مؤنث الإسم اللاتيني كارلوس؛ أو الإنجليزية تشارلز بمعنى القوي. يستخدم للإناث.
مؤنث الإسم اللاتيني كارلوس؛ أو الإنجليزية تشارلز بمعنى القوي. يستخدم للإناث.
نكر: النُّكْرُ والنَّكْراءُ: الدَّهاءُ والفِطنة. ورجل نَكِرٌ ونَكُرٌ
ونُكُرٌ ومُنْكَرٌ من قوم مَناكِير: دَاهٍ فَطِنٌ؛ حكاه سيبويه. قال ابن
جني: قلت لأَبي عليّ في هذا ونحوه: أَفتقول إِنّ هذا لأَنه قد جاء عنهم
مُفْعِلٌ ومِفْعالٌ في معنى واحد كثيراً، نحو مُذْكِرٍ ومِذْــكارٍ
ومُؤْنِثٍ ومِئْناثٍ ومُحْمِق ومِحْماقٍ وغير ذلك، فصار جمع أَحدهما كجمع صاحبه،
فإِذا جَمَعَ مُحْمِقاً فكأَنه جمع مِحْماقاً، وكذلك مَسَمٌّ ومَسامّ،
كما أَن قولهم دِرْعٌ دِلاصٌ وأَدْرُعٌ دِلاصٌ وناقة هِجانٌ ونوقٌ هِجانٌ
كُسِّرَ فيه فِعالٌ على فِعالٍ من حيث كان فِعالٌ وفَعِيلٌ أُختين،
كلتاهما من ذوات الثلاثة، وفيه زائدة مَدَّة ثالثة، فكما كَسَّرُوا فَعِيلاً
على فِعالٍ نحو ظريف وظراف وشريف وشراف، كذلك كَسَّرُوا فِعالاً على فِعال
فقالوا درع دِلاصٌ وأَدْرُعٌ دِلاصٌ، وكذلك نظائره؟ فقال أَبو عليّ: فلست
أَدفع ذلك ولا آباه. وامرأَة نَكرٌ، ولم يقولوا مُنْكَرَةٌ ولا غيرها من
تلك اللغات. التهذيب: امرأَة نَكْراء ورجل مُنْكرٌ دَاهٍ، ولا يقال
للرجل أَنْكَرُ بهذا المعنى. قال أَبو منصور: ويقال فلان ذو نَكْراءَ إِذا
كان داهِياً عاقلاً. وجماعة المُنْكَرِ من الرجال: مُنْكَرُونَ، ومن غير
ذلك يجمع أَيضاً بالمناكير؛ وقال الأُقيبل القيني:
مُسْتَقْبِلاً صُحُفاً تدْمى طَوابِعُها،
وفي الصَّحائِفِ حَيَّاتٌ مَناكِيرُ
والإِنْــكارُ: الجُحُودُ. والمُناكَرَةُ: المُحارَبَةُ. وناكَرَهُ أَي
قاتَلَهُ لأَن كل واحد من المتحاربين يُناكِرُ الآخر أَي يُداهِيه
ويُخادِعُه. يقال: فلان يُناكِرُ فلاناً. وبينهما مُناكَرَةٌ أَي مُعاداة
وقِتالٌ. وقال أَبو سفيان بن حرب: إِن محمداً لم يُناكِرْ أَحداً إِلا كانت معه
الأَهوالُ أَي لم يحارب إِلا كان منصوراً بالرُّعْبِ.
وقوله تعالى: أَنْكَرَ الأَصواتِ لَصَوْتُ الحمير؛ قال: أَقبح الأَصوات.
ابن سيده: والنُّكْرُ والنُّكُرُ الأَمر الشديد. الليث: الدَّهاءُ
والنُّكْرُ نعت للأَمر الشديد والرجل الداهي، تقول: فَعَلَه من نُكْرِه
ونَــكارَــتِه. وفي حديث معاوية، رضي الله عنه: إِني لأَكْرَهُ النَّــكارَــةَ في
الرجل، يعني الدَّهاءَ. والنَّــكارَــةُ: الدَّهاء، وكذلك النُّكْرُ، بالضم.
يقال للرجل إِذا كان فَطِناً مُنْكَراً: ما أَشدّ نُكْرَه ونَكْرَه أَيضاً،
بالفتح. وقد نَكُرَ الأَمر، بالضم، أَي صَعُبَ واشتَدَّ. وفي حديث أَبي
وائل وذكر أَبا موسى فقال: ما كان أَنْكَرَه أَي أَدْهاهُ، من النُّكْرِ،
بالضم، وهو الدَّهاءُ والأَمر المُنْكَرُ.
وفي حديث بعضهم:
(* قوله« وفي حديث بعضهم» عبارة النهاية: وفي حديث عمر
بن عبد العزيز) كنتَ لي أَشَدَّ نَكَرَةٍ؛ النكرة، بالتحريك: الاسم من
الإِنْــكارِ كالنَّفَقَةِ من الإِنفاق، قال: والنَّكِرَةُ إِنــكارك الشيء،
وهو نقيض المعرفة. والنَّكِرَةُ: خلاف المعرفة. ونَكِرَ الأَمرَ نَكِيراً
وأَنْكَرَه إِنْــكاراً ونُكْراً: جهله؛ عن كراع. قال ابن سيده: والصحيح أَن
الإِنــكار المصدر والنُّكْر الاسم. ويقال: أَنْكَرْتُ الشيء وأَنا
أُنْكِرُه إِنــكاراً ونَكِرْتُه مثله؛ قال الأَعشى:
وأَنْكَرَتْني، وما كان الذي نَكِرَتْ
من الحوادثِ إِلا الشَّيْبَ والصَّلَعا
وفي التنزيل العزيز: نَكِرَهُمْ وأَوْجَسَ منهم خِيفَةً؛ الليث: ولا
يستعمل نَكِرَ في غابر ولا أَمْرٍ ولا نهي. الجوهري: نَكِرْتُ الرجلَ،
بالكسر، نُكْراً ونُكُوراً وأَنْكَرْتُه واسْتَنْكَرْتُه كله بمعنى. ابن سيده:
واسْتَنْكَرَه وتَناكَرَه، كلاهما: كنَكِرَه. قال: ومن كلام ابن جني:
الذي رأَى الأَخفشُ في البَطِيِّ من أَن المُبْقاةَ إِنما هي الياءُ
الأُولى حَسَنٌ لأَنك لا تَتَناكَرُ الياءَ الأُولى إِذا كان الوزن قابلاً لها.
والإِنْــكارُ: الاستفهام عما يُنْكِرُه، وذلك إِذا أَنْكَرْتَ أَن
تُثْبِتَ رَأْيَ السائل على ما ذَكَرَ، أَو تُنْكِرَ أَن يكون رأْيه على خلاف
ما ذكر، وذلك كقوله: ضربتُ زيداً، فتقول مُنْكِراً لقوله: أَزَيْدَنِيهِ؟
ومررتُ بزيد، فتوقل: أَزَيْدِنِيهِ؟ ويقول: جاءني زيد، فتقول:
أَزَيْدُنِيه؟ قال سيبويه: صارت هذه الزيادة عَلَماً لهذا المعنى كعَلمِ
النَّدْبَةِ، قال: وتحركت النون لأَنها كانت ساكنة ولا يسكن حرفان. التهذيب:
والاسْتِنْــكارُ استفهامك أَمراً تُنْكِرُه، واللازمُ من فَعْلِ النُّكْرِ
المُنْكَرِ نَكُرَ نَــكارَــةً.
والمُنْكَرُ من الأَمر: خلاف المعروف، وقد تكرر في الحديث الإِنْــكارُ
والمُنْكَرُ، وهو ضد المعروف، وكلُّ ما قبحه الشرع وحَرَّمَهُ وكرهه، فهو
مُنْكَرٌ، ونَكِرَه يَنْكَرُه نَكَراً، فهو مَنْكُورٌ، واسْتَنْكَرَه فهو
مُسْتَنْكَرٌ، والجمع مَناكِيرُ؛ عن سيبويه. قال أَبو الحسن: وإِنما
أَذكُرُ مثل هذا الجمع لأَن حكم مثله أَن الجمع بالواو والنون في المذكر
وبالأَلف والتاء في المؤنث. والنُّكْرُ والنَّكْراءُ، ممدود: المُنْكَرُ. وفي
التنزيل العزيز: لقد جئت شيئاً نُكْراً، قال: وقد يحرك مثل عُسْرٍ
وعُسُرٍ؛ قال الشاعر الأَسْوَدُ بنُ يَعْفُرَ:
أَتَوْني فلم أَرْضَ ما بَيَّتُوا،
وكانوا أَتَوْني بِشيءٍ نُكُرْ
ِلأُنْكِحَ أَيِّمَهُمْ مُنْذِراً،
وهل يُنْكحُ العبدَ حُرٌّ لِحُرّْ؟
ورجل نَكُرٌ ونَكِرٌ أَي داهٍ مُنْكَرٌ، وكذلك الذي يُنْكِرُ
المُنْكَرَ، وجمعهما أَنْــكارٌ، مثل عَضُدٍ وأَعْضادٍ وكَبِدٍ وأَكباد.
والتَّنَكُّرُ: التَّغَيُّرُ، زاد التهذيب: عن حالٍ تَسُرُّكَ إِلى حال
تَكْرَهُها منه. والنَّكِيرُ: اسم الإِنْــكارِ الذي معناه التغيير. وفي
التنزيل العزيز: فكيف كان نَكِيري؛ أَي إِنــكاري. وقد نَكَّرَه فتَنَكَّرَ
أَي غَيَّرَه فتَغَيَّرَ إِلى مجهولٍ. والنَّكِيرُ والإِنــكارُ: تغيير
المُنْكَرِ. والنَّكِرَةُ: ما يخرج من الحُوَلاءِ والخُراجِ من دَمٍ أَو
قَيْحٍ كالصَّدِيد، وكذلك من الزَّحِيرِ. يقال: أُسْهِلَ فلانٌ نَكِرةً
ودَماً، وليس له فِعْلٌ مشتق.
والتَّناكُرُ: التَّجاهُلُ. وطريقٌ يَنْكُورٌ: على غير قَصْدٍ.
ومُنْكَرٌ ونَكِيرٌ: اسما ملَكَينِ، مُفْعَلٌ وفَعيلٌ؛ قال ابن سيده:
مُنْكَرٌ ونَكِيرٌ فَتَّانا القبور. وناكُورٌ: اسم. وابن نُكْرَةَ: رجل من
تَيْمٍ كان من مُدْرِكي الخيلِ السوابق؛ عن ابن الأَعرابي. وبنو
نُكْرَةَ: بطن من العرب.
بكر: البُكْرَةُ: الغُدْوَةُ. قال سيبويه: من العرب من يقول أَتيتك
بُكْرَةً؛ نَكِرَةٌ مُنَوَّنٌ، وهو يريد في يومه أَو غده. وفي التنزيل
العزيز: ولهم زرقهم فيها بُكرة وعشيّاً. التهذيب: والبُكْرَةُ من الغد، ويجمع
بُكَراً وأَبْــكاراً، وقوله تعالى: وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عذابٌ
مُسْتَقِرّ؛ بُُكْرَةٌ وغُدْوَةٌ إِذا كانتا نكرتين نونتا وصرفتا، وإذا
أَرادوا بهما بكرة يومك وغداة يومك لم تصرفهما، فبكرة ههنا نكرة. والبُكُور
والتَّبْكيرُ: الخروج في ذلك الوقت. والإبْــكارُ: الدخول في ذلك الوقت.
الجوهري: وسِيرَ علي فرسك بُكْرَةً وبَكَراً كما تقول سَحَراً. والبَكَرُ:
البُكْرَةُ.
وقال سيبويه: لا يُستعمل الا ظرفاً. والإبْــكارُ: اسم البُكْرَةِ
الإصباح، هذا قول أَهل اللغة، وعندي أَنه مصدر أَبْكَرَ.
وبَكَرَ على الشي وإِليه يَبْكُرُ بُكُوراً وبكَّرَ تَبْكِيراً
وابْتَكَرَ وأَبْكَرَ وباكَرَهُ: أَتاهُ بُكْرةً، كله بمعنى.
ويقال: باكَرْتُ الشيء إِذا بكَّرُت له؛ قال لبيد:
باكَرْتُ جاجَتَها الدجاجَ بِسُحْرَةٍ
معناه بادرت صقيع الديك سحراً إِلى حاجتى. ويقال: أَتيته باكراً، فمن
جعل الباكر نَعْتاً قال للأُنثى باكِرَةٌ، ولا يقال بَكُرَ ولا بَكِرَ إِذا
بَكَّرَ، ويقال: أَتيته بُكرة، بالضم، أَي باكِراً، فإِن أَردت به
بُكْرَةَ يوم بعينه، قلت: أَتيته بُكْرَةَ، غير مصروف، وهي من الظروف التي لا
تتمكن. وكل من بادر إلى شيء، فقد أَبكر عليه وبَكَّرَ أَيَّ وَقْتٍ كانَ.
يقال: بَكِّرُوا بصلاة المغرب أَي صَلُّوها عند سقوط القُرْص. وقوله
تعالى: بالعَشِيِّ والإِبْــكارِ؛ جعل الإِبــكار وهو فعل يدل على الوقت وهو
البُكْرَةُ، كما قال تعالى: بالغُدوّ والآصال؛ جعل الغدوّ وهو مصدر يدل على
الغداة.
ورجل بَكُرٌ في حاجته وبَكِرٌ، مثل حَذُرٍ وحَذِرٍ، وبَكِيرٌ؛ صاحب
بُكُورٍ قَوِيٍّ على ذلك؛ وبَكِرٌ وبَكِيرٌ: كلاهما على النسب إِذ لا فعل له
ثلاثياً بسيطاً. وبَكَرَ الرجلُ: بَكَّرَ.
وحكى اللحياني عن الكسائي: جِيرانُك باكِرٌ؛ وأَنشد:
يا عَمْرُو جِيرانُكُمُ باكِرُ،
فالقلبُ لا لاهٍ ولا صابِرُ
قال ابن سيده: وأُراهم يذهبون في ذلك إِلى معنى القوم والجمع لأن لفظ
الجمع واحد، إِلاَّ أَن هذا إِنما يستعمل إِذا كان الموصوف معرفة لا يقولون
جِيرانٌ باكِرٌ؛ هذا قول أَهل اللغة؛ قال: وعندي أَنه لا يمتنع جِيرانٌ
باكِرٌ كما لا يمتنع جِيرانُكُمْ باكِرٌ. وأَبْكَرَ الوِرْدَ والغَداءَ
إِبْــكاراً: عاجَلَهُما. وبَكَرْتُ على الحاجة بُكُوراً وغَدَوْتُ عليها
غُدُوّاً مثل البُكُورِ، وأَبْكَرْتُ غيري وأَبْكَرْتُ الرجلَ على صاحبه
إِبــكاراً حتى بَكَرَ إِليه بُكُوراً. أَبو زيد: أَبْكَرْتُ على الوِرْدِ
إِبْــكاراً، وكذلك أَبكرت الغداء. وأَبْكَرَ الرجلُ: وردت إِبله بُكْرَةً.
ابن سيده: وبَكَّرَهُ على أَصحابه وأَبْكَرةً عليهم جعله يَبْكُرُ عليهم.
وبَكِرَ: عَجِلَ. وبَكَّرَ وتَبَكَّرَ وأَبْكَرَ: تقدّم.
والمُبْكِرُ والباكُورُ جميعاً، من المطر: ما جاء في أَوَّل
الوَسْمِيِّ. والباكُورُ من كل شيء: المعَجَّلُ المجيء والإِدراك، والأُنثى باكورة؛
وباكورة الثمرة منه. والباكورة: أَوَّل الفاكهة. وقد ابْتَكَرْتُ الشيءَ
إِذا استوليت على باكورته. وابْتَكَرَ الرجلُ: أَكل باكُورَةَ الفاكهة.
وفي حديث الجمعة: من بَكَّرَ يوم الجمعة وابْتَكَرَ فله كذا وكذا؛ قالوا:
بَكَّرَ أَسرع وخرج إِلى المسجد باكراً وأَتى الصلاة في أَوّل وقتها؛ وكل
من أَسرع إِلى شيء، فقد بَكَّرَ إِليه.
وابْتَكَرَ: أَدرك الخُطْبَةَ من أَوَّلها، وهو من الباكورة. وأَوَّلُ
كُلِّ شيء: باكُورَتُه. وقال أَبو سعيد في تفسير حديث الجمعة: معناه من
بكر إِلى الجمعة قبل الأَذان، وإِن لم يأْتها باكراً، فقد بَكَّرْ؛ وأَما
ابْتِــكارُــها فأَنْ يُدْرِكَ أَوَّلَ وقتها، وأَصلُه من ابْتِــكارِ الجارية
وهو أَخْذُ عُذْرَتها، وقيل: معنى اللفظين واحد مثل فَعَلَ وافْتَعَلَ،
وإِنما كرر للمبالغة والتوكيد كما قالوا: جادٌّ مُجِدُّ. قال: وقوله
غَسَلَ واغْتَسَلَ، غَسَل أَي غسل مواضع الوضوء، كقوله تعالى: فاغسلوا وجوهكم؛
واغتسل أَي غسل البدن. والباكور من كل شيء: هو المُبَكِّرُ السريع
الإِدْراكِ، والأُنثى باكُورَةٌ. وغيث بَكُورٌ: وهو المُبَكِّرُ في أَوَّل
الوَسْمِيّ، ويقال أَيضاً: هو الساري في آخر الليل وأَول النهار؛
وأَنشد:جَرَّرَ السَّيْلُ بها عُثْنُونَهُ،
وتَهادَتْها مَداليجٌ بُكُرْ
وسحابة مِدْلاجٌ بَكُورٌ. وأَما قول الفرزدق: أَو أَبْــكارُ كَرْمٍ
تُقْطَفُ؛ قال: واحدها بِكْرٌ وهو الكَرْمُ الذي حمل أَوّل حمله.
وعَسَلٌ أَبْــكارٌ: تُعَسِّلُه أَبْــكارُ النحل أَي أَفتاؤها ويقال: بل
أَبْــكارُ الجواري تلينه. وكتب الحجاج إِلى عامل له: ابعثْ إِلَيَّ بِعَسَلِ
خُلاَّر، من النحل الأَبــكار، من الدستفشار، الذي لم تمسه النار؛ يريد
بالأَبــكار أَفراخ النحل لأَن عسلها أَطيب وأَصفى، وخلاّر: موضع بفارس،
والدستفشار: كلمة فارسية معناها ما عَصَرَتْهُ الأَيْدِي؛ وقال الأَعشى:
تَنَحَّلَها، مِنْ بَــكارِ القِطاف،
أُزَيْرقُ آمِنُ إِكْسَادِهَا
بــكار القطاف: جمع باكر كما يقال صاحِبٌ وصِحابٌ، وهو أَول ما يُدْرِك.
الأَصمعي: نار بِكْرٌ لم تقبس من نار، وحاجة بِكْرٌ طُلبت حديثاً.
وأَنا آتيك العَشِيَّةَ فأُبَكِّر أَي أُعجل ذلك؛ قال:
بَكَرَتْ تَلُومُكَ، بَعْدَ وَهْنٍ في النِّدَى؛
بَسْلٌ عَلَيْكِ مَلامَتِي وعِتابي
فجعل البكور بعد وهن؛ وقيل: إِنما عنى أَوَّل الليل فشبهه بالبكور في
أَول النهار. وقال ابن جني: أَصل «ب ك ر» إِنما هو التقدم أَيَّ وقت كان من
ليل أَو نهار، فأَما قول الشاعر: «بكرت تلومك بعد وهن» فوجهه أَنه اضطر
فاستعمل ذلك على أَصل وضعه الأَول في اللغة، وترك ما ورد به الاستعمال
الآن من الاقتصار به على أَول النهار دون آخره، وإِنما يفعل الشاعر ذلك
تعمداً له أَو اتفاقاً وبديهة تهجم على طبعه. وفي الحديث؛ لا يزال الناس
بخير ما بَكَّرُوا بصلاة المغرب؛ معناه ما صلَّوها في أَول وقتها؛ وفي
رواية: ما تزال أُمتي على سُنَّتي ما بَكَّرُوا بصلاة المغرب. وفي حديث آخر:
بَكِّرُوا بالصلاة في يوم الغيم، فإِنه مَن ترك العصر حبط عمله؛ أَي
حافظوا عليها وقدّموها. والبِكِيرَةُ والباكُورَةُ والبَكُورُ من النخل، مثل
البَكِيرَةِ: التي تدرك في أَول النخل، وجمع البَكُورِ بُكُرٌ؛ قال
المتنخل الهذلي:
ذلك ما دِينُك، إِذ جُنِّبَتْ
أَحْمالُها كالبُكُرِ المُبْتِلِ
وصف الجمع بالواحد كأَنه أَراد المُبْتِلَةَ فحذف لأَن البناء قد انتهى،
ويجوز لأَن يكون المُبْتِل جمع مُبْتِلَة، وإِن قلّ نظيره، ولا يجوز أَن
يعني بالبُكُرِ ههنا الواحدة لأَنه إِنما نعت حُدوجاً كثيرة فشبهها
بنخيل كثيرة، وهي المِبْــكارُ؛ وأَرْضٌ مِبْــكار: سريعة الإِنبات؛ وسحابة
مِبــكار وبَكُورٌ: مِدْلاجٌ من آخر الليل؛ وقوله:
إِذا وَلَدَتْ قَرَائبُ أُمِّ نَبْلٍ،
فذاكَ اللُّؤْمُ واللَّقَحُ البَكُورُ (قوله: «نبل» بالنون والباء
الموحدة كذا في الأَصل).
أَي إِنما عجلت بجمع اللؤْم كما تعجل النخلة والسحابة.
وبِكرُ كُلِّ شيء: أَوّله؛ وكُلُّ فَعْلَةٍ لم يتقدمها مثلها، بِكْرٌ.
والبِكْرُ: أَوَّل ولد الرجل، غلاماً كان أَو جارية. وهذا بِكْرُ أَبويه
أَي أَول ولد يولد لهما، وكذلك الجارية بغير هاء؛ وجمعهما جميعاً أَبــكار.
وكِبْرَةُ ولد أَبويه: أَكبرهم. وفي الحديث: لا تُعَلِّمُوا أَبْــكارَ
أَولادكم كُتُبَ النصارى؛ يعني أَحداثكم. وبِكْرُ الرجل بالكسر: أَوّل ولده،
وقد يكون البِكْرُ من الأَولاد في غير الناس كقولهم بِكْرُ الحَيَّةِ.
وقالوا: أَشدّ الناس بِكْرٌ ابنُ بِكْرَيْن، وفي المحكم: بِكْرُ
بِكْرَيْن؛ قال:
يا بِكْرَ بِكْرَيْنِ، ويا خِلْبَ الكَبِدْ،
أَصبَحتَ مِنِّي كذراع مِنْ عَضُدْ
والبِكْرُ: الجارية التي لم تُفْتَضَّ، وجمعها أَبْــكارٌ. والبِكْرُ من
النساء: التي لم يقربها رجل، ومن الرجال: الذي لم يقرب امرأَة بعد؛ والجمع
أَبْــكارٌ. ومَرَةٌ بِكْرٌ: حملت بطناً واحداً. والبِكْرُ: العَذْراءُ،
والمصدر البَــكارَــةُ، بالفتح. والبِكْرُ: المرأَة التي ولدت بطناً واحداً،
وبِكْرُها ولدها، والذكر والأُنثى فيه سواء؛ وكذلك البِكْرُ من الإِبل.
أَبو الهيثم: والعرب تسميى التي ولدت بطناً واحداً بِكْراً بولدها الذي
تَبْتَكْرُ به، ويقال لها أَيضاً بِكْرٌ ما لم تلد، ونحو ذلك قال الأَصمعي:
إِذا كان أَوّل ولد ولدته الناقة فهي بِكْرٌ. وبقرة بِكْرٌ: فَتِيَّةٌ
لم تَحْمِلْ. ويقال: ما هذا الأَمر منك بِكْراً ولا ثِنْياً؛ على معنى ما
هو بأَوّل ولا ثان؛ قال ذو الرمة:
وقُوفاً لَدَى الأَبْوابِ، طُلابَ حاجَةٍ،
عَوانٍ من الحاجاتِ، أَو حاجَةً بِكْرَا
أَبو البيداء: ابْتَكَرَتِ الحاملُ إِذا ولدت بِكْرَها، وأَثنت في
الثاني، وثَلَّثَتْ في الثالث، وربعت وخمست وعشرت. وقال بعضهم: أَسبعت وأَعشرت
وأَثمنت في الثامن والسابع والعاشر. وفي نوادر الأَعراب: ابْتَكَرَتِ
المرأَةُ ولداً إِذا كان أَول ولدها ذكراً، واثْتَنَيَتْ جاءت بولدٍ
ثِنْيٍ، واثْتَنَيْتُ وَلَدَها الثالث، وابْتَكَرْتُ أَنا واثْنَيَلتُ
واثْتَلَثْتُ. والبِكْرُ: النَّاقَةُ التي ولدت بطناً واحداً، والجمع أَبْــكارٌ؛
قال أَبو ذؤيب الهذلي:
وإِنَّ حَدِيثاً مِنْكِ لَوْ تَبْذُلِينَهُ،
جَنَى النَّحْلِ في أَلْبانِ عُودٍ مَطافِلِ
مَطافِيلِ أَبْــكارٍ حَدِيثٍ نِتَاجُها،
تُشابُ بماءٍ مثلِ ماءِ المَفَاصِلِ
وبِكْرُها أَيضاً: وَلَدُها، والجمع أَبْــكارٌ وبِــكارٌ. وبقرة بِكْرٌ: لم
تَحْمِلْ، وقيل: هي الفَتِيَّةُ.
وفي التنزيل: لا فارِضٌ ولا بِكْرٌ؛ أَي ليست بكبيرة ولا صغيرة، ومعنى
ذلك: بَيْنَ البِكْرِ والفارِضِ؛ وقول الفرزدق:
إِذا هُنَّ ساقَطْنَ الحَدِيثَ، كَأَنَّهُ
جَنعى النَّحْل أَوْ أَبْــكارُ كَرْمٍ تُقَطَّفُ
عني الكَرْمَ البِكْرَ الذي لم يحمل قبل ذلك؛ وكذلك عَمَلُ أَبْــكار، وهو
الذي عملته أَبْــكار النحل. وسحابة بكْرٌ: غَزيرَةٌ بمنزلة البكْرِ من
النساء؛ قال ثعلب: لأَن دمها أَكثر من دم الثيِّب، وربما قيل: سَحابٌ
بكْرٌ؛ أَنشد ثعلب:
ولَقَدْ نَظَرْتُ إِلى أَغَرَّ مُشَهَّرٍ،
بِكْرٍ تَوَسَّنَ في الخَمِيلَةِ عُونَا
وقول أَبي ذؤيب:
وبِكْرٍ كُلَّمَا مُسَّتْ أَصَاتَتْ،
تَرَنُّمَ نَغْمِ ذي الشُّرُعِ العَتِيقِ
إِنما عنى قوساً أَوَّل ما يرمي عنها، شبه ترنمها بنغم ذي الشُّرُع وهو
العود الذي عليه أَوتار. والبِكْرُ: الفَتِيُّ من الإِبل، وقيل: هو
الثَّنيُّ إِلى أَن يُجْذِعَ، وقيل: هو ابن المخاض إِلى أَن يُثْنِيَ، وقيل:
هو ابن اللَّبُونِ، والحِقُّ والجَذَعُ، فإِذا أَثْنى فهو جَمَلٌ وهي
ناقة، وهو بعير حتى يَبْزُلَ، وليس بعد البازل سِنُّ يُسَمَّى، ولا قبل
الثَّنهيِّ سنّ يسمى؛ قال الأَزهري: هذا قول ابن الأَعرابي وهو صحيح؛ قال:
وعليه شاهدت كلام العرب، وقيل: هو ما لم يَبْزُلْ، والأُنثى بِكْرَةٌ، فإِذا
بَزَلا فجمل وناقة، وقيل: البِكْرُ ولد الناقة فلم يُحَدَّ ولا وُقِّتَ،
وقيل: البِكْرُ من الإِبل بمنزلة الفَتِيِّ من الناس، والبِكْرَةُ
بمنزلة الفتاة، والقَلُوصُ بمنزلة الجارية، والبَعِيرُ بمنزلة الإِنسان،
والجملُ بمنزلةِ الرجلِ، والناقةُ بمنزلةِ المرأَةِ، ويجمع في القلة على
أَبْكُرٍ. قال الجوهري: وقد صغره الراجز وجمعه بالياء والنون فقال:
قَدْ شَرِبَتْ إِلاَّ الدُّهَيْدِهِينَا
قُلَيِّصَاتٍ وأُبَيْكِريِنَا
وقيل في الأُنثى أَيضاً: بِكْرٌ، بلا هاء. وفي الحديث: اسْتَسْلَفَ
رسولُ الله، صلى الله عليه وسلم، من رجل بَكْراً؛ البَكر، بالفتح: الفَتِيُّ
من الإِبل بمنزلة الغلام من الناس، والأُنثى بَكْرَةٌ، وقد يستعار للناس؛
ومنه حديث المتعة: كأَنها بَكْرَةٌ عَيْطاء أَي شابة طويلة العنق في
اعتدال. وفي حديث طهفة: وسقط الأُملوج من البــكارة؛ البِــكارة، بالكسر: جمع
البَكْرِ، بالفتح؛ يريد أَن السِّمَنَ الذي قد علا بِــكَارَــةَ الإِبل بما
رعت من هذا الشجر قد سقط عنها فسماه باسم المرعى إِذ كان سبباً به؛ وروى
بيت عمرو بن كلثوم:
ذِراعَيْ عَيْطَلٍ أَدْماءَ بَكْرٍ،
غذاها الخَفْضُ لم تَحْمِلْ جَنِينَا
قال ابن سيده: وأَصح الروايتين بِكر، بالكسر، والجمع القليل من كل ذلك
أَبْــكارٌ؛ قال الجوهري: وجمع البَكْرِ بِــكارٌ مثل فَرْخٍ وفِرَاخٍ،
وبِــكارَــةٌ أَيضاً مثل فَحْلٍ وفِحالَةٍ؛ وقال سيبويه في قول الراجز:
قليِّصات وأُبيكرينا
جمعُ الأَبْكُرِ كما تجمع الجُزُرَ والطُّرُقَ، فتقول: طُرُقاتٌ
وجُزُراتٌ، ولكنه أَدخل الياء والنون كما أَدخلهما في الدهيدهين، والجمع الكثير
بُكْرانٌ وبِــكارٌ وبَــكارَــةٌ، والأُنثى بَكْرَةٌ والجمع بِــكارٌ، بغير هاء،
كعَيْلَةٍ وعِيالٍ. وقال ابن الأَعرابي: البَــكارَــةُ للذكور خاصة،
والبَــكارُ، بغير هاء للإناث. وبَكْرَةُ البئر: ما يستقى عليها، وجمعها بَكَرٌ
بالتحريك، وهو من شواذ الجمع لأَن فَعْلَةً لا تجمع على فَعَلٍ إِلاَّ
أَحرفاً مثل حَلْقَةٍ وحَلَقٍ وحَمْأَةٍ وحَمَإِ وبَكْرَةٍ وبَكَرٍ وبَكَرات
أَيضاً؛ قال الراجز:
والبَكَرَاتُ شَرُّهُنَّ الصَّائِمَهْ
يعني التي لا تدور. ابن سيده: والبَكْرَةُ والبَكَرَةُ لغتان للتي يستقى
عليها وهي خشبة مستديرة في وسطها مَحْزُّ للحبل وفي جوفها مِحْوَرٌ تدور
عليه؛ وقيل: هي المَحَالَةُ السَّريعة. والبَكَراتُ أَيضاً: الحَلَقُ
التي في حِلْيَةِ السَّيْفِ شبيهة بِفَتَخِ النساء. وجاؤوا على بَكْرَةِ
أَبيهم إِذا جاؤوا جميعاً على آخرهم؛ وقال الأَصمعي: جاؤوا على طريقة
واحدة؛ وقال أَبو عمرو: جاؤوا بأَجمعهم؛ وفي الحديث: جاءت هوازنُ على بَكْرَةِ
أَبيها؛ هذه كلمة للعرب يريدون بها الكثرة وتوفير العدد وأَنهم جاؤوا
جميعاً لم يتخلف منهم أَحد. وقال أَبو عبيدة: معناه جاؤوا بعضهم في إِثر
بعض وليس هناك بَكْرَةٌ في الحقيقة، وهي التي يستقى عليها الماء العذب،
فاستعيرت في هذا الموضع وإِنما هي مثل. قال ابن بري: قال ابن جني: عندي أَن
قولهم جاؤوا على بكرة أَبيهم بمعنى جاؤوا بأَجمعهم، هو من قولهم بَكَرْتُ
في كذا أَي تقدّمت فيه، ومعناه جاؤوا على أَوليتهم أَي لم يبق منهم أَحد
بل جاؤوا من أَولهم إِلى آخرهم.
وضربة بِكْرٌ، بالكسر، أَي قاطعة لا تُثْنَى. وفي الحديث: كانت ضربات
عليّ، عليه السلام، أَبْــكاراً إِذا اعْتَلَى قَدَّ وإِذا اعْتَرَضَ قَطَّ؛
وفي رواية: كانت ضربات عليّ، عليه السلام، مبتكرات لا عُوناً أَي أَن
ضربته كانت بِكراً يقتل بواحدة منها لا يحتاج أَن يعيد الضربة ثانياً؛
والعُون: جمع عَوانٍ هي في الأَصل الكهلة من النساء ويريد بها ههنا
المثناة.وبَكْرٌ: اسم، وحكي سيبويه في جمعه أَبْكُرٌ وبُكُورٌ. وبُكَيْرٌ
وبَــكَّارٌ ومُبَكِّر: أَسماء. وبَنُو بَكْرٍ: حَيٌّ منهم؛ وقوله:
إِنَّ الذِّئَابَ قَدِ اخْضَرَّتْ بَراثِنُها،
والناسُ كُلُّهُمُ بَكْرٌ إِذا شَبِعُوا
أَراد إِذا شبعوا تعادوا وتغاوروا لأَن بكراً كذا فعلها. التهذيب: وبنو
بكر في العرب قبيلتان: إِحداهما بنو بكر بن عبد مناف بن كنانة، والأُخرى
بكر بن واثل بن قاسط، وإِذا نسب إِليهما قالوا بَكْرِيُّ. وأَما بنو بكر
بن كلاب فالنسبة إِليهم بَكْرْاوِيُّونَ. قال الجوهري: وإِذا نسبت إِلى
أَبي بكر قلت بَكْرِيٌّ، تحذف منه الاسم الأَول، وكذلك في كل كنية.
حور: الحَوْرُ: الرجوع عن الشيء وإِلى الشيء، حارَ إِلى الشيء وعنه
حَوْراً ومَحاراً ومَحارَةً وحُؤُورواً: رجع عنه وإِليه؛ وقول العجاج:
في بِئْرِ لا حُورٍ سَرَى وما شَعَرْ
أَراد: في بئر لا حُؤُورٍ، فأَسكن الواو الأُولى وحذفها لسكونها وسكون
الثانية بعدها؛ قال الأَزهري: ولا صلة في قوله؛ قال الفرّاء: لا قائمة في
هذا البيت صحيحة، أَراد في بئر ماء لا يُحِيرُ عليه شيئاً. الجوهري: حارَ
يَحُورُ حَوْراً وحُؤُوراً رجع. وفي الحديث: من دعا رجلاً بالكفر وليس
كذلك حارَ عليه؛ أَي رجع إِليه ما نسب إِليه؛ ومنه حديث عائشة: فَغَسلْتها
ثم أَجْفقتها ثم أَحَرْتها إِليه؛ ومنه حديث بعض السلف: لو عَيَّرْتُ
رجلاً بالرَّضَعِ لخشيتُ أَن يَحُورَ بي داؤه أَي يكونَ عَلَيَّ مَرْجِعُه.
وكل شيء تغير من حال إِلى حال، فقد حارَ يَحُور حَوْراً؛ قال لبيد:
وما المَرْءُ إِلاَّ كالشِّهابِ وضَوْئِهِ،
يِحُورُ رَماداً بعد إِذْ هو ساطِعُ
وحارَتِ الغُصَّةُ تَحُورُ: انْحَدَرَتْ كأَنها رجعت من موضعها،
وأَحارَها صاحِبُها؛ قال جرير:
ونُبِّئْتُ غَسَّانَ ابْنَ واهِصَةِ الخُصى
يُلَجْلِجُ مِنِّي مُضْغَةً لا يُحِيرُها
وأَنشد الأَزهري:
وتِلْكَ لَعَمْرِي غُصَّةٌ لا أُحِيرُها
أَبو عمرو: الحَوْرُ التَّحَيُّرُ، والحَوْرُ: الرجوع. يقال: حارَ بعدما
كارَ. والحَوْرُ: النقصان بعد الزيادة لأَنه رجوع من حال إِلى حال. وفي
الحديث: نعوذ بالله من الحَوْرِ بعد الكَوْرِ؛ معناه من النقصان بعد
الزيادة، وقيل: معناه من فساد أُمورنا بعد صلاحها، وأَصله من نقض العمامة بعد
لفها، مأْخوذ من كَوْرِ العمامة إِذا انقض لَيُّها وبعضه يقرب من بعض،
وكذلك الحُورُ، بالضم. وفي رواية: بعد الكَوْن؛ قال أَبو عبيد: سئل عاصم
عن هذا فقال: أَلم تسمع إِلى قولهم: حارَ بعدما كان؟ يقول إِنه كان على
حالة جميلة فحار عن ذلك أَي رجع؛ قال الزجاج: وقيل معناه نعوذ بالله من
الرُّجُوعِ والخُروج عن الجماعة بعد الكَوْرِ، معناه بعد أَن كنا في
الكَوْرِ أَي في الجماعة؛ يقال كارَ عِمامَتَهُ على رأْسه إِذا لَفَّها، وحارَ
عِمامَتَهُ إِذا نَقَضَها. وفي المثل: حَوْرٌ في مَحَارَةٍ؛ معناه نقصان
في نقصان ورجوع في رجوع، يضرب للرجل إِذا كان أَمره يُدْبِرُ. والمَحارُ:
المرجع؛ قال الشاعر:
نحن بنو عامِر بْنِ ذُبْيانَ، والنَّا
سُ كهَامٌ، مَحارُهُمْ للقُبُورْ
وقال سُبَيْعُ بن الخَطِيم، وكان بنو صُبْح أَغاروا على إِبله فاستغاث
بزيد الفوارس الضَّبِّيّ فانتزعها منهم، فقال يمدحه:
لولا الإِلهُ ولولا مَجْدُ طالِبِها،
لَلَهْوَجُوها كما نالوا مِن الْعِيرِ
واسْتَعْجَلُوا عَنْ خَفِيف المَضْغِ فازْدَرَدُوا،
والذَّمُّ يَبْقَى، وزادُ القَوْمِ في حُورِ
اللَّهْوَجَة: أَن لا يُبالغ في إِنضاج اللحم أَي أَكلوا لحمها من قبل
أَن ينضج وابتلعوه؛ وقوله:
والذم يبقى وزاد القوم في حور
يريد: الأَكْلُ يذهب والذم يبقى. ابن الأَعرابي: فلان حَوْرٌ في
مَحارَةٍ؛ قال: هكذا سمعته بفتح الحاء، يضرب مثلاً للشيء الذي لا يصلح أَو كان
صالحاً ففسد. والمَحارة: المكان الذي يَحُور أَو يُحارُ فيه. والباطل في
حُورٍ أَي في نقص ورجوع. وإِنك لفي حُورٍ وبُورٍ أَي في غير صنعة ولا
إِجادة. ابن هانئ: يقال عند تأْكيد المَرْزِئَةِ عليه بِقِلَّةِ النماء: ما
يَحُور فلان وما يَبُورُ، وذهب فلان في الحَوَارِ والبَوَارِ، بفتح
الأَول، وذهب في الحُورِ والبُورِ أَي في النقصان والفساد. ورجل حائر بائر،
وقد حارَ وبارَ، والحُورُ الهلاك وكل ذلك في النقصان والرجوع. والحَوْرُ:
ما تحت الكَوْرِ من العمامة لأَنه رجوع عن تكويرها؛ وكلَّمته فما رَجَعَ
إِلَيَّ حَوَاراً وحِواراً ومُحاوَرَةً وحَوِيراً ومَحُورَة، بضم الحاء،
بوزن مَشُورَة أَي جواباً.
وأَحارَ عليه جوابه: ردَّه. وأَحَرْتُ له جواباً وما أَحارَ بكلمة،
والاسم من المُحاوَرَةِ الحَوِيرُ، تقول: سمعت حَوِيرَهما وحِوَارَهما.
والمُحاوَرَة: المجاوبة. والتَّحاوُرُ: التجاوب؛ وتقول: كلَّمته فما أَحار
إِليَّ جواباً وما رجع إِليَّ خَوِيراً ولا حَوِيرَةً ولا مَحُورَةً ولا
حِوَاراً أَي ما ردَّ جواباً. واستحاره أَي استنطقه. وفي حديث علي، كرم الله
وجهه: يرجع إِليكما ابنا كما بِحَوْرِ ما بَعَثْتُما بِه أَي بجواب ذلك؛
يقال: كلَّمته فما رَدَّ إِليَّ حَوْراً أَي جواباً؛ وقيل: أَراد به
الخيبة والإِخْفَاقَ. وأَصل الحَوْرِ: الرجوع إِلى النقص؛ ومنه حديث عُبادة:
يُوشِك أَن يُرَى الرجُل من ثَبَجِ المسلمين قُرَّاء القرآن على لسان
محمد، صلى الله عليه وسلم، فأَعاده وأَبْدَأَه لا يَحُورُ فيكم إِلا كما
يَحُور صاحبُ الحمار الميت أَي لا يرجع فيكم بخير ولا ينتفع بما حفظه من
القرآن كما لا ينتفع بالحمار الميت صاحبه. وفي حديث سَطِيحٍ: فلم يُحِرْ
جواباً أَي لم يرجع ولم يَرُدَّ. وهم يَتَحاوَرُون أَي يتراجعون الكلام.
والمُحاوَرَةُ: مراجعة المنطق والكلام في المخاطبة، وقد حاوره.
والمَحُورَةُ: من المُحاوَرةِ مصدر كالمَشُورَةِ من المُشاوَرَة كالمَحْوَرَةِ؛
وأَنشد:
لِحاجَةِ ذي بَتٍّ ومَحْوَرَةٍ له،
كَفَى رَجْعُها من قِصَّةِ المُتَكَلِّمِ
وما جاءتني عنه مَحُورَة أَي ما رجع إِليَّ عنه خبر.
وإِنه لضعيف الحَوْرِ أَي المُحاوَرَةِ؛ وقوله:
وأَصْفَرَ مَضْبُوحٍ نَظَرْتُ حَِوارَهُ
على النَّارِ، واسْتَوْدَعْتُهُ كَفَّ مُجْمِدِ
ويروى: حَوِيرَه، إِنما يعني بحواره وحويره خروجَ القِدْحِ من النار أَي
نظرت الفَلَجَ والفَوْزَ.
واسْتَحار الدارَ: اسْتَنْطَقَهَا، من الحِوَارِ الذي هو الرجوع؛ عن ابن
الأَعرابي.
أَبو عمرو: الأَحْوَرُ العقل، وما يعيش فلانٌ بأَحْوَرَ أَي ما يعيش
بعقل يرجع إِليه؛ قال هُدْبَةُ ونسبه ابن سيده لابن أَحمر:
وما أَنْسَ مِ الأَشْياءِ لا أَنْسَ قَوْلَها
لجارَتِها: ما إِن يَعِيشُ بأَحْوَرَا
أَراد: من الأَشياء. وحكى ثعلب: اقْضِ مَحُورَتَك أَي الأَمر الذي أَنت
فيه.
والحَوَرُ: أَن يَشْتَدَّ بياضُ العين وسَوادُ سَوادِها وتستدير حدقتها
وترق جفونها ويبيضَّ ما حواليها؛ وقيل: الحَوَرُ شِدَّةُ سواد المُقْلَةِ
في شدّة بياضها في شدّة بياض الجسد، ولا تكون الأَدْماءُ حَوْراءَ؛ قال
الأَزهري: لا تسمى حوراء حتى تكون مع حَوَرِ عينيها بيضاءَ لَوْنِ
الجَسَدِ؛ قال الكميت:
ودامتْ قُدُورُك، للسَّاعِيَيْـ
ن في المَحْلِ، غَرْغَرَةً واحْوِرارَا
أَراد بالغَرْغَرَةِ صَوْتَ الغَلَيانِ، وبالاحورار بياضَ الإِهالة
والشحم؛ وقيل: الحَوَرُ أَن تسودّ العين كلها مثل أَعين الظباء والبقر، وليس
في بني آدم حَوَرٌ، وإِنما قيل للنساء حُورُ العِينِ لأَنهن شبهن بالظباء
والبقر.
وقال كراع: الحَوَرُ أَن يكون البياض محدقاً بالسواد كله وإِنما يكون
هذا في البقر والظباء ثم يستعار للناس؛ وهذا إِنما حكاه أَبو عبيد في
البَرَج غير أَنه لم يقل إِنما يكون في الظباء والبقر. وقال الأَصمعي: لا
أَدري ما الحَوَرُ في العين وقد حَوِرَ حَوَراً واحْوَرَّ، وهو أَحْوَرُ.
وامرأَة حَوْراءُ: بينة الحَوَرِ. وعَيْنٌ حَوْراءٌ، والجمع حُورٌ، ويقال:
احْوَرَّتْ عينه احْوِرَاراً؛ فأَما قوله:
عَيْناءُ حَورَاءُ منَ العِينِ الحِير
فعلى الإِتباع لعِينٍ؛ والحَوْراءُ: البيضاء، لا يقصد بذلك حَوَر عينها.
والأَعْرابُ تسمي نساء الأَمصار حَوَارِيَّاتٍ لبياضهن وتباعدهن عن
قَشَفِ الأَعراب بنظافتهن؛ قال:
فقلتُ: إِنَّ الحَوارِيَّاتِ مَعْطَبَةٌ،
إِذا تَفَتَّلْنَ من تَحْتِ الجَلابِيبِ
يعني النساء؛ وقال أَبو جِلْدَةَ:
فَقُلْ للحَوَارِيَّاتِ يَبْكِينَ غَيْرَنا،
ولا تَبْكِنا إِلاَّ الكِلابُ النَّوابِحُ
بكَيْنَ إِلينا خفيةً أَنْ تُبِيحَها
رِماحُ النَّصَارَى، والسُّيُوفُ الجوارِحُ
جعل أَهل الشأْم نصارى لأَنها تلي الروم وهي بلادها. والحَوارِيَّاتُ من
النساء: النَّقِيَّاتُ الأَلوان والجلود لبياضهن، ومن هذا قيل لصاحب
الحُوَّارَى:
مُحَوَّرٌ؛ وقول العجاج:
بأَعْيُنٍ مُحَوَّراتٍ حُورِ
يعني الأَعين النقيات البياض الشديدات سواد الحَدَقِ.
وفي حديث صفة الجنة: إِن في الجنة لَمُجْتَمَعاً للحُورِ العِينِ.
والتَّحْوِيرُ: التببيض. والحَوارِيُّونَ: القَصَّارُونَ لتبييضهم
لأَنهم كانوا قصارين ثم غلب حتى صار كل ناصر وكل حميم حَوارِيّاً. وقال بعضهم:
الحَوارِيُّونَ صَفْوَةُ الأَنبياء الذين قد خَلَصُوا لَهُمْ؛ وقال
الزجاج: الحواريون خُلْصَانُ الأَنبياء، عليهم السلام، وصفوتهم. قال: والدليل
على ذلك قول النبي، صلى الله عليه وسلم: الزُّبَيْرُ ابن عمتي
وحَوارِيَّ من أُمَّتِي؛ أَي خاصتي من أَصحابي وناصري. قال: وأَصحاب النبي، صلى
الله عليه وسلم، حواريون، وتأْويل الحواريين في اللغة الذين أُخْلِصُوا
ونُقُّوا من كل عيب؛ وكذلك الحُواَّرَى من الدقيق سمي به لأَنه يُنَقَّى من
لُباب البُرِّ؛ قال: وتأْويله في الناس الذي قد روجع في اختِياره مرة بعد
مرة فوجد نَقِيّاً من العيوب. قال: وأَصل التَّحْوِيرِ في اللغة من حارَ
يَحُورُ، وهو الرجوع. والتَّحْوِيرُ: الترجيع، قال: فهذا تأْويله، والله
أَعلم. ابن سيده: وكلُّ مُبالِغٍ في نُصْرَةِ آخر حوَارِيٌّ، وخص بعضهم
به أَنصار الأَنبياء، عليهم السلام، وقوله أَنشده ابن دريد:
بَكَى بِعَيْنِك واكِفُ القَطْرِ،
ابْنَ الحَوارِي العَالِيَ الذِّكْرِ
إِنما أَراد ابنَ الحَوارِيِّ، يعني الحَوارِيِّ الزُّبَيرَ، وعنى بابنه
عَبْدَ اللهِو بْنَ الزبير. وقيل لأَصحاب عيسى، عليه
السلام: الحواريون للبياض، لأَنهم كانوا قَصَّارين. والحَوارِيُّ:
البَيَّاضُ، وهذا أَصل قوله، صلى الله عليه وسلم، في الزبير: حَوارِيَّ من
أُمَّتي، وهذا كان بدأَه لأَنهم كانوا خلصاء عيسى وأَنصاره، وأَصله من
التحوير التبييض، وإِنما سموا حواريين لأَنهم كانوا يغسلون الثياب أَي
يُحَوِّرُونَها، وهو التبييض؛ ومنه الخُبْزُ الحُوَّارَى؛ ومنه قولهم: امرأَة
حَوارِيَّةٌ إِذا كانت بيضاء. قال: فلما كان عيسى بن مريم، على نبينا وعليه
السلام، نصره هؤلاء الحواريون وكانوا أَنصاره دون الناس قيل لناصر نبيه
حَوارِيُّ إِذا بالغ في نُصْرَتِه تشبيهاً بأُولئك. والحَوارِيُّونَ:
الأَنصار وهم خاصة أَصحابه. وروى شمر أَنه قال: الحَوارِيُّ الناصح وأَصله
الشيء الخالص، وكل شيء خَلَصَ لَوْنُه، فهو حَوارِيٌّ. والأَحْوَرِيُّ:
الأَبيض الناعم؛ وقول الكميت:
ومَرْضُوفَةٍ لم تُؤْنِ في الطَّبْخِ طاهِياً،
عَجِلْتُ إِلى مُحْوَرِّها حِينَ غَرْغَرَا
يريد بياض زَبَدِ القِدْرِ. والمرضوفة: القدر التي أُنضجت بالرَّضْفِ،
وهي الحجارة المحماة بالنار. ولم تؤْن أَي لم تحبس. والاحْوِرَارُ:
الابْيِضاضُ. وقَصْعَةٌ مُحْوَرَّةٌ: مُبْيَضَّةٌ بالسَّنَامِ؛ قال أَبو المهوش
الأَسدي:
يا وَرْدُ إِنِّي سَأَمُوتُ مَرَّهْ،
فَمَنْ حَلِيفُ الجَفْنَةِ المُحْوَرَّهْ؟
يعني المُبْيَضَّةَ. قال ابن بري: وورد ترخيم وَرْدَة، وهي امرأَته،
وكانت تنهاه عن إِضاعة ماله ونحر إِبله فقال ذلك: الأَزهري في الخماسي:
الحَوَرْوَرَةُ البيضاء. قال: هو ثلاثي الأَصل أُلحق بالخماسي لتكرار بعض
حروفها. والحَوَرُ: خشبة يقال لها البَيْضاءُ.
والحُوَّارَى: الدقيق الأَبيض، وهو لباب الدقيق وأَجوده وأَخلصه.
الجوهري: الحُوَّارَى، بالضم وتشديد الواو والراء مفتوحة، ما حُوِّرَ من الطعام
أَي بُيّصَ. وهذا دقيق حُوَّارَى، وقد حُوِّرَ الدقيقُ وحَوَّرْتُه
فاحْوَرَّ أَي ابْيَضَّ. وعجين مُحَوَّر، وهو الذي مسح وجهه بالماء حتى صفا.
والأَحْوَرِيُّ: الأَبيض الناعم من أَهل القرى؛ قال عُتَيْبَةُ بن
مِرْدَاسٍ المعروفُ بأَبي فَسْوَةَ:
تكُفُّ شَبَا الأَنْيَابِ منها بِمِشْفَرٍ
خَرِيعٍ، كَسِبْتِ الأَحْوَرِيِّ المُخَصَّرِ
والحَوُْر: البَقَرُ لبياضها، وجمعه أَحْوارٌ؛ أَنشد ثعلب:
للهِ دَرُّ منَازِل ومَنازِل،
إِنَّا بُلِينَ بها ولا الأَحْوارُ
والحَوَرُ: الجلودُ البِيضُ الرِّقَاقُ تُعمل منها الأَسْفَاطُ، وقيل:
السُّلْفَةُ، وقيل: الحَوَرُ الأَديم المصبوغ بحمرة. وقال أَبو حنيفة: هي
الجلود الحُمْرُ التي ليست بِقَرَظِيَّةٍ، والجمع أَحْوَارٌ؛ وقد
حَوَّرَهُ. وخُفَّ مُحَوَّرٌ بطانته بِحَوَرٍّ؛ وقال الشاعر:
فَظَلَّ يَرْشَحُ مِسْكاً فَوْقَهُ عَلَقٌ،
كأَنَّما قُدَّ في أَثْوابِه الحَوَرُ
الجوهري: الحَوَرُ جلود حمر يُغَشَّى بها السِّلالُ، الواحدةُ حَوَرَةٌ؛
قال العجاج يصف مخالف البازي:
بِحَجَباتٍ يَتَثَقَّبْنَ البُهَرْ،
كأَنَّما يَمْزِقْنَ باللَّحْمِ الحَوَرْ
وفي كتابه لِوَفْدِ هَمْدَانَ: لهم من الصدقة الثِّلْبُ والنَّابُ
والفَصِيلُ والفَارِضُ والكَبْشُ الحَوَرِيُّ؛ قال ابن الأَثير: منسوب إِلى
الحَوَرَِ، وهي جلود تتخذ من جلود الضأْن، وقيل: هو ما دبغ من الجلود بغير
القَرَظِ، وهو أَحد ما جاء على أَصله ولم يُعَلَّ كما أُعلَّ ناب.
والحُوَارُ والحِوَارُ، الأَخيرة رديئة عند يعقوب: ولد الناقة من حين
يوضع إِلى أَن يفطم ويفصل، فإِذا فصل عن أُمه فهو فصيل، وقيل: هو حُوَارٌ
ساعةَ تضعه أُمه خاصة، والجمع أَحْوِرَةٌ وحِيرانٌ فيهما. قال سيبويه:
وَفَّقُوا بين فُعَالٍ وفِعَال كما وَفَّقُوا بين فُعالٍ وفَعِيلٍ، قال: وقد
قالوا حُورَانٌ، وله نظير، سمعت العرب تقول رُقاقٌ ورِقاقٌ، والأُنثى
بالهاء؛ عن ابن الأَعرابي. وفي التهذيب: الحُوَارُ الفصيل أَوَّلَ ما ينتج.
وقال بعض العرب: اللهم أَحِرْ رِباعَنا أَي اجعل رباعنا حِيراناً؛
وقوله:أَلا تَخافُونَ يوماً، قَدْ أَظَلَّكُمُ
فيه حُوَارٌ، بِأَيْدِي الناسِ، مَجْرُورُ؟
فسره ابن الأَعرابي فقال: هو يوم مَشْؤُوم عليكم كَشُؤْم حُوارِ ناقة
ثمود على ثمود.
والمِحْوَرُ: الحديدة التي تجمع بين الخُطَّافِ والبَكَرَةِ، وهي أَيضاً
الخشبة التي تجمع المَحَالَةَ. قال الزجاج: قال بعضهم قيل له مِحْوَرٌ
للدَّوَرَانِ لأَنه يرجع إِلى المكان الذي زال عنه، وقيل: إِنما قيل له
مِحْوَرٌ لأَنه بدورانه ينصقل حتى يبيض. ويقال للرجل إِذا اضطرب أَمره: قد
قَلِقَتْ مَحاوِرُه؛ وقوله أَنشده ثعلب:
يا مَيُّ ما لِي قَلِقَتْ مَحاوِرِي،
وصَارَ أَشْبَاهَ الفَغَا ضَرائِرِي؟
يقول: اضطربت عليّ أُموري فكنى عنها بالمحاور. والحديدة التي تدور عليها
البكرة يقال لها: مِحْورٌ. الجوهري: المِحْوَرُ العُودُ الذي تدور عليه
البكرة وربما كان من حديد. والمِحْوَرُ: الهَنَةُ والحديدة التي يدور
فيها لِسانُ الإِبْزِيمِ في طرف المِنْطَقَةِ وغيرها. والمِحْوَرُ: عُودُ
الخَبَّازِ. والمِحْوَرُ: الخشبة التي يبسط بها العجين يُحَوّرُ بها الخبز
تَحْوِيراً. قال الأَزهري: سمي مِحْوَراً لدورانه على العجين تشبيهاً
بمحور البكرة واستدارته.
وحَوَّرَ الخُبْزَةَ تَحْوِيراً: هَيَّأَها وأَدارها ليضعها في
المَلَّةِ. وحَوَّرَ عَيْنَ الدابة: حَجِّرَ حولها بِكَيٍّ وذلك من داء يصيبها،
والكَيَّةُ يقال لها الحَوْراءُ، سميت بذلك لأَن موضعها يبيضُّ؛ ويقال:
حَوِّرْ عينَ بعيرك أَي حَجَّرْ حولها بِكَيٍّ. وحَوَّرَ عين البعير: أَدار
حولها مِيسَماً. وفي الحديث: أَنه كَوَى أَسْعَدَ بنَ زُرَارَةَ على
عاتقه حَوْراءَ؛ وفي رواية: وجد وجعاً في رقبته فَحَوَّرَهُ رسولُ الله، صلى
الله عليه وسلم، بحديدة؛ الحَوْراءُ: كَيَّةٌ مُدَوَّرَةٌ، وهي من حارَ
يَحُورُ إِذا رجع. وحَوَّرَه: كواه كَيَّةً فأَدارها. وفي الحديث: أَنه
لما أُخْبِرَ بقتل أَبي جهل قال: إِن عهدي به وفي ركبتيه حَوْراءُ فانظروا
ذلك، فنطروا فَرَأَوْهُ؛ يعني أَثَرَ كَيَّةٍ كُوِيَ بها.
وإِنه لذو حَوِيرٍ أَي عداوة ومُضَادَّةٍ؛ عن كراع. وبعض العرب يسمي
النجم الذي يقال له المُشْتَري: الأَحْوَرَ. والحَوَرُ: أَحد النجوم الثلاثة
التي تَتْبَعُ بنات نَعْشٍ، وقيل: هو الثالث من بنات نعش الكبرى اللاصق
بالنعش.
والمَحارَةُ: الخُطُّ والنَّاحِيَةُ. والمَحارَةُ: الصَّدَفَةُ أَو
نحوها من العظم، والجمع مَحاوِرُ ومَحارٌ؛ قال السُّلَيْكُ
بْنُ السُّلَكَةِ:
كأَنَّ قَوَائِمَ النِّخَّامِ، لَمَّا
تَوَلَّى صُحْبَتِي أَصْلاً، مَحارُ
أَي كأَنها صدف تمرّ على كل شيء؛ وذكر الأَزهري هذه الترجمة أَيضاً في
باب محر، وسنذكرها أَيضاً هناك. والمَحارَةُ: مرجع الكتف. ومَحَارَةُ
الحَنَكِ: فُوَيْقَ موضع تَحْنيك البَيْطار. والمَحارَةُ: باطن الحنك.
والمَحارَةُ: مَنْسِمُ البعير؛ كلاهما عن أَبي العَمَيْثَلِ الأَعرابي.
التهذيب: المَحارَةُ النقصان، والمَحارَةُ: الرجوع، والمَحارَةُ:
الصَّدَفة.والحَوْرَةُ: النُّقْصانُ. والحَوْرَةُ: الرَّجْعَةُ.
والحُورُ: الاسم من قولك: طَحَنَتِ الطاحنةُ فما أَحارتْ شيئاً أَي ما
رَدَّتْ شيئاً من الدقيق؛ والحُورُ: الهَلَكَةُ؛ قال الراجز:
في بِئْرٍ لا حُورٍ سَرَى وما شَعَرْ
قال أَبو عبيدة: أَي في بئر حُورٍ، ولا زَيادَةٌ. وفلانٌ حائِرٌ بائِرٌ:
هذا قد يكون من الهلاك ومن الكَسادِ. والحائر: الراجع من حال كان عليها
إِلى حال دونها، والبائر: الهالك؛ ويقال: حَوَّرَ الله فلاناً أَي خيبه
ورَجَعَهُ إِلى النقص.
والحَوَر، بفتح الواو: نبت؛ عن كراع ولم يُحَلِّه. وحَوْرانُ، بالفتح:
موضع بالشام. وما أَصبت منه حَوْراً وحَوَرْوَراً أَي شيئاً.
وحَوَّارُونَ: مدينة بالشام؛ قال الراعي:
ظَلِلْنَا بِحَوَّارِينَ في مُشْمَخِرَّةٍ،
تَمُرُّ سَحابٌ تَحْتَنَا وثُلُوجُ
وحَوْرِيتُ: موضع؛ قال ابن جني: دخلت على أَبي عَلِيٍّ فحين رآني قال:
أَين أَنت؟ أَنا أَطلبك، قلت: وما هو؟ قال: ما تقول في حَوْرِيتٍ؟ فخضنا
فيه فرأَيناه خارجاً عن الكتاب، وصَانَعَ أَبو علي عنه فقال: ليس من لغة
ابني نِزَارٍ، فأَقَلَّ الحَفْلَ به لذلك؛ قال: وأَقرب ما ينسب إِليه أَن
يكون فَعْلِيتاً لقربه من فِعْلِيتٍ، وفِعْلِيتٌ موجود.
كرب: الكَرْبُ، على وَزْن الضَّرْبِ مَجْزُومٌ: الـحُزْنُ والغَمُّ الذي يأْخذُ بالنَّفْس، وجمعه كُرُوبٌ. وكَرَبه الأَمْرُ والغَمُّ يَكْرُبهُ
كَرْباً: اشْتَدَّ عليه، فهو مَكْرُوبٌ وكَرِيبٌ، والاسم الكُرْبة؛ وإِنه
لـمَكْرُوبُ النفس. والكَرِيبُ: الـمَكْروبُ. وأَمْرٌ كارِــبٌ. واكْترَبَ
لذلك: اغْتَمَّ. والكَرائِبُ: الشدائدُ، الواحدةُ كَرِيبةٌ؛ قال سَعْدُ
بن ناشِبٍ المازِنيُّ:
فيالَ رِزامٍ رَشِّحُوا بي مُقَدَّماً * إِلى الـمَوْتِ، خَوّاضاً إِليه الكَرائِـبا
قال ابن بري: مُقَدَّماً منصوب برَشِّحُوا، على حذف موصوف، تقديره: رَشِّحُوا بي رَجُلاً مُقَدَّماً؛ وأَصل التَّرْشيح: التَّرْبِـيَةُ
والتَّهْيِئَةُ؛ يقال: رُشِّحَ فلانٌ للإِمارة أَي هُيِّـئَ لها، وهو لها كُفؤٌ.
ومعنى رَشِّحُوا بي مُقَدَّماً أَي اجْعَلُوني كُفؤاً مُهَـيَّـأً لرجل
شُجاع؛ ويروى: رَشِّحُوا بي مُقَدِّماً أَي رجلاً مُتَقَدِّماً، وهذا
بمنزلة قولهم وَجَّهَ في معنى توجَّه، ونَبَّه في معنى تَنَبَّه، ونَكَّبَ في معنى تَنكَّبَ. وفي الحديث: كان إِذا أَتاه الوحيُ كُرِبَ
له (1)
(1 قوله «إذا أتاه الوحي كرب له» كذا ضبط بالبناء للمجهول بنسخ النهاية ويعينه ما بعده ولم يتنبه الشارح له فقال: وكرب كسمع أصابه الكرب ومنه الحديث إلخ مغتراً بضبط شكل محرف في بعض الأصول فجعله أصلاً برأسه وليس بالمنقول) أَي أَصابَهُ الكَرْبُ، فهو مَكْروبٌ. والذي كَرَبه كارِــبٌ.
وكَرَبَ الأَمْرُ يَكْرُبُ كُرُوباً: دَنا. يقال كَرَبَتْ حياةُ النارِ
أَي قَرُبَ انْطِفاؤُها؛ قال عبدُالقيسِ بنُ خُفافٍ البُرْجُمِـيُّ (2)
(2 قوله «قال عبدالقيس إلخ» كذا في التهذيب. والذي في المحكم قال خفاف بن عبدالقيس البرجمي.) :
أَبُنَيَّ! إِنَّ أَباكَ كارِــبُ يَومِهِ، * فإِذا دُعِـيتَ إِلى الـمَــكارِــمِ فاعْجَلِ
أُوصِـيكَ إِيْصاءَ امْرِئٍ، لك، ناصِحٍ، * طَبِنٍ برَيْبِ الدَّهْرِ غَيرِ مُغَفَّلِ
اللّهَ فاتَّقْهِ، وأَوْفِ بِنَذْرِهِ، * وإِذا حَلَفْتَ مُبارِياً فَتَحَلَّلِ
والضَّيْفَ أَكْرِمْهُ، فإِنَّ مَبِـيتَه * حَقٌّ، ولا تَكُ لُعْنَةً للنُّزَّلِ
واعْلَمْ بأَنَّ الضَّيفَ مُخْبِـرُ أَهْلِه * بمَبِـيتِ لَيْلَتِه، وإِنْ يُسْـأَلِ
وَصِلِ الـمُواصِلَ ما صَفَا لك وُدُّه، * واجْذُذْ حِـبالَ الخَائِن الـمُتَبَذِّلِ
واحْذَرْ مَحَلَّ السوءِ، لا تَحْلُلْ به، * وإِذا نَبَا بَكَ مَنْزِلٌ فَتَحَوَّلِ
واسْـتَـأْنِ حِلْمَكَ في أُمُورِكَ كُلِّها * وإِذا عَزَمْتَ على الهوى فَتَوَكَّلِ
واسْتَغْنِ، ما أَغْناكَ رَبُّك، بالغِنَى، * وإِذا تُصِـبْكَ خَصاصَةٌ فتَجَمَّلِ
وإِذا افْتَقَرْتَ، فلا تُرَى مُتَخَشِّعاً * تَرْجُو الفَواضلَ عند غيرِ الـمِفْضَلِ
وإِذا تَشاجَرَ في فُؤَادِك، مَرَّةً، * أَمْرانِ، فاعْمِدْ للأَعَفِّ الأَجْمَلِ
وإِذا هَمَمْتَ بأَمْرِ سُوءٍ فاتَّئِدْ، * وإِذا هَمَمْتَ بأَمْرِ خَيْرٍ فاعْجَلِ
وإِذا رَأَيْتَ الباهِشِـينَ إِلى النَّدَى * غُبْراً أَكُفُّهُمُ بقاعٍ مُمْحِلِ
فأَعِنْهُمُ وايْسِرْ بما يَسَرُوا به، * وإِذا هُمُ نَزَلُوا بضَنْكٍ، فانْزِلِ
ويروى: فابْشَرْ بما بَشِرُوا به، وهو مذكور في الترجمتين.
وكُلُّ شيءٍ دَنا: فقد كَرَبَ. وقد كَرَبَ أَن يكون، وكَرَبَ يكونُ،
وهو، عند سيبويه، أَحدُ الأَفعال التي لا يُستعمل اسم الفاعل منها موضعَ الفعل الذي هو خبرها؛ لا تقول كَرَب كائناً؛ وكَرَبَ أَن يَفْعَلَ كذا أَي كادَ يَفْعَلُ؛ وكَرَبَتِ الشمسُ للـمَغِـيب: دَنَتْ؛ وكَرَبَتِ الشمسُ: دَنَتْ للغُروب؛ وكَرَبَتِ الجاريةُ أَن تُدْرِكَ. وفي الحديث: فإِذا اسْتَغْنَى أَو كَرَبَ اسْتَعَفَّ؛ قال أَبو عبيد: كَرَبَ أَي دَنا من ذلك وقَرُبَ. وكلُّ دانٍ قريبٍ، فهو كارِــبٌ. وفي حديث رُقَيْقَةَ: أَيْفَعَ الغُلامُ أَو كَرَبَ أَي قارَبَ الإِيفاع.
وكِرابُ الـمَكُّوكِ وغيره من الآنِـيَةِ: دونَ الجِمام. وإِناءٌ كَرْبانُ إِذا كَرَبَ أَنْ يَمْتَلِـئَ؛ وجُمْجَمَة كَرْبى، والجمع كَرْبى وكِرابٌ؛ وزعم يعقوب أَن كافَ كَرْبانَ بدل من قاف قَرْبانَ؛ قال ابن سيده: وليس بشيءٍ.
الأَصمعي: أَكْرَبْتُ السِّقاءَ إِكْراباً إِذا مَلأْتَه؛ وأَنشد:
بَجَّ الـمَزادِ مُكْرَباً تَوْكِـيرَا
وأَكْرَبَ الإِناءَ: قارَبَ مَلأَه. وهذه إِبلٌ مائةٌ أَو كَرْبُها أَي نحوُها وقُرابَتُها.
وقَيْدٌ مَكْرُوبٌ إِذا ضُيِّقَ. وكَرَبْتُ القَيْدَ إِذا ضَيَّقْتَه على الـمُقَيَّدِ؛ قال عبداللّه بن عَنَمَة الضَّبِّـيُّ:
ازْجُرْ حِمارَك لا يَرْتَعْ برَوْضَتِنا، * إِذاً يُرَدُّ، وقَيْدُ العَيْرِ مَكْرُوبُ
ضَرَبَ الحمارَ ورَتْعَه في رَوْضتِهم مثلاً أَي لا تَعَرَّضَنّ
لشَتْمِنا، فإِنا قادرون على تقييد هذا العَيْرِ ومَنْعه من التصرف؛ وهذا البيت في شعره:
أُرْدُدْ حِمارَك لا يَنْزِعْ سَوِيَّتَه، * إِذاً يُرَدُّ، وقَيْدُ العَيْرِ مَكْرُوبُ
والسَّويَّةُ: كِساءٌ يُحْشَى بثُمام ونحوه كالبَرْذَعَة، يُطْرَحُ على ظهر الحمار وغيره، وجزم يَنْزِعْ على جواب الأَمر، كأَنه قال: إِنْ
تَرْدُدْهُ لا يَنْزِعْ سَوِيَّتَه التي على ظهره. وقوله: إِذاً يُرَدُّ جوابٌ، على تقدير أَنه قال: لا أَرُدُّ حِمارِي، فقال مجيباً له: إِذاً يُرَدُّ. وكَرَبَ وظِـيفَيِ الحِمار أَو الجمل: دانى بينهما بحبل أَو
قَيْدٍ.وكارَــبَ الشيءَ: قارَبه.
وأَكْرَبَ الرجلُ: أَسْرَعَ. وخُذْ رِجْلَيْكَ بأَكْرابٍ إِذا أُمِرَ بالسُّرْعة، أَي اعْجَلْ وأَسْرِعْ. قال الليث: ومن العرب من يقول: أَكْرَبَ الرجلُ إِذا أَخذ رِجْلَيْه بأَكْرابٍ، وقَلَّما يقال: وأَكْرَبَ الفرسُ وغيرُه مما يَعْدُو: أَسْرَعَ؛ هذه عن اللحياني. أَبو زيد: أَكْرَبَ
الرجلُ إِكْراباً إِذا أَحْضَرَ وعَدا. وكَرَبْتُ الناقةَ: أَوقَرْتُها.
الأَصمعي: أُصولُ السَّعَفِ الغِلاظُ هي الكَرانِـيفُ، واحدتُها
كِرْنافةٌ، والعَريضَة التي تَيْبَسُ فتصيرُ مِثلَ الكَتِفِ، هي الكَرَبة. ابن الأَعرابي: سُمِّيَ كَرَبُ النخل كَرَباً لأَنه اسْتُغْنِـيَ عنه، وكَرَبَ أَن يُقْطَعَ ودَنا من ذلك.
وكَرَبُ النخلِ: أُصُولُ السَّعَفِ؛ وفي المحكم: الكَرَبُ أُصُولُ
السَّعَفِ الغِلاظُ العِراضُ التي تَيْبَسُ فتصيرُ مثلَ الكَتِفِ، واحدتُها
كَرَبةٌ. وفي صفة نَخْلِ الجنة: كَرَبُها ذَهَبٌ، هو بالتحريك، أَصلُ
السَّعَفِ؛ وقيل: ما يَبْقَى من أُصوله في النخلة بعد القطع كالـمَراقي؛ قال الجوهري هنا وفي المثل:
متى كان حُكمُ اللّه في كَرَبِ النخلِ؟
قال ابن بري: ليس هذا الشاهد الذي ذكره الجوهري مثلاً، وإِنما هو عَجُزُ بَيْتٍ لجرير؛ وهو بكماله:
أَقولُ ولم أَمْلِكْ سَوابقَ عَبْرةٍ: * متى كان حُكْمُ اللّهِ في كَرَبِ النخلِ؟
قال ذلك لَـمَّا بَلَغه أَنَّ الصَّلَتانَ العَبْدِيَّ فَضَّلَ الفرزدقَ عليه في النَّسِـيب، وفَضَّلَ جريراً على الفرزدق في جَوْدَةِ الشِّعْر في قوله:
أَيا شاعِراً لا شاعِرَ اليومَ مِثْلُه، * جَريرٌ، ولكن في كُلَيْبٍ تَواضُعُ
فلم يَرْضَ جريرٌ قولَ الصَّلَتان، ونُصْرَتَه الفرزدقَ. قلت: هذه
مشاحَّةٌ من ابن بري للجوهري في قوله: ليس هذا الشاهدُ مثلاً، وإِنما هو عجز بيت لجرير. والأَمثال قد وَرَدَتْ شِعْراً، وغيرَ شِعْرٍ، وما يكون شعراً لا يمتنع أَن يكون مَثَلاً.
والكَرَابة والكُرابَة: التَّمْر الذي يُلْتَقَطُ من
أُصول الكَرَب، بَعْدَ الجَدَادِ، والضمُّ أَعْلى، وقد تَكَرَّبَها. الجوهري: والكُرَابة، بالضم، ما يُلْتَقَطُ من التَّمْر في أُصُول السَّعَفِ بعدما تَصَرَّمَ. الأَزهري: يقال تَكَرَّبْتُ الكُرَابَةَ إِذا تَلَقَّطْتَها، من الكَرَب.والكَرَبُ: الـحَبْلُ الذي يُشَدُّ على الدَّلْو، بعد الـمَنِـينِ، وهو الـحَبْل الأَوّل، فإِذا انْقَطَع المنِـينُ بقي الكَرَبُ. ابن سيده: الكَرَبُ حَبْل يُشَدُّ على عَرَاقي الدَّلْو، ثم يُثْنى، ثم يُثَلَّثُ، والجمع أَكْرابٌ؛ وفي الصحاح: ثم يُثْنى، ثم يُثَلَّثُ ليكونَ هو الذي يلي الماءَ، فلا يَعْفَن الـحَبْلُ الكبير. رأَيت في حاشية نسخة من الصحاح الموثوق بها قولَ الجوهري: ليكون هو الذي يلي الماءَ، فلا يَعْفَن الـحَبْلُ الكبير، إِنما هو من صفة الدَّرَك، لا الكَرَبِ. قلت: الدليل على صحة هذه الحاشية أَن الجوهري ذكر في ترجمة درك هذه الصورة أَيضاً، فقال: والدَّرَكُ قطعةُ حَبْل يُشَدُّ في طرف الرِّشاءِ إِلى عَرْقُوَةِ الدلو، ليكون هو الذي يلي الماءَ، فلا يَعْفَنُ الرِّشاءُ. وسنذكره في موضعه إِن شاءَ اللّه تعالى؛ وقال الحطيئة:
قَوْمٌ، إِذا عَقَدوا عَقْداً لجارِهمُ، * شَدُّوا العِناجَ، وشَدُّوا، فَوْقَه، الكَرَبَا
ودَلْو مُكْرَبة: ذاتُ كَرَب؛ وقد كَرَبَها يَكْرُبُها كَرْباً، وأَكْرَبَهَا، فهي مُكْرَبةٌ، وكَرَّبَها؛ قال امرؤُ القيس:
كالدَّلْوِ بُتَّتْ عُراها وهي مُثْقَلَةٌ، * وخانها وَذَمٌ منها وتَكْريبُ
على أَنَّ التَّكْريبَ قد يجوز أَن يكون هنا اسماً، كالتَّنْبِـيتِ والتَّمْتين، وذلك لعَطْفِها على الوَذَم الذي هو اسم، لكنَّ البابَ
الأَوَّلَ أَشْيَعُ وأَوْسَعُ. قال ابن سيده: أَعني أَن يكون مصدراً، وإِن كان معطوفاً على الاسم الذي هو الوَذَمُ. وكلُّ شديدِ العَقْدِ، من حَبْل، أَو بناءٍ، أَو مَفْصِل: مُكْرَبٌ. الليث: يقال لكل شيءٍ من الحيوان إِذا كان وَثيقَ الـمَفاصِل: إِنه لـمَكْروب المفاصِل. وروى أَبو الرَّبيع عن أَبي العالية، أَنه قال: الكَروبيُّون سادَةُ الملائكةِ، منهم جبريلُ ومِـيكائيلُ وإِسرافيل، هم الـمُقَرَّبُونَ؛ وأَنشد شَمِرٌ لأُمَيَّة:
كَرُوبِـيَّةٌ منهم رُكُوعٌ وسُجَّدُ
ويقال لكل حيوانٍ وَثِـيقِ الـمَفاصِلِ: إِنه لَـمُكْرَبُ الخَلْقِ إِذا كان شَديدَ القُوى، والأَول أَشبه؛ ابن الأَعرابي: الكَريبُ الشُّوبَقُ،
وهو الفَيْلَكُونُ؛ وأَنشد:
لا يَسْتَوي الصَّوْتانِ حينَ تَجاوَبا، * صَوْتُ الكَريبِ وصَوْتُ ذِئْبٍ مُقْفِر
والكَرْبُ: القُرْبُ.
والملائكة الكَرُوبِـيُّونَ: أَقْرَبُ الملائكة إِلى حَمَلَةِ العَرْش.
ووَظِـيفٌ مُكْرَبٌ: امْتَلأَ عَصَباً، وحافرٌ مُكْرَبٌ: صُلْبٌ؛ قال:
يَتْرُكُ خَوَّارَ الصَّفا رَكُوبا، * بمُكْرَباتٍ قُعِّبَتْ تَقْعِـيبا
والـمُكْرَبُ: الشديدُ الأَسْرِ من الدَّوابِّ، بضم الميم، وفتح الراءِ.
وإِنه لـمُكْرَبُ الخَلْق إِذا كان شديدَ الأَسْر. أَبو عمرو: الـمُكْرَبُ من الخيل الشديدُ الخَلْق والأَسْرِ. ابن سيده: وفرسٌ مُكْرَبٌ
شديدٌ.وكَرَبَ الأَرضَ يَكْرُبُها كَرْباً وكِراباً:
قَلَبها للـحَرْثِ، وأَثارَها للزَّرْع. التهذيب: الكِرابُ: كَرْبُكَ الأَرضَ حتى تَقلِـبَها، وهي مَكْرُوبة مُثَارَة.
التَّكْريبُ: أَن يَزْرَع في الكَريبِ الجادِسِ. والكَريبُ: القَراحُ؛
والجادِسُ: الذي لم يُزْرَعْ قَطُّ؛ قال ذو الرُّمَّة يصف جَرْوَ
الوَحْشِ:
تَكَرَّبنَ أُخرى الجَزْءِ، حتى إِذا انْقَضَتْ * بَقاياه والـمُسْتَمْطَراتُ الرَّوائِحُ
وفي المثل: الكِرابُ على البَقَرِ لأَنها تَكْرُبُ الأَرضَ أَي لا تُكْرَبُ الأَرضُ إِلا بالبَقَر. قال: ومنهم مَن يقول: الكِلابَ على البقر، بالنصب، أَي أَوْسِدِ الكِلابَ على بَقَرِ الوَحْشِ. وقال ابن السكيت:
المثل هو الأول.
والـمُكْرَباتُ: الإِبلُ التي يُؤْتى بها إِلى أَبواب البُيوت في شِدَّة
البرد، ليُصِـيبها الدُّخانُ فتَدْفأَ.
والكِرابُ: مَجاري الماءِ في الوادي. وقال أَبو عمرو: هي صُدُورُ الأَوْدية؛ قال أَبو ذُؤَيْب يصف النَّحْلَ:
جَوارِسُها تَـأْري الشُّعُوفَ دَوائِـباً، * وتَنْصَبُّ أَلْهاباً، مَصِـيفاً كِرابُها
واحدتها كَرْبَة. الـمَصِـيفُ: الـمُعْوَجُّ، مِن صافَ السَّهْمُ؛ وقوله:
كأَنما مَضْمَضَتْ من ماءِ أَكْربةٍ، * على سَيابةِ نَخْلٍ، دُونه مَلَقُ
قال أَبو حنيفة: الأَكْرِبةُ ههنا شِعافٌ يسيلُ منها ماءُ الجبالِ،
واحدَتُها كَرْبةٌ؛ قال ابن سيده: وهذا ليس بقويٍّ، لأَن فَعْلاً لا يجمع على أَفْعِلَةٍ. وقال مرَّة: الأَكْرِبَةُ جمع كُرابةٍ، وهو ما يَقَعُ من ثمر النخل في أُصول الكَرَبِ؛ قال: وهو غلط. قال ابن سيده: وكذلك قوله عندي غَلَط أَيضاً، لأَن فُعالَةَ لا يُجْمَعُ على أَفْعِلَة، اللهم إِلا أَن يكون على طرح الزائد، فيكون كأَنه جَمَعَ فُعالاً. وما بالدار كَرَّابٌ، بالتشديد، أَي أَحَدٌ.
والكَرْبُ: الفَتْلُ؛ يقال: كَرَبْتُه كَرْباً أَي فَتَلْتُه؛ قال:
في مَرْتَعِ اللَّهْو لم يُكْرَبْ إِلى الطِّوَلِ
والكَريبُ: الكَعْبُ من القَصَبِ أَو القَنا؛ والكَريبُ أَيضاً: الشُّوبَقُ، عن كراع.
وأَبو كَرِبٍ اليَمانيُّ، بكسر الراءِ: مَلِكٌ من مُلوكِ حِمْير، واسمه
أَسْعَدُ بن مالكٍ الـحِمْيَريُّ، وهو أَحد التبابعة.
وكُرَيْبٌ ومَعْدِيَكرِبَ: اسمانِ، فيه ثلاث لغات: معديكربُ برفع
الباءِ، لا يُصرف، ومنهم من يقول: معديكربٍ يُضيف ويَصْرِفُ كَرِباً، ومنهم مَن يقول: معديكربَ، يُضيف ولا يَصرف كرباً، يجعله مؤَنثاً معرفة، والياءُ من معديكرب ساكنة على كل حال. وإِذا نسبت إِليه قلت: مَعْديّ، وكذلك النسب في كل اسمين جُعلا واحداً، مثل بَعْلَبَكَّ وخَمْسَةَ عَشَر وتَـأَبـَّطَ شَرّاً، تنسب إِلى الاسم الأَول؛ تقول بَعْليٌّ وخَمْسِيٌّ وتَـأَبـَّطيٌّ، وكذلك إِذا صَغَّرْتَ، تُصَغِّرُ الأَوَّل، واللّه أَعلم.
شكر: الشُّكْرُ: عِرْفانُ الإِحسان ونَشْرُه، وهو الشُّكُورُ أَيضاً.
قال ثعلب: الشُّكْرُ لا يكون إِلاَّ عن يَدٍ، والحَمْدُ يكون عن يد وعن غير
يد، فهذا الفرق بينهما. والشُّكْرُ من الله: المجازاة والثناء الجميل،
شَكَرَهُ وشَكَرَ له يَشْكُرُ شُكْراً وشُكُوراً وشُكْراناً؛ قال أَبو
نخيلة:
شَكَرْتُكَ، إِنَّ الشُّكْرَ حَبْلٌ منَ التُّقَى،
وما كُلُّ مَنْ أَوْلَيْتَهُ نِعْمَةً يَقْضِي
قال ابن سيده: وهذا يدل على أَن الشكر لا يكون إِلا عن يد، أَلا ترى
أَنه قال: وما كل من أَوليته نعمة يقضي؟ أَي ليس كل من أَوليته نعمة يشكرك
عليها. وحكى اللحياني: شكرت اللهوشكرت لله وشَكَرْتُ بالله، وكذلك شكرت
نعمة الله، وتَشَكَّرَ له بلاءَه: كشَكَرَهُ. وتَشَكَّرْتُ له: مثل
شَكَرْتُ له. وفي حديث يعقوب: إِنه كان لا يأْكل شُحُومَ الإِبل تَشَكُّراً لله
عز وجل؛ أَنشد أَبو علي:
وإِنِّي لآتِيكُمْ تَشَكُّرَ ما مَضَى
من الأَمْرِ، واسْتيجابَ ما كان في الغَدِ
أَي لِتَشَكُّرِ ما مضى، وأَراد ما يكون فوضع الماضي موضع الآتي. ورجل
شَكورٌ: كثير الشُّكْرِ. وفي التنزيل العزيز: إِنه كان عَبْداً شَكُوراً.
وفي الحديث: حين رُؤيَ، صلى الله عليه وسلم، وقد جَهَدَ نَفْسَهُ
بالعبادة فقيل له: يا رسول الله، أَتفعل هذا وقد غفر الله لك ما تقدّم من ذنبك
وما تأَخر؟ أَنه قال، عليه السلام: أَفَلا أَكونُ عَبْداً شَكُوراً؟ وكذلك
الأُنثى بغير هاء. والشَّكُور: من صفات الله جل اسمه، معناه: أَنه يزكو
عنده القليلُ من أَعمال العباد فيضاعف لهم الجزاء، وشُكْرُه لعباده:
مغفرته لهم. والشَّكُورُ: من أَبنية المبالغة. وأَما الشَّكُورُ من عباد الله
فهو الذي يجتهد في شكر ربه بطاعته وأَدائه ما وَظَّفَ عليه من عبادته.
وقال الله تعالى: اعْمَلُوا آلَ داودَ شُكْراً وقليلٌ من عِبادِيَ
الشَّكُورُ؛ نصب شُكْراً لأَنه مفعول له، كأَنه قال: اعملوا لله شُكْراً، وإِن
شئت كان انتصابه على أَنه مصدر مؤكد. والشُّكْرُ: مثل الحمد إِلا أَن
الحمد أَعم منه، فإِنك تَحْمَدُ الإِنسانَ على صفاته الجميلة وعلى معروفه،
ولا تشكره إِلا على معروفه دون صفاته. والشُّكْرُ: مقابلة النعمة بالقول
والفعل والنية، فيثني على المنعم بلسانه ويذيب نفسه في طاعته ويعتقد أَنه
مُولِيها؛ وهو من شَكَرَتِ الإِبل تَشْكُر إِذا أَصابت مَرْعًى فَسَمِنَتْ
عليه. وفي الحديث: لا يَشْكُرُ الله من لا يَشْكُرُ الناسَ؛ معناه أَن
الله لا يقبل شكر العبد على إِحسانه إِليه، إِذا كان العبد لا يَشكُرُ
إِحسانَ الناس ويَكْفُر معروفَهم لاتصال أَحد الأَمرين بالآخر؛ وقيل: معناه
أَن من كان من طبعه وعادته كُفْرانُ نعمة الناس وتركُ الشُّكْرِ لهم، كان
من عادته كُفْرُ نعمة الله وتركُ الشكر له، وقيل: معناه أَن من لا يشكُر
الناس كان كمن لا يشكُر الله وإِن شَكَرَهُ، كما تقول: لا يُحِبُّني من
لا يُحِبُّك أَي أَن محبتك مقرونة بمحبتي فمن أَحبني يحبك ومن لم يحبك لم
يحبني؛ وهذه الأَقوال مبنية على رفع اسم الله تعالى ونصبه. والشُّكْرُ:
الثناءُ على المُحْسِنِ بما أَوْلاكَهُ من المعروف. يقال: شَكَرْتُه
وشَكَرْتُ له، وباللام أَفصح. وقوله تعالى: لا نريد منكم جزاءً ولا شُكُوراً؛
يحتمل أَن يكون مصدراً مثل قَعَدَ قُعُوداً، ويحتمل أَن يكون جمعاً مثل
بُرْدٍ وبُرُود وكُفْرٍ وكُفُورٍ. والشُّكْرانُ: خلاف الكُفْرانِ.
والشَّكُور من الدواب: ما يكفيه العَلَفُ القليلُ، وقيل: الشكور من الدواب الذي
يسمن على قلة العلف كأَنه يَشْكُرُ وإِن كان ذلك الإِحسان قليلاً،
وشُكْرُه ظهورُ نمائه وظُهُورُ العَلَفِ فيه؛ قال الأَعشى:
ولا بُدَّ مِنْ غَزْوَةٍ في الرَّبيعِ
حَجُونٍ، تُكِلُّ الوَقَاحَ الشَّكُورَا
والشَّكِرَةُ والمِشْــكارُ من الحَلُوباتِ: التي تَغْزُرُ على قلة الحظ
من المرعى. ونَعَتَ أَعرابيٌّ ناقةً فقال: إِنها مِعْشارٌ مِشْــكارٌ
مِغْبارٌ، فأَما المشــكار فما ذكرنا، وأَما المعشار والمغبار فكل منهما مشروح في
بابه؛ وجَمْعُ الشَّكِرَةِ شَــكارَــى وشَكْرَى. التهذيب: والشَّكِرَةُ من
الحلائب التي تصيب حظّاً من بَقْل أَو مَرْعًى فَتَغْزُرُ عليه بعد قلة
لبن، وإِذا نزل القوم منزلاً فأَصابتْ نَعَمُهم شيئاً من بَقْلٍ قَدْ
رَبَّ قيل: أَشْكَرَ القومُ، وإِنهم لَيَحْتَلِبُونَ شَكِرَةَ حَيْرَمٍ، وقد
شَكِرَتِ الحَلُوبَةُ شَكَراً؛ وأَنشد:
نَضْرِبُ دِرَّاتِها، إِذا شَكِرَتْ،
بِأَقْطِها، والرِّخافَ نَسْلَؤُها
والرَّخْفَةُ: الزُّبْدَةُ. وضَرَّةٌ شَكْرَى إِذا كانت مَلأَى من
اللبن، وقد شِكْرَتْ شَكَراً.
وأَشْكَرَ الضَّرْعُ واشْتَكَرَ: امتلأَ لبناً.
وأَشْكَرَ القومُ: شَكِرتْ إِبِلُهُمْ، والاسم الشَّكْرَةُ. الأَصمعي:
الشَّكِرَةُ الممتلئة الضرع من النوق؛ قال الحطيئة يصف إِبلاً غزاراً:
إِذا لم يَكُنْ إِلاَّ الأَمَالِيسُ أَصْبَحَتْ
لَها حُلَّقٌ ضَرَّاتُها، شَكِرات
قال ابن بري: ويروى بها حُلَّقاً ضَرَّاتُها، وإِعرابه على أَن يكون في
أَصبحت ضمير الإِبل وهو اسمها، وحُلَّقاً خبرها، وضراتها فاعل بِحُلَّق،
وشكرات خبر بعد خبر، والهاء في بها تعود على الأَمالِيسِ؛ وهي جمع
إمْلِيسٍ، وهي الأَرض التي لا نبات لها؛ قال: ويجوز أَن يكون ضراتها اسم
أَصبحت، وحلقاً خبرها، وشكرات خبر بعد بعد خبر؛ قال: وأَما من روى لها حلق،
فالهاء في لها تعود على الإِبل، وحلق اسم أَصبحت، وهي نعت لمحذوف تقديره
أَصبحت لها ضروع حلق، والحلق جمع حالق، وهو الممتلئ، وضراتها رفع بحلق
وشكرات خبر أَصبحت؛ ويجوز أَن يكون في أَصبحت ضمير الأَبل، وحلق رفع
بالإِبتداء وخبره في قوله لها، وشكرات منصوب على الحال، وأَما قوله: إِذا لم يكن
إِلاَّ الأَماليس، فإِنَّ يكن يجوز أَن تكون تامة، ويجوز أَن تكون ناقصة،
فإِن جعلتها ناقصة احتجت إِلى خبر محذوف تقديره إِذا لم يكن ثَمَّ
إِلاَّ الأَماليس أَو في الأَرض إِلاَّ الأَماليس، وإِن جعلتها تامة لم تحتج
إِلى خبر؛ ومعنى البيت أَنه يصف هذه الإِبل بالكرم وجودة الأَصل، وأَنه
إِذا لم يكن لها ما ترعاه وكانت الأَرضُ جَدْبَةً فإِنك تجد فيها لبناً
غزيراً. وفي حديث يأْجوج ومأْجوج: دَوابُّ الأَرض تَشْكَرُ شَكَراً،
بالتحريك، إِذا سَمِنَت وامتلأَ ضَرْعُها لبناً. وعُشْبٌ مَشْكَرَة: مَغْزَرَةٌ
للبن، تقول منه: شَكِرَتِ الناقة، بالكسر، تَشْكَرُ شَكَراً، وهي
شَكِرَةٌ. وأَشْكَرَ القومُ أَي يَحْلُبُون شَكِرَةً. وهذا زمان الشَّكْرَةِ
إِذا حَفَلتْ من الربيع، وهي إِبل شَــكَارَــى وغَنَمٌ شَــكَارَــى. واشْتَكَرَتِ
السماءُ وحَفَلَتْ واغْبَرَّتْ: جَدَّ مطرها واشتْدَّ وقْعُها؛ قال امرؤ
القيس يصف مطراً:
تُخْرِجُ الوَدَّ إِذا ما أَشْجَذَتْ،
وتُوالِيهِ إِذا ما تَشْتَكِرْ
ويروى: تَعْتَكِرْ. واشْتَكَرَِت الرياحُ: أَتت بالمطر. واشْتَكَرَتِ
الريحُ: اشتدّ هُبوبُها؛ قال ابن أَحمر:
المُطْعِمُونَ إِذا رِيحُ الشِّتَا اشْتَكَرَتْ،
والطَّاعِنُونَ إِذا ما اسْتَلْحَمَ البَطَلُ
واشْتَكَرَتِ الرياحُ: اختلفت؛ عن أَبي عبيد؛ قال ابن سيده: وهو خطأُ.
واشْتَكَرَ الحرُّ والبرد: اشتدّ؛ قال الشاعر:
غَداةَ الخِمْسِ واشْتَكَرَتْ حَرُورٌ،
كأَنَّ أَجِيجَها وَهَجُ الصِّلاءِ
وشَكِيرُ الإِبل: صغارها. والشَّكِيرُ من الشَّعَرِ والنبات: ما ينبت من
الشعر بين الضفائر، والجمع الشُّكْرُ؛ وأَنشد:
فَبَيْنا الفَتى لِلْعَيْنِ ناضِراً،
كعُسْلُوجَةٍ يَهْتَزُّ منها شَكِيرُها
ابن الأَعرابي: الشَّكِيرُ ما ينبت في أَصل الشجرة من الورق وليس
بالكبار. والشَّكيرُ من الفَرْخِ: الزَّغَبُ. الفراء: يقال شَكِرَتِ
الشَّجَرَةُ وأَشْكَرَتْ إِذا خرج فيها الشيء.
ابن الأَعرابي: المِشْــكارُ من النُّوقِ التي تَغْزرُ في الصيف وتنقطع في
الشتاء، والتي يدوم لبنها سنتها كلها يقال لها: رَكُودٌ ومَكُودٌ
وَوَشُولٌ وصَفِيٌّ. ابن سيده: والشَّكِيرُ الشَّعَرُ الذي في أَصل عُرْفِ
الفَرَسِ كأَنه زَغَبٌ، وكذلك في الناصية. والشَّكِيرُ من الشعر والريش
والعَفا والنَّبْتِ: ما نَبَتَ من صغاره بين كباره، وقيل: هو أَول النبت على
أَثر النبت الهائج المُغْبَرِّ، وقد أَشْكَرَتِ الأَرضُ، وقيل: هو الشجر
ينبت حول الشجر، وقيل: هو الورق الصغار ينبت بعد الكبار. وشَكِرَتِ الشجرة
أَيضاً تَشْكَرُ شَكَراً أَي خرج منها الشَّكِيرُ، وهو ما ينبت حول
الشجرة من أَصلها؛ قال الشاعر:
ومِنْ عِضَةٍ ما يَنْبُتَنَّ شَكِيرُها
قال: وربما قالوا للشَّعَرِ الضعيف شَكِيرٌ؛ قال ابن مقبل يصف فرساً:
ذَعَرْتُ بِهِ العَيرَ مُسْتَوْزِياً،
شَكِيرُ جَحَافِلِهِ قَدْ كَتِنْ
ومُسْتَوْزِياً: مُشْرِفاً منتصباً. وكَتِنَ: بمعنى تَلَزَّجَ
وتَوَسَّخَ. والشَّكِيرُ أَيضاً: ما ينبت من القُضْبانِ الرَّخْصَةِ بين
القُضْبانِ العاسِيَةِ. والشَّكِيرُ: ما ينبت في أُصول الشجر الكبار. وشَكِيرُ
النخلِ: فِراخُه. وشَكِرَ النخلُ شَكَراً: كثرت فراخه؛ عن أَبي حَنيفة؛ وقال
يعقوب: هو من النخل الخُوصُ الدر حول السَّعَفِ؛ وأَنشد لكثيِّر:
بُرُوكٌ بأَعْلى ذِي البُلَيْدِ، كأَنَّها
صَرِيمَةُ نَخْلٍ مُغْطَئِلٍّ شَكِيرُها
مغطئل: كثير متراكب. وقال أَبو حنيفة: الشكير الغصون؛ وروي الأَزهري
بسنده: أَن مَجَّاعَةَ أَتى رسولُ الله، صلى الله عليه وسلم، فقال
قائلهم:ومَجَّاعُ اليَمامَةِ قد أَتانا،
يُخَبِّرُنا بِمَا قال الرَّسُولُ
فأَعْطَيْنا المَقادَةَ واسْتَقَمْنا،
وكانَ المَرْءُ يَسْمَعُ ما يَقُولُ
فأَقْطَعَه رسولُ الله، صلى الله عليه وسلم، وكتب له بذلك كتاباً: بسم
الله الرحمن الرحيم، هذا كتابٌ كَتَبَهُ محمدٌ رسولُ الله، لِمَجَّاعَةَ
بنِ مُرارَةَ بن سَلْمَى، إِني أَقطعتك الفُورَةَ وعَوانَةَ من العَرَمَةِ
والجَبَل فمن حاجَّكَ فإِليَّ. فلما قبض رسولُ الله، صلى الله عليه
وسلم، وَفَدَ إِلى أَبي بكر، رضي الله عنه، فأَقطعه الخِضْرِمَةَ، ثم وَفَدَ
إِلى عمر، رضي الله عنه، فأَقطعه أَكثر ما بالحِجْرِ، ثم إِن هِلالَ بنَ
سِراجِ بنِ مَجَّاعَةَ وَفَد إِلى عمر بن عبد العزيز بكتاب رسولُ الله،
صلى الله عليه وسلم، بعدما استخلف فأَخذه عمر ووضعه على عينيه ومسح به
وجهه رجاء أَن يصيب وجهه موضع يد رسولُ الله، صلى الله عليه وسلم، فَسَمَرَ
عنده هلالٌ ليلةً، فقال له: يا هلال أَبَقِيَ من كُهُولِ بني مَجَّاعَةَ
أَحدٌ؟ ثقال: نَعَمْ وشَكِيرٌ كثير؛ قال: فضحك عمر وقال: كَلِمَةٌ
عربيةٌ، قال: فقال جلساؤه: وما الشَّكير يا أَمير المؤمنين؟ قال: أَلم تَرَ
إِلى الزرع إِذا زكا فأَفْرَخَ فنبت في أُصوله فذلكم الشَّكيرُ. ثم أَجازه
وأَعطاه وأَكرمه وأَعطاه في فرائض العيال والمُقاتِلَةِ؛ قال أَبو منصور:
أَراد بقوله وشَكِير كثير أَي ذُرِّيَّةٌ صِغارٌ،. شبههم بشَكِيرِ الزرع،
وهو ما نبت منه صغاراً في أُصول الكبار؛ وقال العجاج يصف رِكاباً
أَجْهَضَتْ أَولادَها:
والشَّدِنِيَّاتُ يُسَاقِطْنَ النَّغَرْ،
خُوصُ العُيونِ مُجْهِضَاتٌ ما اسْتَطَرْ،
مِنْهُنَّ إِتْمامُ شَكِيرٍ فاشْتَكَرْ
ما اسْتَطَرَّ: من الطَّرِّ. يقال: طَرَّ شَعَرُه أَي نبت، وطَرَّ شاربه
مثله. يقول: ما اسْتَطَرَّ منهنَّ. إِتمام يعني بلوغ التمام.
والشَّكِيرُ: ما نبت صغيراً فاشْتَكَر: صار شَكِيراً.
بِحاجِبٍ ولا قَفاً ولا ازْبأَرْ
مِنْهُنَّ سِيساءٌ، ولا اسْتَغْشَى الوَبَرْ
والشَّكِيرُ: لِحاءُ الشجر؛ قال هَوْذَةُ بنُ عَوْفٍ العامِريّ:
على كلِّ خَوَّارِ العِنانِ كأَنها
عَصَا أَرْزَنٍ، قد طارَ عَنْهَا شَكِيرُها
والجمع شُكُرٌ. وشُكُرُ الكَرْمِ: قُضْبانَه الطِّوالُ، وقيل: قُضبانه
الأَعالي. وقال أَبو حنيفة: الشَّكِير الكَرْم يُغرَسُ من قضيبه، والفعل
كل ذلك أَشْكَرَتْ واشْتَكَرَت وشَكِرَتْ.
والشَّكْرُ: فَرْجُ المرأَة وقيل لحم فرجها؛ قال الشاعر يصف امرأَة،
أَنشده ابن السكيت:
صَناعٌ بإِشْفاها، حَصانٌ بِشَكْرِها،
جَوادٌ بِقُوتِ البَطْنِ، والعِرْضُ وافِرُ
وفي رواية: جَوادٌ بزادِ الرَّكْبِ والعِرْق زاخِرُ، وقيل: الشَّكْرُ
بُضْعُها والشَّكْرُ لغة فيه؛ وروي بالوجهين بيت الأَعشى:
خَلَوْتُ بِشِكْرِها وشَكرها
(* قوله: «خلوت إلخ» كذا بالأَصل).
وفي الحديث: نَهَى عن شَكْرِ البَغِيِّ، هو بالفتح، الفرج، أَراد عن
وطئها أَي عن ثمن شَكْرِها فحذف المضاف، كقوله: نهى عن عَسِيبِ الفَحْلِ أَي
عن ثمن عَسْبِهِ. وفي الحديث: فَشَكَرْتُ الشاةَ، أَي أَبدلت شَكْرَها
أَي فرجها؛ ومنه قول يحيى بن يَعْمُر لرجل خاصمته إِليه امرأَته في
مَهْرِها: أَإِنْ سأَلَتْكَ ثمن شَكْرِها وشَبْرِك أَنْشأْتَ تَطُلُّها
وتَضْهَلُها؟ والشِّــكارُ: فروج النساء، واحدها شَكْرٌ. ويقال للفِدرَة من اللحم
إِذا كانت سمينة: شَكْرَى؛ قال الراعي:
تَبِيتُ المَخالي الغُرُّ في حَجَراتِها
شَــكارَــى، مَراها ماؤُها وحَدِيدُها
أَراد بحديدها مِغْرَفَةٍ من حديد تُساطُ القِدْرُ بها وتغترف بها
إِهالتها. وقال أَبو سعيد: يقال فاتحْتُ فلاناً الحديث وكاشَرْتُه وشاكَرْتُه؛
أَرَيْتُه أَني شاكِرٌ.
والشَّيْكَرانُ: ضرب من النبت.
وبَنُو شَكِرٍ: قبيلة في الأَزْدِ. وشاكر: قبيلة في اليمن؛ قال:
مُعاوِيَ، لم تَرْعَ الأَمانَةَ، فارْعَها
وكُنْ شاكِراً للهِ والدِّينِ، شاكِرُ
أَراد: لم تَرْعَ الأَمانةَ شاكرٌ فارعها وكن شاكراً لله، فاعترض بين
الفعل والفاعل جملةٌ أُخرى، والاعتراض للتشديد قد جاء بين الفعل والفاعل
والمبتدإِ والخبر والصلة والموصول وغير ذلك مجيئاً كثيراً في القرآن وفصيح
الكلام. وبَنُو شاكرٍ: في هَمْدان. وشاكر: قبيلة من هَمْدان باليمن.
وشَوْكَرٌ: اسم. ويَشْكُرُ: قبيلة في ربيعة. وبنو يَشْكُرَ قبيلة في بكر بن
وائل.
ضبط: الضَّبْطُ: لزوم الشيء وحَبْسُه، ضَبَطَ عليه وضَبَطَه يَضْبُط
(*
قوله «يضبط» شكل في الأصل في غير موضع بضم الباء، وهو مقتضى اطلاق المجد
وضبط هامش نسخة من النهاية يوثق بها، لكن الذي في المصباح والمختار أَنه
من باب ضرب.) ضَبْطاً وضَباطةً، وقال الليث: الضّبْطُ لزومُ شيء لا
يفارقه في كل شيء، وضَبْطُ الشيء حِفْظُه بالحزم، والرجل ضابِطٌ أَي حازِمٌ.
ورجل ضابِطٌ وضَبَنْطى: قويٌّ شديدٌ، وفي التهذيب: شديد البطش والقُوَّةِ
والجسم. ورجل أَضْبَطُ: يعمل بيديه جميعاً. وأَسَدٌ أَضْبَطُ: يعمل
بيَساره كعمله بيمينه؛ قالت مُؤَبِّنةُ رَوْحِ بن زنباع في نَوْحِها:
أَسَدٌ أَضْبَطُ يَمْشِي
بين قَصْباءٍ وغِيلِ
والأُنثى ضَبْطاء، يكون صِفة للمرأَة واللَّبُؤة؛ قال الجُمَيْحُ
الأَسَدِي:
أَمّا إِذا أَحْرَدَتْ حَرْدَى فمُجْرِيةٌ
ضَبْطاء، تَسْكُنُ غِيلاً غيرَ مَقروبِ
وشبّه المرأَة باللبؤة الضبْطاء نَزَقاً وخِفّة وليس له فِعل. وفي
الحديث: أَنه سئل عن الأَضْبطِ؛ قال أَبو عبيد: هو الذي يعمل بيديه جميعاً،
يعمل بيساره كما يعمل بيمينه، وكذلك كل عامل يعمل بيديه جميعاً؛ وقال مَعْن
بن أَوْس يصف ناقة:
عُذافِرة ضَبْطاء تَخْدِي، كأَنها
فَنِيقٌ، غَدا يَحْمي السَّوامَ السَّوارِحا
وهو الذي يقال له أَعْسَرُ يَسَرٌ. ويقال منه: ضَبِطَ الرجل، بالكسر،
يَضْبَطُ، وضَبَطَه وجَع: أَخَذه. وتَضَبَّطَ الرجلَ: أَخذه على حَبْسٍ
وقَهْر. وفي حديث أَنس، رضي اللّه عنه: سافَر ناسٌ من الأَنصار فأَرْمَلوا
فمَرُّوا بحَيٍّ من العرب فسأَلوهم القِرى فلم يَقْرُوهم، وسأَلوهم
الشِّراء فلم يَبيعُوهم، فتَضَبَّطوهم فأَصابوا منهم. وتضَبَّطَ الضأْنُ أَي
أَسرَع في المرْعى وقَوِيَ. وتضَبَّطَتِ الضأْنُ: نالت شيئاً من الكَلإِ.
تقول العرب: إِذا تضَبَّطَتِ الضأْنُ شَبعت الإِبلُ، قال: وذلك أَن الضأْن
يقال لها الإِبل الصغرى لأَنها أَكثر أَكلاً من المِعْزى، والمِعْزى
أَلْطَفُ أَحْناكاً وأَحسن إِراغة وأَزْهَدُ زُهْداً منها، فإِذا شبعت
الضأْنُ فقد أَحْيا الناسُ لِكثرة العُشب، ومعنى قوله تضَبَّطَتْ قَوِيَت
وسَمِنت.
وضُبِطَتِ الأَرضُ: مُطرت؛ عن ابن الأَعرابي.
والضَّبَنْطَى: القَوي، والنون والياء زائدتان للإلحاق بسَفَرْجَل. وفي
الحديث: يأْتي على الناس زمانٌ وإِنَّ البعِيرَ الضابِطَ والمَزادَتَيْنِ
أَحبُّ إِلى الرجل مما يَمْلِكُ؛ الضابِطُ: القويّ على عمَلِه. ويقال:
فلان لا يَضْبُطُ عمَله إِذا عجَز عن وِلايةِ ما وَلِيَه. ورجل ضابِطٌ:
قويّ على عمَلِه.
ولعبةٌ للأَعراب تسمّى الضَّبْطةَ والمَسَّةَ، وهي الطَّرِيدةُ.
والأَضْبطُ: اسم رجل.
ذكر: الذِّكْرُ: الحِفْظُ للشيء تَذْكُرُه. والذِّكْرُ أَيضاً: الشيء
يجري على اللسان. والذِّكْرُ: جَرْيُ الشيء على لسانك، وقد تقدم أَن
الذِّكْرَ لغة في الذكر، ذَكَرَهُ يَذْكُرُه ذِكْراً وذُكْراً؛ الأَخيرة عن
سيبويه. وقوله تعالى: واذكروا ما فيه؛ قال أَبو إِسحق: معناه ادْرُسُوا ما
فيه. وتَذَكَّرَهُ واذَّكَرَهُ وادَّكَرَهُ واذْدَكَرَهُ، قلبوا تاء
افْتَعَلَ في هذا مع الذال بغير إِدغام؛ قال:
تُنْحي على الشَّوكِ جُرَازاً مِقْضَبا،
والهَمُّ تُذْرِيهِ اذْدِــكاراً عَجَبَا
(* قوله: «والهم تذريه إلخ» كذا بالأَصل والذي في شرح الأَشموني:
«والهرم وتذريه اذدراء عجبا» أَتى به شاهداً على جواز الإِظهار بعد قلب تاء
الافتعال دالاً بعد الذال. والهرم، بفتح الهاء فسكون الراء المهملة: نبت
وشجر أَو البقلة الحمقاء كما في القاموس، والضمير في تذريه للناقة، واذدراء
مفعول مطلق لتذريه موافق له في الاشتقاق، انظر الصبان).
قال ابن سيده: أَما اذَّكَرَ وادَّكَر فإِبدال إِدغام، وأَما الذِّكْرُ
والدِّكْرُ لما رأَوها قد انقلبت في اذَّكَرَ الذي هو الفعل الماضي
قلبوها في الذِّكْرِ الذي هو جمع ذِكْرَةٍ.
واسْتَذْكَرَهُ: كاذَّكَرَه؛ حكى هذه الأَخيرة أَبو عبيد عن أَبي زيد
فقال: أَرْتَمْتُ إِذا ربطتَ في إِصبعه خيطاً يَسْتَذْكِرُ به حاجَتَه.
وأَذْكَرَه إِياه: ذَكَّرَهُ، والاسم الذِّكْرَى. الفراء: يكون الذِّكْرَى
بمعنى الذِّكْرِ، ويكون بمعنى التَّذَكُّرِ في قوله تعالى: وذَكِّرْ فإِن
الذِّكْرَى تنفع المؤمنين. والذِّكْرُ والذِّكْرى، بالكسر: نقيض النسيان،
وكذلك الذُّكْرَةُ؛ قال كعب بن زهير:
أَنَّى أَلَمَّ بِكَ الخَيالُ يَطِيفُ،
ومَطافُه لَكَ ذُكْرَةٌ وشُعُوفُ
يقال: طاف الخيالُ يَطِيفُ طَيْفاً ومَطَافاً وأَطافَ أَيضاً.
والشُّعُوفُ: الولُوعُ بالشيء حتى لا يعدل عنه. وتقول: ذَكَّرْتُه ذِكْرَى؛ غير
مُجْرَاةٍ. ويقال: اجْعَلْه منك على ذُكْرٍ وذِكْرٍ بمعنى. وما زال ذلك مني
على ذِكْرٍ وذُكْرٍ، والضم أَعلى، أَي تَذَكُّرٍ. وقال الفراء:
الذِّكْرُ ما ذكرته بلسانك وأَظهرته. والذُّكْرُ بالقلب. يقال: ما زال مني على
ذُكْرٍ أَي لم أَنْسَه. واسْتَذْكَرَ الرجلَ: ربط في أُصبعه خيطاً
ليَذْكْرَ به حاجته. والتَّذكِرَةُ: ما تُسْتَذْكُرُ به الحاجة. وقال أَبو حنيفة
في ذِكْرِ الأَنْواء: وأَما الجَبْهَةُ فَنَوْؤُها من أَذْكَرِ الأَنْواء
وأَشهرها؛ فكأَن قوله من أَذْكَرِها إِنما هو على ذِكُرَ وإِن لم يلفظ
به وليس على ذَكِرَ، لأَن أَلفاظ فعل التعجب إِنما هي من فِعْلِ الفاعل لا
من فِعْلِ المفعول إِلاَّ في أَشياء قليلة. واسْتَذْكَرَ الشيءَ:
دَرَسَةَ للذِّكْرِ. والاسْتِذْــكارُ: الدِّرَاسَةُ للحفظ. والتَّذَكُّر: تذكر
ما أُنسيته. وذَكَرْتُ الشيء بعد النسيان وذَكْرتُه بلساني وبقلبي
وتَذَكَّرْتُه وأَذْكَرْتُه غيري وذَكَّرْتُه بمعنًى. قال الله تعالى: وادَّكَرَ
بعد أُمَّةٍ؛ أَي ذَمَرَ بعد نِسْيان، وأَصله اذْتَكَرَ فَأُدغم.
والتذكير: خلاف التأْنيث، والذَّكَرُ خلاف الأُنثى، والجمع ذُكُورٌ
وذُكُورَةٌ وذِــكَارٌ وذِــكَارَــةٌ وذُكْرانٌ وذِكَرَةٌ. وقال كراع: ليس في
الكلام فَعَلٌ يكسر على فُعُول وفُعْلان إِلاَّ الذَّكَرُ. وامرأَة ذَكِرَةٌ
ومُذَكَّرَةٌ ومُتَذَكِّرَةٌ: مُتَشَّبَهةٌ بالذُّكُورِ. قال بعضهم:
إِياكم وكُلَّ ذَكِرَة مُذَكَّرَةٍ شَوْهاءَ فَوْهاءَ تُبْطِلُ الحَقِّ
بالبُكاء، لا تأْكل من قِلَّةٍ ولا تَعْتَذِرُ من عِلَّة، إِن أَقبلت
أَعْصَفَتْ وإِن أَدْبَرَتْ أَغْبَرَتْ. وناقة مُذَكَّرَةٌ: مُتَشَبِّهَةٌ
بالجَمَلِ في الخَلْقِ والخُلُقِ؛ قال ذو الرمة:
مُذَكَّرَةٌ حَرْفٌ سِنَادٌ، يَشُلُّها
وَظِيفٌ أَرَحُّ الخَطْوِ، ظَمْآنُ سَهْوَقُ
ويوم مُذَكَّرٌ: إِذا وُصِفَ بالشِّدّةِ والصعوبة وكثرة القتل؛ قال
لبيد:فإِن كنتِ تَبْغِينَ الكِرامَ، فأَعْوِلِي
أَبا حازِمٍ، في كُلِّ مُذَكَّرِ
وطريق مُذَكَّرٌ: مَخُوفٌ صَعْبٌ.
وأَذْكَرَتِ المرأَةُ وغَيْرُها فهي مُذْكِرٌ: ولدت ذَكَراً. وفي الدعاء
للحُبْلَى: أَذْكَرَتْ وأَيْسَرَتْ أَي ولدت ذَكَراً ويُسِّرَ عليها.
وامرأَة مُذْكِرٌ: ولدت ذَكَراً، فإِذا كان ذلك لها عادة فهي مِذْــكارٌ،
وكذلك الرجل أَيضاً مِذْــكارٌ؛ قال رؤْبة:
إِنَّ تَمِيماً كان قَهْباً من عادْ،
أَرْأَسَ مِذْــكاراً، كثيرَ الأَوْلادْ
ويقال: كم الذِّكَرَةُ من وَلَدِك؟ أَي الذُّكُورُ وفي الحديث: إِذا غلب
ماءُ الرجل ماءَ المرأَة أَذْكَرَا؛ أَي ولدا ذكراً، وفي رواية: إِذا
سبق ماءُ الرجل ماءَ المرأَة أَذْكَرَتْ بإِذن الله أَي ولدته ذكراً. وفي
حديث عمر: هَبِلَتِ الوَادِعِيَّ أُمُّهُ لقد أَذْكَرَتْ به أَي جاءت به
ذكراً جَلْداً. وفي حديث طارق مولى عثمان: قال لابن الزبير حين صُرِعَ:
والله ما ولدت النساء أَذْكَرَ منك؛ يعني شَهْماً ماضياً في الأُمور. وفي
حديث الزكاة: ابن لبون ذكر؛ ذكر الذكر تأْكيداً، وقيل: تنبيهاً على نقص
الذكورية في الزكاة مع ارتفاع السن، وقيل: لأَن الابن يطلق في بعض
الحيوانات على الذكر والأُنثى كابن آوى وابن عُرْسٍ وغيرهما، لا يقال فيه بنت آوى
ولا بنت عرس فرفع الإِشكال بذكر الذَّكَرِ. وفي حديث الميراث: لأَوْلَى
رجل ذَكَرٍ؛ قيل: قاله احترازاً من الخنثى، وقيل: تنبيهاً على اختصاص
الرجال بالتعصيب للذكورية. ورجل ذَكَرٌ: إِذا كان قويّاً شجاعاً أَنِفاً
أَبِيّاً. ومطر ذَكَرٌ: شديدٌ وابِلٌ؛ قال الفرزدق:
فَرُبَّ ربيعٍ بالبَلالِيق قد، رَعَتْ
بِمُسْتَنِّ أَغْياثٍ بُعاق ذُكُورُها
وقَوْلٌ ذَكَرٌ: صُلْبٌ مَتِين. وشعر ذَكَرٌ: فَحْلٌ. وداهية مُذْكِرٌ:
لا يقوم لها إِلاَّ ذُكْرانُ الرجال، وقيل: داهية مُذْكِرٌ شديدة؛ قال
الجعدي:
وداهِيَةٍ عَمْياءَ صَمَّاءَ مُذْكِرٍ،
تَدِرُّ بِسَمٍّ من دَمٍ يَتَحَلَّبُ
وذُكُورُ الطِّيبِ: ما يصلح للرجال دون النساء نحو المِسْكِ والغالية
والذَّرِيرَة. وفي حديث عائشة، رضي الله عنها: أَنه كان يتطيب بِذِــكارَــةِ
الطِّيبِ؛ الذكارة، بالكسر: ما يصلح للرجال كالمسك والعنبر والعود، وهي
جمع ذُكَرٍ، والذُّكُورَةُ مثله؛ ومنه الحديث: كانوا يكرهون المُؤَنِّثَ من
الطيب ولا يَرَوْنَ بِذُكْورَتِه بأْساً؛ قال: هو ما لا لَوْنَ له
يَنْفُضُ كالعُود والكافور والعنبر، والمؤنَّث طيب النساء كالخَلُوق
والزعفران. وذُكورُ العُشْبِ: ما غَلُظ وخَشُنَ. وأَرض مِذْــكارٌ: تُنْبِتُ ذكورَ
العُشْبِ، وقيل: هي التي لا تنبت، والأَوّل أَكثر؛ قال كعب:
وعَرَفْتُ أَنِّي مُصْبِحٌ بِمَضِيعةٍ
غَبْراءَ، يَعْزِفُ جِنُّها، مِذكارِ
الأَصمعي: فلاة مِذْــكارٌ ذات أَهوال؛ وقال مرة: لا يسلكها إِلاّ
الذَّكَرُ من الرجال. وفَلاة مُذْكِرٌ: تنبت ذكور البقل، وذُكُورُه: ما خَشُنَ
منه وغَلُظَ، وأَحْرَارُ البقول: ما رَقَّ منه وطاب. وذُكُورُ البقل: ما
غلظ منه وإِلى المرارة هو.
والذِّكْرُ: الصيتُ والثناء. ابن سيده: الذِّكْرُ الصِّيتُ يكون في
الخير والشر. وحكي أَبو زيد: إِن فلاناً لَرَجُلٌ لو كان له ذُكْرَةٌ أَي
ذِكْرٌ. ورجل ذَكِيرٌ وذِكِّيرٌ: ذو ذِكْرٍ؛ عن أَبي زيد. والذِّكْرُ:
ذِكْرُ الشرف والصِّيت. ورجل ذَكِيرٌ: جَيِّدٌ الذِّكْره والحِفْظِ.
والذِّكْرُ: الشرف. وفي التنزيل: وإِنه لَذِكْرٌ لك ولقومك؛ أَي القرآن شرف لك
ولهم. وقوله تعالى: ورَفَعْنَا لك ذِكْرَكَ؛ أَي شَرَفَكَ؛ وقيل: معناه
إِذا ذُكِرْتُ ذُكِرْتَ معي. والذِّكْرُ: الكتاب الذي فيه تفصيل الدِّينِ
ووَضْعُ المِلَلِ، وكُلُّ كتاب من الأَنبياء، عليهم السلام، ذِكْرٌ.
والذِّكْرُ: الصلاةُ لله والدعاءُ إِليه والثناء عليه. وفي الحديث: كانت
الأَنبياء، عليهم السلام، إِذا حَزَبَهُمْ أَمْرٌ فَزِعُوا إِلى الذكر، أَي
إِلى الصلاة يقومون فيصلون. وذِكْرُ الحَقِّ: هو الصَّكُّ، والجمع ذُكُورُ
حُقُوقٍ، ويقال: ذُكُورُ حَقٍّ. والذِّكْرَى: اسم للتَّذْكِرَةِ. قال أَبو
العباس: الذكر الصلاة والذكر قراءة القرآن والذكر التسبيح والذكر الدعاء
والذكر الشكر والذكر الطاعة.
وفي حديث عائشة، رضي الله عنها: ثم جلسوا عند المَذْكَر حتى بدا حاجِبُ
الشمس؛ المَذْكَر موضع الذِّكْرِ، كأَنها أَرادت عند الركن الأَسود أَو
الحِجْرِ، وقد تكرر ذِكْرُ الذّكْرِ في الحديث ويراد به تمجيد الله
وتقديسه وتسبيحه وتهليله والثناء عليه بجميع محامده. وفي الحديث: القرآنُ
ذَكَرٌ فَذَكِّرُوه؛ أَي أَنه جليل خَطِيرٌ فأَجِلُّوه. ومعنى قوله تعالى:
ولَذِكْرُ الله أَكْبَرُ؛ فيه وجهان: أَحدهما أَن ذكر الله تعالى إِذا ذكره
العبد خير للعبد من ذكر العبد للعبد، والوجه الآخر أَن ذكر الله ينهى عن
الفحشاء والمنكر أَكثر مما تنهى الصلاة. وقول الله عز وجل: سَمِعْنا
فَتًى يَذْكُرُهُمْ يقال له إِبراهيم؛ قال الفراء فيه وفي قول الله تعالى:
أَهذا الذي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ، قال: يريد يَعِيبُ آلهتكم، قال: وأَنت
قائل للرجل لئن ذَكَرْتَنِي لَتَنْدَمَنَّ، وأَنت تريد بسوء، فيجوز ذلك؛
قال عنترة:
لا تَذْكُرِي فَرَسي وما أَطْعَمْتُه،
فيكونَ جِلْدُكِ مثلَ جِلْدِ الأَجْرَبِ
أَراد لا تَعِيبي مُهْري فجعل الذِّكْرَ عيباً؛ قال أَبو منصور: وقد
أَنكر أَبو الهيثم أَن يكون الذِّكْرُ عيباً؛ وقال في قول عنترة لا تذكري
فرسي: معناه لا تولعي بِذِكْرِهِ وذِكْرِ إِيثاري إِياه دون العيال. وقال
الزجاج نحواً من قول الفراء، قال: ويقال فلان يَذْكُر الناسَ أَي يغتابهم
ويذكر عيوبهم، وفلان يذكر الله أَي يصفه بالعظمة ويثني عليه ويوحده،
وإِنما يحذف مع الذِّكْرِ ما عُقِلَ معناه. وفي حديث عليّ: أَن عليّاً
يَذْكُرُ فاطمة يخطبها، وقيل: يَتَعَرَّضُ لخِطْبَتِها، ومنه حديث عمر: ما
حلفتُ بها ذَاكِراً ولا آثراً أَي ما تكلمت بها حالفاً، من قولك: ذكرت لفلان
حديث كذا وكذا أَي قلته له، وليس من الذِّكْر بعد النسيان.
والذُّــكَارَــةُ: حمل النخل؛ قال ابن دريد: وأَحسب أَن بعض العرب يُسَمِّي
السِّمَاكَ الرَّامِحَ الذَّكَرَ. والذَّكَرُ: معروف، والجمع ذُكُورٌ
ومَذاكِيرُ، على غير قياس، كأَنهم فرقوا بين الذَّكَرِ الذي هو الفحل وبين
الذَّكَرِ الذي هو العضو. وقال الأَخفش: هو من الجمع الذي ليس له واحد
مثل العَبَاديد والأَبابيل؛ وفي التهذيب: وجمعه الذِّــكارَــةُ ومن أَجله يسمى
ما يليه المَذَاكِيرَ، ولا يفرد، وإِن أُفرد فَمُذَكَّرٌ مثل مُقَدَّمٍ
ومَقَادِيم. وفي الحديث: أَن عبداً أَبصر جارية لسيدة فغار السيدُ
فَجَبَّ مَذَاكِيرَه؛ هي جمع الذَّكَرِ على غير قياس. ابن سيده: والمذاكير
منسوبة إِلى الذَّكَرِ، واحدها ذَكَرٌ، وهو من باب مَحاسِنَ ومَلامِحَ.
والذَّكَرُ والذَّكِيرُ من الحديد: أَيْبَسُه وأَشَدُّه وأَجْوَدُه، وهو خلافُ
الأَنِيثِ، وبذلك يسمى السيف مُذَكَّراً ويذكر به القدوم والفأْس ونحوه،
أَعني بالذَّكَرِ من الحديد.
ويقال: ذهبتْ ذُكْرَهُ السيف وذُكْرَهُ الرَّجُلِ أَي حِدَّتُهما. وفي
الحديث: أَنه كان يطوف في ليلة على نسائه ويغتسل من كل واحدة منهن غُسْلاً
فسئل عن ذلك فقال: إِنه أَذْكَرُ؛ أَي أَحَدُّ. وسيفٌ ذو ذُكْرَةٍ أَي
صارِمٌ، والذُّكْرَةُ: القطعة من الفولاذ تزاد في رأْس الفأْس وغيره، وقد
ذَكَّرْتُ الفأْسَ والسيفَ؛ أَنشد ثعلب:
صَمْصَامَةٌ ذُكْرَةٌ مُذَكَّرَةٌ،
يُطَبّقُ العَظْمَ ولا يَكْسِرُهْ
وقالوا لخِلافهِ: الأَنِيثُ. وذُكْرَهُ السيف والرجل: حِدَّتُهما. ورجل
ذَكِيرٌ: أَنِفٌ أَبِيُّ. وسَيْف مُذَكَّرٌ: شَفْرَتُه حديد ذَكَرٌ
ومَتْنُه أَنِيثٌ، يقول الناس إِنه من عمل الجن. الأَصمعي: المُذَكَّرَةُ هي
السيوف شَفَرَاتُها حديد ووصفها كذلك. وسيف مُذَكَّرٌ أَي ذو ماء.
وقوله تعالى: ص والقرآن ذي الذِّكْرِ؛ أَي ذي الشَّرَفِ. وفي الحديث:
إِن الرجل يُقَاتِلُ ليُذْكَر ويقاتل ليُحْمَدَ؛ أَي ليذكر بين الناس ويوصف
بالشجاعة. والذِّكْرُ: الشرف والفخر. وفي صفة القرآن: الذِّكْر الحكيم
أَي الشرف المحكم العاري من الاختلاف.
وتذكر: بطن من ربيعة، والله عز وجل أَعلم.
بين: البَيْنُ في كلام العرب جاء على وجْهَين: يكون البَينُ الفُرْقةَ،
ويكون الوَصْلَ، بانَ يَبِينُ بَيْناً وبَيْنُونةً، وهو من الأَضداد؛
وشاهدُ البَين الوَصل قول الشاعر:
لقد فَرَّقَ الواشِينَ بيني وبينَها،
فقَرَّتْ بِذاكَ الوَصْلِ عيني وعينُها
وقال قيسُ بن ذَريح:
لَعَمْرُك لولا البَيْنُ لا يُقْطَعُ الهَوى،
ولولا الهوى ما حَنَّ لِلبَيْنِ آلِفُ
فالبَينُ هنا الوَصْلُ؛ وأَنشد أَبو عمرو في رفع بين قول الشاعر:
كأَنَّ رِماحَنا أَشْطانُ بئْرٍ
بَعيدٍ بينُ جالَيْها جَرُورِ
وأَنشد أَيضاً:
ويُشْرِقُ بَيْنُ اللِّيتِ منها إلى الصُّقْل
قال ابن سيده: ويكون البَينُ اسماً وظَرْفاً مُتمكِّناً. وفي التنزيل
العزيز: لقد تقَطَّع بينكم وضلّ عنكم ما كنتم تَزْعُمون؛ قرئَ بينكم
بالرفع والنصب، فالرفع على الفعل أَي تقَطَّع وَصْلُكم، والنصبُ على الحذف،
يريدُ ما بينكم، قرأَ نافع وحفصٌ عن عاصم والكسائي بينَكم نصباً، وقرأَ ابن
كَثير وأَبو عَمْروٍ وابنُ
عامر وحمزة بينُكم رفعاً، وقال أَبو عمرو: لقد تقطَّع بينُكم أَي
وَصْلُكم، ومن قرأَ بينَكم فإن أَبا العباس روى عن ابن الأَعرابي أَنه قال:
معناه تقطَّع الذي كانَ بينَكم؛ وقال الزجاج فيمَنْ فتَحَ المعنى: لقد
تقطَّع ما كنتم فيه من الشَّركة بينَكم، ورُوي عن ابن مسعودٍ أَنه قرأَ لقد
تقطَّع ما بينَكم، واعتمد الفراءُ وغيرُه من النحويين قراءةَ ابن مسعود
لِمَنْ قرأَ بينَكم، وكان أَبو حاتم يُنْكِر هذه القراءةَ ويقول: من قرأَ
بينَكم لم يُجِزْ إلا بمَوْصول كقولك ما بينَكم، قال: ولا يجوز حذفُ
الموصول وبقاء الصلةِ، لا تُجيزُ العربُ إنّ قامَ زيدٌ بمعنى إنّ الذي قام
زيدٌ، قال أَبو منصور: وهذا الذي قاله أَبو حاتم خطأ، لأَن الله جَلّ ثناؤه
خاطَبَ بما أَنزَل في كتابه قوماً مشركين فقال: ولقد جئتمونا فُرادَى كما
خَلقْناكم أَوّلَ مرّةٍ وترَكتم ما خوّلناكم وراءَ ظُهوركم وما نرَى معكم
شُفعاءَكم الذين زعمتم أَنهم فيكم شركاءُ لقد تقطّع بينَكم؛ أَراد لقد
تقطع الشِّرْكُ بينكم أَي فيما بينَكم، فأَضمرَ الشركَ لما جرَى من ذِكْر
الشُّركاء، فافهمه؛ قال ابن سيده: مَن قرأَ بالنصب احتمل أَمرين:
أَحدُهما أَن يكونَ الفاعلُ مضمَراً أَي لقد تقطَّع الأَمرُ أَو العَقْدُ أَو
الودُّ بينََكم، والآخرُ ما كان يراهُ الأَخفشُ من أَن يكونَ بينكم، وإن
كان منصوبَ اللفظ مرفوعَ الموضِع بفعله، غيرَ أَنه أُقِرّتْ عليه نَصْبةُ
الظرف، وإن كان مرفوعَ الموضع لاطِّراد استعمالهم إياه ظرفاً، إلا أَن
استعمالَ الجملة التي هي صفةٌ للمبتدأ مكانَه أَسهلُ من استعمالِها فاعِلةً،
لأَنه ليس يَلزمُ أَن يكون المبتدأُ اسماً محضاً كلزوم ذلك في الفاعل،
أَلا ترى إلى قولهم: تسمعُ بالمُعَيْدِيِّ خيرٌ من أَن تراه؛ أَي سماعُك
به خيرٌ من رؤْيتك إياه. وقد بانَ الحيُّ بَيْناً وبَيْنونةً؛ وأَنشد
ثعلب:فهاجَ جوىً في القَلْب ضَمَّنه الهَوَى
بَبَيْنُونةٍ، يَنْأَى بها مَنْ يُوادِعُ
والمُبايَنة: المُفارَقَة. وتَبايَنَ القومُ: تَهاجَرُوا. وغُرابُ
البَين: هو الأَبْقَع؛ قال عنترة:
ظَعَنَ الذين فِراقَهم أَتَوَقَّعُ،
وجَرَى ببَيْنِهمُ الغُرابُ الأَبْقَعُ
حَرِقُ الجَناحِ كأَنَّ لحْيَيْ رأْسِه
جَلَمانِ، بالأَخْبارِ هَشٌّ مُولَعُ
وقال أَبو الغَوث: غرابُ البَيْنِ هو الأَحمرُ المِنْقارِ والرِّجْلينِ،
فأَما الأَسْود فإِنه الحاتِمُ لأَنه يَحْتِمُ بالفراق. وتقول: ضربَه
فأَبانَ رأْسَه من جسدِه وفَصَلَه، فهو مُبِينٌ. وفي حديث الشُّرْب: أَبِنِ
القَدَحَ عن فيك أَي افْصِلْه عنه عند التنفُّس لئلا يَسْقُط فيه شيءٌ
من الرِّيق، وهو من البَينِ البُعْد والفِراق. وفي الحديث في صفته، صلى
الله عليه وسلم: ليس بالطويل البائِن أَي المُفْرِطِ طُولاً الذي بَعُدَ عن
قَدِّ الرجال الطِّوال، وبانَ الشيءُ بَيْناً وبُيوناً. وحكى الفارسيُّ
عن أَبي زيد: طَلَبَ إلى أَبَوَيْه البائنةَ، وذلك إذا طَلَب إليهما أَن
يُبِيناهُ بمال فيكونَ له على حِدَةٍ، ولا تكونُ البائنةُ إلا من
الأَبوين أَو أَحدِهما، ولا تكونُ من غيرهما، وقد أَبانَه أَبواه إِبانةً حتى
بانَ هو بذلك يَبينُ بُيُوناً. وفي حديث الشَّعْبي قال: سمعتُ النُّعْمانَ
بن بَشيرٍ يقول: سمعتُ رسولَ الله، صلى الله عليه وسلم، وطَلَبَتْ
عَمْرةُ إلى بشير بن سعدٍ أَن يُنْحِلَني نَحْلاً من ماله وأَن يَنْطلِقَ بي
إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فيُشْهدَه فقال: هل لك معه ولدٌ غيرُه؟
قال: نعم، قال: فهل أَبَنْتَ كلَّ واحد منهم بمثل الذي أَبَنتَ هذا؟
فقال: لا، قال: فإني لا أَشهَدُ على هذا، هذا جَورٌ، أَشهِدْ على هذا غيري،
أعْدِلوا بين أَولادكم في النُِّحْل كما تُحِبُّون أَن يَعْدلوا بينكم في
البرِّ واللُّطف؛ قوله: هل أَبَنْتَ كلَّ واحد أَي هل أَعْطَيْتَ كلَّ
واحدٍ مالاً تُبِينُه به أَي تُفْرِدُه، والاسم البائنةُ. وفي حديث
الصديق: قال لعائشة، رضي الله عنهما: إني كنتُ أَبَنْتكِ بنُحْل أَي أَعطيتُكِ.
وحكى الفارسي عن أَبي زيد: بانَ وبانَه؛ وأَنشد:
كأَنَّ عَيْنَيَّ، وقد بانُوني،
غَرْبانِ فَوقَ جَدْوَلٍ مَجْنونِ
وتبَايَنَ الرجُلانِ: بانَ كلُّ واحد منهما عن صاحبه، وكذلك في الشركة
إذا انفصلا. وبانَت المرأَةُ عن الرجل، وهي بائنٌ: انفصلت عنه بطلاق.
وتَطْليقةٌ بائنة، بالهاء لا غير، وهي فاعلة بمعنى مفعولة، أَي تَطْليقةٌ
(*
قوله «وهي فاعلة بمعنى مفعولة أي تطليقة إلخ» هكذا بالأصل، ولعل فيه
سقطاً). ذاتُ بَيْنونةٍ، ومثله: عِيشةٌ راضيةٌ أَي ذاتُ رِضاً. وفي حديث ابن
مسعود فيمن طَلق امرأَتَه ثمانيَ تَطْلِيقاتٍ: فقيل له إنها قد بانَتْ
منك، فقال: صدَقُوا؛ بانَتِ المرأَةُ من زوجِها أَي انفصلت عنه ووقع عليها
طلاقُه. والطَّلاقُ البائِنُ: هو الذي لا يَمْلِك الزوجُ فيه استِرْجاعَ
المرأَةِ إلا بعَقْدٍ جديدٍ، وقد تكرر ذكرها في الحديث. ويقال: بانَتْ
يدُ الناقةِ عن جَنْبِها تَبِينُ بُيوناً، وبانَ الخلِيطُ يَبينُ بَيْناً
وبَيْنونةً؛ قال الطرماح:
أَآذَنَ الثاوي بِبَيْنُونة
ابن شميل: يقال للجارية إذا تزوَّجت قد بانَت، وهُنّ قد بِنَّ
إذا تزوَّجْنَ. وبَيَّن فلانٌ بِنْثَه وأَبانَها إذا زوَّجَها وصارت إلى
زوجها، وبانَت هي إذا تزوجت، وكأَنه من البئر البعيدة أَي بَعُدَتْ عن
بيت أَبيها. وفي الحديث: مَنْ عالَ ثلاثَ بناتٍ حتى يَبِنَّ أَو يَمُتْنَ؛
يَبِنَّ، بفتح الياء، أَي يتزوَّجْنَ. وفي الحديث الآخر: حتى بانُوا أَو
ماتوا. وبئرٌ بَيُونٌ: واسعةُ ما بين الجالَيْنِ؛ وقال أَبو مالك: هي
التي لا يُصيبُها رِشاؤُها، وذلك لأَن جِرابَ البئر مستقيم، وقيل:
البَيُونُ البئرُ الواسعة الرأْسِ الضَّيِّقَة الأَسْفَل؛ وأَنشد أَبو علي
الفارسي:
إِنَّك لو دَعَوْتَني، ودُوني
زَوْراءُ ذاتُ مَنْزعٍ بَيُونِ،
لقُلْتُ: لَبَّيْه لمنْ يَدْعوني
فجعلها زَوْراءَ، وهي التي في جِرابِها عَوَجٌ، والمَنْزَعُ: الموضعُ
الذي يَصْعَدُ فيه الدَّلْوُ إذا نُزِع من البئر، فذلك الهواء هو
المَنْزَعُ. وقال بعضهم: بئرٌ بَيُونٌ وهي التي يُبِينُ المُسْتَقي الحبل في
جِرابِها لِعَوَجٍ في جُولها؛ قال جرير يصف خيلاً وصَهِيلَها:
يَشْنِفْنَ للنظرِ البعيد، كأَنما
إرْنانُها ببَوائنُ الأَشْطانِ
أَراد كأَنها تَصْهَل في ركايا تُبانُ أَشْطانُها عن نواحيها لِعَوَجٍ
فيها إرنانها ذوات
(* قوله «ارنانها ذوات إلخ» كذا بالأصل. وفي التكملة:
والبيت للفرزدق يهجو جريراً، والرواية إرنانها أي كأنها تصهل من آبار
بوائن لسعة أجوافها إلخ. وقول الصاغاني: والرواية إرنانها يعني بكسر الهمزة
وسكون الراء وبالنون كما هنا بخلاف رواية الجوهري فإنها أذنابها، وقد عزا
الجوهري هذا البيت لجرير كما هنا فقد رد عليه الصاغاني من وجهين).
الأَذنِ والنَّشاطِ منها، أَراد أَن في صهيلِها خُشْنة وغِلَظاً كأَنها تَصْهَل
في بئرٍ دَحُول، وذلك أَغْلَظُ لِصَهيلِها. قال ابن بري، رحمه الله:
البيت للفرزدق لا لجرير، قال: والذي في شعره يَصْهَلْنَ. والبائنةُ: البئرُ
البعيدةُ القعر الواسعة، والبَيونُ مثلُه لأَن الأَشْطانَ تَبِينُ عن
جرابِها كثيراً. وأَبانَ الدَّلوَ عن طَيِّ البئر: حادَ بها عنه لئلا
يُصيبَها فتنخرق؛ قال:
دَلْوُ عِراكٍ لَجَّ بي مَنينُها،
لم تَرَ قَبْلي ماتِحاً يُبينُها
وتقول: هو بَيْني وبَيْنَه، ولا يُعْطَفُ عليه إلا بالواو لأَنه لا يكون
إلا من اثنين، وقالوا: بَيْنا نحن كذلك إذ حَدَثَ كذا؛ قال أَنشده
سيبويه:
فبَيْنا نحن نَرْقُبُه، أَتانا
مُعَلّق وَفْضةٍ، وزِناد راعِ
إنما أَراد بَيْنَ نحن نَرْقبُهُ أَتانا، فأَشْبَعَ الفتحة فحدَثتْ
بعدها أَلفٌ، فإِن قيل: فلِمَ أَضافَ الظرفَ الذي هو بَيْن، وقد علمنا أَن
هذا الظرفَ لا يضاف من الأَسماء إلا لما يدلُّ على أَكثر من الواحد أَو ما
عُطف عليه غيره بالواو دون سائر حروف العطف نحو المالُ بينَ القومِ
والمالُ بين زيدٍ وعمرو، وقولُه نحن نرقُبُه جملةٌ، والجملة لا يُذْهَب لها
بَعْدَ هذا الظرفِ؟ فالجواب: أَن ههنا واسطة محذوفةٌ وتقدير الكلام بينَ
أَوقاتِ نحن نرْقُبُه أَتانا أَي أَتانا بين أَوقات رَقْبَتِنا إياه،
والجُمَلُ مما يُضافُ إليها أَسماءُ الزمان نحو أَتيتك زمنَ الحجاجُ أَميرٌ،
وأَوانَ الخليفةُ عبدُ
المَلِك، ثم إنه حذف المضافُ الذي هو أَوقاتٌ ووَليَ الظرف الذي كان
مضافاً إلى المحذوف الجملة التي أُقيمت مُقامَ المضاف إليها كقوله تعالى:
واسأَل القرية؛ أَي أَهلَ القرية، وكان الأَصمعيُّ يَخْفِضُ بعدَ بَيْنا
إذا صلَح في موضعه بَيْنَ ويُنشِد قول أَبي ذؤيب بالكسر:
بَيْنا تَعَنُّقِه الكُماةَ ورَوْغِه،
يوماً، أُتِيحَ له جَرِيءٌ سَلْفَعُ
وغيرُه يرفعُ ما بعدَ بَيْنا وبَيْنَما على الابتداء والخبر، والذي
يُنْشِدُ برَفع تَعنُّقِه وبخفْضِها
(* قوله: «والذي ينشد إلى وبخفضها؛ هكذا
في الأصل، ولعل في الكلام سقطاً). قال ابن بري: ومثلُه في جواز الرفع
والخفض بعدها قولُ الآخر:
كُنْ كيفَ شِئْتَ، فقَصْرُك الموتُ،
لا مَزْحَلٌ عنه ولا فَوْتُ
بَيْنا غِنَى بيتٍ وبَهْجَتِهِ،
زالَ الغِنَى وتَقَوَّضَ البيتُ
قال ابن بري: وقد تأْتي إذْ في جواب بينا كما قال حُمَيْد الأَرقط:
بَيْنا الفَتى يَخْبِطُ في غَيْساتِه،
إذ انْتَمَى الدَّهْرُ إلى عِفْراتِه
وقال آخر:
بيْنا كذلك، إذْ هاجَتْ هَمَرَّجةٌ
تَسْبي وتَقْتُل، حتى يَسْأَمَ الناسُ
وقال القطامي:
فبَيْنا عُمَيْرٌ طامحُ الطَّرف يَبْتَغي
عُبادةَ، إذْ واجَهْت أَصحَم ذا خَتْر
قال ابن بري: وهذا الذي قلناه يدلُّ على فسادِ قول من يقول إنَّ إذ لا
تكون إلا في جواب بَيْنما بزيادة ما، وهذه بعدَ بَيْنا كما ترى؛ ومما يدل
على فساد هذا القول أَنه قد جاء بَيْنما وليس في جوابها إذ كقول ابن
هَرْمة في باب النَّسيبِ من الحَماسةِ:
بينما نحنُ بالبَلاكِثِ فالْقا
عِ سِراعاً، والعِيسُ تَهْوي هُوِيّا
خطَرَتْ خَطْرةٌ على القلبِ من ذكـ
ـراكِ وهْناً، فما استَطَعتُ مُضِيّاً
ومثله قول الأَعشى:
بَيْنَما المرءُ كالرُّدَيْنيّ ذي الجُبْـ
ـبَةِ سَوَّاه مُصْلِحُ التَّثْقِيفِ،
رَدَّه دَهْرُه المُضَلّلُ، حتى
عادَ من بَعْدِ مَشْيِه التَّدْليفِ
ومثله قول أَبي دواد:
بَيْنما المرءُ آمِنٌ، راعَهُ را
ئعُ حَتْفٍ لم يَخْشَ منه انْبِعاقَهْ
وفي الحديث: بَيْنا نحن عند رسولِ الله، صلى الله عليه وسلم، إذ جاءه
رجلٌ؛ أَصلُ بَيْنا بَيْنَ، فأُشبِعتْ الفتحة فصارت أَلفاً، ويقال بَيْنا
وبَيْنما، وهما ظرفا زمانٍ بمعنى المفاجأَة، ويُضافان إلى جملة من فعلٍ
وفاعلٍ ومبتدإِ وخبر، ويحْتاجان إلى جواب يَتِمُّ به المعنى، قال:
والأَفصَح في جوابهما أَن لا يكون فيه إذا وإذا، وقد جاءا في الجواب كثيراً،
تقول: بَينا زيدٌ جالسٌ دخَل عليه عمرٌو، وإذ دخَل عليه، وإذا دخل عليه؛ ومنه
قول الحُرَقة بنت النُّعمان:
بَيْنا نَسوسُ الناسَ، والأَمرُ أَمْرُنا،
إذا نحنُ فيهم سُوقةٌ نَتَنَصَّفُ
وأَما قوله تعالى: وجعلنا بينهم مَوْبِقاً؛ فإنّ الزجاج قال: معناه
جعلنا بينَهم من العذاب ما يُوبِقُهم أَي يُهْلِكهم؛ وقال الفراء: معناه
جعلنا بينهم أَي تواصُلهم في الدنيا مَوْبقاً لهم يوم القيامة أَي هُلْكاً،
وتكون بَيْن صفة بمنزلة وسَط وخِلال. الجوهري: وبَيْن بمعنى وسْط، تقول:
جلستُ بينَ القوم، كما تقول: وسْطَ القوم، بالتخفيف، وهو ظرفٌ، وإن جعلته
اسماً أَعرَبْتَه؛ تقول: لقد تقطَّع بينُكم، برفع النون، كما قال أَبو
خِراش الهُذلي يصف عُقاباً:
فلاقَتْه ببَلْقَعةٍ بَراحٍ،
فصادَفَ بينَ عَينَيْه الجَبُوبا
الجبُوب: وجه الأَرض. الأَزهري في أَثناء هذه الترجمة: روي عن أَبي
الهيثم أَنه قال الكواكب البَبانيات
(* وردت في مادة بين «البابانيات» تبعاً
للأصل، والصواب ما هنا). هي التي لا يَنزِلها شمسٌ ولا قمرٌ إنما
يُهْتَدى بها في البرِّ والبحر، وهي شامية، ومَهَبُّ الشَّمالِ منها، أَوَّلها
القُطْب وهو كوكبٌ لا يَزول، والجدْي والفَرْقَدان، وهو بَيْنَ القُطب،
وفيه بَنات نعْشٍ الصغرى، وقال أَبو عمرو: سمعت المبرَّد يقول إذا كان
الاسم الذي يجيء بعد بَيْنا اسماً حقيقيّاً رفَعته بالابتداء، وإن كان اسماً
مصدريّاً خفضْتَه، ويكون بَيْنا في هذا الحال بمعنى بينَ، قال: فسأَلت
أَحمد بن يحيى عنه ولم أُعلِمْه قائله فقال: هذا الدرُّ، إلا أَنَّ من
الفصحاء من يرفع الاسم الذي بعد بَينا وإن كان مصدريّاً فيُلحقه بالاسم
الحقيقي؛ وأَنشد بيتاً للخليل ابن أَحمد:
بَينا غِنَى بيتٍ وبَهْجَتِه،
ذهَبَ الغِنى وتَقَوَّضَ البَيْتُ
وجائز: وبهْجَتُه، قال: وأَما بَيْنما فالاسمُ الذي بعده مرفوعٌ، وكذلك
المصدر. ابن سيده: وبَيْنا وبينما من حروف الابتداء، وليست الأَلف في
بَيْنا بصلةٍ، وبَينا فعْلى أُشبِعت الفتحةُ فصارت أَلفاً، وبينما بَين
زِيدت عليه ما، والمعنى واحد، وهذا الشيء بَينَ بَينَ أَي بَيْنَ الجيِّد
والرَّديء، وهما اسمان جُعِلا واحداً وبُنيا على الفتح، والهمزة المخفَّفة
تسمّى همزة بَيْنَ بَيْنَ؛ وقالوا: بَين بَين، يريدون التَّوَسُّط كما قال
عَبيد بن الأَبرص:
نَحْمي حَقيقَتَنا، وبعـ
ـض القَوْم يَسْقُطُ بَينَ بَيْنا
وكما يقولون: همزة بَين بَين أَي أَنها همزةٌ بَيْنَ الهمزةِ وبين حرف
اللين، وهو الحرف الذي منه حركتُها إن كانت مفتوحة، فهي بين الهمزة
والأَلف مثل سأَل، وإن كانت مكسورة فهي بين الهمزة والياء مثل سَئِمَ، وإن كانت
مضمومةً فهي بين الهمزة والواو مثل لَؤُم، إلا أَنها ليس لها تمكينُ
الهمزة المحققة، ولا تقَعُ الهمزةُ المخففة أَبداً أَوَّلاً
لقُرْبِها بالضَّعْف من الساكن، إلا أَنها وإن كانت قد قرُبَت من الساكن
ولم يكن لها تَمْكين الهمزةِ المحقَّقة فهي متحرِّكة في الحقيقة،
فالمفتوحة نحو قولك في سأَل سأَلَ، والمكسورةُ نحو قولك في سَئِمَ سَئِمَ،
والمضمومة نحو قولك في لؤُم لؤُم، ومعنى قول سيبويه بَيْنَ بَيْنَ أَنها
ضعيفة ليس لها تمكينُ المحقَّقة ولا خُلوصُ الحرف الذي منه حركتُها، قال
الجوهري: وسميت بَينَ بينَ لضَعْفِها؛ وأَنشد بيت عبيد بن الأَبرص:
وبعض القومِ يسقط بين بينا
أَي يتساقط ضَعيفاً غير معتدٍّ به؛ قال ابن بري: قال السيرافي كأَنه قال
بَينَ هؤلاء وهؤلاء، كأَنه رجلٌ يدخل بينَ فريقين في أَمرٍ من الأُمور
فيسقُطُ ولا يُذْكَر فيه؛ قال الشيخ: ويجوز عندي أَن يريد بينَ الدخول في
الحرب والتأَخر عنها، كما يقال: فلانُ يُقَدِّم رِجْلاً ويُؤَخر أُخرى.
ولَقِيتُه بُعَيدات بَيْنٍ إذا لقِيتَه بعدَ حينٍ ثم أَمسكتَ عنه ثم
أَتيته؛ وقوله:
وما خِفْتُ حتى بَيَّنَ الشربُ والأَذى
بِقانِئِه، إِنِّي من الحيِّ أَبْيَنُ
أَي بائن. والبَيانُ: ما بُيِّنَ به الشيءُ من الدلالة وغيرِها. وبانَ
الشيءُ بَياناً: اتَّضَح، فهو بَيِّنٌ، والجمع أَبْيِناءُ، مثل هَيِّنٍ
وأَهْيِناء، وكذلك أَبانَ الشيءُ فهو مُبينٌ؛ قال الشاعر:
لو دَبَّ ذَرٌّ فوقَ ضاحِي جلدِها،
لأَبانَ من آثارِهِنَّ حُدورُ
قال ابن بري عند قول الجوهري والجمع أَبْيِناء مثل هيِّن وأَهْيِناء،
قال: صوابه مثل هيِّنٍ وأَهْوِناء لأَنه من الهَوانِ. وأَبَنْتُه أَي
أَوْضَحْتُه. واستَبانَ الشيءُ: ظهَر. واستَبَنْتُه أَنا: عرَفتُه. وتَبَيَّنَ
الشيءُ: ظَهَر، وتَبيَّنْتهُ أَنا، تتعدَّى هذه الثلاثةُ ولا تتعدّى.
وقالوا: بانَ الشيءُ واسْتَبانَ وتَبيَّن وأَبانَ وبَيَّنَ بمعنى واحد؛
ومنه قوله تعالى: آياتٍ مُبَيِّناتٍ، بكسر الياء وتشديدها، بمعنى
مُتبيِّنات، ومن قرأَ مُبَيَّنات بفتح الياء فالمعنى أَن الله بَيَّنَها. وفي
المثل: قد بَيَّنَ الصبحُ لذِي عينَين أَي تَبَيَّن؛ وقال ابن ذَريح:
وللحُبِّ آياتٌ تُبَيَّنُ للفَتى
شُحوباً، وتَعْرى من يَدَيه الأَشاحم
(* قوله «الأشاحم» هكذا في الأصل). قال ابن سيده: هكذا أَنشده ثعلب،
ويروى: تُبَيِّن بالفتى شُحوب. والتَّبْيينُ: الإيضاح. والتَّبْيين أَيضاً:
الوُضوحُ؛ قال النابغة:
إلاَّ الأَوارِيّ لأْياً ما أُبَيِّنُها،
والنُّؤْيُ كالحَوض بالمظلومة الجلَد
يعني أَتَبيَّنُها. والتِّبْيان: مصدرٌ، وهو شاذٌّ لأَن المصادر إنما
تجيء على التَّفْعال، بفتح التاء، مثال التَّذْــكار والتَّكْرار
والتَّوْكاف، ولم يجيءْ بالكسر إلا حرفان وهما التِّبْيان والتِّلقاء. ومنه حديث آدم
وموسى، على نبينا محمد وعليهما الصلاة والسلام: أَعطاكَ اللهُ التوراةَ
فيها تِبْيانُ كلِّ شيءٍ أَي كشْفُه وإيضاحُه، وهو مصدر قليل لأَن مصادرَ
أَمثاله بالفتح. وقوله عز وجل: وهو في الخِصام غيرُ مُبين؛ يريد النساء
أَي الأُنثى لا تكاد تَسْتَوفي الحجةَ ولا تُبينُ، وقيل في التفسير: إن
المرأَة لا تكاد تحتجُّ بحُجّةٍ إِلا عليها، وقد قيل: إنه يعني به
الأَصنام، والأَوّل أَجود. وقوله عز وجل: لا تُخْرِجوهُنَّ من بيوتهنّ ولا
يَخْرُجْنَ إلا أَن يأْتِين بفاحِشةٍ مُبَيِّنة؛ أَي ظاهرة مُتَبيِّنة. قال
ثعلب: يقول إذا طلَّقها لم يحِلّ لها أَن تَخْرُجَ من بيته، ولا أَن
يُخْرجها هو إلا بحَدٍّ يُقام عليها، ولا تَبينُ عن الموضع الذي طُلِّقت فيه
حتى تنقضي العدّة ثم تخرُج حيث شاءت، وبِنْتُه أَنا وأَبَنتُه واسْتَبنْتُه
وبَيَّنْتُه؛ وروي بيت ذي الرمة:
تُبَيِّنُ نِسْبةَ المَرَئِيّ لُؤْماً،
كما بَيَّنْتَ في الأَدَم العَوارا
أَي تُبَيِّنُها، ورواه عليّ
بن حمزة: تُبيِّن نِسبةُ، بالرفع، على قوله قد بَيَّنَ الصبحُ لذي
عَينين. ويقال: بانَ الحقُّ يَبينُ بَياناً، فهو بائنٌ، وأَبانَ يُبينُ إبانة،
فهو مُبينٌ، بمعناه. ومنه قوله تعالى: حم والكتاب المُبين؛ أَي والكتاب
البَيِّن، وقيل: معنى المُبين الذي أَبانَ طُرُقَ الهدى من طرق الضلالة
وأَبان كلَّ ما تحتاج إليه الأُمّة؛ وقال الزجاج: بانَ الشيءُ وأَبانَ
بمعنى واحد. ويقال: بانَ الشيءُ وأَبَنتُه، فمعنى مُبين أَنه مُبينٌ خيرَه
وبرَكَته، أَو مُبين الحقَّ من الباطل والحلالَ من الحرام، ومُبينٌ أَن
نُبُوَّةَ سيدنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، حقٌّ، ومُبين قِصَصَ
الأَنبياء. قال أَبو منصور: ويكون المستبين أَيضاً بمعنى المُبين. قال أَبو
منصور: والاسْتِبانةُ يكون واقعاً. يقال: اسْتَبنتُ الشيءَ إذا تأَملتَه
حتى تَبيَّن لك. قال الله عز وجل: وكذلك نُفصِّل الآيات ولِتَستبين سبيلَ
المجرمين؛ المعنى ولتستبينَ أَنت يا محمد سبيلَ المجرمين أَي لتزدادَ
استِبانة، وإذا بانَ سبيلُ المجرمين فقد بان سبيل المؤمنين، وأَكثرُ القراء
قرؤُوا: ولتَستبينَ سبيلُ المجرمين؛ والاسْتبانة حينئذٍ يكون غير واقع.
ويقال: تبَيَّنْت الأَمر أَي تأَمَّلته وتوسَّمْتُه، وقد تبيَّنَ الأَمرُ
يكون لازِماً وواقِعاً، وكذلك بَيَّنْته فبَيَّن أَي تَبَيَّن، لازمٌ
ومتعدّ. وقوله عز وجل: وأَنزلنا عليكَ الكتاب تِبْياناً لكلّ
شيءٍ؛ أَي بُيِّن لك فيه كلُّ ما تحتاج إليه أَنت وأُمتُك من أَمر
الدِّين، وهذا من اللفظ العامِّ الذي أُريد به الخاصُّ، والعرب تقول: بَيَّنْت
الشيءَ تَبْييناً وتِبْياناً، بكسر التاء، وتِفْعالٌ بكسر التاء يكون
اسماً، فأَما المصدر فإِنه يجيء على تَفْعال بفتح التاء، مثل التَّكْذاب
والتَّصْداق وما أَشبهه، وفي المصادر حرفان نادران: وهما تِلْقاء الشيء
والتِّبْيان، قال: ولا يقاس عليهما. وقال النبي، صلى الله عليه وسلم: أَلا
إنَّ التَّبيين من الله والعَجَلة من الشيطان فتبيَّنُوا؛ قال أَبو عبيد:
قال الكسائي وغيره التَّبْيين التثبُّتُ في الأَمر والتَّأَني فيه،
وقرئ قوله عز وجل: إذا ضَرَبتم في سبيل الله فتبيَّنُوا، وقرئ: فتثبَّتوا،
والمعنيان متقاربان. وقوله عز وجل: إنْ جاءكم فاسقٌ بنبإٍ فتبيَّنوا،
وفتَثبَّتُوا؛ قرئ بالوجهين جميعاً. وقال سيبويه في قوله: الكتاب المُبين،
قال: وهو التِّبيان، وليس على الفعل إنما هو بناءٌ على حدة، ولو كان
مصدراً لفُتِحتْ كالتَّقْتال، فإنما هو من بيَّنْتُ كالغارة من أَغَرْت. وقال
كراع: التِّبيان مصدرٌ ولا نظير له إلا التِّلقاء، وهو مذكور في موضعه.
وبينهما بَينٌ أَي بُعْد، لغة في بَوْنٍ، والواو أَعلى، وقد بانَه
بَيْناً. والبَيانُ: الفصاحة واللَّسَن، وكلامٌ بيِّن فَصيح. والبَيان: الإفصاح
مع ذكاء. والبَيِّن من الرجال: الفصيح. ابن شميل: البَيِّن من الرجال
السَّمْح اللسان الفصيح الظريف العالي الكلام القليل الرتَج. وفلانٌ
أَبْيَن من فلان أَي أَفصح منه وأَوضح كلاماً. ورجل بَيِّنٌ: فصيح، والجمع
أَبْيِناء، صحَّت الياء لسكون ما قبلها؛ وأَنشد شمر:
قد يَنْطِقُ الشِّعْرَ الغَبيُّ، ويَلْتَئي
على البَيِّنِ السَّفّاكِ، وهو خَطيبُ
قوله يَلتئي أَي يُبْطئ، من اللأْي وهو الإبطاء. وحكى اللحياني في جمعه
أَبْيان وبُيَناء، فأَما أَبْيان فكميِّت وأَموات، قال سيبويه: شَبَّهوا
فَيْعِلاً بفاعل حين قالوا شاهد وأَشهاد، قال: ومثله، يعني ميِّتاً
وأَمواتاً، قيِّل وأَقيال وكَيِّس وأَكياس، وأَما بُيِّناء فنادر، والأَقيَس
في ذلك جمعُه بالواو، وهو قول سيبويه. روى ابنُ عباس عن النبي، صلى الله
عليه وسلم، أَنه قال: إنّ من البيان لسِحْراً وإنّ من الشِّعر لحِكَماً؛
قال: البَيان إظهار المقصود بأَبلغ لفظٍ، وهو من الفَهْم وذكاءِ القلْب
مع اللَّسَن، وأَصلُه الكَشْفُ والظهورُ، وقيل: معناه إن الرجُلَ يكونُ
عليه الحقُّ، وهو أَقْوَمُ بحُجَّتِه من خَصْمِه، فيَقْلِبُ الحقَّ
بِبَيانِه إلى نَفْسِه، لأَن معنى السِّحْر قَلْبُ الشيءِ في عَيْنِ الإنسانِ
وليس بِقَلْبِ الأَعيانِ، وقيل: معناه إنه يَبْلُغ من بَيانِ ذي الفصاحة
أَنه يَمْدَح الإنسانَ فيُصدَّق فيه حتى يَصْرِفَ القلوبَ إلى قولِه
وحُبِّه، ثم يذُمّه فيُصدّق فيه حتى يَصْرِفَ القلوبَ إلى قوله وبُغْضِهِ،
فكأَنه سَحَرَ السامعين بذلك، وهو وَجْهُ قوله: إن من البيانِ لسِحْراً. وفي
الحديث عن أَبي أُمامة: أَن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: الحياءُ
والعِيُّ شُعْبتان من الإيمانِ، والبَذاءُ والبيانُ شُعْبتانِ من النِّفاق؛
أَراد أَنهما خَصْلتان مَنْشَؤهما النِّفاق، أَما البَذاءُ وهو الفُحْشُ
فظاهر، وأَما البيانُ فإنما أَراد منه بالذّم التعمُّق في النُّطْق
والتفاصُحَ وإظهارَ التقدُّم فيه على الناس وكأَنه نوعٌ من العُجْب والكِبْرِ،
ولذلك قال في رواية أُخْرى: البَذاءُ وبعضُ البيان، لأَنه ليس كلُّ
البيانِ مذموماً. وقال الزجاج في قوله تعالى: خَلَق الإنْسان علَّمَه
البيانَ؛ قيل إنه عنى بالإنسان ههنا النبيَّ، صلى الله عليه وسلم، علَّمَه
البيان أَي علَّمه القرآنَ الذي فيه بيانُ كلِّ شيء، وقيل: الإنسانُ هنا آدمُ،
عليه السلام، ويجوز في اللغة أَن يكون الإنسانُ اسماً لجنس الناس
جميعاً، ويكون على هذا علَّمَه البيانَ جعَله مميَّزاً حتى انفصل الإنسانُ
ببيَانِه وتمييزه من جميع الحيوان. ويقال: بَيْنَ الرجُلَين بَيْنٌ بَعيدٌ
وبَوْنٌ بعيد؛ قال أَبو مالك: البَيْنُ الفصلُ
(* قوله «البين الفصل إلخ»
كذا بالأصل). بين الشيئين، يكون إمّا حَزْناً أَو بقْرْبه رَمْلٌ،
وبينَهما شيءٌ ليس بحَزنٍ ولا سهلٍ. والبَوْنُ: الفضلُ والمزيّةُ. يقال: بانه
يَبونُه ويَبينُه، والواوُ أَفصحُ، فأَما في البُعْد فيقال: إن بينهما
لَبَيْناً لا غير. وقوله في الحديث: أَولُ ما يُبِينُ على أَحدِكم فَخِذُه
أَي يُعْرب ويَشهد عليه. ونخلةٌ بائنةٌ: فاتَتْ كبائسُها الكوافيرَ وامتدّت
عراجِينُها وطالت؛ حكاه أَبو حنيفة؛ وأَنشد لحَبيب القُشَيْري:
من كل بائنةٍ تَبينُ عُذوقَها
عنها، وحاضنةٍ لها مِيقارِ
قوله: تَبينُ عذوقَها يعني أَنها تَبين عذوقَها عن نفسها. والبائنُ
والبائنةُ من القِسِيِّ: التي بانتْ من وتَرِها، وهي ضد البانِية، إلا أَنها
عيب، والباناةُ مقلوبةٌ عن البانِية. الجوهري: البائنةُ القوسُ التي بانت
عن وَتَرِها كثيراً، وأَما التي قد قرُبَتْ من وَتَرِها حتى كادت تلْصَق
به فهي البانيةُ، بتقديم النون؛ قال: وكلاهما عيب. والباناةُ: النَّبْلُ
الصِّغارُ؛ حكاه السُّكَّريّ عن أَبي الخطاب. وللناقة حالِبانِ:
أَحدُهما يُمْسِك العُلْبة من الجانب الأَيمن، والآخرُ يحلُب من الجانب
الأَيْسر، والذي يَحْلُب يسمَّى المُسْتَعْلي والمُعَلِّي، والذي يُمْسِك يسمَّى
البائنَ. والبَيْنُ: الفراق. التهذيب: ومن أَمثال العرب: اسْتُ البائنِ
أَعْرَفُ، وقيل: أَعلمُ، أَي مَنْ وَلِيَ أَمْراً ومارَسَه فهو أَعلم به
ممن لم يُمارِسْه، قال: والبائن الذي يقومُ على يمين الناقة إذا حلبَها،
والجمع البُيَّنُ، وقيل: البائنُ والمُسْتَعْلي هما الحالبان اللذان
يَحْلُبان الناقةَ أَحدُهما حالبٌ، والآخر مُحْلِب، والمُعينُ هو المُحْلِب،
والبائن عن يمين الناقة يُمْسِك العُلْبةَ، والمُسْتَعْلي الذي عن
شِمالها، وهو الحالبُ يَرْفع البائنُ العُلْبةَ إليه؛ قال الكميت:
يُبَشِّرُ مُسْتعلِياً بائنٌ،
من الحالبَيْنِ، بأَن لا غِرارا
قال الجوهري: والبائنُ الذي يأْتي الحلوبةَ من قِبَل شمالها،
والمُعَلِّي الذي يأْتي من قِبل يمينها. والبِينُ، بالكسر: القطعةُ من الأَرض قدر
مَدِّ البصر من الطريق، وقيل: هو ارتفاعٌ في غِلَظٍ، وقيل: هو الفصل بين
الأَرْضَيْن. والبِينُ أَيضاً: الناحيةُ، قال الباهلي: المِيلُ قدرُ ما
يُدْرِكُ بصره من الأَرضُ، وفَصْلٌ بَيْنَ كلّ أَرْضَيْن يقال له بِينٌ،
قال: وهي التُّخومُ، والجمعُ بُيونٌ؛ قال ابن مُقْبِل يُخاطِبُ الخيالَ:
لَمْ تَسْرِ لَيْلى ولم تَطْرُقْ لحاجتِها،
من أَهلِ رَيْمانَ، إلا حاجةً فينا
بِسَرْوِ حِمْيَر أَبْوالُ البِغالِ به،
أَنَّى تَسَدَّيْتَ وَهْناً ذلكَ البِينا
(* قوله «بسرو» قال الصاغاني، والرواية: من سرو حمير لا غير). ومَن كسَر
التاءَ والكافَ ذهَب بالتأْنيث إلى ابنة البكريّ صاحبة الخيال، قال:
والتذكير أَصْوَبُ. ويقال: سِرْنا ميلاً أَي قدر مدّ البَصَرِ، وهو البِينُ.
وبِينٌ: موضعٌ قريب من الحيرة. ومُبِينٌ: موضع أَيضاً، وقيل: اسمُ ماءٍ؛
قال حَنْظلةُ بن مصبح:
يا رِيَّها اليومَ على مُبِينِ،
على مبينٍ جَرَدِ القَصيمِ
التارك المَخاضَ كالأُرومِ،
وفَحْلَها أَسود كالظَّليمِ
جمع بين النون والميم، وهذا هو الإكْفاء؛ قال الجوهري: وهو جائز
للمطْبوع على قُبْحِه، يقول: يا رِيَّ ناقتي على هذا الماء، فأَخرَجَ الكلامَ
مُخْرَجَ النداء وهو تعجُّب. وبَيْنونةُ: موضع؛ قال:
يا رِيحَ بَيْنونةَ لا تَذْمِينا،
جئْتِ بأَلوانِ المُصَفَّرِينا
(* قوله «بألوان» في ياقوت: بأرواح).وهُما بَيْنونَتانِ بَيْنونةُ
القُصْوَى وبَينونة الدُّنيا، وكِلْتاهما في شِقِّ بني سعدٍ بَيْنَ عُمانَ
ويَبْرِين. التهذيب: بَيْنونة موضعٌ بينَ عُمان والبحرَيْن وبيءٌ. وعَدَنُ
أَبْيَنَ وإِبْيَن: موضعٌ، وحكى السيرافي: عَدَن أَبْيَن، وقال: أَبْيَن
موضع، ومثَّل سيبويه بأَبْيَن ولم يُفَسِّرْهُ، وقيل: عَدَن أَبْيَن اسمُ
قريةٍ على سيفِ البحر ناحيةَ اليمن. الجوهري: أَبْيَنُ اسمُ رجلٍ ينسب
إليه عَدَن، يقال: عَدَنُ أَبْيَنَ. والبانُ: شجرٌ يَسْمُو ويَطُول في
اسْتِواءٍ مثل نَبات الأَثْل، وورَقُه أَيضاً هدبٌ كهَدَب الأَثْل، وليس
لخَشَبه صلابةٌ، واحدتُه بانةٌ؛ قال أَبو زياد: من العِضاه البانُ، وله
هَدَبٌ طُوالٌ شديدُ الخُضْرة، وينبت في الهِضَبِ، وثمرتُه تُشبه قُرونَ
اللُّوبياء إلا أَن خُضْرَتَها شديدةٌ، ولها حبٌّ ومن ذلك الحبِّ يُسْتَخْرَج
دُهْنُ البانِ. التهذيب: البانةُ شجرةٌ لها ثمرة تُرَبَّبُ بأَفاوِيه
الطيِّب، ثم يُعْتَصر دُهْنها طِيباً، وجمعها البانُ، ولاسْتِواءِ نباتِها
ونباتِ أَفنانِها وطُولِها ونَعْمَتِها شَبَّه الشُّعَراءُ الجاريةَ
الناعمة ذاتَ الشِّطاطِ بها فقيل: كأَنها بانةٌ، وكأَنها غُصْنُ بانٍ؛ قال قيس
بن الخَطيم:
حَوْراءَ جَيداء يُسْتَضاءُ بها،
كأَنها خُوطُ بانةٍ قَصِفُ
ابن سيده: قَضَينا على أَلف البانِ بالياء، وإن كانت عيناً لغلبةِ (ب ي
ن) على (ب و ن).
ذهب: الذَّهابُ: السَّيرُ والـمُرُورُ؛ ذَهَبَ يَذْهَبُ ذَهاباً
وذُهوباً فهو ذاهِبٌ وذَهُوبٌ.
والـمَذْهَبُ: مصدر، كالذَّهابِ.
وذَهَبَ به وأَذهَبَه غيره: أَزالَه. ويقال: أَذْهَبَ
به، قال أَبو إِسحق: وهو قليل. فأَمـَّا قراءة بعضهم: يَكادُ سَنا بَرْقِهِ يُذْهِبُ بالأَبْصار، فنادِرٌ. وقالوا: ذَهَبْتُ الشَّامَ، فعَدَّوْهُ بغيرِ حرفٍ، وإِن كان الشامُ ظَرْفاً مَخْصُوصاً شَبَّهوه بالمكان الـمُبْهَم، إِذ كان يَقَعُ عليه المكانُ والـمَذْهَبُ. وحكى اللحياني: إِنَّ الليلَ طوِيلٌ، ولا يَذْهَبُ بنَفْسِ أَحدٍ منَّا، أَي لا ذَهَب.
والـمَذْهَب: الـمُتَوَضَّـأُ، لأَنـَّهُ يُذْهَبُ إِليه. وفي الحديث: أَنَّ النبي، صلى اللّه عليه وسلّم، كان إِذا أَراد الغائطَ أَبْعَدَ في الـمَذْهَبِ، وهو مَفْعَلٌ من الذَّهابِ.
الكسائي: يقالُ لـمَوضع الغائطِ: الخَلاءُ، والـمَذْهَب، والـمِرْفَقُ،
والـمِرْحاضُ.
والـمَذْهَبُ: الـمُعْتَقَد الذي يُذْهَبُ إِليه؛ وذَهَب فلانٌ لِذَهَبِه أَي لـمَذْهَبِه الذي يَذْهَبُ فيه. وحَكى اللحياني عن الكسائي: ما
يُدْرَى له أَينَ مَذْهَبٌ، ولا يُدْرَى لَهُ ما مَذْهَبٌ أَي لا يُدْرَى
أَين أَصلُه. ويقال: ذَهَبَ فُلانٌ مَذْهَباً حَسَناً. وقولهم به: مُذْهَب،
يَعْنون الوَسْوَسَة في الماءِ، وكثرة استعمالِه في الوُضوءِ. قال
الأَزْهَرِيُّ: وأَهلُ بَغدادَ يقولون للـمُوَسْوِسِ من الناس: به
الـمُذْهِبُ، وعَوَامُّهم يقولون: به الـمُذْهَب، بفَتح الهاء، والصواب
الـمُذْهِبُ.والذَّهَبُ: معروفٌ، وربما أُنِّثَ. غيره: الذَّهَبُ التِّبْرُ،
القِطْعَةُ منه ذَهَبَة، وعلى هذا يُذَكَّر ويُؤَنَّث، على ما ذُكر في الجمعِ الذي لا يُفارِقُه واحدُه إِلاَّ بالهاءِ. وفي حديث عليٍّ، كرّم اللّه وجهه: فبَعَثَ من اليَمَنِ بذُهَيْبَة. قال ابن الأَثير: وهي تصغير ذَهَبٍ، وأَدْخَلَ الهاءَ فيها لأَنَّ الذَّهَب يُؤَنَّث، والـمُؤَنَّث الثُّلاثيّ إِذا صُغِّرَ أُلْـحِقَ في تصغيرِه الهاءُ، نحو قُوَيْسَةٍ وشُمَيْسَةٍ؛ وقيل: هو تصغيرُ ذَهَبَةٍ، على نِـيَّةِ القِطْعَةِ منها، فصَغَّرَها على لفظِها؛ والجمع الأَذْهابُ والذُّهُوبُ. وفي حديث عليّ، كرّم اللّه تعالى وجهه: لو أَرادَ اللّه أَن يَفْتَحَ لهم كنوزَ الذِّهْبانِ، لفَعَل؛ هو جمعُ ذَهَبٍ، كبَرَقٍ وبِرْقانٍ، وقد يجمع بالضمِّ، نحو حَمَلٍ وحُمْلانٍ.
وأَذْهَبَ الشيءَ: طلاه بالذَّهَبِ.
والـمُذْهَبُ: الشيءُ الـمَطْليُّ بالذَّهَب؛ قال لبيد:
أَوْ مُذْهَبٌ جَدَدٌ، على أَلْواحِهِ * أَلنَّاطِقُ الـمَبْرُوزُ والـمَخْتُومُ
ويروى: على أَلواحِهِنَّ النَّاطِقُ، وإِنما عَدَل عن ذلك بعض الرُّواةِ اسْتِـيحاشاً من قَطْعِ أَلِفِ الوَصْل، وهذا جائِزٌ عند سيبويه في الشِّعْرِ، ولاسِـيَّـما في الأَنْصافِ، لأَنها مواضِعُ فُصُولٍ.
وأَهلُ الـحِجازِ يقولون: هي الذَّهَبُ، ويقال نَزَلَت بلُغَتِهِم:
والذين يَكنِزُونَ الذَّهَبَ والفضة، ولا يُنْفِقونها في سبيل اللّه؛ ولولا ذلك، لَغَلَبَ الـمُذَكَّرُ الـمُؤَنَّثَ. قال: وسائِرُ العَرب يقولون: هو الذَّهَب؛ قال الأَزهري: الذَّهب مُذَكَّر عندَ العَرَب، ولا يجوزُ
تأْنِـيثُه إِلا أَنْ تَجْعَلَهُ جَمْعاً لذَهَبَةٍ؛ وأَما قوله عزَّ وجلَّ: ولا يُنْفِقُونَها، ولم يَقُلْ ولا يُنْفِقُونَه، ففيه أَقاويل: أَحَدُها أَنَّ المعنى يَكْنزُون الذَّهَبَ والفِضَّة، ولا يُنْفِقُونَ الكُنُوزَ في سَبِـيلِ اللّه؛ وقيل: جائِزٌ أَن يكونَ مَحْمولاً على الأَمْوالِ فيكون: ولا يُنْفِقُونَ الأَموال ؛ ويجوز أن يَكونَ: ولا يُنْفِقُونَ الفِضَّة، وحذف الذَّهب كأَنه قال: والذين يَكْنِزُونَ الذَّهَب ولا يُنْفِقُونَه، والفِضَّة ولا يُنْفِقُونَها، فاخْتُصِرَ الكَلام، كما قال:
واللّه ورسولُه أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوه، ولم يَقُلْ يُرْضُوهُما.
وكُلُّ ما مُوِّهَ بالذَّهَبِ فقَدْ أُذْهِبَ، وهو مُذْهَبٌ، والفاعل مُذْهِبٌ.
والإِذْهابُ والتَّذْهِـيبُ واحدٌ، وهو التَّمويهُ بالذَّهَب.
ويقال: ذَهَّبْتُ الشيءَ فهو مُذَهَّب إِذا طَلَيْتَه بالذَّهَبِ. وفي حديث جرير وذِكْرِ الصَّدَقَةِ: حتى رَأَيْتُ وَجْهَ رَسُولِ اللّه، صلّى اللّه عليه وسلّم، يَتَهَلَّل كأَنـَّه مُذْهَبَةٌ؛ كذا جاءَ في سنن النسائي وبعضِ طُرُقِ مُسْلم، قال: والرواية بالدال المهملة والنون،
وسيأْتي ذكره؛ فَعَلى قوله مُذْهَبَةٌ، هو من الشيءِ الـمُذْهَب، وهو
الـمُمَوَّه بالذَّهَبِ، أَو هو من قولهم: فَرَس مُذْهَبٌ إِذا عَلَتْ
حُمْرَتَه صُفْرَةٌ، والأُنْثَى مُذْهَبَة، وإِنما خَصَّ الأُنْثَى بالذِّكْرِ
لأَنـَّها أَصْفَى لَوْناً وأَرَقُّ بَشَرَةً.
ويقال: كُمَيْتٌ مُذْهَب للَّذي تَعْلُو حُمْرَتَه صُفْرَة، فإِذا اشتَدَّتْ حُمْرَتُه، ولم تَعْلُه صُفْرَةٌ، فهو الـمُدَمَّى، والأُنْثى مُذْهَبَة. وشيءٌ ذَهِـيبٌ مُذْهَبٌ؛ قال: أُراه على تَوَهُّم حَذْفِ الزِّيادَةِ؛ قال حُمَيْدُ بنُ ثَوْرٍ:
مُوَشَّحَة الأَقْرابِ، أَمـَّا سَرَاتُها * فَمُلْسٌ، وأَمـَّا جِلْدُها فَذَهِـيبُ
والـمَذَاهِبُ: سُيُورٌ تُـمَوَّه بالذَّهَبِ؛ قال ابن السّكيت، في قول
قيس بن الخَطِـيم:
أَتَعْرفُ رَسْماً كاطِّرَادِ الـمَذَاهِبِ
الـمَذاهِبُ: جُلُودٌ كانت تُذْهَب، واحِدُها مُذْهَبٌ، تُجْعَلُ فيه
خُطوطٌ مُذَهَّبة، فيرى بَعْضُها في أَثرِ بَعْضٍ، فكأَنها مُتَتابِعَةٌ؛
ومنه قول الهذلي:
يَنْزِعْنَ جِلْدَ الـمَرْءِ نَزْ * عَ القَينِ أَخْلاقَ الـمَذَاهِبْ
يقول: الضِّباع يَنزِعْنَ جِلْدَ القَتِـيل، كما يَنزِعُ القَين خِلَل
السُّيُوف. قال، ويقالُ: الـمَذاهِبُ البُرود الـمُوَشَّاةُ، يقال: بُرْدٌ
مُذْهَبٌ، وهو أَرْفَعُ الأَتحَمِـيِّ.
وذَهِبَ الرجلُ، بالكسر، يَذْهَبُ ذَهَباً فهو ذَهِبٌ: هَجَمَ في الـمَعْدِن على ذَهبٍ كثير، فرآه فَزَالَ عقلُه، وبَرِقَ بَصَره من كثرة
عِظَمِه في عَيْنِه، فلم يَطْرِفْ؛ مُشْتَقٌّ من الذهب؛ قال الرَّاجز:
ذَهِبَ لـمَّا أَن رآها تَزْمُرَهْ
وفي رواية(1) :
(1 قوله «وفي رواية إلخ» قال الصاغاني في التكملة الرواية:
«ذهب لما أن رآها تزمرة» وهذا صريح في أنه ليس فيه رواية أخرى.)
ذَهِبَ لـمَّا أَن رآها ثُرْمُلَهْ،
وقال: يا قَوْمِ، رأَيتُ مُنْكرَهْ:
شَذْرَةَ وادٍ، ورأَيتُ الزُّهَرَهْ
وثُرْمُلَة: اسمُ رجل. وحكى ابن الأَعرابي: ذِهِبَ، قال: وهذا عندنا مُطَّرِدٌ إِذا كان ثانيهِ حَرْفاً من حُروفِ الـحَلْقِ، وكان الفعْل مكسور الثاني، وذلك في لغة بني تميمٍ؛ وسمعه ابن الأَعرابي فظَنَّه غيرَ مُطَّرِدٍ في لغتِهِم، فلذلك حكاه. والذِّهْبةُ، بالكسر، الـمَطْرَة، وقيل: الـمَطْرةُ الضَّعيفة، وقيل: الجَوْدُ، والجمع ذِهابٌ؛ قال
ذو الرُّمة يصف روضة:
حَوَّاءُ، قَرْحاءُ، أَشْراطِـيَّة، وكَفَتْ * فيها الذِّهابُ، وحفَّتْها البراعيمُ
وأَنشد الجوهري للبعيث:
وذي أُشُرٍ، كالأُقْحُوانِ، تَشُوفُه * ذِهابُ الصَّبَا، والـمُعْصِراتُ الدَّوالِـحُ
وقيل: ذِهْبةٌ للـمَطْرة، واحدَةُ الذِّهاب. أَبو عبيد عن أَصحابه:
الذِّهابُ الأَمْطارُ الضَّعيفة؛ ومنه قول الشاعر:
تَوَضَّحْنَ في قَرْنِ الغَزَالَةِ، بَعْدَمَا * تَرَشَّفْنَ دِرَّاتِ الذِّهابِ الرَّكائِكِ
وفي حديث عليّ، رضي اللّه عنه، في الاستسقاء: لا قَزَعٌ رَبابُها، ولا شِفّانٌ ذِهابُها؛ الذِّهابُ: الأَمْطارُ اللَّـيِّـنة؛ وفي الكلام مُضافٌ محذوف تقديرُه: ولا ذَاتُ شِفّانٍ ذِهابُها.
والذَّهَب، بفتح الهاءِ: مِكيالٌ معروفٌ لأَهْلِ اليَمَن، والجمع ذِهابٌ
وأَذهابٌ وأَذاهِـيبُ، وأَذاهِبُ جمع الجمع. وفي حديث عِكرمة أَنه قال: في أَذاهِبَ من بُرٍّ وأَذاهِبَ من شَعِـيرٍ، قال: يُضَمُّ بعضُها إِلى بعضٍ فتُزَكَّى. الذَّهَبُ: مِكيالٌ معروفٌ لأَهلِ اليمنِ، وجمعُه
أَذهابٌ، وأَذاهِبُ جمعُ الجمع.
والذِّهابُ والذُّهابُ: موضعٌ، وقيل: هو جبلٌ بعَيْنه؛ قال أَبو دواد:
لِـمَنْ طَلَلٌ، كعُنْوانِ الكتابِ، * ببَطْنِ لُواقَ، أَو بَطْنِ الذُّهابِ
ويروى: الذِّهابِ.
وذَهْبانُ: ابو بَطْنٍ.
وذَهُوبُ: اسم امرأَةٍ.
والـمُذْهِبُ: اسمُ شيطانٍ؛ يقالُ هو من وَلد ابليسَ، يَتَصَوَّر
للقُرَّاءِ، فيَفْتِنهُم عند الوضوءِ وغيرِه؛ قال ابن دُرَيْد: لا أَحسبُه
عَرَبِـيّاً.
خرب: الخَرابُ: ضِدُّ العُمْرانِ، والجمع أَخْرِبةٌ. خَرِبَ، بالكسر، خَرَباً، فهو خَرِبٌ وأَخْرَبه وخَرَّبَه.
والخَرِبةُ: موضع الخَرابِ، والجمع خَرِباتٌ. وخَرِبٌ: كَكَلِم، جمع
كَلِمة. قال سيبويه: ولا تُكَسَّرُ فَعِلةٌ، لقِلَّتها في كلامهم. ودارٌ
خَرِبةٌ، وأَخْرَبَها صاحبُها، وقد خَرَّبَه الـمُخَرِّبُ تَخْرِيباً؛ وفي
الدعاءِ: اللهم مُخَرِّبَ الدنيا ومُعَمِّر الآخرةِ أَي خَلَقْتَها للخَرابِ.
وفي الحديث: مِنَ اقْتِرابِ الساعةِ إِخْرابُ العامِرِ وعِمارةُ الخَراب؛ الإِخْرابُ: أَن يُتْرَكَ الـمَوْضِعُ خَرِباً.
والتَّخْريبُ: الهَدْمُ، والمرادُ به ما يُخَرِّبُه الـمُلُوكُ مِن العُمْرانِ، وتَعْمُرُه مِن الخَرابِ شَهْوةً لا إِصلاحاً، ويَدْخُل فيه ما يَعْمَلُه الـمُتْرَفُون مِن تَخْريبِ الـمَساكِنِ العامِرةِ لغير ضرورةٍ وإِنْشاءِ عِمارَتِها.
وفي حديث بناء مسجِدِ المدينةِ: كان فيه نَخْلٌ وقُبُورُ المشركين
وخِرَبٌ، فأَمَرَ بالخِرَبِ فسُوِّيَتْ. قال ابن الأَثير: الخِرَبُ يجوز أَن يكون، بكسر الخاءِ وفتح الراءِ، جمع خَرِبةٍ، كَنَقِمةٍ ونِقَمٍ؛ ويجوز أَن يكون جمع خِرْبةٍ، بكسر الخاءِ وسكون الراءِ، على التخفيف، كنِعْمةٍ ونِعَمٍ؛ ويجوز أَن يكون الخَرِبَ، بفتح الخاءِ وكسر الراءِ، كَنبِقةٍ ونَبِقٍ وكَلِمةٍ وكَلِمٍ. قال: وقد روي بالحاءِ المهملة، والثاء المثلثة، يريد به الموضع الـمَحْرُوثَ للزِّراعةِ.
وخَرَّبُوا بيوتَهم: شُدِّدَ للمبالغة أَو لِفُشُوِّ الفِعْلِ، وفي التنزيل: يُخرِّبُونَ بيوتَهم؛ مَن قرأَها بالتشديد معناه يُهَدِّمُونَها، ومن قرأَ يُخْرِبُون، فمعناه يَخْرُجُونَ منها ويَتْرُكُونها. والقراءة بالتخفيف أَكثر، وقرأَ أَبو عمرو وحده يُخَرِّبون، بتشديد الراءِ، وقرأَ
سائرُ القُرَّاءِ يُخْرِبون، مخففاً؛ وأَخْرَبَ يُخْرِبُ، مثله.
وكلُّ ثَقْبٍ مُستدِير: خُرْبةٌ مثل ثَقْبِ الأُذن، وجمعها خُرَبٌ؛
وقيل: هو الثَّقْبُ مُسْتديراً كان أَو غير ذلك. وفي الحديث: أَنه سأَله رجل عن إِتْيان النِّساءِ في أَدْبارِهِنَّ، فقال: في أَيِّ الخُرْبَتَيْنِ، أَو في أَيِّ الخُرْزَتَيْنِ، أَو في أَيِّ الخُصْفَتَيْنِ، يعني في أَيِّ الثُّقْبَتَيْنِ؛ والثلاثةُ بمعنىً واحد، وكلها قد رويت.
والـمَخْرُوبُ: الـمَشْقوقُ، ومنه قيل: رَجُل أَخْرَبُ، للمشْقُوقِ
الأُذُنِ، وكذلك إِذا كان مَثْقُوبَها، فإِذا انْخَرَم بعد الثَّقْبِ، فهو
أَخْرَمُ. وفي حديث عليّ، رضي اللّه عنه: كأَني بحَبَشِيٍّ مُخَرَّبٍ على هذه الكعبة، يعني مَثْقُوبَ الأُذُنِ. يقال: مُخَرَّبٌ ومُخَرَّمٌ. وفي حديث المغيرة، رضي اللّه عنه: كأَنه أَمةٌ مُخَرَّبةٌ أَي مَثْقوبةُ الأُذُنِ؛ وتلك الثُّقْبَةُ هي الخُرْبةُ.
وخُرْبَةُ السِّنْدِيِّ: ثَقْبُ شَحْمةِ أُذنِه إِذا كان ثَقباً غير مَخْرُوم، فإِن كان مَخْروماً، قيل: خَربَةُ السِّنْدِيِّ؛ أَنشد ثعلب قول ذي الرمة:
كأَنه حَبَشِيٌّ يَبْتَغِي أَثَراً، * أَوْ مِنْ مَعاشِرَ، في آذانِها، الخُرَبُ
ثم فسَّره فقال: يَصِف نَعاماً شَبَّهَه برجل حَبَشيٍّ لسَوادِه؛ وقوله
يَبْتَغِي أَثَراً لأَنه مُدَلَّى الرأْسِ، وفي آذانِها الخُرَبُ يعني السِّنْدَ. وقيل: الخُرْبةُ سَعةُ خَرْقِ الأُذن.
وأَخْرَبُ الأُذُنِ:كخُرْبَتِها، اسم كأَفْكَل، وأَمةٌ خَرْباءُ وعَبْدٌ أَخْرَبُ.
وخُرْبَةُ الإِبْرةِ وخُرَّابَتُها: خُرْتُها.
والخَرَبُ: مصدر الأَخْرَبِ، وهو الذي فيه شَقٌّ أَو ثَقْبٌ مُسْتَديرٌ.
وخَرَبَ الشيءَ يَخْرُبُه خَرْباً: ثَقَبَه أَو شَقَّه. والخُرْبةُ: عُرْوةُ الـمَزادةِ، وقيل: أُذُنها، والجمع خُرَبٌ وخُرُوبٌ، هذه عن أبي
زيد، نادرة، وهي الأَخْرابُ والخُرَّابةُ كالخُرْبةِ.
وفي حديث ابن عمر في الذي يُقَلِّدُ بَدَنَتَه فيَضِنُّ بالنَّعْلِ قال:
يُقلِّدها خُرابةً. قال أَبو عبيد: والذي نَعْرِفُ في الكلام أَنها
الخُرْبةُ، وهي عُرْوةُ الـمَزادةِ، سُميت خُرْبةً لاسْتِدارتها.
قال أَبو عبيدة: لِكلِّ مَزادةٍ خُرْبَتانِ وكُلْيَتان، ويقال خُرْبانِ،
ويُخْرَزُ الخُرْبانِ إِلى الكُلْيَتَيْنِ؛ ويروى قوله في الحديث:
يُقَلِّدُها خُرابةً، بتخفيف الراءِ وتشديدها. قال أَبو عبيد: المعروف في كلام العرب. أَن عُرْوَة الـمَزادةِ خُرْبةٌ، سُميت بذلك لاسْتِدارتِها، وكلُّ ثَقْبٍ مُسْتَديرٍ خُرْبةٌ. وفي حديث عبداللّه: ولا سَتَرْتَ الخَرَبةَ يعني العَوْرةَ.
والخَرْباءُ من الـمَعَزِ: التي خُرِبَتْ أُذُنها، وليس لخُرْبَتِها طُولٌ ولا عَرْضٌ. وأُذن خَرْباءُ: مَشْقُوقةُ الشَّحْمةِ. وعَبْدٌ أَخْرَبُ:
مَشْقُوقُ الأُذنِ. والخَرْبُ في الهَزَجِ: أَن يدخل الجُزءَ الخَرْمُ
والكَفُّ مَعاً فيصير مَفاعِيلُنْ إِلى فاعِيلُ، فيُنْقَل في التقطيع إِلى
مَفعولُ، وبيتُه:
لو كانَ أَبُو بِشْرٍ
أَمِيراً، ما رَضِيناهُ
فقوله: لو كان، مفعولُ. قال أَبو إِسحق: سُمي أَخْرَبَ، لذهاب أَوَّله وآخِره، فكأَنَّ الخَرابَ لَحِقَه لذلك.
والخُرْبَتانِ: مَغْرِزُ رأْسِ الفَخِذِ. الجوهري: الخُرْبُ ثَقْبُ رأْسِ الوَرِكِ، والخُرْبةُ مثله. وكذلك الخُرابةُ، وقد يشدَّد.
وخُرْبُ الوَرِكِ وخَرَبُه: ثَقْبُه، والجمع أَخْرابٌ؛ وكذلك خُرْبَتُه
وخُرابَتُه، وخُرَّابَتُه وخَرَّابَتُه.
والأَخْرابُ: أَطْرافُ أَعْيار الكَتِفَيْنِ السُّفَلُ.
والخُرْبةُ: وِعاءٌ يَجْعَلُ فيه الراعي زاده، والحاء فيه لغة.
والخُرْبةُ والخَرْبةُ والخُرْبُ والخَرَبُ: الفسادُ في الدِّين، وهو من ذلك. وفي الحديث: الحَرَمُ لا يُعِيذُ عاصِياً، ولا فارّاً بِخَرَبةٍ. قال ابن الأَثير: الخَرَبةُ أَصلُها العيبُ، والمراد بها ههنا الذي يَفِرُّ بشيءٍ يريد أَن يَنْفَرِدَ به ويَغْلِبَ عليه مـما لا تُجِيزُه الشَّريعةُ.
والخارِبُ: سارِقُ الإِبِلِ خاصَّةً، ثم نُقِل إِلى غيرها اتِّساعاً.
قال: وقد جاءَ في سِياقِ الحديثِ في كتاب البخاري: أَنَّ الخَرَبةَ
الجِنايةُ والبَلِيَّةُ. قال وقال الترمذي: وقد روي بِخِزْيةٍ. قال: فيجوز أَن يكون بكسر الخاء، وهو الشيء الذي يُسْتَحْيا منه. أَو من الهَوانِ والفضيحةِ؛ قال: ويجوز أَن يكون بالفتح، وهو الفَعْلةُ الواحدة منهما؛ ويقال: ما فيه خَرَبةٌ أَي عَيْبٌ.
ويقال: الخارِبُ من شدائدِ الدهر. والخارِبُ: اللِّصُّ، ولم يُخَصَّصْ به سارِقُ الإِبِلِ ولا غيرِها؛
وقال الشاعر فيمن خَصَّصَ:
إِنَّ بها أَكْتَلَ أَوْ رِزامَا، * خُوَيْرِبَيْنِ يَنْقُفانِ الْهاما
الأَكْتَلُ والكَتالُ: هما شِدّةُ العيش. والرِّزامُ: الهُزال. قال أَبو
منصور: أَكْتَلُ ورِزامٌ، بكسر الراءِ: رجُلانِ خارِبانِ أَي لِصَّانِ.
وقوله خُوَيْرِبانِ أَي هما خارِبانِ، وصغَّرهما وهما أَكْتَلُ ورِزامٌ،
ونَصَب خُوَيْرِبَيْنِ على الذَّمِّ، والجمع خُرَّابٌ.
وقد خَرَبَ يَخْرُبُ خِرابةً؛ الجوهري: خَرَبَ فلانٌ بإِبل فلان،
يَخْرُبُ خِرابةً: مثل كَتَبَ يَكْتُبُ كِتابةً؛ وقال اللحياني: خَرَبَ فلان بإِبل فلان يَخْرُب بها خَرْباً وخُرُوباً وخِرابةً وخَرابةً أَي سَرَقَها.
قال: هكذا حكاه مُتَعدِّياً بالباءِ. وقال مرة: خَرَبَ فلان أَي صارَ
لِصّاً؛ وأَنشد:
أَخْشَى عَلَيْها طَيِّئاً وأَسَدا،
وخارِبَيْنِ خَرَبَا فمَعَدَا،
لا يَحْسِبانِ اللّهَ إِلاَّ رَقَدا
والخَرَّابُ: كالخارِب.
والخُرابةُ: حَبْلٌ من لِيفٍ أَو نحوه.
وخَلِيَّةٌ مُخْرِبةٌ: فارِغةٌ لم يُعَسَّلْ فيها.
والنَّخاريبُ: خُرُوقٌ كبيُوتِ الزَّنابِيرِ، واحدتها نخرُوبٌ.
والنَّخاريبُ: الثُّقَب الـمُهَيَّأَةُ من الشَّمَع، وهي التي تَمُجُّ النَّحْلُ
العَسَلَ فيها.
ونَخْرَبَ القادِحُ الشجرةَ: ثَقَبَها؛ وقد قيل: إِنّ هذا كُلّه رباعيّ،
وسنذكره.
والخُرْبُ، بالضم: مُنْقَطَعُ الجُمْهُورِ من الرَّمْل. وقيل: مُنْقَطَعُ الجُمْهُورِ الـمُشْرِفِ منَ الرَّمل، يُنْبِتُ الغَضى.
والخَرِبُ: حدّ من الجبل خارجٌ. والخَرِبُ: اللَّجَفُ من الأَرضِ؛
وبالوجهين فسر قول الراعي:
فما نَهِلَتْ، حتى أَجاءَتْ جِمامَه * إِلى خَرِبٍ، لاقَى الخَسِيفةَ خارِقُهْ
وما خَرَّبَ عليه خَرْبةً أَي كلمة قَبِيحةً. يقال: ما رأَينا من فلان
خَرْبةً وخَرْباءَ مُنْذُ جاوَرَنا أَي فساداً في دِينه أَو شَيْناً.
والخَرَبُ من الفَرَس: الشعرُ الـمُخْتَلِفُ وسَطَ مِرْفَقِه. أَبو عبيدة: من دَوائِر الفرَسِ دائرةُ الخَرَبِ، وهي الدائرةُ التي تكون عند
الصَّقْرَيْنِ، ودائرتَا الصَّقْرَيْنِ هما اللَّتانِ عند الحَجَبَتَيْنِ
والقُصْرَيَيْنِ. الأَصمعي: الخَرَبُ الشَّعَرُ الـمُقْشَعِرُّ في الخاصرةِ؛
وأَنشد:
طويلُ الحِداءِ، سَلِيمُ الشَّظَى، * كَريمُ المِراحِ، صَلِيبُ الخَرَبْ
والحِدَأَةُ: سالِفةُ الفَرَسِ، وهو ما تقَدَّمَ من عُنْقِه. والخَرَبُ:
ذكَر الحُبارَى، وقيل هو الحُبارَى كُلُّها، والجمع خِرابٌ وأَخْرابٌ
وخِرْبانٌ ، عن سيبويه.
ومُخَرَّبةُ: حيٌّ(1)
(1 قوله «ومخرّبة حيّ» كذا ضبط في نسخة من المحكم.)
من بني تميم، أَو قبيلة. ومَخْرَبةُ: اسم.
والخُرَيبةُ: موضع، النَّسبُ إِليه خُرَيْبِيٌّ، على غير قياس، وذلك أَنّ ما كان على فُعَيْلةَ، فالنَّسبُ إِليه بطَرْحِ الياءِ، إِلا ما شذَّ كهذا
ونحوه. وقيل:
خُرَيْبةُ موضع بالبصرة، يسمى بُصَيْرةَ الصُّغْرى.
والخُرْنُوبُ والخَرُّوب، بالتشديد: نبت معروف، واحدته خُرْنُوبةٌ وخَرْنُوبةٌ، ولا تقل: الخَرْنوب، بالفتح(1)
(1 قوله «ولا تقل الخرنوب بالفتح» هذا عبارة الجوهري، وأمـَّا قوله واحدته خرنوبة وخرنوبة فهي عبارة المحكم وتبعه
مجدالدين.) . قال: وأُراهُمْ أَبدَلوا النون من إِحدى الراءَين كراهية التضعيف، كقولهم إِنْجانة في إِجانَّة؛ قال أَبو حنيفة: هما ضربان: أَحدهما اليَنْبُوتةُ، وهي هذا الشَّوكُ الذي يُسْتَوْقَدُ به، يَرْتَفعُ الذِّراعُ ذُو أَفْنانٍ وحَمْلٍ أَحَمُّ خَفيفٌ، كأَنه نُفّاخٌ، وهو بَشِعٌ لا يُؤْكل إِلا في الجَهْد، وفيه حَبٌّ صُلْبٌ زَلاَّلٌ؛ والآخر الذي يقال له الخَرُّوبُ الشامي، وهو حُلْوٌ يؤْكل، وله حَبٌّ كَحَبِّ اليَنْبُوتِ، إِلاَّ أَنه أَكْبَرُ، وثَمَرُه طِوالٌ كالقِثّاءِ الصِّغارِ، إِلاّ أَنه عَريضٌ، ويُتَّخَذُ منه سَويقٌ ورُبٌّ. التهذيب: والخَرُّوبة شجرة اليَنْبُوتِ، وقيل: الينبوتُ الخَشْخاشُ. قال: وبلغنا في حديث سُلَيْمان، على نَبِيِّنا وعليه الصلاةُ والسلامُ، أَنه كانَ ينْبُتُ في مُصَلاّه كلَّ يَوْمٍ شَجَرةٌ، فيَسْأَلُها: ما أَنـْتِ؟ فَتقُولُ: أَنا شَجرةُ كذا، أَنْبُتُ في أَرضِ كذا، أَنا دَواءٌ مِنْ داءِ كَذا، فيَأْمُرُ بها فَتُقْطَعُ، ثم
تُصَرُّ، ويُكْتَبُ على الصُّرّةِ اسْمُها ودَواؤُها، حتى إِذا كان في آخِر ذلك نَبَتَتِ اليَنْبُوتةُ، فقال لها: ما أَنتِ؟ فقالت: أَنا الخَرُّوبةُ
وسَكَتَتْ؛ فقال سُلَيْمانُ، عليه السلام: الآن أَعْلَمُ أَنَّ اللّه قد
أَذِنَ في خَرابِ هذا الـمَسْجدِ، وذَهابِ هذا الـمُلْكِ، فلم يَلْبَثْ
أَن ماتَ.
وفي الحديث ذكر الخُرَيْبة، هي بضم الخاءِ، مصغَّرة: مَحِلَّةٌ مِنْ
مَحالِّ البَصْرة، يُنْسَبُ إِليها خَلْقٌ كثير.
وخَرُّوبٌ وأَخْرُبٌ: مَوْضِعان؛ قال الجُمَيْحُ:
ما لأُمَيْمةَ أَمـْسَتْ لا تُكَلِّمُنا، * مَجْنُونةٌ، أَمْ أَحَسَّتْ أَهْلَ خَرُّوبِ؟(2)
(2 قوله «قال الجميح ما لأميمة إلخ» هذا نص المحكم والذي في التكملة قال الجميح الأسدي واسمه منقذ: «أمست أمامة صمتا ما تكلمنا» مجنونة وفيها ضبط مجنونة... بالرفع والنصب.)
مَرَّتْ بِراكِبِ مَلْهُوزٍ، فقالَ لها: * ضُرِّي الجُمَيْحَ، ومَسِّيهِ بتَعْذيبِ
يقول: طَمَحَ بَصَرُها عني، فكأَنها تَنْظُر إِلى راكِبٍ قد أَقبلَ من
أَهْلِ خَرُّوبٍ.
وقف: الوُقوف خلاف الجُلوس، وقَف بالمكان وقْفاً ووُقوفاً، فهو واقف،
والجمع وُقْف ووُقوف، ويقال: وقَفتِ الدابةُ تَقِفُ وُقوفاً، ووقَفْتها
أَنا وَقْفاً. ووقَّفَ الدابةَ: جعلها تَقِف؛ وقوله:
أَحْدَثُ مَوْقِف من أُم سَلْمٍ
تَصَدِّيها، وأَصْحابي وُقوفُ
وُقوفٌ فوقَ عِيسٍ قد أُمِلَّتْ،
بَراهُنَّ الإناخةُ والوَجِيفُ
إنما أَراد وُقوف لإبلهم وهم فوقها؛ وقوله:
أَحدث موقف من أُم سلم
إنما أَراد أَحدث مواقفَ هي لي من أُم سلْم أَو من مواقِفِ أُم سلْم،
وقوله تَصَدِّيها إنما أَراد مُتصدّاها، وإنما قلت هذا لأُقابل الموقف الذي
هو الموضع بالمُتصدَّى الذي هو الموضع، فيكون ذلك مقابلة اسم باسم،
ومكان بمكان، وقد يكون موقفي ههنا وُقوفي، فإِذا كان ذلك فالتصدّي على وجهه
أَي أَنه مصدر حينئذ، فقابل المصدر بالمصدر؛ قال ابن بري: ومما جاء شاهداً
على أَوقفت الدابة قول الشاعر:
وقولها، والرِّكابُ مُوقَفةٌ:
أَقِمْ علينا أَخي، فلم أُقِمِ
وقوله:
قلت لها: قِفِي لنا، قالت: قافْ
إنما أَراد قد وقَفْتُ فاكتفى بذكر القاف. قال ابن جني: ولو نقل هذا
الشاعر إلينا شيئاً من جملة الحال فقال مع قوله قالت قاف: وأَمسكَت زمام
بعيرها أَو عاجَته علينا، لكان أَبين لما كانوا عليه وأَدل، على أَنها
أَرادت قفي لنا قفي لنا أَي تقول لي قفي لنا متعجبة منه، وهو إذا شاهَدها وقد
وقَفَتْ علم أَن قولها قاف إجابةٌ له لا رَدّ لقوله وتعَجُّب منه في قوله
قفي لنا.
الليث: الوَقْف مصدر قولك وقَفْتُ الدابةَ ووقَفْت الكلمة وقْفاً، وهذا
مُجاوِز، فإذا كان لازماً قلت وقفَتْ وُقوفاً. وإذا وقَّفْت الرجلَ على
كلمة قلت: وقَّفْتُه تَوْقيفاً. ووقَف الأَرض على المساكين، وفي الصحاح
للمساكين، وقْفاً: حبسَها، ووقفْتُ الدابةَ والأَرضَ وكلَّ شيء، فأَما
أَوقف في جميع ما تقدّم من الدواب والأَرضين وغيرهما فهي لغة رَديئة؛ قال
أَبو عمرو بن العلاء: إلا أَني لو مررت برجل واقف فقلت له: ما أَوْقَفَك
ههنا، لرأَيته حسَناً. وحكى ابن السكّيت عن الكسائي: ما أَوقَفك ههنا وأَيُّ
شيء أَوقفك ههنا أَي أَيُّ شيء صيَّرك إلى الوُقوف، وقيل: وقَف وأَوقَف
سواء. قال الجوهري: وليس في الكلام أَوقفْت إلا حرف واحد أَوقَفْت عن
الأَمر الذي كنت فيه أَي أَقْلَعْت؛ قال الطرماح:
قَلَّ في شَطِّ نَهْروانَ اغْتِماضِي،
ودَعاني هَوى العُيونِ المِراضِ
جامِحاً في غَوايَتي، ثم أَوقَفْـ
ـتُ رِضاً بالتُّقَى، وذُو البِرِّ راضي
قال: وحكى أَبو عمرو كلمتهم ثم أَوقفْت أَي سكتُّ، وكل شيء تُمسك عنه
تقول أَوقفت، ويقال: كان على أَمْر فأَوقَف أَي أَقصَر. وتقول: وقفْت الشيء
أَقِفه وقْفاً، ولا يقال فيه أَوقفت إلا على لغة رديئة. وفي كتابه لأَهل
نجْرانَ: وأن لا يُغيَّرَ واقِف من وِقِّيفاه؛ الواقف: خادم البِيعة
لأَنه وقَف نفسَه على خِدْمتها، والوِقِّيفى، بالكسر والتشديد والقصر:
الخدمة، وهي مصدر كالخِصِّيصى والخِلِّيفى. وقوله تعالى: ولو ترى إذ وُقِفوا
على النار، يحتمل ثلاثة أَوجه: جائز أَن يكونوا عاينوها، وجائز أَن يكونوا
عليها وهي تحتهم، قال ابن سيده: والأَجود أَن يكون معنى وُقفوا على
النار أُدخلوها فعرَفوا مِقدار عذابها كما تقول: وقفْت على ما عند فلان تريد
قد فَهِمته وتبيَّنْته. ورجل وقّاف: مُتَأَنٍّ غير عَجِل؛ قال:
وقد وقَفَتْني بينَ شكٍّ وشُبْهِةٍ،
وما كنت وقّافاً على الشُّبُهات
وفي حديث الحسن: إن المؤمن وقّاف مُتَأَنٍّ وليس كحاطِب الليل؛
والوقّاف: الذي لا يستعجل في الأَمور، وهو فَعّال من الوُقوف. والوقّاف:
المُحْجِم عن القتال كأَنه يَقِف نفسه عنه ويعوقها؛ قال دريد:
وإنْ يَكُ عبدُ اللّه خلَّى مكانَه،
فما كان وقَّافاً، ولا طائشَ اليدِ
وواقَفه مُواقفة ووِقافاً: وقفَ معه في حرب أَو خُصومة. التهذيب: أَوقفت
الرجلَ على خِزْيِه إذا كنت لا تحبسه بيدك، فأَنا أُوقِفه إيقافاً، قال:
وما لك تَقِف دابتك تحبسها بيدك.
والمَوْقِفُ: الموضع الذي تقِف فيه حيث كان.
وتَوْقِيفُ الناس في الحجّ: وُقوفهم بالمواقِف. والتوْقيف: كالنَّصّ،
وتواقفَ الفريقان في القِتال. وواقَفْته على كذا مُواقفة ووِقافاً
واسْتَوْقَفْته أَي سأَلته الوقُوف. والتوقُّف في الشيء: كالتلَوُّم فيه. وأَوقفت
الرجل على كذا إذا لم تحبسه بيدك. والواقفة: القدَم، يمانية صفة غالبة.
والمِيقَف والمِيقاف: عُودأَو غيره يسكَّن به غلَيان القِدر كأَنّ
غليانها يُوقف بذلك؛ كلاهما عن اللحياني.
والمَوْقُوف من عَروض مَشْطُور السَّريع والمُنْسَرِح: الجزء الذي هو
مفعولان، كقوله:
يَنْضَحْنَ في حافاتِها بالأَبْوالْ
فقوله بالأَبوال مفعولانْ أَصله مفعولاتُ أُسكنت التاء فصار مفعولاتْ،
فنقل في التقطيع إلى مفعولان، سمي بذلك لأَن حركة آخره وُقِفَت فسمي
موقوفاً، كما سميت مِنْ وقَطْ وهذه الأَشياء المبنية على سكون الأَواخِر
موقوفاً.
ومَوْقِفُ المرأَةِ: يداها وعيناها وما لا بدّ لها من إظهاره. الأَصمعي:
بدا من المرأَة مَوقِفُها وهو يداها وعيناها وما لا بدَّ لها من إظهاره.
ويقال للمرأَة: إنها لحسَنة الموقفين، وهما الوجه والقدَم. المحكم:
وإنها لجميلة مَوْقِف الراكِب يعني عينيها وذراعيها، وهو ما يراه الراكب
منها. ووقَّفَتِ المرأَةُ يديها بالحِنّاء إذا نقَّطت في يديها نُقَطاً.
ومَوْقِف الفرس: ما دخَل في وسَط الشاكلة، وقيل: مَوْقفاه الهَزْمتان اللتان
في كَشْحَيه. أَبو عبيد: الموقفان من الفرس نُقْرتا خاصرتيه. يقال: فرس
شديد الموقِفين كما يقال شَديدُ الجَنْبَين وحَبِطُ الموْقِفَينِ إذا كان
عظيم الجنبين؛ قال الجعدي:
شدِيدُ قِلاتِ المَوْقِفَيْنِ كأَنما
به نَفَسٌ، أَو قد أَراد ليَزْفِرا
وقال:
فَلِيق النَّسا حَبِط الموقفيـ
ـن، يَسْتَنُّ كالصدَعِ الأَشْعَبِ
وقيل: موقف الدابة ما أَشرف من صُلبه على خاصرته. التهذيب: قال بعضهم
فرس مُوَقَّف وهو أَبرشُ أَعلى الأُذنين كأَنهما منقوشتان ببياض ولو سائره
ما كان.
والوَقِيفةُ: الأُروِيَّةُ تُلْجِئها الكلاب إلى صخرة لا مَخلَص لها
منها في الجبل فلا يمكنها أَن تنزل حتى تصاد؛ قال:
فلا تَحْسَبَنِّي شَحْمةً من وَقِيفةٍ
مُطَرَّدةٍ مما تَصيدُكَ سَلْفَعُ
وفي رواية: تَسَرَّطُها مما تصيدك. وسَلْفَعُ: اسم كلبة، وقيل: الوقيفة
الطَّريدة إذا أَعْيَت من مُطاردة الكلاب. وقال الجوهري: الوقيفة
الوَعِل؛ قال ابن بري: وصوابه الوقيفة الأُرْوِيّة. وكلُّ موضع حبسَته الكلاب
على أَصحابه، فهو وَقِيفة.
ووقَّف الحديث: بيَّنه. أَبو زيد: وقَّفت الحديث توقيفاً وبيَّنته
تبييناً، وهما واحد. ووقَّفته على ذنبه أَي أَطلعته عليه. ويقال: وقَّفته على
الكلمة توقيفاً. والوَقْف: الخَلْخال ما كان من شيء من الفضة والذَّبْل
وغيرهما، وأَكثر ما يكون من الذبل، وقيل: هو السِّوار ما كان، وقيل: هو
السوار من الذَّبل والعاج، والجمع وقُوف. والمَسَكُ إذا كان من عاج فهو
وقْف، وإذا كان من ذَبْل فهو مَسَك، وهو كهيئة السِّوار. يقال: وقَّفَت
المرأَة توقيفاً إذا جعلت في يديها الوقْف. وحكى ابن بري عن أَبي عمرو:
أَوقَفَت الجاريةُ، جعلت لها وقْفاً من ذَبْل؛ وأَنشد ابن بري شاهداً على
الوقْف السوار من العاج لابن مُقْبل:
كأَنه وقْفُ عاجٍ بات مَكْنُونا
(*
قوله «مكنونا» كذا بالأصل وكتب بازائه: منكفتاً، وهو الذي في شرح
القاموس.)
والتوْقِيف: البياض مع السواد. ووُقُوف القوسِ: أَوتارُها المشدودة في
يدها ورجلها؛ عن ابن الأَعرابي؛ وقال أَبو حنيفة: التوْقِيف عقَب يُلْوَى
على القوس رَطباً لَيّناً حتى يصير كالحَلْقة، مشتق من الوقْف الذي هو
السوار من العاج؛ هذه حكاية أَبي حنيفة، جعل التوقيف اسماً كالتَّمْتين
والتنْبيت؛ قال ابن سيده: وأَبو حنيفة لا يؤمن على هذا، إنما الصحيح أَن
يقول: التوقيف أَن يُلْوى العَقَبُ على القوس رطباً حتى يصير كالحلقة،
فيُعَبَّر عن المصدر بالمصدر، إلاَّ أَنْ يثبت أَن أَبا حنيفة ممن يعرف مثل
هذا، قال: وعندي أَنه ليس من أَهل العلم به ولذلك لا آمنه عليه وأَحمله على
الأَوسع الأَشيع. والتوقيف أَيضاً: لَيُّ العَقَب على القوس من غير عيب.
ابن شميل: التوقيف أَن يُوَقِّف على طائفَي القوس بمضائغ من عَقَب قد
جعلهن في غِراء من دماء الظِّباء فيجئن سوداً، ثم يُغْلى على الغِراء
بصَدإِ أَطراف النَّبْل فيجيء أَسود لازقاً لا ينقطع أَبداً. ووقْفُ الترس:
المستدير بحافته، حديداً كان أَو قَرْناً، وقد وقَّفه. وضَرع مُوقَّف: به
آثار الصِّرار؛ وأَنشد ابن الأَعرابي:
إبْلُ أَبي الحَبْحاب إبْلٌ تُعْرَفُ،
يَزِينُها مُجَفَّفٌ مُوَقَّفُ
قال ابن سيده: هكذا رواه ابن الأَعرابي مجفف، بالجيم، أَي ضَرْع كأَنه
جُفٌّ وهو الوَطْب الخَلَقُ، ورواه غيره محفَّف، بالحاء، أَي ممتلئ قد
حَفَّت به. يقال: حَفَّ القوم بالشيء وحفَّفوه أَحدقوا به. والتوقيفُ:
البياض مع السواد. ودابة موقَّفة توقِيفاً وهو شِيَتُها. ودابة موقَّفة: في
قوائمها خُطوط سود؛ قال الشماخ:
وما أَرْوَى، وإنْ كَرُمَتْ علينا،
بأَدْنَى من مُوقَّفة حَرُونِ
واستعمل أَبو ذؤيب التوقيف في العُقاب فقال:
مُوقَّفة القَوادِم والذُّنابَى،
كأَنَّ سَراتها اللَّبَن الحَلِيبُ
أَبو عبيد: إذا أَصاب الأَوْظِفة بياض في موضع الوقْف ولم يعْدها إلى
أَسفل ولا فوق فذلك التوقيف. ويقال: فرس موقَّف. الليث: التوقيف في قوائم
الدابة وبقر الوحش خُطوط سود؛ وأَنشد: شَيْباً موقَّفا. وقال آخر:
لها أُمٌّ مُوَقَّفةٌ رَكُوبٌ،
بحيثُ الرَّقْوُ مَرْتَعُها البَريرُ
ورجل موقَّف: أَصابته البَلايا هذه عن اللحياني. ورجل موقَّف على الحق:
ذَلول به. وحمار موقَّف؛ عنه أَيضاً: كُوِيتْ ذراعاه كَيّاً مستديراً؛
وأَنشد:
كَوَيْنا خَشْرَماً في الرأْس عَشْراً،
ووقَّفْنا هُدَيْبةً، إذ أَتانا
اللحياني: المِيقَفُ والمِيقافُ العُودُ الذي تُحرّك به القِدر ويسكَّن
به غليانها، وهو المِدْوَمُ والمِدْوامُ؛ قال: والإدامة ترك القِدْر على
الأَثافي بعد الفراغ. وفي حديث الزبير وغَزوة حُنَيْن: أَقبلت معه فوقفت
حتى اتَّقَفَ الناسُ كلهم أَي حتى وقَفُوا؛ اتَّقف مطاوع وقَف، تقول:
وقَفْته فاتّقف مثل وعدْته فاتَّعَد، والأَصل فيه اوْتَقف، فقلبت الواو ياء
لسكونها وكسر ما قبلها، ثم قلبت الياء تاءً وأُدْغمت في تاء الافتعال.
وواقفٌ: بطن من الأَنصار من بني سالم بن مالك بن أَوْس. اين سيده: وواقف
بطن من أَوس اللاَّتِ. والوقّاف: شاعر معروف.
كور: الكُورُ، بالضم: الرحل، وقيل: الرحل بأَداته، والجمع أَكْوار
وأَكْوُرٌ؛ قال:
أَناخَ بِرَمْلِ الكَوْمَحَيْن إِناخَةَ الْـ
ـيَماني قِلاصاً، حَطَّ عنهنّ أَكْوُرا
والكثير كُورانٌ وكُؤُور؛ قال كُثَيِّر عَزَّة:
على جِلَّةٍ كالهَضْبِ تَخْتالُ في البُرى،
فأَحْمالُها مَقْصورَةٌ وكُؤُورُها
قال ابن سيده: وهذا نادر في المعتل من هذا البناء وإِنما بابه الصحيح
منه كبُنُودٍ وجُنُودٍ. وفي حديث طَهْفَة: بأَكْوارِ المَيسِ تَرْتَمِي
بنا العِيسُ؛ الأَكْوارُ جمع كُورٍ، بالضم،وهو رَحْل الناقة بأَداته، وهو
كالسَّرْج وآلتِه للفرس، وقد تكرّر في الحديث مفرداً ومجموعاً؛ قال ابن
الأَثير: وكثير من الناس يفتح الكاف، وهو خطأ؛ وقول خالد بن زهير
الهذلي:نَشَأْتُ عَسِيراً لم تُدَيَّثْ عَرِيكَتي،
ولم يَسْتَقِرَّ فوقَ ظَهْرِيَ كُورُها
استعار الكُورَ لتذليل نفسه إِذ كان الكُورُ مما يذلل به البعير
ويُوَطَّأُ ولا كُورَ هنالك. ويقال للكُورِ، وهو الرحل: المَكْوَرُ، وهو
المُكْوَرُّ، إِذا فتحت الميم خففت الراء، وإِذا ثقلت الراء ضممت الميم؛ وأَنشد
قول الشاعر:
قِلاص يَمانٍ حَطَّ عنهن مَكْوَرا
فخفف، وأَنشد الأَصمعي:
كأَنّ في الحََبْلَيْنِ من مُكْوَرِّه
مِسْحَلَ عُونٍ قَصَدَتْ لضَرِّهِ
وكُورُ الحَدَّاد: الذي فيه الجَمْر وتُوقَدُ فيه النار وهو مبنيّ من
طين، ويقال: هو الزِّقُّ أَيضاً. والكَوْرُ: الإِبل الكثيرة العظيمة.
ويقال: على فلان كَوْرٌ من الإِبل، والكَوْرُ من الإِبل: العَطيِعُ الضَّخْم،
وقيل: هي مائة وخمسون، وقيل: مائتان وأَكثر. والكَوْرُ: القطيع من البقر؛
قال ذؤيب:
ولا شَبُوبَ من الثِّيرانِ أَفْرَدَه،
من كَوْرِه، كَثْرَةُ الإِغْراءِ والطَّرَدُ
والجمع منهما أَكْوار؛ قال ابن بري هذا البيت أَورده الجوهري:
ولا مُشِبَّ من الثِّيرانِ أَفْرَده،
عن كَوْرِه، كَثْرَةُ الإِغراءِ والطَّرَدِ
بكسر الدال، قال: وصوابه: والطردُ، برفع الدال؛ وأَول القصيدة:
تالله يَبْقى على الأَيَّامِ مُبْتَقِلٌ،
جَوْنُ السَّراةِ رَباعٌ، سِنُّه غَرِدُ
يقول: تالله لا يبقى على الأَيَّام مُبْتَقِلٌ أَي الذي يَرْعى البقل.
والجَوْنُ: الأَسْوَدُ. والسَّراةُ: الظَّهْر. وغَرِدٌ: مُصَوِّتٌ. ولا
مُشِبَّ من الثيران: وهو المُسِنّ أَفرده عن جماعته إِغراءُ الكلب به
وطَرَدُه. والكَوْرُ: الزيادة. الليث: الكَوْرُ لَوْثُ العمامة يعني إِدارتها
على الرأْس، وقد كَوَّرْتُها تَكْوِيراً . وقال النضر: كل دارة من العمامة
كَوْرٌ، وكل دَوْرٍ كَوْرٌ. وتكْوِيرُ العمامة: كَوْرُها. وكارَ
العِمامَةَ على الرأْس يَكُورُها كَوْراً: لاثَها عليه وأَدارها؛ قال أَبو
ذؤيب:وصُرَّادِ غَيْمٍ لا يزالُ، كأَنه
مُلاءٌ بأَشْرافِ الجِبالِ مَكُورُ
وكذلك كَوَّرَها. والمِكْوَرُ والمِكْوَرَةُ والكِوارَةُ: العمامةُ.
وقولهم: نعوذ بالله من الحَوْرِ بعد الكَوْرِ، قيل: الحَوْرُ النقصان والرجوع،
والكَوْرُ: الزيادة، أُخذ من كَوْرِ العمامة؛ يقول: قد تغيرت حاله
وانتقضت كما ينتقض كَوْرُ العمامة بعد الشدّ، وكل هذا قريب بعضه من بعض، وقيل:
الكَوْرُ تَكْوِيرُ العمامة والحَوْرُ نَقْضُها، وقيل: معناه نعوذ بالله
من الرجوع بعد الاستقامة والنقصان بعد الزيادة. وروي عن النبي، صلى الله
عليه وسلم، أَنه كان يتعوّذ من الحَوْر بعد الكَوْرِ أَي من النقصان بعد
الزيادة، وهو من تَكْوِير العمامة، وهو لفها وجمعها، قال: ويروى بالنون.
وفي صفة زرع الجنة: فيبادِرُ الطَّرْفَ نَباتُه واستحصادُه وتَكْوِيرُه
أَي جَمْعُه وإِلقاؤه.
والكِوارَة: خرقة تجعلها المرأَة على رأْسها. ابن سيده: والكِوارَةُ لوث
تَلْتاثه المرأَة على رأْسها بخمارها، وهو ضَرْبٌ من الخِمْرَةِ؛
وأَنشد:عَسْراءُ حينَ تَرَدَّى من تَفَحُّشِها،
وفي كِوارَتِها من بَغْيِها مَيَلُ
وقوله أَنشده الأَصْمَعِيُّ لبعض الأَغْفال:
جافِيَة مَعْوى ملاث الكَوْر
قال ابن سيده: يجوز أَن يعني موضع كَوْرِ العمامة: والكِوارُ
والكِوارَة: شيء يتخذ للنحل من القُضْبان، وهو ضيق الرأْس.
وتَكْوِيرُ الليل والنهار: أَن يُلْحَقَ أَحدُهما بالآخر، وقيل:
تَكْوِيرُ الليل والنهار تَغْشِيَةُ كل واحد منهما صاحبه، وقيل: إِدخال كل واحد
منهما في صاحبه، والمعاني متقاربة؛ وفي الصحاح: وتَكْوِيرُ الليل على
النهار تَغْشيته إِياه، ويقال زيادته في هذا من ذلك. وفي التنزيل العزيز:
يُكَوِّرُ الليلَ على النهار ويُكَوِّرُ النهارَ على الليل؛ أَي يُدْخِلُ
هذا على هذا، وأَصله من تَكْوِيرِ العمامة، وهو لفها وجمعها. وكُوِّرَتِ
الشمسُ: جُمِعَ ضوءُها ولُفَّ كما تُلَفُّ العمامة، وقيل: معنى كُوِّرَتْ
غُوِّرَتْ، وهو بالفارسية« كُورْبِكِرْ» وقال مجاهد: كُوِّرَت اضمحلت
وذهبت. ويقال: كُرْتُ العمامةَ على رأْسي أَكُورُها وكَوَّرْتُها
أُكَوِّرُها إِذا لففتها؛ وقال الأَخفش: تُلَفُّ فَتُمْحَى؛ وقال أَبو عبيدة:
كُوِّرَتْ مثل تَكْوِير العمامة تُلَفُّ فَتُمْحَى، وقال قتادة: كُوِّرَتْ ذهب
ضوءُها، وهو قول الفراء، وقال عكرمة: نُزِعَ ضوءُها، وقال مجاهد:
كُوِّرَتْ دُهْوِرَتْ، وقال الرَّبيعُ بن خَيثَمٍ: كُوِّرَتْ رُميَ بها، ويقال:
دَهْوَرْتُ الحائطَ إِذا طرحته حتى يَسْقُطَ، وحكى الجوهري عن ابن عباس:
كُوِّرَتْ غُوِّرَتْ، وفي الحديث: يُجاءُ بالشمس والقمر ثَوْرَيْنِ
يُكَوَّرانِ في النار يوم القيامة أَي يُلَفَّانِ ويُجْمَعانِ ويُلْقَيانِ
فيها، والرواية ثورين، بالثاء، كأَنهما يُمْسَخانِ؛ قال ابن الأَثير: وقد
روي بالنون، وهو تصحيف.
الجوهري: الكُورَةُ المدينة والصُّقْعُ، والجمع كُوَرٌ. ابن سيده:
والكُورَةُ من البلاد المِخْلافُ، وهي القرية من قُرَى اليمن؛ قال ابن دريد:
لا أَحْسِبُه عربيّاً.
والــكارَــةُ: الحالُ الذي يحمله الرجل على ظهره، وقد كارها كَوْراً
واسْتَــكارَــها. والــكارَــةُ: عِكْمُ الثِّياب، وهو منه، وكارةُ القَصَّار من ذلك،
سميت به لأَنه يُكَوِّر ثيابه في ثوب واحد ويحمِلها فيكون بعضُها على
بعض. وكوّر المتاعَ: أَلقى بعضه على بعض. الجوهري: الــكارةُ ما يُحمل على
الظهر من الثِّياب، وتَكْوِيرُ المتاع: جمعُه وشدّه.
والــكارُ: سُفُن مُنحدِرة فيها طعام في موضع واحد. وضربه فكَوَّره أَي
صرَعه، وكذلك طعنه فكَوّرَه أَي أَلقاه مجتمعاً؛ وأَنشد أَبو عبيدة:
ضَرَبْناه أُمَّ الرَّأْسِ، والنَّقْعُ ساطِعٌ،
فَخَرَّ صَرِيعاً لليَدَيْنِ مُكَوَّرَا
وكَوَّرْته فتكَوَّر أَي سقَط، وقد تكَوَّر هو؛ قال أَبو كبير الهذلي:
مُتَكَوِّرِينَ على المَعارِي، بينهم
ضرْبٌ كتَعْطاطِ المَزادِ الأَثْجَلِ
وقيل: التَّكْوِير الصَّرْع، ضرَبه أَو لم يضربْه. والاكتيارُ: صرعُ
الشيءِ بعضُه على بعضٍ. والاكْتِيار في الصِّراع: أَن يُصرَع بعضه على بعض.
والتَّكَوُّر: التَّقَطُّر والتَّشَمُّر. وكارَ الرجلُ في مشْيته
كَوْراً، واسْتَــكار: أَسْرع. والكِيار: رَفْع الفَرس ذنبه في حُضْره؛ والكَيِّر:
الفرس إِذا فعل ذلك. ابن بزرج: أَــكارَ عليه يضربه، وهما يَتَكايرانِ،
بالياء. وفي حديث المُنافق: يَكِير في هذه مرّة وفي هذه مرّة أَي يجري.
يقال: كارَ الفرسُ يَكِيرُ إِذا جرى رافعاً ذنبه، ويروى يَكْبِنُ. واكْتار
الفرسُ: رفع ذنَبه في عَدْوِه. واكْتارَتِ الناقة: شالت بذنَبها عند
اللِّقاح. قال ابن سيده: وإِنما حملنا ما جُهل من تصرّفه من باب الواو لأَن
الأَلف فيه عين، وانقلاب الأَلف عن العين واواً أَكثر من انقلابها عن
الياء. ويقال: جاء الفرس مُكْتاراً إِذا جاء مادّاً ذنبه تحت عَجُزِه؛ قال
الكميت يصف ثوراً:
كأَنه، من يَدَيْ قِبْطِيَّة، لَهِقاً
بالأَتْحَمِيّة مُكْتارٌ ومُنْتَقِبُ
قالوا: هو من اكْتار الرجلُ اكْتِياراً إِذا تعمَّم. وقال الأَصمعي:
اكْتارَتِ الناقة اكْتِياراً إِذا شالت بذنَبها بعد اللِّقاح. واكْتار الرجل
للرجل اكْتِياراً إِذا تهيأَ لِسبابه. وقال أَبو زيد: أَكَرْت على الرجل
أُكِيرُ كيارةً إِذا استذللته واستضعفته وأَحَلْت عليه إِحالة نحو
مائةٍ.والكُورُ: بناء الزَّنابير؛ وفي الصحاح: موضِع الزَّنابير.
والكُوَّارات: الخَلايا الأَهْلِيَّة؛ عن أَبي حنيفة، قال: وهي الكَوائر أَيضاً على
مثال الكَواعِر؛ قال ابن سيده: وعندي أَن الكَوائر ليس جمع كُوَّارة إِنما
هو جمع كُوَارة، فافهم، والكِوَار والكِوارة: بيت يُتَّخذ من قُضبانٍ
ضيِّقُ الرأْس للنحل تُعَسِّلُ فيه. الجوهري: وكُوَّارة النحل عسلها في
الشمَع. وفي حديث عليّ، عليه السلام: ليس فيما تُخْرِج أَكْوارُ النَّحْل
صدَقة، واحدها كُور، بالضم، وهو بيت النحل والزَّنابير؛ أَراد أَنه ليس في
العسل صدقة.
وكُرْت الأَرض كَوْراً: حفرتُها.
وكُور وكُوَيْرٌ والكَوْر: جبال معروفة؛ قال الراعي:
وفي يَدُومَ، إِذا اغْبَرَّتْ مَناكِبُه،
وذِرْوَةِ الكَوْرِ عن مَرْوانَ مُعْتَزَلُ
ودارَةُ الكَوْر، بفتح الكاف: موضع؛ عن كُراع. والمِكْوَرَّى: القصير
العريض. ورجل مِكْوَرَّى أَي لئيم. والمَكْوَرَّى: الرَّوْثة العظيمة،
وجعلها سيبويه صفة، فسرها السيرافي بأَنه العظيم رَوثَةِ الأَنف، وكسر الميم
فيه لغة، مأْخوذ من كَوَّره إِذا جَمعه، قال: وهو مَفْعَلَّى، بتشديد
اللام، لأَن فَعْلَلَّى لم يَجِئ، وقد يحذف الأَلف فيقال مَِكْوَرٌّ،
والأُنثى في كل ذلك بالهاء؛ قال كراع: ولا نظير له. ورجل مَكْوَرٌّ: فاحش
مكثار؛ عنه، قال: ولا نظير له أَيضاً. ابن حبيب: كَوْرٌ أَرض باليمامة.
حكر: الحَكْرُ: ادِّخارُ الطعام للتَّرَبُّضِ، وصاحبُه مُحْتَكِرٌ. ابن
سيده: الاحْتِــكارُ جمع الطعام ونحوه مما يؤكل واحتباسُه انْتِظارِ وقت
الغَلاء بِه؛ وأَنشد:
نَعَّمَتْها أُم صِدْقٍ بَرَّةٌ،
وأَبٌ يُكْرِمُها غَيْرُ حَكرْ
والحَكَرُ والحُكَرُ جميعاً: ما احْتُكِرَ. ابن شميل: إِنهم
ليَتَحَكَّرونَ في بيعهم ينظرون ويتربصون، وإِنه لحَكِرٌ لا يزال يَحْبِسُ
سِلْعَتَهُ والسُّوقُ مادَّةٌ حتى يبيع بالكثير من شِدَّة حَكْرِه أَي من شدة
احتباسه وتَرَبُّصِه؛ قال: والسوق مادَّة أَي مَلأُى رجالاً وبُيوعاً، وقد
مَدَّتِ السوقُ تَمُدُّ مدّاً. وفي الحديث: من احْتَكَرَ طعاماً فهو كذا؛
أَي اشتراه وحبسه ليَقِلَّ فَيَغْلُوَ، والحُكْرُ والحُكْرَةُ الاسم منه؛
ومنه الحديث: أَنه نهى عن الحُكْرَةِ؛ ومنه حديث عثمان: أَنه كان يشتري
حُكْرَةً أَي جملة؛ وقيل: جِزافاً. وأَصل الحُكْرَةِ: الجمعُ والإِمساك.
وحَكَرَهَ يَحْكِرهُ حَكْراً: ظلمه وتَنَقَّصَه وأَساء معاشرته؛ قال
الأَزهري: الحَكْرُ الظلم والتنقُّضُ وسُوءُ العِشْرَةِ؛ ويقال: فلان
يَحْكِرُ فلاناً إِذا أَدخل عليه مشقةً ومَضَرَّة في مُعاشَرَته ومُعايَشَتِه،
والنَّعْتُ حَكِرٌ، ورجل حَكِرٌ على النَّسَب؛ قال الشاعر وأَورد البيت
المتقدم:
وأَب يكرمها غير حكر
والحَكْرُ: اللَّجاجَةُ. وفي حديث أَبي هريرة قال في الكلاب: إِذا وردت
الحَكَرَ القليلَ فلا تَطعَمُه؛ الحكر، بالتحريك: الماء القليل المجتمع،
وكذلك القليل من الطعام واللبن، وهو فَعَلٌ بمعنى مفعول أَي مجموع، ولا
تطعمه أَي لا تشربه.