من (م ز ر) الظريف، والشديد القلب، وشارب اللبن قليلا قليلا.
من (م ز ر) الظريف، والشديد القلب، وشارب اللبن قليلا قليلا.
عرر: العَرُّ والعُرُّ والعُرَّةُ: الجربُ، وقيل: العَرُّ، بالفتح،
الجرب، وبالضم، قُروحٌ بأَعناق الفُصلان. يقال: عُرَّت، فهي مَعْرُورة؛ قال
الشاعر:
ولانَ جِلْدُ الأَرضِ بعد عَرِّه
أَي جَرَبِه، ويروى غَرّه، وسيأْتي ذكره؛ وقيل: العُرُّ داءٌ يأْخذ
البعير فيتمعّط عنه وَبَرُه حتى يَبْدُوَ الجلدُ ويَبْرُقَ؛ وقد عَرَّت
الإِبلُ تَعُرُّ وتَعِرُّ عَرّاً، فهي عارّة، وعُرَّتْ. واستعَرَّهم الجربُ:
فَشَا فيهم. وجمل أَعَرُّ وعارٌ أَي جَرِبٌ. والعُرُّ، بالضم: قروح مثل
القُوَباء تخرج بالإِبل متفرقة في مشافرها وقوائمها يسيل منها مثلُ الماء
الأَصفر، فتُكْوَى الصِّحاحُ لئلا تُعْدِيها المِراضُ؛ تقول منه: عُرَّت
الإِبلُ، فهي مَعْرُورة؛ فهي مَعْرُورة؛ قال النابغة:
فحَمَّلْتَنِي ذَنْبَ امْرِئٍ وتَرَكْتَه،
كذِي العُرِّ يُكْوَى غيرُه، وهو راتِعْ
قال ابن دريد: من رواه بالفتح فقد غلط لأَن الجرَب لا يُكْوى منه؛
ويقال: به عُرَّةٌ، وهو ما اعْتَراه من الجنون؛ قال امرؤ القيس:
ويَخْضِدُ في الآرِيّ حتى كأَنما
به عُرَّةٌ، أَو طائِفٌ غيرُ مُعْقِب
ورجل أَعَرُّ بيّنُ العَرَرِ والعُرُورِ: أَجْرَبُ، وقيل: العَرَرُ
والعُرُورُ الجرَبُ نفسه كالعَرِّ؛ وقول أَبي ذؤيب:
خَلِيلي الذي دَلَّى لِغَيٍّ خَلِيلَتي
جِهاراً، فكلٌّ قد أَصابَ عُرُورَها
والمِعْرارُ من النخل: التي يصيبها مثل العَرّ وهو الجرب؛ حكاه أَبو
حنيفة عن التَّوَّزِيّ؛ واستعار العَرّ والجرب جميعاً للنخل وإِنما هما في
الإِبل. قال: وحكى التَّوَّزِيُّ إِذا ابتاع الرجل نخلاً اشترط على البائع
فقال: ليس لي مِقْمارٌ ولا مِئْخارٌ ولا مِبْسارٌ ولا مِعْرارٌ ولا
مِغْبارٌ؛ فالمِقْمارُ: البيضاءُ البُسْر التي يبقى بُسْرُها لا يُرْطِبُ،
والمِئْخارُ: التي تُؤَخِّرُ إِلى الشتاء، والمِغْبارُ: التي يَعْلُوها
غُبارٌ، والمِعْرار: ما تقدم ذكره.
وفي الحديث: أَن رجلاً سأَل آخر عن منزله فأَخْبَره أَنه ينزل بين
حَيّين من العرب فقال: نَزَلْتَ بين المَعَرّة والمَجَرّة؛ المَجرّةُ التي في
السماء البياضُ المعروف، والمَعَرَّة ما وراءَها من ناحية القطب الشمالي؛
سميت مَعَرّة لكثرة النجوم فيها، أَراد بين حيين عظيمين لكثرة النجوم.
وأَصل المَعَرَّة: موضع العَرّ وهو الجرَبُ ولهذا سَمَّوا السماءَ
الجَرْباءَ لكثرة النجوم فيها، تشبيهاً بالجَرَبِ في بدن الإِنسان.
وعارَّه مُعارّة وعِراراً: قاتَلَه وآذاه. أَبو عمرو: العِرارُ
القِتالُ، يقال: عارَرْتُه إِذا قاتلته. والعَرَّةُ والمَعُرَّةُ: الشدة، وقيل:
الشدة في الحرب.
والمَعَرَّةُ: الإِثم. وفي التنزيل: فتُصِيبَكم منهم مَعَرَّة بغير
عِلْم؛ قال ثعلب: هو من الجرب، أَي يصيبكم منهم أَمر تَكْرَهُونه في
الدِّيات، وقيل: المَعَرَّة الجنايةُ أَي جِنايَتُه كجناية العَرِّ وهو الجرب؛
وأَنشد:
قُلْ لِلْفوارِس من غُزَيّة إِنهم،
عند القتال، مَعَرّةُ الأَبْطالِ
وقال محمد بن إِسحق بن يسار: المَعَرَّةُ الغُرْم؛ يقول: لولا أَن
تصيبوا منهم مؤمناً بغير عِلْم فتَغْرموا دِيَته فأَما إِثمه فإِنه لم يخْشَه
عليهم. وقال شمر: المَعَرّةُ الأَذَى. ومَعَرَّةُ الجيشِ: أَن ينزلوا
بقوم فيأْكلوا من زُروعِهم شيئاً بغير عمل؛ وهذا الذي أَراده عمر، رضي الله
عنه، بقوله: اللهم إِني أَبْرَأُ إِليك من مَعَرّةِ الجَيْش، وقيل: هو
قتال الجيش دون إِذْن الأَمير. وأَما قوله تعالى: لولا رجالٌ مؤمنون ونساءٌ
مؤمنات لم تَعْلَمُوهم أَن تَطَأُهم فتصيبَكم منهم مَعَرَّةٌ بغير علم؛
فالمَعَرَّةُ التي كانت تُصِيب المؤمنين أَنهم لو كَبَسُوا أَهلَ مكة
وبين ظَهْرانَيْهم قومٌ مؤمنون لم يتميزوا من الكُفّار، لم يأْمنوا أَن
يَطَأُوا المؤمنين بغير عِلْمٍ فيقتلوهم، فتلزمهم دياتهم وتلحقهم سُبّةٌ
بأَنهم قتلوا مَنْ هو على دينهم إِذ كانوا مختلطين بهم. يقول الله تعالى: لو
تميزَ المؤمنون من الكُفّار لسَلّطْناكم عليهم وعذّبناهم عذاباً
أَلِيماً؛ فهذه المَعَرّةُ التي صانَ الله المؤمنين عنها هي غُرْم الديات
ومَسَبّة الكُفار إِياهم، وأَما مَعَرّةُ الجيشِ التي تبرّأَ منها عُمر، رضي
الله عنه، فهي وطْأَتُهم مَنْ مَرُّوا به من مسلم أَو معاهَدٍ، وإِصابتُهم
إِياهم في حَرِيمِهم وأَمْوالِهم وزُروعِهم بما لم يؤذن لهم فيه.
والمَعَرّة: كوكبٌ دون المَجَرَّة. والمَعَرّةُ: تلوُّنُ الوجه مِن الغضب؛ قال
أَبو منصور: جاء أَبو العباس بهذا الحرف مشدد الراء، فإِن كان من تَمَعّرَ
وجهُه فلا تشديد فيه، وإِن كان مَفْعَلة من العَرّ فالله أَعلم.
وحِمارٌ أَعَرُّ: سَمينُ الصدر والعُنُقِ، وقيل: إِذا كان السِّمَنُ في
صدره وعُنُقِه أَكثرَ منه في سائر خلقه. وعَرَّ الظليمُ يَعِرُّ عِراراً،
وعارَّ يُعارُّ مُعارَّةً وعِراراً، وهو صوته: صاحَ؛ قال لبيد:
تحَمَّلَ أَهُلها إِلاَّ عِرَاراً
وعَزْفاً بعد أَحْياء حِلال
وزمَرَت النعامةُ زِماراً، وفي الصحاح: زَمَرَ النعامُ يَزْمِرُ
زِماراً. والتَّعارُّ: السَّهَرُ والتقلُّبُ على الفراش لَيْلاً مع كلام، وهو من
ذلك. وفي حديث سلمان الفارسي: أَنه كان إِذا تعارَّ من الليل، قال:
سبحان رَبِّ النبيِّين، ولا يكون إِلا يَقَظَةً مع كلامٍ وصوتٍ، وقيل:
تَمَطَّى وأَنَّ. قال أَبو عبيد: وكان بعض أَهل اللغة يجعله مأْخُوذاً من
عِرارِ الظليم، وهو صوته، قال: ولا أَدري أَهو من ذلك أَم لا. والعَرُّ:
الغلامُ.والعَرّةُ: الجارية. والعَرارُ والعَرارة: المُعجَّلانِ عن وقت
الفطام. والمُعْتَرُّ: الفقير، وقيل: المتعَرِّضُ للمعروف من غير أَن يَسأَل.
ومنه حديث علي، رضوان الله عليه: فإِن فيهم قانِعاً ومُعْتَرّاً. عَراه
واعْتَراه وعرّه يعُرُّه عَرّاً واعْتَرَّه واعْتَرَّ به إِذا أَتاه فطلب
معروفه؛ قال ابن أَحمر:
تَرْعَى القَطاةُ الخِمْسَ قَفُّورَها،
ثم تَعُرُّ الماءَ فِيمَنْ يَعُرُّ
أَي تأْتي الماء وترده. القَفُّور: ما يوجد في القَفْر، ولم يُسْمَع
القَفّورُ في كلام العرب إِلا في شعر ابن أَحمر. وفي التنزيل: وأَطْعِمُوا
القانِعَ والمُعْتَرَّ. وفي الحديث: فأَكَلَ وأَطْعَمَ القانعَ
والمُعْتَرَّ. قال جماعة من أَهل اللغة: القانعُ الذي يسأْل، والمُعْتَرُّ الذي
يُطِيف بك يَطْلُب ما عندك، سأَلَك أَو سَكَتَ عن السؤال.
وفي حديث حاطب بن أَبي بَلْتَعة: أَنه لما كَتَب إِلى أَهل مكة كتاباً
يُنْذِرُهم فيه بِسَيْرِ سيدنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إِليهم
أَطْلَع اللهُ رسولَه على الكتاب، فلما عُوتِبَ فيه قال: كنت رجلاً عَريراً
في أَهل مكة فأَحْبَبْت أَن أَتقربَ إِليهم ليحُفَظُوني في عَيْلاتي
عندهم؛ أَراد بقوله عَريراً أَي غَريباً مُجاوِراً لهم دَخيلاً ولم أَكن من
صَميمهم ولا لي فيهم شُبْكَةُ رَحِمٍ. والعَرِيرُ، فَعِيل بمعنى فاعل،
وأَصله من قولك عَرَرْته عَرّاً، فأَنا عارٌّ، إِذا أَتيته تطلب معروفه،
واعْتَرَرْته بمعناه.
وفي حديث عمر، رضي الله تعالى عنه: أَن أَبا بكر، رضي الله عنه، أَعطاه
سَيْفاً مُحَلًّى فنزَعَ عُمَرُ الحِلْيةَ وأَتاه بها وقال: أَتيتك بهذا
لِمَا يَعْزُرُك من أُمور الناس؛ قال ابن الأَثير: الأَصل فيه يَعُرُّك،
ففَكّ الإِدغامَ، ولا يجيء مثل هذا الاتساعِ إِلا في الشعر، وقال أَبو
عبيد: لا أَحسبه محفوظاً ولكنه عندي: لما يَعْرُوك، بالواو، أَي لما
يَنُوبُك من أَمر الناس ويلزمك من حوائجهم؛ قال أَبو منصور: لو كان من العَرّ
لقال لما يعُرُّك. وفي حديث أَبي موسى: قال له عليّ، رضي الله عنه، وقد
جاء يعود ابنَه الحَسَنَ: ما عَرَّنا بك أَيّها الشَّيْخُ؟ أَي ما جاءنا
بك. ويقال في المثل: عُرَّ فَقْرَه بفِيه لعلّه يُلْهِيه؛ يقول: دَعْه
ونَفْسَه لا تُعِنْه لعل ذلك يَشْغَلُه عما يصنع. وقال ابن الأَعرابي: معناه
خَلِّه وغَيِّه إِذا لم يُطِعْكَ في الإِرشاد فلعله يقع في هَلَكة
تُلْهيه وتشغله عنك. والمَعْرورُ أَيضاً: المقرور، وهو أَيضاً الذي لا يستقرّ.
ورجل مَعْرورٌ: أَتاه ما لا قِوَام له معه. وعُرّاً الوادي: شاطِئاه.
والعُرُّ والعُرّةُ: ذَرْقُ الطير. والعُرّةُ أَيضاً: عَذِرةُ الناس
والبعرُ والسِّرْجِينُ؛ تقول منه: أَعَرَّت الدارُ. وعَرَّ الطيرُ يَعُرُّ
عَرَّةٍ: سَلَحَ. وفي الحديث إِيَّاكم ومُشارّةَ الناس فإِنها تُظْهِرُ
العُرّةَ، وهي القذَر وعَذِرة الناس، فاستعِير للمَساوِئِ والمَثالب. وفي
حديث سعد: أَنه كان يُدْمِلْ أَرْضَه بالعُرّة فيقول: مِكْتَلُ عُرّةٍ
مكُتَلُ بُرٍّ. قال الأَصمعي: العُرّةُ عَذِرةُ الناس، ويُدْمِلُها:
يُصْلِحها، وفي رواية: أَنه كان يَحْمِل مكيالَ عُرّةٍ إِلى أَرض له بمكة.
وعَرَّ أَرْضه يَعُرُّها أَي سَمَّدَها، والتَّعْرِيرُ مثله. ومنه حديث ابن
عمر: كان لا يَعُرُّ أَرْضَه أَي لا يُزَبِّلُها بالعُرَّة. وفي حديث جعفر
بن محمد، رضي الله عنهما: كُلْ سَبْعَ تَمَراتٍ من نَخْلةٍ غيرِ
مَعْرورةٍ أَي غير مُزَبَّلة بالعُرّة، ومنه قيل: عَرَّ فلانٌ قومَه بشرٍّ إِذا
لطّخهم؛ قال أَبو عبيد: وقد يكون عرّهم بشرٍّ من العَرّ وهو الجَربُ أَي
أَعْداهم شرُّه؛ وقال الأَخطل:
ونَعْرُرْ بقوم عُرَّةً يكرهونها،
ونَحْيا جميعاً أَو نَمُوت فنُقْتَل
وفلانٌ عُرّةٌ وعارُورٌ وعارُورةٌ أَي قَذِرٌ. والعُرّةُ: الأُبْنةُ في
العَصا وجمعها عُرَرٌ.
وجَزورٌ عُراعِرٌ، بالضم، أَي سَمِينة. وعُرَّةُ السنام: الشحمةُ
العُليا، والعَرَرُ: صِغَرُ السنام، وقيل: قصرُه، وقيل: ذهابُه وهو من عيوب
الإِبل، جمل أَعرُّ وناقة عرّاء وعرّة؛ قال:
تَمَعُّكَ الأَعَرّ لاقَى العَرّاء
أَي تَمَعَّك كما يتمعك الأَعَرُّ، والأَعَرُّ يُحِبُّ التمعُّكَ لذهاب
سنامه يلتذّ بذلك؛ وقال أَبو ذؤيب:
وكانوا السَّنامَ اجتُثَّ أَمْسِ، فقومُهم
كعرّاءَ، بَعْدَ النَّيّ، راثَ رَبِيعُها
وعَرَّ إِذا نقص. وقد عَرَّ يَعَرُّ: نقص سنامُه.
وكَبْشٌ أَعَرُّ. لا أَلْية له، ونعجة عَرّاء. قال ابن السكيت:
الأَجَبُّ الذي لا سنام له من حادِثٍ، والأَعَرُّ الذي لا سنام له من
خلْقة.وفي كتاب التأْنيث والتذكير لابن السكيت: رجل عارُورةٌ إِذا كان
مشؤوماً، وجمل عارُورةٌ إِذا لم يكن له سنام، وفي هذا الباب رجل صارُورةٌ.
ويقال: لقيت منه شرّاً وعَرّاً وأَنت شرٌّ منه وأَعَرُّ، والمَعَرَّةُ: الأَمر
القبيح المكروه والأَذى، وهي مَفْعلة من العَرّ.
وعَرَّه بشرٍّ أَي ظلَمه وسبّه وأَخذ مالَه، فهو مَعْرُورٌ. وعَرَّه
بمكروه يعُرُّه عَرّاً: أَصابَه به، والاسم العُرَّة. وعَرَّه أَي ساءه؛ قال
العجاج:
ما آيبٌ سَرَّكَ إِلا سرَّني
نُصحاً، ولا عَرَّك إِلا عَرَّني
قال ابن بري: الرجز لرؤبة بن العجاج وليس للعجاج كما أَورده الجوهري؛
قاله يخاطب بلال بن أَبي بردة بدليل قوله:
أَمْسى بِلالٌ كالرَّبِيعِ المُدْجِنِ
أَمْطَرَ في أَكْنافِ غَيْمٍ مُغْيِنِ،
ورُبَّ وَجْهٍ من حراء مُنْحَنِ
وقال قيس بن زهير:
يا قَوْمَنا لا تَعُرُّونا بداهيَةٍ،
يا قومَنا، واذكُروا الآباءَ والقُدمَا
قال ابن الأَعرابي: عُرَّ فلانٌ إِذا لُقِّبَ بلقب يعُرُّه؛ وعَرَّه
يعُرُّهُ إِذا لَقَّبه بما يَشِينُه؛ وعَرَّهم يعُرُّهم: شانَهُم. وفلان
عُرّةُ أَهله أَي يَشِينُهم. وعَرَّ يعُرُّ إِذا صادَفَ نوبته في الماء
وغيره، والعُرَّى: المَعِيبةُ من النساء. ابن الأَعرابي: العَرَّةُ الخَلّةُ
القبيحة. وعُرّةُ الجربِ وعُرّةُ النساء: فَضيحَتُهنّ وسُوءُ عشْرتهنّ.
وعُرّةُ الرجال: شرُّهم. قال إِسحق: قلت لأَحمد سمعت سفيان ذكَر العُرّةَ
فقال: أَكْرَهُ بيعَه وشراءَه، فقال أَحمد: أَحْسَنَ؛ وقال ابن راهويه
كما قال، وإِن احتاج فاشتراه فهو أَهْون لأَنه يُمْنَحُ. وكلُّ شيءٍ باءَ
بشيءٍ، فهو له عَرَار؛ وأَنشدَ للأَعشى:
فقد كان لهم عَرار
وقيل: العَرارُ القَوَدُ. وعَرارِ، مثل قطام: اسم بقرة. وفي المثل:
باءَتْ عَرَارِ بِكَحْلَ، وهما بقرتان انتطحتا فماتتا جميعاً؛ باءت هذه بهذه؛
يُضْرَب هذا لكل مستويين؛ قال ابن عنقاء الفزاري فيمن أَجراهما:
باءَتْ عَرارٌ بكَحْلٍ والرِّفاق معاً،
فلا تَمَنَّوا أَمانيَّ الأَباطِيل
وفي التهذيب: وقال الآخر فيما لم يُجْرِهما:
باءَتْ عَرارِ بكَحْلَ فيما بيننا،
والحقُّ يَعْرفُه ذَوُو الأَلْباب
قال: وكَحْل وعَرارِ ثورٌ وبقرة كانا في سِبْطَينِ من بني إِسرائيل،
فعُقِر كَحْل وعُقِرت به عَرارِ فوقعت حرب بينهما حتى تَفانَوْا، فضُربا
مثلاً في التساوي.
وتزوّجَ في عَرارة نِساءٍ أَي في نساءٍ يَلِدْن الذكور، وفي شَرِيَّةِ
نساء يلدن الإِناث.
والعَرَارةُ: الشدة؛ قال الأَخطل:
إِن العَرارةَ والنُّبُوحَ لِدارِمٍ،
والمُسْتَخِفُّ أَخُوهمُ الأَثْقالا
وهذا البيت أَورده الجوهري للأَخطل وذكر عجزه:
والعِزُّ عند تكامُلِ الأَحْساب
قال ابن بري: صدر البيت للأَخطل وعجزه للطرماح، فابن بيت الأَخطل كما
أَوردناه أَولاً؛ وبيت الطرماح:
إِن العرارة والنبوح لِطَيِّءٍ،
والعز عند تكامل الأَحساب
وقبله:
يا أَيها الرجل المفاخر طيئاً،
أَعْزَبْت لُبَّك أَيَّما إِعْزاب
وفي حديث طاووس: إِذا اسْتَعَرَّ عليكم شيءٌ من الغَنم أَي نَدَّ
واسْتَعْصَى، من العَرارة وهي الشدة وسوء الخلق، والعَرَارةُ: الرِّفْعة
والسُودَدُ.
ورجل عُراعِرٌ: شريف؛ قال مهلهل:
خَلَعَ المُلوكَ، وسارَ تحت لِوائِه
شجرُ العُرا، وعُراعِرُ الأَقْوامِ
شجر العرا: الذي يبقى على الجدب، وقيل: هم سُوقة الناس. والعُراعِرُ
هنا: اسم للجمع، وقيل: هو للجنس، ويروى عَراعِر، بالفتح، جمع عُراعِر،
وعَراعِرُ القوم: ساداتُهم، مأْخوذ من عُرْعُرة الجبل، والعُراعِرُ: السيد،
والجمع عَراعِرُ، بالفتح؛ قال الكميت:
ما أَنْتَ مِنْ شَجَر العُرا،
عند الأُمورِ، ولا العَراعِرْ
وعُرْعُرة الجبل: غلظه ومعظمه وأَعلاه. وفي الحديث: كتب يحيى بن يعمر
إِلى الحجاج: إِنا نزلنا بعُرْعُرةِ الجبل والعدوُّ بحَضِيضِه؛ فعُرْعَرتُه
رأْسه، وحَضِيضُه أَسفلُه. وفي حديث عمر بن عبد العزيز أَنه قال:
أَجْمِلوا في الطَلب فلو أَن رِزْقَ أَحدِكم في عُرْعُرةِ جبلٍ أَو حَضِيض أَرض
لأَتاه قبل أَن يموت. وعُرْعُرةُ كل شيءٍ، بالضم: رأْسُه وأَعلاه.
وعَرْعَرةُ الإِنسان: جلدةُ رأْسِه. وعُرْعرةُ السنامِ: رأْسُه وأَعلاه
وغارِبُه، وكذلك عُرْعُرةُ الأَنف وعُرْعُرةُ الثورِ كذلك؛ والعراعِرُ: أَطراف
الأَسْمِنة في قول الكميت:
سَلَفي نَِزار، إِذْ تحوّ
لت المَناسمُ كالعَراعرْ
وعَرْعَرَ عينَه: فقأَها، وقيل: اقتلعها؛ عن اللحياني. وعَرْعَرَ صِمامَ
القارورة عَرْعرةً: استخرجه وحرّكه وفرّقه. قال ابن الأَعرابي:
عَرْعَرْت القارورةَ إِذا نزعت منها سِدادَها، ويقال إِذا سَدَدْتها، وسِدادُها
عُرعُرُها، وعَرَعَرَتُها وِكاؤها. وفي التهذيب: غَرْغَرَ رأْسَ القارورة،
بالغين المعجمة، والعَرْعَرةُ التحريك والزَّعْزعةُ، وقال يعني قارروةً
صفْراء من الطيب:
وصَفْراء في وَكْرَيْن عَرْعَرْتُ رأْسَها،
لأُبْلِي إِذا فارَقْتُ في صاحبِي عُذْرا
ويقال للجارية العَذْراء: عَرَّاء. والعَرْعَر: شجرٌ يقال له الساسَم،
ويقال له الشِّيزَى، ويقال: هو شجر يُعْمل به القَطِران، ويقال: هو شجر
عظيم جَبَليّ لا يزال أَخضرَ تسميه الفُرْسُ السَّرْوُ. وقال أَبو حنيفة:
للعَرْعَر ثمرٌ أَمثال النبق يبدو أَخضر ثم يَبْيَضُّ ثم يَسْوَدُّ حتى
يكون كالحُمَم ويحلُو فيؤكل، واحدته عَرْعَرةٌ، وبه سمي الرجل. والعَرَارُ:
بَهارُ البَرِّ، وهو نبت طيب الريح؛ قال ابن بري: وهو النرجس البَرِّي؛
قال الصمّة
بن عبدالله القشيري:
أَقولُ لصاحِبي والعِيسُ تَخْدِي
بنا بَيْنَ المُنِيفة فالضِّمَارِ
(* قوله: والعيس تخدي» في ياقوت: تهوي بدل تخدي):
تمَتَّعْ مِن شَمِيمِ عَرَارِ نَجْدٍ،
فما بَعْدَ العَشِيَّة مِن عَرارِ
أَلا يا حَبّذا نَفَحاتُ نَجْدٍ،
ورَيّا رَوْضه بعد القِطَار
شهورٌ يَنْقَضِينَ، وما شَعَرْنا
بأَنْصافٍ لَهُنَّ، ولا سَِرَار
واحدته عَرارة؛ قال الأَعشى:
بَيْضاء غُدْوَتها، وصَفْـ
ـراء العَشِيّة كالعَراره
معناه أَن المرأَة الناصعةَ البياض الرقيقةَ البشرة تَبْيَضّ بالغداة
ببياض الشمس، وتَصْفَرّ بالعشيّ باصفرارها. والعَرَارةُ: الحَنْوةُ التي
يَتَيَمّن بها الفُرْسُ؛ قال أَبو منصور: وأَرى أَن فرَس كَلْحَبةَ
اليَرْبوعي سميت عَرَارة بها، واسم كلحبة هُبَيرة بن عبد مناف؛ وهو القائل في
فرسه عرارة هذه:
تُسائِلُني بنو جُشَمَ بنِ بكْرٍ:
أَغَرّاءُ العَرارةُ أَمْ يَهِيمُ؟
كُمَيتٌ غيرُ مُحْلفةٍ، ولكن
كلَوْنِ الصِّرْفِ، عُلَّ به الأَدِيمُ
ومعنى قوله: تسائلني بنو جشم بن بكر أَي على جهة الاستخبار وعندهم منها
أَخبار، وذلك أَن بني جشم أَغارت على بَلِيٍّ وأَخذوا أَموالهم، وكان
الكَلْحَبةُ نازلاً عندهم فقاتَلَ هو وابنُه حتى رَدُّوا أَموال بَلِيٍّ
عليهم وقُتِلَ ابنُه، وقوله: كميت غير محلفة، الكميت المحلف هو الأَحَمُّ
والأَحْوى وهما يتشابهان في اللون حتى يَشُكّ فيهما البَصِيران، فيحلف
أَحدُهما أَنه كُمَيْتٌ أَحَمُّ، ويحلف الآخرُ أَنه كُمَيت أَحْوَى، فيقول
الكلحبة: فرسِي ليست من هذين اللونين ولكنها كلون الصِّرْف، وهو صبغ أَحمر
تصبغ به الجلود؛ قال ابن بري: وصواب إِنشاده أَغَرّاءُ العَرادةُ،
بالدال، وهو اسم فرسه، وقد ذكرت في فصل عرد، وأَنشد البيت أَيضاً، وهذا هو
الصحيح؛ وقيل: العَرَارةُ الجَرادةُ، وبها سميت الفرس؛ قال بشر:
عَرارةُ هَبْوة فيها اصْفِرارُ
ويقال: هو في عَرارة خيرٍ أَي في أَصل خير. والعَرَارةُ: سوءُ الخلق.
ويقال: رَكِبَ عُرْعُرَه إِذا ساءَ خُلُقه، كما يقال: رَكِبَ رَأْسَه؛ وقال
أَبو عمرو في قول الشاعر يذكر امرأَة:
ورَكِبَتْ صَوْمَها وعُرْعُرَها
أَي ساء خُلُقها، وقال غيره: معناه ركبت القَذِرَ من أَفْعالها. وأَراد
بعُرْعُرها عُرَّتَها، وكذلك الصوم عُرَّةُ النعام. ونخلة مِعْرارٌ أَي
محْشافٌ. الفراء: عَرَرْت بك حاجتي أَي أَنْزَلْتها. والعَرِيرُ في
الحديث: الغَرِيبُ؛ وقول الكميت:
وبَلْدة لا يَنالُ الذئْبُ أَفْرُخَها،
ولا وَحَى الوِلْدةِ الدَّاعِين عَرْعارِ
أَي ليس بها ذئب لبُعْدِها عن الناس. وعِرَار: اسم رجل، وهو عِرَار بن
عمرو بن شاس الأَسدي؛ قال فيه أَبوه:
وإِنَّ عِرَاراً إِن يكن غيرَ واضحٍ،
فإِني أُحِبُّ الجَوْنَ ذا المَنكِب العَمَمْ
وعُرَاعِر وعَرْعَرٌ والعَرَارةُ، كلها: مواضع؛ قال امرؤ القيس:
سَمَا لَكَ شَوْقٌ بعدما كان أَقْصرَا،
وحَلَّت سُلَيْمى بَطْنَ ظَبْيٍ فعَرْعَرَا
ويروى: بطن قَوٍّ؛ يخاطب نفسه يقول: سما شوقُك أَي ارتفع وذهب بك كلَّ
مذهب لِبُعْدِ مَن تُحِبُّه بعدما كان أَقصر عنك الشوق لقُرْب المُحِبّ
ودُنوِّه؛ وقال النابغة:
زيدُ بن زيد حاضِرٌ بعُراعِرٍ،
وعلى كُنَيْب مالِكُ بن حِمَار
ومنه مِلْحٌ عُراعِرِيّ. وعَرْعارِ: لُعْبة للصبيان، صِبْيانِ الأَعراب،
بني على الكسرة وهو معدول من عَرْعَرَة مثل قَرْقارٍ من قَرْقَرة.
والعَرْعَرة أَيضاً: لُعْبةٌ للصبيان؛ قال النابعة:
يَدْعُو ولِيدُهُم بها عَرْعارِ
لأَن الصبي إِذا لم يجد أَحداً رفَع صوتَه فقال: عَرْعارِ، فإِذا
سَمِعُوه خرجوا إِليه فلَعِبوا تلك اللُّعْبَةَ. قال ابن سيده: وهذا عند سيبويه
من بنات الأَربع، وهو عندي نادر، لأَن فَعالِ إِنما عدلت عن افْعل في
الثلاثي ومَكّنَ غيرُه عَرْعار في الاسمية. قالوا: سمعت عَرْعارَ الصبيان
أَي اختلاطَ أَصواتهم، وأَدخل أَبو عبيدة عليه الأَلف واللام فقال:
العَرْعارُ لُعْبةٌ للصبيان؛ وقال كراع: عَرْعارُ لعبة للصبيان فأَعْرَبه،
أَجراه مُجْرَى زينب وسُعاد.
أرم: أَرَمَ ما على المائدة يَأْرِمهُ: أَكله؛ عن ثعلب. وأَرَمَتِ
الإِبِلُ تَأْرِمُ أَرْماً: أَكَلَتْ. وأَرَمَ على الشيء يَأْرِمُ، بالكسر،
أَي عَضَّ عليه. وأَرَمَه أَيضاً: أَكَلَه؛ قال الكميت:
ويَأْرِمُ كلَّ نابِتَةٍ رِعاءً،
وحُشَّاشاً لهنَّ وحاطِبينا
أَي من كثرتها؛ قال ابن بري: صوابه ونأْرِم، بالنون، لأَن قبله:
تَضِيقُ بنا الفِجاجُ، وهُنَّ فِيجٌ،
ونَجْهَرُ ماءَها السَّدِمَ الدَّفِينا
ومنه سنَةٌ آرِمةٌ أَي مُسْتأْصِلة. ويقال: أَرَمَتِ السنَةُ بأَموالنا
أَي أَكَلت كل شيء. وقال أَبو حنيفة: أَرَمَتِ السائمة المَرْعَى
تَأْرِمُه أَتَتْ عليه حتى لم تَدَعْ منه شيئاً.
وما فيه إِرْمٌ وأَرْمٌ أَي ضِرس. والأُرَّمُ: الأَضراس؛ قال الجوهري:
كأَنه جمع آرِمٍ. ويقال: فلان يَحْرُقُ عليك الأُرَّم إِذا تغَيَّظ فَحكَّ
أَضْراسه بعضها ببعض، وقيل: الأُرّمُ أَطراف الأَصابع. ابن سيده: وقالوا
هو يَعْلُك عليه الأُرَّم أَي يَصْرِف بأَنيابه عليه حَنَقاً؛ قال:
أُنْبِئْتُ أَحْمَاءَ سُلَيْمَى إِنَّما
أَضْحَوا غِضاباً، يَحْرُقُونَ الأُرَّما
أَنْ قُلْت: أَسْقَى الحَرَّتَيْنِ الدِّيمَا
قال ابن بري: لا يصحُّ فتح أَنَّما إِلاّ على أَن تجعل أَحْماء مفعولاً
ثانياً بإِسقاط حرف الجر، تقديره نُبّئتُ عن أَحْماء سُلَيمْى أَنَّهم
فَعلوا ذلك، فإِن جعلت أَحْماء مفعولاً ثانياً من غير إِسقاط حرف الجر كسرت
إِنَّما لا غير لأَنها المفعولُ الثالثُ، وقال أَبو رياش: الأُرَّمُ
الأَنيابُ؛ وأَنشد لعامر بن شقيق الضبيّ:
بِذِي فِرْقَيْنِ يَوْمَ بَنُو حَبيبٍ،
نُيُوبَهم علينا يَحْرُقُونَا
قال ابن بري: كذا ذكره الجوهري في فصل حَرَق فقال: حَرَقَ نابَه
يَحْرُقه ويَحْرِقُه إِذا سَحَقَه حتى يسمع له صَرِيف. الجوهري: ويقال الأُرَّم
الحِجارة؛ قال النضر بن شميل: سأَلت نوحَ بن جرير بن الخَطَفَى عن قول
الشاعر:
يَلُوكُ من حَرْدٍ عليَّ الأُرَّمَا
قال: الحَصَى. قال ابن بري: ويقال الأُرَّم الأَنياب هنا لقولهم يَحْرُق
عَليَّ الأُرَّمَ، من قولهم حَرَقَ نابُ البعير إِذا صوَّت.
والأَرْمُ: القطع. وأَرَمَتْهم السنَةُ أَرْماً: قطعتهم. وأَرَمَ الرجلَ
يَأْْرِمهُ أَرْماً: ليَّنَه؛ عن كُراع. وأَرْض أَرْماءُ ومَأْرُومَةٌ:
لم يُتْرَك فيها أَصل ولا فَرْعٌ.
والأَرُومةُ: الأَصْل. وفي حديث عُمير بن أَفْصى: أَنا من العرب في
أَرُومة بِنائها؛ قال ابن الأَثير: الأَرُومةُ بوزن الأَكولة الأَصْل.
وفيه كيف تَبْلُغك صَلاتُنا وقد أَرِمْتَ أَي بَلِيت؛ أَرِمَ المالُ
إِذا فَنِيَ. وأَرض أَرِمةٌ: لا تنبت شيئاً، وقيل: إِنما هو أُرِمْتَ من
الأَرْمِ الأَكل، ومنه قيل للأَسْنان الأُرَّم؛ وقال الخطابي: أَصله
أَرْمَمْت أَي بَلِيت وصرت رَمِيماً، فحذف إِحدى الميمين كقولهم ظَلْت في
ظَلِلْت؛ قال ابن الأَثير: وكثيراً ما تروى هذه اللفظة بتشديد الميم، وهي
لغة ناسٍ من بكر بن وائل، وسنذكره في رمم.
والإِرَمُ: حِجارة تنصب عَلَماً في المَفازة، والجمع آرامٌ وأُرُومٌ مثل
ضِلَع وأَضْلاع وضُلوع. وفي الحديث: ما يوجَد في آرامِ الجاهليَّة
وخِرَبها فيه الخُمْس؛ الآرام: الأَعْلام، وهي حجارة تُجْمَع وتنصَب في
المَفازة يُهْتَدَى بها، واحدها إِرَم كعِنَب. قال: وكان من عادة الجاهلية
أَنهم إِذا وجدوا شيئاً في طريقهم ولا يمكنهم اسْتِصْحابُه تركوا عليه حجارةً
يعرفُونه بها، حتى إِذا عادوا أَخذوه. وفي حديث سلمة بن الأَكْوَع: لا
يطرحون شيئاً إِلاَّ جَعَلْت عليه آراماً. ابن سيده: الإِرَمُ والأَرِمُ
الحجارة، والآرامُ الأَعْلام، وخص بعضهم به أَعْلام عادٍ، واحدُها إِرَمٌ
وأَرِمٌ وأَيْرَمِيٌّ؛ وقال اللحياني: أَرَمِيّ ويَرَمِيّ وإِرَمِيّ.
والأُرومُ أَيضاً: الأَعْلام، وقيل: هي قُبُور عادٍ؛ وعَمَّ به أَبو عبيد في
تفسير قول ذي الرمة:
وساحِرة العُيون من المَوامي،
تَرَقَّصُ في نَواشِرِها الأُرُومُ
فقال: هي الأَعْلام؛ وقوله أَنشده ثعلب:
حتى تَعالى النِّيُّ في آرامها
قال: يعني في أَسْنِمَتِها؛ قال ابن سيده: فلا أَدْري إِن كانت الآرام
في الأَصل الأَسْمة، أو شبَّهها بالآرام التي هي الأَعْلام لعِظَمِها
وطُولها.
وإِرَمٌ: والِدُ عادٍ الأُولَى، ومن ترَك صرف إِرَمٍ جعله اسماً
للقبيلة، وقيل: إِرَمُ عادٌ الأَخيرة، وقيل: إرَم لبَلْدَتِهم التي كانوا فيها.
وفي التنزيل: بِعادٍ إِرَمَ ذاتِ العِمادِ، وقل فيها أَيضاً أَرامٌ. قال
الجوهري في قوله عز وجل: إِرَمَ ذاتِ العِمادِ، قال: من لم يُضِف جعل
إِرَم اسمَه ولم يَصْرِفه لأَنه جعل عاداً اسم أَبيهم، ومن قرأَة بالإِضافة
ولم يَصْرف جعله اسم أُمّهم أَو اسم بَلدةٍ. وفي الحديث ذكر إِرَمَ ذاتِ
العِماد، وقد اختلف فيها فقيل دِمَشق، وقيل غيرها.
والأَرُوم، بفتح الهمزة: أَصْل الشجرة والقَرْن؛ قال صخر الغيّ يهجو
رجلاً:
تَيْسَ تُيُوسٍ، إِذا يُناطِحُها
يَأْلَمُ قَرْناً، أَرُومه نَقِدُ
قوله: يَأْلَمُ قَرْناً أَي يَأْلَمُ قَرْنَه، وقد جاء على هذا حروف
منها قولهم: يَيْجَع ظَهراً، ويَشْتكي عيناً أَي يَشْتَكي عَينَه، ونصب
تَيْسَ على الذَّمِّ؛ وأَنشد ابن بري لأَبي جندب الهذلي:
أَولئك ناصري وهُمُ أُرُومِي،
وبَعْضُ القوم ليس بذِي أُرُومِ
وقولهم: جارية مَأْرُومَةٌ حسَنة الأَرْمِ إِذا كانت مَجْدُولة الخَلْق.
وإِرَمٌ: اسم جبل؛ قال مُرَقِّش الأَكْبَرُ:
فاذْهَبْ فِدىً لك ابن عَمّك لائحا
(* هنا بياض في الأصل) . . . الأَشيبة وإِرَمْ
والأُرُومةُ والأَرُومة، الأَخيرة تميمة: الأَصلُ، والجمع أُرُومٌ؛ قال
زهير:
لَهُم في الذّاهِبِينَ أُرُومُ صِدْقٍ،
وكان لِكُلِّ ذي حَسَب أُرُومُ
والأَرامُ: مُلْتقى قَبائِلِ
الرأْس. ورَأْس مُؤَرَّمٌ: ضخْم القَبائل. وبَيْضَةٌ مُؤَرَّمةٌ
واسِعَةُ الأَعْلى. وما بالدَّارِ أَرِمٌ وأَرِيمٌ وإِرَميٌّ وأَيْرَميّ
وإِيْرَمِيّ؛ عن ثعلب وأَبي عبيد، أَي ما بها أَحَدٌ، لا يستعمل إِلا في
الجَحْد؛ قال زهير:
دارٌ لأَسْماء بالغَمْرَيْنِ ماثِلةٌ،
كالوَحْيِ ليس بها من أَهْلِها أَرِمُ
ومثله قول الآخر:
تلك القُرونُ وَرِثْنا الأَرضَ بَعْدَهُمُ،
فما يُحَسُّ عليها منهمُ أَرِمُ
قال ابن بري: كان ابن دَرَسْتَوَيْه يُخالف أَهل اللغة فيقول: ما بها
آرِم، على فاعل، قال: وهو الذي يَنْصِب الأَرَمَ وهو العَلَم، أَي ما بها
ناصِبُ عَلَم، قال: والمشهور عند أَهل اللغة ما بها أَرِمٌ، على وزن
حَذِرٍ، وبيتُ زهير وغيره يشهد بصحة قولهم، قال: وعلى أَنه أَيضاً حكى
القَزَّاز وغيره آرِم، قال: ويقال ما بها أَرَمٌ أَيضاً أَي ما بها
علَم.وأَرَمَ الرجلَ يَأْرِمُه أَرْماً: لَيَّنه. وأَرَمْتُ الحَبْل آرِمُه
أَرْماً إِذا فَتَلْتَه فَتْلاً شديداً. وأَرَمَ الشيءَ يَأْرِمُه
أَرْماً: شدَّه؛ قال رؤبة:
يَمْسُدُ أَعْلى لَحْمِه ويَأْرِمُهْ
ويروى بالزاي، وقد ذكر في أَجم.
وآرام: موضع؛ قال:
مِن ذاتِ آرامٍ فجَنبَي أَلعسا
(* قوله «فجني ألعسا» هكذا في الأصل وشرح القاموس).
وفي الحديث ذِكْر إِرَمٍ، بكسر الهمزة وفتح الراء الخفيفة، وهو موضع من
ديار جُذام، أَقْطَعَه سيدُنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بني جِعال
بن رَبيعة.
أنس: الإِنسان: معروف؛ وقوله:
أَقَلْ بَنو الإِنسانِ، حين عَمَدْتُمُ
إِلى من يُثير الجنَّ، وهي هُجُودُ
يعني بالإِنسان آدم، على نبينا وعليه الصلاة والسلام. وقوله عز وجل:
وكان الإِنسانُ أَكْثَرَ شيء جَدَلاً؛ عنى بالإِنسان هنا الكافر، ويدل على
ذلك قوله عز وجل: ويُجادِلُ الذين كفروا بالباطل لِيُدْحِضُوا به الحقَّ؛
هذا قول الزجّاج، فإِن قيل: وهل يُجادل غير الإِنسان؟ قيل: قد جادل
إِبليس وكل من يعقل من الملائكة، والجنُّ تُجادل، لكن الإِنسان أَكثر جدلاً،
والجمع الناس، مذكر. وفي التنزيل: يا أَيها الناسُ؛ وقد يؤنث على معنى
القبيلة أَو الطائفة، حكى ثعلب: جاءَتك الناسُ، معناه: جاءَتك القبيلة أَو
القطعة؛ كما جعل بعض الشعراء آدم اسماً للقبيلة وأَنت فقال أَنشده
سيبويه:شادوا البلادَ وأَصْبَحوا في آدمٍ،
بَلَغوا بها بِيضَ الوُجوه فُحُولا
والإِنسانُ أَصله إِنْسِيانٌ لأَن العرب قاطبة قالوا في تصغيره:
أُنَيْسِيانٌ، فدلت الياء الأَخيرة على الياء في تكبيره، إِلا أَنهم حذفوها لما
كثر الناسُ في كلامهم. وفي حديث ابن صَيَّاد: قال النبي، صلى اللَّه عليه
وسلم، ذاتَ يوم: انْطَلِقوا بنا إِلى أُنَيسيانٍ قد رأَينا شأْنه؛ وهو
تصغير إِنسان، جاء شاذّاً على غير قياس، وقياسه أُنَيْسانٌ، قال: وإِذا
قالوا أَناسينُ فهو جمع بَيِّنٌ مثل بُسْتانٍ وبَساتينَ، وإِذا قالوا
أَناسي كثيراً فخففوا الياء أَسقطوا الياء التي تكون فيما بين عين الفعل ولامه
مثل قَراقيرَ وقراقِرَ، ويُبَيِّنُ جواز أَناسي، بالتخفيف، قول العرب
أَناسيَة كثيرة، والواحدُ إِنْسِيٌّ وأُناسٌ إِن شئت. وروي عن ابن عباس،
رضي اللَّه عنهما، أَنه قال: إِنما سمي الإِنسان إِنساناً لأَنه عهد إِليه
فَنَسيَ، قال أَبو منصور: إِذا كان الإِنسان في الأَصل إِنسيانٌ، فهو
إِفْعِلانٌ من النِّسْيان، وقول ابن عباس حجة قوية له، وهو مثل لَيْل
إِضْحِيان من ضَحِيَ يَضْحَى، وقد حذفت الياء فقيل إِنْسانٌ. وروى المنذري عن
أَبي الهيثم أَنه سأَله عن الناس ما أَصله؟ فقال: الأُناس لأَن أَصله
أُناسٌ فالأَلف فيه أَصيلة ثم زيدت عليه اللام التي تزاد مع الأَلف للتعريف،
وأَصل تلك اللام
(* قوله «وأصل تلك اللام إلى قوله فلما زادوهما» كذا
بالأصل.) إِبدالاً من أَحرف قليلة مثل الاسم والابن وما أَشْبهها من
الأَلفات الوصلية فلما زادوهما على أُناس صار الاسم الأُناس، ثم كثرت في الكلام
فكانت الهمزة واسطة فاستثقلوها فتركوها وصار الباقي: أَلُناسُ، بتحريك
اللام بالضمة، فلما تحركت اللام والنون أَدغَموا اللام في النون فقالوا:
النَّاسُ، فلما طرحوا الأَلف واللام ابتَدأُوا الاسم فقالوا: قال ناسٌ من
الناس. قال الأَزهري: وهذا الذي قاله أَبو الهيثم تعليل النحويين،
وإِنْسانٌ في الأَصل إِنْسِيانٌ، وهو فِعْليانٌ من الإِنس والأَلف فيه فاء
الفعل، وعلى مثاله حِرْصِيانٌ، وهو الجِلْدُ الذي يلي الجلد الأَعلى من
الحيوان، سمي حِرْصِياناً لأَنه يُحْرَصُ أَي يُقْشَرُ؛ ومنه أُخذت الحارِصَة
من الشِّجاج، يقال رجل حِذْريانٌ إِذا كان حَذِراً. قال الجوهري: وتقدير
إِنْسانٍ فِعْلانٌ وإِنما زيد في تصغيره ياء كما زيد في تصغير رجل فقيل
رُوَيْجِل، وقال قوم: أَصله إِنْسِيان على إِفْعِلان، فحذفت الياء
استخفافاً لكثرة ما يجري على أَلسنتهم، فإِذا صغّروه ردوهما لأَن التصغير لا
يكثر. وقوله عز وجل: أَكان للناس عَجَباً أَن أَوْحَينا إِلى رجل منهم؛
النَّاسُ ههنا أَهل مكة الأُناسُ لغة في الناس، قال سيبويه: والأَصل في الناس
الأُناسُ مخففاً فجعلوا الأَلف واللام عوضاً عن الهمزة وقد قالوا
الأُناس؛ قال الشاعر:
إِنَّ المَنايا يَطَّلِعْـ
ـنَ على الأُناس الآمِنينا
وحكى سيبويه: الناسُ الناسُ أَي الناسُ بكل مكان وعلى كل حال كما نعرف؛
وقوله:
بلادٌ بها كُنَّا، وكُنَّا نُحِبُّها،
إِذ الناسُ ناسٌ، والبلادُ بلادُ
فهذا على المعنى دون اللفظ أَي إِذ الناس أَحرار والبلاد مُخْصِبَة،
ولولا هذا الغَرَض وأَنه مراد مُعْتَزَم لم يجز شيء من ذلك لِتَعَرِّي الجزء
الأَخير من زيادة الفائدة عن الجزءِ الأَول، وكأَنه أُعيد لفظ الأَول
لضرب من الإِدْلالِ والثقة بمحصول الحال، وكذلك كل ما كان مثل هذا.
والنَّاتُ: لغة في الناس على البدل الشاذ؛ وأَنشد:
يا قَبَّحَ اللَّهُ بني السِّعْلاةِ
عَمرو بنَ يَرْبوعٍ شِرارَ الناتِ،
غيرَ أَعِفَّاءٍ ولا أَكْياتِ
أَراد ولا أَكياس فأَبدل التاء من سين الناس والأَكياس لموافقتها إِياها
في الهمس والزيادة وتجاور المخارج.
والإِنْسُ: جماعة الناس، والجمع أُناسٌ، وهم الأَنَسُ. تقول: رأَيت
بمكان كذا وكذا أَنَساً كثيراً أَي ناساً كثيراً؛ وأَنشد:
وقد تَرى بالدّار يوماً أَنَسا
والأَنَسُ، بالتحريك: الحيُّ المقيمون، والأَنَسُ أَيضاً: لغة في
الإِنْس؛ وأَنشد الأَخفش على هذه اللغة:
أَتَوْا ناري فقلتُ: مَنُونَ أَنتم؟
فقالوا: الجِنُّ قلتُ: عِمُوا ظَلاما
فقلتُ: إِلى الطَّعامِ، فقال منهمْ
زَعِيمٌ: نَحْسُد الأَنَسَ الطَّعاما
قال ابن بري: الشعر لشمر بن الحرث الضَّبِّي، وذكر سيبويه البيت الأَول
جاء فيه منون مجموعاً للضرورة وقياسه: من أَنتم؟ لأَن من إِنما تلحقه
الزوائد في الوقف، يقول القائل: جاءَني رجل، فتقول: مَنُو؟ ورأَيت رجلاً
فيقال: مَنا؟ ومررت برجل فيقال: مَني؟ وجاءني رجلان فتقول: مَنانْ؟ وجاءَني
رجال فتقول: مَنُونْ؟ فإِن وصلت قلت: مَنْ يا هذا؟ أَسقطت الزوائد كلها،
ومن روى عموا صباحاً فالبيت على هذه الرواية لجِذْع بن سنان الغساني في
جملة أَبيات حائية؛ ومنها:
أَتاني قاشِرٌ وبَنُو أَبيه،
وقد جَنَّ الدُّجى والنجمُ لاحا
فنازَعني الزُّجاجَةَ بَعدَ وَهْنٍ،
مَزَجْتُ لهم بها عَسلاً وراحا
وحَذَّرَني أُمُوراً سَوْف تأْتي،
أَهُزُّ لها الصَّوارِمَ والرِّماحا
والأَنَسُ: خلاف الوَحْشَةِ، وهو مصدر قولك أَنِسْتُ به، بالكسر،
أَنَساً وأَنَسَةً؛ قال: وفيه لغة أُخرى: أَنَسْتُ به أُنْساً مثل كفرت به
كُفْراً. قال: والأُنْسُ والاستئناس هو التَّأَنُّسُ، وقد أَنِسْتُ بفلان.
والإِنْسِيُّ: منسوب إِلى الإِنْس، كقولك جَنِّيٌّ وجِنٌ وسِنْدِيٌّ
وسِنْدٌ، والجمع أَناسِيُّ كَكُرْسِيّ وكَراسِيّ، وقيل: أَناسِيُّ جمع إِنسان
كسِرْحانٍ وسَراحينَ، لكنهم أَبدلوا الياء من النون؛ فأَما قولهم:
أَناسِيَةٌ جعلوا الهاء عوضاً من إِحدى ياءَي أَناسِيّ جمع إِنسان، كما قال عز
من قائل: وأَناسِيَّ كثيراً. وتكون الياءُ الأُولى من الياءَين عوضاً
منقلبة من النون كما تنقلب النون من الواو إِذا نسبت إِلى صَنْعاءَ وبَهْراءَ
فقلت: صَنْعانيٌّ وبَهْرانيٌّ، ويجوز أَن تحذف الأَلف والنون في إِنسان
تقديراً وتأْتي بالياءِ التي تكون في تصغيره إِذا قالوا أُنَيْسِيان،
فكأَنهم زادوا في الجمع الياء التي يردّونها في التصغير فيصير أَناسِيَ،
فيدخلون الهاء لتحقيق التأْنيث؛ وقال المبرد: أَناسِيَةٌ جمع إِنْسِيَّةٍ،
والهاء عوض من الياء المحذوفة، لأَنه كان يجب أَناسِيٌ بوزن زَناديقَ
وفَرازِينَ، وأَن الهاء في زَنادِقَة وفَرازِنَة إِنما هي بدل من الياء،
وأَنها لما حذفت للتخفيف عوّضت منها الهاءُ، فالياءُ الأُولى من أَناسِيّ
بمنزلة الياءِ من فرازين وزناديق، والياء الأَخيرة منه بمنزلة القاف والنون
منهما، ومثل ذلك جَحْجاحٌ وجَحاجِحَةٌ إِنما أَصله جَحاجيحُ. وقال
اللحياني: يُجْمَع إِنسانٌ أَناسِيَّ وآناساً على مثال آباضٍ، وأَناسِيَةً
بالتخفيف والتأْنيث.
والإِنْسُ: البشر، الواحد إِنْسِيٌّ وأَنَسيٌّ أَيضاً، بالتحريك. ويقال:
أَنَسٌ وآناسٌ كثير. وقال الفراء في قوله عز وجل: وأَناسِيّ كثيراً؛
الأَناسِيُّ جِماعٌ، الواحد إِنْسِيٌّ، وإِن شئت جعلته إِنساناً ثم جمعته
أَناسِيّ فتكون الياءُ عوضاً من النون، كما قالوا للأَرانب أَراني،
وللسَّراحين سَراحِيّ. ويقال للمرأَة أَيضاً إِنسانٌ ولا يقال إِنسانة، والعامة
تقوله. وفي الحديث: أَنه نهى عن الحُمُر الإِنسيَّة يوم خَيْبَر؛ يعني
التي تأْلف البيوت، والمشهور فيها كسر الهمزة، منسوبة إِلى الإِنس، وهم بنو
آدم، الواحد إِنْسِيٌّ؛ قال: وفي كتاب أَبي موسى ما يدل على أَن الهمزة
مضمومة فإِنه قال هي التي تأْلف البيوت. والأُنْسُ، وهو ضد الوحشة،
الأُنْسُ، بالضم، وقد جاءَ فيه الكسر قليلاً، ورواه بعضهم بفتح الهمزة والنون،
قال: وليس بشيءٍ؛ قال ابن الأَثير: إِن أَراد أَن الفتح غير معروف في
الرواية فيجوز، وإِن أَراد أَنه ليس بمعروف في اللغة فلا، فإِنه مصدر
أَنِسْت به آنَس أَنَساً وأَنَسَةً، وقد حكي أَن الإِيْسان لغة في الإِنسان،
طائية؛ قال عامر بن جرير الطائي:
فيا ليتني من بَعْدِ ما طافَ أَهلُها
هَلَكْتُ، ولم أَسْمَعْ بها صَوْتَ إِيسانِ
قال ابن سيده: كذا أَنشده ابن جني، وقال: إِلا أَنهم قد قالوا في جمعه
أَياسِيَّ، بياء قبل الأَلف، فعلى هذا لا يجوز أَن تكون الياء غير مبدلة،
وجائز أَيضاً أَن يكون من البدل اللازم نحو عيدٍ وأَعْياد وعُيَيْدٍ؛ قال
اللحياني: فلي لغة طيء ما رأَيتُ ثَمَّ إِيساناً أَي إِنساناً؛ وقال
اللحياني: يجمعونه أَياسين، قال في كتاب اللَّه عز وجل: ياسين والقرآن
الحكيم؛ بلغة طيء، قال أَبو منصور: وقول العلماء أَنه من الحروف المقطعة. وقال
الفراءُ: العرب جميعاً يقولون الإِنسان إِلا طيئاً فإِنهم يجعلون مكان
النون ياء. وروى قَيْسُ ابن سعد أَن ابن عباس، رضي اللَّه عنهما، قرأَ:
ياسين والقرآن الحكيم، يريد يا إِنسان. قال ابن جني: ويحكى أَن طائفة من
الجن وافَوْا قوماً فاستأْذنوا عليهم فقال لهم الناس: من أَنتم؟ فقالوا:
ناسٌ من الجنِّ، وذلك أَن المعهود في الكلام إِذا قيل للناس من أَنتم
قالوا: ناس من بني فلان، فلما كثر ذلك استعملوه في الجن على المعهود من كلامهم
مع الإِنس، والشيء يحمل على الشيء من وجه يجتمعان فيه وإِن تباينا من
وجه آخر.
والإِنسانُ أَيضاً: إِنسان العين، وجمعه أَناسِيُّ. وإِنسانُ العين:
المِثال الذي يرى في السَّواد؛ قال ذو الرمة يصف إِبلاً غارت عيونها من
التعب والسير:
إِذا اسْتَحْرَسَتْ آذانُها، اسْتَأْنَسَتْ لها
أَناسِيُّ مَلْحودٌ لها في الحَواجِبِ
وهذا البيت أَورده ابنُ بري: إِذا اسْتَوْجَسَتْ، قال: واستوجست بمعنى
تَسَمَّعَتْ، واسْتَأْنَسَتْ وآنَسَتْ بمعنى أَبصرت، وقوله: ملحود لها في
الحواجب، يقول: كأَن مَحارَ أَعيُنها جُعِلْنَ لها لُحوداً وصَفَها
بالغُؤُور؛ قال الجوهري ولا يجمع على أُناسٍ. وإِنسان العين: ناظرها.
والإِنسانُ: الأُنْمُلَة؛ وقوله:
تَمْري بإِنْسانِها إِنْسانَ مُقْلَتها،
إِنْسانةٌ، في سَوادِ الليلِ، عُطبُولُ
فسره أَبو العَمَيْثَلِ الأَعرابيُّ فقال: إِنسانها أُنملتها. قال ابن
سيده: ولم أَره لغيره؛ وقال:
أَشارَتْ لإِنسان بإِنسان كَفِّها،
لتَقْتُلَ إِنْساناً بإِنْسانِ عَيْنِها
وإِنْسانُ السيف والسهم: حَدُّهما. وإِنْسِيُّ القَدَم: ما أَقبل عليها
ووَحْشِيُّها ما أَدبر منها. وإِنْسِيٌّ الإِنسان والدابة: جانبهما
الأَيسر، وقيل الأَيمن. وإِنْسِيُّ القَوس: ما أَقبل عليك منها، وقيل:
إِنْسِيُّ القوس ما وَليَ الرامِيَ، ووَحْشِيُّها ما ولي الصيد، وسنذكر اختلاف
ذلك في حرف الشين. التهذيب: الإِنْسِيُّ من الدواب هو الجانب الأَيسر الذي
منه يُرْكَبُ ويُحْتَلَبُ، وهو من الآدمي الجانبُ الذي يلي الرجْلَ
الأُخرى، والوَحْشِيُّ من الإِنسانِ الجانب الذي يلي الأَرض. أَبو زيد:
الإِنْسِيُّ الأَيْسَرُ من كل شيء. وقال الأَصمعي: هو الأَيْمَنُ، وقال: كلُّ
اثنين من الإِنسان مثل الساعِدَيْن والزَّنْدَيْن والقَدَمين فما أَقبل
منهما على الإِنسان فهو إِنْسِيٌّ، وما أَدبر عنه فهو وَحْشِيٌّ.
والأَنَسُ: أَهل المَحَلِّ، والجمع آناسٌ؛ قال أَبو ذؤَيب:
مَنايا يُقَرِّبْنَ الحُتُوفَ لأَهْلِها
جَهاراً، ويَسْتَمْتِعْنَ بالأَنَسِ الجُبْلِ
وقال عمرو ذو الكَلْب:
بفِتْيانٍ عَمارِطَ من هُذَيْلٍ،
هُمُ يَنْفُونَ آناسَ الحِلالِ
وقالوا: كيف ابنُ إِنْسُك أَي كيف نَفْسُك. أَبو زيد: تقول العرب للرجل
كيف ترى ابن إِنْسِك إِذا خاطبت الرجل عن نفْسك. الأحمر: فلان ابن إِنْسِ
فلان أَي صَفِيُّه وأَنيسُه وخاصته. قال الفراء: قلت للدُّبَيْريّ إِيش،
كيف ترى ابنُ إِنْسِك، بكسر الأَلف؟ فقال: عزاه إِلى الإِنْسِ، فأَما
الأُنْس عندهم فهو الغَزَلُ. الجوهري: يقال كيف ابنُ إِنْسِك وإِنْسُك يعني
نفسه، أَي كيف تراني في مصاحبتي إِياك؟ ويقال: هذا حِدْثي وإِنسي
وخِلْصي وجِلْسِي، كله بالكسر. أَبو حاتم: أَنِسْت به إِنساً، بكسر الأَلف، ولا
يقال أُنْساً إِنما الأُنْسُ حديثُ النساء ومُؤَانستهن. رواه أَبو حاتم
عن أَبي زيد. وأَنِسْتُ به آنَسُ وأَنُسْتُ أنُسُ أَيضاً بمعنى واحد.
والإِيناسُ: خلاف الإِيحاش، وكذلك التَّأْنيس. والأَنَسُ والأُنْسُ
والإِنْسُ الطمأْنينة، وقد أَنِسَ به وأَنَسَ يأْنَسُ ويأْنِسُ وأَنُسَ أُنْساً
وأَنَسَةً وتَأَنَّسَ واسْتَأْنَسَ؛ قال الراعي:
أَلا اسْلَمي اليومَ ذاتَ الطَّوْقِ والعاجِ.
والدَّلِّ والنَّظَرِ المُسْتَأْنِسِ الساجي
والعرب تقول: آنَسُ من حُمَّى؛ يريدون أَنها لا تكاد تفارق العليل
فكأَنها آنِسَةٌ به، وقد آنَسَني وأَنَّسَني. وفي بعض الكلام: إِذا جاءَ الليل
استأْنَس كلُّ وَحْشِيٍّ واستوحش كلُّ إِنْسِيٍّ؛ قال العجاج:
وبَلْدَةٍ ليس بها طُوريُّ،
ولا خَلا الجِنَّ بها إِنْسِيُّ
تَلْقى، وبئس الأَنَسُ الجِنِّيُّ
دَوِّيَّة لهَولِها دَويُّ،
للرِّيح في أَقْرابها هُوِيُّ
هُويُّ: صَوْتٌ. أَبو عمرو: الأَنَسُ سُكان الدار. واستأْنس الوَحْشِيُّ
إِذا أَحَسَّ إِنْسِيّاً. واستأْنستُ بفلان وتأَنَّسْتُ به بمعنى؛ وقول
الشاعر:
ولكنني أَجمع المُؤْنِساتِ،
إِذا ما اسْتَخَفَّ الرجالُ الحَديدا
يعني أَنه يقاتل بجميع السلاح، وإِنما سماها بالمؤْنسات لأَنهن
يُؤْنِسْنَه فَيُؤَمِّنَّه أَو يُحَسِّنَّ ظَنَّهُ. قال الفراء: يقال للسلاح كله
من الرُّمح والمِغْفَر والتِّجْفاف والتَّسْبِغَةِ والتُّرْسِ وغيره:
المُؤْنِساتُ.
وكانت العرب القدماءُ تسمي يوم الخميس مُؤْنِساً لأنَّهم كانوا يميلون
فيه إلى الملاذِّ؛ قال الشاعر:
أُؤَمِّلُ أَن أَعيشَ، وأَنَّ يومي
بأَوَّل أَو بأَهْوَنَ أَو جُبارِ
أَو التَّالي دُبارِ، فإِن يَفُتْني،
فَمُؤْنِس أَو عَروبَةَ أَو شِيارِ
وقال مُطَرِّز: أَخبرني الكريمي إِمْلاءً عن رجاله عن ابن عباس، رضي
اللَّه عنهما، قال: قال لي عليّ، عليه السلام: إِن اللَّه تبارك وتعالى خلق
الفِرْدَوْسَ يوم الخميس وسماها مُؤْنِسَ.
وكلب أَنُوس: وهو ضد العَقُور، والجمع أُنُسٌ. ومكان مَأْنُوس إِنما هو
على النسب لأَنهم لم يقولوا آنَسْتُ المكان ولا أَنِسْتُه، فلما لم نجد
له فعلاً وكان النسبُ يَسوغُ في هذا حملناه عليه؛ قال جرير:
حَيِّ الهِدَمْلَةَ من ذاتِ المَواعِيسِ،
فالحِنْوُ أَصْبَحَ قَفْراً غيرَ مَأْنُوسِ
وجارية أنِسَةٌ: طيبة الحديث؛ قال النابغة الجَعْدي:
بآنِسةٍ غَيْرِ أُنْسِ القِرافِ،
تُخَلِّطُ باللِّينِ منها شِماسا
وكذلك أَنُوسٌ، والجمع أُنُسٌ؛ قال الشاعر يصف بيض النعام:
أُنُسٌ إِذا ما جِئْتَها بِبُيُوتِها،
شُمُسٌ إِذا داعي السَّبابِ دَعاها
جُعلَتْ لَهُنَّ مَلاحِفٌ قَصَبيَّةٌ،
يُعْجِلْنَها بالعَطِّ قَبْلَ بِلاها
والمَلاحِف القصبية يعني بها ما على الأَفْرُخِ من غِرْقئِ البيض.
الليث: جارية آنِسَةٌ إِذا كانت طيبة النَّفْسِ تُحِبُّ قُرْبَكَ وحديثك،
وجمعها آنِسات وأَوانِسُ. وما بها أَنِيسٌ أَي أَحد، والأُنُسُ الجمع.
وآنَسَ الشيءَ: أَحَسَّه. وآنَسَ الشَّخْصَ واسْتَأْنَسَه: رآه وأَبصره
ونظر إِليه؛ أَنشد ابن الأَعرابي:
بعَيْنَيَّ لم تَسْتَأْنِسا يومَ غُبْرَةٍ،
ولم تَرِدا جَوَّ العِراقِ فَثَرْدَما
ابن الأَعرابي: أَنِسْتُ بفلان أَي فَرِحْتُ به، وآنَسْتُ فَزَعاً
وأَنَّسْتُهُ إِذا أَحْسَسْتَه ووجدتَهُ في نفسك. وفي التنزيل العزيز: آنَسَ
من جانب الطُور ناراً؛ يعني موسى أَبصر ناراً، وهو الإِيناسُ. وآنَس
الشيءَ: علمه. يقال: آنَسْتُ منه رُشْداً أَي علمته. وآنَسْتُ الصوتَ: سمعته.
وفي حديث هاجَرَ وإِسمعيلَ: فلما جاءَ إِسمعيل، عليه السلام، كأَنه آنَسَ
شيئاً أَي أَبصر ورأَى لم يَعْهَدْه. يقال: آنَسْتُ منه كذا أَي علمت.
واسْتَأْنَسْتُ: اسْتَعْلَمْتُ؛ ومنه حديث نَجْدَةَ الحَرُورِيِّ وابن
عباس: حتى تُؤْنِسَ منه الرُّشْدَ أَي تعلم منه كمال العقل وسداد الفعل
وحُسْنَ التصرف. وقوله تعالى: يا أَيها الذين آمنوا لا تَدْخُلوا بُيوتاً
غيرَ بُيوتِكم حتى تَسْتَأْنِسوا وتُسَلِّموا؛ قال الزجاج: معنى تستأْنسوا
في اللغة تستأْذنوا، ولذلك جاءَ في التفسير تستأْنسوا فَتَعْلَموا
أَيريد أَهلُها أَن تدخلوا أَم لا؟ قال الفراءُ: هذا مقدم ومؤَخَّر إِنما هو
حتى تسلِّموا وتستأْنسوا: السلام عليكم أَأَدخل؟ قال: والاستئناس في كلام
العرب النظر. يقال: اذهبْ فاسْتَأْنِسْ هل ترى أَحداً؟ فيكون معناه
انظرْ من ترى في الدار؛ وقال النابغة:
بذي الجَليل على مُسْتَأْنِسٍ وَحِدِ
أَي على ثور وحشيٍّ أَحس بما رابه فهو يَسْتَأْنِسُ أَي يَتَبَصَّرُ
ويتلفت هل يرى أَحداً، أَراد أَنه مَذْعُور فهو أَجَدُّ لعَدْوِه وفراره
وسرعته. وكان ابن عباس، رضي اللَه عنهما، يقرأُ هذه الآية: حتى تستأْذنوا،
قال: تستأْنسوا خطأ من الكاتب. قال الأَزهري: قرأ أُبيّ وابن مسعود:
تستأْذنوا، كما قرأَ ابن عباس، والمعنى فيهما واحد. وقال قتادة ومجاهد:
تستأْنسوا هو الاستئذان، وقيل: تستأْنسوا تَنَحْنَحُوا. قال الأَزهري: وأَصل
الإِنْسِ والأَنَسِ والإِنسانِ من الإِيناسِ، وهو الإِبْصار.
ويقال: آنَسْتُه وأَنَّسْتُه أَي أَبصرته؛ وقال الأَعشى:
لا يَسْمَعُ المَرْءُ فيها ما يؤَنِّسُه،
بالليلِ، إِلاَّ نَئِيمَ البُومِ والضُّوَعا
وقيل معنى قوله: ما يُؤَنِّسُه أَي ما يجعله ذا أُنْسٍ، وقيل للإِنْسِ
إِنْسٌ لأَنهم يُؤنَسُونَ أَي يُبْصَرون، كما قيل للجنِّ جِنٌّ لأَنهم لا
يؤنسون أَي لا يُبصَرون. وقال محمد بن عرفة الواسطي: سمي الإِنْسِيٍّون
إِنْسِيِّين لأَنهم يُؤنَسُون أَي يُرَوْنَ، وسمي الجِنُّ جِنّاً لأَنهم
مُجْتَنُّون عن رؤية الناس أَي مُتَوارُون. وفي حديث ابن مسعود: كان إِذا
دخل داره اسْتَأْنس وتَكَلَّمَ أَي اسْتَعْلَم وتَبَصَّرَ قبل الدخول؛
ومنه الحديث:
أَلم تَرَ الجِنَّ وإِبلاسها،
ويَأْسَها من بعد إِيناسها؟
أَي أَنها يئست مما كانت تعرفه وتدركه من استراق السمع ببعثة النبي، صلى
اللَه عليه وسلم. والإِيناسُ: اليقين؛ قال:
فإِن أَتاكَ امْرؤٌ يَسْعَى بِكذْبَتِه،
فانْظُرْ، فإِنَّ اطِّلاعاً غَيْرُ إِيناسِ
الاطِّلاعُ: النظر، والإِيناس: اليقين؛ قال الشاعر:
ليَس بما ليس به باسٌ باسْ،
ولا يَضُرُّ البَرَّ ما قال الناسْ،
وإِنَّ بَعْدَ اطِّلاعٍ إِيناسْ
وبعضهم يقول: بعد طُلوعٍ إِيناسٌ. الفراء: من أَمثالهم: بعد اطِّلاعٍ
إِيناسٌ؛ يقول: بعد طُلوعٍ إِيناس.
وتَأَنَّسَ البازي: جَلَّى بطَرْفِه. والبازي يَتَأَنَّسُ، وذلك إِذا ما
جَلَّى ونظر رافعاً رأْسه وطَرْفه.
وفي الحديث: لو أَطاع اللَّهُ الناسَ في الناسِ لم يكن ناسٌ؛ قيل: معناه
أَن الناس يحبون أَن لا يولد لهم إِلا الذُّكْرانُ دون الإِناث، ولو لم
يكن الإِناث ذهب الناسُ، ومعنى أَطاع استجاب دعاءه.ومَأْنُوسَةُ
والمَأْنُوسَةُ جميعاً: النار. قال ابن سيده: ولا أَعرف لها فِعْلاً، فأَما
آنَسْتُ فإِنما حَظُّ المفعول منها مُؤْنَسَةٌ؛ وقال ابن أَحمر:
كما تَطايَرَ عن مَأْنُوسَةَ الشَّرَرُ
قال الأَصمعي: ولم نسمع به إِلا في شعر ابن أَحمر.
ابن الأَعرابي: الأَنِيسَةُ والمَأْنُوسَةُ النار، ويقال لها السَّكَنُ
لأَن الإِنسان إِذا آنَسَها ليلاً أَنِسَ بها وسَكَنَ إِليها وزالت عنه
الوَحْشَة، وإِن كان بالأَرض القَفْرِ.
أَبو عمرو: يقال للدِّيكِ الشُّقَرُ والأَنيسُ والنَّزِيُّ.
والأَنِيسُ: المُؤَانِسُ وكل ما يُؤْنَسُ به. وما بالدار أَنِيسٌ أَي
أَحد؛ وقول الكميت:
فِيهنَّ آنِسَةُ الحدِيثِ حَيِيَّةٌ،
ليسَتْ بفاحشَةٍ ولا مِتْفالِ
أَي تَأْنَسُ حديثَك ولم يرد أَنها تُؤْنِسُك لأَنه لو أَراد ذلك لقال
مُؤْنِسَة.
وأَنَسٌ وأُنَيسٌ: اسمان. وأُنُسٌ: اسم ماء لبني العَجْلانِ؛ قال ابن
مُقْبِل:
قالتْ سُلَيْمَى ببطنِ القاعِ من أُنُسٍ:
لا خَيْرَ في العَيْشِ بعد الشَّيْبِ والكِبَرِ
ويُونُسُ ويُونَسُ ويُونِسُ، ثلاث لغات: اسم رجل، وحكي فيه الهمز فيه
الهمز أَيضاً، واللَّه أَعلم.
عصر: العَصْر والعِصْر والعُصْر والعُصُر؛ الأَخيرة عن اللحياني: الدهر.
قال الله تعالى: والعَصْرِ إِنّ الإِنسان لفي خُسْرٍ؛ قال الفراء:
العَصْر الدهرُ، أَقسم الله تعالى به؛ وقال ابن عباس: العَصْرُ ما يلي المغرب
من النهار، وقال قتادة: هي ساعة من ساعات النهار؛ وقال امرؤ القيس في
العُصُر:
وهل يَعِمَنْ مَن كان في العُصُر الخالي؟
والجمع أَعْصُرٌ وأَعْصار وعُصْرٌ وعُصورٌ؛ قال العجاج:
والعَصْر قَبْل هذه العُصورِ
مُجَرِّساتٍ غِرّةَ الغَرِيرِ
والعَصْران: الليل والنهار. والعَصْر: الليلة.
والعَصْر: اليوم؛ قال حميد بن ثور:
ولن يَلْبَثَ العَصْرَانِ يومٌ وليلة،
إِذا طَلَبَا أَن يُدْرِكا ما تَيَمَّما
وقال ابن السكيت في باب ما جاء مُثْنى: الليل والنهار، يقال لهما
العَصْران، قال: ويقال العَصْران الغداة والعشيّ؛ وأَنشد:
وأَمْطُلُه العَصْرَينِ حتى يَمَلَّني،
ويَرضى بنِصْفِ الدَّيْنِ، والأَنْفُ راغمُ
يقول: إِذا جاء في أَول النهار وعَدْتُه آخره. وفي الحديث: حافظْ على
العَصْرَيْنِ؛ يريد صلاةَ الفجر وصلاة العصر، سمّاهما العَصْرَينِ لأَنهما
يقعان في طرفي العَصْرَين، وهما الليل والنهار، والأَشْبَهُ أَنه غلَّب
أَحد الاسمين على الآخر كالعُمَرَيْن لأَبي بكر وعمر، والقمرين للشمس
والقمر، وقد جاء تفسيرهما في الحديث، قيل: وما العَصْران؟ قال: صلاةٌ قبل
طلوع الشمس وصلاةٌ قبل غروبها؛ ومنه الحديث: من صلَّى العَصْرَيْنِ دخل
الجنة، ومنه حديث علي رضي الله عنه: ذَكَّرْهم بأَيَّام الله واجْلِسْ لهم
العَصْرَيْن أَي بكرة وعشيّاً. ويقال: لا أَفعل ذلك ما اختلف العَصْران.
والعَصْر: العشي إِلى احمرار الشمس، وصلاة العَصْر مضافة إِلى ذلك الوقت،
وبه سميت؛ قال:
تَرَوَّحْ بنا يا عَمْرو، قد قَصُرَ العَصْرُ،
وفي الرَّوْحةِ الأُولى الغَنيمةُ والأَجْرُ
وقال أَبو العباس: الصلاة الوُسْطى صلاةُ العَصْرِ، وذلك لأَنها بين
صلاتَي النهار وصلاتي الليل، قال: والعَصْرُ الحَبْسُ، وسميت عَصْراً لأَنها
تَعْصِر أَي تَحْبِس عن الأُولى، وقالوا: هذه العَصْر على سَعة الكلام،
يريدون صلاة العَصْر. وأَعْصَرْنا: دخلنا في العَصْر. وأَعْصَرْنا
أَيضاً: كأَقْصَرْنا، وجاء فلانٌ عَصْراً أَي بَطيئاً.
والعِصارُ: الحِينُ؛ يقال: جاء فلان على عِصارٍ من الدهر أَي حين. وقال
أَبو زيد: يقال نام فلانٌ وما نام العُصْرَ أَي وما نام عُصْراً، أَي لم
يكد ينام. وجاء ولم يجئ لِعُصْرٍ أَي لم يجئ حين المجيء؛ وقال ابن
أَحمر:
يَدْعون جارَهُمُ وذِمَّتَه
عَلَهاً، وما يَدْعُون من عُصْر
أَراد من عُصُر، فخفف، وهو الملجأ.
والمُعْصِر: التي بَلَغَتْ عَصْرَ شبابها وأَدركت، وقيل: أَول ما أَدركت
وحاضت، يقال: أَعْصَرَت، كأَنها دخلت عصر شبابها؛ قال منصور بن مرثد
الأَسدي:
جارية بسَفَوانَ دارُها
تَمْشي الهُوَيْنا ساقِطاً خِمارُها،
قد أَعْصَرَت أَو قَدْ دَنا إِعْصارُها
والجمع مَعاصِرُ ومَعاصِيرُ؛ ويقال: هي التي قاربت الحيض لأَنّ
الإِعصارَ في الجارية كالمُراهَقة في الغُلام، روي ذلك عن أَبي الغوت الأَعرابي؛
وقيل: المُعْصِرُ هي التي راهقت العِشْرِين، وقيل: المُعْصِر ساعة
تَطْمِث أَي تحيض لأَنها تحبس في البيت، يجعل لها عَصَراً، وقيل: هي التي قد
ولدت؛ الأَخيرة أَزْديّة، وقد عَصَّرَت وأَعْصَرَت، وقيل: سميت المُعْصِرَ
لانْعِصارِ دم حيضها ونزول ماء تَرِيبَتِها للجماع. ويقال: أَعْصَرَت
الجارية وأَشْهَدَت وتَوضَّأَت إِذا أَدْرَكَت. قال الليث: ويقال للجارية
إِذا حَرُمت عليها الصلاةُ ورأَت في نفسها زيادةَ الشباب قد أَعْصَرت، فهي
مُعْصِرٌ: بلغت عُصْرةَ شبابِها وإِدْراكِها؛ بلغت عَصْرَها وعُصورَها؛
وأَنشد:
وفَنَّقَها المَراضِعُ والعُصورُ
وفي حديث ابن عباس: كان إِذا قَدِمَ دِحْيةُ لم يَبْقَ مُعْصِرٌ إِلا
خرجت تنظر إِليه من حُسْنِه؛ قال ابن الأَثير: المُعْصِرُ الجارية أَول ما
تحيض لانْعِصار رَحِمها، وإِنما خصَّ المُعْصِرَ بالذِّكر للمبالغة في
خروج غيرها من النساء.
وعَصَرَ العِنَبَ ونحوَه مما له دُهْن أَو شراب أَو عسل يَعْصِرُه
عَصْراً، فهو مَعْصُور، وعَصِير، واعْتَصَرَه: استخرج ما فيه، وقيل: عَصَرَه
وَليَ عَصْرَ ذلك بنفسه، واعْتَصَره إِذا عُصِرَ له خاصة، واعْتَصَر
عَصِيراً اتخذه، وقد انْعَصَر وتَعَصَّر، وعُصارةُ الشيء وعُصارهُ وعَصِيرُه:
ما تحلَّب منه إِذا عَصَرْته؛ قال:
فإِن العَذَارى قد خَلَطْنَ لِلِمَّتي
عُصارةَ حِنَّاءٍ معاً وصَبِيب
وقال:
حتى إِذا ما أَنْضَجَتْه شَمْسُه،
وأَنى فليس عُصارهُ كعُصارِ
وقيل: العُصارُ جمع عُصارة، والعُصارةُ: ما سالَ عن العَصْر وما بقي من
الثُّفْل أَيضاً بعد العَصْر؛ وقال الراجز:
عُصارة الخُبْزِ الذي تَحَلَّبا
ويروى: تُحْلِّبا؛ يقال تَحَلَّبت الماشية بقيَّة العشب وتَلَزَّجَته
أَي أَكلته، يعني بقية الرَّطْب في أَجواف حمر الوحش. وكل شيء عُصِرَ ماؤه،
فهو عَصِير؛ وأَنشد قول الراجز:
وصار ما في الخُبْزِ من عَصِيرِه
إِلى سَرَار الأَرض، أَو قُعُورِه
يعني بالعصير الخبزَ وما بقي من الرَّطْب في بطون الأَرض ويَبِسَ ما
سواه.
والمَعْصَرة: التي يُعْصَر فيها العنب. والمَعْصَرة: موضع العَصْر.
والمِعْصارُ: الذي يجعل فيه الشيء ثم يُعْصَر حتى يتحلَّب ماؤه. والعَواصِرُ:
ثلاثة أَحجار يَعْصِرون العنب بها يجعلون بعضها فوق بعض. وقولهم: لا
أَفعله ما
دام للزيت عاصِرٌ، يذهب إِلى الأَبَدِ.
والمُعْصِرات: السحاب فيها المطر، وقيل: السحائب تُعْتَصَر بالمطر؛ وفي
التنزيل: وأَنزَلْنا من المُعْصِرات ماءً ثجّاجاً. وأُعْصِرَ الناسُ:
أُمْطِرُوا؛ وبذلك قرأَ بعضهم: فيه يغاث الناس وفيه يُعْصَرُون؛ أَي
يُمْطَرُون، ومن قرأَ: يَعْصِرُون، قال أَبو الغوث: يستغِلُّون، وهو مِن عَصر
العنب والزيت، وقرئ: وفيه تَعْصِرُون، من العَصْر أَيضاً، وقال أَبو
عبيدة: هو من العَصَر وهو المَنْجاة والعُصْرة والمُعْتَصَر والمُعَصَّر؛ قال
لبيد:
وما كان وَقَّافاً بدار مُعَصَّرٍ
وقال أَبو زبيد:
صادِياً يَسْتَغِيثُ غير مُغاثٍ،
ولقد كان عُصْرة المَنْجود
أَي كان ملجأَ المكروب. قال الأَزهري: ما علمت أَحداً من القُرَّاء
المشهورين قرأَ يُعْصَرون، ولا أَدري من أَين جاء به الليث، فإِنه حكاه؛
وقيل: المُعْصِر السحابة التي قد آن لها أَن تصُبّ؛ قال ثعلب: وجارية
مُعْصِرٌ منه، وليس بقويّ. وقال الفراء: السحابة المُعْصِر التي تتحلَّب بالمطر
ولمَّا تجتمع مثل الجارية المُعْصِر قد كادت تحيض ولمّا تَحِضْ، وقال
أَبو حنيفة: وقال قوم: إِن المُعْصِرات الرِّياحُ ذوات الأَعاصِير، وهو
الرَّهَج والغُبار؛ واستشهدوا بقول الشاعر:
وكأَنَّ سُهْلءَ المُعْصِرات كَسَوْتَها
تُرْبَ الفَدافِدِ والبقاع بمُنْخُلِ
وروي عن ابن عباس أَن قال: المُعْصِراتُ الرِّياحُ وزعموا أَن معنى مِن،
من قوله: من المُعْصِرات، معنى الباء الزائدة
(* قوله: «الزائدة» كذا
بالأصل ولعل المراد بالزائدة التي ليست للتعدية وإن كان للسببية). كأَنه
قال: وأَنزلنا بالمُعْصِرات ماءً ثجّاجاً، وقيل: بل المُعْصِراتُ الغُيُومُ
أَنفُسُها؛ وفسر بيت ذي الرمة:
تَبَسَّمَ لَمْحُ البَرْقِ عن مُتَوَضِّحٍ،
كنَوْرِ الأَقاحي، شافَ أَلوانَها العَصْرُ
فقيل: العَصْر المطر من المُعْصِرات، والأَكثر والأَعرف: شافَ أَلوانها
القَطْرُ. قال الأَزهري: وقولُ من فَسَّر المُعْصِرات بالسَّحاب أَشْبَهُ
بما أَراد الله عز وجل لأَن الأَعاصِير من الرياح ليستْ مِن رِياح
المطر، وقد ذكر الله تعالى أَنه يُنْزِل منها ماءً ثجّاجاً. وقال أَبو إِسحق:
المُعْصِرات السحائب لأَنها تُعْصِرُ الماء، وقيل: مُعْصِرات كما يقال
أَجَنَّ الزرعُ إِذا صارَ إِلى أَن يُجنّ، وكذلك صارَ السحابُ إِلى اين
يُمْطِر فيُعْصِر؛ وقال البَعِيث في المُعْصِرات فجعلها سحائب ذوات
المطر:وذي أُشُرٍ كالأُقْحُوانِ تَشُوفُه
ذِهابُ الصَّبا، والمعْصِراتُ الدَّوالِحُ
والدوالحُ: من نعت السحاب لا من نعت الرياح، وهي التي أَثقلها الماء،
فهي تَدْلَحُ أَي تَمِْشي مَشْيَ المُثْقَل. والذِّهابُ: الأَمْطار، ويقال:
إِن الخير بهذا البلد عَصْرٌ مَصْرٌ أَي يُقَلَّل ويُقطَّع.
والإِعْصارُ: الريح تُثِير السحاب، وقيل: هي التي فيها نارٌ، مُذَكَّر.
وفي التنزيل: فأَصابها إِعْصارٌ فيه نارٌ فاحترقت، والإِعْصارُ: ريح
تُثِير سحاباً ذات رعد وبرق، وقيل: هي التي فيها غبار شديد. وقال الزجاج:
الإِعْصارُ الرياح التي تهب من الأَرض وتُثِير الغبار فترتفع كالعمود إِلى
نحو السماء، وهي التي تُسَمِّيها الناس الزَّوْبَعَة، وهي ريح شديدة لا
يقال لها إِعْصارٌ حتى تَهُبّ كذلك بشدة؛ ومنه قول العرب في أَمثالها: إِن
كنتَ رِيحاً فقد لاقيت إِعْصاراً؛ يضرب مثلاً للرجل يلقى قِرْنه في
النَّجْدة والبسالة. والإِعْصارُ والعِصارُ: أَن تُهَيِّج الريح التراب
فترفعه. والعِصَارُ: الغبار الشديد؛ قال الشماخ:
إِذا ما جَدَّ واسْتَذْكى عليها،
أَثَرْنَ عليه من رَهَجٍ عِصَارَا
وقال أَبو زيد: الإِعْصارُ الريح التي تَسْطَع في السماء؛ وجمع
الإِعْصارِ أَعاصيرُ؛ أَنشد الأَصمعي:
وبينما المرءُ في الأَحْياء مُغْتَبِطٌ،
إِذا هو الرَّمْسُ تَعْفوه الأَعاصِيرُ
والعَصَر والعَصَرةُ: الغُبار. وفي حديث أَبي هريرة، رضي الله عنه: أَنّ
امرأَة مرَّت به مُتَطَيِّبة بذَيْلِها عَصَرَةٌ، وفي رواية: إِعْصار،
فقال: أَينَ تُرِيدين يا أَمَةَ الجَبّارِ؟ فقالت: أُريدُ المَسْجِد؛
أَراد الغُبار أَنه ثارَ من سَحْبِها، وهو الإِعْصار، ويجوز أَن تكون
العَصَرة من فَوْحِ الطِّيب وهَيْجه، فشبّهه بما تُثِير الرياح، وبعض أَهل
الحديث يرويه عُصْرة والعَصْرُ: العَطِيَّة؛ عَصَرَه يَعْصِرُه: أَعطاه؛ قال
طرفة:
لو كان في أَمْلاكنا واحدٌ،
يَعْصِر فينا كالذي تَعْصِرُ
وقال أَبو عبيد: معناه أَي يتخذ فينا الأَيادِيَ، وقال غيره: أَي
يُعْطِينا كالذي تُعْطِينا، وكان أَبو سعيد يرويه: يُعْصَرُ فينا كالذي
يُعْصَرُ أَي يُصابُ منه، وأَنكر تَعْصِر. والاعْتِصَارُ: انْتِجَاعُ العطية.
واعْتَصَرَ من الشيء: أَخَذَ؛ قال ابن أَحمر:
وإِنما العَيْشُ بِرُبَّانِهِ،
وأَنْتَ مِن أَفْنانِه مُعْتَصِرْ
والمُعْتَصِر: الذي يصيب من الشيء ويأْخذ منه. ورجل كَريمُ المُعْتَصَرِ
والمَعْصَرِ والعُصارَةِ أَي جَوَاد عند المسأَلة كريم. والاعْتِصارُ:
أَن تُخْرِجَ من إِنسان مالاً بغُرْم أَو بوجهٍ غيرِه؛ قال:
فَمَنَّ واسْتَبْقَى ولم يَعْتَصِرْ
وكل شيء منعتَه، فقد عَصَرْتَه. وفي حديث القاسم: أَنه سئل عن
العُصْرَةِ للمرأَة، فقال: لا أَعلم رُخِّصَ فيها إِلا للشيخ المَعْقُوفِ
المُنْحَنِي؛ العُصْرَةُ ههنا: منع النبت من التزويج، وهو من الاعْتِصارِ
المَنْع، أَراد ليس لأَحد منعُ امرأَة من التزويج إِلا شيخ كبير أَعْقَفُ له بنت
وهو مضطر إِلى استخدامها. واعْتَصَرَ عليه: بَخِلَ عليه بما عنده ومنعه.
واعْتَصَر مالَه: استخرجه من يده. وفي حديث عمر بن الخطاب، رضي الله
عنه: أَنه قضى أَن الوالد يَعْتَصِرُ ولَدَه فيما أَعطاه وليس للولَد أَن
يَعتَصِرَ من والده، لفضل الوالد على الولد؛ قوله يَعْتَصِرُ ولده أَي له
أَن يحبسه عن الإِعطاء ويمنعه إِياه. وكل شيء منعته وحبسته فقد
اعْتَصَرْتَه؛ وقيل: يَعْتَصِرُ يَرْتَجِعُ. واعْتَصَرَ العَطِيَّة: ارْتَجعها،
والمعنى أَن الوالد إِذا أَعطى ولده شيئاً فله أَن يأْخذه منه؛ ومنه حديث
الشَّعْبي: يَعْتَصِرُ الوالد على ولده في ماله؛ قال ابن الأَثير: وإِنما
عداه يعلى لأَنه في معنى يَرْجِعُ عليه ويعود عليه. وقال أَبو عبيد:
المُعْتَصِرُ الذي يصيب من الشيء يأْخذ منه ويحبسه؛ قال: ومنه قوله تعالى: فيه
يُغَاثُ الناسُ وفيه يَعْصِرُون. وحكى ابن الأَعرابي في كلام له: قومٌ
يَعْتَصِرُونَ العطاء ويَعِيرون النساء؛ قال: يَعْتَصِرونَه يَسْترجعونه
بثوابه. تقول: أَخذت عُصْرَتَه أَي ثوابه أَو الشيء نَفسَه. قال:
والعاصِرُ والعَصُورُ هو الذي يَعْتَصِرُ ويَعْصِرُ من مال ولده شيئاً بغير
إِذنه. قال العِتريفِيُّ: الاعْتِصَار أَن يأْخذ الرجال مال ولده لنفسه أَو
يبقيه على ولده؛ قال: ولا يقال اعْتَصَرَ فلانٌ مالَ فلان إِلا أَن يكون
قريباً له. قال: ويقال للغلام أَيْضاً اعْتَصَرَ مال أَبيه إِذا أَخذه.
قال: ويقال فلان عاصِرٌ إِذا كان ممسكاً، ويقال: هو عاصر قليل الخير، وقيل:
الاعْتِصَارُ على وجهين: يقال اعْتَصَرْتُ من فلان شيئاً إِذا أَصبتَه
منه، والآخر أَن تقول أَعطيت فلاناً عطية فاعْتَصَرْتُها أَي رجعت فيها؛
وأَنشد:
نَدِمْتُ على شيء مَضَى فَاعْتَصَرْتُه،
وللنَّحْلَةُ الأُولى أَعَفُّ وأَكْرَمُ
فهذا ارتجاع. قال: فأَما الذي يَمْنَعُ فإِنما يقال له تَعَصَّرَ أَي
تَعَسَّر، فجعل مكان السين صاداً. ويقال: ما عَصَرك وثَبَرَكَ وغَصَنَكَ
وشَجَرَكَ أَي ما مَنَعَك. وكتب عمر، رضي الله عنه، إِلى المُغِيرَةِ:
إِنَّ النساء يُعْطِينَ على الرَّغْبة والرَّهْبة، وأَيُّمَا امرأَةٍ
نَحَلَتْ زَوجَها فأَرادت أَن تَعْتَصِرَ فَهُوَ لها أَي ترجع. ويقال: أَعطاهم
شيئاً ثم اعْتَصَره إِذا رجع فيه. والعَصَرُ، بالتحريك، والعُصْرُ
والعُصْرَةُ: المَلْجَأُ والمَنْجَاة. وعَصَرَ بالشيء واعْتَصَرَ به: لجأَ
إِليه. وأَما الذي ورد في الحديث: أَنه، صلى الله عليه وسلم، أَمر بلالاً أَن
يؤذن قبل الفجر لِيَعْتَصِرَ مُعْتَصِرُهُمْ؛ فإِنه أَراد الذي يريد أَن
يضرب الغائط، وهو الذي يحتاج إِلى الغائط ليَتَأَهَّبَ للصلاة قبل دخول
وقتها، وهو من العَصْر أَو العَصَر، وهو المَلْجأُ أَو المُسْتَخْفَى، وقد
قيل في قوله تعالى: فيه يُغَاثُ الناس وفيه يَعْصِرُون: إِنه من هذا،
أَي يَنْجُون من البلاء ويَعْتَصِمون بالخِصْب، وهو من العُصْرَة، وهي
المَنْجاة. والاعْتِصَارُ: الالتجاء؛ وقال عَدِي بن زيد:
لو بِغَيْرِ الماءِ حَلْقِي شَرِقٌ،
كنتُ كالغَصَّانِ بالماءِ اعْتِصَارِي
والاعْتِصار: أَن يَغَصَّ الإِنسان بالطعام فَيَعْتَصِر بالماء، وهو أَن
يشربه قليلاً قليلاً، ويُسْتَشْهد عليه بهذا البيت، أَعني بيت عدي بن
زيد.
وعَصَّرَ الزرعُ: نبتت أَكْمامُ سُنْبُلِه، كأَنه مأَخوذ من العَصَر
الذي هو الملجأُ والحِرْز؛ عن أَبي حنيفة، أَي تَحَرَّزَ في غُلُفِه،
وأَوْعِيَةُ السنبل أَخْبِيَتُه ولَفائِفُه وأَغْشِيَتُه وأَكِمَّتُه
وقبائِعُهُ، وقد قَنْبَعَت السُّنبلة وهي ما دامت كذلك صَمْعَاءُ، ثم تَنْفَقِئُ.
وكل حِصْن يُتحصن به، فهو عَصَرٌ. والعَصَّارُ: الملك الملجأُ.
والمُعْتَصَر: العُمْر والهَرَم؛ عن ابن الأَعرابي، وأَنشد:
أَدركتُ مُعْتَصَرِي وأَدْرَكَني
حِلْمِي، ويَسَّرَ قائِدِي نَعْلِي
مُعْتَصَري: عمري وهَرَمي، وقيل: معناه ما كان في الشباب من اللهو
أَدركته ولَهَوْت به، يذهب إِلى الاعْتِصَار الذي هو الإِصابة للشيء والأَخذ
منه، والأَول أَحسن. وعَصْرُ الرجلِ: عَصَبته ورَهْطه. والعُصْرَة:
الدِّنْية، وهم موالينا عُصْرَةً أَي دِنْيَةً دون من سواهم؛ قال الأَزهري:
ويقال قُصْرَة بهذا المعنى، ويقال: فلان كريم العَصِير أَي كريم النسب؛ وقال
الفرزدق:
تَجَرَّدَ منها كلُّ صَهْبَاءَ حُرَّةٍ،
لِعَوْهَجٍ آوِ لِلدَّاعِرِيِّ عَصِيرُها
ويقال: ما بينهما عَصَرٌ ولا يَصَرٌ ولا أَعْصَرُ ولا أَيْصَرُ أَي ما
بينهما مودة ولا قرابة. ويقال: تَوَلَّى عَصْرُك أَي رَهْطك وعَشِيرتك.
والمَعْصُور: اللِّسان اليابس عطشما ً؛ قال الطرماح:
يَبُلُّ بمَعْصُورٍ جَنَاحَيْ ضَئِيلَةٍ
أَفَاوِيق، منها هَلَّةٌ ونُقُوعُ
وقوله أَنشده ثعلب:
أَيام أَعْرَقَ بي عَامُ المَعَاصِيرِ
فسره فقال: بَلَغَ الوسخُ إِلى مَعَاصِمِي، وهذا من الجَدْب؛ قال ابن
سيده: ولا أَدري ما هذا التفسير. والعِصَارُ: الفُسَاء؛ قال الفرزدق:
إِذا تَعَشَّى عَتِيقَ التَّمْرِ، قام له
تَحْتَ الخَمِيلِ عِصَارٌ ذو أَضَامِيمِ
وأَصل العِصَار: ما عَصَرَتْ به الريح من التراب في الهواء. وبنو عَصَر:
حَيّ من عبد القيس، منهم مَرْجُوم العَصَرَيّ. ويَعْصُرُ وأَعْصُرُ:
قبيلة، وقيل: هو اسم رجل لا ينصرف لأَنه مثل يَقْتُل وأَقتل، وهو أَبو قبيلة
منها باهِلَةُ. قال سيبويه: وقالوا باهِلَةُ بن أَعْصُر وإِنما سمي بجمع
عَصْرٍ، وأَما يَعْصُر فعلى بدل الياء من الهمزة، ويشهد بذلك ما ورد به
الخبر من أَنه إِنما سمي بذلك لقوله:
أَبُنَيّ، إِنّ أَباك غَيَّرَ لَوْنَه
كَرُّ الليالي، واخْتِلافُ الأَعْصُرِ
وعَوْصَرة: اسم. وعَصَوْصَرَ وعَصَيْصَر وعَصَنْصَر، كله: موضع؛ وقول
أَبي النجم:
لو عُصْرَ منه البانُ والمِسْكُ انْعَصَرْ
يريد عُصِرَ، فخفف. والعُنْصُرُ والعُنْصَرُ: الأَصل والحسب. وعَصَرٌ:
موضع. وفي حديث خيبر: سَلَكَ رسولُ الله، صلى الله عليه وسلم، في مَسِيرِه
إِليها على عَصَرٍ؛ هو بفتحتين، جبل بين المدينة ووادي الفُرْع، وعنده
مسجد صلى فيه النبي، صلى الله عليه وسلم.
صدر: الصَّدْر: أَعلى مقدَّم كل شيء وأَوَّله، حتى إِنهم ليقولون: صَدْر
النهار والليل، وصَدْر الشتاء والصيف وما أَشبه ذلك مذكّراً؛ فأَما قول
الأَعشى:
وتَشْرَقُ بالقَوْل الذي قد أَذَعْتَه،
كما شَرِقَتْ صَدْر القَناة من الدَّمِ
قال ابن سيده: فإِن شئت قلت أَنث لأَنه أَراد القناة، وإِن شئت قلت إِن
صَدْر القَناة قَناة؛ وعليه قوله:
مَشَيْنَ كما اهْتَزَّت رِماح، تَسَفَّهَتْ
أَعالِيها مَرُّ الرِّياح النَّواسِم
والصَّدْر: واحد الصُّدُور، وهو مذكر، وإِنما أَنثه الأَعشى في قوله كما
شَرِقَتْ صَدْر القَناة على المعنى، لأَن صَدْر القَناة من القَناة، وهو
كقولهم: ذهبت بعض أَصابعه لأَنهم يؤنِّثُون الاسم المضاف إِلى المؤنث،
وصَدْر القناة: أَعلاها. وصَدْر الأَمر: أَوّله. وصَدْر كل شيء: أَوّله.
وكلُّ ما واجهك: صَدْرٌ، وصدر الإِنسان منه مذكَّر؛ عن اللحياني، وجمعه
صُدُور ولا يكسَّر على غير ذلك. وقوله عز وجل: ولكن تَعْمَى القُلوب التي
في الصُّدُور؛ والقلب لا يكون إِلاَّ في الصَّدْر إِنما جرى هذا على
التوكيد، كما قال عز وجل: يقولون بأَفواههم؛ والقول لا يكون إِلاَّ بالفَمِ
لكنه أَكَّد بذلك، وعلى هذا قراءة من قرأَ: إِن أَخي له تِسْعٌ وتسعون
نَعْجَةً أُنثى. والصُّدُرة: الصَّدْر، وقيل: ما أَشرف من أَعلاه. والصَّدْر:
الطائفة من الشيء. التهذيب: والصُّدْرة من الإِنسان ما أَشرف من أَعلى
صدْره؛ ومنه الصُّدْرة التي تُلبَس؛ قال الأَزهري: ومن هذا قول امرأَة
طائيَّة كانت تحت امرئ القيس، فَفَرِ كَتْهُ وقالت: إِني ما عَلِمْتُكَ
إِلاَّ ثَقِيل الصُّدْرة سريع الهِدافَةَ بَطِيء الإِفاقة.
والأَصْدَر: الذي أَشرفت صَدْرته.
والمَصْدُور: الذي يشتكي صدره؛ وفي حديث ابن عبد العزيز: قال لعبيدالله
بن عبدالله بن عتبة: حتى متَى تقولُ هذا الشعر؟ فقال:
لا بُدَّ للمَصْدُور من أَن يَسْعُلا
المَصْدُور: الذي يشتكي صَدْره، صُدِرَ فهو مصدور؛ يريد: أَن من أُصيب
صَدْره لا بدّ له أَن يَسْعُل، يعني أَنه يَحْدُث للإِنسان حال يتمثَّل
فيه بالشعر ويطيِّب به نفسه ولا يكاد يمتنع منه. وفي حديث الزهري: قيل له
إِن عبيد الله يقول الشِّعْر، قال: ويَسْتَطَيعُ المَصْدُور أَن لا
يَنْفُِثَ أَي لا يَبْزُق؛ شَبَّه الشِّعْر بالنَّفْث لأَنهما يخرجان من
الفَمِ. وفي حديث عطاء: قيل له رجل مَصْدُور يَنْهَزُ قَيْحاً أَحَدَثٌ هُوَ؟
قال: لا، يعني يَبزُق قَيْحاً. وبَنَات الصدر: خَلَل عِظامه.
وصُدِرَ يَصْدَرُ صَدْراً: شكا صَدْرَه؛ وأَنشد:
كأَنما هُوَ في أَحشاء مَصْدُورِ
وصَدَرَ فلان فلاناً يَصْدُرُه صَدْراً: أَصاب صَدْرَه. ورجل أَصْدَرُ:
عظيم الصَّدْرِ، ومُصَدَّر: قويّ الصَّدْر شديده؛ وكذلك الأَسَد والذئب.
وفي حديث عبد الملك: أُتِيَ بأَسِير مُصَدَّر؛ هو العظيم الصَّدْر. وفَرس
مُصَدَّرٌ: بَلَغ العَرَق صَدْرَه. والمُصَدَّرُ من الخيل والغنم:
الأَبيض لَبَّةِ الصَّدْرِ، وقيل: هو من النِّعاج السَّوداء الصدر وسائرُها
أَبيضُ؛ ونعجة مُصَدَّرَة. ورجل بعيد الصَّدْر: لا يُعطَف، وهو على
المثَل.والتَّصَدُّر: نصْب الصَّدْر في الجُلوس. وصَدَّر كتابه: جعل له
صَدْراً؛ وصَدَّره في المجلس فتصدَّر. وتصدَّر الفرسُ وصَدَّر، كلاهما: تقدَّم
الخيلَ بِصَدره. وقال ابن الأَعرابي: المُصَدَّرُ من الخيل السابق، ولم
يذكر الصَّدْرَ؛ ويقال: صَدَّرَ الفرسُ إِذا جاء قد سبق وبرز بِصَدْرِه
وجاء مُصَدَّراً؛ وقال طفيل الغَنَوِيّ يصف فرساً:
كأَنه بَعْدَما صَدَّرْنَ مِنْ عَرَقٍ
سِيدٌ، تَمَطَّرَ جُنْحَ الليل، مَبْلُولُ
كأَنه: الهاءُ لَفَرسِهِ. بعدما صَدَّرْنَ: يعني خَيْلاَ سَبَقْنَ
بصُدُورِهِنَّ. والعَرَق: الصفُّ من الخيل؛ وقال دكين:
مُصَدَّرٌ لا وَسَطٌ ولا بَالي
(* قوله: «مصدر إِلخ» كذا بالأَصل).
وقال أَبو سعيد في قوله: بعدما صَدَّرْنَ من عرق أَي هَرَقْنَ صَدْراً
ومن العَرَق ولن يَسْتَفْرِغْنَه كلَّه؛ ور وي عن ابن الأَعرابي أَنه قال:
رواه بعدما صُدِّرْنَ، على ما لم يسمَّ فاعله، أَي أَصاب العَرَقُ
صُدُورهُنَّ بعدما عَرِقَ؛ قال: والأَول أَجود؛ وقول الفرزدق يخاطب
جريراً:وحَسِبتَ خيْلَ بني كليب مَصْدَراً،
فَغَرِقْتَ حين وَقَعْتَ في القَمْقَامِ
يقول: اغْتَرَرْتَ بخيْل قومك وظننت أَنهم يخلِّصونك من بحر فلم يفعلوا.
ومن كلامِ كُتَّاب الدَّواوِين أَن يقال: صُودِرَ فلانٌ العامل على مالٍ
يؤدِّيه أَي فُورِقَ على مالٍ ضَمِنَه.
والصِّدَارُ: ثَوْبٌ رأْسه كالمِقْنَعَةِ وأَسفلُه يُغَشِّى الصَّدْرَ
والمَنْكِبَيْنِ تلبَسُه المرأَة؛ قال الأَزهري: وكانت المرأَة الثَّكْلَى
إِذا فقدت حميمها فأَحَدّتْ عليه لبست صِدَاراً من صُوف؛ وقال الراعي
يصف فلاة:
كَأَنَّ العِرْمِسَ الوَجْناءَ فيها
عَجُولٌ، خَرَّقَتْ عنها الصَّدارَا
ابن الأَعرابي: المِجْوَلُ الصُّدْرَة، وهي الصِّدار والأُصْدَة.
والعرَب تقول للقميص الصغير والدِّرْع القصيرة: الصُّدْرَةُ، وقال الأَصمعي:
يقال لِمَا يَلي الصَّدْر من الدِّرْعِ صِدارٌ. الجوهري: الصِّدارُ. بكسر
الصاد، قميص صغير يَلي الجسد. وفي المثل: كلُّ ذات صِدارٍ خالَةٌ أَي من
حَقِّ الرجل أَن يَغارَ على كل امرأَة كما يَغارُ على حُرَمِهِ. وفي حديث
الخَنْساء: دخلتْ على عائشة وعليها خِمارٌ مُمَزَّق وصِدار شعَر؛
الصِّدار: القميص القصير كما وَصَفناه أَوَّلاً.
وصَدْرُ القَدَمِ: مُقَدَّمُها ما بين أَصابعها إِلي الحِمارَة. وصَدْرُ
النعل: ما قُدَّام الخُرْت منها. وصَدْرُ السَّهْم: ما جاوز وسَطَه إِلى
مُسْتَدَقِّهِ، وهو الذي يَلي النَّصْلَ إِذا رُمِيَ به، وسُمي بذلك
لأَنه المتقدِّم إِذا رُمِي، وقيل: صَدْرُ السهم ما فوق نصفه إِلى المَرَاش.
وسهم مُصَدَّر: غليظ الصَّدْر، وصَدْرُ الرمح: مثله. ويومٌ كصَدْرِ
الرمح: ضيِّق شديد. قال ثعلب: هذا يوم تُخَصُّ به الحرْب؛ قال وأَنشدني ابن
الأَعرابي:
ويوم كصَدْرِ الرُّمْحِ قَصَّرْت طُولَه
بِلَيْلي فَلَهَّانِي، وما كُنْتُ لاهِيَا
وصُدُورُ الوادي: أَعاليه ومَقادمُه، وكذلك صَدَائرُهُ؛ عن ابن
الأَعرابي، وأَنشد.
أَأَنْ غَرَّدَتْ في بَطْنِ وادٍ حَمامَةٌ
بَكَيْتَ، ولم يَعْذِرْكَ في الجهلِ عاذِرف؟
تَعَالَيْنَ في عُبْرِيَّةٍ تَلَعَ الضُّحى
على فَنَنٍ، قد نَعَّمَتْهُ الصَّدائِرُ
واحدها صَادِرَة وصَدِيرَة.
(* قوله: «واحدها صادرة وصديرة» هكذا في
الأَصل وعبارة القاموس جمع صدارة وصديرة). والصَّدْرُْ في العَروضِ: حَذْف
أَلِفِ فاعِلُنْ لِمُعاقَبَتِها نون فاعِلاتُنْ؛ قال ابن سيده: هذا قول
الخليل، وإِنما حكمه أَن يقول الصَدْر الأَلف المحذوفة لِمُعاقَبَتها نون
فاعِلاتُنْ. والتَّصْدِيرُ؛ حزام الرَّحْل والهَوْدَجِ. قال سيبويه: فأَما
قولهم التَّزْدِيرُ فعلى المُضارعة وليست بلُغَة؛ وقد صَدَّرَ عن
البعير. والتَّصْدِيرُ: الحِزام، وهو في صَدْرِ البعير، والحَقَبُ عند الثِّيل.
والليث: التَّصْدِيرُ حبل يُصَدَّرُ به البعير إِذا جرَّ حِمْله إِلى
خلْف، والحبلُ اسمه التَّصْدِيرُ، والفعل التَّصْدِيرُ. قال الأَصمعي: وفي
الرحل حِزامَةٌ يقال له التَّصْدِيرُ، قال: والوَضِينُ والبِطان
لِلْقَتَبِ، وأَكثر ما يقال الحِزام للسَّرج. وقال الليث: يقال صَدِّرْ عن
بَعِيرك، وذلك إِذا خَمُصَ بطنُه واضطرب تَصْدِيُرهُ فيُشدُّ حبل من
التَّصْدِيرِ إِلى ما وراء الكِرْكِرَة، فيثبت التَّصْدِير في موضعه، وذلك الحبل
يقال له السِّنافُ. قال الأَزهري: الذي قاله الليث أَنَّ التَّصدْيِر حبل
يُصَدَّر به البعير إِذا جرَّ حِمْله خَطَأٌ، والذي أَراده يسمَّى
السِّناف، والتَّصْديرُ: الحزام نفسُه. والصِّدارُ: سِمَةٌ على صدر
البعير.والمُصَدَّرُ: أَول القداح الغُفْل التي ليست لها فُروضٌ ولا أَنْصباء،
إِنما تثقَّل بها القداح كراهِيَة التُّهَمَة؛ هذا قول اللحياني.
والصَّدَرُ، بالتحريك: الاسم، من قولك صَدَرْت عن الماء وعن البِلاد.
وفي المثل: تَرَكْته على مِثْل ليلَة الصَّدَرِ؛ يعني حين صَدَرَ الناس من
حَجِّهِم. وأَصْدَرْته فصدَرَ أَي رَجَعْتُهُ فرَجَع، والموضع مَصْدَر
ومنه مَصادِر الأَفعال. وصادَرَه على كذا. والصَّدَرُ: نقِيض الوِرْد.
صَدَرَ عنه يَصْدُرُ صَدْراً ومَصْدراً ومَزْدَراً؛ الأَخيرة مضارِعة؛
قال:ودَعْ ذا الهَوَى قبل القِلى؛ تَرْكُ ذي الهَوَى،
مَتِينِ القُوَى، خَيْرٌ من الصَّرْمِ مَزْدَرَا
وقد أَصْدَرَ غيرَه وصَدَرَهُ، والأَوَّل أَعلى. وفي التنزيل العزيز:
حتى يَصْدُرَ الرِّعاءُ؛ قال ابن سيده: فإِمَّا أَن يكون هذا على نِيَّةِ
التعدَّي كأَنه قال حتى يَصْدُر الرِّعاء إِبِلَهم ثم حذف المفعول،
وإِمَّا أَن يكون يَصدرُ ههنا غير متعدٍّ لفظاً ولا معنى لأَنهم قالوا صَدَرْتُ
عن الماء فلما يُعَدُّوه. وفي الحديث: يَهْلِكُونَ مَهْلَكاً واحداً
ويَصْدُرُون مَصادِر شَتَّى؛ الصَّدَرُ، بالتحريك: رُجوع المسافر من مَقصِده
والشَّارِبةِ من الوِرْدِ. يقال: صَدَرَ يَصْدُرُ صُدُوراً وصَدَراً؛
يعني أَنه يُخْسَفُ بهم جميعهم فَيْهلكون بأَسْرِهم خِيارهم وشِرارهم، ثم
يَصْدُرون بعد الهَلَكَة مَصادِرَ متفرِّقة على قدْر أَعمالهم
ونِيَّاتِهم، ففريقٌ في الجنة وفريق في السعير. وفي الحديث: لِلْمُهاجِرِ إِقامَةُ
ثلاثٍ بعد الصَّدَر؛ يعني بمكة بعد أَن يقضي نُسُكَه. وفي الحديث: كانت له
رَكْوة تسمَّى الصادِرَ؛ سمِّيت به لأَنه يُصْدَرُ عنها بالرِّيّ؛ ومنه:
فأَصْدَرْنا رِكابَنَا أَي صُرِفْنا رِواءً فلم نحتج إِلى المُقام بها
للماء. وما له صادِرٌ ولا وارِدٌ أَي ما له شيء. وقال اللحياني: ما لَهُ
شيء ولا قوْم. وطريق صادِرٌ: معناه أَنه يَصْدُر بِأَهْله عن الماء.
ووارِدٌ: يَرِدُهُ بِهم؛ قال لبيد يذكر ناقَتَيْن:
ثم أَصْدَرْناهُما في وارِدٍ
صادِرٍ وَهْمٍ، صُوَاهُ قد مَثَلْ
أَراد في طريق يُورد فيه ويُصْدَر عن الماء فيه. والوَهْمُ: الضَّخْمُ،
وقيل: الصَّدَرُ عن كل شيء الرُّجُوع. الليث: الصَّدَرُ الانصراف عن
الوِرْد وعن كل أَمر. يقال: صَدَرُوا وأَصْدَرْناهم. ويقال للذي يَبْتَدِئُ
أَمْراً ثم لا يُتِمُّه: فُلان يُورِد ولا يُصْدِر، فإِذا أَتَمَّهُ قيل:
أَوْرَدَ وأَصْدَرَ. قال أَبو عبيد: صَدَرْتُ عن البِلاد وعن الماء
صَدَراً، وهو الاسم، فإِذا أَردت المصدر جزمت الدال؛ وأَنشد لابن مقبل:
وليلةٍ قد جعلتُ الصبحَ مَوْعِدَها
صَدْرَ المطِيَّة حتء تعرف السَّدَفا
قال ابن سيده: وهذا منه عِيٌّ واختلاط، وقد وَضَعَ منه بهذه المقالة في
خطبة كتابِه المحكَم فقال: وهل أَوحَشُ من هذه العبارة أَو أَفحشُ من هذه
الإِشارة؟ الجوهري: الصَّدْرُ، بالتسكين، المصدر، وقوله صَدْرَ
المطِيَّة مصدر من قولك صَدَرَ يَصْدُرُ صَدْراً. قال ابن بري: الذي رواه أَبو
عمرو الشيباني السَّدَف، قال: وهو الصحيح، وغيره يرويه السُّدَف جمع
سُدْفَة، قال: والمشهور في شعر ابن مقبل ما رواه أَبو عمرو، والله أَعلم.
والصَّدَر: اليوم الرابع من أَيام النحر لأَن الناس يَصْدُرون فيه عن مكة إِلى
أَماكنهم. وتركته على مِثْل ليلة الصَّدَر أَي لا شيء له. والصَّدَر:
اسم لجمع صادر؛ قال أَبو ذؤيب:
بِأَطْيَبَ منها، إِذا مال النُّجُو
مُ أَعْتَقْنَ مثلَ هَوَادِي الصَّدَرْ
والأَصْدَرَانِ: عِرْقان يضربان تحت الصُّدْغَيْنِ، لا يفرد لهما واحد.
وجاء يضرِب أَصْدَرَيْه إِذا جاء فارِغاً، يعنى عِطْفَيْهِ، ويُرْوَى
أَسْدَرَيْهِ، بالسين، وروى أَبو حاتم: جاء فلان يضرب أَصْدَرِيْهِ
وأَزْدَرَيهِ أَي جاء فارغاً، قال: ولم يدر ما أَصله؛ قال أَبو حاتم: قال بعضهم
أَصْدَراهُ وأَزْدَراهُ وأَصْدغاهُ ولم يعرِف شيئاً منهنَّ. وفي حديث
الحسَن: يضرب أَصْدَرَيْه أَي منكِبيه، ويروى بالزاي والسين. وقوله تعالى:
يَصْدُرَ الرِّعاء؛ أَي يرجعوا من سَقْيِهم، ومن قرأَ يُصْدِرَ أَراد
يردّون. مواشِيَهُمْ. وقوله عز وجل: يومئذٍ يَصْدُرُ الناس أَشتاتاً؛ أَي
يرجعون. يقال: صَدَرَ القوم عن المكان أَي رَجَعُوا عنه، وصَدَرُوا إِلى
المكان صاروا إِليه؛ قال: قال ذلك ابن عرفة. والوارِدُ: الجائِي،
والصَّادِرُ: المنصرف.
التهذيب: قال الليث: المَصْدَرُ أَصل الكلمة التي تَصْدُرُ عنها
صَوادِرُ الأَفعال، وتفسيره أَن المصادر كانت أَول الكلام، كقولك الذّهاب
والسَّمْع والحِفْظ، وإِنما صَدَرَتِ الأَفعال عنها، فيقال: ذهب ذهاباً وسمِع
سَمْعاً وسَمَاعاً وحَفِظ حِفْظاً؛ قال ابن كيسان: أَعلم أَن المصدر
المنصوب بالفعل الذي اشتُقَّ منه مفعولٌ وهو توكيد للفعل، وذلك نحو قمت
قِياماً وضربته ضَرْباً إِنما كررته
(*
قوله: «إِنما كررته إِلى قوله وصادر موضع» هكذا في الأَصل). وفي قمتُ
دليلٌ لتوكيد خبرك على أَحد وجهين: أَحدهما أَنك خِفْت أَن يكون من
تُخاطِبه لم يَفهم عنك أَوَّلَ كلامك، غير أَنه علم أَنك قلت فعلت فعلاً، فقلتَ
فعلتُ فِعلاً لتردِّد اللفظ الذي بدأْت به مكرَّراً عليه ليكون أَثبت
عنده من سماعه مرَّة واحدة، والوجه الآخر أَن تكون أَردت أَن تؤكد خَبَرَكَ
عند مَنْ تخاطبه بأَنك لم تقل قمتُ وأَنت تريد غير ذلك، فردَّدته لتوكيد
أَنك قلتَه على حقيقته، قال: فإِذا وصفته بصفة لو عرَّفتْه دنا من
المفعول به لأَن فعلته نوعاً من أَنواع مختلفة خصصته بالتعريف، كقولك قلت قولاً
حسناً وقمت القيام الذي وَعَدْتك.
وصادِرٌ: موضع؛ وكذلك بُرْقَةُ صادر؛ قال النابغة:
لقدْ قلتُ للنُّعمان، حِينَ لَقِيتُه
يُريدُ بَنِي حُنٍّ بِبُرْقَةِ صادِرِ
وصادِرَة: اسم سِدْرَة معروفة: ومُصْدِرٌ: من أَسماء جُمادَى الأُولى؛
قال ابن سيده: أُراها عادِيَّة.
حلب: الحَلَبُ: استِخراجُ ما في الضَّرْعِ من اللبَنِ، يكونُ في الشاءِ والإِبِل والبَقَر. والحَلَبُ: مَصْدَرُ حَلَبها يَحْلُبُها ويَحْلِبُها
حَلْباً وحَلَباً وحِلاباً، الأَخيرة عن الزجاجي، وكذلك احْتَلَبها، فهو
حالِبٌ. وفي حديث الزكاة: ومِن حَقِّها حَلَبُها على الماءِ، وفي رواية: حَلَبُها يومَ وِرْدِها.
يقال: حَلَبْت الناقَة والشاةَ حَلَباً، بفتح اللام؛ والمراد بحَلْبِها على الماء ليُصِيبَ الناسُ من لَبَنِها. وفي الحديث أَنه قال لقَوْمٍ: لا
تسْقُونِي حَلَبَ امرأَةٍ؛ وذلك أَن حَلَب النساءِ عَيْبٌ عند العَرَب
يُعَيَّرون به، فلذلك تَنَزَّه عنه؛ وفي حديث أَبي ذَرٍّ: هل يُوافِقُكم
عَدُوُّكم حَلَبَ شاةٍ نَثُورٍ؟ أَي وَقْتَ حَلَب شاةٍ، فحذف المضاف.
وقومٌ حَلَبةٌ؛ وفي المثل: شَتَّى حتى تؤُوب(1)
(1 قوله «شتى حتى تؤوب إلخ» هكذا في أُصول اللسان التي بأيدينا، والذي في أمثال الميداني شتى تؤوب إلخ، وليس في الأَمثال الجمع بين شتى وحتى فلعل ذكر حتى سبق قلم.)
الحَلَبةُ، ولا تَقُل الحَلَمة، لأَنهم إِذا اجْتَمَعوا لحَلْبِ النَّوقِ،
اشْتَغَل كلُّ واحدٍ منهم بحَلْبِ ناقَتِه أَو حَلائِبِه، ثم يؤُوبُ الأَوَّلُ
فالأَوَّلُ منهم؛
قال الشيخ أَبو محمد بن بري: هذا المثل ذكره الجوهري:
شتى تؤُوبُ الحَلَبةُ، وغَيَّره ابنُ القَطَّاع، فَجَعَل بَدَلَ شَتَّى
حَتَّى، ونَصَبَ بها تَؤُوب؛ قال: والمعروف هو الذي ذَكَرَه الجَوْهريّ، وكذلك ذكره أَبو عبيد والأَصْمعي، وقال: أَصْلُه أَنهم كانوا يُورِدُونَ إِبلَهُم الشريعة والحَوْض جميعاً، فإِذا صَدَروا تَفَرَّقُوا إِلى مَنازِلِهم، فحَلَب كلُّ واحد منهم في أَهلِه على حِيالِه؛ وهذا المثل ذكره أَبو عبيد في باب أَخلاقِ الناسِ في اجتِماعِهِم وافْتِراقِهم؛ ومثله:
الناسُ إِخوانٌ، وَشتَّى في الشِّيَمْ، * وكلُّهُم يَجمَعُهم بَيْتُ الأَدَمْ
الأَزهري أَبو عبيد: حَلَبْتُ حَلَباً مثلُ طَلَبْتُ طَلَباً وهَرَبْتُ هَرَباً.
والحَلُوبُ: ما يُحْلَب؛ قال كعبُ بنُ سَعْدٍ الغَنَوِيُّ يَرْثِي أَخاه:
يَبِيتُ النَّدَى، يا أُمَّ عَمْرٍو، ضَجِيعَهُ، * إِذا لم يكن، في الـمُنْقِياتِ، حَلُوبُ
حَلِيمٌ، إِذا ما الحِلْمُ زَيَّنَ أَهلَه، * مع الحِلْمِ، في عَيْنِ العَدُوِّ مَهيبُ
إِذا ما تَراءَاهُ الرجالُ تَحَفَّظُوا، * فلم تَنْطِقِ العَوْراءَ، وهْوَ قَريب
الـمُنْقِياتُ: ذَواتُ النِقْيِ، وهُو الشَّحْمُ؛ يُقال: ناقةٌ مُنْقِيَةٌ، إِذا كانت سَمينَةً، وكذلك الحَلُوبةُ وإِنما جاءَ بالهاءِ لأَنك تريدُ الشيءَ الذي يُحْلَبُ أَي الشيءَ الذي اتخذوه ليَحْلُبوه، وليس لتكثيرِ الفعْلِ؛ وكذلك القولُ في الرَّكُوبةِ وغيرها. وناقةٌ حلوبة وحلوبٌ: للتي
تُحْلَبُ، والهاءُ أَكثر، لأَنها بمعنى مفعولةٍ. قال ثعلب: ناقة حَلوبة:
مَحْلوبة؛ وقول صخر الغيّ:
أَلا قُولاَ لعَبْدِالجَهْلِ: إِنَّ * الصَّحيحة لا تُحالِبُها التَّلُوثُ
أَراد: لا تُصابِرُها على الحَلْبِ، وهذا نادرٌ. وفي الحديث: إِياكَ
والحلوبَ أَي ذاتَ اللَّبَنِ. يقالُ: ناقةٌ حلوبٌ أَي هي مـما يُحلَب؛
والحَلوبُ والحَلوبةُ سواءٌ؛ وقيل: الحلوبُ الاسمُ، والحَلُوبةُ الصفة؛ وقيل: الواحدة والجماعة؛ ومنه حديث أُمِّ مَعْبَدٍ: ولا حَلوبَةَ في البيت أَي شاة تُحْلَبُ، ورجلٌ حلوبٌ حالِبٌ؛ وكذلك كلُّ فَعُول إِذا كان في معنى مفعولٍ، تثبُتُ فيه الهاءُ، وإِذا كان في معنى فاعِلٍ، لم تَثْبُتْ فيه الهاءُ. وجمعُ الحلوبة حَلائِبُ وحُلُبٌ؛ قال اللحياني: كلُّ فَعولةٍ من هذا الضَّرْبِ من الأَسماءِ إِن شئت أَثْبَتَّ فيه الهاءَ، وإِن شئتَ حذَفْتَه.
وحَلوبةُ الإِبلِ والغنم: الواحدةُ فَما زادتْ؛ وقال ابن بري: ومن العرب مَن يجعل الحلوبَ واحدةً، وشاهدهُ بيتُ كعبِ ابنِ سعدٍ الغَنَوي يَرثِي أَخاه:
إِذا لم يكن، في الـمُنْقِياتِ، حَلُوبُ
ومنهم من يجعله جمعاً، وشاهده قول نهيك بنِ إِسافٍ الأَنصاري:
تَقَسَّم جيراني حَلُوبي كأَنما، * تَقَسَّمها ذُؤْبانُ زَوْرٍ ومَنْوَرِ
أَي تَقَسَّم جِيراني حَلائِبي؛ وزَوْرٌ ومَنْوَر: حيّان مِن أَعدائه؛
وكذلك الحَلُوبة تكونُ واحدةً وجمعاً، فالحَلُوبة الواحدة؛ شاهِدُه قول الشاعر:
ما إِنْ رَأَيْنَا، في الزَّمانِ، ذي الكلَبْ، * حَلُوبةً واحدةً، فتُحْتَلَبْ
والحَلُوبة للجميع؛ شاهدهُ قول الجُمَيح بن مُنْقِذ:
لـمَّا رأَت إِبلي، قَلَّتْ حَلُوبَتُها، * وكلُّ عامٍ عليها عامُ تَجْنيبِ
والتَّجْنيب: قلةُ اللَّبَنِ يقال: أَجْنَبَت الإِبلُ إِذا قلَّ لَبَنُها.
التهذيبُ: أَنشد الباهلي للجَعْدي:
وبنُو فَزَارة إِنـَّها * لا تُلْبِثُ الحَلَبَ الحَلائِبْ
قال: حُكي عن الأَصمعي أَنه قال: لا تُلْبِثُ الحَلائِبَ حَلَبَ ناقةٍ،
حتى تَهْزِمَهُم. قال وقال بعضهم: لا تُلْبِثُ الحلائبَ أَن يُحْلَب
عليها، تُعاجِلُها قبلَ أَن تأْتيها الأَمْداد. قال: وهذا زَعمٌ
أَثْبَتُ.اللحياني: هذه غَنَم حُلْبٌ، بسكون اللام، للضأْنِ والـمَعَز. قال : وأُراه مُخَفَّفاً عن حُلُب. وناقةٌ حلوبٌ: ذاتُ لَبَنٍ، فإِذا صَيَّرْتهَا اسْماً، قلتَ: هذه الحَلُوبة لفلان؛ وقد يُخرجون الهاءَ من الحَلُوبة، وهم يَعْنُونها، ومثله الرَّكوبة والرَّكُوبُ لِما يَرْكَبون، وكذلك الحَلوبُ والحلوبةُ لما يَحْلُبُون. والمِحْلَب، بالكسر والحلابُ: الإِناءُ الذي يَحْلَبُ فيه اللبَنُ؛ قال:
صَاحِ! هَلْ رَيْتَ، أَوْ سَمِعْتَ بِراعٍ * رَدَّ في الضَّرْعِ ما قَرَا في الحِلابِ؟
ويُروى: في العِلابِ؛ وجمعه الـمَحَالِبُ. وفي الحديث: فَإِنْ رَضِيَ حِلابَها أَمـْسَكَها. الحِلابُ: اللَّبَنُ الذي تَحْلُبُه. وفي الحديث: كان إِذا اغْتَسَل دَعَا بِشَيءٍ مثلِ الحِلابِ، فأَخَذَ بكَفِّه، فَبَدَأَ بشِقِّ رَأْسِهِ الأَيمَنِ، ثم الأَيْسَرِ؛ قال ابن الأَثير: وقد رُوِيَتْ
بالجيم. وحُكي عن الأَزهري أَنه قال: قال أَصحاب المعاني إِنَّه الحِلابُ، وهو ما يُحْلَب فيهِ الغَنم كالمِحْلَب سَواءً، فصُحِّفَ؛ يَعْنُون أَنه كانَ يَغْتَسِلُ من ذلك الحِلابِ أَي يضَعُ فيه الماءَ الذي يَغْتَسِل منه. قال: واخْتارَ الجُلاّب، بالجيم، وفسَّره بماءِ الوَرْد. قال: وفي الحديث في كتاب البُخارِيِّ إِشكالٌ، وربَّما ظُنَّ انه تأَوَّله على الطيب، فقال: بابُ مَن بَدأَ بالحِلابِ والطِّيبِ عندَ الغُسْلِ. قال: وفي بعض النسخ: أَو الطيب، ولم يذكر في هذا الباب غير هذا الحديث، أَنـَّه كان إِذا اغْتَسَلَ دَعَا بشيءٍ مثلِ الحِلابِ. قال: وأَما مسلم فجمعَ الأَحادِيثَ الوارِدَة في هذا الـمَعْنى، في موضِعٍ واحدٍ، وهذا الحديث منها. قال: وذلك من فِعْلِهِ، يدُلُّك على أَنـَّه أَراد الآنِيَة والمقادِيرَ.
قال: ويحتمل أَن يكون البُخَاري ما أَراد إِلاّ الجُلاَّب، بالجيم، ولهذا تَرْجَم البابَ بِه، وبالطِّيب، ولكن الذي يُرْوَى في كتابِه إِنما هو بالحاءِ، وهو بها أَشْبَهُ، لأَنَّ الطِّيبَ، لمَنْ يَغْتَسِلُ بعدَ الغُسْل،
أَلْيَقُ مِنْه قَبلَهُ وأَوْلى، لأَنـَّه إِذا بَدَأَ بِه ثم اغْتَسَل، أَذْهَبَه الماءُ.
والحَلَبُ، بالتحريك: اللَّبَنُ الـمَحْلُوبُ، سُمِّيَ بالـمَصْدَرِ، ونحوُه كثير.
والحلِيب: كالحَلَب، وقيل: الحَلَبُ: المحلوب من اللَّبن، والحَلِيبُ
مَا لم يَتَغَيَّر طعْمه؛ وقوله أَنشده ثعلب:
كانَ رَبيب حَلَبٍ وقارِصِ
قال ابن سيده: عندي أَنَّ الحَلَب ههنا، هو الحَلِيبُ
لـمُعادلَته إِياه بالقارِصِ، حتى كأَنـَّه قال: كان ربيب لَبَنٍ حلِيبٍ، ولبنٍ قارِصٍ، وليس هو الحَلَب الذي هو اللَّبن الـمَحْلُوبُ. الأَزهري: الحَلَب: اللَّبَنُ الحَلِيبُ؛ تَقولُ: شَرِبْتُ لَبَناً حَلِيباً وحَلَباً؛ واستعارَ بعضُ الشعراءِ الحَلِيبَ لشَراب التَّمْرِ فقال يصف النَّخْل:
لهَا حَلِيبٌ كأَنَّ المِسْكَ خَالَطَه، * يَغْشَى النَّدامَى عَلَيه الجُودُ والرَّهَق
والإِحْلابَة: أَن تَحلُب لأَهْلِكَ وأَنتَ في الـمَرْعى لَبَناً، ثم تَبْعَثَ به إِلَيْهم، وقد أَحْلَبَهُم. واسمُ اللَّبَنِ: الإِحْلابَة أَيضاً.
قال أَبو منصور: وهذا مَسْمُوعٌ عن العَرَب، صَحِيحٌ؛ ومنه الإِعْجالَةُ والإِعْجالاتُ. وقيل: الإِحْلابَةُ ما زادَ على السِّقَاءِ من اللَّبَنِ، إِذا جاءَ به الراعِي حين يورِدُ إِبلَه وفيه اللَّبَن، فما زادَ على السِّقَاءِ فهو إِحْلابَةُ الحَيِّ. وقيل: الإِحْلابُ والإِحلابَةُ من اللَّبَنِ أَن تكون إِبِلُهم في الـمَرْعَى، فمَهْما حَلَبُوا جَمَعُوا، فَبَلَغَ
وَسْقَ بَعيرٍ حَمَلوه إِلى الحَيِّ. تقولُ مِنهُ: أَحْلَبْتُ أَهْلي. يقال:
قد جاءَ بإِحْلابَينِ وثَلاثَة أَحاليبَ، وإِذا كانوا في الشاءِ والبَقَر،
ففَعلوا ما وَصَفْت، قالوا جاؤُوا بإِمْخَاضَيْنِ وثَلاثةِ أَماخِيضَ.
ابن الأَعرابي: ناقَةٌ حَلْباةٌ رَكْباةٌ أَي ذاتُ لَبَنٍ تُحْلَبُ وتُرْكَبُ، وهي أَيضاً الحَلْبانَةُ والرَّكْبانَة. ابن سيده: وقالوا: ناقةٌ حَلْبانَةٌ وحَلْباةٌ وحَلَبُوت: ذاتُ لَبَنٍ؛ كما قالوا رَكْبانَةٌ ورَكْباةٌ ورَكَبُوتٌ؛ قال الشاعر يصف ناقة:
أَكْرِمْ لـنَا بنَاقَةٍ أَلوفِ
حَلْبانَةٍ، رَكْبانَةٍ، صَفُوفِ،
تَخْلِطُ بينَ وَبَرٍ وصُوفِ
قوله رَكْبانَةٍ: تَصْلُح للرُّكُوب؛ وقوله صَفُوفٍ: أَي تَصُفُّ أَقْداحاً من لَبَنِها، إِذا حُلِبَت، لكَثْرة ذلك اللَّبن. وفي حديث نُقادَةَ الأَسَدِيِّ: أَبْغِني ناقَةً حَلْبانَةً رَكْبانَةً أَي غزيرةً تُحْلَبُ، وذَلُولاً تُرْكَبُ، فهي صالِحَة للأَمـْرَين؛ وزيدَت الأَلِفُ والنونُ في بِنائهِما، للمبالغة. وحكى أَبو زيد: ناقَةٌ حَلَبَاتٌ، بلَفْظِ الجمع، وكذلك حكى: ناقَةٌ رَكَباتٌ وشاةٌ تُحْلُبَةٌ(1)
(1 قوله «وشاة تحلبة إلخ» في القاموس وشاة تحلابة بالكسر وتحلبة بضم التاء واللام وبفتحهما وكسرهما وضم التاء وكسرها مع فتح اللام.) وتِحْلِبة وتُحْلَبة إِذا خَرَج من
ضَرْعِها شيءٌ قبلَ أَن يُنْزَى عليها، وكذلك الناقَة التي تُحْلَب قبلَ
أَن تَحمِلَ، عن السيرافي.
وحَلَبَه الشاةَ والناقَةَ: جَعَلَهُما لَه يَحْلُبُهُما، وأَحْلَبَه إِيَّاهما كذلك؛ وقوله:
مَوَالِيَ حِلْفٍ، لا مَوالي قَرابَةٍ، * ولكِنْ قَطِيناً يُحْلَبُونَ الأَتَاوِيا
فإِنه جَعَلَ الإِحْلابَ بمَنْزلة الإِعطاءِ، وعدَّى يُحْلَبونَ إِلى مفعولين في معنى يُعْطَوْنَ.
وفي الحديث: الرَّهْن مَحْلُوبٌ أَي لِـمُرْتَهنِه أَن يَأْكُلَ لَبَنَهُ، بقدر نَظَرهِ عليه، وقِيامِه بأَمْره وعَلفِه.
وأَحْلَبَ الرَّجُلُ: ولدَتْ إِبِلُه إِناثاً؛ وأَجْلَبَ: وَلدَتْ لهُ ذُكوراً. ومِن كلامهم: أَأَحْلَبْتَ أَمْ أَجْلَبْتَ؟ فمعنى أَأَحْلَبْتَ: أَنُتِجَت نُوقُك إِناثاً؟ ومعنى أَمْ أَجْلَبْت: أَم نُتِجَت ذكوراً؟
وقد ذكر ذلك في ترجمة جَلَب. قال، ويقال: ما لَه أَجْلَبَ ولا أَحْلَبَ؟ أَي نُتِجَتْ إِبلُهُ كلُّها ذكوراً، ولا نُتِجَتْ إِناثاً فتُحْلَب. وفي
الدعاءِ على الإِنْسانِ: ما لَه حَلَبَ ولا جَلَبَ، عن ابن الأَعرابي، ولم يفسره؛ قال ابن سيده: ولا أَعْرِفُ وَجْهَه. ويدعُو الرَّجُلُ على الرَّجُلِ فيقول: ما لَه أَحلب ولا أَجْلَبَ، ومعنى أَحْلَبَ أَي وَلدَت إِبِلُه الإِناثَ دون الذُّكور، ولا أَجْلَب: إِذا دَعا لإِبِلِه أَن لا تَلِدَ الذُّكورَ، لأَنه الـمَحْقُ الخَفِيُّ لذَهابِ اللَّبنِ وانْقِطاعِ
النَّسْلِ.واستَحْلَبَ اللبنَ: اسْتَدَرَّه.
وحَلَبْتُ الرجُلَ أَي حَلَبْتُ له، تقول منه: احلُبْني أَي اكْفِني
الحَلْبَ، وأَحْلِبْني، بقَطْعِ الأَلِفِ، أَي أَْعِنِّي على الحَلبِ.
والحَلْبَتانِ: الغَداةُ والعَشِيُّ، عن ابن الأَعرابي؛ وإِنما سُمِّيَتا
بذلك للحَلَبِ الذي يكونُ فيهما.
وهاجِرةٌ حَلُوبٌ: تَحلُبُ العَرَقَ.
وتَحَلَّبَ العَرَقُ وانْحَلَبَ: سال. وتَحَلَّبَ بَدَنُه عَرَقاً: سالَ
عَرَقُه؛ أَنشد ثعلب:
وحَبَشِيَّيْنِ، إِذا تَحَلَّبا، * قالا نَعَمْ، قالا نَعَمْ، وصَوَّبَا
تَحَلَّبا: عَرِقا.
وتَحَلَّبَ فُوه: سالَ، وكذلك تَحَلَّب النَّدَى إِذا سالَ؛ وأَنشد:
وظلَّ كتَيْسِ الرَّمْلِ، يَنْفُضُ مَتْنَه، * أَذاةً به مِنْ صائِكٍ مُتَحَلِّبِ
شبّه الفَرَسَ بالتَّيْس الذي تَحَلَّبَ عليه صائِكُ الـمَطَرِ مِن الشَّجَر؛ والصائِك: الذي تَغَيَّرَ لَوْنُه ورِيحُه.
وفي حديث ابن عُمَر، رضي اللّه عنهما، قال: رأَيت عمر يَتَحَلَّبُ فُوه، فقال: أَشْتَهي جراداً مَقْلُوّاً أَي يَتَهَيَّأُ رُضابُه للسَّيَلانِ؛
وفي حديث طَهْفَة: ونَسْتَحْلِبُ الصَّبِيرَ أَي نَسْتَدِرُّ السَّحابَ.
وتَحَلَّبَتْ عَيْناهُ وانْحَلَبَتا؛ قال:
وانْحَلَبَتْ عَيْناهُ من طُولِ الأَسى
وحَوالِبُ البِئْرِ: منابع مائِها، وكذلك حَوالِبُ العُيونِ الفَوَّارَةِ، وحَوالِبُ العُيونِ الدَّامِعَةِ؛ قال الكميت:
تَدَفَّق جُوداً، إِذا ما الْبِحا * رُ غاضَتْ حَوالِبُها الحُفَّلُ
أَي غارَتْ مَوَادُّها.
ودَمٌ حَلِيبٌ: طرِيٌّ، عن السُكَّري؛ قال عَبْدُ ابْنُ حَبِيبٍ
الهُذَلِيُّ:
هُدُوءًا، تحتَ أَقْمَرَ مُسْتَكِفٍّ، * يُضِيءُ عُلالَةَ العَلَقِ الحَلِيبِ
والحَلَبُ من الجِبايَةِ مثلُ الصَّدَقَةِ ونحوِها مـما لا يكونُ وظِيفَةً مَعْلومَةَ: وهي الإِحْلابُ في دِيوانِ الصَّدَقَاتِ، وقد تَحَلَّبَ الفَيْءُ.
الأَزهري أَبو زيد: بَقَرةٌ مُحِلٌّ، وشاة مُحِلٌّ، وقد أَحَلَّتْ إِحْلالاً إِذا حَلَبَتْ، بفتح الحاءِ، قبلَ وِلادها؛ قال: وحَلَبَتْ أَي أَنْزَلَتِ اللبَنَ قبلَ وِلادِها.
والحَلْبَة: الدَّفْعَة من الخَيْلِ في الرِّهانِ خاصَّة، والجمعُ حَلائِبُ على غير قياسٍ؛ قال الأَزهري:
(يتبع...)
(تابع... 1): حلب: الحَلَبُ: استِخراجُ ما في الضَّرْعِ من اللبَنِ، يكونُ في الشاءِ... ...
ولا يقال للواحدِ منها حَلِيبَة ولا حِلابَة؛ وقال العجاج:
وسابِقُ الحَلائِبِ اللِّهَمُّ
يريد جَماعَة الحَلْبة. والحَلْبَة، بالتَّسْكِين: خَيْلٌ تُجْمع للسِّباقِ من كلِّ أَوْبٍ، لا تَخْرُجُ من مَوْضِعٍ واحِدٍ، ولكن من كلِّ حَيٍّ؛ وأَنشد أَبو عبيدة:
نَحْنُ سَبَقْنَا الحَلَبَاتِ الأَرْبَعَا، * الفَحْلَ والقُرَّحَ في شَوْطٍ مَعَا
وهو كما يقالُ للقومِ إِذا جاؤُوا من كلِّ أَوْبٍ للنُّصْرَةِ قد أَحْلَبُوا. الأَزهري: إِذا جاءَ القومُ من كلِّ وَجْهٍ، فاجْتَمَعُوا لحَرْبٍ
أَو غير ذلك، قيل: قد أَحْلَبُوا؛ وأَنشد:
إِذا نَفَرٌ، منهم، رَؤبة أَحْلَبُوا * عَلى عامِلٍ، جاءَتْ مَنِيَّتُهُ تَعْدُو 1
(1 قوله «رؤبة» هكذا في الأصول.)
ابن شميل: أَحْلَبَ بنو فلانٍ مع بَني فلانٍ إِذا جاؤُوا أَنْصاراً لهم.
والـمُحْلِبُ: الناصِرُ؛ قال بشرُ بنُ أَبي خازِمٍ:
ويَنْصُرُه قومٌ غِضابٌ عَلَيْكُمُ، * مَتى تَدْعُهُمْ، يوماً، إِلى الرَّوْعِ، يَرْكَبوا
أَشارَ بِهِمْ، لَمْعَ الأَصَمِّ، فأَقْبَلُوا * عَرانِينَ لا يَأْتِيه، للنَّصْرِ، مُحْلِبُ
قوله: لَمْعَ الأَصَمِّ أَي كما يُشِيرُ الأَصمُّ بإِصْبَعِهِ، والضمير في
أَشار يعود على مُقَدَّمِ الجَيْش؛ وقوله مُحْلِبُ، يقول: لا يَأْتِيهِ
أَحدٌ ينصره من غير قَوْمِه وبَنِي عَمِّه. وعَرانِينَ: رُؤَساءَ. وقال في التهذيب: كأَنـَّه قال لَمَعَ لَمْع الأَصَمِّ، لأَن الأَصَمَّ لا يسمعُ
الجوابَ، فهو يُدِيمُ اللَّمْعَ، وقوله: لا يَأْتِيهِ مُحْلِبُ أَي لا
يأْتِيهِ مُعِينٌ من غيرِ قَوْ مِهِ، وإِذا كان الـمُعِين مِن قَوْمِه، لم
يَكُنْ مُحْلِباً؛ وقال:
صَريحٌ مُحْلِبٌ، مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ، * لِحَيٍّ بينَ أَثْلَةَ والنِّجَامِ(2)
(2 قوله «صريح» البيت هكذا في أصل اللسان هنا وأورده في مادة نجم:
نزيعاً محلباً من أَهل لفت
إلخ. وكذلك أَورده ياقوت في نجم ولفت، وضبط لفت بفتح اللام وكسرها مع اسكان الفاء.)
وحالَبْت الرجُلَ إِذا نَصَرْتَه وعاوَنْتَه. وحَلائِبُ الرجُلِ:أَنْصارُه من بَني عَمِّه خاصَّةً؛ قال الحرِثُ بن حلزة:
ونَحْنُ، غَداةَ العَيْن، لَـمَّا دَعَوْتَنَا، * مَنَعْناكَ، إِذْ ثابَتْ عَلَيْكَ الحَلائِبُ
وحَلَبَ القَوْمُ يَحْلُبونَ حَلْباً وحُلُوباً: اجْتَمَعوا وتأَلَّبُوا من كلِّ وَجْه.
وأَحْلَبُوا عَلَيك: اجْتَمَعُوا وجاؤُوا من كلِّ أَوْبٍ. وأَحْلَبَ القَوْمُ أَصْحابَهُم: أَعانُوهُم. وأَحْلَبَ الرجُلُ غيرَ قَوْمِهِ: دَخَل بَيْنَهم فَأَعانَ بعضَهُم على بَعْضٍ، وهو رَجُلٌ مُحْلِبٌ. وأَحْلَبَ الرَّجُلُ صاحِبَه إِذا أَعانَه على الحَلْبِ. وفي المثل: لَيْسَ لهَا رَاعٍ، ولكِنْ حَلَبَة؛ يُضْرَب للرجُل، يَسْتَعِينُك فتُعِينُه، ولا مَعُونَةَ عِنْدَه.
وفي حديث سَعْدِ بن مُعاذٍ: ظَنَّ أَنَّ الأَنْصارَ لا
يَسْتَحْلِبُونَ لَه على ما يُريدُ أَي لا يَجْتَمِعُون؛ يقال: أَحْلَبَ القَو مُ
واسْتَحْلَبُوا أَي اجْتَمَعُوا للنُّصْرة والإعانَةِ، وأَصلُ الإِحْلابِ
الإِعانَةُ على الحَلْبِ؛ ومن أَمثالهم:
لَبِّثْ قَلِيلاً يَلْحَقِ الحَلائِب
يعني الجَماعَاتِ. ومن أَمْثالِهِم: حَلَبْتَ بالساعِدِ الأَشَدِّ أَي اسْتَعَنْتَ بمَنْ يَقُوم بأَمْرِكَ ويُعْنى بحاجَتِكَ. ومن أَمـْثالِهِم في الـمَنْع: لَيْسَ في كلِّ حين أُحْلَبُ فأُشْرَبُ؛ قال الأَزهري: هكذا رواه الـمُنْذِريُّ عن أَبي الهَيْثم؛ قال أَبو عبيد: وهذا المَثَلُ يُرْوى عن سَعيدِ بنِ جُبَيْرٍ، قاله في حديث سُئِلَ عنه، وهو يُضْرَبُ في كلِّ شيءٍ يُمْنَع. قال، وقد يقال: ليس كلّ حِينٍ أَحْلُبُ فأَشْرَب. ومن
أَمثالهم: حَلَبَتْ حَلْبَتَها، ثم أَقْلَعَتْ؛ يُضْرَبُ مثلاً للرجُلِ
يَصْخَبُ ويَجْلُبُ، ثم يَسْكُتُ من غير أَن يَكونَ منه شَيءٌ غير
جَلَبَتِه وصِياحِه.
والحالِبانِ: عِرْقان يَبْتَدَّانِ الكُلْيَتَيْنِ من ظَاهِرِ البَطْنِ، وهُما أَيضاً عِرقانِ أَخْضَرانِ يَكتنِفان السُّرَّة إِلى البَطْن؛ وقيل هُما عِرْقان مُسْتَبْطِنَا القَرْنَيْن. الأَزهري: وأَما قولُ الشمَّاخ:
تُوائِلُ مِنْ مِصَكٍّ، أَنْصَبَتْه، * حَوالِبُ أَسْهَرَيْهِ بالذَّنِينِ
فإِن أَبا عمرو قال: أَسْهَراهُ: ذكَرُه وأَنْفُه؛ وحَوالِبُهُما: عُرُوقٌ تَمُدُّ الذَّنِين من الأَنْفِ، والـمَذْيَ مِن قَضِيبِه. ويُروَى حَوالِبُ أَسْهَرَتْهُ، يعني عُرُوقاً يَذِنُّ منْها أَنْفُه.
والحَلْبُ: الجُلُوسُ على رُكْبَةٍ وأَنـْتَ تَأْكُلُ؛ يقال: احْلُبْ فكُلْ. وفي الحديث: كان إِذا دُعِيَ إِلى طَعام جَلَسَ جُلُوسَ الحَلَبِ؛ هو
الجلوسُ على الرُّكْبة ليَحْلُبَ الشاةَ. يقال: احْلُبْ فكُلْ أَي اجْلِسْ، وأَراد به جُلوسَ الـمُتَواضِعِين.
ابن الأَعرابي: حَلَبَ يَحْلُبُ: إِذا جَلَسَ على رُكْبَتَيْهِ.
أَبو عمرو: الحَلْبُ: البُروكُ، والشَّرْبُ: الفَهْم. يقال: حَلَبَ يَحْلُبُ حَلْباً إِذا بَرَكَ؛ وشَرَب يَشْرُبُ شَرْباً إِذا فَهِمَ. ويقال للبَلِيدِ: احْلُبْ ثم اشْرُبْ.
والحلباءُ: الأَمَةُ الباركةُ من كَسَلِها؛ وقد حَلَبَتْ تَحْلُب إِذا بَرَكَت على رُكْبَتَيْها.
وحَلَبُ كلِّ شيءٍ: قشره، عن كُراع.
والحُلْبة والحُلُبة: الفَريقةُ. وقال أَبو حنيفة: الحُلْبة نِبْتة لها حَبٌّ أَصْفَر، يُتَعالَجُ به، ويُبَيَّتُ فيُؤْكَلُ. والحُلْبة: العَرْفَجُ والقَتَادُ. وصَارَ ورقُ العِضَاهِ حُلْبةً إِذا خرج ورقُه وعَسا واغْبَرَّ، وغَلُظَ عُودُه وشَوْكُه. والحُلْبة: نَبْتٌ معروفٌ، والجمع حُلَب. وفي حديث خالدِ ابنِ مَعْدانَ: لَوْيَعْلَمُ الناسُ ما في الحُلْبةِ لاشْتَرَوْها، ولو بوزنِها ذَهَباً. قال ابن الأَثير: الحُلْبةُ: حَبٌّ معروف؛ وقيل: هو من ثَمَرِ العِضاه؛ قال: وقد تُضَمُّ اللامُ.
والحُلَّبُ: نباتٌ يَنْبُت في القَيْظِ بالقِيعانِ، وشُطْآنِ الأَوْدية، ويَلْزَقُ بالأَرضِ، حتى يَكادَ يَسوخُ، ولا تأْكلُه الإِبل، إِنما تأْكلُه الشاءُ والظِّباءُ، وهي مَغْزَرَة مَسْمَنةٌ، وتُحْتَبلُ عليها الظِّباءُ. يقال: تَيْسُ حُلَّبٍ، وتَيْسٌ ذُو
حُلَّبٍ، وهي بَقْلة جَعْدةٌ غَبْراءُ في خُضْرةٍ، تَنْبسِطُ على الأَرضِ، يَسِيلُ منها اللَّبَنُ، إِذا قُطِعَ منها شيءٌ؛ قال النابغة يصف فرساً:
بعارِي النَّواهِقِ، صَلْتِ الجَبِينِ، * يَسْتَنُّ، كالتَّيْسِ ذي الحُلَّبِ
ومنه قوله:
أَقَبَّ كَتَيْسِ الحُلَّبِ الغَذَوانِ
وقال أَبو حنيفة: الحُلَّبُ نبتٌ يَنْبَسِطُ على الأَرض، وتَدُومُ
خُضْرتُه، له ورقٌ صِغارٌ، يُدبَغُ به. وقال أَبو زيادٍ: من الخِلْفةِ
الحُلَّبُ، وهي شجرة تَسَطَّحُ على الأَرض، لازِقةٌ بها، شديدةُ الخُضْرةِ، وأَكثرُ نباتِها حين يَشْتَدُّ الحرُّ. قال، وعن الأَعراب القُدُم: الحُلَّبُ يَسْلَنْطِحُ على الأَرض، له ورقٌ صِغارٌ مرٌّ، وأَصلٌ يُبْعِدُ في الأَرض، وله قُضْبانٌ صِغارٌ، وسِقاءٌ حُلَّبيٌّ ومَحْلوبٌ، الأَخيرة عن أَبي حنيفة، دُبِغَ بالحُلَّبِ؛ قال الراجز:
دَلْوٌ تَمَأّى، دُبِغَتْ بالحُلَّبِ
تَمَأّى أَي اتَّسَعَ. الأَصمعي: أَسْرَعُ الظِّباءِ تَيْسُ الحُلَّبِ، لأَنه قد رَعَى الرَّبيعَ والرَّبْلَ؛ والرَّبْلُ ما تَرَبَّلَ من الرَّيِّحة في أَيامِ الصَّفَرِيَّة، وهي عشرون يوماً من آخر القَيْظِ، والرَّيِّحَة تكونُ منَ الحُلَّبِ، والنَّصِيِّ والرُّخامى والـمَكْرِ، وهو أَن يظهَر النَّبْتُ في أُصوله، فالتي بَقِيَتْ من العام الأَوَّل في الأَرضِ، تَرُبُّ الثَّرَى أَي تَلْزَمُه.
والـمَحْلَبُ: شَجَرٌ له حَبٌّ يُجْعَلُ في الطِّيبِ، واسمُ ذلك الطِّيبِ الـمَحْلَبِيَّةُ، على النَّسَبِ إِليه؛ قال أَبو حنيفة: لم يَبْلُغْني أَنه يَنْبُتُ بشيءٍ مِنْ بلادِ العَرَبِ. وحَبُّ الـمَحْلَبِ: دواءٌ من الأَفاويهِ، وموضِعُه الـمَحْلَبِيَّة.
والحِلِبْلابُ: نبتٌ تَدومُ خُضْرَتُه في القَيْظِ، وله ورقٌ أَعْرَضُ
من الكَفِّ، تَسْمَنُ عليه الظِّباءُ والغنمُ؛ وقيل: هو نَباتٌ سُهْليٌّ
ثُلاثيٌّ كسِرِطْرَاطٍ، وليس برُباعِيٍّ، لأَنه ليس في الكَلامِ
كَسِفِرْجالٍ.
وحَلاَّبٌ، بالتشديد: اسمُ فَرَسٍ لبَني تَغْلبَ. التهذيبُ: حَلاَّبٌ من
أَسماءِ خيلِ العرب السابقة. أَبو عبيدة: حَلاَّبٌ من نِتاجِ الأَعْوجِ.
الأَزهري، عن شمر: يومٌ حَلاَّبٌ، ويومٌ هَلاَّبٌ، ويومٌ همَّامٌ، ويومٌ
صَفْوانُ ومِلْحانُ وشِيبانُ؛ فأَما الهَلاَّبُ فاليابسُ بَرْداً، وأَما
الحَلاَّب ففيه نَدىً، وأَما الهَمَّامُ فالذي قد هَمَّ بالبَرْد.
وحَلَبُ: مدينةٌ بالشامِ؛ وفي التهذيب: حَلَبُ اسمُ بَلَدٍ من الثُّغُورِ الشامِيَّة.
وحَلَبانُ: اسمُ مَوْضعٍ؛ قال الـمُخَبَّل السعدي:
صَرَمُوا لأَبْرَهَةَ الأُمورَ، مَحَلُّها * حَلَبانُ، فانْطَلَقُوا مع الأَقْوالِ
ومَحْلَبةُ ومُحْلِب: مَوْضِعانِ، الأَخيرة عن ابن الأَعرابي؛ وأَنشد:
يا جارَ حَمْراءَ، بأَعْلى مُحْلِبِ،
مُذْنِبَةٌ، فالقـــــــــاعُ غَيْرُ مُذْنِبِ،
لا شيءَ أَخْزَى مِن زِناءِ الأَشْيَب
قوله:
مُذنِبَة، فالْقـــــــاعُ غيرُ مُذْنِبِ
يقول: هي المذنبة لا القاعُ، لأَنه نَكَحَها ثَمَّ.
ابن الأَعرابي: الحُلُبُ السُّودُ من كلِّ الحَيوانِ. قال: والحُلُبُ
الفُهَماءُ من الرِّجالِ.
الأَزهري: الحُلْبُوبُ اللَّوْنُ الأَسْودُ؛ قال رؤْبة:
واللَّوْنُ، في حُوَّتِه، حُلْبُوبُ
والحُلْبُوبُ: الأَسْوَدُ من الشَّعَرِ وغيره. يقال: أَسْوَدُ حُلْبُوبٌ أَي حالِكٌ. ابن الأَعرابي: أَسْوَدُ حُلْبُوبٌ وسُحْكُوكٌ وغِرْبيبٌ؛ وأَنشد:
أَمـَا تَرانِي، اليَوْمَ، عَشّاً ناخِصَا، * أَسْوَدَ حُلْبوباً، وكنتُ وابِصَا
عَشّاً ناخِصاً: قليلَ اللحم مَهْزُولاً. ووابِصاً: بَرَّاقاً.
طنف: الطنَفُ: التُّهَمةُ. ورجل مُطَنَّفٌ أَي مُتَّهَم. وطَنَّفه:
اتَّهَمَه. وطَنَّفَ للأَمر: قارفه. وطنَّف فلان للظِّنَّة إذا قارَفَ لها،
يقال: طنَّف فلان للأَمر فاسلوه
(* قوله «فاسلوه» كذا بالأصل.).
والطَّنِفُ: المُتَّهَم بالأَمر كأَنه على النَّسَب، وفلان يُطَنَّفُ بهذه السرقة،
وإنه لَطَنِفٌ بهذا الأَمر أَي متهم. وفي حديث جريج: كانت سُنّتُهم إذا
تَرَهَّب الرجلُ منهم ثم طُنِّفَ بالفُجُور لم يَقبلوا منه إلا القتلَ،
أَي اتُّهم. يقال: طَنَّفْتُه فهو مُطَنَّفٌ أَي اتَّهَمْتُه فهو مُتَّهم.
والطَّنِفُ: الفاسدُ الدِّخْلةِ، طَنِفَ طَنَفاً وطَنافةً وطُنُوفةً.
والطَّنَفُ والطَّنْفُ والطُّنُفُ والطُّنْفُ: ما نَتأَ من الجبل، وهو نحو
من الحَيْد، وقيل: هو شاخص يخرج من الجبل فيتقدَّم كأَنه جَناح. قال أَبو
منصور: ومن هذا يقال طَنَّفَ فلان جِدارَ داره إذا جعل فوقه شجراً أَو
شَوْكاً يَصْعُبُ تَسَلُّقُه لمُجاورة أَطراف العيدان المُشَوِّكةِ
رأْسَه، وقيل: هو بالتحريك الحَيْد من الجبل ورأْس من رؤوسه، والمُطْنِفُ الذي
يعلوه؛ قال الشنفَري:
كأَنَّ حَفيفَ النَّبْلِ منْ فَوْقِ عَجْسها
عَوازِبُ نَحْلٍ أَخْطأَ الغارَ مُطْنِفِ
والطَّنَفُ: إفْريزُ الحائط. والطَّنَف والطُّنُفُ: السقيفة تُشْرَعُ
فوق باب الدار، وهي الكُنَّةُ وجمعها الكِنانُ، وقيل: هو ما أَشْرَفَ
خارجاً عن البناء. وطَنَّفَ حائطَه: جعل له بِرْزيناً وهو الإفريز. ابن
الأَعرابي: ويقال للجَناح يُشْرَعُ فوق باب الدار طُنُفٌ أَيضاً، شبه بطنف
الجبل؛ قال أَبو ذؤيب يصف خَلِيّة عسَل في طنف الجبل:
فما ضَرَبٌ بَيْضاء يأْوي مَليكُها
إلى طُنُفٍ أَعْيا بِراقٍ ونازِلِ
الطُّنُف: حَيْد يَنْدُر من الجبل قد أَعْيا بمن يَرْقى ومَن ينزل.
والطُّنُفُ: السُّيُور؛ قال الأَفْوَه الأَوْدِيّ:
سُود غَدائِرُها، بُلْج مَحاجِرُها،
كأَنَّ أَطْرافَها، لمَّا اجْتَلى، الطُّنُفُ
والطَّنَفُ أَيضاً؛ قال ابن سيده: هذه رواية أَبي عُبيد ويروى: كأَنَّ
أَطرافها في الجلوة؛ وقيل: الطنف الجلود الحُمْر التي تكون على الأَسفاط،
وقيل: الطنف شجر أَحمر يشبه العَنَمَ.
طعم: الطَّعامُ: اسمٌ
جامعٌ لكل ما يُؤكَلُ، وقد طَعِمَ يَطْعَمُ طُعْماً، فهو طاعِمٌ
إذا أَكَلَ أَو ذاقَ، مثال غَنِمَ يَغْنَمُ غُنْماً، فهو غانِمٌ. وفي
التنزيل: فإذا طَعِمْتم فانْتَشِرُوا. ويقال: فلان قَلَّ طُعْمُه أَي
أَكْلُه. ويقال: طَعِمَ يَطْعَمُ مَطْعَماً وإنه لَطَيّبُ المَطْعَمِ كقولك
طَيِّبُ المَأْكَلِ. وروي عن ابن عباس أَنه قال في زمزم: إنها طَعَامُ
طُعْمٍ وشِفاءُ سُقْمٍ أَي يَشْبَعُ الإنسانُ إذا شَرب ماءَها كما يَشْبَعُ
من الطعام. ويقال: إنِّي طاعِمٌ
عن طَعامِكُمْ أَي مُسْتَغُنٍ عن طَعامكم. ويقال: هذا الطَّعامُ طَعامُ
طُعْمٍ أَي يَطْعَمُ مَنْ أَكله أَي يَشْبَعُ، وله جُزْءٌ من الطَّعامِ
ما لا جُزْءَ له. وما يَطْعَم آكِلُ هذا الطعام أَي ما يَشْبَعُ،
وأَطْعَمْته الطعام. وقوله تعالى: أُحِلَّ لكم صَيْدُ البحر وطَعامُه مَتاعاً لكم
وللسَّيَّارةِ؛ قال ابن سيده: اختلف في طعام البحر فقال بعضم: هو ما
نَضَب عنه الماء فأُخِذَ بغير صيد فهو طَعامُه، وقال آخرون: طعامُه كُلُّ ما
سُقِي بمائة فَنَبَتَ لأَنه نَبَتَ عن مائه؛ كلُّ هذا عن أَبي إِسحق
الزجاج، والجمع أَطْعِمَةٌ، وأَطْعِماتٌ
جمع الجمع، وقد طَعِمَه طَعْماً وطَعاماً وأَطْعَم غيرَه، وأَهلُ الحجاز
إذا أطْلَقُوا اللفظَ بالطَّعامِ عَنَوْا به البُرَّ خاصةً، وفي حديث
أَبي سعيد: كنا نُخْرِجُ صدقةَ الفطرِ على عهدِ رسول الله، صلى الله علي
وسلم، صاعاً من طَعامٍ أَو صاعاً من شعير؛ قيل: أَراد به البُرَّ، وقيل:
التمر، وهو أَشبه لأَن البُرَّ كان عندهم قليلاً لا يَتَّسِعُ لإخراج زكاة
الفطر؛ وقال الخليل: العالي في كلام العرب أَن الطَّعامَ هو البُرُّ
خاصة. وفي حديث المُصَرَّاةِ: مَنِ ابتاعَ مُصَرَّاةً فهو بخير النظرين، إنْ
شاء أَمْسَكها، وإن شاء رَدَّها ورَدَّ معها صاعاً من طَعامٍ لا سَمْراء.
قال ابن الأثير: الطَّعامُ عامٌّ في كلِّ ما يُقْتات من الحنطة والشعير
والتمر وغير ذلك، وحيث اسْتَثْنى منه السَّمْراء، وهي الحنطة، فقد
أَطْلَق الصاعَ فيما عداها من الأَطعمة، إلاَّ أَن العلماء خَصُّوه بالتمر
لأَمرين: أَحدهما أَنه كان الغالبَ على أَطَْعمتهم، والثاني أَن مُعْظَم
روايات هذا الحديث إنما جاءت صاعاً من تمر، وفي بعضها قال صاعاً من طعام، ثم
أَعقبه بالاستثناء فقال لا سَمْراء، حتى إن الفقهاء قد ترَدَّدُوا فيما
لو أَخرج بدل التمر زبيباً أَو قوتاً آخر، فمنهم من تَبِعَ التَّوقِيفَ،
ومنهم من رآه في معناه إجراءً له مُجْرى صَدَقةِ الفطر، وهذا الصاعُ الذي
أَمَرَ برَدِّه مع المُصَرّاة هو بدل عن اللبن الذي كان في الضَّرْع عند
العَقْد، وإِنما لم يَجِبْ رَدُّ عينِ اللبنِ أَو مثلِه أَو قيمته لأَنَّ
عينَ اللبن لا تَبْقى غالباً، وإن بقيت فتَمْتَزِجُ بآخرَ اجْتَمع في
الضَّرْعِ بعد العقد إلى تمام الحَلْب، وأَما المِثْلِيَّةُ فلأَن القَدْرَ
إذا لم يكن معلوماً بمِعْيار الشرعِ كانت المُقابلةُ من باب الربا،
وإنما قُدِّرَ من التمر دون النَّقْد لفَقْدِه عندهم غالباً، ولأَن التمر
يُشارك اللبنَ في المالِيَّة والقُوتِيَّة، ولهذا المعنى نص الشافعي، رضي
الله عنه، أَنه لو رَدَّ المُصَرَّاة بعَيْبٍ آخرَ سوى التَّصْرِيَةِ رَدَّ
معها صاعاً من تمر لأَجل اللبن. وقولُه تعالى: ما أُريدُ منهم من رِزْقٍ
وما أُريدُ أَن يُطْعِمُونِ؛ معناه ما أَُريدُ أَن يَرْزُقُوا أَحداً من
عبادي ولا يُطْعِمُوه لأَني أَنا الرَّزَّاقُ المُطْعمُ. ورجل طاعِمٌ:
حَسَنُ الحال في المَطْعِمِ؛ قال الحُطَيْئَةُ:
دَعِ المَكارِمَ لا تَرْحَلْ لبُغْيَتِها،
واقْعُدْ فإنَّك أَنتَ الطاعِمُ الكاسي
ورجل طاعِمٌ
وطَعِمٌ على النَّسَبِ؛ عن سيبويه، كما قالوا نَهِرٌ. والطَّعْمُ:
الأَكْلُ. والطُّعْم: ما أُكِلَ. وروى الباهِليُّ
عن الأَصمعي: الطُّعْم الطَّعام، والطَّعْمُ الشَّهْوةُ، وهو الذَّوْقُ؛
وأَنشد لأَبي خراش الهُذَلي:
أَرُدُّ شُجاعَ الجُوعِ قد تَعْلَمِينَه،
وَأُوثِرُ غَيْري مِنْ عِيالِك بالطُّعْم
أَي بالطعامِ، ويروى: شُجاعَ البَطْنِ، حَيَّةٌ يُذْكَرُ أَنها في
البَطْنِ وتُسَمَّى الصَّفَر، تُؤْذي الإنسانَ إذا جاع؛ ثم أَنشد قول أَبي
خِراش في الطَّعْمِ الشَّهْوة:
وأَغْتَبِقُ الماءَ القَراحَ فأَنْتَهي،
إذا الزادُ أَمْسى للمُزَلَّجِ ذا طَعْمِ
ذا طَعْمٍ أَي ذا شَهْوَةٍ، فأَراد بالأَول الطعامَ، وبالثاني ما
يُشْتَهى منه؛ قال ابن بري: كَنَى عن شِدَّةِ الجُوع بشُجاعِ البَطْنِ الذي هو
مثل الشُّجاع. ورجل ذو طَعْمٍ أَي ذو عَقْلٍ وحَزْمٍ؛ وأَنشد:
فلا تَأْمُري، يا أُمَّ أَسماءَ، بالتي
تُجِرُّ الفَتى ذا الطَّعْمِ أَن يتَكَلَّما
أَي تُخْرِسُ، وأَصله من الإِجْرارِ، وهو أَن يُجْعَلَ في فَمِ الفَصيل
خشَبةٌ
تمنعه من الرَّضاعِ. ويقال: ما بفلان طَعْمٌ ولا نَويصٌ أَي ليس له
عَقْل ولا به حَراكٌ. قال أَبو بكر: قولُهم ليس لما يَفْعَلُ فلانٌ طَعْمٌ،
معناه ليس له لَذَّة ولا مَنْزِلَةٌ من القلب، وقال في قوله للمُزَلَّجِ
ذا طَعْم في بيت أَبي خِراش: معناه ذا منزلة من القلب، والمُزَلَّجُ
البخيلُ، وقال ابن بَرِّي: المُزَلَّجُ من الرجال الدونُ الذي ليس بكامل؛
وأَنشد:
أَلا ما لِنَفْسٍ لا تموتُ فَيَنْقَضِي
شَقاها، ولا تَحْيا حَياةً لها طَعْمُ
معناه لها حلاوةٌ ومنزلة من القلب. وليس بذي طَعْم أَي ليس له عقْلٌ ولا
نفْسٌ. والطَّعْمُ: ما يُشْتَهى. يقال: ليس له طَعْم وما فلانٌ بذي
طَعْمٍَ إذا كان غَثّاً. وفي حديث بدرٍ: ما قَتَلْنا أَحداً به طَعْمٌ، ما
قَتَلْنا إلاّ عجائزَ صُلْعاً؛ هذه استعارة أَي قَتَلْنا من لا اعْتِدادَ
به ولا مَعْرفةَ ولا قَدْرَ، ويجوز فيه فتح الطاء وضمها لأَن الشيء إذا لم
يكن فيه طُعم ولا له طَعْم فلا جَدوى فيه للآكل ولا منفَعة. والطُّعْمُ
أَيضاً: الحَبُّ الذي يُلْقى للطير، وأَما سيبويه فسَوَّى بين الاسم
والمصدر فقال: طَعِمَ طُعْماً وأَصاب طُعْمَه، كلاهما بضم أَوّله.
والطُّعْمة: المَأْكَلة، والجمع طُعَمٌ؛ قال النابغة:
مُشَمِّرينَ على خُوصٍ مُزَمَّمةٍ،
نَرْجُو الإلَه، ونَرْجُو البِرَّ والطُّعَما
ويقال: جعَلَ السلطانُ ناحيةَ كذا طُعْمةً لفلان أَي مَأْكَلَةً له. وفي
حديث أَبي بكر: إن الله تعالى إذا أَطْعَمَ نبيّاً طُعْمةً ثم قَبَضَه
جعَلَها للذي يَقومُ بعده؛ الطُّعْمةُ، بالضَّم: شبْهُ الرِّزْق، يريدُ به
ما كان له من الفَيْء وغيره، وجَمْعُها طُعَمٌ. ومنه حديثُ ميراثِ
الجَدّ: إن السدسَ الآخرَ طُعْمةٌ له أَي أَنه زيادة على حقّه. ويقال فلانٌ
تُجْبَى له الطُّعَمُ أَي الخَراجُ والإتاواتُ؛ قال زهير:
مما يُيَسَّرُ أَحياناً له الطُّعَمُ
(* قوله «قال زهير مماييسر إلخ» صدره كما في التكملة: ينزع إمة أقوام
ذوي حسب).
وقال الحسن في حديثه: القِتالُ ثلاثةٌ: قِتالٌ على كذا وقتالٌ لكذا
وقِتالٌ على كَسْبِ هذه الطُّعْمةِ، يعني الفَيْءَ والخَراجَ. والطُّعْمة
والطِّعْمة، بالضم والكسر: وَجْهُ المَكْسَبِ. يقال: فلانٌ طَيِّب
الطُِّعْمة وخبيثُ الطِىُّعْمة إذا كان رَديءَ الكَسْبِ، وهي بالكسر خاصَّةً حالةُ
الأَكل؛ ومنه حديث عُمَر ابن أَبي سَلَمَة: فما زالَتْ تلك طِعْمَتي
بعدُ أَي حالتي في الأَكل. أَبو عبيد: فلان حسَنُ الطِّعْمةِ والشِّرْبةِ،
بالكسر. والطُّعْمَةُ: الدَّعْوَةُ إلى الطعام.والطِّعْمَةُ: السِّيرَةُ
في الأَكل، وهي أَيضاً الكِسْبَةُ، وحكى اللحياني: إنه لخبيث الطِّعْمَةِ
أَي السِّيرةِ، ولم يقل خبيثُ السّيرة في طَعامٍ ولا غيره. ويقال: فلانٌ
طَيِّبُ الطَّعْمَةِ وفلان خبيثُ الطِّعْمَةِ إذا كان من عادته أَنْ لا
يأْكل إلا حَلالاً أَو حراماً. واسْتَطْعَمَه: سأله أَن يُطْعِمه. وفي
الحديث: إذا اسْتَطْعَمَكُمُ الإمامُ فأَطْعِمُوه أَي إذا أُرْتِجَ عليه في
قراءة الصلاةِ واسْتَفْتَحكُم فافْتَحُوا عليه ولَقِّنُوهُ، وهو من باب
التمثيل تشبيهاً بالطعام، كأنهم يُدْخِلُون القراءة في فيه كما يُدْخَلُ
الطعامُ؛ ومنه قولهم: فاسْتَطْعَمْتُه الحديثَ أَي طلبت منه أن
يُحَدِّثَني وأَن يُذِيقَني حديثه، وأَما ما ورد في الحديث: طعامُ الواحدِ يكفي
الاثنين، وطعامُ الاثنين يكفي الأَربعة، فيعني شِبَعُ الواحد قُوتُ الإثنين
وشِبَعُ الاثنين قوتُ الأَربعة؛ ومثلُه قول عمر، رضي الله عنه، عامَ
الرَّمادةِ: لقد هَمَمْتُ
أَن أُنزِلَ على أهلِ كلِّ بيت مثلَ عددِهم فإنَّ الرجلَ لا يَهْلِكُ
على نصفِ بَطْنه. ورجل مِطْعَمٌ: شَديدُ الأَكل، وامرأةٌ مِطْعَمة نادرٌ
ولا نظير له إلاَّ مِصَكَّة. ورجل مُطْعَمٌ، بضم الميم: مرزوق. ورجل
مِطْعامٌ: يُطْعِمُ الناسَ ويَقْرِيهم كثيراً، وامرأَة مِطْعامٌ، بغير هاء.
والطَّعْم، بالفتح: ما يُؤَدِّيه. الذَّوْقُ. يقال: طَعْمُه مُرٌّ.
وطَعْمُ كلِّ شيءٍ: حَلاوتُه ومَرارتُه وما بينهما، يكون ذلك في الطعام
والشراب، والجمع طُعُومٌ. وطَعِمَه طَعْماً وتَطَعَّمَه: ذاقَه فوجد طَعْمَهُ.
وفي التنزيل: إنَّ اللهَ مُبْتَلِيكم بنَهَرٍ فمن شرِبَ منه فليس مِني
ومن لم يَطْعَمْه فإنه مِني؛ أَي مَن لم يَذُقْه. يقال: طَعِمَ فلانٌ
الطَّعامَ يَطْعَمه طَعْماً إذا أَكله بمُقَدَّمِ فيه ولم يُسْرِفْ فيه،
وطَعِمَ منه إذا ذاقَ منه، وإذا جعلتَه بمعنى الذَّوْقِ جاز فيما يُؤْكل
ويُشْرَبُ. والطعام: اسم لما يؤْكل، والشراب: اسم لما يُشْرَبُ؛ وقال أَبو
إسحق: معنى ومن لم يَطْعَمْه أَي لم يَتَطَعَّمْ به. قال الليث: طَعْمُ كلِّ
شيءٍ يُؤْكلُ ذَوْقُه، جَعَلَ ذواقَ الماء طَعْماً ونَهاهم أَن يأْخذوا
منه إلاّ غَرْفَةً وكان فيها رِيُّهم ورِيُّ دوابهم؛ وأَنشد ابن
الأَعرابي:
فأَما بنَوُ عامِرٍ بالنِّسار،
غَدَاةَ لَقُونا، فكانوا نَعَاما
نَعاماً بخَطْمَةَ صُعْرَ الخُدو
دِ، لا تَطْعَمُ الماءَ إلا صِيَاما
يقول: هي صائمة منه لا تَطْعَمُه، قال: وذلك لأَن النَّعامَ لا تَرِدُ
الماءَ ولا تَطْعَمُه؛ ومنه حديث أَبي هريرة في الكِلابِ: إذا وَرَدْنَ
الحَكَرَ الصَّغيرَ فلا تَطْعَمْه؛ أَي لا تَشْرَبه. وفي المثل: تَطَعَّمْ
تَطْعَمْ أَي ذُقْ تَشَهَّ؛ قال الجوهري: قولهم تَطَعَّمْ تَطْعَمْ أَي
ذُقْ حتى تَسْتَفِيقَ أَي تشْتَهِيَ وتأْكلَ. قال ابن بري: معناه ذق
الطَّعامَ فإنه يدعوك إلى أَكْلِه، قال: فهذا مَثَلٌ
لمن يُحْجِمُ عن الأَمْرِ فيقال له: ادْخُلْ في أَوَّلِه يدعُوك ذلك إلى
دُخولِكَ في آخِرِه؛ قاله عَطاءُ بن مُصْعَب. والطَّعْمُ: الأَكْلُ
بالثنايا. ويقال: إن فلاناً لحَسَنُ الطَّعْمِ وإنه ليَطْعَمُ طَعْماً حسناً.
واطَّعَمَ الشيءُ: أَخَذَ طَعْماً. ولبنٌ
مُطِّعِمٌ ومُطَعِّمٌ: أَخَذَ طَعْمَ السِّقَاء. وفي التهذيب: قال أَبو
حاتم يقال لبنٌ مُطَعِّم، وهو الذي أَخَذَ في السِّقاء طَعْماً وطِيباً،
وهو ما دام في العُلْبة مَحْضٌ
وإن تغير، ولا يأخُذُ اللبنُ طَعْماً ولا يُطَعِّمُ في العُلْبةِ
والإناء أَبداً، ولكن يتغَيَّرُ طَعْمُه في الإنْقاعِ. واطَّعَمَتِ الشجرة، على
افْتَعلَتْ: أَدْرَكَتْ ثمرَتُها، يعني أَخذَت طَعْماً وطابتْ.
وأَطْعَمَتْ: أَدْرَكَتْ أَن تُثْمِرَ. ويقال: في بُستانِ فلانٍ من الشجر
المُطْعِمِ كذا أَي من الشجر المُثْمِر الذي يُؤْكلُ ثمرُه. وفي الحديث: نَهى عن
بيع الثّمرةِ حتى تُطْعِمَ. يقال: أَطْعَمَتِ الشجرةُ إِذا أَثْمرَتْ
وأَطْعَمَتِ الثمرةُ إِذا أَدرَكتْ أَي صارت ذاتَ طَعْمٍ وشيئاً يُؤْكل
منها، وروي: حتى تُطْعَم أَي تُؤْكلَ، ولا تُؤْكلُ إِلا إِذا أَدرَكتْ. وفي
حديث الدَّجّال: أَخْبِرُوني عن نخلِ بَيْسانَ هل أَطْعَمَ أَي هل
أَثْمَرَ؟ وفي حديث ابن مسعود: كرِجْرِجةِ الماء لا تُطْعِمُ أَي لا طَعْمَ
لها، ويروى: لا تَطَّعِمُ، بالتشديد، تَفْتَعِلُ من الطَّعْمِ.
وقال النَّضْرُ: أَطْعَمْتُ الغُصْنَ إِطْعاماً إِذا وصَلْتَ به غُصْناً
من غير شجره، وقد أَطْعَمْتُه فطَعِمَ أَي وصَلْتُه به فقَبِلَ
الوَصْلَ.ويقال للحَمَامِ الذَّكرِ إِذا أَدخلَ فمه في فمِ أُنْثاه: قد طاعَمَها
وقد تطاعَما؛ ومنه قول الشاعر:
لم أُعْطِها بِيَدٍ، إِذْ بتُّ أَرْشُفُها،
إِلاَّ تَطاوُلَ غُصْنِ الجِيدِ بالجِيدِ
كما تَطاعَمَ، في خَضْراءَ ناعمةٍ،
مُطَوَّقانِ أَصاخَا بعد تَغْريدِ
وهو التَّطاعُم والمُطاعَمةُ، واطَّعَمَتِ البُسْرَةُ أَي صار لها
طَعْمٌ وأَخذَتِ الطَّعْمَ، وهو افتعَلَ من الطَّعْم مثلُ اطَّلَبَ من
الطَّلَب، واطَّرَدَ من الطَّرْدِ.
والمُطْعِمةُ: الغَلْصَمة؛ قال أَبو زيد: أَخذَ فلانٌ بِمُطْعِمَة فلان
إِذا أَخذَ بحَلْقِه يَعْصِرُه ولا يقولونها إِلا عند الخَنْقِ
والقِتالِ. والمُطْعِمةُ: المِخْلَبُ الذي تَخْطَفُ به الطيرُ اللحمَ.
والمُطْعِمةُ: القوْسُ التي تُطْعِمُ الصيدَ؛ قال ذو الرمة:
وفي الشِّمالِ من الشِّرْيانِ مُطْعَمةٌ
كَبْداءٌ، في عَجْسِها عَطْفٌ وتَقْويمُ
كَبْداءُ: عريضةُ الكَبِدِ، وهو ما فوقَ المَقْبِضِ بِشِبْرٍ؛ وصواب
إِنشاده:
في عُودِها عَطْفٌ
(* قوله «وصواب إنشاده في عودها إلخ» عبارة التكملة: والرواية في عودها،
فإن العطف والتقويم لا يكونان في العجز وقد أخذه من كتاب ابن فارس
والبيت لذي الرمة)
يعني موضع السِّيَتَيْنِ وسائرُه مُقوَّم، البيتُ بفتح العين، ورواه ابن
الأَعرابي بكسر العين، وقال: إِنها تُطْعِمُ صاحبَها الصَّيْدَ. وقوسٌ
مُطْعِمةٌ: يُصادُ بها الصيدُ ويَكْثُر الضِّرابُ عنها.
ويقال: فلانٌ مُطْعَمٌ للصَّيْدِ ومُطْعَمُ الصَّيْدِ إِذا كان مرزوقاً
منه؛ ومنه قول امرئ القيس:
مُطْعَمٌ للصَّيْدِ، ليسَ له
غيْرَها كَسْبٌ، على كِبَرِهْ
وقال ذو الرمة:
ومُطْعَمُ الصيدِ هَبَّالٌ لِبُغْيتِه
وأَنشد محمد بن حبيب:
رَمَتْني، يومَ ذاتِ الغِمِّ، سلمَى
بسَهْمٍ مُطْعَمٍ للصَّيْدِ لامِي
فقلتُ لها: أَصَبْتِ حصاةَ قَلْبي،
ورُبَّتَ رَمْيةٍ من غير رامي
ويقال: إِنك مُطْعَمٌ مَوَدَّتي أَي مرزوقٌ مودَّتي؛ وقال الكميت:
بَلى إِنَّ الغَواني مُطْعَماتٌ
مَوَدَّتَنا، وإِن وَخَطَ القَتِيرُ
أَي نُحِبُّهُنَّ وإِن شِبْنا. ويقال: إِنه لمُتَطاعِمُ الخَلْقِ أَي
مُتَتابِعُ الخَلْق. ويقال: هذا رجل لا يَطَّعِمُ، بتثقيل الطاء، أَي لا
يَتأَدَّبُ ولا يَنْجَعُ فيه ما يُصْلِحه ولا يَعْقِلُ. والمُطَّعِمُ
والمُطَعِّمُ من الإِبل: الذي تَجِدُ في لَحْمه طَعْمَ الشَّحْمِ من سِمَنِه،
وقيل: هي التي جَرى فيها المُخُّ قليلاً. وكُلُّ شيء وُجِدَ طَعْمُه فقد
اطَّعَم. وطَعَّمَ العظمُ: أَمَخَّ؛ أَنشد ثعلب:
وَهُمْ تَرَكُوكُمْ لا يُطَعِّمُ عَظْمُكُم
هُزالاً، وكان العَظْمُ قبلُ قَصِيدا
ومُخٌّ طَعُومٌ: يُوجَدُ طَعْمُ السِّمَن فيه. وقال أَبو سعيد: يقالُ
لَكَ غَثُّ هذا وطَعُومُه أَي غَثُّه وسَمِينُه. وشاةٌ طَعُومٌ وطَعِيم:
فيها بعض الشَّحْم، وكذلك الناقةُ. وجَزورٌ طَعُومٌ: سَمِينَةٌ، وقال
الفراء: جَزُورٌ طَعُومٌ وطَعِيمٌ إِذا كانت بين الغَثَّةِ والسَّمِينَةِ.
والطَّعُومَةُ: الشاةُ تُحْبَسُ لتُؤكَلَ. ومُسْتَطْعَمُ الفَرَسِ:
جَحافِلُه، وقيل: ما تحتَ مَرْسِنِه إِلى أَطراف جَحافِله؛ قال الأَصمعي:
يُسْتَحَبُّ من الفرس أَن يَرِقَّ مُسْتَطْعَمُه. والطُّعْمُ: القُدْرة. يقال:
طَعِمْتُ عليه أَي قَدَرْتُ عليه، وأَطْعَمْتُ عَيْنَه قَذىً فَطَعِمَتْهُ
واسْتَطْعَمْتُ الفرسَ إِذا طَلَبْتَ جَرْيَه؛ وأَنشد أَبو عبيدة:
تَدارَكهُ سَعْيٌ ورَكْضُ طِمِرَّةٍ
سَبُوحٍ، إِذا اسْتَطْعَمْتَها الجَرْيَ تَسْبَحُ
والمُطْعِمتانِ من رِجْل كلِّ طائرٍ: هما الإِصْبَعانِ المُتَقَدّمتانِ
المُتقابلَتانِ. والمُطْعِمَةُ من الجَوارحِ: هي الإِصْبَعُ الغَلِيظَةُ
المُتَقَدِّمَةُ، واطَّرَدَ هذا الاسمُ في الطير كُلِّها.
وطُعْمَةُ وطِعْمَةُ وطُعَيْمَةُ ومُطْعِمٌ، كُلُّها: أَسماء؛ وأَنشد
ابن الأَعرابي:
كَسانيَ ثَوْبَيْ طُعْمةَ المَوْتُ، إِنما الـ
ـتُّراثُ، وإِنْ عَزَّ الحَبيبُ، الغَنائِمُ