من (ق و م) نسبة إلى الــقَيُّوم بمعنى القائم الحافظ لكل شيء وإسم من أسماء الله تعالى.
من (ق و م) نسبة إلى الــقَيُّوم بمعنى القائم الحافظ لكل شيء وإسم من أسماء الله تعالى.
قوم: القيامُ: نقيض الجلوس، قام يَقُومُ قَوْماً وقِياماً وقَوْمة
وقامةً، والقَوْمةُ المرة الواحدة. قال ابن الأَعرابي: قال عبد لرجل أَراد أن
يشتريه: لا تشترني فإني إذا جعت أَبغضت قَوْماً، وإذا شبِعت أَحببت
نَوْماً، أي أَبغضت قياماً من موضعي؛ قال:
قد صُمْتُ رَبِّي، فَتَقَبَّلْ صامتي،
وقُمْتُ لَيْلي، فتقَبَّل قامَتي
أَدْعُوك يا ربِّ من النارِ التي
أَعْدَدْتَ للكُفَّارِ في القِيامةِ
وقال بعضهم: إنما أَراد قَوْمَتي وصَوْمَتي فأَبدل من الواو أَلفاً،
وجاء بهذه الأبيات مؤسَّسة وغير مؤسسة، وأَراد من خوف النار التي أَعددت؛
وأَورد ابن بري هذا الرجز شاهداً على القَوْمة فقال:
قد قمت ليلي، فتقبَّل قَوْمَتي،
وصمت يومي، فتقبَّل صَوْمَتي
ورجل قائم من رجال قُوَّمٍ وقُيَّمٍ وقِيَّمٍ وقُيَّامٍ وقِيَّامٍ.
وقَوْمٌ: قيل هو اسم للجمع، وقيل: جمع. التهذيب: ونساء قُيَّمٌ
وقائمات أَعرف. والقامةُ: جمع قائم؛ عن كراع. قال ابن بري رحمه الله: قد
ترتجل العرب لفظة قام بين يدي الجمل فيصير كاللغو؛ ومعنى القِيام
العَزْمُ كقول العماني الراجز للرشيد عندما همَّ بأَن يعهد إلى ابنه
قاسم:قُل للإمامِ المُقْتَدَى بأَمِّه:
ما قاسِمٌ دُونَ مَدَى ابنِ أُمِّه،
فَقَدْ رَضِيناهُ فَقُمْ فسَمِّه
أي فاعْزِمْ ونُصَّ عليه؛ وكقول النابغة الذبياني:
نُبِّئتُ حِصْناً وحَيّاً مِن بَني أَسَدٍ
قامُوا فقالُوا؛ حِمانا غيرُ مَقْروبِ
أَي عَزَموا فقالوا؛ وكقول حسان بن ثابت:
علاما قامَ يَشْتُمُني لَئِيمٌ،
كخِنْزِيرٍ تَمَرَّغَ في رَمادِ
(* قوله «علاما» ثبتت ألف ما في الإستفهام مجرورة بعلى في الأصل، وعليها
فالجزء موفور وإن كان الأكثر حذفها حينئذ).
معناه علام يعزم على شتمي؛ وكقول الآخر:
لَدَى بابِ هِنْدٍ إذْ تَجَرَّدَ قائما
ومنه قوله تعالى: وإنه لما قامَ عبد الله يدعوه؛ أي لما عزم. وقوله
تعالى: إذ قاموا فقالوا ربُّنا ربُّ السموات والأرض؛ أي عزَموا فقالوا، قال:
وقد يجيء القيام بمعنى المحافظة والإصلاح؛ ومنه قوله تعالى: الرجال
قوّامون على النساء، وقوله تعالى: إلا ما دمت عليه قائماً؛ أي ملازماً
محافظاً. ويجيء القيام بمعنى الوقوف والثبات. يقال للماشي: قف لي أي تحبَّس
مكانَك حتى آتيك، وكذلك قُم لي بمعنى قف لي، وعليه فسروا قوله سبحانه: وإذا
أَظلم عليهم قاموا؛ قال أهل اللغة والتفسير: قاموا هنا بمعنى وقَفُوا
وثبتوا في مكانهم غير متقدّمين ولا متأَخرين، ومنه التَّوَقُّف في الأَمر وهو
الوقُوف عنده من غير مُجاوَزة له؛ ومنه الحديث: المؤمن وَقَّافٌ
متَأَنٍّ، وعلى ذلك قول الأَعشى:
كانت وَصاةٌ وحاجاتٌ لها كَفَفُ،
لَوْ أَنَّ صْحْبَكَ، إذْ نادَيْتَهم، وقَفُوا
أي ثبتوا ولم يتقدَّموا؛ ومنه قول هُدبة يصف فلاة لا يُهتدى فيها:
يَظَلُّ بها الهادي يُقلِّبُ طَرْفَه،
يَعَضُّ على إبْهامِه، وهو واقِفُ
أَي ثابت بمكانه لا يتقدَّم ولا يتأَخر؛ قال: ومنه قول مزاحم:
أَتَعْرِفُ بالغَرَّيْنِ داراً تَأبَّدَتْ،
منَ الحَيِّ، واستَنَّتْ عَليها العَواصِفُ
وقَفْتُ بها لا قاضِياً لي لُبانةً،
ولا أَنا عنْها مُسْتَمِرٌّ فَصارِفُ
قال: فثبت بهذا ما تقدم في تفسير الآية. قال: ومنه قامت الدابة إذا وقفت
عن السير. وقام عندهم الحق أي ثبت ولم يبرح؛ ومنه قولهم: أقام بالمكان
هو بمعنى الثبات. ويقال: قام الماء إذا ثبت متحيراً لا يجد مَنْفَذاً،
وإذا جَمد أيضاً؛ قال: وعليه فسر بيت أبي الطيب:
وكذا الكَريمُ إذا أَقام بِبَلدةٍ،
سالَ النُّضارُ بها وقام الماء
أي ثبت متحيراً جامداً. وقامَت السُّوق إذا نفَقت، ونامت إذا كسدت.
وسُوق قائِمة: نافِقة. وسُوق نائِمة: كاسِدة. وقاوَمْتُه قِواماً: قُمْت معه،
صحَّت الواو في قِوام لصحتها في قاوَم. والقَوْمةُ: ما بين الركعتين من
القِيام. قال أَبو الدُّقَيْش: أُصلي الغَداة قَوْمَتَيْنِ، والمغرب ثلاث
قَوْمات، وكذلك قال في الصلاة.
والمقام: موضع القدمين؛ قال:
هذا مَقامُ قَدَمَي رَباحِ،
غُدْوَةَ حتَّى دَلَكَتْ بَراحِ
ويروى: بِراحِ. والمُقامُ والمُقامةُ: الموضع الذي تُقيم فيه.
والمُقامة، بالضم: الإقامة. والمَقامة، بالفتح: المجلس والجماعة من الناس، قال:
وأما المَقامُ والمُقامُ فقد يكون كل واحد منهما بمعنى الإقامة، وقد يكون
بمعنى موضع القِيام، لأَنك إذا جعلته من قام يَقُوم فمفتوح، وإن جعلته من
قام يُقِيمُ فَمضْموم، فإن الفعل إذا جاوز الثلاثة فالموضع مضموم الميم،
لأَنه مُشَبَّه ببنات الأَربعة نحو دَحْرَجَ وهذا مُدَحْرَجُنا. وقوله
تعالى: لا مقَامَ لكم، أي لا موضع لكم، وقُرئ لا مُقام لكم، بالضم، أي لا
إقامة لكم. وحَسُنت مُستقَرّاً ومُقاماً؛ أَي موضعاً؛ وقول لبيد:
عَفَتِ الدِّيارُ: مَحلُّها فَمُقامُها
بِمنىً، تأَبَّدَ غَوْلُها فَرِجامُها
يعني الإقامة. وقوله عزَّ وجل: كم تركوا من جنات وعيون وزُروع ومَقام
كَريم؛ قيل: المَقامُ الكريم هو المِنْبَر، وقيل: المنزلة الحسَنة. وقامت
المرأَة تَنُوح أَي جعَلت تنوح، وقد يُعْنى به ضدّ القُعود لأَن أكثر
نوائح العرب قِيامٌ؛ قال لبيد:
قُوما تَجُوبانِ مَعَ الأَنْواح
وقوله:
يَوْمُ أَدِيمِ بَقَّةَ الشَّرِيمِ
أَفضَلُ من يومِ احْلِقِي وقُومي
إنما أَراد الشدّة فكنى عنه باحْلِقي وقومي، لأَن المرأَة إذا مات
حَمِيمها أو زوجها أو قُتل حلَقَت رأْسها وقامَت تَنُوح عليه. وقولهم: ضَرَبه
ضَرْبَ ابنةِ اقْعُدي وقُومي أي ضَرْبَ أمة، سميت بذلك لقُعودها وقِيامه
في خدمة مواليها، وكأنَّ هذا جعل اسماً، وإن كان فِعْلاً، لكونه من
عادتها كما قال: إن الله ينهاكم عن قِيلٍ وقالٍ. وأَقامَ بالمكان إقاماً
وإقامةً ومُقاماً وقامةً؛ الأخيرة عن كراع: لَبِثَ. قال ابن سيده: وعندي أن
قامة اسم كالطّاعةِ والطّاقَةِ. التهذيب: أَقَمْتُ إقامةً، فإذا أَضَفْت
حَذَفْت الهاء كقوله تعالى: وإقام الصلاةِ وإيتاء الزكاةِ. الجوهري:
وأَقامَ بالمكان إقامةً، والهاء عوض عن عين الفعل لأَن أصلَه إقْواماً،
وأَقامَه من موضعه. وأقامَ الشيء: أَدامَه، من قوله تعالى: ويُقِيمون الصلاةَ،
وقوله تعالى: وإنَّها لبِسَبيل مُقِيم؛ أراد إن مدينة قوم لوط لبطريق
بيِّن واضح؛ هذا قول الزجاج.
والاسْتِقامةُ: الاعْتدالُ، يقال: اسْتَقامَ له الأمر. وقوله تعالى:
فاسْتَقِيمُوا إليه أي في التَّوَجُّه إليه دون الآلهةِ. وقامَ الشيءُ
واسْتقامَ: اعْتدَل واستوى. وقوله تعالى: إن الذين قالوا ربُّنا الله ثم
اسْتَقاموا؛ معنى قوله اسْتَقامُوا عملوا بطاعته ولَزِموا سُنة نبيه، صلى الله
عليه وسلم. وقال الأَسود بن مالك: ثم استقاموا لم يشركوا به شيئاً، وقال
قتادة: استقاموا على طاعة الله؛ قال كعب بن زهير:
فَهُمْ صَرفُوكم، حينَ جُزْتُمْ عنِ الهُدَى،
بأَسْيافِهِِمْ حَتَّى اسْتَقَمْتُمْ على القِيَمْ
قال: القِيَمُ الاسْتِقامةُ. وفي الحديث: قل آمَنتُ بالله ثم اسْتَقِمْ؛
فسر على وجهين: قيل هو الاسْتقامة على الطاعة، وقيل هو ترك الشِّرك.
أَبو زيد: أَقمْتُ الشيء وقَوَّمْته فَقامَ بمعنى اسْتقام، قال:
والاسْتِقامة اعتدال الشيء واسْتِواؤه. واسْتَقامَ فلان بفلان أي مدَحه وأَثنى عليه.
وقامَ مِيزانُ النهار إذا انْتَصفَ، وقام قائمٌ الظَّهِيرة؛ قال الراجز:
وقامَ مِيزانُ النَّهارِ فاعْتَدَلْ
والقَوامُ: العَدْل؛ قال تعالى: وكان بين ذلك قَواماً؛ وقوله تعالى: إنّ
هذا القرآن يَهْدِي للتي هي أَقْومُ؛ قال الزجاج: معناه للحالة التي هي
أَقْوَمُ الحالاتِ وهي تَوْحِيدُ الله، وشهادةُ أن لا إله إلا الله،
والإيمانُ برُسُله، والعمل بطاعته. وقَوَّمَه هو؛ واستعمل أبو إسحق ذلك في
الشِّعر فقال: استقامَ الشِّعر اتَّزَنَ. وقَوّمَََ دَرْأَه: أَزال
عِوَجَه؛ عن اللحياني، وكذلك أَقامَه؛ قال:
أَقِيمُوا، بَني النُّعْمانِ، عَنَّا صُدُورَكُم،
وإلا تُقِيموا، صاغِرِينَ، الرُّؤوسا
عدَّى أَقِيمُوا بعن لأَن فيه معنى نَحُّوا أَو أَزيلُوا، وأَما قوله:
وإلاَّ تُقِيموا صاغرين الرُّؤوسا فقد يجوز أَن يُعْنى به عُني بأَقِيموا
أي وإلا تُقيموا رؤوسكم عنا صاغرين، فالرُّؤوسُ على هذا مفعول بتُقيموا،
وإن شئت جعلت أَقيموا هنا غير متعدّ بعن فلم يكن هنالك حرف ولاحذف،
والرُّؤوسا حينئذ منصوب على التشبيه بالمفعول.
أَبو الهيثم: القامةُ جماعة الناس. والقامةُ أيضاً: قامةُ الرجل. وقامةُ
الإنسان وقَيْمَتُه وقَوْمَتُه وقُومِيَّتُه وقَوامُه: شَطاطُه؛ قال
العجاج:
أَما تَرَيني اليَوْمَ ذا رَثِيَّهْ،
فَقَدْ أَرُوحُ غيرَ ذي رَذِيَّهْ
صُلْبَ القَناةِ سَلْهَبَ القُومِيَّهْ
وصَرَعَه من قَيْمَتِه وقَوْمَتِه وقامَته بمعنى واحد؛ حكان اللحياني عن
الكسائي. ورجل قَوِيمٌ وقَوَّامٌ: حَسَنُ القامة، وجمعهما قِوامٌ.
وقَوام الرجل: قامته وحُسْنُ طُوله، والقُومِيَّةُ مثله؛ وأنشد ابن بري رجز
العجاج:
أَيامَ كنتَ حسَنَ القُومِيَّهْ،
صلبَ القناة سَلهبَ القَوْسِيَّهْ
والقَوامُ: حُسْنُ الطُّول. يقال: هو حسن القامةِ والقُومِيَّة
والقِمّةِ. الجوهري: وقامةُ الإنسان قد تُجمَع على قاماتٍ وقِيَمٍ مِثْل تاراتٍ
وتِيَر، قال: وهو مقصور قيام ولحقه التغيير لأَجل حرف العلة وفارق رَحَبة
ورِحاباً حيث لم يقولوا رِحَبٌ كما قالوا قِيَمٌ وتِيَرٌ. والقُومِيَّةُ:
القَوام أَو القامةُ. الأَصمعي: فلان حسن القامةِ والقِمّة والقُوميَّة
بمعنى واحد؛ وأَنشد:
فَتَمَّ مِنْ قَوامِها قُومِيّ
ويقال: فلان ذُو قُومِيَّةٍ على ماله وأَمْره. وتقول: هذا الأَمر لا
قُومِيَّة له أي لا قِوامَ له. والقُومُ: القصدُ؛ قال رؤبة:
واتَّخَذَ الشَّد لهنَّ قُوما
وقاوَمَه في المُصارَعة وغيرها. وتقاوموا في الحرب أي قام بعضهم لبعض.
وقِوامُ الأمر، بالكسر: نِظامُه وعِماده. أَبو عبيدة: هو قِوامُ أهل
بيته وقِيامُ أهل بيته، وهو الذي يُقيم شأْنهم من قوله تعالى: ولا تُؤتوا
السُّفهاء أَموالكم التي جَعل الله لكم قِياماً. وقال الزجاج: قرئت جعل
الله لكم قِياماً وقِيَماً. ويقال: هذا قِوامُ الأَمر ومِلاكُه الذي يَقوم
به؛ قال لبيد:
أَفَتِلْكَ أمْ وَحْشِيّةٌ مَسْبُوعَةٌ
خُذِلَتْ، وهادِيةُ الصِّوارِ قوامُها؟
قال: وقد يفتح، ومعنى الآية أي التي جعلَها الله لكم قِياماً تُقِيمكم
فتَقُومون بها قِياماً، ومن قرأَ قِيَماً فهو راجع إلى هذا، والمعنى جعلها
الله قِيمةَ الأَشياء فبها تَقُوم أُمورُكم؛ وقال الفراء: التي جعل الله
لكم قِياماً يعني التي بها تَقُومون قياماً وقِواماً، وقرأَ نافع المدني
قيَماً، قال: والمعنى واحد.
ودِينارٌ قائم إذا كان مثقالاً سَواء لا يَرْجح، وهو عند الصيارفة ناقص
حتى يَرْجَح بشيء فيسمى مَيّالاً، والجمع قُوَّمٌ وقِيَّمٌ. وقَوَّمَ
السِّلْعة واسْتَقامها: قَدَّرها. وفي حديث عبد الله بن عباس: إذا
اسْتَقَمْت بنَقْد فبِعْتَ بنقد فلا بأْس به، وإذا اسْتَقَمْت بنقد فبعته
بِنَسيئة فلا خير فيه فهو مكروه؛ قال أَبو عبيد: قوله إذا استقمت يعني
قوَّمت، وهذا كلام أهل مكة، يقولون: اسَتَقَمْتُ المَتاع أي قَوَّمْته، وهما
بمعنى، قال: ومعنى الحديث أن يدفَعَ الرجلُ إلى الرجل الثوب فيقوّمه مثلاً
بثلاثين درهماً، ثم يقول: بعه فما زاد عليها فلك، فإن باعه بأكثر من
ثلاثين بالنقد فهو جائز، ويأْخذ ما زاد على الثلاثين، وإن باعه بالنسيئة
بأَكثر مما يبيعه بالنقد فالبيع مردود ولا يجوز؛ قال أَبو عبيد: وهذا عند من
يقول بالرأْي لا يجوز لأَنها إجارة مجهولة، وهي عندنا معلومة جائزة،
لأَنه إذا وَقَّت له وَقْتاً فما كان وراء ذلك من قليل أو كثير فالوقت يأْتي
عليه، قال: وقال سفيان بن عيينة بعدما روى هذا الحديث يَسْتَقِيمه بعشرة
نقداً فيبيعه بخمسة عشر نسيئة، فيقول: أُعْطِي صاحب الثوب من عندي عشرة
فتكون الخمسة عشر لي، فهذا الذي كره. قال إسحق: قلت لأَحمد قول ابن عباس
إذا استقمت بنقد فبعت بنقد، الحديث، قال: لأنه يتعجل شيئاً ويذهب عَناؤه
باطلاً، قال إسحق: كما قال قلت فما المستقيم؟ قال: الرجل يدفع إلى الرجل
الثوب فيقول بعه بكذا، فما ازْدَدْتَ فهو لك، قلت: فمن يدفع الثوب إلى
الرجل فيقول بعه بكذا فما زاد فهو لك؟ قال: لا بأْس، قال إسحق كما قال.
والقِيمةُ: واحدة القِيَم، وأَصله الواو لأَنه يقوم مقام الشيء.
والقيمة: ثمن الشيء بالتَّقْوِيم. تقول: تَقاوَمُوه فيما بينهم، وإذا انْقادَ
الشيء واستمرّت طريقته فقد استقام لوجه. ويقال: كم قامت ناقتُك أي كم بلغت.
وقد قامَتِ الأمةُ مائة دينار أي بلغ قيمتها مائة دينار، وكم قامَتْ
أَمَتُك أي بلغت. والاستقامة: التقويم، لقول أهل مكة استقَمْتُ المتاع أي
قوَّمته. وفي الحديث: قالوا يا رسول الله لو قوَّمْتَ لنا، فقال: الله هو
المُقَوِّم، أي لو سَعَّرْت لنا، وهو من قيمة الشيء، أي حَدَّدْت لنا
قيمتها. ويقال: قامت بفلان دابته إذا كلَّتْ وأَعْيَتْ فلم تَسِر. وقامت
الدابة: وَقَفَت. وفي الحديث: حين قام قائمُ الظهيرة أي قيام الشمس وقت
الزوال من قولهم قامت به دابته أي وقفت، والمعنى أن الشمس إذا بلغت وسَط
السماء أَبْطأَت حركةُ الظل إلى أن تزول، فيحسب الناظر المتأَمل أنها قد وقفت
وهي سائرة لكن سيراً لا يظهر له أثر سريع كما يظهر قبل الزوال وبعده،
ويقال لذلك الوقوف المشاهد: قام قائم الظهيرة، والقائمُ قائمُ الظهيرة.
ويقال: قام ميزان النهار فهو قائم أي اعْتَدَل. ابن سيده: وقام قائم الظهيرة
إذا قامت الشمس وعقَلَ الظلُّ، وهو من القيام. وعَيْنٌ قائمة: ذهب بصرها
وحدَقَتها صحيحة سالمة. والقائم بالدِّين: المُسْتَمْسِك به الثابت عليه.
وفي الحديث: إنَّ حكيم بن حِزام قال: بايعت رسول الله، صلى الله عليه
وسلم، أن لا أخِرَّ إلا قائماً؛ قال له النبي، صلى الله عليه وسلم: أمّا من
قِبَلِنا فلا تَخِرُّ إلا قائماً أي لسنا ندعوك ولا نبايعك إلا قائماً
أي على الحق؛ قال أبو عبيد: معناه بايعت أن لا أموت إلا ثابتاً على
الإسلام والتمسُّك به. وكلُّ من ثبت على شيء وتمسك به فهو قائم عليه. وقال
تعالى: ليْسُوا سَواء من أهل الكتاب أُمَّةٌ قائمةٌ؛ إنما هو من المُواظبة
على الدين والقيام به؛ الفراء: القائم المتمسك بدينه، ثم ذكر هذا الحديث.
وقال الفراء: أُمَّة قائمة أي متمسكة بدينها. وقوله عز وجل: لا يُؤَدِّه
إليك إلا ما دُمت عليه قائماً؛ أي مُواظِباً مُلازِماً، ومنه قيل في
الكلام للخليفة: هو القائِمُ بالأمر، وكذلك فلان قائِمٌ
بكذا إذا كان حافظاً له متمسكاً به. قال ابن بري: والقائِمُ على الشيء
الثابت عليه، وعليه قوله تعالى: من أهل الكتاب أُمةٌ قائمةٌ؛ أي مواظِبة
على الدين ثابتة. يقال: قام فلان على الشيء إذا ثبت عليه وتمسك به؛ ومنه
الحديث: اسْتَقِيموا لقُريش ما اسْتَقامُوا لكم، فإنْ لم يَفْعَلوا
فضَعُوا سيُوفَكم على عَواتِقكم فأَبِيدُوا خضْراءهم، أي دُوموا لهم في الطاعة
واثْبُتوا عليها ما داموا على الدين وثبتوا على الإسلام. يقال: قامَ
واسْتَقامَ كما يقال أَجابَ واسْتجابَ؛ قال الخطابي: الخَوارِج ومن يَرى
رأْيهم يتأَوَّلونه على الخُروج على الأَئمة ويحملون قوله ما اسْتقاموا لكم
على العدل في السِّيرة، وإنما الاستقامة ههنا الإقامة على الإسلام، ودليله
في حديث آخر: سيَلِيكم أُمَراءُ تَقْشَعِرُّ منهم الجلود وتَشْمَئِزُّ
منهم القلوب، قالوا: يا رسول الله، أَفلا تُقاتلهم؟ قال: لا ما أَقاموا
الصلاة، وحديثه الآخر: الأَئمة من قريش أَبرارُها أُمَراءُ أَبرارِها
وفُجَّارُها أُمَراءُ فُجَّارِها؛ ومنه الحديث: لو لم تَكِلْه لقامَ لكم أي
دام وثبت، والحديث الآخر: لو تَرَكَتْه ما زال قائماً، والحديث الآخر: ما
زال يُقِيمُ لها أُدْمَها. وقائِمُ السيف: مَقْبِضُه، وما سوى ذلك فهو
قائمة نحو قائمةِ الخِوان والسرير والدابة. وقَوائِم الخِوان ونحوها: ما
قامت عليه. الجوهري: قائمُ السيف وقائمتُه مَقْبِضه. والقائمةُ: واحدة قوائم
الدَّوابّ. وقوائم الدابة: أربَعُها، وقد يستعار ذلك في الإنسان؛ وقول
الفرزدق يصف السيوف:
إذا هِيَ شِيمتْ فالقوائِمُ تَحْتها،
وإنْ لمْ تُشَمْ يَوْماً علَتْها القَوائِمُ
أَراد سُلَّت. والقوائم: مقَابِض السيوف.
والقُوام: داءٌ يأْخذ الغنم في قوائمها تقوم منه. ابن السكيت: ما فَعل
قُوام كان يَعتري هذه الدابة، بالضم، إذا كان يقوم فلا يَنْبَعث. الكسائي:
القُوام داءٌ يأْخذ الشاة في قوائمها تقوم منه؛ وقَوَّمت الغنم: أَصابها
ذلك فقامت. وقامُوا بهم: جاؤوهم بأَعْدادهم وأَقرانِهم وأَطاقوهم. وفلان
لا يقوم بهذا الأمر أي لا يُطِيق عليه، وإذا لم يُطِق الإنسان شيئاً
قيل: ما قام به. الليث: القامةُ مِقدار كهيئة رجل يبني على شَفِير البئر
يوضع عليه عود البَكْرة، والجمع القِيم، وكذلك كل شيء فوق سطح ونحوه فهو
قامة؛ قال الأَزهري: الذي قاله الليث في تفسير القامة غير صحيح، والقامة عند
العرب البكرة التي يستقى بها الماء من البئر، وروي عن أبي زيد أنه قال:
النَّعامة الخشبة المعترضة على زُرْنُوقي البئر ثم تعلق القامة، وهي
البَكْرة من النعامة. ابن سيده: والقامةُ البكرة يُستقَى عليها، وقيل: البكرة
وما عليها بأَداتِها، وقيل: هي جُملة أَعْوادها؛ قال الشاعر:
لَمّا رأَيْتُ أَنَّها لا قامهْ،
وأَنَّني مُوفٍ على السَّآمَهْ،
نزَعْتُ نَزْعاً زَعْزَعَ الدِّعامهْ
والجمع قِيَمٌ مثل تارةٍ وتِيَرٍ، وقامٌ؛ قال الطِّرِمّاح:
ومشَى تُشْبِهُ أَقْرابُه
ثَوْبَ سْحْلٍ فوقَ أَعوادِ قامِ
وقال الراجز:
يا سَعْدُ غَمَّ الماءَ وِرْدٌ يَدْهَمُه،
يَوْمَ تَلاقى شاؤُه ونَعَمُهْ،
واخْتَلَفَتْ أَمْراسُه وقِيَمُهْ
وقال ابن بري في قول الشاعر:
لَمّا رأَيت أَنها لا قامه
قال: قال أَبو عليّ ذهب ثعلب إلى أَن قامة في البيت جمع قائِم مثل بائِع
وباعةٍ، كأَنه أَراد لا قائمين على هذا الحوض يَسْقُون منه، قال: ومثله
فيما ذهب إليه الأَصمعي:
وقامَتي رَبِيعةُ بنُ كَعْبِ،
حَسبُكَ أَخلاقُهمُ وحَسْبي
أي رَبِيعة قائمون بأَمري؛ قال: وقال عديّ بن زيد:
وإنِّي لابنُ ساداتٍ
كِرامٍ عنهمُ سُدْتُ
وإنِّي لابنُ قاماتٍ
كِرامٍ عنهمُ قُمْتُ
أَراد بالقاماتِ الذين يقومون بالأُمور والأَحداث؛ ومما يشهد بصحة قول
ثعلب أن القامة جمع قائم لا البكرة قوله:
نزعت نزعاً زعزع الدِّعامه
والدِّعامة إنما تكون للبكرة، فإن لم تكن بكْرَةٌ
فلا دعامة ولا زعزعةَ لها؛ قال ابن بري: وشاهد القامة للبكرة قول
الراجز:إنْ تَسْلَمِ القامةُ والمَنِينُ،
تُمْسِ وكلُّ حائِمٍ عَطُونُ
وقال قيس بن ثُمامة الأرْحبي في قامٍ جمع قامةِ البئر:
قَوْداءَ تَرْمَدُّ مِنْ غَمْزي لها مَرَطَى،
كأَن هادَيها قامٌ على بِيرِ
والمِقْوَم: الخَشَبة التي يُمْسكها الحرّاث. وقوله في الحديث: إنه
أَذِنَ في قَطْع المسَدِ والقائمَتينِ من شجر الحَرَم، يريد قائمتي الرَّحْل
اللتين تكون في مُقَدَّمِه ومُؤَخَّره.
وقَيِّمُ الأمر: مُقِيمهُ. وأمرٌ
قَيِّمٌ: مُسْتقِيم. وفي الحديث: أتاني مَلَك فقال: أَنت قُثَمٌ
وخُلُقُكَ قَيِّم أي مُسْتَقِيم حسَن. وفي الحديث: ذلك الدين القَيِّمُ أي
المستقيم الذي لا زَيْغ فيه ولا مَيْل عن الحق. وقوله تعالى: فيها كُتب
قيِّمة؛ أَي مستقيمة تُبيّن الحقّ من الباطل على اسْتِواء وبُرْهان؛ عن الزجاج.
وقوله تعالى: وذلك دِين القَيِّمة؛ أَي دين الأُمةِ القيّمة بالحق،
ويجوز أَن يكن دين المِلة المستقيمة؛ قال الجوهري: إنما أَنثه لأَنه أَراد
المِلة الحنيفية. والقَيِّمُ: السيّد وسائسُ الأَمر. وقَيِّمُ القَوْم:
الذي يُقَوِّمُهم ويَسُوس أَمرهم. وفي الحديث: ما أَفْلَحَ قَوْمٌ
قَيِّمَتُهُم امرأة. وقَيِّمُ المرأَةِ: زوجها في بعض اللغات. وقال أَبو
الفتح ابن جني في كتابه الموسوم بالمُغْرِب. يروى أَن جاريتين من بني
جعفر بن كلاب تزوجتا أَخوين من بني أَبي بكر ابن كلاب فلم تَرْضَياهما
فقالت إحداهما:
أَلا يا ابْنَةَ الأَخْيار مِن آلِ جَعْفَرٍ
لقد ساقَنا منْ حَيِّنا هَجْمَتاهُما
أُسَيْوِدُ مِثْلُ الهِرِّ لا دَرَّ دَرُّه
وآخَرُ مِثْلُ القِرْدِ لا حَبَّذا هُما
يَشِينانِ وجْهَ الأَرْضِ إنْ يَمْشِيا بِها،
ونَخْزَى إذَا ما قِيلَ: مَنْ قَيِّماهُما؟
قَيِّماهما: بَعْلاهُما، ثنت الهَجّمتين لأَنها أَرادت القِطْعَتَين أَو
القَطيعَيْنِ. وفي الحديث: حتى يكون لخمسين امرأَة قَيِّمٌ واحد؛
قَيِّمُ المرأَةِ: زوجها لأَنه يَقُوم بأَمرها وما تحتاج إليه. وقام بأَمر كذا.
وقام الرجلُ على المرأَة: مانَها. وإنه لَقَوّام علهيا: مائنٌ لها. وفي
التنزيل العزيز: الرجالُ قَوَّامون على النساء؛ وليس يراد ههنا، والله
أَعلم، القِيام الذي هو المُثُولُ والتَّنَصُّب وضدّ القُعود، إنما هو من
قولهم قمت بأَمرك، فكأنه، والله أَعلم، الرجال مُتكفِّلون بأُمور النساء
مَعْنِيُّون بشؤونهن، وكذلك قوله تعالى: يا أَيها الذين آمنوا إذا قُمتم
إلى الصلاة؛ أَي إذا هَمَمْتم بالصلاة وتَوَجّهْتم إليها بالعِناية وكنتم
غير متطهرين فافعلوا كذا، لا بدّ من هذا الشرط لأَن كل من كان على طُهر
وأَراد الصلاة لم يلزمه غَسْل شيء من أعضائه، لا مرتَّباً ولا مُخيراً
فيه، فيصير هذا كقوله: وإن كنتم جُنُباً فاطَّهروا؛ وقال هذا، أَعني قوله
إذا قمتم إلى الصلاة فافعلوا كذا، وهو يريد إذا قمتم ولستم على طهارة، فحذف
ذلك للدلالة عليه، وهو أَحد الاختصارات التي في القرآن وهو كثير جدّاً؛
ومنه قول طرفة:
إذا مُتُّ فانْعِينِي بما أَنا أَهْلُه،
وشُقِّي عَلَيَّ الجَيْبَ، يا ابنةَ مَعْبَدِ
تأْويله: فإن مت قبلك، لا بدّ أَن يكون الكلام مَعْقوداً على هذا لأَنه
معلوم أَنه لا يكلفها نَعْيَه والبُكاء عليه بعد موتها، إذ التكليفُ لا
يصح إلا مع القدرة، والميت لا قدرة فيه بل لا حَياة عنده، وهذا واضح.
وأَقامَ الصلاة إقامةً وإقاماً؛ فإقامةً
على العوض، وإقاماً بغير عوض. وفي التنزيل: وإقامَ الصلاة. ومن كلام
العرب: ما أَدري أَأَذَّنَ أَو أَقامَ؛ يعنون أَنهم لم يَعْتَدّوا أَذانَه
أَذانَاً ولا إقامَته إقامةً، لأَنه لم يُوفِّ ذلك حقَّه، فلما وَنَى فيه
لم يُثبت له شيئاً منه إذ قالوها بأَو، ولو قالوها بأَم لأَثبتوا أَحدهما
لا محالة. وقالوا: قَيِّم المسجد وقَيِّمُ الحَمَّام. قال ثعلب: قال ابن
ماسَوَيْهِ ينبغي للرجل أَن يكون في الشتاء كقَيِّم الحَمَّام، وأَما
الصيف فهو حَمَّام كله وجمع قَيِّم عند كراع قامة. قال ابن سيده: وعندي أَن
قامة إنما هو جمع قائم على ما يكثر في هذا الضرب.
والمِلَّة القَيِّمة: المُعتدلة، والأُمّة القَيِّمة كذلك. وفي التنزيل:
وذلك دين القَيّمة؛ أي الأُمَّة القيمة. وقال أَبو العباس والمبرد: ههنا
مضمرٍ، أَراد ذلك دِينُ الملَّةِ القيمة، فهو نعت مضمرٍ محذوفٌ محذوقٌ؛
وقال الفراء: هذا مما أُضيف إلى نفسه لاختلاف لفظيه؛ قال الأَزهري:
والقول ما قالا، وقيل: أباء في القَيِّمة للمبالغة، ودين قَيِّمٌ كذلك. وفي
التنزيل العزيز: ديناً قِيَماً مِلَّةَ إبراهيم. وقال اللحياني وقد قُرئ
ديناً قَيِّماً أي مستقيماً. قال أَبو إسحق: القَيِّمُ هو المُسْتَقيم،
والقِيَمُ: مصدر كالصِّغَر والكِبَر إلا أَنه لم يُقل قِوَمٌ مثل قوله: لا
يبغون عنها حِوَلاً؛ لأَن قِيَماً من قولك قام قِيَماً، وقامَ كان في
الأصل قَوَمَ أَو قَوُمَ، فصار قام فاعتل قِيَم، وأَما حِوَلٌ
فهو على أَنه جار على غير فِعْل؛ وقال الزجاج: قِيَماً مصدر كالصغر
والكبر، وكذلك دين قَوِيم وقِوامٌ.
ويقال: رمح قَوِيمٌ وقَوامٌ قَوِيمٌ
أَى مستقيم؛ وأَنشد ابن بري لكعب بن زهير:
فَهُمْ ضَرَبُوكُم حِينَ جُرْتم عن الهُدَى
بأَسْيافهم، حتَّى اسْتَقَمْتُمْ على القِيَمْ
(* قوله «ضربوكم حين جرتم» تقدم في هذه المادة تبعاً للأصل: صرفوكم حين
جزتم، ولعله مروي بهما).
وقال حسان:
وأَشْهَدُ أَنَّكَ، عِنْد المَلِيـ
ـكِ، أُرْسلْتَ حَقّاً بِدِينٍ قِيَمْ
قال: إلا أنّ القِيَمَ مصدر بمعنى الإستقامة. والله تعالى الــقَيُّوم
والقَيَّامُ. ابن الأَعرابي: الــقَيُّوم والقيّام والمُدبِّر واحد. وقال
الزجاج: الــقيُّوم والقيَّام في صفة الله تعالى وأَسمائه الحسنى القائم بتدبير
أَمر خَلقه في إنشائهم ورَزْقهم وعلمه بأَمْكِنتهم. قال الله تعالى: وما
من دابّة في الأَرض إلا على الله رِزْقُها ويَعلَم مُسْتَقَرَّها
ومُسْتَوْدَعها. وقال الفراء: صورة الــقَيُّوم من الفِعل الفَيْعُول، وصورة
القَيَّام الفَيْعال، وهما جميعاً مدح، قال: وأَهل الحجاز أَكثر شيء قولاً
للفَيْعال من ذوات الثلاثة مثل الصَّوَّاغ، يقولون الصَّيَّاغ. وقال الفراء
في القَيِّم: هو من الفعل فَعِيل، أَصله قَوِيم، وكذلك سَيّد سَوِيد
وجَيِّد جَوِيد بوزن ظَرِيف وكَرِيم، وكان يلزمهم أَن يجعلوا الواو أَلفاً
لانفتاح ما قبلها ثم يسقطوها لسكونها وسكون التي بعدها، فلما فعلوا ذلك
صارت سَيْد على فَعْل، فزادوا ياء على الياء ليكمل بناء الحرف؛ وقال
سيبويه: قَيِّم وزنه فَيْعِل وأَصله قَيْوِم، فلما اجتمعت الياء والواو والسابق
ساكن أَبدلوا من الواو ياء وأَدغموا فيها الياء التي قبلها، فصارتا ياء
مشدّدة، وكذلك قال في سيّد وجيّد وميّت وهيّن وليّن. قال الفراء: ليس في
أَبنية العرب فَيْعِل، والحَيّ كان في الأَصل حَيْواً، فلما إجتمعت الياء
والواو والسابق ساكن جعلتا ياء مشدّدة. وقال مجاهد: الــقَيُّوم القائم
على كل شيء، وقال قتادة: الــقيوم القائم على خلقه بآجالهم وأَعمالهم
وأَرزاقهم. وقال الكلبي: الــقَيُّومُ الذي لا بَدِيء له. وقال أَبو عبيدة: الــقيوم
القائم على الأشياء. الجوهري: وقرأَ عمر الحيُّ القَيّام، وهو لغة،
والحيّ الــقيوم أَي القائم بأَمر خلقه في إنشائهم ورزقهم وعلمه بمُسْتَقرِّهم
ومستودعهم. وفي حديث الدعاء: ولكَ الحمد أَنت قَيّام السمواتِ والأَرض،
وفي رواية: قَيِّم، وفي أُخرى: قَيُّوم، وهي من أبنية المبالغة، ومعناها
القَيّام بأُمور الخلق وتدبير العالم في جميع أَحواله، وأَصلها من الواو
قَيْوامٌ وقَيْوَمٌ وقَيْوُومٌ، بوزن فَيْعالٍ وفَيْعَلٍ وفَيْعُول.
والــقَيُّومُ: من أَسماء الله المعدودة، وهو القائم بنفسه مطلقاً لا بغيره، وهو
مع ذلك يقوم به كل موجود حتى لا يُتَصوَّر وجود شيء ولا دوام وجوده إلا
به.
والقِوامُ من العيش
(* قوله «والقوام من العيش» ضبط القوام في الأصل
بالكسر واقتصر عليه في المصباح، ونصه: والقوام، بالكسر، ما يقيم الإنسان من
القوت، وقال أيضاً في عماد الأمر وملاكه أنه بالفتح والكسر، وقال صاحب
القاموس: القوام كسحاب ما يعايش به، وبالكسر، نظام الأمر وعماده): ما
يُقيمك. وفي حديث المسألة: أَو لذي فَقْرٍ مُدْقِع حتى يُصِيب قِواماً من عيش
أَي ما يقوم بحاجته الضرورية. وقِوامُ العيش: عماده الذي يقوم به.
وقِوامُ الجِسم: تمامه. وقِوام كل شيء: ما استقام به؛ قال العجاج:
رأْسُ قِوامِ الدِّينِ وابنُ رَأْس
وإِذا أَصاب البردُ شجراً أَو نبتاً فأَهلك بعضاً وبقي بعض قيل: منها
هامِد ومنها قائم. الجوهري: وقَوَّمت الشيء، فهو قَويم أي مستقيم، وقولهم
ما أَقوَمه شاذ، قال ابن بري: يعني كان قياسه أَن يقال فيه ما أَشدَّ
تَقْويمه لأَن تقويمه زائد على الثلاثة، وإنما جاز ذلك لقولهم قَويم، كما
قالوا ما أَشدَّه وما أَفقَره وهو من اشتدّ وافتقر لقولهم شديد وفقير.
قال: ويقال ما زِلت أُقاوِمُ فلاناً في هذا الأَمر أي أُنازِله. وفي
الحديث: مَن جالَسه أَو قاوَمه في حاجة صابَره. قال ابن الأَثير: قاوَمَه
فاعَله من القِيام أَي إذا قامَ معه ليقضي حاجتَه صبَر عليه إلى أن
يقضِيها.وفي الحديث: تَسْويةُ الصفّ من إقامة الصلاة أي من تمامها وكمالها، قال:
فأَمّا قوله قد قامت الصلاة فمعناه قامَ أَهلُها أَو حان قِيامهم. وفي
حديث عمر: في العين القائمة ثُلُث الدية؛ هي الباقية في موضعها صحيحة
وإنما ذهب نظرُها وإبصارُها. وفي حديث أَبي الدرداء: رُبَّ قائمٍ مَشكورٌ له
ونائمٍ مَغْفورٌ له أَي رُبَّ مُتَجَهِّد يَستغفر لأَخيه النائم فيُشكر
له فِعله ويُغفر للنائم بدعائه. وفلان أَقوَمُ كلاماً من فلان أَي أَعدَلُ
كلاماً.
والقَوْمُ: الجماعة من الرجال والنساء جميعاً، وقيل: هو للرجال خاصة دون
النساء، ويُقوِّي ذلك قوله تعالى: لا يَسْخَر قَوم من قوم عسى أَن
يكونوا خيراً منهم ولا نساء من نساء عسى أَن يَكُنَّ خيراً منهن؛ أَي رجال من
رجال ولا نساء من نِساء، فلو كانت النساء من القوم لم يقل ولا نساء من
نساء؛ وكذلك قول زهير:
وما أَدرِي، وسوفَ إخالُ أَدري،
أَقَوْمٌ آلُ حِصْنٍ أَمْ نِساء؟
وقَوْمُ كل رجل: شِيعته وعشيرته. وروي عن أَبي العباس: النَّفَرُ
والقَوْم والرَّهط هؤُلاء معناهم الجمع لا واحد لهم من لفظهم للرجال دون
النساء. وفي الحديث: إن نَسَّاني الشيطان شيئاً من هلاتي فليُسبِّح القومُ
وليُصَفِّقِ النساء؛ قال ابن الأَثير: القوم في الأصل مصدر قام ثم غلب على
الرجال دون النساء، ولذلك قابلن به، وسموا بذلك لأَنهم قوّامون على النساء
بالأُمور التي ليس للنساء أَن يقمن بها. الجوهري: القوم الرجال دون
النساء لا واحد له من لفظه، قال: وربما دخل النساء فيه على سبيل التبع لأَن
قوم كل نبي رجال ونساء، والقوم يذكر ويؤَنث، لأَن أَسماء الجموع التي لا
واحد لها من لفظها إذا كانت للآدميين تذكر وتؤنث مثل رهط ونفر وقوم، قال
تعالى: وكذَّبَ به قومك، فذكَّر، وقال تعالى: كذَّبتْ قومُ نوح، فأَنَّث؛
قال: فإن صَغَّرْتَ لم تدخل فيها الهاء وقلت قُوَيْم ورُهَيْط ونُفَير،
وإنما يلحَقُ التأْنيثُ فعله، ويدخل الهاء فيما يكون لغير الآدميين مثل
الإبل والغنم لأَن التأنيث لازم له، وأَما جمع التكسير مثل جمال ومساجد،
وإن ذكر وأُنث، فإنما تريد الجمع إذا ذكرت، وتريد الجماعة إذا أَنثت. ابن
سيده: وقوله تعالى: كذَّبت قوم نوح المرسلين، إِنما أَنت على معنى كذبت
جماعة قوم نوح، وقال المرسلين، وإن كانوا كذبوا نوحاً وحده، لأَن من كذب
رسولاً واحداً من رسل الله فقد كذب الجماعة وخالفها، لأَن كل رسول يأْمر
بتصديق جميع الرسل، وجائز أَن يكون كذبت جماعة الرسل، وحكى ثعلب: أَن العرب
تقول يا أَيها القوم كفُّوا عنا وكُفّ عنا، على اللفظ وعلى المعنى. وقال
مرة: المخاطب واحد، والمعنى الجمع، والجمع أَقْوام وأََقاوِم وأقايِم؛
كلاهما على الحذف؛ قال أَبو صخر الهذلي أَنشده يعقوب:
فإنْ يَعْذِرِ القَلبُ العَشِيَّةَ في الصِّبا
فُؤادَكَ، لا يَعْذِرْكَ فيه الأَقاوِمُ
ويروى: الأقايِمُ، وعنى بالقلب العقل؛ وأَنشد ابن بري لخُزَز بن
لَوْذان:مَنْ مُبْلغٌ عَمْرَو بنَ لأ
يٍ، حَيْثُ كانَ مِن الأَقاوِمْ
وقوله تعالى: فقد وكلنا بها قوماً ليسوا بها بكافرين؛ قال الزجاج: قيل
عنى بالقوم هنا الأَنبياء، عليهم السلام، الذين جرى ذكرهم، آمنوا بما أَتى
به النبي، صلى الله عليه وسلم، في وقت مَبْعثهم؛ وقيل: عنى به من آمن من
أَصحاب النبي، صلى الله عليه وسلم، وأَتباعه، وقيل: يُعنى به الملائكة
فجعل القوم من الملائكة كما جعل النفر من الجن حين قال عز وجل: قل أُوحي
إليّ أَنه استمع نفر من الجن، وقوله تعالى: يَسْتَبْدِلْ قوماً غيركم؛ قال
الزجاج: جاء في التفسير: إن تولى العِبادُ استبدل الله بهم الملائكة،
وجاء: إن تَوَلَّى أهلُ مكة استبدل الله بهم أهل المدينة، وجاء أيضاً:
يَسْتَبْدِل قوماً غيركم من أهل فارس، وقيل: المعنى إن تتولوا يستبدل قوماً
أَطْوَعَ له منكم. قال ابن بري: ويقال قوم من الجنّ وناسٌ من الجنّ
وقَوْمٌمن الملائكة؛ قال أُمية:
وفيها مِنْ عبادِ اللهِ قَوْمٌ،
مَلائِكُ ذُلُِّلوا، وهُمُ صِعابُ
والمَقامُ والمَقامة: المجلس. ومَقامات الناس: مَجالِسُهم؛ قال العباس
بن مرداس أَنشده ابن بري:
فأَيِّي ما وأَيُّكَ كان شَرّاً
فَقِيدَ إلى المَقامةِ لا يَراها
ويقال للجماعة يجتمعون في مَجْلِسٍ: مَقامة؛ ومنه قول لبيد:
ومَقامةٍ غُلْبِ الرِّقابِ كأَنَّهم
جِنٌّ، لدَى بابِ الحَصِيرِ، قِيامُ
الحَصِير: المَلِك ههنا، والجمع مَقامات؛ أَنشد ابن بري لزهير:
وفيهِمْ مَقاماتٌ حِسانٌ وجُوهُهُمْ،
وأَنْدِيةٌ يَنْتابُها القَوْلُ والفِعْلُ
ومَقاماتُ الناسِ: مَجالِسهم أيضاً. والمَقامة والمَقام: الموضع الذي
تَقُوم فيه. والمَقامةُ: السّادةُ.
وكل ما أَوْجَعَك من جسَدِك فقد قامَ بك. أَبو زيد في نوادره: قامَ بي
ظَهْري أَي أَوْجَعَني، وقامَت بي عيناي.
ويومُ القِيامة: يومُ البَعْث؛ وفي التهذيب: القِيامة يوم البعث يَقُوم
فيه الخَلْق بين يدي الحيّ الــقيوم. وفي الحديث ذكر يوم القِيامة في غير
موضع، قيل: أَصله مصدر قام الخَلق من قُبورهم قِيامة، وقيل: هو تعريب
قِيَمْثَا
(* قوله «تعريب قيمثا» كذا ضبط في نسخة صحيحة من النهاية، وفي أخرى
بفتح القاف والميم وسكون المثناة بينهما. ووقع في التهذيب بدل المثلثة
ياء مثناة ولم يضبط)، وهو بالسريانية بهذا المعنى. ابن سيده: ويوم
القِيامة يوم الجمعة؛ ومنه قول كعب: أَتَظْلِم رجُلاً يوم القيامة؟
ومَضَتْ قُِوَيْمةٌ من الليلِ أَي ساعةٌ
أَو قِطْعة، ولم يَجِدْه أَبو عبيد، وكذلك مضَى قُوَيْمٌ
من الليلِ، بغير هاء، أَي وَقْت غيرُ محدود.
عنت: العَنَتُ: دُخُولُ المَشَقَّةِ على الإِنسان، ولقاءُ الشدَّةِ؛
يقال: أَعْنَتَ فلانٌ فلاناً إِعناتاً إِذا أَدْخَل عليه عَنَتاً أَي
مَشَقَّةً. وفي الحديث: الباغُونَ البُرَآءَ العَنَتَ؛ قال ابن الأَثير:
العَنَتُ المَشَقَّةُ، والفساد، والهلاكُ، والإِثم، والغَلَطُ، والخَطَأُ،
والزنا: كلُّ ذلك قد جاء، وأُطْلِقَ العَنَتُ عليه، والحديثُ يَحْتَمِلُ
كلَّها؛ والبُرَآء جمع بَريءٍ، وهو والعَنَتُ منصوبان مفعولان للباغين؛ يقال:
بَغَيْتُ فلاناً خيراً، وبَغَيْتُك الشيءَ: طلبتُه لك، وبَغَيتُ الشيءَ:
طَلَبْتُه؛ ومنه الحديث: فيُعنِتُوا عليكم دينَكم أَي يُدْخِلوا عليكم
الضَّرَر في دينكم؛ والحديث الآخر: حتى تُعْنِتَه أَي تشُقَّ عليه.
وفي الحديث: أَيُّما طَبيب تَطَبَّبَ، ولم يَعْرفْ بالطِّبِّ فأَعْنَتَ،
فهو ضامِنٌ؛ أَي أَضَرَّ المريضَ وأَفسده.
وأَعْنَتَه وتَعَنَّته تَعَنُّتاً: سأَله عن شيء أَراد به اللَّبْسَ
عليه والمَشَقَّةَ. وفي حديث عمر: أَرَدْتَ أَن تُعْنِتَني أَي تَطْلُبَ
عَنَتِي، وتُسْقِطَني.
والعَنَتُ. الهَلاكُ.
وأَعْنَتَه أَوْقَعَه في الهَلَكة؛ وقوله عز وجل: واعْلَمُوا أَن فيكم
رسولَ الله، لو يُطِيعُكم في كثير من الأَمرِ لَعَنِتُّم؛ أَي لو أَطاعَ
مثلَ المُخْبِرِ الذي أَخْبَره بما لا أَصلَ له، وقد كانَ سَعَى بقوم من
العرب إِلى النبي، صلى الله عليه وسلم، أَمنهم ارْتَدُّوا، لوقَعْتُم في
عَنَتٍ أَي في فَساد وهلاك. وهو قول الله، عز وجل: يا أَيها الذين آمنوا،
إِنْ جاءكم فاسقٌ بنَبإٍ فَتَبَيَنُوا أَن تُصِيبُوا قوماً بجهالة،
فتُصْبِحوا على ما فَعَلْتُم نادمين، واعْلَمُوا أَن فيكم رسولَ الله، لو
يُطيعُكم في كثير من الأَمر لَعَنِتُّم. وفي التنزيل: ولو شاء اللهُ
لأَعْنَتَكم؛ معناه: لو شاء لَشَدَّد عليكم، وتَعَبَّدكم بما يَصْعُبُ عليكم
أَداؤُه، كما فَعَل بمن كان قَبْلَكُمْ. وقد يُوضَع العَنَتُ موضعَ الهَلاكِ،
فيجوز أَن يكون معناه: لو شاء اللهُ لأَعْنَتَكُم أَي لأَهْلَككم
بحُكْمٍ يكون فيه غيرَ ظَالم.
قال ابن الأَنباري: أَصلُ التَّعَنُّتِ التشديد، فإِذا قالت العربُ:
فلان يتعَنَّتُ فلاناً ويُعْنِتُه، فمرادهم يُشَدِّدُ عليه، ويُلزِمُه بما
يَصعُب عليه أَداؤُه؛ قال: ثم نُقِلَتْ إِلى معنى الهلاك، والأَصل ما
وَصَفْنا.
قال ابن الأَعرابي: الإِعْناتُ تَكْلِيفُ غيرِ الطاقةِ. والعَنَت:
الزنا. وفي التنزيل: ذلك لمن خَشِيَ العَنَتَ منكم؛ يعني الفُجُورَ والزنا؛
وقال الأَزهري: نزلت هذه الآية فيمن لم يَسْتَطِع طَوْلاً أَي فَضْلَ مالٍ
يَنْكِحُ به حُرَّةً، فله أَن يَنْكِحَ أَمَةً؛ ثم قال: ذلك لمن خَشِي
العَنَتَ منكم، وهذا يُوجِبُ أَن من لم يَخْشَ العَنَتَ،ولم يجد طَوْلاً
لحُرَّة، أَنه لا يحل له أَن ينكح أَمة؛ قال: واخْتَلَفَ الناسُ في تفسير
هذه الآية؛ فقال بعضهم: معناه ذلك لمن خاف أَن يَحْمِلَه شدّةُ الشَّبَق
والغُلْمةِ على الزنا، فيَلْقى العذابَ العظيم في الآخرة، والحَدَّ في
الدنيا، وقال بعضهم: معناه أَن يَعْشِقَ أَمَةً؛ وليس في الآية ذِكْرُ
عِشْقٍ، ولكنّ ذا العِشْقِ يَلْقَى عَنَتاً؛ وقال أَبو العباس محمد بن يزيد
الثُّمَاليّ: العَنَتُ، ههنا، الهلاك؛ وقيل: الهلاك في الزنا؛ وأَنشد:
أُحاولُ إِعْنَاتي بما قالَ أَو رَجا
أَراد: أُحاولُ إِهلاكي.
وروى المُنْذِرِيُّ عن أَبي الهَيْثَم أَنه قال: العَنَتُ في كلام العرب
الجَوْرُ والإِثم والأَذى؛ قال: فقلت له التَّعَنُّتُ من هذا؟ قال: نعم؛
يقال: تَعَنَّتَ فلانٌ فلاناً إِذا أَدخَلَ عليه الأَذى؛ وقال أَبو
إِسحق الزجاج: العَنَتُ في اللغة المَشَقَّة الشديدة، والعَنَتُ الوُقوع في
أَمرٍ شاقٍّ، وقد عَنِتَ، وأَعْنَتَه غيرهُ؛ قال الأَزهري: هذا الذي قاله
أَبو إِسحق صحيح، فإِذا شَقَّ على الرجل العُزْبة، وغَلَبَتْه الغُلْمَة،
ولم يجد ما يتزوّج به حُرَّة، فله أَن ينكح أَمة، لأَِنَّ غَلَبَة
الشهْوَة، واجتماعَ الماء في الصُّلْب، ربما أَدَّى إِلى العلَّة الصَّعبة،
والله أَعلم؛ قال الجوهري:العَنَتُ الإِثم؛ وقد عَنِتَ الرجلُ. قال تعالى:
عزيزٌ عليه ما عَنِتُّم؛ قال الأَزهري: معناه عزيز عليه عَنَتُكم، وهو
لقاءُ الشِّدَّة والمَشَقَّة؛ وقال بعضهم: معناه عزيز أَي شديدٌ ما
أَعْنَتَكم أَي أَوْرَدَكم العَنَتَ والمَشَقَّة.
ويقال: أَكَمةٌ عَنُوتٌ طويلةٌ شاقَّةُ المَصْعَد، وهي العُنْتُوتُ
أَيضاً؛ قال الأَزهري: والعَنَتُ الكسرُ، وقد عَنِتَتْ يَدُه أَو رجْلُه أَي
انْكَسرتْ، وكذلك كلُّ عَظْم؛ قال الشاعر:
فَداوِ بها أَضْلاعَ جَنْبَيْكَ بَعْدما
عَنِتنَ، وأَعْيَتْكَ الجَبائرُ مِنْ عَلُ
ويقال: عَنِتَ العظمُ عَنَتاً، فهو عَنِتٌ: وَهَى وانكسر؛ قال رؤْبة:
فأَرْغَمَ اللهُ الأُنُوفَ الرُّغَّما:
مَجْدُوعَها،والعَنِتَ المُخَشَّما
وقال الليث: الوَثْءُ ليس بعَنَتٍ؛ لا يكون العَنَتُ إِلاَّ الكَسْرَ؛
والوَثْءُ الضَّرْبُ حتى يَرْهَصَ الجِلدَ واللحمَ، ويَصِلَ الضربُ إِلى
العظم، من غير أَن ينكسر.
ويقال: أَعْنَتَ الجابرُ الكَسِيرَ إِذا لم يَرْفُقْ به، فزاد الكَسْرَ
فَساداً، وكذلك راكبُ الدابة إِذا حَمَلَه على ما لا يَحْتَمِلُه من
العُنْفِ حتى يَظْلَع، فقد أَعْنَته، وقد عَنِتَت الدابةُ. وجملةُ العَنَت:
الضَّرَرُ الشاقُّ المُؤْذي. وفي حديث الزهريّ: في رجل أَنْعَلَ دابَّةً
فَعَنِتَتْ؛ هكذا جاء في رواية، أَي عَرِجَتْ؛ وسماه عَنَتاً لأَنه ضَرَرٌ
وفَساد. والرواية: فَعَتِبَتْ، بتاء فوقها نقطتان، ثم باء تحتها نقطة،
قال القتيبي: والأَوَّلُ أَحَبُّ الوجهين إِليَّ. ويقال للعظم المجبور
إِذا أَصابه شيء فَهاضَه: قد أَعْنَتَه، فهو عَنِتٌ ومُعْنِتٌ. قال
الأَزهري: معناه أَنه يَهِيضُه، وهو كَسْرٌ بعدَ انْجِبارٍ، وذلك أَشَدُّ من
الكَسر الأَوّلِ.
وعَنِتَ عَنَتاً: اكتسب مَأْثَماً.
وجاءَني فلانٌ مُتَعَنِّتاً إِذا جاءَ يَطْلُب زَلَّتَكَ.
والعُنْتُوتُ: جُبَيْلٌ مُسْتَدِقٌّ في السماء، وقيل: دُوَيْنَ
الحَرَّة؛ قال:
أَدْرَكْتُها تَأْفِرُ دونَ العُنْتُوتْ،
تِلْكَ الهَلُوكُ والخَريعُ السُّلْحُوتْ
الأَفْرُ: سَيْرٌ سريع. والعُنْتُوتُ: الحَزّ في القَوْس؛ قال الأَزهري:
عُنْتُوتُ القَوْس هو الحزُّ الذي تُدْخَلُ فيه الغانةُ، والغانةُ:
حَلْقةُ رأْس الوتر.
عسقل: العَسْقَلة: مكانٌ فيه صَلابةٌ وحجارةٌ بيضٌ. والعَسْقَلُ
والعُسْقُولُ والعُسْقولَة، كُلُّه: ضَرْبٌ من الكَمْأَة بِيضٌ تُشَبَّهُ في
لونها بتلك الحجارة، وقيل: هي الكَمْأَةُ التي بين البياضِ والحُمْرة، وقيل:
هو أَكبر من الفِقْع وأَشدُّ بياضاً واستِرْخاءً؛ وقال الأَصمعي: هي
العَساقيل؛ قال وأَنشد أَبو زيد:
ولقد جَنَيْتُكَ أَكْمُؤاً وعَساقِلاً،
ولقد نَهَيْتُكَ عن بَناتِ الأَوْبَرِ
الأَزهري: القَعْبَلُ الفُطْرُ وهو العَسْقَل. والعَسْقَلُ والعَسْقَلة
والعَسقُول، كُلُّه: تَلمُّعُ السَّراب وتَرَيُّعُه، وقيل: عَساقِيلُ
السّرابِ قِطَعُه لا واحد لها؛ قال كعب بن زهير:
عَيْرانةٌ كأَتان الضَّحْل ناجِيةٌ،
إِذا تَرَقَّصَ بالقُورِ العَساقِيلُ
قال ابن بري: الذي في شعر كعب بن زهير:
كأَنَّ أَوْبَ ذِراعَيْها، إِذا عَرِقَتْ،
وقد تَلَفَّعَّ بالقُورِ العَساقِيلُ
والقُور: الرُّبى، أَي قد تَغَشَّاها السَّرابُ وغَطَّاها، قال: وهذا من
المقلوب لأَن القُورَ هي التي تَلَفَّعَت بالعَساقيل؛ وعَساقِل: جمع
عَسْقَلة، وعَساقيل: جمع عُسْقُول؛ وقال ابن سيده: أَراد: وقد تَلَفَّعَتْ
القُورُ بالعَساقيل، فَقَلب، وقيل: العساقيل والعَساقِل السَّرابُ جُعِلا
اسماً لواحد كما قالوا حَضاجِر. قال الأَزهري: وقِطَعُ السَّراب عساقِل؛
قال رؤبة:
جَرَّدَ منها جُدَداً عَساقِلا،
تَجْرِيدَكَ المَصْقُولةَ السَّلائِلا
يعني المِسْحَل جَرَّدَ أُتُناً أَنْسَلَتْ شَعرَها فَخَرجَتْ جُدداً
بيضاً كأَنَّها عَساقِلُ السَّراب. ويقال: ضَرَب عَسْقَلانه، وهو أَعلى
رأْسه. الجوهري: العَساقِيلُ ضَرْبٌ من الكَمْأَة وهي الكَمْأَة الكِبار
البِيضُ يقال لها شَحْمة الأَرض؛ وأَنشد الجوهري:
وأَغْبَر فِلٍّ مُنِيفِ الرُّبى،
عليه العَساقِيلُ مِثلُ الشَّحَم
ويقال في الواحد عَسْقَلة وعُسْقُول؛ قال الراجز:
عَساقِلٌ وجَبَأٌ فيها قَضَض
وعَسْقَلانُ: مدينة وهي عَرُوس الشَّام. وعَسْقَلان: سُوقٌ تَحُجُّه
النصارى في كل سنة؛ أَنشد ثعلب:
كأَنَّ الوُحُوش به عَسْقَلا
نُ، صادَفَ في قَرْنِ حَجٍّ دِيافا
شَبَّه ذلك المكانَ لكثرة الوُحوش بسُوقِ عَسْقَلان. وقال الأَزهري:
عَسْقَلان من أَجناد الشام.
عنا: قال الله تعالى: وعَنَتِ الوُجُوهُ للْحَيِّ الــقَيُّوم. قال الفراء:
عَنَتِ الوُجوهُ نَصِبَتْ له وعَمِلتْ له، وذكر أَيضاً أَنه وضْعُ
المُسْلِمِ يَدَيْه وجَبْهَته وركْبَتَيْه إِذا سَجَد ورَكَع، وهو في معنى
العَرَبيَّة أَن تقول للرجل: عَنَوْتُ لَكَ خَضَعْت لك وأَطَعْتُك، وعَنَوْتُ
للْحَقِّ عُنُوّاً خَضَعْت. قال ابن سيده: وقيل: كلُّ خاضِعٍ لِحَقٍّ
أَو غيرِه عانٍ، والاسم من كلّ ذلك العَنْوة.
والعَنْوة: القَهْرُ. وأَخَذْتُه عَنْوةً أَي قَسْراً وقَهْراً، من باب
أَتَيْته عَدْواً. قال ابن سيده: ولا يَطَّرِدُ عندَ سيبويه، وقيل:
أَخَذَه عَنْوة أَي عن طَاعَة وعن غيرِ طاعَةٍ. وفُتِحَتْ هذه البلدةُ عَنْوةً
أَي فُتِحَت بالقتال، قُوتِل أَهلُها حتى غُلِبوا عليها، وفُتِحَت
البلدةُ الأُخرى صُلْحاً أَي لم يُغْلبوا، ولكن صُولِحُوا على خَرْج يؤدُّنه.
وفي حديث الفتح: أَنه دَخَل مَكَّة عَنْوَةً أَي قَهْراً وغَلَبةً. قال
ابن الأَثير: هو من عَنا يَعْنُو إِذا ذلَّ وخَضَع، والعَنْوَة المَرَّة
منه، كأَنَّ المأْخُوذَ بها يَخْضَع ويَذلُّ. وأُخِذَتِ البلادُ عَنْوَةً
بالقَهْرِ والإِذْلالِ. ابن الأَعرابي: عَنا يَعْنُو إِذا أَخَذَ الشيءَ
قَهْراً. وعَنَا يَعْنُو عَنْوَةً فيهما إِذا أَخَذَ الشيءَ صُلْحاً
بإكْرام ورِفْقٍ. والعَنْوة أَيضاً: الموَدَّة. قال الأَزهري: قولهم أَخَذْتُ
الشيءَ عَنْوةً يكون غَلَبَةً، ويكون عن تَسْلِيمٍ وطاعة ممن يؤْخَذُ
منه الشيء؛ وأَنشد الفراء لكُثَيِّر:
فما أَخَذُوها عَنْوةً عن مَوَدَّة،
ولكِنَّ ضَرْبَ المَشْرَفيِّ اسْتَقالهَا
فهذا على معنى التَّسْلِيم والطَّاعَة بلا قِتالٍ. وقال الأَخْفش في
قوله تعالى: وْعَنَتِ الوُجوهُ؛ اسْتَأْسَرَتْ. قال: والعاني الأَسِيرُ.
وقال أَبو الهيثم: العاني الخاضِعُ، والعاني العَبْدُ، والعاني السائِلُ من
ماءٍ أَوْ دَمٍ. يقال: عَنَت القِرْبة تَعْنُو إِذا سالَ ماؤُها، وفي
المحكم: وعَنَتِ القِرْبَةُ بماءٍ كَثِيرٍ تَعْنُو، لم تَحْفَظْه فظهر؛ قال
المُتَنَخِّل الهُذَلي:
تَعْنُو بمَخْرُوتٍ له ناضحٌ،
ذُو رَيِّقٍ يَغْذُو، وذُو شَلْشَل
ويروى: قاطِر بدَلَ ناضِحٍ. قال شمر: تعْنُو تَسِيلُ بمَخْرُوتٍ أَي من
شَقّ مَخْرُوتٍ، والخَرْتُ: الشَّقُّ في الشِّنَّة، والمَخْرُوتُ:
المَشْقُوقُ، رَوَّاه ذُو شَلْشَلٍ. قال الأَزهري: معناه ذو قَطَرانٍ من
الواشن، وهو القاطِرُ، ويروى: ذو رَوْنَقٍ. ودَمٌ عانٍ: سائِلٌ؛ قال:
لمَّا رأَتْ أُمُّه بالبابِ مُهْرَتَه،
على يَدَيْها دَمٌ من رَأْسِه عانِ
وعَنَوْت فيهم وعَنَيْت عُنُوّاً وعَناءً: صرتُ أَسيراً. وأَعْنَيْته:
أَسَرْته. وقال أَبو الهيثم: العَناء الحَبْس في شدة وذُلٍّ. يقال: عَنا
الرجُلُ يَعْنُو عُنُوّاً وعَناءً إِذا ذلَّ لك واسْتَأْسَرَ. قال:
وعَنَّيْتُه أُعَنّيه تَعْنِيَةً إِذا أَسَرْتَه وحَبَسْته مُضَيِّقاً عليه.
وفي الحديث: اتَّقُوا اللهَ في النِّساء فإِنَّهُنَّ عندكم عَوانٍ أَي أَسْرى
أَو كالأَسْرَى، واحدة العَواني عانِيَةٌ، وهي الأَسيرة؛ يقول: إنما
هُنَّ عندكم بمنزلة الأَسْرى. قال ابن سيده: والعَواني النساءُ لأَنَّهُنَّ
يُظْلَمْنَ فلا يَنْتَصِرْنَ. وفي حديث المِقْدامِ: الخالُ وارِثُ منْ لا
وارِثَ له يَفُكُّ عانَه أَي عانِيَه، فحذَف الياء، وفي رواية: يَفُكُّ
عُنِيَّه، بضم العين وتشديد الياء. يقال: عَنَا يَعْنُو عُنُوّاً
وعُنِيّاً، ومعنى الأَسر في هذا الحديث ما يَلْزَمهُ ويتعلق به بسبب الجنايات
التي سَبيلُها أَن يَتَحَمَّلَها العاقلَة، هذا عند من يُوَرِّث الخالَ،
ومن لا يُوَرِّثه يكونُ معناه أَنها طُعْمَة يُطْعَمُها الخالُ لا أَن يكون
وارثاً، ورجلٌ عانٍ وقوم عُناة ونِسْوَةٌ عَوانٍ؛ ومنه قول النبي، صلى
الله عليه وسلم: عُودُوا المَرْضى وفُكُّوا العانيَ، يعني الأسيرَ. وفي
حديث آخر: أَطْعِموا الجائِعَ وفُكُّوا العانيَ، قال: ولا أُراه مأْخُوذاً
إِلا من الذُّلِّ والخُضُوع. وكلُّ مَن ذَلَّ واسْتَكان وخَضَع فقد
عَنَا، والاسم منه العَنْوَة؛ قال القُطاميّ:
ونَأَتْ بحاجَتِنا، ورُبَّتَ عَنْوَةٍ
لكَ مِنْ مَواعِدِها التي لم تَصْدُقِ
الليث: يقال للأَسِير عَنَا يَعْنُو وعَنِيَ يَعْنى، قال: وإِذا قلت
أَعْنُوه فمعناه أَبْقُوه في الإِسار. قال الجوهري: يقال عَنى فيهم فلانٌ
أَسيراً أَي أَقامَ فيهم على إِسارِه واحْتَبسَ. وعَنَّاه غيرُه تَعْنِيةً:
حَبَسه. والتَّعْنِية: الحَبس؛ قال أَبو ذؤيب:
مُشَعْشَعة من أَذْرِعاتٍ هَوَتْ بها
رِكابٌ، وعَنَّتْها الزِّقاقُ وَقارُها
وقال ساعدة بن جُؤيَّة:
فإن يَكُ عَتَّابٌ أَصابَ بِسَهْمِه
حَشاه، فعَنَّاه الجَوَى والمَحارِفُ
دَعا عليه بالحَبْسِ والثِّقَلِ من الجِراحِ. وفي حديث عليّ، كرم الله
وجهه: أَنه كان يُحَرِّضُ أَصحابَه يومَ صِفِّينَ ويقولُ: اسْتَشْعِرُوا
الخَشْيَةَ وعَنُّوا بالأَصْواتِ أَي احْبِسُوها وأَخْفُوها. من التَّعْنِية
الحَبْسِ والأَسْرِ، كأَنه نَهاهُمْ عن اللَّغَط ورفْعِ الأَصواتِ.
والأَعْناء: الأَخْلاطُ من الناس خاصَّة، وقيل: من الناس وغيرهم،
واحدُها عِنْوٌ.
وعَنَى فيه الأَكْلُ يَعْنَى، شاذَّةٌ: نَجَعَ؛ لم يَحكِها غيرُ أَبي
عبيد. قال ابن سيده: حكمنا علَيها أَنَّها يائيَّة لأَنَّ انْقِلاب الأَلف
لاماً عن الياء أَكثرُ من انقلابها عن الواو. الفراء: ما يَعْنَى فيه
الأَكْلُ أَي ما يَنْجَعُ، عَنَى يَعْنَى. الفراء: شَرِبَ اللبنَ شهراً فلم
يَعْنَ فيه، كقولك لم يُغْنِ عنه شيئاً، وقد عَنِيَ يَعْنَى عُنِيّاً،
بكسر النون من عَنِيَ. ومن أَمثالهم: عَنِيَّتُه تَشْفِي الجَرب؛ يضرب
مثلاً للرجل إِذا كان جَيِّد الرأْي، وأَصل العَنِيَّة، فيما روى أَبو عبيد،
أَبوالُ الإِبل يؤخذ معها أَخلاط فتخلط ثم تُحْبس زماناً في الشمس ثم
تعالج بها الإِبل الجَرْبَى، سُمِّيت عَنِيَّةً من التَّعْنِيَة وهو الحبس.
قال ابن سيده: والعَنِيَّة على فَعيلَةٍ. والتَّعْنِية: أَخلاطٌ من
بَعَرٍ وبَوْلٍ يُحْبَس مُدَّة ثم يُطْلى به البعير الجَرِبُ؛ قال أَوْسُ بن
حجر:
كأَنَّ كُحَيلاً مُعْقَداً أَو عَنِيَّةً،
على رَجْعِ ذِفْراها، من الليِّتِ، واكِفُ
وقيل: العَنِيَّة أَبوالُ الإِبلِ تُسْتَبالُ في الربيع حين تَجْزَأُ عن
الماءِ، ثم تُطْبَخ حتى تَخْثُر، ثم يُلْقَى عليها من زَهْرِ ضُروبِ
العُشْبِ وحبِّ المَحْلَبِ فتُعْقدُ بذلك ثم تُجْعلُ في بساتِيقَ صغارٍ،
وقيل: هو البول يُؤخذُ وأَشْياءَ معه فيُخْلَط ويُحْبَس زمناً، وقيل: هو
البَوْلُ يوضَعُ في الشمس حتى يَخْثُر، وقيل: العَنِيَّة الهِناءُ ما كان،
وكله من الخَلْط والحَبْسِ. وعَنَّيت البعير تَعْنية: طَلَيْته
بالعَنِيَّة؛ عن اللحياني أَيضاً. والعَنِيَّة: أَبوالٌ يُطْبَخ معها شيءٌ من
الشجرِ ثم يُهْنَأُ به البعيرُ، واحِدُها عِنْو. وفي حديث الشَّعبي: لأَنْ
أَتَعَنَّى بعَنِيَّةٍ أَحَبُّ إِليَّ من أَن أَقولَ في مسأَلة بِرَأْيي؛
العَنِيَّة: بولٌ فيه أَخلاطٌ تُطْلَى به الإِبل الجَرْبَى، والتَّعَنِّي
التَّطَلِّي بها، سميت عَنِيَّة لطول الحَبسِ؛ قال الشاعر:
عندي دَواءُ الأَجْرَبِ المُعَبَّدِ،
عنِيَّةٌ من قَطِرانٍ مُعْقَدِ
وقال ذو الرمة:
كأَنَّ بذِفْراها عَنِيَّةَ مُجْربٍ،
لها وَشَلٌ في قُنْفُذِ اللَِّيت يَنْتَح
والقُنْفُذُ: ما يَعْرَقُ خَلْف أُذُن البعيرِ. وأَعْناءُ السماءِ:
نواحيها، الواحدُ عِنْوٌ. وأَعْناءُ الوجه: جوانِبُه؛ عن ابن الأَعرابي؛
وأَنشد:
فما بَرِحتْ تَقْرِِيه أَعناءَ وَجْهِها
وجَبْهَتها، حتى ثَنَته قُرونُها
ابن الأَعرابي: الأَعناء النَّواحي، واحدُها عَناً، وهي الأَعْنان
أَيضاً؛ قال ابن مقبل:
لا تُحْرِز المَرْء أَعْناءُ البلادِ ولا
تُبْنَى له، في السمواتِ، السَّلالِيمُ
ويروى: أَحجاء. وأَورد الأَزهري هنا حديث النبي، صلى الله عليه وسلم:
أَنه سئل عن الإِبل فقال أعْنانُ الشياطِين؛ أَراد أَنها مثلُها، كأَنه
أَراد أَنها من نَواحِي الشياطين. وقال اللحياني: يقال فيها أَعْناءٌ من
الناس وأَعْراءٌ من الناس، واحدهما عِنْوٌ وعِرْوٌ أَي جماعات. وقال أَحمد
بن يحيى: بها أَعْناءٌ من الناس وأَفْناءٌ أَي أَخلاط، الواحد عِنْوٌ
وفِنْوٌ، وهم قومٌ من قبَائِلَ شَتَّى. وقال الأَصمعي: أَعْناءُ الشيء
جَوانِبُه، واحدها عِنْوٌ، بالكسر. وعنَوْت الشيءَ: أَبْدَيْته. وعَنَوْت به
وعَنَوْته: أَخْرَجْته وأَظْهَرْته، وأَعْنَى الغَيْثُ النَّباتَ كذلك؛ قال
عَدِيُّ بنُ زيد:
ويَأْكُلْنَ ما أَعْنَى الوَلِيُّ فلم يَلِتْ،
كأَنَّ بِحافاتِ النِّهاءِ المَزارِعَا
فَلم يَلِتْ أَي فلم يَنْقُصْ منه شيئاً؛ قال ابن سيده: هذه الكلمة
واوِيَّة وبائِيَّة. وأَعْناه المَطَرُ: أَنبَته. ولَمْ تَعْنِ بلادُنا
العامَ بشيء أَي لم تُنْبِتْ شيئاً، والواو لغة. الأَزهري: يقال للأَرض لم
تَعْنُ بشيء أَي لم تُنْبِت شيئاً، ولم تَعْنِ بشيء، والمعنى واحد كما يقال
حَثَوْت عليه التراب وحَثَيْت. وقال الأَصمعي: سأَلته فلم يَعْنُ لي
بشيء، كقولك: لم يَنْدَ لي بشيء ولم يَبِضَّ لي بشيء. وما أَعْنَتِ الأَرضُ
شيئاً أَي ما أَنْبَتَت؛ وقال ابن بري في قول عدي:
ويَأْكُلْنَ ما أَعْنَى الوَلِيُّ
قال: حذف الضمير العائد على ما أَي ما أَعْناهُ الوَلِيُّ، وهو فعل
منقول بالهمز، وقد يَتَعدَّى بالباء فيقال: عَنَتْ به في معنى أَعْنَتْهُ؛
وعليه قول ذي الرمة:
مما عَنَتْ به
وسنذكره عقبها. وعَنَت الأَرضُ بالنباتِ تَعْنُو عُنُوّاً وتَعْني
أَيضاً وأَعْنَتْهُ: أَظْهَرَتْه. وْعَنَوْت الشيءَ: أَخرجته؛ قال ذو
الرمة:ولم يَبْقَ بالخَلْصاءِ، مِمَّا عَنَتْ به
مِن الرُّطْبِ، إِلاَّ يُبْسُها وهَجِيرُها
وأَنشد بيت المُتَنَخِّل الهُذَلي:
تَعْنُو بمَخْرُوتٍ له ناضِحٌ
وعَنَا النَّبْتُ يَعْنُو إِذا ظهر، وأَعْناهُ المَطَرُ إِعْناءً. وعَنا
الماءُ إِذا سالَ، وأَعْنَى الرجلُ إِذا صادَف أَرضاً قد أَمْشَرَتْ
وكَثُرَ كَلَؤُها. ويقال: خُذْ هذا وما عاناه أَي ما شاكَلَه. وعَنَا الكلبُ
للشيء يَعْنُو: أَتاهُ فشَمَّه. ابن الأَعرابي: هذا يَعْنُو هذا أَي
يأْتيه فيَشَمُّه. والهُمُومُ تُعاني فلاناً أَي تأْتيه؛ وأَنشد:
وإِذا تُعانِيني الهُمُومُ قَرَيْتُها
سُرُحَ اليَدَيْنِ، تُخالِس الخَطَرانا
ابن الأَعرابي: عَنَيْت بأَمره عِناية وعُنِيّاً وعَناني أَمره سواءٌ في
المعنى؛ ومنه قولهم:
إِيَّاكِ أَعْني؛ واسْمَعي يا جارَهْ
ويقال: عَنِيتُ وتعَنَّيْت، كلٌّ يقال. ابن الأَعرابي: عَنَا عليه
الأَمرُ أَي شَقَّ عليه؛ وأَنشد قول مُزَرِّد:
وشَقَّ على امْرِئٍ، وعَنا عليه
تَكاليفُ الذي لَنْ يَسْتَطِيعا
ويقال: عُنِيَ بالشيء، فهو مَعْنِيٌّ به، وأَعْنَيْته وعَنَّيْتُه بمعنى
واحد؛ وأَنشد:
ولم أَخْلُ في قَفْرٍ ولم أُوفِ مَرْبَأً
يَفاعاً، ولم أُعنِ المَطِيَّ النَّواجِيا
وعَنَّيْتُه: حَبَسْتُه حَبْساً طويلاً، وكل حَبْسٍ طويل تَعْنِيَةٌ؛
ومنه قول الوليد بن عقبة:
قَطَعْتَ الدَّهْرَ، كالسَّدِمِ المُعَنَّى،
تُهَدِّرُ في دِمَشْقَ، وما تَريمُ
قال الجوهري: وقيل إن المُعَنَّى في هذا البيت فَحْلٌ لَئيمٌ إِذا هاج
حُبِسَ في العُنَّة، لأَنه يُرغبُ عن فِحْلتِه، ويقال: أَصلُه معَنَّن
فأُبدِلت من إِحدى النونات ياءٌ. قال ابن سيده: والمُعَنَّى فَحْلٌ مُقْرِفٌ
يُقَمَّط إِذا هاج لأَنه يُرغب عن فِحْلتِه. ويقال: لَقِيتُ من فلان
عَنْيةً وعَنَاءً أَي تَعَباً. وعَناهُ الأَمرُ يَعْنيه عِنايةً وعُنِيّاً:
أَهَمَّه. وقوله تعالى: لكلِّ امْرئٍ منهم يَوْمئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيه،
وقرئ يعْنيه، فمن قرأَ يعْنيه، بالعين المهملة، فمعناه له شأْن لا
يُهِمُّه معه غيرهُ، وكذلك شأْن يُغنِيه أَي لا يقدر مع الاهتمام به على
الاهتمام بغيره. وقال أَبو تراب: يقال ما أَعْنى شيئاً وما أَغنى شيئاً بمعنى
واحد.
واعْتَنى هو بأَمره: اهْتَمَّ. وعُنِيَ بالأَمر عنايةً، ولا يقال ما
أَعْناني بالأَمر، لأَن الصيغة موضوعة لما لم يُسَمَّ فاعله، وصيغة التعجب
إنما هي لما سُمِّي فاعله. وجلس أَبو عثمان إِلى أَبي عبيدة فجاءه رجل
فسأَله فقال له: كيف تأْمر من قولنا عُنِيتُ بحاجتك؟ فقال له أَبو عبيدة:
أُعْنَ بحاجتي، فأَوْمأْتُ إِلى الرجل أَنْ ليس كذلك، فلما خَلَوْنا قلت
له: إِنما يقال لِتُعْنَ بحاجتي، قال: فقال لي أَبو عبيدة لا تدخُلْ إِليّ،
قلت: لِمَ؟ قال: لأَنك كنت مع رجل دوري سَرَقَ مني عامَ أَولَ قطِيفةً
لي، فقلت: لا والله ما الأَمر كذلك، ولكنَّك سمعتني أَقول ما سمعت، أَو
كلاماً هذا معناه. وحكى ابن الأَعرابي وحده: عَنِيتُ بأَمره، بصيغة الفاعل،
عنايةً وعُنِيّاً فأَنا به عَنٍ، وعُنِيتُ بأَمرك فأَنا مَعْنِيٌّ،
وعَنِيتُ بأَمرك فأَنا عانٍ. وقال الفراء: يقال هو مَعْنِيٌّ بأَمره وعانٍ
بأَمره وعَنٍ بأَمره بمعنى واحد. قال ابن بري: إِذا قلت عُنِيتُ بحاجتك،
فعدَّيتُه بالباء، كان الفعلُ مضمومَ الأَولِ، فإِذا عَدَّيتَه بفي فالوجه
فتحُ العين فتقول عَنِيت؛ قال الشاعر:
إِذا لمْ تَكُنْ في حاجةِ المَرءِ عانِياً
نَسِيتَ، ولمْ يَنْفَعْكَ عَقدُ الرَّتائمِ
وقال بعض أَهل اللغة: لا يقال عُنِيتُ بحاجتك إِلا على مَعْنى
قصَدْتُها،من قولك عَنَيْتُ الشيء أَعنِيه إِذا كنت قاصِداً له، فأَمَّا من
العَناء، وهو العِنايةُ، فبالفتح نحوُ عَنَيتُ بكذا وعَنَيت في كذا. وقال
البطليوسي: أَجاز ابن الأَعرابي عَنِيتُ بالشيء أَعنَى به، فأَنا عانٍ؛
وأَنشد:عانٍ بأُخراها طَويلُ الشُّغْلِ،
له جَفِيرانِ وأَيُّ نَبْلِ
وعُنِيتُ بحاجتك أُعْنى بها وأَنا بها مَعْنِّيٌّ، على مفعول. وفي
الحديث: مِنْ حُسنِ إِسلامِ المَرْءِ تَرْكُه ما لا يَعْنِيه أَي لا يُهِمُّه.
وفي الحديث عن عائشة، رضي الله عنها: كان النبيُّ،صلى الله عليه وسلم،
إِذا اشْتَكى أتاه جبريلُ فقال بسْمِ الله أَرْقِيكَ من كلِّ داءٍ يَعْنيك، من
شرِّ كلِّ حاسدٍ ومن شرِّ كلِّ عَين؛ قوله يَعْنِيك أَي يشغَلُك. ويقال:
هذا الأَمر لا يَعْنِيني أَي لا يَشْغَلُني ولا يُهِمُّني؛ وأَنشد:
عَناني عنكَ، والأَنْصاب حَرْبٌ،
كأَنَّ صِلابَها الأَبْطالَ هِيمُ
أَراد: شَغَلَني؛ وقال آخر:
لا تَلُمْني على البُكاء خَلِيلي،
إِنه ما عَناكَ قِدْماً عَناني
وقال آخر:
إِنَّ الفَتى ليس يَعْنِيهِ ويَقمَعُه
إِلاَّ تَكَلُّفُهُ ما ليس يَعْنِيهِ
أَي لا يَشْغَله، وقيل: معنى قول جبريل، عليه السلام، يَعْنِيكَ أَي
يَقْصِدُك. يقال: عَنَيْتُ فلاناً عَنْياً أَي قَصَدْتُه. ومَنْ تَعْني
بقولك أَي مَنْ تَقْصِد. وعَنانِي أَمرُك أَي قَصَدني؛ وقال أَبو عمرو في
قوله الجعدي:
وأَعْضادُ المَطِيّ عَوَاني
أَي عَوامِلُ. وقال أَبو سعيد: معنى قوله عَوَاني أَي قَواصِدُ في
السير. وفُلانٌ تَتَعَنَّاه الحُمَّى أَي تَتَعَهَّده، ولا تقال هذه اللفظة في
غير الحُمَّى. ويقال: عَنِيتُ في الأَمر أَي تَعَنَّيْتُ فيه، فأَنا
أَعْنى وأَنا عَنٍ، فإِذا سألت قلت: كيف مَن تُعْنى بأَمره؟ مضموم لأَن
الأَمْرَ عَنَّاهُ، ولا يقال كيف مَنْ تَعْنَى بأَمره.
وعانى الشيءَ: قاساه. والمُعاناةُ: المُقاساة. يقال:
عاناه وتَعَنَّاه وتَعَنَّى هو؛ وقال:
فَقُلْتُ لها: الحاجاتُ يَطْرَحْنَ بالفَتَى،
وهَمّ تَعَنَّاه مُعَنّىً رَكائبُهْ
وروى أَبو سعيد: المُعاناة المُدارة؛ قال الأَخطل:
فإِن أَكُ قد عانَيْتُ قَوْمي وهِبْتُهُمْ،
فَهَلْهِلْ وأَوِّلْ عَنْ نُعَيْم بنِ أَخْثَما
هَلْهِلْ: تَأَنَّ وانْتَظِرْ. وقال الأَصمعي: المُعاناة والمُقَاناةُ
حُسْنُ السِّياسة. ويقال: ما يُعانُونَ مالَهُم ولا يُقانُونه أَي ما
يقومون عليه. وفي حديث عُقُبَة بن عامِرٍ في الرمي بالسهام: لَوْلا كلامٌ
سَمِعْتُه من رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لمْ أُعانِهِ؛ مُعاناةُ الشيءِ:
مُلابَسَته ومُباشَرَته. والقَوْمُ يُعانُون مالَهُم أَي يقومون عليه.
وعَنى الأَمْرُ يعني واعْتَنى: نَزَلَ؛ قال رؤبة:
إِني وقد تَعْني أُمورٌ تَعْتَني
على طريقِ العُذْر، إِنْ عَذَرْتَني
وعَنَتْ به أُمورٌ: نَزَلَتْ. وعَنَى عَناءً وتَعَنَّى: نَصِبَ.
وعَنَّيْتُه أَنا تَعْنِيَةً وتَعَنَّيْتُه أَيضاً فَتَعَنَّى، وتَعنَّى
العَناء: تَجَشَّمَه، وعَنَّاه هو وأَعْناه؛ قال أُمَيَّة:
وإِني بِلَيْلَى، والدِّيارِ التي أَرَى،
لَكالْمُبْتَلَى المُعْنَى بِشَوْقٍ مُوَكَّلِ
وقوله أَنشده ابن الأَعرابي:
عَنْساً تُعَنِّيها وعَنْساً تَرْحَلُ
فسره فقال: تُعَنِّيها تَحْرُثُها وتُسْقِطُها. والعَنْيَةُ: العَناء.
وعَناءٌ عانٍ ومُعَنٍّ: كما يقال شِعْرٌ شاعِرٌ ومَوْتٌ مائتٌ؛ قال تَميم
بن مُقْبِل:
تَحَمَّلْنَ مِنْ جَبَّانَ بَعْدَ إِقامَةٍ،
وبَعْدَ عَناءٍ مِنْ فُؤادِك عانِ
(* قوله« من جبان» هو هكذا في الأصل بالباء الموحدة والجيم.)
وقال الأَعشى:
لَعَمْرُكَ ما طُولُ هذا الزَّمَنْ،
على المَرْءِ، إِلاَّ عَناءٌ مُعَنُّ
ومَعْنى كلِّ شيء: مِحْنَتُه وحالُه التي يصير إليها أَمْرُه. وروى
الأَزهري عن أَحمد بن يحيى قال: المَعْنَى والتفسيرُ والتَّأْوِيل واحدٌ.
وعَنَيْتُ بالقول كذا: أَردت. ومَعْنَى كلّ كلامٍ ومَعْناتُه ومَعْنِيَّتُه:
مَقْصِدُه، والاسم العَناء. يقال: عَرَفْتُ ذلك في مَعْنَى كلامِه
ومَعْناةِ كلامه وفي مَعْنِيِّ كلامِه.
ولا تُعانِ أَصحابَك أَي لا تُشاجِرْهُم؛ عن ثعلب. والعَناء: الضُّرُّ.
وعُنْوانُ الكتاب: مُشْتَقّ فيما ذكروا من المَعْنَى، وفيه لغات:
عَنْونْتُ وعَنَّيْتُ وعَنَّنْتُ. وقال الأَخْفش: عَنَوْتُ الكتاب واعْنُه؛
وأَنشد يونس:
فَطِنِ الكِتابَ إِذا أَرَدْتَ جوابَه،
واعْنُ الكتابَ لِكَيْ يُسَرَّ ويُكْتما
قال ابن سيده: العُنْوانُ والعِنْوانُ سِمَةُ الكِتابِ. وعَنْوَنَه
عَنْوَنَةً وعِنْواناً وعَنَّاهُ، كِلاهُما: وَسَمَه بالعُنوان. وقال أَيضاً:
والعُنْيانُ سِمَةُ الكتاب، وقد عَنَّاه وأَعْناه، وعَنْوَنْتُ الكتاب
وعَلْوَنْته. قال يعقوب: وسَمِعْتُ من يقول أَطِنْ وأَعِنْ أَي عَنْوِنْه
واخْتِمْه. قال ابن سيده: وفي جَبْهَتِه عُنْوانٌ من كَثْرَةِ السُّجودِ
أَي أَثَر؛ حكاه اللحياني؛ وأَنشد:
وأَشْمَطَ عُنْوانٌ به مِنْ سُجودِه،
كَرُكْبَةِ عَنزٍ من عُنوزِ بَني نَصْرِ
والمُعَنَّى: جَمَلٌ كان أَهلُ الجاهلية يَنزِعُونَ سناسِنَ فِقْرَتِهِ
ويَعْقِرُون سَنامَه لئلاَّ يُرْكَب ولا يُنْتَفَع بظَهْرِه. قال الليث:
كان أَهل الجاهلية إِذا بَلَغَتْ إِبلُ الرجل مائةً عمدوا إِلى البعير
الذي أَمْأَتْ به إِبلُه فأَغْلقوا ظَهْرَه لئلا يُرْكَب ولا يُنْتَفَع
بظَهْره، ليعرف أَن صاحِبَها مُمْئٍ، وإِغْلاق ظَهْرِه أَن يُنْزَع منه
سناسِنُ من فَقْرته ويُعْقر سَنامَه؛ قال ابن سيده: وهذا يجوز أَن يكونَ من
العَناءِ الذي هو التَّعَب، فهو بذلك من المُعْتلّ بالياء، ويجوز أَن
يكونَ من الحَبْسِ عن التَّصَرُّفِ فهو على هذا من المعتَلِّ بالواو؛ وقال
في قول الفرزدق:
غَلَبْتُكَ بالمُفَقَّئِ والمُعَنِّي،
وبَيْتِ المُحْتَبي والخافقاتِ
يقول: غَلَبْتُك بأَربع قصائد منها المُفَتِّئُ، وهو بيته:
فلَسْتَ، ولو فَقَّأْتَ عَينَك، واجداً
أَباً لكَ، إِن عُدَّ المَساعِي، كَدارِم
قال: وأَراد بالمُعَنِّي قوله تَعَنَّى في بيته:
تعَنَّى يا جَرِيرُ، لِغَيرِ شيءٍ،
وقد ذهَبَ القَصائدُ للرُّواةِ
فكيف تَرُدُّ ما بعُمانَ منها،
وما بِجِبالِ مِصْرَ مُشَهَّراتِ؟
قال الجوهري: ومنها قوله:
فإِنّكَ، إِذ تَسْعَى لتُدْرِكَ دارِماً،
لأَنْتَ المُعَنَّى يا جَرِيرُ، المُكَلَّف
وأَراد بالمُحْتَبي قوله:
بَيْتاً زُرارَةُ مُحْتَبٍ بِفنائه،
ومُجاشِعٌ وأَبو الفَوارسِ نَهْشَلُ
لا يَحْتَبي بفِناءِ بَيْتِك مِثْلُهُم
أَبداً، إِذا عُدَّ الفعالُ الأَفْضَلُ
وأَراد بالخافقات قوله:
وأَيْنَ يُقَضِّي المالِكانِ أُمُورَها
بِحَقٍّ، وأَينَ الخافِقاتُ اللَّوامِعُ؟
أَخَذْنا بآفاقِ السَّماءِ عَلَيْكُمُ،
لنا قَمَرَاها والنُّجُومُ الطَّوالِعُ
دوم: دامَ الشيءُ يَدُومُ ويَدامُ؛ قال:
يا مَيّ لا غَرْوَ ولا مَلامَا
في الحُبِّ، إن الحُبَّ لن يَدامَا
قال كراع: دامَ يَدُومُ فَعِلَ يَفْعُلُ، وليس بقَوِيٍّ، دَوْماً
ودَواماً ودَيْمومَةً؛ قال أَبو الحسن: في هذه الكلمة نظر، ذهب أهل اللغة في
قولهم دِمْتَ تَدُومُ إلى أنها نادرة كمِتَّ تَموتُ، وفَضِلَ يَفْضُلُ،
وحَضِرَ يَحْضُرُ، وذهب أبو بكر إلى أنها متركبة فقال: دُمْتَ تَدُومُ
كقُلْتَ تَقُولُ، ودِمْتَ تَدامُ كخِفْتَ تَخافُ، ثم تركبت اللغتان فظنّ قوم
أن تَدُومُ على دِمْتَ، وتَدامُ على دُمْتَ، ذهاباً إلى الشذوذ وإيثاراً
له، والوَجْه ما تقدم من أَن تَدامُ على دِمْتَ، وتَدُومُ على دُمْتَ، وما
ذهبوا إليه من تَشْذيذ دِمْتَ تَدومُ أخف مما ذهبوا إليه من تَسَوُّغِ
دُمْتَ تَدامُ، إذ الأُولى ذات نظائر، ولم يُعْرَفْ من هذه الأخيرة إلاَّ
كُدْتَ تَكادُ، وتركيب اللغتين باب واسع كَقَنَطَ يَقْنَطُ ورَكَنَ
يَرْكَنُ، فيحمله جُهَّالُ أهل اللغة على الشذوذ. وأَدامَهُ واسْتَدامَهُ:
تأَنَّى فيه، وقيل: طلب دوَامَهُ، وأَدْومَهُ كذلك. واسْتَدَمْتُ الأمر إذا
تأَنَّيْت فيه؛ وأنشد الجوهري للمَجْنون واسمه قَيسُ بن مُعاذٍ:
وإنِّي على لَيْلى لَزارٍ، وإنَّني،
على ذاكَ فيما بَيْنَنا، مُسْتَدِيمُها
أي منتظر أن تُعْتِبَني بخير؛ قال ابن بري: وأَنشد ابن خالويه في
مُسْتَديم بمعنى مُنْتَظِر:
تَرَى الشُّعراءَ من صَعِقٍ مُصابٍ
بصَكَّتِه، وآخر مُسْتَدِيمِ
وأَنشد أَيضاً:
إذا أَوقَعْتُ صاعِقةً عَلَيْهِمْ،
رأَوْا أُخْرَى تُحَرِّقُ فاسْتَدامُوا
الليث: اسْتِدامَةُ الأَمرِ الأَناةُ؛ وأَنشد لقَيْسِ ابن زُهَيرٍ:
فلا تَعْجَلْ بأَمرِكَ واسْتَدِمْهُ،
فما صَلَّى عَصاكَ كَمُسْتَدِيمِ
وتَصْلِيةُ العصا: إدارتها على النار لتستقيم، واسْتدامتها: التَّأَنِّي
فيها، أي ما أَحْكَمَ أَمْرَها كالتَّأَنِّي. وقال شمر: المُسْتَدِيمُ
المُبالِغُ في الأمر. واسْتَدِمْ ما عند فلان أي انتظره وارْقُبْهُ؛ قال:
ومعنى البيت ما قام بحاجتك مثلُ من يُعْنى بها ويحب قضاءها. وأَدامه
غيرهُ، والمُداومَةُ على الأمر: المواظبة عليه. والدَّيُّومُ: الدائِمُ منه
كما قالوا قَيُّوم.
والدِّيمةُ: مطر يكون مع سكون، وقيل: يكون خمسة أَيَّامٍ أو ستة وقيل:
يوماً وليلة أو أكثر، وقال خالد بن جَنْبَةَ: الدِّيمةُ من المطر الذ لا
رَعْدَ فيه ولا بَرْقَ تَدُومُ يَوْمَها، والجمع دِيَمٌ، غُيِّرَت الواو
في الجمع لتَغَيُّرِها في الواحد. وما زالت السماءُ دَوْماً دَوماً
ودَيْماً دَيْماً، الياء على المعاقبة، أي دائمة المطر؛ وحكى بعضهم: دامَتِ
السماءُ تَدِيمُُ دَيْماً ودَوَّمَتْ وديَّمَتْ؛ وقال ابن جني: هو من الواو
لاجتماع العرب طُرّاً على الدَّوامِ، وهو أَدْوَمُ من كذا، وقال أيضاً:
من التدريج في اللغة قولهم دِيمةٌ ودِيَمٌ، واستمرار القلب في العين إلى
الكسرة قبلها
(* قوله «إلى الكسرة قبلها» هكذا في الأصل)، ثم تجاوزوا ذلك
لما كثر وشاع إلى أن قالوا دَوَّمَتِ السماءُ ودَيَّمَتْ، فأَما
دَوَّمَتْ فعلى القياس، وأما دَيَّمَتْ فلاستمرار القلب في دِيمَةٍ ودِيَمٍ؛
أَنشد أبو زيد:
هو الجَوادُ ابنُ الجَوادِ ابنِ سَبَل،
إنْ دَيَّمُوا جادَ، وإنْ جادُوا وَبَلْ
ويروى: دَوَّمُوا. شمر: يقال دِيمةٌ ودِيْمٌ؛ قال الأَغْلَبُ:
فَوارِسٌ وحَرْشَفٌ كالدِّيْمِ،
لا تَتَأَنَّى حَذَرَ الكُلُومِ
روي عن أبي العَمَيْثَلِ أنه قال: دِيمَة وجمعها دُيومٌ بمعنى
الدِّيمةِ. وأَرض مَدِيمَةٌ ومُدَيَّمَةٌ: أصابتها الدِّيَمُ، وأَصلها الواو؛ قال
ابن سيده: وأَرى الياء معاقبة؛ قال ابن مقبل:
عَقِيلَةُ رَمْلٍ دافعَتْ في حُقوفِهِ
رَخاخَ الثَّرَى، والأُقْحُوانَ المُدَيَّمَا
وسنذكر ذلك في ديم. وفي حديث عائشة، رضي الله عنها، أنها سئلت: هل كان
رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يُفَضِّلُ بعض الأَيام على بعض؟ وفي
رواية: أنها ذكرَتْ عَمَل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقالت: كان عَمَلُهُ
دِيمَةً؛ شبهتْه بالدِّيمَةِ من المطر في الدَّوامِ والاقتصاد. وروي عن
حُذَيْقَة أنه ذكر الفتن فقال: إنها لآتِيَتُكُمْ دِيَماً، يعني أنها
تملأ الأرض مع دَوامٍ؛ وأَنشد:
دِيمَةٌ هَطْلاءُ فيها وَطَفٌ،
طَبَّقَ الأَرْضَ، تَحَرَّى وتَدُرّ
والمُدامُ: المَطر الدائم؛ عن ابن جني.
والمُدامُ والمُدامَةُ: الخمر، سميت مُدامَةً لأنه ليس شيء تُستطاع
إدامَةُ شربه إلا هي، وقيل: لإدامتها في الدَّنِّ زماناً حتى سكنتْ بعدما
فارَتْ، وقيل: سُمِّيَتْ مُدامَةً إذا كانت لا تَنْزِفُ من كثرتها، فهي
مُدامَةٌ ومُدامٌ، وقيل: سميت مُدامَةً لِعتْقها.
وكل شيء سكن فقد دامَ؛ ومنه قيل للماء الذي يَسْكن فلا يجري: دائِمٌ.
ونهى النبي، صلى الله عليه وسلم، أن يُبالَ في الماء الدائم ثم يُتَوضَّأَ
منه، وهو الماء الراكد الساكنُ، من دامَ يَدُومُ إذا طال زمانه. ودامَ
الشيءُ: سكن. وكل شيء سكَّنته فقد أَدَمْتَه. وظلٌّ دَوْمٌ وماء دَوْمٌ:
دائم، وصَفُوهُما بالمصدر.
والدَّأْماءُ: البحر لدَوامِ مائه، وقد قيل: أصله دَوْماء، فإعْلاله على
هذا شاذ. ودامَ البحرُ يَدُومُ: سكن؛ قال أَبو ذؤيب:
فجاء بها ما شِئْتَ من لَطَمِيَّةٍ،
تَدُومُ البحارُ فوقها وتَمُوجُ
ورواه بعضهم: يَدُومُ الفُراتُ، قال: وهذا غلط لأن الدُّرَّ لا يكون في
الماء العذب.
والدَّيْمومُ والدَّيْمومَةُ: الفلاة يَدُومُ السير فيها لبعدها؛ قال
ابن سيده: وقد ذكرت قول أبي عليّ أنها من الدَّوامِ الذي هو السخ
(* قوله:
السخَّ، هكذا في الأصل). والدَّيْمُومةُ: الأرض المستوية التي لا أَعلام
بها ولا طريق ولا ماء ولا أنيس وإن كانت مُكْلِئَةً، وهنَّ الدَّيامِيمُ.
يقال: عَلَوْنا دَيْمومةً بعيدة الغَوْرِ، وعَلَوْنا أرضاً دَيْمومة
مُنكَرةً. وقال أبو عمرو: الدَّيامِيمُ الصَّحاري المُلْسُ المتباعدة
الأَطرافِ.
ودَوَّمَتِ الكلابُ: أمعنت في السير؛ قال ذو الرمة:
حتى إذا دَوَّمَتْ في الأرض راجَعَهُ
كِبْرٌ، ولو شاء نَجّى نفسَه الهَرَبُ
أي أمعنت فيه؛ وقال ابن الأعرابي: أدامَتْهُ، والمعنيان مقتربان؛ قال
ابن بري: قال الأصمعي دَوَّمَتْ خطأٌ منه، لا يكون التَّدْويم إلا في
السماء دون الأرض؛ وقا الأخفش وابن الأعرابي: دَوَّمَتْ أبعدت، وأصله من دامَ
يَدُومُ، والضمير في دَوَّمَ يعود على الكلاب؛ وقال عليُّ بن حمزة: لو
كان التَّدْويمُ لا يكون إلا في السماء لم يجز أَن يقال: به دُوامٌ كما
يقال به دُوارٌ، وما قالوا دُومَةُ الجَنْدَلِ وهي مجتمعة مستديرة. وفي حديث
الجارية المفقودة: فَحَمَلني على خافيةٍ ثم دَوَّمَ بي في السُّكاك أي
أدارني في الجوّ. وفي حديث قُسٍّ والجارُود: قد دَوَّمُوا العمائم أي
أَداروها حول رؤوسهم. وفي التهذيب في بيت ذي الرمة: حتى إذا دَوَّمَتْ، قال
يصف ثوراً وحشيّاً ويريد به الشمس، قال: وكان ينبغي له أن يقول دَوَّتْ
فدَوَّمَتْ استكراه منه. وقال أبو الهيثم: ذكر الأصمعي أن التَّدْويمَ لا
يكون إِلا من الطائر في السماء، وعاب على ذي الرمة موضعه؛ وقد قال رؤبة:
تَيْماء لا يَنْجو بها من دَوَّما،
إذا عَلاها ذو انْقِباضٍ أَجْذَما
أي أَسرع. ودَوَّمَتِ الشمس في كَبِد السماء. ودَوَّمَت الشمس: دارت في
السماء. التهذيب: والشمس لها تَدْويمٌ كأنها تدور، ومنه اشْتُقَّتْ
دُوّامَةُ الصبي التي تدور كدَوَرانها؛ قال ذو الرمة يصف جُنْدَباً:
مُعْرَوْرِياً رَمَضَ الرَّضْراض يَرْكُضُهُ،
والشَّمْسُ حَيْرى لها في الجَوّ تَدْوِيمُ
كأَنها لا تمضي أي قد رَكِبَ حَرَّ الرَّضْراض، والرَّمَضُ: شدة الحر،
مصدر رَمِضَ يَرمَضُ رَمَضاً، ويركُضُهُ: يضربه برجله، وكذا يفعل
الجُندَبُ. قال أبو الهيثم: معنى قوله والشمس حَيْرى تقف الشمس بالهاجِرَةِ على
المَسير مقدار ستين فرسخاً
(* قوله مقدار ستين فرسخاً» عبارة التهذيب
مقدار ما تسير ستين فرسخاً). تدور على مكانها. ويقال: تَحَيَّرَ الماء في
الروضة إذا لم يكن له جهة يمضي فيها فيقول كأنها مُتَحَيِّرَة لدَوَرانها،
قال: والتَّدْويمُ الدَّوَرانُ، قال أبو بكر: الدائم من حروف الأضداد،
يقال للساكن دائم، وللمتحرِّك دائم. والظل الدَّوْمُ: الدائم؛ وأَنشد ابن
بري للَقِيط بن زُرارَةَ في يوم جَبَلَة:
يا قَوْمِ، قدْ أحْرَقْتُموني باللَّوْمْ،
ولم أُقاتِلْ عامِراً قبلَ اليَوْمْ
شَتَّانَ هذا والعِناقُ والنَّوْم،
والمَشْرَبُ البارِدُ والظِّلُّ الدَّوْم
ويروى: في الظل الدَّوْم. ودَوَّمَ الطائر إذا تحرك في طَيَرانه، وقيل:
دَوَّمَ الطائر إذا سَكَّنَ جناحيه كَطَيَرَانِ الحِدَإِ والرَّخَم.
ودَوَّمَ الطائرُ واستدامَ: حَلَّقَ في السماء، وقيل: هو أن يُدَوِّمَ في
السماء فلا يحرك جناحيه، وقيل: أن يُدَوِّمَ ويحوم؛ قال الفارسي: وقد
اختلفوا في الفرق بين التَّدوِيمِ والتَّدْوِيَةِ فقال بعضهم: التَّدْويمُ في
السماء، والتَّدْوِيَةُ في الأَرض، وقيل بعكس ذلك، قال: وهو الصحيح، قال
جَوَّاسٌ، وقيل هو لعمرو بن مِخْلاةِ الحمارِ:
بيَوْمٍ ترى الرايات فيه، كأَنها
عَوافي طيورٍ مُسْتَديم وواقِع
ويقال: دَوَّم الطائرُ في السماء إذا جعل يَدُور، ودَوَّى في الأرض، وهو
مثل التَّدْويمِ في السماء. الجوهري: تَدْويمُ الطائر تَحْلِيقُهُ في
طَيَرانِهِ ليرتفع في السماء، قال: وجعل ذو الرمة التَّدْوِيمَ في الأَرض
بقوله في صفة الثور: حتى إذا دَوَّمَتْ في الأرض (البيت) وأَنكر الأصمعي
ذلك وقال: إنما يقال دَوَّى في الأَرض ودَوَّمَ في السماء، كما قدمنا
ذكره، قال: وكان بعضهم يُصَوِّبُ التَّدْويم في الأرض ويقول: منه اشتقت
الدُّوَّامَةُ، بالضم والتشديد، وهي فَلْكَةٌ يرميها الصبي بخيط فتُدَوِّمُ
على الأرض أي تدور، وغيره يقول: إنما سُمِّيَت الدُّوَّامَةَ من قولهم
دَوَّمْتُ القِدْرَ إذا سكَّنْتَ غليانها بالماء لأنها من سرعة دَورَانها قد
سكنتْ وهَدَأَتْ.
والتَّدْوامُ: مثل التَّدْويمِ؛ وأنشد الأحمر في نعت الخيل:
فَهُنَّ يَعْلُكْنَ حَدائِداتِها،
جُنْحَ النَّواصِي نحْوَ أَلْوِياتها،
كالطير تَبْقي مُتَداوِماتِها
قوله تَبْقي أي تنظر إِليها أنت وتَرْقُبُها، وقوله مُتَداوِمات أي
مُدَوِّمات دائرات عائفات على شيء. وقال بعضهم: تَدْويمُ الكلب إمعانُهُ في
الهَرَبِ، وقد تقدم. ويقال للطائ إذا صَفّ جناحيه في الهواء وسَكَّنهما
فلم يحركهما كما تفعل الحِدَأُ والرَّخَمُ: قد دَوَّمَ الطائر تَدْوِيماً،
وسُمِّي تدويماً لسكونه وتركه الخَفَقان بجناحيه. الليث: التَّدْويمُ
تَحْلِيقُ الطائر في الهواء ودَوَرانه.
ودُوَّامة الغلام، برفع الدال وتشديد الواو: وهي التي تلعب بها الصبيان
فَتُدار، والجمع دُوَّامٌ، وقد دَوَّمْتُها. وقال شمر: دُوَّامةٌ الصبي،
بالفارسية، دوابه وهي التي تلعب بها الصبيان تُلَفُّ بسير أو خيط ثم
تُرْمى على الأرض فتَدور؛ قال المُتَلَمِّسُ في عمرو بن هند:
ألَك السَّدِيرُ وبارِقٌ،
ومَرابِضٌ، ولَكَ الخَوَرْنَقْ،
والقَصْرُ ذو الشُّرُفاتِ من
سِنْدادَ، والنَّخْلُ المُنَبَّقْ،
والقادِسِيَّةُ كلُّها،
والبَدْوُ من عانٍ ومُطْلَقْ؟
وتَظَلُّ، في دُوَّامةِ الـ
ـمولودِ يُظْلَمُها، تَحَرَّقْ
فَلَئِنْ بَقيت، لَتَبْلُغَنْ
أرْماحُنا منك المُخَنَّقْ
ابن الأعرابي: دامَ الشيءُ إذا دار، ودام إذا وقَف، ودام إذا تَعِبَ.
ودَوَّمَتْ عينُه: دارت حدقتها كأنها في فَلْكةٍ، وأَنشد بيت رؤبة:
تَيْماء لا يَنْجُو بها من دَوَّمَا
والدُّوامُ: شبه الدُّوارِ في الرأْس، وقد دِيمَ به وأُدِيمَ إذا أخذه
دُوارٌ. الأَصمعي: أخذه دُوَامٌ في رأْسه مثل الدُّوارِ، وهو دُوارُ
الرأْس. الأَصمعي: دَوّمَتِ الخمر شاربها إذا سكر فدارَ. وفي حديث عائشة: أنها
كانت تَصِفُ من الدُّوامِ سبع تمرات من عَجْوَةٍ في سبع غَدَواتٍ على
الريق؛ الدُّوامُ، بالضم والتخفيف: الدُّوارُ الذي يَعْرِضُ في الرأْس.
ودَوَّمَ المرقةَ إذا أَكثر فيها الإهالة حتى تَدُور فوقها، ومرقة داوِمة
نادر، لأن حق الواو في هذا أن تقلب همزة. ودَوَّمَ الشيء: بَلَّةُ، قال ابن
أحمر:
هذا الثَّناءُ، وأَجْدِرْ أَن أُصاحِبَهُ
وقد يُدَوِّمُ ريقَ الطامِعِ الأَمَلُ
أي يبلُّه؛ قال ابن بري: يقول هذا ثنائي على النُّعْمان ابن بشير،
وأجْدر أن أُصاحبه ولا أُفارقه، وأَملي له يُبْقي ثنائي عليه ويُدَوِّمُ ريقي
في فمي بالثناء عليه. قال الفراء: والتَّدْويمُ أن يَلُوكَ لسانَه لئلا
ييبس ريقُه؛ قال ذو الرُّمَّةِ يصف بعيراً يَهْدِرُ في شِقْشِقتِه:
في ذات شامٍ تَضْرِبُ المُقَلَّدَا،
رَقْشَاءَ تَنْتاخُ اللُّغامَ المُزْبِدَا،
دَوَّمَ فيها رِزُّه وأَرْعَدَا
قال ابن بري: وقوله في ذات شامٍ يعني في شِقْشِقَةٍ، وشامٌ: جمع شامةٍ،
تَضْرب المُقَلَّدَا أي يخرجها حتى تبلغ صفحة عنقه؛ قال: وتَنْتاخُ عندي
مثل قول الراجز:
يَنْباعُ من ذِفْرَى غَضُوبٍ حُرَّةٍ
على إشباع الفتحة، وأَصله تَنْتَخ وتَنْبَعُ، يقال: نَتَخَ الشوكة من
رجله إذا أَخرجها، والمِنْتاخُ: المِنْقاش، وفي شعره تَمْتاخ أي تخرج،
والماتِخُ: الذي يخرج الماء من البئر. ودَوَّمَ الزعفرانَ: دافَهُ؛ قال
الليث: تَدْوِيمُ الزعفران دَوْفُه وإدارَتُه في دَوْفِه؛ وأَنشد:
وهُنَّ يَدُفْنَ الزَّعفران المُدَوَّمَا
وأدامَ القِدْرَ ودَوَّمَها إذا غَلَت فنضحها بالماء البارد ليسكن
غَلَيانها؛ وقيل: كَسَرَ غليانها بشيء وسكَّنَهُ؛ قال:
تَفُورُ علينا قِدْرُهُمْ فنُدِيمُها،
ونَفْثَؤُها عَنَّا إذا حَمْيها غلى
قوله نُدِيمُها: نُسَكِّنها، ونَفْثَؤُها: نكسرها بالماء؛ وقال جرير:
سَعَرْتُ عليكَ الحَربَ تَغلي قُدورُها،
فهَلأَّ غَداةَ الصِّمَّتَيْنِ تُدِيمُها
يقال: أَدام القِدْرَ إذا سكَّن غَلَيانها بأن لا يُوقدَ تحتها ولا
يُنزِلَها، وكذلك دَوَّمَها. ويقال للذي تُسَكَّنُ به القدر: مِدْوامٌ. وقال
اللحياني: الإدامةُ أن تترك القدر على الأثافيِّ بعد الفراغ، لا ينزلها
ولا يوقدها. والمِدْوَمُ والمِدْوامُ: عود أو غيره يُسَكَّنُ به غليانها؛
عن اللحياني.
واسْتَدامَ الرجلُ غريمه: رفَق به، واسْتَدْماهُ كذلك مقلوب منه؛ قال
ابن سيده: وإنما قضينا بأَنه مقلوب لأَنَّا لم نجد له مصدراً؛ واسْتَدْمَى
مَوَدَّته: ترقبها من ذلك، وإن لم يقولوا فيه اسْتَدام؛ قال كُثَيِّرٌ:
وما زِلْتُ أَسْتَدْمِي، وما طَرَّ شارِبي،
وِصالَكِ، حتى ضَرَّ نفسي ضَمِيرُها
قوله وما طَرَّ شارِبي جملة في موضع الحال. وقال ابن كَيْسانَ في باب
كان وأخواتها: أما ما دامَ فما وَقتٌ، تقول: قُمْ ما دام زيدٌ قائماً، تريد
قُمْ مُدَّةَ قيامه؛ وأَنشد:
لَتَقْرَبَنَّ قَرَباً جُلْذِيَّا،
ما دام فيهِنَّ فَصِيل حَيَّا
أي مدَّة حياة فُصْلانها، قال: وأما صار في هذا الباب فإنها على
ضَرْبين: بلوغ في الحال، وبلوغ في المكان، كقولك صار زيد إلى عمرو، وصار زيد
رجلاً، فإذا كانت في الحال فهي مثل كان في بابه، فأَما قولهم ما دام فمعناه
الدَّوامُ لأن ما اسم موصول بدامَ ولا يُسْتَعْمَلُ إلا ظَرْفاً كما
تستعمل المصادر ظروفاً، تقول: لا أَجلس ما دُمْتَ قائماً أي دَوامَ قيامِكَ،
كما تقول: ورَدْتُ مَقْدَمَ الحاجّ.
والدَّوْمُ: شجر المُقْلِ، واحدته دَوْمَةٌ، وقيل: الدَّوْمُ شجر معروف
ثَمَرُهُ المُقْلُ. وفي الحديث: رأَيت النبي، صلى الله عليه وسلم، وهو في
ظل دَوْمة؛ قال ابن الأثير: هي وادة الدَّوْمِ وهو ضخام الشجر، وقيل:
شجر المُقْلِ. قال أَبو حنيفة: الدَّوْمَةُ تَعْبُلُ وتَسْمُو ولها خُوصٌ
كخُوصِ النحل وتُخرِجُ أَقْناءً كأَقْناء النخلة. قال: وذكر أبو زياد
الأعرابي أن من العرب من يسمي النَّبْقَ دَوْماً. قال: وقال عُمَارَةُ
الدَّوْمُ العظامُ من السِّدْرِ. وقال ابن الأَعرابي: الدَّوْمُ ضِخام الشجر
ما كان؛ وقال الشاعر:
زَجَرْنَ الهِرَّ تحت ظلال دَوْمٍ،
ونَقَّبْنَ العَوارِضَ بالعُيونِ
وقال طُفَيْلٌ:
أَظُعْنٌ بِصَحْراء الغَبيطَينِ أم نَخْلُ
بَدَتْ لك، أمْ دَومٌ بأَكمامِها حَمْلُ؟
قال ابو منصور: والدَّوْمُ شجر يشبه النخل إلاَّ أنه يُثْمِر المُقْلَ،
وله لِيفٌ وخُوص مثل ليف النخل. ودُومَةُ الجَنْدَلِ: موضع، وفي الصحاح:
حِصْنٌ، بضم الدال، ويسميه أهل الحديث دَوْمَة، بالفتح، وهو خطأٌ، وكذلك
دُوماء الجَنْدَلِ. قال أَبو سعيد الضرير: دَوْمَةُ الجَنْدَلِ في غائط
من الأرض خمسة فراسِخَ، ومن قِبَلِ مغربه عين تَثُجُّ فتسقي ما به من
النخل والزرع، قال: ودَوْمَةُ ضاحِيَةٌ بين غائطها هذا، واسم حصنها مارِدٌ،
وسميت دَوْمَةَ الجَنْدَلِ لأن حصنها مبني بالجندل، قال: والضاحِيةُ من
الضَّحْل ما كان بارزاً من هذا الغَوْطِ والعينِ التي فيه، وهذه العين لا
تسقي الضاحية، وقيل: هو دُومة، بضم الدال، قال ابن الأثير: وقد وردت في
الحديث، وتضم دالها وتفتح، وهي موضع؛ وقول لبيد يصف بنات الدهر:
وأَعْصَفْنَ بالدُّومِيِّ من رأْس حِصْنِهِ،
وأَنْزَلْنَ بالأَسباب ربَّ المُشَقَّرِ
يعني أُكَيْدِر، صاحب دُومَةِ الجَنْدَلِ. وفي حديث قصر الصلاة: وذكر
دَوْمِين؛ قال ابن الأَثير: هي بفتح الدال وكسر الميم، قرية قريبة من
حِمْص.والإدامَةُ: تَنْقيرُ السهم على الإبْهام. ودُوِّمَ السهم: فُتِل
بالأَصابع؛ وأنشد أبو الهيثم للكميت:
فاسْتَلَّ أَهْزَعَ حَنَّاناً يُعَلِّلُهُ،
عند الإدامَةِ، حتى يَرْنُوَ الطَّرِبُ
وفي حديث عائشة، رضي الله عنها: قالت لليَهُود عليكم السامُ الدامُ أَي
الموت الدائم، فحذفت الياء لأجل السام.
ودَوْمانُ: اسم رجل. ودَوْمانُ: اسم قبيلة. ويَدُومُ: جبل؛ قال الراعي:
وفي يَدُومَ، إذا اغْبَرَّتْ مَناكِبُهُ،
وذِرْوة الكَوْر عن مَرْوانَ مُعْتزل
وذو يَدُومَ: نهر من بلاد مُزَيْنَة يدفع بالعقيق؛ قال كُثَيِّرُ
عَزَّةَ:
عَرَفْتُ الدار قد أَقْوَتْ بِرِئْمٍ
إلى لأْيٍ، فمَدْفَعِ ذي يَدُومِ
وأَدام: موضع؛ قال أَبو المُثَلَّمِ:
لقد أُجْرِي لمصْرَعِهِ تَلِيدٌ،
وساقَتْهُ المَنِيَّةُ من أَداما
قال ابن جني: يكون أَفْعَلَ من دامَ يَدُومُ فلا يصرف كما لا يصرف
أَخْزَمُ وأَحمر، وأصله على هذا أدْوَم، قال: وقد يكون من د م ي، وهو مذكور في
موضعه، والله أعلم.
ضلع: الضِّلَعُ والضِّلْعُ لغتان: مَحْنِيّة الجنب، مؤنثة، والجمع
أَضْلُعٌ وأَضالِعُ وأَضْلاعٌ وضُلوعٌ؛ قال الشاعر:
وأَقْبَلَ ماءُ العَيْنِ من كُلِّ زَفْرةٍ،
إِذا وَرَدَتْ لم تَسْتَطِعْها الأَضالِعُ
وتَضَلَّعَ الرجلُ: امْتَلأَ ما بين أَضْلاعِه شِبَعاً وريّاً؛ قال ابن
عَنّابٍ الطائي:
دَفَعْتُ إِليه رِسْلَ كَوْماءَ جَلْدةٍ،
وأَغْضَيْتُ عنه الطَّرْفَ حتَّى تَضَلَّعا
ودابّةٌ مُضْلِعٌ: لا تَقْوَى أَضْلاعُها على الحَمْلِ. وحِمْلٌ
مُضْلِعٌ: مُثْقِلٌ للأَضْلاعِ. والإِضْلاعُ: الإِمالةُ. يقال: حِمْلٌ مُضْلِعٌ
أَي مُثقِلٌ؛ قال الأَعشى:
عِنْدَه البِرُّ والتُّقَى وأَسَى الشَّقْـ
قِ وحَمْلٌ لِمُضْلِعِ الأَثقال
وداهِيةٌ مُضْلِعةٌ: تُثْقِلُ الأَضْلاع وتَكْسرها. والأَضْلَعُ:
الشَّدِيدُ القَوِيُّ الأَضْلاعِ. واضْطَلَعَ بالحِمْل والأَمْرِ: احْتَمَلَتْه
أَضلاعُه؛ والضَّلَعُ أَيضاً في قول سُوَيْد:
جَعَلَ الرَّحْمنُ، والحَمْدُ له،
سَعَةَ الأَخْلاقِ فينا، والضَّلَعْ
القُوَّةُ واحتمالُ الثَّقِيلِ؛ قاله الأَصمعي.
والضَّلاعةُ: القوَّةُ وشِدَّة الأَضْلاعِ، تقول منه: ضَلُعَ الرجل،
بالضم، فهو ضليعٌ. وفرس ضلِيعٌ تامّ الخَلْق مُجْفَرُ الأَضْلاع غَلِيظُ
الأَلْواحِ كثير العصب. والضَّلِيع: الطَّوِيلُ الأَضْلاعِ الواسِعُ الجنبين
العظيم الصدر. وفي حديث مَقْتَل أَبي جهل: فَتَمَنَّيْتُ أَن أَكون بين
أَضْلَعَ منهما أَي بين رجلين أَقوى من الرجلين اللذين كنت بينهما وأَشدّ،
وقيل: الضَّلِيعُ الطوِيلُ الأَضْلاعِ الضَّخْم من أَيِّ الحيوان كان
حتى من الجنّ. وفي الحديث: أَنَّ عمر، رضي الله عنه، صارَعَ جِنِّيّاً
فَصَرَعَه عمرُ ثم قال له: ما لِذِراعَيْكَ كأَنهما ذِراعا كلب؟ يَسْتَضْعِفُه
بذلك، فقال له الجِنِّيّ: أَما إِني منهم لَضَلِيعٌ أَي إِني منهم لعَظيم
الخَلْقِ. والضَّلِيعُ: العظيم الخلق الشديد. يقال: ضَلِيعٌ بَيِّنُ
الضَّلاعةِ، والأَضْلَعُ يوصف به الشديد الغليظ. ورجل ضَلِيعُ الفمِ: واسِعُه
عظِيمُ أَسْنانِه على التشبيه بالضِّلْع. وفي صفته، صلى الله عليه وسلم:
ضَلِيعُ الفَمِ أَي عَظِيمُه، وقيل: واسِعُه؛ حكاه الهرويُّ في الغريبين،
والعرب تَحْمَدُ عِظَمَ الفَم وسَعَته وتَذُمُّ صِغَره؛ ومنه قولهم في صفة
مَنْطِقِه، صلى الله عليه وسلم: أَنه كان يفتتح الكلام ويختتمه
بأَشْداقِه، وذلك لِرَحْبِ شِدْقَيْهِ. قال الأَصمعي: قلت لأَعرابي: ما الجَمالُ؟
فقال: غُؤُورُ العينين وإِشرافُ الحاجِبَينِ ورَحْبُ الشِّدْقينِ. وقال
شمر في قوله ضَلِيعُ الفم: أَراد عِظَمَ الأَسنان وتَراصُفَها. ويقال: رجل
ضَليع الثنايا غليظها. ورجل أَضْلَعُ: سِنُّه شبيهة بالضَّلع، وكذلك
امرأَة ضَلْعاءُ، وقوم ضُلْعٌ. وضُلُوعُ كلِّ إِنسان: أَربع وعشرون ضِلعاً،
وللصدر منها اثنتا عشرة ضلعاً تلتقي أَطرافها في الصدر وتتصل أَطراف بعضها
ببعض، وتسمى الجَوانِحَ، وخَلْفها من الظهر الكَتِفانِ، والكَتفانِ
بجِذاء الصدر، واثنتا عشرة ضلعاً أَْفَلَ منها في الجنبين، البطن بينهما لا
تلتقي أَطْرافُها، على طَرَف كل ضِلْع منها شُرْسُوف، وبين الصدر والجنبين
غُضْرُوفٌ يقال له الرَّهابةُ، ويقال له لِسانُ الصدر، وكل ضِلْع من
أَضْلاعِ الجنبين أَقْصَرُ من التي تليها إِلى أَن تنتهي إِلى آخرتها، وهي
التي في أَسفل الجنب يقال لها الضِّلَعُ الخَلْفُ. وفي حديث غَسْلِ دَمِ
الحَيْضِ: حُتِّيه بضِلَع، بكسر الضاد وفتح اللام، أَي بعود، والأَصل فيه
الضِّلْع ضلع الجَنْبِ، وقيل للعود الذي فيه انْحِناء وعِرَضٌ: ضِلَع تشبيهاً
بالضِّلْع الذي هو واحد الأَضْلاعِ، وهذه ضلع وثلاث أَضْلُع، قال ابن
بري: شاهد الضِّلَعِ، بالفتح، قول حاجب بن ذُبْيان:
بَني الضِّلَعِ العَوْجاءِ، أَنْتَ تُقِيمُها،
أَلا إِنّ تَقْوِيمَ الضُّلُوع انْكِسارُها
وشاهد الضِّلْع، بالتسكين، قول ابن مفرِّغ:
ورَمَقْتُها فَوَجَدْتُها
كالضِّلْعِ، لَيْسَ لَها اسْتِقامهْ
ويقال: شَرِبَ فلان حتى تَضَلَّعَ أَي انْتَفَخَتْ أَضْلاعُه من كثرة
الشرب، ومثله: شرب حتى أَوَّنَ أَي صار له أَوْنانِ في جنبيه من كثرة الشرب.
وفي حديث زمزم: فأَخَذ بِعَراقِيها فشرب حتى تَضَلَّع أَي أَكثر من الشرب
حتى تمدَّد جنبه وأَضلاعه. وفي حديث ابن عباس: أَنه كان يَتَضَلَّعُ من
زمزم. والضِّلَعُ: خَطٌّ يُخَطُّ في الأَرض ثم يُخَطُّ آخر ثم يبذر ما
بينهما.
وثياب مُضَلَّعةٌ: مُخَطَّطة على شكل الضِّلع؛ قال اللحياني: هو
المُوَشَّى، وقيل: المُضَلَّعُ من الثياب المُسَيَّر، وقيل: هو المُخْتَلِفُ
النَّسْجِ الرقيق، وقال ابن شميل: المضلَّع الثوب الذي قد نُسِجَ بعضه وترك
بعضه، وقيل: بُرد مُضَلَّع إِذا كانت خطوطه عَريضة كالأَضْلاع.
وتَضْلِيعُ الثوب: جعلُ وشْيِه على هيئة الأَضلاع. وفي الحديث: أَنه أُهْدِيَ له،
صلى الله عليه وسلم، ثَوْبٌ سِيَراءُ مُضَلَّعةٌ بقَزٍّ؛ المضلع الذي فيه
سيُور وخُطوط من الإِبْرَيْسَمِ أَو غيره شِبْهُ الأَضْلاع. وفي حديث علي:
وقيل له ما القَسِّيّةُ؟ قال: ثياب مُضَلَّةٌ فيها حرير أَي فيها خطوط
عريضة كالأَضْلاعْ.
ابن الأَعرابي: الضَّوْلَعُ المائِلُ بالهَوَى.
والضِّلَعُ من الجبل: شيءٌ مُسْتَدِقٌّ مُنْقادٌ، وقيل: هو الجُبَيْلُ
الصغير الذي ليس بالطويل، وقيل: هو الجبيل المنفرد، وقيل: هو جبل ذلِيلٌ
مُسْتَدِقٌّ طويل، يقال: انزل بتلك الضِّلع. وفي الحديث: أَن النبي، صلى
الله عليه وسلم، لما نظر إِلى المشركين يوم بدر قال: كأَني بكم يا أَعداءَ
اللهِ مُقَتَّلِين بهذه الضِّلَعِ الحمْراءِ؛ قال الأَصمعي: الضِّلَع جبيل
مستطيل في الأَرض ليس بمرتفع في السماء. وفي حديث آخر: إِنَّ ضَلْعَ قُرَيْشٍ
عند هذه الضِّلَع الحمْراءِ أَي مَيْلَهم. والضِّلَعُ. الحَرَّةُ
الرَّجِيلةُ. والضَّلَعُ: الجَزيرةُ في البحر، والجمع أَضلاع، وقيل: هو جزيرة
بعينها.
والضَّلْعُ: المَيْلُ. وضَلَعَ عن الشيء، بالفتح، يَضْلَعُ ضَلْعاً،
بالتسكين: مالَ وجَنَفَ على المثل. وضَلَعَ عليه ضَلْعاً: حافَ. والضالِعُ:
الجائِرُ. والضالِعُ: المائِلُ؛ ومنه قيل: ضَلْعُك مع فلان أَي مَيْلُكَ
معه وهَواك. ويقال: هُمْ عليَّ ضِلَعٌ جائرةٌ، وتسكين اللام فيهما جائز.
وفي حديث ابن الزبير: فرَأى ضَلْعَ معاويةَ مع مَرْوانَ أَي مَيْلَه. وفي
المثل: لا تَنْقُشِ الشوْكَةَ بالشوْكةِ فإِنَّ ضَلْعَها معها أَي
مَيْلَها؛ وهو حديث أَيضاً يضرب للرجل يخاصم آخرَ فيقول: أَجْعَلُ بيتي وبيتك
فلاناً لرجل يَهْوَى هَواه. ويقال: خاصَمْتُ فلاناً فكان ضَلْعُك عليَّ أَي
مَيْلُكَ. أَبو زيد: يقال هم عليَّ أَلْبٌ واحد، وصَدْعٌ واحد، وضَلْعٌ
واحد، يعني اجتماعَهم عليه بالعَداوة. وفي الحديث: أَنه، صلى الله عليه
وسلم، قال: اللهم إِني أَعوذ بك من الهَمِّ والحَزَن والعَجْز والكَسَل
والبُخْلِ والجُبْنِ وضَلَعِ الدَّيْنِ وغَلَبةِ الرجال؛ قال ابن الأَثير:
أَي ثِقَلِ الدَّيْنِ، قال: والضَّلَعُ الاعْوِجاجُ، أَي يُثْقِلُه حتى
يميل صاحبُه عن الاستواءِ والاعتدالِ لثقله. وفي حديث علي، كرم الله وجهه:
وارْدُدْ إِلى الله ورسوله ما يُضْلِعُكَ من الخُطوبِ أَي يُثْقِلُك.
والضَّلَعُ، بالتحريك: الاعْوِجاجُ خِلْقةً يكون في المشي من المَيْلِ؛ قال محمد
بن عبد الله الأَزديّ:
وقد يَحْمِلُ السَّيْفَ المُجَرَّبَ رَبُّه
على ضَلَعٍ في مَتْنِه، وهْوَ قاطِعُ
فإِن لم يكن خلقة فهو الضَّلْعُ، بسكون اللام، تقول منه: ضَلعَ، بالكسر،
يَضْلَعُ ضَلَعاً، وهو ضَلِعٌ. ورُمْحٌ ضَلِعٌ: مُعَوَّجٌ لم يُقَوَّمْ؛
وأَنشد ابن شميل:
بكلِّ شَعْشاعٍ كجِذْعِ المُزْدَرِعْ،
فَلِيقُه أَجْرَدُ كالرُّمْحِ الضَّلِعْ
يصف إِبلاً تَناوَلُ الماءَ من الحوض بكلِّ عُنُقٍ كجِذْعِ الزُّرْنُوق،
والفَلِيقُ: المطمئِنُّ في عنق البعير الذي فيه الحُلْقُوم. وضَلِعَ
السيفُ والرمْحُ وغيرهما ضَلَعاً، فهو ضَلِيعٌ: اعْوَجَّ. ولأُقِيمَنَّ
ضَلَعَكَ وصَلَعَك أَي عِوَجَك. وقَوْسٌ ضَلِيعٌ ومَضْلُوعة: في عُودها عَطَفٌ
وتــقيومٌ وقد شاكَلَ سائرُها كَبِدَها؛ حكاه أَبو حنيفة؛ وأَنشد للمتنخل
الهذلي:
واسْلُ عن الحِبِّ بمضْلُوعةٍ،
نَوَّقَها الباري ولم يَعْجَلِ
وضَلِيعٌ
(* قوله «وضليع القوس» كذا بالأصل، ولعله والضليعة.) :
القَوْسُ.
ويقال: فلان مَضْطَلِعٌ بهذا الأَمر أَي قويٌّ عليه، وهو مُفْتَعِلٌ من
الضَّلاعةِ. قال: ولا يقال مُطَّلِعٌ، بالإِدغام. وقال أَبو نصر أَحمد بن
حاتم: يقال هو مُضْطلِعٌ بهذا الأَمر ومُطَّلِعٌ له، فالاضْطلاعُ من
الضَّلاعةِ وهي القوَّة، والاطِّلاعُ من الفُلُوِّ من قولهم اطَّلَعْتُ
الثَّنِيَةَ أَي عَلَوْتُها أَي هو عالٍ لذلك الأَمرِ مالِكٌ له. قال الليث:
يقال إنِّي بهذا الأَمر مُضْطَلِعٌ ومُطَّلِعٌ، الضاد تدغم في التاء
فتصير طاء مشددة، كما تقول اظنَّنَّي أَي اتّهَمَني، واظَّلَمَ إِذا احتَمَلَ
الظُّلْمَ. واضْطَلَعَ الحِمْلَ أَي احْتَمَلَه أَضلاعُه. وقال ابن
السكية: يقال هو مُضْطَلِعٌ بحَمْلِه أَي قويٌّ على حَمْلِه، وهو مُفْتَعِلٌ
من الضَّلاعة، قال: ولا يقال هو مُطَّلِع بحَمْله؛ وروى أَب الهيثم قول
أَبي زبيد:
أَخُو المَواطِنِ عَيّافُ الخَنى أُنُفٌ
للنَّئباتِ، ولو أُضْلِعْنَ مُطَّلِعٌُ
(* قوله «انف» كذا ضبط بالأصل.)
أُضْلِعْنَ: أُثْقِلْنَ وأُعْظِمْنَ؛ مُطَّلِعٌ: وهو القويُّ على
الأَمرِ المُحْتَمِلُ؛ أَراد مُضْطَلِعٌ فأَدْغَم، هكذا رواه بخطه، قال: ويروى
مُضْطَلِعٌ. وفي حديث عليّ، عليه السلام، في صفة النبي، صلى الله عليه
وسلم: كما حُمِّلَ فاضْطَلَع بأَمركَ لطاعتك؛ اضْطَلَعَ افتَعَلَ من
الضَّلاعةِ وهي القوةُ. يقال: اضطَلَعَ بحمله أَي قَوِيَ عليه ونَهَضَ به. وفي
الحديث: الحِمْلُ المُضْلِعُ والشَّرُّ الذي لا ينقطع إِظهارُ البدع؛
المُضْلِعُ: المُثْقِلُ كأَنه يَتَّكِئُ على الأَضْلاعِ، ولو روي بالظاء
من الظَّلَعِ والغَمْزِ لكان وجهاً.
هشر: الهَشْرُ: خِفَّة الشيء ورِقَّتُه. ورجل هَيْشَرٌ: رِخْوٌ ضعيف
طويل. والهَيْشَرُ والهَيْشُور: شجر، وقيل: نبات رِخْوٌ فيه طول على رأْسه
بُرْعُومَةٌ كأَنه عنق الرَّأْلِ؛ قال ذو الرمة يصف فراخ النَّعام:
كأَن أَعْناقَها كُرَّاثُ سائِفَةٍ
طارَتْ لَفائِفُه، أَوْ هَيْشَرٌ سُلُبُ
أَي مَسْلُوبُ الورق؛ وقال الراجز:
باتتْ تَعَشَّى الحَمْضَ بالقَصِيم،
لُبايَةً من هَمِقٍ هَيْشُور* قوله« لباية» بموحدة فمثناة تحتية بينهما
ألف، كذا بالأصل ونسخة من القاموس شرح عليها السيد مرتضى وصوَّبها. وفي
نسخ من الصحاح والقاموس: لبابة بموحدتين.
وفي رواية: هَيْشُوم، وقيل: الهيشور شجر ينبت في الرمل يطول ويستوي وله
كمأَة، البَزْرُ في رأْسه. والسائفة: ما استرق من الرمل. غيره:
الهَيْشَرُ كَنْكَرُ البَرِّ ينبت في الرمال. ابن الأَعرابي: الهُشَيْرَةُ تصغير
الهُشْرَةِ، وهي البَطَرُ. وفي النوادر: شجرة هَشُورٌ وهَشِرَةٌ وهَمُورٌ
وهَمِرَةٌ إِذا كان ورقها يسقط سريعاً. وقال أَبو حنيفة: من العُشْب
الهَيْشَرُ وله ورقة شاكَةٌ فيها شَوْكٌ ضخم وهو يُسَمِّقُ، وزهرته صفراء
وتطولُ، له قصبةٌ من وسطه حتى تكون أَطول من الرجل، واحدته هَيْشَرَةٌ.
والمِهْشارُ من الإِبل: التي تَضْبعُ قَبْلَها* قوله« التي تضبع قبلها» أي
تشتهي الفحل قبل الابل. ووقع في القاموس: التي تضع أي من الوضع قبلها أي
بضمتين، وخطأه شارحه وصوّت ما في اللسان وصوّب وتَلْقَحُ في أَوّل ضَرْبَة
ولا تُمارِنُ. والمَهْشُورُ من الإِبل: المُحْتَرِقُ الرِّئَةِ.
قنم: قَنِمَ الطَّعامُ واللحمُ والثَّرِيد والدُّهن والرُّطب يَقْنَم
قَنَماً، فهو قَنِمٌ وأقْنَمُ: فَسَد وتغيرت رائحته؛ وأَنشد:
وقد قَنِمَتْ من صَرِّها واحْتِلابها
أَنامِلُ كَفَّيْها، ولَلْوَطْبُ أَقْنَمُ
والاسم: القَنَمةُ؛ قال سيبوية: جعلوه اسماً للرائحة. التهذيب: ويقال
فيه قَنَمةٌ ونَمَقَةٌ إذا أَرْوَح وأَنْتَن. الجوهري: القَنَمة، بالتحريك،
خُبْث ريح الأَدهان والزيت ونحو ذلك. وقَنِمت يدي من الزيت قَنَماً، فهي
قَنِمة: اتَّسخت. والقَنَمُ في الخيل والإبل: أَن يُصيب الشعرَ النَّدى
ثم يصيبه الغُبار فيركبه لذلك وَسَخ. وبقرة قَنِمة: متغيرة الرائحة؛ حكاه
ثعلب. وقد قَنِمَ سِقاؤه، بالكسر، قَنَماً أي تَمِهَ. وقَنِمَ الجَوْزُ،
فهو قانم أي فاسد.
والأَقانِيمُ: الأُصول، واحدها أُقْنُوم؛ قال الجوهري: وأَحسبها رومية.
أخذ: الأَخْذ: خلاف العطاء، وهو أَيضاً التناول. أَخذت الشيء آخُذُه
أَخذاً: تناولته؛ وأَخَذَه يأْخُذه أَخْذاً، والإِخذُ، بالكسر: الاسم. وإِذا
أَمرت قلت: خذْ، وأَصله أُؤْخُذ إِلا أَنهم استثقلوا الهمزتين فحذفوهما
تخفيفاً؛ قال ابن سيده: فلما اجتمعت همزتان وكثر استعمال الكلمة حذفت
الهمزة الأَصلية فزال الساكن فاستغني عن الهمزة الزائدة، وقد جاء على الأَصل
فقيل: أُوخذ؛ وكذلك القول في الأَمر من أَكل وأَمر وأَشباه ذلك؛ ويقال:
خُذِ الخِطامَ وخُذْ بالخِطام بمعنى. والتأْخاذُ: تَفْعال من الأَخذ؛ قال
الأَعشى:
لَيَعُودَنْ لِمَعَدّ عَكْرَةً
دَلَجُ الليلِ وتأْخاذُ المِنَحْ
قال ابن بري: والذي في شعر الأَعشى:
ليُعيدَنْ لمعدٍّ عَكْرَها
دَلَجَ الليلِ وتأْخاذَ المنح
أَي عَطْفَها. يقال: رجع فلان إِلى عَكْرِه أَي إِلى ما كان عليه، وفسر
العكْرَ بقوله: دلجَ الليلِ وتأْخاذَ المنح. والمنَحُ: جمع مِنْحَة، وهي
الناقة يعيرها صاحبها لمن يحلبها وينتفع بها ثم يعيدها. وفي النوادر:
إِخاذةُ الحَجَفَةِ مَقْبِضُها وهي ثقافها.
وفي الحديث: جاءت امرأَة إِلى عائشة، رضي الله عنها، أُقَيّدُ جملي
(*
قوله «جاءت امرأة إلخ» كذا بالأصل والذي في شرح القاموس فقالت أقيد) . وفي
حديث آخر: أُؤْخِّذ جملي. فلم تَفْطُنْ لها حتى فُطِّنَتْ فأَمرتْ
بإِخراجها؛ وفي حديث آخر: قالت لها: أُؤْخِّذُ جملي؟ قالت: نعم. التأْخيذُ:
حَبْسُ السواحر أَزواجَهنَّ عن غيرهنّ من النساء، وكَنَتْ بالجمل عن زوجها
ولم تعلم عائشة، رضي الله عنها، فلذلك أَذِنت لها فيه. والتأْخِيذُ: أَن
تحتالَ المرأَةُ بحيَل في منعِ زوجِها من جِماع غيرها، وذلك نوع من
السحر. يقال: لفلانة أُخْذَةٌ تُؤْخِّذُ بها الرجال عن النساء، وقد أَخَّذَتْه
الساحرة تأَخيذاً؛ ومنه قيل للأَسير: أَخِيذٌ. وقد أُخِذَ فلان إِذا
أُسر؛ ومنه قوله تعالى: اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم. معناه، والله
أَعلم: ائْسِروهم. الفراء: أَكذَبُ من أَخِيذ الجيش، وهو الذي يأْخذُه
أَعداؤه فَيَسْتَدِلُّونه على قومه، فهو يَكْذِبُهم بِجُهْدِه. والأَخيذُ:
المأْخُوذُ. والأَخيذ: الأَسير. والأَخِيذَةُ: المرأَة لِسَبْي. وفي
الحديث: أَنه أَخذ السيفَ وقال مَن يمنعُك مني؟ فقال: كن خير آخِذٍ أَي خيرَ
آسر. والأَخيذَةُ: ما اغْتُصِبَ من شيء فأُخِذَ.
وآخَذَه بذنبه مُؤاخذة: عاقبه. وفي التنزيل العزيز: فكلاًّ أَخذْنا
بذَنْبه. وقوله عز وجل: وكأَيِّنْ من قرية أَمليتُ لها وهي ظالمة ثم
أَخذتُها؛ أَي أَخذتها بالعذاب فاستغنى عنه لتقدّم ذكره في قوله: ويستعجلونك
بالعذاب. وفي الحديث: من أَصاب من ذلك شيئاً أُخِذَ به. يقال: أُخِذَ فلانٌ
بذنبه أَي حُبِسَ وجُوزِيَ عليه وعُوقِب به.
وإِن أَخذوا على أَيديهم نَجَوْا. يقال: أَخذتُ على يد فلان إِذا منعته
عما يريد أَن يفعله كأَنك أَمْسكت على يده. وقوله عز وجل: وهمَّت كلُّ
أُمّة برسولهم ليأْخذوه قال الزجاج: ليتمكنوا منه فيقتلوه. وآخَذَه :
كأَخَذَه. وفي التنزيل العزيز: ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا؛ والعامة تقول
واخَذَه. وأَتى العِراقَ وما أَخذَ إِخْذَه، وذهب الحجازَ وما أَخذ
إِخذه، ووَلي فلان مكةَ وما أَخذَ إِخذَها أَي ما يليها وما هو في ناحِيتها،
واسْتُعْمِلَ فلانٌ على الشام وما أَخَذَ إِخْذَه، بالكسر، أَي لم يأْخذ
ما وجب عليه من حسن السيرة ولا تقل أَخْذَه، وقال الفراء: ما والاه وكان
في ناحيته.
وذهب بنو فلان ومن أَخَذَ إِخْذُهم وأَخْذُهم، يكسرون
(* قوله «إخذهم
وأخذهم يكسرون إلخ» كذا بالأصل وفي القاموس وذهبوا ومن أخذ اخذهم، بكسر
الهمزة وفتحها ورفع الذال ونصبها). الأَلف ويضمون الذال، وإِن شئت فتحت
الأَلف وضممت الذال، أَي ومن سار سيرهم؛ ومن قال: ومن أَخَذَ إِخْذُهم أَي
ومن أَخَذَه إِخْذُهم وسيرتُهم. والعرب تقول: لو كنت منا لأَخَذْتَ
بإِخذنا، بكسر الأَلف، أَي بخلائقنا وزِيِّنا وشكلنا وهدينا؛ وقوله أَنشده ابن
الأَعرابي:
فلو كنتمُ منا أَخَذْنا بأَخْذكم،
ولكنها الأَوجاد أَسفل سافل
(* قوله «ولكنها الأوجاد إلخ» كذا بالأصل وفي شرح القاموس الأجساد).
فسره فقال: أَخذنا بأَخْذِكم أَي أَدركنا إِبلَكم فردَدناها عليكم، لم يقل
ذلك غيره. وفي الحديث: قد أَخَذُوا أَخَذاتِهم؛ أَي نزلوا منازِلَهم؛ قال
ابن الأَثير: هو بفتح الهمزة والخاء.
والأُخْذَة، بالضم: رقية تأْخُذُ العينَ ونحوها كالسحر أَو خرزة
يُؤَخِّذُ بها النساءُ الرجال، من التأْخِيذِ. وآخَذَه: رَقاه. وقالت أُخْتُ
صُبْحٍ العاديِّ تبكي أَخاها صبحاً، وقد قتله رجل سِيقَ إِليه على سرير،
لأَنها قد كانت أَخَذَتْ عنه القائمَ والقاعدَ والساعِيَ والماشِيَ
والراكِبَ: أَخَذْتُ عنك الراكِبَ والساعِيَ والماشِيَ والقاعِدَ والقائِمَ، ولم
آخُذْ عنك النائمَ؛ وفي صبح هذا يقول لبيد:
ولقد رأَى صُبْحٌ سوادَ خليلِه،
ما بين قائمِ سَيْفِهِ والمِحْمَلِ
عن بخليله كَبِدَه لأَنه يروى أَن الأَسد بَقَر بطنه، وهو حيٌّ، فنظر
إِلى سوادِ كَبِده.
ورجل مُؤَخَّذٌ عن النساء: محبوس.
وائْتَخَذْنا في القتال، بهمزتين: أَخَذَ بعضُنا بعضاً. والاتِّخاذ:
افتعال أَيضاً من الأَخذ إِلا أَنه أُدغم بعد تليين الهمزة وإِبدال التاء،
ثم لما كثر استعماله على لفظ الافتعال توهموا أَن التاء أَصلية فبنوا منه
فَعِلَ يَفْعَلُ. قالوا: تَخِذَ يَتْخَذ، وقرئ: لتَخِذْت عليه أَجراً.
وحكى المبرد أَن بعض العرب يقول: اسْتَخَذَ فلان أَرضاً يريد اتَّخَذَ
أَرضاً فتُبْدِلُ من إِحدى التاءين سيناً كما أَبدلوا التاءَ مكان السين في
قولهم ستُّ؛ ويجوز أَن يكون أَراد استفعل من تَخِذَ يَتْخَذ فحذف إِحدى
التاءَين تخفيفاً، كما قالوا: ظَلْتُ من ظَلِلْتُ. قال ابن شميل:
اسْتَخَذْتُ عليهم يداً وعندهم سواءٌ أَي اتَّخَذْتُ.
والإِخاذةُ: الضَّيْعَة يتخذها الإِنسان لنفسه؛ وكذلك الإِخاذُ وهي
أَيضاً أَرض يحوزها الإِنسان لنفسه أَو السلطان. والأَخْذُ: ما حَفَرْتَ
كهيئةِ الحوض لنفسك، والجمع الأُخْذانُ، تُمْسِكُ الماءَ أَياماً . والإِخْذُ
والإِخْذَةُ: ما حفرته كهيئةِ الحوض، والجمع أُخْذٌ وإِخاذ.
والإِخاذُ: الغُدُرُ، وقيل: الإِخاذُ واحد والجمع آخاذ، نادر، وقيل:
الإِخاذُ والإِخاذةُ بمعنى، والإِخاذةُ: شيء كالغدير، والجمع إِخاذ، وجمع
الإِخاذِ أُخُذٌ مثل كتاب وكُتُبٍ، وقد يخفف؛ قال الشاعر:
وغادَرَ الأُخْذَ والأَوجاذَ مُتْرَعَة
تَطْفُو، وأَسْجَل أَنْهاءً وغُدْرانا
وفي حديث مَسْروقِ بنِ الأَجْدَع قال: ما شَبَّهْتُ بأَصحاب محمد، صلى
الله عليه وسلم، إِلا الإِخاذ تكفي الإِخاذةُ الراكب وتكفي الإِخاذَةُ
الراكبَين وتكفي الإِخاذَةُ الفِئامَ من الناسِ؛ وقال أَبو عبيد: هو
الإِخاذُ بغير هاء؛ وهو مجتَمَع الماءِ شبيهٌ بالغدير؛ قال عدِيّ بنُ زيد يصف
مطراً:
فاضَ فيه مِثلُ العُهونِ من الرَّوْ
ضِ، وما ضنَّ بالإِخاذِ غُدُرْ
وجمع الإِخاذِ أُخُذٌ؛ وقال الأَخطل:
فظَلَّ مُرْتَثِئاً، والأُخْذُ قد حُمِيَتْ،
وظَنَّ أَنَّ سَبِيلَ الأُخْذِ مَيْمُونُ
وقاله أَيضاً أَبو عمرو وزاد فيه: وأَما الإِخاذةُ، بالهاء، فإِنها
الأَرض يأْخذها الرجل فيحوزها لنفسه ويتخذها ويحييها، وقيل: الإِخاذُ جمع
الإِخاذةِ وهو مَصنعٌ للماءِ يجتمع فيه، والأَولى أَن يكون جنساً للإِخاذة
لا جمعاً، ووجه التشبيه مذكور في سياق الحديث في قوله تكفي الإِخاذةُ
الراكِبَ، وباقي الحديث يعني أَنَّ فيهم الصغيرَ والكبيرَ والعالم والأَعلم؛
ومنه حديث الحجاج في صفة الغيث: وامتلأَت الإِخاذُ؛ أَبو عدنان: إِخاذٌ
جَمْع إِخاذة وأُخذٌ جمع إِخاذ؛ وقال أَبو عبيدة: الإِخاذةُ والإِخاذ،
بالهاء وغير الهاء، جمع إِخْذٍ، والإِخْذُ صَنَعُ الماء يجتمع فيه. وفي حديث
أَبي موسى عن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: إِنَّ مَثَلَ ما بعَثني
الله به من الههُدَى والعِلْمِ كمثلِ غيثٍ أَصاب أَرضاً، فكانت منها
طائفةٌ طيبةٌ قَبِلتِ الماء فأَنبتت الكلأَ والعشب الكثير، وكانت فيها
إِخاذاتٌ أَمسكتِ الماء فنفع الله بها الناسَ، فشرِبوا منها وسَقَوْا ورَعَوْا،
وأَصابَ طائفةً منها أُخرى إِنما هي قيعان لا تُمسِكُ ماءً ولا تُنبِتُ
كلأً، وكذلك مَثلُ من فقُه في دين الله ونَفَعه ما بعَثني الله به فعلم
وعلَّم، ومَثَلُ من لم يَرْفَعْ بذلك رأْساً ولم يَقْبلْ هُدى الله الذي
أُرْسِلْتُ به؛ الإِخاذاتُ: الغُدرانُ التي تأْخذُ ماءَ السماءِ
فَتَحْبِسهُ على الشاربة، الواحدةُ إِخاذة. والقيعانُ: جمع قاع، وهي أَرض حَرَّة لا
رملَ فيها ولا يَثبتُ عليها الماء لاستوائها، ولا غُدُر فيها تُمسِكُ
الماءَ، فهي لا تنبت الكلأَ ولا تمسك الماء. اهـ.
وأَخَذَ يَفْعَلُ كذا أَي جعل، وهي عند سيبويه من الأَفعال التي لا يوضع
اسمُ الفاعل في موضع الفعلِ الذي هو خبرها. وأَخذ في كذا أَي بدأَ.
ونجوم الأَخْذِ: منازلُ القمر لأَن القمر يأْخذ كل ليلة في منزل منها؛
قال:
وأَخْوَتْ نجومُ الأَخْذِ إِلا أَنِضَّةً،
أَنِضَّةَ مَحْلٍ ليسَ قاطِرُها يُثْري
قوله: يُثْرِي يَبُلُّ الأَرضَ، وهي نجومُ الأَنواءِ، وقيل: إِنما قيل
لها نجومُ الأَخذِ لأَنها تأْخُذُ كل يوم في نَوْءِ ولأَخْذِ القمر في
منازلها كل ليلة في منزل منها، وقيل: نجومُ الأَخْذِ التي يُرمى بها
مُسْتَرِقُ السمع، والأَول أَصح.
وائْتَخذَ القومُ يأْتخذون ائْتِخاذاً، وذلك إِذا تصارعوا فأَخذ كلٌّ
منهم على مُصَارِعِه أُخذَةً يعتقله بها، وجمعها أُخَذٌ؛ ومنه قول
الراجز:وأُخَذٌ وشَغرِبيَّاتٌ أُخَر
الليث: يقال اتخَذَ فلان مالاً يَتَّخِذه اتِّخاذاً، وتَخِذَ يَتْخَذُ
تخَذاً، وتَخِذْتُ مالاً أَي كسَبْتُه، أُلزمَتِ التاءُ الحرفَ كأَنها
أَصلية. قال الله عز وجل: لو شئتَ لَتَخِذْتَ عليه أَجراً؛ قال الفراء: قرأَ
مجاهد لَتَخِذْتَ؛ قال: وأَنشدني العتابي:
تَخِذَها سَرِيَّةً تُقَعِّدُه
قال: وأَصلها افتعلت؛ قال أَبو منصور: وصحت هذه القراءة عن ابن عباس
وبها قرأَ أَبو عمرو بن العلاء، وقرأَ أَبو زيد: لَتَخَذْتَ عليه أَجراً.
قال: وكذلك مكتوب هو في الإِمام وبه يقرأُ القراء؛ ومن قرأَ لاتَّخَذْت،
بفتح الخاء وبالأَلف، فإِنه يخالف الكتاب. وقال الليث: من قرأَ لاتَّخَذْت
فقد أَدغم التاءَ في الياءَ فاجتمعت همزتان فصيرت إِحداهما باء،
وأُدْغِمَت كراهةَ التقائهما.
والأَخِذُ من الإِبل: الذي أَخَذَ فيه السِّمنُ، والجمع أَواخِذُ.
وأَخِذَ الفصيل، بالكسر، يأْخَذُ أَخَذاً، فهو أَخِذ: أَكثر من اللبن حتى
فسَدَ بطنُه وبَشِم واتَّخَم.
أَبو زيد: إِنه لأَكْذَب من الأَخِيذِ الصَّيْحانِ، وروي عن الفراء أَنه
قال: من الأَخِذِ الصَّيْحانِ بلا ياء؛ قال أَبو زيد: هو الفصيل الذي
اتُّخِذَ من اللبن. والأَخَذُ: شبه الجنون، فصيل أَخِذٌ على فَعِل، وأَخِذَ
البعيرُ أَخَذاً، وهو أَخِذٌ: أَخَذَه مثلُ الجنون يعتريه وكذلك الشاة،
وقياسه أَخِذٌ.
والأُخُذُ: الرَّمَد، وقدأَخِذَت عينه أَخَذاً. ورجل أَخِذٌ: بعينه
أُخُذ مثل جُنُب أَي رمد، والقياس أَخِذٌ كالأَوّل. ورجل مُسْتأْخِذٌ:
كأَخِذ؛ قال أَبو ذؤيب:
يرمي الغُيوبَ بِعيْنَيْهِ ومَطْرِفُهُ
مُغْضٍ كما كَسَفَ المستأْخِذُ الرمِدُ
والمستأْخذُ: الذي به أُخُذٌ من الرمد. والمستأْخِذُ: المُطَأْطِئُ
الرأْسِ من رَمَدٍ أَو وجع أَو غيره.
أَبو عمرو: يقال أَصبح فلان مؤتخذاً لمرضه ومستأْخذاً إِذا أَصبحَ
مُسْتَكِيناً.
وقولهم: خُذْ عنك أَي خُذْ ما أَقول ودع عنك الشك والمِراء؛ فقال: خذ
الخطام
(* قوله «فقال خذ الخطام» كذا بالأصل وفيه كشطب كتب موضعه فقال ولا معنى
له.) وقولهم: أَخَذْتُ كذا يُبدلون الذال تاء فيُدْغمونها في التاء،
وبعضهم يُظهرُ الذال، وهو قليل.
شره: الشَّرَهُ: أَسْوَأُ الحِرْصِ، وهو غلبة الحِرْصِ، شَرهَ شَرَهاً
فهو شَرهٌ
وشَرْهانُ. ورجل شَرهٌ: شَرْهانُ النفس حَريصٌ. والشَّرِهُ
والشَّرْهانُ: السريعُ الطَّعْمِ الوَحِيُّ، وإن كان قليلَ الطَّعْمِ. ويقال: شَرِهَ
فلانٌ
إلى الطعام يَشْرَهُ شَرَهاً إذا اشْتَدَّ حِرْصُه عليه. وسَنة شَرْهاء:
مُجْدِبة؛ عن الفارسي. وقولُهم: هَيا
(* قوله «وقولهم هيا إلخ» مثله في
التهذيب، والذي في التكملة ما نصه: قال الصاغاني هذا غلط وليس هذا اللفظ
من هذا التركيب في شيء أعني تركيب شره، وبعضهم يقول آهيا شراهيا مثل
عاهيا وكل ذلك تصحيف وتحريف وإنما هو إهيا بكسر الهمزة وسكون الهاء وأشر
بالتحريك سكون الراء وبعده إهيا مثل الأول وهو اسم من أسماء الله جل ذكره،
ومعنى إهيا أشر إهيا الأزلي الذي لم يزل، هكذا أقرأنيه حبر من أحبار اليهود
بعدن أبين). شَراهِيا، معناه يا حيُّ يا قيُّومُ بالعِبْرانِيَّةِ.
شده: شَدَهَ رأْسَه شَدْهاً: شَدَخَه. قال ابن جني: أَما قولهم
السَّدْهُ في الشَّدْهِ، ورجل مَسْدُوه في معنى مَشْدُوه، فينبغي أَن تكون السين
بدلاً من الشين لأَن الشين أَعم تَصَرُّفاً. وشُدِهَ الرجلُ شَدَهاً
وشُدْهاً: شُغِل: وقيل: تَحَيَّر، والاسم الشُّداهُ. الأَزهري: شُدِهَ الرجلُ
دُهِشَ، فهو دَهِشٌ ومَشْدُوهٌ
شَدَهاً، وقد أَشْدَهَه كذا. أَبو زيد: شُدِهَ الرجلُ شَدْهاً
(* قوله
«شده الرجل شدهاً إلخ» جاء المصدر محركاً وبضم أو فتح فسكون كما في
القاموس وغيره). فهو مَشْدُوهٌ: دُهِشَ، والاسم الشُّدْهُ والشَّدَهُ مثل
البُخْلِ والبَخَلِ، وهو الشُّغْل ليس غيره. وقال: شُدِهَ الرجلُ شُغِلَ لا
غَيْرُ. قال أَبو منصور: لم يَجعَلْ شُدِهَ من الدَّهَشِ كما يظن بعض الناس
أَنه مقلوب منه، واللغة العالية دَهِشَ، على فَعِلَ، وأَما الشَّدْهُ
فالدال ساكنة.
شره: الشَّرَهُ: أَسْوَأُ الحِرْصِ، وهو غلبة الحِرْصِ، شَرهَ شَرَهاً
فهو شَرهٌ
وشَرْهانُ. ورجل شَرهٌ: شَرْهانُ النفس حَريصٌ. والشَّرِهُ
والشَّرْهانُ: السريعُ الطَّعْمِ الوَحِيُّ، وإن كان قليلَ الطَّعْمِ. ويقال: شَرِهَ
فلانٌ
إلى الطعام يَشْرَهُ شَرَهاً إذا اشْتَدَّ حِرْصُه عليه. وسَنة شَرْهاء:
مُجْدِبة؛ عن الفارسي. وقولُهم: هَيا
(* قوله «وقولهم هيا إلخ» مثله في
التهذيب، والذي في التكملة ما نصه: قال الصاغاني هذا غلط وليس هذا اللفظ
من هذا التركيب في شيء أعني تركيب شره، وبعضهم يقول آهيا شراهيا مثل
عاهيا وكل ذلك تصحيف وتحريف وإنما هو إهيا بكسر الهمزة وسكون الهاء وأشر
بالتحريك سكون الراء وبعده إهيا مثل الأول وهو اسم من أسماء الله جل ذكره،
ومعنى إهيا أشر إهيا الأزلي الذي لم يزل، هكذا أقرأنيه حبر من أحبار اليهود
بعدن أبين). شَراهِيا، معناه يا حيُّ يا قيُّومُ بالعِبْرانِيَّةِ.
وجه: الوَجْهُ: معروف، والجمع الوُجُوه. وحكى الفراء: حَيِّ الأُجُوهَ
وحَيِّ الوُجُوه. قال ابن السكيت: ويفعلون ذلك كثيراً في الواو إذا
انضمت. وفي الحديث: أَنه ذكر فِتَناً كوُجُوهِ البَقَرِ أَي يُشْبِه بَعْضُها
بعضاً لأَن وُجُوهَ البقر تتشابه كثيراً؛ أَراد أَنها فِتَنٌ
مُشْتَبِهَةٌ لا يُدْرَى كيف يُؤْتَى لها. قال الزمخشري: وعندي أَن المراد تأْتي
نواطِحَ للناس ومن ثم قالوا نَواطِحُ الدَّهْرِ لنوائبه. ووَجْهُ كُلِّ شيء:
مُسْتَقْبَلُه، وفي التنزيل العزيز: فأَيْنَما تُوَلُّوا فثَمَّ وَجْهُ
اللهِ. وفي حديث أُمّ سلمة: أَنها لما وَعَظَتْ عائشة حين خرجت إلى
البصرة قالت لها: لو أَن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عَارَضَكِ ببعض
الفَلَواتِ ناصَّةً قَلُوصاً من مَنْهَلٍ إلى مَنْهَلٍ قد وَجِّهْتِ
سدافَتَه وتَرَكْتِ عُهَّيْداهُ في حديث طويل؛ قولها: وَجَّهْتِ
سِدافَتَه أَي أَخذتِ وَجْهاً هَتَكْتِ سِتْرَك فيه، وقيل: معناه أَزَلْتِ
سِدافَتَهُ، وهي الحجابُ، من الموضع الذي أُمِرْتِ أَن تَلْزَمِيه وجَعَلْتِها
أَمامَكِ. القتيبي: ويكون معنى وَجَّهْتِهَا أَي أَزَلْتِهَا من المكان
الذي أُمِرْتِ بلزومه وجَعَلْتِهَا أَمامَكِ. والوَجْهُ: المُحَيَّا.
وقوله تعالى: فأَقِمْ وَجْهَكَ للدِّين حَنِيفاً؛ أَي اتَّبِع الدِّينَ
القَيِّمَ، وأَراد فأَقيموا وجوهكم، يدل على ذلك قوله عز وجل بعده:
مُنِيبِينَ إليه واتَّقُوهُ؛ والمخاطَبُ النبيُّ، صلى الله عليه وسلم، والمراد
هو والأُمَّةُ، والجمع أَوْجُهٌ ووُجُوهٌ. قال اللحياني: وقد تكون
الأَوْجُهُ للكثير، وزعم أَن في مصحف أُبَيٍّ أَوْجُهِكُمْ مكان وُجُوهِكُمْ،
أُراه يريد قوله تعالى: فامسحوا بوُجُوهِكُمْ. وقوله عز وجل: كلُّ شيءٍ
هالكٌ إلا وَجْهَهُ؛ قال الزجاج: أَراد إلا إيَّاهُ. وفي الحديث: كانَتْ
وُجُوهُ بُيُوت أَصحابِهِ شارعةً في المسجد؛ وَجْهُ البيتِ: الخَدُّ
الذي يكون فيه بابه أَي كانت أَبواب بيوتهم في المسجد، ولذلك قيل لَخَدِّ
البيت الذي فيه الباب وَجْهُ الكَعْبةِ. وفي الحديث: لتُسَوُّنَّ
صُفُوفَكُمْ أَو لَيُخالِفَنَّ الله بين وُجُوهكم؛ أَراد وُجوهَ القلوب، كحديثه
الآخر: لا تَخْتَلِفُوا فتَخْتَلِفَ قُلُوبكم أَي هَوَاها وإرادَتُها.
وفي حديث أَبي الدَّرْداءِ: لا تَفْقَهُ حتى تَرَى للقرآن وُجُوهاً أَي
تَرَى له مَعَانيَ يحتملها فتَهابَ الإقْدامَ عليه. ووُجُوهُ البلد:
أَشرافُه. ويقال: هذا وَجْهُ الرأْيِ أَي هو الرأْيُ نَفْسُه. والوَجْه
والجِهَةُ بمعنىً، والهاء عوض من الواو، والاسم الوِجْهَةُ والوُجْهَةُ، بكسر
الواو وضمها، والواو تثبت في الأَسماء كما قالوا وِلْدَةٌ، وإنما لا تجتمع
مع الهاء في المصادر. واتَّجَهَ له رأْيٌ أَي سَنَحَ، وهو افْتَعَلَ،
صارت الواو ياء لكسرة ما قبلها، وأُبدلت منها التاء وأُدغمت ثم بُنِيَ
عليه قولك قعدت تُجاهَكَ وتِجَاهَكَ أَي تِلْقاءَك. ووَجْهُ الفَرَسِ: ما
أَقبل عليك من الرأْس من دون مَنَابت شعر الرأْس. وإنه لعَبْدُ الوَجْهِ
وحُرُّ الوَجْهِ، وإنه لسَهْلُ الوَجْهِ إذا لم يكن ظاهر الوَجْنَةِ.
ووَجْهُ النهار: أَوَّلُهُ. وجئتك بوَجْهِ نهارٍ أَي بأَوّل نهار. وكان ذلك
على وَجْهِ الدهرأَي أَوَّلِهِ؛ وبه يفسره ابن الأَعرابي. ويقال: أَتيته
بوَجْهِ نهارٍ وشَبابِ نهارٍ وصَدْرِ نهارٍ أَي في أَوَّله؛ ومنه قوله:
مَنْ كان مَسْروراً بمَقْتَلِ مالِكٍ،
فليأْتِ نِسْوَتَنَا بوَجْهِ نهارِ
وقيل في قوله تعالى: وَجْهَ النهارِ واكْفُروا آخِرَهُ؛ صلاة الصبح،
وقيل: هو أَوّل النهار. ووَجْهُ النجم: ما بدا لك منه. ووَجْهُ الكلام:
السبيلُ الذي تقصده به.
وجاهاهُ إذا فاخَرَهُ.
ووُجُوهُ القوم: سادتهم، واحدهم وَجْهٌ، وكذلك وُجَهَاؤهم، واحدهم
وَجِيهٌ. وصَرَفَ الشيءَ عن وَجْهِهِ أَي سَنَنِهِ.
وجِهَةُ الأَمرِ وجَهَتُهُ ووِجْهَتُه ووُجْهَتُهُ: وَجْهُهُ. الجوهري:
الاسم الوِجْهَة والوُجْهة، بكسر الواو وضمها، والواو تثبت في الأَسماء
كما قالوا وِلْدَةٌ، وإنما لا تجتمع مع الهاء في المصادرِ. وما له جِهَةٌ
في هذا الأَمرِ ولا وِجْهَةٌ أَي لا يبصر وجْهَ أَمره كيف يأْتي له.
والجِهَةُ والوِجْهَةُ جميعاً: الموضعُ الذي تَتَوَجَّهُ إليه وتقصده.
وضَلَّ وِجْهَةَ أَمْرهِ أَي قَصْدَهُ؛ قال:
نَبَذَ الجِوَارَ وضَلَّ وِجْهَةَ رَوْقِهِ،
لما اخْتَلَلْتُ فُؤَادَهُ بالمِطْرَدِ
ويروى: هِدْيَةَ رَوْقِهِ. وخَلِّ عن جِهَتِه: يريد جِهَةَ الطريقِ.
وقلت كذا على جِهَةِ كذا، وفعلت ذلك على جهة العدل وجهة الجور؛ والجهة:
النحو، تقول كذا على جهة كذا، وتقول: رجل أَحمر من جهته الحمرة، وأَسود من
جهته السواد. والوِجهةُ والوُجهةُ: القِبلةُ وشِبْهها في كل وجهة أَي
في كل وجه استقبلته وأَخذت فيه. وتَجَهْتُ إليك أَتْجَهُ أَي توجهتُ،
لأَن أَصل التاء فيهما واو.وتوَجَّه إليه: ذهب. قال ابن بري: قال أَبو زيد
تَجِهَ الرجلُ يَتْجَهُ تَجَهاً. وقال الأَصمعي: تَجَهَ،بالفتح؛ وأَنشد
أَبو زيد لمِرْداسِ بن حُصين:
قَصَرْتُ له القبيلةَ، إذ تَجِهْنا
وما ضاقَتْ بشَدّته ذِراعي
والأَصمعي يرويه: تَجَهْنا، والذي أَراده اتَّجَهْنا، فحذف أَلف الوصل
وإحدى التاءين، وقَصَرْتُ: حبَسْتُ. والقبيلةُ: اسم فرسه، وهي مذكورة في
موضعها، وقيل: القبيلة اسم فرسٍ؛ أَنشد ابن بري لطُفيلٍ:
بناتُ الغُرابِ والوجِيهِ ولاحِقٍ،
وأَعْوَجَ تَنْمي نِسْبَةَ المُتَنسِّبِ
واتَّجَهَ له رأْيٌ أَي سَنَحَ، وهو افْتَعَل، صارت الواو ياء لكسرة ما
قبلها، وأُبدلت منها التاء وأُدغمت ثم بني عليه قولك قعدت تُجاهَكَ
وتِجاهَكَ أَي تِلْقاءك. وتَجَهْتُ إليك أَتْجَهُ أَي توجهتُ لأَن أَصل التاء
فيهما واو. ووَجَّه إليه كذا: أَرسله، ووجَّهْتُهُ في حاجةٍ ووجَّهْتُ
وجْهِيَ لله وتوَجَّهْتُ نحوَكَ وإليك. ويقال في التحضيض: وَجِّهِ الحَجَرَ
وجْهةٌ مّا له وجِهَةٌ مّا له ووَجْهٌ مّا له، وإنما رفع لأَن كل حَجَرٍ
يُرْمى به فله وجْهٌ؛ كل ذلك عن اللحياني، قال: وقال بعضهم وجِّه
الحَجَرَ وِجْهةً وجِهةً مّا له ووَجْهاً مّا له، فنصب بوقوع الفعل عليه، وجعل
ما فَضْلاً، يريد وَجِّه الأَمرَ وَجْهَهُ؛ يضرب مثلاً للأَمر إذا لم
يستقم من جهةٍ أَن يُوَجِّهَ له تدبيراً من جِهةٍ أُخرى، وأَصل هذا في
الحَجَرِ يُوضَعُ في البناء فلا يستقيم، فيُقْلَبُ على وجْهٍ آخر فيستقيم.
أَبو عبيد في باب الأَمر بحسن التدبير والنهي عن الخُرْقِ: وَجِّهْ وَجْهَ
الحَجَرِ وِجْهةً مّا له، ويقال: وِجْهة مّا له، بالرفع، أَي دَبِّرِ
الأَمر على وجْهِه الذي ينبغي أَن يُوَجَّهَ عليه. وفي حُسْنِ التدبير
يقال: ضرب وجْهَ الأَمر وعيْنَه. أَبو عبيدة: يقال وَجِّه الحجر جهةٌ مّا
له، يقال في موضع الحَضِّ على الطلب، لأَن كل حجر يُرْمى به فله وجْهٌ،
فعلي هذا المعنى رفعه، ومن نصبه فكأَنه قال وَجِّه الحجر جِهَتَه، وما
فضْلٌ، وموضع المثل ضََعْ كلَّ شيء موضعه. ابن الأَعرابي: وَجِّه الحجر
جِهَةً مّا له وجهةٌ مّا له ووِجْهةً مّا له ووِجهةٌ مّا له ووَجْهاً مّا له
ووَجْهٌ مّا له.
والمُواجَهَةُ: المُقابلَة. والمُواجَهةُ: استقبالك الرجل بكلام أَو
وَجْهٍ؛ قاله الليث.
وهو وُجاهَكَ ووِجاهَكَ وتُجاهَكَ وتِجاهَكَ أَي حِذاءَكَ من تِلْقاءِ
وَجْهِكَ. واستعمل سيبويه التُّجاهَ اسماً وظرفاً. وحكى اللحياني: داريِ
وجاهَ دارِكَ ووَجاهَ دارِكَ ووُجاهَ دارك، وتبدل التاء من كل ذلك. وفي
حديث عائشة، رضي الله عنها: وكان لعلي، رضوان الله عليه، وَجْهٌ من
الناس حياةَ فاطمةَ، رِضوانُ الله عليها، أَي جاهٌ وعِزٌّ فقَدَهما
بعدها.والوُجاهُ والتُّجاهُ: الوجْهُ الذي تقصده. ولقيه وِجاهاً ومُواجَهةً:
قابَل وجْهَهُ بوجْهِه. وتواجَهَ المنزلانِ والرجلان: تقابلا. والوُجاهُ
والتُّجاه: لغتان، وهما ما استقبل شيء شيئاً، تقول: دارُ فلانٍ تُجاهَ دار
فلان. وفي حديث صلاة الخوف: وطائفةٌ وُجاهَ العدوّ أَي مُقابَلتَهم
وحِذاءَهم، وتكسر الواو وتضم؛ وفي رواية: تُجاهَ العدوِّ، والتاء بدل من
الواو مثلها في تُقاةٍ وتُخَمةٍ، وقد تكرر في الحديث.
ورجل ذو وَجْهينِ إذا لَقِيَ بخلاف ما في قلبه.
وتقول: توجَّهوا إليك ووَجَّهوا، كلٌّ يقال غير أَن قولك وَجَّهوا إليك
على معنى وَلَّوْا وُجوهَهُم، والتَّوَجُّه الفعل اللازم. أَبو عبيد: من
أَمثالهم: أَينما أُوَجِّهْ أَلْقَ سَعْداً؛ معناه أَين أَتَوَجَّه.
وقَدَّمَ وتَقَدَّمَ وبَيَّنَ وتبَيَّنَ بمعنى واحد. والوجْهُ: الجاهُ. ورجل
مُوَجَّهٌ ووَجِيهٌ: ذو جاه وقد وَجُهَ وَجاهةٌ. وأَوْجَهَه: جعل له
وجْهاً عند الناس؛ وأَنشد ابن بري لامرئ القيس:
ونادَمْتُ قَيْصَرَ في مُلْكِه،
فأَوْجَهَني وركِبْتُ البَريدا
ورجل وَجِيهٌ: ذو وَجاهةٍ. وقد وَجُه الرجلُ، بالضم: صار وَجِيهاً أَي
ذا جاهٍ وقَدْر. وأَوجَهَه الله أَي صَيَّرَه وَجِيهاً. ووجَّهَه
السلطانُ وأَوجَهَه: شرَّفَه. وأَوجَهْتُه: صادَفْتُه وَجِيهاً، وكلُّه من
الوَجْهِ؛ قال المُساوِرُ بن هِنْدِ بن قيْس بن زُهَيْر:
وأَرَى الغَواني، بَعْدَما أَوْجَهْنَني،
أَدْبَرْنَ ثُمَّتَ قُلْنَ: شيخٌ أَعْوَرُ
ورجل وَجْهٌ: ذو جاه. وكِساءٌ مُوَجَّهٌ أَي ذو وَجْهَينِ. وأَحْدَبُ
مُوَجَّهٌ: له حَدَبَتانِ من خلفه وأَمامه، على التشبيه بذلك. وفي حديث
أَهل البيت: لايُحِبُّنا الأَحْدَبُ المُوَجَّهُ؛ حكاه الهروي في
الغريبين. ووَجَّهَتِ الأَرضَ المَطَرَةُ: صَيَّرتَهْا وَجْهاً واحداً، كما تقول:
تَرَكَتِ الأَرضَ قَرْواً واحداً. ووَجَّهَها المطرُ: قَشَرَ وَجْهَها
وأَثر فيه كحَرَصَها؛ عن ابن الأَعرابي.
وفي المثل: أَحمق ما يتَوَجَّهُ أَي لا يُحْسِنُ أَن يأْتي الغائط. ابن
سيده: فلان ما يتَوَجَّهُ؛ يعني أَنه إذا أَتى الغائط جلس مستدبر الريح
فتأْتيه الريح بريح خُرْئِه. والتَّوَجُّهُ: الإقبال والانهزام.
وتَوَجَّهَ الرجلُ: وَلَّى وكَبِرَ؛ قال أَوْسُ بن حَجَرٍ:
كعَهْدِكِ لا ظِلُّ الشَّبابِ يُكِنُّني،
ولا يَفَنٌ مِمَّنْ تَوَجَّهَ دالِفُ
ويقال للرجل إذا كَبِرَ سِنُّهُ: قد تَوَجَّهَ.ابن الأَعرابي: يقال
شَمِطَ ثم شاخ ثم كَبِرَ ثم تَوَجَّهَ ثم دَلَف ثم دَبَّ ثم مَجَّ ثم ثَلَّبَ
ثم الموت. وعندي امرأَة قد أَوْجَهَتْ أَي قعدت عن الولادة.
ويقال: وَجَّهَتِ الريحُ الحصى تَوْجِيهاً إذا ساقته؛ وأَنشد:
تُوَجِّهُ أَبْساطَ الحُقُوفِ التَّياهِرِ
ويقال: قاد فلانٌ فلاناً فوَجَّه أَي انقاد واتّبع. وشيءٌ مُوَجَّهٌ إذا
جُعِلَ على جِهَةٍ واحدة لا يختلف. اللحياني: نظر فلانٌ بِوُجَيْهِ
سُوءٍ وبجُوهِ سُوءٍ وبِجيهِ سوءٍ. وقال الأَصمعي: وَجَهْتُ فلاناً إذا
ضربت في وجْهِه، فهو مَوْجوهٌ. ويقال: أَتى فلان فلاناً فأَوْجَهَهُ
وأَوْجَأَهُ إذا رَدَّهُ. وجُهتُ فلاناً بما كره فأَنا أَجُوهه إذا استقبلته به؛
قاله الفراء، وكأَن أَصله من الوَجْه فقُلِبَ، وكذلك الجاهُ وأَصله
الوَجْهُ. قال الفراء: وسمعت امرأَة تقول أَخاف أَن تجُوهَني بأَكثر من هذا
أَي تستقبلني. قال شمر: أُراه مأْخوذاً من الوَجْهِ؛ الأَزهري: كأَنه
مقلوب. ويقال: خرج القوم فوَجَّهُوا للناس الطريقَ توجيهاً إذا وَطِئُوه
وسَلَكوه حتى استبان أَثَرُ الطريق لمن يسلكه.
وأَجْهَتِ السماءُ فهي مُجْهِيَةٌ إذا أَصْبَحت، وأَجْهَت لك
السَّبيلُ أَي استبانت. وبيتٌ أَجْهَى: لا سِتْرَ عليه. وبيوتٌ جُهْوٌ، بالواو،
وعَنْزٌ جَهْواء: لا يستر ذَنَبُها حياءها. وهم وِجاهُ أَلْفٍ أَي زُهاءُ
أَلفٍ؛ عن ابن الأَعرابي.
ووَجَّهَ النخلةَ: غرسها فأَمالها قِبَلَ الشَّمال فأَقامتْها
الشَّمالُ. والوَجِيهُ من الخيل: الذي تخرج يداه معاً عند النِّتاج، واسم ذلك
الفعل التَّوْجيهُ. ويقال للولد إذا خرجت يداه من الرحم أَوّلاً: وَجِيهٌ،
وإذا خرجت رجلاه أََّْلاً: يَتْنٌ. والوجيهُ: فرس من خيل العرب نَجِيبٌ،
سمي بذلك.
والتَّوْجيهُ في القوائم: كالصَّدَفِ إلاَّ أَنه دونه، وقيل:
التَّوْجيهُ من الفَرَس تَدانِي العُجايَتَيْنِ وتَداني الحافرين والْتِواءٌ مِنَ
الرُّسْغَيْنِ. وفي قَوافي الشِّعْرِ التأْسيس والتَّوْجيهُ والقافيةُ،
وذلك في مثل قوله:
كِلِيني لهَمٍّ، يا أُمَيمَةَ، ناصِبِ
فالباء هي القافية، والأَلف التي قبل الصاد تأْسيسٌ، والصادُ تَوْجِيهٌ
بين التأْسيس والقافية، وإِنما قيل له تَوْجِيهٌ لأَن لك أَن تُغَيِّرَه
بأَيِّ حرفٍ شئتَ، واسم الحرف الدَّخِيلُ. الجوهري: التَّوْجيهُ هو الحرف
الذي بين أَلف التأْسيس وبين القافية، قال: ولك أَن تغيره بأَي حرف شئتَ
كقول امرئ القيس: أَنِّي أَفِرْ، مع قوله: جميعاً صُبُرْ، واليومُ
قَرّ، ولذلك قيل له تَوْجيهٌ؛ وغيره يقول: التوجيه اسم لحركاته إِذا كان
الرَّوِيُّ مُقَيَّداً. قال ابن بري: التَّوْجيهُ هو حركة الحرف الذي قبل
الرويِّ المقيد، وقيل له توجيه لأَنه وَجَّهَ الحرفَ الذي قبل الرَّوِيِّ
المقيد إِليه لا غير، ولم يَحْدُث عنه حرفُ لِينٍ كما حدث عن الرَّسِّ
والحَذْوِ والمَجْرَى والنَّفادِ، وأَما الحرف الذي بين أَلف التأْسيس
والرَّوِيِّ فإِنه يسمى الدَّخيلَ، وسُمِّي دَخِيلاً لدخوله بين لازمين، وتسمى
حركته الإِشباعَ، والخليل لا يجيز اختلاف التوجيه ويجيز اختلاف الإِشباع،
ويرى أَن اختلاف التوجيه سِنادٌ، وأَبو الحسن بضدّه يرى اختلاف الإِشباع
أَفحش من اختلاف التوجيه، إِلا أَنه يرى اختلافهما، بالكسر والضم،
جائزاً، ويرى الفتح مع الكسر والضم قبيحاً في التوجيه والإِشباع، والخليل
يستقبحه في التوجيه أَشدّ من استقباحه في الإِشباع، ويراه سِناداً بخلاف
الإِشباع، والأَخفش يجعل اختلاف الإِشباع بالفتح والضم أَو الكسر سِناداً؛
قال: وحكاية الجوهري مناقضة لتمثيله، لأَنه حكى أَن التَّوْجِيهَ الحرف
الذي بين أَلف التأْسيس والقافية، ثم مثَّله بما ليس له أَلف تأْسيس نحو
قوله: أَني أَفرْ، مع قوله: صُبُرْ، واليومُ قَرّ. ابن سيده: والتَّوْجِيهُ
في قَوافي الشِّعْرِ الحرفُ الذي قبل الرَّوِيّ في القافية المقيدة،
وقيل: هو أَن تضمه وتفتحه، فإِن كسرته فذلك السِّنادُ؛ هذا قول أَهل اللغة،
وتحريره أَن تقول: إِن التَّوْجيهَ اختلافُ حركة الحرف الذي قبل
الرَّوِيَّ المقيد كقوله:
وقاتِمِ الأَعْماقِ خاوِي المُخْتَرَقْ
وقوله فيها:
أَلَّفَ شَتَّى ليس بالراعي الحَمِقْ
وقوله مع ذلك:
سِرّاً وقد أَوَّنَ تأْوينَ العُقُقْ
قال: والتوجيه أَيضاً الذي بين حرف الروي المطلق والتأْسيس كقوله:
أَلا طالَ هذا الليلُ وازْوَرَّ جانِبُهْ
فالأَلف تأْسيس، والنون توجيه، والباء حرف الروي، والهاء صلة؛ وقال
الأَحفش: التَّوْجيهُ حركة الحرف الذي إلى جنب الرَّوِيّ المقيد لا يجوز مع
الفتح غيره نحو:
قد جَبَرَ الدِّينَ الإِلهُ فجَبَرْ
التزم الفتح فيها كلها، ويجوز معها الكسر والضم في قصيدة واحدة كما
مثَّلنا. وقال ابن جني: أَصله من التَّوْجِيه، كأَن حرف الرَّوِيّ مُوَجَّهٌ
عندهم أَي كأَنَّ له وجهين: أَحدهما من قبله، والآخر من بعده، أَلا ترى
أَنهم استكرهوا اختلاف الحركة من قبله ما دام مقيداً نحو الحَمِقْ
والعُقُقْ والمُخْتَرَقْ؟ كما يستقبحون اختلافها فيه ما دام مطلقاً نحو
قوله:عَجْلانَ ذا زَادٍ وغيرَ مُزَوَّدِ
مع قوله فيها:
وبذاك خَبَّرَنا الغرابُ الأَسْوَدُ
وقوله:
عَنَمٌ يكادُ من اللَّطافَةِ يُعْقَدُ
فلذلك سميت الحركة قبل الرويّ المقيد تَوجيهاً، إَعلاماً أَن للرويّ
وجهين في حالين مختلفين، وذلك أَنه إِذا كان مقيداً فله وَجْهٌ يتقدّمه،
وإِذا كان مطلقاً فله وَجْهٌ يتأَخر عنه، فجرى مجرى الثوب المُوَجَّهِ
ونحوِه؛ قال: وهذا أَمثل عندي من قول مَنْ قال إِنما سُمِّي تَوْجيهاً لأَنه
يجوز فيه وُجُوهٌ من اختلاف الحركات، لأَنه لو كان كذلك لمَا تَشدَّد
الخليل في اختلاف الحركات قبله، ولمَا فَحُشَ ذلك عنده. والوَجِيهَةُ:
خَرَزَةٌ، وقيل: ضرب من الخَرَزِ. وبنو وَجِيهةَ: بطن.