(الْــفِتْنَة) نوع من شجر السنط أصفر الزهر عطره (مو)
(الْــفِتْنَة) نوع من شجر السنط أصفر الزهر عطره (مو)
فتن: الأَزهري وغيره: جِماعُ معنى الــفِتْنة الابتلاء والامْتِحانُ
والاختبار، وأَصلها مأْخوذ من قولك فتَنْتُ الفضة والذهب إِذا أَذبتهما بالنار
لتميز الرديء من الجيِّدِ، وفي الصحاح: إِذا أَدخلته النار لتنظر ما
جَوْدَتُه، ودينار مَفْتُون. والفَتْنُ: الإِحْراقُ، ومن هذا قوله عز وجل:
يومَ هم على النارِ يُفْتَنُونَ؛ أَي يُحْرَقون بالنار. ويسمى الصائغ
الفَتَّان، وكذلك الشيطان، ومن هذا قيل للحجارة السُّود التي كأَنها
أُحْرِقَتْ بالنار: الفَتِينُ، وقيل في قوله: يومَ همْ على النار يُفْتَنُونَ،
قال: يُقَرَّرونَ والله بذنوبهم. ووَرِقٌ فَتِينٌ أَي فِضَّة مُحْرَقَة.
ابن الأَعرابي: الــفِتْنة الاختبار، والــفِتْنة المِحْنة، والــفِتْنة المال،
والــفِتْنة الأَوْلادُ، والــفِتْنة الكُفْرُ، والــفِتْنةُ اختلافُ الناس
بالآراء، والــفِتْنةُ الإِحراق بالنار؛ وقيل: الــفِتْنة في التأْويل الظُّلْم.
يقال: فلان مَفْتُونٌ بطلب الدنيا قد غَلا في طلبها. ابن سيده: الــفِتْنة
الخِبْرَةُ. وقوله عز وجل: إِنا جعلناها فِتْنةً
للظالمين؛ أي خِبْرَةً، ومعناه أَنهم أُفْتِنوا بشجرة الزَّقُّوم
وكذَّبوا بكونها، وذلك أَنهم لما سمعوا أَنها تخرج في أَصل الجحيم قالوا:
الشجر يَحْتَرِقُ في النار فكيف يَنْبُت الشجرُ في النار؟ فصارت فتنة لهم.
وقوله عز وجل: ربَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنةً للقوم الظالمين، يقول: لا
تُظْهِرْهُم علينا فيُعْجبُوا ويظنوا أَنهم خير منا، فالــفِتْنة ههنا إِعجاب
الكفار بكفرهم.
ويقال: فَتَنَ الرجلُ بالمرأَة وافْتَتَنَ، وأَهل الحجاز يقولون:
فتَنَتْه المرأَةُ إِذا وَلَّهَتْه وأَحبها، وأَهل نجد يقولون: أَفْتَنَتْه؛
قال أَعْشى هَمْدانَ فجاء باللغتين:
لئِنْ فتَنَتْني لَهْيَ بالأَمْسِ أَفْتَنَتْ
سَعِيداً، فأَمْسَى قد قَلا كلَّ مُسْلِم
قال ابن بري: قال ابن جني ويقال هذا البيت لابن قيسٍ، وقال الأَصمعي:
هذا سمعناه من مُخَنَّثٍ وليس بثَبَتٍ، لأَنه كان ينكر أَفْتَنَ، وأَجازه
أَبو زيد؛ وقال هو في رجز رؤبة يعني قوله:
يُعْرِضْنَ إِعْراضاً لدِينِ المُفْتِنِ
وقوله أَيضاً:
إِني وبعضَ المُفْتِنِينَ داوُدْ،
ويوسُفٌ كادَتْ به المَكايِيدْ
قال: وحكى أَبو القاسم الزجاج في أَماليه بسنده عن الأَصمعي قال:
حدَّثنا عُمر بن أَبي زائدة قال حدثتني أُم عمرو بنت الأَهْتم قالت: مَرَرْنا
ونحن جَوَارٍ بمجلس فيه سعيد بن جُبير، ومعنا جارية تغني بِدُفٍّ معها
وتقول:
لئن فتنتني لهي بالأَمس أَفتنت
سعيداً، فأَمسى قد قلا كل مسلم
وأَلْقى مَصابيحَ القِراءةِ، واشْترى
وِصالَ الغَواني بالكتابِ المُتَمَّمِ
فقال سعيد: كَذَبْتُنَّ كذَبْتنَّ. والــفِتْنةُ: إِعجابُك بالشيء، فتَنَه
يَفْتِنُه فَتْناً وفُتُوناً، فهو فاتِنٌ، وأَفْتَنَه؛ وأَباها الأَصمعي
بالأَلف فأَنشد بيت رؤبة:
يُعْرِضْنَ إِعْراضاً لدِينِ المُفْتِنِ
فلم يعرف البيت في الأُرجوزة؛ وأَنشد الأَصمعي أَيضاً:
لئن فتَنَتْني لَهْيَ بالأَمسِ أَفتنتْ
فلم يَعْبأْ به، ولكن أَهل اللغة أَجازوا اللغتين. وقال سيبويه: فتَنَه
جعل فيه فِتْنةً، وأَفْتَنه أَوْصَلَ
الــفِتْنة إليه. قال سيبويه: إِذا قال أَفْتَنْتُه فقد تعرض لفُتِنَ،
وإِذا قال فتَنْتُه فلم يتعرَّض لفُتِنَ. وحكى أَبو زيد: أُفْتِنَ الرجلُ،
بصيغة ما لم يسم فاعله، أَي فُتِنَ. وحكى الأَزهري عن ابن شميل: افْتَتَنَ
الرجلُ وافْتُتِنَ لغتان، قال: وهذا صحيح، قال: وأَما فتَنْتُه ففَتَنَ
فهي لغة ضعيفة. قال أَبو زيد: فُتِنَ الرجلُ يُفْتَنُ فُتُوناً إِذا
أَراد الفجور، وقد فتَنْته فِتْنةً وفُتُوناً، وقال أَبو السَّفَر:
أَفْتَنْتُه إِفْتاناً، فهو مُفْتَنٌ، وأُفْتِنَ الرجل وفُتِنَ، فهو مَفْتُون إِذا
أَصابته فِتْنة فذهب ماله أَو عقله، وكذلك إِذا اخْتُبِرَ. قال تعالى:
وفتَنَّاك فُتُوناً. وقد فتَنَ وافْتَتَنَ، جعله لازماً ومتعدياً،
وفتَّنْتُه تَفْتِيناً فهو مُفَتَّنٌ أَي مَفْتُون جدّاً. والفُتُون أَيضاً:
الافْتِتانُ، يتعدَّى ولا يتعدَّى؛ ومنه قولهم: قلب فاتِنٌ أَي مُفْتَتِنٌ؛
قال الشاعر:
رَخِيمُ الكلامِ قَطِيعُ القِيا
مِ، أَمْسى فُؤادي بها فاتِنا
والمَفْتُونُ: الــفِتْنة، صيغ المصدر على لفظ المفعول كالمَعْقُول
والمَجْلُودِ. وقوله تعالى: فسَتُبْصِرُ ويُبْصِرُونَ بأَيَّكُمُ المَفْتُونُ؛
قال أَبو إِسحق: معنى المَفْتُونِ الذي فُتِنَ بالجنون؛ قال أَبو
عبيدة: معنى الباء الطرح كأَنه قال أَيُّكم المَفْتُونُ؛ قال أَبو إِسحق: ولا
يجوز أَن تكون الباء لَغْواً، ولا ذلك جائز في العربِية، وفيه قولان
للنحويين: أَحدهما أَن المفْتُونَ ههنا بمعنى الفُتُونِ، مصدر على المفعول،
كما قالوا ما له مَعْقُولٌ ولا مَعْقُودٌ رَأْيٌ، وليس لفلان مَجْلُودٌ
أَي ليس له جَلَدٌ ومثله المَيْسُورُ والمَعْسُورُ كأَنه قال بأَيِّكم
الفُتون، وهو الجُنون، والقول الثاني فسَتُبْصِر ويُبْصِرُونَ في أَيِّ
الفَريقينِ المَجْنونُ أَي في فرقة الإِسلام أَو في فرقة الكفر، أَقامَ الباء
مقام في؛ وفي الصحاح: إِن الباء في قوله بأَيِّكم المفتون زائدة كما زيدت
في قوله تعالى: قل كفى بالله شهيداً؛ قال: والمَفْتُون الــفِتْنةُ، وهو
مصدر كالمَحْلُوفِ والمَعْقول، ويكون أَيُّكم الابتداء والمفتون خبره؛
قال: وقل وقال المازني المَفتون هو رفع بالابتداء وما قبله خبره كقولهم بمن
مُروُرُك وعلى أَيِّهم نُزُولُك، لأَن الأَول في معنى الظرف، قال ابن
بري: إِذا كانت الباء زائدة فالمفتون الإِنسان، وليس بمصدر، فإِن جعلت الباء
غير زائدة فالمفتون مصدر بمعنى الفُتُونِ. وافْتَتَنَ في الشيء: فُتِن
فيه. وفتَنَ إِلى النساءِ فُتُوناً وفُتِنَ إِليهن: أَراد الفُجُور بهنَّ.
والــفِتْنة: الضلال والإِثم. والفاتِنُ: المُضِلُّ عن الحق. والفاتِنُ:
الشيطان لأَنه يُضِلُّ العِبادَ، صفة غالبة. وفي حديث قَيْلَة: المُسْلم
أَخو المُسْلم يَسَعُهُما الماءُ والشجرُ ويتعاونان على الفَتَّانِ؛
الفَتَّانُ: الشيطانُ الذي يَفْتِنُ الناس بِخداعِه وغروره وتَزْيينه المعاصي،
فإِذا نهى الرجلُ أَخاه عن ذلك فقد أَعانه على الشيطان. قال:
والفَتَّانُ أَيضاً اللص الذي يَعْرِضُ للرُّفْقَةِ في طريقهم فينبغي لهم أَن
يتعاونوا على اللِّصِّ، وجمع الفَتَّان فُتَّان، والحديث يروى بفتح الفاء
وضمها، فمن رواه بالفتح فهو واحد وهو الشيطان لأَنه يَفْتِنُ الناسَ عن
الدين، ومن رواه بالضم فهو جمع فاتِنٍ أَي يُعاوِنُ أَحدُهما الآخرَ على
الذين يُضِلُّون الناسَ عن الحق ويَفْتِنونهم، وفَتَّانٌ من أَبنية المبالغة
في الــفِتْنة، ومن الأَول قوله في الحديث: أَفَتَّانٌ أَنت يا معاذ؟
وروى الزجاج عن المفسرين في قوله عز وجل: فتَنْتُمْ
أَنفُسَكُمْ وتَرَبَّصْتُم؛ استعملتموها في الــفِتْنة، وقيل:
أَنَمْتُموها. وقوله تعالى: وفتَنَّاكَ فُتُوناً؛ أَي أَخلَصناكَ إِخلاصاً. وقوله
عز وجل: ومنهم من يقول ائْذَنْ لي ولا تَفْتِنِّي؛ أَي لا تُؤْثِمْني
بأَمرك إِيايَ بالخروج، وذلك غير مُتَيَسِّرٍ لي فآثَمُ؛ قال الزجاج: وقيل
إِن المنافقين هَزَؤُوا بالمسلمين في غزوة تَبُوكَ فقالوا يريدون بنات
الأَصفر فقال: لا تَفْتِنِّي أَي لا تَفْتِنِّي ببنات الأَصفر، فأَعلم
الله سبحانه وتعالى أَنهم قد سقَطوا في الــفِتْنةِ أَي في الإِثم. وفتَنَ
الرجلَ أَي أَزاله عما كان عليه، ومنه قوله عز وجل: وإِن كادوا ليَفتِنونك
عن الذي أَوْحَيْنا إِليك؛ أَي يُمِيلُونك ويُزِيلُونك. ابن الأَنباري:
وقولهم فتَنَتْ فلانة فُلاناً، قال بعضهم: معناه أَمالته عن القصد،
والــفِتْنة في كلامهم معناه المُمِيلَةُ عن الحق. وقوله عز وجل: ما أَنتم عليه
بفاتِنينَ إِلا من هو صالِ الجحِيمِ: فسره ثعلب فقال: لا تَقْدِرون أَن
تَفْتِنُوا إِلا من قُضِيَ
عليه أَن يدخل النار، وعَدَّى بفاتِنين بِعَلَى لأَن فيه معنى قادرين
فعدَّاه بما كان يُعَدَّى به قادرين لو لفِظَ به، وقيل: الــفِتْنةُ الإِضلال
في قوله: ما أَنتم عليه بفاتنين؛ يقول ما أَنتم بِمُضِلِّين إِلا من
أَضَلَّه الله أَي لستم تُضِلُّونَ إِلا أَهلَ
النار الذين سبق علم الله في ضلالهم؛ قال الفراء: أَهل الحجاز يقولون ما
أَنتم عليه بفاتِنينَ، وأَهل نجد يقولون بمُفْتِنينَ من أَفْتَنْتُ
والــفِتْنةُ: الجُنون، وكذلك الفُتُون. وقوله تعالى: والــفِتْنةُ أَشدُّ من
القَتْلِ؛ معنى الــفِتْنة ههنا الكفر، كذلك قال أَهل التفسير. قال ابن سيده:
والــفِتْنةُ الكُفْر. وفي التنزيل العزيز: وقاتِلُوهم حتى لا تكونَ
فِتْنة. والــفِتْنةُ: الفَضِيحة. وقوله عز وجل: ومن يرد الله فِتْنَتَه؛ قيل:
معناه فضيحته، وقيل: كفره، قال أَبو إِسحق: ويجوز أَن يكون اختِبارَه بما
يَظْهَرُ به أَمرُه. والــفِتْنة: العذاب نحو تعذيب الكفار ضَعْفَى
المؤمنين في أَول الإِسلام ليَصُدُّوهم عن الإِيمان، كما مُطِّيَ بلالٌ على
الرَّمْضاء يعذب حتى افْتَكَّه أَبو بكر الصديق، رضي الله تعالى عنه،
فأَعتقه. والــفِتْنةُ: ما يقع بين الناس من القتال. والــفِتْنةُ: القتل؛ ومنه قوله
تعالى: إِن خِفْتم أَن يَفْتِنَكُمُ الذين كفروا؛ قال: وكذلك قوله في
سورة يونس: على خَوْفٍ من فرعونَ
ومَلَئِهِم أَن يَفْتِنَهُم؛ أَي يقتلهم؛ وأَما قول النبي، صلى الله
عليه وسلم: إِني أَرى الفِتَنَ خِلالَ بُيوتِكم، فإِنه يكون القتل والحروب
والاختلاف الذي يكون بين فِرَقِ المسلمين إِذا تَحَزَّبوا، ويكون ما
يُبْلَوْنَ به من زينة الدنيا وشهواتها فيُفْتَنُونَ بذلك عن الآخرة والعمل
لها. وقوله، عليه السلام: ما تَرَكْتُ فِتْنةً أَضَرَّ على الرجال من
النساء؛ يقول: أَخاف أَن يُعْجُبوا بهنَّ فيشتغلوا عن الآخرة والعمل لها.
والــفِتْنةً: الاختِبارُ. وفتَنَه يَفْتِنُه: اختَبَره. وقوله عز وجل: أَوَلا
يَرَوْنَ أَنهم يُفْتَنُونَ في كل عام مرة أَو مرتين: قيل: معناه
يُخْتَبَرُونَ بالدعاء إِلى الجهاد، وقيل: يُفْتَنُونَ بإِنزال العذاب
والمكروه.والفَتْنُ: الإِحرَاق بالنار. الشيءَ في الناريَفْتِنُه: أَحرقه.
والفَتِينُ من الأَرض: الحَرَّةُ التي قد أَلْبَسَتْها كُلَّها حجارةٌ سُودٌ
كأَنها مُحْرَقة، والجمع فُتُنٌ. وقال شمر: كل ما غيرته النارُ
عن حاله فهو مَفْتُون، ويقال للأَمة السوداء مَفْتونة لأَنها كالحَرَّةِ
في السواد كأَنها مُحْترقَة؛ وقال أَبو قَيْسِ ابنُ الأَسْلَتِ:
غِراسٌ كالفَتائِنِ مُعْرَضاتٌ،
على آبارِها، أَبداً عُطُونُ
وكأَنَّ واحدة الفَتائن فَتينة، وقال بعضهم: الواحدة فَتِينة، وجمعها
فَتِين؛ قال الكميتُ:
ظَعَائِنُ من بني الحُلاَّفِ، تَأْوي
إِلى خُرْسٍ نَواطِقَ، كالفَتِينا
(* قوله «من الحلاف» كذا بالأصل بهذا الضبط، وضبط في نسخة من التهذيب
بفتح الحاء المهملة).
فحذف الهاء وترك النون منصوبة، ورواه بعضهم: كالفِتِىنَا. ويقال: واحدة
الفِتِينَ فِتْنَةٌ مثل عِزَةٍ وعِزِينَ. وحكى ابن بري: يقال فِتُونَ في
الرفع، وفِتِين في النصب والجر، وأَنشد بيت الكميت. والــفِتْنَةُ:
الإِحْراقُ. وفَتَنْتُ الرغيفَ في النار إِذا أَحْرَقْته. وفِتْنَةُ الصَّدْرِ:
الوَسْواسُ. وفِتْنة المَحْيا: أَن يَعَْدِلَ عن الطريق. وفِتْنَةُ
المَمات: أَنْ يُسْأَلَ في القبر. وقوله عزَّ وجل: إِنَّ الذين فَتَنُوا
المؤْمنين والمؤْمناتِ ثم لم يتوبوا؛ أَي أَحرقوهم بالنار المُوقَدَةِ في
الأُخْدُود يُلْقُون المؤْمنين فيها ليَصُدُّوهم عن الإِيمان. وفي حديث
الحسن: إِنَّ الذين فتنوا المؤْمنين والمؤْمِنات؛ قال: فَتَنُوهم بالنار أَي
امْتَحَنُوهم وعذبوهم، وقد جعل الله تعالى امْتِحانَ عبيده المؤمنين
بالَّلأْواءِ ليَبْلُوَ صَبْرَهم فيُثيبهم، أَو جَزَعَهم على ما ابْتلاهم به
فَيَجْزِيهم، جَزاؤُهم فِتْنةٌ. قال الله تعالى: أَلم، أَحَسِبَ الناسُ
أَن يُتْرَكُوا أَن يقولوا آمنَّا وهم لا يُفْتَنُونَ؛ جاءَ في التفسير:
وهم لا يُبْتَلَوْنَ في أَنفسهم وأَموالهم فيُعْلَمُ بالصبر على البلاء
الصادقُ الإِيمان من غيره، وقيل: وهم لا يُفْتَنون وهم لا يُمْتَحَنُون بما
يَبِينُ به حقيقة إِيمانهم؛ وكذلك قوله تعالى: ولقد فَتَنَّا الذين من
قبلهم؛ أَي اخْتَبَرْنا وابْتَلَيْنا. وقوله تعالى مُخْبِراً عن
المَلَكَيْنِ هارُوتَ ومارُوتَ: إِنما نحن فِتْنَةٌ فلا تَكْفُر؛ معناه إِنما نحن
ابتلاءٌ واختبارٌ لكم. وفي الحديث: المؤمن خُلِقَ مُفَتَّناً أَي
مُمْتَحَناً يمتَحِنُه الله بالذنب ثم يتوب ثم يعود ثم يتوب، من فَتَنْتُه إِذا
امْتَحنْتَه. ويقال فيهما أَفْتَنْتُه أَيضاً، وهو قليل: قال ابن
الأَثير: وقد كثر استعمالها فيما أَخرجه الاخْتِبَار للمكروه، ثمَّ كَثُر حتى
استعمل بمعنى الإِثم والكفر والقتال والإِحراق والإِزالة والصَّرْفِ
عن الشيء. وفَتَّانَا القَبْرِ: مُنْكَرٌ ونَكِيرٌ. وفي حديث الكسوف:
وإِنكم تُفْتَنُونَ في القبور؛ يريد مُساءَلة منكر ونكير، من الــفتنةِ
الامتحان، وقد كثرت استعاذته من فتنة القبر وفتنة الدجال وفتنة المحيا والممات
وغير ذلك. وفي الحديث: فَبِي تُفْتَنونَ وعنِّي تُسْأَلونَ أَي
تُمْتَحَنُون بي في قبوركم ويُتَعَرَّف إِيمانُكم بنبوَّتي. وفي حديث عمر، رضي
الله عنه: أَنه سمع رجلاً يتعوَّذ من الفِتَنِ فقال: أَتَسْأَلُ رَبَّك
أَن لا يَرْزُقَك أَهْلاً ولا مالاً؟ تَأَوَّلَ قوله عزَّ وجل: إِنما
أَموالكم وأَولادُكم فِتْنَة، ولم يُرِدْ فِتَنَ القِتالِ والاختلافِ. وهما
فَتْنَانِ أَي ضَرْبانِ ولَوْنانِ؛ قال نابغة بني جَعْدة:
هما فَتْنَانِ مَقْضِيٌّ عليه
لِسَاعَتِه، فآذَنَ بالوَداعِ
الواحد: فَتْنٌ؛ وروى أَبو عمرو الشَّيْبانيّ قول عمر بن أَحمر
الباهليّ:إِمّا على نَفْسِي وإِما لها،
والعَيْشُ فِتْنَان: فَحُلْوٌ ومُرّ
قال أَبو عمرو: الفِتْنُ الناحية، ورواه غيره: فَتْنانِ، بفتح الفاء،
أَي حالان وفَنَّانِ، قال ذلك أَبو سعيد قال: ورواه بعضهم فَنَّانِ أَي
ضَرْبانِ. والفِتانُ، بكسر الفاء: غِشاء يكون للرَّحْل من أَدَمٍ؛ قال
لبيد:فثَنَيْت كَفِّي والفِتانَ ونُمْرُقي،
ومَكانُهنَّ الكُورُ والنِّسْعانِ
والجمع فُتُنٌ.
حلس: الحِلْسُ والحَلَسُ مثل شِبْهٍ وشَبَهٍ ومِثْلٍ ومَثَلٍ: كلُّ شيء
وَليَ ظَهْرَ البعير والدابة تحت الرحل والقَتَبِ والسِّرْج، وهي بمنزلة
المِرشَحة تكون تحت اللِّبْدِ، وقيل: هو كساء رقيق يكون تحت البرذعة،
والجمع أَحْلاس وحُلُوسٌ. وحَلَس الناقة والدابة يَحْلِسُها ويَحْلُسُها
حَلْساً: غَشَّاهما بحلس. وقال شمر: اُحْلَسْتُ بعيري إِذا جعلت عليه
الحِلْسَ. وحِلْسُ البيت: ما يُبْسَطُ تحت حُرِّ المتاع من مِسْحٍ ونحوه،
والجمع أَحْلاسٌ. ابن الأَعرابي: يقال لِبِساطِ البيت الحِلْسُ ولحُصُرِه
الفُحولُ. وفلانٌ حِلْسُ بيته إِذا لم يَبْرَحْه، على المَثَل. الأَزهري عن
الغِتَّريفيِّ: يقال فلانٌ حِلْسٌ من أَحْلاسِ البيت الذي لا يَبْرَحُ
لبيت، قال: وهو عندهم ذم أَي أَنه لا يصلح إِلا للزوم البيت، قال: ويقال
فلان من أَحْلاس البلاد للذي لا يُزايلها من حُبِّه إِياها، وهذا مدح، أَي
أَنه ذو عِزَّة وشدَّة وأَنه لا يبرحها لا يبالي دَيْناً ولا سَنَةً حتى
تُخْصِب البلادُ. ويقال: هو مُتَحَلِّسٌ بها أَي مقيم. وقال غيره: هو
حِلْسٌ بها. وفي الحديث في الــفتنة: كنْ حِلْساً من أَحْلاسِ بيتك حتى
تأْتِيَك يَدٌ خاطِئَة أَو مَنِيَّة قاضِية، أَي لا تَبْرَحْ أَمره بلزوم بيته
وترك القتال في الــفتنة. وفي حديث أَبي موسى: قالوا يا رسول اللَّه فما
تأْمرنا؟ قال: كونوا أَحْلاسَ بُيُوتِكم، أَي الزموها. وفي حديث الفتن: عدَّ
منها فتنة الأَحْلاس، هو الكساء الذي على ظهر البعير تحت القَشَب، شبهها
بها للزومها ودوامها. وفي حديث عثمان: في تجهيز جيش العُسْرة على مائة
بعير بأَحْلاسِها وأَقتابها أَي بأَكسيتها. وفي حديث عمر، رضي اللَّه عنه،
في أَعلام النبوَّة: أَلم تَرَ الجِنَّ وإِيلاسَها، ولُحوقََها
بالقِلاصِ وأَحْلاسَها؟ وفي حديث أَبي هريرة في مانعي الزكاة: مُحْلَسٌ أَخفافُها
شوكاً من حديد أَي أَن أَخفافها قد طُورِقَتْ بشَوْكٍ من حديد
وأُلْزِمَتْه وعُولِيَتْ به كما أُلْزِمَتْ ظهورَ الإِبل أَحْلاسُها. ورجل حِلْسٌ
وحَلِسٌ ومُسْتَحْلِس: ملازم لا يبرح القتال، وقيل. لا يبرح مكانه،
شُبِّه بِحِلْسِ البعير أَو البيت. وفلان من أَحْلاسِ الخيلِ أَي هو في
الفُروسية ولزوم ظهر الخيل كالحِلْسِ اللازم لظهر الفرس. وفي حديث أَبي بكر:
قام إِليه بنو فزارة فقالوا: يا خليفة رسول اللَّه، نحن أَحلاس الخيل؛
يريدون لزومهم ظهورها، فقال: نعم أَنتم أَحْلاسُها ونحن فُرْسانُها أَي أَنتم
راضَتُها وساسَتُها وتلزمون ظُهورها، ونحن أَهل الفُروسية؛ وقولهم نحن
أَحْلاسُ الخيل أَي نَقْتَنيها ونَلْزَم ظُهورها.
ورجل حَلُوسٌ: حريص ملازم. ويقال: رجل حَلِسٌ للحريص، وكذلك حِلْسَمٌّ،
بزيادة الميم، مثل سِلْغَدٍّ؛ وأَنشد أَبو عمرو:
ليس بقِصْلٍ حَلِسٍ حِلْسَمِّ،
عند البُيوتِ، راشِنٍ مِقَمِّ
وأَحْلَسَتِ الأَرضُ واسْتَحْلَسَت: كثر بذرها فأَلبسها، وقيل: اخضرت
واستوى نَباتها. وأَرضٌ مُحْلِسَة: قد اخضرت كلها. وقال الليث: عُشْبٌ
مُسْتَحْلِسٌ تَرى له طرائقَ بعضها تحت بعض من تراكبه وسواده. الأَصمعي: إِذا
غطى النبات الأَرض بكثرته قيل قد اسْتَحْلَسَ، فإذا بلغ والتف قيل قد
استأْسد؛ واسْتَحْلَسَ النبتُ إِذا غطى الأَرضَ بكثرته، واستَحْلَسَ الليل
بالظلام: تراكم، واسْتَحْلَسَ السَّنامُ: ركبته رَوادِفُ الشَّحْم
ورواكِبُه.
وبعير أَحْلَسُ: كتفاه سوْداوانِ وأَرضه وذِرْوته أَقل سَواداً من
كَتِفَيْه. والحَلْساءُ من المَعَزِ: التي بين السواد والخُضْرَة لون بطنها
كلون ظهرها. والأَحْلَسُ الذي لونه بين السواد والحمرة، تقول منه: احْلَسَّ
احْلِساساً؛ قال المُعَطَّلُ الهذلي يصف سيفاً:
لَيْنٌ حُسامٌ لا يَلِيقُ ضَريبَةً،
في مَتْنِه دَخَنٌ وأَثْرُ أُحْلَسُ
(* قوله «قال المعطل إلخ» كذا بالأصل ومثله في الصحاك، لكن كتب السيد
مرتضى ما نصه: الصواب أَنه قول أَبي قلابة الطابخي من هذيل اهـ. وقوله
«لين» كذا بالأصل والصحاح، وكتب بالهامش الصواب: عضب.)
وقول رؤبة:
كأَنه في لَبَدٍ ولُبَّدِ،
من حَلِسٍ أَنْمَرَ في تَرَبُّدِ،
مُدَّرِعٌ في قِطَعٍ من بُرْجُدِ
وقال: الحَلِسُ والأَحْلَسُ في لونه وهو بين السواد والحُمْرة.
والحَلِسُ، بكسر اللام: الشجاع الذي يلازم قِرْنَه؛ وأَنشد:
إِذا اسْمَهَرَّ الحَلِسُ المُغالِبُ
وقد حَلِسَ حَلَساً. والحَلِسُ والحُلابِسُ: الذي لا يبرح ويلازم
قِرْنه؛ وأَنشد قول الشاعر:
فقلتُ لها: كأَيٍّ من جَبانٍ
يُصابُ، ويُخْطَأُ الحَلِسُ المُحامي
كأَيٍّ بمعنى كم. وأَحْلَسَتِ السماءُ: مَطَرَتْ مطراً رقيقاً دائماً.
وفي التهذيب: وتقول حَلَسَتِ السماءُ إِذا دام مطرها وهو غير وابل.
والحَلْسُ: أَن يأْخذ المُصَّدِّقُ النَّقْدَ مكان الإِبل، وفي التهذيب:
مكان الفريضة. وأَحْلَسْتُ فلاناً يميناً إِذا أَمررتها عليه.
والإِحْلاسُ: الحَمْلُ على الشيء؛ قال:
وما كنتُ أَخْشى، الدَّهرَ، إِحْلاسَ مُسْلِمٍ
من الناسِ ذَنْباً جاءَه وهو مُسْلِما
المعنى ما كنت أَخشى إِحلاس مسلم مسلماً ذَنْباً جاءه، وهو يرد هو على
ما في جاءه من ذكر مسلم؛ قال ثعلب: يقول ما كنت أَظن أَن إِنساناً ركب
ذنباً هو وآخر ينسبه إِليه دونه.
وما تَحَلَّسَ منه بشيء وما تَحَلَّسَ شيئاً أَي أَصاب منه. الأَزهري:
والعرب تقول للرجل يُكْرَه على عمل أَو أَمر: هو مَحْلوسٌ على الدَّبَرِ
أَي مُلْزَمٌ هذا الأَمرَ إِلزام الحِلْسِ الدَّبَرَ. وسَيْرٌ مُحْلَسٌ:
لا يُفْتَر عنه. وفي النوادر: تَحَلَّسَ فلان لكذا وكذا أَي طاف له وحام
به. وتَحَلَّسَ بالمكان وتَحَلَّز به إِذا أَقام به. وقال أَبو سعيد:
حَلَسَ الرجل بالشيء وحَمِسَ به إِذا تَوَلَّعَ.
والحِلْسُ والحَلْسُ، بفتح الحاء وكسرها: هو العهد الوثيق. وتقول:
أَحْلَسْتُ فلاناً إِذا أَعطيته حَلْساً أَي عهداً يأْمن به قومك، وذلك مثل
سَهْم يأْمن به الرجلُ ما دام في يده.
واسْتَحْلَس فلانٌ الخوفَ إِذا لم يفارقه الخوفُ ولم يأْمن. وروي عن
الشعبي أَنه دخل على الحجاج فعاتبه في خروجه مع أَبي الأَشعث فاعتذر إِليه
وقال: إِنا قد اسْتَحْلَسْنا الخوفَ واكتَحَلْنا السَّهَرَ وأَصابتنا
خِزْيةٌ لم يكن فيها بَرَرَرةٌ أَتْقِياء ولا فَجَرة أَقوياء، قال: للَّه
أَبوك يا شَعْبيُّ ثم عفا عنه. الفراء قال: أَنت ابنُ بُعثُطِها
وسُرْسُورِها وحِلْسِها وابن بَجْدَتها وابن سِمسارِها وسِفْسِيرِها بمعنى واحد.
والحِلْسُ: الرابع من قداح المَيْسِر؛ قال اللحياني: فيه أَر بعة فروض، وله
غُنْم أَربعة أَنصباء إِن فاز، وعليه غرم أَربعة أَنصباء إِن لم يفز.
وأُم حُلَيْسٍ: كنية الأَتان. وبنو حِلْس: بُطَيْنٌ من الأَزْدِ ينزلون
نَهْر المَلِك. وأَبو الحُلَيْس: رجل. والأَحْلَسُ العَبْدِي: من رجالهم؛
ذكره ابن الأَعرابي.
بقر: البَقَرُ: اسم جنس. ابن سيده: البَقَرَةُ من الأَهلي والوحشي يكون
للمذكر والمؤنث، ويقع على الذكر والأُنثى؛ قال غيره: وإِنما دخلته الهاء
على أَنه واحد من جنس، والجمع البَقَراتُ. قال ابن سيده: والجمع بَقَرٌ
وجمع البَقَرِ أَبْقَرُ كزَمَنٍ وأَزْمُنٍ؛ عن الهجري، وأَنشد لمقبل بن
خويلد الهذلي:
كأَنَّ عَرُوضَيْهِ مَحَجَّةُ أَبْقُرٍ
لَهُنَّ، إِذا ما رُحْنَ فيها، مَذاعِقُ
فأَما بَقَرٌ وباقِرٌ وبَقِيرٌ وبَيْقُورٌ وباقُورٌ وباقُورةٌ فأَسماء
للجمع؛ زاد الأَزهري: وبَواقِر؛ عن الأَصمعي، قال: وأَنشدني ابن أَبي
طرفة:وسَكَّنْتُهُمْ بالقَوْلِ، حَتَّى كَأَنَّهُمْ
بَواقِرُ جُلْحٌ أَسْكَنَتْها المَراتِعُ
وأَنشد غير الأَصمعي في بيقور:
سَلَعٌ مَّا، ومِثلُه عُشَرٌ مَّا،
عائلٌ مَّا، وعالَتِ البَيْقُورا
وأَنشد الجوهري للورل الطائي:
لا دَرَّ دَرُّ رِجَالٍ خَابَ سَعْيُهُمُ،
يَسْتَمْطِرُونَ لَدَى الأَزمَات بالعُشَرِ
أَجاعِلٌ أَنْتَ بَيْقُوراً مُسَلَّعَةً،
ذَرِيعَةً لك بَيْنَ اللهِ والْمَطَرِ؟
وإِنما قال ذلك لأَن العرب كانت في الجاهلية إِذا استسقوا جعلوا
السَّلَعَةَ والعُشَرَ في أَذناب البقر وأَشعلوا فيه النار فتضج البقر من ذلك
ويمطرون.
وأَهل اليمن يسمون البَقَرَ: باقُورَةً. وكتب النبي، صلى الله عليه
وسلم، في كتاب الصدقة لأَهل اليمن: في ثلاثين باقورةً بَقَرَةٌ.
الليث: الباقر جماعة البقر مع رعاتها، والجامل جماعة الجمال مع راعيها.
ورجلٌ بَقَّارٌ: صاحب بقر.
وعُيونُ البَقَرِ: ضَرْبٌ من العنب.
وبَقِرَ: رَأَى بَقَرَ الوحش فذهب عقله فرحاً بهن.
وبَقِرَ بَقَراً وبَقَرَاً، (قوله؛ «وبقر بقراً وبقراً» سيأتي قريباً
التنبيه على ما فيه ينقل عبارة الأَزهري عن أبي الهيثم والحاصل كما يؤخذ من
القاموس والصحاح والمصباح أنه من باب فرح فيكون لازماً ومن باب قتل ومنع
فيكون متعدياً). فهو مَبْقُور وبَقِيرٌ: شُقه. وناقة بَقِيرٌ: شُقَّ
بطنها عن ولدها أَيَّ شَقٍّ؛ وقد تَبَقَّر وابْتَقَر وانْبَقَر؛ قال
العجاج:تُنْتَجُ يَرْْمَ تُلْقِحُ انْبِقَارا
وقال ابن الأَعرابي في حديث له: فجاءت المرأَة فإِذا البيت مِبْقُورٌ
أَي منتثر عَتَبَتُهُ وعِكْمُه الذي فيه طعامه وكل ما فيه.
والبِقِيرُ والبَقِيرةُ: بُرْدٌ يُشَقُّ فَيُلْبَسُ بلا كُمَّيْنِ ولا
جَيْب، وقيل: هو الإِتْبُ. الأَصمعي: البَقِيرةُ أَن يؤْخذ بُرد فيشق ثم
تلقيه المرأَة في عنقها من غير كمين ولا جيب، والإِتْبُ قميص لا كمين له
تلبسه النساء. التهذيب: روى الأَعمش عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير
عن ابن عباس في حديث هدهد سليمان قال: بينما سليمان في فلاة احتاج إِلى
الماء فدعا الهدهد فَبَقَر الأَرضَ فأَصاب الماء، فدعا الشياطين فسلخوا
مواضع الماء كما يسلخ الإِهاب فخرج الماء؛ قال الأَزهري: قال شمر فيما قرأْت
بخطه معنى بَقَرَ نظر موضع الماء فرأَى الماء تحت الأَرض فأَعلم سليمان
حتى أَمر بحفره؛ وقوله فسلخوا أَي حفروا حتى وجدوا الماء.
وقال أَبو عدنان عن ابن نباتة: المُبَقِّرُ الذي يخط في الأَرض دَارَةً
قدر حافر الفرس، وتدعى تلك الدارة البَقْرَةَ؛ وأَنشد غيره:
بِها مِثْلُ آثَارِ المُبَقِّر مَلْعَب
وقال الأَصمعي: بَقَّرَ القومُ ما حولهم أي حفروا واتخذوا الركايا.
والتبقر: التوسع في العلم والمال. وكان يقال لمحمد بن علي بن الحسين
بن علي الباقر، رضوان الله عليهم، لأَنه بقر العلم وعرف أَصله واستنبط
فرعه وتَبقَّر في العلم. وأَصل البقر: الشق والفتح والتوسعة. بَقَرْتُ
الشيءَ بَقْراً: فتحته ووسعته. وفي حديث حذيفة: فما بال هؤلاء الذين
يَبْقُرونَ بيوتنا أَي يفتحونها ويوسعونها؛ ومنه حديث الإِفك: فَبَقَرْتُ لها
الحديث أَي فتحته وكشفته. وفي الحديث: فأَمر ببقرة من نحاس فأُحميت؛ قال
ابن الأَثير: قال الحافظ أَبو موسى: الذي يقع لي في معناه أَنه لا يريد
شيئاً مصوغاً على صورة البقرة، ولكنه ربما كانت قِدْراً كبيرةً واسعةً
فسماها بَقَرَةً مأْخوذاً من التَّبَقُّرِ التَّوَسُّع، أَو كان شيئاً يسع
بقرة تامّة بِتَوابلها فسميت بذلك. وقولهم: ابْقُرْها عن جَنينها أَي شُقَّ
بطنها عن ولدها، وبَقِرَ الرجل يَبْقَرُ بَقَراً وبَقْراً، وهو أَن
يَحْسِرَ فلا يكاد يُبصر؛ قال الأَزهري: وقد أَنكر أَبو الهيثم فما أَخبرني
عنه المنذري بَقْراً، بسكون القاف؛ وقال: القياس بَقَراً على فَعَلاً لأَنه
لازم غير واقع.
الأَصمعي: بَيْقَرَ الفرسُ إِذا خَامَ بيده كما يَصْفِنُ برجله.
والبَقِير: المُهْرُ يولد في ماسكَةٍ أَو سَلًى لأَنه يشق عليه. والبَقَرُ:
العيال. وعليه بَقَرَةٌ من عيالٍ ومالٍ أَي جماعةٌ. ويقال: جاء فلان يَجُرُّ
بَقَرَةً أَي عيالاً. وتَبَقَّرَ فيها وتَبَيْقَرَ: توسع. وروي عن
النبي،صلى الله عليه وسلم، أَنه نهى عن التَّبَقُّر في الأَهل والمال؛ قال
أَبو عبيد: قال الأَصمعي يريد الكثرة والسَّعة، قال: وأَصل التَّبَقُّرِ
التوسعُ والتَّفَتُّح؛ ومنه قيل: بَقَرْتُ بطنه إنما هو شْققته وفتحته. ومنه
حديث أُم سليم: إن دنا مني أَحد من المشركين بَقَرْتُ بَطْنَهُ. قال
أَبو عبيد: ومن هذا حديث أَبي موسى حين أَقبلت الــفتنة بعد مقتل عثمان، رضي
الله عنه، فقال إِن هذه الــفتنة باقرة كداء البطن لا يُدْرَى أَنَّى يُؤْتى
لَهُ؛ إِنما أَراد أَنها مفسدة للدين ومفرقة بين الناس ومُشَتِّتَةٌ
أُمورهم، وشبهها بوجع البطن لأَنه لا يُدْرَى ما هاجه وكيف يُدَاوَى ويتأَتى
له. وبَيْقَرَ الرجلُ: هاجر من أَرض إِلى أَرض. وبَيْقَرَ: خرج إلى حيث
لا يَدْرِي. وبَيْقَرَ: نزل الحَضَرَ وأَقام هناك وترك قومه بالبادية،
وخص بعضهم به العراق، وقول امرئ القيس:
أَلا هَلْ أَتَاهَا، والحوادثُ جَمَّةٌ،
بأَنَّ امْرَأَ القَيْسِ بِنَ تَمْلِكَ بَيْقَرا؟
يحتمل جميع ذلك. وبَيْقَرَ: أَعْيَا. وبَيْقَر: هلَك. وبيقر: مشَى
مِشْيَةَ المُنَكِّسِ. وبَيْقَرَ: أَفسد؛ عن ابن الأَعرابي، وبه فسر
قوله:وقد كانَ زَيْدٌ، والقُعُودُ بأَرْضِهِ،
كَرَاعِي أُنَاسٍ أَرْسَلُوه فَبيْقرَا
والبيقرة: الفساد. وقوله: كراعي أُناس أَي ضيع غنمه للذئب؛ وكذلك فسر
بالفساد قوله:
يا مَنْ رَأَى النُّعْمانَ كانَ حِيَرَا،
فَسُلَّ مِنْ ذلك يَوْمَ بَيْقَرَا
أَي يوم فساد. قال ابن سيده: هذا قول ابن الأَعرابي جعله اسماً؛ قال:
ولا أَدري لترك صرفه وجهاً إِلاَّ أَن يضمنه لضمير ويجعله حكاية، كما
قال:نُبِّئْتُ أَخْوالي بَني يَزِيدُ
بَغيْاً علينا لَهُمْ فَدِيدُ
ضمن يزيد الضمير فصار جملة فسمي بها فحكي؛ ويروى: يوماً بيقرا أَي يوماً
هلك أَو فسد فيه ملكه. وبَقِرَ الرجل، بالكسر، إِذا أَعيا وحَسَرَ،
وبَيْقَرَ مثله. ابن الأَعرابي: بيقر إِذا تحير. يقال: بَقِرَ الكلب وبَيْقَر
إِذا رأَى البَقَرَ فتحير، كما يقال غَزِلَ إِذا رأَى الغزال فَلَهِيَ.
وبَيْقَرَ: خرج من بلد إلى بلد. وبَيْقَر إِذا شك، وبَيْقَرَ إِذا حَرَصَ
على جمع المال ومنعه. وبَيْقَر إِذا مات، وأَصْلُ البَيْقَرَة الفساد.
وبَيْقَرَ الرجل في ماله إِذا أَسرع فيه وأَفسده. ورورى عمرو عن أَبيه:
البَيْقَرَة كثرة المتاع والمال. أَبو عبيدة: بَيْقَرَ الرجل في العَدْو
إِذا اعتمد فيه. وبَيْقَر الدار إِذا نزلها واتخذها منزلاً.
ويقال: فتنة باقرة كداء البطن، وهو الماء الأَصفر. وفي حديث أَبي موسى:
سمعت رسولُ الله، صلى الله عليه وسلم، يقول: سيأْتي على الناس فتْنَةٌ
باقِرَةٌ تَدَعُ الحليمَ حَيْرانَ؛ أَي واسعَةٌ عظيمةٌ. كفانا الله
شرها.والبُقَّيْرَى، مثال السُّمَّيْهى: لعبة الصبيان، وهي كومة من تراب
وحولها خطوط. وبَقَّرَ الصبيانُ: لعبوا البُقَّيْرَى، يأْتون إِلى موضع قد
خبئ لهم فيه شيء فيضربون بأَيديهم بلا حفر يطلبونه؛ قال طفيل الغَنَوِيُّ
يصف فرساً:
أَبَنَّتْ فما تَنْفَكُّ حَوْلَ مُتَالِعٍ،
لها مِثلُ آثارِ المُبَقِّرِ مَلْعَبُ
قال ابن بري: قال الجوهري: في هذا البيت يصف فرساً، وقوله ذلك سهو
وإِنما هو يصف خيلاً تلعب في هذا الموضع، وهو ما حول متالع، ومتالع: اسم
جبل.والبُقَّارُ: تراب يجمع بالأَيدي فيجعل قُمَزاً قَمزاً ويلعب به، جعلوه
اسماً كالقِذَافِ؛ والقُمَزُ كأَنها صوامع، وهو البُقَّيْرَى؛ وأَنشد:
نِيطَ بِحَقْويَها خَمِيسٌ أَقْمَرُ
جَهْمٌ، كبُقَّارِ الوليدِ، أَشْعَرُ
والبقار: اسم واد؛ قال لبيد:
فَبَاتَ السَّيلُ يَرْكبُ جانِبَيْهِ
من البَقَّارِ، كالعَمِدِ الثَّقَال
والبَقَّارُ: موضع.
والبَيْقرَةُ: اسراع يطأْطئ الرجل فيه رأْسه؛ قال المثَقِّبُ
العَبْدِيّ، ويروى لِعَدِيِّ بن ودَاع:
فَباتَ يَجْتَابُ شُقارَى، كما
بَيْقَرَ منْ يَمْشِي إِلى الجَلْسَدِ
وشُقارَى، مخفف من شُقَّارَى: نبت، خففه للضرورة، ورواه أَبو حنيفة في
كتابه النبات: من يمشي إلى الخَلَصَة، قال: والخَلَصَةُ الوَثَنُ، وقد
تقدم في فصل جسد.
والبَيْقَرانُ: نَبْتٌ. قال ابن دريد: ولا أَدري ما صحته.
وبَيْقُور: موضع، وذو بَقَرٍ: موضع.
وجاد بالشُّقَّارَى والبُقَّارَى أَي الداهية.
هوش: هاشَت الإِبلُ هَوْشاً: نفَرَت في الغارة فتبدَّدَتْ وتفرَّقت.
وإِبل هَوّاشةٌ: أَخَذَت من هنا وهنا. والهَوْشَةُ: الــفِتْنةُ والهَيْجُ
والاضطرابُ والهَرْجُ والاختلاطُ. يقال: قد هَوَّشَ القوم إِذا اختلطوا؛
وكذلك كل شيء خَلَطْتَه فقد هَوَّشْته؛ قال ذو الرمة يصِفُ المنازل وأَن
الرياح قد خلَطت بعضَ آثارها ببعض:
تَعَفَّتْ لِتَهْتانِ الشِّتاءِ، وهَوَّشَتْ
بها نائِجاتُ الصَّيْفِ شَرْقِيَّةً كُدْرا
وفي حديث الإِسراء: فإِذا بَشَرٌ كثيرٌ يَتَهاوَشُون؛ التَّهاوُشُ:
الاختلاطُ، أَي يَدْخُل بعضُهم في بعض. وفي حديث قيس بن عاصم: كنت أُهاوِشُهم
في الجاهلية أَي أُخالِطُهم على وَجْهِ الإِفْساد. والهَوْشةُ: الفسادُ.
وهاشَ القومُ وهَوِشُوا هَوَشاً وتَهَوّشوا: وقعُوا في فساد. وتهَوَّشوا
عليه: اجْتَمَعُوا. وهَوَّشَ بينهم: أَفسَد؛ وقول الراجز:
قد هَوَّشَتْ بُطونُها واحْقَوْقَفَتْ
أَي اضطربت من الهُزال، وكذلك هاشَ القومُ يَهُوشون هَوْشاً.
ويقال للعدد الكثير: هَوْشٌ. والهُواشاتُ، بالضم: الجماعاتُ من الناس
ومن الإِبل إِذا جمعوها فاختلط بعضها ببعض. قال عرام: يقال رأَيت هُوَاشةً
من الناس وهَوِيشةً أَي جماعة مختلطة. قال أَبو عدنان: سمعت التميميات
يقلْن الهَوْشُ والبَوْشُ كثرةُ الناس والدواب؛ ودخلنا السوق فما كِدْنا
نَخْرُج من هَوْشِها وبَوْشِها. وقال: إتقوا هَوَشاتِ السُّوق أَي اتقوا
الضلال فيها وأَن يُحْتالَ عليكم فتُسْرَقُوا. وهَوَشاتُ الليل: حوادثُه
ومكروهُه. قال ابن سيده: وهَوَشاتُ السوق قال حكاه ثعلب بفتح الواو ولم
يفسره، قال: وأَراه اخْتِلاطَها وما يُوكَسُ فيه الإِنسانُ عندها ويُغْبَن.
وفي حديث ابن مسعود: إيّاكم وهَوَشاتِ الليلِ وهَوَشاتِ الأَسواق، ورواه
بعضهم: وهَيَشاتِ، بالياء، أَي فِتَنها وهَيْجَها. والهُوَاشُ، بالضم: ما
جُمِع من مالٍ حرام وحلالٍ كأَنه جمعُ مَهْوَشٍ من الهَوْش الجمع
والخلْط.
والمَهاوِشُ: مكاسبُ السُّوء؛ ومنه الحديث: مَن اكتسبَ مالاً من
مَهاوِشَ أَذْهَبَهُ اللَّه في نَهابِرَ؛ المَهاوِشُ: كلُّ مالٍ يُصاب من غير
حِلَّة ولا يُدْرَى ما وجهُه كالغَصْب والسَّرِقة ونحو ذلك وهو شبيه بما
ذكر من الهَوَشاتِ؛ وقال ابن الأَعرابي: ويروى: مِنْ نَهاوِشَ، وقد تقدم في
موضعه، وهو أَن يَنْهشَ من كلّ مكان، ورواه بعضهم: من تَهاوِشَ. ابن
الأَنباري؛ وقول العامّة شَوَّشَ الناسُ إِنما صوابه هَوَّشَ وشَوَّشَ خطأٌ.
الليث: إِذا أُغِيرَ على مالِ الحيِّ فنَفَرت الإِبلُ واخْتَلَط بعضُها
ببعض قيل: هاشَت تَهُوش، فهي هَوائِشُ.
وجاء بالهَوْشِ والبَوْشِ أَي بالجَمْع الكثير من الناس. والهَوْشُ:
المجتمعون في الحرْب، والهَوْش: خلاءُ البطن.
وأَبو المهْوَشِ: من كُناهم. وذو هاشٍ: موضعٌ ذكره زهير في شعره.
قطع: القَطْعُ: إِبانةُ بعض أَجزاء الجِرْمِ من بعضٍ فَضْلاً. قَطَعَه
يَقْطَعُه قَطْعاً وقَطِيعةً وقُطوعاً؛ قال:
فما بَرِحَتْ، حتى اسْتبانَ سقابها
قُطُوعاً لِمَحْبُوكٍ من اللِّيفِ حادِرِ
والقَطْعُ: مصدر قَطَعْتُ الحبْلَ قَطْعاً فانْقَطَع. والمِقْطَعُ،
بالكسر: ما يُقْطَعُ به الشيء. وقطَعه واقتطَعه فانقطَع وتقطَّع، شدد للكثرة.
وتقطَّعوا أَمرهم بينهم زُبُراً أَي تقَسَّمُوه. قال الأَزهري: وأَما
قوله: وتقطَّعوا أَمرهم بينهم زُبراً فإِنه واقع كقولك قَطَّعُوا أَمرهم؛
قال لبيد في الوجه اللازم:
وتَقَطَّعَتْ أَسْبابُها ورِمامُها
أَي انْقَطَعَتْ حِبالُ مَوَدَّتِها، ويجوز أَن يكون معنى قوله:
وتقطَّعوا أَمرهم بينهم؛ أَي تفرقوا في أَمرهم، نصب أَمرهم بنزع في منه؛ قال
الأَزهري: وهذا القول عندي أَصوب. وقوله تعالى: وقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنّ؛ أَي
قَطَعْنَها قَطْعاً بعد قَطْعٍ وخَدَشْنَها خدشاً كثيراً ولذلك شدد،
وقوله تعالى: وقطَّعْناهم في الأَرض أُمَماً؛ أَي فرّقْناهم فِرَقاً، وقال:
وتَقَطَّعَتْ بهم الأَسبابُ؛ أَي انْقَطَعَتْ أَسْبابُهم ووُصَلُهُم؛ قول
أَبي ذؤَيب:
كأَنّ ابْنةَ السَّهْمِيّ دُرَّةُ قامِسٍ
لها، بعدَ تَقْطِيعِ النُّبُوح، وَهِيجُ
أَراد بعد انْقِطاعِ النُّبُوحِ، والنُّبُوحُ: الجماعات، أَراد بعد
الهُدُوِّ والسكون بالليل، قال: وأَحْسَبُ الأَصل فيه القِطْع وهو طائفة من
الليل. وشيءٌ قَطِيعٌ: مقطوعٌ.
والعرب تقول: اتَّقُوا القُطَيْعاءَ أَي اتقوا أَن يَتَقَطَّعَ بعضُكم
من بعض في الحرب.
والقُطْعةُ والقُطاعةُ: ما قُطِعَ من الحُوّارَى من النُّخالةِ.
والقُطاعةُ، بالضم: ما سقَط عن القَطْعِ. وقَطَعَ النخالةَ من
الحُوّارَى: فَصَلَها منه؛ عن اللحياني.
وتَقاطَعَ الشيءُ: بانَ بعضُه من بعض، وأَقْطَعَه إِياه: أَذن له في
قطعه. وقَطَعاتُ الشجرِ: أُبَنُها التي تَخْرُجُ منها إِذا قُطِعَت، الواحدة
قَطَعَةٌ. وأَقْطَعْتُه قُضْباناً من الكَرْمِ أَي أَذِنْتُ له في
قَطْعِها. والقَطِيع: الغُصْنُ تَقْطَعُه من الشجرة، والجمع أَقْطِعةٌ وقُطُعٌ
وقُطُعاتٌ وأَقاطِيعُ كحديثٍ وأَحاديثَ. والقِطْعُ من الشجر: كالقَطِيعِ،
والجمع أَقطاعٌ؛ قال أَبو ذؤَيب:
عَفا غيرُ نُؤْيِ الدارِ ما إِنْ تُبِينُه،
وأَقْطاعُ طُفْيٍ قد عَفَتْ في المَعاقِلِ
والقِطْعُ أَيضاً: السهم يعمل من القَطِيعِ والقِطْعِ اللذين هما
المَقْطُوعُ من الشجر، وقيل: هو السهم العَرِيضُ، وقيل: القِطْعُ نصل قَصِيرٌ
عَرِيضُ السهم، وقيل: القِطْعُ النصل القصير، والجمع أَقْطُعٌ وأَقْطاعٌ
وقُطُوعٌ وقِطاعٌ ومَقاطِيعُ، جاء على غير واحده نادراً كأَنه إِنما جمع
مِقْطاعاً، ولم يسمع، كما قالوا مَلامِحَ ومَشابِهَ ولم يقولوا مَلْمَحَةً
ولا مَشْبَهةً؛ قال بعض الأَغفالِ يصف دِرْعاً:
لها عُكَنٌ تَرُدُّ النَّبْلَ خُنْساً،
وتَهْزَأُ بالمَعابِلِ والقِطاعِ
وقال ساعدة بن جُؤَيَّةَ:
وشَقَّتْ مَقاطِيعُ الرُّماةِ فُؤَادَه،
إِذا يَسْمَعُ الصوتَ المُغَرِّدَ يَصْلِدُ
والمِقْطَعُ والمِقْطاعُ: ما قَطَعْتَه به.
قال الليث: القِطْعُ القضيبُ الذي يُقْطَعُ لبَرْيِ السِّهامِ، وجمعه
قُطْعانٌ وأَقْطُعٌ؛ وأَنشد لأَبي ذؤَيب:
ونَمِيمَةً من قانِصٍ مُتَلَبِّبٍ،
في كَفِّه جَشْءٌ أَجَشُّ وأَقْطُعُ
قال: أَراد السِّهامَ، قال الأَزهري: وهذا غلط، قال الأَصمعي: القِطْعُ
من النِّصالِ القصير العريضُ، وكذلك قال غيره، سواء كان النصل مركباً في
السهم أَو لم يكن مركباً، سُمِّيَ قِطْعاً لأَنه مقطوعٌ من الحديث، وربما
سَمَّوْه مقطوعاً، والمَقاطِيعُ جمعه؛ وسيف قاطِعٌ وقَطَّاعٌ ومِقْطَعٌ.
وحبل أَقْطاعٌ: مقطوعٌ كأَنهم جعلوا كل جزء منه قِطْعاً، وإِن لم يتكلم
به، وكذلك ثوب أَقْطاعٌ وقِطْعٌ؛ عن اللحياني. والمَقْطُوعُ من المديد
والكامل والرَّجَزِ: الذي حذف منه حرفان نحو فاعلاتن ذهب منه تن فصار
محذوفاً فبقي فاعلن ثم ذهب من فاعِلن النون ثم أُسكنت اللام فنقل في التقطيع إِلى
فعْلن، كقوله في المديد:
إِنما الذَّلْفاءُ ياقُوتةٌ،
أُخْرِجَتْ من كِيسِ دِهْقانِ
فقوله قاني فعْلن، وكقوله في الكامل:
وإِذا دَعَوْنَكَ عَمَّهُنَّ، فإِنَّه
نَسَبٌ يَزِيدُكَ عِنْدَهُنَّ خَبالا
فقوله نَخَبالا فعلاتن وهو مقطوع؛ وكقوله في الرجز:
دار لِسَلْمَى، إِذ سُلَيْمَى جارةٌ،
قَفْرٌ تُرى آياتها مِثْلَ الزُّبُرْ
(* قوله« دار لسلمى إلخ» هو موفور لا مقطوع فلا شاهد فيه كما لا يخفى.)
وكقوله في الرجز:
القَلْبُ منها مُسْتَرِيحٌ سالِمٌ،
والقلبُ مِنِّي جاهِدٌ مَجْهُودُ
فقوله مَجْهُود مَفْعُولُنْ.
وتَقْطِيعُ الشعر: وَزْنه بأَجزاء العَرُوضِ وتَجْزئته بالأَفعالِ.
وقاطَعَ الرجُلانِ بسيفيهما إِذا نظرا أَيُّهما أَقْطَعُ؛ وقاطَعَ فلان
فلاناً بسيفيهما كذلك. ورجل لَطّاع قَطّاعٌ: يَقْطَعُ نصف اللُّقْمةِ
ويردّ الثاني، واللَّطّاعُ مذكور في موضعه. وكلامٌ قاطِعٌ على المَثَلِ:
كقولهم نافِذٌ.
والأَقْطَعُ: المقطوعُ اليَدِ، والجمع قُطْعٌ وقُطْعانٌ مثل أَسْوَدَ
وسُودانٍ. ويَدٌ قَطعاءُ: مقطوعةٌ، وقد قَطَعَ وقطِعَ قَطعاً. والقَطَعَةُ
والقُطْعةُ، بالضم، مثل الصَّلَعةِ والصُّلْعةِ: موضع القَطْعِ من اليد،
وقيل: بقيّةُ اليدِ المقطوعةِ، وضربَه بقَطَعَتِه. وفي الحديث: أَنَّ
سارِقاً سَرَقَ فَقُطِعَ فكان يَسْرِقُ بقَطَعَتِه، بفتحتين؛ هي الموضعُ
المقطوعُ من اليد، قال: وقد تضم القاف وتسكن الطاء فيقال: بقُطْعَتِه، قال
الليث: يقولون قُطِعَ الرجلُ ولا يقولون قُطِعَ الأَقْطَعُ لأَنَّ
الأَقْطَعَ لا يكون أَقْطَعَ حتى يَقْطَعَه غيره، ولو لزمه ذلك من قبل نفسه لقيل
قَطِعَ أَو قَطُعَ، وقَطَعَ الله عُمُرَه على المَثَلِ. وفي التنزيل:
فَقُطِعَ دابِرُ القوم الذين ظَلَموا؛ قال ثعلب: معناه استُؤْصِلُوا من
آخرهم.ومَقْطَعُ كل شيءٍ ومُنْقَطَعُه: آخره حيث يَنْقَطِعُ كمَقاطِعِ
الرِّمالِ والأَوْدِيةِ والحَرَّةِ وما أَشبهها. ومَقاطِيعُ الأَوديةِ:
مآخيرُها. ومُنْقَطَعُ كلِّ شيءٍ: حيث يَنْتَهي إِليه طَرَفُه. والمُنْقَطِعُ:
الشيءُ نفسُه. وشرابٌ لذيذُ المَقْطَعِ أَي الآخِر والخاتِمَةِ. وقَطَعَ
الماءَ قَطْعاً: شَقَّه وجازَه. وقطَعَ به النهرَ وأَقْطَعَه إِياه
وأَقطَعَه به: جاوَزَه، وهو من الفصل بين الأَجزاء. وقَطَعْتُ النهر قَطْعاً
وقُطُوعاً: عَبَرْتُ. ومَقاطِعُ الأَنهار: حيث يُعْبَرُ فيه. والمَقْطَعُ:
غايةُ ما قُطِعَ. يقال: مَقْطَعُ الثوبِ ومَقْطَعُ الرمْلِ للذي لا رَمْلَ
وراءه. والمَقْطَعُ: الموضع الذي يُقْطَعُ فيه النهر من المَعابرِ.
ومَقاطِعُ القرآنِ: مواضعُ الوقوفِ، ومَبادِئُه: مواضعُ الابتداءِ. وفي حديث
عمر، رضي الله عنه، حين ذَكَر أَبا بكر، رضي الله عنه: ليس فيكم مَنْ
تَقَطَّعُ عليه
(* قوله« تقطع عليه» كذا بالأصل، والذي في النهاية: دونه)
الأَعْناقُ مثلَ أَبي بكر؛ أَراد أَن السابِقَ منكم الذي لا يَلْحَقُ شَأْوَه
في الفضل أَحدٌ لا يكون مِثْلاً لأَبي بكر لأَنه أَسْبَقُ السابقين؛ وفي
النهاية: أَي ليس فيكم أَحدٌ سابقٌ إِلى الخيراتِ تَقَطَّعُ أَعْناقُ
مُسابقِيه حتى لا يَلْحَقَه أَحدٌ مِثْلَ أَبي بكر، رضي الله عنه. يقال للفرَس
الجَوادِ: تَقَطَّعَت أَعناقُ الخيْلِ عليه فلم تَلْحَقْه؛ وأَنشد ابن
الأَعرابي للبَعِيثِ:
طَمِعْتُ بِلَيْلى أَن تَرِيعَ، وإِنَّما
تُقَطِّعُ أَعناقَ الرِّجالِ المَطامِعُ
وبايَعْتُ لَيْلى في الخَلاءِ، ولم يَكُنْ
شُهُودي على لَيْلى عُدُولٌ مَقانِعُ
ومنه حديث أَبي ذر: فإِذا هي يُقَطَّعُ دونَها السَّرابُ أَي تُسْرِعُ
إِسْراعاً كثيراً تقدمت به وفاتت حتى إن السراب يظهر دونها أَي من ورائها
لبعدها في البر.
ومُقَطَّعاتُ الشيء: طرائقُه التي يتحلَّلُ إِليها ويَتَرَكَّبُ عنها
كَمُقَطَّعاتِ الكلامِ، ومُقَطَّعاتُ الشعْرِ ومَقاطِيعُه: ما تَحَلَّل
إِليه وترَكَّبَ عنه من أَجْزائِه التي يسميها عَرُوضِيُّو العرب الأَسْبابَ
والأَوْتادَ.
والقِطاعُ والقَطاعُ: صِرامُ النخْلِ مِثْلُ الصِّرامِ والصَّرامِ.
وقَطَعَ النخلَ يَقْطَعُه قَطْعاً وقِطاعاً وقَطاعاً؛ عن اللحياني: صرَمه.
قال سيبويه: قَطَعْتُه أَوْصَلْتُ إِليه القَطْعَ واستعملته فيه. وأَقْطَعَ
النخلُ إِقْطاعاً إِذا أَصرَمَ وحانَ قِطاعُه. وأَقْطَعْتُه: أَذِنْتُ
له في قِطاعه.
وانْقَطَعَ الشيءُ: ذهَب وقْتُه؛ ومنه قولهم: انْقَطَعَ البَرْدُ
والحرُّ. وانْقَطَع الكلامُ: وَقَفَ فلم يَمْضِ.
وقَطَعَ لسانه: أَسْكَتَه بإِحسانِه إِليه. وانْقَطَعَ لسانه: ذهبت
سَلاطَتُه. وامرأَة قَطِيعُ الكلامِ إِذا لم تكن سَلِيطةً. وفي الحديث لما
أَنشده العباس ابن مِرْداسٍ أَبياته العينية: اقْطَعُوا عني لِسانه أَي
أَعْطُوه وأَرْضُوه حتى يسكت، فكنى باللسانِ عن الكلامِ. ومنه الحديث: أَتاه
رجل فقال: إِني شاعر، فقال: يا بلال، اقْطَعْ لسانه فأَعطاه أَربعين
درهماً. قال الخطابي: يشبه أَن يكون هذا ممن له حق في بيت المال كابن السبيل
وغيره فتعرّض له بالشعر فأَعطاه لحقه أَو لحاجته لا لشعره.
وأَقْطَعَ الرجلُ إِذا انْقَطَعَت حُجَّتُه وبَكَّتُوه بالحق فلم
يُجِبْ، فهو مُقْطِعٌ. وقَطَعَه قَطْعاً أَيضاً: بَكَّتَه، وهو قَطِيعُ القولِ
وأَقْطَعُه، وقد قَطَعَ وقَطِعَ قَطاعةً. واقْطَعَ الشاعِرُ: انْقَطَعَ
شِعْرُه. وأَقْطََعَت الدجاجةُ مثل أَقَفَّت: انْقَطَعَ بيضُها، قال
الفارسيّ: وهذا كما عادلوا بينهما بأَصْفَى. وقُطِعَ به وانْقُطِعَ وأُقْطِعَ
وأَقْطَعَ: ضَعُفَ عن النكاح. وأُقْطِعَ به إِقْطاعاً، فهو مُقْطَعٌ إِذا
لم يُرِدِ النساءَ ولم يَنْهَض عُجارِمُه. وانْقُطِعَ بالرجل والبعيرِ:
كَلاَّ. وقفطِعَ بفلان، فهو مَقْطُوعٌ به، وانْقُطِعَ به، فهو مُنْقَطَعٌ
به إِذا عجز عن سفره من نَفَقَةٍ ذهبت، أَو قامَت عليه راحِلَتُه، أَو
أَتاه أَمر لا يقدر على أَن يتحرك معه، وقيل: هو إِذا كان مسافراً
فأُبْدِعَ به وعَطِبَت راحلته وذَهَبَ زادُه وماله. وقُطِعَ به إِذا انْقَطَعَ
رَجاؤُهُ. وقُطِعَ به قَطْعاً إِذا قُطِعَ به الطريقُ. وفي الحديث:
فَخَشِينا أَن يُقْتَطَعَ دُونَنا أَي يُؤْخَذَ ويُنْفَرَدَ به. وفي الحديث: ولو
شئنا لاقْتَطَعْناهم. وفي الحديث: كان إِذا أَراد أَن يَقْطَعَ بَعْثاً
أَي يُفْرِدَ قوماً يبعثُهم في الغَزْوِ ويُعَيِّنَهُم من غيرهم. ويقال
للغريب بالبلد: أُقْطِعَ عن أَهله إِقْطاعاً، فهو مُقْطَعٌ عنهم ومُنْقَطِعٌ،
وكذلك الذي يُفْرَضُ لنظرائه ويترك هو. وأَقْطَعْتُ الشيء إِذا
انْقَطَعَ عنك يقال: قد أَقْطَعْتُ الغَيْثَ. وعَوْدٌ مُقْطَعٌ إِذا انْقَطَعَ عن
الضِّراب. والمُقْطَعُ، بفتح الطاءِ: البعير إِذا جَفَرَ عن الصواب؛ قال
النمر بن تَوْلَبٍ يصف امرأَته:
قامَت تَباكَى أَن سَبَأْتُ لِفِتْيةٍ
زِقًّا وخابِيَةً بِعَوْدٍ مُقْطَعِ
وقد أُقْطِعَ إِذا جَفَرَ. وناقةٌ قَطُوعٌ: يَنْقَطِعُ لبنها سريعاً.
والقَطْعُ والقَطِيعةُ: الهِجْرانُ ضِدُّ الوصل، والفعل كالفعل والمصدر
كالمصدر، وهو على المثل. ورجل قَطُوعٌ لإِخْوانه ومِقْطاعٌ: لا يثبت على
مُؤاخاةٍ. وتَقَاطَعَ القومُ: تَصارَمُوا. وتَقَاطَعَتْ أَرْحامُهُمْ:
تَحاصَّتْ. وقَطَعَ رَحِمَه قَطْعاً وقَطِيعةً وقَطَّعَها: عَقَّها ولم
يَصِلْها، والاسم القَطِيعةُ. ورجل قُطَعَةٌ وقُطَعٌ ومِقْطَعٌ وقَطَّاعٌ:
يَقْطَعُ رَحِمَه. وفي الحديث: من زَوَّجَ كَرِيمَةً من فاسِقٍ فقد قَطَعَ
رَحمها، وذلك أَن الفاسِقَ يطلقها ثم لا يبالي أَن يضاجعها. وفي حديث
صِلَةِ الرَّحِمِ: هذا مقام العائذ بك من القَطِيعَةِ؛ القَطِيعَةُ:
الهِجْرانُ والصَّدُّ، وهيَ فَعِيلَةٌ من القَطْعِ، ويريد به ترك البر والإِحسان
إِلى الأَهل والأَقارب، وهي ضِدّ صِلَة الرَّحمِ. وقوله تعالى: أَن تفسدوا
في الأَرض وتُقَطِّعُوا أَرحامَكم؛ أَي تعُودوا إِلى أَمر الجاهلية
فتفسدوا في الأَرض وتَئِدُوا البناتِ، وقيل: تقطعوا أَرحامكم تقتل قريش بني هاشم
وبنو هاشم قريشاً. ورَحِمٌ قَطعاءُ بيني وبينك إِذا لم توصل. ويقال:
مَدّ فلان إِلى فلان بِثَدْيٍ غير أَقْطَعَ ومَتَّ، بالتاء، أَي تَوَسَّلَ
إِليه بقرابة قريبة؛ وقال:
دَعاني فلم أُورَأْ بِه، فأَجَبْتُه،
فَمَدّ بِثَدْيٍ بَيْنَنا غَيْرِ أَقْطَعا
والأُقْطوعةُ: ما تبعثه المرأَة إِلى صاحبتها علامة للمُصارَمةِ
والهِجْرانِ، وفي التهذيب: تبعث به الجارية إِلى صاحبها؛ وأَنشد:
وقالَتْ لِجارِيَتَيْها: اذْهَبا
إِليه بأُقْطُوعةٍ إِذْ هَجَرْ
والقُطْعُ: البُهْرُ لقَطْعِه الأَنفاسَ. ورجل قَطِيعٌ: مَبْهُورٌ
بَيّنُ القَطاعةِ، وكذلك الأُنثى بغير هاء. ورجل قَطِيعُ القيام إِذا وصف
بالضعف أَو السِّمَنِ. وامرأَة قَطُوعٌ وقَطِيعٌ: فاتِرةُ القِيامِ. وقد
قَطُعَتِ المرأَةُ إِذا صارت قَطِيعاً. والقُطْعُ والقُطُعُ في الفرس وغيره:
البُهْرُ وانْقِطاعُ بعض عُرُوقِه. وأَصابه قُطْعٌ أَو بُهْر: وهو النفَس
العالي من السمن وغيره. وفي حديث ابن عمر: أَنه أَصابه قُطْعٌ أَو بهر
فكان يُطْبَخُ له الثُّومُ في الحَسا فيأْكله؛ قال الكسائي: القُطْعُ
الدَّبَرُ
(* قوله «القطع الدبر» كذا بالأصل. وقوله «لأبي جندب» بهامش الأصل بخط
السيد مرتضى صوابه:
وإني إذا ما الصبح آنست ضوءه * يعاودني قطع علي ثقيل
والبيت لأبي خراش الهذلي). وأَنشد أَبو عبيد لأَبي جندب الهذلي:
وإِنِّي إِذا ما آنسٌ . . .* مُقْبَلاً،
(* كذا بياض بالأصل ولعله:
وإني إذا ما آنس شمت مقبلاً،)
يُعاوِدُني قُطْعٌ جَواه طَوِيلُ
يقول: إِذا رأَيت إِنساناً ذكرته. وقال ابن الأَثير: القُطْعُ انْقِطاعُ
النَّفَسِ وضيقُه. والقُطْعُ: البُهْرُ يأْخذ الفرس وغيره. يقال: قُطِعَ
الرجلُ، فهو مقطوعٌ، ويقال للفرس إِذا انْقَطَعَ عِرْقٌ في بطنه أَو
شَحْمٌ: مقطوعٌ، وقد قُطِعَ.
واقْتَطَعْتُ من الشيء قِطْعةً، يقال: اقتَطَعْتُ قَطِيعاً من غنم فلان.
والقِطْعةُ من الشيء: الطائفةُ منه. واقْتَطَعَ طائفة من الشيء: أَخذها.
والقَطِيعةُ: ما اقْتَطَعْتَه منه. وأَقْطَعَني إِياها: أَذِنَ لي في
اقْتِطاعِها. واسْتَقْطَعَه إِياها: سأَلَه أَن يُقْطِعَه إِياها.
وأَقْطَعْتُه قَطِيعةً أَي طائفة من أَرض الخراج. وأَقْطَعَه نهراً: أَباحَه له.
وفي حديث أَبْيَضَ بن حَمّالٍ: أَنه اسْتَقْطَعَه المِلْحَ الذي بِمَأْرِبَ
فأَقْطَعَه إِياه؛ قال ابن الأَثير: سأَله أَن يجعله له إِقطاعاً
يتملَّكُه ويسْتَبِدُّ به وينفرد، والإِقطاعُ يكون تمليكاً وغير تمليك. يقال:
اسْتَقْطَعَ فلان الإِمامَ قَطيعةً فأَقْطَعَه إِيّاها إِذا سأَلَه أَن
يُقْطِعَها له ويبنيها مِلْكاً له فأَعطاه إِياها، والقَطائِعُ إِنما تجوز
في عَفْوِ البلاد التي لا ملك لأَحد عليها ولا عِمارةَ فيها لأَحد
فيُقْطِعُ الإِمامُ المُسْتَقْطِعَ منها قَدْرَ ما يتهيَّأْ له عِمارَتُه
بإِجراء الماء إِليه، أَو باستخراج عين منه، أَو بتحجر عليه للبناء فيه. قال
الشافعي: ومن الإِقْطاعِ إِقْطاعُ إِرْفاقِ لا تمليكٍ، كالمُقاعَدةِ
بالأسواق التي هي طُرُقُ المسلمين، فمن قعد في موضع منها كان له بقدر ما
يَصْلُحُ له ما كان مقيماً فيه، فإِذا فارقه لم يكن له منع غيره منه كأَبنية
العرب وفساطِيطِهمْ، فإِذا انْتَجَعُوا لم يَمْلِكُوا بها حيث نزلوا، ومنها
إِقْطاعُ السكنى. وفي الحديث عن أُمّ العلاءِ الأَنصارية قالت: لما قَدِمَ
النبيُّ، صلى الله عليه وسلم، المدينةَ أَقْطَع الناسَ الدُّورَ فطار
سَهْمُ عثمانَ ابن مَظْعُونٍ علَيّ؛ ومعناه أَنزلهم في دُورِ الأَنصارِ
يسكنونها معهم ثم يتحوّلون عنها؛ ومنه الحديث: أَنه أَقْطَعَ الزبير نخلاً،
يشبه أَنه إِنما أَعطاه ذلك من الخُمُسِ الذي هو سَهْمُه لأَنَّ النخل
مالٌ ظاهِرُ العين حاضِرُ النفْعِ فلا يجوز إِقْطاعُه، وكان بعضهم يتأَوّل
إِقْطاعَ النبيِّ، صلى الله عليه وسلم، المهاجرين الدُّورَ على معنى
العارِيّةِ، وأَما إِقْطاعُ المَواتِ فهو تمليك. وفي الحديث في اليمين: أَو
يَقْتَطِعَ بها مالَ امرئٍ مُسْلِمٍ أَي يأْخذه لنفسه متملكاً، وهو
يَفْتَعِلُ من القَطْعِ. ورجل مُقْطَعٌ: لا دِيوانَ له. وفي الحديث: كانوا أَهلَ
دِيوانٍ أَو مُقْطَعِينَ، بفتح الطاء، ويروى مُقْتَطِعينَ لأَن الجند لا
يَخْلُونَ من هذين الوجهين.
وقَطَعَ الرجلُ بحبل يَقْطَعُ قَطْعاً: اخْتَنَقَ به. وفي التنزيل:
فَلْيَمْدُدْ بسبب إِلى السماء ثم ليَقْطَعْ فلينظر؛ قالوا: لِيَقْطَعْ أَي
لِيَخْتَنِقْ لأَن المُخْتَنِقَ يَمُدّ السبب إِلى السقف ثم يَقْطَعُ نفسَه
من الأَرض حتى يختنق، قال الأَزهري: وهذا يحتاج إِلى شرح يزيد في إِيضاحه،
والمعنى، والله أَعلم، من كان يظن أَن لن ينصر الله محمداً حتى يظهره على
الدين كله فليمت غيظاً، وهو تفسير قوله فليمدد بسَبَبٍ إِلى السماء،
والسببُ الحبل يشدّه المختنق إِلى سَقْفِ بيته، وسماءُ كل شيء سقفه، ثم ليقطع
أَي ليمد الحبل مشدُوداً في عنقه مدّاً شديداً يُوَتِّرُه حتى ينقطع فيموت
مختنقاً؛ وقال الفراء: أَراد ليجعل في سماء بيته حبلاً ثم ليختنق به، فذلك
قوله ثم ليقطع اختناقاً. وفي قراءة عبد الله: ثم ليقطعه، يعني السبب وهو
الحبل، وقيل: معناه ليمد الحبل المشدود في عنقه حتى ينقطعَ نفَسُه
فيموتَ.وثوبٌ يَقْطَعُكَ ويُقْطِعُكَ ويُقَطِّعُ لك تَقْطِيعاً: يَصْلُح عليك
قميصاً ونحوَه. وقال الأَزهري: إِذا صلح أَن يُقْطَعَ قميصاً، قال
الأَصمعي: لا أَعرف هذا ثوب يَقْطَعُ ولا يُقَطِّعُ ولا يُقَطِّعُني ولا
يَقْطَعُني، هذا كله من كلام المولّدين؛ قال أَبو حاتم: وقد حكاه أَبو عبيدة عن
العرب.
والقُطْعُ: وجَعٌ في البطن ومَغَسٌ. والتقطِيعُ مَغَسٌ يجده الإِنسان في
بطنه وأَمْعائِه. يقال: قُطِّعَ فلان في بطنه تَقْطِيعاً.
والقَطِيعُ: الطائفة من الغنم والنعم ونحوه، والغالب عليه أَنه من عشر
إِلى أَربعين، وقيل: ما بين خمس عشرة إِلى خمس وعشرين، والجمع أَقْطاعٌ
وأَقْطِعةٌ وقُطْعانٌ وقِطاعٌ وأَقاطِيعُ؛قال سيبويه: وهو مما جمع على غير
بناء واحده، ونظيره عندهم حديثٌ وأَحاديثُ. والقِطْعةُ: كالقَطِيع.
والقَطِيعُ: السوط يُقْطَعُ من جلد سير ويعمل منه، وقيل: هو مشتق من القَطِيعِ
الذي هو المَقْطُوعُ من الشجر، وقيل: هو المُنْقَطِعُ الطرَف، وعَمَّ أَبو
عبيد بالقَطِيعِ، وحكى الفارسي: قَطَعْتُه بالقَطِيع أَي ضربته به كما
قالوا سُطْتُه بالسوط؛ قال الأَعشى:
تَرى عَينَها صَغْواءَ في جَنْبِ مُوقِها،
تُراقِبُ كَفِّي والقَطِيعَ المُحَرَّما
قال ابن بري: السوط المُحَرَّمُ الذي لم يُليَّن بَعْد. الليث:
القَطِيعُ السوط المُنْقَطِعُ. قال الأَزهري: سمي السوط قَطِيعاً لأَنهم يأْخذون
القِدّ المُحَرَّمَ فيَقْطَعونه أَربعة سُيُور، ثم يَفْتِلونه ويَلْوُونه
ويتركونه حتى يَيْبَسَ فيقومَ قِياماً كأَنه عَصاً، سمي قَطِيعاً لأَنه
يُقْطَعُ أَربع طاقات ثم يُلْوى.
والقُطَّعُ والقُطَّاعُ: اللُّصوص يَقْطَعون الأَرض. وقُطَّاعُ الطريق:
الذين يُعارِضون أَبناءَ السبيل فيَقْطَعون بهم السبيلَ.
ورجل مُقَطَّعٌ: مُجَرَّبٌ. وإِنه لحسَنُ التقْطِيع أَي القَدِّ. وشيء
حسن التقْطِيعِ إِذا كان حسن القَدِّ. ويقال: فلان قَطِيعُ فلان أَي
شَبيهُه في قَدِّه وخَلْقِه، وجمعه أَقْطِعاءُ.
ومَقْطَعُ الحقِّ: ما يُقْطَعُ به الباطل، وهو أَيضاً موضع التِقاءِ
الحُكْمِ، وقيل: هو حيث يُفْصَلُ بين الخُصومِ بنص الحكم؛ قال زهير:
وإِنَّ الحَقَّ مَقْطَعُه ثَلاثٌ:
يَمِينٌ أَو نِفارٌ أَو جَلاءُ
ويقال: الصوْمُ مَقْطَعةٌ للنكاح.
والقِطْعُ والقِطْعةُ والقَطِيعُ والقِطَعُ والقِطاعُ: طائفة من الليل
تكون من أَوّله إِلى ثلثه، وقيل للفزاريِّ: ما القِطْعُ من الليل؟ فقال:
حُزْمةٌ تَهُورُها أَي قِطْعةٌ تَحْزُرُها ولا تَدْرِي كمْ هِيَ.
والقِطْعُ: ظلمة آخر الليل؛ ومنه قوله تعالى: فأَسْرِ بأَهلك بقِطْعٍ من الليل؛
قال الأَخفش: بسواد من الليل؛ قال الشاعر:
افْتَحي الباب، فانْظُري في النُّجومِ،
كَمْ عَلَيْنا مِنْ قِطْعِ لَيْلٍ بَهِيمِ
وفي التنزيل: قِطَعاً من الليل مظلماً، وقرئ: قِطْعاً، والقِطْعُ: اسم
ما قُطِعَ. يقال: قَطَعْتُ الشيءَ قَطْعاً، واسم ما قُطِعَ فسقط قِطْعٌ.
قال ثعلب: من قرأَ قِطْعاً، جعل المظلم من نعته، ومن قرأَ قِطَعاً جعل
المظلم قِطَعاً من الليل، وهو الذي يقول له البصريون الحال. وفي الحديث:
إِنَّ بين يَدَيِ الساعة فِتَناً كقِطْعِ الليل المُظْلِمِ؛ قِطْعُ الليلِ
طلئفةٌ منه وقِطْعةٌ، وجمع القِطْعةِ قِطَعٌ، أَراد فتنة مظلمة سوْداءَ
تعظيماً لشأْنها.
والمُقَطَّعاتُ من الثيابِ: شِبْه الجِبابِ ونحوها من الخَزِّ وغيره. وفي
التنزيل: قُطِّعَتْ لهم ثيابٌ من نار؛ أَي خِيطَتْ وسُوِّيَتْ وجُعِلَتْ
لبَوساً لهم. وفي حديث ابن عباس في صفة نخل الجنة قال: نخل الجنة سَعَفُها
كِسْوةٌ لأَهل الجنة منها مُقَطَّعاتُهم وحُلَلُهم؛ قال ابن الأَثير: لم
يكن يَصِفُها بالقِصَر لأَنه عيب. وقال ابن الأَعرابي: لا يقال للثياب
القِصار مُقَطَّعاتٌ، قال شمر: ومما يقوِّي قوله حديث ابن عباس في وصف
سَعَفِ الجنة لأَنه لا يصف ثياب أَهل الجنة بالقَصَرِ لأَنه عيب، وقيل:
المقطَّعات لا واحد لها فلا يقال لجملة للجُبّةِ القصيرة مُقَطَّعةٌ، ولا
للقَمِيصِ مُقَطَّعٌ، وإِنما يقال الثياب القصار مُقَطَّعات، وللواحد ثوب. وفي
الحديث: أَن رجلاً أَتى النبي، صلى الله عليه وسلم، وعليه مُقَطَّعاتٌ
له؛ قال ابن الأَثير: أَي ثياب قصار لأَنها قُطِعَتْ عن بلوغ التمام،
وقيل: المُقَطَّع من الثياب كلُّ ما يُفَصَّلُ ويُخاطُ من قميصٍ وجِبابٍ
وسَراوِيلاتٍ وغيرها، وما لا يقطع منها كالأَردية والأُزُر والمَطارِفِ
والرِّياطِ التي لم تقطع، وإِنما يُتَعَطَّفُ بها مرَّة ويُتَلَفَّعُ بها
أُخرى؛ وأَنشد شمر لرؤبة يصف ثوراً وحشيّاً:
كأَنَّ نِصْعاً فَوْقَه مُقَطَّعا،
مُخالِطَ التَّقْلِيصِ، إِذْ تَدَرَّعا
(* وقوله« كأن إلخ» سيأتي في نصع: تخال بدل كأن.)
قال ابن الأَعرابي: يقول كأَنَّ عليه نِصْعاً مُقَلَّصاً عنه، يقول:
تخال أَنه أُلْبِسَ ثوباً أَبيض مقلصاً عنه لم يبلغ كُراعَه لأَنها سُود لست
على لونه؛ وقول الراعي:
فَقُودُوا الجِيادَ المُسْنِفاتِ، وأَحْقِبوا
على الأَرْحَبِيّاتِ الحَديدَ المُقَطَّعا
يعني الدروع. والحديدُ المُقَطَّعُ: هو المتخذ سلاحاً. يقال: قطعنا
الحديد أَي صنعناه دُروعاً وغيره من السِّلاح. وقال أَبو عمرو: مُقَطَّعاتُ
الثياب والشِّعرْ قِصارُها. والمقطَّعات: الثياب القصار، والأَبياتُ
القِصارُ، وكل قصيرٍ مُقَطَّعٌ ومُتَقَطِّعٌ؛ ومنه حديث ابن عباس:وقتُ صلاةِ
الضُّحى إِذا تقَطَّعتِ الظِّلالُ، يعين قَصُرَتْ لأَنها تكون ممتدة في
أَول النهار، فكلما ارتفعت الشمسُ تَقَطَّعَتِ الظِّلالُ وقصرت، وسميت
الأَراجيز مُقَطِّعاتِ لقصرها، ويروى أَن جرير بن الخَطَفى كان بينه وبين رؤبة
اختلاف في شيء فقال: أَما والله لئن سَهِرْتُ له ليلة لأَدَعَنَّه
وقلَّما تغني عنه مقطَّعاته، يعني أَبيات الرجز. ويقال للرجُل القصير: إِنه
لَمُقَطَّعٌ مُجَذَّرٌ.
والمِقْطَعُ: مثالٌ يُقْطَعُ عليه الأَديم والثوب وغيره. والقاطِعُ:
كالمِقْطَعِ اسم كالكاهل والغارِبِ. وقال أَبو الهيثم: إِنما هو القِطاعُ لا
القاطِعُ، قال: وهو مثل لِحافٍ ومِلْحَفٍ وقِرامٍ ومِقْرَمٍ وسِرادٍ
ومِسْرَدٍ.
والقِطْعُ: ضرب من الثياب المُوَشَّاةِ، والجمع قُطوعٌ. والمُقَطَّعاتُ:
بُرود عليها وشْيٌ مُقَطَّعٌ. والقِطْعُ: النُّمْرُقةُ أَيضاً.
والقِطْعُ: الطِّنْفِسةُ تكون تحت الرَّحْلِ على كَتِفَيِ البعير، والجمع كالجمع؛
قال الأَعشى:
أَتَتْكَ العِيسُ تَنْفَحُ في بُراها،
تَكَشَّفُ عن مَناكِبها القُطوعُ
قال ابن بري: الشعر لعبد الرحمن بن الحكم بن أَبي العاص يمدح معاوية
ويقال لِزيادٍ الأَعْجَمِ؛ وبعده:
بأَبيَضَ مِنْ أُمَيَّةَ مَضْرَحِيٍّ،
كأَنَّ جَبِينَه سَيْفٌ صَنِيعُ
وفي حديث ابن الزبير والجِنِّيِّ: فجاء وهو على القِطع فنَفَضَه،
وفُسِّرَ القِطْعُ بالطِّنْفِسةِ تحت الرَّحْلِ على كتفي البعير.
وقاطَعَه على كذا وكذا من الأَجْرِ والعَمَلِ ونحوه مُقاطعةً.
قال الليث: ومُقَطَّعةُ الشعَر هناتٌ صِغار مثل شعَرِ الأَرانِبِ؛ قال
الأَزهري: هذا ليس بشيء وأُراه إِنما أَراد ما يقال للأَرْنَبِ السريعة؛
ويقال للأَرنب السريعة: مُقَطِّعةُ الأَسْحارِ ومقطِّعةُ النِّياطِ
ومقطِّعةُ السحورِ كأَنها تَقْطَعُ عِرْقاً في بطن طالبها من شدّةِ العَدْوِ،
أَو رِئاتِ من يَعْدُو على أَثرها ليصيدها، وهذا كقولهم فيها مُحَشِّئةُ
الكِلاب، ومن قال النِّياطُ بُعْدُ المَفازةِ فهي تَقْطَعُه أَيضاً أَي
تُجاوِزُه؛ قال يصف الأَرنب:
كأَنِّي، إِذْ مَنَنْتُ عليكَ خَيْري،
مَنَنْتُ على مُقَطِّعةِ النِّياطِ
وقال الشاعر:
مَرَطى مُقَطِّمةٍ سُحُورَ بُغاتِها
مِنْ سُوسِها التَّوْتِيرُ، مهما تُطْلَبِ
ويقال لها أَيضاً: مُقَطِّعةُ القلوب؛ أَنشد ابن الأَعرابي:
كأَنِّي، إِذْ مَنَنْتُ عليكَ فَضْلي،
مَنَنْتُ على مُقَطِّعةِ القُلُوبِ
أُرَيْنِبِ خُلّةٍ، باتَتْ تَغَشَّى
أَبارِقَ، كلُّها وَخِمٌ جَدِيب
ويقال: هذا فرس يُقَطِّعُ الجَرْيَ أَي يجري ضُرُوباً من الجَرْيِ
لِمَرحِه ونشاطِه. وقَطَّعَ الجَوادُ الخيلَ تَقْطِيعاً: خَلَّفَها ومضى؛ قال
أَبو الخَشْناءِ، ونسبه الأَزهري إِلى الجعدي:
يُقَطِّعُهُنَّ بِتَقْرِيبه،
ويَأْوي إِلى حُضُرٍ مُلْهِبِ
ويقال: جاءت الخيل مُقْطَوْطِعاتٍ أَي سِراعاً بعضها في إِثر بعض. وفلان
مُنْقَطِعُ القَرِينِ في الكرم والسّخاء إِذا لم يكن له مِثْلٌ، وكذلك
مُنْقَطِعُ العِقالِ في الشرّ والخُبْثِ؛ قال الشماخ:
رأَيْتُ عَرابَةَ الأَوْسِيَّ يَسْمُو
إِلى الخَيْراتِ، مُنْقَطِعَ القَرِينِ
أَبو عبيدة في الشِّياتِ: ومن الغُرَرِ المُتَقَطِّعةُ وهي التي
ارْتَفَعَ بياضُها من المَنْخَرَيْنِ حتى تبلغ الغُرَّةُ عينيه دون جَبْهته. وقال
غيره: المُقَطَّعُ من الحَلْي هو الشيء اليسيرُ منه القليلُ،
والمُقَطَّعُ من الذَّهَبِ اليسِيرِ كالحَلْقةِ والقُرْطِ والشَّنْفِ والشَّذْرةِ
وما أَشبهها؛ ومنه الحديث: أَنه نَهى عن لُبْسِ الذهب إِلا مُقَطَّعاً؛
أَراد الشيء اليسير وكره الكثير الذي هو عادة أَهل السَّرَفِ والخُيَلاء
والكِبْر، واليسيرُ هو ما لا تجب فيه الزكاة؛ قال ابن الأَثير: ويشبه أَن
يكون إِنما كره استعمال الكثير منه لأَن صاحبه ربما بَخِلَ بإِخراج زكاته
فيأْثم بذلك عند منْ أَوْجَب فيه الزكاةَ. وقَطَّعَ عليه العذابَ:
لوَّنَه وجَزَّأَه ولَوَّنَ عليه ضُرُوباً من العذاب. والمُقَطَّعاتُ:
الدِّيارُ. والقَطِيعُ: شبيه بالنظير. وأَرض قَطِيعةٌ: لا يُدْرى أَخُضْرَتُها
أَكثر أَم بياضُها الذي لا نبات به، وقيل: التي بها نِقاطٌ من الكَلإِ.
والقُطْعةُ: قِطْعةٌ من الأَرض إِذا كانت مَفْروزةً، وحكي عن أَعرابي
أَنه قال: ورثت من أَبي قُطْعةً. قال ابن السكيت: ما كان من شيء قُطِعَ من
شيء، فإِن كان المقطوعُ قد يَبْقى منه الشيء ويُقْطَعُ قلت: أَعطِني
قِطْعةً، ومثله الخِرْقةُ، وإِذا أَردت أَن تجمع الشيء بأَسره حتى تسمي به
قلت: أَعْطِني قُطْعةً، وأَما المرة من الفِعْل فبالفتح قَطَعْتُ قَطْعةً،
وقال الفراء: سمعت بعض العرب يقول غَلَبَني فلان على قُطْعةٍ من الأَرض،
يريد أَرضاً مَفْروزةً مثل القِطْعةِ، فإِن أَردت بها قِطْعةً من شيء
قُطِعَ منه قلت قِطْعةٍ. وكل شيء يُقْطَعُ منه، فهو مَقْطَع. والمَقْطَعُ:
موضع القَطْعِ. والمَقْطعُ: مصدر كالقَطْعِ. وقَطَّعْتُ الخمر بالماء إِذا
مَزَجْتَه، وقد تَقَطَّعَ فيه الماءُ؛ وقال ذو الرمة:
يُقَطِّعُ مَوْضُوعَ الحَدِيثِ ابْتِسامُها،
تَقَطُّعَ ماءِ المُزْنِ في نُزَفِ الخَمْر
موضوعُ الحديثِ: مَحْفُوظُه وهو أَن تخْلِطَه بالابْتِسام كما يُخْلَطُ
الماءُ بالخَمْرِ إِذا مُزِجَ. وأَقْقَعَ القومُ
(* قوله« القوم» بهامش
الأصل صوابه: القرم.) إِذا انْقَطَعَتْ مِياهُ السماء فرجَعوا إِلى أَعدادِ
المياهِ؛ قال أَبو وَجْزةَ:
تَزُورُ بيَ القومَ الحَوارِيّ، إِنهم
مَناهلُ أَعدادٌ، إِذا الناسُ أَقْطَعوا
وفي الحديث: كانت يهودُ قوماً لهم ثِمارٌ لا تُصِيبها قُطْعةٌ أَي عَطَشٌ
بانْقِطاعِ الماءِ عنها. ويقال: أَصابت الناسَ قُطْعةٌ أَي ذَهَبَتْ
مِياهُ رَكاياهُم. ويقال للقوم إِذا جَفَّتْ مِياهُهم قُطْعةٌ مُنْكَرةٌ.
وقد قَطَعَ ماءُ قَلِيبِكُم إِذا ذهَب أَو قلّ ماؤه. وقَطَعَ الماءُ
قُطُوعاً وأَقْطَعَ؛ عن ابن الأَعرابي: قلَّ وذهب فانْقَطَعَ، والاسم
القُطْعةُ. يقال: أَصابَ الناسَ قُطْعٌ وقُطْعةٌ إِذا انْقَطَعَ ماءُ بئرهم في
القيظ. وبئر مِقْطاعٌ: يَنْقَطِعُ ماؤها سريعاً. ويقال: قَطَعْتُ الحوْضَ
قَطْعاً إِذا مَلأْتَه إِلى نصْفِه أَو ثُلثه ثم قَطَعْتُ الماء؛ ومنه قول
ابن مقبل يذكر الإِبل:
قَطَعْنا لَهُنَّ الحوْضَ فابْتَلَّ شَطْرُه
بِشِرْبٍ غشاشٍ، وهْوَ ظَمْآنُ سائِرُهْ
أَي باقِيه. وأَقْطَعَت السماء بموضع كذا إِذا انْقَطعَ المطر هناك
وأَقْلَعَتْ. يقال: مَطَرَتِ السماءُ ببلد كذا وأَقْطَعَتْ ببلد كذا.
وقَطَعَتِ الطَّيْرُ قَطاعاً وقِطاعاً وقُطوعاً واقْطوطعَت: انْحَدَرَت من بلاد
البرد إِلى بلاد الحر. والطير تَقْطَعُ قُطُوعاً إِذا جاءت من بلد إِلى بلد
في وقت حر أَو برد،وهي قَواطِعُ. ابن السكيت: كان ذلك عند قَطاعِ الطير
وقَطاعِ الماءِ، وبعضهم يقول قُطُوعِ الطير وقُطوعِ الماء، وقَطاعُ الطير:
أَن يجيء من بلد إِلى بلد، وقَطاعُ الماء: أَن َينْقَطِعَ. أَبو زيد:
قطَعَتِ الغِرْبانُ إِلينا في الشتاء قُطُوعاً ورجعت في الصيف رُجُوعاً،
والطير التي تقيم ببلد شِتاءَها وصَيْفها هي الأَوابدُ، ويقال: جاءَت الطير
مُقْطَوْطِعاتٍ وقَواطِعَ بمعنى واحد. والقُطَيْعاءُ، ممدود مثال
الغُبَيْراءِ: التمر الشِّهْرِيزُ، وقال كراع: هو صِنْفٌ من التمر فلم يُحَلِّه؛
قال:
باتُوا يُعَشُّونَ القُطَيْعاءَ جارَهُمْ،
وعِنْدَهُمُ البَرْنيُّ في جُلَلٍ دُسْمِ
وفي حديث وفد عبد القيس: تَقْذِفُونَ فيه من القُطَيْعاءِ، قال: هو نوع
من التمر، وقيل: هو البُسْرُ قبل أَن يُدْرِكَ. ويقال: لأَقْطَعَنَّ
عُنُقَ دابتي أَي لأَبيعنها؛ وأَنشد لأَعرابي تزوج امرأَة وساق إِليها
مَهْرَها إِبلاً:
أَقُولُ، والعَيْساءُ تَمْشي والفُصُلْ
في جِلّةٍ منها عَرامِيسٌ عُطُلْ:
قَطَّعَتِ الأَحْراجُ أَعناقَ الإِبلْ
ابن الأَعرابي: الأَقْطَعُ الأَصم؛ قال وأَنشدني أَبو المكارم:
إِنَّ الأُحَيْمِرَ، حين أَرْجُو رِفْدَه
عُمُراً، لأَقْطَعُ سَيِّءُ الإِصْرانِ
قال: الإِصْرانُ جمع إِصْرٍ وهو الخِنَّابةُ، وهو شَمُّ الأَنْفِ.
والخِنَّابَتانِ: مَجْرَيا النفَسِ من المَنْخَرَيْنِ. والقُطْعَةُ في طَيِّءٍ
كالعَنْعَنة في تَميمٍ، وهو أَن يقول: يا أَبا الحَكا، يريد يا أَبا
الحَكَمِ، فيَقْطَعُ كلامه. ولبن قاطِعٌ أَي حامِضٌ.
وبنو قُطَيْعةَ: قبيلة حيٌّ من العرب، والنسبة إِليهم قُطَعِيٌّ. وبنو
قُطْعةَ: بطن أَيضاً. قال الأَزهري: في آخر هذه الترجمة: كلّ ما مر في هذا
الباب من هذه الأَلفاظ فالأَصل واحد والمعاني مُتَقارِبةٌ وإِن اختلفت
الأَلفاظ، وكلام العرب يأْخذ بعضه برقاب بعض، وهذا دليل على أَنه أَوسع
الأَلسنة.
بذر: البَذْرُ والبُذْرُ: أَولُ ما يخرج من الزرع والبقل والنبات لا
يزال ذلك اسمَهُ ما دام على ورَقَتَيَنِ، وقيل: هو ما عُزِلَ من الحبوب
للزَّرْعِ والزِّراعَةِ، وقيل: البَذْرُ جميع النبات إِذا طلع من الأَرض
فَنَجَمَ، وقيل: هو أَن يَتَلَوَّنَ بلَوْنٍ أَو تعرف وجوهه، والجمع بُذُورٌ
وبِذارٌ. والبَذْرُ: مصدر بَذَرْتُ، وهو على معنى قولك نَثَرْتُ
الحَبَّ.وبَذَرْتُ البَذْرَ: زَرَعْتَه. وبَذَرَتِ الأَرضُ تَبْذُرُ بَذْراً:
خرج بَذْرُها؛ وقال الأَصمعي: هو أَن يظهر نبتها متفرّقاً. وبَذَرَها
بَذْراً وبَذَّرَها، كلاهما، زرعها. والبَذْرُ والبُذارَةُ: النَّسْلُ. ويقال:
إِن هؤلاء لَبَذْرُ سَوْءٍ. وبَذَرَ الشيءَ بَذْراً: فرَّقه. وبَذَرَ
الله الخلق بَذْراً: بَثَّهُمْ وفرّقهم.
وتفرّق القومُ شَذَرَ بَذَرَ وشِذَرَ بِذَرَ أَي في كل وَجهٍ، وتفرّقت
إِبله كذلك؛ وبَذَرَ: إِتْباعٌ. وبُذُرَّى، فُعُلَّى: من ذلك، وقيل: من
البَذْرِ الذي هو الزرع، وهو راجع إِلى التفريق. والبُذُرَّى: الباطلُ؛ عن
السيرافي.
وبَذَّرَ مالهُ: أَفسده وأَنفقه في السَّرَفِ. وكُلُّ ما فرقته
وأَفسدته، فقد بَذَّرْتَهُ. وفيه بَذارَّةٌ، مشدّدة الراء، وبَذارَةٌ، مخففة
الراء، أَي تَبْذِيرٌ؛ كلاهما عن اللحياني. وتَبْذيرُ المال: تفريقه
إِسرافاً. ورجلٌ تِبْذارَةٌ: للذي يُبَذِّرُ مالَه ويفسده. والتَّبْذِيرُ:
إِفسادُ المال وإِنفاقه في السَّرَفِ. قال الله عز وجل: ولا تُبَذِّرْ
تَبْذيراً. وقيل: التبذير أَن ينفق المال في المعاصي، وقيل: هو أَن يبسط يده في
إِنفاقه حتى لا يبقى منه ما يقتاته، واعتباره بقوله تعالى: ولا تَبسُطْها
كُلَّ البَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحسوراً.
أَبو عمرو: البَيْذَرَةُ التبذير. والنَّبْذَرَةُ، بالنون والباء:
تفريقُ المال في غير حقه. وفي حديث وقف عمر، رضي الله عنه: وَلِوَلِيِّه أَن
يأْكلَ منه غَيْرَ مُباذِرٍ؛ المُباذِرُ والمُبَذِّرُ: المُسْرِفُ في
النفقة؛ باذرَ وبَذَّرَ مُباذَرَةً وتَبْذِيراً؛ وقول المتنخل يصف
سحاباً:مُسْتَبْذِراً يَرْغَبُ قُدَّامَهُ،
يَرْمِي بِعُمِّ السُّمُرِ الأَطْولِ
فسره السكري فقال: مستبذر يفرِّق الماء.
والبَذيرُ من الناس: الذي لا يستطيع أَن يُمْسِكَ سِرَّهُ. ورجلٌ
بَيْذارَةٌ: يُبَذِّرُ ماله. وبَذُورٌ وبَذِيرٌ: يُذيعُ الأَسرارَ ولا يكتم
سرّاً، والجمع بُذُرٌ مثل صبور وصُبُرٍ. وفي حديث فاطمة عند وفاة النبي، صلى
الله عليه وسلم، قالت لعائشة: إِني إِذاً لَبَذِرَةٌ؛ البَذِرُ: الذي
يفشي السر ويظهر ما يسمعه، وقد بَذُرَ بَذارَةً. وفي الحديث: ليسوا
بالمَسابيح البُذُرِ. وفي حديث علي، كرم الله وجهه، في صفة الأَولياء: ليسوا
بالمَذاييع البُذْرِ؛ جمع بَذُورٍ. يقال: بَذَرْتُ الكلام بين الناس كما
تُبْذَرُ الحبُوبُ أَي أَفشيته وفرّقته.
وبُذارَةُ الطعام: نَزَلُه ورَيْعُه؛ عن اللحياني. ويقال: طعام كثير
البُذارَة أَي كثيرُ النَّزَل. وهو طعام بَذَرٌ أَي نَزَلٌ؛ قال:
ومِنَ العَطِيَّةِ ما تُرى
جَذْماءَ، لَيْس لها بُذارَهْ
الأَصمعي: تَبَذَّر الماءُ إِذا تغير واصْفَرَّ؛ وأَنشد لابن مقبل:
قُلْباً مُبَلِّيَةً جَوائِزَ عَرْشِها،
تَنْفي الدِّلاءَ بآجنٍ مُتَبَذِّرِ
قال: المتبذر المتغير الأَصفر. ولو بَذَّرْتَ فلاناً لوجدته رجلاً أَي
لو جربته؛ هذه عن أَبي حنيفة.
وكَثِيرٌ بَثِيرٌ وبَذِيرٌ: إِتْباعٌ؛ قال الفراء: كَثيرٌ بَذِيرٌ مثلُ
بَثِير لغة أَو لُغَيَّة.
ورجل هُذَرَةٌ بُذَرَةٌ وهَيْذارَةٌ بَيْذارَةٌ: كثيرُ الكلام.
وبَذَّرُ: موضعٌ، وقيل: ماء معروف؛ قال كثير عزة:
سَقى اللهُ أَمْواهاً عَرَفْتُ مَكانَها:
جُراباً وَمَلْكوماً وبَذَّرَ والْغَمْرا
وهذه كلها آبار بمكة؛ قال ابن بري: هذه كلها أَسماء مياه بدليل إِبدالها
من قوله أَمواهاً، ودعا بالسقيا للأَمواه، وهو يريد أَهلها النازلين بها
اتساعاً ومجازاً. ولم يجئ من الأَسماء على فَعَّلَ إِلاَّ بَذَّرُ،
وعَثَّرُ اسمُ موضع، وخَضَّمُ اسم العَنْبَرِ بن تَمِيم، وشَلَّمُ اسمُ بنت
المقدس، وهو عبراني، وبَقَّمُ وهو اسم أَعجمي، وهي شجرة، وكَتَّمُ اسم
موضع أَيضاً؛ قال الأَزهري: ومثلُ بَذَّر خَضَّمُ وعَثَّرُ وبَقَّمُ شجرة،
قال: ولا مثل لها في كلامهم.
هرج: الهَرْجُ: الاختلاط؛ هَرَجَ الناس يَهْرِجُون، بالكسر، هَرْجاً من
الاختلاط أَي اختلطوا. وأَصل الهَرْج: الكثرة في المشي والاتساعُ.
والهَرْجُ: الــفتنة في آخر الزمان. والهَرْجُ: شدَّة القتل وكثرته؛ وفي الحديث:
بين يدي الساعة هَرْج أَي قتال واختلاط؛ وروي عن عبد الله بن قيس
الأَشعري أَنه قال لعبدالله بن مسعود: أَتعلم الايام التي ذَكَرَ رسولُ الله،
صلى الله عليه وسلم، فيها الهَرْجَ؟ قال: نعم، تكون بين يدي الساعة، يرفع
العلم وينزل الجهل ويكون الهَرْجُ، قال أَبو موسى: الهَرْجُ بلسان الحبشة
القتل. وفي حديث أَشراط الساعة: يكون كذا وكذا ويكثُر الهَرْجُ، قيل: وما
الهَرْجُ يا رسول الله؟ قال: القتل؛ وقال ابنُ قَيْس الرُّقَيَّاتِ
أَيامَ فتنة ابن الزبير:
ليتَ شِعْري أَأَوّلُ الهَرْجِ هذا،
أَم زمانٌ من فتنةٍ غيرِ هَرْجِ؟
يعني أَأَوّل الهرج المذكور في الحديث هذا، أَم زمان من فتنة سوى ذلك
الهرج؟ الليث: الهَرْج القتال والاختلاط، وأَصلُ الهَرْج الكثرةُ في الشيء؛
ومنه قولهم في الجماع: بات يَهْرِجُها ليلتَه جَمْعاء. والهَرْجُ: كثرة
النكاح. وقد هَرَجَها يَهْرُجُها ويَهْرِجها هَرْجاً إِذا نكحها. وفي
حديث صفة أَهل الجنة: إِنما هم هَرْجاً مَرْجاً؛ الهَرْجُ: كثرة النكاح.
ومنه حديث أَبي الدرداء: يَتهارَجُون تهارُجَ البهائم أَي يتسافدون؛ قال
ابن الأَثير: هكذا خَرَّجه أَبو موسى وشَرَحَه وأَخرجه الزمخشري عن ابن
مسعود، وقال: أَي يَتَساوَرُونَ. والتَّهارُج: التناكح والتسافُدُ.
والهَرْجُ: كثرة الكذب وكثرة النوم. وهَرَج القومُ يَهْرِجُون في الحديث إِذا
أَفْضَوا به فأَكثروا. وهَرَج النومَ يَهْرِجُه: أَكثره؛ قال:
وحَوْقَلٍ سِرْنا به وناما،
فما دَرى إِذ يَهْرِجُ الأَحْلاما،
أَيَمَناً سِرْنا به ام شَاما؟
والهَرْج: شيء تراه في النوم وليس بصادق.
وهَرَجَ يَهْرِجُ هَرْجاً: لم يوقن بالأَمر. وهَرِجَ الرجلُ: أَخذه
البُهْرُ من حَرٍّ أَو مَشْي. وهَرِجَ البعير، بالكسر، يَهْرَجُ هَرَجاً:
سَدِرَ من شدّة الحر وكثرة الطلاءِ بالقَطِرانِ وثِقَلِ الحِمْل؛ قال العجاج
يصف الحمار والأَتان:
ورَهِبَا من حَنْذِه أَن يَهْرَجا
وفي حديث ابن عمر: لأَكونَنَّ فيها مثلَ الجَمَل الرَّداح يُحْمَلُ عليه
الحِمْلُ الثقيلُ فَيَهْرَجُ فَيَبْرُك، ولا يَنْبَعِثُ حتى يُنْحَر أَي
يتحير ويَسْدَرُ.
وقد أَهْرَجَ بعيرُه إِذا وصل الحرّ إِلى جوفه. ورجل مُهْرِجٌ إِذا
أَصاب إِبلَه الجرَبُ، فطليت بالقطران فوصل الحرُّ إِلى جوفها؛ وأَنشد:
على نار جِنٍّ يَصْطَلُونَ كأَنها
طلاها* بالغيبة مُهْرِجُ
(*كذا بياض بالأصل.)
قال الأَزهري: رأَيت بعيراً أَجرب هُنِئَ بالخضْخاضِ فَهَرَجَ ومات.
الأَصمعي: يقال هَرَّجَ بعيرَه إِذا حمل عليه في السير في الهاجرة.
وهَرَّجَ بالسبع: صاح به وزجره؛ قال رؤْبة:
هَرَّجْتُ فارْتَدَّ ارْتِدادَ الأَكْمَهِ،
في غائلاتِ الحائِر المُتَهْتِهِ
قال شمر: المُتَهْتِهُ الذي تَهْتَهَ في الباطل أَي تَرَدَّد فيه.
ويقال للفَرَس: مَرَّ يَهْرِجُ وإِنه لَمِهْرَجٌ وهَرَّاج إِذا كان كثير
الجري.
وفي حديث عمر: فذلك حين استَهْرَجَ له الرأْيُ أَي قَوِيَ واتسع.
وهَرَجَ الفرسُ يَهْرِجُ هَرْجاً، وهو مِهْراجٌ، وهو مِهْرَجٌ وهَرَّاجٌ
إِذا اشتدّ عَدْوُه؛ قال العجاج:
غَمْرَ الأَجارِيِّ مِسَحّاً مِهْرَجا
وقال الآخر:
من كلِّ هَرَّاجٍ نَبِيلٍ مَحْزِمُه
التهذيب: ابن مُقْبل يصف فرساً:
هَرْج الوَليدِ بخَيْطٍ مُبْرَمٍ خَلَقٍ،
بينَ الرَّواجِبِ، في عُودٍ من العُشَرِ
قال: شبهه بخُذْرُوف الوليد في دُرُورِ عَدْوِه.
وهَرَّجْتُ البعير تَهْريجاً وأَهْرَجْتُه أَيضاً إِذا حملت عليه في
السير في الهاجرة حتى سَدِرَ. وهَرَّجَ النبيذُ فلاناً إِذا بلغ منه
فانْهَرَجَ وانْهَكَّ.
وقال خالد بن جَنْبَةَ: بابٌ مَهْرُوجٌ، وهو الذي لا يُسَدُّ يدخله
الخلق، وقد هَرَجَه الإِنسان يَهْرِجُه أَي تركه مفتوحاً.
والهِرْجُ: الضعيف من كل شيء؛ قال أَبو وَجْزَة:
والكَبْشُ هِرْجٌ إِذا نَبَّ العَتُودُ له،
زَوْزَى بأَلْيَتِه للذُّلِّ، واعْتَرَفا
نتف: نتَفه يَنْتِفه نتفاً ونَتَّفه فانتَتَف وتنَتَّف وتَناتف ونتَّفْت
الشٍّعور، شُدّد للكثرة، والنَّتْفُ: نزع الشعر وما أَشبهه. والنُّتاف
والنُّتافة: ما انتَتَف وسقط من الشيء المنتوف. ونُتافةُ الإبط: ما نُتف
منه. والمِنْتاف: ما نُتِف به. وحكي عن ثعلب: أَنْتَفَ الكَلأُ أَمكن أَن
يُنْتَف. والنُّتْفة: ما نَتَفْته بأَصابعك من نبت أَو غيره، والجمع
النُّتَف. ورجل نُتَفة، مثال هُمَزة: يَنْتِف من العلم شيئاً ولا
يَسْتَقْصِيه. وكان أَبو عبيدة إذا ذُكِر الأَصمعي قال: ذلك رجل نُتَفة؛ قال اَبو
منصور: أَراد أَنه لم يستقْصِ كلام العرب إنما حفظ الوَخْز والخَطيئة منه.
قال: وسمعت العرب تقول: هذا رجل مِنْتاف إذا كان غير وَساعٍ، يقارب
خَطْوه إذا مشى، والبعير إذا كان كذلك كان غير وَطِيء. والنَّتَفُ: ما
يتَقَلَّع من الإكلِيل الذي حَوالَي الظفر.
صمم: الصَّمَمُ: انْسِدادُ الأُذن وثِقَلُ السمع. صَمَّ يَصَمُّ
وصَمِمَ، بإظهار التضعيف نادرٌ، صَمّاً وصمَماً وأَصَمَّ وأَصَمَّهُ اللهُ
فصَمَّ وأَصَمَّ أيضاً بمعنى صَمَّ؛ قال الكميت:
أَشَيْخاً، كالوَليدِ، برَسْمِ دارٍ
تُسائِلُ ما أَصَمَّ عن السُّؤالِ؟
يقول تُسائِلُ شيئاً قد أَصَمَّ عن السؤال، ويروى: أَأَشْيَبَ كالوليد،
قال ابن بري: نَصَبَ أَشْيَبَ على الحال أي أَشائباً تُسائِلُ رَسْمَ
دارٍ كما يفعل الوليدُ، وقيل: إنَّ ما صِلَةٌ أَراد تُسائل أَصَمَّ؛ وأَنشد
ابن بري هنا لابن أَحمر:
أَصَمَّ دُعاءُ عاذِلَتي تَحَجَّى
بآخِرِنا، وتَنْسى أَوَّلِينا
يدعو عليها أي لا جعلها الله تدعو إلاَّ أصَمَّ. يقال: ناديت فلاناً
فأَصْمَمْتُه أي أَصَبْتُه أَصَمَّ، وقوله تَحَجَّى بآخِرنا: تَسْبقُ إليهم
باللَّوْمِ وتَدَعُ الأَوَّلينَ، وأَصْمَمْتُه: وَجَدْتُه أَصَمَّ. ورجل
أَصَمُّ، والجمع صُمٌّ وصُمَّانٌ؛ قال الجُلَيْحُ:
يَدْعُو بها القَوْمُ دُعاءَ الصُّمَّانْ
وأَصَمَّه الداءُ وتَصامَّ عنه وتَصامَّه: أَراه أَنه أَصَمُّ وليس به.
وتَصامَّ عن الحديث وتَصامَّه: أَرى صاحِبَه الصَّمَمَ عنه؛ قال:
تَصامَمْتُه حتى أَتاني نَعِيُّهُ،
وأُفْزِعَ منه مُخْطئٌ ومُصيبُ
وقوله أنشده ثعلب:
ومَنْهَلٍ أَعْوَرِ إحْدى العَيْنَيْن،
بَصيرِ أُخْرى وأَصَمَّ الأُذُنَيْن
قد تقدم تفسيره في ترجمة عور. وفي حديث الإيمانِ: الصُّمَّ البُكْمَ
(*
قوله «الصم البكم» بالنصب مفعول بالفعل قبله، وهو كما في النهاية: وان
ترى الحفاة العراة الصم إلخ) رُؤوسَ الناسِ، جَمْعُ الأَصَمِّ وهو الذي لا
يَسْمَعُ، وأَراد به الذي لا يَهْتَدي ولا يَقْبَلُ الحَقَّ من صَمَمِ
العَقل لا صَمَمِ الأُذن؛ وقوله أنشده ثعلب أيضاً:
قُلْ ما بَدا لَكَ من زُورٍ ومن كَذِبٍ
حِلْمي أَصَمُّ وأُذْني غَيرُ صَمَّاءِ
استعار الصَّمَم للحلم وليس بحقيقة؛ وقوله أنشده هو أيضاً:
أجَلْ لا، ولكنْ أنتَ أَلأَمُ من مَشى،
وأَسْأَلُ من صَمَّاءَ ذاتِ صَليلِ
فسره فقال: يعني الأرض، وصَلِيلُها صَوْتُ دُخولِ الماء فيها. ابن
الأَعرابي: يقال أَسْأَلُ من صَمَّاءَ، يعني الأرضَ. والصَّمَّاءُ من الأرض:
الغليظةُ. وأَصَمَّه: وَجَدَه أَصَمَّ؛ وبه فسر ثعلبٌ قولَ ابن أَحمر:
أَصَمَّ دُعاءُ عاذِلَتي تَحَجَّى
بآخِرِنا، وتَنْسى أَوَّلِينا
أراد وافَقَ قَوماً صُمّاً لا يَسْمَعون عذْلَها على وجه الدُّعاء.
ويقال: ناديته فأَصْمَمْتُه أي صادَفْتُه أَصَمَّ. وفي حديث جابر بن
سَمُرَةَ: ثم تكلم النبي، صلى الله عليه وسلم، بكلمةٍ أصَمَّنِيها الناسُ أي
شغَلوني عن سماعها فكأَنهم جعلوني أَصَمَّ. وفي الحديث: الــفِتْنةُ
الصَّمَّاءُ العَمْياء؛ هي التي لا سبيل إلى تسكينها لتناهيها في ذهابها لأَن
الأَصَمَّ لا يسمع الاستغاثة ولا يُقْلِعُ عما يَفْعَلُه، وقيل: هي كالحية
الصَّمَّاء التي لا تَقْبَلُ الرُّقى؛ ومنه الحديث: والفاجِرُ كالأَرْزَةِ
صَمَّاءَ أي مُكْتَنزةً لا تَخَلْخُلَ فيها. الليث: الضَّمَمُ في الأُذُنِ
ذهابُ سَمْعِها، في القَناة اكْتِنازُ جَوفِها، وفي الحجر صَلابَتُه،
وفي الأَمر شدَّتُه. ويقال: أُذُنٌ صَمَّاءُ وقَناة صَمَّاءُ وحَجَرٌ
أَصَمُّ وفِتْنَةٌ صَمَّاءُ؛ قال الله تعالى في صفة الكافرين: صُمُّ بُكْمٌ
عُمْيٌ فهم لا يَعْقِلُون؛ التهذيب: يقول القائلُ كيف جعلَهم الله صُمّاً
وهم يسمعون، وبُكْماً وهم ناطقون، وعُمْياً وهم يُبْصِرون؟ والجواب في ذلك
أن سَمْعَهُم لَمَّا لم يَنْفَعْهم لأنهم لم يَعُوا به ما سَمِعوا،
وبَصَرَهُم لما لم يُجْدِ عليهم لأنهم لم يَعْتَبِروا بما عايَنُوه من قُدْرة
الله وخَلْقِه الدالِّ على أنه واحد لا شريك له، ونُطْقَهم لما لم
يُغْنِ عنهم شيئاً إذ لم يؤمنوا به إيماناً يَنْفَعهم، كانوا بمنزلة من لا
يَسْمَع ولا يُبْصِرُ ولا يَعي؛ ونَحْوٌ منه قول الشاعر:
أصَمٌّ عَمَّا ساءَه سَمِيعُ
يقول: يَتَصامَمُ عما يَسُوءُه وإن سَمِعَه فكان كأَنه لم يَسْمَعْ، فهو
سميع ذو سَمْعٍ أَصَمُّ في تغابيه عما أُريد به. وصَوْتٌ مُصِمٌّ:
يُصِمُّ الصِّماخَ.
ويقال لصِمامِ القارُورة: صِمَّةٌ. وصَمَّ رأْسَ القارورةَ يَصُمُّه
صَمّاً وأَصَمَّه: سَدَّه وشَدَّه، وصِمامُها: سِدادُها وشِدادُها.
والصِّمامُ: ما أُدْخِلَ في فم القارورة، والعِفاصُ ما شُدَّ عليه، وكذلك
صِمامَتُها؛ عن ابن الأَعرابي. وصَمَمْتُها أَصُمُّها صَمّاً إذا شَدَدْتَ
رَأْسَها. الجوهري: تقول صَمَمْتُ القارورة أي سَدَدْتُها. وأَصْمَمْتُ
القارورة أي جعلت لها صِماماً. وفي حديث الوطء: في صِمامٍ واحد أي في مَسْلَكٍ
واحدٍ؛ الصِّمامُ: ما تُسَدُّ به الفُرْجةُ فسمي به الفَرْجُ، ويجوز أَن
يكون في موضعِ صِمامٍ على حذف المضاف، ويروى بالسين، وقد تقدم. ويقال:
صَمَّه بالعصا يَصُمُّه صَمّاً إذا ضَرَبه بها وقد صَمَّه بحجر. قال ابن
الأعرابي: صُمَّ إذا ضُرِب ضَرْباً شديداً. وصَمَّ الجُرْحَ يَصُمُّه
صَمّاً: سَدَّةُ وضَمَّدَه بالدواء والأَكُولِ.
وداهيةٌ صَمَّاءُ: مُنْسَدَّة شديدة. ويقال للداهية الشديدةِ: صَمَّاءُ
وصَمامِ؛ قال العجاج:
صَمَّاءُ لا يُبْرِئُها من الصَّمَمْ
حَوادثُ الدَّهْرِ، ولا طُولُ القِدَمْ
ويقال للنذير إذا أَنْذَر قوماً من بعيد وأَلْمَعَ لهم بثوبه: لَمَع بهم
لَمْعَ الأَصَمّ، وذلك أنه لما كَثُر إلماعُه بثوبه كان كأَنه لا
يَسْمَعُ الجوابَ فهو يُدِيمُ اللَّمْعَ؛ ومن ذلك قولُ بِشْر:
أَشارَ بهم لَمْعَ الأَصَمّ، فأَقْبَلُوا
عَرانِينَ لا يَأْتِيه لِلنَّصْرِ مُجْلِبُ
أي لا يأْتيه مُعِينٌ من غير قومه، وإذا كان المُعينُ من قومه لم يكن
مُجْلِباً. والصَّمَّاءُ: الداهيةُ. وفتنةٌ صَمَّاءُ: شديدة، ورجل أَصَمُّ
بَيّنُ الصَّمَمِ فيهن، وقولُهم للقطاةِ صَمَّاءُ لِسَكَكِ أُذنيها،
وقيل: لَصَمَمِها إذا عَطِشَت؛ قال:
رِدِي رِدِي وِرْدَ قَطاةٍ صَمَّا،
كُدْرِيَّةٍ أَعْجَبها بردُ الما
والأَصَمُّ: رَجَبٌ لعدم سماع السلاح فيه، وكان أهلُ الجاهلية
يُسَمُّونَ رَجَباً شَهْرَ الله الأَصَمَّ؛ قال الخليل: إنما سمي بذلك لأنه كان لا
يُسْمَع فيه صوتُ مستغيثٍ ولا حركةُ قتالٍ ولا قَعْقَعةُ سلاح، لأنه من
الأشهر الحُرُم، فلم يكن يُسْمع فيه يا لَفُلانٍ ولا يا صَبَاحاه؛ وفي
الحديث: شَهْرُ اللهِ الأَصَمُّ رَجَبٌ؛ سمي أَصَمَّ لأنه كان لا يُسمع فيه
صوت السلاح لكونه شهراً حراماً، قال: ووصف بالأَصم مجازاً والمراد به
الإنسان الذي يدخل فيه، كما قيل ليلٌ نائمٌ، وإنما النائمَ مَنْ في الليل،
فكأَنَّ الإنسانَ في شهر رجَبٍ أَصَمَّ عن صَوْتِ السلاح، وكذلك مُنْصِلُ
الأَلِّ؛ قال:
يا رُبَّ ذي خالٍ وذي عَمٍّ عَمَمْ
قد ذاقَ كَأْسَ الحَتْفِ في الشَّهْرِ الأَصَمّْ
والأَصَمُّ من الحياتِ: ما لا يَقْبَلُ الرُّقْيَةَ كأَنه قد صَمَّ عن
سَماعِها، وقد يستعمل في العقرب؛ أَنشد ابن الأعرابي:
قَرَّطَكِ اللهُ، على الأُذْنَيْنِ،
عَقارباً صُمّاً وأَرْقَمَيْنِ
ورجل أَصَمُّ: لا يُطْمَعُ فيه ولا يُرَدُّ عن هَواه كأَنه يُنادَى فلا
يَسْمَعُ. وصَمَّ صَداه أي هَلَك. والعرب تقول: أَصَمَّ اللهُ صَدَى
فلانٍ أي أهلكه، والصَّدَى: الصَّوْتُ الذي يَرُدُّه الجبلُ إذا رَفَع فيه
الإنسانُ صَوْتَه؛ قال امرؤ القيس:
صَمَّ صَدَاها وعَفا رَسْمُها،
واسْتَعْجَمَتْ عن مَنْطِق السائِلِ
ومنه قولهم: صَمِّي ابْنَةَ الجَبَل مهما يُقَلْ تَقُلْ؛ يريدون بابْنةِ
الجبل الصَّدَى. ومن أمثالهم: أصَمُّ على جَمُوحٍ
(* قوله «ومن أمثالهم
أصم على جموح إلخ» المناسب أن يذكر بعد قوله: كأنه ينادى فلا يسمع كما هي
عبارة المحكم)؛ يُضْرَبُ مثلاً للرجل الذي هذه الصفة صفته؛ قال:
فأَبْلِغْ بَني أَسَدٍ آيةً،
إذا جئتَ سَيِّدَهم والمَسُودَا
فأْوصِيكمُ بطِعانِ الكُماةِ،
فَقَدْ تَعْلَمُونَ بأَنْ لا خُلُودَا
وضَرْبِ الجَماجِمِ ضَرْبَ الأَصَمْـ
ـمِ حَنْظَلَ شابَةَ، يَجْني هَبِيدَا
ويقال: ضَرَبَه ضَرْبَ الأَصَمِّ إذا تابَعَ الضرْبَ وبالَغَ فيه، وذلك
أن الأَصَمَّ إذا بالَغَ يَظُنُّ أنه مُقَصِّرٌ فلا يُقْلِعُ. ويقال:
دَعاه دَعْوةَ الأَصَمِّ إذا بالغ به في النداء؛ وقال الراجز يصف
فَلاةً:يُدْعَى بها القومُ دُعاءَ الصَّمَّانْ
ودَهْرٌ أَصَمُّ: كأَنَّه يُشْكى إليه فلا يَسْمَع.
وقولُهم: صَمِّي صَمامِ؛ يُضْرَب للرجل يأْتي الداهِيةَ أي اخْرَسي يا
صَمامِ. الجوهري: ويقال للداهية: صَمِّي صَمامِ، مثل قَطامِ، وهي الداهية
أي زِيدي؛ وأَنشد ابن بري للأَسْود بن يَعْفُر:
فَرَّتْ يَهُودُ وأَسْلَمَتْ جِيرانُها،
صَمِّي، لِمَا فَعَلَتْ يَهُودُ، صَمَامِ
ويقال: صَمِّي ابنةَ الجبل، يعني الصَّدَى؛ يضرب أَيضاً مثلاً للداهية
الشديدة كأَنه قيل له اخْرَسِي يا داهية، ولذلك قيل للحيَّةِ التي لا
تُجِيبُ الرَّاقِيَ صَمّاءُ، لأَن الرُّقى لا تنفعها؛ والعرب تقول للحرب إذا
اشتدَّت وسُفِك فيها الدِّماءُ الكثيرةُ: صَمَّتْ حَصاةٌ بِدَم؛ يريدون
أَن الدماء لما سُفِكت وكثرت اسْتَنْقَعَتْ في المَعْرَكة، فلو وقعت حصاةٌ
على الأرض لم يُسمع لها صوت لأنها لا تقع إلا في نَجِيعٍ، وهذا المعنى
أراد امرؤ القيس بقوله صَمِّي ابنةَ الجبلِ، ويقال: أراد الصَّدَى. قال
ابن بري: قوله حَصاةٌ بدمٍ يَنبغي أن يكون حصاة بدمي، بالياء؛ وبيتُ امرئ
القيس بكماله هو:
بُدِّلْتُ من وائلٍ وكِنْدةَ عَدْ
وانَ وفَهْماً، صَمِّي ابنةَ الجَبَلِ
قَوْمٌ يُحاجُون بالبِهامِ ونِسْـ
وان قِصار، كهَيْئةِ الحَجَلِ
المحكم: صَمَّتْ حَصاةٌ بدمٍ أي أن الدم كثر حتى أُلْقيت فيه الحَصاةُ
فلم يُسْمَع لها صوت؛ وأَنشد ابن الأَعرابي لسَدُوسَ بنت ضباب:
إنِّي إلى كلِّ أَيْسارٍ ونادِبةٍ
أَدْعُو حُبَيْشاً، كما تُدْعى ابنة الجَبلِ
أي أُنَوِّهُ كما يُنَوَّهُ بابنةِ الجبل، وهي الحيَّة، وهي الداهية
العظيمة. يقال: صَمِّي صَمامِ، وصَمِّي ابْنةَ الجبل. والصَّمَّاءُ:
الداهيةُ؛ وقال:
صَمَّاءُ لا يُبْرِئُها طُولُ الصَّمَمْ
أي داهيةٌ عارُها باقٍ لا تُبْرِئها الحوادثُ. وقال الأصمعي في كتابه في
الأمثال قال: صَمِّي ابنةَ الجبل، يقال ذلك عند الأمر يُسْتَفْظَعُ.
ويقال: صَمَّ يَصَمُّ صَمَماً؛ وقال أَبو الهيثم: يزعمون أنهم يريدون بابنة
الجبل الصَّدَى؛ وقال الكميت:
إذا لَقِيَ السَّفِيرَ بها، وقالا
لها: صَمِّي ابْنَةَ الجبلِ، السّفِيرُ
يقول: إذا لَقِي السفِيرُ السَّفِيرَ وقالا لهذه الداهية صَمِّي ابنةَ
الجبل، قال: ويقال إنها صخرة، قال: ويقال صَمِّي صَمامِ؛ وهذا مَثَلٌ إذا
أتى بداهيةٍ. ويقال: صَمَامِ صَمَامِ، وذلك يُحْمَل على معنيين: على معنى
تَصامُّوا واسْكُتوا، وعلى معنى احْمِلُوا على العدُوّ، والأَصَمُّ صفة
غالبة؛ قال:
جاؤوا بِزُورَيْهمْ وجئْنا بالأَصَمّْ
وكانوا جاؤوا بِبعيرين فعَقَلوهما وقالوا: لا نَفِرُّ حتى يَفِرَّ هذان.
والأَصَمُّ أيضاً: عبدُ الله بنُ رِبْعِيٍّ الدُّبَيْريّ؛ ذكره ابن
الأعرابي. والصَّمَمُ في الحَجَر: الشِّدَّةُ، وفي القَناةِ الاكتِنازُ.
وحَجرٌ أَصَمُّ: صُلْبٌ مُصْمَتٌ. وفي الحديث: أنه نَهَى عن اشْتِمال
الصّمَّاءِ؛ قال: هو أن يَتجلَّلَ الرجلُ بثوبْهِ ولا يرفعَ منه جانباً، وإنما
قيل لها صَمَّاء لأنه إذا اشْتَمل بها سَدَّ على يديه ورجليه المَنافذَ
كلَّها، كأَنَّها لا تَصِل إلى شيء ولا يَصِل إليها شيءٌ كالصخرة
الصَّمّاء التي ليس فيها خَرْقٌ ولا صَدْع؛ قال أبو عبيد: اشْتِمال الصَّمَّاءِ
أن تُجلِّلَ جَسَدَك بتوبِك نَحْوَ شِمْلةِ الأَعْراب بأَكْسيَتِهم، وهو
أن يرُدَّ الكِساءَ من قِبَلِ يمينِه على يدهِ اليسرى وعاتِقِه الأيسر، ثم
يَرُدَّه ثانيةً من خلفِه على يده اليمنى وعاتِقِه الأيمن فيُغَطِّيَهما
جميعاً، وذكر أَبو عبيد أَن الفُقهاء يقولون: هو أن يشتمل بثوبٍ واحدٍ
ويَتغَطَّى به ليس عليه غيره، ثم يرفعه من أحد جانبيه فيَضَعَه على منكبيه
فيَبْدُوَ منه فَرْجُه، فإذا قلت اشْتَمل فلانٌ الصَّمَّاءَ كأَنك قلت
اشْتَملَ الشِّمْلةَ التي تُعْرَف بهذا الاسم، لأن الصمّاء ضَرْبٌ من
الاشتمال. والصَّمَّانُ والصَّمَّانةُ: أرضٌ صُلْبة ذات حجارة إلى جَنْب
رَمْل، وقيل: الصّمَّان موضعٌ إلى جنب رملِ عالِجٍ. والصَّمّانُ: موضعٌ
بِعالِجٍ منه، وقيل: الصَّمَّانُ أرضٌ غليظة دون الجبل. قال الأزهري: وقد
شَتَوْتُ الصَّمّانَ شَتْوَتَيْن، وهي أرض فيها غِلَظٌ وارْتفاعٌ، وفيها
قِيعانٌ واسعةٌ وخَبَارَى تُنْبِت السِّدْر، عَذِيَةٌ ورِياضٌ مُعْشِبةٌ،
وإذا أَخصبت الصَّمَّانُ رَتَعَتِ العربُ جميعُها، وكانت الصَّمَّانُ في
قديم الدَّهْرِ لبني حنظلة، والحَزْنُ لبني يَرْبُوع، والدَّهْناءُ
لجَماعتهم، والصَّمَّانُ مُتَاخِمُ الدَّهْناء.
وصَمَّه بالعصا: ضَرَبَه بها. وصَمَّه بحجرٍ وصَمَّ رأْسَه بالعصا
والحجر ونحوه صَمّاً: ضربه.
والصِّمَّةُ: الشجاعُ، وجَمْعُه صِمَمٌ. ورجل صِمَّةٌ: شجاع. والصِّمُّ
والصِّمَّةُ، بالكسر: من أَسماء الأَسد لشجاعته. الجوهري: الصِّمُّ،
بالكسر، من أسماء الأسدِ والداهيةِ. والصِّمَّةُ: الرجلُ الشجاع، والذكرُ من
الحيات، وجمعه صِمَمٌ؛ ومنه سمي دُرَيْدُ بن الصِّمَّة؛ وقول جرير:
سَعَرْتُ عَلَيْكَ الحَرْبَ تَغْلي قُدُورُها،
فهَلاَّ غَداةَ الصِّمَّتَيْن تُدِيمُها
(* قوله «سعرت عليك إلخ» قال الصاغاني في التكملة: الرواية سعرنا).
أَراد بالصِّمَّتين أَبا دُرَيْدٍ وعَمَّه مالِكاً. وصَمَّمَ أَي عَضَّ
ونَيَّب فلم يُرْسِلْ ما عَضّ. وصَمَّمَ الحَيّةُ في عَضَّتِه: نَيَّبَ؛
قال المُتَلمِّس:
فأَطْرَقَ إطْراقَ الشُّجاعِ، ولو رَأَى
مَساغاً لِنابَيْه الشُّجاعُ لَصَمَّما
وأَنشده بعض المتأَخرين من النحويين: لِناباه؛ قال الأَزهري: هكذا
أَنشده الفراء لناباه على اللغة القديمة لبعض العرب
(* أي أَنه منصوب بالفتحة
المقدرة على الأَلف للتعذر).
والصَّمِيمُ: العَظْمُ الذي به قِوامُ العُضْو كصَميم الوَظِيف وصَميمِ
الرأْس؛ وبه يقال للرجل: هو من صَمِيم قومه إذا كان من خالِصِهم، ولذلك
قيل في ضِدِّه وَشِيظٌ لأَن الوَشِيظَ أَصغرُ منه؛ وأَنشد الكسائي:
بمَِصْرَعِنا النُّعْمانَ، يوم تأَلَّبَتْ
علينا تَميمٌ من شَظىً وصَمِيمِ
وصَمِيمُ كلِّ شيء: بُنْكه وخالِصهُ. يقال: هو في صَميم قَوْمِه.
وصَميمُ الحرِّ والبرد: شدّتُه. وصَميمُ القيظِ: أَشدُّه حرّاً. وصَميمُ
الشتاء: أَشدُّه برْداً؛ قال خُفَاف بن نُدْبَةَ:
وإنْ تَكُ خَيْلي قد أُصِيبَ صَمِيمُها،
فعَمْداً على عَيْنٍ تَيَمَّمْتُ مالكا
قال أَبو عبيد: وكان صَميمَ خيلهِ يومئذ معاوية أخو خَنْساء، قتله
دُرَيْدٌ وهاشم ابْنا حرملةَ المُرِّيانِ؛ قال ابن بري: وصواب إنشاده: إن تكُ
خيلي، بغير واو على الخرم لأَنه أول القصيدة. ورجل صَمِيمٌ: مَحْضٌ،
وكذلك الاثنان والجمع والمؤنتُ.
والتَّصْميمُ: المُضِيُّ في الأَمر. أَبو بكر: صَمَّمَ فلانٌ على كذا
أَي مَضَى على رأْيه بعد إرادته.
وصَمَّمَ في السير وغيره أي مَضَى؛ قال حُمَيد بن ثَوْر:
وحَصْحَصَ في صُمِّ القَنَا ثَفِناتِهِ،
وناءَ بِسَلْمَى نَوْءةً ثم صَمَّما
ويقال للضارب بالسيف إذا أصابَ العظم فأنْفذ الضريبة: قد صَمَّمَ، فهو
مُصَمِّم،فإذا أَصاب المَفْصِل، فهو مُطَبِّقٌ؛ وأَنشد أَبو عبيد:
يُصَمِّمُ أَحْياناً وحِيناً يُطَبِّقُ
أَراد أَنه يَضْرِب مرَّةً صَمِيمَ العظم ومَرَّةً يُصِيب المَفْصِل.
والمُصَمِّمُ من السُّيوف: الذي يَمُرُّ في العِظام، وقد صَمَّمَ
وصَمْصَمَ. وصَمَّمَ السيفُ إذا مضى في العظم وقطَعَه، وأما إذا أَصاب المَفْصِلَ
وقطعه فيقال طَبَّقَ؛ قال الشاعر يصف سيفاً:
يُصَمِّم أَحْياناً وحيناً يُطَبِّق
وسيفٌ صَمْصامٌ وصَمْصامةٌ: صارِمٌ لا يَنْثَني؛ وقوله أَنشده ثعلب:
صَمْصامَةٌ ذَكَّرَهُ مُذَكِّرُهْ
إنما ذَكَّرَه على معنى الصَّمْصامِ أَو السَّيْفِ. وفي حديث أَبي ذر:
لو وَضَعْتم الصَّمْصامةَ على رَقبَتي؛ هي السيف القاطع، والجمع صَماصِم.
وفي حديث قُسٍّ: تَرَدَّوْا بالصَّماصِم أَي جعلوها لهم بمنزلة
الأَرْدِية لحَمْلِهم لها وحَمْلِ حَمائِلها على عَواتِقهم. وقال الليث:
الصَّمْصامَةُ اسمٌ للسيفِ القاطع والليلِ. الجوهري: الصَّمْصامُ والصَّمْصامةُ
السيفُ الصارِمُ الذي لا يَنْثني؛ والصَّمْصامةُ: اسمُ سيفِ عَمْرو بن معد
يكرب، سَمَّاه بذلك وقال حين وَهَبَه:
خَليلٌ لمْ أَخُنْهُ ولم يَخُنِّي،
على الصَّمْصامةِ السَّيْفِ السَّلامُ
قال ابن بري صواب إنشاده:
على الصَّمْصامةِ ام سَيْفي سَلامِي
(* قوله «ام سيفي» كذا بالأصل والتكملة بياء بعد الفاء).
وبعده:
خَليلٌ لَمْ أَهَبْهُ من قِلاهُ،
ولكنَّ المَواهِبَ في الكِرامِ
(* قوله «من قلاه» الذي في التكملة: عن قلاه. وقوله «في الكرام» الذي
فيها: للكرام).
حَبَوْتُ به كَريماً من قُرَيْشٍ،
فَسُرَّ به وصِينَ عن اللِّئامِ
يقول عمرو هذه الأَبياتَ لما أَهْدَى صَمْصامتَه لسَعِيد ابن العاص؛
قال: ومن العرب من يجعل صَمْصامة غيرَ مُنوّن معرفةً للسَّيْف فلا يَصْرِفه
إذا سَمَّى به سيْفاً بعينه كقول القائل:
تَصْميمَ صَمْصامةَ حينَ صَمَّما
ورجلٌ صَمَمٌ وصِمْصِمٌ وصَمْصامٌ وصَمْصامةٌ
وصُمَصِمٌ وصُماصِمٌ: مُصَمِّمٌ، وكذلك الفَرَسُ، الذكرُ والأُنثى فيه
سواءٌ، وقيل: هو الشديدُ الصُّلْبُ، وقيل: هو المجتمعُ الخَلْق. أَبو
عبيد: الصِّمْصِمُ، بالكسر، الغليظُ من الرجال؛ وقولُ عَبْد مَناف بن رِبْع
الهُذَليّ:
ولقد أَتاكم ما يَصُوبُ سُيوفَنا،
بَعدَ الهَوادةِ، كلُّ أَحْمَرَ صِمْصِم
قال: صِمْصِم
غليظ شديد. ابن الأَعرابي: الصَّمْصَمُ البخيلُ النهايةُ في البُخْل.
والصِّمْصِمُ من الرجال: القصير الغليظ، ويقال: هو الجريءُ الماضي.
والصِّمْصِةُ: الجماعةُ من الناس كالزِّمْزِمةِ؛ قال:
وحالَ دُوني من الأَنْبارِ صِمْصِمةٌ،
كانوا الأُنُوفَ وكانوا الأَكرمِينَ أَبا
ويروى: زِمْزِمة، قال: وليس أَحدُ الحرفين بدلاً من صاحبه لأن الأَصمعي
قد أَثبتهما جميعاً ولم يجعل لأَحدِهما مَزِيَّةً على صاحبِه، والجمع
صِمْصِمٌ. النضر: الصِّمْصِمةُ الأَكمَةُ الغليظة التي كادت حجارتها أَن
تكونُ مُنْتَصِبة.
أَبو عبيدة: من صِفات الخيل الصَّمَمُ، والأُنثى صَمَمةٌ، وهو الشديدُ
الأَسْرِ المعْصُوبُ؛ قال الجعدي:
وغارةٍ، تَقْطَعُ الفَيافيَ، قَد
حارَبْتُ فيها بِصلْدِمٍ صَمَمِ
أَبو عمرو الشيباني: والمُصَمِّمُ الجملُ الشديدُ؛ وأَنشد:
حَمَّلْتُ أَثْقالي مُصَمِّماتِها
والصَّمّاءُ من النُّوقِ: اللاَّقِحُ، وإبِلٌ
صُمٌّ؛ قال المَعْلُوطُ القُرَيْعيُّ:
وكانَ أَوابِيها وصُمُّ مَخاضِها،
وشافِعةٌ أُمُّ الفِصالِ رَفُودُ
والصُّمَيْماءُ: نباتٌ شِبْه الغَرَزِ يَنْبت بنَجْدٍ في القِيعان.
عود: في صفات الله تعالى: المبدِئُ المعِيدُ؛ قال الأَزهري: بَدَأَ
اللَّهُ الخلقَ إِحياءً ثم يميتُهم ثم يعيدُهم أَحياءً كما كانوا. قال الله،
عز وجل: وهو الذي يبدأُ الخلقَ ثم يُعِيدُه. وقال: إِنه هو يُبْدِئُ
ويُعِيدُ؛ فهو سبحانه وتعالى الذي يُعِيدُ الخلق بعد الحياة إِلى المماتِ
في الدنيا وبعد المماتِ إِلى الحياةِ يوم القيامة. وروي عن النبي، صلى
الله عليه وسلم، أَنه قال: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ النَّكَلَ على النَّكَلِ،
قيل: وما النَّكَلُ على النَّكَلِ؟ قال: الرجل القَوِيُّ المُجَرِّبُ
المبدئُ المعيدُ على الفرس القَوِيِّ المُجَرّبِ المبدِئ المعيدِ؛ قال
أَبو عبيد: وقوله المبدئ المعِيدُ هو الذي قد أَبْدَأَ في غَزْوِهِ وأَعاد
أَي غزا مرة بعد مرة، وجرَّب الأُمور طَوْراً بعد طَوْر، وأَعاد فيها
وأَبْدَأَ، والفرسُ المبدئُ المعِيدُ هو الذي قد رِيضَ وأُدِّبَ وذُلِّلَ،
فهو طَوْعُ راكبِهِ وفارِسِه، يُصَرِّفه كيف شاء لِطَواعِيَتِه وذُلِّه،
وأَنه لا يستصعب عليه ولا يمْنَعُه رِكابَه ولا يَجْمَحُ به؛ وقيل: الفرس
المبدئ المعيد الذي قد غزا عليه صاحبه مرة بعد مرة أُخرى، وهذا كقولهم
لَيْلٌ نائِمٌ إِذا نِيمَ فيه وسِرٌّ كاتم قد كتموه. وقال شمر: رجل
مُعِيدٌ أَي حاذق؛ قال كثير:
عَوْمُ المُعِيدِ إِلى الرَّجا قَذَفَتْ به
في اللُّجِّ داوِيَةُ المَكانِ، جَمُومُ
والمُعِيدُ من الرجالِ: العالِمُ بالأُمور الذي ليس بغُمْرٍ؛ وأَنشد:
كما يَتْبَعُ العَوْد المُعِيد السَّلائِب
والعود ثاني البدء؛ قال:
بَدَأْتُمْ فأَحْسَنْتُمْ فأَثْنَيْتُ جاهِداً،
فإِنْ عُدْتُمُ أَثْنَيْتُ، والعَوْدُ أَحْمَدُ
قال الجوهري: وعاد إِليه يَعُودُ عَوْدَةً وعَوْداً: رجع. وفي المثل:
العَوْدُ أَحمدُ؛ وأَنشد لمالك بن نويرة:
جَزَيْنا بني شَيْبانَ أَمْسِ بِقَرْضِهِمْ،
وجِئْنا بِمِثْلِ البَدْءِ، والعَوْدُ أَحمدُ
قال ابن بري: صواب إِنشاده: وعُدْنا بِمِثْلِ البَدْءِ؛ قال: وكذلك هو
في شعره، أَلا ترى إِلى قوله في آخر البيت: والعود أَحمد؟ وقد عاد له
بعدما كان أَعرَضَ عنه؛ وعاد إِليه وعليه عَوْداً وعِياداً وأَعاده هو، والله
يبدِئُ الخلق ثم يعيدُه، من ذلك. واستعاده إِياه: سأَله إِعادَتَه. قال
سيبويه: وتقول رجع عَوْدُه على بَدْئِه؛ تريد أَنه لم يَقْطَعْ ذَهابَه
حتى وصله برجوعه، إِنما أَردْتَ أَنه رجع في حافِرَتِه أَي نَقَضَ
مَجِيئَه برجوعه، وقد يكون أَن يقطع مجيئه ثم يرجع فتقول: رجَعْتُ عَوْدي على
بَدْئي أَي رجَعْتُ كما جئت، فالمَجِيءُ موصول به الرجوعُ، فهو بَدْءٌ
والرجوعُ عَوْدٌ؛ انتهى كلام سيبويه. وحكى بعضهم: رجع عَوْداً على بدء من
غير إِضافة. ولك العَوْدُ والعَوْدَةُ والعُوادَةُ أَي لك أَن تعودَ في هذا
الأَمر؛ كل هذه الثلاثة عن اللحياني. قال الأَزهري: قال بعضهم: العَوْد
تثنية الأَمر عَوْداً بعد بَدْءٍ. يقال: بَدَأَ ثم عاد، والعَوْدَةُ
عَوْدَةُ مرةٍ واحدةٍ. وقوله تعالى: كما بدأَكم تَعودُون فريقاً هَدى وفريقاً
حقَّ عليهم الضلالةُ؛ يقول: ليس بَعْثُكم بأَشَدَّ من ابِتدائِكم، وقيل:
معناه تَعُودون أَشقِياءَ وسُعداءَ كما ابْتَدأَ فِطْرَتَكُم في سابق
علمه، وحين أَمَرَ بنفْخِ الرُّوحِ فيهم وهم في أَرحام أُمهاتهم. وقوله عز
وجل: والذين يُظاهِرون من نسائهم ثم يَعودُون لما قالوا فَتَحْريرُ
رَقَبَةٍ؛ قال الفراء: يصلح فيها في العربية ثم يعودون إِلى ما قالوا وفيما
قالوا، يريد النكاح وكلٌّ صوابٌ؛ يريد يرجعون عما قالوا، وفي نَقْض ما
قالوا قال: ويجوز في العربية أَن تقول: إِن عاد لما فعل، تريد إِن فعله مرة
أُخرى. ويجوز: إِن عاد لما فعل، إِن نقض ما فعل، وهو كما تقول: حلف أَن
يضربك، فيكون معناه: حلف لا يضربك وحلف ليضربنك؛ وقال الأَخفش في قوله: ثم
يعودون لما قالوا إِنا لا نفعله فيفعلونه يعني الظهار، فإِذا أَعتق رقبة
عاد لهذا المعنى الذي قال إِنه عليّ حرام ففعله. وقال أَبو العباس:
المعنى في قوله: يعودون لما قالوا، لتحليل ما حرّموا فقد عادوا فيه. وروى
الزجاج عن الأَخفش أَنه جعل لما قالوا من صلة فتحرير رقبة، والمعنى عنده
والذين يظاهرون ثم يعودون فتحرير رقبة لما قالوا، قال: وهذا مذهب حسن. وقال
الشافعي في قوله: والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير
رقبة، يقول: إِذا ظاهر منها فهو تحريم كان أَهل الجاهلية يفعلونه وحرّم على
المسلمين تحريم النساء بهذا اللفظ، فإِن أَتْبَعَ المُظاهِرُ الظِّهارَ
طلاقاً، فهو تحريم أَهل الإِسلام وسقطت عنه الكفارة، وإِن لم يُتْبِع
الظهار طلاقاً فقد عاد لما حرم ولزمه الكفارة عقوبة لما قال؛ قال: وكان
تحريمه إِياها بالظهار قولاً فإِذا لم يطلقها فقد عاد لما قال من التحريم؛
وقال بعضهم: إِذا أَراد العود إِليها والإِقامة عليها، مَسَّ أَو لم
يَمَسَّ، كَفَّر.
قال الليث: يقول هذا الأَمر أَعْوَدُ عليك أَي أَرفق بك وأَنفع لأَنه
يعود عليك برفق ويسر. والعائدَةُ: اسم ما عادَ به عليك المفضل من صلة أَو
فضل، وجمعه العوائد. قال ابن سيده: والعائدة المعروفُ والصِّلةُ يعاد به
على الإِنسان والعَطْفُ والمنْفَعَةُ.
والعُوادَةُ، بالضم: ما أُعيد على الرجل من طعام يُخَصُّ به بعدما
يفرُغُ القوم؛ قال الأَزهري: إِذا حذفت الهاء قلت عَوادٌ كما قالوا أَكامٌ
ولمَاظٌ وقَضامٌ؛ قال الجوهري: العُوادُ، بالضم، ما أُعيد من الطعام بعدما
أُكِلَ منه مرة.
وعَوادِ: بمعنى عُدْ مثل نَزالِ وتَراكِ. ويقال أَيضاً: عُدْ إِلينا
فإِن لك عندنا عَواداً حَسَناً، بالفتح، أَي ما تحب، وقيل: أَي برّاً
ولطفاً. وفلان ذو صفح وعائدة أَي ذو عفو وتعطف. والعَوادُ: البِرُّ واللُّطْف.
ويقال للطريق الذي أَعاد فيه السفر وأَبدأَ: معيد؛ ومنه قول ابن مقبل يصف
الإِبل السائرة:
يُصْبِحْنَ بالخَبْتِ، يَجْتَبْنَ النِّعافَ على
أَصْلابِ هادٍ مُعِيدٍ، لابِسِ القَتَمِ
أَراد بالهادي الطريقَ الذي يُهْتَدى إِليه، وبالمُعِيدِ الذي لُحِبَ.
والعادَةُ: الدَّيْدَنُ يُعادُ إِليه، معروفة وجمعها عادٌ وعاداتٌ وعِيدٌ؛
الأَخيرةُ عن كراع، وليس بقوي، إِنما العِيدُ ما عاد إِليك من الشَّوْقِ
والمرض ونحوه وسنذكره.
وتَعَوَّدَ الشيءَ وعادَه وعاوَدَه مُعاوَدَةً وعِواداً واعتادَه
واستعاده وأَعادَه أَي صار عادَةً له؛ أَنشد ابن الأَعرابي:
لم تَزَلْ تِلْكَ عادَةَ اللهِ عِنْدي،
والفَتى آلِفٌ لِما يَسْتَعِيدُ
وقال:
تَعَوَّدْ صالِحَ الأَخْلاقِ، إِني
رأَيتُ المَرْءَ يَأْلَفُ ما اسْتَعادا
وقال أَبو كبير الهذلي يصف الذئاب:
إِلاَّ عَواسِلَ، كالمِراطِ، مُعِيدَةً
باللَّيْلِ مَوْرِدَ أَيِّمٍ مُتَغَضِّفِ
أَي وردت مرات فليس تنكر الورود. وعاوَدَ فلانٌ ما كان فيه، فهو
مُعاوِدٌ. وعاوَدَتْه الحُمَّى وعاوَدَهُ بالمسأَلة أَي سأَله مرة بعد أُخرى،
وعَوَّدَ كلبه الصيْدَ فَتَعَوّده؛ وعوّده الشيءَ: جعله يعتاده.
والمُعاوِدُ: المُواظِبُ، وهو منه. قال الليث: يقال للرجل المواظبِ على أَمْرٍ:
معاوِدٌ. وفي كلام بعضهم: الزموا تُقى اللَّهِ واسْتَعِيدُوها أَي
تَعَوَّدُوها.
واسْتَعَدْتُه الشيء فأَعادَه إِذا سأَلتَه أَن يفعله ثانياً.
والمُعاوَدَةُ: الرجوع إِلى الأَمر الأَول؛ يقال للشجاع: بطَلٌ مُعاوِدٌ لأَنه لا
يَمَلُّ المِراسَ. وتعاوَدَ القومُ في الحرب وغيرها إِذا عاد كل فريق
إِلى صاحبه. وبطل مُعاوِد: عائد.
والمَعادُ: المَصِيرُ والمَرْجِعُ، والآخرة: مَعادُ الخلقِ. قال ابن
سيده: والمعاد الآخرةُ والحج. وقوله تعالى: إِن الذي فرض عليك القرآن لرادّك
إِلى مَعادٍ؛ يعني إِلى مكة، عِدَةٌ للنبي، صلى الله عليه وسلم، أَن
يفتحها له؛ وقال الفراء: إِلى معاد حيث وُلِدْتَ؛ وقال ثعلب: معناه يردّك
إِلى وطنك وبلدك؛ وذكروا أَن جبريل قال: يا محمد، اشْتَقْتَ إِلى مولدك
ووطنك؟ قال: نعم، فقال له: إِن الذي فرض عليك القرآن لرادّك إِلى معاد؛ قال:
والمَعادُ ههنا إِلى عادَتِك حيث وُلِدْتَ وليس من العَوْدِ، وقد يكون
أَن يجعل قوله لرادّك إِلى معادٍ لَمُصَيِّرُكَ إِلى أَن تعود إِلى مكة
مفتوحة لك، فيكون المَعادُ تعجباً إِلى معادٍ أَيِّ معادٍ لما وعده من فتح
مكة. وقال الحسن: معادٍ الآخرةُ، وقال مجاهد: يُحْييه يوم البعث، وقال
ابن عباس: أَي إِلى مَعْدِنِك من الجنة، وقال الليث: المَعادَةُ والمَعاد
كقولك لآل فلان مَعادَةٌ أَي مصيبة يغشاهم الناس في مَناوِحَ أَو غيرها
يتكلم به النساء؛ يقال: خرجت إِلى المَعادةِ والمَعادِ والمأْتم.
والمَعادُ: كل شيء إِليه المصير. قال: والآخرة معاد للناس، وأَكثر التفسير في قوله
«لرادّك إِلى معاد» لباعثك. وعلى هذا كلام الناس: اذْكُرِ المَعادَ أَي
اذكر مبعثك في الآخرة؛ قاله الزجاج. وقال ثعلب: المعاد المولد. قال: وقال
بعضهم: إِلى أَصلك من بني هاشم، وقالت طائفة وعليه العمل: إِلى معاد أَي
إِلى الجنة. وفي الحديث: وأَصْلِحْ لي آخِرتي التي فيها مَعادي أَي ما
يعودُ إِليه يوم القيامة، وهو إِمّا مصدر وإِمّا ظرف. وفي حديث عليّ:
والحَكَمُ اللَّهُ والمَعْوَدُ إِليه يومَ القيامة أَي المَعادُ. قال ابن
الأَثير: هكذا جاء المَعْوَدُ على الأَصل، وهو مَفْعَلٌ من عاد يعود، ومن حق
أَمثاله أَن تقلب واوه أَلفاً كالمَقام والمَراح، ولكنه استعمله على
الأَصل. تقول: عاد الشيءُ يعودُ عَوْداً ومَعاداً أَي رجع، وقد يرد بمعنى
صار؛ ومنه حديث معاذ: قال له النبي، صلى الله عليه وسلم: أَعُدْتَ
فَتَّاناً يا مُعاذُ أَي صِرتَ؛ ومنه حديث خزيمة: عادَ لها النَّقادُ
مُجْرَنْثِماً أَي صار؛ ومنه حديث كعب: وَدِدْتُ أَن هذا اللَّبَنَ يعودُ قَطِراناً
أَي يصير، فقيل له: لِمَ ذلك قال: تَتَبَّعَتْ قُرَيشٌ أَذْنابَ الإِبلِ
وتَرَكُوا الجماعاتِ. والمَعادُ والمَعادة: المأْتَمُ يُعادُ إِليه؛
وأَعاد فلان الصلاةَ يُعِيدها. وقال الليث: رأَيت فلاناً ما يُبْدِيءُ وما
يُعِيدُ أَي ما يتكلم ببادئَة ولا عائِدَة. وفلان ما يُعِيدُ وما يُبدئ
إِذا لم تكن له حيلة؛ عن ابن الأَعرابي؛ وأَنشد:
وكنتُ امْرَأً بالغَورِ مِنِّي ضَمانَةٌ،
وأُخْرى بِنَجْد ما تُعِيدُ وما تُبْدي
يقول: ليس لِما أَنا فيه من الوجد حيلة ولا جهة. والمُعِيدُ: المُطِيقُ
للشيءِ يُعاوِدُه؛ قال:
لا يَسْتَطِيعُ جَرَّهُ الغَوامِضُ
إِلا المُعِيداتُ به النَّواهِضُ
وحكى الأَزهري في تفسيره قال: يعني النوق التي استعادت النهض
بالدَّلْوِ. ويقال: هو مُعِيدٌ لهذا الشيء أَي مُطِيقٌ له لأَنه قد اعْتادَه؛ وأَما
قول الأَخطل:
يَشُولُ ابنُ اللَّبونِ إِذا رآني،
ويَخْشاني الضُّواضِيَةُ المُعِيدُ
قال: أَصل المُعيدِ الجمل الذي ليس بِعَياياءٍ وهو الذي لا يضرب حتى
يخلط له، والمعِيدُ الذي لا يحتاج إِلى ذلك. قال ابن سيده: والمعيد الجمل
الذي قد ضرب في الإِبل مرات كأَنه أَعاد ذلك مرة بعد أُخرى.
وعادني الشيءُ عَوْداً واعتادني، انْتابَني. واعتادني هَمٌّ وحُزْنٌ؛
قال: والاعتِيادُ في معنى التَّعوُّدِ، وهو من العادة. يقال: عَوَّدْتُه
فاعتادَ وتَعَوَّدَ. والعِيدُ: ما يَعتادُ من نَوْبٍ وشَوْقٍ وهَمٍّ ونحوه.
وما اعتادَكَ من الهمِّ وغيره، فهو عِيدٌ؛ قال الشاعر:
والقَلْبُ يَعْتادُه من حُبِّها عِيدُ
وقال يزيد بن الحكم الثقفي سليمان بن عبد الملك:
أَمْسَى بأَسْماءَ هذا القلبُ مَعْمُودَا،
إِذا أَقولُ: صَحا، يَعْتادُه عِيدا
كأَنَّني، يومَ أُمْسِي ما تُكَلِّمُني،
ذُو بُغْيَةٍ يَبْتَغي ما ليسَ مَوْجُوداً
كأَنَّ أَحْوَرَ من غِزْلانِ ذي بَقَرٍ،
أَهْدَى لنا سُنَّةَ العَيْنَيْنِ والجِيدَا
وكان أَبو علي يرويه شبه العينين والجيدا، بالشين المعجمة وبالباء
المعجمة بواحدة من تحتها، أَراد وشبه الجيد فحذف المضاف وأَقام المضاف إِليه
مُقامه؛ وقد قيل إِن أَبا علي صحفه يقول في مدحها:
سُمِّيتَ باسمِ نَبِيٍّ أَنتَ تُشْبِهُه
حِلْماً وعِلْماً، سليمان بنِ داودا
أَحْمِدْ به في الورى الماضِين من مَلِكٍ،
وأَنتَ أَصْبَحتَ في الباقِينَ مَوْجُوداً
لا يُعذَلُ الناسُ في أَن يَشكُروا مَلِكاً
أَوْلاهُمُ، في الأُمُورِ، الحَزْمَ والجُودا
وقال المفضل: عادني عِيدي أَي عادتي؛ وأَنشد:
عادَ قَلْبي من الطويلةِ عِيدُ
أَراد بالطويلة روضة بالصَّمَّانِ تكون ثلاثة أَميال في مثلها؛ وأَما
قول تأَبَّطَ شَرّاً:
يا عيدُ ما لَكَ من شَوْقٍ وإِيراقِ،
ومَرِّ طَيْفٍ، على الأَهوالِ طَرَّاقِ
قال ابن الأَنباري في قوله يا عيد ما لك: العِيدُ ما يَعْتادُه من الحزن
والشَّوْق، وقوله ما لك من شوق أَي ما أَعظمك من شوق، ويروى: يا هَيْدَ
ما لكَ، والمعنى: يا هَيْدَ ما حالُك وما شأْنُك. يقال: أَتى فلان القومَ
فما قالوا له: هَيْدَ مالَك أَي ما سأَلوه عن حاله؛ أَراد: يا أَيها
المعتادُني ما لَك من شَوْقٍ كقولك ما لَكَ من فارس وأَنت تتعجَّب من
فُروسيَّته وتمدحه؛ ومنه قاتله الله من شاعر.
والعِيدُ: كلُّ يوم فيه جَمْعٌ، واشتقاقه من عاد يَعُود كأَنهم عادوا
إِليه؛ وقيل: اشتقاقه من العادة لأَنهم اعتادوه، والجمع أَعياد لزم البدل،
ولو لم يلزم لقيل: أَعواد كرِيحٍ وأَرواحٍ لأَنه من عاد يعود.
وعَيَّدَ المسلمون: شَهِدوا عِيدَهم؛ قال العجاج يصف الثور الوحشي:
واعْتادَ أَرْباضاً لَها آرِيُّ،
كما يَعُودُ العِيدَ نَصْرانيُّ
فجعل العيد من عاد يعود؛ قال: وتحوَّلت الواو في العيد ياء لكسرة العين،
وتصغير عِيد عُيَيْدٌ تركوه على التغيير كما أَنهم جمعوه أَعياداً ولم
يقولوا أَعواداً؛ قال الأَزهري: والعِيدُ عند العرب الوقت الذي يَعُودُ
فيه الفَرَح والحزن، وكان في الأَصل العِوْد فلما سكنت الواو وانكسر ما
قبلها صارت ياء، وقيل: قلبت الواو ياء ليَفْرُقوا بين الاسم الحقيقي وبين
المصدريّ. قال الجوهري: إِنما جُمِعَ أَعيادٌ بالياء للزومها في الواحد،
ويقال للفرق بينه وبين أَعوادِ الخشب. ابن الأَعرابي: سمي العِيدُ عيداً
لأَنه يعود كل سنة بِفَرَحٍ مُجَدَّد.
وعادَ العَلِيلَ يَعُودُه عَوْداً وعِيادة وعِياداً: زاره؛ قال أَبو
ذؤيب:
أَلا لَيْتَ شِعْرِي، هَلْ تَنَظَّرَ خالدٌ
عِيادي على الهِجْرانِ، أَم هوَ يائِسُ؟
قال ابن جني: وقد يجوز أَن يكون أَراد عيادتي فحذف الهاء لأَجل
الإِضافة، كما قالوا: ليت شعري؛ ورجل عائدٌ من قَوْم عَوْدٍ وعُوَّادٍ، ورجلٌ
مَعُودٌ ومَعْوُود، الأَخيرة شاذة، وهي تميمية. وقال اللحياني: العُوادَةُ
من عِيادةِ المريض، لم يزد على ذلك. وقَوْمٌ عُوَّادٌ وعَوْدٌ؛ الأَخيرة
اسم للجمع؛ وقيل: إِنما سمي بالمصدر.
ونِسوةٌ عوائِدُ وعُوَّدٌ: وهنَّ اللاتي يَعُدْنَ المريض، الواحدة
عائِدةٌ. قال الفراء: يقال هؤلاء عَودُ فلان وعُوَّادُه مثل زَوْرِه
وزُوَّاره، وهم الذين يَعُودُونه إِذا اعْتَلَّ. وفي حديث فاطمة بنت قيس: فإِنها
امرأَة يكثُرُ عُوَّادُها أَي زُوَّارُها. وكل من أَتاك مرة بعد أُخرى،
فهو عائد، وإِن اشتهر ذلك في عيادة المريض حتى صار كأَنه مختص به.
قال الليث: العُودُ كل خشبة دَقَّتْ؛ وقيل: العُودُ خَشَبَةُ كلِّ
شجرةٍ، دقّ أَو غَلُظ، وقيل: هو ما جرى فيه الماء من الشجر وهو يكون للرطْب
واليابس، والجمع أَعوادٌ وعِيدانٌ؛ قال الأَعشى:
فَجَرَوْا على ما عُوِّدوا،
ولكلِّ عِيدانٍ عُصارَهْ
وهو من عُودِ صِدْقٍ أَو سَوْءٍ، على المثل، كقولهم من شجرةٍ صالحةٍ.
وفي حديث حُذَيفة: تُعْرَضُ الفِتَنُ على القلوبِ عَرْضَ الحُصْرِ عَوْداً
عَوْداً؛ قال ابن الأَثير: هكذا الرواية، بالفتح، أَي مرة بعد مرةٍ،
ويروى بالضم، وهو واحد العِيدان يعني ما ينسج به الحُصْرُ من طاقاته، ويروى
بالفتح مع ذال معجمة، كأَنه استعاذ من الفتن.
والعُودُ: الخشبة المُطَرَّاةُ يدخَّن بها ويُسْتَجْمَرُ بها، غَلَبَ
عليها الاسم لكرمه. وفي الحديث: عليكم بالعُودِ الهِندِيّ؛ قيل: هو
القُسْطُ البَحْرِيُّ، وقيل: هو العودُ الذي يتبخر به. والعُودُ ذو الأَوْتارِ
الأَربعة: الذي يضرب به غلب عليه أَيضاً؛ كذلك قال ابن جني، والجمع
عِيدانٌ؛ ومما اتفق لفظه واختلف معناه فلم يكن إِيطاءً قولُ بعض
المولّدين:يا طِيبَ لَذَّةِ أَيامٍ لنا سَلَفَتْ،
وحُسْنَ بَهْجَةِ أَيامِ الصِّبا عُودِي
أَيامَ أَسْحَبُ ذَيْلاً في مَفارِقِها،
إِذا تَرَنَّمَ صَوْتُ النَّايِ والعُودِ
وقهْوَةٍ من سُلافِ الدَّنِّ صافِيَةٍ،
كالمِسْكِ والعَنبَرِ الهِندِيِّ والعُودِ
تستَلُّ رُوحَكَ في بِرٍّ وفي لَطَفٍ،
إِذا جَرَتْ منكَ مجرى الماءِ في العُودِ
قوله أَوَّلَ وهْلَةٍ عُودي: طَلَبٌ لها في العَوْدَةِ، والعُودُ
الثاني: عُودُ الغِناء، والعُودُ الثالث: المَنْدَلُ وهو العُودُ الذي يتطيب
به، والعُودُ الرابع: الشجرة، وهذا من قَعاقعِ ابن سيده؛ والأَمر فيه أَهون
من الاستشهاد به أَو تفسير معانيه وإِنما ذكرناه على ما وجدناه.
والعَوَّادُ: متخذ العِيدانِ.
وأَما ما ورد في حديث شريح: إِنما القضاء جَمْرٌ فادفعِ الجمرَ عنك
بعُودَيْنِ؛ فإِنه أَراد بالعودين الشاهدين، يريد اتق النار بهما واجعلهما
جُنَّتَك كما يدفع المُصْطَلي الجمرَ عن مكانه بعود أَو غيره لئلا يحترق،
فمثَّل الشاهدين بهما لأَنه يدفع بهما الإِثم والوبال عنه، وقيل: أَراد
تثبت في الحكم واجتهد فيما يدفع عنك النار ما استطعت؛ وقال شمر في قول
الفرزدق:
ومَنْ وَرِثَ العُودَيْنِ والخاتَمَ الذي
له المُلْكُ، والأَرضُ الفَضاءُ رَحْيبُها
قال: العودانِ مِنْبَرُ النبي، صلى الله عليه وسلم، وعَصاه؛ وقد ورد ذكر
العودين في الحديث وفُسِّرا بذلك؛ وقول الأَسود
بن يعفر:
ولقد عَلِمْت سوَى الذي نَبَّأْتني:
أَنَّ السَّبِيلَ سَبِيلُ ذي الأَعْوادِ
قال المفضل: سبيل ذي الأَعواد يريد الموت، وعنى بالأَعواد ما يحمل عليه
الميت؛ قال الأَزهري: وذلك إِن البوادي لا جنائز لهم فهم يضمون عُوداً
إِلى عُودٍ ويحملون الميت عليها إِلى القبر. وذو الأَعْواد: الذي قُرِعَتْ
له العَصا، وقيل: هو رجل أَسَنَّ فكان يُحمل في مِحَفَّةٍ من عُودٍ. أَبو
عدنان: هذا أَمر يُعَوِّدُ الناسَ عليَّ أَي يُضَرِّيهم بِظُلْمي. وقال:
أَكْرَهُ تَعَوُّدَ الناسِ عليَّ فَيَضْرَوْا بِظُلْمي أَي يَعْتادُوه.
وقال شمر: المُتَعَيِّدُ الظلوم؛ وأَنشد ابن الأَعرابي لطرفة:
فقال: أَلا ماذا تَرَوْنَ لِشارِبٍ
شَدِيدٍ علينا سُخطُه مُتَعَيِّدِ؟
(* في ديوان طرفة: شديد علينا بغيُه متعمِّدِ).
أَي ظلوم؛ وقال جرير:
يَرَى المُتَعَيِّدُونَ عليَّ دُوني
أُسُودَ خَفِيَّةَ الغُلْبَ الرِّقابا
وقال غيره: المُتَعَيِّدُ الذي يُتَعَيَّدُ عليه بوعده. وقال أَبو عبد
الرحمن: المُتَعَيِّدُ المُتجَنِّي في بيت جرير؛ وقال ربيعة بن مقروم:
على الجُهَّالِ والمُتَعَيِّدِينا
قال: والمُتَعَيِّدُ الغَضْبانُ. وقال أَبو سعيد: تَعَيِّدَ العائنُ على
ما يَتَعَيَّنُ إِذا تَشَهَّقَ عليه وتَشَدَّدَ ليبالغ في إِصابته
بعينه. وحكي عن أَعرابي: هو لا يُتَعَيَّنُ عليه ولا يُتَعَيَّدُ؛ وأَنشد ابن
السكيت:
كأَنها وفَوْقَها المُجَلَّدُ،
وقِرْبَةٌ غَرْفِيَّةٌ ومِزْوَدُ،
غَيْرَى على جاراتِها تَعَيِّدُ
قال: المُجَلَّدُ حِمْل ثقيل فكأَنها، وفوقها هذا الحمل وقربة ومزود،
امرأَة غَيْرَى. تعيد أَي تَنْدَرِئُ بلسانها على ضَرَّاتها وتحرّك
يديها.والعَوْدُ: الجمل المُسِنُّ وفيه بقية؛ وقال الجوهري: هو الذي جاوَزَ في
السنِّ البازِلَ والمُخْلِفَ، والجمع عِوَدَةٌ، قال الأَزهري: ويقال في
لغة عِيَدَةَ وهي قبيحة. وفي المثل: إنّ جَرْجَدَ العَوْدَ فَزِدْه
وقْراً، وفي المثل: زاحِمْ بعَوْد أَو دَعْ أَي استعن على حربك بأَهل السن
والمعرفة، فإِنَّ رأْي الشيخ خير من مَشْهَدِ الغلام، والأُنثى عَوْدَةٌ
والجمع عِيادٌ؛ وقد عادَ عَوْداً وعَوَّدَ وهو مُعَوِّد. قال الأَزهري: وقد
عَوَّدَ البعيرُ تَعْوِيداً إِذا مضت له ثلاث سنين بعد بُزُولِه أَو
أَربعٌ، قال: ولا يقال للناقة عَوْدَةٌ ولا عَوَّدَتْ؛ قال: وسمعت بعض العرب
يقول لفرس له أُنثى عَوْدَةٌ. وفي حديث حسان: قد آن لكم أَنْ تَبْعَثُوا
إِلى هذا العَوْدِ؛ هو الجمل الكبير المُسِنُّ المُدَرَّبُ فشبه نفسه به.
وفي حديث معاوية: سأَله رجل فقال: إِنك لَتَمُتُّ بِرَحِمٍ عَوْدَة،
فقال: بُلَّها بعَطائكَ حتى تَقْرُبَ، أَي برَحِمٍ قديمةٍ بعيدة النسب.
والعَوْد أَيضاً: الشاة المسن، والأُنثى كالأُنثى. وفي الحديث: أَنه، عليه
الصلاة والسلام، دخل على جابر بن عبد الله منزلَهُ قال: فَعَمَدْتُ إِلى
عَنْزٍ لي لأَذْبَحَها فَثَغَتْ، فقال، عليه السلام: يا جابر لا تَقْطَعْ
دَرًّا ولا نَسْلاً، فقلت: يا رسول الله إِنما هي عَوْدَة علفناها البلح
والرُّطَب فسمنت؛ حكاه الهروي في الغريبين. قال ابن الأَثير: وعَوَّدَ
البعيرُ والشاةُ إِذا أَسَنَّا، وبعير عَوْد وشاة عَوْدَةٌ. قال ابن
الأَعرابي: عَوَّدَ الرجلُ تَعْويداً إِذا أَسن؛ وأَنشد:
فَقُلْنَ قد أَقْصَرَ أَو قد عَوّدا
أَي صار عَوْداً كبيراً. قال الأَزهري: ولا يقال عَوْدٌ لبعير أَو شاة،
ويقال للشاة عَوْدة ولا يقال للنعجة عَوْدة. قال: وناقة مُعَوِّد. وقال
الأَصمعي: جمل عَوْدٌ وناقة عَوْدَةٌ وناقتان عَوْدَتان، ثم عِوَدٌ في جمع
العَوْدة مثل هِرَّةٍ وهِرَرٍ وعَوْدٌ وعِوَدَةٌ مثل هِرٍّ وهِرَرَةٍ،
وفي النوادر: عَوْدٌ وعِيدَة؛ وأَما قول أَبي النجم:
حتى إِذا الليلُ تَجَلَّى أَصْحَمُه،
وانْجابَ عن وجْهٍ أَغَرَّ أَدْهَمُه،
وتَبِعَ الأَحْمَرَ عَوْدٌ يَرْجُمُه
فإِنه أَراد بالأَحمر الصبح، وأَراد بالعود الشمس. والعَوْدُ: الطريقُ
القديمُ العادِيُّ؛ قال بشير بن النكث:
عَوْدٌ على عَوْدٍ لأَقْوامٍ أُوَلْ،
يَمُوتُ بالتَّركِ، ويَحْيا بالعَمَلْ
يريد بالعود الأُول الجمل المسنّ، وبالثاني الطريق أَي على طريق قديم،
وهكذا الطريق يموت إِذا تُرِكَ ويَحْيا إِذا سُلِكَ؛ قال ابن بري: وأَما
قول الشاعر:
عَوْدٌ عَلى عَوْدٍ عَلى عَوْدٍ خَلَقْ
فالعَوْدُ الأَول رجل مُسنّ، والعَوْدُ الثاني جمل مسنّ، والعود الثالث
طريق قديم. وسُودَدٌ عَوْدٌ قديمٌ على المثل؛ قال الطرماح:
هَلِ المَجْدُ إِلا السُّودَدُ العَوْدُ والنَّدى،
وَرَأْبُ الثَّأَى، والصَّبْرُ عِنْدَ المَواطِنِ؟
وعادَني أَنْ أَجِيئَك أَي صَرَفَني، مقلوب من عَداني؛ حكاه يعقوب.
وعادَ فِعْلٌ بمنزلة صار؛ وقول ساعدة بن جؤية:
فَقَامَ تَرْعُدُ كَفَّاه بِمِيبَلَة،
قد عادَ رَهْباً رَذِيّاً طائِشَ القَدَمِ
لا يكون عاد هنا إِلا بمعنى صار، وليس يريد أَنه عاود حالاً كان عليها
قبل، وقد جاء عنهم هذا مجيئاً واسعاً؛ أَنشد أَبو علي للعجاج:
وقَصَباً حُنِّيَ حَتَّى كادَا
يَعُودُ، بَعْدَ أَعْظُمٍ، أَعْوادَا
أَي يصير. وعاد: قبيلة. قال ابن سيده: قضينا على أَلفها أَنها واو
للكثرة وأَنه ليس في الكلام «ع ي د» وأَمَّا عِيدٌ وأَعْيادٌ فبد لازم. وأَما
ما حكاه سيبويه من قول بعض العرب من أَهلِ عاد بالإِمالة فلا يدل ذلك أَن
أَلفها من ياء لما قدّمنا، وإِنما أَمالوا لكسرة الدال. قال: ومن العرب
من يدَعُ صَرْفَ عاد؛ وأَنشد:
تَمُدُّ عليهِ، منْ يَمِينٍ وأَشْمُلٍ،
بُحُورٌ له مِنْ عَهْدِ عاد وتُبَّعا
جعلهما اسمين للقبيلتين. وبئر عادِيَّةٌ، والعادِيُّ الشيء القديم نسب
إِلى عاد؛ قال كثير:
وما سالَ وادٍ مِنْ تِهامَةَ طَيِّبٌ،
به قُلُبٌ عادِيَّةٌ وكُرُورُ
(* قوله «وكرور» كذا بالأصل هنا والذي فيه في مادة ك ر ر وكرار بالالف
وأورد بيتاً قبله على هذا النمط وكذا الجوهري فيها).
وعاد: قبيلة وهم قومُ هودٍ، عليه السلام. قال الليث: وعاد الأُولى هم
عادُ بن عاديا بن سام بن نوح الذين أَهلكهم الله؛ قال زهير:
وأُهْلِكَ لُقْمانُ بنُ عادٍ وعادِيا
وأَما عاد الأَخيرة فهم بنو تميم ينزلون رمالَ عالِجٍ عَصَوُا الله
فَمُسخُوا نَسْناساً، لكل إِنسان منهم يَدٌ ورجل من شِقّ؛ وما أَدْري أَيُّ
عادَ هو، غير مصروف
(* قوله «غير مصروف» كذا بالأصل والصحاح وشرح القاموس
ولو اريد بعاد القبيلة لا يتعين منعه من الصرف ولذا ضبط في القاموس الطبع
بالصرف.) أَي أَيّ خلق هو.
والعِيدُ: شجر جبلي يُنْبِتُ عِيداناً نحو الذراع أَغبر، لا ورق له ولا
نَوْر، كثير اللحاء والعُقَد يُضَمَّدُ بلحائه الجرح الطري فيلتئم،
وإِنما حملنا العيد على الواو لأَن اشتقاق العيد الذي هو الموسم إِنما هو من
الواو فحملنا هذا عليه.
وبنو العِيدِ: حي تنسب إِليه النوق العِيدِيَّةُ، والعيدِيَّة: نجائب
منسوبة معروفة؛ وقيل: العِيدية منسوبة إِلى عاد بن عاد، وقيل: إلى عادِيّ
بن عاد إِلا أَنه على هذين الأَخيرين نَسَبٌ شاذٌّ، وقيل: العيدية تنسب
إِلى فَحْلٍ مُنْجِب يقال له عِيدٌ كأَنه ضرب في الإِبل مرات؛ قال ابن
سيده: وهذا ليس بقويّ؛ وأَنشد الجوهري لرذاذ الكلبي:
ظَلَّتْ تَجُوبُ بها البُلْدانَ ناجِيَةٌ
عِيدِيَّةٌ، أُرْهِنَتْ فيها الدَّنانِيرُ
وقال: هي نُوق من كِرام النجائب منسوبة إِلى فحل منجب. قال شمر:
والعِيدِيَّة ضَرْب من الغنم، وهي الأُنثى من البُرِْقانِ، قال: والذكر خَرُوفٌ
فلا يَزالُ اسمَه حتى يُعَقَّ عَقِيقَتُه؛ قال الأَزهري: لا أَعرف
العِيدِيَّة في الغنم وأَعرف جنساً من الإِبل العُقَيْلِيَّة يقال لها
العِيدِيَّة، قال: ولا أَدري إِلى أَي شيء نسبت.
وحكى الأَزهري عن الأَصمعي: العَيْدانَةُ النخلة الطويلة، والجمع
العَيْدانُ؛ قال لبيد:
وأَبْيَض العَيْدانِ والجَبَّارِ
قال أَبو عدنان: يقال عَيْدَنَتِ النخلةُ إِذا صارت عَيْدانَةً؛ وقال
المسيب بن علس:
والأُدْمُ كالعَيْدانِ آزَرَها،
تحتَ الأَشاءِ، مُكَمَّمٌ جَعْلُ
قال الأَزهري: من جعل العيدان فَيْعالاً جعل النون أَصلية والياء زائدة،
ودليله على ذلك قولهم عيْدَنَتِ النخلةُ، ومن جعله فَعْلانَ مثل
سَيْحانَ من ساحَ يَسِيحُ جعل الياء أَصلية والنون زائدة. قال الأَصمعي:
العَيْدانَةُ شجرة صُلْبَة قديمة لها عروق نافذة إِلى الماء، قال: ومنه هَيْمانُ
وعَيْلانُ؛ وأَنشد:
تَجاوَبْنَ في عَيْدانَةٍ مُرْجَحِنَّةٍ
مِنَ السِّدْرِ، رَوَّاها، المَصِيفَ، مَسِيلُ
وقال:
بَواسِق النخلِ أَبكاراً وعَيْدانا
قال الجوهري: والعَيدان، بالفتح، الطِّوالُ من النخل، الواحدة
عيْدانَةٌ، هذا إِن كان فَعْلان، فهو من هذا الباب، وإِن كان فَيْعالاً، فهو من
باب النون وسنذكره في موضعه.
والعَوْدُ: اسم فرَس مالك بن جُشَم. والعَوْدُ أَيضاً: فرس أُبَيّ بن
خلَف.
وعادِ ياءُ: اسم رجل؛ قال النمر بن تولب:
هَلاَّ سَأَلْت بِعادياءَ وَبَيْتِه
والخلِّ والخمرِ، الذي لم يُمْنَعِ؟
قال: وإِن كان تقديره فاعلاء، فهو من باب المعتل، يذكر في موضعه.