لأبي الفرج: معافى بن زكريا النهرواني.
المتوفى: سنة 390، تسعين وثلاثمائة.
حزن: الحُزْنُ والحَزَنُ: نقيضُ الفرَح، وهو خلافُ السُّرور. قال
الأَخفش: والمثالان يَعْتَقِبان هذا الضَّرْبَ باطِّرادٍ، والجمعُ أَحْزانٌ، لا
يكسَّر على غير ذلك، وقد حَزِنَ، بالكسر، حَزَناً وتحازَنَ وتحَزَّن.
ورجل حَزْنانٌ ومِحْزانٌ: شديد الحُزْنِ. وحَزَنَه الأَمرُ يَحْزُنُه
حُزْناً وأَحْزَنَه، فهو مَحْزونٌ ومُحْزَنٌ وحَزِينٌ وحَزِنٌ؛ الأَخيرة على
النَّسب، من قوم حِزانٍ وحُزَناءَ. الجوهري: حَزَنَه لغةُ قريش، وأَحْزَنه
لغةُ تميم، وقد قرئ بهما. وفي الحديث: أَنه كان إذا حَزَنه أَمرٌ صلَّى
أَي أوْقَعه في الحُزْن، ويروى بالباء، وقد تقدم في موضعه، واحْتزَنَ
وتحَزَّنَ بمعنى؛ قال العجاج:
بَكَيْتُ والمُحْتَزَن البَكِيُّ،
وإنما يأْتي الصِّبا الصّبِيُّ.
وفلانٌ يقرأُ بالتَّحْزين إذا أَرَقَّ صَوْتَه. وقال سيبويه: أَحْزَنَه
جعله حَزِيناً، وحَزَنَه جعلَ فيه حُزْناً، كأَفْتَنَه جعله فاتِناً،
وفَتَنه جعلَ فيه فِتنَة. وعامُ الحُزْنِ
(* قوله «وعام الحزن» ضبط في الأصل
والقاموس بضم فسكون وصرح بذلك شارح القاموس، وضبط في المحكم بالتحريك).
العامُ الذي ماتت فيه خديجةُ، رضي الله عنها، وأَبو طالب فسمّاه رسول
الله، صلى الله عليه وسلم، عامَ الحُزْنِ؛ حكى ذلك ثعلب عن ابن الأَعرابي،
قال: وماتا قَبْل الهِجرة بثلاث سنين. الليث: للعرب في الحُزْن لغتانِ،
إذا فَتَحُوا ثَقَّلوا، وإذا ضَمُّوا خَفَّفوا؛ يقال: أَصابَه حَزَنٌ شديد
وحُزْنٌ شديد؛ أَبو عمرو: إذا جاء الحزَن منصوباً فتَحوه، وإذا جاء
مرفوعاً أَو مكسوراً ضموا الحاء كقول الله عز وجل: وابْيَضَّتْ عَيْناهُ من
الحُزْنِ؛ أَي أَنه في موضع خفض، وقال في موضع آخر: تَفِيضُ من الدَّمْعِ
حَزَناً؛ أَي أَنه في موضع نصب. وقال: أَشْكو بَثِّي وحُزْني إلى الله،
ضمُّوا الحاء ههنا؛ قال: وفي استعمال الفعل منه لغتان: تقول حَزَنَني
يَحْزُنُني حُزْناً فأَنا مَحْزونٌ، ويقولون أَحْزَنَني فأَنا مُحْزَنٌ وهو
مُحْزِنٌ، ويقولون: صوْتٌ مَحْزِنٌ وأَمرٌ مُحْزِن، ولا يقولون صوت حازنٌ.
وقال غيره: اللغة العالية حَزَنه يَحْزُنه، وأَكثر القرَّاء قرؤوا: ولا
يَحْزُنْك قَوْلُهم، وكذلك قوله: قَدْ نَعْلم إِنَّه لَيَحْزُنُك الذي
يقولون؛ وأَما الفعل اللازم فإِنه يقال فيه حَزِنَ يَحْزَنُ حَزَناً لا غير.
أَبو زيد: لا يقولون قد حَزَنَه الأَمْرُ، ويقولون يَحْزُنُه، فإذا
قالوا أَفْعَلَه الله فهو بالأَلف. وفي حديث ابن عمر حين ذَكَر الغَزْوَ
وذَكَر مَنْ يَغْزو ولا نِيَّةَ له فقال: إن الشيطانَ يُحَزِّنُه أَي
يُوَسْوِس إليه ويُندِّمُه ويقول له لِمَ تَرَكْتَ أَهْلَكَ ومالَكَ؟ فيقع في
الحُزْنِ ويبْطلُ أَجْرُه. وقوله تعالى: وقالوا الحمدُ لله الذي أَذْهَبَ
عَنَّا الحَزَن؛ قالوا فيه: الحَزَنُ هَمُّ الغَداءِ والعَشاءِ، وقيل: هو
كُلُّ ما يَحْزُن مِنْ حَزَنِ معاشٍ أَو حَزَنِ عذابٍ أَو حَزَنِ موتٍ،
فقد أَذهبَ اللهُ عن أَهل الجنَّة كلُّ الأَحْزانِ. والحُزَانةُ، بالضم
والتخفيف: عيال الرجل الذين يَتَجَزَّنُ بأَمْرهم ولهم. الليث: يقول الرجلُ
لصاحبه كيف حَشَمُك وحُزانَتُك أَي كيف مَنْ تَتَحَزَّن بأَمْرِهم. وفي
قلبه عليك حُزانةٌ أَي فِتْنةٌ
(* قوله «حزانة أي فتنة» ضبط في الأصل بضم
الحاء وفي المحكم بفتحها). قال: وتسمى سَفَنْجقانِيَّةُ العرب على العجم
في أَول قُدومهم الذي اسْتَحَقُّوا به من الدُّورِ والضياع ما
اسْتَحَقوا حُزانةً. قال ابن سيده: والحُزانةُ قَدْمةُ العربِ على العجم في أَوّل
قدومهم الذي اسْتَحَقُّوا به ما اسْتَحقُّوا من الدُّورِ والضِّياع؛ قال
الأَزهري: وهذا كله بتخفيف الزاي على فُعَالة. والسَّفَنْجَقانيَّة:
شَرْطٌ كان للعرب على العجم بِخُراسان إذا أَخذوا بلداً صُلْحاً أَن يكونوا
إذا مرَّ بهم الجيوش أَفذاذاً أَو جماعاتٍ أَن يُنْزلوهم ويَقْرُوهم، ثم
يُزَوِّدوهم إلى ناحيةٍ أُخرى. والحَزْنُ: بلادٌ للعَربِ. قال ابن سيده:
والحَزْنُ ما غلُظَ من الأَرض، والجمع حُزُونٌ وفيها حُزُونةٌ؛ وقوله:
الحَزْنُ باباً والعَقورُ كَلْباً.
أَجرى فيه الاسم مُجْرى الصفة، لأَن قوله الحَزْنُ باباً بمنزلة قوله
الوَعْر باباً والمُمْتَنِع باباً. وقد حَزُنَ المكانُ حُزونةً، جاؤوا به
على بناء ضِدِّه وهو قولهم: مكانٌ سَهْلٌ وقد سَهُل سُهولة. وفي حديث ابن
المُسَيَّب: أَن النبي، صلى الله عليه وسلم، أَراد أَن يُغَيِّرَ اسمَ
جدِّه حَزْنٍ ويُسَمِّيَه سَهْلاً فأَبى، وقال: لا أُغيِّر اسماً سَمَّاني
به أَبي، قال: فما زالت فينا تلك الحُزونةُ بَعْدُ. والحَزْنُ: المكانُ
الغليظ، وهو الخَشِنُ. والحُزونةُ: الخُشونة؛ ومنه حديث المغيرة: مَحْزون
اللِّهْزِمة أَي خَشِنها أَو أَنَّ لِهْزِمَته تَدَلَّتْ من الكآبة.
ومنه حديث الشعبي: أَحْزَنَ بنا المنزلُ أَي صار ذا حُزونةٍ كأَخْصَبَ
وأَجْدَبَ، ويجوز أَن يكون من قولهم أَحْزَنَ وأَسْهَلَ إذا رَكِبَ الحَزْنَ
والسَّهْلَ، كأَنَّ المنزلَ أَرْكَبَهم الحُزونةَ حيث نَزلوا فيه. قال
أَبو حنيفة: الحَزْنُ حَزْنُ بني يربوعٍ، وهو قُفٌّ غليظ مَسِيرُ ثلاثِ
ليالٍ في مِثْلِها، وهي بعيدةٌ من المياه فليس تَرْعاها الشاءُ ولا الحُمُر،
فليس فيها دِمَنٌ ولا أَرْواث. وبعيرٌ حَزْنِيٌّ: يَرْعَى الحَزْنَ من
الأَرض. والحَزْنةُ: لغة في الحَزْنِ؛ وقولُ أَبي ذؤيب يصف مطراً:
فَحَطَّ، من الحُزَنِ، المُغْفِرا
تِ، والطَّيْرُ تَلْثَقُ حتى تَصِيحا.
قال الأَصمعي: الحُزَنُ الجبال الغلاظُ، الواحدة حُزْنة مثل صُبْرةٍ
وصُبَر، والمُغْفِراتُ: ذواتُ الأَغفار، والغُفْرُ: وَلَدُ الأُرْوية،
والمُغْفِرات مفعولٌ بِحَطَّ، ومن رواه فأَنزلَ من حُزَنِ المُغْفِراتِ حذف
التنوين لالتقاء
الساكنين، وتَلْثَق حتى تصيحا أَي ممَّا بها من الماء؛ ومثله قول
المتنخل الهذلي: وأَكْسُوا الحُلَّة الشَّوْكاءَ خِدْني،
وبَعْضُ الخَيْرِ في حُزَنٍ وِراطٍ
(* قوله «وبعض الخير» أنشده في مادة شوك: وبعض القوم). والحَزْنُ من
الدوابِّ: ما خَشُنَ، صفةٌ، والأُنْثَى حَزْنةٌ؛ والحَزْنُ: قبيلةٌ من
غَسَّانَ وهم الذين ذكرهم الأَخطل في قوله:
تَسْأَلُه الصُّبْرُ مِنْ غَسَّان، إذْ حَضروا،
والحَزْنُ: كَيْفَ قَراكَ الغِلْمةُ الجَشَرُ؟
وأَورده الجوهري: كيف قراه الغلمة الجشر؛ قال ابن بري: الصواب كيف قَراك
كما أَورده غيره أَي الصُّبْرُ تسأَل عُمَيْر بنَ الحُباب، وكان قد
قُتِل، فتقول له بعد موته: كيف قَراكَ الغِلمةُ الجشَر، وإنما قالوا له ذلك
لأَنه كان يقول لهم: إنما أَنتم جَشَرٌ، والجَشَرُ: الذين يَبِيتون مع
إبلهم في موضع رَعْيِها ولا يرجعون إلى بيوتهم. والحَزْنُ: بلادُ بني
يربوعٍ؛ عن ابن الأَعرابي؛ وأَنشد:
وما لِيَ ذَنْبٌ، إنْ جَنُوبٌ تَنَفَّسَتْ
بِنَفْحةِ حَزْنِيٍّ من النَّبْتِ أَخضرا. قال هذا رجل اتُّهم بِسَرَق
بَعِير فقال: ليس هُوَ عندي إنَّما نَزَع إلى الحَزْن الذي هو هذا
البَلَد، يقول: جاءت الجَنُوبُ بريحِ البَقْلِ فنَزَع إليها؛ والحَزْنُ في قول
الأَعشى: ما رَوْضَةٌ، مِنْ رِياضِ الحَزْن، مُعْشِبَةٌ
خَضْراءَ جادَ عليها مُسْبِلٌ هَطِلُ.
موضعٌ معروف كانت تَرْعَى فيه إبِلُ المُلوك، وهو من أَرض بني أَسَدٍ.
قال الأَزهري: في بلاد العَرب حَزْنانِ: أَحدهما حَزْن بني يَرْبوعٍ، وهو
مَرْبَعٌ من مَرابعِ العرَب فيه رياضٌ
وقِيعانٌ، وكانت العرب تقول مَنْ تَرَبَّعَ الحَزْنَ وتَشَتَّى
الصَّمَّانَ وتَقَيَّظَ الشَّرَفَ فقد أَخْصَبَ، والحَزْنُ الآخرُ ما بين زُبالة
فما فوق ذلك مُصْعِداً في بلاد نَجْد، وفيه غِلَظٌ وارتفاعٌ، وكان أَبو
عمرو يقول: الحَزْنُ والحَزْمُ الغلَيظُ من الأَرض، وقال غيره: الحَزْمُ
من الأَرض ما احْتَزم من السَّيْل من نَجَوات المُتُون والظُّهور، والجمع
الحُزُوم. والحَزْنُ: ما غَلُظ من الأَرض في ارْتفاعٍ، وقد ذُكِرَ
الحَزْم في مكانه. قال ابن شميل: أَوَّلُ حُزُونِ الأَرض قِفافُها وجِبالُها
وقَواقِيها وخَشِنُها ورَضْمُها، ولا تُعَدُّ أَرضٌ طَيِّبَةٌ، وإن
جَلُدَتْ، حَزْناً، وجمعُها حُزُون، قال: ويقال حَزْنَةٌ وحَزْن. وأَحْزَن
الرجلُ إذا صار في الحَزْن. قال: ويقال للحَزْن حُزُن لُغَتان؛ وأَنشد قول
ابنِ مُقْبل:
مَرَابِعُهُ الحُمْرُ مِنْ صَاحَةٍ،
ومُصْطَافُهُ في الوُعُولِ الحُزُنْ.
الحُزُن: جمع حَزْن. وحُزَن: جبل؛ وروي بيت أَبي ذؤيب المتقدّم:
فأَنْزَلَ من حُزَن المُغْفِرات.
ورواه بعضهم من حُزُن، بضم الحاء والزاي. والحَزُون: الشاة السيِّئة
الخُلق. والحَزينُ: اسم شاعر، وهو الحزين الكِنانيُّ، واسمه عمرو بن عبد
وُهَيب، وهو القائل في عبد الله بن عبد الملك ووفَد إليه إلى مصر وهو واليها
يمدحُه في أَبيات من جملتها:
لمَّا وقَفْت عليهم في الجُموع ضُحىً،
وقد تَعَرَّضَتِ الحُجَّابُ والخَدَمُ،
حَيَّيْتُه بسَلامٍ وهو مُرْتَفِقٌ،
وضَجَّةُ القَوْمِ عند الباب تَزْدَحِمُ
في كَفِّه خَيزُرانٌ رِيحُه عَبِق،
في كَفِّ أَرْوَعَ في عِرْنِينِه شَمَمُ
يُغْضِي حَياءً ويُغْضَى من مَهابَتِهِ،
فما يُكَلِّمُ إلاَّ حين يَبْتَسِمُ
(* روي البيتان الأخيران للفرزدق من قصيدته في مدح زين العابدين:
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته.)
وهو القائل أَيضاً يهجو إنساناً بالبُخل:
كأَنَّما خُلِقَتْ كَفَّاه منْ حَجَرٍ،
فليس بين يديه والنَّدَى عَمَلُ،
يَرَى التَّيَمُّمَ في بَرٍّ وفي بَحَرٍ،
مخافةً أَنْ يُرى كَفِّه بَلَلُ.
كفي: الليث: كَفَى يَكْفِي كِفايةً إِذا قام بالأَمر. ويقال:
اسْتَكْفَيْته أَمْراً فكَفانِيه. ويقال: كَفاك هذا الأَمرُ أَي حَسْبُك، وكَفاكَ
هذا الشيء. وفي الحديث: من قرأَ الآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة
كَفَتاه أَي أَغْنَتاه عن قيام الليل، وقيل: إِنهما أَقل ما يُجزئ من القراءة
في قيام الليل، وقيل: تَكْفِيانِ الشرَّ وتَقِيان من المكروه. وفي
الحديث: سَيَفْتَحُ اللهُ عليكم ويَكْفِيكم اللهُ أَي يَكْفيكم القِتالَ بما
فتَح عليكم. والكُفاةُ: الخَدَمُ الذين يَقومون بالخِدْمة، جمع كافٍ.
وكفَى الرجلُ كِفايةً، فهو كافٍ وكُفًى مثل حُطَمٍ؛ عن ثعلب، واكْتَفَى،
كلاهما: اضْطَلَع، وكَفاه ما أَهَمَّه كِفايةً وكَفاه مَؤُونَته كِفاية
وكَفاك الشيءُ يَكفِيك واكْتَفَيْت به. أَبو زيد: هذا رجل كافِيك من رَجُل
وناهيك من رجل وجازيكَ من رجل وشَرْعُكَ من رجُل كله بمعنى واحد. وكَفَيْته
ما أَهَمَّه. وكافَيْته: من المُكافاة، ورَجَوْتُ مُكافاتَك.
ورجل كافٍ وكَفِيٌّ: مثل سالِم وسَلِيمٍ. ابن سيده: ورجل كافِيكَ من رجل
وكَِفْيُكَ من رجُل
(* قوله« وكفيك من رجل» في القاموس مثلثة الكاف.)
وكَفَى به رجلاً. قال: وحكى ابن الأَعرابي كَفاكَ بفلان وكَفْيُكَ به
وكِفاكَ، مكسور مقصور، وكُفاكَ، مضموم مقصور أَيضاً، قال: ولا يثنى ولا يجمع
ولا يؤنث. التهذيب: تقول رأَيت رجُلاً كافِيَك من رجل، ورأَيت رجلين
كافِيَك من رجلين، ورأَيت رجالاً كافِيَكَ من رجال، معناه كَفاك به رجلاً.
الصحاح: وهذا رجل كافِيكَ من رجُل ورَجلان كافِياكَ من رجلين ورِجالٌ
كافُوكَ من رِجال، وكَفْيُك، بتسكين الفاء، أَي حَسْبُكَ؛ وأَنشد ابن بري في
هذا الموضع لجثامة الليثي:
سَلِي عَنِّي بَني لَيْثِ بنِ بَكْرٍ،
كَفَى قَوْمي بصاحِبِهِمْ خَبِيرا
هَلَ اعْفُو عن أُصولِ الحَقِّ فِيهمْ،
إِذا عَرَضَتْ، وأَقْتَطِعُ الصُّدُورا
وقال أَبو إِسحق الزجاج في قوله عز وجل: وكفَى بالله وليّاً، وما أَشبهه
في القرآن: معنى الباء للتَّوْكيد، المعنى كفَى اللهُ وليّاً إِلا أَن
الباء دخلت في اسم الفاعل لأَن معنى الكلام الأَمْرُ، المعنى اكْتَفُوا
بالله وليّاً، قال: ووليّاً منصوب على الحال، وقيل: على التمييز. وقال في
قوله سبحانه: أَوَلم يَكْفِ بربّك أَنه على كل شيء شهيد؛ معناه أَوَلم
يَكْفِ ربُّك أَوَلم تَكْفِهم شهادةُ ربِّك، ومعنى الكِفاية ههنا أَنه قد
بين لهم ما فيه كِفاية في الدلالة على توحيده. وفي حديث ابن مريم: فأَذِنَ
لي إِلى أَهْلي بغير كَفِيٍّ أَي بغير مَن يَقوم مَقامي. يقال: كَفاه
الأَمرَ إِذا قام فيه مَقامه. وفي حديث الجارود: وأَكْفي مَنْ لم يَشهد أَي
أَقوم بأَمْرِ مَن لم يَشهد الحَرْبَ وأُحارِبُ عنه؛ فأَمّا قول
الأَنصاري:
فكَفَى بِنا فَضْلاً، على مَن غَيْرُنا،
حُبُّ النبيِّ مُحَمَّدٍ إِيّانا
فإِنما أَراد فكَفانا، فأَدخل الباء على المفعول، وهذا شاذ إِذ الباء في
مثل هذا إِنما تدخل على الفاعل كقولك كفَى باللهِ؛ وقوله:
إِذا لاقَيْتِ قَوْمي فاسْأَلِيهمْ،
كَفَى قَوْماً بِصاحِبِهمْ خَبِيرا
هو من المقلوب، ومعناه كفَى بقوم خَبِيراً صاحبُهم، فجعل الباء في
الصاحب، وموضعها أَن تكون في قوم وهم الفاعلون في المعنى؛ وأَما زيادَتها في
الفاعل فنحو قولهم: كَفى بالله، وقوله تعالى: وكفى بنا حاسبين، إِنما هو
كفى اللهُ وكفانا كقول سحيم:
كفى الشَّيْبُ والإِسْلامُ للمَرْء ناهِياً
فالباء وما عملت في موضع مرفوع بفعله، كقولك ما قام من أَحد، فالجار
والمجرور هنا في موضع اسم مرفوع بفعله، ونحوه قولهم في التعجب: أَحْسِنْ
بِزَيْدٍ، فالباء وما بعدها في موضع مرفوع بفعله ولا ضمير في الفعل، وقد
زيدت أَيضاً في خبر لكنَّ لشبهه بالفاعل؛ قال:
ولَكِنَّ أَجْراً لو فَعَلْتِ بِهَيِّنٍ،
وهَلْ يُعْرَفُ المعْروفُ في الناسِ والأَجْرُ
(* قوله« وهل يعرف» كذا بالأصل، والذي في المحكم: ولم ينكر.)
أَراد: ولكِنّ أَجراً لو فَعَلْتِه هَيِّن، وقد يجوز أَن يكون معناه
ولكنَّ أَجراً لو فعلته بشيء هين أَي أَنت تَصِلين إِلى الأَجرِ بالشيء
الهين، كقولك: وُجُوبُ الشكر بالشيءِ الهيّن، فتكون الباء على هذا غير زائدة،
وأَجاز محمد بن السَّرِيّ أَن يكون قوله: كَفَى بالله، تقديره كفَى
اكْتِفاؤك بالله أَي اكْتفاؤك بالله يَكْفِيك؛ قال ابن جني: وهذا يضعف عندي
لأَن الباء على
هذا متعلقة بمصدر محذوف وهو الاكتفاء، ومحال حذف الموصول وتبقية صلته،
قال: وإِنما حسَّنه عندي قليلاً أَنك قد ذكرت كفَى فدلَّ على الاكتفاء
لأَنه من لفظه، كما تقول: مَن كَذب كان شرًّا له، فأَضمرته لدلالة الفعل
عليه، فههنا أَضمر اسماً كاملاً وهو الكذب، وهناك أَضمر اسماً وبقي صلته
التي هي بعضه، فكان بعضُ الاسم مضمراً وبعضه مظهراً، قال: فلذلك ضعف عندي،
قال: والقول في هذا قول سيبويه من أَنه يريد كفى الله، كقولك: وكفى الله
المؤمنين القتال؛ ويشهد بصحة هذا المذهب ما حكي عنهم من قولهم مررت
بأَبْياتٍ جادَ بِهنَّ أَبياتاً وجُدْنَ أَبْياتاً، فقوله بهنَّ في موضع رفع،
والباء زائدة كما ترى. قال: أَخبرني بذلك محمد بن الحسن قراءة عليه عن
أَحمد بن يحيى أَن الكسائي حكى ذلك عنهم؛ قال: ووجدت مثله للأَخطل وهو
قوله:فقُلْتُ: اقْتُلُوها عَنْكُمُ بِمِزاجِها،
وحُبَّ بِها مَقْتولَةً حِينَ تُقْتَل
فقوله بها في موضع رفع بحُبَّ؛ قال ابن جني: وإِنما جاز عندي زيادة
الباء في خبر المبتدإِ لمضارعته للفاعل باحتياج المبتدإِ إِليه كاحتياج الفعل
إِلى فاعله.
والكُفْيةُ، بالضم: ما يَكْفِيك من العَيش، وقيل: الكُفْيَةُ القُوت،
وقيل: هو أَقلّ من القوت، والجمع الكُفَى. ابن الأَعرابي: الكُفَى
الأَقوات، واحدتها كُفْيةٌ. ويقال: فلان لا يملك كُفَى يومه على ميزان هذا أَي
قُوتَ يومه؛ وأَنشد ثعلب:
ومُخْتَبِطٍ لم يَلْقَ مِن دُونِنا كُفًى،
وذاتِ رَضِيعٍ لم يُنِمْها رَضِيعُها
قال: يكون كُفًى جمع كُفْيَة وهو أَقلّ من القُوت، كما تقدّم، ويجوز أَن
يكون أَراد كُفاةً ثم أَسقط الهاء، ويجوز أَن يكون من قولهم رجل كَفِيٌّ
أَي كافٍ.
والكِفْيُ: بطن الوادي؛ عن كراع، والجمع الأَكْفاء.
ابن سيده: الكُفْوُ النظير لغة في الكُفءِ، وقد يجوز أَن يريدوا به
الكُفُؤ فيخففوا ثم يسكنوا.