Current Dictionary: All Dictionaries

Search results for: فلم

فلم

فلم


فَلَمَ
إِفْتَلَمَa. Mutilated the nose of.
(فلم) : افْتَلَم أَنْفَه: جَدَعَه.
[فلم] نه: في صفة الدجال: أقمر "فيلم"، وروى: فيلمانيا الفيلم: العظيم الجثة والأمر العظيم، والفيلماني منسوب إليه بزيادة ألف ونون.
[ف ل م] الفَيْلَمُ العظيم الضَّخْم من الرِّجال والفَيْلَم المُشْطُ الكبير والفَيْلَم الجُمَّةُ العظيمة والفَيْلَم المرأة الواسعة الجَهاز وبئر فَيْلم واسعة عن كُرَاع وكلُّ واسع فَيْلَم عن ابن الأعرابي
فلم: الفِيْلَمُ: المُشْطُ الكَبِيْرُ. والرَّجُلُ العَظِيْمُ الرَّأْسِ الضَّخْمُ. والبِئْرُ الواسِعَةُ الكَثِيْرَةُ الماءِ، ويُقال: فَيْلَمِيَّةٌ.
وعَكَرَةٌ فَيْلَمٌ: كَثِيْرَةٌ.
ورَجُلٌ فَيْلَمَانِيٌّ: هِلْبَاجَةٌ سَمْجُ الجِنْسِ.
[فلم] أبو عبيد: الفَيْلَمُ من الرجال: العظيم. وأنشد لبريق الهذلى: ويحمى المضاف إذا ما دَعا إذا فَرَّ ذو اللمة الفيلم وفي ذكر الدجال: " رأيته فيلمانيا ". ابن السكيت: بئرٌ فَيْلَمٌ، أي واسعةٌ. ويقال: الفَيْلَمُ الرجل العظيم الجمّة. وقال: يُفَرِّقُ بالسيف أقْرانه كما فرَّقَ اللمة الفيلم
فلم
فِلْم [مفرد]: ج أَفْلام:
1 - (فن) فيلم؛ شريط تصويري أو تسجيليّ؛ خَيْط من السِّليلوز تعلوه قشرة من الجلاتين ومن برومور الفِضَّة، يُستعمل للتصوير الشمسيّ والسينمائيّ "فِلم ناطق/ ملوّن/ وثائقيّ /إخباريّ".
2 - قِصة سينمائيّة "فِلم استعراضيّ/ رومانسيّ/ حربيّ". 

فلم: الفَيْلَمُ: العَظيم الضخْمُ الجُثَّة من الرجال، ومنه تَفَيْلَقَ

الغلام وتَفَيْلَم بمعنى واحد. يقال: رأَيت رجلاً فَيْلَماً أي عظيماً.

ورأَيت فَيْلَماً من الأَمر أي عظيماً. والفَيْلم: الأَمر العظيم، والياء

زائدة، والفَيْلَماني منسوب إليه بزيادة الألف والنون للمبالغة. وفي

الحديث عن ابن عباس قال: ذكر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، الدجال فقال:

أَقْمَرُ فَيْلَمٌ هِجان، وفي رواية: رأَيته فَيْلَمانِيّاً. والفَيْلَمُ:

المُشط الكبير، وقيل: المشط؛ قال الشاعر:

كما فَرَّقَ اللِّمَّةَ الفَيْلَمُ

والفَيْلم: الجُمّة العَظِيمة. والفَيْلَمُ: الجبان. ويقال:

فَيْلَمانيٌّ كما يقال دُحْسُمانيٌّ. والفَيْلم: العظيم؛ وقال البريق

الهذلي:ويَحْمِي المُضافَ إذا ما دَعا،

إذا فَرَّ ذو اللِّمّةِ الفَيْلَمُ

ويقال: الفَيلم الرجل العظيم الجُمَّة؛ وقال:

يُفَرِّقُ بالسيفِ أَقْرانَه،

كما فَرَّقَ اللِّمّةَ الفيلم

قال ابن بري: وهذا البيت الذي أنشده لبريق الهذلي يروى على روايتين،

قال: وهو لعياض بن خويلد الهذلي؛ ورواه الأَصمعي:

يُشَذِّبُ بالسيف أَقرانه،

إذا فر ذو اللمة الفيلم

قال: وليس الفيلم في البيت الثاني شاهداً على الرجل العظيم الجمة كما

ذكر إنما ذلك على من رواه:

كما فَرَّ ذو اللمة الفيلم

قال: وقد قيل إن الفيلم من الرجال الضخم، وأما الفيلم في البيت على من

رواه:

كما فرَّق اللمة الفيلم

فهو المشط. قال ابن خالويه: يقال رأيت فَيْلماً يُسرِّح فَيْلَمه

بِفَيْلَمٍ أي رأَيت رجلاً ضَخماً يسرح جُمة كبيرة بالمشط. قال ابن بري: وأَنشد

الأَصمعي لسيف بن ذي يزن في صفة الفُرْس الذين جاء بهم معه إلى اليمن:

قَد صَبَّحَتْهُم مِن فارِسٍ عُصَبٌ،

هِرْبِذُها مُعْلَمٌ وزِمْزُمها

بِيضٌ طِوالُ الأَيْدِي مَرازبةٌ،

كُلُّ عَظيمِ الرُّؤُوسِ فَيْلَمُها

هَزُّوا بناتِ الرِّياحِ نَحْوَهُم،

أَعْوَجُها طَامِحٌ وأَقْوَمُها

بناتُ الرياح: النّشاب. والفَيْلَم: المشط بلغة أهل اليمن، وكل هؤلاء

يُعَظِّمُ مُشْطَه. والفَيْلَمُ: المرأَة الواسعة الجَهاز. وبِئرٌ

فَيْلَمٌ: واسِعة؛ عن كراع، وقيل: واسعة الفم، وكل واسع فَيْلم؛ عن ابن

الأعرابي.

فلم

(الفَيْلَمُ، كَحَيْدَرٍ: الرَّجلُ العَظِيمُ) الضَّخْمُ الجُثَّةِ.
(و) أَيْضا (الجَبَانُ) .
(و) يُقالُ: هُوَ (العَظِيمُ الجُمَّةِ) مِنَ الرِّجالِ قَالَ البُرَيْقُ الهُذَلِيُّ:
(ويَحْمِي المُضَافَ إِذَا مَا دَعَا ... إِذَا فَرَّ ذُو اللِّمَّةِ الفَيْلَمُ)

قالَ ابنُ بَرِّيّ: يُروَى هَذَا البَيْتُ على رِوَايَتَيْنِ قَالَ: وَهُوَ لِعِياضِ بنِ خُوَيْلِدٍ الهُذَلِيِّ، وَرَوَاهُ الأَصْمَعِيُّ:
(يُشَذِّبُ بِالسَّيْفِ أَقْرَانَهُ ... إِذَا فَرَّ ذُو اللِّمَّةِ الفَيْلَمُ)

قَالَ: ولَيْسَ الفَيْلَمُ فِي البَيْتِ الثَّانِي شَاهِدًا على الرَّجُلِ العَظِيمِ [الجُمَّة] كَمَا ذُكِرَ، إنَّما ذَلِكَ على مَنْ رَوَاه:
(كَمَا فَرَّ ذُو اللِّمَّةِ الفَيْلَمُ ... )
قَالَ: وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ الفَيْلَمَ مِنَ الرِّجالِ الضَّخْمُ.
(و) الفَيْلَمُ: (البِئْرُ الوَاسِعَةُ) عَن كُرَاعٍ، وقِيلَ: وَاسِعَةُ الفَمِ.
وكُلُّ وَاسِعٍ فَيْلَمٌ، عَن ابْنِ الأَعْرابِيّ. (و) الفَيْلَمُ: (المُشْطُ) الكَبِيرُ بِلُغَةِ أَهْلِ اليَمَنِ قَالَ:
(كَمَا فَرَّقَ اللِّمَّةَ الفَيْلَمُ ... )
قَالَ ابنُ خَالَوَيْهِ: يُقالُ رَأَيْتُ فَيْلَمًا يُسَرِّحُ فَيْلَمَهُ بِفَيْلَمٍ، أَيْ: رَجُلاً ضَخْمًا يُسَرِّح جُمَّةً كَبِيرَةً بِالمُشْطِ.
(و) الفَيْلَمُ: (النِّطَعُ) .
(و) أَيْضًا: (الكَثِيرُ مِنَ العَكَرِ) .
(وافْتَلَمَ أَنْفَهُ: جَدَعَهُ) .
(وتَفَيْلَمَ الغُلامُ: سَمِنَ وضَخُمَ) ، وَكَذَلِكَ تَفَيْلَقَ. [] ومِمَّا يُسْتَدْرَك عَلَيْهِ:
الفَيْلَمُ: الأمْرُ العَظِيمُ.
والفَيْلَمَانِيُّ: العَظِيمُ، ومِنْه حَدِيثُ الدَّجَّالِ: " رَأَيْتهُ أقْمَرَ فَيْلَمَانِيًّا ".
وَأَيْضًا: الجَبَانُ.
والفَيْلَم: المَرْأَةُ الوَاسِعَةُ الجَهَازِ. [] ومِمَّا يُسْتَدْرَك عَلَيْهِ:

فَلَمَ 

(فَلَمَالْفَاءُ وَاللَّامُ وَالْمِيمُ كَلِمَةٌ. يَقُولُونَ الْفَيْلَمُ: الْعَظِيمُ مِنَ الرِّجَالِ. وَفِي ذِكْرِ الدَّجَّالِ: " رَأَيْتُهُ فَيْلَمَانِيَّا ". وَقَالَ الشَّاعِرُ:

وَيَحْمِي الْمُضَافَ إِذَا مَا دَعَا ... إِذَا فَرَّ ذُو اللِّمَّةِ الْفَيْلَمُ وَيَقُولُونَ: الْفَيْلَمُ: الْمُشْطُ. وَلَيْسَ بِشَيْءٍ.

فَلَمَ

(فَلَمَ)
(هـ) فِي صِفَةِ الدجَّال «أقْمَر فَيْلَم» وَفِي رِوَايَةٍ «فَيْلَمَانِيّاً» الفَيْلَم: الْعَظِيمُ الجُثَّة. والفَيْلَم: الْأَمْرُ الْعَظِيمُ، وَالْيَاءُ زَائِدَةٌ. والفَيْلَمَانِيّ: مَنْسُوبٌ إِلَيْهِ بِزِيَادَةِ الْأَلِفِ وَالنُّونِ لِلْمُبَالَغَةِ.

البَصْرَةُ

البَصْرَةُ:
وهما بصرتان: العظمى بالعراق وأخرى بالمغرب، وأنا أبدأ أولا بالعظمى التي بالعراق، وأما البصرتان: فالكوفة والبصرة، قال المنجمون:
البصرة طولها أربع وسبعون درجة، وعرضها إحدى وثلاثون درجة، وهي في الإقليم الثالث، قال ابن الأنباري: البصرة في كلام العرب الأرض الغليظة، وقال قطرب: البصرة الأرض الغليظة التي فيها حجارة تقلع وتقطع حوافر الدوابّ، قال:
ويقال بصرة للأرض الغليظة، وقال غيره: البصرة حجارة رخوة فيها بياض، وقال ابن الأعرابي:
البصرة حجارة صلاب، قال: وإنما سميت بصرة لغلظها وشدّتها، كما تقول: ثوب ذو بصر وسقاء ذو بصر إذا كان شديدا جيّدا، قال: ورأيت في تلك الحجارة في أعلى المربد بيضا صلابا، وذكر الشرقي بن القطامي أن المسلمين حين وافوا مكان البصرة للنزول بها نظروا إليها من بعيد وأبصروا الحصى عليها فقالوا: إن هذه أرض بصرة، يعنون حصبة، فسميت بذلك، وذكر بعض المغاربة أن البصرة الطين العلك، وقيل: الأرض الطيبة الحمراء، وذكر أحمد بن محمد الهمداني حكاية عن محمد بن شرحبيل بن حسنة أنه قال: إنما سميت البصرة لأن فيها حجارة سوداء صلبة، وهي البصرة، وأنشد لخفاف بن ندبة:
إن تك جلمود بصر لا أؤبّسه ... أوقد عليه فأحميه فينصدع
وقال الطّرمّاح بن حكيم:
مؤلّفة تهوي جميعا كما هوى، ... من النّيق فوق البصرة، المتطحطح
وهذان البيتان يدلان على الصلابة لا الرخاوة، وقال حمزة بن الحسن الأصبهاني: سمعت موبذ بن اسوهشت يقول: البصرة تعريب بس راه، لأنها كانت ذات طرق كثيرة انشعبت منها إلى أماكن مختلفة، وقال قوم: البصر والبصر الكذّان، وهي الحجارة التي ليست بصلبة، سمّيت بها البصرة، كانت ببقعتها عند اختطاطها، واحده بصرة وبصرة، وقال الأزهري: البصر الحجارة إلى البياض، بالكسر، فإذا جاءوا بالهاء قالوا: بصرة، وأنشد بيت خفاف:
«إن كنت جلمود بصر» ، وأما النسب إليها فقال بعض أهل اللغة: إنما قيل في النسب إليها بصريّ، بكسر الباء لإسقاط الهاء، فوجوب كسر الباء في البصري مما غيّر في النسب، كما قيل في النسب إلى اليمن يمان وإلى تهامة تهام وإلى الرّيّ رازيّ وما أشبه ذلك من المغيّر، وأما فتحها وتمصيرها فقد روى أهل الأثر عن نافع بن الحارث بن كلدة الثّقفي وغيره أن عمر بن الخطاب أراد أن يتخذ للمسلمين مصرا، وكان المسلمون قد غزوا من قبل البحرين توّج ونوبندجان وطاسان، فلمــا فتحوها كتبوا إليه:
إنا وجدنا بطاسان مكانا لا بأس به. فكتب إليهم:
إن بيني وبينكم دجلة، لا حاجة في شيء بيني وبينه دجلة أن تتخذوه مصرا. ثم قدم عليه رجل من بني سدوس يقال له ثابت، فقال: يا أمير المؤمنين إني مررت بمكان دون دجلة فيه قصر وفيه مسالح للعجم يقال له الخريبة ويسمى أيضا البصيرة، بينه وبين دجلة أربعة فراسخ، له خليج بحريّ فيه الماء إلى أجمة قصب، فأعجب ذلك عمر، وكانت قد جاءته أخبار الفتوح من ناحية الحيرة، وكان سويد ابن قطبة الذّهلي، وبعضهم يقول قطبة بن قتادة، يغير في ناحية الخريبة من البصرة على العجم، كما كان
المثنّى بن حارثة يغير بناحية الحيرة، فلمــا قدم خالد ابن الوليد البصرة من اليمامة والبحرين مجتازا إلى الكوفة بالحيرة، سنة اثنتي عشرة، أعانه على حرب من هنالك وخلّف سويدا، ويقال: إن خالدا لم يرحل من البصرة حتى فتح الخريبة، وكانت مسلحة للأعاجم، وقتل وسبى، وخلّف بها رجلا من بني سعد بن بكر بن هوازن يقال له شريح بن عامر، ويقال: إنه أتى نهر المراة ففتح القصر صلحا. وكان الواقدي ينكر أن خالدا مرّ بالبصرة ويقول: إنه حين فرغ من أمر اليمامة والبحرين قدم المدينة ثم سار منها إلى العراق على طريق فيد والثعلبية، والله اعلم. ولما بلغ عمر بن الخطاب خبر سويد بن قطبة وما يصنع بالبصرة رأى أن يولّيها رجلا من قبله، فولّاها عتبة بن غزوان بن جابر بن وهيب بن نسيب، أحد بني مازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة، حليف بني نوفل بن عبد مناف، وكان من المهاجرين الأولين، أقبل في أربعين رجلا، منهم نافع بن الحارث بن كلدة الثقفي وأبو بكرة وزياد ابن أبيه وأخت لهم، وقال له عمر: إن الحيرة قد فتحت فأت أنت ناحية البصرة وأشغل من هناك من أهل فارس والأهواز وميسان عن إمداد إخوانهم.
فأتاها عتبة وانضمّ إليه سويد بن قطبة فيمن معه من بكر بن وائل وتميم.
قال نافع بن الحارث: فلمــا أبصرتنا الديادبة خرجوا هرّابا وجئنا القصر فنزلناه، فقال عتبة: ارتادوا لنا شيئا نأكله. قال: فدخلنا الأجمة فإذا زنبيلان في أحدهما تمر وفي الآخر أرزّ بقشره، فجذبناهما حتى أدنيناهما من القصر وأخرجنا ما فيهما، فقال عتبة: هذا سمّ أعدّه لكم العدوّ، يعني الأرز، فلا تقربنّه، فأخرجنا التمر وجعلنا نأكل منه، فإننا لكذلك إذا بفرس قد قطع قياده وأتى ذلك الأرز يأكل منه، فلقد رأينا أن نسعى بشفارنا نريد ذبحه قبل أن يموت، فقال صاحبه: أمسكوا عنه، أحرسه الليلة فإن أحسست بموته ذبحته. فلمــا أصبحنا إذا الفرس يروث لا بأس عليه، فقالت أختي: يا أخي إني سمعت أبي يقول: إن السمّ لا يضرّ إذا نضج، فأخذت من الأرز توقد تحته ثم نادت: الا انه يتفصّى من حبيبة حمراء، ثم قالت: قد جعلت تكون بيضاء، فما زالت تطبخه حتى أنماط قشره فألقيناه في الجفنة، فقال عتبة: اذكروا اسم الله عليه وكلوه، فأكلوا منه فإذا هو طيب، قال: فجعلنا بعد نميط عنه قشره ونطبخه، فلقد رأيتني بعد ذلك وأنا أعدّه لولدي، ثم قال: إنا التأمنا فبلغنا ستمائة رجل وست نسوة إحداهنّ أختي. وأمدّ عمر عتبة بهرثمة بن عرفجة، وكان بالبحرين فشهد بعض هذه الحروب ثم سار إلى الموصل، قال: وبنى المسلمون بالبصرة سبع دساكر: اثنتان بالخريبة واثنتان بالزابوقة وثلاث في موضع دار الأزد اليوم، وفي غير هذه الرواية أنهم بنوها بلبن: في الخريبة اثنتان وفي الأزد اثنتان وفي الزابوقة واحدة وفي بني تميم اثنتان، ففرّق أصحابه فيها ونزل هو الخريبة. قال نافع: ولما بلغنا ستمائة قلنا: ألا نسير إلى الأبلّة فإنها مدينة حصينة، فسرنا إليها ومعنا العنز، وهي جمع عنزة وهي أطول من العصا وأقصر من الرمح وفي رأسها زجّ، وسيوفنا، وجعلنا للنساء رايات على قصب وأمرناهن أن يثرن التراب وراءنا حين يرون أنا قد دنونا من المدينة، فلمــا دنونا منها صففنا أصحابنا، قال:
وفيها ديادبتهم وقد أعدّوا السّفن في دجلة، فخرجوا إلينا في الحديد مسوّمين لا نرى منهم إلا الحدق، قال: فو الله ما خرج أحدهم حتى رجع بعضهم إلى
بعض قتلا، وكان الأكثر قد قتل بعضهم بعضا، ونزلوا السّفن وعبروا إلى الجانب الآخر وانتهى إلينا النساء، وقد فتح الله علينا ودخلنا المدينة وحوينا متاعهم وأموالهم وسألناهم: ما الذي هزمكم من غير قتال؟ فقالوا: عرّفتنا الديادبة أن كمينا لكم قد ظهر وعلا رهجه، يريدون النساء في إثارتهن التراب. وذكر البلاذري: لما دخل المسلمون الأبلّة وجدوا خبز الحوّارى فقالوا: هذا الذي كانوا يقولون إنه يسمّن، فلمــا أكلوا منه جعلوا ينظرون إلى سواعدهم ويقولون:
ما نرى سمنا، وقال عوانة بن الحكم: كانت مع عتبة بن غزوان لما قدم البصرة زوجته أزدة بنت الحارث بن كلدة ونافع وأبو بكرة وزياد، فلمــا قاتل عتبة أهل مدينة الفرات جعلت امرأته أزدة تحرّض المؤمنين على القتال، وهي تقول: إن يهزموكم يولجوا فينا الغلف، ففتح الله على المسلمين تلك المدينة وأصابوا غنائم كثيرة ولم يكن فيهم أحد يحسب ويكتب إلا زياد فولّاه قسم ذلك الغنم وجعل له في كل يوم درهمين، وهو غلام في رأسه ذؤابة، ثم إن عتبة كتب إلى عمر يستأذنه في تمصير البصرة وقال:
إنه لا بدّ للمسلمين من منزل إذا أشتى شتوا فيه وإذا رجعوا من غزوهم لجأوا إليه، فكتب إليه عمر أن ارتد لهم منزلا قريبا من المراعي والماء واكتب إليّ بصفته، فكتب إلى عمر: إني قد وجدت أرضا كثيرة القضّة في طرف البرّ إلى الريف ودونها مناقع فيها ماء وفيها قصباء. والقضّة من المضاعف: الحجارة المجتمعة المتشقّقة، وقيل: ارض قضّة ذات حصّى، وأما القضة، بالكسر والتخفيف: ففي كتاب العين أنها أرض منخفضة ترابها رمل، وقال الأزهري:
الأرض التي ترابها رمل يقال لها قضّة، بكسر القاف وتشديد الضاد، وأما القضة، بالتخفيف:، فهو شجر من شجر الحمض، ويجمع على قضين، وليس من المضاعف، وقد يجمع على القضى مثل البرى، وقال أبو نصر الجوهري: القضّة، بكسر القاف والتشديد، الحصى الصغار، والقضة أيضا أرض ذات حصّى، قال: ولما وصلت الرسالة إلى عمر قال: هذه أرض بصرة قريبة من المشارب والمرعى والمحتطب، فكتب إليه أن أنزلها، فنزلها وبنى مسجدها من قصب وبنى دار إمارتها دون المسجد في الرحبة التي يقال لها رحبة بني هاشم، وكانت تسمّى الدهناء، وفيها السّجن والديوان وحمّام الأمراء بعد ذلك لقربها من الماء، فكانوا إذا غزوا نزعوا ذلك القصب ثم حزموه ووضعوه حتى يعودوا من الغزو فيعيدوا بناءه كما كان. وقال الأصمعي: لما نزل عتبة بن غزوان الخريبة ولد بها عبد الرحمن بن أبي بكرة، وهو أول مولود ولد بالبصرة، فنحر أبوه جزورا أشبع منها أهل البصرة، وكان تمصير البصرة في سنة أربع عشرة قبل الكوفة بستّة أشهر، وكان أبو بكرة أول من غرس النخل بالبصرة وقال: هذه أرض نخل، ثم غرس الناس بعده، وقال أبو المنذر:
أول دار بنيت بالبصرة دار نافع بن الحارث ثم دار معقل بن يسار المزني، وقد روي من غير هذا الوجه أنّ الله عزّ وجل، لما أظفر سعد بن أبي وقّاص بأرض الحيرة وما قاربها كتب إليه عمر بن الخطاب أن ابعث عتبة بن غزوان إلى أرض الهند، فإن له من الإسلام مكانا وقد شهد بدرا، وكانت الأبلّة يومئذ تسمّى أرض الهند، فلينزلها ويجعلها قيروانا للمسلمين ولا يجعل بيني وبينهم بحرا، فخرج عتبة من الحيرة في ثمانمائة رجل حتى نزل موضع البصرة، فلمــا افتتح الأبلّة ضرب قيروانه وضرب للمسلمين أخبيتهم، وكانت خيمة عتبة من أكسية، ورماه عمر بالرجال
فلمــا كثروا بنى رهط منهم فيها سبع دساكر من لبن، منها في الخريبة اثنتان وفي الزابوقة واحدة وفي بني تميم اثنتان، وكان سعد بن أبي وقاص يكاتب عتبة بأمره ونهيه، فأنف عتبة من ذلك واستأذن عمر في الشخوص إليه، فأذن له، فاستخلف مجاشع بن مسعود السّلمي على جنده، وكان عتبة قد سيّره في جيش إلى فرات البصرة ليفتحها، فأمر المغيرة بن شعبة أن يقوم مقامه إلى أن يرجع، قال: ولما أراد عتبة الانصراف إلى المدينة خطب الناس وقال كلاما في آخره: وستجرّبون الأمراء من بعدي، قال الحسن:
فلقد جرّبناهم فوجدنا له الفضل عليهم، قال: وشكا عتبة إلى عمر تسلّط سعد عليه، فقال له: وما عليك إذا أقررت بالإمارة لرجل من قريش له صحبة وشرف؟ فامتنع من الرجوع فأبى عمر إلّا ردّه، فسقط عن راحلته في الطريق فمات، وذلك في سنة ست عشرة، قال: ولما سار عتبة عن البصرة بلغ المغيرة أنّ دهقان ميسان كفر ورجع عن الإسلام وأقبل نحو البصرة، وكان عتبة قد غزاها وفتحها، فسار إليه المغيرة فلقيه بالمنعرج فهزمه وقتله، وكتب المغيرة إلى عمر بالفتح منه، فدعا عمر عتبة وقال له: ألم تعلمني أنك استخلفت مجاشعا؟ قال.
نعم، قال: فإنّ المغيرة كتب إليّ بكذا، فقال:
إن مجاشعا كان غائبا فأمرت المغيرة بالصلاة إلى أن يرجع مجاشع، فقال عمر: لعمري إن أهل المدر لأولى أن يستعملوا من أهل الوبر، يعني بأهل المدر المغيرة لأنه من أهل الطائف، وهي مدينة، وبأهل الوبر مجاشعا لأنه من أهل البادية، وأقرّ المغيرة على البصرة، فلمــا كان مع أمّ جميلة وشهد القوم عليه بالزنا كما ذكرناه في كتاب المبدأ والمآل من جمعنا، استعمل عمر على البصرة أبا موسى الأشعري، أرسله إليها وأمره بإنفاذ المغيرة إليه، وقيل: كان أبو موسى بالبصرة فكاتبه عمر بولايتها، وذلك في سنة ست عشرة وقيل في سنة سبع عشرة، وولي أبو موسى والجامع بحاله وحيطانه قصب فبناه أبو موسى باللبن، وكذلك دار الإمارة، وكان المنبر في وسطه، وكان الإمام إذا جاء للصلاة بالناس تخطّى رقابهم إلى القبلة، فخرج عبد الله بن عامر بن كريز، وهو أمير لعثمان على البصرة، ذات يوم من دار الإمارة يريد القبلة وعليه جبّة خزّ دكناء، فجعل الأعراب يقولون: على الأمير جلد دبّ، فلمــا استعمل معاوية زيادا على البصرة قال زياد: لا ينبغي للأمير أن يتخطى رقاب الناس، فحوّل دار الإمارة من الدهناء إلى قبل المسجد وحوّل المنبر إلى صدره، فكان الإمام يخرج من الدار من الباب الذي في حائط القبلة إلى القبلة ولا يتخطى أحدا، وزاد في حائط المسجد زيادات كثيرة وبنى دار الإمارة باللبن وبنى المسجد بالجص وسقفه بالساج، فلمــا فرغ من بنائه جعل يطوف فيه وينظر إليه ومعه وجوه البصرة فلم يعب فيه إلّا دقة الأساطين، قال: ولم يؤت منها قط صدع ولا ميل ولا عيب، وفيه يقول حارثة ابن بدر الغداني:
بنى زياد، لذكر الله، مصنعه ... بالصخر والجصّ لم يخلط من الطين
لولا تعاون أيدي الرافعين له، ... إذا ظنناه أعمال الشياطين
وجاء بسواريه من الأهواز، وكان قد ولى بناءه الحجاج بن عتيك الثّقفي فظهرت له أموال وحال لم تكن قبل، ففيه قيل:
يا حبّذا الإماره ... ولو على الحجاره
وقيل: إن أرض المسجد كانت تربة فكانوا إذا فرغوا من الصلاة نفضوا أيديهم من التراب، فلمــا رأى زياد ذلك قال: لا آمن أن يظنّ الناس على طول الأيام أن نفض اليد في الصلاة سنّة، فأمر بجمع الحصى وإلقائه في المسجد الجامع، ووظّف ذلك على الناس، فاشتد الموكّلون بذلك على الناس وأروهم حصى انتقوه فقالوا: ائتونا بمثله على قدره وألوانه، وارتشوا على ذلك فقال:
يا حبذا الإماره ... ولو على الحجاره
فذهبت مثلا، وكان جانب الجامع الشمالي منزويا لأنه كان دارا لنافع بن الحارث أخي زياد فأبى أن يبيعها، فلم يزل على تلك الحال حتى ولّى معاوية عبيد الله بن زياد على البصرة، فقال عبيد الله بن زياد:
إذا شخص عبد الله بن نافع إلى أقصى ضيعة فاعلمني.
فشخص إلى قصر الأبيض، فبعث فهدم الدار وأخذ في بناء الحائط الذي يستوي به تربيع المسجد، وقدم عبد الله بن نافع فضجّ، فقال له: إني أثمن لك وأعطيك مكان كل ذراع خمسة أذرع وأدع لك خوخة في حائطك إلى المسجد وأخرى في غرفتك، فرضي فلم تزل الخوختان في حائطه حتى زاد المهدي فيه ما زاد فدخلت الدار كلّها في المسجد، ثم دخلت دار الإمارة كلها في المسجد، وقد أمر بذلك الرشيد، ولما قدم الحجّاج خبّر أن زيادا بنى دار الإمارة فأراد أن يذهب ذكر زياد منها فقال: أريد أن أبنيها بالآجرّ، فهدمها، فقيل له: إنما غرضك أن تذهب ذكر زياد منها، فما حاجتك أن تعظم النفقة وليس يزول ذكره عنها، فتركها مهدومة، فلم يكن للأمراء دار ينزلونها حتى قام سليمان بن عبد الملك فاستعمل صالح بن عبد الرحمن على خراج العراقين، فقال له صالح إنه ليس بالبصرة دار إمارة وخبّره خبر الحجاج، فقال له سليمان: أعدها، فأعادها بالجصّ والآجرّ على أساسها الذي كان ورفع سمكها، فلمــا أعاد أبوابها عليها قصرت، فلمــا مات سليمان وقام عمر بن عبد العزيز استعمل عدي بن أرطاة على البصرة، فبنى فوقها غرفا فبلغ ذلك عمر، فكتب إليه:
هبلتك أمك يا ابن عمّ عدي! أتعجز عنك مساكن وسعت زيادا وابنه؟ فأمسك عدي عن بنائها، فلمــا قدم سليمان بن علي البصرة عاملا للسفّاح أنشأ فوق البناء الذي كان لعديّ بناء بالطين ثمّ تحوّل إلى المربد، فلمــا ولي الرشيد هدمها وأدخلها في قبلة مسجد الجامع فلم يبق للأمراء بالبصرة دار إمارة، وقال يزيد الرّشك: قست البصرة في ولاية خالد بن عبد الله القسري فوجدت طولها فرسخين وعرضها فرسخين إلّا دانقا، وعن الوليد بن هشام أخبرني أبي عن أبيه وكان يوسف بن عمر قد ولاه ديوان جند البصرة قال:
نظرت في جماعة مقاتلة العرب بالبصرة أيام زياد فوجدتهم ثمانين ألفا ووجدت عيالاتهم مائة ألف وعشرين ألف عيّل ووجدت مقاتلة الكوفة ستين ألفا وعيالاتهم ثمانين ألفا.

الرب

الرَّبُّ: هو المالك أصله التربية وهو إنشاء الشيء حالاً فحالاً إلى حد التمام. والربُّ مطلقاً لا يطلق إلى على الله سبحانه وتعالى، وعلى غيره بالإضافة نحو ربِّ الدار.
الرب
التحقيق اللغوي
مادة كلمة (الرب) : الراء والباء المضعَّفة
قال ابن فارس في (مقاييس اللغة) 2/381: - 382 مادة (رب) : "الراء والياء يدل على أصول، فالأول: إصلاح الشيء والقيام عليه، فالرب: المالك، والخالق، والصاحب، والرب: المصلح للشيء..
والأصل الآخر: لزوم الشيء والإقامة عليه، وهو مناسب للأصل الأول..،
والأصل الثالث: ضم الشيء للشيء وهو أيضاً مناسب لما قبله: ومتى أنعم النظر كان الباب كله قياساً واحداً.." اهـ، ومعناها الأصلي الأساسي: التربية، ثم تتشعب عنه معاني التصرف والتعهد والاستصلاح والإتمام والتكميل، ومن ذلك كله تنشأ في الكلمة معاني العلو والرئاسة والتملك والسيادة. ودونك أمثلة لاستعمال الكلمة في لغة العرب بتلك المعاني المختلفة: (1)
(1) التربية والتنشئة والإنماء:
يقولون (ربَّ الولد) أي ربّاه حتى أدرك فـ (الرّبيب) هو الصبي الذي تربيه و (الربيبة) الصبية. وكذلك تطلق الكلمتان على الطفل الذي يربى في بيت زوج أمه و (الربيبة) أيضاً الحاضنة ويقال (الرّابة) لامرأة الأب غير الأم، فإنها وإن لم تكن أم الولد، تقوم بتربيته وتنشئته. و (الراب) كذلك زوج الأم. (المربب) أو (المربى) هو الدواء الذي يختزن ويدّخر. و (رَبَّ يُربُّ ربَّاً) من باب نصر معناه الإضافة والزيادة والإتمام، فيقولون (ربَّ النعمة) : أي زاد في الإحسان وأمعن فيه.
(2) الجمع والحشد والتهيئة:
يقولون: (فلان يرب الناس) أي يجمعهم أو يجتمع عليه الناس، ويسمون مكان جمعهم (بالمرّبّ) و (التربُّب) هو الانضمام والتجمّع.
(3) التعهد والاستصلاح والرعاية والكفالة:
يقولون (رب ضيعة) أي تعهدّها وراقب أمرها. قال صفوان بن أمية لأبي سفيان: لأن يربني رجل من قريش أحب إلي من أن يربني رجل من هوازن، أي يكفلني ويجعلني تحت رعايته وعنايته. وقال علقمة بن عبدة:
وكنت امرءاً أفضت إليك ربابتي ... ... وقبلك ربتني فضيعت ربوب (2)
أي انتهى إليك الآن أمر ربابتي وكفالتي بعد أن رباني قبلك ربوب فلم يتعهدوني ولم يصلحوا شأني. ويقول الفرزدق:
كانوا كسالئة حمقاء إذ حقنت ... ... سلاءها في أديم غير مربوب (3) أي الأديم الذي لم يليّن ولم يدبغ. ويقال (فلان يربب صنعته عند فلان) أي يشتغل عنده بصناعته ويتمرن عليها ويكسب على يده المهارة فيها.
(4) العلاء والسيادة والرئاسة وتنفيذ الأمر والتصرف:
يقولون (قد ربّ فلان قومه) : أي ساسهم وجعلهم ينقادون له. و (ربيت القوم) أي حكمتهم وسدتهم، ويقول لبيد بن ربيعة:
وأهلكن يوماً رب كندة وابنه ... وربَّ معد بين خبث وعرعر (1)
والمراد برب كندة ههنا سيد كندة ورئيسهم. وفي هذا المعنى يقول النابغة الذبياني:
تخُبٌّ إلى لانعمان حتى تناله ... فدىً لك من ربٍ تليدي وطارفي (2)
(5) التملك:
قد جاء في الحديث أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً "أرب غنم أم رب ابل؟، أي أمالك غنم أنت أم مالك ابل؟ وفي هذا المعنى يقال لصاحب البيت (رب الدار) وصاحب الناقة: (رب الناقة) ومالك الضيعة: (رب الضيعة) وتأتي كلمة الرب بمعنى السيد أيضاً فتستعمل بمعنى ضد العبد أو الخادم.
هذا بيان ما يتشعب من كلمة (الرب) من المعاني. وقد أخطأوا لعمر الله حين حصروا هذه الكلمة في معنى المربي والمنشئ، ورددوا في تفسير (الربوبية) هذه الجملة (هو إنشاء الشيء حالاً فحالاً إلى حد التمام) . والحق أن ذلك إنما هو معنى واحد من معاني الكلمة المتعددة الواسعة. وبإنعام النظر في سعة هذه الكلمة واستعراض معانيها المتشعبة يتبين أن كلمة (الرب) مشتملة على جميع ما يأتي بيانه من المعاني:
المربي الكفيل بقضاء الحاجات، والقائم بأمر التربية والتنشئة.
الكفيل والرقيب، والمتكفل بالتعهد وإصلاح الحال.
السيد الرئيس الذي يكون في قومه كالقطب يجتمعون حوله. السيد المطاع، والرئيس وصاحب السلطة النافذ الحكم، والمعترف له بالعلاء والسيادة، والمالك لصلاحيات التصرف.
الملك والسيد.



استعمال كلمة (الرب) في القرآن
وقد جاءت كلمة (الرب) في القرآن بجميع ما ذكرناه آنفاً من معانيها. ففي بعض المواضع أريد بها معنى أو معنيان من تلك المعاني. وفي الأخرى أريد بها أكثر من ذلك. وفي الثالثة جاءت الكلمة مشتملة على المعاني الخمسة بأجمعها في آن واحد. وها نحن نبين ذلك بأمثلة من آي الذكر الحكيم.

بالمعنى الأول
(قال معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي) (1) (يوسف: 23)

بالمعنى الثاني وباشتراك شيء من تصور المعنى الأول.
(فإنهم عدوٌ لي إلا رب العالمين. الذي خلقني فهو يهدين والذي هو يطعمني ويسقين. وإذا مرضت فهو يشفين) (الشعراء: 77-80)
(وما بكم من نعمة فمن الله، ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون، ثم إذا كشف الضر عنكم إذا فريق منكم بربهم يشركون) (النحل: 53-54)
(قل أغير الله أبغي رباً وهو ربُّ كل شيء) (الأنعام: 164)
(ربُّ المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلاً) (المزمل: 9)

بالمعنى الثالث (هو ربكم وإليه ترجعون) (هود: 34)
(ثم إلى ربكم مرجعكم) (الزمر: 7)
(قل يجمع بيننا ربنا) (سبأ: 26)
(وما من دابةً في الأرض ولا طائرٍ يطير بجناحيه إلا أممٌ أمثالكم، ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم إلى ربّهم يُحشرون) (الأنعام: 38)
(ونفخ في الصور فإذا هم من الأجداث إلى ربّهم ينسلون) (يس: 51)

بالمعنى الرابع وباشتراك بعض تصور المعنى الثالث.
(اتّخذوا أحبارهم ورُهبانهم أرباباً من دون الله) (التوبة: 31)
(ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله) (آل عمران: 64)
والمراد بالأرباب في كلتا الآيتين الذين تتخذهم الأمم والطوائف هداتها ومرشديها على الإطلاق. فتذعن لأمرهم ونهيهم، وتتبع شرعهم وقانونهم، وتؤمن بما يحلون وما يحرمون بغير أن يكون قد أنزل الله تعالى به من سلطان، وتحسبهم فوق ذلك أحقاء بأن يأمروا وينهوا من عند أنفسهم.
(أما أحدكما فيسقي ربه خمراً) .. (وقال للذي ظنّ أنه ناجٍ منهما اذكرني عند ربك فأنساه الشيطان ذكر ربه) .. (فلمــا جاءه الرّسول قال ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطّعن أيديهنّ إنّ ربي بكيدهنّ عليم) (يوسف: 41، 42، 50)
قد كرر يوسف عليه السلام في خطابه لأهل مصر في هذه الآيات تسمية عزيز مصر بكلمة (ربهم) فذلك لأن أهل مصر بما كانوا يؤمنون بمكانته المركزية وبسلطته العليا، ويعتقدون أنه مالك الأمر والنهي، فقد كان هو ربهم في واقع الأمر، وبخلاف ذلك لم يُرد يوسف عليه السلام بكلمة (الرب) عندما تكلم بها بالنسبة لنفسه إلا الله تعالى فإنه لم يكن يعتقد فرعون، بل الله وحده المسيطر القاهر ومالك الأمر والنهي.

بالمعنى الخامس:
(فليعبدوا ربّ هذا البيت الذي أطعمهم من جوعٍ وآمنهم من خوفٍ) (قريش: 3-4)
(سبحان ربك ربِّ العزة عما يصفون) (الصافات: 180)
(فسبحان الله ربِّ العرش عما يصفون) (الأنبياء: 22)
(قل من ربُّ السماوات السبع وربُّ العرش العظيم) (المؤمنون: 86) (رب السماوات والأرض وما بينهما وربُّ المشارق) (الصافات: 5)
(وأنه هو رب الشِّعرى) (النجم: 49)



تصورات الأمم الضالة في باب الربوبية
ومما تقدم من شواهد آيات القرآن، تتجلى معاني كلمة (الرب) كالشمس ليس دونهما غمام. فالآن يجمل بنا أن ننظر ماذا كانت تصورات الأمم الضالة في باب الربوبية، ولماذا جاء القرآن ينقضها ويرفضها، وما الذي يدعو إليه القرآن الكريم؟ ولعل من الأجدر بنا في هذا الصدد أن نتناول كل أمة من الأمم الضالة التي ذكرها القرآن منفصلة بعضها عن بعض، فنبحث في عقائدها وأفكارها حتى يستبين الأمر ويخلص من كل لبس أو إبهام.

قوم نوح عليه السلام
إن أقدم أمة في التاريخ يذكرها القرآن هي أمة نوح عليه السلام، ويتضح مما جاء فيه عن هؤلاء القوم أنهم لم يكونوا جاحدين بوجود الله تعالى، فقد روى القرآن نفسه قولهم الآتي في ردّهم على دعوة نوح عليه السلام:
(ما هذا إلا بشرٌ مثلكم يريدُ أن يتفضل عليكم، ولو شاء الله لأنزل ملائكة) ... (المؤمنون: 24)
وكذلك لم يكونوا يجحدون كون الله تعالى خالق هذا العالم، وبكونه رباً بالمعنى الأول والثاني، فإنه لما قال لهم نوح عليه السلام
(هو ربكم وإليه ترجعون) (هود: 34)
و (استغفروا ربكم إنه، كان غفاراً) و (ألم تروا كيف خلق الله سبع سماوات طباقاً وجعل القمر فيهن نوراً وجعل الشمس سراجاً والله أنبتكم من الأرض نباتاً) (نوح: 10، 15، 16، 17)
لم يقم أحد منهم يرد على نوح قوله ويقول: ليس الله بربنا، أوليس الله بخالق الأرض والسماء ولا بخالقنا نحن، أو ليس هو الذي يقوم بتدبير الأمر في السماوات والأرض.
ثم إنهم لم يكونوا جاحدين أن الله إلهٌ لهم. ولذلك دعاهم نوح عليه السلام بقوله: (ما لكم من إله غيره) فإن القوم لو كانوا كافرين بألوهية الله تعالى، إذاً لكانت دعوة نوح إياهم غير تلك الدعوة وكان قوله عليه السلام حينئذ من مثل "يا قوم! اتخذوا الله إلهاً) . فالسؤال الذي يخالج نفس الباحث في هذا المقام هو: أي شيء كان إذاً موضوع النزاع بينهم وبين نبيهم نوح عليه السلام. وإننا إذاً أرسلنا النظر لأجل ذلك في آيات القرآن وتتبعناها، تبين لنا أنه لم يكن موضوع النزاع بين الجانبين إلا أمرين اثنين: أولهما أن نوحاً عليه السلام كان يقول لقومه: إن الله الذي هو رب العالمين والذي تؤمنون بأنه هو الذي قد خلقكم وخلق هذا العالم جميعاً، وهو الذي يقضي حاجاتكم، هو في الحقيقة إلهكم الواحد الأحد ولا إله إلا هو، وليس لأحد من دونه أن يقضي لكم الحاجات ويكشف عنكم الضر ويسمع دعواكم ويغيثكم، ومن ثم يجب عليكم ألا تعبدوا إلا إياه ولا تخضعوا إلا له وحده.
(يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره) (الأعراف: 59)
(ولكني رسولٌ من رب العالمين أبلغكم رسالات ربي) (الأعراف: 61-62)
وكان قومه بخلاف ذلك مصرين على قولهم بأن الله هو رب العالمين دون ريب. إلا أن هناك آلهة أخرى لها أيضاً بعض الدخل في تدبير نظام هذا العالم، وتتعلق بهم حاجاتنا، فلا بد أن نؤمن بهم كذلك آلهة لنا مع الله:
(وقالوا لا تذرنُّ آلهتكم ولا تذرنّ وداً ولا سواعاً ولا يغوث ويعوق ونسراً) (نوح: 23) وثانيهما أن القوم لم يكونوا يؤمنون بربوبية الله تعالى إلا من حيث إنه خالقهم، جميعاً ومالك الأرض والسماوات، ومدبر أمر هذا العالم، ولم يكونوا يقولون بأنه وحده هو الحقيق – كذلك- بأن يكون له الحكم والسلطة القاهرة في أمور الأخلاق والاجتماع والمدنية والسياسة وسائر شؤون الحياة الإنسانية، وبأنه وحده أيضاً هادي السبيل وواضع الشرع ومالك الأمر والنهي، وبأنه وحده يجب كذلك أن يتبع. بل كانوا قد اتخذوا رؤساءهم وأحبارهم أرباباً من دون اله في جميع تلك الشؤون. وكان يدعوهم نوح عليه السلام – بخلاف ذلك إلى ألا يجعلوا الربوبية يتقسمها أرباب متفرقة بل عليهم أن يتخذوا الله تعالى وحده رباً بجميع ما تشتمل عليه كلمة (الرب) من المعاني وأن يتبعوه ويطيعوه فيما يبلغهم من أوامر الله تعالى وشيعته نائباً عنهن فكان يقول لهم:
(إني لكم رسولٌ أمين. فاتقوا الله واطيعون) (الشعراء: 107- 108)

عاد قوم هود
ويذكر القرآن بعد قوم نوح عاداً قوم هود عليه السلام. ومعلوم أن هذه الأمة أيضاً لم تكن جاحدة بوجود الله تعالى، وكذلك لم تكن تكفر بكونه إلهاً. بل كانت تؤمن بربوبية الله تعالى بالمعاني التي كان يؤمن بها قوم نوح عليه السلام. أما النزاع بينها وبين نبيها هود عله السلام فلم يكن إلا حول الأمرين الاثنين اللذين كان حولهما نزاع بين نوح عليه السلام وقومه يدل على ذلك ما يأتي من النصوص القرآنية دلالة واضحة:
(وإلى عادٍ أخاهم هوداً، قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره) (الأعراف: 65)
(قالوا أجئتنا لنعبد الله وحده ونذر ما كان يعبد آباؤنا) (الأعراف: 70)
(قالوا لو شاء ربنا لأنزل ملائكةً) ... (فصلت: 11)
(وتلك عادٌ جحدوا بآيات ربهم وعصوا رسله واتبعوا أمرَ كل جبّارٍ عنيد) (هود: 59)

ثمود قوم صالح ويأتي بعد ذلك ثمود الذين كانوا أطغى الأمم وأعصاها بعد عاد وهذه الأمة أيضاً كان ضلالها كضلال قومي نوح وهود من حيث الأصل والمبدأ فما كانوا جاحدين بوجود الله تعالى ولا كافرين بكونه إلهاً ورباً للخلق أجمعين. وكذلك ما كانوا يستنكفون عن عبادته والخضوع بين يديه، بل الذي كانوا يجحدونه هو أن الله تعالى هو الإله الواحد، وأنه لا يستحق العبادة إلا هو، وأن الربوبية خاصة له دون غيره بجميع معانيها. فإنهم كانوا مصرين على إيمانهم بآلهة أخرى مع الله وعلى اعتقادهم أن أولئك يسمعون الدعاء، ويكشفون الضر ويقضون الحاجات، وكانوا يأبون إلا أن يتبعوا رؤساءهم وأحبارهم في حياتهم الخلقية والمدنية، ويستمدوا منهم بدلاً من الله تعالى شرعهم وقانون حياتهم. وهذا هو الذي أفضى بهم في آخر الأمر إلى أن يصبحوا أمة مفسدة، فأخذهم من الله عذاب أليم ويبين كل ذلك ما يأتي من آيات القرآن الحكيم.
(فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عادٍ وثمود إذ جاءتهم الرسل من بين أيديهم ومن خلفهم ألا تعبدوا إلا الله قالوا لو شاء ربنا لأنزل ملائكة فإنا بما أرسلتم به كافرون) (حم: السجدة 13-14)
(وإلى ثمود أخاهم صالحاً، قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره) (هود: 61)
(قالوا يا صالح قد كنت فينا مرجوّاً قبل هذا أتنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا)
(إذ قال لهم أخوهم صالحٌ ألا تتقون. إني لكم رسولٌ أمين. فاتقوا الله وأطيعون) (الشعراء: 151-144)
(ولا تطيعوا أمر المسرفين الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون) (الشعراء: 151-152)

قوم إبراهيم ونمورد ويتلو ثمود قوم إبراهيم عليه السلام. ومما يجعل أمر هذه الأمة أخطر وأجدر بالبحث، أن قد شاع خطأ بين الناس عن ملكها نمرود، أنه كان يكفر بالله تعالى ويدعي الألوهية. والحق أنه كان يؤمن بوجود الله تعالى ويعتقد بأنه خالق هذا العالم ومدبر أمره، ولم يكن يدعي الربوبية إلا بالمعنى الثالث والرابع والخامس. وكذلك قد فشا بين الناس خطأ أن قوم إبراهيم عليه السلام هؤلاء ما كانوا يعرفون الله ولا يؤمنون بألوهيته وربوبيته. إنما الواقع أن أمر هؤلاء القوم لم يكن يختلف في شيء عن أمر قوم نوح وعاد وثمود. فقد كانوا يؤمنون بالله ويعرفون أنه هو الرب وخالق الأرض والسماوات ومدبر أمر هذا العالم، وما كانوا يستنكفون عن عبادته كذلك. وأما غيّهم وضلالهم فهو أنهم كانوا يعتقدون أن الأجرام الفلكية شريكة مع الله في الربوبية بالمعنى الأول والثاني ولذلك كانوا يشركونها بالله تعالى في الألوهية. وأما الربوبية بالمعنى الثالث والرابع والخامس فكانوا قد جعلوها خاصة لملوكهم وجبابرتهم. وقد جاءت نصوص القرآن في ذلك من الوضوح والجلاء بحيث يتعجب المرء: كيف لم يدرك الناس هذه الحقيقة وقصروا عن فهمها؟. وهيا بنا ننظر قبل كل شيء في الحادث الذي حدث لإبراهيم – عليه السلام- عند أول ما بلغ الرشد؛ والذي يصف فيه القرآن كيفية سعي إبراهيم وراء الوصول إلى الحق:
(فلمــا جن عليه الليل رأى كوكباً، قال هذا ربي؛ فلمــا أفل، قال لا أحب الآفلين. فلمــا رأى القمر بازغاً، قال هذا ربي، فلمــا أفلَ قال لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين. فلمــا رأى الشمس بازغة، قال هذا ربي، هذا أكبر؛ فلمــا أفلت قال يا قوم إني بريءٌ مما تشركون. إني وجهتُ وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين) (الأنعام: 76-79)
فيتبين واضحاً من الآيات المخطوط تحتها أن المجتمع الذي نشأ فيه إبراهيم عليه السلام، كان يوجد عنده تصور فاطر السماوات والأرض وتصوُّر كونه رباً منفصلاً عن تصوّر ربوبية السيارات السماوية. ولا عجب في ذلك، فقد كان القوم من ذرية المسلمين الذين كانوا قد آمنوا بنوح عليه السلام، وكان الدين الإسلامي لم يزل يحيا وُيجدد فيمن داناهم في القرب والقرابة من أمم عاد وثمود، على أيدي الرسل الكرام الذين توالوا عليها كما قال عزّ وجل: (جاءتهم الرسل من بين أيديهم ومن خلفهم) . فعلى ذلك كان إبراهيم عليه السلام أخذ تصور كون الله رباً وفاطراً للسماوات والأرض عن بيئته التي نشأ فيها. وأما التساؤل الذي كان يخالج نفسه فهو عن مبلغ الحق والصحة فيما شاع بين قومه من تصوّر كون الشمس والقمر والسيارات الأخرى شريكة مع الله في نظام الربوبية حتى أشركوها بالله تعالى في العبادة (1) .فجدّ إبراهيم عليه السلام في البحث عن جوابه قبل أن يصطفيه الله تعالى للنبوة، حتى أصبح نظام طلوع السيارات السماوية وأفولها هادياً له إلى الحق الواقع وهو أنه لا رب إلا فاطر السماوات والأرض. ولأجل ذلك تراه يقول عند أفول القمر: لئن لم يهدني ربي لأخافنَّ أن أبقى عاجزاً عن الوصول إلى الحق وانخدع بهذه المظاهر التي لا يزال ينخدع بها ملايين من الناس من حولي. ثم لما اصطفاه الله تعالى لمنصب النبوة
أخذ في دعوة قومه إلى الله، فإنك ترى بالتأمل في الكلمات التي كان يعرض بها دعوته على قومه أن ما قلناه آنفاً يزداد وضوحاً وتبياناً:
(وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزّل به عليكم سلطاناً) (الأنعام – 81)
(وأعتزلكم وما تدعون من دون الله) (مريم – 48)
(قال بل ربكم رب السماوات والأرض الذي فطرهنّ) (الأنبياء – 56)
(قال أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئاً ولا يضركم) (الأنبياء – 66)
(إذ قال لأبيه وقومه ماذا تعبدون. أأفكاً آلهةً دون الله تريدون. فما ظنّكم بربِّ العالمين) (الصافات: 85- 87)
(إنّا بُرآءُ منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً حتى تؤمنوا بالله وحده) (الممتحنة: 4)
فيتجلى من جميع الأقوال لإبراهيم عليه السلام أنه ما كان يخاطب بها قوماً لا يعرفون الله تعالى ويجحدون بكونه إله الناس ورب العالمين أو أذهانهم خالية من كل ذلك، بل كان بين يديه قوم يشركون بالله تعالى آلهة أخرى في الربوبية بمعناها الأول والثاني وفي الألوهية. ولذلك لا ترى في القرآن الكريم قولاً واحداً لإبراهيم عليه السلام قد قصد به إقناع أمته بوجود الله تعالى وبكونه إلهاً ورباً للعالمين، بل الذي تراه يدعو أمته إليه في كل ما يقول هو أن الله سبحانه وتعالى هو وحده الرب والإله.
ثم لنستعرض أمر نمرود. فالذي جرى بينه وبين إبراهيم عليه السلام من الحوار، قصه القرآن في ما يأتي من الآيات:
(ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتاه الله الملك إذ قال إبراهيم ربي الذي يحيي ويميت قال أنا أحيي وأميت قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فات بها من المغرب فبهت الذي كفر) (البقرة – 258)
أنه ليتضح جلياً من هذا الحوار بين النبي وبين نمرود أنه لم يكن النزاع بينهما في وجود الله تعالى أو عدمه وإنما كان في أنه من ذا يعتقده إبراهيم عليه السلام رباً؟ كان نمرود من أمة كانت تؤمن بوجود لله تعالى، ثم لم يكن مصاباً بالجنون واختلال العقل حتى يقول هذا القول السخيف البين الحمق: "إني فاطر السماوات والأرض ومدبر سير الشمس والقمر" فالحق أنه لم تكن دعواه أنه هو الله ورب السماوات والأرض وغنما كانت أنه رب المملكة التي كان إبراهيم –عليه السلام- أحد أفراد رعيتها. ثم أنه لم يكن يدعي الربوبية لتلك المملكة بمعناها الأول والثاني، فإنه كان يعتقد بربوبية الشمس والقمر وسائر السيارات بهذين المعنيين، بل كان يدعي الربوبية لمملكته بالمعنى الثالث والرابع والخامس. وبعبارة أخرى كانت دعواه أنه مالك تلك المملكة، وأن جميع أهاليها عبيد له، وأن سلطته المركزية أساس لاجتماعهم، وأمره قانون حياتهم. وتدل كلمات (أن آتاه الله الملك) دلالة صريحة على أن دعواه للربوبية كان أساسها التبجح بالملكية. فلمــا بلغه أن قد ظهر بين رعيته رجل يقال له إبراهيم، لا يقول بربوبية الشمس والقمر ولا السيارات الأخرى في دائرة ما فوق الطبيعة، ولا هو يؤمن بربوبية صاحب العرش في دائرة السياسة والمدنية، استغرب الأمر جداً فدعا إبراهيم عليه السلام فسأله: من ذا الذي تعتقده رباً؟ فقال إبراهيم عليه السلام بادئ ذي بدء: "ربي الذي يحيي ويميت يقدر على إماتة الناس وإحيائهم! " فلم يدرك نمرود غور الأمر فحاول أن يبرهن على ربوبيته بقوله: "وأنا أيضاً أملك الموت والحياة، فأقتل من أشاء وأحقن دم من أريد! .." هنالك بين له إبراهيم عليه السلام أنه لا رب عنده إلا الله الذي لا رب سواه بجميع معاني الكلمة، وأنى يكون لأحد غيره شرك في الربوبية وهو لا سلطان له على الشمس في طلوعها وغروبها؟! وكان نمرود رجلاً فطناً، فما أن سمع من إبراهيم عليه السلام هذا الدليل القاطع
حتى تجلت له الحقيقة، وتفطن لأن دعواه للربوبية في ملكوت الله تعالى بين السموات والأرض إن هي إلا زعم باطل وادعاء فارغ فبهت ولم ينبس ببنت شفة. إلا انه قد كان بلغ منه حب الذات واتباع هوى النفس وإيثار مصالح العشيرة، مبلغاً لم يسمح له بأن ينزل عن ملكيته المستبدة ويئوب إلى طاعة الله ورسوله، مع أنه قد تبين له الحق والرشد. فعلى ذلك قد أعقب الله تعالى هذا الحوار بين النبي ونمرود بقوله: (والله لا يهدي القوم الظالمين) والمراد أن نمرود لما لم يرض أن يتخذ الطريق الذي كان ينبغي له أن يتخذه بعدما تبين له الحق، بل آثر أن يظلم الخلق ويظلم نفسه معهم، بالإصرار على ملكيته المستبدة الغاشمة لم يؤته الله تعالى نوراً من هدايته، ولم يكن من سنة الله أن يهدي إلى سبيل الرشد من كان لا يطلب الهداية من تلقاء نفسه.

قوم لوط عليه السلام
ويعقب قوم إبراهيم في القرآن قوم لوط، الذين بعث لهدايتهم وإصلاح فسادهم لوط بن أخي إبراهيم عليهما السلام -. ويدلنا القرآن الكريم أن هؤلاء أيضاً ما كانوا متنكرين لوجود الله تعالى ولا كانوا يجحدون بأنه هو الخالق والرب بالمعنى الأول والثاني. أما الذي كانوا يأبونه ولا يقبلونه فهو الاعتقاد بأن الله هو الرب المعنى الثالث والرابع والخامس، والإذعان لسلطة النبي من حيث كونه نائباً من عند الله أميناً. ذلك بأنهم كانوا يبتغون أن يكونوا أحراراً مطلقي الحرية يتبعون ما يشاؤون من أهوائهم ورغباتهم وتلك كانت جريمتهم الكبيرة التي ذاقوا من جرائها أليم العذاب. ويؤيد ذلك ما يأتي من النصوص القرآنية:
(إذ قال لهم أخوهم لوط ألا تتقون إني لكم رسولٌ أمينٌ. فاتقوا الله وأطيعون. وما أسألكم عليه من أجر إنْ أجري إلا على رب العالمين. أتأتون الذُّكران من العالمين. وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم بل أنتم قومٌ عادون) (الشعراء: 161 – 166) وبديهي أن مثل هذا القول لم يكن ليخاطب به إلا قوم لا يجدون بوجود الله تعالى وبكونه خالقاً ورباً لهذا العالم؟ فأنت ترى أنهم لا يجيبون لوطاً عليه السلام بقول من مثل: "ما الله؟ " من أين له أن يكون خالقاً للعالم؟ " أو "أنى له أن يكون ربنا ورب الخلق أجمعين؟ " بل تراهم يقولون:
(لئن لم تنته يا لوط لتكوننّ من المخرجين) (الشعراء: 167)
وقد ذكر القرآن الكريم هذا الحديث في موضع آخر بالكلمات الآتية:
(ولوطاً إذ قال لقومه إنكم لتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين. أإنكم لتأتون الرجال وتقطعون السبيل وتأتون في ناديكم المنكر فما كان جواب قومه إلا أن قالوا ائتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين) (العنكبوت: 28-29)
أفيجوز أن يكون هذا جواب قوم ينكرون وجود الله تعالى؟. لا والله ومن ذلك يتبين أن جريمتهم الحقيقية لم تكن إنكار ألوهية الله تعالى وربوبيته، بل كانت جريمتهم أنهم على إيمانهم بالله تعالى إلهاً ورباً فيما فوق العالم الطبيعي، كانوا يأبون أن يطيعوه ويتبعوا قانونه في شؤونه الخلقية والمدنية والاجتماعية، يمتنعون من أن يهتدوا بهدي نبيه لوط عليه السلام.

قوم شعيب عليه السلام ولنذكر في الكتاب بعد ذلك أهل مدين وأصحاب الأيكة الذين بعث إليهم شعيب عليه السلام. ومما نعرف عن أمرهم أنهم كانوا من ذرية إبراهيم عليه السلام. إذن لا حاجة إلى أن نبحث فيهم: هل كانوا يؤمنون بوجود الله تعالى وبكونه إلهاً ورباً أم لا؟ إنهم كانوا في حقيقة الأمر أمة نشأت على الإسلام في بداية أمرها، ثم أخذت بالفساد بما أصاب عقائدها من الانحلال وأعمالها من السوء. ويبدو مما جاء عنهم في القرآن كأن القوم كانوا بعد ذلك كله يدّعون لأنفسهم الإيمان، فإنك ترى شعيباً عليه السلام يكرر لهم القول: يا قوم اعملوا كذا وكذا إن كنتم مؤمنين وفي خطاب شعيب عليه السلام لقومه وأجوبة القوم له دلالة واضحة على أنهم كانوا قوماً يؤمنون بالله وينزلونه منزلة الرب والمعبود. ولكنهم كانوا قد تورطوا في نوعين من الضلال: أحدهما أنهم كانوا أصبحوا يعتقدون الألوهية والربوبية في آلهة أخرى مع الله تعالى، فلم تعد عبادتهم خالصة لوجه الله، والآخر أنهم كانوا يعتقدون أن ربوبية الله لا مدخل لها في شؤون الحياة الإنسانية من الأخلاق والاجتماع والاقتصاد والمدنية والسياسة، وعلى ذلك كانوا يزعمون أنهم مطلقوا العنان في حياتهم المدنية ولم أن يتصرفوا في شؤونهم كيف يشاؤون، ويصدق ذلك ما يأتي من الآيات:
(وإلى مدين أخاهم شعيباً، قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره قد جاءتكم بينةٌ من ربكم فأوفوا الكيل والميزان ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها ذلكم خيرٌ لكم إن كنتم مؤمنين) (الأعراف: 85)
(وإنْ كان طائفة منكم آمنوا بالذي أرسلتُ به وطائفةٌ لم يؤمنوا فاصبروا حتى يحكم الله بيننا وهو خيرُ الحاكمين) (الأعراف: 87) (ويا قوم أوفوا المكيال والميزان بالقسط ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين. بقية الله خيرٌ لكم إن كنتم مؤمنين وما أنا عليكم بحفيظ. قالوا يا شعيب أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاءُ إنكَ لأنت الحليم الرشيد) (هود: 85-87)
والعبارات الأخيرة المخطوط تحتها خصوصية الدلالة على ضلالهم الحقيقي في باب الربوبية والألوهية.

فرعون وآله
وهيا بنا ننظر الآن في قصة فرعون وآله، فمن قد شاع عنهم في الناس من الأخطاء والأكاذيب أكثر مما شاع فيهم عن نمرود وقومه. فالظن الشائع أن فرعون لم يكن منكراً لوجود الله تعالى فحسب، بل كان يدعي الألوهية لنفسه أيضاً. ومعناه أن قد بلغت منه السفاهة أنه كان يجاهر على رؤوس الناس بدعوى أنه فاطر السماوات والأرض، وكانت أمته من البله والحماقة أنها كانت تؤمن بدعواه تلك. والحق الواقع الذي يشهد به القرآن والتاريخ هو أن فرعون لم يكن يختلف ضلاله في باب الألوهية والربوبية عن ضلال نمرود، ولا كان يختلف ضلال آله عن ضلال قوم نمرود. وإنما الفرق بين هؤلاء وأولئك أنه قد كان نشأ في آل فرعون لبعض الأسباب السياسية عناد وتعصب وطني شديد على بني إسرائيل، فكانوا لمجرد هذا العناد يمتنعون من الإيمان بألوهية الله وربوبيته، وإن كانت قلوبهم تعترف بها شأن أكثر الملحدين الماديين في عصرنا هذا.
وبيان هذا الإجمال أنه لما استتبت ليوسف عليه السلام السلطة على مصر، استفرغ جهده في نشر الإسلام وتعاليمه بينهم. ورسم على أرضه من ذلك أثراً محكماً لم يقدر على محوه أحد إلى القرون. وأهل مصر وإن لم يكونوا إذ ذاك قد آمنوا بدين الله عن بكرة أبيهم، إلا أنه لا يمكن أن يكون قد بقي فيهم من لم يعرف وجود الله تعالى ولم يعلم أنه هو فاطر السماوات والأرض. وليس الأمر يقف عند هذا بل الحق أن كان تم للتعاليم الإسلامية من النفوذ والتأثير في كل مصري ما جعله – على الأقل – يعتقد بأن الله إله الآلهة رب الأرباب فيما فوق العالم الطبيعي ولم يبق في تلك الأرض من يكفر بألوهية الله تعالى. وأما الذين كانوا قد أقاموا على الكفر، فكانوا يجعلون مع الله شركاء في الألوهية والربوبية. وكانت تأثيرات الإسلام المختلفة هذه في نفوس أهل مصر باقية إلى الزمن الذي بعث فيه موسى عليه السلام (1) . والدليل على ذلك تلك الخطبة التي ألقاها أمير من الأقباط في مجلس فرعون. وذلك أن
فرعون حينما أبدى إرادته في قتل موسى عليه السلام، لم يصبر عليه هذا الأمير القبطي من أمراء مجلسه، وكان قد أسلم وأخفى إسلامه، ولم يلبث أن قام يخطب:
(أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم وإن يك كاذبا فعليه كذبه وإن يك صادقاً يصبكم بعض الذي يعدكم إن الله لا يهدي من هو مسرفٌ كذاب. يا قوم لكم الملك اليوم ظاهرين في الأرض فمن ينصرنا من بأس الله إن جاءنا) .
(يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب. مثل داب قوم نوحٍ وعادٍ وثمود والذين من بعدهم) .
(ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات فما زلتم في شك مما جاءكم به حتى إذا هلك قلتم لن يبعث الله من بعده رسولاً) .. (ويا قوم ما لي أدعوكم إلى النجاة وتدعونني إلى النار. تدعونني لكفر بالله وأشرك به ما ليس لي به علمٌ وأنا أدعوكم إلى العزيز الغفار) . (غافر – 28 – 31 – 34 – 41- 42)
وتشهد هذه الخطبة من أولها إلى آخرها بأنه لم يزل أثر شخصية النبي يوسف عليه السلام باقياً في نفوس القوم إلى ذلك الحين، وقد مضت على عهده قرون متعددة. وبفضل ما علمهم هذا النبي الجليل، لم يكونوا قد بلغوا من الجهالة ألا يعلموا شيئاً عن وجود الله تعالى، أو ألا يعرفوا أنه الرب والإله، وأن سيطرته وسلطته غالبة على قوى الطبية في هذا العالم، وأن غضبه مما يخاف ويتقى. ويتضح أيضاً من آخر هذه الخطبة أن أمة فرعون لم تكن تجحد بألوهية الله وربوبيته جحوداً باتاً، وإنما كان ضلالها كضلال الأمم الأخرى مما ذكرناه آنفاً – أي كانت هذه الأمة أيضاً تشرك بالله تعالى في صفتي الألوهية والربوبية وتجعل له فيهما أنداداً.
أما مثار الشبهة في أمر فرعون فهو سؤاله لموسى عليه السلام (وما رب العالمين) حينما سمع منه: (إنا رسول رب العالمين!) ثم قوله لصاحبه هامان: (ابن لي صرحاً لعلي أبلغ الأسباب أسباب السموات فأطلع إلى إله موسى) ووعيده لموسى عليه السلام: (لئن اتخذت إلهاً غيري لأجعلنك من المسجونين) ، وإعلانه لقومه: (أنا ربكم الأعلى) وقوله لملئه: (لا أعلم لكم من إله غيري) . – فمثل هذه الكلمات التي قالها فرعون قد خيلت إلى الناس أنه كان ينكر وجود الله تعالى وكان فارغ الذهن من تصور رب العالمين، ويزعم لنفسه أنه الإله الواحد، ولكن الواقع الحق أنه لم يكن يدعي ذلك كله إلا بدافع من العصبية الوطنية. وذلك أنه لم يكن الأمر في زمن النبي يوسف عليه السلام قد وقف على أن شاعت تعاليم الإسلام في ربوع مصر بفضل شخصيته القوية الجليلة، بل جاوز ذلك إلى أن تمكن لبني إسرائيل نفوذ بالغ في الأرض مصر تبعاً لما تهيأ ليوسف عليه السلام من السلطة والكلمة النافذة في حكومة مصر. فبقيت سلطة بني إسرائيل مخيمة على القطر المصري إلى ثلاثمائة سنة أو أربعمائة. ثم أخذ يخالج صدور المصريين من العواطف الوطنية والقومية ما جعلهم يتعصبون على بني إسرائيل، واشتد الأمر حتى الغوا سلطة الإسرائيليين ونفوذهم إلغاء. فتولى الأمر بعدهم الأسر المصرية الوطنية وتتابعت في الحكم. وهؤلاء الملوك الجدد لما أمسكوا زمام الأمر لم يقتصروا على إخضاع بني إسرائيل وكسر شوكتهم، بل تعدوه إلى أن حاولوا محو كل أثر من آثار العهد اليوسفي في مصر وإحياء تقاليد ديانتهم الجاهلية. فلمــا بعث إليهم في تلك الآونة موسى عليه السلام، خافوا على غلبتهم وسلطتهم أن تنتقل من أيديهم إلى أيدي بني إسرائيل مرة أخرى. فلم يكن يبعث فرعون إلا هذا العناد واللجاج على أن يسأل موسى عليه السلام ساخطاً متبرماً: وما رب العالمين؟ ومن يمكن أن يكون إلهاً غيري؟ وهو في الحقيقة لم يكن جاهلاً وجود رب العالمين. وتتضح هذه
الحقيقة كأوضح ما يكون مما جاء في القرآن الكريم من أحاديثه وأحاديث ملئه وخطب موسى عليه السلام. فيقول فرعون – مثلا – تأكيداً لقوله إن موسى عليه السلام ليس برسول الله.
(فلولا ألقي عليه أسورةٌ من ذهب أو جاء معه الملائكة مقترنين) (الزخرف: 53)
أفكان لرجل فارغ الذهن من وجود الله تعالى والملائكة أن يقول هذا القول وفي موضع آخر يقص القرآن الحوار الآتي بين فرعون وبين النبي موسى عليه السلام:
(فقال له فرعون إني لأظنك يا موسى مسحوراً. قال لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السماوات والأرض بصائر وإني لأظنك يا فرعون مبثوراً) (بني إسرائيل: 101-102)
وفي محل آخر يظهر الله تعالى ما في صدور قوم فرعون بقوله:
(فلمــا جاءتهم آياتنا مبصرةً قالوا هذا سحرٌ مبينٌ وجحدوا واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلواً) (النمل: 13-14)
ويصور لنا القرآن نادياً آخر جمع موسى عليه السلام وآل فرعون بهذه الآية:
(قال لهم موسى ويلكم لا تفتروا على الله كذباً فيسحتكم بعذابٍ وقد خاب من افترى. فتنازعوا أمرهم بينهم وأسروا النجوى قالوا إن هذان لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما بطريقتكم المثلى) (طه: 61-63)
والظاهر أنه لم يكن قام النزاع ونشأ الأخذ والرد بينهم وبين نبيهم موسى عليه السلام حين أنذرهم عذاب الله ونبههم على سوء مآل ما كانوا يفترون، إلا لأنهم قد كان في قلوبهم ولاشك بقية من أثر عظمة الله تعالى وجلاله وهيبته ولكن حاكمهم الوطنيين لما أنذروهم بخطر الانقلاب السياسي العظيم، وحذروهم عاقبة اتباعهم لموسى وهارون، وهي عودة غلبة الإسرائيليين على أبناء مصر، قست قلوبهم واتفقوا جميعاً على مقاومة النبيين. وبعد ما قد تبين لنا من هذه الحقيقة، من السهل علينا أن نبحث: ماذا كان مثار النزاع بين موسى عليه السلام وفرعون، وماذا كانت حقيقة ضلاله وضلال قومهن وبأي معاني كلمة (الرب) كان فرعون يدعي لنفسه الألوهية والربوبية. فتعال نتأمل لهذا الغرض ما يأتي من الآيات بالتدريج.
1- إن الذين كانوا يلحون من ملأ فرعون على حسم دعوة موسى عليه الصلاة والسلام واستئصالها من أرض مصر، يخاطبون فرعون لبعض المناسبات ويسألونه:
(أتذرُ موسى وقومه ليفسدوا في الأرض ويذركم وآلهتكَ) (الأعراف: 127)
وبخلاف ذلك يناديهم الذي كان قد آمن بموسى عليه السلام:
(تدعونني لأكفر بالله وأشرك به ما ليس لي به علمٌ) (المؤمن: 42)
فإذا نظرنا في هاتين الآيتين وأضفنا إليهما ما قد زودنا به التاريخ وآثار الأمم القديمة أخيراً من المعلومات عن أهالي مصر زمن فرعون، يتجلى لنا أن كلاً من فرعون وآله كانوا يشركون بالله تعالى في المعنى الأول والثاني لكلمة (الرب) ويجعلون معه شركاء من الأصنام ويعبدونها. والظاهر أن فرعون لو كان يدعي لنفسه الربوبية فيما فوق العالم الطبيعي، أي لو كان يدعي أنه هو الغالب المتصرف في نظام الأسباب في هذا العالم، وأنه لا إله ولا رب غيره في السماوات والأرض، ولم يعبد الآلهة الأخرى أبداً (1)
(2) أما كلمات فرعون هذه التي قد وردت في القرآن:
(يا أيها الملأ ما علمتُ لكم من إله غيري) (القصص: 38)
(لئن اتّخذت إلهاً غيري لأجعلنّك من المسجونين) (الشعراء: 29)
فليس المراد بذلك أن فرعون كان ينفي جميع ما سواه من الآلهة. وإنما كان غرضه الحقيقي من ذلك رد دعوة موسى عليها لسلام وإبطالها. ولما كان موسى عليه السلام – يدعو إلى إله لا تنحصر ربوبيته في دائرة ما فوق الطبيعة فحسب، بل هو كذلك مالك الأمر والنهي، وذو القوة والسلطة القاهرة بالمعاني السياسية والمدنية، قال فرعون لقومه: يا قوم لا أعلم لكم مثل ذلك الإله غيري، وتهدد موسى عليه السلام، أنه إن اتخذ من دونه إلهاً ليلقينّه في السجن.
ومما يعلم كذلك من هذه الآيات، وتؤيده شواهد التاريخ وآثار الأمم القديمة، أن فراعنة مصر لم يكونوا يدعون لأنفسهم مجرد الحاكمية المطلقة، بل كانوا يدعون كذلك نوعاً من القداسة والتنزه بانتسابهم إلى الآلهة والأصنام، حرصاً منهم على أن يتغلغل نفوذهم في نفوس الرعية ويستحكم استيلاؤهم على أرواحهم. ولم تكن الفراعنة منفردة بهذا الادعاء، بل الحق أن الأسر الملكية ما زالت في أكثر أقطار العالم تحاول الشركة – قليلاً أو كثيراً – في الألوهية والربوبية في دائرة ما فوق الطبيعة، علاوة على ما كانت تتولاه من الحاكمية السياسية، وما زالت لأجل ذلك تفرض على الرعية أن تقوم بين يديها بشيء من شعائر العبودية، على أن دعواهم تلك للألوهية السماوية لم تكن هي المقصودة بذاتها في الحقيقة، وإنما كانوا يتذرعون بها إلى تأثيل حاكميتهم السياسية. ومن ذلك نرى أنه ما زالت الأسر الملكية في مصر وغيرها من الأقطار الجاهلية تذهب ألوهيتها بذهاب سلطانها السياسي، وقد بقيت الألوهية تتبع العرش في تنقله من أيد إلى أخرى. (3) ولم تكن دعوى فرعون الأصلية الغالبة المتصرفة في نظام السنن الطبيعية، بل بالألوهية السياسية! فكان يزعم أنه الرب الأعلى لأرض مصر ومن فيها بالمعنى الثالث والرابع والخامس لكلمة (الرَّب) ويقول إني أنا مالك القطر المصري وما فيه من الغنى والثروة وأنا الحقيق بالحاكمية المطلقة فيه، وشخصيتي المركزية هي الأساس لمدينة مصر واجتماعها، وإذن لا يجرينَّ فيها إلاّ شريعتي وقانوني. وكان أساس دعوى فرعون بعبارة القرآن:
(ونادى فرعون في قومه قال يا قوم أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون) (الزخرف – 51)
وهذا الأساس نفسه هو الذي كانت تقوم عليه دعوى نمرود للربوبية.
و (حاجَّ إبراهيم في ربّه أن آتاه الله الملك) (البقرة: 258)
وهو كذلك الأساس الذي رفع عليه فرعون المعاصر ليوسف عليه السلام بنيان ربوبيته على أهل مملكته.
(4) أمّا دعوة موسى عليه السلام التي كانت سبب النزاع بينه وبين فرعون وآله، فهي في الحقيقة أنه لا إله ولا ربَّ بجميع معاني كلمة (الرب) إلا الله رب العالمين، وهو وحده الإله والرّب فيما فوق العالم الطبيعي، كما أنه هو الإله والرب بالمعاني السياسية والاجتماعية، لأجل ذلك يجب ألا نخلص العبادة إلا له، ولا نتبع في شؤون الحياة المختلفة إلا شرعه وقانونه، وانه – أي موسى عليه السلام – قد بعثه الله تعالى بالآيات البينات وسيُنزل الله تعالى أمره ونهيه لعباده بما يوحي إليه؛ لذلك يجب أن تكون أزمّة أمور عباده بيده، لا بيد فرعون. ومن هنا كان فرعون ورؤساء حكومته يُعلون أصواتهم المرّة بعد المرّة بأن موسى وهارون – عليهما السلام – قد جاءا يسلبان أرض مصر. وأرادا أن يذهبا بنظمنا الدينية والمدنية ليستبدلا بها ما يشاءان من النظم والقواعد.
(ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين. إلى فرعون وملئه فاتبعوا أمر فرعون وما أمر فرعون برشيد) (هود: 96-97) (ولقد فتنا قبلهم قوم فرعون وجاءهم رسولٌ كريم. أن أدُّوا إليَّ عبادَ الله إني لكم رسول أمين. وان لا تعلوا على الله إني آتيكم بسلطان مبين) (الدخان: 17-19)
(إنا أرسلنا إليكم رسولاً شاهداً عليكم كما أرسلنا إلى فرعون رسولاً فعصى فرعون الرسول فأذناه أخذاً وبيلاً) (المزملَّ: 15-16)
(قال فمن ربكما يا موسى. قال ربّنا الذي أعطى كل شيءٍ خلقه ثم هدى) (طه: 49-50)
(قال فرعون وما رب العالمين. قال رب السماوات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين. قال لمنّ حوله ألا تستمعون. قال ربكم ورب آبائكم الأولين. قال إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون. قال رب المشرق والمغرب وما بينهما إن كنتم تعقلون. قال لئن اتخذت إلهاً غيري لأجعلنّك من المسجونين) (الشعراء: 23-29)
(قال أجئتنا لتخرجنا من أرضنا بسحرك يا موسى) (طه: 57)
(وقال فرعون ذروني أقتل موسى وليدع ربّه إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد) (غافر: 26)
(قالوا إن هذان لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما ويذهبا بطريقتكم المثلى) ... (طه – 63)
وبإنعام النظر في هذه الآيات بالتدريج الذي قد سردناها به، يتجلى أن الضلال الذي تعاقبت فيه الأمم المختلفة من أقدم العصور، كان هو عينه قد غشت وادي النيل ظلماته، وأن الدعوة التي قام بها جميع الأنبياء منذ الأبد، كانت هي نفسها يدعو بها موسى وهارون عليهما السلام.

اليهود والنصارى وتطلع علينا بعد آل فرعون بنو إسرائيل والأمم الأخرى التي دانت باليهودية والنصرانية. وهؤلاء لا مجال للظن فيهم أن يكونوا منكرين لوجود إله العالم، أو يكونوا لا يعتقدون بألوهيته وربوبيّته فإن القرآن نفسه يشهد بكونهم أهل الكتاب. وأما السؤال الذي ينشأ في ذهن الباحث عن أمرهم فهو أنه ما هو على التحديد الخطأ في عقيدتهم ومنهج عملهم في باب الربوبية – الذي قد عدهم القرآن من أجله من القوم الضالين؟ والجواب المجمل على السؤال تجده في القرآن نفسه في آيته الكريمة:
(قل يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق ولا تتبعوا أهواء قومٍ قد ضلوا من قبلُ وأضلوا كثيراً وضلّوا عن سواء السبيل) (المائدة – 77)
فيعلم من هذه الآية أن ضلال اليهود والنصارى هو من حيث الأصل والأساس نفس الضلال الذي ارتطمت فيه الأمم المتقدمة، وتدلنا هذه الآية أيضاً أن ضلالهم هذا كان آتياً من غلوّهم في الدين. وها نحن نرى بعد ذلك كيف يفصل القرآن هذا الإجمال:
(وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله) (التوبة: 30)
(لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم. وقال المسيح يا بني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم) (المائدة – 72)
(لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة وما من إله إلا إله واحد) . (وإذ قال الله يا عيسى بن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق) (المائدة: 73، 116)
(ما كان لبشرٍ أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عباداً لي من دون الله ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلِّمون الكتاب وبما كنتم تدرسون. ولا يأمرَكم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أرباباً، أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون) (آل عمران: 79-80) فكان ضلال أهل الكتاب حسب ما تجل عليه هذه الآيات: أولاً أنهم بالغوا في تعظيم النفوس المقدسة كالأنبياء والأولياء والملائكة التي تستحق التكريم والتعظيم لمكانتها الدينية، فرفعوها من مكانتها الحقيقية إلى مقام الألوهية وجعلوها شركاء مع الله ودخلاء في تدبير أمر هذا العالم، ثم عبدوها واستغاثوا بها واعتقدوا أن لها نصيباً في الألوهية والربوبية الميمنتين على ما فوق العالم الطبيعي، وزعموا أنها تملك لهم المغفرة والإعانة والحفظ. وثانياً أنهم:
(اتّخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله) (التوبة – 31)
أي أن الذين لم تكن وظيفتهم في الدين سوى أن يعلموا الناس أحكام الشريعة الإلهية، ويزكوهم حسب مرضاة الله، تدرج بهم هؤلاء حتى أنزلوهم بحيث يحلون لهم ما يشاؤون ويحرمون عليهم ما يشاؤون، ويأمرونهم وينهونهم حسب ما تشاء أهواؤهم بدون سند من كتاب الله، ويسنون لهم من السنن ما تشتهي أنفسهم. كذلك وقع هؤلاء في نفس النوعين من الضلال الأساسي الخطير اللذين قد وقع فيهما قبلهم أمم نوح وإبراهيم وعاد وثمود وأهل مدين وغيرهم من الأمم، فأشركوا بالله الملائكة وعبادة المقربين – كما أشرك أولئك – في الربوبية المهيمنة على ما فوق العالم الطبيعي، وجعلوا الربوبية بمعانيها السياسية والمدنية – كما جعل أولئك – للإنسان بدلاً من الله رب السماوات. وراحوا يستمدون مبادئ المدنية والاجتماع والأخلاق والسياسة وأحكامها جميعاً من بني آدم، مستغنيين في ذلك عن السلطان المنزل من عند الله تعالى. وأفضى بهم الغي إلى أن قال فيهم القرآن:
(ألم تر إلى الذين أتوا نصيباً من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت) (النساء: 51)
(قل هل أنبئكم بشرٍ من ذلك مثوبة عند الله من لعنهُ الله وغضبَ عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت. أولئك شرٌّ مكاناً وأضل عن سواء السبيل) (المائدة: 60) (الجبتُ) كلمة جامعة شاملة لجميع أنواع الأوهام والخرافات من السحر والتمائم والشعوذة والتكهّن واستكشاف الغيب والتشاؤم والتفاؤل والتأثيرات الخارجة عن القوانين الطبيعية. والمراد من (الطاغوت) كل فرد أو طائفة أو إدارة تبغي وتتمرد على الله، وتجاوز حدود العبودية وتدعي لنفسها الألوهية والربوبية. فلمــا وقعت اليهود والنصارى في ما تقدم ذكره من النوعين من الضلال، كانت نتيجة أولها أن أخذت جميع أنواع الأوهام مأخذها من قلوبهم وعقولهم، وأما الثاني فاستدرجهم من عبادة العلماء والمشايخ والصوفية والزهاد إلى عبادة الجبابرة وطاعة الظالمين الذين كانوا قد بغوا على الله علانية!

المشركون العرب
هذا ولنبحث الآن في المشركين العرب الذين بعث فيهم خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم، والذين كانوا أول من خاطبهم القرآن، من أي نوع كان ضلالهم في باب الألوهية والربوبية، هل كانوا يجهلون الله رب العالمين، أو كانوا ينكرون وجوده، فبعث إليهم النبي صلى الله عليه وسلم ليبث في قلوبهم الإيمان بوجود الذات الإلهية! وهل كانوا لا يعتقدون الله عز وجل إلهاً للعالمين ورباً، فأنزل الله القرآن ليقنعهم بألوهيته وربوبيته؟ وهل كانوا يأبون عبادة الله والخضوع له؟ أو كانوا لا يعتقدونه سميع الدعاء وقاضي الحاجة؟ وهل كانوا يزعمون أن اللات والعزّى ومناة وهبل والآلهة الأخرى هي في الحقيقة فاطرة هذا الكون ومالكته والرازقة فيه والقائمة على تدبيره وإدارته؟ أو كانوا يؤمنون بأن آلهتهم تلك مرجع القانون ومصدر الهداية والإرشاد في شؤون المدنية والأخلاق؟ كل واحد من هذه الأسئلة إذا راجعنا فيه القرآن فإنه يجيب عليه بالنفي؛ ويبين لنا أن المشركين العرب لم يكونوا قائلين بوجود الله تعالى فحسب، بل كانوا يعتقدونه مع ذلك خالق هذا العالم كله – حتى آلهتهم – ومالكه وربه الأعلى، وكانوا يذعنون له بالألوهية والربوبية. وكان الله هو الجناب الأعلى الأرفع الذي كانوا يدعونه ويبتهلون إليه في مآل الأمر عندما يمسهم الضر أو تصيبهم المصائب، ثم كانوا لا يمتنعون عن عبادته والخضوع له، ولم تكن عقيدتهم في آلهتهم وأصنامهم أنها قد خلقتهم وخلقت هذا الكون، وترزقهم جميعاً، ولا أنها تهديهم وترشدهم في شؤون حياتهم الخلقية والمدنية، فالآيات الآتية تشهد بما تقول:
(قلن لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون. سيقولون لله، قل أفلا تذكرون. قل من رب السماوات السبع ورب العرش العظيم. سيقولن الله، قل أفلا تتقون. قل من بيده ملكوت كل شيءٍ وهو يجير ولا يجار عليه إن كنتم تعلمون. سيقولون لله، قل فأنى تسحرون، بل أتيناهم بالحق وإنهم لكاذبون) (المؤمنون: 84-90)
(هو الذي يسيركم في البر والبحر حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها جاءتها ريح عاصفٌ وجاءهم الموج من كل مكانٍ وظنوا أنهم أحيط بهم دعوا الله مخلصين له الدين لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين. فلمــا أنجاهم إذا هم يبغون في الأرض بغير الحق) (يونس: 22-23)
(وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه فلمــا نجاكم إلى البر أعرضتم وكان الإنسان كفوراً) (الإسراء: 67)
ويروي القرآن عقائدهم في آلهتهم بعبارتهم أنفسهم فيما يأتي:
(والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى) (الزمر: 3)
(ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله) (يونس: 18) ثم إنهم لم يكونوا يزعمون لآلهتهم شيئاً من مثل أنها تهديهم في شؤون حياتهم، فالله تعالى يأمر رسوله صلى الله لعيه وسلم في سورة يونس (قل هل من شركائكم من يهدي إلى الحق) الآية: 35 فيرميهم سؤاله هذا بالسكات، ولا يجيب أحد منهم عليه بنعم! عن اللات والعزى ومناة والآلهة الأخرى تهدينا سواء السبيل في العقيدة والعمل، وتعلمنا مبادئ العدالة والأمن والسلام في حياتنا الدنيا، وإننا نستمد من منبع علمها معرفة حقائق الكون الأساسية، فعند ذلك يقول الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم:
(قل الله يهدي للحق. أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يُهدى فمالكم كيف تحكمون) (يونس: 35)
ويبقى بعد هذه النصوص القرآنية أن نطلب جواب هذا السؤال: ماذا كان ضلالهم الحقيقي في باب الربوبية الذي بعث الله نبيه صلى الله عليه وسلم نرده إلى الصواب، وأنزل كتابه المجيد ليخرجهم من ظلماته إلى نور الهداية؟ وإذا تأملنا القرآن للتحقيق في هذه المسألة، نقف في عقائدهم وأعمالهم كذلك على النوعين من الضلال اللذين مازالا يلازمان الأمم الضالة منذ القدم.
فكانوا بجانب يشركون بالله آلهة وأرباباً من دونه في الألوهية والربوبية فيما فوق الطبيعة، ويعتقدون بأن الملائكة والنفوس الإنسانية المقدسة والسيارات السماوية – كل أولئك دخيلة بوجه من الوجوه في صلاحيات الحكم القائم فوق نظام العلل والأسباب. ولذلك لم يكونوا يرجعون إلى الله تعالى وحده في الدعاء والاستعانة وأداء شعائر العبودية، بل كانوا يرجعون كذلك في تلك الأمور كلها إلى آلهتهم المصنوعة الملفقة. وكانوا بجانب آخر يكادون لا يتصورون في باب الربوبية المدنية والسياسية أن الله تعالى هو الرب بهذه المعاني أيضاً. فكانوا قد اتخذوا أئمتهم الدينيين ورؤساءهم وكبراء عشائرهم أرباباً بتلك المعاني، ومنهم كانوا يتلقون القوانين لحياتهم.
أما النوع الأول من ضلالهم فيشهد به القرآن فيما يلي من الآيات: (ومن الناس من يعبد الله على حرفٍ فان أصابه خيرٌ اطمأن به وإن أصابته فتنةٌ انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة، ذلك هو الخسران المبين. يدعو من دون الله ما لا يضره وما لا ينفعه، ذلك هو الضلال البعيد يدعو لمن ضره أقرب من نفعه لبئس المولى ولبئس العشير) (الحج: 11-13) ...
(ويعبدون من دون الله مالا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله، قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السماوات ولا في (1) ، سبحانه وتعالى عما يشركون) (يونس: 18)
(قل أإنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أنداداً) (حم السجدة: 9)
(قل أتعبدون من دون الله مالا يملك لكم ضرّاً ولا نفعاً والله هو السميع العليم) (المائدة: 76)
(وإذا مسَّ الإنسان ضرٌ دعا ربه منيباً إليه ثم إذا خوّله نعمة منه نسي ما كان يدعو إليه من قبل وجعل لله أنداداً (2) ليضل عنه سبيله) (الزمر: 8)
(وما بكم من نعمة فمن الله ثم إذا مسّكم الضرّ فإليه تجأرون. ثم إذا كشف الضرّ عنكم إذا فريقٌ منكم بربهم يشركون. ليكفروا بما آتيناهم فتمتعوا فسوف تعلمون. ويجعلون لما لا يعلمون نصيباً (3) مما رزقناهم، تالله لتسئلنّ عما كنتم تفترون) (النحل: 53 –56)
وأما الآخر فشهادة القرآن ما يأتي:
(وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم ليردوهم وليلبسوا عليهم دينهم) (الأنعام: 137)
ومن الظاهر أنه ليس المراد بـ (شركاء) في هذه الآية: الآلهة والأصنام، بل المراد بهم أولئك القادة والزعماء الذين زينوا للعرب قتل أولادهم وجعلوه في أعينهم مكرمة. فأدخلوا تلك البدعة الشنعاء على دين إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام. وظاهر كذلك أن أولئك الزعماء لم يكن القوم قد اتخذوهم شركاء من حيث كانوا يعتقدون أن لهم السلطان فوق نظام الأسباب في هذا العالم، أو كانوا يعبدونهم ويدعونهم، بل كانوا قد جعلوهم شركاء مع الله في الألوهية والربوبية من حيث كانوا يسلمون بحقهم في أن يشرعوا لهم ما يشاؤون من النظم والقوانين لشؤونهم المدنية والاجتماعية، وأمورهم الخلقية والدينية.
(أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله) (الشورى: 21)
وسيأتي تفصيل معاني كلمة (الدين) في موضعه من هذه الرسالة، وهناك سنتبين سعة معاني هذه الآية وشمولها. على أنه يتضح في هذا المقام أن ما كان يتولاه أولئك الزعماء والرؤساء من وضع الحدود والقواعد التي هي بمثابة الدين بغير إذن من الله تعالى، وأن اعتقاد العرب بكونها مما يجب اتباعه والعمل به، كان هو عينه شركة مع الله من أولئك في ألوهيته وربوبيته، وإيماناً من هؤلاء بشركتهم تلك!

دعوة القرآن: أن هذا البحث الذي قد خضنا غماره في الصفحات السابقة بصدد تصورات الأمم الضالة وعقائدها، ليكشف القناع عن حقيقة أن جميع الأمم التي قد وصمها القرآن بالظلم والضلال وفساد العقيدة من لدن أعرق العصور في القدم إلى زمن نزول القرآن، لم تكن منها جاحدة بوجود الله تعالى ولا كانت تنكر كون الله رباً وإلهاً بالإطلاق. بل كان ضلالها الأصلي المشترك بين جميعها أنها كانت قد قسمت المعاني الخمسة لكلمة (الرب) التي قد حددناها في بداية هذا الباب – مستشهدين باللغة والقرآن – قسمين متباينين:
فأما المعاني التي تدل على أن (الرب) هو الكفيل بتربية الخلق وتعهده وقضاء حاجته وحفظه ورعايته بالطرق الخارجة عن النظام الطبيعي، فكانت لها عندهم دلالة أخرى مختلفة، وهم وإن كانوا لا يعتقدون إلا الله تعالى ربهم الأعلى بموجبها، إلا أنهم كانوا يشركون به في الربوبية الملائكة والجن والقوى الغيبية والنجوم والسيارات والأنبياء والأولياء والأئمة الروحانيين.
وأما المعنى الذي يدل على أن (الرب) هو مالك الأمر والنهي وصاحب السلطة العليا، ومصدر الهداية والإرشاد، ومرجع القانون والتشريع، وحاكم الدولة والمملكة وقطب الاجتماع والمدنية، فكانت له عندهم دلالة أخرى متباينة: وبموجب هذا المفهوم كانوا إما يعتقدون أن النفوس الإنسانية وحدهم رباً من دون الله، وإما يستسلمون لربوبية تلك النفوس في شؤون الأخلاق والمدنية والسياسة مع كونهم يؤمنون إيماناً نظرياً بأن الله هو الرب، هذا هو الضلال الذي مازالت تبعث لحسمه الرسل عليهم اللام من لدن فجر التاريخ، ولأجل ذلك بعث الله أخيراً محمداً صلى الله عليه وسلم. وكانت دعوتهم جميعاً أن الرب بجميع معاني الكلمة واحد ليس غير، وهو الله تقدست أسماؤه. والربوبية ما كانت لتقبل التجزئة ولم يكن جزء من أجزائها ليرجع إلى أحد من دون الله بوجه من الوجوه، وأن نظام هذا الكون مرتبط بأصله ومركزه وثيق الارتباط، قد خلفه الله الواحد الأحد، ويحكمه الفرد الصمد، ويملك كل السلطة والصلاحيات فيه الإله الفذّ الموحد! فلا يد لأحد غير الله في خلق هذا النظام ولا شريك مع الله في إدارته وتدبيره ولا قسيم له في ملكوته. وبما أن الله تعالى هو مالك السلطة المركزية، فإنه هو وحده ربكم في دائرة ما فوق الطبيعة، وربكم في شؤون المدنية والسياسة والأخلاق، ومعبودكم ووجهة ركوعكم وسجودكم، ومرجع دعائكم وعماد توكلكم، والمتكفل بقضاء حاجاتكم، وكذلك هو الملك، ومالك الملك، وهو الشارع والمقنن، وهو الآمر والناهي. وكل هاتين الدلالتين للربوبية اللتين قد فصلتم إحداهما عن الأخرى لجاهليتكم، هي في حقيقة الأمر قوام الألوهية وعمادها وخاصة إلهية الإله. لذلك لا يمكن فصل إحداهما عن الأخرى، كما لا يجوز أن يشرك مع الله أحد من خلقه باعتبار أيهما. وأما الأسلوب الذي يدعو به القرآن دعوته هذه فها هو ذا بعبارته:
(إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يغشي الليل والنهار يطلبه حثيثاً والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره، ألا له الخلق والأمر، تبارك الله رب العالمين) ... (الأعراف: 54)
(قل من يرزقكم من السماء والأرض، أمّن يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر فسيقولون الله، فقل أفلا تتقون. فذلكم الله ربكم الحق، فما بعد الحق إلا الضلال فأنى تصرفون) ... (يونس: 31-32)
(خلق السماوات والأرض بالحق يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى) .. (ذلكم الله ربكم له الملك لا إله إلا هو فأنى تصرفون) (الزمر: 5،6)
(الله الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصراً)
(ذلكم الله ربكم خالق كل شيء لا إله إلا هو فأنى تؤفكون) … (الله الذي جعل لكم الأرض قراراً والسماء بناءً وصوركم فأحسن صوركم ورزقكم من الطيبات، ذلكم الله ربكم فتبارك الله رب العالمين. هو الحي لا إله إلا هو فادعوه مخلصين له الدين) (غافر: 61، 62، 64، 65)
(والله خلقكم من تراب) … (يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وسخر الشمس والقمر كلٌ يجري لأجل مسمى، ذلكم الله ربكم له الملك والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير. إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم) (فاطر: 11 و 13-14)
(وله من في السماوات والأرض كل له قانتون) ..
(ضرب لكم مثلاً من أنفسكم هل لكم مما ملكت أيمانكم من شركاء فيما رزقناكم فأنتم فيه سواءٌ تخافونهم كخيفتكم أنفسكم كذلك نفصّل الآيات لقومٍ يعقلون. بل اتبع الذين ظلموا أهواءهم بغير علم) ..
(فأقم وجهك للدين حنيفاً فطرة الله التي فطر الناس عليها، لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكنّ أكثر الناس لا يعلمون) (الروم: 26 و 28 – 29،30) (وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسماوات مطوياتٌ بيمينه سبحانه وتعالى عما يُشركون) (الزمر: 67)
(فلله الحمد رب السماوات ورب الأرض رب العالمين. وله الكبرياءُ في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم) (الجاثية: 36-37)
(رب السماوات والأرض وما بينهما فاعبده واصطبر لعبادته هل تعلم له سميا) (مريم: 65)
(ولله غيب السماوات والأرض وإليه يرجع الأمر كله فاعبده وتوكل عليه) (هود: 123)
(رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلا) (المزمل: 9)
(إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون وتقطعوا أمرهم بينهم كل إلينا راجعون) (الأنبياء: 92-93)
(اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء) (الأعراف: 3)
(قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواءٍ بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله) (آل عمران: 64)
(قل أعوذ برب الناس. ملك الناس. إله الناس) (الناس: 1-3)
(فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً) (الكهف:110)
فبقراءة هذه الآيات بالترتيب الذي سردناها به، يتبين للقارئ أن القرآن يجعل (الربوبية) مترادفة مع الحاكمية والملكية (Sovereignty) ويصف لنا (الرب) بأنه الحاكم المطلق لهذا الكون ومالكه وآمره الوحيد لا شريك له.
وبهذا الاعتبار هو ربنا ورب العالم بأجمعه ومريبنا وقاضي حاجاتنا.
وبهذا الاعتبار هو كفيلنا وحافظنا ووكلينا.
وطاعته بهذا الاعتبار هي الأساس الفطري الصحيح الذي يقوم عليه بنيان حياتنا الاجتماعية على الوجه الصحيح المرضي، والصلة بشخصيته المركزية تسلك شتى الأفراد والجماعات في نظام الأمة.
وبهذا الاعتبار هو حري بأن نعبده نحن وجميع خلائفه، ونطيعه ونقنت له.
وبهذا الاعتبار هو مالكنا ومالك كل شيء وسيدنا وحاكمنا. لقد كان العرب والشعوب الجاهلية في كل زمان اخطأوا - ولا يزالون يخطئون إلى هذا اليوم - بأنهم وزعوا هذا المفهوم الجامع الشامل للربوبية على خمسة أنواع من الربوبية، ثم ذهب بهم الظن والوهم أن تلك الأنواع المختلفة للربوبية قد ترجع إلى ذوات مختلفة ونفوس شتى، بل ذهبوا إلى أنها راجعة إليها بالفعل. فجاء القرآن فأثبت باستدلاله القوي المقنع أنه لا مجال أبداً في هذا النظام المركزي لأن يكون أمر من أمور الربوبية راجعاً - في قليل أو كثير- إلى غير من بيده السلطة العليا، وأن مركزية هذا النظام نفسها هي الدليل البيّن على أن جميع أنواع الربوبية مختصة بالله الواحد الأحد الذي أعطى هذا النظام خلقه.
ولذلك فإن من يظن جزءاً من أجزاء الربوبية راجعاً إلى أحد من دون الله، أو يرجعه إليه، بأي وجه من الوجوه، وهو يعيش في هذا النظام، فإنه يحارب الحقيقة ويصدف عن المواقع ويبغي على الحق، وباقي بيديه إلى التهلكة والخسران بما يتعب نفسه في مقاومة الحق الواقع.
(الرب) اسْم الله تَعَالَى وَلَا يُقَال الرب فِي غير الله إِلَّا بِالْإِضَافَة وَالْمَالِك وَالسَّيِّد والمربي والقيم والمنعم وَالْمُدبر والمصلح (ج) أَرْبَاب وربوب

(الرب) عصارة التَّمْر المطبوخة وَمَا يطْبخ من التَّمْر وَالْعِنَب وَرب السّمن وَالزَّيْت ثفله الْأسود (ج) ربوب ورباب

وَبَارِ

وَبَارِ:
مبني مثل قطام وحذام، يجوز أن يكون من الوبر وهو صوف الإبل والأرانب وما أشبهها، أو من التوبير وهو محو الأثر، والنسبة إليها أباريّ على غير قياس، عن السهيلي، وقال أهل السير: هي مسمّاة بوبار بن إرم بن سام بن نوح، عليه السلام، انتقل إليها وقت تبلبلت الألسن فابتنى بها منزلا وأقام به وهي ما بين الشّحر إلى صنعاء أرض واسعة زهاء ثلاثمائة فرسخ في مثلها، وقال الليث: وبار أرض كانت من محالّ عاد بين رمال يبرين واليمن فلمــا هلكت عاد أورث الله ديارهم الجنّ فلم يبق بها أحد من الناس، وقال محمد بن إسحاق: وبار أرض يسكنها النسناس، وقيل: هي بين حضرموت والسبوب، وفي كتاب أحمد بن محمد الهمذاني: وفي اليمن أرض وبار وهي فيما بين نجران وحضرموت وما بين بلاد مهرة والشّحر، وكان وبار وصحار وجاسم بني إرم، فكانت وبار تنزل وبار وجاسم الحجاز، ووبار بلادهم المنسوبة إليهم وهي ما بين الشحر إلى تخوم صنعاء، وكانت أرض وبار أكثر الأرضين خيرا وأخصبها ضياعا وأكثرها مياها وشجرا وثمرا فكثرت بها القبائل حتى شحنت بها أرضهم وعظمت أموالهم فأشروا وبطروا وطغوا وكانوا قوما جبابرة ذوي أجسام فلم يعرفوا حقّ نعم الله تعالى
فبدّل الله خلقهم وجعلهم نسناسا للرجل والمرأة منهم نصف رأس ونصف وجه وعين واحدة ويد واحدة ورجل واحدة فخرجوا على وجوههم يهيمون في تلك الغياض إلى شاطئ البحر يرعون كما ترعى البهائم وصار في أرضهم كل نملة كالكلب العظيم تستلب الواحدة منها الفارس عن فرسه فتمزقه، ويقال إن ذا القرنين وجنوده دخلوا إلى هذه الأرض فاختلس النمل جماعة من أصحابه، ويروى عن أبي المنذر هشام بن محمد أنه قال: قرية وبار كانت لبني وبار وهم من الأمم الأولى منقطعة بين رمال بني سعد وبين الشّحر ومهرة، ويزعم من أتاها أنهم يهجمون على أرض ذات قصور مشيدة ونخل ومياه مطر وليس بها أحد، ويقال إن سكانها الجن لا يدخلها إنسيّ إلا ضلّ، قال الفرزدق:
ولقد ضللت أباك تطلب دارما ... كضلال ملتمس طريق وبار
لا تهتدي أبدا ولو بعثت به ... بسبيل واردة ولا آثار
ويزعم علماء العرب أن الله تعالى لما أهلك عادا وثمود أسكن الجن في منازلهم وهي أرض وبار فحمتها من كل من يريدها، وأنها أخصب بلاد الله وأكثرها شجرا ونخلا وخيرا وأعذبها عنبا وتمرا وموزا فإن دنا رجل منها عامدا أو غالطا حثا الجن في وجهه التراب وإن أبى إلا الدخول خبّلوه وربما قتلوه، وعندهم الإبل الحوشيّة وهي فيما يزعم العرب التي ضربت فيها إبل الجنّ، وقال شاعر:
كأني على حوشية أو نعامة ... لها نسب في الطير أو هي طائر
وفي كتاب أخبار العرب أن رجلا من أهل اليمن رأى في إبله ذات يوم فحلا كأنه كوكب بياضا وحسنا فأقرّه فيها حتى ضربها فلمــا ألقحها ذهب ولم يره حتى كان في العام المقبل فإنه جاء وقد نتج الرجل إبله وتحركت أولاده فيها فلم يزل فيها حتى ألقحها ثم انصرف، وفعل ذلك ثلاث سنين، فلمــا كان في الثالثة وأراد الانصراف هدر فتبعه سائر ولده ومضى فتبعه الرجل حتى وصل إلى وبار وصار إلى عين عظيمة وصادف حولها إبلا حوشية وحميرا وبقرا وظباء وغير ذلك من الحيوانات التي لا تحصى كثرة وبعضه أنس ببعض ورأى نخلا كثيرا حاملا وغير حامل والتمر ملقى حول النخل قديما وحديثا بعضه على بعض ولم ير أحدا، فبينما هو واقف يفكر إذ أتاه رجل من الجن فقال له: ما وقوفك ههنا؟ فقصّ عليه قصة الإبل، فقال له: لو كنت فعلت ذلك على معرفة لقتلتك ولكن اذهب وإياك والمعاودة فإنّ هذا جمل من إبلنا عمد إلى أولاده فجاء بها، ثم أعطاه جملا وقال له: انج بنفسك وهذا الجمل لك، فيقال إن النجائب المهرية من نسل ذلك الجمل، ثم جاء الرجل وحدث بعض ملوك كندة بذلك فسار يطلب الموضع فأقام مدة فلم يقدر عليه وكانت العين عين وبار، قال أبو زيد الأنصاري: يقال تركته ببلد اصمت وتركته بملاحس البقر وتركته بمحارض الثعالب وتركته بهور ذابر وتركته بوحش إضم وتركته بعين وبار وتركته بمطارح البزاة، وهذه كلّها أماكن لا يدرى أين هي، وقول النابغة:
فتحمّلوا رحلا كأن حمولهم ... دوم ببيشة أو نخيل وبار
يدلّ على أنها بلاد مسكونة معروفة ذات نخيل، وكان لدعيميص الرّمل العبدي صرمة من الإبل، فبينما هو ذات ليلة إذا أتاه بعير أزهر كأنه قرطاس
فضرب في إبله فنتجت قلاصا زهرا كالنجوم فلم يذلل منها إلا ناقة واحدة فاقتعدها، فلمــا مضت عليه ثلاثة أحوال إذا هو ليلة بالفحل يهدر في إبله ثم انكفأ مرتدّا في الوجه الذي أقبل منه فلم يبق من نجله شيء إلا تبعه إلا النّويقة التي اقتعدها فأسف فقال: لأموتنّ أو لأعلمنّ علمها! فحمل معه زادا وبيض نعام فكان يدفنه في الرمل بعد أن يملأه ماء ثم تبع أثر الفحل والإبل حتى انتهى إلى وبار فهتف به هاتف: انصرف فإنها ليست لك، إنها نجل فحلنا ولك الناقة التي تحتك لتحرّمك بنا، واختر أن تكون أشعر العرب أو أنسبهم أو أدلّهم فإنك تكون كما تختار، فاختار أن يكون أدلّ العرب فكان كما اختار، قال بعضهم:
وبوبار النسناس يقال إنهم من ولد النسناس بن أميم ابن عمليق بن يلمع بن لاوذ بن سام وهم فيما بين وبار وأرض الشحر وأطراف أرض اليمن يفسدون الزرع فيصيدهم أهل تلك الأرض بالكلاب وينفرونهم عن زروعهم وحدائقهم، وعن محمد بن إسحاق أن النسناس خلق في اليمن لأحدهم يد واحدة ورجل واحدة وكذلك العين وسائر ما في الجسد وهو يقفز برجله قفزا شديدا ويعدو عدوا منكرا، ومن أحاديث أهل اليمن أن قوما خرجوا لاقتناص النسناس فرأوا ثلاثة منهم فأدركوا واحدا فأخذوه وذبحوه وتوارى اثنان في الشجر فلم يقفوا لهما على خبر، فقال الذي ذبحه: والله إن هذا لسمين أحمر الدم، فقال أحد المستترين في الشجر: إنه قد أكل حبّ الضّرو وهو البطم وسمن، فلمــا سمعوا صوته تبادروا إليه وأخذوه فقال الذي ذبح الأول:
والله ما أحسن الصمت هذا لو لم يتكلم ما عرفنا مكانه، فقال الثالث: فها أنا صامت لم أتكلم، فلمــا سمعوا صوته أخذوه وذبحوه وأكلوا لحومهم، وقال دغفل: أخبرني بعض العرب أنه كان في رفقة يسير في رمل عالج، قال: فأضللنا الطريق ووقفنا إلى غيضة عظيمة على شاطئ البحر فإذا نحن بشيخ طويل له نصف رأس وعين واحدة وكذلك جميع أعضائه، فلمــا نظر إلينا مرّ يركض كالفرس الجواد وهو يقول:
فررت من جور الشّراة شدّا ... إذ لم أجد من الفرار بدّا
قد كنت دهرا في شبابي جلدا، ... فها أنا اليوم ضعيف جدّا
وروى الحسام بن قدامة عن أبيه عن جدّه قال:
كان لي أخ فقلّ ما بيده وأنفض حتى لم يبق له شيء فكان لنا بنو عمّ بالشحر فخرج إليهم يلتمس برّهم فأحسنوا قراه وأكثروا برّه وقالوا له يوما: لو خرجت معنا إلى متصيّد لنا لتفرّجت، قال: ذاك إليكم، وخرج معهم فلمــا أصحروا ساروا إلى غيضة عظيمة فأوقفوه على موضع منها ودخلوها يطلبون الصيد، قال: فبينما أنا واقف إذ خرج من الغيضة شخص في صورة الإنسان له يد واحدة ورجل واحدة ونصف لحية وفرد عين وهو يقول: الغوث الغوث الطريق الطريق عافاك الله! ففزعت منه وولّيت هاربا ولم أدر أنه الصيد الذي يذكرونه، قال: فلمــا جازني سمعته يقول وهو يعدو:
غدا القنيص فابتكر ... بأكلب وقت السّحر
لك النجا وقت الذكر ... ووزر ولا وزر
أين من الموت المفرّ؟ ... حذرت لو يغني الحذر
هيهات لن يخطي القدر، ... من القضا أين المفرّ؟
فلمــا مضى إذا أنا بأصحابي قد جاءوا فقالوا: ما فعل الصيد الذي احتشناه إليك؟ فقلت لهم: أما الصيد فلم أره، ووصفت لهم صفة الذي مرّ بي، فضحكوا وقالوا: ذهبت بصيدنا! فقلت: يا سبحان الله! أتأكلون الناس؟ هذا إنسان ينطق ويقول الشعر! فقالوا: وهل أطعمناك منذ جئتنا إلا من لحمه قديدا وشواء؟ فقلت: ويحكم أيحلّ هذا؟ قالوا: نعم إن له كرشا وهو يجتر فلهذا يحل لنا، قلت: ولهذه الأخبار أشباه ونظائر في أخبارهم والله أعلم بحق ذلك من باطله.

منارة الحوافِرِ

منارة الحوافِرِ:
وهي منارة عالية في رستاق همذان في ناحية يقال لها ونجر في قرية يقال لها أسفجين، قرأت خبرها في كتاب أحمد بن محمد بن إسحاق الهمذاني قال: كان سبب بنائها أن سابور بن أردشير الملك قال له منجموه:
إن ملكك هذا سيزول عنك وإنك ستشقى أعواما كثيرة حتى تبلغ إلى حدّ الفقر والمسكنة ثم يعود إليك الملك، قال: وما علامة عوده؟ قالوا: إذا أكلت خبزا من الذهب على مائدة من الحديد فذلك علامة رجوع ملكك، فاختر أن يكون ذلك في زمان شبيبتك أو في كبرك، قال: فاختار أن يكون في شبيبته وحدّ له في ذلك حدّا فلمــا بلغ الحدّ اعتزل ملكه وخرج ترفعه أرض وتخفضه أخرى إلى أن صار إلى هذه القرية فتنكّر وآجر نفسه من عظيم القرية وكان معه جراب فيه تاجه وثياب ملكه فأودعه عند الرجل الذي آجر نفسه عنده فكان يحرث له نهاره ويسقي زرعه ليلا فإذا فرغ من السقي طرد الوحش عن الزرع حتى يصبح، فبقي على ذلك سنة فرأى الرجل منه حذقا ونشاطا وأمانة في كل ما يأمره به فرغب فيه واسترجح عقل زوجته واستشارها أن يزوّجه إحدى بناته وكان له ثلاث بنات فرغبت لرغبته فزوّجه ابنته فلمــا حوّلها إليه كان سابور يعتزلها ولا يقربها، فلمــا أتى على ذلك شهر شكت إلى أبيها فاختلعها منه وبقي سابور يعمل عنده، فلمــا كان بعد حول آخر سأله أن يتزوّج ابنته الوسطى ووصف له جمالها وكمالها وعقلها فتزوّجها فلمــا حوّلها إليه كان سابور أيضا معتزلا لها ولا يقربها، فلمــا تمّ لها شهر سألها أبوها عن حالها مع زوجها فاختلعها منه، فلمــا كان حول آخر وهو الثالث سأله أن يزوّجه ابنته الصغرى ووصف له جمالها ومعرفتها وكمالها وعقلها وأنها خير أخواتها فتزوّجها، فلمــا حوّلها إليه كان سابور أيضا معتزلا لها ولا يقربها، فلمــا تمّ لها شهر سألها أبوها عن حالها مع زوجها فأخبرته أنها معه في أرغد عيش وأسرّه، فلمــا سمع سابور بوصفها لأبيها من غير معاملة له معها وحسن صبرها عليه وحسن خدمتها له رقّ لها قلبه وحنّ عليها ودنا منها ونام معها فعلقت منه وولدت له ابنا، فلمــا أتى على سابور أربع سنين أحبّ رجوع ملكه إليه، فاتفق أنه كان في القرية عرس اجتمع فيه رجالهم ونساؤهم، وكانت امرأة سابور تحمل إليه طعامه في كل يوم ففي ذلك اليوم اشتغلت عنه إلى بعد العصر لم تصلح له طعاما ولا حملت إليه شيئا، فلمــا كان بعد العصر ذكرته فبادرت إلى منزلها وطلبت شيئا تحمله إليه فلم تجد إلّا رغيفا واحدا من جاورس فحملته إليه فوجدته يسقي الزرع وبينها وبينه ساقية ماء فلمــا وصلت إليه لم تقدر على عبور الساقية فمدّ إليها سابور المرّ الذي كان يعمل به فجعلت الرغيف عليه فلمــا وضعه بين يديه كسره فوجده شديد الصّفرة ورآه على الحديد فذكر قول المنجمين وكانوا قد حدّوا له الوقت فتأمله فإذا هو قد انقضى فقال لامرأته: اعلمي أيتها المرأة أني سابور، وقصّ عليها قصته، ثم اغتسل في النهر وأخرج شعره من الرباط الذي كان قد ربطه عليه وقال لامرأته: قد تم أمري وزال شقائي، وصار إلى المنزل الذي كان يسكن فيه وأمرها بأن تخرج له الجراب الذي كان فيه تاجه وثياب ملكه، فأخرجته فلبس التاج والثياب، فلمــا رآه أبو الجارية خرّ ساجدا بين يديه وخاطبه بالملك، قال: وكان سابور قد عهد إلى وزرائه وعرفهم بما قد امتحن به من الشقاوة وذهاب الملك وأن مدة ذلك كذا وكذا سنة وبيّن لهم الموضع الذي يوافونه إليه عند انقضاء مدة شقائه وأعلمهم الساعة التي يقصدونه فيها فأخذ مقرعة كانت معه ودفعها إلى أبي الجارية وقال له: علّق هذه على باب القرية واصعد السور وانظر ماذا ترى، ففعل ذلك وصبر ساعة ونزل وقال: أيها الملك أرى خيلا كثيرة يتبع بعضها بعضا، فلم يكن بأسرع مما وافت الخيل أرسالا فكان الفارس إذا رأى مقرعة سابور نزل عن فرسه وسجد حتى اجتمع خلق من
أصحابه ووزرائه فجلس لهم ودخلوا عليه وحيوه بتحية الملوك، فلمــا كان بعد أيام جلس يحدث وزراءه فقال له بعضهم: سعدت أيها الملك! أخبرنا ما الذي أفدته في طول هذه المدة، فقال: ما استفدت إلّا بقرة واحدة، ثم أمرهم بإحضارها وقال: من أراد إكرامي فليكرمها، فأقبل الوزراء والأساورة يلقون عليها ما عليهم من الثياب والحلي والدراهم والدنانير حتى اجتمع ما لا يحصى كثرة، فقال لأبي المرأة: خذ جميع هذا المال لابنتك. وقال له وزير آخر:
أيها الملك المظفّر فما أشد شيء مرّ عليك وأصعبه؟
قال: طرد الوحش بالليل عن الزرع فإنها كانت تعييني وتسهرني وتبلغ مني فمن أراد سروري فليصطد لي منها ما قدر لأبني من حوافرها بنية يبقى ذكرها على ممر الدهر، فتفرق القوم في صيدها فصادوا منها ما لا يبلغه العدد فكان يأمر بقطع حوافرها أولا فأولا حتى اجتمع من ذلك تلّ عظيم فأحضر البنّائين وأمرهم أن يبنوا من ذلك منارة عظيمة يكون ارتفاعها خمسين ذراعا في استدارة ثلاثين ذراعا وأن يجعلوها مصمّتة بالكلس والحجارة ثم تركب الحوافر حولها منظمة من أسفلها إلى أعلاها مسمرة بالمسامير الحديد، ففعل ذلك فصارت كأنها منارة من حوافر، فلمــا فرغ صانعها من بنائها مر بها سابور يتأملها فاستحسنها فقال للذي بناها وهو على رأسها لم ينزل بعد: هل كنت تستطيع أن تبني أحسن منها؟ قال: نعم، قال: فهل بنيت لأحد مثلها؟ فقال: لا، قال: والله لأتركنّك بحيث لا يمكنك بناء خير منها لأحد بعدي! وأمر أن لا يمكّن من النزول، فقال: أيها الملك قد كنت أرجو منك الحباء والكرامة وإذ فاتني ذلك فلي قبل الملك حاجة ما عليك فيها مشقّة، قال: وما هي؟ قال: تأمر أن أعطى خشبا لأصنع لنفسي مكانا آوي إليه لا تمزقني النسور إذا متّ، قال: أعطوه ما يسأل، فأعطي خشبا وكان معه آلة النجارة فعمل لنفسه أجنحة من خشب جعلها مثل الريش وضمّ بعضها إلى بعض، وكانت العمارة في قفر ليس بالقرب منه عمارة وإنما بنيت القرية بقربها بعد ذلك، فلمــا جاء الليل واشتدّ الهواء ربط تلك الأجنحة على نفسه وبسطها حتى دخل فيها الريح وألقى نفسه في الهواء فحملته الريح حتى ألقته إلى الأرض صحيحا ولم يخدش منه خدش ونجا بنفسه، قال: والمنارة قائمة في هذه المدّة إلى أيامنا هذه مشهورة المكان ولشعراء همذان فيها أشعار متداولة، قال عبيد الله الفقير إليه: أما غيبة سابور من الملك فمشهورة عند الفرس مذكورة في أخبارهم وقد أشرنا في سابور خواست ونيسابور إلى ذلك، والله أعلم بصحة ذلك من سقمه.

يَيْأَسِ

{يَيْأَسِ}
قال: فأخبرني عن قول الله - عز وجل -: {أَــفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا}
قال: أفلم يعلم. قال: وهل كانت العرب تعرف ذلك؟

قال: نعم، أما سمعت بقول مالك بن عوف:
لقد ييئسُ الأقوامُ أنى أنا ابنُه. . . وإن كنت عن أرض العشيرة نائيَّا
(ظ) زاد في (تق، ك، ط) : أفلم يعلم، بلغة بني مالك. = الكلمة من آية الرعد 31:
{وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا أَــفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ}
وفي القرآن غيرها، الماضي والمضارع من يئس سبع مرات، واستيأس، واستيأسوا، ويئوس ثلاث مرات.
تأويل "أفلم ييأس" في المسألة: أفلم يعلم، قاله جمهور أهل التأويل، بلفظه أو بلفظ، أفلم يتبين، مكا في تفسير البخاري. وإن ذكروا اختلاف أهل العلم بكلام العرب، فيه:
قال أبو عبيدة، في الآية: أي أفلم يعلم ويتبين. وعن الكلبي أنها لغة النخع، أوحَّى منهم. حكاه الفراء، والجوهري في (ص) وبها فسر الآية. ومعها في الطبري عن القاسم بن معن أنها لغة هوازن، وحكاهما القرطبي وأبو حنان، وابن حجر في فتح الباري عن الطبري.
وأنشدوا جميعاً فيها شاهد المسألة، وبيت سحيم:
أقول لهم بالشعب إذ يأسروننى. . . ألم تيأسوا أني ابنُ فارسِ زهدم
وأوردها ابن قتيبة في باب المقلوب من (تأويل مشكل القرآن) قال: ويئست بمعنى علمت، من قوله تعالى: {أَــفَلَمْ يَيْأَسِ} الآية لأن في علمك الشيء وتيقنك له يأسَك من غيره. وأنشد بيت سحيم.
وهي عند الزمخشري من المجاز: تقول قد يئست أنك رجل صدق - بمعنى علمت - وأنشد الشاهدين. وذلك أنه مع الطمع القلقُ، ومع انقطاعه السكوتُ والطمأنينة كما مع العلم، ولذلك قيل: اليأس إحدى الراحتين. (س)
وهو نحو من توجيه الفراء، مع إنكاره أن يكون ييأس بمعنى يعلم محفوظاً من كلام العرب. وردّه الطبري بأن من حفظ حجة على من لم يحفظ. وحكاه عنه ابن حجر في (فتح الباري)
وفي القرآن الكريم غير آية الرعد، إحدى عشرة كلمة، والذي أطمئن إليه، والله أعلم، أن اليأس فيها على أصل معناه في القنوط وانقطاع الرجاء، بصريح السياق في آياتها البينات:
الطلاق 4: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ}
المائدة 3: {الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ}
الممتحنة 13: {قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ} ومعها آية العنكبوت 23
يوسف 87: {وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ}
يوسف 80: {فَلَمَّــا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا}
يوسف 110: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا}
هود 9: {وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ} ومعها آيتا الإسراء 83 وفُصلت 49.
وى يبعد أن نستأنس بها لفهم اليأس في آية الرعد بمعنى أنه قد آن للذين آمنوا أن يقنطوا من الذين كفروا، ويقطعوا الرجاء فيهم، بما عملوا {أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا} نظير قوله - عز وجل -:
{وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ} الأنعام 35
{وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} يونس 99.
وإجماع أهل التأويل على القول بأن معنى "أفلم ييأس" أفلم يعلم أو: أفلم يتبين، هو مقتضى اليأس من الذين كفروا، كما يفهم من توجيه الفراء وابن قتيبة والزمخشري، وهو صريح قول الراغب: اليأس انتفاء الطمع، يقال: يئس واستيأس، قال تعالى: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ} {قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ} {إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ} {أَــفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا} وقيل معناها أفلم يعلموا، ولم يُرد أن اليأس موضوع في كلامهم للعلم، إنما قصد أن يأس الذين آمنوا من ذلك يقتضي العلم، فإذاًَ ثبوت يأسهم مقتضى حصول علمهم". والله أعلم.
وأحسب أن الشاهد للمسألة، أقوى بمثل هذا التوجيه، مما لو حُمِل على علم الأقوام بأنه ابنُ أبيه، وإن كان عن أرض العشيرة نائيا.

هَمَذَانُ

هَمَذَانُ:
بالتحريك، والذال معجمة، وآخره نون، في الإقليم الرّابع، وطولها من جهة المغرب ثلاث وسبعون درجة، وعرضها ست وثلاثون درجة، قال هشام بن الكلبي: همذان سميت بهمذان بن الفلّوج ابن سام بن نوح، عليه السّلام، وهمذان وأصبهان أخوان بنى كل واحد منهما بلدة، ووجد في بعض كتب السريانيين في أخبار الملوك والبلدان: إن الذي بنى همذان يقال له كرميس بن حليمون، وذكر بعض علماء الفرس أن اسم همذان إنما كان نادمه ومعناه المحبوبة، وروي عن شعبة أنه قال: الجبال عسكر وهمذان معمعتها وهي أعذبها ماء وأطيبها هواء، وقال ربيعة بن عثمان: كان فتح همذان في جمادى الأولى على رأس ستة أشهر من مقتل عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، وكان الذي فتحها المغيرة بن شعبة في سنة 24 من الهجرة، وفي آخر: وجّه المغيرة بن شعبة وهو عامل عمر بن الخطاب على الكوفة بعد عزل عمار بن ياسر عنها جرير بن عبد الله البجلي إلى همذان في سنة 23 فقاتله أهلها وأصيبت عينه بسهم فقال: أحتسبها عند الله الذي زين بها وجهي ونوّر لي ما شاء ثم سلبنيها في سبيله، وجرى أمر همذان على مثل ما جرى عليه أمر نهاوند وذلك في آخر سنة 23 وغلب على أرضها قسرا وضمّها المغيرة إلى كثير بن شهاب والي الدينور، وإليه ينسب قصر كثير في نواحي الدينور، وقال بعض علماء الفرس: كانت همذان أكبر مدينة بالجبال وكانت أربعة فراسخ في مثلها، طولها من الجبل إلى قرية يقال لها زينوآباذ، وكان صنف التجار بها وصنف الصيارف بسنجاباذ، وكان القصر الخراب الذي بسنجاباذ تكون فيه الخزائن والأموال، وكان صنف البزازين في قرية يقال لها برشيقان، فيقال إن بخت نصّر بعث إليها قائدا
يقال له صقلاب في خمسمائة ألف رجل فأناخ عليها وأقام يقاتل أهلها مدة وهو لا يقدر عليها، فلمــا أعيته الحيلة فيها وعزم على الانصراف استشار أهله فقالوا:
الرأي أن تكتب إلى بخت نصر وتعلمه أمرك وتستأذنه في الانصراف، فكتب إليه: أما بعد فإني وردت على مدينة حصينة كثيرة الأهل منيعة واسعة الأنهار ملتفة الأشجار كثيرة المقاتلة وقد رمت أهلها فلم أقدر عليها وضجر أصحابي المقام وضاقت عليهم الميرة والعلوفة فإن أذن لي الملك بالانصراف فقد انصرفت.
فلمــا وصل الكتاب إلى بخت نصر كتب إليه: أما بعد فقد فهمت كتابك ورأيت أن تصوّر لي المدينة بجبالها وعيونها وطرقها وقراها ومنبع مياهها وتنفذ إليّ بذلك حتى يأتيك أمري، ففعل صقلاب ذلك وصوّر المدينة وأنفذ الصورة إليه وهو ببابل، فلمــا وقف عليه جمع الحكماء وقال: أجيلوا الرأي في هذه الصورة وانظروا من أين تفتح هذه المدينة، فأجمعوا على أن مياه عيونها تحبس حولا ثم تفتح وترسل على المدينة فإنها تغرق، فكتب بخت نصر إلى صقلاب بذلك وأمره بما قاله الحكماء، ففتح ذلك الماء بعد حبسه وأرسله على المدينة فهدم سورها وحيطانها وغرق أكثر أهلها فدخلها صقلاب وقتل المقاتلة وسبى الذرّية وأقام بها فوقع في أصحابه الطاعون فمات عامتهم حتى لم يبق منهم إلا قليل ودفنوا في أحواض من خزف فقبورهم معروفة توجد في المحالّ والسكك إذا عمروا دورهم وخرّبوا، ولم تزل همذان بعد ذلك خرابا حتى كانت حرب دارا بن دارا والإسكندر فإن دارا استشار أصحابه في أمره لما أظله الإسكندر فأشاروا عليه بمحاربته بعد أن يحرز حرمه وأمواله وخزائنه بمكان حريز لا يوصل إليه ويتجرد هو للقتال، فقال:
انظروا موضعا حريزا حصينا لذلك، فقالوا له: إن من وراء أرض الماهين جبالا لا ترام وهي شبيهة بالسند وهناك مدينة منيعة عتيقة قد خربت وبارت وهلك أهلها وحولها جبال شامخة يقال لها همذان فالرأي للملك أن يأمر ببنائها وإحكامها وأن يجعل في وسطها حصنا يكون للحرم والخزائن والعيال والأموال ويبني حول الحصن دور القوّاد والخاصة والمرازبة ثم يوكل بالمدينة اثني عشر ألف رجل من خاصة الملك وثقاته يحمونها ويقاتلون عنها من رامها، قال: فأمر دارا ببناء همذان وبنى في وسطها قصرا عظيما مشرفا له ثلاثة أوجه وسماه ساروقا وجعل فيه ألف مخبإ لخزائنه وأمواله وأغلق عليه ثمانية أبواب حديد كل باب في ارتفاع اثني عشر ذراعا ثم أمر بأهله وولده وخزائنه فحوّلوا إليها وأسكنوها، وجعل في وسط القصر قصرا آخر صيّر فيه خواص حرمه وأحرز أمواله في تلك المخابىء، ووكل بالمدينة اثني عشر ألفا وجعلهم حراسا، وحكى بعض أهل همذان عنها مثل ما حكيناه أولا عن بخت نصر من حبس الماء وإطلاقه على البلد حتى خربه وفتحه، والله أعلم، ويقال إن أول من بنى همذان جم بن نوجهان بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح، عليه السّلام، وسماها سارو، ويعرب فيقال ساروق، وحصّنها بهمن بن إسفنديار، وإن دارا وجد المدينة حصينة المكان دارسة البناء فأعاد بناءها ثم كثر الناس بها في الزمان القديم حتى كانت منازلها تقدر بثلاثة فراسخ، وكان صنف الصاغة بها بقرية سنجاباذ واليوم تلك القرية على فرسخين من البلد، قال شيرويه في أخبار الفرس بلسانهم:
سارو جم كرد دارا كمر بست بهمن إسفنديار بسر آورد، معناه بنى الساروق جم ونطّقه دارا أي سوّره وعمم عليه سورا واستتمه وأحسنه بهمن بن إسفنديار، وذكر أيضا بعض مشايخ همذان أنها
أعتق مدينة بالجبل، واستدلوا على ذلك من بقية بناء قديم باق إلى الآن وهو طاق جسيم شاهق لا يدرى من بناه وللعامة فيه أخبار عامية ألغينا ذكرها خوف التهمة، وقال محمد بن بشار يذكر همذان وأروند:
ولقد أقول تيامني وتشاءمي ... وتواصلي ريما على همذان
بلد نبات الزعفران ترابه، ... وشرابه عسل بماء قنان
سقيا لأوجه من سقيت لذكرهم ... ماء الجوى بزجاجة الأحزان
كاد الفؤاد يطير مما شفّه ... شوقا بأجنحة من الخفقان
فكسا الربيع بلاد أهلك روضة ... تفترّ عن نفل وعن حوذان
حتى تعانق من خزاماك الذي ... بالجلهتين شقائق النعمان
وإذا تبجّست الثلوج تبجّست ... عن كوثر شبم وعن حيوان
متسلسلين على مذانب تلعة ... تثغو الجداء بها على الحملان
قال المؤلف: ولا شك عند كل من شاهد همذان بأنها من أحسن البلاد وأنزهها وأطيبها وأرفهها وما زالت محلّا للملوك ومعدنا لأهل الدين والفضل إلا أن شتاءها مفرط البرد بحيث قد أفردت فيه كتب وذكر أمره بالشعر والخطب وسنذكر من ذلك مناظرة جرت بين رجل من أهل العراق يقال له عبد القاهر بن حمزة الواسطي ورجل من همذان يقال له الحسين بن أبي سرح في أمرها فيه كفاية، قالوا:
وكانا كثيرا ما يلتقيان فيتحادثان الأدب ويتذاكران العلم وكان عبد القاهر لا يزال يذمّ الجبل وهواءه وأهله وشتاءه لأنه كان رجلا من أهل العراق وكان ابن أبي سرح مخالفا له كثيرا يذم العراق وأهله، فالتقيا يوما عند محمد بن إسحاق الفقيه وكان يوما شاتيا صادق البرد كثير الثلج وكان البرد قد بلغ من عبد القاهر مبالغه، فلمــا دخل وسلم قال: لعن الله الجبل ولعن ساكنيه وخص الله همذان من اللعن بأوفره وأكثره! فما أكدر هواءها وأشد بردها وأذاها وأشد مؤونتها وأقلّ خيرها وأكثر شرها، فقد سلط الله عليها الزمهرير الذي يعذب به أهل جهنم معما يحتاج الإنسان فيها من الدثار والمؤن المجحفة فوجوهكم يا أهل همذان مائلة وأنوفكم سائلة وأطرافكم خصرة وثيابكم متسخة وروائحكم قذرة ولحاكم دخانية وسبلكم منقطعة والفقر عليكم ظاهر والمستور في بلدكم مهتوك لأن شتاءكم يهدم الحيطان ويبرز الحصان ويفسد الطرق ويشعث الآطام، فطرقكم وحلة تتهافت فيها الدواب وتتقذر فيها الثياب وتتحطم الإبل وتخسف فيها الآبار وتفيض المياه وتكف السطوح وتهيج الرياح العواصف وتكون فيها الزلازل والخسوف والرعود والبروق والثلوج والدّمق فتنقطع عند ذلك السبل ويكثر الموت وتضيق المعايش، فالناس في جبلكم هذا في جميع أيام الشتاء يتوقعون العذاب ويخافون السخط والعقاب ثم يسمونه العدو المحاصر والكلب الكلب، ولذلك كتب عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، إلى بعض عماله: إنه قد أظلّكم الشتاء وهو العدو المحاصر فاستعدوا له الفراء واستنعلوا الحذاء، وقد قال الشاعر:
إذا جاء الشتاء فأدفئوني، ... فإن الشيخ يهدمه الشتاء
فالشتاء يهدم الحيطان فكيف الأبدان لا سيما شتاؤكم
الملعون، ثم فيكم أخلاق الفرس وجفاء العلوج وبخل أهل أصبهان ووقاحة أهل الريّ وفدامة أهل نهاوند وغلظ طبع أهل همذان على أن بلدكم هذا أشد البلدان بردا وأكثرها ثلجا وأضيقها طرقا وأوعرها مسلكا وأفقرها أهلا، وكان يقال أبرد البلدان ثلاثة: برذعة وقاليقلا وخوارزم، وهذا قول من لم يدخل بلدكم ولم يشاهد شتاءكم، وقد حدثني أبو جعفر محمد بن إسحاق المكتّب قال: لما قدم عبد الله بن المبارك همذان أوقدت بين يديه نار فكان إذا سخن باطن كفه أصاب ظاهرها البرد وإذا سخن ظاهرها أصاب باطنها البرد، فقال:
أقول لها ونحن على صلاء: ... أما للنار عندك حرّ نار؟
لئن خيّرت في البلدان يوما ... فما همذان عندي بالخيار
ثم التفت إلى ابن أبي سرح وقال: يا أبا عبد الله وهذا والدك يقول:
النار في همذان يبرد حرّها، ... والبرد في همذان داء مسقم
والفقر يكتم في بلاد غيرها، ... والفقر في همذان ما لا يكتم
قد قال كسرى حين أبصر تلّكم: ... همذان لا! انصرفوا فتلك جهنم
والدليل على هذا أن الأكاسرة ما كانت تدخل همذان لأن بناءهم متصل من المدائن إلى أزرميدخت من أسدآباذ ولم يجوزوا عقبة أسدآباذ، وبلغنا أن كسرى أبرويز همّ بدخول همذان فلمــا بلغ إلى موضع يقال له دوزخ دره، ومعناه بالعربية باب جهنم، قال لبعض وزرائه: ما يسمى هذا المكان؟ فعرّفه، فقال لأصحابه: انصرفوا فلا حاجة بنا إلى دخول مدينة فيها ذكر جهنم، وقد قال وهب بن شاذان الهمذاني شاعركم:
أما آن من همذان الرحيل ... من البلدة الحزنة الجامدة
فما في البلاد ولا أهلها ... من الخير من خصلة واحده
يشيب الشباب ولم يهرموا ... بها من ضبابتها الراكدة
سألتهم: أين أقصى الشتاء ... ومستقبل السنة الواردة؟
فقالوا: إلى جمرة المنتهى، ... فقد سقطت جمرة خامدة
وأيضا قد قال شاعركم:
يوم من الزمهرير مقرور ... على صبيب الضباب مزرور
كأنما حشوه جزائره ... وأرضه وجهها قوارير
يرمي البصير الحديد نظرته ... منها لأجفانه سمادير
وشمسه حرّة مخدّرة ... تسلّبت حين حمّ مقدور
تخال بالوجه من ضبابتها ... إذا حذت جلده زنابير
وقال كاتب بكر:
همذان متلفة النفوس ببردها ... والزمهرير، وحرّها مأمون
غلب الشتاء مصيفها وربيعها، ... فكأنما تموزها كانون
وسأل عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، رجلا: من أين أنت؟ فقال: من همذان، فقال: أما إنها مدينة همّ وأذى تجمد قلوب أهلها كما يجمد ماؤها، وقد قال شاعركم أيضا وهو أحمد بن بشّار يذم بلدكم وشدة برده وغلظ طبع أهله وما تحتاجون إليه من المؤن المجحفة الغليظة لشتائكم، وقيل لأعرابي دخل همذان ثم انصرف إلى البادية: كيف رأيت همذان؟
فقال: أما نهارهم فرقّاص وأما ليلهم فحمّال، يعني أنهم بالنهار يرقصون لتدفأ أرجلهم وبالليل حمّالون لكثرة دثارهم، ووقع أعرابيّ إلى همذان في الربيع فاستطاب الزمان وأنس بالأشجار والأنهار، فلمــا جاء الشتاء ورد عليه ما لم يعهده من البرد والأذى فقال:
بهمذان شقيت أموري ... عند انقضاء الصيف والحرور
جاءت بشرّ شرّ من عقور، ... ورمت الآفاق بالهرير
والثلج مقرون بزمهرير، ... لولا شعار العاقر النزور
أمّ الكبير وأبو الصغير ... لم يدف إنسان من الخصير
ولقد سمعت شيخا من علمائكم وذوي المعرفة منكم أنه يقول: يربح أهل همذان إذا كان يوم في الشتاء صافيا له شمس حارّة مائة ألف درهم، وقيل لابنة الحسن: أيّما أشد الشتاء أم الصيف؟ فقالت: من يجعل الأذى كالزّمّانة! لأن أهل همذان إذا اتفق لهم في الشتاء يوم صاف فيه شمس حارّة يبقى في أكياسهم مائة ألف درهم لأنهم يربحون فيه حطب الوقود وقيمته في همذان ورساتيقها في كل يوم مائة ألف درهم، وقيل لأعرابي: ما غاية البرد عندكم؟ فقال: إذا كانت السماء نقيّة والأرض نديّة والريح شاميّة فلا تسأل عن أهل البريّة، وقد جاء في الخبر أن همذان تخرب لقلة الحطب، ودخل أعرابيّ همذان فلمــا رأى هواءها وسمع كلام أهلها ذكر بلاده فقال:
وكيف أجيب داعيكم ودوني ... جبال الثلج مشرفة الرّعان
بلاد شكلها من غير شكلي، ... وألسنها مخالفة لساني
وأسماء النساء بها زنان، ... وأقرب بالزّنان من الزواني
فلمــا بلغ عبد القاهر إلى هذا المكان التفت إليه ابن أبي سرح وقال له: قد أكثرت المقال وأسرفت في الذمّ وأطلت الثّلب وطوّلت الخطبة، ثم صمد للإجابة فلم يأت بطائل أكثر من ذكر المفاخرة بين الصيف والشتاء والحر والبرد، ووصف أن بلادهم كثيرة الزهر والرياحين في الربيع وأنها تنبت الزعفران، وأن عندهم أنواعا من الألوان لا تكون في بلاد غيرهم، وأن مصيف الجبال طيّب فلم أر الإطالة بالإتيان به على وجهه، قالوا: وأقبل عبيد الله بن سليمان بن وهب إلى همذان في سنة 284 بمائة ألف دينار وسبعين ألف دينار بالكفاية على أن لا مؤونة على السلطان، وهي أربعة وعشرون رستاقا: همذان، وفرواز، وقوهياباذ، واناموج، وسيسار، وشراة العليا، وشراة الميانج، والاسفيذجان، وبحر، واباجر، وارغين، والمغارة، واسفيذار، والعلم الأحمر، وارناد، وسمير، وسردروذ، والمهران، وكوردور، وروذه، وساوه، وكان منها بسا وسلفانروذ وخرّقان ثم نقلت إلى قزوين، وهي ستمائة وستون قرية، وعملها من باب الكرج إلى سيسر طولا،
وعرضا من عقبة أسدآباذ إلى ساوه، قالوا: ومن عجائب همذان صورة أسد من حجر على باب المدينة يقال إنه طلسم للبرد من عمل بليناس صاحب الطلسمات حين وجّهه قباذ ليطلسم آفات بلاده، ويقال إن الفارس كان يغرق بفرسه في الثلج بهمذان لكثرة ثلوجها وبردها، فلمــا عمل لها هذا الطلسم في صورة الأسد قلّ ثلجها وصلح أمرها، وعمل أيضا على يمين الأسد طلسما للحيّات وآخر للعقارب فنقصت وآخر للغرق فأمنوه وآخر للبراغيث فهي قليلة جدّا بهمذان، ولما عمل بليناس هذه الطلسمات بهمذان استهان بها أهلها فاتخذ في جبلهم الذي يقال له أروند طلسما مشرفا على المدينة للجفاء والغلظ فهم أجفى الناس وأغلظهم طبعا، وعمل طلسما آخر للغدر فهم أغدر الناس فلذلك حوّلت الملوك الخزائن عنها خوفا من غدر أهلها، واتخذ طلسما آخر للحروب فليست تخلو من عسكر أو حرب، وقال محمد بن أحمد السلمي المعروف بابن الحاجب يذكر الأسد على باب همذان:
ألا أيها الليث الطويل مقامه ... على نوب الأيام والحدثان
أقمت فما تنوي البراح بحيلة، ... كأنك بوّاب على همذان
أطالب ذحل أنت من عند أهلها؟ ... أبن لي بحقّ واقع ببيان
أراك على الأيام تزداد جدّة، ... كأنك منها آخذ بأمان
أقبلك كان الدهر أم كنت قبله ... فنعلم أم ربّيتما بلبان؟
وهل أنتما ضدّان كلّ تفرّدت ... به نسبة أم أنتما أخوان؟
بقيت فما تفنى وأفنيت عالما ... سطا بهم موت بكل مكان
فلو كنت ذا نطق جلست محدثا، ... وحدثتنا عن أهل كل زمان
ولو كنت ذا روح تطالب مأكلا ... لأفنيت أكلا سائر الحيوان
أجنّبت شر الموت أم أنت منظر ... وإبليس حتى يبعث الثقلان
فلا هرما تخشى ولا الموت تتّقى ... بمضرب سيف أو شباة سنان
وعمّا قريب سوف يلحق ما بقي، ... وجسمك أبقى من حرا وأبان
قال: وكان المكتفي يهمّ بحمل الأسد من باب همذان إلى بغداد وذلك أنه نظر إليه فاستحسنه وكتب إلى عامل البلد يأمره بذلك، فاجتمع وجوه أهل الناحية وقالوا: هذا طلسم لبلدنا من آفات كثيرة ولا يجوز نقله فيهلك البلد، فكتب العامل بذلك وصعّب حمله في تلك العقاب والجبال والمدور، وكان قد أمر بحمل الفيلة لنقله على العجلة، فلمــا بلغه ذلك فترت نيته عن نقله فبقي مكانه إلى الآن، وقال شاعر أهل همذان وهو أحمد بن بشار يذم همذان وشدة برده وغلظ طبع أهله وما يحتاجون إليه من المؤن المجحفة الغليظة لشتائهم:
قد آن من همذان السير فانطلق، ... وارحل على شعب شمل غير متّفق
بئس اعتياض الفتى أرض الجبال له ... من العراق وباب الرزق لم يضق
أما الملوك فقد أودت سراتهم ... والغابرون بها في شيمة السّوق
ولا مقام على عيش ترنّقه ... أيدي الخطوب، وشرّ العيش ذو الرّنق
قد كنت أذكر شيئا من محاسنها ... أيّام لي فنن كاس من الورق
أرض يعذّب أهلوها ثمانية ... من الشهور كما عذّبت بالرّهق
تبقى حياتك ما تبقى بنافعة ... إلّا كما انتفع المجروض بالدمق
فإن رضيت بثلث العمر فارض به ... على شرائط من يقنع بما يمق
إذا ذوى البقل هاجت في بلادهم ... من جربيائهم نشّافة العرق
تبشّر الناس بالبلوى وتنذرهم ... ما لا يداوى بلبس الدّرع والدّرق
تلفّهم في عجاج لا تقوم لها ... قوائم الفيل فيل الماقط الشّبق
لا يملك المرء فيها كور عمّته ... حتى تطيّرها من فرط مخترق
فإن تكلم لاقته بمسكنة ... ملء الخياشيم والأفواه والحدق
فعندها ذهبت ألوانهم جزعا، ... واستقبلوا الجمع واستولوا على العلق
حتى تفاجئهم شهباء معضلة ... تستوعب الناس في سربالها اليقق
خطب بها غير هين من خطوبهم ... كالخنق ما منه من ملجا لمختنق
أمّا الغنيّ فمحصور يكابدها ... طول الشتاء مع اليربوع في نفق
يقول أطبق وأسبل يا غلام وأر ... خ السّتر واعجل بردّ الباب واندفق
وأوقدوا بتنانير تذكرهم ... نار الجحيم بها من يصل يحترق
والمملقون بها سبحان ربهم ... ماذا يقاسون طول الليل من أرق!
صبغ الشتاء، إذا حلّ الشتاء بها، ... صبغ المآتم للحسّانة الفنق
والذئب ليس إذا أمسى بمحتشم ... من أن يخالط أهل الدار والنّسق
فويل من كان في حيطانه قصر ... ولم يخصّ رتاج الباب بالغلق
وصاحب النسك ما تهدا فرائصه، ... والمستغيث بشرب الخمر في عرق
أمّا الصلاة فودّعها سوى طلل ... أقوى وأقفر من سلمى بذي العمق
تمسي وتصبح كالشيطان في قرن ... مستمسكا من حبال الله بالرّمق
والماء كالثلج، والأنهار جامدة، ... والأرض أضراسها تلقاك بالدّبق
حتى كأنّ قرون الغفر ناتئة ... تحت المواطئ والأقدام في الطرق
فكلّ غاد بها أو رائح عجل ... يمشي إلى أهلها غضبان ذا حنق
قوم غذاؤهم الألبان مذ خلقوا، ... فما لهم غيرها من مطعم أنق
لا يعبق الطيب في أصداغ نسوتهم، ... ولا جلودهم تبتلّ من عرق
فهم غلاظ جفاة في طباعهم ... إلّا تعلّة منسوب إلى الحمق
أفنيت عمري بها حولين من قدر ... لم أقو منها على دفع ولم أطق
قلت: وهذه القصيدة ليست من الشعر المختار وإنما كتبت للحكاية عن شرح حال همذان، وللشعراء أشعار كثيرة في برد همذان ووصف أروند، فأما أروند فقد ذكر في موضعه، وأما الأشعار التي قيلت في بردها ففي ما ذكرنا كفاية، وقال البديع الهمذاني فيها:
همذان لي بلد أقول بفضله، ... لكنه من أقبح البلدان
صبيانه في القبح مثل شيوخه، ... وشيوخه في العقل كالصبيان
وقال شيرويه: قال الأستاذ أبو العلاء محمد بن عليّ بن الحسن بن حستون الهمذاني الوزير من قصيدة:
يا أيها الملك الذي وصل العلا ... بالجود والإنعام والإحسان
قد خفت من سفر أطلّ عليّ في ... كانون في رمضان من همذان
بلد إليه أنتمي بمناسبي، ... لكنه من أقذر البلدان
صبيانه في القبح مثل شيوخه، ... وشيوخه في العقل كالصبيان
وقال شيرويه أيضا: إن سليمان بن داود، عليه السلام، اجتاز بموضع همذان فقال: ما بال هذا الموضع مع عظم مسيل مائه وسعة ساحته لا تبنى فيه مدينة! فقالوا: يا نبيّ الله لا يثبت أحد فيه لأن البرد ينصبّ فيه صبّا ويسقط الثلج قامة الرمح، فقال، عليه السّلام، لصخر الجني: هل من حيلة؟
قال: نعم، فاتخذ سبعا من حجر منقور ونصب طلسما للبرد وبنى المدينة، وقيل: أول من أسسها دارا الأكبر، قال كعب الأحبار: متى أراد الله أن يخرّب هذه المدينة سقط ذلك الطلسم فتخرب بإذن الله، قال شيرويه: والسبع هو الأسد المنحوت من الحجر الخورزني، وخورزن: جبل بباب همذان الموضوع على الكثيب الذي على ذنب الأسد، وهذا الأسد من عجائب همذان منحوت من صخرة واحدة وجوارحه غير منفصلة عن قوائمه كأنه ليث غابة ولم يزل في هذا الموضع منذ زمن سليمان، عليه السّلام، وقيل: من زمان قباذ الأكبر لأنه أمر بليناس الحكيم بعمله إلى سنة 319 فإن مرداويج دخل المدينة ونهب أهلها وسباهم فقيل له إن هذا السبع طلسم لهذه المدينة من الآفات وفيه منافع لأهله، فأراد حمله إلى الرّيّ فلم يقدر فكسرت يداه بالفطّيس.

الطائفُ

الطائفُ:
بعد الألف همزة في صورة الياء ثم فاء:
وهو في الإقليم الثاني، وعرضها إحدى وعشرون درجة، وبالطائف عقبة وهي مسيرة يوم للطالع من مكة ونصف يوم للهابط إلى مكة، عمّرها حسين ابن سلامة وسدّها ابنه، وهو عبد نوبيّ وزر لأبي
الحسين بن زياد صاحب اليمن في حدود سنة 430 فعمّر هذه العقبة عمارة يمشي في عرضها ثلاثة جمال بأحمالها، وقال أبو منصور: الطائف العاسّ بالليل، وأما الطائف التي بالغور فسميت طائفا بحائطها المبنيّ حولها المحدق بها، والطائف والطيف في قوله تعالى:
إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ من الشَّيْطانِ 7: 201، ما كان كالخيال والشيء يلمّ بك، وقوله تعالى: فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ من رَبِّكَ 68: 19، لا يكون الطائف إلا ليلا ولا يكون نهارا، وقيل في قول أبي طالب بن عبد المطلب:
نحن بنينا طائفا حصينا قالوا: يعني الطائف التي بالغور من القرى. والطائف:
هو وادي وجّ وهو بلاد ثقيف، بينها وبين مكة اثنا عشر فرسخا، قرأت في كتاب ابن الكلبي بخط أحمد بن عبيد الله محجج النحوي: قال هشام عن أبي مسكين عن رجل من ثقيف كان عالما بالطائف قال:
كان رجل من الصّدف يقال له الدّمون بن عبد الملك قتل ابن عمّ له يقال له عمرو بحضرموت ثم أقبل هاربا، وقال:
وحربة ناهك أوجرت عمرا، ... فما لي بعده أبدا قرار
ثم أتى مسعود بن معتب الثقفي ومعه مال كثير وكان تاجرا فقال: أحالفكم لتزوّجوني وأزوّجكم وأبني لكم طوفا عليكم مثل الحائط لا يصل إليكم أحد من العرب، قالوا: فابن، فبنى بذلك المال طوفا عليهم فسمّيت الطائف وتزوّج إليهم فزوّجوه ابنة، قال هشام: وبعض ولد الدمون بالكوفة ولهم بها خطّة مع ثقيف، وكان قبيصة من الدمون هذا على شرطة المغيرة بن شعبة إذ كان على الكوفة، وكانت الطائف تسمّى قبل ذلك وجّا بوجّ بن عبد الحيّ من العماليق وهو أخو أجإ الذي سمّي به جبل طيّء، وهو من الأمم الخالية، قال عرّام:
والطائف ذات مزارع ونخل وأعناب وموز وسائر الفواكه وبها مياه جارية وأودية تنصبّ منها إلى تبالة، وجلّ أهل الطائف ثقيف وحمير وقوم من قريش، وهي على ظهر جبل غزوان، وبغزوان قبائل هذيل، وقال ابن عباس: سمّيت الطائف لأن إبراهيم، عليه السلام، لما أسكن ذرّيته مكة وسأل الله أن يرزق أهلها من الثمرات أمر الله عز وجل قطعة من الأرض أن تسير بشجرها حتى تستقرّ بمكان الطائف فأقبلت وطافت بالبيت ثم أقرّها الله بمكان الطائف فسمّيت الطائف لطوافها بالبيت، وهي مع هذا الاسم الفخم بليدة صغيرة على طرف واد وهي محلّتان: إحداهما على هذا الجانب يقال لها طائف ثقيف والأخرى على هذا الجانب يقال لها الوهط والوادي بين ذلك تجري فيه مياه المدابغ التي يدبغ فيها الأديم يصرع الطيور رائحتها إذا مرّت بها، وبيوتها لاطئة حرجة، وفي أكنافها كروم على جوانب ذلك الجبل فيها من العنب العذب ما لا يوجد مثله في بلد من البلدان، وأما زبيبها فيضرب بحسنه المثل، وهي طيبة الهواء شمالية ربما جمد فيها الماء في الشتاء، وفواكه أهل مكة منها، والجبل الذي هي عليه يقال له غزوان، وروى أبو صالح: ذكرت ثقيف عند ابن عباس فقال، إن ثقيفا والنّخع كانا ابني خالة فخرجا منتجعين ومعهما أعنز لهما وجدي فعرض لهما مصدق لبعض ملوك اليمن فأراد أخذ شاة منهما فقالا: خذ ما شئت إلا هذه الشاة الحلوب فإنّا من لبنها نعيش وولدها، فقال: لا آخذ سواها، فرفقا به فلم يفعل فنظر أحدهما إلى صاحبه وهمّا بقتله ثم إن أحدهما انتزع له سهما فلق به قلبه فخرّ ميتا، فلمــا نظرا إلى ذلك قال
أحدهما لصاحبه: إنه لن تحملني وإياك الأرض أبدا فاما أن تغرّب وأنا أشرّق وإما أن أغرّب وتشرق أنت، فقال ثقيف: فاني أغرب، وقال النخع:
فأنا أشرق، وكان اسم ثقيف قسيّا واسم النخع جسرا، فمضى النخع حتى نزل ببيشة من أرض اليمن ومضى ثقيف حتى أتى وادي القرى فنزل على عجوز يهودية لا ولد لها فكان يعمل نهارا ويأوي إليها ليلا فاتخذته ولدا لها واتخذها امّا له، فلمــا حضرها الموت قالت له: يا هذا إنه لا أحد لي غيرك وقد أردت أن أكرمك لإلطافك إيّاي، انظر إذا أنا متّ وواريتني فخذ هذه الدنانير فانتفع بها وخذ هذه القضبان فإذا نزلت واديا تقدر فيه على الماء فاغرسها فاني أرجو أن تنال من ذلك فلاحا بيّنا. ففعل ما أمرته به، فلمــا ماتت دفنها وأخذ الدنانير والقضبان ومضى سائرا حتى إذا كان قريبا من وجّ، وهي الطائف، إذا هو بأمة حبشية ترعى مائة شاة فطمع فيها وهمّ بقتلها وأخذ الغنم فعرفت ما أراد فقالت: إنك أسررت في طمعا لتقتلني وتأخذ الغنم ولئن فعلت ذلك لتذهبنّ نفسك ولا تحصل من الغنم شيئا لأن مولاي سيد هذا الوادي وهو عامر بن الظرب العدواني، وإني لأظنّك خائفا طريدا، قال: نعم، فقالت: فاني أدلك على خير مما أردت، فقال: وما هو؟ قالت:
إن مولاي يقبل إذا طفلت الشمس للغروب فيصعد هذا الجبل ثم يشرف على الوادي فإذا لم ير فيه أحدا وضع قوسه وجفيره وثيابه ثم انحدر رسوله فنادى: من أراد اللحم والدّرمك، وهو دقيق الحوارى، والتمر واللبن فليأت دار عامر بن الظرب، فيأتيه قومه فاسبقه أنت إلى الصخرة وخذ قوسه ونباله وثيابه فإذا رجع ومن أنت فقل رجل غريب فأنزلني وخائف فأجرني وعزب فزوّجني، ففعل ثقيف ما قالت له الأمة وفعل عامر صاحب الوادي فعله، فلمــا أن أخذ قوسه ونشّابه وصعد عامر قال له: من أنت؟
فأخبره وقال: أنا قسيّ بن منبّه، فقال هات ما معك فقد أجبتك إلى ما سألت، وانصرف وهو معه إلى وجّ وأرسل إلى قومه كما كان يفعل فلمــا أكلوا قال لهم عامر: ألست سيدكم؟ قالوا: بلى، قال:
وابن سيّدكم؟ قالوا: بلى، قال: ألستم تجيرون من أجرت وتزوّجون من زوّجت؟ قالوا: بلى، قال: هذا قسيّ بن منبّه بن بكر بن هوازن وقد زوّجته ابنتي فلانة وأمّنته وأنزلته منزلي، فزوّجه ابنة له يقال لها زينب، فقال قومه: قد رضينا بما رضيت، فولدت له عوفا وجشما ثم ماتت فزوّجه أختها فولدت له سلامة ودارسا فانتسبا في اليمن، فدارس في الأزد والآخر في بعض قبائل اليمن، وغرس قسيّ تلك القضبان بوادي وجّ فنبتت فلمــا أثمرت قالوا: قاتله الله كيف ثقف عامرا حتى بلغ منه ما بلغ وكيف ثقف هذه العيدان حتى جاء منها ما جاء، فسمي ثقيفا من يومئذ، فلم يزل ثقيف مع عدوان حتى كثر ولده وربلوا وقوي جأشهم، وجرت بينهم وبين عدوان هنات وقعت في خلالها حرب انتصرت فيها ثقيف فأخرجوا عدوان عن أرض الطائف واستخلصوها لأنفسهم ثم صارت ثقيف أعز الناس بلدا وأمنعه جانبا وأفضله مسكنا وأخصبه جنابا مع توسطهم الحجاز وإحاطة قبائل مضر واليمن وقضاعة بهم من كل وجه فحمت دارها وكاوحت العرب عنها واستخلصتها وغرست فيها كرومها وحفرت بها أطواءها وكظائمها، وهي من أزد السراة وكنانة وعذرة وقريش ونصر بن معاوية وهوازن جمعا والأوس والخزرج ومزينة وجهينة وغير ذلك من القبائل، ذلك كله يجري والطائف تسمّى وجّا إلى
أن كان ما كان مما تقدّم ذكره من تحويط الحضرمي عليها وتسميتها حينئذ الطائف، وقد ذكر بعض النّساب في تسميتها بالطائف أمرا آخر وهو أنه قال:
لما هلك عامر بن الظرب ورثته ابنتاه زينب وعمرة وكان قسيّ بن منبّه خطب إليه فزوّجه ابنته زينب فولدت له جشما وعوفا ثم ماتت بعد موت عامر فتزوّج أختها وكانت قبله عند صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن فولدت له عامر بن صعصعة، فكانت الطائف بين ولد ثقيف وولد عامر بن صعصعة، فلمــا كثر الحيّان قالت ثقيف لبني عامر: إنكم اخترتم العمد على المدن والوبر على الشجر فلستم تعرفون ما نعرف ولا تلطفون ما نلطف ونحن ندعوكم إلى حظ كبير لكم ما في أيديكم من الماشية والإبل والذي في أيدينا من هذه الحدائق فلكم نصف ثمره فتكونوا بادين حاضرين يأتيكم ريف القرى ولا تتكلفوا مؤونة وتقيموا في أموالكم وماشيتكم في بدوكم ولا تتعرضوا للوباء وتشتغلوا عن المرعى، ففعلوا ذلك فكانوا يأتونهم كل عام فيأخذون نصف غلّاتهم، وقد قيل: إن الذي وافقوهم عليه كان الربيع، فلمــا اشتدّت شوكة ثقيف وكثرت عمارة وجّ رمتهم العرب بالحسد وطمع فيهم من حولهم وغزوهم فاستغاثوا ببني عامر فلم يغيثوهم فأجمعوا على بناء حائط يكون حصنا لهم فكانت النساء تلبّن اللبن والرجال يبنون الحائط حتى فرغوا منه وسموه الطائف لإطافته بهم، وجعلوا لحائطهم بابين: أحدهما لبني يسار والآخر لبني عوف، وسموا باب بني يسار صعبا وباب بني عوف ساحرا، ثم جاءهم بنو عامر ليأخذوا ما تعوّدوه فمنعوهم عنه وجرت بينهم حرب انتصرت فيها ثقيف وتفرّدت بملك الطائف فضربتهم العرب مثلا، فقال أبو طالب ابن عبد المطلب:
منعنا أرضنا من كل حيّ، ... كما امتنعت بطائفها ثقيف
أتاهم معشر كي يسلبوهم، ... فحالت دون ذلكم السيوف
وقال بعض الأنصار:
فكونوا دون بيضكم كقوم ... حموا أعنابهم من كل عادي
وذكر المدائني أن سليمان بن عبد الملك لما حجّ مرّ بالطائف فرأى بيادر الزبيب فقال: ما هذه الحرار؟
فقالوا: ليست حرارا ولكنها بيادر الزبيب، فقال:
لله درّ قسيّ بأيّ أرض وضع سهامه وأيّ أرض مهّد عشّ فروخه! وقال مرداس بن عمرو الثقفي:
فانّ الله لم يؤثر علينا ... غداة يجزّئ الأرض اقتساما
عرفنا سهمنا في الكف يهوي ... كذا نوح، وقسّمنا السهاما
فلمــا أن أبان لنا اصطفينا ... سنام الأرض، إنّ لها سناما
فأنشأنا خضارم متجرات ... يكون نتاجها عنبا تؤاما
ضفادعها فرائح كلّ يوم ... على جوب يراكضن الحماما
وأسفلها منازل كلّ حيّ، ... وأعلاها ترى أبدا حراما
ثم حسدهم طوائف العرب وقصدوهم فصمدوا لهم وجدّوا في حربهم، فلمــا لم يظفروا منهم بطائل ولا طمعوا منهم بغرّة تركوهم على حالهم أغبط العرب عيشا إلى أن جاء الإسلام فغزاهم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فافتتحها في سنة تسع من الهجرة
صلحا وكتب لهم كتابا، نزل عليها رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في شوال سنة ثمان عند منصرفه من حنين وتحصنوا منه واحتاطوا لأنفسهم غاية الاحتياط فلم يكن إليهم سبيل، ونزل إلى رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، رقيق من رقيق أهل الطائف، منهم: أبو بكرة نفيع بن مسروح مولى رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، في جماعة كثيرة منهم الأزرق الذي تنسب إليه الأزارقة والد نافع بن الأزرق الخارجي الشاري فعتقوا بنزولهم إليه ونصب رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، منجنيقا ودبّابة فأحرقها أهل الطائف فقال رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم: لم نؤذن في فتح الطائف، ثم انصرف عنها إلى الجعرّانة ليقسم سبي أهل حنين وغنائمهم فخافت ثقيف أن يعود إليهم فبعثوا اليه وفدهم وتصالحوا على أن يسلموا ويقرّوا على ما في أيديهم من أموالهم وركازهم، فصالحهم رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، على أن يسلموا وعلى أن لا يزنوا ولا يربوا، وكانوا أهل زنا وربا، وفي وقعة الطائف فقئت عين أبي سفيان بن حرب، وقصّة ذلك في كتب المغازي، وكان معاوية يقول: أغبط الناس عيشا عبدي أو قال مولاي سعد، وكان يلي أمواله بالحجاز ويتربّع جدّة ويتقيّظ الطائف ويشتو بمكة، ولذلك وصف محمد بن عبد الله النّميري زينب بنت يوسف أخت الحجاج بالنعمة والرّفاهية فقال:
تشتو بمكة نعمة ... ومصيفها بالطائف
وذكر الأزرقي أبو الوليد عن الكلبي باسناده قال:
لما دعا إبراهيم، عليه السلام: فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات، فاستجاب الله له فجعله مثابة ورزق أهله من الثمرات فنقل إليهم الطائف، وكانت قرية بالشام وكانت ملجأ للخائف إذا جاءها أمن، وقد افتخرت ثقيف بذلك بما يطول ذكره ويسئم قارئه، وسأقف عند قول غيلان بن سلمة في ذلك حيث قال:
حللنا الحدّ من تلعات قيس ... بحيث يحلّ ذو الحسب الجسيم
وقد علمت قبائل جذم قيس، ... وليس ذوو الجهالة كالعليم،
بأنّا نصبح الأعداء قدما ... سجال الموت بالكأس الوخيم
وأنّا نبتني شرف المعالي، ... وننعش عثرة المولى العديم
وأنّا لم نزل لجأ وكهفا، ... كذاك الكهل منّا والفطيم [1]
وسنذكر في وجّ من القول والشعر ما نوفّق له ويحسن ذكره إن شاء الله تعالى.

بَغْدَادُ

بَغْدَادُ:
أم الدنيا وسيدة البلاد، قال ابن الأنباري:
أصل بغداد للأعاجم، والعرب تختلف في لفظها إذ لم يكن أصلها من كلامهم ولا اشتقاقها من لغاتهم، قال بعض الأعاجم: تفسيره بستان رجل، فباغ بستان وداد اسم رجل، وبعضهم يقول: بغ اسم للصنم، فذكر أنه أهدي إلى كسرى خصيّ من المشرق فأقطعه إياها، وكان الخصيّ من عباد الأصنام ببلده فقال: بغ داد أي الصنم أعطاني، وقيل: بغ هو البستان وداد أعطى، وكان كسرى قد وهب لهذا الخصي هذا البستان فقال: بغ داد فسميت به، وقال حمزة بن الحسن: بغداد اسم فارسي معرّب عن باغ داذويه، لأن بعض رقعة مدينة المنصور كان باغا لرجل من الفرس اسمه داذويه، وبعضها أثر مدينة دارسة كان بعض ملوك الفرس اختطّها فاعتل فقالوا:
ما الذي يأمر الملك أن تسمى به هذه المدينة؟ فقال:
هلدوه وروز أي خلّوها بسلام، فحكي ذلك للمنصور فقال: سميتها مدينة السلام، وفي بغداد سبع لغات:
بغداد وبغدان، ويأبى أهل البصرة ولا يجيزون بغداذ في آخره الذال المعجمة، وقالوا: لأنه ليس في كلام العرب كلمة فيها دال بعدها ذال، قال أبو القاسم عبد الرحمن بن إسحاق: فقلت لأبي إسحاق إبراهيم بن السري فما تقول في قولهم خرداد؟ فقال: هو فارسي ليس من كلام العرب، قلت أنا: وهذا حجة من قال بغداد فإنه ليس من كلام العرب، وأجاز الكسائي بغداد على الأصل، وحكى أيضا مغداذ ومغداد ومغدان، وحكى الخارزنجي: بغداد بدالين مهملتين، وهي في اللغات كلها تذكّر وتؤنث، وتسمى مدينة السلام أيضا، فأما الزوراء: فمدينة المنصور خاصة، وسميت مدينة السلام لأن دجلة يقال لها وادي السلام، وقال موسى بن عبد الحميد النسائي:
كنت جالسا عند عبد العزيز بن أبي روّاد فأتاه رجل فقال له: من أين أنت؟ فقال له: من بغداد، فقال:
لا تقل بغداد فإن بغ صنم وداد أعطى، ولكن قل مدينة السلام، فإن الله هو السلام والمدن كلها له، وقيل: إن بغداد كانت قبل سوقا يقصدها تجار أهل الصين بتجاراتهم فيربحون الرّبح الواسع، وكان اسم ملك الصين بغ فكانوا إذا انصرفوا إلى بلادهم قالوا:
بغ داد أي إن هذا الربح الذي ربحناه من عطية
الملك، وقيل إنما سميت مدينة السلام لأن السلام هو الله فأرادوا مدينة الله، وأما طولها فذكر بطلميوس في كتاب الملحمة المنسوب إليه أن مدينة بغداد طولها خمس وسبعون درجة وعرضها أربع وثلاثون درجة داخلة في الإقليم الرابع، وقال أبو عون وغيره: إنها في الإقليم الثالث، قال: طالعها السماك الأعزل، بيت حياتها القوس، لها شركة في الكف الخضيب ولها أربعة أجزاء من سرّة الجوزاء تحت عشر درج من السرطان، يقابلها مثلها من الجدي عاشرها مثلها من الحمل عاقبتها مثلها من الميزان، قلت أنا: ولا شك أن بغداد أحدثت بعد بطليموس بأكثر من ألف سنة ولكني أظنّ أن مفسري كلامه قاسوا وقالوا، وقال صاحب الزيج: طول بغداد سبعون درجة، وعرضها ثلاث وثلاثون درجة وثلث، وتعديل نهارها ست عشرة درجة وثلثا درجة، وأطول نهارها أربع عشرة ساعة وخمس دقائق، وغاية ارتفاع الشمس بها ثمانون درجة وثلث، وظلّ الظهر بها درجتان، وظل العصر أربع عشرة درجة، وسمت القبلة ثلاث عشرة درجة ونصف، وجهها عن مكة مائة وسبع عشرة درجة، في الوجود ثلاثمائة درجة، هذا كله نقلته من كتب المنجمين ولا أعرفه ولا هو من صناعتي، وقال أحمد ابن حنبل: بغداد من الصّراة إلى باب التبن، وهو مشهد موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر ابن علي زين العابدين بن الحسين الشهيد ابن الإمام علي ابن أبي طالب، ثم زيد فيها حتى بلغت كلواذى والمخرّم وقطربّل، قال أهل السير: ولما أهلك الله مهران بأرض الحيرة ومن كان معه من العجم استمكن المسلمون من الغارة على السواد وانتقضت مسالح الفرس وتشتت أمرهم واجترأ المسلمون عليهم وشنوا الغارات ما بين سورا وكسكر والصراة والفلاليج والأستانات، قال أهل الحيرة للمثنى: إن بالقرب منا قرية تقوم فيها سوق عظيمة في كل شهر مرة فيأتيها تجار فارس والأهواز وسائر البلاد، يقال لها بغداد، وكذا كانت إذ ذاك، فأخذ المثنى على البرّ حتى أتى الأنبار، فتحصّن فيها أهلها منه، فأرسل إلى سفروخ مرزبانها ليسير إليه فيكلّمه بما يريد وجعل له الأمان، فعبر المرزبان إليه، فخلا به المثنى وقال له: أريد أن أغير على سوق بغداد وأريد أن تبعث معي أدلّاء فيدلّوني الطريق وتعقد لي الجسر لأعبر عليه الفرات، ففعل المرزبان ذلك، وقد كان قطع الجسر قبل ذلك لئلا تعبر العرب عليه، فعبر المثنى مع أصحابه وبعث معه المرزبان الأدلاء، فسار حتى وافى السوق صحوة، فهرب الناس وتركوا أموالهم فأخذ المسلمون من الذهب والفضة وسائر الأمتعة ما قدروا على حمله ثم رجعوا إلى الأنبار، ووافى معسكره غانما موفورا، وذلك في سنة 13 للهجرة، فهذا خبر بغداد قبل أن يمصّرها المنصور، لم يبلغني غير ذلك.

فصل
في بدء عمارة بغداد، كان أول من مصّرها وجعلها مدينة المنصور بالله أبو جعفر عبد الله بن محمد بن علي ابن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ثاني الخلفاء، وانتقل إليها من الهاشمية، وهي مدينة كان قد اختطّها أخوه أبو العباس السّفّاح قرب الكوفة وشرع في عمارتها سنة 145 ونزلها سنة 149، وكان سبب عمارتها أن أهل الكوفة كانوا يفسدون جنده فبلغه ذلك من فعلهم، فانتقل عنهم يرتاد موضعا، وقال ابن عيّاش: بعث المنصور روّادا وهو بالهاشمية يرتادون له موضعا يبني فيه مدينة ويكون الموضع واسطا رافقا بالعامة والجند، فنعت له موضع قريب من
بارمّا، وذكر له غذاؤه وطيب هوائه، فخرج إليه بنفسه حتى نظر إليه وبات فيه، فرأى موضعا طيبا فقال لجماعة، منهم سليمان بن مجالد وأبو أيوب المرزباني وعبد الملك بن حميد الكاتب: ما رأيكم في هذا الموضع؟ قالوا: طيب موافق، فقال: صدقتم ولكن لا مرفق فيه للرعية، وقد مررت في طريقي بموضع تجلب إليه الميرة والامتعة في البرّ والبحر وأنا راجع إليه وبائت فيه، فإن اجتمع لي ما أريد من طيب الليل فهو موافق لما أريده لي وللناس، قال: فأتى موضع بغداد وعبر موضع قصر السلام ثم صلى العصر، وذلك في صيف وحرّ شديد، وكان في ذلك الموضع بيعة فبات أطيب مبيت وأقام يومه فلم ير إلا خيرا فقال: هذا موضع صالح للبناء، فإن المادة تأتيه من الفرات ودجلة وجماعة الأنهار، ولا يحمل الجند والرعية إلا مثله، فخطّ البناء وقدّر المدينة ووضع أول لبنة بيده فقال: بسم الله والحمد لله والأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين، ثم قال: ابنوا على بركة الله، وذكر سليمان بن مختار أن المنصور استشار دهقان بغداد، وكانت قرية في المربّعة المعروفة بأبي العباس الفضل بن سليمان الطوسي، وما زالت داره قائمة على بنائها إلى أن خرب كثير مما يجاورها في البناء، فقال: الذي أراه يا أمير المؤمنين أن تنزل في نفس بغداد، فإنك تصير بين أربعة طساسيج: طسّوجان في الجانب الغربي وطسّوجان في الجانب الشرقي، فاللذان في الغربي قطربل وبادوريا، واللذان في الشرقي نهر بوق وكلواذى، فإن تأخرت عمارة طسوج منها كان الآخر عامرا، وأنت يا أمير المؤمنين على الصّراة ودجلة، تجيئك بالميرة من القرب وفي الفرات من الشام والجزيرة ومصر وتلك البلدان، وتحمل إليك طرائف الهند والسند والصين والبصرة وواسط في دجلة، وتجيئك ميرة أرمينية وأذربيجان وما يتصل بها في تامرّا، وتجيئك ميرة الموصل وديار بكر وربيعة وأنت بين أنهار لا يصل إليك عدوك إلا على جسر أو قنطرة، فإذا قطعت الجسر والقنطرة لم يصل إليك عدوك، وأنت قريب من البرّ والبحر والجبل، فأعجب المنصور هذا القول وشرع في البناء، ووجه المنصور في حشر الصّنّاع والفعلة من الشام والموصل والجبل والكوفة وواسط فأحضروا، وأمر باختيار قوم من أهل الفضل والعدالة والفقه والأمانة والمعرفة بالهندسة، فجمعهم وتقدم إليهم أن يشرفوا على البناء، وكان ممن حضر الحجاج بن أرطاة وأبو حنيفة الإمام، وكان أول العمل في سنة 145، وأمر أن يجعل عرض السور من أسفله خمسين ذراعا ومن أعلاه عشرين ذراعا، وأن يجعل في البناء جرز القصب مكان الخشب، فلمــا بلغ السور مقدار قامة اتّصل به خروج محمد بن عبد الله بن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب، فقطع البناء حتى فرغ من أمره وأمر أخيه إبراهيم بن عبد الله بن حسن ابن حسن.
وعن علي بن يقطين قال: كنت في عسكر أبي جعفر المنصور حين سار إلى الصراة يلتمس موضعا لبناء مدينة، قال: فنزل الدير الذي على الصراة في العتيقة فما زال على دابته ذاهبا جائيا منفردا عن الناس يفكر، قال: وكان في الدير راهب عالم فقال لي: لم يذهب الملك ويجيء؟ قلت: إنه يريد أن يبني مدينة، قال: فما اسمه؟ قلت: عبد الله بن محمد، قال: أبو من؟ قلت: أبو جعفر، قال:
هل يلقب بشيء؟ قلت: المنصور، قال: ليس هذا الذي يبنيها، قلت: ولم؟ قال: لأنا قد وجدنا في كتاب عندنا نتوارثه قرنا عن قرن أن الذي يبني
هذا المكان رجل يقال له مقلاص، قال: فركبت من وقتي حتى دخلت على المنصور ودنوت منه، فقال لي: ما وراءك؟ قلت: خير ألقيه إلى أمير المؤمنين وأريحه من هذا العناء، فقال: قل، قلت:
أمير المؤمنين يعلم أن هؤلاء معهم علم، وقد أخبرني راهب هذا الدير بكذا وكذا، فلمــا ذكرت له مقلاص ضحك واستبشر ونزل عن دابته فسجد وأخذ سوطه وأقبل يذرع به، فقلت في نفسي: لحقه اللجاج، ثم دعا المهندسين من وقته وأمرهم بخط الرماد، فقلت له: أظنّك يا أمير المؤمنين أردت معاندة الراهب وتكذيبه، فقال: لا والله ولكني كنت ملقّبا بمقلاص وما ظننت أن أحدا عرف ذلك غيري، وذاك أننا كنا بناحية السراة في زمان بني أمية على الحال التي تعلم، فكنت أنا ومن كان في مقدار سنّي من عمومتي وإخوتي نتداعى ونتعاشر، فبلغت النوبة إليّ يوما من الأيام وما أملك درهما واحدا فلم أزل أفكر وأعمل الحيلة إلى أن أصبت غزلا لداية كانت لهم، فسرقته ثم وجّهت به فبيع لي واشتري لي بثمنه ما احتجت إليه، وجئت إلى الداية وقلت لها:
افعلي كذا واصنعي كذا، قالت: من أين لك ما أرى؟ قلت: اقترضت دراهم من بعض أهلي، ففعلت ما أمرتها به، فلمــا فرغنا من الأكل وجلسنا للحديث طلبت الداية الغزل فلم تجده فعلمت أني صاحبه، وكان في تلك الناحية لص يقال له مقلاص مشهور بالسرقة، فجاءت إلى باب البيت الذي كنا فيه فدعتني فلم أخرج إليها لعلمي أنها وقفت على ما صنعت، فلمــا ألحّت وأنا لا أخرج قالت: اخرج يا مقلاص، الناس يتحذّرون من مقلاصهم وأنا مقلاصي معي في البيت، فمزح معي إخوتي وعمومتي بهذا اللقب ساعة ثم لم أسمع به إلا منك الساعة فعلمت أن أمر هذه المدينة يتم على يدي لصحة ما وقفت عليه، ثم وضع أساس المدينة مدوّرا وجعل قصره في وسطها وجعل لها أربعة أبواب وأحكم سورها وفصيلها، فكان القاصد إليها من الشرق يدخل من باب خراسان والقاصد من الحجاز يدخل من باب الكوفة والقاصد من المغرب يدخل من باب الشام والقاصد من فارس والأهواز وواسط والبصرة واليمامة والبحرين يدخل من باب البصرة.
قالوا: فأنفق المنصور على عمارة بغداد ثمانية عشر ألف ألف دينار، وقال الخطيب في رواية: إنه أنفق على مدينته وجامعها وقصر الذهب فيها والأبواب والأسواق إلى أن فرغ من بنائها أربعة آلاف ألف وثمانمائة وثلاثة وثمانين ألف درهم، وذاك أن الأستاذ من الصّنّاع كان يعمل في كل يوم بقيراط إلى خمس حبّات والروزجاري بحبتين إلى ثلاث حبات، وكان الكبش بدرهم والحمل بأربعة دوانيق والتمر ستون رطلا بدرهم، قال الفضل بن دكين: كان ينادى على لحم البقر في جبانة كندة تسعون رطلا بدرهم، ولحم الغنم ستون رطلا بدرهم، والعسل عشرة أرطال بدرهم، قال: وكان بين كل باب من أبواب المدينة والباب الآخر ميل، وفي كل ساف من أسواف البناء مائة ألف لبنة واثنان وستون ألف لبنة من اللبن الجعفري، وعن ابن الشّروي قال: هدمنا من السور الذي يلي باب المحوّل قطعة فوجدنا فيها لبنة مكتوبا عليها بمغرة:
وزنها مائة وسبعة عشر رطلا، فوزناها فوجدناها كذلك.
وكان المنصور كما ذكرنا بنى مدينته مدوّرة وجعل داره وجامعها في وسطها، وبنى القبة الخضراء فوق إيوان، وكان علوّها ثمانين ذراعا، وعلى رأس القبة صنم على صورة فارس في يده رمح، وكان السلطان إذا رأى أن ذلك الصنم قد استقبل بعض الجهات ومدّ
الرمح نحوها علم أن بعض الخوارج يظهر من تلك الجهة، فلا يطول عليه الوقت حتى ترد عليه الأخبار بأن خارجيّا قد هجم من تلك الناحية، قلت أنا:
هكذا ذكر الخطيب وهو من المستحيل والكذب الفاحش، وإنما يحكى مثل هذا عن سحرة مصر وطلسمات بليناس التي أوهم الأغمار صحتها تطاول الأزمان والتخيل أن المتقدّمين ما كانوا بني آدم، فأما الملة الإسلامية فإنها تجلّ عن مثل هذه الخرافات، فإن من المعلوم أن الحيوان الناطق مكلف الصنائع لهذا التمثال لا يعلم شيئا مما ينسب إلى هذا الجماد ولو كان نبيّا مرسلا، وأيضا لو كان كلما توجهت إلى جهة خرج منها خارجيّ لوجب أن لا يزال خارجيّ يخرج في كل وقت لأنها لا بدّ أن تتوجه إلى وجه من الوجوه، والله أعلم، قال: وسقط رأس هذه القبة سنة 329، وكان يوم مطر عظيم ورعد هائل، وكانت هذه القبة تاج البلد وعلم بغداد ومأثرة من مآثر بني العباس، وكان بين بنائها وسقوطها مائة ونيف وثمانون سنة، ونقل المنصور أبوابها من واسط، وهي أبواب الحجّاج، وكان الحجاج أخذها من مدينة بإزاء واسط تعرف بزندورد، يزعمون أنها من بناء سليمان بن داود، عليه السلام، وأقام على باب خراسان بابا جيء به من الشام من عمل الفراعنة وعلى باب الكوفة بابا جيء به من الكوفة من عمل خالد القسري وعمل هو بابا لباب الشام، وهو أضعفها، وكان لا يدخل أحد من عمومة المنصور ولا غيرهم من شيء من الأبواب إلّا راجلا إلا داود بن عليّ عمه، فإنه كان متفرّسا وكان يحمل في محفّة، وكذلك محمد المهدي ابنه، وكانت تكنس الرحاب في كل يوم ويحمل التراب إلى خارج، فقال له عمه عبد الصمد: يا أمير المؤمنين أنا شيخ كبير فلو أذنت لي أن أنزل داخل الأبواب، فلم يأذن له، فقال: يا أمير المؤمنين عدني بعض بغال الرّوايا التي تصل إلى الرّحاب، فقال: يا ربيع بغال الروايا تصل إلى رحابي تتخذ الساعة قنيّ بالساج من باب خراسان حتى تصل إلى قصري، ففعل ومدّ المنصور قناة من نهر دجيل الآخذ من دجلة وقناة من نهر كرخايا الآخذ من الفرات وجرّهما إلى مدينته في عقود وثيقة، من أسفلها محكمة بالصاروج والآجر من أعلاها، فكانت كل قناة منها تدخل المدينة وتنفذ في الشوارع والدروب والأرباض، تجري صيفا وشتاء لا ينقطع ماؤها في شيء من الأوقات، ثم أقطع المنصور أصحابه القطائع فعمّروها وسميت بأسمائهم، وقد ذكرت من ذلك ما بلغني في مواضعه حسب ما قضى به ترتيب الحروف، وقد صنّف في بغداد وسعتها وعظم رفعتها وسعة بقعتها وذكر أبو بكر الخطيب في صدر كتابه من ذلك ما فيه كفاية لطالبه.

فلنذكر الآن ما ورد في مدح بغداد
ومن عجيب ذلك ما ذكره أبو سهل بن نوبخت قال:
أمرني المنصور لما أراد بناء بغداد بأخذ الطالع، ففعلت فإذا الطالع في الشمس وهي في القوس، فخبّرته بما تدلّ النجوم عليه من طول بقائها وكثرة عمارتها وفقر الناس إلى ما فيها ثم قلت: وأخبرك خلّة أخرى أسرك بها يا أمير المؤمنين، قال: وما هي؟ قلت: نجد في أدلة النجوم أنه لا يموت بها خليفة أبدا حتف أنفه، قال: فتبسم وقال الحمد لله على ذلك، هذا من فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم، ولذلك يقول عمارة بن عقيل بن بلال بن جرير بن الخطفى:
أعاينت في طول من الأرض أو عرض، ... كبغداد من دار بها مسكن الخفض
صفا العيش في بغداد واخضرّ عوده، ... وعيش سواها غير خفض ولا غضّ
تطول بها الأعمار، إنّ غذاءها ... مريء، وبعض الأرض أمرأ من بعض
قضى ربّها أن لا يموت خليفة ... بها، إنه ما شاء في خلقه يقضي
تنام بها عين الغريب، ولا ترى ... غريبا بأرض الشام يطمع في الغمض
فإن جزيت بغداد منهم بقرضها، ... فما أسلفت إلّا الجميل من القرض
وإن رميت بالهجر منهم وبالقلى، ... فما أصبحت أهلا لهجر ولا بغض
وكان من أعجب العجب أن المنصور مات وهو حاجّ، والمهدي ابنه خرج إلى نواحي الجبل فمات بما سبذان بموضع يقال له الرّذّ، والهادي ابنه مات بعيساباد قرية أو محلّة بالجانب الشرقي من بغداد، والرشيد مات بطوس، والأمين أخذ في شبارته وقتل بالجانب الشرقي، والمأمون مات بالبذندون من نواحي المصّيصة بالشام، والمعتصم والواثق والمتوكل والمنتصر وباقي الخلفاء ماتوا بسامرّا، ثم انتقل الخلفاء إلى التاج من شرقي بغداد كما ذكرناه في التاج، وتعطّلت مدينة المنصور منهم.
وفي مدح بغداد قال بعض الفضلاء: بغداد جنة الأرض ومدينة السلام وقبة الإسلام ومجمع الرافدين وغرّة البلاد وعين العراق ودار الخلافة ومجمع المحاسن والطيبات ومعدن الظرائف واللطائف، وبها أرباب الغايات في كل فنّ، وآحاد الدهر في كل نوع، وكان أبو إسحاق الزّجّاج يقول: بغداد حاضرة الدنيا وما عداها بادية، وكان أبو الفرج الببغا يقول: هي مدينة السلام بل مدينة الإسلام، فإنّ الدولة النبوية والخلافة الإسلامية بها عشّشتا وفرّختا وضربتا بعروقهما وبسقتا بفروعهما، وإنّ هواءها أغذى من كل هواء وماءها أعذب من كل ماء، وإنّ نسيمها أرقّ من كل نسيم، وهي من الإقليم الاعتدالي بمنزلة المركز من الدائرة، ولم تزل بغداد موطن الأكاسرة في سالف الأزمان ومنزل الخلفاء في دولة الإسلام، وكان ابن العميد إذا طرأ عليه أحد من منتحلي العلوم والآداب وأراد امتحان عقله سأله عن بغداد، فإن فطن بخواصّها وتنبّه على محاسنها وأثنى عليها جعل ذلك مقدّمة فضله وعنوان عقله، ثم سأله عن الجاحظ، فإن وجد أثرا لمطالعة كتبه والاقتباس من نوره والاغتراف من بحره وبعض القيام بمسائله قضى له بأنه غرّة شادخة في أهل العلم والآداب، وإن وجده ذامّا لبغداد غفلا عما يحب أن يكون موسوما به من الانتساب إلى المعارف التي يختص بها الجاحظ لم ينفعه بعد ذلك شيء من المحاسن، ولما رجع الصاحب عن بغداد سأله ابن العميد عنها، فقال: بغداد في البلاد كالأستاذ في العباد، فجعلها مثلا في الغاية في الفضل، وقال ابن زريق الكاتب الكوفي:
سافرت أبغي لبغداد وساكنها ... مثلا، قد اخترت شيئا دونه الياس
هيهات بغداد، والدنيا بأجمعها ... عندي، وسكان بغداد هم الناس
وقال آخر:
بغداد يا دار الملوك ومجتنى ... صوف المنى، يا مستقرّ المنابر
ويا جنّة الدنيا ويا مجتنى الغنى، ... ومنبسط الآمال عند المتاجر
وقال أبو يعلى محمد بن الهبّارية: سمعت الشيخ الزاهد أبا إسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف الفيروزآباذي يقول: من دخل بغداد وهو ذو عقل صحيح وطبع معتدل مات بها أو بحسرتها، وقال عمارة بن عقيل ابن بلال بن جرير:
ما مثل بغداد في الدنيا ولا الدين، ... على تقلّبها في كلّ ما حين
ما بين قطربّل فالكرخ نرجسة ... تندى، ومنبت خيريّ ونسرين
تحيا النفوس بريّاها، إذا نفحت، ... وخرّشت بين أوراق الرّياحين
سقيا لتلك القصور الشاهقات وما ... تخفي من البقر الإنسيّة العين
تستنّ دجلة فيما بينها، فترى ... دهم السّفين تعالى كالبراذين
مناظر ذات أبواب مفتّحة، ... أنيقة بزخاريف وتزيين
فيها القصور التي تهوي، بأجنحة، ... بالزائرين إلى القوم المزورين
من كلّ حرّاقة تعلو فقارتها، ... قصر من الساج عال ذو أساطين
وقدم عبد الملك بن صالح بن علي بن عبد الله بن عباس إلى بغداد فرأى كثرة الناس بها فقال: ما مررت بطريق من طرق هذه المدينة إلّا ظننت أن الناس قد نودي فيهم، ووجد على بعض الأميال بطريق مكة مكتوبا:
أيا بغداد يا أسفي عليك! ... متى يقضى الرجوع لنا إليك؟
قنعنا سالمين بكلّ خير، ... وينعم عيشنا في جانبيك
ووجد على حائط بجزيرة قبرص مكتوبا:
فهل نحو بغداد مزار، فيلتقي ... مشوق ويحظى بالزيارة زائر
إلى الله أشكو، لا إلى الناس، إنه ... على كشف ما ألقى من الهمّ قادر
وكان القاضي أبو محمد عبد الوهّاب بن علي بن نصر المالكي قد نبا به المقام ببغداد فرحل إلى مصر، فخرج البغداديون يودّعونه وجعلوا يتوجعون لفراقه، فقال: والله لو وجدت عندكم في كل يوم مدّا من الباقلّى ما فارقتكم، ثم قال:
سلام على بغداد من كلّ منزل، ... وحقّ لها منّي السلام المضاعف
فو الله ما فارقتها عن قلى لها، ... وإني بشطّي جانبيها لعارف
ولكنها ضاقت عليّ برحبها، ... ولم تكن الأرزاق فيها تساعف
وكانت كخلّ كنت أهوى دنوّه، ... وأخلاقه تنأى به وتخالف
ولما حج الرشيد وبلغ زرود التفت إلى ناحية العراق وقال:
أقول وقد جزنا زرود عشيّة، ... وكادت مطايانا تجوز بنا نجدا
على أهل بغداد السلام، فإنني ... أزيد بسيري عن ديارهم بعدا
وقال ابن مجاهد المقري: رأيت أبا عمرو بن العلاء في النوم فقلت له: ما فعل الله بك؟ فقال: دعني مما فعل الله بي، من أقام ببغداد على السّنّة والجماعة ومات نقل من جنة إلى جنة، وعن يونس بن عبد الأعلى قال: قال لي محمد بن إدريس الشافعي، رضي الله عنه: أيا يونس دخلت بغداد؟ فقلت: لا، فقال: أيا يونس ما رأيت الدنيا ولا الناس، وقال طاهر بن المظفّر بن طاهر الخازن:
سقى الله صوب الغاديات محلّة ... ببغداد، بين الخلد والكرخ والجسر
هي البلدة الحسناء، خصّت لأهلها ... بأشياء لم يجمعن مذ كنّ في مصر
هواء رقيق في اعتدال وصحّة، ... وماء له طعم ألذّ من الخمر
ودجلتها شطّان قد نظما لنا ... بتاج إلى تاج، وقصر إلى قصر
ثراها كمسك، والمياه كفضّة، ... وحصباؤها مثل اليواقيت والدّر
قال أبو بكر الخطيب: أنشدني أبو محمد الباقي قول الشاعر:
دخلنا كارهين لها، فلمــا ... ألفناها خرجنا مكرهينا
فقال يوشك هذا أن يكون في بغداد، قيل وأنشد لنفسه في المعنى وضمنه البيت:
على بغداد معدن كلّ طيب، ... ومغنى نزهة المتنزّهينا:
سلام كلما جرحت بلحظ ... عيون المشتهين المشتهينا
دخلنا كارهين لها، فلمــا ... ألفناها خرجنا مكرهينا
وما حبّ الديار بنا، ولكن ... أمرّ العيش فرقة من هوينا
قال محمد بن عليّ بن حبيب الماوردي: كتب إليّ أخي من البصرة وأنا ببغداد:
طيب الهواء ببغداد يشوّقني ... قدما إليها، وإن عاقت معاذير
وكيف صبري عنها، بعد ما جمعت ... طيب الهواءين ممدود ومقصور؟
وقلّد عبيد الله بن عبد الله بن طاهر اليمن، فلمــا أراد الخروج قال:
أيرحل آلف ويقيم إلف، ... وتحيا لوعة ويموت قصف؟
على بغداد دار اللهو منّي ... سلام ما سجا للعين طرف
وما فارقتها لقلى، ولكن ... تناولني من الحدثان صرف
ألا روح ألا فرج قريب، ... ألا جار من الحدثان كهف
لعلّ زماننا سيعود يوما، ... فيرجع آلف ويسر إلف
فبلغ الوزير هذا الشعر فأعفاه، وقال شاعر يتشوق بغداد:
ولما تجاوزت المدائن سائرا، ... وأيقنت يا بغداد أني على بعد
علمت بأنّ الله بالغ أمره، وأن قضاء الله ينفذ في العبد وقلت، وقلبي فيه ما فيه من جوى، ودمعي جار كالجمان على خدّي: ترى الله يا بغداد يجمع بيننا فألقى الذي خلّفت فيك على العهد؟
وقال محمد بن عليّ بن خلف النيرماني:
فدى لك يا بغداد كل مدينة ... من الأرض، حتى خطّتي ودياريا
فقد طفت في شرق البلاد وغربها، ... وسيّرت خيلي بينها وركابيا
فلم أر فيها مثل بغداد منزلا، ... ولم أر فيها مثل دجلة واديا
ولا مثل أهليها أرقّ شمائلا، ... وأعذب ألفاظا، وأحلى معانيا
وقائلة: لو كان ودّك صادقا ... لبغداد لم ترحل، فقلت جوابيا:
يقيم الرجال الموسرون بأرضهم، ... وترمي النوى بالمقترين المراميا

في ذمّ بغداد
قد ذكره جماعة من أهل الورع والصلاح والزهّاد والعبّاد، ووردت فيها أحاديث خبيثة، وعلّتهم في الكراهية ما عاينوه بها من الفجور والظلم والعسف، وكان الناس وقت كراهيتهم للمقام ببغداد غير ناس زماننا، فأما أهل عصرنا فأجلس خيارهم في الحشّ وأعطهم فلسا فما يبالون بعد تحصيل الحطام أين كان المقام، وقد ذكر الحافظ أبو بكر أحمد بن عليّ من ذلك قدرا كافيا، وكان بعض الصالحين إذا ذكرت عنده بغداد يتمثل:
قل لمن أظهر التنسّك في النا ... س وأمسى يعدّ في الزّهّاد:
الزم الثغر والتواضع فيه، ... ليس بغداد منزل العبّاد
إن بغداد للملوك محلّ، ... ومناخ للقارئ الصياد
ومن شائع الشعر في ذلك:
بغداد أرض لأهل المال طيّبة، ... وللمفاليس دار الضّنك والضيق
أصبحت فيها مضاعا بين أظهرهم، ... كأنني مصحف في بيت زنديق
ويروى للطاهر بن الحسين قال:
زعم الناس أن ليلك يا بغ ... داد ليل يطيب فيه النسيم
ولعمري ما ذاك إلّا لأن خا ... لفها، بالنهار، منك السّموم
وقليل الرّخاء يتّبع الش ... دة، عند الأنام، خطب عظيم
وكتب عبد الله بن المعتز إلى صديق له يمدح سرّ من رأى ويصف خرابها ويذم بغداد: كتبت من بلدة قد أنهض الله سكانها وأقعد حيطانها، فشاهد اليأس فيها ينطق وحبل الرجاء فيها يقصر، فكأن عمرانها يطوى وخرابها ينشر، وقد تمزقت بأهلها الديار، فما يجب فيها حقّ جوار، فحالها تصف للعيون الشكوى، وتشير إلى ذم الدنيا، على أنها وإن جفيت معشوقة السّكنى، وحبيبة المثوى،
كوكبها يقظان، وجوّها عريان، وحصباؤها جوهر، ونسيمها معطّر، وترابها أذفر، ويومها غداة، وليلها سحر، وطعامها هنيء، وشرابها مريء، لا كبلدتكم الوسخة السماء، الومدة الماء والهواء، جوها غبار، وأرضها خبار، وماؤها طين، وترابها سرجين، وحيطانها نزوز، وتشرينها تموز، فكم من شمسها من محترق، وفي ظلّها من عرق، صيقة الديار، وسيئة الجوار، أهلها ذئاب، وكلامهم سباب، وسائلهم محروم، وما لهم مكتوم، ولا يجوز إنفاقه، ولا يحل خناقه، حشوشهم مسايل، وطرقهم مزابل، وحيطانهم أخصاص، وبيوتهم أقفاص، ولكل مكروه أجل، وللبقاع دول، والدهر يسير بالمقيم، ويمزج البؤس بالنعيم، وله من قصيدة:
كيف نومي وقد حللت ببغ ... داد، مقيما في أرضها، لا أريم
ببلاد فيها الركايا، علي ... هن أكاليل من بعوض تحوم
جوها في الشتاء والصيف دخّا ... ن كثيف، وماؤها محموم
ويح دار الملك التي تنفح المس ... ك، إذا ما جرى عليه النسيم
كيف قد أقفرت وحاربها الدّه ... ر، وعين الحياة فيها البوم
نحن كنا سكانها، فانقضى ذا ... لك عنا، وأي شيء يدوم
وقال أيضا:
أطال الهمّ في بغداد ليلي، ... وقد يشقى المسافر أو يفوز
ظللت بها، على رغمي، مقيما ... كعنّين تعانقه عجوز
وقال محمد بن أحمد بن شميعة البغدادي شاعر عصري فيها:
ودّ أهل الزوراء زور، فلا ... تغترر بالوداد من ساكنيها
هي دار السلام حسب، فلا يط ... مع منها، إلّا بما قيل فيها
وكان المعتصم قد سأل أبا العيناء عن بغداد وكان سيّء الرأي فيها، فقال: هي يا أمير المؤمنين كما قال عمارة بن عقيل:
ما أنت يا بغداد إلّا سلح، ... إذا اعتراك مطر أو نفح،
وإن جففت فتراب برح
وكما قال آخر:
هل الله من بغداد، يا صاح، مخرجي، ... فأصبح لا تبدو لعيني قصورها
وميدانها المذري علينا ترابها ... إذا شحجت أبغالها وحميرها
وقال آخر:
أذمّ بغداد والمقام بها، ... من بعد ما خبرة وتجريب
ما عند سكّانها لمختبط ... خير، ولا فرجة لمكروب
يحتاج باغي المقام بينهم ... إلى ثلاث من بعد تثريب:
كنوز قارون أن تكون له، ... وعمر نوح وصبر أيوب
قوم مواعيدهم مزخرفة ... بزخرف القول والأكاذيب
خلّوا سبيل العلى لغيرهم، ... ونافسوا في الفسوق والحوب
وقال بعض الأعراب:
لقد طال في بغداد ليلي، ومن يبت ... ببغداد يصبح ليله غير راقد
بلاد، إذا ولّى النهار، تنافرت ... براغيثها من بين مثنى وواحد
ديازجة شهب البطون، كأنها ... بغال بريد أرسلت في مذاود
وقرأت بخط عبيد الله بن أحمد بن جخجخ قال أبو العالية:
ترحّل فما بغداد دار إقامة، ... ولا عند من يرجى ببغداد طائل
محلّ ملوك سمتهم في أديمهم، ... فكلهم من حلية المجد عاطل
سوى معشر جلّوا، وجلّ قليلهم ... يضاف إلى بذل النّدى، وهو باخل
ولا غروان شلّت يد الجود والندى ... وقلّ سماح من رجال ونائل
إذا غطمط البحر الغطامط ماؤه ... فليس عجيبا أن تفيض الجداول
وقال آخر:
كفى حزنا، والحمد لله أنّني ... ببغداد قد أعيت عليّ مذاهبي
أصاحب قوما لا ألذّ صحابهم، ... وآلف قوما لست فيهم براغب
ولم أثو في بغداد حبّا لأهلها، ... ولا أنّ فيها مستفادا لطالب
سأرحل عنها قاليا لسراتها، ... وأتركها ترك الملول المجانب
فإن ألجأتني الحادثات إليهم ... فأير حمار في حرامّ النوائب
وقال بعضهم يمدح بغداد ويذمّ أهلها:
سقيا لبغداد ورعيا لها، ... ولا سقى صوب الحيا أهلها
يا عجبا من سفل مثلهم، ... كيف أبيحوا جنّة مثلها
وقال آخر:
اخلع ببغداد العذارا، ... ودع التنسّك والوقارا
فلقد بليت بعصبة ... ما إن يرون العار عارا
لا مسلمين ولا يهو ... د ولا مجوس ولا نصارى
وقدم بعض الهجريّين بغداد فاستوبأها وقال:
أرى الريف يدنو كل يوم وليلة، ... وأزداد من نجد وساكنه بعدا
ألا إن بغدادا بلاد بغيضة ... إليّ، وإن أمست معيشتها رغدا
بلاد ترى الأرواح فيها مريضة، ... وتزداد نتنا حين تمطر أو تندى
وقال أعرابيّ مثل ذلك:
ألا يا غراب البين ما لك ثاويا ... ببغداد لا تمضي، وأنت صحيح؟
ألا إنما بغداد دار بليّة، ... هل الله من سجن البلاد مريح؟
وقال أبو يعلى بن الهبّارية أنشدني جدّي أبو الفضل محمد بن محمد لنفسه:
إذا سقى الله أرضا صوب غادية، ... فلا سقى الله غيثا أرض بغداد
أرض بها الحرّ معدوم، كأنّ لها ... قد قيل في مثل: لا حرّ بالوادي
بل كلّ ما شئت من علق وزانية ... ومستحدّ وصفعان وقوّاد
وقال أيضا أبو يعلى بن الهبارية: أنشدني معدان التغلبي لنفسه:
بغداد دار، طيبها آخذ ... نسيمه مني بأنفاسي
تصلح للموسر لا لامرئ ... يبيت في فقر وإفلاس
لو حلّها قارون ربّ الغنى، ... أصبح ذا همّ ووسواس
هي التي توعد، لكنها ... عاجلة للطاعم الكاسي
حور وولدان ومن كلّ ما ... تطلبه فيها، سوى الناس

مَدينَةُ النّحَاسِ

مَدينَةُ النّحَاسِ:
ويقال لها مدينة الصّفر، ولها قصة بعيدة من الصحة لمفارقتها العادة، وأنا بريء من عهدتها إنما أكتب ما وجدته في الكتب المشهورة التي دوّنها العقلاء ومع ذلك فهي مدينة مشهورة الذكر فلذلك ذكرتها، قال ابن الفقيه: ومن عجائب الأندلس أمر مدينة الصّفر التي يزعم قوم من العلماء أن ذا القرنين بناها وأودعها كنوزه وعلومه وطلسم بابها فلا يقف عليها أحد وبنى داخلها بحجر البهتة وهو مغناطيس الناس وذلك أن الإنسان إذا نظر إليها لم يتمالك أن يضحك ويلقي نفسه عليها فلا يزايلها أبدا حتى يموت، وهي في بعض مفاوز الأندلس، ولما بلغ عبد الملك بن مروان خبرها وخبر ما فيها من الكنوز والعلوم وأن إلى جانبها أيضا بحيرة بها كنوز عظيمة كتب إلى موسى بن نصير عامله على المغرب يأمره بالمسير إليها والحرص على دخولها وأن يعرّفه ما فيها ودفع الكتاب إلى طالب بن مدرك فحمله وسار حتى انتهى إلى موسى بن نصير وكان بالقيروان، فلمــا أوصله إليه تجهز وسار في ألف فارس نحوها، فلمــا رجع كتب إلى عبد الملك بن مروان: بسم الله الرحمن الرحيم، أصلح الله أمير المؤمنين صلاحا يبلغ به خير الدنيا والآخرة، أخبرك يا أمير المؤمنين أني تجهزت لأربعة أشهر وسرت نحو مفاوز الأندلس ومعي ألف فارس من أصحابي حتى أوغلت في طرق قد انطمست ومناهل قد اندرست وعفت فيها الآثار وانقطعت عنها الأخبار أحاول بناء مدينة لم ير الراؤون مثلها ولم يسمع السامعون بنظيرها، فسرت ثلاثة وأربعين يوما ثم لاح لنا بريق شرفها من مسيرة خمسة أيام فأفزعنا منظرها الهائل وامتلأت قلوبنا رعبا من عظمها وبعد أقطارها، فلمــا قربنا منها إذ أمرها عجيب ومنظرها هائل كأن المخلوقين ما صنعوها، فنزلت عند ركنها الشرقيّ وصلّيت العشاء الأخيرة بأصحابي وبتنا بأرعب ليلة بات بها المسلمون، فلمــا أصبحنا كبّرنا استئناسا بالصبح وسرورا به، ثم وجّهت رجلا من أصحابي في مائة فارس وأمرته أن يدور مع سورها ليعرف بابها فغاب عنها يومين ثم وافى صبيحة اليوم الثالث فأخبرني أنه ما وجد لها بابا ولا رأى مسلكا إليها، فجمعت أمتعة أصحابي إلى جانب سورها وجعلت بعضها على بعض لينظر من يصعد إليها فيأتيني بخبر ما فيها، فلم تبلغ أمتعتنا ربع الحائط لارتفاعه وعلوه، فأمرت عند ذلك باتخاذ السلالم فاتخذت ووصلت بعضها إلى بعض بالحبال ونصبتها
على الحائط وجعلت لمن يصعد إليها ويأتيني بخبرها عشرة آلاف درهم، فانتدب لذلك رجل من أصحابي ثم تسنّم السلّم وهو يتعوّذ ويقرأ، فلمــا صار على سورها وأشرف على ما فيها قهقه ضاحكا ثم نزل إليها فناديناه: أخبرنا بما عندك وبما رأيته، فلم يجبنا، فجعلت أيضا لمن يصعد إليها ويأتيني بخبرها وخبر الرجل ألف دينار، فانتدب رجل من حمير فأخذ الدنانير فجعلها في رحله ثم صعد فلمــا استوى على السور قهقه ضاحكا ثم نزل إليها فناديناه: أخبرنا بما وراءك وما الذي ترى، فلم يجبنا، ثم صعد ثالث فكانت حاله مثل حال اللذين تقدماه فامتنع أصحابي بعد ذلك من الصعود وأشفقوا على أنفسهم، فلمــا أيست ممن يصعد ولم أطمع في خبرها رحلت نحو البحيرة وسرت مع سور المدينة فانتهيت إلى مكان من السور فيه كتابة بالحميرية فأمرت بانتساخها فكانت هذه:
ليعلم المرء ذو العز المنيع ومن ... يرجو الخلود وما حيّ بمخلود
لو أن حيّا ينال الخلد في مهل ... لنال ذاك سليمان بن داود
سالت له العين عين القطر فائضة ... فيه عطاء جليل غير مصرود
وقال للجنّ: أنشوا فيه لي أثرا ... يبقى إلى الحشر لا يبلى ولا يودي
فصيّروه صفاحا ثم ميل به ... إلى البناء بإحكام وتجويد
وأفرغوا القطر فوق السور منحدرا ... فصار صلبا شديدا مثل صيخود
وصبّ فيه كنوز الأرض قاطبة، ... وسوف تظهر يوما غير محدود
لم يبق من بعدها في الأرض سابغة ... حتى تضمّن رمسا بطن أخدود
وصار في قعر بطن الأرض مضطجعا ... مضمنّا بطوابيق الجلاميد
هذا ليعلم أن الملك منقطع ... إلا من الله ذي التقوى وذي الجود
ثم سرت حتى وافيت البحيرة عند غروب الشمس فإذا هي مقدار ميل في ميل وهي كثيرة الأمواج وإذا رجل قائم فوق الماء فناديناه: من أنت؟ فقال: أنا رجل من الجن كان سليمان بن داود حبس ولدي في هذه البحيرة فأتيته لأنظر ما حاله، قلنا له: فما بالك قائما على وجه الماء؟ قال: سمعت صوتا فظننته صوت رجل يأتي هذه البحيرة في كل عام مرة فهذا أوان مجيئه فيصلي على شاطئها أياما ويهلل الله ويمجده، قلنا: فمن تظنه؟ قال: أظنه الخضر، عليه السلام، ثم غاب عنّا فلم ندر أين أخذ فبتنا تلك الليلة على شاطئ البحيرة وقد كنت أخرجت معي عدة من الغواصين فغاضوا في البحيرة فأخرجوا منها حبّا من صفر مطبقا رأسه مختوما برصاص فأمرت به ففتح فخرج منه رجل من صفر على فرس من صفر بيده مطرد من صفر فطار في الهواء وهو يقول: يا نبي الله لا أعود، ثم غاصوا ثانية وثالثة فأخرجوا مثل ذلك فضجّ أصحابي وخافوا أن ينقطع بهم الزاد فأمرت بالرحيل وسلكت الطريق التي كنت أخذت فيها وأقبلت حتى نزلت القيروان، والحمد لله الذي حفظ لأمير المؤمنين أموره وسلّم له جنوده! فلمــا قرأ عبد الملك هذا الكتاب كان عنده الزهري فقال له: ما تظن بأولئك الذين صعدوا السور كيف استطيروا من السور وكيف كان حالهم؟ قال الزهري:
خبّلوا يا أمير المؤمنين فاستطيروا لأن بتلك المدينة جنّا قد وكلّوا بها، قال: فمن أولئك الذين كانوا يخرجون من تلك الحباب ويطيرون؟ قال: أولئك الجنّ الذين حبسهم سليمان بن داود، عليه السّلام، في البحار.

النِّيلُ

النِّيلُ:
بكسر أوله، بلفظ النيل الذي تصبغ به الثياب، في مواضع: أحدها بليدة في سواد الكوفة قرب حلّة بني مزيد يخترقها خليج كبير يتخلج من الفرات الكبير حفره الحجاج بن يوسف وسماه بنيل مصر، وقيل:
إنّ النيل هذا يستمد من صراة جاماسب، ينسب إليه خالد بن دينار النيلي أبو الوليد الشيباني، كان يسكن النيل، حدث عن الحسن العكلي وسالم بن عبد الله ومعاوية بن قرّة، روى عنه الثوري وغيره، وقال محمد بن خليفة السّنبسي شاعر بني مزيد يمدح دبيسا بقصيدة مطلعها:
قالوا هجرت بلاد النيل وانقطعت ... حبال وصلك عنها بعد إعلاق
فقلت: إني وقد أقوت منازلها ... بعد ابن مزيد من وفد وطرّاق
فمن يكن تائقا يهوى زيارتها ... على البعاد فإني غير مشتاق
وكيف أشتاق أرضا لا صديق بها ... إلا رسوم عظام تحت أطباق؟
وإياه عنى أيضا مرجا بن نباه بقوله:
قصدتكم أرجو نوال أكفّكم، ... فعدت وكفّي من نوالكم صفر
فلمــا أتيت النيل أيقنت بالغنى ... ونيل المنى منكم فلاحقني الفقر
والنيل أيضا: نهر من أنهار الرّقة حفره الرشيد على ضفّة نيل الرّقة، والبليخ: نهر دير زكّى، ولذلك قال الصّنوبري:
كأنّ عناق نهري دير زكّى، ... إذا اعتنقا، عناق متيّمين
وقت ذاك البليخ يد الليالي ... وذاك النيل من متجاورين
وأما نيل مصر فقال حمزة: هو تعريب نيلوس من الرومية، قال القضاعي: ومن عجائب مصر النيل جعله الله لها سقيا يزرع عليه ويستغنى به عن مياه المطر في أيام القيظ إذا نضبت المياه من سائر الأنهار فيبعث الله في أيام المدّ الريح الشمال فيغلب عليه البحر الملح فيصير كالسّكر له حتى يربو ويعم الرّبى والعوالي ويجري في الخلج والمساقي فإذا بلغ الحدّ الذي هو تمام الريّ وحضر زمان الحرث والزراعة بعث الله الريح الجنوب فكبسته وأخرجته إلى البحر الملح وانتفع الناس بالزراعة مما يروى من الأرض، وأجمع أهل العلم أنه ليس في الدنيا نهر أطول من النيل لأن مسيرته شهر في الإسلام وشهران في بلاد النوبة وأربعة أشهر في الخراب حيث لا عمارة فيها إلى أن يخرج في بلاد القمر خلف خطّ الاستواء، وليس في الدنيا نهر يصبّ من الجنوب إلى الشمال إلا هو، ويمتد في أشدّ ما يكون من الحرّ حين تنقص أنهار الدنيا، ويزيد بترتيب وينقص بترتيب بخلاف سائر الأنهار، فإذا زادت الأنهار في سائر الدنيا نقص وإذا نقصت زاد نهاية وزيادة، وزيادته في أيام نقص غيره، وليس في الدنيا نهر يزرع عليه ما يزرع على النيل ولا يجيء من خراج نهر ما يجيء من خراج ما يسقيه النيل، وقد روي عن عمرو بن العاص أنه قال: إن نيل مصر سيد الأنهار سخر الله له كلّ نهر بين المشرق والمغرب أن يمدّ له وذلّله له فإذا أراد الله تعالى أن يجري نيل مصر أمر الله تعالى كلّ نهر أن يمدّه بمائه وفجّر الله تعالى له الأرض عيونا وانتهى جريه إلى ما أراد
الله تعالى، فإذا بلغ النيل نهايته أمر الله تعالى كلّ ماء أن يرجع إلى عنصره ولذلك جميع مياه الأرض تقلّ أيام زيادته، وذكر عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم قال: لما فتح المسلمون مصر جاء أهلها إلى عمرو بن العاص حين دخل بؤونه من شهور القبط فقالوا: أيها الأمير إن لبلدنا هذا سنّة لا يجري النيل إلا بها وذلك أنه إذا كان لاثنتي عشرة ليلة تخلو من هذا الشهر عمدنا إلى جارية بكر بين أبويها فأرضينا أبويها وجعلنا عليها من الحلي والثياب أفضل ما يكون ثم ألقيناها في هذا النيل، فقال لهم عمرو: إن هذا لا يكون في الإسلام وإن الإسلام يهدم ما قبله، فأقاموا بؤونه وأبيب ومسرى لا يجري النيل قليلا ولا كثيرا حتى هموا بالجلاء، فلمــا رأى عمرو ذلك كتب إلى عمر بن الخطاب بذلك فكتب إليه عمر:
قد أصبت، إن الإسلام يهدم ما قبله، وقد بعثت إليك ببطاقة فألقها في داخل النيل إذا أتاك كتابي هذا، وإذا في كتابه: بسم الله الرّحمن الرّحيم، من عبد الله عمر بن الخطاب أمير المؤمنين إلى نيل مصر، أما بعد فإن كنت تجري من قبلك فلا تجر، وإن كان الواحد القّهار يجريك فنسأل الله الواحد القهار أن يجريك، قال: فألقى عمرو بن العاص البطاقة في النيل وذلك قبل عيد الصليب بيوم وكان أهل مصر قد تأهبوا للخروج منها والجلاء لأنهم لا تقوم مصلحتهم إلا بالنيل، فأصبحوا يوم الصليب وقد جرى النيل بقدرة الله تعالى وزاد ستة عشر ذراعا في ليلة واحدة وانقطعت تلك السنّة السيئة عن أهل مصر، وكان للنيل سبعة خلجان: خليج الإسكندرية، وخليج دمياط، وخليج منف، وخليج المنهي، وخليج الفيوم، وخليج عرشي، وخليج سردوس، وهي متصلة الجريان لا ينقطع منها شيء، والزروع بين هذه الخلجان متّصلة من أول مصر إلى آخرها، وزروع مصر كلها تروى من ستة عشر ذراعا بما قدّروا ودبروا من قناطرها وجسورها وخلجها، فإذا استوى الماء كما ذكرناه في المقياس من هذا الكتاب أطلق حتى يملأ أرض مصر فتبقى تلك الأراضي كالبحر الذي لم يفارقه الماء قط والقرى بينه يمشى إليها على سكور مهيأة والسفن تخترق ذلك، فإذا استوفت المياه ورويت الأرضون أخذ ينقص في أول الخريف وقد برد الهواء وانكسر الحرّ فكلما نقص الماء عن أرض زرعت أصناف الزروع واكتفت بتلك الشربة لأنه كلما تأخّر الوقت برد الجوّ فلا تنشف الأرض إلى أن يستكمل الزرع فإذا استكمل عاد الوقت يأخذ في الحرّ والصيف حتى ينضج الزروع وينشفها ويكمّلها، فلا يأتي الصيف إلا وقد استقام أمرها فأخذوا في حصادها، وفي ذلك عبرة وآية ودليل على قدرة العزيز الحكيم الذي خلق الأشياء في أحسن تقويم، وقد قال عزّ من قائل:
ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت، وفي النيل عجائب كثيرة وله خصائص لا توجد في غيره من الأنهار، وأما أصل مجراه فيذكر أنه يأتي من بلاد الزنج فيمر بأرض الحبشة مسامتا لبحر اليمن من جهة أرض الحبشة حتى ينتهي إلى بلاد النوبة من جانبها الغربي والبجه من جانبها الشرقي فلا يزال جاريا بين جبلين بينهما قرى وبلدان والراكب فيه يرى الجبلين عن يمينه وشماله وهو بينهما بإزاء الصعيد حتى يصب في البحر، وأما سبب زيادته في الصيف فإن المطر يكثر بأرض الزنجبار وتلك البلاد في هذه الأوقات بحيث ينزل الغيث عندهم كأفواه القرب وتنصبّ المدود إلى هذا النهر من سائر الجهات فإلى أن يصل إلى مصر ويقطع تلك المفاوز يكون القيظ ووجه
الحاجة إليه كما دبره الخالق عز وجل، وقد ذكر الليث بن سعد وغيره قصة رجل من ولد العيص بن إسحاق النبي، عليه السّلام، وتطلّبه مجراه أذكرها بعد إن شاء الله تعالى، قال أميّة: نيل مصر ينبوعه من وراء خط الاستواء من جبل هناك يقال له جبل القمر فإنه يبتدئ في التزيّد في شهر أبيب وهو في الرومية يوليه، والمصريون يقولون: إذا دخل أبيب شرع الماء في الدبيب، وعند ابتدائه في التزيّد تتغير جميع كيفياته ويفسد، والسبب في ذلك مروره بنقائع مياه أجنة يخالطها فيحيلها ويستخرجها معه ويستصحبها إلى غير ذلك مما يحيله، فلا يزال على هذه الحال كما وصفه الأمير تميم بن المعزّ بن إسماعيل فقال:
أما ترى الرعد بكى واشتك ... والبرق قد أومض واستضحكا؟
فاشرب على غيم كصبغ الدُّجى ... أضحك وجه الأرض لما بكى
وانظر لماء النيل في مدّه ... كأنه صندل أو مسّكا
أو كما قال أمية بن أبي الصلت المغربي:
ولله مجرى النيل منها إذا الصّبا ... أرتنا به في مرّها عسكرا مجرا
بشطّ يهزّ السّمهريّة ذبّلا، ... وموج يهزّ البيض هنديّة بترا
ولتميم بن المعز أيضا:
يوم لنا بالنيل مختصر، ... ولكل وقت مسرة قصر
والسّفن تصعد كالخيول بنا ... فيه وجيش الماء منحدر
فكأنما أمواجه عكن، ... وكأنما داراته سرر
وقال الحافظ أبو الحسين محمد بن الوزير في تدرج زيادة النيل إصبعا إصبعا وعظم منفعة ذلك التدرج:
أرى أبدا كثيرا من قليل، ... وبدرا في الحقيقة من هلال
فلا تعجب فكلّ خليج ماء ... بمصر مسبّب لخليج مال
زيادة إصبع في كل يوم ... زيادة أذرع في حسن حال
فإذا بلغ الماء خمسة عشر ذراعا وزاد من السادس عشر إصبعا واحدا كسر الخليج ولكسره يوم معهود فيجتمع الخاصّ والعامّ بحضرة القاضي وإذا كسر فتحت التّرع وهي فوهات الخلجان ففاض الماء وساح وعمّ الغيطان والبطاح وانضمّ أهل القرى إلى أعلى مساكنهم من الضياع والمنازل بحيث لا ينتهي إليهم الماء فتعود عند ذلك أرض مصر بأسرها بحرا عامّا غامر الماء بين جبليها المكتنفين لها وتثبت على هذه الحال حسبما تبلغ الحدّ المحدود في مشيئة الله، وأكثر ذلك يحول حول ثمانية عشر ذراعا ثم يأخذ عائدا في صبّه إلى مجرى النيل ومشربه فينقص عما كان مشرفا عاليا من الأراضي ويستقر في المنخفض منها فيترك كل قرارة كالدرهم ويعمّ الرّبى بالزهر المؤنق والروض المشرق، وفي هذا الوقت تكون أرض مصر أحسن شيء منظرا وأبهاها مخبرا، وقد جوّد أبو الحسن عليّ بن أبي بشر الكاتب فقال:
شربنا مع غروب الشمس شَمْساً ... مشعشعة إلى وقت الطلوع
وضوء الشمس فوق النيل باد ... كأطراف الأسنّة في الدروع
ومن عجائب النيل السمكة الرعّادة وهي سمكة لطيفة مسيّرة من مسّها بيده أو بعود يتصل بيده إليها أو بشبكة هي فيها اعترته رعدة وانتفاض ما دامت في يده أو في شبكته، وهذا أمر مستفيض رأيت جماعة من أهل التحصيل يذكرونه، ويقال إن بمصر بقلة من مسّها ومسّ الرعّادة لم ترتعد يده، والله أعلم، ومن عجائبه التمساح ولا يوجد في بلد من البلدان إلا في النيل، ويقال إنه أيضا بنهر السند إلا أنه ليس في عظم المصري فإذا عضّ اشتبكت أسنانه واختلفت فلم يتخلص الذي وقع فيها حتى يقطعه، وحنك التمساح الأعلى يتحرّك والأسفل لا يتحرك، وليس ذلك في غيره من الدواب، ولا يعمل الحديد في جلده، وليس له فقار بل عظم ظهره من رأسه إلى ذنبه عظم واحد ولا يقدر أن يلتوي أو ينقبض لأنه ليس في ظهره خرز، وهو إذا انقلب لم يستطع أن يتحرك، وإذا أراد الذكر أن يسفد أنثاه أخرجها من النيل وألقاها على ظهرها كما يأتي الرجل المرأة فإذا قضى منها وطره قلبها فإن تركها على ظهرها صيدت لأنها لا تقدر أن تنقلب، وذنب التمساح حادّ طويل وهو يضرب به فربما قتل من تناله ضربته، وربما جرّ بذنبه الثور من الشريعة حتى يلجج به في البحر فيأكله، ويبيض مثل بيض الإوزّ فإذا فقص عن فراخه كان الواحد كالحرذون في جسمه وخلقته ثم يعظم حتى يصير عشرة أذرع وأكثر وهو يبيض وكلما عاش يزيد، وتبيض الأنثى ستين بيضة، وله في فيه ستون سنّا، ويقال إنه إذا أخذ أول سن من جانب حنكه الأيسر ثم علّق على من به حمّى نافض تركته من ساعته، وربما دخل لحم ما يأكله بين أسنانه فيتأذّى به فيخرج من الماء إلى البرّ ويفتح فاه فيجيئه طائر مثل الطّيطوى فيسقط على حنكه فيلتقط بمنقاره ذلك اللحم بأسره فيكون ذلك اللحم طعاما لذلك الطائر وراحة بأكله إياه للتمساح، ولا يزال هذا الطائر حارسا له ما دام ينقي أسنانه، فإذا رأى إنسانا أو صيادا يريده رفرف عليه وزعق ليؤذنه بذلك ويحذره حتى يلقي نفسه في الماء إلى أن يستوفي جميع ما في أسنانه، فإذا أحسّ التمساح بأنه لم يبق في أسنانه شيء يؤذيه أطبق فمه على ذلك الطائر ليأكله فلذلك خلق الله في رأس ذلك الطائر عظما أحدّ من الإبرة فيقيمه في وسط رأسه فيضرب حنك التمساح، ويحكى عنه ما هو أعجب من ذلك، وهو أن ابن عرس من أشد أعدائه، فيقال إن ابن عرس إذا رأى التمساح نائما على شاطئ النيل ألقى نفسه في الماء حتى يبتل ثم يتمرغ في التراب ثم يقيم شعره ويثب حتى يدخل في جوف التمساح فيأكل ما في جوفه وليس للتمساح يد تدفع عنه ذلك، فإذا أراد الخروج بقر بطنه وخرج، وعجائب الدنيا كثيرة وإنما نذكر منها ما نجرّبه عادة ولهذا أمثال ليس كتابنا بصدد شرحها، وقال الشاعر:
أضمرت للنيل هجرانا ومقلية ... مذ قيل لي إنما التمساح في النيل
فمن رأى النيل رأي العين من كشب ... فما رأى النيل إلا في البواقيل
والبواقيل: كيزان يشرب منها أهل مصر، وقال عمرو بن معدي كرب:
فالنيل أصبح زاخرا بمدوده، ... وجرت له ريح الصّبا فجرى لها
عوّدت كندة عادة فاصبر لها، ... اغفر لجانبها وردّ سجالها
وحدّث الليث بن سعد قال: زعموا، والله أعلم،
أن رجلا من ولد العيص يقال له حائذ بن شالوم بن العيص بن إسحاق بن إبراهيم، عليهما السلام، خرج هاربا من ملك من ملوكهم إلى أرض مصر فأقام بها سنين، فلمــا رأى عجائب نيلها وما يأتي به جعل الله نذرا أن لا يفارق ساحله حتى يرى منتهاه أو ينظر من أين مخرجه أو يموت قبل ذلك، فسار عليه ثلاثين سنة في العمران ومثلها في غير العمران، وبعضهم يقول خمس عشرة كذا وخمس عشرة كذا، حتى انتهى إلى بحر أخضر فنظر إلى النيل يشقه مقبلا فوقف ينظر إلى ذلك فإذا هو برجل قائم يصلّي تحت شجرة تفّاح، فلمــا رآه استأنس به فسلم عليه فسأله صاحب الشجرة عن اسمه وخبره وما يطلب، فقال له: أنا حائذ بن شالوم بن العيص بن إسحاق بن إبراهيم، فمن أنت؟ قال: أنا عمران بن العيص بن إسحاق بن إبراهيم، فما الذي جاء بك إلى ههنا يا حائذ؟ قال:
أردت علم أمر النيل، فما الذي جاء بك أنت؟ قال:
جاء بي الذي جاء بك، فلمــا انتهيت إلى هذا الموضع أوحى الله تعالى إليّ أن قف بمكانك حتى يأتيك أمري، قال: فأخبرني يا عمران أي شيء انتهى إليك من أمر هذا النيل وهل بلغك أن أحدا من بني آدم يبلغه؟ قال: نعم بلغني أن رجلا من بني العيص يبلغه ولا أظنه غيرك يا حائذ، فقال له: يا عمران كيف الطريق إليه؟ قال له عمران: لست أخبرك بشيء حتى تجعل بيننا ما أسألك، قال: وما ذاك؟ قال: إذا رجعت وأنا حيّ أقمت عندي حتى يأتي ما أوحى الله لي أن يتوفاني فتدفني وتمضي، قال: لك ذلك عليّ، قال: سر كما أنت سائر فإنه ستأتي دابة ترى أولها ولا ترى آخرها فلا يهولنّك أمرها فإنها دابة معادية للشمس إذا طلعت أهوت إليها لتلتقمها فاركبها فإنها تذهب بك إلى ذلك الجانب من البحر فسر عليه فإنك ستبلغ أرضا من حديد جبالها وشجرها وجميع ما فيها حديد، فإذا جزتها وقعت في أرض من فضة جبالها وشجرها وجميع ما فيها فضة، فإذا تجاوزتها وقعت في أرض من ذهب جميع ما فيها ذهب ففيها ينتهي إليك علم النيل، قال: فودعه ومضى وجرى الأمر على ما ذكر له حتى انتهى إلى أرض الذهب فسار فيها حتى انتهى إلى سور من ذهب وعليه قبّة لها أربعة أبواب وإذا ماء كالفضة ينحدر من فوق ذلك السور حتى يستقرّ في القبة ثم يتفرق في الأبواب وينصبّ إلى الأرض، فأما ثلثاه فيغيض وأما واحد فيجري على وجه الأرض وهو النيل، فشرب منه واستراح ثم حاول أن يصعد السور فأتاه ملك وقال: يا حائذ قف مكانك فقد انتهى إليك علم ما أردته من علم النيل وهذا الماء الذي تراه ينزل من الجنة وهذه القبة بابها، فقال:
أريد أن أنظر إلى ما في الجنة، فقال: إنك لن تستطيع دخولها اليوم يا حائذ، قال: فأي شيء هذا الذي أرى؟ قال: هذا الفلك الذي تدور فيه الشمس والقمر وهو شبه الرحا، قال: أريد أن أركبه فأدور فيه، فقال له الملك: إنك لن تستطيع اليوم ذلك، ثم قال: إنه سيأتيك رزق من الجنة فلا تؤثر عليه شيئا من الدنيا فإنه لا ينبغي لشيء من الجنة أن يؤثر عليه شيء من الدنيا، فبينما هو واقف إذ أنزل عليه عنقود من عنب فيه ثلاثة أصناف: صنف كالزبرجد الأخضر وصنف كالياقوت الأحمر وصنف كاللؤلؤ الأبيض، ثم قال: يا حائذ هذا من حصرم الجنة ليس من يانع عنبها فارجع فقد انتهى إليك علم النيل، فرجع حتى انتهى إلى الدابة فركبها فلمــا أهوت الشمس إلى الغروب أهوت إليها لتلتقمها فقذفت به إلى جانب البحر الآخر فأقبل حتى انتهى إلى عمران فوجده قد مات في يومه ذلك فدفنه وأقام
على قبره، فلمــا كان في اليوم الثالث أقبل شيخ كبير كأنه بعض العبّاد فبكى على عمران طويلا وصلى على قبره وترحم عليه ثم قال: يا حائذ ما الذي انتهى إليك من علم النيل؟ فأخبره، فقال: هكذا نجده في الكتاب، ثم التفت إلى شجرة تفاح هناك فأقبل يحدّثه ويطري تفاحها في عينيه، فقال له: يا حائذ ألا تأكل؟ قال: معي رزقي من الجنة ونهيت أن أوثر عليه شيئا من الدنيا، فقال الشيخ: هل رأيت في الدنيا شيئا مثل هذا التفاح؟ إنما هذه شجرة أنزلها الله لعمران من الجنة ليأكل منها وما تركها إلا لك ولو أكلت منها وانصرفت لرفعت، فلم يزل يحسّنها في عينه ويصفها له حتى أخذ منها تفاحة فعضها ليأكل منها فلمــا عضها عضّ يده ونودي: هل تعرف الشيخ؟
قال: لا! قيل: هذا الذي أخرج أباك آدم من الجنة، أما إنك لو سلمت بهذا الذي معك لأكل منه أهل الدنيا فلم ينفد، فلمــا وقف حائذ على ذلك وعلم أنه إبليس أقبل حتى دخل مصر فأخبرهم بخبر النيل ومات بعد ذلك بمصر، قال عبيد الله الفقير إليه مؤلف الكتاب: هذا خبر شبيه بالخرافة وهو مستفيض ووجوده في كتب الناس كثير، والله أعلم بصحته، وإنما كتبت ما وجدت.

البَحْرين

البَحْرين:
هكذا يتلفظ بها في حال الرفع والنصب والجر، ولم يسمع على لفظ المرفوع من أحد منهم، إلّا أن الزمخشري قد حكى أنه بلفظ التثنية فيقولون:
هذه البحران وانتهينا الى البحرين، ولم يبلغني من جهة أخرى، وقال صاحب الزيج: البحرين في الإقليم الثاني، وطولها أربع وسبعون درجة وعشرون دقيقة من المغرب، وعرضها أربع وعشرون درجة
وخمس وأربعون دقيقة، وقال قوم: هي من الإقليم الثالث وعرضها أربع وثلاثون درجة، وهو اسم جامع لبلاد على ساحل بحر الهند بين البصرة وعمان، قيل هي قصبة هجر، وقيل: هجر قصبة البحرين وقد عدّها قوم من اليمن وجعلها آخرون قصبة برأسها.
وفيها عيون ومياه وبلاد واسعة، وربما عدّ بعضهم اليمامة من أعمالها والصحيح أن اليمامة عمل برأسه في وسط الطريق بين مكة والبحرين.
روى ابن عباس: البحرين من أعمال العراق وحدّه من عمان ناحية جرّفار، واليمامة على جبالها وربما ضمّت اليمامة الى المدينة وربما أفردت، هذا كان في أيام بني أميّة، فلمــا ولي بنو العباس صيّروا عمان والبحرين واليمامة عملا واحدا، قاله ابن الفقيه، وقال أبو عبيدة: بين البحرين واليمامة مسيرة عشرة أيام وبين هجر مدينة البحرين والبصرة مسيرة خمسة عشر يوما على الإبل، وبينها وبين عمان مسيرة شهر، قال: والبحرين هي الخطّ والقطيف والآرة وهجر وبينونة والزارة وجواثا والسابور ودارين والغابة، قال: وقصبة هجر الصّفا والمشقّر، وقال أبو بكر محمد بن القاسم: في اشتقاق البحرين وجهان:
يجوز أن يكون مأخوذا من قول العرب بحرت الناقة إذا شقّقت أذنها، والبحيرة: المشقوقة الأذن من قول الله تعالى: ما جَعَلَ الله من بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حامٍ 5: 103، والسائبة معناها: ان الرجل في الجاهلية كان يسيب من ماله فيذهب به الى سدنة الآلهة، ويقال: السائبة الناقة التي كانت إذا ولدت عشرة أبطن كلهن إناث سيبت فلم تركب ولم يجزّ لها وبر وبحرت أذن ابنتها أي خرقت. والبحيرة:
هي ابنة السائبة، وهي تجري عندهم مجرى أمّها في التحريم، قال: ويجوز ان يكون البحرين من قول العرب: قد بحر البعير بحرا إذا أولع بالماء فأصابه منه داء، ويقال: قد أبحرت الروضة إبحارا إذا كثر إنقاع الماء فيها فأنبت النبات، ويقال للروضة:
البحرة، ويقال للدم الذي ليست فيه صفرة: دم باحريّ وبحرانيّ، قلت: هذا كله تعسف لا يشبه ان يكون اشتقاقا للبحرين، والصحيح عندنا ما ذكره أبو منصور الأزهري، قال: انما سمّوا البحرين لأن في ناحية قراها بحيرة على باب الأحساء، وقرى هجر بينها وبين البحر الأخضر عشرة فراسخ، قال:
وقدرت هذه البحيرة ثلاثة أميال في مثلها، ولا يفيض ماؤها، وماؤها راكد زعاق، وقال أبو محمد اليزيدي: سألني المهدي وسأل الكسائي عن النسبة الى البحرين والى حصنين لم قالوا حصنيّ وبحرانيّ؟
فقال الكسائي: كرهوا أن يقولوا حصنانيّ لاجتماع النونين، وانما قلت: كرهوا أن يقولوا بحريّ فتشبه النسبة الى البحر، وفي قصتها طول ذكرتها في أخبار اليزيدي من كتابي في أخبار الأدباء، وينسب الى البحرين قوم من أهل العلم، منهم محمد بن معمّر البحراني بصريّ ثقة حدّث عنه البخاري، والعباس ابن يزيد بن أبي حبيب البحراني، يعرف بعبّاسوية، حدث عن خالد بن الحارث وابن عيينة ويزيد بن زريع وغيرهم، روى عنه الباغندي وابن صاعد وابن مخلد، وهو من الثقات، مات سنة 258، وزكرياء بن عطية البحراني وغيرهم. واما فتحها فإنها كانت في مملكة الفرس وكان بها خلق كثير من عبد القيس وبكر بن وائل وتميم مقيمين في باديتها، وكان بها من قبل الفرس المنذر بن ساوي بن عبد الله ابن زيد بن عبد الله بن دارم بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم، وعبد الله بن زيد هذا هو الأسبذي، نسب الى قرية بهجر، وقد ذكر في موضعه. فلمــا كانت سنة ثمان للهجرة وجه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، العلاء بن عبد الله بن عماد الحضرمي حليف بني عبد شمس الى البحرين ليدعو أهلها الى الإسلام أو الى الجزية، وكتب معه الى المنذر بن ساوي والى سيبخت مرزبان هجر يدعوهما الى الإسلام أو الى الجزية، فأسلما وأسلم معهما جميع العرب هناك وبعض العجم. فأما أهل الأرض من المجوس واليهود والنصارى فإنهم صالحوا العلاء وكتب بينهم وبينه كتابا نسخته: بسم الله الرحمن الرحيم- هذا ما صالح عليه العلاء بن الحضرمي أهل البحرين، صالحهم على أن يكفونا العمل ويقاسمونا الثمر، فمن لا يفي بهذا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. وأما جزية الرؤوس فانه أخذ لها من كل حالم دينارا. وقد قيل: إن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وجّه العلاء حين وجّه رسله الى الملوك في سنة ستّ. وروي عن العلاء أنه قال: بعثني رسول الله، صلى الله عليه وسلم، الى البحرين، أو قال: هجر، وكنت آتي الحائط بين الأخوّة، قد أسلم بعضهم، فآخذ من المسلم العشر ومن المشرك الخراج. وقال قتادة: لم يكن بالبحرين قتال، ولكن بعضهم أسلم وبعضهم صالح العلاء على أنصاف الحب والتمر. وقال سعيد بن المسيب: أخذ رسول الله، صلى الله عليه وسلم، الجزية من مجوس هجر، وأخذها عمر من مجوس فارس، وأخذها عثمان من بربر. وبعث العلاء بن الحضرمي الى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، مالا من البحرين يكون ثمانين ألفا، ما أتاه أكثر منه قبله ولا بعده، أعطى منه العباس عمه. قالوا: وعزل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، العلاء وولّى البحرين أبان بن سعيد ابن العاصي بن أمية، وقيل إن العلاء كان على ناحية من البحرين منها القطيف، وأبان على ناحية فيها الخط، والأول أثبت، فلمــا توفي رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أخرج أبان من البحرين فأتى المدينة، فسأل أهل البحرين أبا بكر أن يردّ العلاء عليهم ففعل، فيقال: إن العلاء لم يزل واليا عليهم حتى توفي سنة 20، فولّى عمر مكانه أبا هريرة الدوسي، ويقال:
ان عمر ولّى أبا هريرة قبل موت العلاء فأتى العلاء توّج من أرض فارس وعزم على المقام بها ثم رجع الى البحرين فأقام هناك حتى مات، فكان أبو هريرة يقول: دفنّا العلاء ثم احتجنا الى رفع لبنة فرفعناها فلم نجد العلاء في اللحد. وقال أبو مخنف: كتب عمر بن الخطاب الى العلاء بن الحضرمي يستقدمه وولى عثمان بن أبي العاصي البحرين مكانه وعمان، فلمــا قدم العلاء المدينة ولّاه البصرة مكان عتبة بن غزوان فلم يصل إليها حتى مات، ودفن في طريق البصرة في سنة 14 أو في أول سنة 15، ثم ان عمر ولى قدامة ابن مظعون الجمحي جباية البحرين وولى أبا هريرة الصلاة والاحداث، ثم عزل قدامة وحدّه على شرب الخمر، وولى أبا هريرة الجباية مع الاحداث، ثم عزله وقاسمه ماله، ثم ولى عثمان بن أبي العاصي عمان والبحرين فمات عمر وهو واليهما، وسار عثمان الى فارس ففتحها وكان خليفته على عمان والبحرين وهو بفارس أخاه مغيرة بن أبي العاصي. وروى محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال: استعملني عمر بن الخطاب على البحرين فاجتمعت لي اثنا عشر ألفا، فلمــا قدمت على عمر قال لي: يا عدو الله والمسلمين، أو قال: عدو كتابه، سرقت مال الله، قال قلت: لست بعدو الله ولا المسلمين، أو قال: عدو كتابه، ولكني عدوّ من عاداهما، قال: فمن أين اجتمعت لك هذه الأموال؟ قلت:
خيل لي تناتجت وسهام اجتمعت، قال: فأخذ منى
اثني عشر ألفا، فلمــا صلّيت الغداة قلت: اللهم اغفر لعمر، قال: وكان يأخذ منهم ويعطيهم أفضل من ذلك، حتى إذا كان بعد ذلك قال: ألا تعمل يا أبا هريرة؟ قلت: لا، قال: ولم وقد عمل من هو خير منك يوسف؟ قال اجعلني على خزائن الأرض اني حفيظ عليم، قلت: يوسف نبي ابن نبي وأنا أبو هريرة ابن أمية وأخاف منكم ثلاثا واثنتين، فقال: هلا قلت خمسا؟ قلت: أخشى أن تضربوا ظهري وتشتموا عرضي وتأخذوا مالي، وأكره أن أقول بغير علم وأحكم بغير حلم. ومات المنذر بن ساوي بعد وفاة النبي، صلى الله عليه وسلم، بقليل وارتد من بالبحرين من ولد قيس بن ثعلبة بن عكابة مع الحطم وهو شريح بن ضبيعة بن عمرو بن مرثد أحد بني قيس بن ثعلبة، وارتدّ كلّ من بالبحرين من ربيعة خلا الجارود بن بشر العبدي ومن تابعه من قومه، وأمّروا عليهم ابنا للنعمان بن المنذر يقال له المنذر، فسار الحطم حتى لحق بربيعة فانضمت اليه ربيعة فخرج العلاء عليهم بمن انضمّ اليه من العرب والعجم، فقاتلهم قتالا شديدا، ثم ان المسلمين لجؤوا الى حصن جواثا، فحاصرهم فيه عدوهم، ففي ذلك يقول عبد الله ابن حذف الكلابي:
ألا أبلغ أبا بكر ألوكا، ... وفتيان المدينة أجمعينا
فهل لك في شباب منك أمسوا ... أسارى في جواث محاصرينا
ثم ان العلاء عني بالحطم ومن معه وصابره وهما متناصفان، فسمع في ليلة في عسكر الحطم ضوضاء، فأرسل اليه من يأتيه بالخبر، فرجع الرسول فأخبره أن القوم قد شربوا وثملوا، فخرج بالمسلمين فبيّت ربيعة فقاتلوا قتالا شديدا فقتل الحطم. قالوا: وكان المنذر بن النعمان يسمى الغرور، فلمــا ظهر المسلمون قال: لست بالغرور ولكني المغرور، ولحق هو وفلّ ربيعة بالخط فأتاها العلاء وفتحها، وقتل المنذر معه، وقيل: بل قتل المنذر يوم جواثا، وقيل:
بل استأمن ثم هرب فلحق فقتل، وكان العلاء كتب الى أبي بكر يستمده فكتب أبو بكر الى خالد بن الوليد وهو باليمامة يأمره بالنهوض اليه، فقدم عليه وقد قتل الحطم، ثم أتاه كتاب أبي بكر بالشخوص الى العراق فشخص من البحرين، وذلك في سنة 12، فقالوا: وتحصن المكعبر الفارسي صاحب كسرى الذي وجهه لقتل بني تميم حين عرضوا لعيره بالزارة، وانضمّ اليه مجوس كانوا تجمّعوا بالقطيف وامتنعوا من أداء الجزية، فأقام العلاء على الزارة فلم يفتحها في خلافة أبي بكر وفتحها في خلافة عمر، وقتل المكعبر، وانما سمي المكعبر لأنه كان يكعبر الايدي، فلمــا قتل قيل ما زال يكعبر حتى كعبر، فسمي المكعبر، بفتح الباء، وكان الذي قتله البراء بن مالك الأنصاري أخو أنس بن مالك. وفتح العلاء السابور ودارين في خلافة عمر عنوة.

اليمامة

اليمامة:
منقول عن اسم طائر يقال له اليمام واحدته يمامة، واختلف فيه فقال الكسائيّ: اليمام من الحمام التي تكون في البيوت والحمام البري، وقال الأصمعي:
اليمام ضرب من الحمام بريّ، وأما الحمام فكل ما كان ذا طوق مثل القمري والفاختة، ويجوز أن يكون من أمّ يؤمّ إذا قصد ثم غيّر لأن الحمام يقصد مساكنه في جميع حالاته، والله أعلم، وقال المرّار الفقعسي:
إذا خفّ ماء المزن فيها تيمّمت ... يمامتها أيّ العداد تروم
وقال بعضهم: يمامة كلّ شيء قطنه، يقال: الحق بيمامتك، وهذا مبلغ اجتهادنا في اشتقاقه ثم وجدت ابن الأنباري قال: هو مأخوذ من اليمم واليمم طائر، قال: ويجوز أن يكون فعالة من يمّمت الشيء إذا
تعمدته، ويجوز أن يكون من الأمام من قولك:
زيد أمامك أي قدامك فأبدلت الهمزة ياء وأدخلت الهاء لأن العرب تقول: أمامة وأمام، قال أبو القاسم الزجاجي: هذا الوجه الأخير غير مستقيم أن يكون يمامة من أمام وأبدلت الهمزة ياء لأنه ليس بمعروف إبدال الهمزة إذا كانت أولا ياء، وأما الذي حكي أن اليمم طائر فإنما هو اليمام، حكى الأصمعي أن العرب تسمي هذه الدواجن التي في البيوت التي يسميها الناس حماما اليمام واحدتها يمامة، قال: والحمام عند العرب ذات أطواق كالقماريّ والقطا والفواخت، واليمامة في الإقليم الثاني، طولها من جهة المغرب إحدى وسبعون درجة وخمس وأربعون دقيقة، وعرضها من جهة الجنوب إحدى وعشرون درجة وثلاثون دقيقة، وفي كتاب العزيزي: إنها في الإقليم الثالث، وعرضها خمس وثلاثون درجة، وكان فتحها وقتل مسيلمة الكذاب في أيام أبي بكر الصديق، رضي الله عنه، سنة 12 للهجرة وفتحها أمير المسلمين خالد ابن الوليد عنوة ثم صولحوا، وبين اليمامة والبحرين عشرة أيام، وهي معدودة من نجد وقاعدتها حجر، وتسمى اليمامة جوّا والعروض، بفتح العين، وكان اسمها قديما جوّا فسميت اليمامة باليمامة بنت سهم بن طسم، قال أهل السير: كانت منازل طسم وجديس اليمامة وكانت تدعى جوّا وما حولها إلى البحرين ومنازل عاد الأولى الأحقاف، وهو الرمل ما بين عمان إلى الشحر إلى حضرموت إلى عدن أبين، وكانت منازل عبيل يثرب ومساكن أميم برمل عالج، وهي أرض وبار، ومساكن جرهم بتهائم اليمن ثم لحقوا بمكة ونزلوا على إسماعيل، عليه السّلام، فنشأ معهم وتزوج منهم كما ذكرنا في مكة، وكانت منازل العماليق موضع صنعاء اليوم ثم خرجوا فنزلوا حول مكة ولحقت طائفة منهم بالشام وبمصر وتفرقت طائفة منهم في جزيرة العرب إلى العراق والبحرين إلى عمان، وقيل: إن فراعنة مصر كانوا من العماليق كان منهم فرعون إبراهيم، عليه السّلام، واسمه سنان ابن علوان، وفرعون يوسف، عليه السّلام، واسمه الريّان بن الوليد، وفرعون موسى، عليه السّلام، واسمه الوليد بن مصعب، وكان ملك الحجاز رجلا من العماليق يقال له الأرقم، وكان الضحاك المعروف عند العجم ببيوراسف من العماليق غلب على ملك العجم بالعراق وهو فيما بين موسى وداود، عليه السّلام، وكان منزله بقرية يقال لها ترس، ويقال إنه من الأزد، ويقال إن طسما وجديسا هما من ولد الأزد ابن إرم بن لاوذ بن سام بن نوح، عليه السّلام، أقاموا باليمامة وهي كانت تسمى جوّا والقرية وكثروا بها وربلوا حتى ملك عليهم ملك من طسم يقال له عمليق ابن هباش بن هيلس بن ملادس بن هركوس بن طسم وكان جبارا ظلوما غشوما، وكانت اليمامة أحسن بلاد الله أرضا وأكثرها خيرا وشجرا ونخلا، قالوا:
وتنازع رجل يقال له قابس وامرأته هزيلة جديسيّان في مولود لهما أراد أبوه أخذه فأبت أمه فارتفعا إلى الملك عمليق فقالت المرأة: أيها الملك هذا ابني حملته تسعا، ووضعته رفعا، وأرضعته شبعا، ولم أنل منه نفعا، حتى إذا تمت أوصاله، واستوفى فصاله، أراد بعلي أن يأخذه كرها، ويتركني ولهى، فقال الرجل: أيها الملك أعطيتها المهر كاملا، ولم أصب منها طائلا، إلا ولدا خاملا، فافعل ما كنت فاعلا، على أنني حملته قبل أن تحمله، وكفلت أمه قبل أن تكفله، فقالت: أيها الملك حمله خفّا وحملته ثقلا، ووضعه شهوة ووضعته كرها! فلمــا رأى عمليق متانة حجتهما تحير فلم يدر بم يحكم فأمر بالغلام أن
يقبض منهما وأن يجعل في غلمانه وقال للمرأة:
أبغيه ولدا، وأجزيه صفدا، ولا تنكحي بعد أحدا، فقالت: أما النكاح فبالمهر، وأما السفاح فبالقهر، وما لي فيهما من أمر، فأمر عمليق بالزوج والمرأة أن يباعا ويردّ على زوجها خمس ثمنها ويرد على المرأة عشر ثمن زوجها، فاسترقّا، فقالت هزيلة:
أتينا أخا طسم ليحكم بيننا، ... فأظهر حكما في هزيلة ظالما
لعمري لقد حكمت لا متورّعا، ... ولا كنت فيما يلزم الحكم حاكما
ندمت ولم أندم، وأنّى بعترتي، ... وأصبح بعلي في الحكومة نادما
فبلغت أبياتها إلى عمليق فأمر أن لا تزوج بكر من جديس حتى تدخل عليه فيكون هو الذي يفترعها قبل زوجها، فلقوا من ذلك ذلّا حتى تزوجت امرأة من جديس يقال لها عفيرة بنت غفار أخت سيد جديس أي الأسود بن غفار وكان جلدا فاتكا، فلمــا كانت ليلة الإهداء خرجت والبنات حولها لتحمل إلى عمليق وهنّ يضربن بمعازفهنّ ويقلن:
ابدي بعمليق وقومي فاركبي، ... وبادري الصبح بأمر معجب
فسوف تلقين الذي لم تطلبي، ... وما لبكر دونه من مهرب
ثم أدخلت على عمليق فافترعها، وقيل: انها امتنعت عليه وكانت أيّدة فخاف العار فوجأها بحديدة في قبلها فأدماها فخرجت وقد تقاصرت عليها نفسها فشقت ثوبها من خلفها ودماؤها تسيل على قدميها فمرّت بأخيها وهو في جمع من قومه وهي تبكي وتقول:
لا أحد أذلّ من جديس ... أهكذا يفعل بالعروس؟
يرضى بهذا الفعل قطّ الحرّ ... هذا وقد أعطى وسيق المهر
لأخذه الموت كذا لنفسه ... خير من أن يفعل ذا بعرسه
فأغضب ذلك أخاها فأخذ بيدها ورفعها إلى نادي قومها وهي تقول:
أيجمل أن يؤتى إلى فتياتكم ... وأنتم رجال فيكم عدد الرمل؟
أيجمل تمشي في الدماء فتاتكم ... صبيحة زفّت في العشاء إلى بعل؟
فإن أنتم لم تغضبوا بعد هذه ... فكونوا نساء لا تغبّ من الكحل
ودونكم ثوب العروس فإنما ... خلقتم لأثواب العروس وللغسل
فلو أننا كنا رجالا وكنتم ... نساء لكنّا لا نقرّ على الذلّ
فموتوا كراما أو أميتوا عدوّكم، ... وكونوا كنار شبّ بالحطب الجزل
وإلّا فخلّوا بطنها وتحمّلوا ... إلى بلد قفر وهزل من الهزل
فللموت خير من مقام على أذى، ... وللهزل خير من مقام على ثكل
فدبّوا إليهم بالصوارم والقنا ... وكلّ حسام محدث العهد بالصقل
ولا تجزعوا للحرب قومي فإنما ... يقوم رجال للرجال على رجل
فيهلك فيها كل وغل مواكل، ... ويسلم فيها ذو الجلادة والفضل
فلمــا سمعت جديس منها ذلك امتلأوا غضبا ونكّسوا حياء وخجلا فقال أخوها الأسود: يا قوم أطيعوني فإنه عز الدهر فليس القوم بأعز منكم ولا أجلد ولولا تواكلنا لما أطعناهم وإن فينا لمنعة، فقال له قومه:
أشر بما ترى فنحن لك تابعون ولما تدعونا إليه مسارعون إلا أنك تعلم أن القوم أكثر منا عددا ونخاف أن لا نقوم لهم عند المنابذة، فقال لهم: قد رأيت أن أصنع للملك طعاما ثم أدعوه وقومه فإذا جاءونا قمت أنا إلى الملك وقتلته وقام كل واحد منكم إلى رئيس من رؤسائهم يفرغ منه فإذا فرغنا من الأعيان لم يبق للباقين قوة، فنهتهم أخت الأسود بن غفار عن الغدر وقالت: نافروهم فلعل الله أن ينصركم عليهم لظلمهم بكم، فعصوها، فقالت:
لا تغدرنّ فإن الغدر منقصة، ... وكل عيب يرى عيبا وإن صغرا
إني أخاف عليكم مثل تلك غدا، ... وفي الأمور تدابير لمن نظرا
حشّوا شعيرا لهم فينا مناهدة، ... فكلكم باسل أرجو له الظفرا
شتّان باغ علينا غير موتئد ... يغشى الظّلامة لن تبقي ولن تذرا
فأجابها أخوها الأسود وقال:
إنّا لعمرك لا نبدي مناهدة ... نخاف منها صروف الدهر إن ظفرا
اني زعيم لطسم حين تحضرنا ... عند الطعام بضرب يهتك القصرا
وصنع الأسود الطعام وأكثر وأمر قومه أن يدفن كل واحد منهم سيفه تحته في الرمل مشهورا، وجاء الملك في قومه فلمــا جلسوا للأكل وثب الأسود على الملك فقتله ووثب قومه على رجال طسم حتى أبادوا أشرافهم ثم قتلوا باقيهم، وقال الأسود بن غفار عند ذلك:
ذوقي ببغيك يا طسم مجلّلة، ... فقد أتيت لعمري أعجب العجب
إنا أنفنا فلم ننفكّ نقتلهم، ... والبغي هيّج منا سورة الغضب
فلن تعودوا لبغي بعدها أبدا، ... لكن تكونوا بلا أنف ولا ذنب
فلو رعيتم لنا قربى مؤكّدة ... كنّا الأقارب في الأرحام والنسب
وقال جديلة بن المشمخرّ الجديسي وكان من سادات جديس:
لقد نهيت أخا طسم وقلت له: ... لا يذهبنّ بك الأهواء والمرح
واخش العواقب، إنّ الظلم مهلكة، ... وكلّ فرحة ظلم عندها ترح
فما أطاع لنا أمرا فنعذره، ... وذو النصيحة عند الأمر ينتصح
فلم يزل ذاك ينمي من فعالهم ... حتى استعادوا لأمر الغي فافتضحوا
فباد آخرهم من عند أولهم، ... ولم يكن لهم رشد ولا فلح
فنحن بعدهم في الحقّ نفعله ... نسقي الغبوق إذا شئنا ونصطبح
فليت طسما على ما كان إذ فسدوا ... كانوا بعافية من بعد ذا صلحوا
إذا لكنّا لهم عزّا وممنعة ... فينا مقاول تسمو للعلى رجح
وهرب رجل من طسم يقال له رياح بن مرة حتى لحق بتبّع قيل أسعد تبان بن كليكرب بن تبع الأكبر ابن الأقرن بن شمر يرعش بن أفريقس، وقيل: بل لحق بحسان بن تبع الحميري وكان بنجران، وقيل:
بالحرم من مكة، فاستغاث به وقال: نحن عبيدك ورعيتك وقد اعتدى علينا جديس، ثم رفع عقيرته ينشده:
أجبني إلى قوم دعوك لغدرهم ... إلى قتلهم فيها عليهم لك العذر
دعونا وكنّا آمنين لغدرهم، ... فأهلكنا غدر يشاب به مكر
وقالوا: اشهدونا مؤنسين لتنعموا ... ونقضي حقوقا من جوار له حجر
فلمــا انتهينا للمجالس كلّلوا ... كما كللت أسد مجوّعة خزر
فإنك لم تسمع بيوم ولن ترى ... كيوم أباد الحيّ طسما به المكر
أتيناهم في أزرنا ونعالنا، ... علينا الملاء الخضر والحلل الحمر
فصرنا لحوما بالعراء وطعمة ... تنازعنا ذئب الرّثيمة والنّمر
فدونك قوم ليس لله منهم ... ولا لهم منه حجاب ولا ستر
فأجابه إلى سواله ووعده بنصره ثم رأى منه تباطؤا فقال:
إني طلبت لأوتاري ومظلمتي ... يا آل حسّان يال العزّ والكرم
المنعمين إذا ما نعمة ذكرت، ... الواصلين بلا قربى ولا رحم
وعند حسّان نصر إن ظفرت به ... منه يمين ورأي غير مقتسم
إني أتيتك كيما أن تكون لنا ... حصنا حصينا ووردا غير مزدحم
فارحم أيامى وأيتاما بمهلكة، ... يا خير ماش على ساق وذي قدم
إني رأيت جديسا ليس يمنعها ... من المحارم ما يخشى من النّقم
فسر بخيلك تظفر إن قتلتهم ... تشفي الصدور من الأضرار والسقم
لا تزهدنّ فإنّ القوم عندهم ... مثل النعاج تراعي زاهر السّلم
ومقربات خناذيذ مسوّمة ... تعشي العيون وأصناف من النعم
قال: فسار تبع في جيوشه حتى قرب من جوّ، فلمــا
كان على مقدار ليلة منها عند جبل هناك قال رياح الطسمي: توقف أيها الملك فإن لي أختا متزوّجة في جديس يقال لها يمامة وهي أبصر خلق الله على بعد فإنها ترى الشخص من مسيرة يوم وليلة وإني أخاف أن ترانا وتنذر بنا القوم، فأقام تبع في ذلك الجبل وأمر رجلا أن يصعد الجبل فينظر ماذا يرى، فلمــا صعد الجبل دخل في رجله شوكة فأكبّ على رجله يستخرجها فأبصرته اليمامة وكانت زرقاء العين فقالت:
يا قوم إني أرى على الجبل الفلاني رجلا وما أظنه إلّا عينا فاحذروه! فقالوا لها: ما يصنع؟ فقالت: إما يخصف نعلا أو ينهش كتفا، فكذّبوها، ثمّ إنّ رياحا قال للملك: مر أصحابك ليقطعوا من الشجر أغصانا ويستتروا بها ليشبهوا على اليمامة وليسيروا كذلك ليلا، فقال تبع: أوفي الليل تبصر مثل النهار؟ قال: نعم أيها الملك بصرها بالليل أنفذ، فأمر تبع أصحابه بذلك فقطعوا الشجر وأخذ كل رجل بيده غصنا حتى إذا دنوا من اليمامة ليلا نظرت اليمامة فقالت: يا آل جديس سارت إليكم الشّجراء أو جاءتكم أوائل خيل حمير، فكذبوها فصبحتهم حمير فهرب الأسود بن غفار في نفر من قومه ومعه أخته فلحق بجبلي طيّء فنزل هناك، فيقال إن له هناك بقية، وفي شرح هذه القصة يقول الأعشى:
إذا أبصرت نظرة ليست بفاحشة ... إذا رفّع الآل رأس الكلب فارتفعا
قالت: أرى رجلا في كفه كتف، ... أو يخصف النعل، لهفا أيّة صنعا!
فكذّبوها بما قالت فصبّحهم ... ذو آل حسّان يزجي السّمر والسّلعا
فاستنزلوا آل جوّ من منازلهم، ... وهدّموا شاخص البنيان فاتضعا
ولما نزل بجديس ما نزل قالت لهم زرقاء اليمامة:
كيف رأيتم قولي؟ وأنشأت تقول:
خذوا خذوا حذركم يا قوم ينفعكم، ... فليس ما قد أرى م الأمر يحتقر
إني أرى شجرا من خلفها بشر، ... لأمر اجتمع الأقوام والشجر
وهي من أبيات ركيكة، وفتح تبّع حصون اليمامة وامتنع عليه الحصن الذي كانت فيه زرقاء اليمامة فصابره تبّع حتى افتتحه وقبض على زرقاء اليمامة وعلى صاحب الحصن وكان اسمه لا يكلم ثم قال لليمامة: ماذا رأيت وكيف أنذرت قومك بنا؟ فقالت: رأيت رجلا عليه مسح أسود وهو ينكبّ على شيء فأخبرتهم أنه ينهش كتفا أو يخصف نعلا، فقال تبّع للرجل: ماذا صنعت حين صعدت الجبل؟ فقال: انقطع شراك نعلي ودخلت شوكة في رجلي فعالجت إصلاحها بفمي وعالجت نعلي بيدي، قال: فأمر تبّع بقلع عينيها وقال: أحب أن أرى الذي أرى لها هذا النظر، فلمــا قلع عينيها وجد عروقهما كلها محشوة بالإثمد، قالوا:
وكان قال لها أنّى لك حدّة البصر هذه؟ قالت: إني كنت آخذ حجرا أسود فأدقّه وأكتحل به فكان يقوّي بصري، فيقال إنها أول من اكتحل بالإثمد من العرب، قالوا: ولما قلع عينيها أمر بصلبها على باب جوّ وأن تسمى باسمها فسميت باسمها إلى الآن، وقال تبع يذكر ذلك:
وسمّيت جوّا باليمامة بعد ما ... تركت عيونا باليمامة همّلا
نزعت بها عيني فتاة بصيرة ... رغاما ولم أحفل بذلك محفلا
تركت جديسا كالحصيد مطرّحا، ... وسقت نساء القوم سوقا معجّلا
أدنت جديسا دين طسم بفعلها، ... ولم أك لولا فعلها ذاك أفعلا
وقلت: خذيها يا جديس بأختها، ... وأنت لعمري كنت للظلم أولا!
فلا تدع جوّ ما بقيت باسمها، ... ولكنها تدعى اليمامة مقبلا
قالوا: وخربت اليمامة من يومئذ لأن تبّعا قتل أهلها وسار عنها ولم يخلّف بها أحدا فلم تزل على ذلك حتى كان من حديث عبيد بن ثعلبة بن يربوع بن ثعلبة بن الدّؤل بن حنيفة ما ذكرته في حجر، وممن ينسب إلى اليمامة جبير بن الحسن من أهل اليمامة قدم الشام ورأى عمر بن عبد العزيز وسمع رجاء بن حيوة ويعلى بن شدّاد بن أوس وعطاء ونافعا وعون بن عبد الله بن عتبة والحسن البصري، وروى عنه الأوزاعي وأبو إسحاق الفزاري ويحيى بن حمزة وعبد الصمد بن عبد الأعلى السلامي وعكرمة بن عمّار وخالد بن عبد الرحمن الخراساني وعلي بن الجعد، قال عثمان بن سعيد الدارمي: سألت يحيى بن معين عن جبير فقال: ليس بشيء، وقال أبو حاتم: لا أرى بحديثه بأسا، قال النسائي: هو ضعيف.

حور

حور: {يحور}: يرجع. {الحواريين}: صفوة الأنبياء. {حُور}: جمع حوراء، وهي الشديدُ بياضُ عينها في شدة سواد السواد. {يحاوره}: يخاطبه.

حور


حَوِرَ(n. ac. حَوَر)
a. see IX (b)
حَوَّرَa. Rolled, flattened.
b. Whitewashed (wall).
حَاْوَرَa. Spoke, conversed with.

أَحْوَرَa. Answered, replied, responded to.
b. Gave, produced, yielded (result).

تَحَاْوَرَa. Talked, conversed together.

إِحْوَرَّa. Was white; dazzling.
b. Was bright, brilliant (eye).
إِسْتَحْوَرَa. Cross-examined; interrogated.

حَوْرa. Bottom; depth.
b. see 4
حُوْرa. Loss, injury, detriment.

حَوَر
(pl.
حُوْرَاْن)
a. Red leather.
b. Thin skin.

أَحْوَرُ
(pl.
حُوْر)
a. Brighteyed.

مِحْوَر
(pl.
مَحَاْوِرُ)
a. Rollingpin.
b. Axis, pivot.

حَوَاْرِيّa. Disciple.
b. The Apostles.

مَحَار []
مَحَارَة []
a. Shell; oyster.

حَوْر
a. Poplar.

حَوْر رُوْمِي
a. White-poplar.

حَوْر فَارِسِيّ
a. Black-poplar.
(حور) : يُقالُ للشَّيءْ يُتَعَجَّبُ منه: أَحارِ، قالَ:
تَزُوُرُونَها ولا أَزُورُ نِساءَكُم ... أَحارِ لأَولادِ الإِماءِ الحَواطِبِ
(حور) الدَّقِيق أَو الثَّوْب بيضه والأديم صبغه بحمرة والقرص دوره بالمحور وَالدَّابَّة وَنَحْوهَا كواها كَيَّة مستديرة والخف وَنَحْوه بَطْنه بحور والخبزة وَنَحْوهَا هيأها وأدارها ليضعها فِي الْملَّة وَالشَّيْء رجعه وَيُقَال حور الله فلَانا خيبه ورجعه إِلَى النَّقْص وحور فلَان الْكَلَام غَيره (محدثة)
حور وَقَالَ أَبُو عبيد: فِي حَدِيث النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام: الزبير ابْن عَمَّتي وحواري من أمتِي. يُقَال: إِن أصل هَذَا وَالله أعلم إِنَّمَا هُوَ من الحورايين أَصْحَاب عِيسَى بن مَرْيَم صلوَات الله عَلَيْهِ وعَلى نَبينَا وَإِنَّمَا سموا حواريين لأَنهم كَانُوا يغسلون الثِّيَاب [أَي] يحورونها وَهُوَ التبييض. يُقَال: حورت الشَّيْء إِذا بيضته وَمِنْه قيل: امْرَأَة حوارية إِذا كَانَت بَيْضَاء قَالَ الشَّاعِر: [الطَّوِيل]

فَقل للحواريات يببكين غَيْرَنَا ... وَلاَ تَبْكِنَا إِلَّا الْكِلاَبُ النَوابحُ

كَانَ أَبُو عُبَيْدة يذهب بالحواريات إِلَى نسَاء الْأَمْصَار دون أهل الْبَوَادِي وَهَذَا عِنْدِي يرجع إِلَى ذَلِك الْمَعْنى لِأَن عِنْد هَؤُلَاءِ من الْبيَاض مَا لَيْسَ عِنْد أُولَئِكَ من الْبيَاض فسماهن حواريات لهَذَا فَلَمَّــا كَانَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام نَصره هَؤُلَاءِ الحواريون فَكَانُوا شيعته وأنصاره دون النَّاس فَقيل: فعل 43 / ب الحواريون كَذَا / وَنَصره الحواريون بِكَذَا جرى هَذَا على أَلْسِنَة النَّاس حَتَّى صَار مثلا لكل نَاصِر فَقيل: حوارِي إِذا كَانَ مبالغا فِي نصرته تَشْبِيها بأولئك هَذَا كَمَا بلغنَا وَالله أعلم وَهَذَا كَمَا قلت لَك: إِنَّهُم يحولون اسْم الشَّيْء إِلَى غَيره إِذا كَانَ من شَبيه.
ح و ر: حَارَ رَجَعَ، وَبَابُهُ قَالَ وَدَخَلَ. وَفُلَانٌ (حَائِرٌ) بَائِرٌ يَعْنِي هُوَ هَالِكٌ أَوْ كَاسِدٌ. وَ (الْحَوَرُ) بِفَتْحَتَيْنِ جُلُودٌ حُمْرٌ تُغَشَّى بِهَا السِّلَالُ الْوَاحِدَةُ (حَوَرَةٌ) بِفَتْحَتَيْنِ أَيْضًا. وَ (الْحَوَرُ) أَيْضًا شِدَّةُ بَيَاضِ الْعَيْنِ فِي شِدَّةِ سَوَادِهَا. وَامْرَأَةٌ (حَوْرَاءُ) بَيِّنَةُ (الْحَوَرِ) يُقَالُ: احْوَرَّتْ عَيْنُهُ (احْوِرَارًا) . قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: مَا أَدْرِي مَا الْحَوَرُ فِي الْعَيْنِ. وَقَالَ أَبُو عَمْرٍو: (الْحَوَرُ) أَنْ تَسْوَدَّ الْعَيْنُ كُلُّهَا مِثْلُ أَعْيُنِ الظِّبَاءِ وَالْبَقَرِ. قَالَ: وَلَيْسَ فِي بَنِي آدَمَ حَوَرٌ وَإِنَّمَا قِيلَ لِلنِّسَاءِ حُورُ الْعُيُونِ تَشْبِيهًا بِالظِّبَاءِ وَالْبَقَرِ. وَ (تَحْوِيرُ) الثِّيَابِ تَبْيِيضُهَا. وَمِنْهُ قِيلَ لِأَصْحَابِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: الْحَوَارِيُّونَ لِأَنَّهُمْ كَانُوا قَصَّارِينَ. وَقِيلَ (الْحَوَارِيُّ) النَّاصِرُ. قَالَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ ابْنُ عَمَّتِي وَحَوَارِيَّ مِنْ أُمَّتِي» ، وَ (الْحُوَّارَى) بِالضَّمِّ وَتَشْدِيدِ الْوَاوِ مَقْصُورٌ مَا حُوِّرَ مِنَ الطَّعَامِ أَيْ بُيِّضَ. وَهَذَا دَقِيقٌ حُوَّارَى. وَ (حَوَّرَهُ فَاحْوَرَّ) أَيْ بَيَّضَهُ فَابْيَضَّ. وَ (الْحُوَارُ) بِالضَّمِّ وَلَدُ النَّاقَةِ وَلَا يَزَالُ حُوَارًا حَتَّى يُفْصَلَ فَإِذَا فُصِلَ عَنْ أُمِّهِ فَهُوَ فَصِيلٌ وَثَلَاثَةُ (أَحْوِرَةٍ) وَالْكَثِيرُ (حِيرَانٌ) وَ (حُورَانٌ) أَيْضًا. وَ (حَوْرَانُ) بِالْفَتْحِ وَسُكُونِ الْوَاوِ مَوْضِعٌ بِالشَّامِ. وَ (الْمُحَاوَرَةُ) الْمُجَاوَبَةُ وَالتَّحَاوُرُ التَّجَاوُبُ. 
حور: تحاور ب: استعمل الكلمة في تحاوره مع غيره أي في تجاوبه وتراجعه في الكلام مع غيره (العبدري في الجريدة الآسيوية 1845، 1: 407).
حَوءر، واحدته حَوْرَة: زان، مُرَّان (فوك) ودردر، شجر البق، ألم، بوقيصا (الكالا) وحور أبيض (راولف ص58). حور فارسي وكذلك حور رومي: حور اسود (زيشر 11: 478 رقم 5) وفي معجم بوشر: حورة رومية: مغث، جار الماء.
الحور الرجراج: الحور المرتجف، وهو صنف من الحور ترتجف أوراقه لقل نسمه (بوشر).
حُور: جمع حوراء وتستعمل مفردة بمعنى حُورية (معجم الأسبانية ص287). حَوَر: جلد ضأن مدبوغ تجلد به الكتب.
وجلد الحور: جلد ضأن مدبوغ (بوشر).
حارة: زقاق (بوشر) وقرية، دسكرة (دي سلان، البكري ص115).
حورة وجمعها حُوَر: جلد نعجة مدبوغ (بوشر).
عمل سُغُردِيَة وحَوءرِيَّة: رقص (فوك).
حُورِيَة: حوراء (فوك، بوشر، معجم الأسبانية ص287).
وحورية: تحريف الحَوَاريَّة عند العامة (محيط المحيط).
حَوَرْوَرَة: قطعة من الأرض مبيضة التراب (محيط المحيط).
حَوَار: طباشير ابيض (همبرت ص172) وفي رياض النفوس (ص52 ق): فرأيت في جدار بيته القبلي حوراً وهي الخطوط فقلت له أصلحك الله ما هذه الخطوط التي في الحائط، فقال هذه سبعة شعر ألف ختمة ختمتها ل الله على قدمي.
حَوَارَة: طباشير أبيض (همبرت ص172، بوشر).
وحوارة: فليس، حجر يابس يميل إلى البياض) (بوشر).
حُوَّاري: اشتق هذا الوصف من حُوَّاري وهو اسم أفضل أنواع الدقيق. ففي رياض النفوس (ص58 ق): رأيت أنا وزابا هارون شواء وحلوا وجردقا حواريا فاشتهيناه جميعا، ثم يذكر بعد ذلك: خبز حواري.
مِحْوَر: قطب الإسطرلاب. انظر معجم الأسبانية (ص164) مَحَارَة: صدفة، وتجمع على محائر أيضاً (ميهرن ص35) ومحائر هذه تطلق في مصر على نوع من الوزان (العيارات) قدرت بالمحارة. ومن هذا الجمع محائر أخذ اسم الوحدة مَحَائِرَة على طريقة العامة في ذلك. وانظر باين سميث (1131) وفيه: مجايز ومجايزة وهو خطا.
مَحَارَة الكحل: ذكرت في المعجم اللاتيني - العربي في مادة ( Citicula) والصواب ( Cisticula) .
مُحَوَّر: ضرب من الكسكسي الأبيض الدقيق (شيرب).
مَحْوَرة: المكان كثر فيه شجر الحور (مولدة) (محيط المحيط).
مَحائِرَة: أنظر مَحارة.
مَحَائِري: من يبيع الحدائج التي تسمى مَحَائر (المقريزي مادة الأسواق).
ح و ر

في عينها حور، واحورت عينها. وقال ذو الرمة:

إذا شف عن أجيادها كل ملجممن القز واحورت إليك المحاجر أي ابيضت، وجفنة محورة مبيضة بالسديف قال:

يا ورد إني سأموت مره ... فمن حليف الجفنة المحورة

ودقيق وخبز حواري قال النمر:

لها ما تشتهي عسل مصفى ... وإن شاءت فحواري بسمن

وامرأة حوارية، ونساء حواريات: بيض. قال الأخطل:

حوارية لا يدخل الذم بيتها ... مظهرة يأوي إليها مطهر وقال آخر:

فق للحواريات يبين غيرنا ... ولا يبكنا إلا الكلاب النوابح

و" أعوذ بالله من الحور بعد الكور ". والباطل في حور، وهما النقصان، كالهون والهون، والضعف والضعف. وحاورته: راجعته الكلام، وهو حسن الحوار، وكلمته فما رد عليّ محورة، وما أحار جواباً أي ما رجع. قال الأخطل:

هلا ربعت فتسأل الأطلالا ... ولقد سألت فما أحرن سؤالا

وأحار البعير بحرته. قال:

وهن بزوك لا يحرن بجرة ... لهن بمبيض اللغام صريف

وحور القرص: دوره بالمحور. ونزلنا في حارة بني فلان وهي مستدار من فضاء، وبالطائف حارات: منها حارة بني عوف، وحارة الصقلة. وهو:

مسيخ مليخ كلحم الحوار ... فلا أنت حلو ولا أنت مر

ومن المجاز: قلقت محاوره إذا اضطربت أحواله استعير من حال محور البكرة إذا املاس واتسع الخرق ففلق واضطرب. قال:

يا هيء مالي قلقت محاوري ... وصار أمثال الفغا ضرائري

مقدمات أيدي المواخر ... فصرت فيما بينها كالساحر

وما يعيش فلان بأحور أي بعقل صاف، كالطرف الأحور الناسع البياض والسواد. قال ابن هرمة:

جلبن عليك الشوق من كل مجلب ... بعيد ولم يتركن للمرء أحورا

وقال عروة بن الورد:

وما أنس من شيء فلا أنس قولها ... لجارتها ما إن يعيش بأحورا
حور
الحَوْرُ: التّردّد إمّا بالذّات، وإمّا بالفكر، وقوله عزّ وجلّ: إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ
[الانشقاق/ 14] ، أي: لن يبعث، وذلك نحو قوله: زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا، قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ [التغابن/ 17] ، وحَارَ الماء في الغدير: تردّد فيه، وحَارَ في أمره: تحيّر، ومنه:
المِحْوَر للعود الذي تجري عليه البكرة لتردّده، وبهذا النّظر قيل: سير السّواني أبدا لا ينقطع ، والسواني جمع سانية، وهي ما يستقى عليه من بعير أو ثور، ومَحَارَة الأذن لظاهره المنقعر، تشبيها بمحارة الماء لتردّد الهواء بالصّوت فيه كتردّد الماء في المحارة، والقوم في حَوْرٍ أي: في تردّد إلى نقصان، وقوله: «نعوذ بالله من الحور بعد الكور» أي: من التّردّد في الأمر بعد المضيّ فيه، أو من نقصان وتردّد في الحال بعد الزّيادة فيها، وقيل: حار بعد ما كار. والمُحاوَرَةُ والحِوَار: المرادّة في الكلام، ومنه التَّحَاوُر، قال الله تعالى: وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحاوُرَكُما [المجادلة/ 1] ، وكلّمته فما رجع إليّ حَوَاراً، أو حَوِيراً أو مَحُورَةً ، أي: جوابا، وما يعيش بأحور، أي بعقل يحور إليه، وقوله تعالى:
حُورٌ مَقْصُوراتٌ فِي الْخِيامِ
[الرحمن/ 72] ، وَحُورٌ عِينٌ [الواقعة/ 22] ، جمع أَحْوَرَ وحَوْرَاء، والحَوَر قيل: ظهور قليل من البياض في العين من بين السّواد، وأَحْوَرَتْ عينه، وذلك نهاية الحسن من العين، وقيل:
حَوَّرْتُ الشّيء: بيّضته ودوّرته، ومنه: الخبز الحُوَّارَى، والحَوَارِيُّونَ أنصار عيسى صلّى الله عليه وسلم، قيل:
كانوا قصّارين ، وقيل: كانوا صيّادين، وقال بعض العلماء: إنّما سمّوا حواريّين لأنهم كانوا يطهّرون نفوس النّاس بإفادتهم الدّين والعلم المشار إليه بقوله تعالى: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً [الأحزاب/ 33] ، قال: وإنّما قيل: كانوا قصّارين على التّمثيل والتشبيه، وتصوّر منه من لم يتخصّص بمعرفته الحقائق المهنة المتداولة بين العامّة، قال: وإنّما كانوا صيّادين لاصطيادهم نفوس النّاس من الحيرة، وقودهم إلى الحقّ، قال صلّى الله عليه وسلم: «الزّبير ابن عمّتي وحواريّ» وقوله صلّى الله عليه وسلم: «لكلّ نبيّ حَوَارِيٌّ وحواريّ الزّبير» فتشبيه بهم في النّصرة حيث قال: مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ قالَ الْحَوارِيُّونَ: نَحْنُ أَنْصارُ اللَّهِ [الصف/ 14] .
[حور] فيه: الزبير ابن عمتي و"حواري" أي خاصتي من أصحابي وناصري. ومنه: "الحواريون" أصحاب المسيح أي خلصانه وأنصاره، وأصله من التحوير: التبييض، قيل: كانوا قصارين يحورون الثياب أي يبيضونها. ومنه الخبز "الحواري" الذي نخل مرة بعد أخرى، الأزهري: الحواريون خلصان الأنبياء وتأويله الذين أخلصوا ونقوا من كل عيب. ك: "حواري" الزبير بخفة واو وشدة ياء لفظ مفرد وإذا أضيف إلى ياء المتكلم فقد يحذف الياء اكتفاء بالكسرة، وقد تبدل فتحة للتخفيف، وهذا الوصف وإن عم الصحابة لكنه صدر منه نصرة خاصة حين قال صلى الله عليه وسلم: من يأتيني بخبر القوم؟ ط: إلا كان له أصحاب من أمته "حواريون" وأصحاب، ثم أنه تخلف كان أصحابه قصارين يحورون فلمــا صاروا أنصاره قيل لكل ناصر لنبي: حواري، وأصحاب عطف تفسير، أو عطف مغايرة، وثم للتراخي في الزمان، وليس وراء ذلك إشارة إلى الإيمان في المرتبة الثالثة، أو إلى المذكور كله من مراتب الإيمان. والنقي الحواري بضم حاء وشدة واو وبفتح راء ما حور من الطعام أي بيض. ك: "الحورانية" بفتح مهملة بلد بأرض الشام.معهم مسرورًا بالكفر يضحك ممن أمن. "وهو يحاوره" يراجع الكلام. نه وفيه: أنه كوى أسعد على عاتقه "حوراء" هي كية مدورة، من حار يحور إذا رجع، وحوره إذا كواه هذه الكية كأنه رجعها فأدارها. ومنه: رواية "فحوره" رسول الله. ومنه ح: لما أخبر بقتل أبي جهل قال: إن عهدي به وفي ركبتيه "حوراء" فانظروا، فرأوه، يعني أثر كية. والكبش "الحوري" منسوب إلى الحور وهي جلود تتخذ من جلود الضأن، وقيل: ما دبغ من الجلود بغير القرظ. ش: هو بمهملة وواو مفتوحتين وراء مكسورة وياء نسبة أي الأبيض الجيد، ولم يؤخذ في الصدقة لأنه خيار المال.
[حور] حارَ يَحورُ حَوْراً، وحُؤُوراً: رجع. يقال: حار بعد ماكار. و " نعوذ بالله من الحَوْرِ بعد الكَوْرِ " أي من النقصان بعد الزيادة. وكذلك الحور بالصم. وفي المثل: " حورٌ في مَحارةٍ "، أي نُقْصانٌ في نقصانٍ. يُضربُ مثَلاً للرجل إذا كان أمره يدبر. قال الشاعر : واستعجلوا عن خَفيفِ المَضْغ فازدردوا * والذمُّ يَبقى وزادُ القوم في حورِ - والحور أيضاً: الاسم من قولك: طحَنتِ الطاحنةُ فما أَحارَتْ شيئاً، أي ما ردَّتْ شيئاً من الدقيق. والحور أيضا: الهلكة. قال الراجز :

في بئر لا حور سرى وما شعرى * قال أبو عبيدة: أي في بئر حور، ولا زيادة. وفلان حائر بائِرٌ، هذا قد يكون من الهلاك، ومن الكَساد. والمَحارَةُ: الصَدَفة أو نحوُها من العظم. ومحارة الحَنَكِ: فويق موضع تحنيك البيطار. والمَحارةُ: مرجِع الكتف. والمَحَارُ: المرجع. وقال الشاعر: نحو بنو عامر بنِ ذُبيانَ وال‍ * - ناسُ كَهامٍ مَحارُهُمْ للقُبورِ - والحَوَرُ: جُلودٌ حُمر يُغَشَّى بها السلال، الواحدة، حَوَرَةُ. قال العجاج يصف مخالب البازي: كأنما يَمزِقْن باللَحمِ الحَوَرْ * والحَوَرَ أيضاً: شِدَّةُ بياض العين في شدّة سوادِها. يقال: امرأةٌ حوراءُ بيِّنةُ الحَوَرِ. ويقال: احْوَرَّتْ عينهُ احورارا. واحور الشئ: ابيض. قال الاصمعي: لا أدرى ما الحور في العين؟ وقال أبو عمرو: الحور أن تسود العين كلها مثل أعين الظباء والبقر. قال: وليس في بنى آدم حور، وإنما قيل للنساء حور العيون لانهن شبهن بالظباء والبقر. وتحوير الثياب: تبيضها. وقول العجاج:

بأعيُنٍ مُحَوِّراتٍ حورِ * يعني الأعين النقيّات البياض، الشديدات سواد الحدَقِ. وقيل لأصحاب عيسى عليه السلام: الحَوارِيُّونَ، لأنَّهم كانوا قَصَّارِينَ. ويقال: الحَوارِيُّ: الناصر. قال النبي صلى الله عليه وسلم: " الزُبير ابن عمَّتي وحَواريِّي من أُمَّتي ". وقيل للنساء الحواريات لبياضهن. وقال اليشكرى : فقل للحواريات يبكين غيرنا * ولا تبكنا إلاَّ الكلابُ النَوابحُ - والأحْوَرُ: كوكب، وهو المشتري. ابن السكيت: يقال: ما يعيش بأَحْوَرَ، أي ما يَعيش بعقل. والأَحْوَرِيُّ: الأبيض الناعم. والاحوارى، بالضم وتشديد الواو والراء مفتوحة: ما حُوِّرَ من الطعام، أي بُيِّضَ. وهذا دقيقٌ حُوَّاري. وحورته فاحور، أي بيضة فابيض. والجفنة المُحْوَرَّةُ: المبيَضَةُ بالسَنام. قال الراجز : يا ورد إنى سأموت مره * فمن حليف الجفنة المحوره - وقول الكميت:

عَجِلْتُ إلى مُحْوَرِّها حين غرغرا * يريد بياض زبد القدر. ويقال: حَوِّرْ عينَ بعيرك، أي حجر حولها بكى. وحور الخُبْزَةَ، إذا هيَّأها وأدارها ليضَعها في المَلَّة. والمِحْوَرُ: عود الخبّاز. والمِحْوَرُ: العود الذي تَدور عليه البَكْرة، وربَّما كان من حديد. والحُِوَارُ : ولدُ الناقة. ولا يزال حوارا حتى يفصل، فإذا فصل عن أمِّه فهو فَصيلٌ. وثلاثَةُ أَحْوِرَةٍ، والكثير حيرانٌ وحورانٌ أيضاً. وحوران بالفتح: موضع بالشام. والمُحَاوَرَةُ: المُجاوَبَةُ. والتَحاوُرُ: التجاوُب. ويقال: كلَّمتُه فما أحارَ إليَّ جواباً، وما رجَع إليّ حَويراً ولا حويرةً، ولا مَحورةً، ولا حِوَاراً، أي ما ردَّ جواباً. واستَحَارَهُ، أي استنقطه.
حور
الحَوْرُ: الرُّجُوْعُ إلى الشَّيْءِ وعنه. وحارَتِ الغُصَّةُ تَحُوْرُ: انْحَدَرَتْ، وأحارَها صاحِبُها. وكُلُّ شَيْءٍ يَتَغَّيُر من حالٍ إلى حالٍ: فقد حارَ. وفي الحديث: " الحَوْر بَعْدَ الكَوْرِ أي الزِّيادَة بعد النُّقْصانِ. والمُحَاوَرَةُ: مُرَاجَعَةُ الكَلامِ. حاوَرْتُ فلاناً، وأحَرْتُ إليه جَوَاباً، والمَحُوْرُ: مَرْجُوْعُ الجَوابِ. وما أحَارَ بكلمةٍ. والحَوِيْرُ: المُحَاوَرَةُ، وكذلك الحِوَارُ والحِوَرُ والمَحُوْرَةُ أيضاً.
ويقولُ الرَّجُلُ لِصاحِبِه: واللِه ما تَحُوْرُ ولا تَحُوْلُ، أي لا تَزْدادُ خَيْراً. ومَحَاوِرُ الرَّجُلِ: مَصَائرُ أمْرِه، واحِدَتُها: مَحْوَرَةٌ. والمَحُوْرَةٌ - أيضاً - الرُّجُوْعُ. والحُوْرُ: النُّقْصَانُ - بِضَمِّ الحاءِ؛ على مِثالِ النُّوْرِ -. وفي مَثَلٍ: " حُوْرٌ في مَحَارَةٍ " أي باطِلٌ في نَقْصٍ، وقد يُفْتَحُ الحاءُ ومَعْناه: رُجُوْعٌ في نُقْصَانٍ. والمَحَارَةُ: المَنْقَصَةُ. وإنَّه لَفي حُوْرٍ وبُوْرٍ: أي في ضَيْعَةٍ. والإحَارَةُ: رَجْعُ اليَدِ في السَّيْرِ. والحَوْرُ: ما تَحْتَ الكَوْرِ من العِمامَةِ. وهي أيضاً: خَشَبَةٌ يُقال لها البَيْضَاءُ. وكذلك الأدِيْمُ المَصْبُوْغُ بِحُمْرَةٍ، يُقال: حَوَّرْتُه تَحْوِيْراً، والجَميعُ: الأحْوَارُ.
والحِوَارُ والحُوَارُ: الفَصِيْلُ أوَّلَ ما يُنْتَجُ، والجَمِيعُ: الحِيْرَانُ. وأحارَتِ النّاقَةُ: صارَتْ ذاتَ حُوَارٍ، والعَرَبُ تُسَمِّي عَقْرَبَ الشِّتَاءِ: عُقَيْرِبَ الحِيْرَانِ، ولا يُنْتِجُوْنَ فيها، أي تُضِرُّ بالحُوَارِ.
والحَوَرُ: الأَدْيْمُ المَصْبُوْغُ بِحُمْرَةٍ. والحَوَرُ: شِدَّةُ بَيَاضِ بَيَاضِ العَيْنِ في شِدَّةِ سَوَادِ سَوَادِها، وامْرَأةٌ حَوْراءُ: بَيْضاءُ حَسَنَة.واحْوَرَّتْ عَيْنُ. صارتْ حَوْراءَ. والجَميعُ: الحُوْرُ والحِيْرُ. وامْرَأةٌ حَوَارِيَّةٌ: بَيْضاء. وعَيْنٌ حَوْراءُ: مُسْتَدِيْرَةٌ. والمِحْوَرُ: الحَدِيْدَةُ التي يَدُوْرُ فيها لِسَانُ الإبْزِيْمِ. وهي أيضاً: الخَشَبَةُ التي تَدُوْرُ عليها البَكْرَةُ، والتي يُبْسَطُ بها العَجِيْنُ. والحُوّاري: أجْوَدُ الدَّقِيْقِ وأخْلَصُه. وحَوَّرْتُ الدَّقِيْقَ: بَيَّضْتُه. وحُرْتُ الثَّوْبَ وحَوَّرْتُه: بَيَّضْتُه بالغَسْل. والحَوَارِيُّوْنَ: ناصِرُوْ النبي صلى الله عليه وسلم، وناصِرُوْ عيسى بن مريم صلى الله عليه وسلم، وكُلُّ مُجَاهِدٍِ عند العَرَبِ: حَوَارِيٌّ.
وقال الأصمعيُّ: ما يَعِيْشُ بأحْوَرَ؛ أي بعَقْلٍ، وقيل بقَلْبٍ وَحَاشٍ. وماله حَوَرْوَرٌ: أي شَيْءٌ. وحَوَّرْتُ البَعيرَ: كَوَيْتُه، والمِحْوَرَةُ: المِكْوَاةُ. وحَوِّرْ عَيْنَ بَعِيرِكَ: أي حَجِّرْ حَوْلَها بِكَيٍّ. والكَيَّةُ تُسَمّى الحَوْرَاءَ.
وحَوَّرَ الحائطَ: بمَعْناه. والحارَةُ: كلُّ مُسْتَدَارٍ من فَضَاءٍ وغيرِه مَبْنِيّاً أوغيرَ مَبْنِيٍّ. وحُوِّرَتْ خَوَاصِرُ الإبِلِ: وهو أنْ يُؤْخَذَ خِثْيُها فَيُضْرَبَ به على خَوَاصِرِها. والحائرُ: المَهْزُوْلُ. والوَدَكُ أيضاً. واحْوَرَّتِ القِدْرُ: ابْيَضَّ لَحْمُها قبل النُّضْجِ.
والحَوَرُ: ما تَحْفِلُ به النِّساءُ وُجُوْهَها عند الزِّيْنَةِ؛ يُتَّخَذُ من الرَّصَاصِ. والحَوَرُ: شَجَرٌ، في قول الراعي:
كالجَوْزِ نُطِّقَ بالصَّفْصَافِ والحَوَرِ
وفي المَثَلِ في شَوَاهِدِ الظّاهِرِ على الباطِنِ " أرَاكَ بَشَرٌ ما أحَارَ مِشْفَرةٌ " أحَارَ: رَدَّ إلى جَوْفِه، وهو كقولهم: " عَيْنُه فِرَارُه ".
وطَحَنْتُ الطّاِحَنَة فما أحَارَتْ شَيْئاً من الدَّقِيقِ: أي ما رَدَّتْ. والحَوَرُ: أنْ تَسْوَدَّ عَيْنُ البَقَرَةِ والظَّبْيِ كُلُّها، وليس في بَني آدَمَ أحْوَرُ.
حور
حارَ يَحُور، حُرْ، حَوْرًا، فهو حائر، والمفعول مَحُور (للمتعدِّي)
• حار فلانٌ: رجَع " {إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ}: أنّه لن يُبعث للحساب".
• حار الشَّيءُ: نقص، كسَد "حار القمحُ بعد أن يَبِس- أعوذ بالله من الحَوْر بعد الكور: من النَّقص بعد الزِّيادة".
• حار الثَّوبَ: غسله وبيَّضه. 

حوِرَ يَحوَر، حَوَرًا، فهو أحوَرُ
• حوِرتِ العينُ: اشتدّ بياضُ بياضها وسوادُ سوادها واستدارت حدقتُها، ورقَّت جفونُها "عين حوراءُ- إنَّ العيون التي في طرفها حَوَرٌ ... قتلْننا ثم لم يُحْيين قتلانا". 

أحارَ يُحير، أحِرْ، إحارةً، فهو مُحير، والمفعول مُحار
• أحار الجوابَ: ردّه "سأله فلم يُحِرْ جوابًا". 

احورَّ يحورّ، احورارًا، فهو مُحوَرّ
• احورَّ فلانٌ:
1 - صار ذا حَوَر؛ أي ذا عين اشتدّ بياضُ بياضها وسوادُ سوادها واستدارت حدقتُها ورقَّت جفونُها "احوّرت عينُه".
2 - ابيضّ. 

تحاورَ يتحاور، تحاوُرًا، فهو مُتحاوِر
• تحاور القومُ: تبادلوا الحديثَ وتجادلوا "تحاور المديرُ مع رئيس المكتب- هذه الندوة للتحاور حول مستقبل أفضل- {وَاللهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا} ". 

تحوَّرَ يتحوَّر، تحوُّرًا، فهو مُتحوِّر
• تحوَّر الكلامُ ونحوُه: مُطاوع حوَّرَ: تغَيَّر. 

تمحورَ يتمحور، تَمَحْوُرًا، فهو مُتمحوِر (انظر: م ح و ر - تمحورَ). 

حاورَ يحاور، مُحاورةً وحِوارًا، فهو مُحاوِر، والمفعول مُحاوَر
• حاورَ فلانًا:
1 - جاوَبه وبادله الكلامَ "حاور أستاذَه- {قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ} ".
2 - جادَله " {قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ} ".
3 - راوغه واحتال عليه. 

حوَّرَ يحوِّر، تحويرًا، فهو مُحوِّر، والمفعول مُحوَّر
• حوَّر الأمرَ: غيّره وعَدّله "حوَّر كلامَه: غيَّر بعضًا منه- حوَّر بعضَ أحداث روايته".
 • حَوَّر القُرصَ: دوَّره بالمِحوَر وهو عود من حديد أو غيره تدور عليه البكرة "حوَّرَ الخُبْزَةَ".
• حوَّر الدَّقيقَ أو الثَّوبَ: بيّضه. 

محوَرَ يمحوِر، مَحْوَرةً، فهو مُمحوِر، والمفعول مُمحوَر (انظر: م ح و ر - محوَرَ). 

إحارة [مفرد]: مصدر أحارَ. 

أَحْوَرُ [مفرد]: ج حُور، مؤ حَوراءُ، ج مؤ حُور: صفة مشبَّهة تدلّ على الثبوت من حوِرَ. 

حائر [مفرد]: اسم فاعل من حارَ. 

حارَة [مفرد]:
1 - حيّ، محلّة متّصلة المنازل، مدخل ضيِّق لمجموعة من المنازل (انظر: ح ي ر - حارَة) "يسكن في الحارَة المجاورة".
2 - (رض) أحد المجازات أو المدارات المتوازيَة التي تُعيِّن الحُدود لمُتبارٍ في سباق خاصّةً السباحة أو المضمار. 

حِوار [مفرد]: ج حوارات (لغير المصدر):
1 - مصدر حاورَ.
2 - حديث يجري بين شخصين أو أكثر "جرى حوار مفتوح بين الرئيس ومندوبي الصحف" ° حِوار أدبيّ- حِوار الطُّرْش: تباحث بين مخاطبين لا يفهم بعضُهم بعضا- حِوار هادئ: خالٍ من الانفعال.
3 - نصّ إذاعيّ أو سينمائيّ أو تليفزيونيّ في قالب حديث بين أشخاص "حِوار إذاعيّ/ تليفزيونيّ/ سينمائيّ". 

حَوارِيّ [مفرد]: صاحب وناصر ومؤيّد "لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوَارِيِّي وَحَوَارِيَّي الزُّبَيْرُ [حديث] ".
• الحواريُّون: أنصار عيسى عليه السَّلام " {كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللهِ} ". 

حَوارِيَّة [مفرد]: ج حَوارِيّات:
1 - مؤنَّث حَوارِيّ.
2 - امرأة بيضاء صافية البشرة "*فَقُل للحَواريّات يبكين غيرَنا*". 

حِواريَّة [مفرد]:
1 - اسم مؤنَّث منسوب إلى حِوار: "قدّم برامج إخبارية وحواريّة".
2 - مصدر صناعيّ من حِوار: حالة من التناغم والتلاؤم بين الأشياء "استمتع بحواريّة جميلة اشتركت فيها جميع الآلات الموسيقيّة".
3 - إمكانيّة تبادل الآراء والأفكار "تدعيم الحوارية هو السبيل لتكاتف المجتمع".
• اللاَّحواريَّة: حالة من التعصب للرأي وعدم سماع آراء الآخرين. 

حَوْر1 [مفرد]: مصدر حارَ. 

حَوْر2 [جمع]:
1 - (نت) جنس شجر متعدِّد الأنواع من الفصيلة الصفصافيّة.
2 - (نت) نبات يمتاز بأنّ له أزهارًا أحاديّة الجنس. 

حَوَر [مفرد]: مصدر حوِرَ. 

حُور [جمع]: مف حَوراءُ: نساء الجنّة " {حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ} ".
• حُور عين: نساءٌ بيض أو شديدات بياض العين مع شدّة سواد الحدقة، أو نساء واسعات العين مع شدّة بياض لبياضها وسوادٍ لسوادها " {مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ} ". 

حُوريَّة [مفرد]:
1 - فتاة أسطوريّة بالغة الحُسْن تتراءى في البحار والغابات والأنهار.
2 - امرأة حسناء بيضاء ناعمة "هذه المرأة السّاحرة الجمال كأنّها من حوريّات الجنّة".
3 - (حن) حشرة في طَوْر ما بعد البيضة في الحشرات الناقصة التحوُّل، وتختلف عن الحشرة البالغة في عدم وجود أجنحة وأعضاء تناسل فيها. 

مَحار [جمع]: مف محارة: (حن) حيوانات من الرِّخويّات تمتاز بأنّ لها أصدافًا مشرقة الألوان ولحمًا صالحًا للأكل "في المحار نوع من الحيوان البحريّ الذي يؤكل". 

مَحارة [مفرد]: ج مَحار:
1 - صدفة ونحوها.
2 - جوف الأذن الظَّاهر المتقعِّر "يبدأ مجرى السَّمع من المحارة". 

مُحاورة [مفرد]: ج محاورات:
1 - مصدر حاورَ.
2 - جدل يدور بين اثنين أو أكثر في موضوعات معيّنة "دارت مُحاورة بين الأعضاء حول قضيّة تعريب العلوم". 

مِحوَر [مفرد]: ج مَحاوِرُ:
1 - عود من حديد أو غيره تدور عليه البكرة "نابض ملفوف على مِحْوَر" ° مِحور العربة: قضيب يربط بين عجلتيها.
2 - مركز، مدارُ كُلِّ شيء "النزعة
 إلى التحرّر السياسيّ هي محور تاريخنا الحديث- كان موضوع حقوق الإنسان هو محور الحديث" ° محور الأرض: خطّ وهميّ تدور الأرض حوله- مشكلة مِحوريّة: مركزيّة أساسيّة ترتبط بها مشكلات أو قضايا أخرى.
3 - خط أساسيّ تدور حوله سياسة بلدين أو أكثر "محور النَّشاط السِّياسيّ للبلدين ينطلق من الاتّفاق في وجهات النَّظر".
4 - (دب) مُنطلق نفسيّ يتحرّك الفنان بحسبه، أو يدور حوله فيستثير عواطَفه ويبتعث فيه الأفكارَ والأخيلَة "إنّ السِّياسة والعقيدة والجنس كانت محاور إنتاج الكاتب" ° فلانٌ قلِقتْ محاورُه: اضطربت أمورُه.
5 - (هس) خطّ مستقيم حقيقيّ أو وهميّ واصل بين قطبي الكرة كمحور الأرض. 

محوريَّة [مفرد]:
1 - اسم مؤنَّث منسوب إلى مِحوَر.
2 - مصدر صناعيّ من مِحوَر: مركزيّة.
• عظام محوريَّة: (شر) عظام الرَّأس والعمود الفقريّ لجسم حيوان فقاريّ.
• الشَّخصيَّة المِحْوريَّة:
1 - شخصيّة يدرسها المؤرِّخ باعتبارها مفتاحًا لفهم بعض القضايا التّاريخيّة أو فهم عصور برمَّتها.
2 - (دب) شخصيّة رئيسيّة في الرِّواية أو المسرحيّة. 
(ح ور)

حَار إِلَى الشَّيْء، وَعنهُ، يحورُ حَوْراً ومحاراً ومَحارَةً وحُؤورَا: رَجَعَ عَنهُ وَإِلَيْهِ، وَقَوله:

فِي بئرِ لَا حُورٍ سَرَى وَمَا شَعَرْ

أَرَادَ فِي بِئْر لَا حوؤر، فأسكن الْوَاو الأولى وحذفها لسكونها وَسُكُون الثَّانِيَة بعْدهَا.

وكل شَيْء تغير من حَال إِلَى حَال فقد حَار حَوْراً، قَالَ لبيد:

وَمَا المرءُ إِلَّا كشِّهابِ وضوئِهِ ... يَحورُ رَماداً بعد إِذْ هُوَ ساطعُ

وحارَت الغصة: انحدرت كَأَنَّهَا رجعت من موَاضعهَا، وأحارها صَاحبهَا، قَالَ جرير:

ونُبِّئتُ غسَّانَ بنَ واهصةِ الخُصَي ... يُلَجْلجُ مِنِّي مُضغةً لَا يُحيرها

والحَوْرُ: النُّقْصَان بعد الزِّيَادَة لِأَنَّهُ رُجُوع من حَال إِلَى حَال. وَفِي الحَدِيث: " نَعُوذ بِاللَّه من الحَوْرِ بعد الكور " مَعْنَاهُ النُّقْصَان بعد الزِّيَادَة. وحُورٌ من محارة، أَي نُقْصَان فِي نُقْصَان، وَرُجُوع فِي رُجُوع.

وَالْبَاطِل فِي حُورٍ، أَي فِي نقص وَرُجُوع. وكل ذَلِك من النُّقْصَان وَالرُّجُوع.

والحَوْرُ: مَا تَحت الكور من الْعِمَامَة، لِأَنَّهُ رُجُوع عَن تكويرها.

وكلمته فَمَا رَجَعَ إِلَى حَواراً وحِوارا ومُحاورةً وحَوِيراً ومجورة، أَي جَوَابا.

وأحار عَلَيْهِ جَوَابه: رده.

وهم يتحاورون، أَي يتراجعون الْكَلَام.

والمُحاوَرةُ: مُرَاجعَة الْمنطق، وَقد حاوَره. والمَحورَةُ من المُحاورةِ، مصدر كالمشورة من الْمُشَاورَة.

وَمَا جَاءَتْنِي عَنهُ مَحورةٌ، أَي مَا رَجَعَ أليَّ عَنهُ خبر.

وَإنَّهُ لضعيف الحِوارِ أَي المحاوَرة.

وَقَوله:

وأصفرَ مضبوحٍ نظرتُ حِوارَه ... على النارِ واستودعتُه كَفَّ مُجمِدِ

ويروى: حَوِيرُة، إِنَّمَا يَعْنِي بحواره وحويره، خُرُوج الْقدح من النَّار، أَي نظرت لفلج والفوز.

واستحار الدَّار: استنطقها، من الحِوارِ الَّذِي هُوَ الرُّجُوع عَن ابْن الْأَعرَابِي.

وَمَا يعِيش بأحْورَ، أَي بعقل يرجع إِلَيْهِ، قَالَ ابْن أَحْمَر:

وَمَا أنس م الأشياءِ لَا أنْس قولَها ... لجارِتها: مَا إِن يعيشُ بأحْوَرَا

أَرَادَ، من الْأَشْيَاء.

وَحكى ثَعْلَب: اقْضِ مَحُورتَك، أَي الْأَمر الَّذِي أَنْت فِيهِ. والحَوَرُ: أَن بشتد بياضُ بياضِ الْعين وَسَوَاد سوادها وتستدير حدقتها ويبيض مَا حواليها. وَقيل: الحَوَرُ شدَّة سَواد المقلة فِي شدَّة بَيَاض الْجَسَد، وَلَا تكون الأدماء حوراء. وَقيل: الحَوَرُ أَن تسود الْعين كلهَا مثل الظباء وَالْبَقر، وَلَيْسَ فِي بني آدم حَوَرٌ، وَإِنَّمَا قيل للنِّسَاء حور الْعُيُون لِأَنَّهُنَّ شبهن بالظباء وَالْبَقر. وَقَالَ كرَاع: الْحور أَن يكون الْبيَاض محدقا بِالسَّوَادِ كُله، وَإِنَّمَا يكون هَذَا فِي الْبَقر والظباء ثمَّ يستعار للنَّاس، وَهَذَا إِنَّمَا حَكَاهُ أَبُو عبيد فِي البرج، غير انه لم يقل: إِنَّمَا يكون فِي الظباء وَالْبَقر. وَقَالَ الْأَصْمَعِي: لَا أَدْرِي مَا الْحور فِي الْعين.

وَقد حوِر حَوَرا واحوَرَّ، وَهُوَ أحوَرُ، وَامْرَأَة حَوراءُ، وَعين حوراء، وَالْجمع حُورٌ.

فَأَما قَوْله:

عيناءُ حوراءُ من العِينِ الحِير

فعلى الِاتِّبَاع لعين، والحوراء الْبَيْضَاء، لَا يقْصد بذلك حَوَر عينيها. والأعراب تسمي نسَاء الْأَمْصَار حواريات بياضهن وتباعدهن عَن قشف الأعرابيات بنظافتهن، قَالَ الفرزدق:

فقلتُ أَن الحوارياتِ مَعْطَبَةٌ ... إِذا تَفَتَّلْن من تحتِ الجلابيبِ

وَقَالَ آخر:

فَقل للحَواريَّاتِ يبكينَ غيْرَنَا ... وَلَا تَبْكِنا إِلَّا الكلابُ النوابحُ

والتحوير: التبييض.

والحَواريُّون: القَصَّارون لتبييضهم الثِّيَاب، وَبِه سمي أنصار عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام حواريين، لأَنهم كَانُوا قصارين، ثمَّ غلب حَتَّى صَار كل نَاصِر وكل حميم حواريَّا.

وَقَالَ بَعضهم: الحواريون صفوة الْأَنْبِيَاء الَّذين قد خلصوا لَهُم، وَمِنْه قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: " الزبير ابْن عَمَّتي وَحَوَارِيي من أمتِي " وَقيل: كل مبالغ فِي نصْرَة آخر حواريٌّ. وَخص بَعضهم بِهِ أنصار الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام. وَقَوله، أنْشدهُ أَبُو زيد: بَكِّى بعيِنكِ واكِفَ القَطْرِ ... ابنَ الحوارِي العالِيَ الذِّكْرِ

إِنَّمَا اراد، ابْن الْحوَاري، يَعْنِي بالحواري الزبير رَضِي الله عَنهُ، وعنى بِابْنِهِ عبد الله ابْن الزبير.

والاحوِرارُ: الابيضاض وقصعة مُحَّوَرة: مبيضة بالسنام، قَالَ:

يَا وَرْدُ إِنِّي سأموتُ مَرَّه

فمَن حليفُ الجَفنةِ المُحْوَرَّه

والحَوَرُ: خَشَبَة يُقَال لَهَا الْبَيْضَاء.

والحُوَّاري: الدَّقِيق الْأَبْيَض وَهُوَ لباب الدَّقِيق وأجوده وأخلصه، وَقد حور الدَّقِيق.

والأحْوَريُّ: الْأَبْيَض الناعم من أهل الْقرى، قَالَ عتيبة بن مرداس الْمَعْرُوف بِأبي فسوة:

تكُفُّ شَبا الأنيابِ مِنْهَا بمشفَرٍ ... خَريعٍ كسِبْتِ الأحوريِّ المُخَصَّرِ

والحَورُ: الْبَقر لبياضها، وَجمعه أحوار، أنْشد ثَعْلَب:

للهِ دَرُّ منازِلٍ ومنازلٍ ... إنَّا بُلين بهؤلا الأحوارِ

والحَوَرُ: الْجُلُود الْبيض الرقَاق، تعْمل مِنْهَا الأسفاط، وَقيل السلفة، وَقيل الْحور الْأَدِيم الْمَصْبُوغ بحمرة، قَالَ أَبُو حنيفَة: هِيَ الْجُلُود الْحمر الَّتِي لَيست بقرظية. وَالْجمع أحوارٌ، وَقد حَوَّره.

وخُفّ مُحَوَّرٌ: بطانته بحَوَرِ.

والحُوَارُ والحِوَارُ، الْأَخِيرَة رَدِيئَة عِنْد يَعْقُوب، ولد النَّاقة من حِين يوضع إِلَى أَن يعظم. وَقيل: هُوَ حُوارٌ سَاعَة تضعه أمه خَاصَّة. وَالْجمع أحوِرَةٌ وحِيرانٌ فيهمَا، قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وفَّقوا بَين فُعال وفِعال، كَمَا وفَّقوا بَين فُعال وفعيل، قَالَ: وَقد قَالُوا حُورَانٌ، وَله نَظِير، سمعنَا الْعَرَب تَقول زُقاق وزِقاق.

وَالْأُنْثَى بِالْهَاءِ، عَن ابْن الْأَعرَابِي.

وَقَالَ بض الْعَرَب: اللَّهُمَّ أحر رباعنا، أَي اجْعَل رباعنا حيرانا.

وَقَوله:

أَلا تخافون يَوْمًا قد أظلَّكُمُ ... فِيهِ حُوَارٌ بأيدي الناسِ مَجرورُ

فسره ابْن الْأَعرَابِي فَقَالَ: هُوَ يَوْم مشئوم عَلَيْكُم، كشؤم حُوَارِ نَاقَة ثَمُود على ثَمُود.

والمِحْوَرُ: الحديدة الَّتِي تجمع بَين الخطاف والبكرة، وَهِي أَيْضا الْخَشَبَة الَّتِي تجمع المحالة، قَالَ الزّجاج: قَالَ بَعضهم: قيل لَهُ محور للدوران، لِأَنَّهُ يرجع إِلَى الْمَكَان الَّذِي زَالَ مِنْهُ. وَقيل: إِنَّمَا قيل لَهُ محور، لِأَنَّهُ بدورانه ينصقل حَتَّى يبيض.

وَقَوله، أنْشدهُ ثَعْلَب:

يَا مَيَّ مَالِي قَلِقَتْ مَحاوِري

وَصَارَ أشباهَ الفَغَى ضرائِري

يَقُول: اضْطَرَبَتْ عليَّ أموري، فكنى عَنْهَا بالمحاور.

والمِحورُ: الهَنَةُ الَّتِي يَدُور فِيهَا لِسَان الإبزيم فِي طرف المنطقة وَغَيرهَا.

والمِحوَرُ: الْخَشَبَة الَّتِي يبسط بهَا الْعَجِين.

وحَوَّر الخبزة: هيأها وأدارها ليضعها فِي الْملَّة.

وحوَّر عين الدَّابَّة: حجر حولهَا، وَذَلِكَ من دَاء يُصِيبهَا.

وحَوَّر عين الْبَعِير: ذَا أدَار حولهَا ميسما.

وانه لذُو حَوِيرٍ، أَي عَدَاوَة ومضادة، عَن كرَاع.

وَبَعض الْعَرَب يُسَمِّي النَّجْم الَّذِي يُقَال لَهُ المُشْتَرِي، الأحْوَرَ.

والحَوَرُ: أحد النُّجُوم الثَّلَاثَة الَّتِي تتبع بَنَات نعش، وَقيل هُوَ الثَّالِث من بَنَات نعش الْكُبْرَى، اللاصق بالنعش. والحارَةُ: الخُطُّ والناحية.

والمحارةُ: الصدفة، وَالْجمع محاور ومحار، قَالَ السيك بن السلكة:

كَأَن قوائمَ النَّحام لمَّا ... تَوَلَّى صُحْبتي أُصُلاً مَحَاُر

أَي كَأَنَّهَا صدف تمر على كل شَيْء.

والمَحارةُ: بَاطِن الحنك. والمَحارةُ: منسم الْبَعِير، كِلَاهُمَا عَن أبي العميثل الْأَعرَابِي.

والحَوَرُ، بِفَتْح الْوَاو، عَن كرَاع: نبت، وَلم يحله.

وَمَا أصبتُ مِنْهُ حَوْراً وحَوَرْوَراً، أَي شَيْئا.

وحَوْرانُ: مَوضِع.

وحُوَّارونَ: مَدِينَة بِالشَّام، قَالَ الرَّاعِي:

ظَلِلْنا بحُوَّارينَ فِي مُشمَخرَّةٍ ... تَمُرّ سحابٌ تحتَنا وثلوجُ

وحَوْريتٌ: مَوضِع، قَالَ ابْن جني: دخلت على أبي عَليّ رَحمَه الله، فحين رَآنِي قَالَ: أَيْن أَنْت؟ أَنا أطلبك. قلت: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: مَا تَقول فِي حَوْريتٍ؟ فخضنا فِيهِ فرأيناه خَارِجا عَن الْكتاب، وصانع أَبُو عَليّ عَنهُ فَقَالَ: لَيْسَ من لُغَة ابْني نزار، فَأَقل الحفل بِهِ لذَلِك. قَالَ: وَأقرب مَا ينْسب إِلَيْهِ أَن يكون فعليتا، لقُرْبه من فِعليتٍ، وفِعليتٌ مَوْجُود.
حور
: ( {الحَوْرُ: الرُّجُوعُ) عَن الشَّيْءِ وإِلَى الشَّيْءِ (} كالمَحَار {والمَحَارَةِ} والحُؤْورِ) ، بالضَّمّ فِي هاذه وَقد تُسَكَّن وَاوُهَا الأَولَى وتُحْذَف لسُكُونها وسُكُون الثَّانِيَةِ بَعْدَهَا فِي ضَرُورَة الشِّعْر، كَمَا قَالَ العَجَّاج:
فِي بِئْر لَا {حُورٍ سَرَى وَلَا شَعَرْ
بأَفْكِه حَتَّى رَأَى الصُّبْح جَشَرْ
أَرَادَ: لَا} حُؤُورٍ.
وَفِي الحَدِيث (مَنْ دَعَا رَجُلاً بالكُفْر ولَيْسَ كَذالك {حَارَ عَلَيْه) ، أَي رَجَعَ إِليه مَا نَسَب إِليه. وكُلُّ شَيْءٍ تغَيَّرَ مِنْ حَال إِلَى حَالٍ فقد حَارَ} يَحْور {حَوْراً. قَالَ لَبيد:
وَمَا المَرءُ إِلاّ كالشِّهَاب وضَوْئه
} يَحُورُ رَمَاداً بَعْدَ إِذْ هُوَ سَاطِعُ
(و) الحَوْرُ: (النُّقْصَانُ) بعد الزِّيَادة، لأَنَّه رُجُوعٌ مِنْ حَالٍ إِلى حالع.
(و) الحَوْرُ: (مَا تَحْتَ الكَوْرِ من العِمَامَة) . يُقَال: حارَ بعد مَا كَارَ، لأَنّه رُجوع عَن تَكْويرِهَا. وَمِنْه الحَديث: (نَعُوذُ بِاللَّه من الحَوْر بعد الكَوْر) مَعْنَاهُ (من) النّقصان بعد الزِّيادة. وَقيل مَعْنَاه مِنْ فَسَادِ أُمُورِنَا بعد صَلاحِهَا، وأَصْلُه من نَقْض العِمَامَة بعد لَفِّهَا، مأْخُوذ من كَوْر العمَامة إِذا انتَقَض لَيُّهَا؛ وبَعْضُه يَقربُ من بعض. وكَذالك الحُورُ بالضّمّ، وَفِي رِوَايَة: (بعد الكَوْن) ، بالنُّون. قَالَ أَبو عُبَيْد: سُئل عاصمٌ عَن هاذا فَقَالَ: أَلَمْ تَسْمع إِلى قَوْلهم: حَارَ بَعْدَ مَا كَانَ. يَقُول: إِنَّه كَانَ على حالةٍ جَمِيلة فارَ عَنْ ذالك، أَي رَجَع، قَالَ الزَّجَّاج: وَقيل مَعْنَاه نَعُوذ بِاللَّه من الحَوْر بعد الكَوْر) مَعْنَاهُ (من) النّقصان بعد الزِّيادة. وَقيل مَعْنَاه مِنْ فَسَادِ أُمُورِنَا بعد صَلاحِهَا، وأَصْلُه من نَقْض العِمَامَة بعد لَفِّهَا، مأْخُوذ من كَوْر العمَامة إِذا انتَقَض لَيُّهَا؛ وبَعْضُه يَقربُ من بعض. وكَذالك الحُورُ بالضّمّ، وَفِي روايَة: (بعد الكَوْن) ، بالنُّون. قَالَ أَبو عُبَيْد: سُئل عاصمٌ عَن هاذا فَقَالَ: يلَمْ تَسْمع إِلى قَوْلهم: {حَارَ بَعْد مَا كَنَ. يَقُول: إِنَّه كَانَ على حالةٍ جَميلة} فَحَارَ عَنْ ذالك، أَي رَجَع، قَالَ الزَّجَّاج: وَقيل مَعْنَاه نَعُوذ بِاللَّه من الرُّجُوع والخُروج عَن الجَمَاعَة بعد الكَوْر، مَعْنَاهُ بعد أَنْ كُنَّا فِي الكَوْر، مَعْنَاهُ بعد أَن كُنَّا فِي الكَوْر، مَعْنَاهُ بعد أَنْ كُنَّا فِي الكَوْر، أَي فِي الجَمَاعَة. يُقَال كارَ عِمَامَتَه على رَأْسِه، إِذا لَفَّهَا.
(و) عَن أَبي عَمْرو: (الحَوْر:! التَّحَيُّر. و) الحَوْرُ: (القَعْرُ والعُمْقُ، و) من ذالك قولُهم (هُوَ بَعِيدُ الحَوْر) . أَي بَعِيد القَعْر، (أَي عَاقِلٌ) مُتَعَمِّق.
(و) الحُورُ (بالضَّمِّ. الهلاَكُ والنَّقْصُ) ، قَالَ سُبَيْع بنُ الخَطِيم يَمْدَح زَيد الفَوارسِ الضَّبّيّ:
واستَعْجَلُوا عَنْ خَفيف المَضْغ فازْدَرَدُوا
والذَّمُّ يَبْقَى وَزادُ القَومِ فِي {حُورِ
أَي فِي نَقْص وذَهَاب. يُريدُ: الأَكْلُ يذهَبُ والذّمُّ يَبْقَى:
(و) } الحُورُ: (جَمْعُ {أَحْوَرَ} وَحَوْراءَ) . يُقَال: رَجُل أَحْوَرُ، وامرأَةٌ {حَوْرَاءُ.
(و) الحَوَرُ، (بالتَّحْريك: أَنْ يَشْتَدَّ بَياضُ بَيَاضِ العَيْن وسَوادُ سَوَادِها وَتَسْتَديرَ حَدَقَتُهَا وتَرِقَّ جُفُونُها ويَبْيَضَّ مَا حَوَالَيْهَا، أَو) الحَوَر (: شدَّةُ بَيَاضِهَا و) شدَّةُ (سَوَادِهَا فِي) شدَّة (بَيَاض الجَسَد) ، وَلَا تَكُونُ الأَدْمَاءُ حَوْراءَ. قَالَ الأَزْهَرِيّ: لَا تُءْعمَّى حَوْراءَ حَتَّى تكون مَعَ حَوَرِ عَيْنَيْهَا بَيْضَاءَ لَوْنِ الجَسَد. (أَو) الحَوَر: (اسْوِدَادُ العَيْنِ كُلِّهَا مثْلَ) أَعْيُن (الظِّبَاءِ) والبَقَر. (وَلَا يَكُون) الحَوَر بهاذا المَعْنَى (فِي بَنِي آدمَ) ؛ وإِنَّمَا قيل للنِّسَاءِ حُورُ العِين، لأَنَّهُنَّ شُبِّهن بالظِّباءِ والبقَر.
وَقَالَ كُرَاع: الحَوَرُ: أَن يَكُونَ البَيَاضُ مُحْدِقاً بالسَّوادِ كُلِّه، وإِنَّمَا يَكُون هاذَا فِي البَقَر والظِّبَاءِ، (بَلْ يُسْتَعَار لَهَا) ، أَي لبَي آدَمَ، وهاذا إِنَّمًّ حَكَاه أَبُو عُبيْد فِي البَرَجِ، غَيْر أَنّه لم يَقُل إِنَّمَا يَكُونُ فِي الظِّبَاءِ والبَقَر. وَقَالَ الأَصمَعِيّ: لَا أَدرِي مَا الحَوَر فِي العَيْن. (وَقد} حَوِر) الرَّجل، (كفَرِحَ) ، {حَوَراً، (} واحْوَرَّ) {احْوِرَاراً: وَيُقَال:} احْوَرَّت عَيْنُه احْوِرَاراً.
(و) فِي الصّحاح: الحَوَر: (جُلُودٌ حُمْرٌ يُغَشَّى بهَا السِّلاَلُ) ، الواحدَة {حَوَرَةٌ. قَالَ العَجَّاج يَصف مَخَالِبَ البَازي:
بحَجَبَاتٍ يتَثَقَّبْنَ البُهَرْ
كأَنَّمَا يَمْزِقْن باللَّحْم الحَوَرْ
(ج} حُورانٌ) ، بالضَّمّ. (ومنْهُ) حديثُ كتَابه صلى الله عَلَيْهِ وسلملوَفْد هَمْدَانَ. (لَهُمْ من الصَّدَقة الثِّلْب والنَّابُ والفَصيل والفارضُ و (الكَبْشُ {- الحَوَريّ) ، قَالَ ابْنُ الأَثير: مَنْسُوب إِلَى الحَوَر، وَهِي جُلُود تُتَّخَذ من جُلُود الضَّأْن، وَقيل، هُوَ مَا دُبغَ من الجُلُود بغَيْر القَرَظ، وَهُوَ أَحَدُ مَا جَاءَ على أَصْلِه وَلم يُعَلَّ كَمَا أُعِلَّ نَابٌ.
(و) نَقَل شَيْخُنَا عَن مجمع الغرائب ومَنْبع العَجَائب للعَلاَّمَة الكَاشْغَريّ أَن المُرَادَ بالكَبْش الحَوَريّ هُنَا المَكْوِيّ كَيّةَ الحَوْرَاءِ، نِسْبَة عَلَى غَيْر قيَاس، وَقيل سُمِّيَت لبَيَاضهَا، وَقيل غَيْر ذالك.
(و) الحَوَر: (خَشَبَةٌ يُقَالُ لَهَا البَيْضَاءُ) ، لبَياضهَا ومَدَارُ هاذَا التَّرْكيب على مَعْنَى البَيَاض، كَمَا صَرَّح بِهِ الصَّاغَانيّ.
(و) الحَوَر: (الكَوْكَبُ الثَّالث من بَنَات نَعْشٍ الصُّغْرَى) اللاَّصق بالنَّعْش، (وشُرحَ فِي ق ود) فراجعْه فإِنَّه مَرَّ الكَلاَمُ عَلَيْهِ مُسْتَوْفًى.
(و) الحَوَر: (الأَديمُ المَصْبُوغُ بحُمْرَة) . وَقيل: الحَوَر: الجُلودُ البيضُ الرِّقَاق تُعمَل مِنْهَا الأَسْفَاطُ.
وَقَالَ أَبو حَنِيفة: هِيَ الجُلُودُ الحُمْر الَّتِي لَيْسَت بقَرظيَّة، والجَمْع} أَحْوارٌ. وَقد {حَوَّرَه.
(وخُفٌّ} مُحَوَّرٌ) ، كمُعَظَّم (: بطَانَتُه منْه) ، أَي من الحَوَر. قَالَ الشَّاعِر:
فظَلَّ يَرْشَحُ مِسْكاً فَوْقَه عَلَقٌ
كأَنَّمَا قُدَّ فِي أَثْوَابه الحَوَرُ
(و) الحَوَر: (البَقَرُ) لبَياضهَا، (ج {أَحْوارٌ) . كقَدَر وأَقْدَار، وأَنشد ثَعْلَب:
لله دَرُّ مَنَازل ومَنَازل
أَنَّى بُلين بهاؤُلاَ} الأَحوارِ
(و) الحَوَر: (نَبْتٌ) ، عَن كُراع، وَلم يُحَلِّه.
(و) الحَوَر: (شَيْءٌ يُتَّخَذُ منَ الرَّصَاص المُحْرَق تَطْلِى بِهِ المَرْأَةُ وَجْهَهضا) للزِّينَة.
( {والأَحْوَرُ: كَوْكَبٌ أَوْ هُوَ) النَّجْم الَّذي يُقَال لَه (المُشْتَرِي) .
(و) عَن أَبي عمْرِو: الأَحْوَرُ: (العَقْلُ) ، وَهُوَ مَجَازق. وَمَا يَعيشُ فُلانٌ} بأَحْوَرَ، أَي مَا يَعيشُ بعَقْل صَافٍ كالطَّرْف الأَحْوَرِ النّاصع البَيَاضِ والسَّوَاد. قَالَ هُدْبَةُ ونَسَبَه ابْن سِيدَه لابْن أَحْمَر:
وَمَا أَنْسَ مِلْأَشْيَاءٍ لَا أَنْسَ قَوْلَهَا
لجارَتِهَا مَا إِنْ يَعيشُ {بأَحْوَرَا
أَرادَ: مِنَ الأَشْيَاءِ.
(و) } الأَحْوَرُ: (ع باليَمَن) .
( {- والأَحْوَرِيّ: الأَبيضُ النَّاعِمُ) من أَهْلِ القُرَى. قَالَ عُتَيْبَةُ بن مِرداسٍ المَعروف بِابْن فَسوَة:
تَكُفُّ شَبَا الأَنْيَاب مِنْهَا بمِشْفَرٍ
خَرِيعٍ كسِبتِ} - الأَحْوَرِيّ المُخَضَّرِ
{والحَوَارِيَّات: نِسَاءُ الأَمْصَارِ) ، هكَذا تُسَمَّيهن الأَعرابُ، لبَيَاضهنّ وتَبَاعُدهِنّ عَنْ قَشَف الأَعْرَاب بنَظَافَتِهِنّ، قَالَ:
فقُلْتُ إِنَّ} الحَوَارِيَّاتِ مَعْطَبَةٌ
إِذَا تَفَتَّلْنَ من تَحْت الجَلابيبِ
يَعْنِي النِّسَاءَ.
والحَوَارِيَات منَ النِّسَاءِ: النَّقِيَّاتُ الأَلْوَانِ والجُلُودِ، لبَيَاضهنّ، وَمن هَذَا قيلَ لصَاحب {الحُوَّارَي} مُحَوِّر. وَقَالَ العَجَّاج:
بأَعْيُنٍ {مُحَوَّرَاتٍ} حُورِ
يَعْنِي الأَعْيُنَ النّقيّاتِ البَيَاضِ الشَّديدَاتِ سوَادِ الحَدَقِ.
وفسّر الزَّمَخْشَريَ فِي آل عمْرَان الحَوَارِيَّات بالحَضَرِيّاتِ. وَفِي الأَساس بالبِيض) وكلاَهُمَا مُتَقَاربَان، كَمَا لَا يَخْفَى، وَلَا تَعْريضَ فِي كَلَام المُصَنِّف والجَوْهَريّ، كَمَا زَعمه بَعْضُ الشُّيوخُ.
( {- والحَوَارِيُّ: النَّاصر) ، مُطْلَقاً، أَو المُبَالِغُ فِي النّصْرَة، والوَزير، والخَليل، والخَالصُ. كَمَا فِي التَّوْشيح، (أَو نَاصرُ الأَنْبِيَاءِ) ، عَلَيْهم السَّلام، هاكَذَا خَصَّه بَعضُهم.
(و) } - الحَوَارِيُّ: (القَصَّارُ) ، لتَحْويره، أَي لتَبْيِيضه.
(و) الحَوَارِيُّ: (الحَمِيمُ) والنَّاصحُ.
وَقَالَ بَعْضُهم: {الحَوَارِيُّون: صَفْوةُ الأَنْبيَاءِ الَّذين قد خَلَصُوا لَهُم.
وَقَالَ الزَّجّاج: الحَوَارِيُّون: خُلْصَانُ الأَنْبيَاءِ عَلَيْهم السَّلاام، وصَفْوَتُهُم. قَالَ: والدَّليلُ على ذالك قولُ النَّبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (الزّبَيْر ابنُ عَمَّتي} - وحَواريَّ من أُمَّتي) أَي خَاصَّتي من أَصْحابي ونَاصري. قَالَ: وأَصْحَابُ النَّبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَوَارِيُّون. وتأْوِيلُ {الحوَارِيِّين فِي اللغَة: الَّذين أُخلِصُوا ونُقُّوا عَن كُلِّ عَيْب، وكذالك} الحُوَّاري من الدَّقيق سُمِّيَ بِهِ لأَنَّه يُنَقَّى من لُبَاب البُرِّ، قَالَ: وتأْويلُه فِي النَّاس: الَّذي قد رُوجِع فِي اخْتياره مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى فوُجِد نَقيًّا من العُيُوب. قَالَ: وأَصْل {التَّحْوير فِي اللُّغَة. من} حَار {يَحُورُ، وَهُوَ الرُّجُوع.} والتَّحْوير: التَّرْجيع. قَالَ فهاذا تَأْويلُه، وَالله أعلَم.
وَفِي المُحْكَم: وَقيل لأَصْحاب عِيسَى عَلَيْه السَّلامُ: الحوارِيُّون، للبَيَاض، لِأَنَّهم كَانُوا قَصَّارِين.
والحَوَارِيُّ: البَياضُ، وهاذا أَصْل قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وسلمفي الزُّبَيْر: ( {حوَارِيَّ منْ أُمَّتي) وهاذا كَانَ بدْأَه، لأَنَّهُم كَانُوا خُلصاءَ عيسَى عَلَيْه السَّلاَمُ وأَنْصَارَه؛ وإِنَّما سُمُّوا} حَوَارِيِّين لأَنَّهُم كانُوا يَغْسِلُون الثِّيابَ، أَي {يُحَوِّرُونَهَا، وَهُوَ التَّبْييضُ. وَمِنْه قَوْلُهم: امرأَةٌ} حَوارِيَّة، أَي بيْضَاءُ قَالَ: فَلَمَّــا كَانَ عِيسَى عَلَيْه السَّلامُ نصَرَه هاؤُلاَءِ الحواريُّون وَكَانوا أَنْصاره دُون النَّاسِ؛ قِيل لِناصِر نَبِيِّه حَوَارِيُّ إِذا بالَغَ فِي نُصْرَته، تشْبِيهاً بأُولئاك.
ورَوَى شَمِرٌ أَنَّه قَالَ: الحَوَارِيُّ: النَّاصِحُ، وأَصلُه الشْيءُ الخالِصُ، وكُلُّ شَيْءٍ خَلَصَ لَوْنُه فَهُوَ حَوَارِيُّ.
(و) {الحُوَّارَي. (بضَمِّ الحَاءِ وشَدِّ الْوَاو وفَتْح الرَّاءِ: الدَّقِيقُ الأَبْيَضُ، وَهُوَ لُبَابُ الدَّقِيق) وأَجْودُه وأَخْلَصُه، وَهُوَ المَرْخُوف. (و) الحُوَّارَي: (كُلُّ مَا حُوِّرَ، أَي بُيِّضَ من طَعَامٍ) ، وَقد} حُوِّر الدِّقيقُ {وحَوَّرْتُه} فاحْوَرَّ، أَي ابْيَضَّ. وعَجينٌ {مُحَوَّر هُوَ الَّذِي مُسِحَ وَجْهُه بالمَاءِ حَتَّى صَفَا.
(} وحَوَّارُونَ بفَتْح الحَاءِ مُشَدَّدَةَ الوَاو: د) ، بالشَّام، قَالَ الرَّاعي:
ظَللْنَا {بحَوَّارِينَ فِي مَشْمَخِرَّةٍ
تَمُرُّ سَحابٌ تَحْتَنَا وثُلُوجُ
وَضَبطه السَّمْعَانيّ بضَمّ ففَتْح من غَيْر تَشْدِيد، وَقَالَ: مِنْ بلاَد البَحْرَين. قَالَ: والمَشْهُورُ بهَا زيَادُ حُوَارِينَ، لأَنَّه كَانَ افْتَتَحها، وَهُوَ زيَادُ ابْنُ عَمرو بن المُنْذِر بن عَصَر وأَخوهُ خِلاس بن عَمْرو، كَانَ (فَقِيها) مِنْ أَصحابِ عَلَيّ، رَضي الله عَنهُ.
(} والحَوْرَاءُ: الكَيَّةُ المُدَوَّرَةُ) ، مِنْ حَارَ يَحُور، إِذَا رَجَع. وحَوَّرَه كَوَاه فَأَدَرَاها؛ وإِنَّمَا سُميَت الكَيَّةُ {بالحوْرَاءِ لأَنَّ مَوْضِعَهَا يَبْيَضّ. وَفِي الْعديث (أَنَّه كَوَى أَسْعَدَ بنَ زُرَارَةَ على عاتِقه} حَوْرَاءَ) . وَفِي حَديثٍ آخَرَ (أَنَّه لما أُخبِرَ بقَتْل أَبي جَهح قَالَ: إِنَّ عَهْدِي بِهِ وَفِي رُكْبَتَيْه حَوْرَاءُ فانْظُرُوا ذالك. فَنَظَروا فرأَوْهُ) ، يَعْنِي أَث كَيَّة كُوِيَ بهَا.
(و) ! الحَوْرَاءُ: (ع قُرْبَ المَدينَة) المُشَرَّفَة، على ساكنها أَفْضَلُ الصّلاة والسَّلام، (وَهُوَ مَرْفَأُ سُفُنِ مِصْر) قَدِيماً، ومَمَرُّ حاجِّها الآنَ، وَقد ذَكَرها أَصْحابُ الرِّحَل. (و) الحَوْرَاءُ: (مَاءٌ لِبَنِي نَبْهَانَ) ، مُرُّ الطَّعْم.
(وأَبُو الحَوْرَاءِ) : رَبيعَةُ بنُ شَيبانَ السَّعْديّ (رَاوِي حَديثِ القُنُوت) عَن الحَسَن بْن عَليّ، قَالَ (عَلَّمَني أَبي أَو جَدِّي رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وسلمأَن أَقولُ فِي قُنوت الْوتْر: اللَّهُمَّ اهْدِني فِيمَن هَدَيْتَ، وَعَافنِي فيمَنْ عافَيْتَ، وتَوَلَّني فيمَنْ تَولَّيت، وباركْ لي فِيمَا أَعطيْتَ، وقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْت، إِنَّك تَقْضِي وَلَا يُقْضَى عَلَيْك، إِنّه لَا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْت، تَبارَكْتَ وتَعَالَيْت) . قلت: وَهُوَ حَديث مَحْفُوظ من حَديث أبي إسحاقَ السَّبيعيّ، عَن بُريَد بن أَبي مرْيمَ، عَن أَبي الحَوْرَاءِ، حَسَنٌ من رِوايَة حَمْزَة بْن حَبِيبٍ الزَّيّات، عَنهُ. وَهُوَ (فَرْدٌ) .
كتاب ( {والمَحَارَةُ: المَكَانُ الَّذي يَحُور أَو} يُحَارُ فِيه. و) {المَحَارَةُ: (جَوْفُ الأُذُنِ) الظَّاهرُ المُتَقَعِّرُ، وَهُوَ مَا حَوْلَ الصِّمَاخ المُتَّسع، وَقيل:} مَحَارَةُ الأُذُن: صَدَفَتُهَا، وَقيل: هِيَ مَا أَحَاطَ بسُمُوم الأُذُنِ من قَعْرِ صَحْنَيْهما.
(و) المحَارَة: (مَرْجِعُ الكَتفِ) : وَقيل: هِيَ النُّقْرة الَّتي فِي كَعُبْرَةِ الكتِفِ.
(و) {المَحَارَةُ: (الصَّدَفَةُ ونحْوا مِن العَظْم) ، والجمْع مَحَارٌ. قَالَ السُّليْكُ:
كَأَنَّ قَوائمَ النَّحَّامِ لَمَّا
تَوَلَّى صُحْبَتي أُصُلاً} مَحَارُ
أَي كأَنَّهَا صَدَفٌ تَمُرّ على كُلِّ شيْءٍ.
وَفِي حديثِ ابْن سِيرينَ فِي غُسْل المَيت: (يُؤْخَذ شَيْءٌ من سِدْر فيُجْعَل فِي مَحَارَةٍ أَو سُكُرُّجة) .
قَالَ ابنُ الأَثير: المَحَارَةُ والحائر: الّذي يَجْتَمِع فِيهِ المَاءُ. وأَصْلُ المَحَارَةِ الصَّدَفةُ، والمِيم زائدَة.
قُلتُ: وذَكَره الأَزهَري فِي مَحر، وسيأْتي الكَلاَمُ عَلَيْهِ هُنالك إِن شاءَ الله تَعَالَى. (و) المَحَارَةُ: (شِبْهُ الهَوْدَج) ، والعَامَّة يُشَدِّدُون، ويُجْمَع بالأَلف والتاءِ.
(و) المَحَارَةُ: مَنْسِمُ البَعِير، وَهُوَ (مَا بَيْنَ النَّسْر إِلَى السُّنْبُك) ، عَن أَبي العَمَيْئَل الأَعْرَابيّ.
(و) المَحَارَةُ: (الخُطُّ، والنَّاحيَةُ) .
( {والاحْوِرَارُ: الابْيِضَاضُ) ،} واحْوَرَّتِ المَحَاجِرُ: ابيَضَّت.
(و) أَبُو العَبَّاس (أَحْمَدُ) بْنُ عَبْدِ اللهاِ (بن أَبي {الحَوَارَى) ، الدِّمَشْقِيّ، (كسَكَارَى) ، أَي بِالْفَتْح، هاكذا ضَبطه بعضُ الحُفَّاظ. وَقَالَ الحافِظُ ابْن حَجَر: هُوَ كالحَوَارِيّ واحِدِ الحَوَارِيِّين على الأَصحّ، يرْوِي عَن وكِيعِ بنِ الجرَّاح الكُتُب، وصَحِب أَبَا سُلَيْمَان الدّارانِيّ وحَفِظ عَنهُ الرَّقائِق، ورَوَى عَنهُ أَبُو زُرْعة وأَبُو حاتِم الرَّازِيّانِ، وذكَره يَحْيى بنُ مُعِين فَقَالَ: أَهلُ الشَّامِ يُمْطَرُون بِهِ، تُوفِّي سنة 246. (وكسُمَّانَى) أبي بضَمِّ السِّين وتَشْديد الْمِيم، كَمَا ادَّعَى بعضٌ أَنَّه رَآهُ كذالك بخَطِّ المُصَنِّف هُنَا، وَفِي (خَرَط) ، قَالَ شَيْخُنَا: ويُنَافيه أَنَّه وَزَنَه فِي (س م ن) بحُبَارَى، وَهُوَ المَعْرُوفُ، فتَأَمَّل، (أَبُو القَاسم الحُوَّارَى، الزَّاهِدَان، م) ، أَي مَعروفن. وَيُقَال فيهمَا بالتَّخْفِيف والضَّمِّ، فَلَا فائدَة فِي التَّكْرار والتَّنَوُّع، قالَه شَيْخُنَا.
قلْت: مَا نَقَلَه شَيْخُنَا من التَّخْفِيف والضَّمِّ فيهمَا، فَلم أَرَ أَحَداً من الأَئِمَّة تَعرَّضَ لَه، وإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي الأَوَّل، فمِنْهُم مَنْ ضَبَطه كسُكَارَى، وعَلى الأَصَحِّ أَنه على وَاحِد الحَوَارِيِّين، كَمَا تَقَدَّم قَريباً. وأَمَّا الثَّاني فبالاتّفَاق بضَمِّ الحَاءِ وتَشْديد الوَاو، فَلم يَتَنَوَّع المُصَنِّف، كَمَا زَعَمَه شَيْخُنا، فتَأَمَّلْ.
(} والحُوَارُ، بالضَّمِّ، وقَدْ يُكْسَر) ، الأَخيرَة رَديئة عِنْد يَعْقُوب: (وَلَدُ النَّاقَة سَاعَةَ تَضَعُه) أُمُّه خَاصَّةً. (أَو) مِنْ حِين يُوضَع (إِلَى أَنْ) يُفْطَم و (يُفْصَلَ عَنْ أُمِّه) فإِذا فُصِلَ عَن أُمّه فَهُوَ فَصِيل. (ج {أَحْوِرَةٌ} وحِيرَانٌ) ، فيهمَا. قَالَ سيبَوَيْه: وَفَّقُوا بَين فُعَالٍ وفِعَال كَمَا وَفَّقُوا بَيْنَ فُعَال وفَعِيل. قَالَ: (و) قد قَالُوا ( {حُورَانٌ) ، وَله نَظيرٌ، سَمِعْنا العَرَبَ تَقُولُ: رُقَاقٌ ورِقَاقٌ، والأُنْثَى بالهاءِ، عَن ابْن الأَعرابيّ.
وَفِي التَّهْذيب: ا} لحُوَارُ: الفَصيل أَوَّلَ مَا يُنْتَج. وَقَالَ بعضُ العَرَب: اللهُمَّ {أَحِرْ رِبَاعَنَا. أَي اجْعَلْ رِبَاعَنَا} حِيرَاناً. وقولُه:
أَلاَ تَخَافُونَ يَوْماً قَدْ أَظَلَّكُمُ
فِيهِ {حُوَارٌ بأَيْدي النَّاس مَجْرُورُ
فَسَّره ابنُ الأَعْرابيّ فَقَالَ: هُوَ يَوْمٌ مشؤومٌ عَلَيْكُم كشُؤْم حُوارِ نَاقَةِ ثَمُودَ على ثَمودَ.
وأَنْشَدَ الزَّمَخْشَريّ فِي الأَسَاس:
مَسِيخٌ مَليخٌ كلَحْم الحُوَارِ
فَلَا أَنْتَ حُلْوٌ وَلَا أَنْتَ مُرّ
(} والمُحَاوَرَةُ، {والمَحْوَرَةُ) ، بفَتْح فسُكون فِي الثَّاني. وهاذه عَن اللَّيْث وأَنْشَد:
بحَاجَةِ ذِي بَثَ} وَمَحْوَرَة لهُ
كَفَى رَجْعُهَا من قِصَّةِ المُتَكَلِّمِ
(والمَحُورَةُ) ، بضَمِّ الحَاءِ، كالمَشُورة من المُشَاوَرَةِ: (الجَوَابُ، {} كالحَوِير) ، كأَمِير، ( {والحِوَار) ، بِالْفَتْح (ويُكْسَر،} والحِيرَةُ) ، بالكَسْر، ( {والحُوَيْرَة) ، بالتَّصْغِير.
يُقَال: كَلَّمْتُه فَمَا رَجَعَ إِلَيّ} حَوَاراً {وحِوَاراً} ومُحاوَرَةً {وحَوِيراً} ومَحُورَةً، أَي جَواباً. الاسْمُ من {المُحَاوَرَة} الحَوِيرُ، تَقول: سَمعْتُ حَوِبرَهما وحِوَارَهُمَا. وَفِي حَديث سَطيح (فَلَمْ {يُحِرْ جَوَاباً) ، أَي لم يَرْجع وَلم يَرُدَّ. وَمَا جاءَتْني عَنهُ} مَحُورَةٌ، بضَمّ الحَاءِ، أَي مَا رَجَعَ إِلَيَّ عَنهُ خَبَرٌ. وإِنه لضَعِيفُ {الحِوَار، أَي} المُحَاوَرَة. (و) {المُحَاوَرَةُ: المُجَاوَبَةَ و (مُرَاجَعَةُ النُّطْق) والكَلاَم فِي المُخَاطَبَة، وَقد} حَاورَه، (وَ {تَحَاوَرُوا: تَرَاجَعُوا الكَلاَمَ بَيْنَهُم) ، وهم يَترَاوَحُونَ} ويَتَحَاوَرُونَ.
( {والمِحْوَر، كمِنْبَر: الحَدِيدَةُ الَّتِي تَجْمَعُ بَيْنَ الخُطَّافِ والبَكَرَةِ) .
وَقَالَ الجَوْهَرِيُّ: هُوَ العُودُ الَّذِي تَدُورُ عَلَيْه البَكَرَة، وَرُبمَا كَانَ مِنْ حَدِيد، (و) هُوَ أَيضاً (خَشَبَةٌ تَجْمَع المَحَالَة) .
قَالَ الزَّجّاج: قَالَ بَعْضُهم: قِيل لَهُ} مِحْوَر للدَّوَرَانِ، لأَنَّه يَرْجِعُ إِلَى المَكَان الّذِي زَالَ عَنْهُ، وَقيل إِنَّمَا قيل لَهُ مِحْوَر لأَنَّه بدَوَرَانِه يَنْصَقِل حَتَّى يَبْيضَّ.
(و) {المِحْوَر: (هَنَةٌ) وَهِي حَديدة (يَدُورُ فِيهَا لِسَانُ الإِبْزِيمِ فِي طَرَفه المِنْطَقَةِ وغَيْرِهَا) .
(و) المِحْوَرُ: (المِكْوَاةُ) ، وَهِي الحَدِيدَةُ يُكْوَى بِهَا.
(و) المِحْوَرُ: عُودُ الخَبَّازِ. و (خَشَبَةٌ يُبْسَطُ بِهَا العَجِينُ) } يُحَوَّر بهَا الخُبْزُ تَحْوِيراً.
( {وحَوَّرَ الخُبْزَةَ) } تَحوِيراً: (هَيَّأَهَا وَأَدَارَهَا) بالمِحْوَر (ليَضَعَها فِي المَلَّةِ) ، سُمِّيَ {مِحْوَراً لدَوَرَانِه على العَجِين، تَشْبِيهاً} بمِحْوَر البَكَرة واستِدَارته، كَذَا فِي التَّهْذِيب.
(و) {حَوَّرَ (عَيْنَ البَعيرِ) تَحْوِيراً: (أَدَارَ حَوْلَهَا مِيسَماً) وحَجَّرَه بَكيَ، وذالك من دَاءٍ يُصِيبُها، وتِلْك الكَيَّةُ} الحَوْرَاءُ.
( {والحَوِيرُ) ، كأَمِير: (العَداوَةُ والمُضَارَّةُ) ، هاكذا بالرَّاءِ، وَالصَّوَاب المُضَادَّة، بالدَّال، عَن كُرَاع.
(و) يُقَال: (مَا أَصَبْتُ) مِنْهُ (} حَوْراً) ، بفَتْح فَسُكُون، وَفِي بعض النُّسخ بالتَّحْرِيك ( {وحَورْوَراً) ، كسَفَرْجَل، أَي (شَيْئاً) .
(} وحَوْرِيتُ) ، بالفَتْح: (ع) ، قَالَ ابنُ جِنِّي: دَخَلْتُ على أَبي عَلِيَ. فحِينَ رآنِي قَالَ: أَينَ أَنْتَ؟ أَنَا أَطلُبك، قلْت: وَمَا هُو؟ قَالَ: مَا تَقُول فِي {حَوْرِيت، فخُضْنا فِيه فرأَيناهُ خَارِجاً عَن الكِتَاب، وصانَعَ أَبُو عَليَ عَنهُ فَقَالَ: لَيْسَ من لُغَة ابنَيْ نِزَارٍ فأَقَلَّ الحَفْل بِه لِذالِك، قَالَ: وأَقرب مَا يُنْسَب أَلَيْه أَن يَكُون فَعْلِيتاً لقُرْبِه من فِعْلِيتٍ، وفِعْلِيتٌ موْجودٌ.
(} والحَائِر: المَهْزُولُ) كأَنَّه من {الحَوْر، وَهُوَ التَّغَيُّر من حالٍ إِلى حالٍ، والنُّقصان.
(و) } الحائِرِ: (الوَدَكُ) ، وَمِنْه قَوْلهم: مَرَقَة {مُتَحَيِّرة، إِذا كَانَت كَثِيرَةَ الإِهالَة والدَّسَمِ، وعَلى هاذا ذِكْرُه فِي اليائِيِّ أَنْسَبُ كالَّذِي بَعْده.
(و) الحائِرُ: (ع) بالعِرَاقِ (فِيهِ مَشْهَدُ) الإِمام المَظْلُومِ الشَّهِيدِ أَبِي عَبْدِ الله (الحُسَيْن) بْن عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ. رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُم؛ سُمِّيَ} لتَحَيُّرِ الماءِ فِيهِ. (وَمِنْه نَصْرُ الله بْنُ مُحَمَّدٍ) الكُوفِيّ، سَمِعَ أَبَا الحَسَن بنَ غِيَرَةَ. (و) الإِمَامُ النَّسَّابَة (عَبْدُ الحَمِيد بْنُ) الشِّيخ النَّسَّابة جَلالِ الدّين (فَخَّار) بن مَعَدّ بن الشريف النّسَّابة شمْس الدّين فَخّار بْنِ أَحْمَد بْنِ محمّد أبي الغَنَائِم بن مُحَمَّدِ بنِ مُحمَّدِ بنِ الحُسَيْن بن مُحَمَّد الحُسَيْنِيّ المُوسَويّ، ( {الحائِرِيانِ) وَوَلَدُ الأَخِيرِ هاذا عَلَمُ الدِّينِ عَلَيّ ابنُ عَبْد الحَمِيد الرَّضِيّ المُرْتَضَى النَّسَّابَة إِمَامُ النَّسَب فِي العِراق، كَانَ مُقِيماً بالمَشْهَد. وَمَات بهَرَاةِ خُرَاسَان، وَهُوَ عُمْدَتُنا فِي فَنِّ النَّسَب، وأَسانِيدُنا مُتَّصِلَة إِليه. قَالَ الحافِظُ ابنُ حَجَر: وَالثَّانِي من مَشْيَخَة أَبي العَلاءِ الفَرَضِيّ. قَالَ: وممَّن يَنْتَسِب إِلى الحَائِرِ الشّريفُ أَبُو الغَنَائِم مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الفَتْح العَلَوِيّ} - الحائِرِيّ، ذَكَرَه مَنْصُورٌ.
( {والحائرةُ: الشَّاةُ والمَرْأَةُ لَا تَشِبَّانِ أَبَداً) ، من} الحَوْرِ بِمَعْنَى النُّقْصَانِ والتَّغَيّرِ مِنْ حالٍ إِلى حَال.
(و) يُقَال: (مَا هُو إِلاَّ! حائِرَةٌ مِنَ {الحَوَائِر، أَي) مَهْزُولَةٌ (لَا خَيْرَ فِيهِ. و) عَن ابْن هَانِىءٍ: يُقَالُ عِنْد تَأْكِيدِ المَرْزِئَة عليهِ بِقِلَّةِ النَّمَاءِ: (مَا} يَحُورُ) فلانٌ (وَما يَبُورُ) ، أَي (مَا يَنْمُو وَما يَزْكُو) ، وأَصْلُه من {الحَوْر وَهُوَ الهَلاَكُ والفَسَادُ والنَّقصُ.
(و) } الحَوْرَةُ: الرُّجُوعُ.
و ( {حَوْرَةُ: ة بَيْن الرَّقَّة وبَالِسَ، مِنْهَا صَالِحٌ} - الحَوْرِيُّ) ، حَدَّثَ عَن أَبِي المُهَاجِر سَالِم ابنِ عَبْدِ الله الكِلابِيّ الرَّقِّيّ. وَعنهُ عَمْرو بن عُثمَانَ الكِلابِيّ الرَّقِّيّ. ذَكَره مُحَمَّدُ بنُ سعِيدٍ الحَرَّانِيّ فِي تَارِيخ الرّقّة.
(و) {حَوْرَةُ: (وَادٍ بالقَبَلِيَّة) .
(} - وحَوْرِيُّ) ، بكَسْرِ الرّاءِ، هاكذا هُوَ مَضْبوطٌ عِنْدَنَا وضَبَطه بَعضُهم كسَكْرَى: (: ة من دُجَيْلٍ، مِنْهَا الحَسَن ابْنُ مُسْلِم) الفَارِسيّ {- الحَوْرِيّ، كَانَ من قَرْية الفارِسِيَّة، ثمَّ من جَوْرِيّ، رَوَى عَن أَبي البَدْر الكَرْخِيّ، (وسُلَيْمُ بْنُ عِيسَى، الزَّاهِدَانِ) ، الأَخير صاحِب كَرامَات، صَحِب أَبا الحَسَن القَزْوِينِيّ وحَكَى عَنْه.
قلت: وفَاتَه عبدُ الكَريم بن أَبِي عَبْد الله بْنِ مُسْلم الحَوْرِيُّ الفارِسيُّ، من هاذه القَرْية، قَالَ ابنُ نُقْطَة. سَمِع مَعِي الكَثِيرِ.
(} وحَوْرَانُ) ، بالفَتْح: (كُورَةٌ) عَظِيمَة (بِدِمَشْقَ) ، وقَصَبتُها بُصْرَى. وَمِنْهَا تُحَصَّلُ غَلاَّتُ أَهْلِهَا وطَعَامُهُم. وَقد نُسِبَ إِلَيْهَا إِبراهِيمُ بنُ أَيُّوبَ الشَّامِيّ. وأَبُو الطَّيِّبِ مُحَمَّدُ بن حُمَيْدِ بْنِ سُلَيْمَانَ، وغَيْرُهما.
(و) {حَوْرَانُ: (مَاءٌ بِنَجْدٍ) ، بَيْنَ اليَمَامَةِ وَمَكَّةَ.
(و) حَوْرَانُ (: ع بِبَادِيَةِ السَّمَاوَةِ) ، قَرِيبٌ مِن هِيتَ: وَهُوَ خَرابٌ.
(} والحَوْرَانُ) ، بالفَتْح: (جِلْدُ الفِيلِ) . وباطِنُ جِلْدِه. الحِرْصِيَانُ، كِلاهُمَا عَن ابْن الأَعرابِيّ.
(وعَبْدُ الرَّحْمان بْنُ شَمَاسَةَ بْنِ ذِئْبِ بْنِ! أَحْوَرَ: تَابِعِيٌّ) ، من بَنِي مَهْرَةَ، رَوَى عَن زَيْدِ بْنِ ثَابِت وعُقْبَةَ ابنِ عَامر، وعِدادُه فِي أَهْل مِصْر، روى عَنْه يَزِيدُ بنُ أَبِي حَبِيب.
(و) من أَمْثَالِهِم: (فُلاَنٌ ( {حُورٌ فِي} مَحَارَةَ)) ، {حَور (بالضَّمِّ والفَتْحِ) أَي (نُقْصَانٌ فِي نُقْصان) ورُجُوع، (مَثَلٌ) يُضْرَب (لمَنْ هُو فِي إِدْبَار) .} والمَحَارَة {كالحُورِ: النُّقْصان والرُّجُوع، (أَو لِمنْ لاَ يَصْلُح) . قَالَ ابنُ الأَعرابِيّ: فُلانٌ} حَوْرٌ فِي {محارَة. هاكذا سمِعْتُه بفَتْح الحاءِ. يُضرَب مَثَلاً للشَّيْءِ الَّذِي لَا يصْلَح، (أَو لمَنْ كَانَ صَالِحاً ففَسَدَ) ، هاذا آخِر كَلامِه.
(} وحُورُ بْنُ خَارِجة، بالضَّمّ) : رجُل (مِنْ طَيِّى) .
(و) قولم (طَحَنَتْ) الطَّاحِنَةُ (فَمَا {أَحَارَتْ شَيْئاً، أَي مَا رَدَّتْ شَيْئاً مِنَ الدَّقِيقِ، والاسْمُ مِنْهُ} الحُورُ أَيْضاً) ، أَي بالضَّمِّ، وَهُوَ أَيْضاً الهَلَكَة. قَالَ الرَّاجِزُ:
فِي بِئْرِ لَا {حُورٍ سَرَى وَمَا شَعَرْ
قَالَ أَبُو عُبَيْدة: أَي فِي بِئْرِ} حُورٍ و (لَا) زِيادةٌ.
(و) من المَجازِ: (قَلِقَتْ {محَاوِرُه) أَي (اضْطَرب أَمْرُه) . وَفِي الأَساسِ. اضْطَرَبَت أَحوَالُه. وأَنشد ثَعْلَب.
يَا مَيُّ مَالِي قَلِقَتْ} - مَحَاوِرِي
وصَارَ أَشْبَاهَ الفَغَا ضَرائِرِي
أَي اضْطَرَبَتْ عَلَيَّ أُمُورِي، فكَنَى عَنْهَا بالمَحَاوِر. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: استُعِير من حَالِ (مِحْور) البَكَرَة إِذَا املاَسَّ، واتَّسَع الخَرْقُ فاضْطَرَبَ.
(وعَقْرَبُ {الحِيرَانِ: عَقْرَبُ الشِّتَاءِ، لأَنَّهَا تَضُرُّ} بالحُوَارِ) ولَدِ النَّاقَةِ، {فالحِيْرانُ إِذاً جَمْعُ} حُوَارٍ.
(و) فِي التَّهْذِيب فِي الخُمَاسِيّ: ( {الحَوَرْوَرَةُ: المَرْأَةُ البَيْضَاءُ) ، قَالَ: وَهُوَ ثلاثيُّ الأَصْلِ أُلحِقَ بالخُمَاسِي لتَكْرَارِ بعْضِ حُرُوفِها.
(} وأَحَارَتِ النَّاقَةُ: صارتْ ذَاتَ {حُوَارٍ) ، وَهُوَ وَلَدُها سَاعَةَ تَضَعُه.
(وَمَا} أَحَارَ) إِلَيَّ (جَوَاباً: مَا رَدَّ) ، وَكَذَا مَا {أَحَارَ بكَلِمَة.
(} وحَوَّرَهُ {تَحْويِراً: رَجَعَه) . عَن الزّجَّاج.} وحَوَّرَه أَيضاً: بَيَّضَه. {وحَوَّرَهُ. دَوَّرَه، وَقد تَقَدَّم.
(و) } حَوَّرَ (الله فُلاَناً: خَيَّبَه) ورَجَعَه إِلى النَّقص.
( {واحوَرَّ) الجِسْمُ (} احْوِرَاراً: ابْيَضَّ) وكذالك الخُبْزُ وغَيْرُه.
(و) {احوَرَّتْ (عيْنُه: صارَتْ} حَورَاءَ) بيِّنَةَ {الحَوَرِ: وَلم يَدْرِ الأَصمَعِيُّ مَا الحَوَر فِي العَيْن، كَمَا تقدَّم:
(والجَفْنَةُ} المُحْوَرَّةُ: المُبْيَضَّةُ بالسَّنَامِ) . قَالَ أَبو المُهَوّش الأَسَدِيّ:
يَا وَرْدُ إِنّي سَأَمُوتُ مَرَّهْ
فمَنْ حَلِيفُ الجَفْنَةِ {المُحْوَرَّهْ
يَعْنِي المُبْيَضَّةَ. قَالَ ابنُ بَرِّيّ: وَوَرْدُ تَرْخِيمُ وَرْدَةَ، وَهِي امرأَتُه، وَكَانَت تَنْهَاه عَن إِضاعَةِ مَاله ونَحْرِ إِبلِه.
(} واسْتَحَارَهُ: اسْتَنْطَقَه) . قَالَ ابنُ الأَعرابِيّ: اسْتَحَارَ الدَّارَ: استَنْطَقَهَا، من {الحَوْرِ الّذي هُوَ الرُّجُوع.
(وقَاعُ} المُسْتَحِيرَة: د) ، قَالَ مالِك ابنُ خَالِدٍ الخُنَاعِيُّ:
ويَمَّمْتُ قاعَ المُسْتَحِيرَةِ إِنَّني
بأَنْ يَتَلاَحَوْا آخِرَ اليَوْمِ آرِبُ
وَقد أَعاده المُصَنِّف فِي اليائِيّ أَيْضاً، وهُمَا واحِدٌ.
( {والتَّحَاوُرُ: التَّجَاوُبُ) ، وَلَو أَوْرَدَه عِنْد قَوْله:} وتَحَاوَرُوا: تَرَاجَعُوا، كَانَ أَلْيَقَ، كَمَا لَا يَخْفَى.
(وإِنَّه فِي {حُورٍ وبُورٍ، بضَمِّهمَا) ، أَي (فِي غَيْرِ صَنْعَة ولاَ إِتَاوَة) ، هاكَذَا فِي النُّسَخ. وَفِي اللِّسَان وَلَا إِجادَة، بدل إِتَاوَة، (أَوْ فِي ضَلاَل) ، مأْخُوذٌ من النَّقْصِ والرُّجُوع.
(} وحُرْتُ الثَّوْبَ) {أَحُورَه} حَوْراً: (غَسَلْتُه وبَيَّضْتُه) ، فَهُوَ ثَوْب {مَحُورٌ، والمعروفُ} التَّحْوِيرُ، كَمَا تقدَّم.
وَمِمَّا يُسْتَدْرَك عَلَيْهِ:
{حارَتِ الغُصَّة تَحُور حَوْراً: انحدَرَت كأَنَّها رَجَعت من مَوْضِعها، وأَحارَها صَاحِبُها. قَالَ جَرِير:
ونُبِّئْتُ غَسَّانَ ابْنَ وَاهِصةِ الخُصَى
يُلَجْلِجُ مِنِّي مُضْغَةً لَا} يُحِيرُها
وأَنشد الأَزهَرِيّ:
وتِلْكَ لعمْرِي غُصَّةٌ لَا {أُحِيرُها
والباطِل فِي حُور: أَي (فِي) نَقْص ورُجُوع. وذَهَب فُلانٌ فِي} الحَوَارِ والبَوَارِ (مَنْصُوبًا الأوَّل. وَذهب فِي {الحُورِ والبُور) أَي فِي النُّقْصَانِ والفَسادِ. ورَجُلٌ} حَائِرٌ بائِر. وَقد {حَارَ وبَارَ.} والحُورُ: الهَلاكُ. ( {والحَوَار} والحِوَار {والحَوْر) الجَوَابُ. وَمِنْه حَدِيثُ عَليّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه (يَرْجِع إِلَيْكُمَا ابْنَاكُما} بحَوْرِ مَا بَعَثْتُمَا بِه) أَي بِجَواب ذالِك.
{والحِوَارُ} والحَوِيرُ: خُرُوجُ القِدْح مِنَ النَّارِ. قَالَ الشَّاعِرِ:
وأَصْفَرَ مَضْبُوحٍ نَظَرْتُ {حَواَرهُ
على النَّارِ واسْتَوْدَعْتُهُ كَفَّ مُجْمِدِ
ويُرْوَى} حَوِيرَه، أَي نَظَرْتُ الفَلَجَ والفَوْزَ.
وَحكى ثَلب: اقْضِ {مَحُورَتَك، أَي الأَمرَ الّذي أَنتَ فِيهِ.
} والحَوْرَاءُ: البَيْضَاءُ، لَا يُقْصَد بذالك حَوَرُ عَيْنِها.
{والمُحَوِّر: صاحِبُ} الحُوَّارَى.
{ومُحْوَرُّ القِدْرِ: بَياضُ زَبَدِها. قَالَ الكُمَيْت:
ومَرْضُوفَةٍ لم تُؤْنِ فِي الطَّبْخ طَاهِياً
عَجِلْتُ إِلى} مُحْوَرِّها حِين غَرْغَرَا والمَرْضُوفَةُ: القِدْر الَّتِي أُنْضِجَت بالحِجَارَةِ المُحْمَاةِ بالنَّارِ. وَلم تُؤْنِ: لم تَحْبِس.
{وحَوَّرْت خَواصِرَ الإِبِل، وَهُوَ أَن يَأْخُذَ خِثْيَها فيَضْرِب بِهِ خَواصِرَها. وفلانُ سَرِيعُ} الإِحارةِ، أَي سَرِيعُ اللَّقْم، {والإِحارَةُ فِي الأَصْل: رَدُّ الجَوابِ، قَالَه المَيْدَانِيّ.
} والمَحَارَةُ: مَا تَحْتَ الإِطار. والمَحارَةُ: الحَنَكُ، وَمَا خَلْفَ الفَرَاشَةِ من أَعْلَى الفَمِ. وَقَالَ أَبو العمَيْثَل: باطِنُ الحَنكِ. والمَحَارَةُ: مَنْفَذُ النَّفَسِ إِلى الخَياشِيم. والمَحَارَةُ: قْرَ الوَرِكِ. والمَحَارَتانِ رَأْسَا الوَرِكِ المُسْتَدِيرَانِ اللَّذانِ يَدُورُ فيهمَا رُءُوس الفَخِذَين.
{والمَحَارُ، بِغَيْر هاءٍ، من الإِنْسَان: الحَنَكُ. وَمن الدَّابَّة: حَيْث يُحَنِّك البَيْطَارُ. وَقَالَ ابنُ الأَعْرَابِيّ: مَحَارَةُ الفَرِس أَعْلَى فَمِه مِنْ بَاطِنٍ.
} وأَحرت الْبَعِير نَحرته وهاذَا من الأَساسِ.
{وحَوْرانُ اسمُ امرأَةٍ: قَالَ الشَّاعر:
إِذَا سَلَكَت} حَوْرَانُ من رَمْل عالِج
فَقُولاَ لَهَا لَيْسَ الطرِيقُ كَذالِكِ
وحَوْرَان: لَقبُ بَعْضِهم. {وحُورٌ. بالضَّمّ لَقَبُ أَحْمَدَ بنِ الخَلِيل، رَوَى عَن الأَصْمَعِيّ. ولقَبُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّد بْنِ المُغَلّس. وحُورُ بنُ أَسْلَم فِي أَجدادِ يَحْيَى بْنِ عَطَاءٍ المِصْرِيّ الحَافِظ.
وَعَن ابْن شُمَيْل: يَقُولُ الرَّجُل لِصَاحِبِه: واللَّهِ مَا تَحُور وَلَا تَحُولُ، أَي مَا تَزْدَاد خَيْراً. وَقَالَ ثَعْلَبٌ عَن ابْنِ الأَعرابِيّ مِثْلَه.
} وحُوَار (كغُرَاب) : صُقْع بهَجَرَ. وكُرمّان: جُبَيل.
وعبدُ القُدُّوس بن! - الحَوَارِيّ الأَزدِيّ من أَهْلِ البَصْرة يَرْوِي عَن يُونُسَ بنِ عُبَيْد. رَوَى عَنهُ العِرَاقِيُّون، {- وحَوارِيّ بنُ زِيادٍ تابِعِيّ.
} وحور: مَوضِع بالحجاز. وماءٌ لقُضاعةَ بالشَّام.
{- والحَوَاريّ بنُ حِطّان بن المُعَلَّى التَّنُوخِيّ: أَبو قَبِيلة بمعَرَّة النُّعمانِ من رِجال الدَّهْر. وَمن وَلده أَبُو بِشْر} - الحَوَاري بنُ محمّدِ بنِ علِيّ بنِ مُحَمد بنِ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّد بنِ أَحْمدَ بنِ الحَوَارِيّ التَّنُوخِيُّ عَمِيدُ المَعَرَّة. ذكره ابْن العَدِيم فِي تَارِيخ حلَب.
(حور) : المَحارَةُ ما بينَ النَّسْرِ إلى السُنْبُكِ.
(حور) : الحِوارُ: الحُوارُ، ويقال: حِوارَةٌ وحُوارَةٌ، كما يُقال: فَصِيلٌ وفَصِيَلةٌ. 
(ح و ر) : (الْحَوَرُ) نَوْعٌ مِنْ الشَّجَرِ وَأَهْلُ الشَّامِ يُسَمُّونَ الذِّئْبَ حَوَرًا وَهُوَ بِفَتْحَتَيْنِ بِدَلِيلِ قَوْلِ الرَّاعِي أَنْشَدَهُ صَاحِبُ التَّكْمِلَةِ
كَالْحَوَرِ سَيْرًا مَعَاصِيًا فِي سَيْرِهِمْ عَجَلٌ ... كَالْحَوَرِ نُطِّقَ بِالصَّفْصَافِ وَالْحَوَرِ
وَمِنْهُ مَا فِي الْهِبَةِ وَلَوْ كَانَتْ الشَّجَرَةُ شَجَرَةً لَا يُقْصَدُ مِنْهَا إلَّا الْخَشَبُ كَشَجَرِ الْحَوَر وَفِي مُفْرَدَاتِ الْقَانُونِ (الْحَوَرُ) شَجَرَةٌ يُقَالُ إنَّ الرُّومِيَّ مِنْهَا صَمْغُهَا الْكَهْرَبَاءُ وَالْحَوْزُ وَالْجَوْزُ كِلَاهُمَا تَصْحِيفٌ (وَحَاوَرْت) فُلَانًا مُحَاوَرَةً وَحِوَارًا رَاجَعْته الْكَلَامَ وَفِي شَرْحِ الْقُدُورِيِّ عَنْ طَاوُسٍ أَنَّهُ «كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَتَّى يَعْلُوَ بِهِمَا مَحَارَةَ الرَّأْسِ» الصَّوَابُ (مَحَارَةَ) الْأُذُنِ وَهِيَ جَوْفُهَا وَمُتَّسَعُهَا حَوْلَ الصِّمَاخِ وَأَصْلُهَا صَدَفَةُ اللُّؤْلُؤِ وَإِنْ صَحَّ مَا فِي الشَّرْحِ فَعَلَى الْمَجَازِ وَالسَّعَةِ.
ح و ر : الْحَارَةُ الْمَحَلَّةُ تَتَّصِلُ مَنَازِلُهَا وَالْجَمْعُ حَارَاتٌ وَالْمَحَارَةُ بِفَتْحِ الْمِيمِ مَحْمِلُ الْحَاجِّ وَتُسَمَّى الصَّدَفَةَ أَيْضًا وَحَوِرَتْ الْعَيْنُ حَوَرًا مِنْ بَابِ تَعِبَ اشْتَدَّ بَيَاضُ بَيَاضِهَا وَسَوَادُ سَوَادِهَا وَيُقَالُ الْحَوَرُ اسْوِدَادُ الْمُقْلَةِ كُلِّهَا كَعُيُونِ الظِّبَاءِ قَالُوا وَلَيْسَ فِي الْإِنْسَانِ حَوَرٌ وَإِنَّمَا قِيلَ ذَلِكَ فِي النِّسَاءِ عَلَى التَّشْبِيهِ.
وَفِي مُخْتَصَرِ الْعَيْنِ وَلَا يُقَالُ
لِلْمَرْأَةِ حَوْرَاءُ إلَّا لِلْبَيْضَاءِ مَعَ حَوَرِهَا وَحَوَّرْتُ الثِّيَابَ تَحْوِيرًا بَيَّضْتُهَا وَقِيلَ لِأَصْحَابِ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حَوَارِيُّونَ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُحَوِّرُونَ الثِّيَابَ أَيْ يُبَيِّضُونَهَا وَقِيلَ الْحَوَارِيُّ النَّاصِرُ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ وَاحْوَرَّ الشَّيْءُ ابْيَضَّ وَزْنًا وَمَعْنًى وَحَارَ حَوْرًا مِنْ بَابِ قَالَ نَقَصَ وَحَاوَرْتُهُ رَاجَعْتُهُ الْكَلَامَ وَتَحَاوَرَا وَأَحَارَ الرَّجُلُ الْجَوَابَ بِالْأَلِفِ رَدَّهُ وَمَا أَحَارَهُ مَا رَدَّهُ. 
(حور) - قَولُه تَبارَك وتَعال: {حُورٌ عِينٌ} .
قال أبو عَمْرو الشَّيْبَانِى: الحَوراءُ: السَّوداءُ العَيْنِ التي ليس في عَينِها بَيَاضٌ، ولا يكُون هذا في الإِنس، إنما يكون في الوَحْش كالبَقَر والظِّباء، وكذلك قاله سَعِيدُ بنُ جُبَيْر.
وقال ابنُ السِّكِّيت: الحَوَر عند العَرَب: سَعَةُ العَيْن وكِبَر المُقْلَة وكَثْرة البَياض. وقال قُطْرب: الحَوْراء: الحَسَنة المَحَاجر، صَغُرت العَيْن أم كَبُرت. وقيل: الحَوراءُ: الشَّدِيدةُ بَياض البَيَاض في شِدَّة سَوادِ السَّوادَ. وقيل: هو أن يَكُونَ البَيَاض مُحدِقًا بالسَّواد.
وقال الأصمَعِىُّ: ما أَدرِى ما الحَوَر.
- في الحَدِيثِ: "والكَبْشُ الحَوَرِىّ"
قال القُتَبِىُّ: أُراهُ مَنسوباً إلى الحَوَر، وهي جُلُود حُمْر تُتَّخَذ من جُلودِ المَعِز وبَعضِ جُلُود الضَّأن. وقال أبو النَّجْم يذكُر قَتِيلاً:
* كأَنَّما مَوقِع خَدَّيْهِ الحَوَر *
يقول: صار الدَّمُ على خَدَّيه، فكأَنَّه حَوَر لِحُمرَتِه.
وقال غَيرُه: الحَوَر: جِلدٌ رَقِيق، يُتَّخذ منه الأَسْفَاط، والأَدِيمُ : شِدَّة الحُمْرة أَيضًا. - في حَدِيثِ سَطِيح: "فَمَا أَحَارَ" .
من قَولِهم: حَارَ إذا رَجَع، وأَحارَه: رَجَعَه ورَدَّه.
ح ور [وحور]
قال: يا ابن عباس: أخبرني عن قول الله عزّ وجلّ: وَحُورٌ عِينٌ .
قال: الحوراء البيضاء المنعمة.
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم، أما سمعت الأعشى وهو يقول:
وحور كأمثال الدّمى ومناسف ... وماء وريحان وراح يضع 

حور

1 حَارَ, aor. ـُ (S,) inf. n. حَوْرٌ and حُؤُورٌ (S, K) and حُورٌ, a contraction of the form next preceding, used in poetry, in case of necessity, (TA,) and مَحَارٌ (S, K) and مَحَارَةٌ (K) and حَوْرَةٌ, (TA,) He, or it, returned, (S, L, K,) إِلَى شَىْءٍ

to a thing, and عَنْهُ from it. (L.) b2: [Hence,] حار عَلَيْهِ It (a false imputation) returned to him [who was its author; or recoiled upon him]. (TA, from a trad.) b3: And حَارَتِ الغُصَّةُ The thing sticking in the throat, and choking, descended; as though it returned from its place. (TA.) b4: [And حار, inf. n. حَوْرٌ and حُورٌ, He returned from a good state to a bad.] You say, حار بَعْدَ مَا كَانَ (TA on the authority of 'Ásim, and so in a copy of the S,) He returned from a good state after he had been in that state: (A 'Obeyd, S, * TA:) so says 'Asim: (TA:) or حار بعد ما كَارَ (TA, and so in copies of the S,) He became in a state of defectiveness after he had been in a state of redundance: (TA:) or it is from حار, inf. n. حَوْرٌ, He untwisted his turban: (Zj, TA:) and means (assumed tropical:) He became in a bad state of affairs after he had been in a good state. (TA. [See حَوْرٌ, below.]) b5: حَارَ وَبَارَ He became in a defective and bad state. (TA. [Here بار is an imitative sequent; (see حَائِرٌ;) as is also يَبُورُ in a phrase mentioned below.]) b6: حار, aor. as above, (Msb,) inf n.

حَوْرٌ (S, A, Msb, K) and حُورٌ (S, A, K) and مَحَارَةٌ (S) and مَحَارٌ, (M and TA in art. اول,) It decreased, or became defective or deficient. (S, * A, * Msb, K. * [See also حَوْرٌ, below.]) b7: Also, inf. n. حَوْرٌ (TA) and حُورٌ, (S, K,) He perished, or died. (S, * K, * TA.) b8: Also, aor. ـُ inf. n. حَوْرٌ, He, or it, became changed from one state, or condition, into another: and it became converted into another thing. (TA.) b9: مَا يَحُورُ فُلَانٌ وَلَا يَبُورُ Such a one does not increase nor become augmented [in his substance] (Ibn-Háni, K *) is said when a person's being afflicted with smallness of increase is confirmed. (Ibn-Háni, TA.) A2: حار, (TK,) inf. n. حَوْرٌ, (K,) He was, or became, confounded, or perplexed, and unable to see his right course; syn. تَحَيَّرَ. (K, * TK.) [See also art. حير.]

A3: See also 2.

A4: حَوِرَ, aor. ـَ inf. n. حَوَرٌ; (K;) and حَوِرَتْ, aor. and inf. n. as above; (Msb;) and ↓ احوّر, (K,) inf. n. اِحْوِرَارٌ; (TA;) and احوّرت; (S, K; *) He, (a man, K, TA,) and it, (an eye, S, Msb, K, * TA,) was, or became, characterized by the quality termed حَوَرٌ as explained below. (S, Msb, K, TA.) 2 حوّرهُ, inf. n. تَحْوِيرٌ, He made him, or it, to return. (Zj, K.) b2: He (God) denied him, or prohibited him from attaining, what he desired, or sought; disappointed him; frustrated his endeavour, or hope; (K, TA;) and caused him to return to a state of defectiveness. (TA.) A2: حوّر, inf. n. as above, He whitened clothes, or garments, (S, Msb,) and wheat, or food: (S:) and ↓ حار, (K,) aor. ـُ inf. n. حَوْرٌ, (TA,) he washed and whitened a garment, or piece of cloth; (K;) but حوّر is better known in this sense. (TA.) b2: حوّر عَيْنَ البَعِيرِ, (inf. n. as above, TA,) He burned a mark round the eye of the camel with a circular cauterizing-instrument, (S, K, *) on account of a disorder: because the place becomes white. (TA.) A3: [He prepared skins such as are called حَوَرٌ: a meaning indicated, but not expressed, in the TA. b2: And app. He lined a boot with such skin: see مُحَوَّرٌ.]

A4: Also, (inf. n. as above, TA,) He prepared a lump of dough, and made it round, (S, K,) with a مِحْوَر, (TA,) to put it into the hole containing hot ashes in which it was to be baked: (S, K:) he made it round with a مِحْوَر. (A.) 3 حاورهُ, (A, Mgh, Msb,) and حاورهُ الكَلَامَ, (TA in art. رجع, &c.,) inf. n. مُحَاوَرَةٌ (S, Mgh, K) and حِوَارٌ, (A, Mgh,) He returned him answer for answer, or answers for answers; held a dialogue, colloquy, conference, disputation, or debate, with him; or bandied words with him; syn. جَاوَبَهُ, (S, and Jel in xviii. 35,) and رَاجَعَهُ الكَلَامَ, (A, Mgh, Msb,) or رَاجَعَهُ فِى الكَلَامِ, (Bd in xviii. 32,) or, of the inf. n., مُرَاجَعَةُ النُّطْقِ. (K.) And حاورهُ He vied, or competed, with him, or contended with him for superiority, in glorying, or boasting, or the like; syn. فَاخَرَهُ. (Jel. in xviii. 32.) 4 احار [He returned a thing]. You say, طَحَنَتْ فَمَا أَحَارَتْ شَيْئًا She ground, and did not return (مَا رَدَّتْ) anything of the flour [app. for the loan of the hand-mill: see حُورٌ, below]. (S, K.) b2: احار الغُصَّةَ He swallowed the thing sticking in his throat and choking him; [as though he returned it from its place: see 1: see also 4 in art. حير: and see an ex. voce إِحَارَةٌ.] (TA.) And فُلَانٌ سَرِيعُ الإِحَارَةِ Such a one is quick in swallowing: [said to be] from what next follows. (Meyd, TA.) b3: احار, (S, K, &c.,) inf. n. إِحَارَةٌ, (TA,) He returned an answer, or a reply. (Msb, TA.) You say, كَلَّمْتُهُ فَمَا أَحَارَ إِلَىَّ جَوَابًا I spoke to him, and he did not return to me an answer, or a reply. (S, A, * Msb, * K, *) And in like manner, مَا أَحَارَ بِكَلِمَةِ [He did not return a word in answer, or in reply]. (TA.) A2: احارت She (a camel) had a young one such as is called حُوَار. (K.) 6 تحاوروا, (Msb, K, &c.,) inf. n. تَحَاوُرٌ, (S, K,) They returned one another answer for answer, or answers for answers; held a dialogue, colloquy, conference, disputation, or debate, one with another; or bandied words, one with another; syn. تَجَاوَبُوا, (S, K,) and تَرَاجَعُوا, (Jel in lviii. & ا,) or تَرَاجَعُوا الكَلَامَ, (Msb, K,) or تَرَاجَعُوا فِى الكَلَامِ. (Bd in lviii. 1.) [And They vied, or competed, or contended for superiority, one with another, in glorying, or boasting, or the like: see 3.]9 احوّر, (S, K, &c.,) inf. n. اِحْوِرَارٌ, (K,) It (a thing, S, Msb, and the body, TA, and the part around the eye, A, and bread, S, or some other thing, TA) was, or became, white. (S, A, Msb, K.) b2: See also 1, last sentence.10 استحارهُ He desired him to speak [or to return an answer or a reply; he interrogated him]. (S, K.) And استحار الدَّارَ He desired the house to speak [to him; he interrogated the house; as a lover does in addressing the house in which the object of his love has dwelt]. (IAar.) حَوْرٌ inf. n. of حَارَ. (S, A, Msb, K.) [Hence,] نَعُوذُ بِاللّٰهِ مِنَ الحَوْرِ بَعْدَ الكَوْنِ, (TA on the authority of 'Ásim, and so in a copy of the S,) a trad., (TA,) meaning We have recourse to God for preservation from decrease, or defectiveness, after increase, or redundance: (S:) or مِنَ الحَوْرِ بَعْدَ الكَوْرِ, (TA, and so in copies of the S,) meaning as above: (S, TA:) or (assumed tropical:) from a bad state of affairs after a good state; from حَوْرٌ signifying the “ untwisting ” a turban: (TA:) or from returning and departing from the community [of the faithful] after having been therein; [from حَارَ “ he untwisted ” his turban, and] from كَارَ “ he twisted ” his turban upon his head. (Zj, TA. [See also كَوْرٌ.]) ↓ فِى مَحَارَةٍ ↓ حُورٌ, (S, K,) and حَوْرٌ, (K,) Deficiency upon deficiency, (S, K,) and return upon return, (TA,) is a prov., applied to him whose good fortune is retiring; (S, K;) or to him who is not in a good state; or to him who has been in a good state and has become in a bad state: (K:) or the saying is, ↓ فُلَانٌ حَوْرٌ فِى مَحَارَةٍ [Such a one is suffering deficiency upon deficiency: حَوْرٌ being used in the sense of حَائِرٌ, like بَوْرٌ in the sense of بَائِرٌ]: so heard by IAar; and said by him to be applied in the case of a thing not in a good state; or to him who has been in a good state and has become in a bad state. (TA.) One says also, البَاطِلُ فِى

حَوْرٍ What is false, or vain, is waning and retreating. (TA.) And وَبُورٍ ↓ إِنَّهُ فِى حُورٍ, (K,) or حُورٍ بُورٍ, (K in art. حير,) Verily he is engaged in that which is not a skilful nor a good work or performance: (فِى غَيْرِ صَنْعَةٍ وَلَا إِجَادَةٍ: so in the L: in the K, for احادة is put إِتَاوَةٍ [which is evidently a mistake]: TA:) or he is in a bad state, and a state of perdition: (TA in art. حير:) or in error. (K. [See also بُورٌ: and see بَائِرٌ, in art. بور; where it is implied that بور is here an imitative sequent of حور.]) And ذَهَبَ فُلَانٌ فِى

وَالبَوَارُ ↓ الحَوَارِ Such a one went away in a defective and bad state. (L, TA.) b2: See also حَوِيرٌ.

A2: What is beneath the [part called] كَوْرٌ of a turban. (K.) A3: The bottom of a well or the like. (K.) b2: Hence, (TA,) هُوَ بَعِيدُ الحَوْرِ (assumed tropical:) He is intelligent; (K;) deep in penetration. (TA.) حُورٌ: see حَوْرٌ, in two places.

A2: Also [app. A return of flour for the loan of a hand-mill; like عُقْبَةٌ (a subst. from أَعْقَبَ) signifying some broth which is returned with a borrowed cooking-pot:] a subst. from احارت in the phrase طَحَنَتْ فَمَا

أَحَارَتْ شَيْئًا [q. v. suprà]. (S, K.) حَوَرٌ Intense whiteness of the white of the eye and intense blackness of the black thereof, (S, Msb, K,) with intense whiteness, or fairness, of the rest of the person: (K:) or intense whiteness of the white of the eye and intense blackness of the black thereof, with roundness of the black, and thinness of the eyelids, and whiteness, or fairness, of the parts around them: (K:) or blackness of the whole [of what appears] of the eye, as in the eyes of gazelles (AA, S, Msb, K) and of bulls and cows: (AA, S:) and this is not found in human beings, but is attributed to them by way of comparison: (AA, S, Msb, K:) As says, I know not what is الحَوَرُ in the eye. (S.) b2: Also [simply] Whiteness. (A.) A2: Red skins, with which [baskets of the kind called] سِلَال are covered: (S, K:) [a coll. gen. n.:] n. un. with ة: (S:) pl. حُورَانٌ: (K, TA: in the CK حَوَرانٌ:) or (so in the TA, but in the K “ and ”) a hide dyed red: (K, TA:) or red skins, not [such as are termed] قَرَظِيَّة: pl. أَحْوَارٌ: (AHn:) or skins tanned without قَرَظ: or thin white skins, of which [receptacles of the kind called] أَسْفَاط are made: or prepared sheep-skins. (TA.) [In the present day, pronounced حَوْر, applied to Sheep-skin leather.]

A3: A certain kind of tree: the people of Syria apply the name of حَوْرٌ to the plane-tree (دُلْب); but it is حَوَرٌ, with two fet-hahs: in the account of simples in the Kánoon [of Ibn-Seenà], it is said to be a certain tree of which the gum is called كهرباء: (Mgh:) [by the modern Egyptians (pronounced حَوْر) applied to the white poplar:] a certain kind of wood, called البَيْضَآءُ, (K,) because of its whiteness. (TA.) A4: الحَوَرُ The third star, [e,] that next the body, of the three in the tail of Ursa Major. (Mir-át ez-Zemán, &c. [In the K it is incorrectly said to be the third star of بَنَاتُ نَعْشٍ الصُّغْرَى. See القَائِدُ, in art. قود.]) حَارَةٌ [A quarter of a city or town; generally consisting of several narrow streets, or lanes, of houses, and having but one general entrance, with a gate, which is closed at night; or, which is the case in some instances, having a by-street passing through it, with a gate at each end:] a place of abode of a people, whereof the houses are contiguous: (Msb:) any place of abode of a people whereof the houses are near [together]: (K in art. حير:) a spacious encompassed tract or place; syn. مُسْتَدَارٌ مِنْ فَضَآءٍ: (A:) pl. حَارَاتٌ. (A, Msb.) حِيرَةٌ: see حَوِيرٌ.

حَوْرَآءُ fem. of أَحْوَرُ [q. v.]. b2: Also A round, or circular, burn, made with a hot iron; (K;) [around the eye of a camel; (see 2;)] so called because its place becomes white. (TA.) حَوَرْوَرَةٌ: see حَوَارِيَّةٌ, under حَوَارِىٌّ.

حَوَارٌ: see حَوِيرٌ: A2: and see حَوْرٌ.

حُوَارٌ, (S, K, &c.,) and sometimes with kesr [↓ حِوَارٌ], (K,) but this latter is a bad form, (Yaakoob,) A young camel when just born: (T, K:) or until weaned; (S, K;) i. e. from the time of its birth until big and weaned; (TA;) when it is called فَصِيلٌ: (S:) fem. with ة: (IAar:) pl. (of pauc., S) أَحْوِرَةٌ and (of mult., S) حِيرَانٌ and حُورَانٌ. (S, K.) [Its flesh is insipid: see a verse cited as an ex. of the word مَسِيخٌ.]

b2: [Hence,] عَقْرَبُ الحِيرَانِ The scorpion of winter; because it injures the حُوَار, (K, TA,) i. e. the young camel. (TA.) حِوَارٌ: see حَوِيرٌ: A2: and see also حُوَارٌ.

حَوِيرٌ (S, K,) and ↓ حَوِيرَةٌ, (S, and so in some copies of the K,) or ↓ حُوَيْرَةٌ, (so in other copies of the K and in the TA,) and ↓ حَوَارٌ (S, K) and ↓ حِوَارٌ (K) and ↓ مَحُورَةٌ (S, K, TA, in the CK مَحْوُرَةٌ) and ↓ مَحْوَرَةٌ and ↓ مُحَاوَرَةٌ [originally an inf. n. of 3] and ↓ حِيرَةٌ (K) and ↓ حَوْرٌ, (TA,) An answer; a reply. (S, K.) You say, مَا رَجَعَ إِلَىَّ حَوِيرًا, &c., He did not return to me an answer, or a reply. (S.) [See a verse of Tarafeh cited voce مُجْمِدٌ.]

حَوِيرَةٌ, or حُوَيْرَةٌ: see what next precedes.

حَوَارِىٌّ One who whitens clothes, or garments, by washing and beating them. (S, M, Msb, K.) Hence its pl. حَوَارِيُّونَ is applied to The companions [i. e. apostles and disciples] of Jesus, because their trade was to do this. (S, M, Msb.) [Or it is so applied from its bearing some one or another of the following significations.] b2: One who is freed and cleared from every vice, fault, or defect: [or] one who has been tried, or proved, time after time, and found to be free from vices, faults, or defects; from حَارَ “ he returned. ” (Zj, TA.) b3: A thing that is pure, or unsullied: anything of a pure, or an unsullied, colour: and hence, b4: One who advises, or counsels, or acts, sincerely, honestly, or faithfully: (Sh:) or a friend; or true, or sincere, friend: (TA:) or an assistant: (S, Msb, K:) or a strenuous assistant: (TA:) or an assistant of prophets: (K:) or a particular and select friend and assistant of a prophet: and hence the pl. is applied to the companions of Mohammad also. (Zj.) b5: A relation. (K.) b6: And حَوَارِيَّةٌ A white, or fair, woman; (A;) as also ↓ حَوَرْوَرَةٌ; (T, K;) and so ↓ حَوْرَآءُ, without implying حَوَرٌ of the eye: (TA:) pl. of the first حَوَارِيَّاتٌ: (A:) or this pl. signifies women of the cities or towns; (K;) so called by the Arabs of the desert because of their whiteness, or fairness, and cleanness: (TA:) or women clear in complexion and skin; because of their whiteness, or fairness: (TA:) or women inhabitants of regions, districts, or tracts, of cities, towns, or villages, and of cultivated land: (Ksh and Bd in iii. 45:) or [simply] women; because of their whiteness, or fairness. (S.) حُوَّارَى White, applied to flour: (A, * K:) such is the best and purest of flour: (K, TA:) and in like manner applied to bread: (A:) or whitened, applied to flour; (S;) and, in this latter sense, to any food. (S, K.) [See also سَمِيدٌ: and see مُحَوَّرٌ.]

رَجُلٌ حَائِرٌ بَائِرٌ A man in a defective and bad state: (S, TA:) or perishing, or dying. (S.) [See the same phrase in art. حير: see also حَوْرٌ: and see بَائِرٌ, in art. بور; where it is said that بائر is here an imitative sequent of حائر.]

A2: See also مَحَارَةٌ.

أَحْوَرُ, (K,) applied to a man, (TA,) Having eyes characterized by the quality termed حَوَرٌ as explained above: (K:) and so حَوْرَآءُ, [the fem.,] applied to a woman: (S, Msb, K: *) pl. حُورٌ. (S, K.) And حُورُ العِينِ, applied to women, Having eyes like those of gazelles and of cows. (AA, S.) Az says that a woman is not termed حَوْرَآء unless Combining حَوَر of the eyes with whiteness, or fairness, of complexion. (TA.) See also حَوَارِيَّةٌ, under حَوَارِىٌّ. b2: طَرْفٌ أَحْوَرُ An eye of pure white and black. (A.) b3: الأَحْوَرُ A certain star: (S, K:) or (K) Jupiter. (S, K.) A2: Also (tropical:) Intellect: (ISk, S, K:) or pure, or clear, intellect; like an eye so termed, of pure white and black. (A.) So in the saying, مَا يَعِيشُ بُأَحْوَرَ (tropical:) [He does not live by intellect: or by pure, or clear, intellect]. (ISk, S, A.) أَحْوَرِىٌّ A man (TA) white, or fair, (S, K,) of the people of the towns or villages. (TA.) [See also حَوَارِىٌّ; of which the fem. is applied in like manner to a woman.]

مَحَارٌ: see مَحَارَةٌ, in two places.

مِحْوَرٌ The pin of wood, or, as is sometimes the case, of iron, on which the sheave of a pulley turns; (S;) the iron [pin] that unites the bent piece of iron which is on each side of the sheave of a pulley, and in which it [the محور] is inserted, and the sheave itself: and a piece of wood which unites (تَجْمَعُ) the sheave of a large pulley [app. with what is on each side of the latter; for it seems to mean here, also, the pivot]: (K:) some say that it is so called because it turns round, returning to the point from which it departed: others, that it is so called because, by its revolving, it is polished so that it becomes white: (Zj:) pl. مَحَاوِرُ. (A.) One says, قَلِقَتْ مَحَاوِرُهُ, meaning (tropical:) His circumstances, (A,) or affair, or case, (K,) became unsettled: (A, K:) from the state of the pin of the sheave of a pulley when it becomes smooth, and the hole becomes large, so that it wabbles. (A.) b2: Also A thing (K) of iron (TA) upon which turns the tongue of a buckle at the end of a waist-belt. (K.) b3: and An iron instrument for cauterizing [app. of a circular form: see 2]. (K.) b4: And The wooden implement (S, K) of the baker, or maker of bread, (S,) with which he expands the dough, (K,) and prepares it, and makes it round, to put it into the hot ashes in which it is baked: (TA:) so called because of its turning round upon the dough, as being likened to the محور of the sheave of a pulley, and because of its roundness. (T.) مَحَارَةٌ: see حَوْرٌ, in two places.

A2: Also A place that returns [like a circle]: or in which a return is made [to the point of commencement]. (K.) b2: A mother-of-pearl shell; an oyster-shell: (S, IAth, Msb, K:) or the like thereof, of bone: (S, K:) pl. مَحَاوِرُ and [coll. gen. n.] ↓ مَحَارٌ. (L.) b3: And hence, A thing in which water is collected; as also ↓ حَائِرٌ. (IAth.) b4: [Hence also,] An oyster [itself]; expl. by دَابَّةٌ فِى الصَّدَفَيْنِ. (L in art. محر.) b5: The cavity of the ear; (K;) i. e. the external, deep, and wide, cavity, around the ear-hole; or the صَدَفَة [or concha] of the ear. (TA.) b6: The part of the shoulder-blade called its مَرْجِع [q. v.]: (S, K:) or the small round hollow that is in that part of the shoulder-blade in which the head of the humerus turns. (TA.) b7: The small round cavity of the hip: and the dual signifies the two round heads [?] of the hips, in which the heads of the thighs turn. (TA.) b8: The palate; syn. حَنَكٌ: and without ة, i. e. ↓ مَحَارٌ, the same, of a man: and, this latter, the place, in a beast, where the farrier performs the operation termed تَحْنِيكٌ: (TA:) or the former signifies the upper part of the mouth of a horse, internally: (IAar, TA:) or the inner part of the palate: (Abu-l-' Omeythil, TA:) or, [which seems to be the same,] the portion of the upper part of the mouth which is behind the فِرَاشَة [or فِرَاش]: and the passage of the breath to the innermost parts of the nose: (TA:) or مَحَارَةُ الحَنَكِ signifies the part [of the palate] which is a little above the place where the farrier performs the operation termed تحنيك. (S.) b9: The part between the frog and the extremity of the fore part of a solid hoof. (Abu-l-' Omeythil, K.) What is beneath the إِطَار [q. v., app. here meaning the اطار of the hoof of a horse or the like]. (TA.) And The مَنْسِم [i. e. toe, or nail, &c.,] of a camel. (TA.) A3: A thing resembling [the kind of vehicle called] a هَوْدَج; (K;) pronounced by the vulgar [مَحَارَّة,] with teshdeed: pl. مَحَارْاتٌ (TA) [and مَحَائِرُ, which is often applied in the present day to the dorsers, or panniers, or oblong chests, which are borne, one on either side, by a camel, and, with a small tent over them, compose a هودج]: the [ornamented هودج called the]

مَحْمِل [vulgarly pronounced مَحْمَل] of the pilgrims [which is borne by a camel, but without a rider, and is regarded as the royal banner of the caravan; such as is described and figured in my work on the Modern Egyptians]. (Msb.) A4: I. q. خَطٌّ [A line, &c.]. (K.) b2: And i. q. نَاحِيَةٌ [A side, region, quarter, tract, &c.]. (K.) مَحُورَةٌ and مَحْوَرَةٌ: see حَوِيرٌ.

مُحْوَرُّ القِدْرِ The whiteness of the froth, or of the scum, of the cooking-pot. (S.) b2: جَفْنَةٌ مُحْوَرَّةٌ, [in the copies of the K, erroneously, مُحَوَّرَةٌ,] A bowl whitened by [containing] camel's hump, (S, L, K,) or its fat. (A.) مُحَوَّرٌ Dough of which the surface has been moistened with water, so that it is shining. (TA.) [See also 2.] b2: أَعْيُنٌ مُحَوَّرَاتٌ, in a verse of El-'Ajjáj, Eyes of a clear white [in the white parts] and intensely black in the black parts. (S.) A2: A boot lined with skin of the kind called حَوَرٌ. (K.) مُحَوِّرٌ A possessor of [flour, or bread, such as is termed] حُوَّارَى. (TA.) مُحَاوَرَةٌ: see حَوِيرٌ.

حور: الحَوْرُ: الرجوع عن الشيء وإِلى الشيء، حارَ إِلى الشيء وعنه

حَوْراً ومَحاراً ومَحارَةً وحُؤُورواً: رجع عنه وإِليه؛ وقول العجاج:

في بِئْرِ لا حُورٍ سَرَى وما شَعَرْ

أَراد: في بئر لا حُؤُورٍ، فأَسكن الواو الأُولى وحذفها لسكونها وسكون

الثانية بعدها؛ قال الأَزهري: ولا صلة في قوله؛ قال الفرّاء: لا قائمة في

هذا البيت صحيحة، أَراد في بئر ماء لا يُحِيرُ عليه شيئاً. الجوهري: حارَ

يَحُورُ حَوْراً وحُؤُوراً رجع. وفي الحديث: من دعا رجلاً بالكفر وليس

كذلك حارَ عليه؛ أَي رجع إِليه ما نسب إِليه؛ ومنه حديث عائشة: فَغَسلْتها

ثم أَجْفقتها ثم أَحَرْتها إِليه؛ ومنه حديث بعض السلف: لو عَيَّرْتُ

رجلاً بالرَّضَعِ لخشيتُ أَن يَحُورَ بي داؤه أَي يكونَ عَلَيَّ مَرْجِعُه.

وكل شيء تغير من حال إِلى حال، فقد حارَ يَحُور حَوْراً؛ قال لبيد:

وما المَرْءُ إِلاَّ كالشِّهابِ وضَوْئِهِ،

يِحُورُ رَماداً بعد إِذْ هو ساطِعُ

وحارَتِ الغُصَّةُ تَحُورُ: انْحَدَرَتْ كأَنها رجعت من موضعها،

وأَحارَها صاحِبُها؛ قال جرير:

ونُبِّئْتُ غَسَّانَ ابْنَ واهِصَةِ الخُصى

يُلَجْلِجُ مِنِّي مُضْغَةً لا يُحِيرُها

وأَنشد الأَزهري:

وتِلْكَ لَعَمْرِي غُصَّةٌ لا أُحِيرُها

أَبو عمرو: الحَوْرُ التَّحَيُّرُ، والحَوْرُ: الرجوع. يقال: حارَ بعدما

كارَ. والحَوْرُ: النقصان بعد الزيادة لأَنه رجوع من حال إِلى حال. وفي

الحديث: نعوذ بالله من الحَوْرِ بعد الكَوْرِ؛ معناه من النقصان بعد

الزيادة، وقيل: معناه من فساد أُمورنا بعد صلاحها، وأَصله من نقض العمامة بعد

لفها، مأْخوذ من كَوْرِ العمامة إِذا انقض لَيُّها وبعضه يقرب من بعض،

وكذلك الحُورُ، بالضم. وفي رواية: بعد الكَوْن؛ قال أَبو عبيد: سئل عاصم

عن هذا فقال: أَلم تسمع إِلى قولهم: حارَ بعدما كان؟ يقول إِنه كان على

حالة جميلة فحار عن ذلك أَي رجع؛ قال الزجاج: وقيل معناه نعوذ بالله من

الرُّجُوعِ والخُروج عن الجماعة بعد الكَوْرِ، معناه بعد أَن كنا في

الكَوْرِ أَي في الجماعة؛ يقال كارَ عِمامَتَهُ على رأْسه إِذا لَفَّها، وحارَ

عِمامَتَهُ إِذا نَقَضَها. وفي المثل: حَوْرٌ في مَحَارَةٍ؛ معناه نقصان

في نقصان ورجوع في رجوع، يضرب للرجل إِذا كان أَمره يُدْبِرُ. والمَحارُ:

المرجع؛ قال الشاعر:

نحن بنو عامِر بْنِ ذُبْيانَ، والنَّا

سُ كهَامٌ، مَحارُهُمْ للقُبُورْ

وقال سُبَيْعُ بن الخَطِيم، وكان بنو صُبْح أَغاروا على إِبله فاستغاث

بزيد الفوارس الضَّبِّيّ فانتزعها منهم، فقال يمدحه:

لولا الإِلهُ ولولا مَجْدُ طالِبِها،

لَلَهْوَجُوها كما نالوا مِن الْعِيرِ

واسْتَعْجَلُوا عَنْ خَفِيف المَضْغِ فازْدَرَدُوا،

والذَّمُّ يَبْقَى، وزادُ القَوْمِ في حُورِ

اللَّهْوَجَة: أَن لا يُبالغ في إِنضاج اللحم أَي أَكلوا لحمها من قبل

أَن ينضج وابتلعوه؛ وقوله:

والذم يبقى وزاد القوم في حور

يريد: الأَكْلُ يذهب والذم يبقى. ابن الأَعرابي: فلان حَوْرٌ في

مَحارَةٍ؛ قال: هكذا سمعته بفتح الحاء، يضرب مثلاً للشيء الذي لا يصلح أَو كان

صالحاً ففسد. والمَحارة: المكان الذي يَحُور أَو يُحارُ فيه. والباطل في

حُورٍ أَي في نقص ورجوع. وإِنك لفي حُورٍ وبُورٍ أَي في غير صنعة ولا

إِجادة. ابن هانئ: يقال عند تأْكيد المَرْزِئَةِ عليه بِقِلَّةِ النماء: ما

يَحُور فلان وما يَبُورُ، وذهب فلان في الحَوَارِ والبَوَارِ، بفتح

الأَول، وذهب في الحُورِ والبُورِ أَي في النقصان والفساد. ورجل حائر بائر،

وقد حارَ وبارَ، والحُورُ الهلاك وكل ذلك في النقصان والرجوع. والحَوْرُ:

ما تحت الكَوْرِ من العمامة لأَنه رجوع عن تكويرها؛ وكلَّمته فما رَجَعَ

إِلَيَّ حَوَاراً وحِواراً ومُحاوَرَةً وحَوِيراً ومَحُورَة، بضم الحاء،

بوزن مَشُورَة أَي جواباً.

وأَحارَ عليه جوابه: ردَّه. وأَحَرْتُ له جواباً وما أَحارَ بكلمة،

والاسم من المُحاوَرَةِ الحَوِيرُ، تقول: سمعت حَوِيرَهما وحِوَارَهما.

والمُحاوَرَة: المجاوبة. والتَّحاوُرُ: التجاوب؛ وتقول: كلَّمته فما أَحار

إِليَّ جواباً وما رجع إِليَّ خَوِيراً ولا حَوِيرَةً ولا مَحُورَةً ولا

حِوَاراً أَي ما ردَّ جواباً. واستحاره أَي استنطقه. وفي حديث علي، كرم الله

وجهه: يرجع إِليكما ابنا كما بِحَوْرِ ما بَعَثْتُما بِه أَي بجواب ذلك؛

يقال: كلَّمته فما رَدَّ إِليَّ حَوْراً أَي جواباً؛ وقيل: أَراد به

الخيبة والإِخْفَاقَ. وأَصل الحَوْرِ: الرجوع إِلى النقص؛ ومنه حديث عُبادة:

يُوشِك أَن يُرَى الرجُل من ثَبَجِ المسلمين قُرَّاء القرآن على لسان

محمد، صلى الله عليه وسلم، فأَعاده وأَبْدَأَه لا يَحُورُ فيكم إِلا كما

يَحُور صاحبُ الحمار الميت أَي لا يرجع فيكم بخير ولا ينتفع بما حفظه من

القرآن كما لا ينتفع بالحمار الميت صاحبه. وفي حديث سَطِيحٍ: فلم يُحِرْ

جواباً أَي لم يرجع ولم يَرُدَّ. وهم يَتَحاوَرُون أَي يتراجعون الكلام.

والمُحاوَرَةُ: مراجعة المنطق والكلام في المخاطبة، وقد حاوره.

والمَحُورَةُ: من المُحاوَرةِ مصدر كالمَشُورَةِ من المُشاوَرَة كالمَحْوَرَةِ؛

وأَنشد:

لِحاجَةِ ذي بَتٍّ ومَحْوَرَةٍ له،

كَفَى رَجْعُها من قِصَّةِ المُتَكَلِّمِ

وما جاءتني عنه مَحُورَة أَي ما رجع إِليَّ عنه خبر.

وإِنه لضعيف الحَوْرِ أَي المُحاوَرَةِ؛ وقوله:

وأَصْفَرَ مَضْبُوحٍ نَظَرْتُ حَِوارَهُ

على النَّارِ، واسْتَوْدَعْتُهُ كَفَّ مُجْمِدِ

ويروى: حَوِيرَه، إِنما يعني بحواره وحويره خروجَ القِدْحِ من النار أَي

نظرت الفَلَجَ والفَوْزَ.

واسْتَحار الدارَ: اسْتَنْطَقَهَا، من الحِوَارِ الذي هو الرجوع؛ عن ابن

الأَعرابي.

أَبو عمرو: الأَحْوَرُ العقل، وما يعيش فلانٌ بأَحْوَرَ أَي ما يعيش

بعقل يرجع إِليه؛ قال هُدْبَةُ ونسبه ابن سيده لابن أَحمر:

وما أَنْسَ مِ الأَشْياءِ لا أَنْسَ قَوْلَها

لجارَتِها: ما إِن يَعِيشُ بأَحْوَرَا

أَراد: من الأَشياء. وحكى ثعلب: اقْضِ مَحُورَتَك أَي الأَمر الذي أَنت

فيه.

والحَوَرُ: أَن يَشْتَدَّ بياضُ العين وسَوادُ سَوادِها وتستدير حدقتها

وترق جفونها ويبيضَّ ما حواليها؛ وقيل: الحَوَرُ شِدَّةُ سواد المُقْلَةِ

في شدّة بياضها في شدّة بياض الجسد، ولا تكون الأَدْماءُ حَوْراءَ؛ قال

الأَزهري: لا تسمى حوراء حتى تكون مع حَوَرِ عينيها بيضاءَ لَوْنِ

الجَسَدِ؛ قال الكميت:

ودامتْ قُدُورُك، للسَّاعِيَيْـ

ن في المَحْلِ، غَرْغَرَةً واحْوِرارَا

أَراد بالغَرْغَرَةِ صَوْتَ الغَلَيانِ، وبالاحورار بياضَ الإِهالة

والشحم؛ وقيل: الحَوَرُ أَن تسودّ العين كلها مثل أَعين الظباء والبقر، وليس

في بني آدم حَوَرٌ، وإِنما قيل للنساء حُورُ العِينِ لأَنهن شبهن بالظباء

والبقر.

وقال كراع: الحَوَرُ أَن يكون البياض محدقاً بالسواد كله وإِنما يكون

هذا في البقر والظباء ثم يستعار للناس؛ وهذا إِنما حكاه أَبو عبيد في

البَرَج غير أَنه لم يقل إِنما يكون في الظباء والبقر. وقال الأَصمعي: لا

أَدري ما الحَوَرُ في العين وقد حَوِرَ حَوَراً واحْوَرَّ، وهو أَحْوَرُ.

وامرأَة حَوْراءُ: بينة الحَوَرِ. وعَيْنٌ حَوْراءٌ، والجمع حُورٌ، ويقال:

احْوَرَّتْ عينه احْوِرَاراً؛ فأَما قوله:

عَيْناءُ حَورَاءُ منَ العِينِ الحِير

فعلى الإِتباع لعِينٍ؛ والحَوْراءُ: البيضاء، لا يقصد بذلك حَوَر عينها.

والأَعْرابُ تسمي نساء الأَمصار حَوَارِيَّاتٍ لبياضهن وتباعدهن عن

قَشَفِ الأَعراب بنظافتهن؛ قال:

فقلتُ: إِنَّ الحَوارِيَّاتِ مَعْطَبَةٌ،

إِذا تَفَتَّلْنَ من تَحْتِ الجَلابِيبِ

يعني النساء؛ وقال أَبو جِلْدَةَ:

فَقُلْ للحَوَارِيَّاتِ يَبْكِينَ غَيْرَنا،

ولا تَبْكِنا إِلاَّ الكِلابُ النَّوابِحُ

بكَيْنَ إِلينا خفيةً أَنْ تُبِيحَها

رِماحُ النَّصَارَى، والسُّيُوفُ الجوارِحُ

جعل أَهل الشأْم نصارى لأَنها تلي الروم وهي بلادها. والحَوارِيَّاتُ من

النساء: النَّقِيَّاتُ الأَلوان والجلود لبياضهن، ومن هذا قيل لصاحب

الحُوَّارَى:

مُحَوَّرٌ؛ وقول العجاج:

بأَعْيُنٍ مُحَوَّراتٍ حُورِ

يعني الأَعين النقيات البياض الشديدات سواد الحَدَقِ.

وفي حديث صفة الجنة: إِن في الجنة لَمُجْتَمَعاً للحُورِ العِينِ.

والتَّحْوِيرُ: التببيض. والحَوارِيُّونَ: القَصَّارُونَ لتبييضهم

لأَنهم كانوا قصارين ثم غلب حتى صار كل ناصر وكل حميم حَوارِيّاً. وقال بعضهم:

الحَوارِيُّونَ صَفْوَةُ الأَنبياء الذين قد خَلَصُوا لَهُمْ؛ وقال

الزجاج: الحواريون خُلْصَانُ الأَنبياء، عليهم السلام، وصفوتهم. قال: والدليل

على ذلك قول النبي، صلى الله عليه وسلم: الزُّبَيْرُ ابن عمتي

وحَوارِيَّ من أُمَّتِي؛ أَي خاصتي من أَصحابي وناصري. قال: وأَصحاب النبي، صلى

الله عليه وسلم، حواريون، وتأْويل الحواريين في اللغة الذين أُخْلِصُوا

ونُقُّوا من كل عيب؛ وكذلك الحُواَّرَى من الدقيق سمي به لأَنه يُنَقَّى من

لُباب البُرِّ؛ قال: وتأْويله في الناس الذي قد روجع في اختِياره مرة بعد

مرة فوجد نَقِيّاً من العيوب. قال: وأَصل التَّحْوِيرِ في اللغة من حارَ

يَحُورُ، وهو الرجوع. والتَّحْوِيرُ: الترجيع، قال: فهذا تأْويله، والله

أَعلم. ابن سيده: وكلُّ مُبالِغٍ في نُصْرَةِ آخر حوَارِيٌّ، وخص بعضهم

به أَنصار الأَنبياء، عليهم السلام، وقوله أَنشده ابن دريد:

بَكَى بِعَيْنِك واكِفُ القَطْرِ،

ابْنَ الحَوارِي العَالِيَ الذِّكْرِ

إِنما أَراد ابنَ الحَوارِيِّ، يعني الحَوارِيِّ الزُّبَيرَ، وعنى بابنه

عَبْدَ اللهِو بْنَ الزبير. وقيل لأَصحاب عيسى، عليه

السلام: الحواريون للبياض، لأَنهم كانوا قَصَّارين. والحَوارِيُّ:

البَيَّاضُ، وهذا أَصل قوله، صلى الله عليه وسلم، في الزبير: حَوارِيَّ من

أُمَّتي، وهذا كان بدأَه لأَنهم كانوا خلصاء عيسى وأَنصاره، وأَصله من

التحوير التبييض، وإِنما سموا حواريين لأَنهم كانوا يغسلون الثياب أَي

يُحَوِّرُونَها، وهو التبييض؛ ومنه الخُبْزُ الحُوَّارَى؛ ومنه قولهم: امرأَة

حَوارِيَّةٌ إِذا كانت بيضاء. قال: فلمــا كان عيسى بن مريم، على نبينا وعليه

السلام، نصره هؤلاء الحواريون وكانوا أَنصاره دون الناس قيل لناصر نبيه

حَوارِيُّ إِذا بالغ في نُصْرَتِه تشبيهاً بأُولئك. والحَوارِيُّونَ:

الأَنصار وهم خاصة أَصحابه. وروى شمر أَنه قال: الحَوارِيُّ الناصح وأَصله

الشيء الخالص، وكل شيء خَلَصَ لَوْنُه، فهو حَوارِيٌّ. والأَحْوَرِيُّ:

الأَبيض الناعم؛ وقول الكميت:

ومَرْضُوفَةٍ لم تُؤْنِ في الطَّبْخِ طاهِياً،

عَجِلْتُ إِلى مُحْوَرِّها حِينَ غَرْغَرَا

يريد بياض زَبَدِ القِدْرِ. والمرضوفة: القدر التي أُنضجت بالرَّضْفِ،

وهي الحجارة المحماة بالنار. ولم تؤْن أَي لم تحبس. والاحْوِرَارُ:

الابْيِضاضُ. وقَصْعَةٌ مُحْوَرَّةٌ: مُبْيَضَّةٌ بالسَّنَامِ؛ قال أَبو المهوش

الأَسدي:

يا وَرْدُ إِنِّي سَأَمُوتُ مَرَّهْ،

فَمَنْ حَلِيفُ الجَفْنَةِ المُحْوَرَّهْ؟

يعني المُبْيَضَّةَ. قال ابن بري: وورد ترخيم وَرْدَة، وهي امرأَته،

وكانت تنهاه عن إِضاعة ماله ونحر إِبله فقال ذلك: الأَزهري في الخماسي:

الحَوَرْوَرَةُ البيضاء. قال: هو ثلاثي الأَصل أُلحق بالخماسي لتكرار بعض

حروفها. والحَوَرُ: خشبة يقال لها البَيْضاءُ.

والحُوَّارَى: الدقيق الأَبيض، وهو لباب الدقيق وأَجوده وأَخلصه.

الجوهري: الحُوَّارَى، بالضم وتشديد الواو والراء مفتوحة، ما حُوِّرَ من الطعام

أَي بُيّصَ. وهذا دقيق حُوَّارَى، وقد حُوِّرَ الدقيقُ وحَوَّرْتُه

فاحْوَرَّ أَي ابْيَضَّ. وعجين مُحَوَّر، وهو الذي مسح وجهه بالماء حتى صفا.

والأَحْوَرِيُّ: الأَبيض الناعم من أَهل القرى؛ قال عُتَيْبَةُ بن

مِرْدَاسٍ المعروفُ بأَبي فَسْوَةَ:

تكُفُّ شَبَا الأَنْيَابِ منها بِمِشْفَرٍ

خَرِيعٍ، كَسِبْتِ الأَحْوَرِيِّ المُخَصَّرِ

والحَوُْر: البَقَرُ لبياضها، وجمعه أَحْوارٌ؛ أَنشد ثعلب:

للهِ دَرُّ منَازِل ومَنازِل،

إِنَّا بُلِينَ بها ولا الأَحْوارُ

والحَوَرُ: الجلودُ البِيضُ الرِّقَاقُ تُعمل منها الأَسْفَاطُ، وقيل:

السُّلْفَةُ، وقيل: الحَوَرُ الأَديم المصبوغ بحمرة. وقال أَبو حنيفة: هي

الجلود الحُمْرُ التي ليست بِقَرَظِيَّةٍ، والجمع أَحْوَارٌ؛ وقد

حَوَّرَهُ. وخُفَّ مُحَوَّرٌ بطانته بِحَوَرٍّ؛ وقال الشاعر:

فَظَلَّ يَرْشَحُ مِسْكاً فَوْقَهُ عَلَقٌ،

كأَنَّما قُدَّ في أَثْوابِه الحَوَرُ

الجوهري: الحَوَرُ جلود حمر يُغَشَّى بها السِّلالُ، الواحدةُ حَوَرَةٌ؛

قال العجاج يصف مخالف البازي:

بِحَجَباتٍ يَتَثَقَّبْنَ البُهَرْ،

كأَنَّما يَمْزِقْنَ باللَّحْمِ الحَوَرْ

وفي كتابه لِوَفْدِ هَمْدَانَ: لهم من الصدقة الثِّلْبُ والنَّابُ

والفَصِيلُ والفَارِضُ والكَبْشُ الحَوَرِيُّ؛ قال ابن الأَثير: منسوب إِلى

الحَوَرَِ، وهي جلود تتخذ من جلود الضأْن، وقيل: هو ما دبغ من الجلود بغير

القَرَظِ، وهو أَحد ما جاء على أَصله ولم يُعَلَّ كما أُعلَّ ناب.

والحُوَارُ والحِوَارُ، الأَخيرة رديئة عند يعقوب: ولد الناقة من حين

يوضع إِلى أَن يفطم ويفصل، فإِذا فصل عن أُمه فهو فصيل، وقيل: هو حُوَارٌ

ساعةَ تضعه أُمه خاصة، والجمع أَحْوِرَةٌ وحِيرانٌ فيهما. قال سيبويه:

وَفَّقُوا بين فُعَالٍ وفِعَال كما وَفَّقُوا بين فُعالٍ وفَعِيلٍ، قال: وقد

قالوا حُورَانٌ، وله نظير، سمعت العرب تقول رُقاقٌ ورِقاقٌ، والأُنثى

بالهاء؛ عن ابن الأَعرابي. وفي التهذيب: الحُوَارُ الفصيل أَوَّلَ ما ينتج.

وقال بعض العرب: اللهم أَحِرْ رِباعَنا أَي اجعل رباعنا حِيراناً؛

وقوله:أَلا تَخافُونَ يوماً، قَدْ أَظَلَّكُمُ

فيه حُوَارٌ، بِأَيْدِي الناسِ، مَجْرُورُ؟

فسره ابن الأَعرابي فقال: هو يوم مَشْؤُوم عليكم كَشُؤْم حُوارِ ناقة

ثمود على ثمود.

والمِحْوَرُ: الحديدة التي تجمع بين الخُطَّافِ والبَكَرَةِ، وهي أَيضاً

الخشبة التي تجمع المَحَالَةَ. قال الزجاج: قال بعضهم قيل له مِحْوَرٌ

للدَّوَرَانِ لأَنه يرجع إِلى المكان الذي زال عنه، وقيل: إِنما قيل له

مِحْوَرٌ لأَنه بدورانه ينصقل حتى يبيض. ويقال للرجل إِذا اضطرب أَمره: قد

قَلِقَتْ مَحاوِرُه؛ وقوله أَنشده ثعلب:

يا مَيُّ ما لِي قَلِقَتْ مَحاوِرِي،

وصَارَ أَشْبَاهَ الفَغَا ضَرائِرِي؟

يقول: اضطربت عليّ أُموري فكنى عنها بالمحاور. والحديدة التي تدور عليها

البكرة يقال لها: مِحْورٌ. الجوهري: المِحْوَرُ العُودُ الذي تدور عليه

البكرة وربما كان من حديد. والمِحْوَرُ: الهَنَةُ والحديدة التي يدور

فيها لِسانُ الإِبْزِيمِ في طرف المِنْطَقَةِ وغيرها. والمِحْوَرُ: عُودُ

الخَبَّازِ. والمِحْوَرُ: الخشبة التي يبسط بها العجين يُحَوّرُ بها الخبز

تَحْوِيراً. قال الأَزهري: سمي مِحْوَراً لدورانه على العجين تشبيهاً

بمحور البكرة واستدارته.

وحَوَّرَ الخُبْزَةَ تَحْوِيراً: هَيَّأَها وأَدارها ليضعها في

المَلَّةِ. وحَوَّرَ عَيْنَ الدابة: حَجِّرَ حولها بِكَيٍّ وذلك من داء يصيبها،

والكَيَّةُ يقال لها الحَوْراءُ، سميت بذلك لأَن موضعها يبيضُّ؛ ويقال:

حَوِّرْ عينَ بعيرك أَي حَجَّرْ حولها بِكَيٍّ. وحَوَّرَ عين البعير: أَدار

حولها مِيسَماً. وفي الحديث: أَنه كَوَى أَسْعَدَ بنَ زُرَارَةَ على

عاتقه حَوْراءَ؛ وفي رواية: وجد وجعاً في رقبته فَحَوَّرَهُ رسولُ الله، صلى

الله عليه وسلم، بحديدة؛ الحَوْراءُ: كَيَّةٌ مُدَوَّرَةٌ، وهي من حارَ

يَحُورُ إِذا رجع. وحَوَّرَه: كواه كَيَّةً فأَدارها. وفي الحديث: أَنه

لما أُخْبِرَ بقتل أَبي جهل قال: إِن عهدي به وفي ركبتيه حَوْراءُ فانظروا

ذلك، فنطروا فَرَأَوْهُ؛ يعني أَثَرَ كَيَّةٍ كُوِيَ بها.

وإِنه لذو حَوِيرٍ أَي عداوة ومُضَادَّةٍ؛ عن كراع. وبعض العرب يسمي

النجم الذي يقال له المُشْتَري: الأَحْوَرَ. والحَوَرُ: أَحد النجوم الثلاثة

التي تَتْبَعُ بنات نَعْشٍ، وقيل: هو الثالث من بنات نعش الكبرى اللاصق

بالنعش.

والمَحارَةُ: الخُطُّ والنَّاحِيَةُ. والمَحارَةُ: الصَّدَفَةُ أَو

نحوها من العظم، والجمع مَحاوِرُ ومَحارٌ؛ قال السُّلَيْكُ

بْنُ السُّلَكَةِ:

كأَنَّ قَوَائِمَ النِّخَّامِ، لَمَّا

تَوَلَّى صُحْبَتِي أَصْلاً، مَحارُ

أَي كأَنها صدف تمرّ على كل شيء؛ وذكر الأَزهري هذه الترجمة أَيضاً في

باب محر، وسنذكرها أَيضاً هناك. والمَحارَةُ: مرجع الكتف. ومَحَارَةُ

الحَنَكِ: فُوَيْقَ موضع تَحْنيك البَيْطار. والمَحارَةُ: باطن الحنك.

والمَحارَةُ: مَنْسِمُ البعير؛ كلاهما عن أَبي العَمَيْثَلِ الأَعرابي.

التهذيب: المَحارَةُ النقصان، والمَحارَةُ: الرجوع، والمَحارَةُ:

الصَّدَفة.والحَوْرَةُ: النُّقْصانُ. والحَوْرَةُ: الرَّجْعَةُ.

والحُورُ: الاسم من قولك: طَحَنَتِ الطاحنةُ فما أَحارتْ شيئاً أَي ما

رَدَّتْ شيئاً من الدقيق؛ والحُورُ: الهَلَكَةُ؛ قال الراجز:

في بِئْرٍ لا حُورٍ سَرَى وما شَعَرْ

قال أَبو عبيدة: أَي في بئر حُورٍ، ولا زَيادَةٌ. وفلانٌ حائِرٌ بائِرٌ:

هذا قد يكون من الهلاك ومن الكَسادِ. والحائر: الراجع من حال كان عليها

إِلى حال دونها، والبائر: الهالك؛ ويقال: حَوَّرَ الله فلاناً أَي خيبه

ورَجَعَهُ إِلى النقص.

والحَوَر، بفتح الواو: نبت؛ عن كراع ولم يُحَلِّه. وحَوْرانُ، بالفتح:

موضع بالشام. وما أَصبت منه حَوْراً وحَوَرْوَراً أَي شيئاً.

وحَوَّارُونَ: مدينة بالشام؛ قال الراعي:

ظَلِلْنَا بِحَوَّارِينَ في مُشْمَخِرَّةٍ،

تَمُرُّ سَحابٌ تَحْتَنَا وثُلُوجُ

وحَوْرِيتُ: موضع؛ قال ابن جني: دخلت على أَبي عَلِيٍّ فحين رآني قال:

أَين أَنت؟ أَنا أَطلبك، قلت: وما هو؟ قال: ما تقول في حَوْرِيتٍ؟ فخضنا

فيه فرأَيناه خارجاً عن الكتاب، وصَانَعَ أَبو علي عنه فقال: ليس من لغة

ابني نِزَارٍ، فأَقَلَّ الحَفْلَ به لذلك؛ قال: وأَقرب ما ينسب إِليه أَن

يكون فَعْلِيتاً لقربه من فِعْلِيتٍ، وفِعْلِيتٌ موجود.

مَدينَةُ يَثْرِبَ

مَدينَةُ يَثْرِبَ:
قال المنجمون: طول المدينة من جهة المغرب ستون درجة ونصف، وعرضها عشرون درجة، وهي في الإقليم الثاني، وهي مدينة الرسول، صلّى الله عليه وسلّم، نبدأ أولا بصفتها مجملا ثم نفصّل، أما قدرها فهي في مقدار نصف مكة، وهي في حرّة سبخة الأرض ولها نخيل كثيرة ومياه، ونخيلهم وزروعهم تسقى من الآبار عليها العبيد، وللمدينة سور والمسجد في نحو وسطها، وقبر النبي، صلّى الله عليه وسلّم، في شرقي المسجد وهو بيت مرتفع ليس بينه وبين سقف المسجد إلا فرجة وهو مسدود لا باب له وفيه قبر النبي، صلّى الله عليه وسلّم، وقبر أبي بكر وقبر عمر، والمنبر الذي كان يخطب عليه رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، قد غشي بمنبر آخر والروضة أمام المنبر بينه وبين القبر ومصلّى النبي، صلّى الله عليه وسلّم، الذي كان يصلّي فيه الأعياد في غربي المدينة داخل الباب وبقيع الغرقد خارج المدينة من شرقيّها وقباء خارج المدينة على نحو ميلين إلى ما يلي القبلة، وهي شبيهة بالقرية، وأحد جبل في شمال المدينة، وهو أقرب الجبال إليها مقدار فرسخين، وبقربها مزارع فيها نخيل وضياع لأهل المدينة، ووادي العقيق فيما بينها وبين الفرع، والفرع من المدينة على أربعة أيام في جنوبيّها، وبها مسجد جامع، غير أن أكثر هذه الضياع خراب وكذلك حوالي المدينة ضياع كثيرة أكثرها خراب وأعذب مياه تلك الناحية آبار العقيق، ذكر ابن طاهر بإسناده إلى محمد بن إسماعيل البخاري قال: المديني هو الذي أقام بالمدينة ولم يفارقها، والمدني الذي تحول عنها وكان منها، والمشهور عندنا أن النسبة إلى مدينة الرسول مدنيّ مطلقا وإلى غيرها من المدن مدينيّ للفرق لا لعلة أخرى، وربما ردّه بعضهم إلى الأصل فنسب إلى مدينة الرسول أيضا مدينيّ، وقال
الليث: المدينة اسم لمدينة رسول الله خاصة والنسبة للإنسان مدنيّ، فأما العير ونحوه فلا يقال إلا مدينيّ، وعلى هذه الصيغة ينسب أبو الحسن علي بن عبد الله بن جعفر بن نجيح السعدي المعروف بابن المديني، كان أصله من المدينة ونزل البصرة وكان من أعلم أهل زمانه بعلل حديث رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، والمقدّم في حفّاظ وقته، روى عن سفيان بن عيينة وحمّاد بن زيد وكتب عن الشافعي كتاب الرسالة وحملها إلى عبد الرحمن بن مهدي وسمع منه ومن جرير بن عبد الحميد وعبد العزيز الدراوردي وغيرهم من الأئمة، روى عنه أحمد بن حنبل ومحمد بن سعيد البخاري وأحمد بن منصور الرّمادي ومحمد بن يحيى الذّهلي وأبو أحمد المرئيّ وغيرهم من الأئمة، وقال البخاري: ما انتفعت عند أحد إلا عند علي بن المديني، وكان مولده سنة 161 بالبصرة، ومات بسامرّا وقيل بالبصرة ليومين بقيا من ذي القعدة سنة 234، ولهذه المدينة تسعة وعشرون اسما، وهي: المدينة، وطيبة، وطابة، والمسكينة، والعذراء، والجابرة، والمحببة، والمحببة، والمحبورة، ويثرب، والناجية، والموفية، وأكّالة البلدان، والمباركة، والمحفوفة، والمسلمة، والمجنة، والقدسية، والعاصمة، والمرزوقة، والشافية، والخيرة، والمحبوبة، والمرحومة، وجابرة، والمختارة، والمحرمة، والقاصمة، وطبابا، وروي في قول النبي، صلى الله عليه وسلم: رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق، قالوا: المدينة ومكة، وكان على المدينة وتهامة في الجاهلية عامل من قبل مرزبان الزارة يجبي خراجها وكانت قريظة والنضير اليهود ملوكا حتى أخرجهم منها الأوس والخزرج من الأنصار، كما ذكرناه في مأرب، وكانت الأنصار قبل تؤدي خراجا إلى اليهود، ولذلك قال بعضهم:
نؤدي الخرج بعد خراج كسرى ... وخرج بني قريظة والنضير
وروى أبو هريرة قال: قال رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم: من صبر على أوار المدينة وحرّها كنت له يوم القيامة شفيعا شهيدا، وقال، صلى الله عليه وسلم، حين توجّه إلى الهجرة: اللهم إنك قد أخرجتني من أحبّ أرضك إليّ فأنزلني أحب أرض إليك، فأنزله المدينة، فلمــا نزلها قال: اللهم اجعل لنا بها قرارا ورزقا واسعا، وقال، عليه الصلاة والسلام:
من استطاع منكم أن يموت في المدينة فليفعل فإنه من مات بها كنت له شهيدا أو شفيعا يوم القيامة، وعن عبد الله بن الطّفيل: لما قدم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، المدينة وثب على أصحابه وباء شديد حتى أهمدتهم الحمّى فما كان يصلي مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إلا اليسير فدعا لهم وقال:
اللهم حبّب إلينا المدينة كما حببت إلينا مكة واجعل ما كان بها من وباء بخمّ، وفي خبر آخر: اللهم حبّب إلينا المدينة كما حببت إلينا مكة وأشدّ وصححها وبارك لنا في صاعها ومدّها وانقل حمّاها إلى الجحفة، وقد كان همّ، صلّى الله عليه وسلّم، أن ينتقل إلى الحمى لصحته، وقال: نعم المنزل الحمى لولا كثرة حيّاته، وذكر العرض وناحيته فهمّ به وقال: هو أصح من المدينة، وروي عنه، صلّى الله عليه وسلّم، أنه قال عن بيوت السّقيا: اللهم إن إبراهيم عبدك وخليلك ونبيك ورسولك دعاك لأهل مكة وإن محمدا عبدك ونبيك ورسولك يدعوك لأهل المدينة بمثل ما دعاك إبراهيم أن تبارك في صاعهم ومدهم وثمارهم، اللهم حبب إلينا المدينة كما حببت إلينا مكة واجعل ما بها من وباء بخمّ، اللهم إني قد
حرّمت ما بين لابتيها كما حرّم إبراهيم خليلك، وحرّم رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، شجر المدينة بريدا في بريد من كل ناحية ورخّص في الهش وفي متاع الناضح ونهى عن الخبط وأن يعضد ويهصر، وكان أول من زرع بالمدينة واتخذ بها النخل وعمّر بها الدور والآطام واتخذ بها الضياع العماليق وهم بنو عملاق بن أرفخشد بن سام بن نوح، عليه السّلام، وقيل في نسبهم غير ذلك مما ذكر في هذا الكتاب، ونزلت اليهود بعدهم الحجاز وكانت العماليق ممن انبسط في البلاد فأخذوا ما بين البحرين وعمان والحجاز كلّه إلى الشام ومصر، فجبابرة الشام وفراعنة مصر منهم، وكان منهم بالبحرين وعمان أمّة يسمون جاسم، وكان ساكنو المدينة منهم بنو هفّ وسعد ابن هفّان وبنو مطرويل، وكان بنجد منهم بنو بديل بن راحل وأهل تيماء ونواحيها، وكان ملك الحجاز الأرقم بن أبي الأرقم، وكان سبب نزول اليهود بالمدينة وأعراضها أن موسى بن عمران، عليه السلام، بعث إلى الكنعانيّين حين أظهره الله تعالى على فرعون فوطئ الشام وأهلك من كان بها منهم ثم بعث بعثا آخر إلى الحجاز إلى العماليق وأمرهم أن لا يستبقوا أحدا ممن بلغ الحلم إلا من دخل في دينه، فقدموا عليهم فقاتلوهم فأظهرهم الله عليهم فقتلوهم وقتلوا ملكهم الأرقم وأسروا ابنا له شابّا جميلا كأحسن من رأى في زمانه فضنّوا به عن القتل وقالوا:
نستحييه حتى نقدم به على موسى فيرى فيه رأيه، فأقبلوا وهو معهم وقبض الله موسى قبل قدومهم فلمــا قربوا وسمع بنو إسرائيل بذلك تلقوهم وسألوهم عن أخبارهم فأخبروهم بما فتح الله عليهم، قالوا: فما هذا الفتى الذي معكم؟ فأخبروهم بقصته، فقالوا: إن هذه معصية منكم لمخالفتكم أمر نبيكم، والله لا دخلتم علينا بلادنا أبدا، فحالوا بينهم وبين الشام، فقال ذلك الجيش: ما بلد إذ منعتم بلدكم خير لكم من البلد الذي فتحتموه وقتلتم أهله فارجعوا إليه، فعادوا إليها فأقاموا بها فهذا كان أول سكنى اليهود الحجاز والمدينة، ثم لحق بهم بعد ذلك بنو الكاهن بن هارون، عليه السلام، فكانت لهم الأموال والضياع بالسافلة، والسافلة ما كان في أسفل المدينة إلى أحد، وقبر حمزة والعالية ما كان فوق المدينة إلى أحد، وقبر حمزة والعالية ما كان فوق المدينة إلى مسجد قباء وما إلى ذلك إلى مطلع الشمس، فزعمت بنو قريظة أنهم مكثوا كذلك زمانا ثم إن الروم ظهروا على الشام فقتلوا من بني إسرائيل خلقا كثيرا فخرج بنو قريظة والنضير وهدل هاربين من الشام يريدون الحجاز الذي فيه بنو إسرائيل ليسكنوا معهم، فلمــا فصلوا من الشام وجّه ملك الروم في طلبهم من يردّهم فأعجزوا رسله وفآتوهم وانتهى الروم إلى ثمد بين الشام والحجاز فماتوا عنده عطشا فسمي ذلك الموضع ثمد الروم فهو معروف بذلك إلى اليوم، وذكر بعض علماء الحجاز من اليهود أن سبب نزولهم المدينة أن ملك الروم حين ظهر على بني إسرائيل وملك الشام خطب إلى بني هارون وفي دينهم أن لا يزوّجوا النصارى فخافوه وأنعموا له وسألوه أن يشرّفهم بإتيانه، فأتاهم ففتكوا به وبمن معه ثم هربوا حتى لحقوا بالحجاز وأقاموا بها، وقال آخرون: بل علماؤهم كانوا يجدون في التوراة صفة النبيّ، صلى الله عليه وسلّم، وأنه يهاجر إلى بلد فيه نخل بين حرّتين، فأقبلوا من الشام يطلبون الصفة حرصا منهم على اتباعه، فلمــا رأوا تيماء وفيها النخل عرفوا صفته وقالوا:
هو البلد الذي نريده، فنزلوا وكانوا أهله حتى أتاهم تبّع فأنزل معهم بني عمرو بن عوف، والله أعلم أيّ ذلك كان، قالوا: فلمــا كان من سيل العرم ما كان،
كما ذكرناه في مأرب، قال عمرو بن عوف: من كان منكم يريد الراسيات في الوحل، المطعمات في المحل، المدركات بالدّخل، فليلحق بيثرب ذات النخل، وكان الذين اختاروها وسكنوها الأنصار وهم الأوس والخزرج ابنا حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن عامر بن حارثة بن امرئ القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأزد وأمهم في قول ابن الكلبي قيلة بنت الأرقم بن عمرو ابن جفنة، ويقال: قيلة بنت هالك بن عذرة من قضاعة، وقال غيره: قيلة بنت كاهل بن عذرة بن سعد بن زيد بن ليث بن سود بن أسلم بن الحاف بن قضاعة ولذلك سمي بنو قيلة فأقاموا في مكانهم على جهد وضنك من العيش، وكان ملك بني إسرائيل يقال له الفيطوان، وفي كتاب ابن الكلبي: الفطيون، بكسر الفاء والياء بعد الطاء، وكانت اليهود والأوس والخزرج يدينون له، وكانت له فيهم سنّة الّا تزوّج امرأة منهم إلا أدخلت عليه قبل زوجها حتى يكون هو الذي يفتضّها إلى أن زوّجت أخت لمالك بن العجلان بن زيد السالمي الخزرجي، فلمــا كانت الليلة التي تهدى فيها إلى زوجها خرجت على مجلس قومها كاشفة عن ساقيها وأخوها مالك في المجلس، فقال لها: قد جئت بسوءة بخروجك على قومك وقد كشفت عن ساقيك، قالت: الذي يراد بي الليلة أعظم من ذلك لأنني أدخل على غير زوجي، ثم دخلت إلى منزلها فدخل إليها أخوها وقد أرمضه قولها فقال لها: هل عندك من خير؟ قالت: نعم، فماذا؟ قال: أدخل معك في جملة النساء على الفطيون فإذا خرجن من عندك ودخل عليك ضربته بالسيف حتى يبرد، قالت: افعل، فتزيّا بزيّ النساء وراح معها فلمــا خرج النساء من عندها دخل الفطيون عليها فشدّ عليه مالك بن العجلان بالسيف وضربه حتى قتله وخرج هاربا حتى قدم الشام فدخل على ملك من ملوك غسّان يقال له أبو جبيلة، وفي بعض الروايات أنه قصد اليمن إلى تبّع الأصغر ابن حسّان فشكا إليه ما كان من الفطيون وما كان يعمل في نسائهم وذكر له أنه قتله وهرب وأنه لا يستطيع الرجوع خوفا من اليهود، فعاهده أبو جبيلة أن لا يقرب امرأة ولا يمسّ طيبا ولا يشرب خمرا حتى يسير إلى المدينة ويذلّ من بها من اليهود، وأقبل سائرا من الشام في جمع كثير مظهرا أنه يريد اليمن حتى قدم المدينة ونزل بذي حرض ثم أرسل إلى الأوس والخزرج أنه على المكر باليهود عازم على قتل رؤسائهم وأنه يخشى متى علموا بذلك أن يتحصّنوا في آطامهم وأمرهم بكتمان ما أسرّه إليهم ثم أرسل إلى وجوه اليهود أن يحضروا طعامه ليحسن إليهم ويصلهم، فأتاه وجوههم وأشرافهم ومع كل واحد منهم خاصّته وحشمه، فلمــا تكاملوا أدخلهم في خيامه ثم قتلهم عن آخرهم فصارت الأوس والخزرج من يومئذ أعزّ أهل المدينة وقمعوا اليهود وسار ذكرهم وصار لهم الأموال والآطام، فقال الرّمق بن زيد بن غنم بن سالم بن مالك بن سالم ابن عوف بن الخزرج يمدح أبا جبيلة:
لم يقض دينك مل حسا ... ن وقد غنيت وقد غنينا
الراشقات المرشقا ... ت الجازيات بما جزينا
أشباه غزلان الصّرا ... ثم يأتزرن ويرتدينا
الرّيط والديباج وال ... حلي المضاعف والبرينا
وأبو جبيلة خير من ... يمشي وأوفاهم يمينا
وأبرّهم برّا وأع ... لمهم بفضل الصالحينا
أبقت لنا الأيام وال ... حرب المهمّة يعترينا
كبشا له زرّ يف ... لّ متونها الذّكر السّنينا
ومعاقلا شمّا وأس ... يافا يقمن وينحنينا
ومحلّة زوراء تج ... حف بالرجال الظالمينا
ولعنت اليهود مالك بن العجلان في كنائسهم وبيوت عبادتهم، فبلغه ذلك فقال:
تحايا اليهود بتلعانها ... تحايا الحمير بأبوالها
وماذا عليّ بأن يغضبوا ... وتأتي المنايا باذلالها!
وقالت سارة القرظية ترثي من قتل من قومها:
بأهلي رمّة لم تغن شيئا ... بذي حرض تعفّيها الرياح
كهول من قريظة أتلفتهم ... سيوف الخزرجية والرماح
ولو أذنوا بأمرهم لحالت ... هنالك دونهم حرب رداح
ثم انصرف أبو جبيلة راجعا إلى الشام وقد ذلّل الحجاز والمدينة للأوس والخزرج فعندها تفرّقوا في عالية المدينة وسافلتها فكان منهم من جاء إلى القرى العامرة فأقام مع أهلها قاهرا لهم، ومنهم من جاء إلى عفا من الأرض لا ساكن فيه فبنى فيه ونزل ثم اتخذوا بعد ذلك القصور والأموال والآطام، فلمــا قدم رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، من مكة إلى المدينة مهاجرا أقطع الناس الدور والرباع فخطّ لبني زهرة في ناحية من مؤخر المسجد فكان لعبد الرحمن ابن عوف الحصن المعروف به وجعل لعبد الله وعتبة ابني مسعود الهذليّين الخطّة المشهورة بهم عند المسجد وأقطع الزبير بن العوّام بقيعا واسعا وجعل لطلحة بن عبيد الله موضع دوره ولأبي بكر، رضي الله عنه، موضع داره عند المسجد، وأقطع كل واحد من عثمان بن عفّان وخالد بن الوليد والمقداد وعبيد والطفيل وغيرهم مواضع دورهم، فكان رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، يقطع أصحابه هذه القطائع فما كان في عفا من الأرض فإنه أقطعهم إياه وما كان من الخطط المسكونة العامرة فإن الأنصار وهبوه له فكان يقطع من ذلك ما شاء، وكان أول من وهب له خططه ومنازله حارثة بن النعمان فوهب له ذلك وأقطعه، وأما مسجد النبيّ، صلّى الله عليه وسلّم، فقال ابن عمر: كان بناء المسجد على عهد رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، وسقفه جريد وعمده خشب النخل فلم يزد فيه أبو بكر شيئا فزاد فيه عمر وبناه على ما كان من بنائه ثم غيّره عثمان وبناه بالحجارة المنقوشة والقصّة وجعل عمده من حجارة منقوشة وسقفه ساجا وزاد فيه. وكان لما بناه رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، جعل له بابين شارعين باب عائشة والباب الذي يقال له باب عاتكة وبابا في مؤخر المسجد يقال له باب مليكة وبنى بيوتا إلى جنبه باللبن وسقفها بجذوع النخل، وكان طول المسجد مما يلي القبلة إلى مؤخره مائة ذراع، فلمــا ولي عمر بن عبد العزيز زاد في القبلة من موضع المقصورة اليوم، وكان بين المنبر وبين الجدار في عهد النبي، صلّى الله عليه وسلّم، قدر ما تمرّ الشاة، وكان طول المسجد في عهد عمر، رضي الله عنه، مائة وأربعين ذراعا وارتفاعه أحد عشر ذراعا، وكان بنى أساسه بالحجارة إلى أن بلغ قامة وجعل له ستة أبواب وحصّنه، وروي أن عمر أول من حصّن المسجد وبناه سنة 17 حين رجع من سرع وجعل طول جداره من خارج ستة عشر ذراعا، وكان أول عمل عثمان إياه في شهر ربيع الأول سنة 29 وفرغ من بنائه في المحرم سنة 30 فكانت مدة عمله عشرة أشهر وقتل عثمان وليس له شرّافات فعملها والمحراب عمر بن عبد العزيز، ولما ولي الوليد بن عبد الملك واستعمل عمر بن عبد العزيز على المدينة أمره بهدم المسجد وبنائه فاستعمل عمر على ذلك صالح بن كيسان وكتب الوليد إلى ملك الروم يطلب منه عمّالا وأعلمه أنه يريد عمارة مسجد النبي، صلى الله عليه وسلم، فبعث إليه أربعين رجلا من الروم وأربعين من القفط ووجّه إليه أربعين ألف مثقال ذهبا وأحمالا من الفسيفساء، فهدم الروم والقفط المسجد وخمّروا النورة للفسيفساء سنة وحملوا القصّة من بطن نخل وعملوا الأساس بالحجارة والجدار والأساطين بالحجارة المطابقة وجعلوا عمد المسجد حجارة حشوها عمد الحديد والرصاص، وجعل عمر المحراب والمقصورة من ساج وكان قبل ذلك من حجارة وجعل طول المسجد مائتي ذراع وعرضه في مقدمه مائتين وفي مؤخره مائة وثمانين وهو سقف دون سقف، قال صالح بن كيسان: ابتدأت بهدم المسجد في صفر سنة 87 وفرغت منه لانسلاخ سنة 89 فكانت مدة عمله ثلاث سنين، وكان طوله يومئذ مائتي ذراع في مثلها فلم يزل كذلك حتى كان المهدي فزاد في مؤخره مائة ذراع وترك عرضه مائتي ذراع على ما بناه عمر بن عبد العزيز، وأما عبد الملك بن شبيب الغساني في سنة 160 فأخذ في عمله وزاد في مؤخره ثم زاد فيه المأمون زيادة كثيرة ووسّعه، وقرئ على موضع زيادة المأمون: أمر عبد الله بعمارة مسجد رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، سنة 202 طلب ثواب الله وطلب كرامة الله وطلب جزاء الله فإن الله عنده ثواب الدنيا والآخرة وكان الله سميعا بصيرا، والمؤذنون في مسجد المدينة من ولد سعد الفرط مولى عمّار بن ياسر، ومن خصائص المدينة أنها طيبة الريح وللعطر فيها فضل رائحة لا توجد في غيرها وتمرها الصّيحاني لا يوجد في بلد من البلدان مثله، ولهم حب اللبان ومنها يحمل إلى سائر البلدان، وجبلها أحد قد فضّله رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، فقال: أحد جبل يحبنا ونحبه وهو على باب من أبواب الجنة، وحرّم رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، شجر المدينة بريدا في بريد من كل ناحية، واستعمل على الحمى بلال بن الحارث المزني فأقام عليه حياة رسول الله وأبي بكر وعمر وعثمان وعلي ومعاوية وفي أيامه مات، وكان عمر بن عبد العزيز يقول: لأن أوتى برجل يحمل خمرا أحب إليّ من أن أوتى به وقد قطع من الحرم شيئا، وكان عمر بن الخطاب ينهى أن يقطع العضاه فتهلك مواشي الناس وهو يقول لهم عصمة، وأخبار مدينة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، كثيرة وقد صنف فيها وفي عقيقها وأعراضها وجبالها كتب ليس من شرطنا ذكرها إلا على ترتيب الحروف وقد فعلنا ذلك، وفيما ذكرناه مما يخصها كفاية، والله يحسن لنا العافية ولا يحرمنا ثواب حسن النية في الإفادة والاستفادة بحق محمد وآله، وأما المسافات فإن من المدينة إلى مكة نحو عشر مراحل، ومن الكوفة إلى المدينة نحو عشرين مرحلة، وطريق البصرة إلى المدينة نحو من ثماني عشرة مرحلة ويلتقي مع طريق الكوفة بقرب
معدن النقرة، ومن الرّقّة إلى المدينة نحو من عشرين مرحلة، ومن البحرين إلى المدينة نحو خمس عشرة مرحلة، ومن دمشق إلى المدينة نحو عشرين مرحلة ومثله من فلسطين إلى المدينة على طريق الساحل، ولأهل مصر وفلسطين إذا جاوزوا مدين طريقان إلى المدينة أحدهما على شغب وبدا وهما قريتان بالبادية كان بنو مروان أقطعوهما الزهريّ المحدّث وبها قبره، حتى ينتهي إلى المدينة على المروة، وطريق يمضي على ساحل البحر حتى يخرج بالجحفة فيجتمع بهما طريق أهل العراق وفلسطين ومصر.

الكَعْبَةُ

الكَعْبَةُ:
بيت الله الحرام، قال ابن عباس: لما كان العرش على الماء قبل أن يخلق الله السموات بعث ريحا فصفقت الماء فأبرزت عن خسفة في موضع البيت كأنها قبّة فدحا الأرض من تحتها فمادت فأوتدها بالجبال، الخسفة واحدة الخسف: تنبت في البحر نباتا، وقد جاء في الأخبار: أن أول ما خلق الله في الأرض مكان الكعبة ثم دحا الأرض من تحتها فهي سرّة الأرض ووسط الدنيا وأمّ القرى أولها الكعبة وبكّة حول مكة وحول مكة الحرم وحول الحرم الدنيا، وحدث أبو العباس القاضي أحمد ابن أبي أحمد الطبري حدثني المفضّل بن محمد بن إبراهيم حدثنا الحسن بن علي الحلواني حدثنا الحسين ابن إبراهيم ومحمد بن جبير الهاشمي قال: حدثني حمزة بن عتبة عن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين ابن علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، قال: إن أول خلق هذا البيت أن الله عز وجل قال للملائكة: إني جاعل في الأرض خليفة، قالت الملائكة: أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبّح بحمدك ونقدّس لك؟ قال: إني أعلم ما لا تعلمون، ثم غضب عليهم فأعرض عنهم فطافوا بعرش الله سبعا كما يطوف الناس بالبيت الحرام وبقوا يسترضونه من غضبه يقولون: لبيك اللهم لبيك ربنا معذرة إليك نستغفرك ونتوب إليك، فرضي عنهم وأوحى إليهم أن ابنوا لي في الأرض بيتا يطوف به من عبادي من
أغضب عليه فأرضى عنه كما رضيت عنكم، قال أبو الحسين: ثم أقبل عليّ حمزة بن عتبة الهاشمي فقال:
يا ابن أخي لقد حدثتك والله حديثا لو ركبت فيه إلى العراق لكنت قد اعتفت، وأما صفته فذكر البشّاري وقال: هو في وسط المسجد الحرام مربع الشكل بابه مرتفع عن الأرض نحو قامة عليه مصراعان ملبسان بصفائح الفضة قد طليت بالذهب مقابلا للمشرق، وطول المسجد الحرام ثلاثمائة ذراع وسبعون ذراعا، وعرضه ثلاثمائة وخمسة عشر ذراعا، وطول الكعبة أربعة وعشرون ذراعا وشبر، وعرضها ثلاثة وعشرون ذراعا وشبر، وذرع دور الحجر خمسة وعشرون ذراعا، وذرع الطواف مائة ذراع وسبعة أذرع، وسمكها في السماء سبعة وعشرون ذراعا، والحجر من قبل الشام فيه يقلب الميزاب شبه الأندر قد ألبست حيطانه بالرخام مع أرضه ارتفاعها حقو ويسمونه الحطيم، والطواف من ورائه ولا يجوز الصلاة إليه، والحجر الأسود على الركن الشرقي عند الباب على لسان الزاوية في مقدار رأس الإنسان ينحني إليه من قبّله يسيرا، وقبة زمزم تقابل الباب والطواف بينهما ومن ورائهما قبة الشراب فيها حوض كان يسقى فيه السويق والسكر قديما، ومقام إبراهيم، عليه السلام، بإزاء وسط البيت الذي فيه الباب وهو أقرب إلى البيت من زمزم يدخل في الطواف أيام الموسم، عليه صندوق حديد طوله أكثر من قامة مكسوّ ويرفع المقام في كل موسم إلى البيت فإذا ردّ جعل عليه صندوق خشب له باب يفتح أوقات الصلاة فإذا سلّم الإمام استلمه ثم أغلق الباب، وفيه أثر قدم إبراهيم، عليه السّلام، مخالفة، وهو أسود وأكبر من الحجر الأسود، وقد فرش الطواف بالرمل والمسجد بالحصى وأدير على صحنه أروقة ثلاثة على أعمدة رخام حملها المهدي من الإسكندرية في البحر إلى جدّة، قال وهب بن منبّه: لما أهبط الله عز وجل آدم، عليه السّلام، من الجنة إلى الأرض حزن واشتدّ بكاؤه عليها فعزّاه الله بخيمة من خيامها فجعلها له بمكة في موضع الكعبة قبل أن تكون الكعبة وكانت ياقوتة حمراء، وقيل درّة مجوّفة من جوهر الجنة فيها قناديل من ذهب، ونزل معها الركن يومئذ وهو ياقوتة بيضاء وكان كرسيّا لآدم، فلمــا كان في زمن الطوفان رفع ومكثت الأرض خرابا ألفي سنة أعني موضع البيت حتى أمر الله نبيّه إبراهيم أن يبنيه فجاءت السكينة كأنها سحابة فيها رأس يتكلم فبنى هو وإسماعيل البيت على ما ظلّلته ولم يجعلا له سقفا وحرس الله آدم والبيت بالملائكة، فالحرم مقام الملائكة يومئذ، وقد روي أن خيمة آدم لم تزل منصوبة في مكان البيت إلى أن قبض فلمــا قبض رفعت فبنى بنوه في موضعها بيتا من الطين والحجارة ثم نسفه الغرق فغيّر مكانه حتى بعث الله إبراهيم، عليه السّلام، فحفر قواعده وبناه على ظل الغمامة، فهو أول بيت وضع للناس كما قال الله عز وجل، وكان الناس قبله يحجون إلى مكة وإلى موضع البيت حتى بوّأ الله مكانه لإبراهيم لما أراد الله من عمارته وإظهاره دينه وشعائره فلم يزل البيت منذ أهبط آدم إلى الأرض معظّما محرّما تناسخه الأمم والملل أمّة بعد أمّة وملة بعد ملة، وكانت الملائكة تحجه قبل آدم، فلمــا أراد إبراهيم بناءه عرج به إلى السماء فنظر إلى مشارق الأرض ومغاربها وقيل له اختر، فاختار موضع مكة، فقالت الملائكة: يا خليل الله اخترت موضع مكة وحرم الله في الأرض، فبناه وجعل أساسه من سبعة أجبل، ويقال من خمسة أو من أربعة، وكانت الملائكة تأتي بالحجارة إلى إبراهيم
من تلك الجبال، وروي عن مجاهد أنّه قال: أسّس إبراهيم زوايا البيت من أربعة أحجار: حجر من حراء وحجر من ثبير وحجر من طور وحجر من الجودي الذي بأرض الموصل وهو الذي استقرّت عليه سفينة نوح، وروي أن قواعده خلقت قبل الأرض بألفي سنة ثمّ بسطت الأرض من تحت الكعبة، وعن قتادة: بنيت الكعبة من خمسة جبال من طور سيناء وطور زيتا وأحد ولبنان وثبير وجعلت قواعدها من حراء وجعل إبراهيم طولها في السماء سبعة أذرع وعرضها في الأرض اثنين وثلاثين ذراعا من الركن الأسود إلى الركن الشمالي الذي عنده الحجر، وجعل ما بين الركن الشامي إلى الركن الذي فيه الحجر اثنين وثلاثين ذراعا، وجعل طول ظهرها من الركن العراقي إلى الركن اليماني أحدا وثلاثين ذراعا، وجعل عرض شقّها اليماني من الركن الأسود إلى الركن اليماني عشرين ذراعا، ولذلك سميت الكعبة لأنّها مكعبة على خلق الكعب، وقيل: التكعيب التربيع، وكلّ بناء مربع كعبة، وقيل: سميت لارتفاع بنائها، وكلّ بناء مرتفع فهو كعبة، ومنه كعب ثدي الجارية إذا علا في صدرها وارتفع، وجعل بابها في الأرض غير مبوّب حتى كان تبّع الحميري هو الذي بوّبها وجعل عليها غلقا فارسيّا وكساها كسوة تامة، ولما فرغ إبراهيم من البناء أتاه جبرائيل، عليه السّلام، فقال له: طف، فطاف هو وإسماعيل سبعا يستلمان الأركان، فلمّــا أكملا صلّيا خلف المقام ركعتين وقام معه جبرائيل وأراه المناسك كلّها الصّفا والمروة ومنى ومزدلفة، فلمّــا دخل منى وهبط من العقبة مثل له إبليس عند جمرة العقبة فقال له جبرائيل: ارمه، فرماه بسبع حصيات فغاب عنه ثمّ برز له عند الجمرة الوسطى، فقال له جبرائيل: ارمه، فرماه بسبع حصيات فغاب عنه ثمّ برز له عند الجمرة السفلى، فقال له جبرائيل:
ارمه، فرماه بسبع حصيات مثل حصى الخذف ثم مضى وجبرائيل يعلمه المناسك حتى انتهى إلى عرفات، فقال له: أعرفت مناسكك؟ فقال له إبراهيم: نعم، فسميت عرفات لذلك، ثمّ أمره أن يؤذن في المسلمين بالحج، فقال: يا ربّ وما يبلغ من صوتي! فقال الله عزّ وجل: أذّن وعليّ البلاغ، فعلا على المقام فأشرف به حتى صار أعلى الجبال وأشرفها وجمعت له الأرض يومئذ سهلها وجبلها وبرّها وبحرها وجنها وإنسها حتى أسمعهم جميعا وقال: يا أيها الناس كتب عليكم الحجّ إلى بيت الله الحرام فأجيبوا ربكم فمن أجابه ولبّاه فلا بدّ له من أن يحجّ ومن لم يجبه لا سبيل له إلى ذلك، وخصائص الكعبة كثيرة وفضائلها لا تحصى ولا يسع كتابنا إحصاء الفضائل، وليست أمّة في الأرض إلّا وهم يعظّمون ذلك البيت ويعترفون بقدمه وفضله وأنّه من بناء إبراهيم حتى اليهود والنصارى والمجوس والصابئة، وقد قيل إن زمزم سميت بزمزمة اليهود والمجوس، فأما الصابئون فهو بيت عبادتهم لا يفخرون إلّا به ولا يتعبّدون إلّا بفضله، قالوا: وبقيت الكعبة على ما هي عليه غير مسقفة فكان أوّل من كساها تبّع لما أتى به مالك بن العجلان إلى يثرب وقتل اليهود، في قصة ذكرتها في كتابي المسمى بالمبدإ والمآل في التاريخ، فمرّ بمكّة فأخبر بفضلها وشرفها فكساها الخصف، وهي حصر من خوص النخل، ثم رأى في المنام أن اكسها أحسن من هذا، فكساها الأنطاع، فرأى في المنام أن اكسها أحسن من ذلك، فكساها المعافر والوصائل، والمعافر: ثياب يمانية تنسب إلى قبيلة من همدان يقال لهم المعافر، اسم الثياب والقبيلة والموضع الذي تعمل فيه واحد، وربّما قيل لها المعافرية، وثوب
معافري يتصرّف في النسبة ولا يتصرّف في المفرد لأنّه على زنة الجمع ثالثة ألف، ونسب إلى الجمع لأنّه صار بمنزلة المفرد سمي به مفرد، وكان أوّل من حلّى البيت عبد المطّلب لما حفر بئر زمزم وأصاب فيه من دفن جرهم غزالين من ذهب فضربهما في باب الكعبة، فلمّــا قام الإسلام كساها عمر بن الخطّاب، رضي الله عنه، القباطي ثم كساها الحجاج الديباج الخسرواني، ويقال يزيد بن معاوية، وبقيت على هيئتها من عمارة إبراهيم، عليه السّلام، إلى أن بلغ نبينا، صلّى الله عليه وسلّم، خمسا وثلاثين سنة من عمره جاء سيل عظيم فهدمها وكان في جوفها بئر تحرز فيها أموالها وما يهدى إليها من النذور والقربان فسرق رجل يقال له دويك ما كان فيها أو بعضه فقطعت قريش يده واجتمعوا وتشاوروا وأجمعوا على عمارتها، وكان البحر رمى بسفينة بجدّة فتحطّمت فأخذوا خشبها فاستعانوا به على عمارتها، وكان بمكّة رجل قبطيّ نجار فسوّى لهم ذلك وبنوها ثمانية عشر ذراعا، فلمّــا انتهوا إلى موضع الركن اختصموا وأراد كلّ قوم أن يكونوا هم الذين يضعونه في موضعه، وتفاقم الأمر بينهم حتى تواعدوا للقتال، ثمّ تحاجزوا وتناصفوا على أن يجعلوا بينهم أول طالع يطلع من باب المسجد يقضي، فخرج عليهم النبيّ، صلّى الله عليه وسلّم، فاحتكموا إليه فقال: هلمّوا ثوبا، فأتي به فوضع الركن فيه ثمّ قال: لتأخذ كلّ قبيلة بناحية من الثوب ثمّ ليرفعوا، حتى إذا رفعوه إلى موضعه أخذ النبيّ، صلّى الله عليه وسلّم، الحجر بيده فوضعه في الركن، فرضوا بذلك وانتهوا عن الشرور، ورفعوا بابها عن الأرض مخافة السيل وأن لا يدخل فيها إلّا من أحبّوا، وبقوا على ذلك إلى أيّام عبد الله بن الزبير فحدّثته عائشة، رضي الله عنها، قالت: سألت النبيّ، صلى الله عليه وسلّم، عن الحجر أمن البيت هو؟ قال: نعم، قالت: قلت فما بالهم لم يدخلوه في البيت؟ قال:
إنّ قومك قصّرت بهم النفقة، قلت: فما شأن بابه مرتفعا؟ قال: فعل ذلك قومك ليدخلوا من شاءوا ويمنعوا من شاءوا، ولولا قومك حديثو عهد في الإسلام فأخاف أن تنكر قلوبهم لنظرت أن أدخل الحجر في البيت وأن ألزق بابه بالأرض، فأدخل ابن الزبير عشرة مشايخ من الصحابة حتى سمعوا ذلك منها ثمّ أمر بهدم الكعبة، فاجتمع إليه الناس وأبوا ذلك فأبى إلّا هدمها، فخرج الناس إلى فرسخ خوفا من نزول عذاب وعظم ذلك عليهم ولم يجر إلّا الخير، وذكر ابن القاضي عن مجاهد قال: لما أراد ابن الزبير أن يهدم البيت ويبنيه قال للناس: اهدموا، فأبوا وخافوا أن ينزل العذاب عليهم، قال مجاهد:
فخرجنا إلى منى فأقمنا بها ثلاثا ننتظر العذاب، وارتقى ابن الزبير على جدار الكعبة هو بنفسه فهدم البيت، فلمّــا رأوا أنّه لم يصبه شيء اجترؤوا على هدمه وبناها على ما حكت عائشة وتراجع الناس، فلمّــا قدم الحجّاج تحرّم ابن الزبير بالكعبة فأمر بوضع المنجنيق على أبي قبيس وقال: ارموا الزيادة التي ابتدعها هذا المتكلّف، فرموا موضع الحطيم، فلمّــا قتل ابن الزبير وملك الحجاج ردّ الحائط كما كان قديما وأخذ بقية الأحجار فسدّ منها الباب الغربي ورصف بقيتها في البيت حتى لا تضيع، فهي إلى الآن على ذلك، وقال تبّع لما كسا البيت:
وكسونا البيت الذي حرّم اللّ ... هـ ملاء معضّدا وبرودا
وأقمنا به من الشهر عشرا، ... وجعلنا لبابه إقليدا
وخرجنا منه نؤمّ سهيلا ... قد رفعنا لواءنا المعقودا
ويقال إنّ أوّل من كساه الديباج يزيد بن معاوية، ويقال عبد الله بن الزبير، ويقال عبد الملك بن مروان، وأوّل من خلّق الكعبة عبد الله بن الزبير، وقال ابن جريج: معاوية أوّل من طيّب الكعبة بالخلوق والمجمر وإحراق الزيت بقناديل المسجد من بيت مال المسلمين، ويروى عن عليّ بن أبي طالب، رضي الله عنه، أنّه قال: خلق الله البيت قبل الأرض بأربعين عاما وكان غثاءة على الماء، وقال مجاهد في قوله تعالى:
وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً 2: 125، قال: يثوبون إليه ويرجعون ولا يقضون منه وطرا، وفي قوله تعالى: فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً من النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ 14: 37، قال:
لو قال أفئدة الناس لازدحمت فارس والروم عليه.

حُلْوانُ

حُلْوانُ:
بالضم ثم السكون، والحلوان في اللغة الهبة، يقال: حلوت فلانا كذا مالا أحلوه حلوا وحلوانا إذا وهبت له شيئا على شيء يفعله غير الأجر، وفي الحديث: نهي عن حلوان الكاهن، والحلوان: أن يأخذ الرجل من مهر ابنته لنفسه. وحلوان في عدة مواضع: حلوان العراق، وهي في آخر حدود السواد مما يلي الجبال من بغداد، وقيل: إنها سميت بحلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة كان بعض الملوك أقطعه إياها فسميت به.
وفي كتاب الملحمة المنسوب إلى بطليموس: حلوان
طولها إحدى وسبعون درجة وخمس وأربعون دقيقة، وعرضها أربع وثلاثون درجة، بيت حياتها أول درجة من الأسد، طالعها الذراع اليماني تحت عشر درج من السرطان، يقابلها مثلها من الجدي، بيت ملكها من الحمل، عاقبتها مثلها من الميزان، وهي في الإقليم الرابع، وكانت مدينة كبيرة عامرة، قال أبو زيد: أما حلوان فإنها مدينة عامرة ليس بأرض العراق بعد الكوفة والبصرة وواسط وبغداد وسرّ من رأى أكبر منها، وأكثر ثمارها التين، وهي بقرب الجبل، وليس للعراق مدينة بقرب الجبل غيرها، وربما يسقط بها الثلج، وأما أعلى جبلها فإن الثلج يسقط به دائما، وهي وبئة ردية الماء وكبريتيته، ينبت الدفلى على مياهها، وبها رمان ليس في الدنيا مثله وتين في غاية من الجودة ويسمونه لجودته شاه انجير أي ملك التين، وحواليها عدة عيون كبريتية ينتفع بها من عدة أدواء.
وأما فتحها فإن المسلمين لما فرغوا من جلولاء ضمّ هاشم بن عتبة بن أبي وقاص وكان عمه سعد قد سيّره على مقدمته إلى جرير بن عبد الله في خيل ورتبه بجلولاء، فنهض إلى حلوان فهرب يزدجرد إلى أصبهان وفتح جرير حلوان صلحا على أن كفّ عنهم وآمنهم على ديارهم وأموالهم ثم مضى نحو الدينور فلم يفتحها وفتح قرميسين على مثل ما فتح عليه حلوان وعاد إلى حلوان فأقام بها واليا إلى أن قدم عمار بن ياسر، فكتب إليه من الكوفة أن عمر قد أمره أن يمد به أبا موسى الأشعري بالأهواز، فسار حتى لحق بأبي موسى في سنة 19، قال الواقدي: بحلوان عقب لجرير بن عبد الله البجلي، وكان قد فتح حلوان في سنة 19، وفي كتاب سيف: في سنة 16، وقال القعقاع بن عمرو التميمي:
وهل تذكرون، إذ نزلنا وأنتم ... منازل كسرى، والأمور حوائل
فصرنا لكم ردءا بحلوان بعد ما ... نزلنا جميعا، والجميع نوازل
فنحن الأولى فزنا بحلوان بعد ما ... أرنّت، على كسرى، الإما والحلائل
وقال بعض المتأخرين يذم أهل حلوان:
ما إن رأيت جواميسا مقرّنة، ... إلا ذكرت ثناء عند حلوان
قوم، إذا ما أتى الأضياف دارهم ... لم ينزلوهم ودلوهم على الخان
وينسب إلى حلوان هذه خلق كثير من أهل العلم، منهم: أبو محمد الحسن بن عليّ الخلّال الحلواني، يروي عن يزيد بن هرون وعبد الرزاق وغيرهما، روى عنه البخاري ومسلم في صحيحيهما، توفي سنة 242، وقال أعرابيّ:
تلفّتّ من حلوان، والدمع غالب، ... إلى روض نجد، أين حلوان من نجد؟
لحصباء نجد، حين يضربها الندى، ... ألذّ وأشفى للعليل من الورد
ألا ليت شعري! هل أناس بكيتهم ... لفقدهم هل يبكينّهم فقدي؟
أداوي ببرد الماء حرّ صبابة، ... وما للحشا والقلب غيرك من برد
وأما نخلتا حلوان فأول من ذكرهما في شعره فيما علمنا مطيع بن إياس الليثي، وكان من أهل فلسطين من أصحاب الحجاج بن يوسف، ذكر أبو الفرج عن أبي الحسن الأسدي حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه
عن سعيد بن سلم قال: أخبرني مطيع بن إياس أنه كان مع سلم بن قتيبة بالرّيّ، فلمــا خرج إبراهيم بن الحسن كتب إليه المنصور يأمره باستخلاف رجل على عمله والقدوم عليه في خاصته على البريد، قال مطيع ابن إياس: وكانت لي جارية يقال لها جوذابة كنت أحبّها، فأمرني سلم بالخروج معه فاضطررت إلى بيع الجارية فبعتها وندمت على ذلك بعد خروجي وتتبعتها نفسي، فنزلنا حلوان فجلست على العقبة أنتظر ثقلي وعنان دابتي في يدي وأنا مستند إلى نخلة على العقبة وإلى جانبها نخلة أخرى فتذكرت الجارية واشتقت إليها فأنشدت أقول:
أسعداني يا نخلتي حلوان، ... وابكياني من ريب هذا الزمان
واعلما أن ريبه لم يزل يف ... رق بين الألّاف والجيران
ولعمري، لو ذقتما ألم الفر ... قة أبكاكما الذي أبكاني
أسعداني، وأيقنا أن نحسا ... سوف يأتيكما فتفترقان
كم رمتني صروف هذي الليالي ... بفراق الأحباب والخلّان
غير أني لم تلق نفسي كما لا ... قيت من فرقة ابنة الدهقان
جارة لي بالريّ تذهب همّي، ... ويسلّي دنوّها أحزاني
فجعتني الأيام، أغبط ما كن ... ت، بصدع للبين غير مدان
وبزعمي أن أصبحت لا تراها ال ... عين مني، وأصبحت لا تراني
وعن سعيد بن سلم عن مطيع قال: كانت لي بالرّيّ، جارية أيام مقامي بها مع سلم بن قتيبة، فكنت أتستر بها وأتعشق امرأة من بنات الدهاقين، وكنت نازلا إلى جنبها في دار لها، فلمــا خرجنا بعت الجارية وبقيت في نفسي علاقة من المرأة، فلمــا نزلنا بعقبة حلوان جلست مستندا إلى إحدى النخلتين اللتين على العقبة وقلت، وذكر الأبيات، فقال لي سلم: فيمن هذه الأبيات، أفي جاريتك؟ فاستحييت أن أصدقه فقلت:
نعم، فكتب من وقته إلى خليفته أن يبتاعها لي، فلم يلبث أن ورد كتابه بأني قد وجدتها وقد تداولها الرجال وقد بلغت خمسة آلاف درهم فإن أمرت أن أشتريها، فأخبرني بذلك سلم وقال: أيما أحب إليك هي أم خمسة آلاف درهم؟ فقلت: أما إن كانت قد تداولها الرجال فقد عزفت نفسي عنها، فأمر لي بخمسة آلاف درهم، فقلت: والله ما كان في نفسي منها شيء ولو كنت أحبها لم أبال إذا رجعت إلي بمن تداولها ولا أبالي لو ناكها أهل منى كلهم، وذكر المدائني أن المنصور اجتاز بنخلتي حلوان وكانت إحداهما على الطريق وكانت تضيّقه وتزدحم الأثقال عليه فأمر بقطعها، فأنشد قول مطيع:
واعلما إن بقيتما أن نحسا ... سوف يلقاكما فتفترقان
فقال: لا والله لا كنت ذلك النحس الذي يفرق بينهما! فانصرف وتركهما، وذكر أحمد بن إبراهيم عن أبيه عن جده إسمعيل بن داود أن المهدي قال:
أكثر الشعراء في ذكر نخلتي حلوان ولهممت بقطعهما فبلغ قولي المنصور فكتب إليّ: بلغني أنك هممت بقطع نخلتي حلوان ولا فائدة لك في قطعهما ولا ضرر عليك في بقائهما وأنا أعيذك بالله أن تكون النحس الذي يلقاهما فيفرق بينهما، يريد بيت مطيع، وعن أبي نمير عبد الله بن أيوب قال: لما خرج المهدي فصار بعقبة حلوان استطاب الموضع فتغدّى به ودعا بحسنة فقال لها: ما ترين طيب هذا الموضع! غنيني بحياتي حتى أشرب ههنا أقداحا، فأخذت محكّة كانت في يده فأوقعت على فخذه وغنته فقالت:
أيا نخلتي وادي بوانة حبّذا، ... إذا نام حرّاس النخيل، جناكما
فقال: أحسنت! لقد هممت بقطع هاتين النخلتين، يعني نخلتي حلوان، فمنعني منهما هذا الصوت، فقالت له حسنة: أعيذك بالله أن تكون النحس المفرق بينهما! وأنشدته بيت مطيع، فقال: أحسنت والله فيما فعلت إذ نبّهتني على هذا، والله لا أقطعهما أبدا ولأوكلن بهما من يحفظهما ويسقيهما أينما حييت! ثم أمر بأن يفعل ذلك، فلم تزالا في حياته على ما رسمه إلى أن مات، وذكر أحمد بن أبي طاهر عن عبد الله ابن أبي سعد عن محمد بن المفضل الهاشمي عن سلام الأبرش قال: لما خرج الرشيد إلى طوس هاج به الدم بحلوان فأشار عليه الطبيب بأكل جمّار، فأحضر دهقان حلوان وطلب منه، فأعلمه أن بلادهم ليس بها نخل ولكن على العقبة نخلتان، فأمر بقطع إحداهما، فلمــا نظر إلى النخلتين بعد أن انتهى إليهما فوجد إحداهما مقطوعة والأخرى قائمة وعلى القائمة مكتوب، وذكر البيت، فأعلم الرشيد وقال: لقد عز عليّ أن كنت نحسكما ولو كنت سمعت هذا البيت ما قطعت هذه النخلة ولو قتلني الدم، ومما قيل في نخلتي حلوان من الشعر قول حمّاد عجرد:
جعل الله سدرتي قصر شي ... رين فداء لنخلتي حلوان
جئت مستسعدا فلم تسع داني، ... ومطيع بكت له النخلتان
وروى حماد عن أبيه لبعض الشعراء في نخلتي حلوان:
أيها العاذلان لا تعذلاني، ... ودعاني من الملام دعاني
وابكيا لي، فإنني مستحقّ ... منكما بالبكاء أن تسعداني
إنني منكما بذلك أولى ... من مطيع بنخلتي حلوان
فهما تجهلان ما كان يشكو ... من هواه، وأنتما تعلمان
وقال فيهما أحمد بن إبراهيم الكاتب من قصيدة:
وكذاك الزمان ليس، وإن أل ... لف، يبقى عليه مؤتلفان
سلبت كفّه العزيز أخاه، ... ثم ثنّى بنخلتي حلوان
فكأنّ العزيز مذ كان فردا، ... وكأن لم تجاور النخلتان

وحلوان أَيضاً:
قرية من أعمال مصر، بينها وبين الفسطاط نحو فرسخين من جهة الصعيد مشرفة على النيل، وبها دير ذكر في الديرة، وكان أول من اختطها عبد العزيز بن مروان لما ولي مصر، وضرب بها الدنانير، وكان له كل يوم ألف جفنة للناس حول داره، ولذلك قال الشاعر:
كلّ يوم كأنه عيد أضحى ... عند عبد العزيز، أو يوم فطر
وله ألف جفنة مترعات، ... كلّ يوم، يمدّها ألف قدر
وكان قد وقع بمصر طاعون في سنة 70 وواليها عبد العزيز فخرج هاربا من مصر، فلمــا وصل حلوان هذه استحسن موضعها فبنى بها دورا وقصورا واستوطنها وزرع بها بساتين وغرس كروما ونخلا، فلذلك يقول عبيد الله بن قيس الرّقيّات:
سقيا لحلوان ذي الكروم، وما ... صنّف من تينه ومن عنبه
نخل مواقير بالقناء من ال ... برنيّ، يهتز ثم في سربه
أسود، سكانه الحمام، فما ... تنفكّ غربانه على رطبه
وقال سعد بن شريح مولى نجيب يهجو حفص بن الوليد الحضرمي والي مصر ويمدح زبّان بن عبد العزيز ابن مروان:
يا باعث الخيل، تردي في أعنّتها، ... من المقطّم في أكناف حلوان
لا زال بغضي ينمّى في صدوركم، ... إن كان ذلك من حيّ لزبّان

وحلوان أيضا:
بليدة بقوهستان نيسابور، وهي آخر حدود خراسان مما يلي أصبهان.
Learn Quranic Arabic from scratch with our innovative book! (written by the creator of this website)
Available in both paperback and Kindle formats.