بضم أوّله، وسكون ثانيه، وتاء مثناة من فوق مفتــوحة، وغين معجمة ساكنة، وفاء مفتــوحة، وآخره نون: من قرى سمرقند أيضا.
بضم أوّله، وسكون ثانيه، وتاء مثناة من فوق مفتــوحة، وغين معجمة ساكنة، وفاء مفتــوحة، وآخره نون: من قرى سمرقند أيضا.
زنقب: زُنْقُبٌ: ماءٌ بعينه؛ قال:
شَرْجٌ رَواءٌ لَـكُما، وزُنْقُبُ، * والنَّبَوانُ قَصَبٌ مُثَقَّبُ
النَّبَوانُ: ماءٌ أَيضاً. والقَصَب هنا: مَخارجُ ماءِ العُيونِ.
ومُثَقَّبٌ: مفتــوحٌ، يَخْرُجُ منه الماءُ؛ وقيل يَتَثَقَّبُ بالماءِ، وهو تعبير ضعيف، لأَن الراجز إِنما قال مُثَقَّب لا مُتَثَقِّبٌ، فالـحُكْمُ أَن
يُعَبَّر عن اسم المفعول بالفعل المصوغ للمفعُول.
ظهر: الظَّهْر من كل شيء: خِلافُ البَطْن. والظَّهْر من الإِنسان: من
لَدُن مُؤخَّرِ الكاهل إِلى أَدنى العجز عند آخره، مذكر لا غير، صرح بذلك
اللحياني، وهو من الأَسماء التي وُضِعَت مَوْضِعَ الظروف، والجمع أَظْهُرٌ
وظُهور وظُهْرانٌ. أَبو الهيثم: الظَّهْرُ سِتُّ فقارات، والكاهلُ
والكَتَِدُ ستُّ فقارات، وهما بين الكتفين، وفي الرَّقبَة ست فقارات؛ قال أَبو
الهيثم: الظَّهْر الذي هو ست فِقَرٍ يكْتَنِفُها المَتْنانِ، قال
الأَزهري: هذا في البعير؛ وفي حديث الخيل: ولم يَنْسَ حقَّ الله في رِقابِها
ولا ظُهورها؛ قال ابن الأَثير: حَقُّ الظهورِ أَن يَحْمِلَ عليها
مُنْقَطِعاً أَو يُجاهدَ عليها؛ ومنه الحديث الآخر: ومِنْ حَقِّها إِفْقارُ
ظَهْرِها. وقَلَّبَ الأَمرَ ظَهْراً لِبَطْنٍ: أَنْعَمَ تَدْبِيرَه، وكذلك يقول
المُدَبِّرُ للأَمر. وقَلَّبَ فلان أَمْره ظهراً لِبَطْنٍ وظهرَه
لِبَطْنه وظهرَه لِلْبَطْنِ؛ قال الفرزدق:
كيف تراني قالباً مِجَنّي،
أَقْلِبُ أَمْرِي ظَهْرَه لِلْبَطْنِ
وإِنما اختار الفرزدق ههنا لِلْبَطْنِ على قوله لِبَطْنٍ لأَن قوله
ظَهْرَه معرفة، فأَراد أَن يعطف عليه معرفة مثله، وإِن اختلف وجه التعريف؛
قال سيبويه: هذا باب من الفعل يُبْدَل فيه الآخر من الأَول يَجْرِي على
الاسم كما يَجْرِي أَجْمعون على الاسم، ويُنْصَبُ بالفعل لأَنه مفعول،
فالبدل أَن يقول: ضُرب عبدُالله ظَهرهُ وبَطنُه، وضُرِبَ زَيدٌ الظهرُ
والبطنُ، وقُلِبَ عمرو ظَهْرُه وبطنُه، فهذا كله على البدل؛ قال: وإِن شئت كان
على الاسم بمنزلة أَجمعين، يقول: يصير الظهر والبطن توكيداً لعبدالله كما
يصير أَجمعون توكيداً للقوم، كأَنك قلت: ضُرِبَ كُلّه؛ قال: وإِن شئت
نصبت فقلت ضُرِب زيدٌ الظَّهرَ والبطنَ، قال: ولكنهم أَجازوا هذا كما
أَجازوا دخلت البيتَ، وإِنما معناه دخلت في البيت والعامل فيه الفعل، قال: وليس
المنتصبُ ههنا بمنزلة الظروف لأَنك لو قلت: هو ظَهْرَه وبطَنْهَ وأَنت
تعني شيئاً على ظهره لم يجز، ولم يجيزوه في غير الظَّهْر والبَطْن
والسَّهْل والجَبَلِ، كما لم يجز دخلتُ عبدَالله، وكما لم يجز حذف حرف الجر
إِلاَّ في أَماكن مثل دخلت البيتَ، واختص قولهم الظهرَ والبطنَ والسهلَ
والجبلَ بهذا، كما أَن لَدُنْ مع غُدْوَةٍ لها حال ليست في غيرها من الأَسماء.
وقوله، صلى الله عليه وسلم: ما نزول من القرآن آية إِلاَّ لها ظَهْرٌ
بَطْنٌ ولكل حَرْفٍ حَدٌّ ولكل حَدّ مُطَّلَعٌ؛ قال أَبو عبيد: قال بعضهم
الظهر لفظ القرآن والبطن تأْويله، وقيل: الظهر الحديث والخبر، والبطن ما
فيه من الوعظ والتحذير والتنبيه، والمُطَّلَعُ مَأْتى الحد ومَصْعَدُه،
أَي قد عمل بها قوم أَو سيعملون؛ وقيل في تفسير قوله لها ظَهْرٌ وبَطْن
قيل: ظهرها لفظها وبطنها معناها وقيل: أَراد بالظهر ما ظهر تأْويله وعرف
معناه، وبالبطن ما بَطَنَ تفسيره، وقيل: قِصَصُه في الظاهر أَخبار وفي
الباطن عَبْرَةٌ وتنبيه وتحذير، وقيل: أَراد بالظهر التلاوة وبالبطن التفهم
والتعلم. والمُظَهَّرُ، بفتح الهاء مشددة: الرجل الشديد الظهر. وظَهَره
يَطْهَرُه ظَهْراً: ضرب ظَهْره. وظَهِرَ ظَهَراً: اشتكى ظَهْره. ورجل
ظَهِيرٌ: يشتكي ظَهْرَه. والظَّهَرُ: مصدر قولك ظَهِرَ الرجل، بالكسر، إِذا
اشتكى ظَهْره. الأَزهري: الظُّهارُ وجع الظَّهْرِ، ورجل مَظْهُورٌ.
وظَهَرْتُ فلاناً: أَصبت ظَهْره. وبعير ظَهِير: لا يُنْتَفَع بظَهْره من
الدَّبَرِ، وقيل: هو الفاسد الظَّهْر من دَبَرٍ أَو غيره؛ قال ابن سيده: رواه
ثعلب. ورجل ظَهيرٌ ومُظَهَّرٌ: قويُّ الظَّهْرِ ورجل مُصَدَّر: شديد
الصَّدْر، ومَصْدُور: يشتكي صَدْرَه؛ وقيل: هو الصُّلْبُ الشديد من غير أَن
يُعَيَّن منه ظَهْرٌ ولا غيره، وقد ظَهَرَ ظَهَارَةً. ورجل خفيف الظَّهْر:
قليل العيال، وثقيل الظهر كثير العيال، وكلاهما على المَثَل. وأَكَل الرجُل
أَكْلَةً ظَهَرَ منها ظَهْرَةً أَي سَمِنَ منها. قال: وأَكل أَكْلَةً
إِن أَصبح منها لناتياً، ولقد نَتَوْتُ من أَكلة أَكلتها؛ يقول: سَمِنْتُ
منها. وفي الحديث: خَيْرُ الصدقة ما كان عن ظَهْرِ غِنى أَي ما كان
عَفْواً قد فَضَلَ عن غنًى، وقيل: أَراد ما فَضَلَ عن العِيَال؛ والظَّهْرُ قد
يزاد في مثل هذا إِشباعاً للكلام وتمكيناً كأَنَّ صدقته إِلى ظَهْرٍ
قَويٍّ من المال. قال مَعْمَرٌ: قلتُ لأَيُّوبَ ما كان عن ظَهْرِ غِنًى، ما
ظَهْرُ غِنًى؟ قال أَيوب: ما كان عن فَضْلِ عيال. وفي حديث طلحة: ما
رأَيتُ أَحداً أَعطى لجَزِيلٍ عن ظَهْرِ يَدٍ من طَلْحَةَ، قيل: عن ظهر يَدٍ
ابْتدَاءً من غير مكافأَة. وفلانٌ يأْكل عن ظَهْرِ يد فُلانٍ إِذا كان هو
يُنْفِقُ عليه. والفُقَراء يأْكلون عن ظَهْرِ أَيدي الناس.
قال الفراء: العرب تقول: هذا ظَهْرُ السماء وهذا بَطْنُ السَّمَاءِ
لظاهرها الذي تراه. قال الأَزهري: وهذا جاء في الشيء ذي الوجهين الذي ظَهْرُه
كَبَطْنه، كالحائط القائم لما وَلِيَك يقال بطنُه، ولما وَلِيَ غَيْرَك
ظَهْرُه. فأَما ظِهارَة الثوب وبِطانَتُه، فالبطانَةُ ما وَلِيَ منه
الجسدَ وكان داخلاً، والظِّهارَةُ ما علا وظَهَرَ ولم يَل الجسدَ؛ وكذلك
ظِهارَة البِسَاطِ؛ وبطانته مما يلي الأَرضَ. ويقال: ظَهَرْتُ الثوبَ إِذا
جعلتَ له ظِهَارَة وبَطَنْتُه إذا جعلتَ له بِطانَةً، وجمع الظِّهارَة
ظَهَائِر، وجمع البِطَانَةَ بَطَائِنُ والظِّهَارَةُ، بالكسر: نقيض البِطانة.
وَظَهَرْتُ البيت: عَلَوْتُه. وأَظْهَرْتُ بفلان: أَعليت به. وتظاهر
القومُ: تَدابَرُوا كأَنه ولَّى كُلُّ واحد منهم ظَهْرَه إِلى صاحبه.
وأَقْرانُ الظَّهْرِ: الذين يجيئونك من ورائك أَو من وراء ظَهْرِك في الحرب،
مأْخوذ من الظَّهْرِ؛ قال أَبو خِراشٍ:
لكانَ جَمِيلٌ أَسْوَأَ الناسِ تِلَّةً،
ولكنّ أَقْرانَ الظُّهُورِ مَقاتِلُ
الأَصمعي: فلان قِرْنُ الظَّهْر، وهو الذي يأْتيه من ورائه ولا يعلم؛
قال ذلك ابن الأَعرابي، وأَنشد:
فلو كان قِرْني واحداً لكُفِيتُه،
ولكنَّ أَقْرانَ الظُّهُورِ مِقاتِلُ
وروي ثعلب عن ابن الأَعرابي أَنه أَنشده:
فلو أَنَّهُمْ كانوا لقُونا بِمثْلِنَا،
ولَكنَّ أَقْرانَ الظُّهورِ مُغالِبُ
قال: أَقران الظهور أَن يتظاهروا عليه، إِذا جاء اثنان وأَنت واحد
غلباك. وشَدَّه الظُّهاريَّةَ إِذا شَدَّه إِلى خَلْف، وهو من الظَّهْر. ابن
بُزُرج. أَوْثَقَهُ الظُّهارِيَّة أَي كَتَّفَه.
والظَّهْرُ: الرِّكابُ التي تحمل الأَثقال في السفر لحملها إِياها على
ظُهُورها. وبنو فلان مُظْهِرون إِذا كان لهم ظَهْر يَنْقُلُون عليه، كما
يقال مُنْجِبُون إِذا كانوا أَصحاب نَجائِبَ. وفي حديث عَرْفَجَة: فتناول
السيف من الظَّهْر فَحذَفَهُ به؛ الظَّهْر: الإِبل التي يحمل عليها
ويركب. يقال: عند فلان ظَهْر أَي إِبل؛ ومنه الحديث: أَتأْذن لنا في نَحْر
ظَهْرنا؟ أَي إبلنا التي نركبها؛ وتُجْمَعُ على ظُهْران، بالضم؛ ومنه
الحديث: فجعل رجالٌ يستأْذنونه في ظُهْرانهم في عُلْوِ المدينة. وفلانٌ على
ظَهْرٍ أَي مُزْمِعٌ للسفر غير مطمئن كأَنه قد رَكِبَ ظَهْراً لذلك؛ قال يصف
أَمواتاً:
ولو يَسْتَطِيعُون الرَّواحَ، تَرَوَّحُوا
معي، أَو غَدَوْا في المُصْبِحِين على ظَهْرِ
والبعير الظَّهْرِيُّ، بالكسر: هو العُدَّة للحاجة إِن احتيج إِليه، نسب
إِلى الظَّهْر نَسَباً على غير قياس. يقال: اتَّخِذْ معك بعيراً أَو
بعيرين ظِهْرِيَّيْنِ أَي عُدَّةً، والجمع ظَهارِيُّ وظَهَارِيُّ، وفي
الصحاح: ظَهِارِيُّ غير مصروف لأَن ياء النسبة ثابتة في الواحد. وبَعير
ظَهِيرٌ بَيِّنُ الظَّهارَة إِذا كان شديداً قويّاً، وناقة ظهيره. وقال الليث:
الظَّهِيرُ من الإِبل القوي الظَّهْر صحيحه، والفعل ظَهَرَ ظَهارَةً. وفي
الحديث: فَعَمَدَ إِلى بعير ظَهِير فأَمَرَ به فَرُحِلَ، يعني شديد
الظهر قويّاً على الرِّحْلَةِ، وهو منسوب إِلى الظَّهْرِ؛ وقد ظَهَّر به
واسْتَظَهْرَهُ.
وظَهَرَ بحاجةِ وظَهَرَّها وأَظْهَرها: جعلها بظَهْرٍ واستخف بها ولم
يَخِفَّ لها، ومعنى هذا الكلام أَنه جعل حاجته وراء ظَهْرِه تهاوناً بها
كأَنه أَزالها ولم يلتفت إِليها. وجعلها ظِهْرِيَّةً أَي خَلْفَ ظَهْر،
كقوله تعالى: فَنَبذُوه ورَاء ظُهُورِهم، بخلاف قولهم وَاجَهَ إِرادَتَهُ
إِذا أَقْبَلَ عليها بقضائها، وجَعَلَ حاجَتَه بظَهْرٍ كذلك؛ قال
الفرزدق:تَمِيمُ بنَ قَيْسٍ لا تَمُونَنَّ حاجَتِي
بظَهْرٍ، فلا يَعْيا عَليَّ جَوابُها
والظِّهْرِيُّ: الذي تَجْعَلُه بظَهْر أَي تنساه.
والظِّهْرِيُّ: الذي تَنْساه وتَغْفُلُ عنه؛ ومنه قوله: واتَّخَذْتَمُوه
وراءكم ظِهْرِيّاً؛ أَي لم تَلْتَفِتوا إِليه. ابن سيده: واتخذ حاجته
ظِهْرِيّاً اسْتَهان بها كأَنه نَسَبها إِلى الظَّهْر، على غير قياس، كما
قالوا في النسب إِلى البَصْرَة بِصْريُّ. وفي حديث علي، عليه السلام:
اتَّخَذْتُموه وَرَاءَكم ظِهْرِيّاً حت شُنَّتْ عليكم الغاراتُ أَي جعلتموه
وراء ظهوركم، قال: وكسر الظاء من تغييرات النَّسَب؛ وقال ثعلب في قوله
تعالى: واتخذتموه وراءكم ظِهْرِيّاً: نَبَذْتُمْ ذكر الله وراء ظهوركم؛ وقال
الفراء: يقول تركتم أَمر الله وراء ظهوركم، يقول شعيب، عليه السلام:
عَظَّمْتُمْ أَمْرَ رَهْطي وتركتم تعظيم الله وخوفه. وقال في أَثناء
الترجمة: أَي واتخذتم الرهط وراءكم ظِهْرِيّاً تَسْتَظْهِرُون بع عليَّ، وذلك لا
ينجيكم من الله تعالى. يقال: اتخذ بعيراً ظِهْرِيّاً أَي عُدَّةً. ويقال
للشيء الذي لا يُعْنَى به: قد جعلت هذا الأَمر بظَهْرٍ ورَميته بظَهْرٍ.
وقولهم. ولا تجعل حاجتي بظَهْر أَي لا تَنْسَها. وحاجتُه عندك ظاهرةٌ
أَي مُطَّرَحَة وراء الظَّهْرِ. وأَظْهَرَ بحاجته واظَّهَرَ: جعلها وراء
ظَهْرِه، أَصله اظْتَهر. أَبو عبيدة: جعلت حاجته بظَهْرٍ أَي يظَهْرِي
خَلْفِي؛ ومنه قوله: واتخذتموه وراءكم ظِهْرِيّاً، وهو استهانتك بحاجة الرجل.
وجعلني بظَهْرٍ أَي طرحني. وظَهَرَ به وعليه يَظْهَرُ: قَوِيَ. وفي
التنزيل العزيز: أَو الطِّفْل الذين لم يَظْهَروا على عَوْراتِ النساء؛ أَي
لم يبلغوا أَن يطيقوا إِتيانَ النساء؛ وقوله:
خَلَّفْتَنا بين قَوْمَ يَظْهَرُون بنا،
أَموالُهُمْ عازِبٌ عنا ومَشْغُولُ
هو من ذلك؛ قال ابن سيده: وقد يكون من قولك ظَهَرَ به إِذا جعله وراءه،
قال: وليس بقوي، وأَراد منها عازب ومنها مشغول، وكل ذلك راجع إِلى معنى
الظَّهْر. وأَما قوله عز وجل: ولا يُبْدِينَ زِينتهنَّ إِلاَّ ما ظهر
منها؛ روي الأَزهري عن ابن عباس قال: الكَفُّ والخاتَمُ والوَجْهُ، وقالت
عائشة: الزينة الظاهرة القُلْبُ والفَتَخة، وقال ابن مسعود: الزينة الظاهرة
الثياب. والظَّهْرُ: طريق البَرِّ. ابن سيده: وطريق الظَّهْره طريق
البَرِّ، وذلك حين يكون فيه مَسْلَك في البر ومسلك في البحر. والظَّهْرُ من
الأَرض: ما غلظ وارتفع، والبطن ما لانَ منها وسَهُلَ ورَقَّ واطْمأَنَّ.
وسال الوادي ظَهْراً إذا سال بمَطَرِ نفسه، فإن سال بمطر غيره قيل: سال
دُرْأً؛ وقال مرة: سال الوادي ظُهْراً كقولك ظَهْراً؛ قال الأَزهري:
وأَحْسِبُ الظُّهْر، بالضم، أَجْودَ لأَنه أَنشد:
ولو دَرَى أَنَّ ما جاهَرتَني ظُهُراً،
ما عُدْتُ ما لأْلأَتْ أَذنابَها الفُؤَرُ
وظَهَرت الطيرُ من بلد كذا إِلى بلد كذا: انحدرت منه إِليه، وخص أَبو
حنيفة به النَّسْرَ فقال يَذْكُر النُّسُورَ: إِذا كان آخر الشتاء ظَهَرَتْ
إِلى نَجْدٍ تَتَحيَّنُ نِتاجَ الغنم فتأْكل أَشْلاءَها. وفي كتاب عمر،
رضي الله عنه، إِلى أَبي عُبيدة: فاظْهَرْ بمن معك من المسلمين إِليها
يعني إِلى أَرض ذكرها، أَي أَخْرُجُ بهم إِلى ظاهرها وأَبْرِزْهم. وفي حديث
عائشة: كان يصلي العَصْر في حُجْرتي قبل أَن تظهر، تعني الشمس، أَي تعلو
السَّطْحَ، وفي رواية: ولم تَظْهَر الشمسُ بَعْدُ من حُجْرتها أَي لم
ترتفع ولم تخرج إِلى ظَهْرها؛ ومنه قوله:
وإِنا لَنَرْجُو فَوْقَ ذلك مَظْهَرا
يعني مَصْعَداً.
والظاهِرُ: خلاف الباطن؛ ظَهَرَ يَظْهَرُ ظُهُوراً، فهو ظاهر وظهِير؛
قال أَبو ذؤيب:
فإِنَّ بَنِي لِحْيَانَ، إِمَّا ذَكَرْتُهُم،
ثَناهُمْ، إِذا أَخْنَى اللِّئامُ، ظَهِيرُ
ويروى طهير، بالطاء المهملة. وقوله تعالى: وذَروا ظاهِرَ الإِثم
وباطِنَه؛ قيل: ظاهره المُخالَّةُ على جهة الرِّيبَةِ، وباطنه الزنا؛ قال
الزجاج: والذي يدل عليه الكلام، والله أَعلم، أَن المعنى اتركوا الإِثم ظَهْراً
وبَطْناً أَي لا تَقْرَبُوا ما حرم الله جَهْراً ولا سرّاً. والظاهرُ:
من أَسماء الله عز وجل؛ وفي التنزيل العزيز: هو الأَوّل والآخر والظاهر
والباطن؛ قال ابن الأَثير: هو الذي ظهر فوق كل شيء وعلا عليه؛ وقيل: عُرِفَ
بطريق الاستدلال العقلي بما ظهر لهم من آثار أَفعاله وأَوصافه.
وهو نازل بين ظَهْرٍيْهم وظَهْرانَيْهِم، بفتح النون ولا يكسر: بين
أَظْهُرِهم. وفي الحديث: فأَقاموا بين ظَهْرانيهم وبين أَظْهرهم؛ قال ابن
الأَثير: تكررت هذه اللفظة في الحديث والمراد بها أَنهم أَقاموا بينهم على
سبيل الاستظهار والاستناد لهم، وزيدت فيه أَلف ونون مفتــوحة تأْكيداً،
ومعناه أَن ظَهْراً منهم قدامه وظهراً وراءه فهو مَكْنُوف من جانبيه، ومن
جوانبه إِذا قيل بين أَظْهُرِهم، ثم كثر حتى استعمل في الإِقامة بين القوم
مطلقاً.
ولقيته بين الظَّهْرَيْنِ والظَّهْرانَيْنِ أَي في اليومين أَو الثلاثة
أَو في الأَيام، وهو من ذلك. وكل ما كان في وسط شيء ومُعْظَمِه، فهو بين
ظَهْرَيْه وظَهْرانَيْه. وهو على ظَهْرِ الإِناء أَي ممكن لك لا يحال
بينكما؛ عن ابن الأَعرابي. الأَزهري عن الفراء: فلانٌ بين ظَهْرَيْنا
وظَهْرانَيْنا وأَظهُرِنا بنعنى واحد، قال: ولا يجوز بين ظَهْرانِينا، بكسر
النون. ويقال: رأَيته بين ظَهْرانَي الليل أَي بين العشاء إِلى الفجر. قال
الفراء: أَتيته مرة بين الظَّهْرَيْنِ يوماً في الأَيام. قال: وقال أَبو
فَقْعَسٍ إِنما هو يوم بين عامين. ويقال للشيء إِذا كان في وسط شيء: هو
بين ظَهْرَيْه وظَهْرانَيْه؛ وأَنشد:
أَلَيْسَ دِعْصاً بَيْنَ ظَهْرَيْ أَوْعَسا
والظَّواهِرُ: أَشراف الأَرض. الأَصمعي: يقال هاجَتْ ظُهُورُ الأَرض
وذلك ما ارتفع منها، ومعنى هاجَتْ يَبِسَ بَقْلُها. ويقال: هاجَتْ ظَواهِرُ
الأَرض. ابن شميل: ظاهر الجبل أَعلاه، وظاهِرَةُ كل شيء أَعلاه، استوى
أَو لم يستو ظاهره، وإِذا علوت ظَهْره فأَنت فَوْقَ ظاهِرَته؛ قال
مُهَلْهِلٌ:
وخَيْل تَكَدَّسُ بالدَّارِعِين،
كَمْشيِ الوُعُولِ على الظَّاهِره
وقال الكميت:
فَحَلَلْتَ مُعْتَلِجَ البِطا
حِ، وحَلَّ غَيْرُك بالظَّوَاهِرْ
قال خالد بن كُلْثُوم: مُعْتَلِجُ البطاح بَطْنُ مكة والبطحاء الرمل،
وذلك أَن بني هاشم وبني أُمية وسادة قريش نُزول ببطن مكة ومن كان دونهم فهم
نزول بظواهر جبالها؛ ويقال: أَراد بالظواهر أَعلى مكة. وفي الحديث ذِكر
قريشِ الظَّواهِرِ، وقال ابن الأَعرابي: قُرَيْشُ الظواهرِ الذين نزلوا
بظُهور جبال مكة، قال: وقُرَيْشُ البِطاحِ أَكرمُ وأَشرف من قريش الظواهر،
وقريش البطاح هم الذين نزلوا بطاح مكة.
والظُّهارُ: الرّيشُ. قال ابن سيده: الظُّهْرانُ الريش الذي يلي الشمس
والمَطَرَ من الجَناح، وقيل: الظُّهار، بالضم، والظُّهْران من ريش السهم
ما جعل من ظَهْر عَسِيبِ الريشة، هو الشَّقُّ الأَقْصَرُ، وهو أَجود
الريش، الواحد ظَهْرٌ، فأَما ظُهْرانٌ فعلى القياس، وأَما ظُهار فنادر؛ قال:
ونظيره عَرْقٌ وعُراقٌ ويوصف به فيقال رِيشٌ ظُهارٌ وظُهْرانٌ،
والبُطْنانُ ما كان من تحت العَسِيب، واللُّؤَامُ أَن يلتقي بَطْنُ قُذَّةٍ وظَهرُ
أُخْرَى، وهو أَجود ما يكون، فإِذا التقى بَطْنانِ أَو ظَهْرانِ، فهو
لُغابٌ ولَغْبٌ. وقال الليث: الظُّهارُ من الريش هو الذي يظهر من ريش الطائر
وهو في الجناح، قال: ويقال: الظُّهارُ جماعة واحدها ظَهْرٌ، ويجمع على
الظُّهْرانِ، وهو أَفضل ما يُراشُ به السهم فإِذا ريشَ بالبُطْنانِ فهو
عَيْبٌ، والظَّهْرُ الجانب القصير من الريش، والجمع الظُّهْرانُ،
والبُطْنان الجانب الطويل، الواحد بَطْنٌ؛ يقال: رِشْ سَهْمَك بظُهْرانٍ ولا
تَرِشْهُ ببُطْنانٍ، واحدهما ظَهْر وبَطْنٌ، مثل عَبْد وعُبْدانٍ؛ وقد ظَهَّرت
الريش السهمَ. والظَّهْرانِ: جناحا الجرادة الأَعْلَيانِ الغليظان؛ عن
أَبي حنيفة. وقال أَبو حنيفة: قال أَبو زياد: للقَوْسِ ظَهْرٌ وبَطْنٌ،
فالبطن ما يلي منها الوَتَر، وظَهْرُها الآخرُ الذي ليس فيه وتَرٌ.
وظاهَرَ بين نَعْلين وثوبين: لبس أَحدهما على الآخر وذلك إِذا طارق
بينهما وطابقَ، وكذلك ظاهَرَ بينَ دِرْعَيْن، وقيل: ظاهَرَ الدرعَ لأَمَ
بعضها على بعض.
وفي الحديث: أَنه ظاهرَ بين دِرْعَيْن يوم أُحُد أَي جمع ولبس إِحداهما
فوق الأُخرى، وكأَنه من التظاهر لتعاون والتساعد؛ وقول وَرْقاء بن
زُهَير:رَأَيَتُ زُهَيْراً تحت كَلْكَلِ خالِدٍ،
فَجِئْتُ إِليه كالعَجُولِ أُبادِرُ
فَشُلَّتْ يميني يَوْمَ أَضْرِبُ خالداً،
ويَمْنَعهُ مِنَّي الحديدُ المُظاهرُ
إِنما عنى بالحديد هنا الدرع، فسمى النوع الذي هو الدرع باسم الجنس الذي
هو الحديد؛ وقال أَبو النجم:
سُبِّي الحَماةَ وادْرَهِي عليها،
ثم اقْرَعِي بالوَدّ مَنْكِبَيْها،
وظاهِري بِجَلِفٍ عليها
قال ابن سيده: هو من هذا، وقد قيل: معناه اسْتَظْهِري، قال: وليس بقوي.
واسْتَظَهْرَ به أَي استعان. وظَهَرْتُ عليه: أَعنته. وظَهَرَ عَليَّ:
أَعانني؛ كلاهما عن ثعلب. وتَظاهرُوا عليه: تعاونوا، وأَظهره الله على
عَدُوِّه. وفي التنزيل العزيز: وإن تَظَاهَرَا عليه. وظاهَرَ بعضهم بعضاً:
أَعانه، والتَّظاهُرُ: التعاوُن. وظاهَرَ فلان فلاناً: عاونه.
والمُظاهَرَة: المعاونة، وفي حديث علي، عليه السلام: أَنه بارَزَ يَوْمَ بَدْرٍ
وظاهَرَ أَي نَصَر وأَعان. والظَّهِيرُ: العَوْنُ، الواحد والجمع في ذلك
سواء، وإِنما لم يجمع ظَهِير لأَن فَعيلاً وفَعُولاً قد يستوي فيهما المذكر
والمؤُنث والجمغ، كما قال الله عز وجل: إِنَّا رسولُ رب العالمين. وفي
التنزيل العزيز: وكان الكافرُ على ربه ظَهيراً؛ يعني بالكافر الجِنْسَ،
ولذلك أَفرد؛ وفيه أَيضاً: والملائكة بعد ذلك ظهير؛ قال ابن سيده: وهذا كما
حكاه سيبويه من قولهم للجماعة: هم صَدِيقٌ وهم فَرِيقٌ؛ والظَّهِيرُ:
المُعِين. وقال الفراء في قوله عز وجل: والملائكة بعد ذلك ظهير، قال: يريد
أَعواناً فقال ظَهِير ولم يقل ظُهَراء. قال ابن سيده: ولو قال قائل إِن
الظَّهير لجبريل وصالح المؤمنين والملائكة كان صواباً، ولكن حَسُنَ أَن
يُجعَلَ الظهير للملائكة خاصة لقوله: والملائكة بعد ذلك، أَي مع نصرة هؤلاء،
ظَهيرٌ. وقال الزجاج: والملائكة بعد ذلك ظهير، في معنى ظُهَراء، أَراد:
والملائكة أَيضاً نُصَّارٌ للنبي، صلى الله عليه وسلم، أَي أَعوان النبي،
صلى الله عليه وسلم، كما قال: وحَسُنَ أُولئك رفيقاً؛ أَي رُفَقاء، فهو
مثل ظَهِير في معنى ظُهَراء، أَفرد في موضع الجمع كما أَفرده الشاعر في
قوله:
يا عاذِلاتي لا تَزِدْنَ مَلامَتِي،
إِن العَواذِلَ لَسْنَ لي بأَمِيرِ
يعني لَسْنَ لي بأُمَراء. وأَما قوله عز وجل: وكان الكافر على ربه
ظَهيراً؛ قال ابن عَرفة: أَي مُظاهِراً لأَعداء الله تعالى. وقوله عز وجل:
وظاهَرُوا على إِخراجكم؛ أَي عاوَنُوا. وقوله: تَظَاهَرُونَ عليهم؛ أَي
تَتَعاونُونَ. والظِّهْرَةُ: الأَعْوانُ؛ قال تميم:
أَلَهْفِي على عِزٍّ عَزِيزٍ وظِهْرَةٍ،
وظِلِّ شَبابٍ كنتُ فيه فأَدْبرا
والظُّهْرَةُ والظِّهْرَةُ: الكسر عن كراع: كالظَّهْرِ. وهم ظِهْرَةٌ
واحدة أَي يَتَظَاهرون على الأَعداء وجاءنا في ظُهْرَته وظَهَرَتِه
وظاهِرَتِهِ أَي في عشيرته وقومه وناهِضَتَهِ لذين يعينونه. وظَاهرَ عليه:
أَعان. واسْتَظَهَره عليه: استعانه. واسْتَظَهْرَ عليه بالأَمر: استعان. وفي
حديث علي، كرّم الله وجهه: يُسْتَظْهَرُ بحُجَج الله وبنعمته على كتابه.
وفلان ظِهْرَتي على فلان وأَنا ظِهْرَتُكَ على هذا أَي عَوْنُكَ الأَصمعي:
هو ابن عمه دِنْياً فإِذا تباعد فهو ابن عمه ظَهْراً، بجزم الهاء، وأَما
الظِّهْرَةُ فهم ظَهْرُ الرجل وأَنْصاره، بكسر الظاء. الليث: رجل
ظِهْرِيٌّ من أَهل الظَّهْرِ، ولو نسبت رجلاً إِلى ظَهْرِ الكوفة لقلت
ظِهْريٌّ، وكذلك لو نسبت جِلْداً إِلى الظَّهْر لقالت جِلْدٌ ظِهْرِيٌّ.
والظُّهُور: الظَّفَرُ بالسّيء والإِطلاع عليه. ابن سيده: الظُّهور
الظفر؛ ظَهَر عليه يَظْهَر ظُهُوراً وأَظْهَره الله عليه. وله ظَهْرٌ أَي مال
من إِبل وغنم. وظَهَر بالشيء ظَهْراً: فَخَرَ؛ وقوله:
واظْهَرْ بِبِزَّتِه وعَقْدِ لوائِهِ
أَي افْخَرْ به على غيره. وظَهَرْتُ به: افتخرت به وظَهَرْتُ عليه:
يقال: ظَهَر فلانٌ على فلان أَي قَوِيَ عليه. وفلان ظاهِرٌ على فلان أَي غالب
عليه. وظَهَرْتُ على الرجل: غلبته. وفي الحديث: فظَهَر الذين كان بينهم
وبين رسولُ الله، صلى الله عليه وسلم، عَهْدٌ فَقَنَتَ شهراً بعد الركوع
يدعو عليهم؛ أَي غَلَبُوهم؛ قال ابن الأَثير: هكذا جاء في رواية، قالوا:
والأَشبه أَن يكون مُغَيَّراً كما جاء في الرواية الأُخرى: فَغَدَرُوا
بهم. وفلان من وَلَدِ الظَّهْر أَي ليس منا، وقيل: معناه أَنه لا يلتفت
إِليهم؛ قال أَرْطاةُ بنُ سُهَيَّة:
فَمَنْ مُبْلِغٌ أَبْناءَ مُرَّةَ أَنَّنا
وَجْدْنَا بَني البَرْصاءِ من وَلَدِ الظَّهْرِ؟
أَي من الذين يَظْهَرُون بهم ولا يلتفتون إِلى أَرحامهم. وفلان لا
يَظْهَرُ عليه أَحد أَي لا يُسَلِّم.
والظَّهَرَةُ، بالتحريك: ما في البيت من المتاع والثياب. وقال ثعلب: بيت
حَسَنُ الظَّهَرَةِ والأَهَرَة، فالظَّهَرَةُ ما ظَهَر منه، والأَهَرَةُ
ما بَطَنَ منه. ابن الأَعرابي: بيت حَسَنُ الأَهَرة والظَّهَرَةِ
والعَقارِ بمعنى واحد. وظَهَرَةُ المال: كَثْرَتُه. وأَظْهَرَنَا الله على
الأَمر: أَطْلَعَ. وقوله في التنزيل العزيز: فما استطاعُوا أَن يَظْهَرُوه؛
أَي ما قَدَرُوا أَن يَعْلُوا عليه لارتفاعه. يقال: ظَهَرَ على الحائط
وعلى السَّطْح صار فوقه. وظَهَرَ على الشيء إِذا غلبه وعلاه. ويقال: ظَهَرَ
فلانٌ الجَبَلَ إِذا علاه. وظَهَر السَّطْحَ ظُهُوراً: علاه. وقوله
تعالى: ومَعَارِجَ عليها يَظْهَرُونَ أَي يَعْلُون، والمعارج الدَّرَجُ. وقوله
عز وجل: فأَصْبَحُوا ظاهِرين؛ أَي غالبين عالين، من قولك: ظَهَرْتُ على
فلان أَي عَلَوْتُه وغلبته. يقال: أَظْهَر الله المسلمين على الكافرين
أَي أَعلاهم عليهم.
والظَّهْرُ: ما غاب عنك. يقال: تكلمت بذلك عن ظَهْرِ غَيْبِ، والظَّهْر
فيما غاب عنك؛ وقال لبيد:
عن ظَهْرِ غَيْبٍ والأَنِيسُ سَقَامُها
ويقال: حَمَلَ فلانٌ القرآنَ على ظَهْرِ لسانه، كما يقال: حَفِظَه عن
ظَهْر قلبه. وفي الحديث: من قرأَ القرآن فاسْتَظْهره؛ أَي حفظه؛ تقول:
قرأْت القرآن عن ظَهْرِ قلبي أَي قرأْته من حفظي. وظَهْرُ القَلْب: حِفْظُه
عن غير كتاب. وقد قرأَه ظاهِراً واسْتَظْهره أَي حفظه وقرأَه ظاهِراً.
والظاهرةُ: العَين الجاحِظَةُ. النضر: لعين الظَّاهرَةُ التي ملأَت
نُقْرَة العَيْن، وهي خلاف الغائرة؛ وقال غيره: العين الظاهرة هي الجاحظة
الوَحْشَةُ. وقِدْرٌ ظَهْرٌ: قديمة كأَنها تُلقى وراءَ الظَّهْرِ
لِقِدَمِها؛ قال حُمَيْدُ بن ثور:
فَتَغَيَّرَتْ إِلاَّ دَعائِمَها،
ومُعَرَّساً من جَوفه ظَهْرُ
وتَظَاهر القومُ؛ تَدابَرُوا، وقد تقدم أَنه التعاوُنُ، فهو ضدّ. وقتله
ظَهْراً أَي غِيْلَةً؛ عن ابن الأَعرابي. وظَهَر الشيءُ بالفتح،
ظُهُوراً: تَبَيَّن. وأَظْهَرْتُ الشيء: بَيَّنْته. والظُّهور: بُدُوّ الشيء
الخفيّ. يقال: أَظْهَرني الله على ما سُرِقَ مني أَي أَطلعني عليه. ويقال:
فلان لا يَظْهَرُ عليه أَحد أَي لا يُسَلِّمُ عليه أَحد. وقوله: إِن
يَظْهَرُوا عليكم؛ أَي يَطَّلِعوا ويَعْثروُا. يقال: ظَهَرْت على الأَمر. وقوله
تعالى: يَعْلَمون ظاهِراً من الحياة الدنيا؛ أَي ما يتصرفون من معاشهم.
الأَزهري: والظَّهَارُ ظاهرُ الحَرَّة. ابن شميل: الظُّهَارِيَّة أَن
يَعْتَقِلَه الشَّغْزَبِيَّةَ فَيَصْرَعَه. يقال: أَخذه الظُّهارِيَّةَ
والشَّغْزَبِيَّةَ بمعنًى.
والظُّهْرُ: ساعة الزوال، ولذلك قيل: صلاة الظهر، وقد يحذفون على
السَّعَة فيقولون: هذه الظُّهْر، يريدون صلاة الظهر. الجوهري: الظهر، بالضم،
بعد الزوال، ومنه صلاة الظهر.
والظَّهِيرةُ: الهاجرة. يقال: أَتيته حَدَّ الظَّهِيرة وحين قامَ قائم
الظَّهِيرة. وفي الحديث ذكر صلاة الظُّهْر؛ قال ابن الأَثير: هو اسم لنصف
النهار، سمي به من ظَهِيرة الشمس، وهو شدّة حرها، وقيل: أُضيفت إِليه
لأَنه أَظْهَرُ أَوقات الصلوات للأَبْصارِ، وقيل: أَظْهَرُها حَرّاً، وقيل:
لأَنها أَوَّل صلاة أُظهرت وصليت. وقد تكرر ذكر الظَّهِيرة في الحديث،
وهو شدّة الحرّ نصف النهار، قال: ولا يقال في الشتاء ظهيرة. ابن سيده:
الظهيرة حدّ انتصاف النهار، وقال الأَزهري: هما واحد، وقيل: إِنما ذلك في
القَيْظِ مشتق. وأَتاني مُظَهِّراً ومُظْهِراً أَي في الظهيرة، قال:
ومُظْهِراً، بالتخفيف، هو الوجه، وبه سمي الرجل مُظْهِراً. قال الأَصمعي: يقال
أَتانا بالظَّهِيرة وأَتانا ظُهْراً بمعنى. ويقال: أَظْهَرْتَ يا رَجُلُ
إِذا دخلت في حدّ الظُّهْر. وأَظْهَرْنا أَي سِرْنا في وقت الظُّهْر.
وأَظْهر القومُ: دخلوا في الظَّهِيرة. وأَظْهَرْنا. دخلنا في وقت الظُّهْر
كأَصْبَحْنا وأَمْسَيْنا في الصَّباح والمَساء، ونجمع الظَّهيرة على
ظَهائِرَ. وفي حديث عمر: أَتاه رجل يَشْكُو النِّقْرِسَ فقال: كَذَبَتْكَ
الظَّهائِرُ أَي عليك بالمشي في الظَّهائِر في حَرِّ الهواجر. وفي التنزيل
العزيز: وحين تُظْهِرونَ؛ قال ابن مقبل:
وأَظْهَرَ في عِلانِ رَقْدٍ، وسَيْلُه
عَلاجِيمُ، لا ضَحْلٌ ولا مُتَضَحْضِحُ
يعني أَن السحاب أَتى هذا الموضع ظُهْراً؛ أَلا ترى أَن قبل هذا:
فأَضْحَى له جِلْبٌ، بأَكنافِ شُرْمَةٍ،
أَجَشُّ سِمَاكِيٌّ من الوَبْلِ أَفْصَحُ
ويقال: هذا أَمرٌ ظاهرٌ عنك عارُه أَي زائل، وقيل: ظاهرٌ عنك أَي ليس
بلازم لك عَيْبُه؛ قال أَبو ذؤيب:
أَبى القَلْبُ إِلا أُمَّ عَمْرٍو، فأَصْبَحتْ
تحرَّقُ نارِي بالشَّكاةِ ونارُها
وعَيَّرَها الواشُونَ أَنِّي أُحِبُّها،
وتلكَ شَكاةٌ ظاهرٌ عنكَ عارُها
ومعنى تحرَّق ناري بالشكاة أَي قد شاعَ خبرِي وخبرُها وانتشر بالشَّكاة
والذكرِ القبيح. ويقال: ظهرَ عني هذا العيبُ إِذا لم يَعْلَق بي ونبا
عَنِّي، وفي النهاية: إِذا ارتفع عنك ولم يَنَلْك منه شيء؛ وقيل لابن
الزبير: يا ابنَ ذاتِ النِّطاقَين تَعْييراً له بها؛ فقال متمثلاً:
وتلك شَكاة ظاهرٌ عنك عارُها
أَراد أَن نِطاقَها لا يَغُصُّ منها ولا منه فيُعَيَّرا به ولكنه يرفعه
فيَزيدُه نُبْلاً. وهذا أَمْرء أَنت به ظاهِرٌ أَي أَنت قويٌّ عليه. وهذا
أَمر ظاهرٌ بك أَي غالب عليك.
والظِّهارُ من النساء، وظاهَرَ الرجلُ امرأَته، ومنها، مُظاهَرَةً
وظِهاراً إِذا قال: هي عليّ كظَهْرِ ذاتِ رَحِمٍ، وقد تَظَهَّر منها وتَظاهَر،
وظَهَّرَ من امرأَته تَظْهِيراً كله بمعنى. وقوله عز وجل: والذين
يَظَّهَّرُون من نِسائهم؛ قُرئ: يظاهِرُون، وقرئ: يَظَّهَّرُون، والأَصل
يَتَظَهَّرُون، والمعنى واحد، وهو أَن يقول الرجل لامرأَته: أَنتِ عليّ
كظَهْر أُمِّي. وكانت العرب تُطلِّق نسارها في الجاهلية بهذه الكلمة، وكان
الظِّهارُ في الجاهلية طلاقاً فلما جاء الإِسلام نُهوا عنه وأُوجبَت
الكفَّارةُ على من ظاهَرَ من امرأَته، وهو الظِّهارُ، وأَصله مأْخوذ من
الظَّهْر، وإِنما خَصُّوا الظَّهْرَ دون البطن والفَخذِ والفرج، وهذه أَولى
بالتحريم، لأَن الظَّهْرَ موضعُ الركوب، والمرأَةُ مركوبةٌ إِذا غُشُيَت،
فكأَنه إِذا قال: أَنت عليّ كظَهْر أُمِّي، أَراد: رُكوبُكِ للنكاح عليّ حرام
كركُوب أُمي للنكاح، فأَقام الظهر مُقامَ الركوب لأَنه مركوب، وأَقام
الركوبَ مُقام النكاح لأَن الناكح راكب، وهذا من لَطِيف الاستعارات
للكناية؛ قال ابن الأَثير: قيل أَرادوا أَنتِ عليّ كبطن أُمي أَي كجماعها،
فكَنَوْا بالظهر عن البطن للمُجاورة، قال: وقيل إِن إِتْيانَ المرأَة وظهرُها
إِلى السماء كان حراماً عندهم، وكان أَهلُ المدينة يقولون: إِذا أُتِيت
المرأَةُ ووجهُها إِلى الأَرض جاء الولدُ أَحْولَ، فلِقَصْدِ الرجل
المُطَلِّق منهم إِلى التغليظ في تحريم امرأَته عليه شبَّهها بالظهر، ثم لم
يَقْنَعْ بذلك حتى جعلها كظَهْر أُمه؛ قال: وإِنما عُدِّي الظهارُ بمن
لأَنهم كانوا إِذا ظاهروا المرأَةَ تجَنّبُوها كما يتجنّبُونَ المُطَلَّقةَ
ويحترزون منها، فكان قوله ظاهَرَ من امرأَته أَي بعُد واحترز منها، كما
قيل: آلى من امرأَته، لمَّا ضُمِّنَ معنى التباعد عدي بمن.
وفي كلام بعض فقهاء أَهل المدينة: إِذا استُحيضت المرأَةُ واستمرّ بها
الدم فإِنها تقعد أَيامها للحيض، فإِذا انقضت أَيَّامُها اسْتَظْهَرت
بثلاثة أَيام تقعد فيها للحيض ولا تُصلي ثم تغتسل وتصلي؛ قال الأَزهري: ومعنى
الاستظهار في قولهم هذا الاحتياطُ والاستيثاق، وهو مأْخوذ من
الظِّهْرِيّ، وهو ما جَعَلْتَه عُدَّةً لحاجتك، قال الأَزهري: واتخاذُ الظِّهْرِيّ
من الدواب عُدَّةً للحاجة إِليه احتياطٌ لأَنه زيادة على قدر حاجة صاحبِه
إِليه، وإِنما الظِّهْرِيّ الرجلُ يكون معه حاجتُه من الرِّكاب لحمولته،
فيَحْتاطُ لسفره ويُعِدُّ بَعيراً أَو بعيرين أَو أَكثر فُرَّغاً تكون
مُعدَّةً لاحتمال ما انقَطَع من ركابه أَو ظَلَع أَو أَصابته آفة، ثم
يقال: استَظْهَر ببعيرين ظِهْرِيّيْنِ محتاطاً بهما ثم أُقيم الاستظهارُ
مُقامَ الاحتياط في كل شيء، وقيل: سمي ذلك البعيرُ ظِهْرِيّاً لأَن صاحبَه
جعلَه وراء ظَهْرِه فلم يركبه ولم يحمل عليه وتركه عُدّةً لحاجته إِن
مَسَّت إِليه؛ ومنه قوله عز وجل حكاية عن شعيب: واتَّخَذْتُمُوه وراءَكم
ظِهْرِيّاً. وفي الحديث: أَنه أَمَرَ خُرّاصَ النخل أَن يَسْتَظْهِرُوا؛ أَي
يحتاطوا لأَرْبابها ويدَعُوا لهم قدرَ ما ينُوبُهم ويَنْزِل بهم من
الأَضْياف وأَبناءِ السبيل.
والظاهِرةُ من الوِرْدِ: أَن تَرِدَ الإِبلُ كلّ يوم نِصف النهار.
ويقال: إِبِلُ فلان تَرِدُ الظاهرةَ إِذا ورَدَت كلَّ يوم نصف النهار. وقال
شمر: الظاهرة التي تَرِدُ كلَّ يوم نصف النهار وتَصْدُرُ عند العصر؛ يقال:
شاؤُهم ظَواهِرُ، والظاهرةُ: أَن تَردَ كل يوم ظُهْراً. وظاهرةُ الغِبِّ:
هي للغنم لا تكاد تكون للإِبل، وظاهرة الغِبِّ أَقْصَرُ من الغِبِّ
قليلاً.
وظُهَيْرٌ: اسم. والمُظْهِرُ، بكسر الهاء: اسمُ رجل. ابن سيده:
ومُظْهِرُ بنُ رَباح أَحدُ فُرْسان العرب وشُعرائهم. والظَّهْرانُ ومَرُّ
الظَّهْرانِ: موضع من منازل مكة؛ قال كثير:
ولقد حَلَفْتُ لها يَمِيناً صادقاً
بالله، عند مَحارِم الرحمنِ
بالراقِصات على الكلال عشيّة،
تَغْشَى مَنابِتَ عَرْمَضِ الظَّهْرانِ
العَرْمَضُ ههنا: صغارُ الأَراك؛ حكاه ابن سيده عن أَبي حنيفة: وروى ابن
سيرين: أَن أَبا موسى كَسَا في كفّارة اليمين ثوبَينِ ظَهْرانِيّاً
ومُعَقَّداً؛ قال النضر: الظَّهْرانيّ ثوبٌ يُجاءُ به مِن مَرِّ الظَّهْرانِ،
وقيل: هو منسوب إِلى ظَهْران قرية من قُرَى البحرين. والمُعَقَّدُ:
بُرْدٌ من بُرود هَجَر، وقد تكرر ذكر مَرّ الظَّهْران، وهو واد بين مكة
وعُسْفان، واسم القرية المضافة إِليه مَرٌّ، بفتح الميم وتشديد الراء؛ وفي
حديث النابغة الجعدي أَنه أَنشده، صلى الله عليه وسلم:
بَلَغْنا السماءَ مَجْدُنا وسَناؤنا،
وإِنّا لَنَرْجُو فوق ذلك مَظْهَرا
فغَضِبَ وقال: إِلى أَين المَظْهرُ يا أَبا لَيْلى؟ قال: إِلى الجنة يا
رسول الله، قال: أَجَلْ إِن شاء الله. المَظْهَرُ: المَصْعَدُ. والظواهر:
موضع؛ قال كثير عزة:
عفَا رابِغٌ من أَهلِه فالظَّواهرُ،
فأَكْنافُ تُبْنى قد عَفَت، فالأَصافِرُ
منن: مَنَّهُ يَمُنُّه مَنّاً: قطعه. والمَنِينُ: الحبل الضعيف. وحَبل
مَنينٌ: مقطوع، وفي التهذيب: حبل مَنينٌ إذا أخْلَقَ وتقطع، والجمع
أَمِنَّةٌ ومُنُنٌ. وكل حبل نُزِحَ به أَو مُتِحَ مَنِينٌ، ولا يقال للرِّشاءِ
من الجلد مَنِينٌ. والمَنِينُ الغبار، وقيل: الغبار الضعيف المنقطع،
ويقال للثوب الخَلَقِ. والمَنُّ: الإعْياء والفَتْرَةُ. ومََنَنْتُ الناقة:
حَسَرْتُها. ومَنَّ الناقة يَمُنُّها مَنّاً ومَنَّنَها ومَنَّن بها:
هزلها من السفر، وقد يكون ذلك في الإنسان. وفي الخبر: أَن أَبا كبير غزا مع
تأَبَّطَ شَرّاً فمَنَّنَ به ثلاثَ ليالٍ أَي أَجهده وأَتعبه.
والمُنَّةُ، بالضم: القوَّة، وخص بعضهم به قوة القلب. يقال: هو ضعيف المُنَّة،
ويقال: هو طويل الأُمَّة حَسَنُ السُّنَّة قوي المُنّة؛ الأُمة: القامة،
والسُّنّة: الوجه، والمُنّة: القوة. ورجل مَنِينٌ
أَي ضعيف، كأنَّ الدهر مَنَّه أَي ذهب بمُنَّته أَي بقوته؛ قال ذو
الرمة:مَنَّهُ السير أَحْمقُ
أَي أَضعفه السير. والمَنينُ: القوي. وَالمَنِينُ: الضعيف؛ عن ابن
الأَعرابي، من الأَضداد؛ وأَنشد:
يا ريَّها، إن سَلِمَتْ يَميني،
وَسَلِمَ الساقي الذي يَلِيني،
ولم تَخُنِّي عُقَدُ المَنِينِ
ومَنَّه السر يَمُنُّه مَنّاً: أَضعفه وأَعياه. ومَنَّه يَمُنُّه
مَنّاً: نقصه. أَبو عمرو: المَمْنون الضعيف، والمَمْنون القويّ. وقال ثعلب:
المَنينُ الحبل القوي؛ وأَنشد لأَبي محمد الأَسدي:
إذا قَرَنْت أَرْبعاً بأَربعِ
إلى اثنتين في مَنين شَرْجَعِ
أَي أَربع آذان بأَربع وَذَماتٍ، والاثنتان عرْقُوتا الدلو. والمَنينُ:
الحبل القويّ الذي له مُنَّةٌ. والمَنِينُ أَيضاً: الضعيف، وشَرْجَعٌ:
طويل.
والمَنُونُ: الموت لأَنه يَمُنُّ كلَّ شيء يضعفه وينقصه ويقطعه، وقيل:
المَنُون الدهر؛ وجعله عَدِيُّ بن زيد جمعاً فقال:
مَنْ رَأَيْتَ المَنُونَ عَزَّيْنَ أَمْ مَنْ
ذا عَلَيْه من أَنْ يُضامَ خَفِيرُ
وهو يذكر ويؤنث، فمن أَنث حمل على المنية، ومن ذَكَّرَ حمل على الموت؛
قال أَبو ذؤيب:
أَمِنَ المَنُونِ ورَيْبه تَتَوَجَّعُ،
والدهرُ ليس بمُعْتِبٍ من يَجْزَعُ؟
قال ابن سيده: وقد روي ورَيْبها، حملاً على المنِيَّة، قال: ويحتمل أَن
يكون التأْنيث راجعاً إلى معنى الجنسية والكثرة، وذلك لأَن الداهية توصف
بالعموم والكثرة والانتشار؛ قال الفارسي: إنما ذكّره لأَنه ذهب به إلى
معنى الجنس. التهذيب: من ذكّر المنون أَراد به الدهر؛ وأَنشد بيت أَبي ذؤيب
أَيضاً:
أَمِنَ المَنُون ورَيْبه تَتَوَجَّعُ
وأَنشد الجوهري للأَعشى:
أَأَن رأَتْ رجلاً أَعْشى أَضرَّ به
رَيْبُ المَنُونِ، ودهْرٌ مُتبلٌ خبِل
ابن الأَعرابي: قال الشَّرْقِيّ بن القُطامِيِّ المَنايا الأحداث،
والحمام الأَجَلُ، والحَتْفُ القَدَرُ، والمَنُون الزمان. قال أَبو العباس:
والمَنُونُ يُحْمَلُ معناه على المَنايا فيعبر بها عن الجمع؛ وأَنشد بيت
عَدِيّ بن زيد:
مَن رأَيْتَ المَنونَ عَزَّيْنَ
أَراد المنايا فلذلك جمع الفعل. والمَنُونُ: المنية لأَنها تقطع
المَدَدَ وتنقص العَدَد. قال الفراء: والمَنُون مؤنثة، وتكون واحدة وجمعاً. قال
ابن بري: المَنُون الدهر، وهواسم مفرد، وعليه قوله تعالى: نَتَرَبَّصُ به
رَيْبَ المَنُونِ؛ أَي حوادث الدهر؛ ومنه قول أَبي ذؤيب:
أَمِنَ المَنُونِ ورَيْبِه تَتَوَجَّعُ
قال: أَي من الدهر وريبه؛ ويدل على صحة ذلك قوله:
والدهرُ ليس بمُعْتِبٍ من يَجْزَعُ
فأَما من قال: وريبها فإنه أَنث على معنى الدهور، ورده على عموم الجنس
كقوله تعالى: أَو الطِّفْل الذين لم يظهروا؛ وكقول أَبي ذؤيب:
فالعَيْن بعدهُمُ كأَنَّ حِدَاقَها
وكقوله عز وجل: ثم اسْتَوى إلى السماء فسَوَّاهُنَّ؛ وكقول الهُذَليِّ:
تَراها الضَّبْعَ أَعْظَمَهُنَّ رأْسا
قال: ويدلك على أَن المَنُون يرادُ بها الدُّهور قول الجَعْديّ:
وعِشْتِ تعيشين إنَّ المَنُو
نَ كانَ المَعايشُ فيها خِساسا
قال ابن بري: فسر الأَصمعي المَنُون هنا بالزمان وأَراد به الأَزمنة؛
قال: ويدُلّك على ذلك قوله بعد البيت:
فَحِيناً أُصادِفُ غِرَّاتها،
وحيناً أُصادِفُ فيها شِماسا
أَي أُصادف في هذه الأَزمنة؛ قال: ومثله ما أَنشده عبد الرحمن عن عمه
الأَصمعي:
غلامُ وَغىً تَقَحّمها فأَبْلى،
فخان بلاءَه الدهرُ الخَؤُونُ
فإن على الفَتى الإقْدامَ فيها،
وليس عليه ما جنت المَنُونُ
قال: والمَنُون يريد بها الدهور بدليل قوله في البيت قبله:
فخانَ بلاءَه الدَّهْرُ الخَؤُونُ
قال: ومن هذا قول كَعْب بن مالك الأَنصاري:
أَنسيتمُ عَهْدَ النبيّ إليكمُ،
ولقد أَلَظَّ وأَكَّدَ الأَيْمانا
أَن لا تَزالوا ما تَغَرَّدَ طائرٌ
أُخْرى المَنُونِ مَوالِياً إخْوانا
أَي إِلى آخر الدهر؛ قال: وأَما قول النابغة:
وكل فَتىً، وإِنْ أَمْشى وأَثْرَى،
سَتَخْلِجُه عن الدنيا المَنُونُ
قال: فالظاهر أَنه المنية؛ قال: وكذلك قول أَبي طالب:
أَيّ شيء دهاكَ أَو غال مَرْعا
ك، وهل أَقْدَمَتْ عليك المَنُون؟
قال: المَنُونُ هنا المنية لا غير؛ وكذلك قول عمرو ابن حَسَّان:
تَمَخَّضَتِ المَنُونُ له بيَوْمٍ
أَنَى، ولكلّ حاملةٍ تَمامُ
وكذلك قول ابن أَحمر:
لَقُوا أُمَّ اللُّهَيْمِ فجَهَّزَتْهُمْ
غَشُومَ الوِرْدِ نَكْنِيها المَنونا
أُم اللُّهَيمِ: اسم للمنية، والمنونُ هنا: المنية؛ ومنه قول أَبي
دُوَادٍ:
سُلِّطَ الموتُ والمَنُونُ عليهم،
فَهُمُ في صَدَى المَقابِرِ هامُ
ومَنَّ عليه يَمُنُّ مَنّاً: أَحسن وأَنعم، والاسم المِنَّةُ. ومَنَّ
عليه وامْتَنَّ وتمَنَّنَ: قَرَّعَه بِمِنَّةٍ؛ أَنشد ثعلب:
أَعْطاكَ يا زَيْدُ الذي يُعْطي النِّعَمْ،
من غيرِ ما تمَنُّنٍ ولا عَدَمْ،
بَوائكاً لم تَنْتَجِعْ مع الغَنَم
وفي المثل: كَمَنِّ الغيثِ على العَرْفَجةِ، وذلك أَنها سريعة الانتفاع
بالغيث، فإِذا أَصابها يابسةً اخضرَّت؛ يقول: أَتَمُنُّ عليَّ كمَنِّ
الغيثِ على العرفجةِ؟ وقالوا: مَنَّ خَيْرَهُ َيمُنُّهُ مَنّاً فعَدَّوْه؛
قال:
كأَني، إِذْ مَنَنْتُ عليك خَيري،
مَنَنْتُ على مُقَطَّعَةِ النِّياطِ
ومَنَّ يَمُنُّ مَنّاً: اعتقد عليه مَنّاً وحسَبَهُ عليه. وقوله عز وجل:
وإِنَّ لكَ لأَجْراً غيرَ مَمْنونِ؛ جاء في التفسير: غير محسوب، وقيل:
معناهُ أَي لا يَمُنُّ الله عليهم
(* قوله «أي لا يمن الله عليهم إلخ»
المناسب فيه وفيما بعده عليك بكاف الخطاب، وكأنه انتقال نظر من تفسير آية:
وإن لك لأجراً، إلى تفسير آية: لهم أجر غير ممنون، هذه العبارة من التهذيب
أو المحكم فإن هذه المادة ساقطة من نسختيهما اللتين بأيدينا للمراجعة).
به فاخراً أَو مُعَظِّماً كما يفعل بخلاءُِ المُنْعِمِين، وقيل: غير
مقطوع من قولهم حبل مَنِين إِذا انقطع وخَلَقَ، وقيل: أَي لا يُمَنُّ به
عليهم. الجوهري: والمَنُّ القطع، ويقال النقص؛ قال لبيد:
غُبْساً كَوَاسبَ لا يُمَنُّ طَعامُها
قال ابن بري: وهذا الشعر في نسخة ابن القطاع من الصحاح:
حتى إِذا يَئِسَ الرُّماةُ، وأَرْسَلوا
غُبْساً كَواسِبَ لا يُمَنُّ طعامُها
قال: وهو غلط، وإِنما هو في نسخة الجوهري عجز البيت لا غير، قال: وكمله
ابن القطاع بصدر بيت ليس هذا عجُزَه، وإِنما عجُزُهُ:
حتى إِذا يَئسَ الرُّماةُ، وأَرسلوا
غُضُفاً دَوَاجِنَ قافلاً أَعْصامُها
قال: وأَما صدر البيت الذي ذكره الجوهري فهو قوله:
لِمُعَفَّرٍ قَهْدٍ تنازَعَ شِلْوَه
غُبْسٌ كوَاسِبُ لا يُمَنُّ طعامُها
قال: وهكذا هو في شعر لبيد، وإِنما غلط الجوهري في نصب قوله غُبْساً،
والله أَعلم.
والمِنِّينَى: من المَنِّ الذي هو اعتقاد المَنِّ على الرجل. وقال أَبو
عبيد في بعض النسخ: المِنَّينى من المَنِّ والامْتنانِ.
ورجل مَنُونَةٌ ومَنُونٌ: كثير الامتنان؛ الأَخيرة عن اللحياني. وقال
أَبو بكر في قوله تعالى: مَنَّ اللهُ علينا؛ يحتمل المَنُّ تأْويلين:
أَحدهما إِحسانُ المُحْسِن غيرَ مُعْتَدٍّ بالإِحسان، يقال لَحِقَتْ فلاناً من
فلان مِنَّةٌ إِذا لَحِقَتْْه نعمةٌ باستنقاذ من قتل أَو ما أَشبهه،
والثاني مَنَّ فلانٌ على فلان إِذا عَظَّمَ الإِحسان وفخَرَ به وأَبدأَ فيه
وأَعاد حتى يُفْسده ويُبَغِّضه، فالأَول حسن، والثاني قبيح. وفي أَسماء
الله تعالى: الحَنّانُ المَنّانُ أَي الذي يُنْعِمُ غيرَ فاخِرٍ
بالإِنعام؛ وأَنشد:
إِن الذين يَسُوغُ في أَحْلاقِهِمْ
زادٌ يُمَنُّ عليهمُ لَلِئامُ
وقال في موضع آخر في شرح المَنَّانِ، قال: معناه المُعْطِي ابتداء، ولله
المِنَّة على عباده، ولا مِنَّة لأَحد منهم عليه، تعالى الله علوّاً
كبيراً. وقال ابن الأَثير: هو المنعم المُعْطي من المَنِّ في كلامهم بمعنى
الإِحسان إِلى من لا يستثيبه ولا يطلب الجزاء عليه. والمَنّانُ: من أَبنية
المبالغة كالسَّفَّاكِ والوَهّابِ، والمِنِّينى منه كالخِصَّيصَى؛
وأَنشد ابن بري للقُطاميّ:
وما دَهْري بمِنِّينَى، ولكنْ
جَزَتْكم، يا بَني جُشَمَ، الجَوَازي
ومَنَّ عليه مِنَّةً أَي امْتَنَّ عليه. يقال: المِنَّةُ تَهْدِمُ
الصَّنيعة. وفي الحديث: ما أَحدٌ أَمَنَّ علينا من ابن أَبي قُحافَةَ أَي ما
أَحدٌ أَجْوَدَ بماله وذات يده، وقد تكرر في الحديث. وقوله عز وجل: لا
تُبْطِلُوا صدقاتكم بالمَنِّ والأَذى؛ المَنُّ ههنا: أَن تَمُنَّ بما أَعطيت
وتعتدّ به كأَنك إِنما تقصد به الاعتداد، والأَذى: أَن تُوَبِّخَ
المعطَى، فأَعلم الله أَن المَنَّ والأَذى يُبْطِلان الصدقة. وقوله عز وجل: ولا
تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرْ؛ أَي لا تُعْطِ شيئاً مقدَّراً لتأْخذ بدله ما هو
أَكثر منه. وفي الحديث: ثلاثة يشْنَؤُهُمُ الله، منهم البخيل المَنّانُ.
وقد يقع المَنَّانُ على الذي لا يعطي شيئاً إِلاَّ مَنَّه واعتَدّ به
على من أَعطاه، وهو مذموم، لأَن المِنَّة تُفْسِد الصنيعةَ.
والمَنُون من النساء: التي تُزَوَّجُ لمالها فهي أَبداً تَمُنُّ على
زوجها. والمَنَّانةُ: كالمَنُونِ. وقال بعض العرب: لا تتزَوَّجَنَّ
حَنَّانةً ولا مَنَّانةً.
الجوهري: المَنُّ كالطَّرَنْجَبينِ. وفي الحديث: الكَمْأَةُ من المَنِّ
وماؤها شفاء للعين. ابن سيده: المَنُّ طَلٌّ ينزل من السماء، وقيل: هو
شبه العسل كان ينزل على بني إِسرائيل. وفي التنزيل العزيز: وأَنزلنا عليهم
المَنَّ والسَّلْوَى؛ قال الليث: المَنُّ كان يسقط على بني إِسرائيل من
السماء إِذْ هُمْ في التِّيه، وكان كالعسل الحامِسِ
حلاوةً. وقال الزجاج: جملة المَنِّ في اللغة ما يَمُنُّ الله عز وجل به
مما لا تعب فيه ولا نَصَبَ، قال: وأَهل التفسير يقولون إِن المَنَّ شيء
كان يسقط على الشجر حُلْوٌ يُشرب، ويقال: إِنه التَّرَنْجَبينُ، وقيل في
قوله، صلى الله عليه وسلم، الكَمْأَةُ من المَنِّ: إِنما شبهها بالمَنِّ
الذي كان يسقط على بني إِسرائيل، لأَنه كان ينزل عليهم من السماء عفواً
بلا علاج، إِنما يصبحون وهو بأَفْنِيَتهم فيتناولونه، وكذلك الكَمْأَة لا
مؤُونة فيها بَبَذْرٍ ولا سقي، وقيل: أَي هي مما منَّ الله به على عباده.
قال أَبو منصور: فالمَنُّ الذي يسقط من السماء، والمَنُّ الاعتداد،
والمَنُّ العطاء، والمَنُّ القطع، والمِنَّةُ العطية، والمِنَّةُ الاعتدادُ،
والمَنُّ لغة في المَنَا الذي يوزن به. الجوهري: والمَنُّ المَنَا، وهو
رطلان، والجمع أَمْنانٌ، وجمع المَنا أَمْناءٌ. ابن سيده: المَنُّ كيل أَو
ميزان، والجمع أَمْنانٌ.
والمُمَنُّ: الذي لم يَدَّعِه أَبٌ
والمِنَنَةُ: القنفذ. التهذيب: والمِنَنةُ العَنْكبوت، ويقال له
مَنُونةٌ. قال ابن بري: والمَنُّ أَيضاً الفَتْرَةُ؛ قال:
قد يَنْشَطُ الفِتْيانُ بعد المَنِّ
التهذيب عن الكسائي قال: مَنْ تكون اسماً، وتكون جَحْداً، وتكون
استفهاماً، وتكون شرْطاً، وتكون معرفة، وتكون نكرة، وتكون للواحد والاثنين
والجمع، وتكون خصوصاً، وتكون للإِنْسِ والملائكة والجِنِّ، وتكون للبهائم إِذا
خلطتها بغيرها؛ وأَنشد الفراء فيمن جعلها اسماً هذا البيت:
فَضَلُوا الأَنامَ، ومَنْ بَرا عُبْدانَهُمْ،
وبَنَوْا بمَكَّةَ زَمْزَماً وحَطِيما
قال: موضع مَنْ خفض، لأَنه قسم كأَنه قال: فَضَلَ
بنو هاشم سائر الناس والله الذي برأ عُبْدانَهُم. قال أَبو منصور: وهذه
الوجوه التي ذكرها الكسائي في تفسير مَنْ موجودة في الكتاب؛ أَما الاسم
المعرفة فكقولك: والسماء ومَنْ بناها؛ معناه والذي بناها، والجَحْدُ
كقوله: ومَنْ يَقْنَطُ من رحمة ربه إِلاَّ الضالُّون؛ المعنى لا يَقْنَطُ.
والاستفهام كثير وهو كقولك: من تَعْني بما تقول؟ والشرط كقوله: من يَعْمَلْ
مثقال ذَرَّةٍ خيراً يره، فهذا شرط وهو عام. ومَنْ للجماعة كقوله تعالى:
ومَنْ عَمِلَ صالحاً فلأَنفسهم يَمْهدون؛ وكقوله: ومن الشياطين مَنْ
يَغُوصون له. وأَما في الواحد فكقوله تعالى: ومنهم مَنْ يَسْتمِعُ إِليك،
فوَحَّدَ؛ والاثنين كقوله:
تَعالَ فإِنْ عاهَدْتَني لا تَخُونني،
نَكُنْ مثلَ مَنْ يا ذِئبُ يَصْطحبانِ
قال الفراء: ثنَّى يَصْطَحِبان وهو فعل لمَنْ لأَنه نواه ونَفْسَه. وقال
في جمع النساء: ومَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لله ورسوله. الجوهري: مَنْ اسم
لمن يصلح أَن يخاطَبَ، وهو مبهم غير متمكن، وهو في اللفظ واحد ويكون في
معنى الجماعة؛ قال الأَعشى
لسْنا كمَنْ حَلَّتْ إِيادٍ دارَها
تَكْريتَ تَنْظُرُ حَبَّها أَن يُحْصَدا
فأَنث فِعْلَ مَنْ لأَنه حمله على المعنى لا على اللفظ، قال: والبيت
رديء لأَنه أَبدل من قبل أَن يتم الاسم، قال: ولها أَربعة مواضع: الاستفهام
نحو مَنْ عندك؟ والخبر نحو رأَيت مَنْ عندك، والجزاء نحو مَنْ يكرمْني
أُكْرِمْهُ، وتكون نكرة نحو مررت بمَنْ محسنٍ أَي بإِنسان محسن؛ قال بشير
بن عبد الرحمن ابن كعب بن مالك الأَنصاري:
وكفَى بنا فَضْلاً، على مَنْ غَيرِنا،
حُبُّ النَّبِيِّ محمدٍ إِيّانا
خفض غير على الإِتباع لمَنْ، ويجوز فيه الرفع على أَن تجعل مَنْ صلة
بإِضمار هو، وتحكى بها الأَعلام والكُنَى والنكرات في لغة أَهل الحجاز إِذا
قال رأَيت زيداً قلت مَنْ زيداً، وإِذا قال رأَيت رجلاً قلت مَنَا لأَنه
نكرة، وإِن قال جاءني رجل قلت مَنُو، وإِن قال مررت برجل قلت مَنِي، وإِن
قال جاءني رجلان قلت مَنَانْ، وإِن قال مررت برجلين قلت مَنَينْ، بتسكين
النون فيهما؛ وكذلك في الجمع إِن قال جاءني رجال قلت مَنُونْ، ومَنِينْ
في النصب والجرّ، ولا يحكى بها غير ذلك، لو قال رأَيت الرجل قلت مَنِ
الرجلُ، بالرفع، لأَنه ليس بعلم، وإِن قال مررت بالأَمير قلت مَنِ
الأَمِيرُ، وإِن قال رأَيت ابن أَخيك قلت مَنِ ابنُ أَخيك، بالرفع لا غير، قال:
وكذلك إِن أَدخلت حرف العطف على مَنْ رفعت لا غير قلت فمَنْ زيدٌ ومَنْ
زيدٌ، وإِن وصلت حذفت الزيادات قلت مَنْ يا هذا، قال: وقد جاءت الزيادة في
الشعر في حال الوصل؛ قال الشاعر:
أَتَوْا ناري فقلتُ: مَنُونَ أَنْتُمْ؟
فقالوا: الجِنُّ قلتُ: عِمُوا ظَلاما
وتقول في المرأَة: مَنَهْ ومَنْتانْ ومَنَاتْ، كله بالتسكين، وإِن وصلت
قلت مَنَةً يا هذا ومناتٍ يا هؤلاء. قال ابن بري: قال الجوهري وإِن وصلت
قلت مَنةً يا هذا، بالتنوين، ومَناتٍ؛ قال: صوابه وإِن وصلت قلت مَنْ يا
هذا في المفرد والمثنى والمجموع والمذكر والمؤنث، وإِن قال: رأَيت رجلاً
وحماراً، قلت مَنْ
وأَيَّا، حذفت الزيادة من الأَول لأَنك وصلته، وإِن قال مررت بحمار ورجل
قلت أَيٍّ ومَنِي، فقس عليه، قال: وغير أَهل الحجاز لا يرون الحكاية في
شيء منه ويرفعون المعرفة بعد مَنْ، اسماً كان أَو كنية أَو غير ذلك. قال
الجوهري: والناس اليوم في ذلك على لغة أَهل الحجاز؛ قال: وإِذا جعلت مَنْ
اسماً متمكناً شددته لأَنه على حرفين كقول خِطامٍ المُجاشِعيّ:
فرَحلُوها رِحْلَةً فيها رَعَنْ،
حتى أَنَخْناها إِلى مَنٍّ ومَنْ
أَي أَبْرَكْناها إِلى رجل وأَيّ رجل، يريد بذلك تعظيم شأْنه، وإِذا
سميت بمَنْ لم تشدّد فقلت هذا مَنٌ ومررت بمَنٍ، قال ابن بري: وإِذا سأَلت
الرجل عن نسبه قلت المَنِّيُّ، وإِن سأَلته عن بلده قلت الهَنِّيُّ؛ وفي
حديث سَطِيح:
يا فاصِلَ الخُطَّةِ أَعْيَتْ مَنْ ومَنْ
قال ابن الأَثير: هذا كما يقال أَعيا هذا الأَمر فلاناً وفلاناً عند
المبالغة والتعظيم أَي أَعيت كلَّ مَنْ جَلَّ قَدْرُه فحذف، يعني أَن ذلك
مما تقصر العبارة عنه لعظمه كما حذفوها من قولهم: بعد اللَّتَيّا والتي،
استعظاماً لشأْن المخلوق. وقوله في الحديث: مَنْ غَشَّنا فليس منا أَي ليس
على سيرتنا ومذهبنا والتمسك بسُنَّتنا، كما يقول الرجل أَنا منْك وإِليك،
يريد المتابعة و الموافقة؛ ومنه الحديث: ليس منّا من حَلَقَ وخَرَقَ
وصَلَقَ، وقد تكرر أَمثاله في الحديث بهذا المعنى، وذهب بعضهم إِلى أَنه
أَراد به النفي عن دين الإِسلام، ولا يصح. قال ابن سيده: مَنْ اسم بمعنى
الذي، وتكون للشرط وهو اسم مُغْنٍ عن الكلام الكثير المتناهي في
البِعادِ والطُّولِ، وذلك أَنك إِذا قلت مَنْ يَقُمْ أَقُمْ معه كفاك ذلك من
جميع الناس، ولولا هو لاحتجت أَن تقول إِن يَقُمْ زيد أَو عمرو أَو جعفر أَو
قاسم ونحو ذلك، ثم تقف حسيراً مبهوراً ولَمّا تَجِدْ إِلى غرضك سبيلاً،
فإِذا قلت مَنْ عندك أَغناك ذلك عن ذكر الناس، وتكون للاستفهام المحض،
وتثنى وتجمع في الحكاية كقولك: مَنَانْ ومَنُونْ ومَنْتانْ ومَناتْ، فإِذا
وصلت فهو في جميع ذلك مفرد مذكر؛ وأَما قول شمر بن الحرث الضَّبِّيِّ:
أَتَوْا ناري فقلتُ: مَنُونَ؟ قالوا:
سَرَاةُ الجِنِّ قلت: عِمُوا ظَلاما
قال: فمن رواه هكذا فإِنه أَجرى الوصل مُجْرَى الوقف، فإِن قلت فإِنه في
الوقف إِنما يكون مَنُونْ ساكن النون، وأَنت في البيت قد حركته، فهو
إِذاً ليس على نية الوصل ولا على نية الوقف؟ فالجواب أَنه لما أَجراه في
الوصل على حده في الوقف فأَثبت الواو والنون التقيا ساكنين، فاضطر حينئذ
إِلى أَن حرك النون لالتقاء الساكنين لإقامة الوزن، فهذه الحركة إِذاً إِنما
هي حركة مستحدثة لم تكن في الوقف، وإِنما اضطر إِليها للوصل؛ قال: فأَما
من رواه مَنُونَ أَنتم فأَمره مشكل، وذلك أَنه شبَّه مَنْ بأَيٍّ فقال
مَنُونَ أَنتم على قوله أَيُّونَ أَنتم، وكما جُعِلَ أَحدهما عن الآخر
هنا كذلك جمع بينهما في أَن جُرِّدَ من الاستفهام كلُّ واحدٍ منهما، أَلا
ترى أَن حكاية يونس عنهم ضَرَبَ مَنٌ مَناً كقولك ضرب رجل رجلاً؟ فنظير
هذا في التجريد له من معنى الاستفهام ما أَنشدناه من قوله الآخر:
وأَسْماءُ، ما أَسْماءُ لَيْلةَ أَدْلَجَتْ
إِليَّ، وأَصحابي بأَيَّ وأَيْنَما
فجعل أَيّاً اسماً للجهة، فلما اجتمع فيها التعريف والتأْنيث منَعَها
الصَّرْفَ، وإِن شئت قلت كان تقديره مَنُون كالقول الأَول، ثم قال أَنتم
أَي أَنتم المقصودون بهذا الاستثبات، كقول عَدِيٍّ:
أَرَوَاحٌ مَوَدّعٌ أَم بُكورُ
أَنتَ، فانْظُرْ لأَيِّ حالٍ تصيرُ
إِذا أَردت أَنتَ الهالكُ، وكذلك أَراد لأَي ذيْنِك. وقولهم في جواب
مَنْ قال رأَيت زيداً المَنِّيُّ يا هذا، فالمَنِّيُّ صفة غير مفيدة، وإِنما
معناه الإِضافة إِلى مَنْ، لا يُخَصُّ بذلك قبيلةٌ معروفة كما أَن مَن
لا يَخُصُّ عيناً، وكذلك تقول المَنِّيّانِ والمَنِّيُّون والمَنِّيَّة
والمَنِّيَّتان والمَنِّيَّات، فإِذا وصلت أَفردت على ما بينه سيبويه، قال:
وتكون للاستفهام الذي فيه معنى التَّعَجُّب نحو ما حكاه سيبويه من قول
العرب: سبحان الله مَنْ هو وما هو؛ وأَما قوله:
جادَتْ بكَفَّيْ كان مِنْ أَرْمى البَشَرْْ
فقد روي مَنْ أَرمى البَشر، بفتح ميم مَنْ، أَي بكفَّيْ مَنْ هو أَرْمى
البشرِ، وكان على هذا زائدة، ولو لم تكن فيه هذه الرواية لَمَا جاز
القياس عليه لفُرُوده وشذوذه عما عليه عقد هذا الموضع، أَلا تراك لا تقول مررت
بوَجْهُه حسنٌ ولا نظرت إِلى غلامُهُ سعيدٌ؟ قال: هذا قول ابن جني،
وروايتنا كان مِنْ أَرْمى البشر أَي بكفَّيْ رجلٍ كان.
الفراء: تكون مِنْ ابتداءَ غاية، وتكون بعضاً، وتكون صِلةً؛ قال الله عز
وجل: وما يَعْزُبُ
عن ربك من مثقال ذَرَّةٍ؛ أَي ما يَعْزُبُ عن علمه وَزْنُ ذَرَّةٍ؛
ولداية الأَحنف فيه:
والله لولا حَنَفٌ برجْلِهِ،
ما كان في فِتْيَانِكُمْ مِنْ مِثْلِهِ
قال: مِنْ صِلةٌ ههنا، قال: والعرب تُدْخِلُ مِنْ على جمع المَحالّ إِلا
على اللام والباء، وتدخل مِنْ على عن ولا تُدْخِلُ عن عليها، لأَن عن
اسم ومن من الحروف؛ قال القطامي:
مِنْ عَنْ يمين الحُبَيّا نَظْرةٌ قَبَلُ
قال أَبو عبيد: والعرب تضَعُ مِن موضع مُذْ، يقال: ما رأَيته مِنْ سنةٍ
أَي مُذْ سنةٍ؛ قال زهير:
لِمَنِ الدِّيارُ، بقُنَّةِ الحِجْرِ،
أَقْوَيْنَ من حِجَجٍ ومن دَهْرِ؟
أَي مُذْ حِجَجٍ. الجوهري: تقول العرب ما رأَيته مِنْ سنةٍ أَي منذُ
سنة. وفي التنزيل العزيز: أُسِّسَ على التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ
يوم؛ قال: وتكون مِنْ بمعنى على كقوله تعالى: ونصرناه مِنَ القوم؛ أَي
على القوم؛ قال ابن بري: يقال نصرته مِنْ فلان أَي منعته منه لأَن الناصر
لك مانع عدوّك، فلما كان نصرته بمعنى منعته جاز أَن يتعدّى بمن، ومثله
فلْيَحْذَرِ
الذين يُخالِفون عن أَمره، فعدّى الفعل بمعَنْ حَمْلاً على معنى
يَخْرُجون عن أَمره، لأَن المخالفة خروج عن الطاعة، وتكن مِنْ بعَنْ البدل كقول
الله تعالى: ولو نشاء لَجَعَلْنا منكم مَلائكةً؛ معناه: ولو نشاء لجعلنا
بَدَلَكُم، وتكون بمعنى اللام الزائدة كقوله:
أَمِنْ آلِ ليلى عَرَفْتَ الدِّيارا
أَراد أَلآلِ ليْلى عرفت الديارا. ومِنْ، بالكسر: حرف خافض لابتداء
الغاية في الأَماكن، وذلك قولك مِنْ مكان كذا وكذا إِلى مكان كذا وكذا، وخرجت
من بَغْداد إِلى الكوفة، و تقول إِذا كتبت: مِنْ فلانٍ إِلى فلان، فهذه
الأَسماء التي هي سوى الأَماكن بمنزلتها؛ وتكون أَيضاً للتبعيض، تقول:
هذا من الثوب، وهذا الدِّرْهم من الدراهم، وهذا منهم كأَنك قلت بعضه أَو
بعضهم؛ وتكون للجنس كقوله تعالى: فإن طِبْنَ لكم عن شيء منه نَفْساً. فإن
قيل: كيف يجوز أَن يقبل الرجلُ المَهْرَ
كله وإِنما قال منه؟ فالجواب في ذلك أَنَّ مِنْ هنا للجنس كما قال
تعالى: فاجتنبوا الرِّجْسَ من الأَوثان، ولم نُؤْمَرْ
باجتناب بعض الأَوثان، ولكن المعنى فاجتنبوا الرِّجْسَ الذي هو وَثَنٌ،
وكُلُوا الشيء الذي هو مَهْرٌ، وكذلك قوله عز وجل: وعَدَ الله الذين
آمنوا وعملوا الصالحات منهم مَغْفرةً وأَجراً عظيماً. قال: وقد تدخل في موضعٍ
لو لم تدخل فيه كان الكلام مستقيماً ولكنها توكيد بمنزلة ما إِلا أَنها
تَجُرُّ لأَنها حرف إِضافة، وذلك قولك: ما أَتاني مِنْ رجلٍ، وما رأَيت
من أَحد، لو أَخرجت مِنْ كان الكلام مستقيماً، ولكنه أُكِّدَ بمِنْ لأَن
هذا موضع تبعيض، فأَراد أَنه لم يأْته بعض الرجال، وكذلك: ويْحَهُ من رجل
إِنما أَراد أَن جعل التعجب من بعض، وكذلك: لي مِلْؤُهُ من عَسَل، وهو
أَفضل من زيد، إِنما أَراد أَن يفضله على بعض ولا يعم، وكذلك إِذا قلت
أَخْزَى اللهُ الكاذِبَ مِنِّي ومِنْكَ إِلا أَن هذا وقولَكَ أَفضل منك لا
يستغنى عن مِنْ فيهما، لأَنها توصل الأَمر إِلى ما بعدها. قال الجوهري:
وقد تدخل منْ توكيداً لَغْواً، قال: قال الأَخفش ومنه قوله تعالى: وتَرَى
الملائكةَ خافِّينَ من حَوْلِ العرش؛ وقال: ما جَعَلَ الله لِرَجُلٍ من
قلبين في جوفه، إِنما أَدْخلَ مِنْ توكيداً كما تقول رأَيت زيداً نفسه.
وقال ابن بري في استشهاده بقوله تعالى: فاجتنبوا الرِّجْسَ من الأَوْثانِ،
قال: مِنْ للبيان والتفسير وليست زائدة للتوكيد لأَنه لا يجوز إسقاطها
بخلاف وَيْحَهُ من رجلٍ. قال الجوهري: وقد تكون مِنْ للبيان والتفسير كقولك
لله دَرُّكَ مِنْ رجلٍ، فتكون مِنْ مفسرةً للاسم المَكْنِيِّ في قولك
دَرُّك وتَرْجَمةٌ عنه. وقوله تعالى: ويُنَزِّلُ من السماء من جبال فيها من
بَرَدٍ؛ فالأُولى لابتداء الغاية، والثانية للتبعيض، والثالثة للبيان.
ابن سيده: قا ل سيبويه وأَما قولك رأَيته من ذلك الموضع فإِنك جعلتَه غاية
رؤْيتك كما جعلته غاية حيث أَردت الابتداء والمُنْتَهى. قال اللحياني:
فإِذا لَقِيَتِ
النونُ أَلف الوصل فمنهم من يخفض النون فيقول مِنِ القوم ومِنِ ابْنِكَ.
وحكي عن طَيِّءٍ وكَلْبٍ: اطْلُبُوا مِنِ الرحمن، وبعضهم يفتح النون عند
اللام وأَلف الوصل فيقول مِنَ القوم ومِنَ ابْنِكَ، قال: وأُراهم إِنما
ذهبوا في فتحها إِلى الأَصل لأَن أَصلها إِنما هو مِنَا، فلما جُعِلَتْ
أَداةً حذفت الأَلف وبقيت النون مفتــوحة، قال: وهي في قُضَاعَةَ؛ وأَنشد
الكسائي عن بعض قُضاعَةَ:
بَذَلْنا مارِنَ الخَطِِّّيِّ فيهِمْ،
وكُلَّ مُهَنَّدٍ ذَكَرٍ حُسَامِ
مِنَا أَن ذَرَّ قَرْنُ الشمس حتى
أَغاثَ شَرِيدَهمْ فَنَنُ الظلامِ
قال ابن جني: قال الكسائي أَراد مِنْ، وأَصلُها عندهم مِنَا، واحتاج
إِليها فأَظهرها على الصحة هنا. قال ابن جني: يحتمل عندي أَن كون منَا
فِعْلاً من مَنَى يَمْني إِذا قَدَّرَ كقوله:
حتى تُلاقي الذي يَمْني لك الماني
أَي يُقَدِّرُ لك المُقَدِّرُ، فكأَنه تقدير ذلك الوقتِ وموازنته أَي من
أَول النهار لا يزيد ولا ينقص. قال سيبويه: قال مِنَ الله ومِنَ الرسول
ومِنَ المؤْمنين ففتحوا، وشبَّهوها بأَيْنَ وكَيْفَ، عني أَنه قد كان
حكمها أَن تُكْسَرَ
لالتقاء الساكنين، لكن فتحوا لما ذكر، قال: وزعموا أَن ناساً يقولون
مِنِ اللهِ فيكسرونه ويُجْرُونه على القياس، يعني أَن الأَصل في كل ذلك أَن
تكسر لالتقاء الساكنين؛ قال: وقد اختلفت العرب في مِنْ إِذا كان بعدها
أَلف وصل غير الأَلف واللام، فكسره قوم على القياس، وهي أَكثر في كلامهم
وهي الجيدة، ولم يَكْسِروا في أَلف اللام لأَنها مع أَلف اللام أَكثر، إِذ
الأَلف واللام كثيرة في الكلام تدخل في كل اسم نكرة، ففتحوا استخفافاً
فصار مِنِ الله بمنزلة الشاذ، وكذلك قولك مِنِ ابنك ومِنِ امْرِئٍ، قال:
وقد فتح قوم فصحاء فقالوا مِنَ ابْنكَ فأَجْرَوْها مُجْرى قولك مِنَ
المسلمين، قال أَبو إِسحق: ويجوز حذف النون من مِنْ وعَنْ عند الأَلف واللام
لالتقاء الساكنين، وحذفها من مِنْ أَكثر من حذفها من عَنْ لأَن دخول مِن
في الكلام أَكثر من دخول عَنْ؛ وأَنشد:
أَبْلِغْ أَبا دَخْتَنُوسَ مأْلُكَةً
غَيْر الذي قَدْ يقال م الكَذِبِ
قال ابن بري: أَبو دَخْتَنُوس لَقِيطُ بنُ زُرَارَة ودَخْتَنُوسُ بنته.
ابن الأَعرابي: يقال مِنَ الآن ومِ الآن، يحذفون؛ وأَنشد:
أَلا أَبْلغَ بَني عَوْفٍ رَسولاً،
فَمَامِ الآنَ في الطَّيْرِ اعتذارُ
يقول لا أََعتذر بالتَّطَيُّرِ، أَنا أُفارقكم على كل حال. وقولهم في
القَسَم: مِنْ رَبِّي ما فعلت، فمنْ حرف جر وضعت موضع الباء ههنا، لأَن
حروف الجر ينوب بعضها عن بعض إِذا لم يلتبس المعنى.
صرط: الأَزهري: قرأَ ابن كثير ونافع وأَبو عمرو وابن عامر وعاصم
والكسائي: اهْدِنا الصّراطَ المستقيم، بالصاد، وقرأَ يعقوب بالسين، قال: وأَصل
صاده سين قلبت مع الطاء صاداً لقُرب مخارجها. الجوهري: الصراطُ والسراطُ
والزّراطُ الطريق؛ قال الشاعر:
أَكُرُّ على الحَرُورِيِّينَ مُهْرِي،
وأَحْمِلُهم على وضَحِ الصِّراطِ
مأي: مَأَيْتُ في الشيء أَمْأَى مَأْياً: بالغتُ. ومأَى الشجرُ مَأْياً:
طَلَع، وقيل: أَوْرَقَ. ومَأَوْتُ الجلْدَ والدَّلوَ والسِّقاءَ مأْواً
ومَأَيْتُ السقاءَ مَأْياً إِذا وَسَّعْتَه ومددته حتى يتسع. وتَمَأّى
الجلدُ يَتَمَأّى تَمَئيّاً تَوَسَّع، وتَمَأَّتِ الدلوُ كذلك، وقيل:
تَمَئيِّها امتدادها، وكذلك الوعاء، تقول: تَمَأَّى السِّقاءُ والجِلدُ فهو
يَتَمأَّى تَمَئيِّاً وتَمَؤُّواً، وإِذا مددتَه فاتَّسع، وهو
تَفَعُّل؛وقال:
دَلْوٌ تَمَأَّى دُبِغَتْ بالحُلَّبِ،
أَو بأَعالي السَّلَمِ المُضَرَّبِ،
بُلَّتْ بِكَفَّيْ عَزَبٍ مُشَذَّبِ،
إِذا اتَّقَتْكَ بالنَّفِيِّ الأَشْهَبِ،
فلا تُقَعْسِرْها ولكِنْ صَوِّبِ
وقال الليث: المَأْيُ النَّمِيمة بين القوم. مأَيْتُ بين القوم: أَفسدت.
وقال الليث: مَأَوْتُ بينهم إِذا ضربت بعضهم ببعض، ومَأَيتُ إِذا
دَبَبْتَ بينهم بالنميمة؛ وأَنشد:
ومَأَى بَيْنَهُمْ أَخُو نُكُراتٍ
لمْ يَزَلْ ذا نَمِيمَةٍ مأْآأَا
وامرأَة مَأْآءَةٌ: نَمَّامةٌ مثل مَعَّاعةٍ، ومُسْتَقْبِلُه يَمْأَى.
قال ابن سيده: ومَأَى بين القوم مَأْيّاً أَفسَدَ ونَمَّ. الجوهري: مَأَى
ما بينهم مَأْياً أَي أَفسد؛ قال العجاج:
ويَعْتِلُونَ مَن مأَى في الدَّحْسِ،
بالمأْسِ يَرْقَى فوقَ كلِّ مَأْسِ
والدَّحْسُ والمَأْسُ: الفساد. وقد تَمَأّى ما بينهم أَي فسد. وتَمَأْى
فيهم الشَّر: فَشا واتَّسع. وامرأَة ماءةٌ، على مثل ماعةٍ: نَمَّامَةٌ
مقلوب، وقياسه مآةٌ على مِثال مَعاةٍ.
وماءَ السِّنَّوْرُ يَمُوءُ مُواءً
(* قوله« وماء السنور يموء مواء» كذا
في الأصل وهو من المهموز، وعبارة القاموس: مؤاء بهمزتين.) ومأَتِ
السنورُ كذلك إِذا صاحت، مثل أَمَتْ تَأْمُو أُماء؛ وقال غيره: ماء السنورُ
يَمْوءُ كَمَأَى. أَبو عمرو: أَمْوَى إِذا صاح صِياحَ السنورِ.
والمِائةُ: عدد معروف، وهي من الأَسماء الموصوف بها، حكى سيبويه: مررت
برجُلٍ مائةٍ إِبلُه، قال: والرفع الوجه، والجمع مِئاتٌ ومئُونَ على وزن
مِعُونَ، ومِئٌ مثال مِعٍ، وأَنكر سيبويه هذه الأَخيرة، قال: لأَن بنات
الحرفين لا يُفعل بها كذا، يعني أَنهم لا يجمعون عليها ما قد ذهب منها في
الإِفراد ثم حذفَ الهاء في الجمع، لأَن ذلك إِجحاف في الاسم وإِنما هو
عند أَبي علي المِئِيُّ. الجوهري في المائة من العدد: أَصلها مِئًي مثل
مِعًى، والهاء عوض من الياء، وإِذا جمعت بالواو والنون قلت مِئُون، بكسر
الميم، وبعضهم يقول مُؤُونَ، بالضم؛ قال الأَخفش: ولو قلت مِئاتٌ مثل مِعاتٍ
لكان جائزاً؛ قال ابن بري: أَصلها مِئْيٌ. قال أَبو الحسن: سمعت مِئْياً
في معنى مِائةٍ عن العرب، ورأَيت هنا حاشية بخط الشيخ رضِيّ الدِّين
الشاطبي اللغوي رحمه الله قال: أَصلها مِئْيةٌ، قال أَبو الحسن: سمعت مِئْيةً
في معنى مِائةٍ، قال: كذا حكاه الثمانيني في التصريف، قال: وبعض العرب
يقول مائة درهم، يشمون شيئاً من الرفع في الدال ولا يبينون، وذلك الإِخفاء،
قال ابن بري: يريد مائة درهم بإدغام التاء في الدال من درهم ويبقى
الإِشمام على حدّ قوله تعالى: ما لك لا تَأْمَنَّا؛ وقول امرأَة من بني
عُقَيْل تَفْخَرُ بأَخوالها من اليمن، وقال أَبو زيد إِنه للعامرِيَّة:
حَيْدَةُ خالي ولَقِيطٌ وعَلي،
وحاتِمُ الطائيُّ وهَّابُ المِئِي،
ولمْ يكنْ كخالِك العَبْدِ الدَّعِي
يَأْكلُ أَزْمانَ الهُزالِ والسِّني
هَناتِ عَيْرٍ مَيِّتٍ غيرِ ذَكي
قال ابن سيده: أَراد المِئِيَّ فخفف كما قال الآخر:
أَلَمْ تكنْ تَحْلِفُ باللهِ العَلي
إِنَّ مَطاياكَ لَمِنْ خَيرِ المَطِي
ومثله قول مُزَرِّد:
وما زَوّدُوني غير سَحْقِ عَباءةٍ،
وخَمْسِمِئٍ منها قَسِيٌّ وزائفُ
(* قوله« عباءة» في الصحاح: عمامة.)
قال الجوهري: هما عند الأَخفش محذوفان مرخمان. وحكي عن يونس: أَنه جمع
بطرح الهاء مثل تمرة وتمر، قال: وهذا غير مستقيم لأَنه لو أَراد ذلك لقال
مِئًى مثل مِعًى، كما قالوا في جمع لِثةٍ لِثًى، وفي جمع ثُبةٍ ثُباً؛
وقال في المحكم في بيت مُزَرِّد: أَرادَ مُئِيٍّ فُعُول كحِلْيةٍ وحُلِيٍّ
فحذف، ولا يجوز أَن يريد مِئِين فيحذف النون، لو أَراد ذلك لكان مئِي
بياء، وأما في غير مذهب سيبويه فمِئٍ من خَمْسِمِئٍ جمع مائة كسِدْرة
وسِدْرٍ، قال: وهذا ليس بقويّ لأَنه لا يقال خَمْسُ تَمْرٍ، يراد به خَمْس
تَمْرات، وأَيضاً فإِنَّ بنات الحرفين لا تجمع هذا الجمع، أَعني الجمع الذي
لا يفارق واحده إِلا بالهاء؛ وقوله:
ما كانَ حامِلُكُمْ مِنَّا ورافِدُكُمْ
وحامِلُ المِينَ بَعْدَ المِينَ والأَلَفِ
(* قوله« ما كان حاملكم إلخ» تقدم في أ ل ف: وكان.)
إنما أَراد المئين فحذف الهمزة، وأَراد الآلاف فحذف ضرورة. وحكى أَبو
الحسن: رأَيت مِئْياً في معنى مائة؛ حكاه ابن جني، قال: وهذه دلالة قاطعة
على كون اللام ياء، قال: ورأَيت ابن الأَعرابي قد ذهب إِلى ذلك فقال في
بعض أَماليه: إِنَّ أَصل مائة مِئْيةٌ، فذكرت ذلك لأَبي علي فعجب منه أَن
يكون ابن الأَعرابي ينظر من هذه الصناعة في مثله، وقالوا ثلثمائةٍ
فأَضافوا أَدنى العدد إِلى الواحد لدلالته على الجمع كما قال:
في حَلْقِكُمْ عَظْمٌ وقَدْ شَجِينا
وقد يقال ثلاث مِئاتٍ ومِئِينَ، والإِفراد أَكثر على شذوذه، والإِضافة
إِلى مائة في قول سيبويه ويونس جميعاً فيمن ردَّ اللام مِئَوِيٌّ
كمِعَوِيٍّ، ووجه ذلك أَنَّ مائة أَصلها عند الجماعة مِئْية ساكنة العين، فلما
حذفت اللام تخفيفاً جاورت العين تاء التأْنيث فانفتحت على العادة والعرف
فقيل مائة، فإِذا رددت اللام فمذهب سيبويه أَن تقرأَ العين بحالها متحركة،
وقد كانت قبل الرد مفتــوحة فتقلب لها اللام أَلفاً فيصير تقديرها مِئاً
كَثِنًى، فإِذا أَضفت إِليها أَبدلت الأَلف واواً فقلت مِئَوِيٌّ
كَثِنَوِيٍّ، وأَما مذهب يونس فإِنه كان إِذا نسب إِلى فَعْلة أَو فِعْلة مما لامه
ياء أَجراهُ مجْرى ما أَصله فَعِلة أَو فِعِلة، فيقولون في الإِضافة
إِلى ظَبْيَة ظَبَوِيٌّ، ويحتج بقول العرب في النسبة إِلى بِطْيَة بِطَوِيّ
وإِلى زِنْيَة زِنَوِيّ، فقياس هذا أَن تجري مائة وإِن كانت فِعْلة مجرى
فِعَلة فتقول فيها مِئَوِيٌّ فيتفق اللفظان من أَصلين مختلفين. الجوهري:
قال سيبويه يقال ثَلَثمائةٍ، وكان حقه أَن يقولوا مِئِينَ أَو مِئاتٍ كما
تقول ثلاثة آلاف، لأَن ما بين الثلاثة إِلى العشرة يكون جماعة نحو ثلاثة
رجال وعشرة رجال، ولكنهم شبهوه بأَحد عشر وثلاثة عشر، ومن قال مِئِينٌ
ورَفَع النونَ بالتنوين ففي تقديره قولان: أَحدهما فِعْلِينٌ مثل
غِسْلِينٍ وهو قول الأَخفش وهو شاذ، والآخر فِعِيل، كسروا لكسرة ما بعده وأَصله
مِئِيٌّ ومُئِيٌّ مثال عِصِيّ وعُصِيّ، فأَبدلوا من الياء نوناً. وأَمْأَى
القومُ: صاروا مائةً وأَمايتهم أَنا، وإِذا أَتممت القومَ بنفسك مائةً
فقد مَأَيْتَهم، وهم مَمْئِيُّون، وأَمْأَوْاهم فهم مُمْؤُون. وإِن
أَتممتهم بغيرك فقد أَمْأَيْتَهُمْ وهم مُمْأَوْنَ. الكسائي: كان القوم تسعة
وتسعين فأَمْأَيْتُهم، بالأَلف، مثل أَفعَلْتُهم، وكذلك في الأَلف
آلَفْتُهم، وكذلك إِذا صاروا هم كذلك قلت: قد أَمْأَوْا وآلَفُوا إِذا صاروا
مائةً أَو أَلْفاً. الجوهري: وأَمْأَيْتُها لك جعلتها مائةً. وأَمْأَتِ
الدراهمُ والإِبلُ والغنمُ وسائر الأَنواع: صارت مائةً، وأَمْأَيْتها مِائةً.
وشارطْتُه مُماآةً أَي على مائةٍ؛ عن ابن الأَعرابي، كقولك شارطته
مُؤالفةً. التهذيب: قال الليث المائةُ حذفت من آخرها واو، وقيل: حرف لين لا
يدرى أَواو هو أَو ياء، وأَصل مِائة على وزن مِعْية، فحولت حركة الياء إِلى
الهمزة، وجمعها مِأَايات على وزن مِعَيات، وقال في الجمع: ولو قلت مِئات
بوزن مِعات لجاز.
والمَأْوة: أَرض منخفضة، والجمع مَأْوٌ.
مطا: المَطْوُ: الجِدُّ والنَّجاء في السير، وقد مَطا مَطْواً؛ قال
امرؤُ القيس:
مَطَوْتُ بهم حتَّى يَكِلَّ غَرِيُّهُمْ،
وحتَّى الجِيادُ ما يُقَدْنَ بأَرْسانِ
(* قوله« غريهم» كذا في الأصل. وعبارة القاموس: الغريّ كغني الحسن منا
ومن غيرنا، وبعد هذا فالذي في الديوان: حتى تكل مطيهم.)
ومَطا إِذا فتح عينيه، وأَصل المَطْو المدّ في هذا. ومَطا إِذا
تَمَطَّى. ومَطا الشيءَ مَطْواً: مدَّه. ومَطا بالقوم مَطْواً: مدَّ بهم.
وتَمَطَّى الرجل: تَمدَّد. والتَّمَطِّي: التبختر ومَدُّ اليدين في المشي، ويقال
التَّمَطِّي مأْخوذ من المَطِيطةِ وهو الماءُ الخاثر في أَسفل الحوض
لأَنه يَتَمَطَّطُ أَي يتمَدَّد، وهو مثل تَظَنَّيْتُ من الظَّنَّ
وتَقَضَّيْتُ من التَّقَضُّض، والمُطَواءُ من التَّمَطِّي على وزن الغُلَواءِ،
وذكر ابن بري المَطا التَّمَطِّي؛ قال ذَرْوةُ بن جُحْفةَ الصَّمُوتي:
شَمَمْتُها إِذْ كَرِهَتْ شَمِيمِي،
فَهْيَ تَمَطَّى كمَطا المَحْمُومِ
وإِذا تَمَطَّى على الحُمَّى فذلك المُطَواءُ، وقد تقدَّم تفسير
المَطِيطاء وهو الخُيَلاءُ والتَّبَخْتُر. وفي الحديث: إِذا مَشَتْ أُمَّتي
المُطَيْطا، بالمد والقصر؛ هي مِشْية فيها تَبَخْتُر ومَدُّ اليدين. ويقال:
مَطَوْتُ ومَطَطْتُ بمعنى مدَدْت؛ قال ابن الأَثير: وهي من المصغرات التي
لم يستعمل لها مكبر، والله أَعلم. وقوله تعالى: ثم ذَهَب إِلى أَهله
يَتمَطَّى؛ أَي يتبختر، يكون من المَطِّ والمَطْوِ، وهما المدّ، ويقال:
مَطَوْتُ بالقوم مَطْواً إِذا مدَدْت بهم في السير. وفي حديث أَبي بكر، رضي
الله عنه: أَنه مَرَّ على بلال وقد مُطِيَ في الشمس يُعذَّبُ فاشتراه
وأَعْتَقه؛ معنى مُطِيَ أَي مُدَّ وبُطحَ في الشمس. وكلُّ شيءٍ مَدَدْتَه فقد
مَطَوْتَه؛ ومنه المَطْوُ في السَّيْر. ومَطا الرجلُ يَمْطو إِذا سارَ
سيراً حسَناً؛ قال رؤبة:
به تَمَطَّت غَوْلَ كلِّ مِيلَهِ،
بنا حَراجِيجُ المَطِيِّ النُّفَّهِ
تَمَطَّتْ بنا أَي سارَتْ بنا سَيْراً طَويلاً ممدوداً؛ ويروى:
بنا حراجِيجُ المَهاري النُّفَّهِ
وقوله أَنشده ثعلب:
تَمَطَّتْ به أُمُّه في النِّفاس،
فليسَ بِيَتْنٍ ولا تَوْأَمِ
فسَّره فقال: يريد أَنها زادت على تسعة أَشهر حتى نَضَّجَتْهُ وجرَّتْ
حَمْلَه؛ وقال الآخر:
تَمَطَّتْ به بَيْضاءُ فَرْعٌ نَجِيبةٌ
هِجانٌ، وبَعْضُ الوالِداتِ غَرامُ
وتَمَتَّى: كَتَمَطَّى على البدل، وقيل لأَعرابي: ما هذا الأَثر بوجهك؟
فقال: من شِدَّة التَّمَتِّي في السجود. وتمَطَّى النهارُ: امتدَّ وطال،
وقيل: كلُّ ما امْتَدَّ وطال فقد تمَطَّى. وتمَطَّى بهم السَفرُ:
امْتَدَّ وطالَ، وتمَطَّى بك العهْدُ كذلك، والاسم من كل ذلك المُطَواءُ.
والمَطاةُ والمَطا أَيضاً: التَّمَطِّي؛ عن الزجاجي، حكاه في الجُمل قرنه
بالمَطا الذي هو الظَّهْر. والمَطِيَّةُ من الدَّوابِّ التي تَمُطُّ في سيرها،
وهو مأْخوذ من المَطْوِ أَي المَدّ. قال ابن سيده: المَطِيَّة من
الدَّوابِّ التي تَمْطُو في سيرها، وجمعها مطايا ومَطِيٌّ؛ ومن أَبيات
الكتاب:متى أَنامُ لا يُؤَرِّقْني الكَرِي
ليْلاً، ولا أَسْمَعُ أَجْراسَ المَطِي
قال سيبويه: أَراد لا يُؤَرِّقْني الكَرِيُّ فاحتاجَ فأَشمَّ الساكنَ
الضمة، وإِنما قال سيبويه ذلك لأَن بعده ولا أَسمعُ، وهو فعل مرفوع،
فحُكْمُ الأَول الذي عُطف عليه هذا الفعل أَن يكون مرفوعاً، لكن لما لم يمكنه
أَن يُخلص الحركة في يؤرِّقْني أَشمها وحمل أَسمعُ عليه لأَنه وإِن كانت
الحركة مشمة فإِنها في نية الإِشباع، وإِنما قلنا في الإِشمام هنا إِنه
ضرورة لأَنه لو قال لا يؤرقني فأَشبع لخرج من الرجز إِلى الكامل، ومحال أَن
يجمع بين عروضين مختلفين؛ وأَنشد الأَخفش:
أَلم تَكُنْ حَلَفْتَ باللهِ العَلي،
أَنَّ مَطاياكَ لَمِنْ خَيْرِ المَطي؟
جعل التي في موضع ياءٍ فَعِيلٍ القافية وأَلقى المتحركة لما احتاج إِلى
إِلقائها، وقد قال قوم: إِنما أَلقى الزائد وذلك ليس بحسن لأَنه مستخفٌّ
للأَوَّل، وإِنما يَرْتَدِع عند الثانية، فلما جاءَ لفظ لا يكون مع
الأَول تركه كما يقف على الثقيل بالخفة؛ قال ابن جني: ذهب الأَخفش في العلي
والمطي إِلى حذف الحرف الأَخير الذي هو لام وتبقية ياء فعيل، وإِن كانت
زائدة، كما ذهب في نحو مَقُول ومَبيع إِلى حذف العين وإِقرار واو مفعول،
وإِن كانت زائدة، إِلا أَن جهة الحذف هنا وهناك مختلفتان لأَن المحذوف من
المَطيّ والعليّ الحرف الآخر، والمحذوف في مقول لعلة ليست بعلة الحذف في
المطِيّ والعَليّ، والذي رآه في المَطِيّ حسن لأَنك لا تتناكر الياء
الأُولى إِذا كان الوزن قابلاً لها وهي مكلمة له، أَلا ترى أَنها بإِزاءِ نون
مستفْعلن؟ وإِنما استغنى الوزن عن الثانية فإِياها فاحذف، ورواه قطرب:
أَنّ مطاياك، بفتح أَن مع اللام، وهذا طريق، والوجه الصحيح كسر إِن لتزول
الضرورة، إِلا أَنا سمعناها مفتــوحة الهمزة.
وقد مَطَتْ مَطْواً. وامْتَطاها: اتخذها مَطِيَّةً. وامْتَطاها
وأَمْطاها: جعلها مَطِيَّتَه.
والمَطِيَّةُ: الناقة التي يُرْكب مَطاها. والمَطِيَّةُ: البعير
يُمْتَطى ظهره، وجمعه المَطايا، يقع على الذكر والأُنثى. الجوهري: المَطِيَّةُ
واحدة المَطِيِّ والمَطايا، والمَطِيُّ واحد وجمع، يذكر ويؤنث، والمَطايا
فَعالى، أَصله فَعائلُ إِلا أَنه فُعِل به ما فُعِلَ بخَطايا. قال أَبو
العميثل: المطية تذكر وتؤنث؛ وأَنشد أَبو زيد لربيعة بن مَقْرُوم
الضَّبِّي جاهلي:
ومَطِيّةٍ، مَلَثَ الظَّلامِ، بَعَثْتُه
يَشْكُو الكَلالَ إِليَّ دامي الأَظْلَل
قال أَبو زيد: يقال منه امْتَطَيتها أَي اتخذتها مَطِيَّةً. وقال
الأُموي: امتطيناها أَي جعلناها مَطايانا. وفي حديث خزيمة: تَرَكَتِ المُخَّ
راراً والمَطِيَّ هاراً؛ المَطِيّ: جمع مطية وهي الناقة التي يركب مَطاها
أَي ظهرها، ويقال: يُمْطى بها في السير أَي يُمَدُّ، والهارُ: الساقطُ
الضعيف. والمَطا، مقصور: الظَّهر لامتداده، وقيل: هو حَبْل المتن من عَصَب
أَو عَقَب أَو لحم، والجمع أَمْطاء. والمَطْوُ: جريدة تُشَقُّ بشِقَّيْنِ
ويُحْزَم بها القَتُّ من الزرع، وذلك لامتدادها. والمَطْوُ: الشِّمراخ،
بلغة بَلْحَرثِ بن كعب، وكذلك التَّمطِيةُ، والجمع مِطاء، والمَطا، مقصور:
لغة فيه؛ عن ابن الأَعرابي. وقال أَبو حنيفة: المَطْوُ والمِطْوُ،
بالكسر، عِذْق النخلة، والجمع مِطاء مثل جَرْو وجِراء؛ قال ابن بري: شاهد
الجمع قول الراجز:
تَخَدَّدَ عن كَوافِرِه المِطاء
والمَطْوُ والمِطْوُ جميعاً: الكُباسة والعاسي؛ وأَنشد أَبو زياد:
وهَتَفُوا وصَرَّحُوا يا أَجْلَحْ،
وكان هَمّي كلَّ مُطْوٍ أَمْلَحْ
كذا أَنشده مُطو، بالضم، وهذا الرجز أَورده الشيخ محمد بن بري مستشهداً
به على المِطو، بالكسر، وأَورده بالكسر، ورأَيت حاشية بخط الشيخ رضي
الدين الشاطبي، رحمه الله: قال علي بن حمزة البصري وقد جاءَ عن أَبي زياد
الكلابي فيه الضم. ومَطا الرجلُ إِذا أَكل الرطب من الكُباسة. والمِطْوُ:
سَبَل الذُّرة. والأُمْطِيُّ: الذي يُعمل منه العِلْكُ، واللُّبايةُ شجر
الأُمْطِيّ. ومِطْوُ الشيء: نظيره وصاحبه؛ وقال:
نادَيْت مِطْوِي، وقد مالَ النهارُ بهمْ،
وعَبْرةُ العين جارٍ دَمْعُها سَجمُ
ومَطا إِذا صاحبَ صَدِيقاً. ومِطْو الرجل: صديقُه وصاحبه ونظيره،
سَرَوِيَّةٌ، وقيل: مِطْوه صاحبه في السفر لأَنه كان إِذا قُويِس به فقد مُدَّ
معه؛ قال يصف سَحاباً، وقال ابن بري: هو لرجل من أَزْد السَّراة يصف
برقاً، وذكر الأَصبهاني أَنه ليعلى بن الأَحول:
فَظَلْتُ، لدى البَيْتِ الحَرامِ، أُخِيلُه،
ومِطْوايَ مُشْتاقانِ لَهُ أَرِقانِ
(* عجز البيت مختلّ الوزن.)
أَي صاحِبايَ، ومعنى أُخِيله أَنظر إِلى مَخِيلته، والهاءُ عائدة على
البرق في بيت قبله، وهو:
أَرِقْتُ لِبَرْقٍ دُونه شَرَوانِ
يَمانٍ، وأَهْوَى البَرْقَ كلَّ يَمانِ
والمَطا أَيضاً: لغة فيه، والجمع أَمْطاءٌ ومَطِيٌّ، الأَخيرة اسم
للجمع؛ قال أَبو ذؤيب:
لقد لاقَ المَطِيَّ بنَجْدِ عُفْرٍ
حديثٌ، إِنْ عَجِبْتَ له، عَجِيبُ
والأُمْطِيُّ: صمغ يؤكل، سمي به لامتداده، وقيل: هو ضرب من نبات الرمل
يمتدّ وينفرش. وقال أَبو حنيفة: الأُمْطِيُّ شجر ينبت في الرَّمْل
قُضْباناً، وله عِلْك يُمْضَغ؛ قال العجاج ووصف ثور وحش:
وبالفِرِنْدادِ له أُمطِيُّ
وكل ذلك من المَدِّ لأَن العلكَ يَمْتَدّ.
الأَصمعي:
كما رأَيتَ الوَرَقَ المَمْحِيَّا
قال الجوهري: وامْتَحى لغة ضعيفة.
والماحي: من أَسماء سيدنا رسول الله،صلى الله عليه وسلم، مَحا الله به
الكفرَ وآثارَه، وقيل: لأَنه يَمحُو الكفرَ ويُعَفِّي آثارَه بإِذن
الله.والمَحْوُ: السواد الذي في القمر كأَن ذلك كان نَيِّراً فمُحِي.
والمَحْوة: المَطْرة تمحُو الجَدْبَ؛ عن ابن الأَعرابي. وأَصبحت الأَرض
مَحْوةً واحدة إِذا تَغَطَّى وجْهُها بالماء حتى كأَنها مُحِيَتْ. وتركتُ
الأَرضَ مَحْوةً واحدة إِذا طَبَّقَها المطرُ، وفي المحكم: إِذا جِيدَتْ
كلُّها، كانت فيها غُدْرانٌ أَو لم تكن. أَبو زيد: تَرَكْتِ السماءُ
الأَرضَ مَحْوةً واحدة إِذا طَبَّقَها المطرُ. ومَحوَة: الدَّبُورُ لأَنها
تمحو السحابَ معرفة، فإِن قلت: إِنَّ الأَعلام أَكثر وقوعها في كلامهم
إِنما هو على الأَعيان المرئِيَّاتِ، فالريح وإِن لم تكن مرئية فإِنها على
كل حال جسم، أَلا ترى أَنها تُصادِمُ الأَجرام، وكلُّ ما صادَمَ الجِرْم
جِرْمٌ لا مَحالة، فإِن قيل: ولم قَلَّتِ الأَعلام في المعاني وكثرت في
الأَعيان نحو زيد وجعفر وجميع ما علق عليه علم وهو شخص؟ قيل: لأَن الأَعيان
أَظهر للحاسة وأَبدى إِلى المشاهدة فكانت أَشبه بالعَلَمِية مما لا يُرى
ولا يشاهد حسّاً، وإِنما يعلم تأَمُّلاً واستدلالاً، وليست من معلوم
الضرورة للمشاهدة، وقيل: مَحْوةُ اسم للدَّبُور لأَنها تَمْحُو الأَثَرَ؛
وقال الشاعر:
سَحابات مَحَتْهُنَّ الدَّبُورُ
وقيل: هي الشَّمال. قال الأَصمعي وغيره: من أَسماء الشَّمال مَحْوةُ،
غير مصروفة. قال ابن السكيت: هَبَّتْ مَحْوةُ اسمُ الشَّمال مَعْرِفة؛
وأَنشد:
قَدْ بكَرَتْ مَحْوةُ بالعَجَاجِ،
فَدَمَّرَتْ بَقِيَّةَ الرَّجَاجِ
وقيل: هو الجَنوب، وقال غيره: سُمِّيت الشَّمالُ مَحْوةَ لأَنها تَمْحُو
السحابَ وتَذْهَبُ بها. ومَحْوة: ريح الشَّمَال لأَنها تَذْهَبُ
بالسحاب، وهي معرفة لا تنصرف ولا تدخلها أَلف ولام؛ قال ابن بري: أَنكر علي بن
حمزة اختصاص مَحْوَة بالشَّمال لكونها تَقْشَعُ السحابَ وتَذْهَب به، قال:
وهذا موجود في الجَنوب؛ وأَنشد للأَعشى:
ثمَّ فاؤوا على الكَريهَةِ والصَّبْـ
رِ، كما تَقْشَعُ الجَنُوبُ الجَهاما
ومَحْوٌ: اسم موضع بغير أَلف ولام. وفي المحكم: والمَحْوُ اسم بلد؛ قالت
الخنساء:
لِتَجْرِ الحَوادِثُ بَعْدَ الفَتَى الْـ
ـمُغَادَرِ، بالمَحْو، أَذْلالهَا
والأَذْلالُ: جمع ذِلّ، وهي المسالك والطُّرُق. يقال: أُمورُ الله
تَجْري على أَذْلالها أَي على مجَاريها وطُرُقِها.
والمِمْحاةُ: خِرْقة يزال بها المَنيُّ ونحوه.