيَّة. وتَقَيَّلَ: شَرِبَ القَيْل، وهو شُربُ نصف النهار؛ واستعار
بعض الشعراء اللَّقَحَ لإِنْباتِ الأَرضين المُجْدِبة؛ فقال يصف سحاباً:
لَقِحَ العِجافُ له لسابع سبعةٍ،
فَشَرِبْنَ بعدَ تَحَلُّؤٍ فَرَوِينا
يقول: قَبِلَتِ الأَرَضون ماءَ السحاب كما تَقْبَلُ الناقةُ ماءَ الفحل.
وقد أَسَرَّت الناقة لَقَحاً ولَقاحاً وأَخْفَتْ لَقَحاً ولَقاحاً؛ بقال
غَيْلان:
أَسَرَّتْ لَقَاحاً، بعدَما كانَ راضَها
فِراسٌ، وفيها عِزَّةٌ ومَياسِرُ
أَسَرَّتْ: كَتَمَتْ ولم تُبَشِّر به، وذلك أَن الناقة إِذا لَقِحَتْ
شالت بذنبها وزَمَّت بأَنفها واستكبرت فبان لَقَحُها وهذه لم تفعل من هذا
شيئاً. ومَياسِرُ: لِينٌ؛ والمعنى أَنها تضعف مرة وتَدِلُّ أُخرى؛ وقال:
طَوَتْ لَقَحاً مثلَ السِّرارِ، فَبَشَّرتْ
بأَسْحَمَ رَيَّان العَشِيَّة، مُسْبَلِ
قوله: مثل السِّرار أَي مثل الهلال في ليلة السِّرار. وقيل: إِذا
نُتِجَتْ بعضُ الإِبل ولم يُنْتَجْ بعضٌ فوضع بعضُها ولم يضع بعضها، فهي
عِشارٌ، فإِذا نُتِجَت كلُّها ووضَعَت، فهي لِقاحٌ.
ويقال للرجل إِذا تكلم فأَشار بيديه: تَلَقَّحتْ يداه؛ يُشَبَّه بالناقة
إِذا شالت بذنبها تُرِي أَنها لاقِحٌ لئلا يَدْنُوَ منها الفحلُ فيقال
تَلَقَّحتْ؛ وأَنشد:
تَلَقَّحُ أَيْدِيهم، كأَن زَبِيبَهُمْ
زَبِيبُ الفُحولِ الصِّيدِ، وهي تَلَمَّحُ
أَي أَنهم يُشيرون بأَيديهم إِذا خَطَبُوا. والزبيبُ: شِبْهُ الزَّبَدِ
يظهر في صامِغَي الخَطِيب إِذا زَبَّبَ شِدْقاه. وتَلَقَّحَت الناقة:
شالت بذنبها تُرِي أَنها لاقِحٌ وليست كذلك.
واللَّقَحُ أَيضاً: الحَبَلُ. يقال: امرأَة سَريعة اللَّقَحِ وقد
يُستعمل ذلك في كل أُنثى، فإِما أَن يكون أَصلاً وإِما أَن يكون
مستعاراً.وقولهم: لِقاحانِ أَسودان كما قالوا: قطيعان، لأَنهم يقولون لِقاحٌ
واحدة كما يقولون قطيع واحد، وإِبل واحد.
قال الجوهري: واللِّقْحَةُ اللَّقُوحُ، والجمع لِقَحٌ مثل قِرْبَة
وقِرَبٍ. وروي عن عمر، رضي الله عنه، أَنه أَوصى عُمَّاله إِذ بعثهم فقال:
وأَدِرُّوا لِقْحَةَ المسلمين؛ قال شمر: قال بعضهم أَراد بِلِقْحة المسلمين
عطاءهم؛ قال الأَزهري: أَراد بِلِقْحةِ المسلِمين دِرَّةَ الفَيْءِ
والخَراج الذي منه عطاؤهم وما فُرض لهم، وإِدْرارُه: جِبايَتُه وتَحَلُّبه،
وجمعُه مع العَدْلِ في أَهل الفيء حتى يَحْسُنَ حالُهُم ولا تنقطع مادّة
جبايتهم.
وتلقيح النخل: معروف؛ يقال: لَقِّحُوا نخلَهم وأَلقحوها. واللَّقاحُ: ما
تُلْقَحُ به النخلة من الفُحَّال؛ يقال: أَلْقَح القومُ النخْلَ
إِلقاحاً ولَقَّحوها تلقيحاً، وأَلْقَحَ النخل بالفُحَّالةِ ولَقَحه، وذلك أَن
يَدَعَ الكافورَ، وهو وِعاءُ طَلْع النخل، ليلتين أَو ثلاثاً بعد انفلاقه،
ثم يأْخذ شِمْراخاً من الفُحَّال؛ قال: وأَجودُه ما عَتُقَ وكان من عام
أَوَّلَ، فيَدُسُّون ذلك الشِّمْراخَ في جَوْفِ الطَّلْعة وذلك بقَدَرٍ،
قال: ولا يفعل ذلك إِلا رجل عالم بما يفعل، لأَنه إِن كان جاهلاً فأَكثر
منه أَحْرَقَ الكافورَ فأَفسده، وإِن أَقلَّ منه صار الكافورُ كثيرَ
الصِّيصاء، يعني بالصيصاء ما لا نَوَى له، وإِن لم يُفعل ذلك بالنخلة لم
ينتفع بطلعها ذلك العام؛ واللَّقَحُ: اسم ما أُخذَ من الفُحَّال ليُدَسَّ في
الآخر؛ وجاءنا زَمَنُ اللَّقَاح أَي التلْقيحِ. وقد لُقِّحَتِ النخيلُ،
ويقال للنخلة الواحدة: لُقِحتْ، بالتخفيف، واسْتَلْقَحَتِ النخلةُ أَي آن
لها أَن تُلْقَح. وأَلْقَحَتِ الريحُ السحابةَ والشجرة ونحو ذلك في كل
شيء يحمل.
واللَّواقِحُ من الرياح: التي تَحْمِلُ النَّدَى ثم تَمُجُّه في السحاب،
فإِذا اجتمع في السحاب صار مطراً؛ وقيل: إِنما هي مَلاقِحُ، فأَما قولهم
لواقِحُ فعلى حذف الزائد؛ قال الله سبحانه: وأَرسلنا الرياح لوَاقِحَ؛
قال ابن جني: قياسه مَلاقِح لأَن الريح تُلْقِحُ السحابَ، وقد يجوز أَن
يكون على لَقِحَت، فهي لاقِح، فإِذا لَقِحَت فَزَكَتْ أَلْقَحت السحابَ
فيكون هذا مما اكتفي فيه بالسبب من المسبب، وضِدُّه قول الله تعالى؛ فإِذا
قرأْتَ القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم؛ أَي فإِذا أَردت قراءة
القرآن، فاكتفِ بالمُسَبَّب الذي هو القراءة من السبب الذي هو الإِرادة؛
ونظيره قول الله تعالى: يا أَيها الذين آمنوا إِذا قمتم إِلى الصلاة؛ أَي
إِذا أَردتم القيام إِلى الصلاة، هذا كله كلام ابن سيده؛ وقال الأَزهري:
قرأَها حمزة: وأرسلنا الرياحَ لَواقِحَ، فهو بَيِّنٌ ولكن يقال: إِنما
الريح مُلْقِحَة تُلْقِحُ الشجر، فقيل: كيف لواقح؟ ففي ذلك معنيان: أَحدهما
أَن تجعل الريح هي التي تَلْقَحُ بمرورها على التراب والماء فيكون فيها
اللِّقاحُ فيقال: ريح لاقِح كما يقال ناقة لاقح ويشهد على ذلك أَنه وصف ريح
العذاب بالعقيم فجعلها عقيماً إِذ لم تُلْقِحْ، والوجه الآخر وصفها
باللَّقْح وإِن كانت تُلْقِح كما قيل ليلٌ نائمٌ والنوم فيه وسِرٌّ كاتم،
وكما قيل المَبْرُوز والمحتوم فجعله مبروزاً ولم يقل مُبْرِزاً، فجاز مفعول
لمُفْعِل كما جاز فاعل لمُفْعَل، إِذا لم يَزِدِ البناءُ على الفعل كما
قال: ماء دافق؛ وقال ابن السكيت: لواقح حوامل، واحدتها لاقح؛ وقال أَبو
الهيثم: ريح لاقح أَي ذات لقاح كما يقال درهم وازن أَي ذو وَزْن، ورجل رامح
وسائف ونابل، ولا يقال رَمَحَ ولا سافَ ولا نَبَلَ، يُرادُ ذو سيف وذو
رُمْح وذو نَبْلٍ؛ قال الأَزهري: ومعنى قوله: أَرسلنا الرياح لواقح أَي
حوامل، جعل الريح لاقحاً لأَنها تحمل الماء والسحاب وتقلِّبه وتصرِّفه، ثم
تَسْتَدِرُّه فالرياح لواقح أَي حوامل على هذا المعنى؛ ومنه قول أَبي
وَجْزَةَ:
حتى سَلَكْنَ الشَّوَى منهنّ في مَسَكٍ،
من نَسْلِ جَوَّابةِ الآفاقِ، مِهْداجِ
سَلَكْنَ يعني الأُتُنَ أَدخلن شَوَاهُنَّ أَي قوائمهن في مَسَكٍ أَي
فيما صار كالمَسَكِ لأَيديهما، ثم جعل ذلك الماء من نسل ريح تجوب البلاد،
فجعل الماء للريح كالولد لأَنها حملته، ومما يحقق ذلك قوله تعالى: هو الذي
يُرْسِلُ الرياحَ نُشْراً بين يَدَيْ رَحْمَتِه حتى إِذا أَقَلّتْ
سَحاباً ثِقالاً أَي حَمَلَتْ، فعلى هذا المعنى لا يحتاج إِلى أَن يكون لاقِحٌ
بمعنى ذي لَقْحٍ، ولكنها تَحْمِلُ السحاب في الماء؛ قال الجوهري: رياحٌ
لَواقِحُ ولا يقال ملاقِحُ، وهو من النوادر، وقد قيل: الأَصل فيه
مُلْقِحَة، ولكنها لا تُلْقِحُ إِلا وهي في نفسها لاقِحٌ، كأَن الرياحَ لَقِحَت
بخَيْرٍ، فإِذا أَنشأَتِ السحابَ وفيها خيرٌ وصل ذلك إِليه. قال ابن
سيده: وريح لاقحٌ على النسب تَلْقَحُ الشجرُ عنها، كما قالوا في ضِدِّهِ
عَقِيم. وحَرْب لاقحٌ: مثل بالأُنثى الحامل؛ وقال الأَعشى:
إِذا شَمَّرَتْ بالناسِ شَهْبَاءُ لاقحٌ،
عَوانٌ شديدٌ هَمْزُها، وأَظَلَّتِ
يقال: هَمَزَتْه بناب أَي عضَّتْه؛ وقوله:
وَيْحَكَ يا عَلْقَمةُ بنَ ماعِزِ
هل لك في اللَّواقِحِ الجَوائِزِ؟
قال: عنى باللَّواقح السِّياط لأَنه لصٌّ خاطب لِصَّاً. وشَقِيحٌ
لَقِيحٌ: إِتباع. واللِّقْحةُ واللَّقْحةُ: الغُراب. وقوم لَقَاحٌ وحَيٌّ
لَقاحٌ لم يدِينُوا للملوك ولم يُمْلَكُوا ولم يُصِبهم في الجاهلية سِباءٌ؛
أَنشد ابن الأَعرابي:
لَعَمْرُ أَبيكَ والأَنْبَاءُ تَنْمِي،
لَنِعْمَ الحَيُّ في الجُلَّى رِياحُ
أَبَوْا دِينَ المُلُوكِ، فهم لَقاحٌ،
إِذا هِيجُوا إِلى حَرْبٍ، أَشاحوا
وقال ثعلب: الحيُّ اللَّقاحُ مشتق من لَقاحِ الناقةِ لأَن الناقة إِذا
لَقِحتْ لم تُطاوِع الفَحْلَ، وليس بقويّ.
وفي حديث أَبي موسى ومُعاذٍ: أَما أَنا فأَتَفَوَّقُه تَفَوُّقَ
اللَّقُوحِ أَي أَقرؤه مُتَمَهِّلاً شيئاً بعد شيء بتدبر وتفكر، كاللَّقُوحِ
تُحْلَبُ فُواقاً بعد فُواقٍ لكثرة لَبَنها، فإِذا أَتى عليها ثلاثة أَشهر
حُلِبتْ غُدْوَةً وعشيًّا.
الأَزهري: قال شمر وتقول العرب: إِن لي لَِقْحَةً تُخْبرني عن لِقاحِ
الناس؛ يقول: نفسي تخبرني فَتَصدُقني عن نفوسِ الناس، إِن أَحببت لهم خيراً
أَحَبُّوا لي خيراً وإِن أَحببت لهم شرًّا أَحبوا لي شرًّا؛ وقال يزيد
بن كَثْوَة: المعنى أَني أَعرف ما يصير إِليه لِقاح الناس بما أَرى من
لَِقْحَتي، يقال عند التأْكيد للبصير بخاصِّ أُمور الناس وعوامِّها.
وفي حديث رُقْية العين: أَعوذ بك من شر كل مُلْقِحٍ ومُخْبل تفسيره في
الحديث: أَن المُلْقِح الذي يولَد له، والمُخْبِل الذي لا يولَدُ له، مِن
أَلْقَح الفحلُ الناقةَ إِذا أَولدها. وقال الأَزهري في ترجمة صَمْعَر،
قال الشاعر:
أَحَيَّةُ وادٍ نَغْرَةٌ صَمْعَرِيَّةٌ
أَحَبُّ إِليكم، أَم ثَلاثٌ لَوَاقِحُ؟
قال: أَراد باللَّواقِح العقارب.
طعم: الطَّعامُ: اسمٌ
جامعٌ لكل ما يُؤكَلُ، وقد طَعِمَ يَطْعَمُ طُعْماً، فهو طاعِمٌ
إذا أَكَلَ أَو ذاقَ، مثال غَنِمَ يَغْنَمُ غُنْماً، فهو غانِمٌ. وفي
التنزيل: فإذا طَعِمْتم فانْتَشِرُوا. ويقال: فلان قَلَّ طُعْمُه أَي
أَكْلُه. ويقال: طَعِمَ يَطْعَمُ مَطْعَماً وإنه لَطَيّبُ المَطْعَمِ كقولك
طَيِّبُ المَأْكَلِ. وروي عن ابن عباس أَنه قال في زمزم: إنها طَعَامُ
طُعْمٍ وشِفاءُ سُقْمٍ أَي يَشْبَعُ الإنسانُ إذا شَرب ماءَها كما يَشْبَعُ
من الطعام. ويقال: إنِّي طاعِمٌ
عن طَعامِكُمْ أَي مُسْتَغُنٍ عن طَعامكم. ويقال: هذا الطَّعامُ طَعامُ
طُعْمٍ أَي يَطْعَمُ مَنْ أَكله أَي يَشْبَعُ، وله جُزْءٌ من الطَّعامِ
ما لا جُزْءَ له. وما يَطْعَم آكِلُ هذا الطعام أَي ما يَشْبَعُ،
وأَطْعَمْته الطعام. وقوله تعالى: أُحِلَّ لكم صَيْدُ البحر وطَعامُه مَتاعاً لكم
وللسَّيَّارةِ؛ قال ابن سيده: اختلف في طعام البحر فقال بعضم: هو ما
نَضَب عنه الماء فأُخِذَ بغير صيد فهو طَعامُه، وقال آخرون: طعامُه كُلُّ ما
سُقِي بمائة فَنَبَتَ لأَنه نَبَتَ عن مائه؛ كلُّ هذا عن أَبي إِسحق
الزجاج، والجمع أَطْعِمَةٌ، وأَطْعِماتٌ
جمع الجمع، وقد طَعِمَه طَعْماً وطَعاماً وأَطْعَم غيرَه، وأَهلُ الحجاز
إذا أطْلَقُوا اللفظَ بالطَّعامِ عَنَوْا به البُرَّ خاصةً، وفي حديث
أَبي سعيد: كنا نُخْرِجُ صدقةَ الفطرِ على عهدِ رسول الله، صلى الله علي
وسلم، صاعاً من طَعامٍ أَو صاعاً من شعير؛ قيل: أَراد به البُرَّ، وقيل:
التمر، وهو أَشبه لأَن البُرَّ كان عندهم قليلاً لا يَتَّسِعُ لإخراج زكاة
الفطر؛ وقال الخليل: العالي في كلام العرب أَن الطَّعامَ هو البُرُّ
خاصة. وفي حديث المُصَرَّاةِ: مَنِ ابتاعَ مُصَرَّاةً فهو بخير النظرين، إنْ
شاء أَمْسَكها، وإن شاء رَدَّها ورَدَّ معها صاعاً من طَعامٍ لا سَمْراء.
قال ابن الأثير: الطَّعامُ عامٌّ في كلِّ ما يُقْتات من الحنطة والشعير
والتمر وغير ذلك، وحيث اسْتَثْنى منه السَّمْراء، وهي الحنطة، فقد
أَطْلَق الصاعَ فيما عداها من الأَطعمة، إلاَّ أَن العلماء خَصُّوه بالتمر
لأَمرين: أَحدهما أَنه كان الغالبَ على أَطَْعمتهم، والثاني أَن مُعْظَم
روايات هذا الحديث إنما جاءت صاعاً من تمر، وفي بعضها قال صاعاً من طعام، ثم
أَعقبه بالاستثناء فقال لا سَمْراء، حتى إن الفقهاء قد ترَدَّدُوا فيما
لو أَخرج بدل التمر زبيباً أَو قوتاً آخر، فمنهم من تَبِعَ التَّوقِيفَ،
ومنهم من رآه في معناه إجراءً له مُجْرى صَدَقةِ الفطر، وهذا الصاعُ الذي
أَمَرَ برَدِّه مع المُصَرّاة هو بدل عن اللبن الذي كان في الضَّرْع عند
العَقْد، وإِنما لم يَجِبْ رَدُّ عينِ اللبنِ أَو مثلِه أَو قيمته لأَنَّ
عينَ اللبن لا تَبْقى غالباً، وإن بقيت فتَمْتَزِجُ بآخرَ اجْتَمع في
الضَّرْعِ بعد العقد إلى تمام الحَلْب، وأَما المِثْلِيَّةُ فلأَن القَدْرَ
إذا لم يكن معلوماً بمِعْيار الشرعِ كانت المُقابلةُ من باب الربا،
وإنما قُدِّرَ من التمر دون النَّقْد لفَقْدِه عندهم غالباً، ولأَن التمر
يُشارك اللبنَ في المالِيَّة والقُوتِيَّة، ولهذا المعنى نص الشافعي، رضي
الله عنه، أَنه لو رَدَّ المُصَرَّاة بعَيْبٍ آخرَ سوى التَّصْرِيَةِ رَدَّ
معها صاعاً من تمر لأَجل اللبن. وقولُه تعالى: ما أُريدُ منهم من رِزْقٍ
وما أُريدُ أَن يُطْعِمُونِ؛ معناه ما أَُريدُ أَن يَرْزُقُوا أَحداً من
عبادي ولا يُطْعِمُوه لأَني أَنا الرَّزَّاقُ المُطْعمُ. ورجل طاعِمٌ:
حَسَنُ الحال في المَطْعِمِ؛ قال الحُطَيْئَةُ:
دَعِ المَكارِمَ لا تَرْحَلْ لبُغْيَتِها،
واقْعُدْ فإنَّك أَنتَ الطاعِمُ الكاسي
ورجل طاعِمٌ
وطَعِمٌ على النَّسَبِ؛ عن سيبويه، كما قالوا نَهِرٌ. والطَّعْمُ:
الأَكْلُ. والطُّعْم: ما أُكِلَ. وروى الباهِليُّ
عن الأَصمعي: الطُّعْم الطَّعام، والطَّعْمُ الشَّهْوةُ، وهو الذَّوْقُ؛
وأَنشد لأَبي خراش الهُذَلي:
أَرُدُّ شُجاعَ الجُوعِ قد تَعْلَمِينَه،
وَأُوثِرُ غَيْري مِنْ عِيالِك بالطُّعْم
أَي بالطعامِ، ويروى: شُجاعَ البَطْنِ، حَيَّةٌ يُذْكَرُ أَنها في
البَطْنِ وتُسَمَّى الصَّفَر، تُؤْذي الإنسانَ إذا جاع؛ ثم أَنشد قول أَبي
خِراش في الطَّعْمِ الشَّهْوة:
وأَغْتَبِقُ الماءَ القَراحَ فأَنْتَهي،
إذا الزادُ أَمْسى للمُزَلَّجِ ذا طَعْمِ
ذا طَعْمٍ أَي ذا شَهْوَةٍ، فأَراد بالأَول الطعامَ، وبالثاني ما
يُشْتَهى منه؛ قال ابن بري: كَنَى عن شِدَّةِ الجُوع بشُجاعِ البَطْنِ الذي هو
مثل الشُّجاع. ورجل ذو طَعْمٍ أَي ذو عَقْلٍ وحَزْمٍ؛ وأَنشد:
فلا تَأْمُري، يا أُمَّ أَسماءَ، بالتي
تُجِرُّ الفَتى ذا الطَّعْمِ أَن يتَكَلَّما
أَي تُخْرِسُ، وأَصله من الإِجْرارِ، وهو أَن يُجْعَلَ في فَمِ الفَصيل
خشَبةٌ
تمنعه من الرَّضاعِ. ويقال: ما بفلان طَعْمٌ ولا نَويصٌ أَي ليس له
عَقْل ولا به حَراكٌ. قال أَبو بكر: قولُهم ليس لما يَفْعَلُ فلانٌ طَعْمٌ،
معناه ليس له لَذَّة ولا مَنْزِلَةٌ من القلب، وقال في قوله للمُزَلَّجِ
ذا طَعْم في بيت أَبي خِراش: معناه ذا منزلة من القلب، والمُزَلَّجُ
البخيلُ، وقال ابن بَرِّي: المُزَلَّجُ من الرجال الدونُ الذي ليس بكامل؛
وأَنشد:
أَلا ما لِنَفْسٍ لا تموتُ فَيَنْقَضِي
شَقاها، ولا تَحْيا حَياةً لها طَعْمُ
معناه لها حلاوةٌ ومنزلة من القلب. وليس بذي طَعْم أَي ليس له عقْلٌ ولا
نفْسٌ. والطَّعْمُ: ما يُشْتَهى. يقال: ليس له طَعْم وما فلانٌ بذي
طَعْمٍَ إذا كان غَثّاً. وفي حديث بدرٍ: ما قَتَلْنا أَحداً به طَعْمٌ، ما
قَتَلْنا إلاّ عجائزَ صُلْعاً؛ هذه استعارة أَي قَتَلْنا من لا اعْتِدادَ
به ولا مَعْرفةَ ولا قَدْرَ، ويجوز فيه فتح الطاء وضمها لأَن الشيء إذا لم
يكن فيه طُعم ولا له طَعْم فلا جَدوى فيه للآكل ولا منفَعة. والطُّعْمُ
أَيضاً: الحَبُّ الذي يُلْقى للطير، وأَما سيبويه فسَوَّى بين الاسم
والمصدر فقال: طَعِمَ طُعْماً وأَصاب طُعْمَه، كلاهما بضم أَوّله.
والطُّعْمة: المَأْكَلة، والجمع طُعَمٌ؛ قال النابغة:
مُشَمِّرينَ على خُوصٍ مُزَمَّمةٍ،
نَرْجُو الإلَه، ونَرْجُو البِرَّ والطُّعَما
ويقال: جعَلَ السلطانُ ناحيةَ كذا طُعْمةً لفلان أَي مَأْكَلَةً له. وفي
حديث أَبي بكر: إن الله تعالى إذا أَطْعَمَ نبيّاً طُعْمةً ثم قَبَضَه
جعَلَها للذي يَقومُ بعده؛ الطُّعْمةُ، بالضَّم: شبْهُ الرِّزْق، يريدُ به
ما كان له من الفَيْء وغيره، وجَمْعُها طُعَمٌ. ومنه حديثُ ميراثِ
الجَدّ: إن السدسَ الآخرَ طُعْمةٌ له أَي أَنه زيادة على حقّه. ويقال فلانٌ
تُجْبَى له الطُّعَمُ أَي الخَراجُ والإتاواتُ؛ قال زهير:
مما يُيَسَّرُ أَحياناً له الطُّعَمُ
(* قوله «قال زهير مماييسر إلخ» صدره كما في التكملة: ينزع إمة أقوام
ذوي حسب).
وقال الحسن في حديثه: القِتالُ ثلاثةٌ: قِتالٌ على كذا وقتالٌ لكذا
وقِتالٌ على كَسْبِ هذه الطُّعْمةِ، يعني الفَيْءَ والخَراجَ. والطُّعْمة
والطِّعْمة، بالضم والكسر: وَجْهُ المَكْسَبِ. يقال: فلانٌ طَيِّب
الطُِّعْمة وخبيثُ الطِىُّعْمة إذا كان رَديءَ الكَسْبِ، وهي بالكسر خاصَّةً حالةُ
الأَكل؛ ومنه حديث عُمَر ابن أَبي سَلَمَة: فما زالَتْ تلك طِعْمَتي
بعدُ أَي حالتي في الأَكل. أَبو عبيد: فلان حسَنُ الطِّعْمةِ والشِّرْبةِ،
بالكسر. والطُّعْمَةُ: الدَّعْوَةُ إلى الطعام.والطِّعْمَةُ: السِّيرَةُ
في الأَكل، وهي أَيضاً الكِسْبَةُ، وحكى اللحياني: إنه لخبيث الطِّعْمَةِ
أَي السِّيرةِ، ولم يقل خبيثُ السّيرة في طَعامٍ ولا غيره. ويقال: فلانٌ
طَيِّبُ الطَّعْمَةِ وفلان خبيثُ الطِّعْمَةِ إذا كان من عادته أَنْ لا
يأْكل إلا حَلالاً أَو حراماً. واسْتَطْعَمَه: سأله أَن يُطْعِمه. وفي
الحديث: إذا اسْتَطْعَمَكُمُ الإمامُ فأَطْعِمُوه أَي إذا أُرْتِجَ عليه في
قراءة الصلاةِ واسْتَفْتَحكُم فافْتَحُوا عليه ولَقِّنُوهُ، وهو من باب
التمثيل تشبيهاً بالطعام، كأنهم يُدْخِلُون القراءة في فيه كما يُدْخَلُ
الطعامُ؛ ومنه قولهم: فاسْتَطْعَمْتُه الحديثَ أَي طلبت منه أن
يُحَدِّثَني وأَن يُذِيقَني حديثه، وأَما ما ورد في الحديث: طعامُ الواحدِ يكفي
الاثنين، وطعامُ الاثنين يكفي الأَربعة، فيعني شِبَعُ الواحد قُوتُ الإثنين
وشِبَعُ الاثنين قوتُ الأَربعة؛ ومثلُه قول عمر، رضي الله عنه، عامَ
الرَّمادةِ: لقد هَمَمْتُ
أَن أُنزِلَ على أهلِ كلِّ بيت مثلَ عددِهم فإنَّ الرجلَ لا يَهْلِكُ
على نصفِ بَطْنه. ورجل مِطْعَمٌ: شَديدُ الأَكل، وامرأةٌ مِطْعَمة نادرٌ
ولا نظير له إلاَّ مِصَكَّة. ورجل مُطْعَمٌ، بضم الميم: مرزوق. ورجل
مِطْعامٌ: يُطْعِمُ الناسَ ويَقْرِيهم كثيراً، وامرأَة مِطْعامٌ، بغير هاء.
والطَّعْم، بالفتح: ما يُؤَدِّيه. الذَّوْقُ. يقال: طَعْمُه مُرٌّ.
وطَعْمُ كلِّ شيءٍ: حَلاوتُه ومَرارتُه وما بينهما، يكون ذلك في الطعام
والشراب، والجمع طُعُومٌ. وطَعِمَه طَعْماً وتَطَعَّمَه: ذاقَه فوجد طَعْمَهُ.
وفي التنزيل: إنَّ اللهَ مُبْتَلِيكم بنَهَرٍ فمن شرِبَ منه فليس مِني
ومن لم يَطْعَمْه فإنه مِني؛ أَي مَن لم يَذُقْه. يقال: طَعِمَ فلانٌ
الطَّعامَ يَطْعَمه طَعْماً إذا أَكله بمُقَدَّمِ فيه ولم يُسْرِفْ فيه،
وطَعِمَ منه إذا ذاقَ منه، وإذا جعلتَه بمعنى الذَّوْقِ جاز فيما يُؤْكل
ويُشْرَبُ. والطعام: اسم لما يؤْكل، والشراب: اسم لما يُشْرَبُ؛ وقال أَبو
إسحق: معنى ومن لم يَطْعَمْه أَي لم يَتَطَعَّمْ به. قال الليث: طَعْمُ كلِّ
شيءٍ يُؤْكلُ ذَوْقُه، جَعَلَ ذواقَ الماء طَعْماً ونَهاهم أَن يأْخذوا
منه إلاّ غَرْفَةً وكان فيها رِيُّهم ورِيُّ دوابهم؛ وأَنشد ابن
الأَعرابي:
فأَما بنَوُ عامِرٍ بالنِّسار،
غَدَاةَ لَقُونا، فكانوا نَعَاما
نَعاماً بخَطْمَةَ صُعْرَ الخُدو
دِ، لا تَطْعَمُ الماءَ إلا صِيَاما
يقول: هي صائمة منه لا تَطْعَمُه، قال: وذلك لأَن النَّعامَ لا تَرِدُ
الماءَ ولا تَطْعَمُه؛ ومنه حديث أَبي هريرة في الكِلابِ: إذا وَرَدْنَ
الحَكَرَ الصَّغيرَ فلا تَطْعَمْه؛ أَي لا تَشْرَبه. وفي المثل: تَطَعَّمْ
تَطْعَمْ أَي ذُقْ تَشَهَّ؛ قال الجوهري: قولهم تَطَعَّمْ تَطْعَمْ أَي
ذُقْ حتى تَسْتَفِيقَ أَي تشْتَهِيَ وتأْكلَ. قال ابن بري: معناه ذق
الطَّعامَ فإنه يدعوك إلى أَكْلِه، قال: فهذا مَثَلٌ
لمن يُحْجِمُ عن الأَمْرِ فيقال له: ادْخُلْ في أَوَّلِه يدعُوك ذلك إلى
دُخولِكَ في آخِرِه؛ قاله عَطاءُ بن مُصْعَب. والطَّعْمُ: الأَكْلُ
بالثنايا. ويقال: إن فلاناً لحَسَنُ الطَّعْمِ وإنه ليَطْعَمُ طَعْماً حسناً.
واطَّعَمَ الشيءُ: أَخَذَ طَعْماً. ولبنٌ
مُطِّعِمٌ ومُطَعِّمٌ: أَخَذَ طَعْمَ السِّقَاء. وفي التهذيب: قال أَبو
حاتم يقال لبنٌ مُطَعِّم، وهو الذي أَخَذَ في السِّقاء طَعْماً وطِيباً،
وهو ما دام في العُلْبة مَحْضٌ
وإن تغير، ولا يأخُذُ اللبنُ طَعْماً ولا يُطَعِّمُ في العُلْبةِ
والإناء أَبداً، ولكن يتغَيَّرُ طَعْمُه في الإنْقاعِ. واطَّعَمَتِ الشجرة، على
افْتَعلَتْ: أَدْرَكَتْ ثمرَتُها، يعني أَخذَت طَعْماً وطابتْ.
وأَطْعَمَتْ: أَدْرَكَتْ أَن تُثْمِرَ. ويقال: في بُستانِ فلانٍ من الشجر
المُطْعِمِ كذا أَي من الشجر المُثْمِر الذي يُؤْكلُ ثمرُه. وفي الحديث: نَهى عن
بيع الثّمرةِ حتى تُطْعِمَ. يقال: أَطْعَمَتِ الشجرةُ إِذا أَثْمرَتْ
وأَطْعَمَتِ الثمرةُ إِذا أَدرَكتْ أَي صارت ذاتَ طَعْمٍ وشيئاً يُؤْكل
منها، وروي: حتى تُطْعَم أَي تُؤْكلَ، ولا تُؤْكلُ إِلا إِذا أَدرَكتْ. وفي
حديث الدَّجّال: أَخْبِرُوني عن نخلِ بَيْسانَ هل أَطْعَمَ أَي هل
أَثْمَرَ؟ وفي حديث ابن مسعود: كرِجْرِجةِ الماء لا تُطْعِمُ أَي لا طَعْمَ
لها، ويروى: لا تَطَّعِمُ، بالتشديد، تَفْتَعِلُ من الطَّعْمِ.
وقال النَّضْرُ: أَطْعَمْتُ الغُصْنَ إِطْعاماً إِذا وصَلْتَ به غُصْناً
من غير شجره، وقد أَطْعَمْتُه فطَعِمَ أَي وصَلْتُه به فقَبِلَ
الوَصْلَ.ويقال للحَمَامِ الذَّكرِ إِذا أَدخلَ فمه في فمِ أُنْثاه: قد طاعَمَها
وقد تطاعَما؛ ومنه قول الشاعر:
لم أُعْطِها بِيَدٍ، إِذْ بتُّ أَرْشُفُها،
إِلاَّ تَطاوُلَ غُصْنِ الجِيدِ بالجِيدِ
كما تَطاعَمَ، في خَضْراءَ ناعمةٍ،
مُطَوَّقانِ أَصاخَا بعد تَغْريدِ
وهو التَّطاعُم والمُطاعَمةُ، واطَّعَمَتِ البُسْرَةُ أَي صار لها
طَعْمٌ وأَخذَتِ الطَّعْمَ، وهو افتعَلَ من الطَّعْم مثلُ اطَّلَبَ من
الطَّلَب، واطَّرَدَ من الطَّرْدِ.
والمُطْعِمةُ: الغَلْصَمة؛ قال أَبو زيد: أَخذَ فلانٌ بِمُطْعِمَة فلان
إِذا أَخذَ بحَلْقِه يَعْصِرُه ولا يقولونها إِلا عند الخَنْقِ
والقِتالِ. والمُطْعِمةُ: المِخْلَبُ الذي تَخْطَفُ به الطيرُ اللحمَ.
والمُطْعِمةُ: القوْسُ التي تُطْعِمُ الصيدَ؛ قال ذو الرمة:
وفي الشِّمالِ من الشِّرْيانِ مُطْعَمةٌ
كَبْداءٌ، في عَجْسِها عَطْفٌ وتَقْويمُ
كَبْداءُ: عريضةُ الكَبِدِ، وهو ما فوقَ المَقْبِضِ بِشِبْرٍ؛ وصواب
إِنشاده:
في عُودِها عَطْفٌ
(* قوله «وصواب إنشاده في عودها إلخ» عبارة التكملة: والرواية في عودها،
فإن العطف والتقويم لا يكونان في العجز وقد أخذه من كتاب ابن فارس
والبيت لذي الرمة)
يعني موضع السِّيَتَيْنِ وسائرُه مُقوَّم، البيتُ بفتح العين، ورواه ابن
الأَعرابي بكسر العين، وقال: إِنها تُطْعِمُ صاحبَها الصَّيْدَ. وقوسٌ
مُطْعِمةٌ: يُصادُ بها الصيدُ ويَكْثُر الضِّرابُ عنها.
ويقال: فلانٌ مُطْعَمٌ للصَّيْدِ ومُطْعَمُ الصَّيْدِ إِذا كان مرزوقاً
منه؛ ومنه قول امرئ القيس:
مُطْعَمٌ للصَّيْدِ، ليسَ له
غيْرَها كَسْبٌ، على كِبَرِهْ
وقال ذو الرمة:
ومُطْعَمُ الصيدِ هَبَّالٌ لِبُغْيتِه
وأَنشد محمد بن حبيب:
رَمَتْني، يومَ ذاتِ الغِمِّ، سلمَى
بسَهْمٍ مُطْعَمٍ للصَّيْدِ لامِي
فقلتُ لها: أَصَبْتِ حصاةَ قَلْبي،
ورُبَّتَ رَمْيةٍ من غير رامي
ويقال: إِنك مُطْعَمٌ مَوَدَّتي أَي مرزوقٌ مودَّتي؛ وقال الكميت:
بَلى إِنَّ الغَواني مُطْعَماتٌ
مَوَدَّتَنا، وإِن وَخَطَ القَتِيرُ
أَي نُحِبُّهُنَّ وإِن شِبْنا. ويقال: إِنه لمُتَطاعِمُ الخَلْقِ أَي
مُتَتابِعُ الخَلْق. ويقال: هذا رجل لا يَطَّعِمُ، بتثقيل الطاء، أَي لا
يَتأَدَّبُ ولا يَنْجَعُ فيه ما يُصْلِحه ولا يَعْقِلُ. والمُطَّعِمُ
والمُطَعِّمُ من الإِبل: الذي تَجِدُ في لَحْمه طَعْمَ الشَّحْمِ من سِمَنِه،
وقيل: هي التي جَرى فيها المُخُّ قليلاً. وكُلُّ شيء وُجِدَ طَعْمُه فقد
اطَّعَم. وطَعَّمَ العظمُ: أَمَخَّ؛ أَنشد ثعلب:
وَهُمْ تَرَكُوكُمْ لا يُطَعِّمُ عَظْمُكُم
هُزالاً، وكان العَظْمُ قبلُ قَصِيدا
ومُخٌّ طَعُومٌ: يُوجَدُ طَعْمُ السِّمَن فيه. وقال أَبو سعيد: يقالُ
لَكَ غَثُّ هذا وطَعُومُه أَي غَثُّه وسَمِينُه. وشاةٌ طَعُومٌ وطَعِيم:
فيها بعض الشَّحْم، وكذلك الناقةُ. وجَزورٌ طَعُومٌ: سَمِينَةٌ، وقال
الفراء: جَزُورٌ طَعُومٌ وطَعِيمٌ إِذا كانت بين الغَثَّةِ والسَّمِينَةِ.
والطَّعُومَةُ: الشاةُ تُحْبَسُ لتُؤكَلَ. ومُسْتَطْعَمُ الفَرَسِ:
جَحافِلُه، وقيل: ما تحتَ مَرْسِنِه إِلى أَطراف جَحافِله؛ قال الأَصمعي:
يُسْتَحَبُّ من الفرس أَن يَرِقَّ مُسْتَطْعَمُه. والطُّعْمُ: القُدْرة. يقال:
طَعِمْتُ عليه أَي قَدَرْتُ عليه، وأَطْعَمْتُ عَيْنَه قَذىً فَطَعِمَتْهُ
واسْتَطْعَمْتُ الفرسَ إِذا طَلَبْتَ جَرْيَه؛ وأَنشد أَبو عبيدة:
تَدارَكهُ سَعْيٌ ورَكْضُ طِمِرَّةٍ
سَبُوحٍ، إِذا اسْتَطْعَمْتَها الجَرْيَ تَسْبَحُ
والمُطْعِمتانِ من رِجْل كلِّ طائرٍ: هما الإِصْبَعانِ المُتَقَدّمتانِ
المُتقابلَتانِ. والمُطْعِمَةُ من الجَوارحِ: هي الإِصْبَعُ الغَلِيظَةُ
المُتَقَدِّمَةُ، واطَّرَدَ هذا الاسمُ في الطير كُلِّها.
وطُعْمَةُ وطِعْمَةُ وطُعَيْمَةُ ومُطْعِمٌ، كُلُّها: أَسماء؛ وأَنشد
ابن الأَعرابي:
كَسانيَ ثَوْبَيْ طُعْمةَ المَوْتُ، إِنما الـ
ـتُّراثُ، وإِنْ عَزَّ الحَبيبُ، الغَنائِمُ
كسب: الكَسْبُ: طَلَبُ الرِّزْقِ، وأَصلُه الجمع. كَسَبَ يَكْسِبُ
كَسْباً، وتَكَسَّبَ واكْتَسَب. قال سيبويه: كَسَبَ أَصابَ، واكْتَسَب:
تَصَرَّف واجْتَهَد. قال ابن جني: قولُه تعالى: لها ما كَسَبَتْ، وعليها ما اكْتَسَبَتْ؛ عَبَّر عن الحسنة بِكَسَبَتْ، وعن السيئة باكْتَسَبَتْ، لأَن معنى كَسَبَ دون معنى اكْتَسَبَ، لِـما فيه من الزيادة، وذلك أَن كَسْبَ الحسنة، بالإِضافة إِلى اكْتِسابِ السيئة، أَمْرٌ يسير ومُسْتَصْغَرٌ، وذلك لقوله، عَزَّ اسْمُه: من جاءَ بالحسنة فله عَشْرُ أَمثالها، ومن جاءَ بالسيئة فلا يُجْزَى إِلا مِثْلَها؛ أَفلا تَرى أَن الحسنةَ تَصْغُر بـإِضافتها إِلى جَزائها، ضِعْف الواحدِ إِلى العشرة؟ ولما كان جَزاءُ السيئة إِنما هو بمثلها لم تُحْتَقَرْ إِلى الجَزاءِ عنها، فعُلم بذلك قُوَّةُ فِعْلِ السيئة على فِعْلِ الحسنة، فإِذا كان فِعْل السيئة ذاهباً بصاحبه إِلى هذه الغاية البعيدة الـمُتَرامِـيَة، عُظِّمَ قَدْرُها وفُخِّمَ لفظ العبارة عنها، فقيل: لها ما كَسَبَتْ وعليها ما اكْتَسَبَتْ، فزيدَ في لفظ فِعْل السيئة، وانْتُقِصَ من لفظ فِعْل الحسنة، لما ذَكَرْنا. وقولهُ تعالى: ما أَغْنَى عنه مالُه وما كَسَبَ؛ قيل: ما كَسَبَ، هنا، ولَدُه، إِنه لَطَيِّبُ الكَسْب، والكِسْبة، والـمَكْسِـبَة، والـمَكْسَبَةِ، والكَسِـيبةِ، وكَسَبْت الرجلَ خيراً فكَسَبَه وأَكْسَبَه إِياه، والأُولى أَعلى؛ قال:
يُعاتِـبُني في الدَّيْنِ قَوْمي، وإِنما * دُيونيَ في أَشياءَ تَكْسِـبُهم حَمْدا
ويُروى: تُكْسِـبُهم، وهذا مما جاءَ على فَعَلْتُه ففَعَل، وتقول: فلانٌ
يَكْسِبُ أَهلَه خَيْراً. قال أَحمد بن يحيـى، كلُّ الناس يقول:
كَسَبَكَ فلانٌ خَيْراً، إِلا ابنَ الأَعرابي، فإِنه قال: أَكْسَبَكَ فلانٌ
خَيْراً.
وفي الحديث: أَطْيَبُ ما يأْكلُ الرجلُ من كسْبه، ووَلَدُه من كَسْبِه.
قال ابن الأَثير: إِنما جَعَلَ الوَلَد كَسْباً، لأَن الوالدَ طَلَبه، وسَعَى في تحصيله؛ والكَسْبُ: الطَّلَبُ والسَّعْيُ في طَلَبِ الرزق
والـمَعيشةِ؛ وأَراد بالطَّيِّب ههنا الـحَلالَ؛ ونفقةُ الوالِدَيْن واجبة على الولد إِذا كانا محتاجَيْنِ عاجِزَيْن عن السَّعْي، عند الشافعي؛ وغيرُه لا يشترط ذلك. وفي حديث خديجة: إِنك لتَصِلُ الرَّحِمَ، وتَحْمِلُ الكَلَّ، وتَكْسِبُ الـمَعْدُومَ. ابن الأَثير: يقال: كَسَبْتُ زيداً مالاً، وأَكْسَبْتُ زيداً مالاً أَي أَعَنْتُه على كَسْبه، أَو جَعَلْتُه
يَكْسِـبُه، فإِن كان من الأَوّل، فتُريدُ أَنك تَصِلُ إِلى كلِّ مَعْدوم
وتَنالُه، فلا يَتَعَذَّرُ لبُعْدِه عليك، وإِن جعلته متعدِّياً إِلى اثنين،
فتُريدُ أَنك تُعْطِـي الناس الشيءَ المعدومَ عندهم، وتُوَصِّلُه إِليهم.
قال: وهذا أَوْلَى القَوْلَين، لأَنه أَشبه بما قبله، في باب التَّفَضُّل
والإِنْعامِ، إِذ لا إِنْعام في أَن يَكْسِبَ هو لنفسه مالاً كان معدوماً
عنده، وإِنما الإِنعام أَن يُولِـيَه غيرَه. وباب الحظِّ والسعادة في
الاكتساب، غيرُ
بابِ التفضل والإِنعام. وفي الحديث: أَنه نَهَى عن كَسْب الإِماءِ؛ قال ابن الأَثير: هكذا جاءَ مطلقاً في رواية أَبي هريرة، وفي
رواية رافع بن خَديج مُقَيَّداً، حتى يُعْلَم من أَين هو، وفي رواية أُخرى: إِلا ما عَمِلَتْ بيدها، ووجهُ الإِطلاق أَنه كان لأَهل مكة والمدينة إِماءٌ، عليهنَّ ضَرائِبُ، يَخْدُمْنَ الناسَ ويأْخُذْنَ أَجْرَهُنَّ،
ويُؤَدِّينَ ضَرائبَهن، ومن تكون مُتَبَذِّلة داخلةً خارجةً وعليها ضريبةٌ فلا يُؤْمَنُ أَن تَبْدُرَ منها زَلَّة، إِما للاستزادة في المعاش، وإِما لشَهوة تَغلِبُ، أَو لغير ذلك، والمعصومُ قليل؛ فنَهَى عن كَسْبِهنَّ مطلقاً تَنَزُّهاً عنه، هذا إِذا كان للأَمة وجهٌ معلومٌ تَكْسِبُ منه، فكيف إِذا لم يكن لها وجه معلوم؟ ورجل كَسُوبٌ وكَسَّابٌ، وتَكَسَّبَ أَي تَكَلَّف الكَسْبَ.
والكَواسِبُ: الجوارحُ.
وكَسابِ: اسم للذئب، وربما جاءَ في الشِّعر كُسَيباً. الأَزهري: وكَسابِ اسم كَلْبة. وفي الصحاح: كَسابِ مثل قَطامِ، اسم كلبة. ابن سيده: وكَسابِ من أَسماءِ إِناث الكلاب، وكذلك كَسْبةُ؛ قال الأَعشى:
ولَزَّ كَسْبةَ أُخْرى، فَرْعُها فَهِقُ
وكُسَيْبٌ: من أَسماءِ الكلاب أَيضاً، وكلُّ ذلك تَفَؤُّلٌ بالكَسْب
والاكتِسابِ. وكُسَيْبٌ: اسم رجل، وقيل: هو جَدُّ العَجَّاج لأُمِّه؛ قال له بعضُ مُهاجِـيه، أُراه جريراً:
يا ابْنَ كُسَيْبٍ! ما علينا مَبْذَخُ، * قد غَلَبَتْكَ كاعِبٌ تَضَمَّخُ
يعني بالكاعب لَيْلى الأَخْيَلِـيَّة، لأَنها هاجتِ العَجَّاجَ فَغَلَبَتْه.
والكُسْبُ: الكُنْجارَقُ، فارسيةٌ؛ وبعضُ أَهل السَّواد يُسَمِّيه
الكُسْبَجَ. والكُسْبُ، بالضم: عُصارةُ الدُّهْن. قال أَبو منصور: الكُسْبُ مُعَرَّبٌ وأَصله بالفارسية كُشْبٌ، فقُلِـبَت الشين سيناً، كما قالوا سابُور، وأَصله شاه بُور أَي مَلِكُ بُور. وبُورُ: الابْنُ، بلسان الفُرْس؛ والدَّشْت أُعْرِبَ، فقيل الدَّسْتُ الصَّحْراءُ.
وكَيْسَبٌ: اسم.
وابنُ الأَكْسَبِ: رَجل من شعرائهم؛ وقيل: هو مَنِـيعُ بن الأَكْسَب بن الـمُجَشَّر، من بني قَطَن ابن نَهْشَل.
رفد: الرِّفْد، بالكسر: العطاء والصلة. والرَّفْد، بالفتح: المصدر.
رَفَدَه يَرْفِدُه رَفْداً: أَعطاه، ورَفَدَه وأَرْفَده: أَعانه، والاسم
منهما الرِّفْد. وترافدوا: أَعان بعضهم بعضاً. والمَرْفَدُ والمُرْفَدُ:
المعونة؛ وفي الحواشي لابن برّي قال دُكين:
خير امرئٍ قد جاء مِن مَعَدِّهْ
مِن قَبْلِهِ، أَو رافِدٍ من بعدِهْ
الرافد: هو الذي يلي المَلِك ويقوم مقامه إِذا غاب.
والرِّفادة: شيء كانت قُرَيش تترافد به في الجاهلية، فيُخْرج كل إِنسان
مالاً بقدر طاقته فيجمعون من ذلك مالاً عظيماً أَيام الموسم، فيشترون به
للحاج الجُزر والطعام والزبيب للنبيذ، فلا يزالون يُطْعِمون الناس حتى
تنقضي أَيام موسم الحج؛ وكانت الرِّفادَة والسِّقاية لبني هاشم، والسِّدانة
واللِّواء لبني عبد الدار، وكان أَوّلَ من قام بالرِّفادة هاشمُ بن عبد
مناف وسمي هاشماً لهَشْمِه الثريد.
وفي الحديث: من اقتراب الساعة أَن يكون الفيءُ رِفْداً أَي صلة وعطية؛
يريد أَن الخراج والفَيء الذي يحْصُل، وهو لجماعة المسلمين أَهلِ الفَيء،
يصير صلات وعطايا، ويُخَص به قوم دون قوم على قدر الهوى لا بالاستحقاق
ولا يوضع مواضعه. والرِّفْدُ: الصلة؛ يقال: رَفَدْتُه رَفْداً، والاسم
الرِّفْد. والإِرْفاد: الإِعطاء والإِعانة. والمرافَدة: المُعاونة.
والتَّرافد: التعاون. والاستِرفاد: الاستعانة. والارتفاد: الكسب.
والتَّرفيدُ: التَّسويدُ. يقال: رُفِّدَ فلان أَي سُوِّدَ وعظم. ورَفَّد
القومُ فلاناً: سَوَّدوه ومَلَّكوه أَمرهم.
والرِّفادة: دِعامة السرج والرحل وغيرهما، وقد رَفَده وعليه يَرْفِده
رَفْداً. وكلُّ ما أَمسك شيئاً: فقد رَفده. أَبو زيد: رَفَدتُ على البعير
أَرْفِدُ رَِفْداً إِذا جعلت له رِفادة؛ قال الأَزهري: هي مثل رفادة
السرج. والرَّوافِدُ خشب السقف؛ وأَنشد الأَحمر:
رَوافِدُه أَكرَمُ الرافِداتِ،
بَخٍ لكَ بَخٍّ لِبَحْرٍ خِضَم
وارتَفَد المالَ: اكتسبه؛ قال الطرماح:
عَجَباً ما عَجِبْتُ من واهِبِ الما
لِ، يُباهي به ويَرْتَفِدُه
ويُضِيعُ الذي قد آوْجَبَه اللَّـ
ـهُ عليه، فليس يَعْتَمِدُه
(* قوله «فليس يعتمده» الذي في الأساس: يعتهده أي يتعهده، وكل صحيح).
والرَّفْد والرِّفْد والمِرْفَد والمَرْفِدُ: العُسُّ الضخم؛ وقيل:
القدح العظيم الضخم. والعُسُّ: القَدَح الضخم يروي الثلاثة والأَربعة
والعِدَّة، وهو أَكبر من الغُمَر، والرَّفْدُ أَكبر منه، وعمَّ بعضهم به القدَح
أَي قَدْرٍ كان.
والرَّفودُ من الإِبل: التي تملَو ه في حلبة واحدة؛ وقيل: هي الدائمة
على مِحْلَبها؛ عن ابن الأَعرابي. وقال مرة: هي التي تُتابِعُ الحَلَب.
وناقة رَفُود: تَمْلأُ مِرْفَدها؛ وفي حديث حفر زمزم:
أَلم نَسْقِ الحَجِيجَ، ونَنْـ
ـحَرِ المِذْلاقَةَ الرُّفُدَا
الرُّفُدُ، بالضم: جمع رَفُود وهي التي تملأُ الرَّفْد في حلبة واحدة.
الصحاح: والمِرْفَدُ الرَّفْد وهو القدح الضخم الذي يقرى فيه الضيف. وجاء
في الحديث: نعم المِنْحة اللِّقْحَةُ تَرُوحُ بِرِفْدٍ وتَغْدُو
بِرِفْدٍ قال ابن المبارك: الرِّفْد القَدح تُحتلَب الناقة في قدح، قال: وليس من
المعونة؛ وقال شمر: قال المُؤَرِّجُ هو الرِّفد للإِناء الذي يحتلب فيه؛
وقال الأَصمعي: الرَّفد، بالفتح؛ وقال شمر: رَفْد ورِفْد القدح؛ قال:
والكسر أَعرب. ابن الأَعرابي: الرَّفْد أَكبر من العُسِّ. ويقال: ناقة
رَفُود تَدُوم على إِنائها في شتائها لأَنها تُجالِحُ الشجر. وقال الكسائي:
الرَّفْد والمِرْفَد الذي تُحْلَبُ فيه. وقال الليث: الرَّفد المعونة
بالعطاء وسقْي اللبن والقَوْل وكلِّ شيءٍ. وفي حديث الزكاة: أَعْطَى زكاةَ
ماله طَيِّبَةً بها نفسُه رافِدَةً عليه؛ الرَّافدة، فاعلة؛ من الرِّفْد
وهو الإِعانة. يقال: رَفَدْته أَي أَعَنْتُه؛ معناه إِن تُعِينَه نَفْسُه
على أَدائها؛ ومنه حديث عُبادة: أَلا ترون أَن لا أَقُوم إِلاَّ رِفْداً
أَي إِلا أَن أُعان على القيام؛ ويروى رَفْداً، بفتح الراء، وهو المصدر.
وفي حديث ابن عباس: والذين عاقدت أَيمانُكم من النصرة والرِّفادة أَي
الإِعانة. وفي حديث وَفْد مَذْحِج: حَيّ حُشَّد رُفَّد، جمع حاشد ورافد.
والرَّفْد: النصيب. وقال أَبو عبيدة في قوله تعالى: بِئْسَ الرِّفْدُ
المرفود؛ قال: مجازُه مجازُ العون المجاز، يقال: رَفَدْتُه عند الأَمير أَي
أَعنته، قال: وهو مكسور الأَول فإِذا فتحتَ أَوَّله فهو الرَّفد. وقال
الزجاج: كل شيء جعلته عوناً لشيء أَو استمددت به شيئاً فقد رَفَدْته.
يقال: عَمَدْت الحائط وأَسْنَدْته ورَفَدْته بمعنى واحد. وقال الليث: رفدت
فلاناً مَرْفَداً: قال: ومن هذا أُخذت رِفادَة السرج من تحته حتى يرتفع.
والرِّفْدَة: العُصبة من الناس؛ قال الراعي:
مُسَأْل يَبْتَغِي الأَقْوامُ نائلَه،
من كل قَوْم قَطين، حَوْلَه، رِفَدُ
والمِرْفَد: العُظَّامةُ تَتَعَظَّم بها المرأَة الرَّسْحاء.
والرِّفادة: خرقة يُرْفَدُ بها الجُرْح وغيره.
والتَّرْفِيدُ: العجيزة: اسم كالتَّمْتِين والتَّنْبيت؛ عن ابن
الأَعرابي؛ وأَنشد:
تقول خَوْدٌ سَلِسٌ عُقُودُها،
ذاتُ وِشاحٍ حَسَنٌ تَرْفِيدُها:
مَتى تَرانا قائِمٌ عَمُودُها؟
أَي نقيم فلا نظعن، وإِذا قاموا قامت عمد أَخبيتهم، فكأَنّ هذه الخَوْد
ملت الرحلة لنعمتها فسأَلت: متى تكون الإِقامة والخفض؟ والترفيد: نحو من
الهَمْلَجة؛ وقال أُمية بن أَبي عائذ الهذلي:
وإِن غُضَّ من غَرْبِها رَفَّدَتْ
وشيجاً، وأَلْوَتْ بِجَلْسٍ طُوالْ
أَراد بالجَلس أَصل ذنبها.
والمرافيد: الشاءُ لا ينقطع لبنها صيفاً ولا شتاء.
والرَّافدَان: دجلة والفرات؛ قال الفرزدق يعاتب يزيد بن عبد الملك في
تقديم أَبي المثنى عمر بن هبيرة الفزاري على العراق ويهجوه:
بَعَثْتَ إِلى العراقِ ورافِدَيْه
فَزَاريّاً، أَحَذَّ يَدِ القَمِيص
أَراد أَنه خفيف، نسبه إِلى الخيانة.
وبنو أَرْفِدَة الذي في الحديث: جنس من الحبش يرقصون. وفي الحديث أَنه
قال للحبشة: دونكم يا بني أَرْفِدَة؛ قال ابن الأَثير. هو لقب لهم؛ وقيل:
هو اسم أَبيهم الأَقدم يعرفون به، وفاؤه مكسورة وقد تفتح.
ورُفَيدة: أَبو حيّ من العرب يقال لهم الرفيدات، كما يقال لآل هُبَيْرة
الهُبَيْرات.
عنم: العَنَمُ: شجر لَيِّنُ الأَغصانُ لَطِيفُها يُشَبَّهُ به البَنان
كأَنه بَنان العَذارى، واحدتها عَنَمةٌ، وهو مما يستاك به، وقيل: العَنَمُ
أَغصان تنبت في سُوق العِضاه رطبة لا تشبه سائر أَغصانها حُمْرُ اللون،
وقيل: هو ضرب من الشجر له نَوْرٌ أَحمر تشبَّه به الأصابع المخضوبة؛ قال
النابغة:
بِمُخَضَّبٍ رَخْصٍ، كأَنَّ بَنانَهُ
عَنَمٌ على أَغصانه لم يَعْقِدِ
قال الجوهري: هذا يدل على أَنه نَبْتٌ لا دُودٌ. وبَنَان
مُعَنَّمٌ أَي مخضوب. قال ابن بري: وقيل العَنَم
ثمر العَوْسَج، يكون أََحمر ثم يسودّ إذا نَضِجَ وعَقَد، ولهذا قال
النابغة: لم يَعْقِدْ؛ يريد لم يُدْرِك بعد. وقال أَبو عمرو: العَنَم
الزُّعْرُور؛ وقد ورد في حديث خزيمة: وأَخلَفَ الخُزَامَى وأَيْنَعَتِ
العَنَمَةُ؛ وقيل: هو أَطراف الخَرُّوب الشامي؛ قال:
فَلَمْ أَسْمَعْ بِمُرْضِعَةٍ أَمالَتْ
لَهاةَ الطِّفْلِ بالعَنَمِ المَسُوكِ
قال ابن الأَعرابي: العَنَم شجرة حجازية، لها ثمرة حمْراء يُشَبَّه بها
البَنان المخضوب. والعَنَم أَيضاً: شَوْك الطَّلْح. وقال أَبو حنيفة:
العَتَمُ شجرة صغيرة تنبت في جوف السَّمُرة لها ثمر أَحمر. وعن الأَعْراب
القُدُم: العَنَمُ شجرة صغيرة خضراء لها زَهْر شديد الحمرة. وقال مرَّة:
العَنَمُ الخيوط التي يتعلق بها الكَرْم في تَعارِيشه، والواحدة من كل ذلك
عَنَمةٌ. وبَنانٌ مُعْنَمٌ: مشبَّه بالعَنَم؛ قال رؤبة:
وَهْيَ تُرِيكَ مِعْضَداً ومِعْصَما
عَبْلاً، وأَطرافَ بَنانٍ مُعْنَما
وَضَعَ الجمعَ موضع الواحد، أَراد: وطَرَف بَنان مُعْنَمَا. وبَنَانٌ
مُعَنَّم: مخضوب؛ حكاه ابن جني؛ وقال رؤبة:
يُبْدِينَ أَطْرافاً لِطافاً عَنَمُه
والعَنَمُ والعَنَمةُ: ضرب من الوَزَغ، وقيل: العَنَم كالعَظَايَةِ إلا
أَنها أَشد بياضاً منها وأحسن. قال الأَزهري: الذي قيل في تفسير العَنَم
إنه الوَزَغُ وشوك الطَّلْح غير صحيح، ونَسَبَ ذلك إلى الليث وأَنه هو
الذي فسر ذلك على هذه الصورة. وقال ابن الأَعرابي في موضِع: العَنَمُ يشبه
العُنَّاب، الواحدة عَنَمَة، قال: والعَنَم الشَّجَر الحُمْر. وقال أَبو
عمرو: أَعْنَم إذا رعى العَنَم، وهو شجر يحمل ثمراً أَحمر مثل العُنَّاب.
والعَنْمَةُ: الشَّقَّة في شفة الإنسان. والعَنْمِيُّ: الحَسَنُ الوجه
المُشْرَبُ حُمْرَةً. وقال ابن دريد في كتاب النوادر: العَنَمُ واحدتها
عَنَمَة، وهي أَغصان تنبت في سُوق العِضاه رطبة لا تشبه سائر أَغصانه،
أَحمر اللون يتفرق أَعالي نوره بأَربَعِ فرق كأَنه فَنَنٌ من أَراكة، يخرجن
في الشتاء والقيظ.
وعَيْنَمٌ: موضع. والعَيْنُوم: الضِّفْدَعُ الذكر.
أبد: الأَبَدُ: الدهر، والجمع آباد وأُبود؛ وفي حديث الحج قال سراقة بن
مالك: أَرأَيت مُتْعَتَنا هذه أَلِعامنا أَم للأَبد؟ فقال: بل هي للأَبد؛
وفي رواية: أَلعامنا هذا أَم لأَبَدٍ؟ فقال: بل لأَبَدِ أَبَدٍ؛ وفي
أُخرى: بل لأَبَدِ الأَبَد أَي هي لآخر الدهر. وأَبَدٌ أَبيد: كقولهم دهر
دَهير. ولا أَفعل ذلك أَبد الأَبيد وأَبَد الآباد وأَبَدَ الدَّهر وأَبيد
وأَبعدَ الأَبَدِيَّة؛ وأَبدَ الأَبَدين ليس على النسب لأَنه لو كان كذلك
لكانوا خلقاء أَن يقولوا الأَبديّينِ؛ قال ابن سيده: ولم نسمعه؛ قال:
وعندي أَنه جمع الأَبد بالواو والنون، على التشنيع والتعظيم كما قالوا
أَرضون، وقولهم لا أَفعله أَبدَ الآبدين كما تقول دهرَ الداهرين وعَوضَ
العائضين، وقالوا في المثل: طال الأَبعدُ على لُبَد؛ يضرب ذلك لكل ما قدُمَ.
والأَبَدُ: الدائم والتأْييد: التخليد.
وأَبَدَ بالمكان يأْبِد، بالكسر، أُبوداً: أَقام به ولم يَبْرَحْه.
وأَبَدْتُ به آبُدُ أُبوداً؛ كذلك. وأَبَدَت البهيمةُ تأْبُد وتأْبِدُ أَي
توحشت. وأَبَدَت الوحش تأْبُد وأْبِدُ أُبوداً وتأْبَّدت تأَبُّداً: توحشت.
والتأَبُّد: التوحش. وأَبِدَ الرجلُ، بالكسر: توحش، فهو أَبِدٌ؛ قال
أَبو ذؤَيب:
فافْتَنَّ، بعدَ تَمامِ الظِّمّءِ، ناجيةً،
مثل الهراوة ثِنْياً، بَكْرُها أَبِدُ
أَي ولدها الأَوّل قد توحش معها.
والأَوايد والأُبَّدُ: الوحش، الذكَر آبد والأُنثى آبدة، وقيل: سميت
بذلك لبقائها على الأَبد؛ قال الأَصمعي: لم يمت وَحْشيّ حتف أَنفه قط إِنما
موته عن آفة وكذلك الحية فيما زعموا؛ وقال عديّ بن زيد:
وذي تَناويرَ مَمْعُونٍ، له صَبَحٌ،
يغذُو أَوابد قد أَفْلَيْنَ أَمْهارا
يعني بالأَمهار جحاشها. وأَفلين: صرن إِلى أَن كبر أَولادهن واستغنت عن
الأُمهات. والأُبود: كالأَوابد؛ قال ساعدة بن جؤَية:
أَرى الدهر لا يَبقْى، على حَدَثانه،
أُبودٌ بأَطراف المثاعِدِ جَلْعَدِ
قال رافع بن خديج: أَصبنا نهب إِبل فندّ منها بعير فرماه رجل بسهم
فحبسه، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: إِن لهذه الإِبل أَوابد كأَوابدِ
الوحش، فإِذا غلبكم منها شيءٌ فافعلوا به هكذا؛ الأَوابد جمع آبدة؛ وهي
التي قد توحشت ونفرَت من الإِنس؛ ومنه قيل الدار إِذا خلا منها أَهلها
وخلفتهم الوحش بها؛ قد تأَبدت؛ قال لبيد:
بِمِنىَ، تَأَبَّد غَوْلُها فرجامُها
وتأَبد المنزل أَي أَقفر وأَلفته الوحوش. وفي حديث أُم زرع: فأَراح عليّ
من كل سائمةٍ زَوْجَيْن، ومن كل آبِدَةٍ اثنتين؛ تريد أَنواعاً من ضروب
الوحوش؛ ومنه قولهم: جاءَ بآبدة أَي بأَمر عظيم يُنْفَرُ منه ويُستوحش.
وتأَبَّدت الدار: خلت من أَهلها وصار فيها الوحش ترعاه. وأَتان أَبَدٌ:
وحشية. والآبدة: الداهية تبقى على الأَبد. والآبدة: الكلمة أَو الفعلة
الغريبة. وجاءَ فلان بابدة أَي بداهية يبقى ذكرها على الأَبد. ويقال للشوارد
من القوافي أَوابد؛ قال الفرزدق:
لَنْ تُدْرِكوا كَرَمي بِلُؤْمِ أَبيكُمُ،
وأوابِدِي بتَنَحُّل الأشعارِ
ويقال للكلمة الوحشية: آبدة، وجمعها الأَوابد. ويقال للطير المقيمة
بأَرضٍ شتاءَها وصيفها: أَوابد من أَبَدَ بالمكان يأْبِدُ فهو آبد، فإِذا
كانت تقطع في أَوقاتها فهي قواطع، والأَوابد ضد القواطع من الطير. وأَتان
أَبِد: في كل عام تلد. قال: وليس في كلام العرب فَعِلٌ إِلا أَبِدٌ وأَبِلٌ
وبلِحٌ ونَكِحٌ وخَطِبٌ إِلا أَن يتكلف فيبني على هذه الأَحرف ما لم
يسمع عن العرب؛ ابن شميل: الأَبِدُ الأَتان تَلد كل عام؛ قال أَبو منصور:
أَبَلٌ وأَبِد مسموعان، وأَما نَكِحٌ وخَطِبٌ فما سمعتهما ولا حفظتهما عن
ثقة ولكن يقال بِكْحٌ وخِطْبٌ. وقال أَبو مالك: ناقة أَبِدَةٌ إِذا كانت
ولوداً، قيَّد جميع ذلك بفتح الهمزة؛ قال الأَزهري: وأَحسبهما لغتين أَبِد
وإِبِدٌ. الجوهري: الإِبِد على وزن الإِبل الولود من أَمة أَو أَتان؛
وقولهم:
لن يُقْلِعَ الجَدُّ النَّكِدْ،
إِلا بَجَدِّ ذي الإِبِدْ،
في كلِّ ما عامٍ تَلِدْ
والإِبِد ههنا: الأَمة لأَن كونها ولوداً حرمان وليس بحدّ أَي لا تزداد
إِلا شرّاً. والإِبِدُ: الجوارح من المال، وهي الأَمة والفرس الأُنثى
والأَتان يُنْتَجن في كل عام. وقالوا: لن يبلغ الجدّ النكِد، إِلا الإِبِد،
في كل عام تلد؛ يقول: لن يصل إِليه فيذهب بنكده إِلا المال الذي يكون منه
المال.
ويقال: وقف فلان أَرضه مؤَبَّداً إِذا جعلها حبيساً لا تُباع ولا تورث.
وقال عبيد بن عمير: الدنيا أَمَدٌ والآخرة أَبَدٌ. وأَبِدَ عليه أَبَداً:
غضب كَعَبدِ وأَمِدَ ووبِدَ وومِدَ عَبَداً وأَمَداً ووبَدَاً وومَداً.
وأَبيدَةُ: موضع؛ قال:
فما أَبِيدَةُ من أَرض فأَسْكُنَها،
وإِن تَجاوَرَ فيها الماءُ والشجر
ومأْبِد: موضع؛ قال ابن سيده: وعندي أَنه مابِد على فاعل، وستذكره في
مبد. والأُبَيْدُ: نبات مثل زرع الشعير سواء وله سنبلة كسنبلة الدُّخْنة
فيها حب صغير أصغر من الخردل وهي مسمنة للمال جداً.
رفض: الرَّفْضُ: تركُكَ الشيءَ. تقول: رَفَضَني فَرَفَضْتُه، رَفَضْتُ
الشيءَ أَرْفُضُه وأَرفِضُه رَفْضاً ورَفَضاً: تركتُه وفَرَّقْتُه.
الجوهري: الرَّفْضُ الترك، وقد رَفَضَه يَرْفُضُه ويَرْفِضُه. والرَّفَضُ:
الشيء المُتَفَرِّقُ، والجمع أَرفاضٌ.
وارْفَضَّ الدَّمْعُ ارْفِضاضاً وتَرَفَّض: سالَ وتفَرَّق وتتابَعَ
سَيَلانُه وقَطَرانُه. وارْفَضَّ دَمْعُه ارْفِضاضاً إِذا انهلَّ متفرِّقاً.
وارْفِضاضُ الدمْع ترشُّشُه، وكل متفرِّق ذهب مُرْفَضٌّ؛ قال: القطامي:
أَخُوكَ الذي لا تَمْلِكُ الحَِسَّ نفسُه،
وتَرْفَضُّ عِنْدَ المُحْفِظاتِ الكَتائِفُ
يقول: هو الذي إِذا رآكَ مظلوماً رَقّ لك وذهب حِقْده. وفي حديث
البُراق: أَنه استصعب على النبي، صلّى اللّه عليه وسلّم، ثم ارْفَضَّ عرَقاً
وأَقَرَّ أَي جرَى عرَقُه وسالَ ثم سكَنَ وانْقاد وترك الاسْتِصعاب؛ ومنه
حديث الحْوض: حتى يَرْفَضّ عليهم أَي يَسِيل. وفي حديث مُرَّةَ بن
شراحِيلَ: عوتب في ترك الجمعة فذكر أن به جرحاً ربما ارْفَضّ في إِزاره أَي سال
فيه قَيْحُه وتفَرَّق. وارْفَضَّ الوَجَعُ: زالَ.
والرِّفاضُ: الطُّرُق المتفرِّقةُ أَخادِيدُها؛ قال رؤبة:
بالعِيسِ فوْقَ الشَّرَكِ الرِّفاض
هي أَخاديدُ الجادَّةِ المتفرِّقةُ. ويقال لشَرَكِ الطريقِ
إِذا تفرّقت: رِفاضٌ، وهذا البيت أَورده الجوهري: كالعِيسِ؛ قال ابن
بري: صوابه بالعيس لأَن قبله:
يَقْطَعُ أَجْوازَ الفلا انْقِضاضِي
والشَّرَكُ: جمع شَرَكةٍ وهي الطرائقُ التي في الطريق. والرِّفاضُ:
المُرْفَضّةُ المتفرّقة يميناً وشمالاً. قال: والرِّفاضُ أَيضاً جمع رَفْضٍ
القَطِيعُ من الظِّباء المتفرِّق. وفي حديث عمر: أَن امرأَة كانت تَزْفِنُ
والصِّبْيانُ حولَها إِذ طلع عمر، رضي اللّه عنه، فارْفَضَّ الناسُ عنها
أَي تفَرّقُوا.
وتَرَفَّضَ الشيءُ إِذا تكسّر. ورَفَضْت الشيء أَرْفُضُه وأَرْفِضُه
رَفْضاً، فهو مرفوضٌ ورَفِيضٌ: كسرته. ورَفَضُ الشيء: ما تحطّم منه وتفرّق،
وجمع الرَّفَض أَرْفاض؛ قال طفيل يصف سَحاباً:
له هَيْدَبٌ دانٍ كأَنَّ فُرُوجَه،
فُوَيْقَ الحَصى والأَرضِ، أَرْفاضُ حَنْتَمِ
ورُفاضُه: كرَفَضِه، شبّه قِطع السحاب السُّود الدانية من الأَرض
لامتلائها بِكِسَر الحنتم المُسْوَدّ والمُخْضَرّ؛ وأَنشد ابن بري
للعجاج:يُسْقى السَّعِيطَ في رُفاضِ الصَّنْدَلِ
والسَّعِيطُ: دُهْن البانِ، ويقال: دُهْنُ الزَّنْبَقِ.
ورُمْحٌ رَفِيضٌ إِذا تَقَصَّد وتكسَّر؛ وأَنشد:
ووالى ثلاثاً واثْنَتَيْنِ وأَرْبَعاً،
وَغادَرَ أُخْرى في قَناةِ رَفِيضِ
ورُفُوضُ الناسِ: فِرَقُهم؛ قال:
من أَسَدٍ أَوْ مِنْ رُفُوضِ الناس
ورُفُوضُ الأَرضِ: المَواضِع التي لا تُمْلَك، وقيل: هي أَرض بين
أَرْضَيْنِ حَيَّتَيْنِ فهي متروكة يتَحامَوْنَها. ورُفُوضُ الأَرض: ما ترك بعد
أَن كان حِمىً. وفي أَرض كذا رُفُوضٌ من كلإٍ أَي مُتَفَرِّقٌ بَعيدٌ
بعضه من بعض. والرَّفّاضةُ: الذين يَرْعَوْنَ رُفُوضَ الأَرض. ومَرافِضُ
الأَرضِ: مساقِطُها من نواحي الجبال ونحوها، واحدها مَرْفَضٌ، والمَرْفَضُ
من مَجاري المياه وقَرارَتِها؛ قال:
ساقَ إِليْها ماءَ كلِّ مَرْفَضِ
مُنْتِجُ أَبْكارِ الغَمامِ المُخَّضِ
وقال أَبو حنيفة: مَرافِضُ الوادي مَفاجِرُه حيثُ يَرْفَضُّ إِليه
السَّيْلُ؛ وأَنشد لابن الرقاع:
ظَلَّتْ بِحَزْمِ سُبَيْعٍ أَو بِمَرْفَضِه
ذي الشّيح، حيثُ تَلاقى التَّلْعُ فانسَحَلا
(* قوله «ظلت إلخ» في معجم ياقوت: باضت بدل ظلت، وقبله كما فيه:
كأنها وهي تحت الرحل لاهية * إذا المطي على أنقابه زملا
جونية من قطا الصوان مسكنها * جفاجف تنبت القفعاء والنفلا.)
ورَفَضُ الشيء: جانبُه، ويجمع أَرْفاضاً؛ قال بشار:
وكأَنَّ رَفْضَ حَدِيثِها
قِطَعُ الرّياضِ، كُسينَ زَهْرا
والرّوافِضُ: جنود تركوا قائدهم وانصرفوا فكل طائفة منهم رافِضةٌ،
والنسبة إِليهم رافِضِيٌّ. والرَّوافِضُ: قوم من الشِّيعة، سموا بذلك لأَنهم
تركوا زيد بن علي؛ قال الأَصمعي: كانوا بايعوه ثم قالوا له: ابْرأْ من
الشيخين نقاتل معك، فأَبى وقال: كانا وَزِيرَيْ جَدِّي فلا أَبْرأُ منهما،
فرَفَضُوه وارْفَضُّوا عنه فسُمُّوا رافِضَةً، وقالوا الرَّوافِضَ ولم
يقولوا الرُّفَّاضَ لأَنهم عَنُوا الجماعات.
والرَّفْضُ: أَن يَطْرُدَ الرجل غنمه وإِبله إِلى حيث يَهْوى، فإِذا
بَلَغَتْ لَها عنها وتركها. ورَفَضْتُها أَرْفِضُها وأَرْفُضُها رَفْضاً:
تركْتُها تَبَدَّدُ في مَراعِيها تَرْعى حيث شاءَتْ ولا يَثْنيها عن وَجْهٍ
تريده، وهي إِبل رافِضةٌ وإِبل رَفَضٌ وأَرْفاضٌ. الفراء: أَرْفَضَ
القوم إِبلهم إِذا أَرسلوها بلا رِعاء.
وقد رَفَضَتِ الإِبل إِذا تفرقت، ورَفَضَت هي تَرْفِضُ رَفْضاً أَي
تَرْعى وحدها والراعي يبصرها قريباً منها أَو بعيداً لا تتعبه ولا يجمعها؛
وقال الراجز:
سَقْياً بِحَيْثُ يُهْمَلُ المُعَرَّضُ،
وحَيْثُ يَرْعى ورَعِي ويَرْفِضُ
ويروى: وأَرْفِضُ. قال ابن بري: المُعَرَّضُ نَعَمٌ وسْمُه العِراضُ وهو
خطّ في الفخذين عَرْضاً. والوَرَعُ: الصغير الضعيف الذي لا غَناءَ عنده.
يقال: إِنما مال فلان أَوْراعٌ أَي صِغارٌ. والرَّفَضُ: النَّعَمُ
المُتَبَدِّدُ، والجمع أَرْفاضٌ.
ورجل قُبَضَةٌ رُفَضَةٌ: يَتَمَسَّكُ بالشيء ثم لا يَلْبَثُ أَن
يَدَعَه. ويقال: راع قُبَضةٌ رُفَضَةٌ للذي يَقْبِضُها ويسوقها ويجمعها، فإِذا
صارت إِلى الموضع الذي تحبه وتهواه رفضها وتركها ترعى كيف شاءَتْ، فهي
إِبل رَفَضٌ. قال: الأَزهري: سمعت أَعرابيّاً يقول: القوم رَفَضٌ في بيوتهم
أَي تفرّقوا في بيوتهم، والناس أَرْفاضٌ في السفَر أَي متفرّقون، وهي
إِبلٌ رافِضةٌ ورَفْضٌ أَيضاً؛ وقال مِلْحةُ ابن واصل، وقيل: هو لِمِلْحةَ
الجَرْمي، يصف سحاباً.
يُباري الرِّياحَ الحَضْرَمِيّاتِ مُزْنُه
بِمُنْهَمِر الأوْراقِ ذي قَزَعٍ رَفْضِ
قال: ورفَضٌ أَيضاً بالتحريك، والجمع أَرْفاض. ونَعام رَفَضٌ أَي
فِرَقٌ؛ قال ذو الرمة:
بها رَفَضٌ من كلِّ خَرْجاءَ صَعْلةٍ،
وأَخْرَجَ يَمْشِي مِثْلَ مَشْي المُخَبَّلِ
وقوله أَنشده الباهلي:
إِذا ما الحِجازِيّاتُ أَعْلَقْنَ طَنَّبَتْ
بِمَيْثاء، لا يأْلُوكَ رافِضُها صخْرا
أَعْلَقْنَ أَي عَلَّقْن أَمْتعَتَهُنَّ على الشجر لأَنهن في بلاد شجر.
طَنَّبَتْ هذه المرأَة أَي مَدَّتْ أَطنابها وضرَبَتْ خيمتها.
بِمَيْثاءَ: بِمَسِيلٍ سَهْل لين. لا يأْلوك: لا يستطيعك. والرافضُ: الرامي؛ يقول:
من أَراد أَن يرمي بها لم يجد حجراً يَرْمي به، يريد أَنها في أَرض
دَمِثةٍ لَيّنة.
والرَّفْضُ والرَّفَضُ من الماء واللَبن: الشيء القليل يبقى في القِرْبة
أَو المَزادةِ وهو مثل الجُرْعةِ، ورواه ابن السكيت رَفْضٌ، بسكون
الفاء، ويقال: في القِرْبة رَفَضَ من ماء أَي قليل، والجمع أَرْفاضٌ؛ عن
اللحياني. وقد رَفَّضْتُ في القِرْبة تَرْفيضاً أَي أَبْقَيْتُ فيها رَفْضاً
من ماء. والرَّفْضُ: دون المَلْءِ بِقَلِيل؛ عن ابن الأَعرابي:
فلمَّا مَضَتْ فَوْقَ اليَدَيْنِ، وحَنَّفَتْ
إِلى المَلْءِ، وامْتَدَّتْ بِرَفْضٍ غُضُونُها
والرَّفْضُ: القُوت، مأْخوذ من الرَّفْضِ الذي هو القليل من الماء
واللبن. ويقال: رَفَضَ النخلُ وذلك إِذا انتَشَرَ عِذْقُه وسقَطَ
قِيقاؤُه.
وقي: وقاهُ اللهُ وَقْياً وَوِقايةً وواقِيةً: صانَه؛ قال أَبو مَعْقِل
الهُذليّ:
فَعادَ عليكِ إنَّ لكُنَّ حَظّاً،
وواقِيةً كواقِيةِ الكِلابِ
وفي الحديث: فَوقَى أَحَدُكم وجْهَه النارَ؛ وَقَيْتُ الشيء أَقِيه إذا
صُنْتَه وسَتَرْتَه عن الأَذى، وهذا اللفظ خبر أُريد به الأمر أي لِيَقِ
أَحدُكم وجهَه النارَ بالطاعة والصَّدَقة. وقوله في حديث معاذ: وتَوَقَّ
كَرائَمَ أَموالِهم أَي تَجَنَّبْها ولا تأْخُذْها في الصدَقة لأَنها
تَكرْمُ على أَصْحابها وتَعِزُّ، فخذ الوسَطَ لا العالي ولا التَّازِلَ،
وتَوقَّى واتَّقى بمعنى؛ ومنه الحديث: تَبَقَّهْ وتوَقَّهْ أَي اسْتَبْقِ
نَفْسك ولا تُعَرِّضْها للتَّلَف وتَحَرَّزْ من الآفات واتَّقِها؛ وقول
مُهَلْهِل:
ضَرَبَتْ صَدْرَها إليَّ وقالت:
يا عَدِيًّا ، لقد وَقَتْكَ الأَواقي
(*قوله «ضربت إلخ»هذا البيت نسبه الجوهري وابن سيده إلى مهلهل. وفي
التكملة: وليس البيت لمهلهل، وإنما هو لأخيه عدي يرثي مهلهلاً. وقيل
البيت:ظبية من ظباء وجرة تعطو
بيديها في ناضر الاوراق
أراد بها امرأته؛ شبهها بالظباء فأجرى عليها أوصاف الظباء)
إِنما أراد الواو في جمع واقِيةٍ، فهمز الواو الأُولى، ووقاهُ: صانَه.
ووقاه ما يَكْرَه ووقَّاه: حَماهُ منه، والتخفيف أَعلى. وفي التنزيل
العزيز: فوقاهُمُ الله شَرَّ ذلك اليومِ. والوِقاءُ والوَقاء والوِقايةُ
والوَقايةُ والوُقايةُ والواقِيةُ: كلُّ ما وقَيْتَ به شيئاً وقال اللحياني:
كلُّ ذلك مصدرُ وَقَيْتُه الشيء. وفي الحديث: من عَصى الله لم يَقِه منه
واقِيةٌ إِلا بإِحْداث تَوْبةٍ؛ وأَنشد الباهليُّ وغيره للمُتَنَخِّل
الهُذَلي:
لا تَقِه الموتَ وقِيَّاتُه،
خُطَّ له ذلك في المَهْبِلِ
قال: وقِيَّاتُه ما تَوَقَّى به من ماله، والمَهْبِلُ: المُسْتَوْدَعُ.
ويقال: وقاكَ اللهُ شَرَّ فلان وِقايةً. وفي التنزيل العزيز: ما لهم من
الله من واقٍ؛ أَي من دافِعٍ. ووقاه اللهُ وِقاية، بالكسر، أَي حَفِظَه.
والتَّوْقِيةُ: الكلاءة والحِفْظُ؛ قال:
إِنَّ المُوَقَّى مِثلُ ما وقَّيْتُ
وتَوَقَّى واتَّقى بمعنى. وقد توَقَّيْتُ واتَّقَيْتُ الشيء وتَقَيْتُه
أَتَّقِيه وأَتْقِيه تُقًى وتَقِيَّةً وتِقاء: حَذِرْتُه؛ الأَخيرة عن
اللحياني، والاسم التَّقْوى، التاء بدل من الواو والواو بدل من الياء. وفي
التنزيل العزيز: وآتاهم تَقْواهم؛ أَي جزاء تَقْواهم، وقيل: معناه
أَلهَمَهُم تَقْواهم، وقوله تعالى: هو أَهلُ التَّقْوى وأَهلُ المَغْفِرة؛ أَي
هو أَهلٌ أَن يُتَّقَى عِقابه وأَهلٌ أَن يُعمَلَ بما يؤدّي إِلى
مَغْفِرته. وقوله تعالى: يا أَيها النبيُّ اتَّقِ الله؛ معناه اثْبُت على تَقْوى
اللهِ ودُمْ عليه
(* قوله «ودم عليه» هو في الأصل كالمحكم بتذكير
الضمير.) وقوله تعالى: إِلا أَن تتقوا منهم تُقاةً؛ يجوز أَن يكون مصدراً وأَن
يكون جمعاً، والمصدر أَجود لأَن في القراءة الأُخرى: إِلا أَن تَتَّقُوا
منهم تَقِيَّةً؛ التعليل للفارسي. التهذيب: وقرأَ حميد تَقِيَّة، وهو
وجه، إِلا أَن الأُولى أَشهر في العربية، والتُّقى يكتب بالياء.
والتَّقِيُّ: المُتَّقي. وقالوا: ما أَتْقاه لله؛ فأَما قوله:
ومَن يَتَّقْ فإِنَّ اللهَ مَعْهُ،
ورِزْقُ اللهِ مُؤْتابٌ وغادي
فإِنما أَدخل جزماً على جزم؛ وقال ابن سيده: فإِنه أَراد يَتَّقِ فأَجرى
تَقِفَ، مِن يَتَّقِ فإِن، مُجرى عَلِمَ فخفف، كقولهم عَلْمَ في عَلِمَ.
ورجل تَقِيٌّ من قوم أَتْقِياء وتُقَواء؛ الأَخيرة نادرة، ونظيرها
سُخَواء وسُرَواء، وسيبويه يمنع ذلك كله. وقوله تعالى: قالت إِني أَعوذُ
بالرحمن منكَ إِن كنتَ تَقِيّاً؛ تأْويله إِني أَعوذ بالله، فإِن كنت تقيّاً
فسَتَتَّعِظ بتعَوُّذي بالله منكَ، وقد تَقيَ تُقًى. التهذيب: ابن
الأَعرابي التُّقاةُ والتَّقِيَّةُ والتَّقْوى والاتِّقاء كله واحد. وروي عن ابن
السكيت قال: يقال اتَّقاه بحقه يَتَّقيه وتَقاه يَتْقِيه، وتقول في
الأَمر: تَقْ، وللمرأَة: تَقي؛ قال عبد الله ابن هَمَّام السَّلُولي:
زِيادَتَنا نَعْمانُ لا تَنْسَيَنَّها،
تَقِ اللهَ فِينا والكتابَ الذي تَتْلُو
بنى الأَمر على المخفف، فاستغنى عن الأَلف فيه بحركة الحرف الثاني في
المستقبل، وأَصل يَتَقي يَتَّقِي، فحذفت التاء الأُولى، وعليه ما أُنشده
الأَصمعي، قال: أَنشدني عيسى بن عُمر لخُفاف بن نُدْبة:
جَلاها الصَّيْقَلُونَ فأَخْلَصُوها
خِفافاً، كلُّها يَتَقي بأَثر
أَي كلها يستقبلك بفِرِنْدِه؛ رأَيت هنا حاشية بخط الشيخ رضيِّ الدين
الشاطِبي، رحمه الله، قال: قال أبو عمرو وزعم سيبويه أَنهم يقولون تَقَى
اللهَ رجل فعَل خَيْراً؛ يريدون اتَّقى اللهَ رجل، فيحذفون ويخفقون، قال:
وتقول أَنت تَتْقي اللهَ وتِتْقي اللهَ، على لغة من قال تَعْلَمُ
وتِعْلَمُ، وتِعْلَمُ، بالكسر: لغة قيْس وتَمِيم وأَسَد ورَبيعةَ وعامَّةِ العرب،
وأَما أَهل الحجاز وقومٌ من أَعجاز هَوازِنَ وأَزْدِ السَّراة وبعضِ
هُذيل فيقولون تَعْلَم، والقرآن عليها، قال: وزعم الأَخفش أَن كل مَن ورد
علينا من الأَعراب لم يقل إِلا تِعْلَم، بالكسر، قال: نقلته من نوادر أَبي
زيد. قال أَبو بكر: رجل تَقِيٌّ، ويُجمع أَتْقِياء، معناه أَنه مُوَقٍّ
نَفْسَه من العذاب والمعاصي بالعمل الصالح، وأَصله من وَقَيْتُ نَفْسي
أَقيها؛ قال النحويون: الأَصل وَقُويٌ، فأَبدلوا من الواو الأُولى تاء كما
قالوا مُتَّزِر، والأَصل مُوتَزِر، وأَبدلوا من الواو الثانية ياء
وأَدغموها في الياء التي بعدها، وكسروا القاف لتصبح الياء؛ قال أَبو بكر:
والاختيار عندي في تَقِيّ أَنه من الفعل فَعِيل، فأَدغموا الياء الأُولى في
الثانية، الدليل على هذا جمعهم إِياه أَتقياء كما قالوا وَليٌّ وأَوْلِياء،
ومن قال هو فَعُول قال: لمَّا أَشبه فعيلاً جُمع كجمعه، قال أَبو منصور:
اتَّقى يَتَّقي كان في الأَصل اوْتَقى، على افتعل، فقلبت الواو ياء
لانكسار ما قبلها، وأُبدلت منها التاء وأُدغمت، فلما كثر استعماله على لفظ
الافتعال توهموا أَن التاءَ من نفس الحرف فجعلوه إِتَقى يَتَقي، بفتح التاء
فيهما مخففة، ثم لم يجدوا له مثالاً في كلامهم يُلحقونه به فقالوا تَقى
يَتَّقي مثل قَضى يَقْضِي؛ قال ابن بري: أَدخل همزة الوصل على تَقى،
والتاء محركة، لأَنَّ أَصلها السكون، والمشهور تَقى يَتَّقي من غير همز وصل
لتحرك التاء؛ قال أَبو أَوس:
تَقاكَ بكَعْبٍ واحِدٍ وتَلَذُّه
يَداكَ، إِذا هُزَّ بالكَفِّ يَعْسِلُ
أَي تَلَقَّاكَ برمح كأَنه كعب واحد، يريد اتَّقاك بكَعْب وهو يصف
رُمْحاً؛ وقال الأَسدي:
ولا أَتْقي الغَيُورَ إِذا رَآني،
ومِثْلي لُزَّ بالحَمِسِ الرَّبِيسِ
الرَّبيسُ: الدَّاهي المُنْكَر، يقال: داهِيةٌ رَبْساء، ومن رواها
بتحريك التاء فإِنما هو على ما ذكر من التخفيف؛ قال ابن بري: والصحيح في هذا
البيت وفي بيت خُفاف بن نَدبة يَتَقي وأَتَقي، بفتح التاء لا غير، قال:
وقد أَنكر أَبو سعيد تَقَى يَتْقي تَقْياً، وقال: يلزم أَن يقال في الأَمر
اتْقِ، ولا يقال ذلك، قال: وهذا هو الصحيح. التهذيب. اتَّقى كان في
الأَصل اوْتَقى، والتاء فيها تاء الافتعال فأُدغمت الواو في التاء وشددت فقيل
اتَّقى، ثم حذفوا أَلف الوصل والواو التي انقلبت تاء فقيل تَقى يَتْقي
بمعنى استقبل الشيء وتَوَقَّاه، وإِذا قالوا اتَّقى يَتَّقي فالمعنى أَنه
صار تَقِيّاً، ويقال في الأَول تَقى يَتْقي ويَتْقي. ورجل وَقِيٌّ تَقِيٌّ
بمعنى واحد. وروي عن أَبي العباس أَنه سمع ابن الأَعرابي يقول: واحدة
التُّقى تُقاة مثل طُلاة وطُلًى، وهذان الحرفان نادران؛ قال الأَزهري:
وأَصل الحرف وَقى يَقي، ولكن التاءَ صارت لازمة لهذه الحروف فصارت كالأَصلية،
قال: ولذلك كتبتها في باب التاء. وفي الحديث: إِنما الإِمام جُنَّة
يُتَّقى به ويُقاتَل من ورائه أَي أَنه يُدْفَعُ به العَدُوُّ ويُتَّقى
بقُوّته، والتاءُ فيها مبدلة من الواو لأن أَصلها من الوِقاية، وتقديرها
اوْتَقى، فقلبت وأُدغمت، فلما كثر استعمالُها توهموا أَن التاءَ من نفس الحرف
فقالوا اتَّقى يَتَّقي، بفتح التاء فيهما.
(* قوله«فقالوا اتقي يتقي بفتح
التاء فيهما» كذا في الأصل وبعض نسخ النهاية بألفين قبل تاء اتقى. ولعله
فقالوا: تقى يتقي، بألف واحدة، فتكون التاء مخففة مفتوحة فيهما. ويؤيده
ما في نسخ النهاية عقبه: وربما قالوا تقى يتقي كرمى يرمي.) وفي الحديث:
كنا إِذا احْمَرَّ البَأْسُ اتَّقَينا برسولِ الله،صلى الله عليه وسلم،
أَي جعلناه وِقاية لنا من العَدُوّ قُدَّامَنا واسْتَقْبَلْنا العدوَّ به
وقُمْنا خَلْفَه وِقاية. وفي الحديث: قلتُ وهل للسَّيفِ من تَقِيَّةٍ؟
قال: نَعَمْ، تَقِيَّة على أَقذاء وهُدْنةٌ على دَخَنٍ؛ التَّقِيَّةُ
والتُّقاةُ بمعنى، يريد أَنهم يَتَّقُون بعضُهم بعضاً ويُظهرون الصُّلْحَ
والاتِّفاق وباطنهم بخلاف ذلك. قال: والتَّقْوى اسم، وموضع التاء واو وأَصلها
وَقْوَى، وهي فَعْلى من وَقَيْتُ، وقال في موضع آخر: التَّقوى أَصلها
وَقْوَى من وَقَيْتُ، فلما فُتِحت قُلِبت الواو تاء، ثم تركت التاءُ في
تصريف الفعل على حالها في التُّقى والتَّقوى والتَّقِيَّةِ والتَّقِيِّ
والاتِّقاءِ، قال: والتُّفاةُ جمع، ويجمع تُقِيّاً، كالأُباةِ وتُجْمع
أُبِيّاً، وتَقِيٌّ كان في الأَصل وَقُويٌ، على فَعُولٍ، فقلبت الواو الأُولى
تاء كما قالوا تَوْلج وأَصله وَوْلَج، قالوا: والثانية قلبت ياء للياءِ
الأَخيرة، ثم أُدغمت في الثانية فقيل تَقِيٌّ، وقيل: تَقيٌّ كان في الأَصل
وَقِيّاً، كأَنه فَعِيل، ولذلك جمع على أَتْقِياء. الجوهري: التَّقْوى
والتُّقى واحد، والواو مبدلة من الياءِ على ما ذكر في رَيّا. وحكى ابن بري
عن القزاز: أَن تُقًى جمع تُقاة مثل طُلاةٍ وطُلًى. والتُّقاةُ:
التَّقِيَّةُ، يقال: اتَّقى تَقِيَّةً وتُقاةً مثل اتَّخَمَ تُخَمةً؛ قال ابن بري:
جعلهم هذه المصادر لاتَّقى دون تَقى يشهد لصحة قول أَبي سعيد المتقدّم
إنه لم يسمع تَقى يَتْقي وإِنما سمع تَقى يَتَقي محذوفاً من اتَّقى.
والوِقايةُ التي للنساءِ، والوَقايةُ، بالفتح لغة، والوِقاءُ والوَقاءُ: ما
وَقَيْتَ به شيئاً.
والأُوقِيَّةُ: زِنةُ سَبعة مَثاقِيلَ وزنة أَربعين درهماً، وإن جعلتها
فُعْلِيَّة فهي من غير هذا الباب؛ وقال اللحياني: هي الأُوقِيَّةُ وجمعها
أَواقِيُّ، والوَقِيّةُ، وهي قليلة، وجمعها وَقايا. وفي حديث النبي، صلى
الله عليه وسلم: أَنه لم يُصْدِق امْرأَةً من نِسائه أَكثر من اثنتي
عشرة أُوقِيَّةً ونَشٍّ؛ فسرها مجاهد فقال: الأُوقِيَّة أَربعون درهماً،
والنَّشُّ عشرون. غيره: الوَقيَّة وزن من أَوزان الدُّهْنِ، قال الأَزهري:
واللغة أُوقِيَّةٌ، وجمعها أَواقيُّ وأَواقٍ. وفي حديث آخر مرفوع: ليس
فيما دون خمس أَواقٍ من الوَرِق صَدَقَةٌ؛ قال أَبو منصور: خمسُ أَواقٍ
مائتا دِرْهم، وهذا يحقق ما قال مجاهد، وقد ورد بغير هذه الرواية: لا صَدَقة
في أَقَلَّ مِن خمسِ أَواقِي، والجمع يشدَّد ويخفف مثل أُثْفِيَّةٍ
وأَثافِيَّ وأثافٍ، قال: وربما يجيء في الحديث وُقِيّة وليست بالعالية وهمزتها
زائدة، قال: وكانت الأُوقِيَّة قديماً عبارة عن أَربعين درهماً، وهي في
غير الحديث نصف سدس الرِّطْلِ، وهو جزء من اثني عشر جزءاً، وتختلف
باختلاف اصطلاح البلاد. قال الجوهري: الأُوقيَّة في الحديث، بضم الهمزة وتشديد
الياء، اسم لأَربعين درهماً، ووزنه أُفْعولةٌ، والأَلف زائدة، وفي بعض
الروايات وُقِية، بغير أَلف، وهي لغة عامية، وكذلك كان فيما مضى، وأَما
اليوم فيما يَتعارَفُها الناس ويُقَدِّر عليه الأَطباء فالأُوقية عندهم عشرة
دراهم وخمسة أَسباع درهم، وهو إِسْتار وثلثا إِسْتار، والجمع الأَواقي،
مشدداً، وإِن شئت خففت الياء في الجمع. والأَواقِي أَيضاً: جمع واقِيةٍ؛
وأَنشد بيت مهَلْهِلٍ: لقدْ وَقَتْكَ الأَواقِي، وقد تقدّم في صدر هذه
الترجمة، قال: وأَصله ووَاقِي لأَنه فَواعِل، إِلا أَنهم كرهوا اجتماع
الواوين فقلبوا الأُولى أَلفاً.
وسَرْجٌ واقٍ: غير مِعْقَر، وفي التهذيب: لم يكن مِعْقَراً، وما
أَوْقاه، وكذلك الرَّحْل، وقال اللحياني: سَرْجٌ واقٍ بَيّن الوِقاء، مدود،
وسَرجٌ وَقِيٌّ بيِّن الوُقِيِّ. ووَقَى من الحَفَى وَقْياً: كوَجَى؛ قال
امرؤ القيس:
وصُمٍّ صِلابٍ ما يَقِينَ مِنَ الوَجَى،
كأَنَّ مَكانَ الرِّدْفِ منْه علَى رالِ
ويقال: فرس واقٍ إِذا كان يَهابُ المشيَ من وَجَع يَجِده في حافِره، وقد
وَقَى يَقِي؛ عن الأَصمعي، وقيل: فرس واقٍ إِذا حَفِيَ من غِلَظِ
الأَرضِ ورِقَّةِ الحافِر فَوَقَى حافِرُه الموضع الغليظ؛ قال ابن
أَحمر:تَمْشِي بأَوْظِفةٍ شِدادٍ أَسْرُها،
شُمِّ السّنابِك لا تَقِي بالجُدْجُدِ
أَي لا تشتكي حُزونةَ الأَرض لصَلابة حَوافِرها. وفرس واقِيةٌ: للتي بها
ظَلْعٌ، والجمع الأَواقِي. وسرجٌ واقٍ إِذا لم يكن مِعْقَراً. قال ابن
بري: والواقِيةُ والواقِي بمعنى المصدر؛ قال أَفيون التغْلبي:
لَعَمْرُك ما يَدْرِي الفَتَى كيْفَ يتَّقِي،
إِذا هُو لم يَجْعَلْ له اللهُ واقِيا
ويقال للشجاع: مُوَقًّى أَي مَوْقِيٌّ جِدًّا. وَقِ على ظَلْعِك أَي
الزَمْه وارْبَعْ عليه، مثل ارْقَ على ظَلْعِك، وقد يقال: قِ على ظَلْعِك
أَي أَصْلِحْ أَوَّلاً أَمْرَك، فتقول: قد وَقَيْتُ وَقْياً ووُقِيّاً.
التهذيب: أَبو عبيدة في باب الطِّيرَةِ والفَأْلِ: الواقِي الصُّرَدُ مثل
القاضِي؛ قال مُرَقِّش:
ولَقَدْ غَدَوْتُ، وكنتُ لا
أَغْدُو، على واقٍ وحاتِمْ
فَإِذا الأَشائِمُ كالأَيا
مِنِ، والأَيامِنُ كالأَشائِمْ
قال أَبو الهيثم: قيل للصُّرَد واقٍ لأَنه لا يَنبَسِط في مشيه، فشُبّه
بالواقِي من الدَّوابِّ إِذا حَفِيَ. والواقِي: الصُّرَدُ؛ قال خُثَيْمُ
بن عَدِيّ، وقيل: هو للرَّقَّاص
(* قوله« للرقاص إلخ» في التكملة: هو لقب
خثيم بن عدي، وهو صريح كلام رضي الدين بعد) الكلبي يمدح مسعود بن بَجْر،
قال ابن بري: وهو الصحيح:
وجَدْتُ أَباكَ الخَيْرَ بَجْراً بِنَجْوةٍ
بنَاها له مَجْدٌ أَشَمٌّ قُماقِمُ
وليس بِهَيَّابٍ، إِذا شَدَّ رَحْلَه،
يقول: عَدانِي اليَوْمَ واقٍ وحاتِمُ،
ولكنه يَمْضِي على ذاكَ مُقْدِماً،
إِذا صَدَّ عن تلكَ الهَناتِ الخُثارِمُ
ورأَيت بخط الشيخ رَضِيِّ الدين الشاطبي، رحمه الله، قال: وفي جمهرة
النسب لابن الكلبي وعديّ بن غُطَيْفِ بن نُوَيْلٍ الشاعر وابنه خُثَيْمٌ،
قال: وهو الرَّقَّاص الشاعر القائل لمسعود بن بحر الزُّهريّ:
وجدتُ أَباك الخير بحراً بنجوة
بناها له مجدٌ أَشم قُماقمُ
قال ابن سيده: وعندي أَنَّ واقٍ حكاية صوته، فإِن كان ذلك فاشتقاقه غير
معروف. قال الجوهريّ: ويقال هو الواقِ، بكسر القاف بلا ياء، لأَنه سمي
بذلك لحكاية صوته.
وابن وَقاء أَو وِقاء: رجل من العرب، والله أَعلم.
ظلل: ظَلَّ نهارَه يفعل كذا وكذا يَظَلُّ ظَلاًّ وظُلُولاً وظَلِلْتُ
أَنا وظَلْتُ وظِلْتُ، لا يقال ذلك إِلاَّ في النهار لكنه قد سمع في بعض
الشعر ظَلَّ لَيْلَه، وظَلِلْت أَعْمَلُ كذا، بالكسر، ظُلُولاً إِذا
عَمِلْته بالنهار دون الليل؛ ومنه قوله تعالى: فَظَلْتم تَفَكَّهون، وهو من
شَواذِّ التخفيف. الليث: يقال ظَلَّ فلان نهارَه صائماً، ولا تقول العرب
ظَلَّ يَظَلُّ إِلا لكل عمل بالنهار، كما لا يقولون بات يبيت إِلا بالليل،
قال: ومن العرب من يحذف لام ظَلِلْت ونحوها حيث يظهران، فإِن أَهل الحجاز
يكسرون الظاء كسرة اللام التي أُلْقِيَتْ فيقولون ظِلْنا وظِلْتُم المصدر
الظُّلُول، والأَمر اظْلَلْ وظَلَّ؛ قال تعالى: ظَلْتَ عليه عاكفاً،
وقرئ ظِلْتَ، فمن فَتَح فالأَصل فيه ظَلِلْت ولكن اللام حذفت لثِقَل
التضعيف والكسر وبقيت الظاء على فتحها، ومن قرأَ ظِلْتَ، بالكسر، حَوَّل كسرة
اللام على الظاء، ويجوز في غير المكسور نحو هَمْت بذلك أَي هَمَمْت
وأَحَسْنت بذلك أَي أَحْسَسْت، قال: وهذا قول حُذَّاق النحويين؛ قال ابن سيده:
قال سيبويه أَمَّا ظِلْتُ فأَصله ظَلِلْتُ إِلاَّ أَنهم حذفوا فأَلقوا
الحركة على الفاء كما قالوا خِفْت، وهذا النَّحْوُ شاذٌّ، قال: والأَصل فيه
عربي كثير، قال: وأَما ظَلْت فإِنها مُشَبَّهة بِلَسْت؛ وأَما ما أَنشده
أَبو زيد لرجل من بني عقيل:
أَلَمْ تَعْلَمِي ما ظِلْتُ بالقوم واقفاً
على طَلَلٍ، أَضْحَتْ مَعارِفُه قَفْرا
قال ابن جني: قال كسروا الظاء في إِنشادهم وليس من لغتهم. وظِلُّ
النهارِ: لونُه إِذا غَلَبَتْه الشمسُ. والظِّلُّ: نقيض الضَّحِّ، وبعضهم يجعل
الظِّلَّ الفَيْء؛ قال رؤبة: كلُّ موضع يكون فيه الشمس فتزول عنه فهو
ظِلٌّ وفَيْء، وقيل: الفيء بالعَشِيِّ والظِّلُّ بالغداة، فالظِّلُّ ما كان
قبل الشمس، والفيء ما فاء بعد. وقالوا: ظِلُّ الجَنَّة، ولا يقال
فَيْؤها، لأَن الشمس لا تُعاقِب ظِلَّها فيكون هنالك فيء، إِنما هي أَبداً
ظِلٌّ، ولذلك قال عز وجل: أُكُلُها دائمٌ وظِلُّها؛ أَراد وظِلُّها دائم
أَيضاً؛ وجمع الظِّلِّ أَظلالٌ وظِلال وظُلُولٌ؛ وقد جعل بعضهم للجنة فَيْئاً
غير أَنه قَيَّده بالظِّلِّ، فقال يصف حال أَهل الجنة وهو النابغة
الجعدي:فَسلامُ الإِلهِ يَغْدُو عليهم،
وفُيُوءُ الفِرْدَوْسِ ذاتُ الظِّلال
وقال كثير:
لقد سِرْتُ شَرْقيَّ البِلادِ وغَرْبَها،
وقد ضَرَبَتْني شَمْسُها وظُلُولُها
ويروى:
لقد سِرْتُ غَوْرِيَّ البِلادِ وجَلْسَها
والظِّلَّة: الظِّلال. والظِّلال: ظِلال الجَنَّة؛ وقال العباس بن عبد
المطلب:
مِنْ قَبْلِها طِبْتَ في الظِّلال وفي
مُسْتَوْدَعٍ، حَيْثُ يُخْصَفُ الوَرَقُ
أَراد ظِلال الجنات التي لا شمس فيها. والظِّلال: ما أَظَلَّكَ من
سَحابٍ ونحوه. وظِلُّ الليلِ: سَوادُه، يقال: أَتانا في ظِلِّ الليل؛ قال ذو
الرُّمَّة:
قد أَعْسِفُ النَّازِحَ المَجْهولَ مَعْسِفُه،
في ظِلِّ أَخْضَرَ يَدْعُو هامَهُ البُومُ
وهو استعارة لأَن الظِّلَّ في الحقيقة إِنما هو ضوء شُعاع الشمس دون
الشُّعاع، فإِذا لم يكن ضَوْءٌ فهو ظُلْمة وليس بظِلٍّ.
والظُّلَّةُ أَيضاً
(* قوله «والظلة أيضاً إلخ» هذه بقية عبارة للجوهري
ستأتي، وهي قوله: والظلة، بالضم، كهيئة الصفة، الى أن قال: والظلة أيضاً
الى آخر ما هنا): أَوّل سحابة تُظِلُّ؛ عن أَبي زيد. وقوله تعالى:
يَتَفَيَّأُ ظِلاله عن اليمين؛ قال أَبو الهيثم: الظِّلُّ كلُّ ما لم تَطْلُع
عليه الشمسُ فهو ظِلٌّ، قال: والفَيْء لا يُدْعى فَيْئاً إِلا بعد الزوال
إِذا فاءت الشمسُ أَي رَجَعَتْ إِلى الجانب الغَرْبيِّ، فما فاءت منه
الشمسُ وبَقِيَ ظِلاًّ فهو فَيْء، والفَيْءُ شرقيٌّ والظِّلُّ غَرْبيٌّ،
وإِنما يُدْعى الظِّلُّ ظِلاًّ من أَوَّل النهار إِلى الزوال، ثم يُدْعى
فيئاً بعد الزوال إِلى الليل؛ وأَنشد:
فلا الظِّلَّ من بَرْدِ الضُّحَى تَسْتَطِيعُه،
ولا الفَيْءَ من بَرْدِ العَشِيِّ تَذُوق
قال: وسَوادُ اللَّيلِ كلِّه ظِلٌّ، وقال غيره: يقال أَظَلَّ يومُنا هذا
إِذا كان ذا سحاب أَو غيره وصار ذا ظِلٍّ، فهو مُظِلٌّ. والعرب تقول:
ليس شيء أَظَلَّ من حَجَر، ولا أَدْفأَ من شَجَر، ولا أَشَدَّ سَواداً من
ظِلّ؛ وكلُّ ما كان أَرْفع سَمْكاً كان مَسْقَطُ الشَّمس أَبْعَد، وكلُّ
ما كان أَكثر عَرْضا وأَشَد اكتنازاً كان أَشد لسَوادِ ظِلِّه. وظِلُّ
الليل: جُنْحُه، وقيل: هو الليل نفسه، ويزعم المنجِّمون أَن الليل ظِلٌّ
وإِنما اسْوَدَّ جدّاً لأَنه ظِلُّ كُرَة الأَرض، وبِقَدْر ما زاد بَدَنُها
في العِظَم ازداد سواد ظِلِّها. وأَظَلَّتْني الشجرةُ وغيرُها،
واسْتَظَلَّ بالشجرة: اسْتَذْرى بها. وفي الحديث: إِنَّ في الجنة شَجَرةً يَسِير
الراكبُ في ظِلِّها مائةَ عامٍ أَي في ذَراها وناحيتها. وفي قول العباس:
مِنْ قَبْلِها طِبْتَ في الظِّلال؛ أَراد ظِلال الجنة أَي كنتَ طَيِّباً
في صُلْب آدم حيث كان في الجنة، وقوله من قبلها أَي من قبل نزولك إِلى
الأَرض، فكَنى عنها ولم يتقدم ذكرها لبيان المعنى. وقوله عز وجل: ولله
يَسْجُد مَنْ في السموات والأَرض طَوْعاً وكَرْهاً وظِلالُهُم بالغُدُوِّ
والآصال؛ أَي ويَسْجُد ظِلالُهم؛ وجاء في التفسير: أَن الكافر يَسْجُدُ لغير
الله وظِلُّه يسجد لله، وقيل ظِلالُهم أَي أَشخاصهم، وهذا مخالف للتفسير.
وفي حديث ابن عباس: الكافر يَسْجُد لغير الله وظِلُّه يَسْجُد لله؛
قالوا: معناه يَسْجُد له جِسْمُه الذي عنه الظِّلُّ. ويقال للمَيِّت: قد
ضَحَا ظِلُّه. وقوله عز وجل: ولا الظِّلُّ ولا الحَزورُ؛ قال ثعلب: قيل
الظِّلُّ هنا الجنة، والحَرور النار، قال: وأَنا أَقول الظِّلُّ الظِّلُّ
بعينه، والحَرُور الحَرُّ بعينه. واسْتَظَلَّ الرجلُ: اكْتَنَّ بالظِّلِّ.
واسْتَظَلَّ بالظِّلِّ: مال إِليه وقَعَد فيه. ومكان ظَلِيلٌ: ذو ظِلٍّ،
وقيل الدائم الظِّلِّ قد دامت ظِلالَتُه. وقولهم: ظِلٌّ ظَلِيل يكون من
هذا، وقد يكون على المبالغة كقولهم شِعْر شاعر. وفي التنزيل العزيز:
ونُدْخِلهم ظِلاًّ ظَلِيلاً؛ وقول أُحَيْحَة بن الجُلاح يَصِف النَّخْل:
هِيَ الظِّلُّ في الحَرِّ حَقُّ الظَّلِيـ
ـلِ، والمَنْظَرُ الأَحْسَنُ الأَجْمَلُ
قال ابن سيده: المعنى عندي هي الشيء الظَّلِيل، فوضع المصدر موضع الاسم.
وقوله عز وجل: وظَلَّلْنا عليكم الغَمامَ؛ قيل: سَخَّر اللهُ لهم
السحابَ يُظِلُّهم حتى خرجوا إِلى الأَرض المقدَّسة وأَنزل عليهم المَنَّ
والسَّلْوى، والاسم الظَّلالة. أَبو زيد: يقال كان ذلك في ظِلِّ الشتاء أَي في
أَوَّل ما جاء الشتاء. وفَعَلَ ذلك في ظِلِّ القَيْظ أَي في شِدَّة
الحَرِّ؛ وأَنشد الأَصمعي:
غَلَّسْتُه قبل القَطا وفُرَّطِه،
في ظِلِّ أَجَّاج المَقيظ مُغْبِطِه
(* قوله «غلسته إلخ» كذا في الأصل والاساس، وفي التكملة: تقدم العجز على
الصدر).
وقولهم: مَرَّ بنا كأَنَّه ظِلُّ ذئب أَي مَرَّ بنا سريعاً كَسُرْعَة
الذِّئب. وظِلُّ الشيءِ: كِنُّه. وظِلُّ السحاب: ما وَارَى الشمسَ منه،
وظِلُّه سَوادُه. والشمسُ مُسْتَظِلَّة أَي هي في السحاب. وكُلُّ شيء
أَظَلَّك فهو ظُلَّة. ويقال: ظِلٌّ وظِلالٌ وظُلَّة وظُلَل مثل قُلَّة وقُلَل.
وفي التنزيل العزيز: أَلم تَرَ إِلى رَبِّك كيف مَدَّ الظِّلَّ. وظِلُّ
كلِّ شيء: شَخْصُه لمكان سواده. وأَظَلَّني الشيءُ: غَشِيَني، والاسم منه
الظِّلُّ؛ وبه فسر ثعلب قوله تعالى: إِلى ظِلٍّ ذي ثَلاث شُعَب، قال:
معناه أَن النار غَشِيَتْهم ليس كظِلِّ الدنيا. والظُّلَّة: الغاشيةُ،
والظُّلَّة: البُرْطُلَّة. وفي التهذيب: والمِظَلَّة البُرْطُلَّة، قال:
والظُّلَّة والمِظَلَّة سواءٌ، وهو ما يُسْتَظَلُّ به من الشمس. والظُّلَّة:
الشيء يُسْتَتر به من الحَرِّ والبرد، وهي كالصُّفَّة. والظُّلَّة:
الصَّيْحة. والظُّلَّة، بالضم: كهيئة الصُّفَّة، وقرئ: في ظُلَلٍ على الأَرائك
مُتَّكئون، وفي التنزيل العزيز: فأَخَذَهُم عذابُ يَوْمِ الظُّلَّة؛
والجمع ظُلَلٌ وظِلال. والظُّلَّة: ما سَتَرك من فوق، وقيل في عذاب يوم
(*
قوله «وقيل في عذاب يوم إلخ» كذا في الأصل) الظُّلَّة، قيل: يوم
الصُّفَّة، وقيل له يوم الظُّلَّة لأَن الله تعالى بعث غَمامة حارّة فأَطْبَقَتْ
عليهم وهَلَكوا تحتها. وكُلُّ ما أَطْبَقَ عليك فهو ظُلَّة، وكذلك كل ما
أَظَلَّك. الجوهري: عذابُ يوم الظُّلَّة قالوا غَيْمٌ تحته سَمُومٌ؛ وقوله
عز وجل: لهم مِنْ فوقِهم ظُلَلٌ من النار ومن تحتهم ظُلَلٌ؛ قال ابن
الأَعرابي: هي ظُلَلٌ لمَنْ تحتهم وهي أَرض لهم، وذلك أَن جهنم أَدْرَاكٌ
وأَطباق، فبِساطُ هذه ظُلَّةٌ لمَنْ تحتَه، ثم هَلُمَّ جَرًّا حتى ينتهوا
إِلى القَعْر. وفي الحديث: أَنه ذكر فِتَناً كأَنَّها الظُّلَل؛ قل: هي
كُلُّ ما أَظَلَّك، واحدتها ظُلَّة، أَراد كأَنَّها الجِبال أَو السُّحُب؛
قال الكميت:
فكَيْفَ تَقُولُ العَنْكَبُوتُ وبَيتُها،
إِذا ما عَلَتْ مَوْجاً من البَحْرِ كالظُّلَل؟
وظِلالُ البحر: أَمواجُه لأَنها تُرْفَع فتُظِلُّ السفينةَ ومن فيها،
ومنه عذاب يوم الظُّلَّة، وهي سحابة أَظَلَّتْهم فَلَجؤوا إِلى ظِلِّها من
شِدَّة الحرّ فأَطْبَقَتْ عليهم وأَهْلَكَتْهم. وفي الحديث: رأَيت كأَنَّ
ظُلَّةً تَنْطِف السَّمْنَ والعَسَل أَي شِبْهَ السَّحَابة يَقْطُرُ
منها السَّمْنُ والعسلُ، ومنه: البقرةُ وآلُ عمران كأَنَّهما ظُلَّتانِ أَو
غَمامتان؛ وقوله:
وَيْحَكَ، يا عَلْقَمَةُ بنَ ماعِزِ
هَلْ لَكَ في اللَّواقِح الحَرَائزِ،
وفي اتِّباعِ الظُّلَل الأَوَارِزِ؟
قيل: يَعْني بُيوتَ السَّجْن. والمِظَلَّة والمَظَلَّة: بيوت الأَخبية،
وقيل: المِظَلَّة لا تكون إِلا من الثياب، وهي كبيرة ذات رُواقٍ، وربما
كانت شُقَّة وشُقَّتين وثلاثاً، وربما كان لها كِفَاءٌ وهو مؤخَّرها. قال
ابن الأَعرابي: وإِنما جاز فيها فتح الميم لأَنها تُنْقل بمنزلة البيت.
وقال ثعلب: المِظَلَّة من الشعر خاصة. ابن الأَعرابي: الخَيْمة تكون من
أَعواد تُسْقَف بالثُّمام فلا تكون الخيمة من ثياب، وأَما المَظَلَّة فمن
ثياب؛ رواه بفتح الميم. وقال أَبو زيد: من بيوت الأَعراب المَظَلَّة، وهي
أَعظم ما يكون من بيوت الشعر، ثم الوَسُوط نعت المَظَلَّة، ثم الخِباء
وهو أَصغر بيوت الشَّعَر. والمِظَلَّة، بالكسر: البيت الكبير من الشَّعَر؛
قال:
أَلْجَأَني اللَّيْلُ، وَرِيحٌ بَلَّه
إِلى سَوادِ إِبلٍ وثَلَّه،
وسَكَنٍ تُوقَد في مِظَلَّه
وعَرْشٌ مُظَلَّل: من الظِّلِّ. وقال أَبو مالك: المِظَلَّة والخباء
يكون صغيراً وكبيراً؛ قال: ويقال للبيت العظيم مِظَلَّة مَطْحُوَّة
ومَطْحِيَّة وطاحِيَة وهو الضَّخْم. ومَظَلَّة ومِظَلَّة: دَوْحة
(* قوله «ومظلة
دوحة» كذا في الأصل والتهذيب).
ومن أَمثال العرب: عِلَّةٌ ما عِلَّه أَوْتادٌ وأَخِلَّه، وعَمَدُ
المِظَلَّه، أَبْرِزُوا لصِهْرِكم ظُلَّه؛ قالته جارية زُوِّجَتْ رَجُلاً
فأَبطأَ بها أَهْلُها على زوجها، وجَعَلُوا يَعْتَلُّون بجمع أَدوات البيت
فقالت ذلك اسْتِحْثاثاً لهم؛ وقول أُمَيَّة بن أَبي عائذ الهذلي:
ولَيْلٍ، كأَنَّ أَفانِينَه
صَراصِرُ جُلِّلْنَ دُهْمَ المَظالي
إِنما أَراد المَظالَّ فخَفَّف اللام، فإِمَّا حَذَفها وإِمَّا
أَبْدَلَها ياءً لاجتماع المثلين لا سيما إِن كان اعتقد إِظهار التضعيف فإِنه
يزداد ثِقَلاً ويَنْكَسِر الأَول من المثلين فتدعو الكسرةُ إِلى الياء فيجب
على هذا القول أَن يُكْتب المَظالي بالياء؛ ومثْلُهُ سَواءً ما أَنشده
سيبويه لعِمْران بن حِطَّان:
قد كُنْتُ عِنْدَك حَوْلاً، لا يُرَوَّعُني
فيه رَوَائعُ من إِنْس ولا جانِ
وإِبدالُ الحرف أَسهلُ من حذفه. وكُلُّ ما أَكَنَّك فقد أَظَلَّكَ.
واسْتَظَلَّ من الشيء وبه وتَظَلَّل وظَلَّله عليه. وفي التنزيل العزيز:
وظَلَّلنا عليهم الغَمامَ.
والإِظْلالُ: الدُّنُوُّ؛ يقال: أَظَلَّك فلان أَي كأَنه أَلْقى عليك
ظِلَّه من قُرْبه. وأَظَلَّك شهرُ رمضان أَي دَنا منك. وأَظَلَّك فلان:
دَنا منك كأَنه أَلْقى عليك ظِلَّه، ثم قيل أَظَلَّك أَمرٌ. وفي الحديث:
أَنه خطب آخر يوم من شعبان فقال: أَيها الناس قد أَظَلَّكُمْ شَهْرٌ عظيم
أَي أَقْبَل عليكم ودَنا منكم كأَنه أَلْقى عليكم ظِلَّه. وفي حديث كعب ابن
مالك: فلما أَظَلَّ قادماً حَضَرَني بَثِّي. وفي الحديث: الجنَّةُ تحت
ظِلالِ السيوف؛ هو كناية عن الدُّنُوِّ من الضِّرب في الجهاد في سبيل الله
حتى يَعْلُوَه السيفُ ويَصِيرَ ظِلُّه عليه.
والظِّلُّ: الفَيْءُ الحاصل من الحاجز بينك وبين الشمس أَيَّ شيء كان،
وقيل: هو مخصوص بما كان منه إِلى الزوال، وما كان بعده فهو الفيء. وفي
الحديث: سَبْعَةٌ يُظِلُّهم اللهُ في ظِلِّ العرش أَي في ظِلِّ رحمته. وفي
الحديث الآخر: السُّلْطانُ ظِلُّ الله في الأَرض لأَنه يَدْفَع الأَذى عن
الناس كما يَدْفَع الظِّلُّ أَذى حَرِّ الشمس، قال: وقد يُكْنى بالظِّلِّ
عن الكَنَف والناحية. وأَظَلَّك الشيء: دَنا منك حتى أَلقى عليك ظِلُّه
من قربه. والظِّلُّ: الخَيال من الجِنِّ وغيرها يُرى، وفي التهذيب: شِبْه
الخيال من الجِنِّ، ويقال: لا يُجاوِزْ ظِلِّي ظِلَّك.
ومُلاعِب ظِلَّه: طائرٌ سمي بذلك. وهما مُلاعِبا ظِلِّهما ومُلاعِباتُ
ظِلِّهن، كل هذ في لغة، فإِذا جَعَلته نكرة أَخْرَجْتَ الظِّلَّ على
العِدَّةِ فقلت هُنَّ مُلاعِباتٌ أَظْلالَهُنَّ؛ وقول عنترة:
ولقد أَبِيتُ على الطَّوى وأَظَلُّه،
حتى أَنالَ به كَرِيمَ المأْكَل
أَراد: وأَظَلُّ عليه. وقولهم في المثل: لأَتْرُكَنَّه تَرْكَ ظَبْيٍ
ظِلَّه؛ معناه كما تَرَكَ ظَبْيٌ ظِله. الأَزهري: وفي أَمثال العرب: تَرَكَ
الظَّبْيُ ظِلَّه؛ يُضْرَب للرجل النَّفُور لأَن الظَّبْي إِذا نَفَر من
شيء لا يعود إِليه أَبداً، وذلك إِذا نَفَر، والأَصل في ذلك أَن
الظَّبْيَ يَكْنِس في الحَرّ فيأْتيه السامي فيُثِيره ولا يعود إِلى كِناسِه،
فيقال تَرَكَ الظَّبْيُ ظِلَّه، ثم صار مثلاً لكل نافر من شيء لا يعود
إِليه. الأَزهري: ومن أَمثالهم أَتيته حين شَدَّ الظََّّبْيُ ظِلَّه، وذلك
إِذا كَنَس نِصْف النهار فلا يَبْرَح مَكْنِسَه. ويقال: أَتيته حين
يَنْشُدُ الظَّبْيُ ظِلَّه أَي حين يشتدُّ الحَرُّ فيطلب كِناساً يَكْتَنُّ فيه
من شدة الحر. ويقال: انْتَعَلَتِ المَطايا ظِلالها إِذا انتصف النهار في
القَيْظ فلم يكُن لها ظِلٌّ؛ قال الراجز:
قد وَرَدَتْ تَمْشِي على ظِلالِها،
وذابَت الشَّمْس على قِلالها
وقال آخر في مثله:
وانْتَعَلَ الظِّلَّ فكان جَوْرَبا
والظِّلُّ: العِزُّ والمَنَعة. ويقال: فلان في ظِلِّ فلان أَي في ذَراه
وكَنَفه. وفلان يعيش في ظِلِّ فلان أَي في كَنَفه. واسْتَظَلَّ الكَرْمُ:
التَفَّتْ نَوامِيه.
وأَظَلُّ الإِنسان: بُطونُ أَصابعه وهو مما يلي صدر القَدَم من أَصل
الإِبهام إِلى أَصل الخِنْصَرِ، وهو من الإِبل باطن المَنْسِم؛ هكذا
عَبَّروا عنه ببطون؛ قال ابن سيده: والصواب عندي أَن الأَظَلَّ بطن الأُصبع؛
وقال ذو الرُّمَّة في مَنْسِم البعير:
دامي الأَظلِّ بَعِيد الشَّأْوِ مَهْيُوم
قال الأَزهري: سمعت أَعرابيّاً من طَيِّءٍ يقول لِلَحْمٍ رقيقٍ لازقٍ
بباطن المَنْسِم من البعير هو المُسْتَظِلاَّتُ، وليس في لحم البعير مُضْغة
أَرَقُّ ولا أَنعم منها غير أَنه لا دَسَم فيه. وقال أَبو عبيد في باب
سوء المشاركة في اهتمام الرجل بشأْن أَخيه: قال أَبو عبيدة إِذا أَراد
المَشْكُوُّ إِليه أَنه في نَحْوٍ مما فيه صاحبُه الشَّاكي قال له إِن
يَدْمَ أَظَلُّكَ فقد نَقِبَ خُفِّي؛ يقول: إِنه في مثل حالك؛ قال لبيد:
بنَكِيبٍ مَعِرٍ دامي الأَظَلّ
قال: والمَنْسِمُ للبعير كالظُّفُر للإِنسان. ويقال للدم الذي في الجوف
مُسْتَظِلُّ أَيضاً؛ ومنه قوله:
مِنْ عَلَق الجَوْفِ الذي كان اسْتَظَلّ
ويقال: اسْتَظَلَّت العينُ إِذا غارت؛ قال ذو الرمة:
على مُسْتَظِلاَّتِ العُيونِ سَوَاهِمٍ،
شُوَيْكِيَةٍ يَكْسُو بُرَاها لُغَامُها
ومنه قول الراجز:
كأَنَّما وَجْهُكَ ظِلٌّ من حَجَر
قال بعضهم: أَراد الوَقاحة، وقيل: إِنه أَراد أَنه أَسودُ الوجه. غيره:
الأَظَلُّ ما تحت مَنْسِم البعير؛ قال العَجَّاج:
تَشْكو الوَجَى من أَظْلَلٍ وأَظْلَل،
مِنْ طُولِ إِمْلالٍ وظَهْرٍ أَمْلَل
إِنما أَظهر التضعيف ضرورة واحتاج إِلى فَكِّ الإِدغام كقول قَعْنَب بن
أُمِّ صاحب:
مَهْلاً أَعاذِلَ، قد جَرَّبْتِ منْ خُلُقِي
أَنِّي أَجُودُ لأَقوامٍ، وإِنْ ضَنِنُوا
والجمع الظُّلُّ، عاملوا الوصف
(* قوله «عاملوا الوصف» هكذا في الأصل،
وفي شرح القاموس: عاملوه معاملة الوصف) أَو جمعوه جمعاً شاذّاً؛ قال ابن
سيده: وهذا أَسبق لأَني لا أَعرف كيف يكون صفة. وقولهم في المثل: لَكِنْ
على الأَثَلاثِ لَحْمٌ لا يُظَلَّل؛ قاله بَيْهَسٌ في إِخوته المقتولين
لما قالوا ظَلِّلوا لَحْمَ جَزُورِكم.
والظَّلِيلة: مُسْتَنْقَع الماء في أَسفل مَسِيل الوادي. والظَّلِيلة:
الرَّوْضة الكثيرة الحَرَجات، وفي التهذيب: الظَّلِيلة مُسْتَنْقَع ماءٍ
قليلٍ في مَسِيل ونحوه، والجمع الظَّلائل، وهي شبه حُفْرة في بطنِ مَسِيل
ماءٍ فينقطع السيل ويبقى ذلك الماء فيها؛ قال رؤبة:
غادَرَهُنَّ السَّيْلُ في ظَلائلا
(* قوله «غادرهن السيل» صدره كما في التكملة: بخصرات تنقع الغلائلا).
ابن الأَعرابي: الظُّلْظُل السُّفُن وهي المَظَلَّة. والظِّلُّ: اسم
فَرَس مَسْلمة بن عبد
المَلِك. وظَلِيلاء: موضع، والله أَعلم.
فرق: الفَرْقُ: خلاف الجمع، فَرَقه يَفْرُقُه فَرْقاً وفَرَّقه، وقيل:
فَرَقَ للصلاح فَرْقاً، وفَرَّق للإِفساد تَفْريقاً، وانْفَرَقَ الشيء
وتَفَرَّق وافْتَرقَ. وفي حديث الزكاة: لا يُفَرَّقُ
بين مجتمع ولا يجمع بين مُتَفَرِّق خشية الصدقة، وقد ذكر في موضعه
مبسوطاً، وذهب أَحمد أَن معناه: لو كان لرجل بالكوفة أَربعون شاةً وبالبصرة
أَربعون كان عليه شاتان لقوله لا يُجْمَعُ
بين مُتفرِّق، ولو كان له ببغداد عشرون وبالكوفة عشرون لا شيء عليه، ولو
كانت له إِبل متفرقة في بلْدانٍ شَتَّى إِن جُمِعَتْ وجب فيها الزكاة،
وإِن لم تجمع لم تجب في كل بلد لا يجب عليه فيها شيء. وفي الحديث:
البَيِّعَانِ بالخيار ما لم يَفْتَرِقَا
(* قوله «ما لم يفترقا» كذا في الأصل،
وعبارة النهاية: ما لم يتفرقا، وفي رواية: ما لم يفترقا)؛ اختلف الناس في
التَّفَرُّق الذي يصح ويلزم البيع بوجوبه فقيل: هو بالأَبدان، وإِليه ذهب
معظم الأَئمة والفقهاء من الصحابة والتابعين، وبه قال الشافعي وأَحمد،
وقال أَبو حنيفة ومالك وغيرهما: إِذا تعاقدا صحَّ البيع وإِن لم
يَفْتَرِقَا، وظاهر الحديث يشهد للقول الأَول، فإِن رواية ابن عمر في تمامه: أَنه
كان إِذا بايع رجلاً فأَراد أَن يتمّ البيعُ قام فمشى خَطَوات حتى
يُفارقه، وإِذا لم يُجْعَل التَّفَرُّق شرطاً في الانعقاد لم يكن لذكره فائدة،
فإِنه يُعْلَم أَن المشتري ما لم يوجد منه قبول البيع فهو بالخيار،
وكذلك البائع خيارُه ثابتٌ في ملكه قبل عقد البيع. والتَّفَرّقُ
والافْتِراقُ سواء، ومنهم من يجعل التَّفَرّق للأَبدان والافْتِراقَ في الكلام؛ يقال
فَرَقْت بين الكلامين فافْترقَا، وفَرَّقْتُ
بين الرجلين فَتَفَرّقا. وفي حديث عمر، رضي الله عنه: فَرِّقُوا عن
المَنِيَّة واجعلوا الرأْس رأْسين؛ يقول: إِذا اشتريتم الرقيق أَو غيره من
الحيوان فلا تُغَالوا في الثمن واشتروا بثمن الرأْس الواحد رأْسين، فإِن
مات الواحد بقي الآخر فكأَنكم قد فَرَّقتم مالكم عن المنيّة. وفي حديث ابن
عمر: كان يُفَرِّق بالشك ويجمع باليقين، يعني في الطلاق وهو أَن يحلف
الرجل على أَمر قد اختلف الناس فيه ولا يُعْلَم مَنِ المُصيبُ منهم فكان
يُفَرِّق بين الرجل والمرأَة احتياطاً فيه وفي أَمثاله من صور الشك، فإِن
تبين له بعد الشك اليقينُ
جَمَعَ بينهما. وفي الحديث: من فارَقَ الجماعة فَمِيتَتُه جاهليّة؛ يعني
أَن كل جماعة عَقَدت عَقْداً يوافق الكتاب والسنَّة فلا يجوز لأَحد أَن
يفارقهم في ذلك العقد، فإِن خالفهم فيه استحق الوعيد، ومعنى قوله فميتته
جاهلية أَي يموت على ما مات عليه أَهل الجاهلية من الضلال والجهل. وقوله
تعالى: وإِذ فَرَقْنا بكم البحر؛ معناه شققناه. والفِرْقُ: القِسْم،
والجمع أَفْراق. ابن جني: وقراءة من قرأَ فَرَّقنا بكم البحر، بتشديد الراء،
شاذة، من ذلك، أَي جعلناه فِرَقاً وأَقساماً؛ وأَخذتُ حقي منه
بالتَّفَارِيق.
والفِرْقُ: الفِلْق من الشيء إِذا انْفَلَقَ منه؛ ومنه قوله تعالى:
فانْفَلَق فكان كلُّ فِرْقٍ كالطَّوْد العظيم. التهذيب: جاءَ
تفسير فرقنا بكم البحر في آية أُخرى وهي قوله تعالى: وأَوحينا إِلى موسى
أَن اضرب بعصاك البحر فانْفَلَق فكان كل فِرْقٍ كالطود العظيم؛ أَراد
فانْفَرَق البحرُ فصار كالجبال العِظام وصاروا في قَرَاره. وفَرَق بين
القوم يَفْرُق ويَفْرِق. وفي التنزيل: فافْرُقْ بيننا وبين القوم الفاسقين؛
قال اللحياني: وروي عن عبيد بن عمير الليثي أَنه قرأَ فافْرِقْ بيننا،
بكسر الراء.
وفَرَّقَ
بينهم: كفَرَقَ؛ هذه عن اللحياني. وتَفَرَّق القوم تَفَرُّقاً
وتَفْرِيقاً؛ الأَخيرة عن اللحياني. الجوهري: فَرَقْتُ بين الشيئين أَفْرُق
فَرْقاً وفُرْقاناً وفَرَّقْتُ الشيءَ تَفْريقاً وتَفْرِقةً فانْفَرقَ
وافْتَرَقَ
وتَفَرَّق، قال: وفَرَقْتُ أَفْرُق بين الكلام وفَرَّقْتُ بين
الأَجسام، قال: وقول النبي، صلى الله عليه وسلم: البَيِّعان بالخيار ما لَم
يَتَفَرقا بالأَبدان، لأَنه يقال فَرَّقْتُ بينهما فَتَفَرَّقا. والفُرْقة:
مصدر الافْتِرَاقِ. قال الأَزهري: الفُرْقة اسم يوضع موضع المصدر الحقيقي
من الافْتِرَاقِ. وفي حديث ابن مسعود: صلَّيت مع النبي، صلى الله عليه
وسلم، بمنىً ركعتين ومع أَبي بكر وعمر ثم تَفَرَّقَتْ بكم الطُرُق، أَي ذهب
كل منكم إِلى مذهب ومَالَ إِلى قول وتركتم السُّنة.
وفارَقَ
الشيءَ مُفَارقةً وفِرَاقاً: بايَنَهُ، والاسم الفُرْقة. وتَفَارق
القومُ: فَارَقَ بعضهم بعضاً. وفَارَقَ فلان امرأَته مُفَارقةً وفِراقاً:
بايَنَها. والفِرْقُ
والفِرْقةُ والفَرِيقُ: الطائفة من الشيء المُتَفَرِّق. والفِرْقةُ:
طائفة من الناس، والفَرِيقُ أَكثر منه. وفي الحديث: أَفارِيق العرب، وهو جمع
أَفْراقٍَ، وأَفراقٌ جمع فِرْقةِ، قال ابن بري: الفَرِيقُ من الناس
وغيرهم فِرْقة منه، والفَرِيقُ المُفارِقُ؛ قال جرير:
أَتَجْمعُ قولاً بالعِراقِ فَرِيقُهُ،
ومنه بأَطْلالِ الأَرَاكِ فَرِيقُ؟
قال: وأَفْرَاق جمع فِرَقٍ، وفِرَقٌ جمع فِرْقةٍ، ومثله فِيقَةٌ وفِيَق
وأَفْواق وأَفَاويق. والفِرْقُ: طائفة من الناس، قال: وقال أَعرابي
لصبيان رآهم: هؤُلاء فِرْقُ سوء. والفَرِيقُ الطائفة من الناس وهم أَكثر من
الفِرْقِ، ونيَّة فَرِيقٌ: مُفَرَّقة؛ قال:
أَحَقّاً أَن جِيرتَنَا اسْتَقَلُّوا؟
فَنِيَّتُنا ونِيَّتُهُمْ فَرِيقُ
قال سيبويه: قال فَرِيقٌ كما تقول للجماعة صَدِيق. وفي التنزيل: عن
اليمين وعن الشمال قَعيدٌ؛ وقول الشاعر:
أَشهدُ بالمَرْوَةِ يوماً والصَّفَا،
أَنَّكَ خيرٌ من تَفارِيقِ العَصَا
قال ابن الأَعرابي: العصا تكسر فيتخذ منها ساجُورٌ، فإِذا كُسر
السَّاجُور اتُّخِذَت منه الأَوْتادُ: فإِذا كُسر الوَتِد اتخذت منه التَّوَادِي
تُصَرُِّ بِهَا الأَخْلاف. قال ابن بري: والرجز لغنية الأَعرابية، وقيل
لامرأَة قالتهما في ولدها وكان شديد العَرَامة مع ضعف أَسْرٍ ودِقَّةٍ،
وكان قد واثب فَتىً فقطع أَنفه فأَخذت أُمه دِيَتَه، ثم واثب آخر فقطع شفته
فأَخذت أُمه ديتها، فصلحت حالها فقالت البيتين تخاطبه بهما.
والفَرْقُ: تَفْرِيقُ
ما بين الشيئين حين يَتَفَرَّقان. والفَرْقُ: الفصل بين الشيئين. فَرَقَ
يَفْرُقُ فَرْقاً: فصل: وقوله تعالى: فالفَارِقاتِ فَرْقاً، قال ثعلب:
هي الملائكة تُزَيِّل بين الحلال والحرام. وقوله تعالى: وقرآناً
فَرَقْناه، أَي فصلناه وأَحكمناه، مَنْ خفَّف قال بَيَّناه من فَرَقَ يَفْرُق،
ومن شدَّد قال أَنزلناه مُفَرَّقاً في أَيامٍ. التهذيب: قرئَ فَرَّقْناه
وفَرَقْناهُ، أَنزل الله تعالى القرآن جملةً إِلى سماءِ الدنيا ثم نزل
على النبي، صلى الله عليه وسلم، في عشرين سنة، فَرَّقةُ الله في التنزيل
ليفهمه الناس. وقال الليث: معناه أَحكمناه كقوله تعالى: فيها يُفَرَّقُ
كل أَمر حكيم؛ أَي يُفَصَّل، وقرأَه أَصحاب عبد الله مخففاً، والمعنى
أَحكمناه وفصلناه. وروي عن ابن عباس فَرَّقْناه، بالتثقيل، يقول لم ينزل في
يوم ولا يومين نزل مُتَفَرِّقاً، وروي عن ابن عباس أَيضاً فَرَقْناه
مخففة. وفَرَقَ الشعرَ
بالمشط يَفرُقُه ويَفْرِقُه فَرْقاً وفَرَّقه: سَرَّحه. والفَرْقُ: موضع
المَفْرِق من الرأْس. وفَرْقُ الرأْس: ما بين الجبين إِلى الدائرة؛ قال
أَبو ذؤيب:
ومَتْلَف مثل فَرْقِ الرأْس تَخْلُجُه
مَطَارِبٌ زَقَبٌ، أَمْيالُها فِيحُ
شبّهه بفَرْقِ الرأْس في ضيقه، ومَفْرِقُه ومَفْرَقُه كذلك: وسط رأْسه.
وفي حديث صفة النبي، صلى الله عليه وسلم: إِن انْفَرَقَتْ عَفِيقَتُه
فَرَقَ
وإِلاَّ فلا يبلغ شعرُه شَحْمة أُذنه إِذا هو وَفَّرَه أَي إِن صار شعره
فِرْقَيْن بنفسه في مَفْرقه تركه، وإِن لم يَنْفَرِقْ لم يَفْرِقْه؛
أَراد أَنه كان لا يَفْرُق شعره إِلاَّ يَنْفَرِق هو، وهكذا كان أَول الأَمر
ثم فَرَقَ. ويقال للماشطة: تمشط كذا وكذا فَرْقاً أَي كذا وكذا ضرباً.
والمَفْرَق والمَفْرِقُ: وسط الرأْس وهو الذي يُفْرَقُ فيه الشعر، وكذلك
مَفْرَق الطريق. وفَرَقَ له عن الشيء: بيَّنه له ؛ عن ابن جني.
ومَفْرِقُ الطريق ومَفْرَقُه: مُتَشَعَّبُه الذي يَتَشَعَّب منه طريق آخر، وقولهم
للمَفِْرِق مَفَارِق كأَنهم جعلوا كل موضع منه مَفْرِقاً فجمعوه على
ذلك. وفَرَقَ له الطريق أَي اتجه له طريقان.
والفَرَقُ في النبات: أَن يَتَفرَّق قِطَعاً من قولهم أَرض فَرِقَةٌ في
نبتها، فَرَق على النسب لأَنه لا فعل له، إِذا لم تكن
(* الضمير يعود
إِلى الأرض الفَرِقة.) واصبَةً متصلة النبات وكان مُتَفَرِّقاً. وقال أَبو
حنيفة: نبت فَرِقٌ صغير لم يغطِّ الأَرض. ورجل أَفْرقُ: للذي ناصيته
كأَنها مَفْروقة، بيِّن الفَرَق
(* بيّن الفرق أي الرجل الأَفرق)، وكذلك
اللحية، وجمع الفَرَق أَفْراق؛ قال الراجز:
يَنْفُضُ عُثْنوناً كثيرَ الأَفْرَاقْ،
تَنْتِحُ ذِفْراهُ بمثل الدِّرْياقْ
الليث: الأَفْرقُ
شبه الأفْلَج إِلاَّ أَن الأَفْلَج زعموا ما يفلّج، والأَفْرَقُ خِلْقة.
والفرقاءُ من الشاءِ: البعيدة ما بين الخصيتين. ابن سيده: الأَفْرقُ:
المتباعد ما بين الثَّنِيَّتَيْنِ. وتَيْس أَفْرَقُ: بعيد ما بين
القَرْنَيْن. وبعير أَفْرَقُ: بعيد ما بين المَنْسِمَيْنِ. وديك أَفْرَقُ: ذو
عُرْفَيْنِ للذي عُرْفُه مَفْروق، وذلك لانفراج ما بينهما. والأفْرَقُ من
الرجال: الذي ناصيته كأَنها مفروقة، بيِّن الفَرَقِ، وكذلك اللحية، ومن
الخيل الذي إِحدى ورِكَيْهِ
شاخصة والأُخرى مطمئنة، وقيل: الذي نقصت إِحدى فخذيه عن الأُخرى وهو
يكره، وقيل: هو الناقص إِحدى الوركين؛ قال:
ليسَتْ من الفُرْقِ البِطاءِ دَوْسَرُ
وأَنشده يعقوب: من القِرْقِ البطاء، وقال: القِرْقُ الأَصل، قال ابن
سيده: ولا أَدري كيف هذه الرواية. وفي التهذيب: الأَفْرَقُ من الدواب الذي
إِحدى حَرْقَفَتَيْهِ شاخصة والأُخرى مطمئنة. وفرس أَفْرَقُ: له خصية
واحدة، والاسم الفَرَقُ من كل ذلك، والفعل من كل ذلك فَرِقَ فَرَقاً.
والمَفْروقان من الأَسباب: هما اللذان يقوم كل واحد منهما بنفسه أَي
يكون حرف متحرك وحرف ساكن ويتلوه حرف متحرك نحو مُسْتَفْ من مُسْتَفْعِلُنْ،
وعِيلُنْ من مَفاعِيلُنْ.
والفُرْقانُ: القرآن. وكل ما فُرِقَ
به بينْ الحق والباطل، فهو فُرْقان، ولهذا قال الله تعالى: ولقد آتينا
موسى وهرون الفرقان. والفُرْق أَيضاً: الفُرْقان ونظيره الخُسْر
والخُسْران؛ وقال الراجز:
ومُشْرِكيّ كافر بالفُرْقِ
وفي حديث فاتحة الكتاب: ما أُنزل في التوراة ولا الإِنجيل ولا الزَّبُور
ولا الفُرْقانِ مِثْلُها؛ الفُرْقان: من أَسماء القرآن أَي أَنه فارِقٌ
بين الحق والباطل والحلال والحرام. ويقال: فَرَقَ بين الحق والباطل،
ويقال أَيضاً: فَرَقَ بين الجماعة؛ قال عدي بن الرِّقاع:
والدَّهْرُ يَفْرُقُ بين كلِّ جماعةٍ،
ويَلُفّ بين تَباعُدٍ وَتَناءِ
وفي الحديث: محمدٌ فَرْقٌ بين الناس أَي يَفْرُقُ بين المؤمنين
والكافرين بتصديقه وتكذيبه. والفُرْقان: الحُجّة. والفُرْقان: النصر. وفي
التنزيل: وما أَنزلنا على عبدنا يوم الفُرْقان، وهو يوم بَدْرٍ لأَن الله
أَظْهَرَ
من نَصْره ما كان بين الحق والباطل. التهذيب وقوله تعالى: وإِذ آتينا
موسى الكتاب والفُرْقان لعلكم تهتدون، قال: يجوز أَن يكونَ الفُرْقانُ
الكتاب بعينه وهو التوراة إِلا أَنه أُعِيدَ ذكره باسم غير الأَول، وعنى به
أَنه يَفْرُقُ بين الحق والباطل، وذكره الله تعالى لموسى في غير هذا
الموضع فقال تعالى: ولقد آتينا موسى وهرون الفُرْقانَ وضياء؛
أَراد التوراة فسَمّى جلّ ثناؤه الكتاب المنزل على محمد، صلى الله عليه
وسلم، فُرْقاناً وسمى الكتاب المنزل على موسى، صلى الله عليه وسلم،
فُرْقاناً، والمعنى أَنه تعالى فَرَقَ بكل واحد منهما بين الحق والباطل، وقال
الفراء: آتينا موسى الكتاب وآتينا محمداً الفُرْقانَ، قال: والقول الذي
ذكرناه قبله واحتججنا له من الكتاب بما احتججنا هو القول.
والفَارُوقُ: ما فَرَّقَ بين شيئين. ورجل فارُوقٌ: يُفَرِّقُ ما بين
الحق والباطل. والفارُوقُ: عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، سماه الله به
لتَفْريقه بين الحق والباطل، وفي التهذيب: لأَنه ضرب بالحق على لسانه في حديث
ذكره، وقيل: إِنه أَظهر الإِسلام بمكة فَفَرَّقَ بين الكفر والإِيمان؛
وقال الفرزدق يمدح عمر بن عبد العزيز:
أَشْبَهْتَ من عُمَرَ الفارُوقِ سِيرَتَهُ،
فاقَ البَرِيَّةَ وأْتَمَّتْ به الأُمَمُ
وقال عتبة بن شماس يمدح عمر بن عبد العزيز أَيضاً:
إن أَوْلى بالحقّ في كلّ حَقٍّ،
ثم أَحْرَى بأَن يَكُونَ حَقِيقا،
مَنْ أَبوهُ عبدُ العَزِيزِ بنُ مَرْوا
نَ، ومَنْ كان جَدُّه الفارُوقا
والفَرَقُ: ما انفلق من عمود الصبح لأَنه فارَقَ سواد الليل، وقد
انْفَرَقَ، وعلى هذا أَضافوا فقالوا أَبْين من فَرَق الصبح، لغة في فَلَق
الصبح، وقيل: الفَرَقُ الصبح نفسه. وانْفَرَقَ الفجرُ وانْفَلَق، قال: وهو
الفَرَق والفَلَقُ للصبح؛ وأَنشد:
حتى إِذا انْشَقَّ عن إِنسانه فَرَقٌ،
هادِيهِ في أُخْرَياتِ الليلِ مُنْتَصِبُ
والفارِقُ من الإِبل: التي تُفارق إِلْفَها فَتَنْتَتِجُ وحدها، وقيل:
هي التي أَخذها المَخاض فذهبت نادَّةً في الأَرض، وجمعها فُرَّق وفَوارِق،
وقد فَرَقَتْ تَفْرُق فُروقاً، وكذلك الأَتان؛ وأَنشد الأَصمعي لعُمارة
بن طارق:
اعْجَلْ بغَرْبٍ مثل غَرْبِ طارقِ،
ومَنْجَنُون كالأَتان الفارق،
من أَثْلِ ذاتِ العَرْض والمَضايقِ
قال: وكذلك السحابة المنفردة لا تخلف وربما كان قبلها رعد وبرق؛ قال ذو
الرمة:
أَو مُزْنَة فارِق يَجْلُو غوارِبَها
تَبوُّجُ البرقِ والظلماءُ عُلْجُومُ
الجوهري: وربما شبهوا السحابة التي تنفرد من السحاب بهذه الناقة فيقال
فارق. وقال ابن سيده: سحابة فارِقٌ منقطعة من معظم السحاب تشبه بالفارِقِ
من الإِبل؛ قال عبد بني الحَسْحاسِ يصف سحاباً:
له فُرَّقٌ منه يُنَتَّجْنَ حَوْلَهُ،
يفَقِّئْنَ بالمِيثِ الدِّماثِ السَّوابيا
فجعل له سوابي كسوابي الإِبل اتساعاً في الكلام، قال ابن بري: ويجمع
أَيضاً على فُرَّاق؛ قال الأَعشى:
أَخرجَتْه قَهْباءُ مُسْبِلةُ الوَدْ
قِ رَجُوسٌ، قدَّامَها فُرّاقُ
ابن الأَعرابي: الفارقُ من الإِبل التي تشتد ثم تُلْقي ولدها من شدة ما
يمرّ بها من الوجع. وأَفْرَقَتِ الناقة: أَخرجت ولدها فكأَنها فارَقَتْه.
وناقة مُفْرق: فارقها ولدها، وقيل: فارقها بموت، والجمع مَفارِيق. وناقة
مُفْرِق: تمكث سنتين أَو ثلاثاً لا تَلْقَح. ابن الأَعرابي: أَفْرَقْنا
إِبلَنا لعام إِذا خلَّوْها في المرعى والكلإِ لم يُنْتِجوها ولم
يُلْقِحوها. قال الليث: والمطعون إِذا برأَ قيل أَفْرَق يُفْرِقُ إِفْراقاً. قال
الأَزهري: وكل عَليلٍ أَفاق من علته، فقد أَفْرَقَ. وأَفْرَقَ المريضُ
والمحْموم: برأَ، ولا يكون إِلا من مرض يصيب الإِنسان مرة واحدة
كالجُدَرِيّ والحَصْبة وما أَشبههما. وقال اللحياني: كل مُفِيقٍ من مرضه مُفْرق
فعَمّ بذلك. قال أَعرابي لآخر: ما أَمَارُ إِفْراقِ المَوْرود؟ فقال:
الرُّحَضاءُ؛ يقول: ما علامة برء المحموم، فقال العَرَق. وفي الحديث: عُدّوا
مَنْ أَفْرقَ من الحيّ أَي من برأَ من الطاعون.
والفِرْقُ، بالكسر: القطيع من الغنم والبقر والظباء العظيمُ، وقيل: هو
ما دون المائة من الغنم؛ قال الراعي:
ولكنما أَجْدَى وأَمْتَعَ جَدُّهُ
بفِرْق يُخَشِّيه، بِهَجْهَجَ، ناعِقُهْ
يهجو بهذا البيت رجلاً من بني نُميرٍ اسمه قيس بن عاصم النُّميري يلقب
بالحَلالِ، وكان عَيَّره بإِبله فهجاه الراعي وعَيَّره أَنه صاحب غنم ومدح
إِبله، يقول أَمْتَعَهُ جدُّه أَي حظه بالغنم وليس له سواها؛ أَلا ترى
إِلى قوله قبل هذا البيت:
وعَيَّرَني الإِبْلَ الحَلالُ، ولم يَكُنْ
ليَجْعَلَها لابن الخَبِيثَةِ خالقُه
والفَريقةُ: القطعة من الغنم. ويقال: هي الغنم الضالة؛ وهَجْهَجْ: زجر
للسباع والذِّئاب، والناعق: الراعي. والفَريقُ: كالفِرْقِ. والفِرْقُ
والفَريقُ من الغنم: الضالة. وأَفْرَقَ فلانٌ غنمه: أَضلَّها وأَضاعها.
والفَريقةُ من الغنم: أَن تتفرق منها قطعة أَو شاة أَو شاتان أَو ثلاث شياه
فتذهب تحت الليل عن جماعة الغنم؛ قال كثيِّر:
وذِفْرى ككاهِلِ ذِيخِ الخَلِيف،
أَصاب فَرِيقةَ ليلٍ فعاثَا
وفي الحديث: ما ذِئْبانِ عادِيانِ أَصابا فَريقة غنمٍ؛ الفَرِيقةُ:
القطعة من الغنم تَشِذّ عن معظمها، وقيل: هي الغنم الضالة. وفي حديث أَبي ذر:
سئل عن ماله فقال فِرْقٌ لنا وذَوْدٌ؛ الفِرْقُ القطعة من الغنم. وقال
ابن بري في بيت كثيِّر: والخَلِيفُ الطريق بين الجبلين؛ وصواب إِنشاده
بذفرى لأَن قبله:
تُوالي الزِّمامَ، إِذا ما وَنَتْ
ركائِبُها، واحْتُثِثْنَ احْتِثاثا
ابن سيده: والفِرْقَةُ من الإِبل، بالهاء، ما دون المائة.
والفَرَقُ، بالتحريك: الخوف. وفَرِقَ منه، بالكسر، فَرَقاً: جَزِع؛ وحكى
سيبويه فَرِقَه على حذف من؛ قال حين مثّل نصب قولهم: أَو فَرَقاً خيراً
من حُبّ أَي أَو أَفْرَقُكَ فَرَقاً. وفَرِقَ عليه: فزع وأَشفق؛ هذه عن
اللحياني. ورجل فَرِقٌ وفَرُق وفَرُوق وفَرُوقَةٌ وفَرُّوق وفَرُّوقةٌ
وفاروق وفارُوقةٌ: فَزِعٌ شديد الفَرَق؛ الهاء في كل ذلك ليست لتأْنيث
الموصوف بما هي فيه إِنما هي إِشعار بما أُريد من تأْنيث الغاية والمبالغة.
وفي المثل: رُبَّ عَجَلة تَهَبُ رَيْثاً ورب فَرُوقةٍ يُدْعى ليْثاً؛
والفَرُوقة: الحُرْمة؛ وأَنشد:
ما زالَ عنه حُمْقُه ومُوقُه
واللؤْمُ، حتى انْتُهكتْ فَروقُه
وامرأَة فَرُوقة ولا جمع له؛ قال ابن بري: شاهد رجلٌ فَرُوقَة للكثير
الفزع قول الشاعر:
بَعَثْتَ غلاماً من قريشٍ فَرُوقَةً،
وتَتْرُك ذا الرأْي الأَصيلِ المُهَلَّبا
وقال مُوَيلك المَرْموم:
إِنِّي حَلَلْتُ، وكنتُ جدّ فَرُوقة،
بلداً يمرُّ به الشجاعُ فَيَفْزَعُ
قال: ويقال للمؤنث فَرُوقٌ أَيضاً؛ شاهده قول حميد بن ثور:
رَأَتْني مُجَلِّيها فصَدَّتْ مَخافَةً،
وفي الخيل رَوْعاءُ الفُؤادِ فَرُوقُ
وفي حديث بدء الوحي: فَجُئِثْتُ منه فَرَقاً؛ هو بالتحريك الخوف والجزع.
يقال: فَرِقَ يَفْرَقُ فَرَقاً، وفي حديث أَبي بكر: أَباللهِ
تُفَرِّقُني؟ أَي تخوِّفني. وحكى اللحياني: فَرَقْتُ الصبيّ إِذا رُعْتَه وأَفزعته؛
قال ابن سيده: وأراها فَرَّقت، بتشديد الراء، لأَن مثل هذا يأْتي على
فَعَّلت كثيراً كقولك فَزّعت ورَوَّعت وخوَّفت. وفارَقَني ففَرَقْتُه
أَفْرُقُه أَي كنت أَشد فَرَقاً منه؛ هذه عن اللحياني حكاه عن الكسائي. وتقول:
فَرِقْتُ منك ولا تقل فَرِقْتُكَ.
وأَفْرَقَ الرجلُ والطائر والسبع والثعلب:: سَلَحَ؛ أَنشد اللحياني:
أَلا تلك الثَّعالبُ قد تَوَِالَتْ
عليَّ، وحالَفَتْ عُرْجاً ضِباعا
لتأْكلني، فَمَرَّ لهنَّ لَحْمِي،
فأَفْرَقَ، من حِذَاري، أَو أَتاعا
قال: ويروى فأَذْرَقَ، وقد تقدم.
والمُفْرِقُ: الغاوِي على التشبيه بذلك أَو لأَنه فارَق الرُّشد،
والأَول أَصح؛ قال رؤْبة:
حتى انتهى شيطانُ كلّ مُفْرِق
والفَريقةُ: أَشياء تخلط للنفساء من بُرّ وتمر وحُلْبة، وقيل: هو تمر
يطبخ بحلبة للنفساء؛ قال أَبو كبير:
ولقدْ ورَدْتُ الماء، لَوْنُ جِمامِهِ
لَوْنُ الفَرِيقَةِ صُفِّيَتْ للمُدْنَفِ
قال ابن بري: صوابه ولقد ورَدتَ الماء، بفتح التاء، لأَنه يخاطب
المُرِّيّ. وفي الحديث: أَنه وصف لسعد في مرضه الفَريقةَ؛ هي تمر يطبخ بحلبة وهو
طعام يعمل للنفساء.
والفَرُوقة: شحم الكُلْيَتَيْنِ؛ قال الراعي:
فبتْنَا، وباتَتْ قِدْرُهُمْ ذاتَ هِزَّةٍ،
يُضِيءُ لنا شحمُ الفَرُوقةِ والكُلَى
وأَنكر شمر الفَروقة بمعنى شحم الكليتين. وأَفرقوا إِبلهم: تركوها في
المرعى فلم يُنْتِجوها ولم يُلقحوها. والفَرْقُ: الكتَّان؛ قال:
وأَغْلاظ النُّجوم مُعَلَّقات
كحبل الفَرْقِ ليس له انتِصابُ
والفَرْق والفَرَقُ: مكيال ضخم لأَهل المدينة معروف، وقيل: هو أَربعة
أَرباع، وقيل: هو ستة عشر رطلاً؛ قال خِدَاشُ بن زهير:
يأْخُذونَ الأَرْشَ في إِخْوَتِهِم،
فَرَقَ السَّمْن وشاةً في الغَنَمْ
والجمع فُرْقان، وهذا الجمع قد يكون للساكن والمتحرك جميعاً، مثل بَطْن
وبُطْنان وحَمَل وحُمْلان؛ وأَنشد أَبو زيد:
تَرْفِدُ بعد الصَّفِّ في فُرْقان
قال: والصَّفُّ أَن تَحْلُبَ في مِحْلَبَيْنِ أَو ثلاثة تَصُفّ بينها.
وفي الحديث: أَن النبي، صلى الله عليه وسلم، كان يتوضأُ بالمُدِّ ويغتسل
بالصاع، وقالت عائشة: كنت أَغتسل معه من إِناء يقال له الفَرَقُ؛ قال
أَبو منصور: والمحدِّثون يقولون الفَرْق، وكلام العرب الفَرَق؛ قال ذلك
أَحمد بن يحيى وخالد بن يزيد وهو إِناء يأْخذ ستة عشر مُدّاً وذلك ثلاثة
أَصْوُعٍ. ابن الأَثير: الفَرَقُ، بالتحريك، مكيال يسع ستة عشر رطلاً وهي
اثنا عشر مُدّاً، وثلاثة آصُعٍ عند أَهل الحجاز، وقيل: الفَرَق خمسة أَقساط
والقِسْط نصف صاع، فأَما الفَرْقُ، بالسكون، فمائة وعشرون رطلاً؛ ومنه
الحديث: ما أَسْكَرَ منه الفَرْقُ فالحُسْوةُ منه حرام؛ وفي الحديث الآخر:
من استطاع أَن يكون كصاحب فَرْقِ الأَرُزّ فليكن مثله؛ ومنه الحديث: في
كلِّ عشرةِ أَفْرُقِ عسلٍ فَرَقٌ؛ الأَفْرُق جمع قلة لفَرَقٍ كجبَلٍ
وأَجْبُل. وفي حديث طَهْفة: بارَكَ الله لهم في مَذْقِها وفِرْقِها، وبعضهم
يقوله بفتح الفاء، وهو مكيال يكال به اللبن
(* قوله «يكال به اللبن» الذي
في النهاية: البرّ). والفُرقان والفُرْقُ: إِناء؛ أَنشد أَبو زيد:
وهي إِذا أَدَرَّها العَيْدان،
وسطَعَت بمُشْرِفٍ شَبْحان،
تَرْفِدُ بعد الصَّفِّ في الفُرْقان
أَراد بالصَّفّ قَدَحَيْن، وقال أَبو مالك: الصف أَن يصفَّ بين القدحين
فيملأهما. والفُرقان: قدحان مفترقان، وقوله بمشرف شبحان أَي بعنق طويل؛
قال أَبو حاتم في قول الراجز:
ترفد بعد الصف في الفرقان
قال: الفُرْقان جمع الفَرْق، والفَرْق أَربعة أَرباع، والصف أَن تصفَّ
بين محلبين أَو ثلاثة من اللبن.
ابن الأَعرابي: الفِرْق الجبل والفِرْق الهَضْبة والفِرْق المَوْجة.
ويقال: وَقَّفْتُ فلاناً على مَفارِقِ الحديث أَي على وجوهه. وقد
فارَقْتُ فلاناً من حسابي على كذا وكذا إِذا قطعتَ الأَمر بينك وبينه على أَمر
وقع عليه اتفاقكما، وكذلك صادَرْتُه على كذا وكذا.
ويقال: فَرَقَ لي هذا الأَمرُ يَفْرُقُ فُرُوقاً إِذا تبين ووضح.
والفَرِيقُ: النخلة يكون فيها أُخرى؛ هذه عن أَبي حنيفة.
والفَرُوق: موضع؛ قال عنترة:
ونحن مَنَعْنا، بالفَرُوقِ، نساءَكُمْ
نُطَرِّف عنها مُبْسِلاتٍ غَوَاشِيا
والفُرُوق: موضع في ديار بني سعد؛ أَنشد رجل منهم:
لا بارَكَ اللهُ على الفُرُوقِ،
ولا سَقاها صائبَ البُرُوقِ
وفي حديث عثمان: قال لخَيْفان كيف تركتَ أَفارِيق العرب؟ هو جمع
أَفْراق، وأَفْراقٌ جمع فِرْق، والفِرْق والفَرِيقُ والفِرْقةُ بمعنى. وفَرَقَ
لي رأْيٌ أَي بدا وظهر. وفي حديث ابن عباس: فَرَقَ لي رأْيٌ أَي ظهر، وقال
بعضهم: الرواية فُرِقَ، على ما لم يسمَّ فاعله.
ومَفْروق: لقب النعمان بن عمرو، وهو أَيضاً اسم. ومَفْرُوق: اسم جبل؛
قال رؤبة:
ورَعْنُ مَفْرُوقٍ تَسامى أُرَّمُهْ
وذاتُ فِرقَيْن التي في شعر عَبيد بن الأَبرص: هَضْبة بين البصرة
والكوفة؛ والبيت الذي في شعر عبيد هو قوله:
فَرَاكِسٌ فَثُعَيْلَباتٌ،
فذاتُ فِرْقَيْنِ فالقَليبُ
وإفْريقيَةُ: اسم بلاد، وهي مخففة الياء؛ وقد جمعها الأَحوص على
أَفارِيق فقال:
أَين ابنُ حَرْبٍ ورَهْطٌ لا أَحُسُّهُمُ؟
كانواعلينا حَديثاً من بني الحَكَمِ
يَجْبُونَ ما الصِّينُ تَحْوِيهِ، مَقانِبُهُمْ
إلى الأَفارِيق من فخصْحٍ ومن عَجَمِ
ومُفَرِّقُ الغنم: هو الظِّرِبان إذا فَسا بينها وهي مجتمعة تفرقت. وفي
الحديث في صفته، عليه السلام: أَن اسمه في الكتب السالفة فَارِق لِيطا
أَي يَفْرُقُ بين الحق والباطل. وفي الحديث: تأتي البقرة وآل عمران كأنهما
فِرْقانِ من طير صَوافّ أَي قطعتان.