من (ع ز ب) مزرعة فيها قصر المالك أو داره تحيط به بيوت الفلاحين.
من (ع ز ب) مزرعة فيها قصر المالك أو داره تحيط به بيوت الفلاحين.
طــعزب: الطَّــعْزبــة: الـهُزءُ والسُّخْرية، حكاه ابن دريد؛ قال ابن سيده: ولا أَدري ما حقيقته.
أهل: الأَهْل: أَهل الرجل وأَهْلُ الدار، وكذلك الأَهْلة؛ قال أَبو
الطَّمَحان:
وأَهْلةِ وُدٍٍّّ تَبَرَّيتُ وُدَّهم،
وأَبْلَيْتُهم في الحمد جُهْدي ونَائلي
ابن سيده: أَهْل الرجل عَشِيرتُه وذَوُو قُرْباه، والجمع أَهْلون
وآهَالٌ وأَهَالٍ وأَهْلات وأَهَلات؛ قال المُخَبَّل السعدي:
وهُمْ أَهَلاتٌ حَوْلَ قَيْسِ بنِ عاصم،
إِذا أَدْلَجوا باللَّيل يَدْعُونَ كَوْثَرا
وأَنشد الجوهري:
وبَلْدَةٍ ما الإِنْسُ من آهالِها،
تَرَى بِها العَوْهَقَ من وِئالُها
وِثالُها: جمع وائل كقائم وقِيام؛ ويروى البيت:
وبَلْدَةٍ يَسْتَنُّ حازي آلِها
قال سيبويه: وقالوا أَهْلات، فخففوا، شَبَّهوها بصعْبات حيث كان أَهل
مذكَّراً تدخله الواو والنون، فلما جاء مؤنثه كمؤنث صَعْب فُعل به كما فعل
بمؤنث صَعْب؛ قال ابن بري: وشاهد الأَهْل فيما حَكى أَبو القاسم الزجاجي
أَن حَكِيم
بن مُعَيَّة الرَّبَعي كان يُفَضِّل الفَرَزْدق على جَرير، فهَجَا جرير
حكيماً فانتصر له كنان
بن ربيعة أَو أَخوه ربعي
بن ربيعة، فقال يهجو جريراً:
غَضِبْتَ علينا أَن عَلاك ابن غالب،
فهَلاَّ على جَدَّيْك، في ذاك، تَغْضَبُ؟
هما، حينَ يَسْعَى المَرْءُ مَسْعاةَ أَهْلِهِ،
أَناخَا فشَدَّاك العِقال المُؤَرَّبُ
(* قوله: شداك العقال؛ اراد: بالعقال، فنصب بنزع الخافض، وورد مؤرب، في
الأصل، مضموماً، وحقه النصب لأنه صفة لعقال، ففي البيت إذاً إقواء).
وما يُجْعَل البَحْرُ الخِضَمُّ، إِذا طما،
كَجُدٍٍّّ ظَنُونٍ، ماؤُه يُتَرقَّبُ
أَلَسْتَ كُلْيبيًّا لألأَمِ وَالدٍ،
وأَلأَمِ أُمٍٍّّ فَرَّجَتْ بك أَو أَبُ؟
وحكى سيبويه في جمع أَهْل: أَهْلُون، وسئل الخليل: لم سكنوا الهاء ولم
يحرّكوها كما حركوا أَرَضِين؟ فقال: لأَن الأَهل مذكر، قيل: فلم قالوا
أَهَلات؟ قال: شبهوها بأَرَضات، وأَنشد بيت المخبل السعدي، قال: ومن العرب
من يقول أَهْلات على القياس. والأَهَالي: جمع الجمع وجاءت الياء التي في
أَهالي من الياء التي في الأَهْلين. وفي الحديث: أَهْل القرآن هم أَهْلُ
الله وخاصَّته أَي حَفَظة القرآن العاملون به هم أَولياء الله والمختصون
به اختصاصَ أَهْلِ الإِنسان به. وفي حديث أَبي بكر في استخلافه عمر: أَقول
له، إِذا لَقِيتُه، اسْتعملتُ عليهم خَيْرَ أَهْلِكَ؛ يريد خير
المهاجرين وكانوا يسمُّون أَهْلَ مكة أَهل الله تعظيماً لهم كما يقال بيت الله،
ويجوز أَن يكون أَراد أَهل بيت الله لأَنهم كانوا سُكَّان بيت الله. وفي
حديث أُم سلمة: ليس بكِ على أَهْلكِ هَوَانٌ؛ أَراد بالأَهل نَفْسَه، عليه
السلام، أَي لا يَعْلَق بكِ ولا يُصيبكِ هَوَانٌ عليهم.
واتَّهَل الرجلُ: اتخذ أَهْلاً؛ قال:
في دَارَةٍ تُقْسَمُ الأَزْوادُ بَيْنَهم،
كأَنَّما أَهْلُنا منها الذي اتَّهَلا
كذا أَنشده بقلب الياء تاء ثم إِدغامها في التاء الثانية، كما حكي من
قولهم اتَّمَنْته، وإلا فحكمه الهمزة أَو التخفيف القياسي أَي كأَن أَهلنا
أَهلُه عنده أَي مِثلُهم فيما يراه لهم من الحق. وأَهْلُ المذهب: مَنْ
يَدين به. وأَهْلُ الإِسلام: مَن يَدِين به. وأَهْلُ الأَمر: وُلاتُه.
وأَهْلُ البيت: سُكَّانه. وأَهل الرجل: أَخَصُّ الناس به. وأَهْلُ بيت
النبي،صلى الله عليه وسلم: أَزواجُه وبَناته وصِهْرُه، أَعني عليًّا، عليه
السلام، وقيل: نساء النبي،صلى الله عليه وسلم، والرجال الذين هم آله. وفي
التنزيل العزيز: إِنما يريد الله ليُذْهِبَ عنكم الرِّجْس أَهلَ البيت؛
القراءة أَهْلَ بالنصب على المدح كما قال: بك اللهَ نرجو الفَضْل وسُبْحانك
اللهَ العظيمَ، أَو على النداء كأَنه قال يا أَهل البيت. وقوله عز وجل
لنوح، عليه السلام: إِنه ليس من أَهْلِك؛ قال الزجاج: أَراد ليس من أَهْلِك
الذين وعدتُهم أَن أُنجيهم، قال: ويجوز أَن يكون ليس من أَهل دينك.
وأَهَلُ كل نَبيٍّ: أُمَّته.
ومَنْزِلٌ آهِلٌ أَي به أَهْلُه. ابن سيده: ومكان آهِلٌ له أَهْل؛
سيبويه: هو على النسب، ومأْهول: فيه أَهل؛ قال الشاعر:وقِدْماً كان
مأْهْولاً،وأَمْسَى مَرْتَعَ العُفْر
وقال رؤبة:
عَرَفْتُ بالنَّصْرِيَّةِ المَنازِلا
قَفْراً، وكانت مِنْهُمُ مَآهلا
ومكان مأْهول، وقد جاء: أُهِل؛ قال العجاج:
قَفْرَيْنِ هذا ثم ذا لم يُؤهَل
وكلُّ شيء من الدواب وغيرها أَلِف المَنازلَ أَهْلِيٌّ وآهِلٌ؛ الأَخيرة
على النسب، وكذلك قيل لما أَلِفَ الناسَ والقُرى أَهْلِيٌّ، ولما
اسْتَوْحَشَ بَرِّيّ ووحشي كالحمار الوحشي. والأَهْلِيُّ: هو الإِنْسِيّ. ونَهى
رسول الله،صلى الله عليه وسلم، عن أَكل لحوم الحُمُر الأَهْلية يومَ
خَيْبَرَ؛ هي الحُمُر التي تأْلف البيوت ولها أَصْحاب وهي مثل الأُنْسية ضدّ
الوحشية.
وقولهم في الدعاء: مَرْحَباً وأَهْلاً أَي أَتيتَ رُحْباً أَي سَعَة،
وفي المحكم أَي أَتيت أَهْلاً لا غُرباء فاسَْأْْنِسْ ولا تَسْتَوْحِشْ.
وأَهَّل به: قال له أَهْلاً. وأَهِل به: أَنِس. الكسائي والفراء: أَهِلْتُ
به وودَقْتُ به إِذا استأْنستَ به؛ قال ابن بري: المضارع منه آهَلُ به،
بفتح الهاء. وهو أَهْلٌ لكذا أَي مُسْتَوجب له، الواحدُ والجمعُ في ذلك
سَواء، وعلى هذا قالوا: المُلْك لله أَهْلِ المُلْك. وفي التنزيل العزيز:
هو أَهْلُ التَّقْوى وأَهْل المغفرة؛ جاء في التفسير: أَنه، عز وجل،
أَهْلٌ لأَن يُتَّقَى فلا يُعْصَى وأَهْلُ المغفرة لمن اتَّقاه، وقيل: قوله
أَهل التقوى مَوْضِعٌ لأَن يُتَّقى، وأَهْل المغفرة موضع لذلك.
الأَزهري: وخطَّأَ بعضُهم قولَ من يقول فلان يَسْتأْهِل أَن يُكْرَم أَو
يُهان بمعنى يَسْتحق، قال: ولا يكون الاستِئهال إِلاَّ من الإِهالة،
قال: وأَما أَنا فلا أُنكره ولا أُخَطِّئُ من قاله لأَني سمعت أَعرابيّاً
فَصِيحاً من بني أَسد يقول لرجل شكر عنده يَداً أُولِيَها: تَسْتَأْهِل يا
أَبا حازم ما أُولِيتَ، وحضر ذلك جماعة من الأَعراب فما أَنكروا قوله،
قال: ويُحَقِّق ذلك قولُه هو أَهْل التقوى وأَهل المَغْفِرة. المازني: لا
يجوز أَن تقول أَنت مُسْتَأْهل هذا الأَمر ولا مستأْهل لهذا الأَمر لأَنك
إِنما تريد أَنت مستوجب لهذا الأَمر، ولا يدل مستأْهل على ما أَردت،
وإِنما معنى الكلام أَنت تطلب أَن تكون من أَهل هذا المعنى ولم تُرِدْ ذلك،
ولكن تقول أَنت أَهْلٌ لهذا الأَمر، وروى أَبو حاتم في كتاب المزال
والمفسد عن الأَصمعي: يقال استوجب ذلك واستحقه ولا يقال استأْهله ولا أَنت
تَسْتَأْهِل ولكن تقول هو أَهل ذاك وأَهل لذاك، ويقال هو أَهْلَةُ ذلك.
وأَهّله لذلك الأَمر تأْهيلاً وآهله: رآه له أَهْلاً. واسْتَأْهَله: استوجبه،
وكرهها بعضهم، ومن قال وَهَّلتْه ذهب به إِلي لغة من يقول وامَرْتُ
وواكَلْت. وأَهْل الرجل وأَهلته: زَوْجُه. وأَهَل الرجلُ يَأْهِلُ ويَأْهُل
أَهْلاً وأُهُولاً، وتَأَهَّل: تَزَوَّج. وأَهَلَ فلان امرأَة يأْهُل إِذا
تزوّجها، فهي مَأْهولة. والتأَهُّل: التزوّج. وفي باب الدعاء: آهَلَك
الله في الجنة إيهالاً أَي زوّجك فيها وأَدخلكها. وفي الحديث: أَن
النبي،صلى الله عليه وسلم، أَعْطى الآهِلَ حَظَّين والــعَزَب حَظًّا؛ الآهل: الذي
له زوجة وعيال، والــعَزَب الذي لا زوجة له، ويروى الأَــعزب، وهي لغة رديئة
واللغة الفُصْحى الــعَزَب، يريد بالعطاء نصيبَهم من الفَيْء. وفي الحديث:
لقد أَمست نِيران بني كعب آهِلةً أَي كثيرة الأَهل. وأَهَّلَك الله للخير
تأْهيلاً.
وآلُ الرجل: أَهْلُه. وآل الله وآل رسوله: أَولياؤه، أَصلها أَهل ثم
أُبدلت الهاء همزة فصارت في التقدير أَأْل، فلما توالت الهمزتان أَبدلوا
الثانية أَلفاً كما قالوا آدم وآخر، وفي الفعل آمَنَ وآزَرَ، فإِن قيل: ولمَ
زَعَمْتَ أَنهم قلبوا الهاء همزة ثم قلبوها فيما بعد، وما أَنكرتَ من
أَن يكون قلبوا الهاء أَلفاً في أَوَّل الحال؟ فالجواب أَن الهاء لم تقلب
أَلفاً في غير هذا الموضع فيُقاسَ هذا عليه، فعلى هذا أُبدلت الهاء همزة
ثم أُبدلت الهمزة أَلفاً، وأَيضاً فإِن الأَلف لو كانت منقلبة عن غير
الهمزة المنقلبة عن الهاء كما قدمناه لجاز أَن يستعمل آل في كل موضع يستعمل
فيه أَهل، ولو كانت أَلف آل بدلاً من أَهل لقيل انْصَرِفْ إِلى آلك، كما
يقال انْصَرِف إِلى أَهلك، وآلَكَ والليلَ كما يقال أَهْلَك والليلَ، فلما
كانوا يخصون بالآل الأَشرفَ الأَخصَّ دون الشائع الأَعم حتى لا يقال
إِلا في نحو قولهم: القُرَّاء آلُ الله، وقولهم: اللهمَّ صلِّ على محمد وعلى
آل محمد، وقال رجل مؤمن من آل فرعون؛ وكذلك ما أَنشده أَبو العباس
للفرزدق:
نَجَوْتَ، ولم يَمْنُنْ عليك طَلاقةً،
سِوى رَبَّة التَّقْريبِ من آل أَعْوَجا
لأَن أَعوج فيهم فرس مشهور عند العرب، فلذلك قال آل أَعوجا كما يقال
أَهْل الإِسكاف، دلَّ على أَن الأَلف ليست فيه بدلاً من الأَصل، وإِنما هي
بدل من الأَصل
(* قوله «وإنما هي بدل من الأصل» كذا في الأصل. ولعل فيه
سقطاً. وأصل الكلام، والله أعلم: وإنما هي بدل من الهمزة التي هي بدل من
الأصل، أو نحو ذلك.) فجرت في ذلك مجرى التاء في القسم، لأَنها بدل من
الواو فيه، والواو فيه بدل من الباء، فلما كانت التاء فيه بدلاً من بدل وكانت
فرع الفرع اختصت بأَشرف الأَسماء وأَشهرها، وهو اسم الله، فلذلك لم
يُقَل تَزَيْدٍ ولا تالبَيْتِ كما لم يُقَل آل الإِسكاف ولا آل الخَيَّاط؛
فإِن قلت فقد قال بشر:
لعَمْرُك ما يَطْلُبْنَ من آل نِعْمَةٍ،
ولكِنَّما يَطْلُبْنَ قَيْساً ويَشْكُرا
فقد أَضافه إِلى نعمة وهي نكرة غير مخصوصة ولا مُشَرَّفة، فإِن هذا بيت
شاذ؛ قال ابن سيده: هذا كله قول ابن جني، قال: والذي العمل عليه ما
قدمناه وهو رأْي الأَخفش، قال: فإِن قال أَلست تزعم أَن الواو في والله بدل من
الباء في بالله وأَنت لو أَضمرت لم تقل وَهُ كما تقول به لأَفعلن، فقد
تجد أَيضاً بعض البدل لا يقع موقع المبدل منه في كل موضع، فما ننكر أَيضاً
أَن تكون الأَلف في آل بدلاً من الهاء وإِن كان لا يقع جميع مواقع أَهل؟
فالجواب أَن الفرق بينهما أَن الواو لم يمتنع من وقوعها في جميع مواقع
الباء من حيث امتنع من وقوع آل في جميع مواقع أَهل، وذلك أَن الإِضمار
يردّ الأَسماء إِلى أُصولها في كثير من المواضع، أَلا ترى أَن من قال
أَعطيتكم درهماً فحذف الواو التي كانت بعد الميم وأَسكن الميم، فإِنه إِذا
أَضمر للدرهم قال أَعطيتكموه، فردّ الواو لأَجل اتصال الكلمة بالمضمر؟ فأَما
ما حكاه يونس من قول بعضهم أَعْطَيْتُكُمْه فشاذ لا يقاس عليه عند عامة
أَصحابنا، فلذلك جاز أَن تقول: بهم لأَقعدن وبك لأَنطلقن، ولم يجز أَن
تقول: وَكَ ولا وَهُ، بل كان هذا في الواو أَحرى لأَنها حرف منفرد فضعفت عن
القوّة وعن تصرف الباء التي هي أَصل؛ أَنشدنا أَبو علي قال: أَنشدنا أَبو
زيد:
رأَى بَرْقاً فأَوْضَعَ فوقَ بَكْرٍ،
فلا بِكَ ما أَسالَ ولا أَغاما
قال: وأَنشدنا أَيضاً عنه:
أَلا نادَتْ أُمامةُ باحْتِمالِ
ليَحْزُنَني، فلا بِك ما أُبالي
قال: وأَنت ممتنع من استعمال الآل في غير الأَشهر الأَخص، وسواء في ذلك
أَضفته إِلى مُظْهَر أَو أَضفته إِلى مضمر؛ قال ابن سيده: فإِن قيل أَلست
تزعم أَن التاء في تَوْلَج بدل من واو، وأَن أَصله وَوْلَج لأَنه
فَوْعَل من الوُلُوج، ثم إِنك مع ذلك قد تجدهم أَبدلوا الدال من هذه التاء
فقالوا دَوْلَج، وأَنت مع ذلك قد تقول دَوْلَج في جميع هذه المواضع التي تقول
فيها تَوْلَج، وإِن كانت الدال مع ذلك بدلاً من التاء التي هي بدل من
الواو؟ فالجواب عن ذلك أَن هذه مغالطة من السائل، وذلك أَنه إِنما كان
يطَّرد هذا له لو كانوا يقولون وَوْلَج ودَوْلَج ويستعملون دَوْلَجاً في جميع
أَماكن وَوْلَج، فهذا لو كان كذا لكان له به تَعَلّقٌ، وكانت تحتسب
زيادة، فأَما وهم لا يقولون وَوْلَج البَتَّةَ كراهية اجتماع الواوين في أَول
الكلمة، وإِنما قالوا تَوْلَج ثم أَبدلوا الدال من التاء المبدلة من
الواو فقالوا دَوْلَج، فإِنما استعملوا الدال مكان التاء التي هي في المرتبة
قبلها تليها، ولم يستعملوا الدال موضع الواو التي هي الأَصل فصار إِبدال
الدال من التاء في هذا الموضع كإِبدال الهمزة من الواو في نحو
أُقِّتَتْ وأُجُوه لقربها منها، ولأَنه لا منزلة بينهما واسطة، وكذلك لو عارض
معارض بهُنَيْهَة تصغير هَنَة فقال: أَلست تزعم أَن أَصلها هُنَيْوَة ثم
صارت هُنَيَّة ثم صارت هُنَيْهة، وأَنت قد تقول هُنَيْهة في كل موضع قد تقول
فيه هُنَيَّة؟ كان الجواب واحداً كالذي قبله، أَلا ترى أَن هُنَيْوة
الذي هو أَصل لا يُنْطَق به ولا يستعمل البَتَّة فجرى ذلك مجرى وَوْلَج في
رفضه وترك استعماله؟ فهذا كله يؤَكد عندك أَن امتناعه من استعمال آل في
جميع مواقع أَهل إِنما هو لأَن فيه بدلاً من بدل، كما كانت التاء في القسم
بدلاً من بدل.
والإِهالَةُ: ما أَذَبْتَ من الشحم، وقيل: الإِهَالة الشحم والزيت،
وقيل: كل دهن اؤْتُدِم به إِهالةٌ، والإِهالة الوَدَك. وفي الحديث: أَنه كان
يُدْعى إِلى خُبْز الشعير والإِهالة السَّنِخَة فيُجيب، قال: كل شيء من
الأَدهان مما يُؤْتَدَم به إِهالَةٌ، وقيل: هو ما أُذيب من الأَلْية
والشَّحم، وقيل: الدَّسَم الجامد والسَّنِخة المتغيرة الريح. وفي حديث كعب في
صفة النار: يجاء بجهنَم يوم القيامة كأَنها مَتْنُ إِهالة أَي ظَهْرُها.
قال: وكل ما اؤْتدم به من زُبْد ووَدَك شحم ودُهْنِ سمسم وغيره فهو
إِهالَة، وكذلك ما عَلا القِدْرَ من وَدَك اللحم السَّمين إِهالة، وقيل:
الأَلْية المُذابة والشحم المذاب إِهالة أَيضاً. ومَتْن الإِهالة: ظَهْرُها
إِذا سُكِبَت في الإِناء، فَشَبَّه كعب سكون جهنم قبل أَن يصير الكفار فيها
بذلك.
واسْتَأْهل الرجلُ إِذا ائتدم بالإِهالة. والمُسْتَأْهِل: الذي يأْخذ
الإِهالة أَو يأْكلها؛ وأَنشد ابن قتيبة لعمرو ابن أسوى:
لا بَلْ كُلِي يا أُمَّ، واسْتَأْهِلي،
إِن الذي أَنْفَقْتُ من مالِيَه
وقال الجوهري: تقول فلان أَهل لكذا ولا تقل مُسْتَأْهِل، والعامَّة
تقول. قال ابن بري: ذكر أَبو القاسم الزجاجي في أَماليه قال: حدثني أَبو
الهيثم خالد الكاتب قال: لما بويع لإِبراهيم بن المهدي بالخلافة طلبني وقد
كان يعرفني، فلما دخلت إِليه قال: أَنْشِدْني، فقلت: يا أَمير المؤْمنين،
ليس شعري كما قال النبي،صلى الله عليه وسلم، إِنَّ من الشعر لحكماً،
وإِنما أَنا أَمزحُ وأَعْبَثُ به؛ فقال: لا تقل يا خالد هكذا، فالعلم جِدٌّ
كله؛ ثم أَنْشدته:
كُنْ أَنت للرَّحْمَة مُسْتَأْهِلاً،
إِن لم أَكُنْ منك بِمُسْتَأْهِل
أَلَيْسَ من آفة هذا الهَوى
بُكاءٌ مقتول على قاتل؟
قال: مُسْتَأْهِل ليس من فصيح الكلام وإِنما المُسْتَأْهِل الذي يأْخذ
الإِهالة، قال: وقول خالد ليس بحجة لأَنه مولد، والله أَعلم.
جشر: الجَشَر: بَقْلُ الربيع.
وجَشَرُوا الخَيْلَ وجَشَّروها: أَرْسَلُوها في الجَشْرِ. والجَشْرُ:
أَن يخرجوا بخيلهم فَيَرْعَوْها أَمام بيوتهم. وأَصبحوا جَشْراً وجَشَراً
إِذا كانوا يَبِيتُون مكانهم لا يرجعون إِلى أَهليهم. والجَشَّار: صاحبُ
الجَشَرِ. وفي حديث عثمان، رضي الله عنه، أَنه قال: لا يغرّنكم جَشَرُكُمْ
من صلاتكم فإِنما يَقْصُرُ الصلاةَ من كان شاخصاً أَو يَحْضُرُهُ عدوّ.
قال أَبو عبيد: الجَشَرُ القومُ يخرجون بدوابهم إِلى المرعى ويبيتون
مكانهم ولا يأْوون إِلى البيوت، وربما رأَوه سفراً فقصروا الصلاة فنهاهم عن
ذلك لأَن المُقَامَ في المرعى وإِن طال فليس بسفر. وفي حديث ابن مسعود: يا
مَعْشَرَ الجُشَّارِ لا تغتروا بصلاتكم؛ الجُشَّار جمع جاشِرٍ.
وفي الحديث: ومنا من هو في جَشْرَةٍ. وفي حديث أَبي الدرداء: من ترك
القرآن شهرين فلم يقرأْه فقد جَشَرَهُ أَي تباعد عنه. يقال: جَشَرَ عن أَهله
أَي غاب عنهم. الأَصمعي: بنو فلان جَشَرٌ إِذا كانوا يبيتون مكانهم لا
يأْوون بيوتهم، وكذلك مال جَشَرٌ لا يأْوي إِلى أَهله. ومال جَشَرٌ: يرعى
في مكانه لا يؤوب إِلى أَهله. وإِبل جُشَّرٌ: تذهب حيث شاءت، وكذلك
الحُمُرُ؛ قال:
وآخرونَ كالحمير الجُشَّرِ
وقوم جُشْرٌ وجُشَّرٌ: عُزَّابٌ في إِبلهم. وجَشَرْنا دوابَّنا:
أَخرجناها إِلى المرعى نَجْشُرُها جَشْراً، بالإِسكان، ولا نَرُوحُ. وخيل
مُجَشَّرةٌ بالحِمَى أَي مَرْعِيَّة. ابن الأَعرابي: المُجَشَّرُ الذي لا يرعى
قُرْبَ الماء؛ والمنذري: الذي يرعى قرب الماء؛ أَنشد ابن الأَعرابي لابن
أَحمر في الجَشْرِ:
إِنَّكَ لو رأَيتَني والقَسْرَا،
مُجَشِّرِينَ قد رَعَينا شَهْرَا
لم تَرَ في الناسِ رِعاءً جَشْرَا،
أَتَمَّ مِنَّا قَصَباً وسَيْرَا
قال الأَزهري: أَنشدنيه المنذري عن ثعلب عنه.
قال الأَصمعي: يقال: أَصبح بنو فلان جَشَراً إِذا كانوا يبيتون في
مكانهم في الإِبل ولا يرجعون إِلى بيوتهم؛ قال الأَخطل:
تَسْأَلُه الصُّبْرُ من غَسَّانَ، إِذْ حَضَرُوا،
والحَزْنُ كَيْفَ قَراهُ الغِلْمَةُ الجَشَرُ
الصُّبْرُ والحَزْنُ: قبيلتان من غسان. قال ابن بري: صواب إِنشاده: كيف
قراك، بالكاف، لأَنه يصف قتل عمير بن الحُبَابِ وكَوْنَ الصُّبْر
والحَزْنِ، وهما بطنان من غسان، يقولون له بعد موته وقد طافوا برأْسه: كيف قَراك
الغِلْمَةُ الجَشَرُ؟ وكان يقول لهم: إِنما أَنتم جَشَرٌ لا أُبالي بكم،
ولهذا يقول فيها مخاطباً لعبد الملك بن مروان:
يُعَرِّفُونَكَ رَأْسَ ابنِ الحُبابِ وقد
أَضْحَى، وللسَّيْفِ في خَيْشُومِهِ أَثَرُ
لا يَسْمَعُ الصَّوْتَ مُسْتَكّاً مسامِعُه،
وليس يَنْطِقُ حتى يَنْطِقَ الحَجَرُ
وهذه القصيدة من غُرَرِ قصائد الأَخطل يخاطب فيها عَبْدَ الملِك بْنَ
مَرْوان يقول فيها:
نَفْسِي فِداءُ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ إِذا
أَبْدَى النَّواجِذَ يَوْمٌ باسِلٌ ذَكَرُ
الخائِضِ الغَمْرِ والمَيْمُونِ طائِرُهُ،
خَلِيفَةِ اللهِ يُسْتَسْقَى بِهِ المَطَرُ
في نَبْعَةٍ مِن قُرَيشٍ يَعْصِبُونَ بها،
ما إِنْ يُوازى بأَعْلَى نَبتِها الشَّجَرُ
حُشْدٌ على الحق عَيَّافو الخَنَا أُنُفٌ،
إِذا أَلَمَّتْ بِهِمْ مَكْرُوهَةٌ صَبَرُوا
شُمْسُ العَداوَةِ حتى يُسْتَقَادَ لهم،
وأَعظمُ الناسِ أَحْلاماً، إِذا قَدَرُوا
منها:
إِنَّ الضَّغِينَةَ تَلْقَاها، وإِن قَدُمَتْ،
كالعُرِّ يَكْمُنُ حِيناً ثم يَنْتَشِرُ
والجَشْرُ والجَشَرُ: حِجَارَةٌ تنبت في البحر. قال ابن دريد: لا
أَحسبها معرّبة. شمر: يقال مكان جَشِر أَي كثير الجَشَر، بتحريك الشين. وقال
الرِّياشي: الجَشَرُ حجارة في البحر خشنة. أَبو نصر: جَشَرَ الساحلُ
يَجْشُرُ جشراً. الليث: الجَشَرُ ما يكون في سواحل البحر وقراره من الحصى
والأَصداف، يَلْزَقُ بعضها ببعض فتصير حجراً تنحت منه الأَرْحِيَةُ بالبصرة لا
تصلح للطحن، ولكنها تُسَوَّى لرؤوس البلاليع. والجَشَرُ: وَسَخُ
الوَطْبِ من اللبن؛ يقال: وَطْبٌ جَشِرٌ أَي وَسِخٌ. والجَشَرَةُ: القِشْرَةُ
السفلى التي على حَبَّةِ الحنطة. والجَشَرُ والجُشْرَةُ: خُشُونة في الصدر
وغِلَظٌ في الصوت وسُعال؛ وفي التهذيب: بَحَحٌ في الصوت. يقال: به
جُشْرَةٌ وقد جَشِرَ
(* قوله «وقد جشر» كفرح وعني كما في القاموس). وقال
اللحياني: جُشِرَ جُشْرَةً؛ قال ابن سيده: وهذا نادر، قال: وعندي أَن مصدر هذا
إِنما هو الجَشَرُ؛ ورجل مجشور. وبعير أَجْشَرُ وناقة جَشْراءُ: بهما
جُشْرَةٌ. الأَصمعي: بعير مَجْشُورٌ به سُعال جافٌّ. غيره: جُشِرَ، فهو
مَجْشُورٌ، وجَشِرَ يَجْشَرُ جَشَراً، وهي الجُشْرَةُ، وقد جُشِرَ يُجْشَرُ
على ما لم يسمَّ فاعله؛ وقال حجر:
رُبَّ هَمٍّ جَشَمْتُهُ في هَواكُمْ،
وبَعِيرٍ مُنَفَّهٍ مَجْشُورِ
ورجلٌ مَجْشُورٌ: به سُعال؛ وأَنشد:
وسَاعِلٍ كَسَعَلِ المَجْشُورِ
والجُشَّةُ والجَشَشُ: انتشار الصوت في بُحَّةٍ. ابن الأَعرابي:
الجُشْرَةُ الزُّكامُ. وجَشِرَ الساحلُ، بالكسر، يَجْشَرُ جَشْراً إِذا خَشُنَ
طينه ويَبِسَ كالحجَر.
والجَشِيرُ: الجُوالِقُ الضخم، والجمع أَجْشِرَةٌ وجُشُرٌ؛ قال الراجز:
يُعْجلُ إِضْجاعَ الجَشِيرِ القَاعِدِ
والجَفِيرُ والجَشِيرُ: الوَفْضَةُ، وهي الكِنانَةُ. ابن سيده:
والجَشِيرُ الوفضة وهي الجَعْبَةُ من جلود تكون مشقوقة في جَنْبها، يفعل ذلك بها
ليدخلها الريح فلا يأْتكل الريش. وجَنْبٌ جاشِرٌ: منتفخ. وتَجَشَّرَ
بطنه: انتفخ؛ أَنشد ثعلب:
فقامَ وَثَّابٌ نَبِيلٌ مَحْزِمُهْ.
لم يَتَجَشَّرْ مِنْ طَعامٍ يُبْشِمُهْ
وجَشَرَ الصُّبْحُ يَجْشُرُ جُشُوراً: طلع وانفلق.
والجاشِرِيَّةُ: الشُّرْبُ مع الصبح، ويوصف به فيقال: شَرْبَةٌ
جاشِرِيَّةٌ؛ قال:
ونَدْمانٍ يَزِيدُ الكأْسَ طِيباً،
سَقَيْتُ الجاشِرِيَّةَ أَو سَقَانِي
ويقال: اصْطَبَحْتُ الجاشِرِيَّةَ، ولا يَتَصَرَّفُ له فِعْلٌ؛ وقال
الفرزدق:
إِذا ما شَرِبْنَا الجاشِرِيَّةَ لَمْ نُبَلْ
أَمِيراً، وإِن كانَ الأَمِيرُ مِنَ الأَزْدِ
والجاشِرِيَّةُ: قبيلة في ربيعة. قال الجوهري: وأَما الجاشرية التي في
شعر الأَعشى فهي قبيلة من قبائل العرب. وفي حديث الحجاج: أَنه كتب إِلى
عامله أَن ابْعَثْ إِليَّ بالجَشِيرِ اللُّؤْلُؤِيّ؛ الجَشِيرُ: الجِرابُ؛
قال ابن الأَثير: قاله الزمخشري.
هرا: الهِراوةُ: العَصا، وقيل: العصا الضَّخمةُ، والجمع هَراوى، بفتح
الواو على القياس مثل المَطايا، كما تقدم في الإِداوةِ، وهُرِيٌّ على غير
قياس، وكأَن هُرِيّاً وهِرِيّاً إِنما هو على طَرْح الزائد، وهي الأَلف في
هِراوة، حتى كأَنه قال هَرْوة ثم جَمَعه على فُعول كقولهم مَأْنةٌ
ومُؤُونٌ وصَخْرة وصُخور؛ قال كثير:
يُنَوَّخُ ثم يُضرَبُ بالهَراوى،
فلا عُرْفٌ لَدَيْه ولا نَكِيرُ
وأَنشد أَبو علي الفارسي:
رأَيتك لا تُغْنِينَ عَنِّي نَقْرةً،
إِذا اخْتَلَفَتْ فيَّ الهَراوى الدَّمامِكُ
قال: ويروى الهِرِيُّ، بكسر الهاء. وهَراه بالهِراوةِ يَهْرُوه هَرْواً
وتَهَرَّاه: ضرَبه بالهِراوةِ ؛ قال عمرو بن مِلْقَط الطائي:
يَكْسى ولا يَغْرَثُ مَمْلُوكُها،
إِذا تَهَرَّتْ عَبْدَها الهارِيَهْ
وهَرَيْتُه بالعَصا: لغة في هَرَوْتُه؛ عن ابن الأَعرابي؛ قال الشاعر:
وإِنْ تَهَرَّاهُ بها العَبْدُ الهارْ
(* قوله« وان تهراه إلخ» قبله كما في التهذيب: لا يلتوي من الوبيل القسبار)
وهَرا اللحمَ هَرْواً: أَنْضَجه؛ حكاه ابن دريد عن أَبي مالك وحده؛ قال:
وخالفه سائر أَهل اللغة فقال هَرَأَ. وفي حديث سَطِيح: وخَرج صاحبُ
الهِراوةِ؛ أَراد به سيدَنا رسولَ الله،صلى الله عليه وسلم، لأَنه كان يُمْسِك
القَضِيب بيده كثيراً، وكان يُمْشى بالعَصا بين يديه وتُغْرَزُ له
فيُصَلِّي إِليها،صلى الله عليه وسلم.وفي الحديث: أَنه قال لحَنِيفةِ
(* قوله
«وفي الحديث انه قال لحنيفة إلخ» نص التكملة: وفي حديث النبي،صلى الله
عليه وسلم: أن حنيفة النعم أتاه فأشهده ليتيم في حجره باربعين من الإبل التي
كانت تسمى المطيبة في الجاهلية فقال النبي،صلى الله عليه وسلم: فأين
يتيمك يا أبا حذيم؟ وكان قد حمله معه، قال: هو ذاك النائم،وكان يشبه
المحتلم. فقال، صلى الله عليه وسلم: لعظمت هذه هراوة يتيم، يريد شخص اليتيم
وشطاطه شبه بالهراوة .) النَّعَمِ، وقد جاء معه بيَتيمٍ يَعْرِضُه عليه، وكان
قد قارَبَ الاحتِلامَ ورآه نائماً فقال: لعَظُمَت هذه هِراوةُ يَتيمٍ
أَي شَخْصُه وجُثَّتُه، شبَّهه بالهِراوة، وهي العَصا، كأَنه حِينَ رآه
عظيم الجُثّة اسْتَبْعَدَ أَن يقال له يتيم لأَنّ اليُتْم في الصِّغَر.
والهُرْيُ: بيت كبير ضَخْم يُجْمَع فيه طَعام السُّلْطانِ، والجمع
أَهْراء؛ قال الأَزهريّ: ولا أَدرِي أَعربي هو أَم دخيل.
وهَراةُ: مَوضِعٌ، النسب إِليه هَرَوِيٌّ، قلبت الياء واواً كراهية
توالي الياءَات؛ قال ابن سيده: وإِنما قضينا على أَنّ لام هراة ياء لأَن
اللام ياء أَكثر منها واواً، وإِذا وقفت عليها وقفت بالهاء، وإِنما قيل مُعاذ
الهَرّاء لأَنه كان يَبِيع الثيابَ الهَرَوِيّة فَعُرِفَ بها ولُقِّب
بها؛ قال شاعر من أَهل هَراةَ لما افتتحها عبد الله بن خازم سنة ؟؟:
عاوِدْ هَراةَ، وإِنْ مَعْمُورُها خَرِبا،
وأَسْعِدِ اليومَ مَشْغُوفاً إِذا طَرِبا
وارْجِعْ بِطَرْفِكَ نَحْوَ الخَنْدَقَيْنَ تَرَى
رُزءاً جَليلاً، وأَمْراً مُفْظِعاً عَجَبا:
هاماً تَزَقَّى وأَوْصالاً مُفَرَّقةً،
ومَنْزِلاً مُقْفِراً مِنْ أَهْلِه خَرِبا
لا تَأْمَنَنْ حَدَثاً قَيْسٌ وقد ظَلَمَتْ،
إِنْ أَحْدَثَ الدَّهْرُ في تَصْرِيفه عُقَبا
مُقَتَّلُون وقَتّالونَ، قد عَلِمُوا
أَنَّا كذلِك نَلْقَى الحَرْبَ والحَرَبا
وهَرَّى فلان عِمامته تَهْرِيةً إذا صَفَّرها؛ وقوله أَنشده ابن
الأَعرابي:
رَأَيْتُكَ هَرَّيْتَ العِمامَةَ بَعْدَما
أَراك زماناً فاصِعاً لا تَعَصَّبُ
وفي التهذيب: حاسِراً لا تَعَصَّبُ؛ معناه جعلتها هَرَوِية، وقيل:
صَبَغْتَها وصفَّرتها، ولم يسمع بذلك إِلا في هذا الشعر، وكانت ساداتُ العرب
تَلْبَسُ العمَائم الصُّفر، وكانت تُحمَل من هَراةَ مَصْبوغةً فقيل لمن
لَبِسَ عمامة صفراء: قد هَرَّى عِمامته، يريد أَن السيد هو الذي يتَعمَّم
بالعِمامة الصفراء دون غيره. وقال ابن قتيبة: هَرَّيت العِمامة لبستها
صَفْراء. ابن الأَعرابي: ثوب مُهَرًّى إِذا صبغ بالصَّبِيب، وهو ماء ورق
السمسم، ومُهَرًّى أَيضاً إِذا كان مصبوغاً كلون المِشْمِش والسِّمسم.
ابن الأَعرابي: هاراه إِذا طانَزَه، وراهاه إِذا حامَقَه. والهِراوةُ:
فَرس الرَّيان بن حُوَيْصٍ. قال ابن بري: قال أَبو سعيد السيرافي عند قول
سيبويه عَزَبٌ وأَعْزابٌ في باب تكسير صفة الثلاثي: كان لعبد القيس فرس
يقال لها هِراوةُ الأَعْزاب، يركبها الــعَزَبُ ويَغْزُو عليها، فإِذا
تأَهَّل أَعْطَوْها عَزَبــاً آخر؛ ولهذا يقول لبيد:
يَهْدِي أَوائِلَهُنّ كُلُّ طِمِرَّةٍ
جَرْداء مِثْلِ هِراوةِ الأَعْزابِ
قال ابن بري: انقضى كلام أَبي سعيد،قال: والبيت لعامر بن الطفيل لا
للبيد.
وذكر ابن الأثير في هذه الترجمة قال: وفي حديث أَبي سلمة أَنه، عليه
السلام، قال ذاك الهُراء شيطان وُكِّل بالنُّفوس، قيل: لم يسمع الهُراء أَنه
شيطان إِلا في هذا الحديث، قال: والهُراء في اللغة السَّمْحُ الجَوادُ
والهَذَيانُ، والله أَعلم.
خلا: خَلا المكانُ
والشيءُ يَخْلُو خُلُوّاً وخَلاءً وأَخْلَى إِذا لم يكن فيه أَحد ولا
شيء فيه، وهو خالٍ. والخَلاءُ من الأَرض: قَرارٌ خالٍ. واسْتَخْلَى: كخَلا
من باب علا قِرْنَه واسْتَعْلاه. ومن قوله تعالى: وإِذا رأَوْا آية
يَسْتَسخِرون؛ من تذكره أَبي علي. ومكان خَلاء: لا أَحد به ولا شيء فيه.
وأَخْلَى المكان: جعله خالياً. وأَخْلاه: وجده كذلك. وأَخْلَيْت أَي خَلَوْت،
وأَخْلَيْتُ غيرِي، يَتعدَّى ولا يتعدَّى؛ قال عُتَيّ بن مالك
العُقَيْلي:أَتيتُ مع الحُدَّاثِ لَيْلَى فَلَمْ أُبِنْ،
فأَخْلَيْتُ، فاسْتَعْجَمْت عندَ خَلائي
(* قوله «عند خلائي» هكذا في الأصل والصحاح، وفي المحكم: عند خلائيا).
قال ابن بري: قال أَبو القاسم الزجاجي في أَماليه أَخْلَيْتُ وجدْتُها
خالية مثل أَجْبَنْته وجدْته جَباناً، فعلى هذا القول يكون مفعول
أَخْلَيْتُ محذوفاً أَي أَخْلَيْتها. وفي حديث أُمّ حَبيبةَ: قالت له لستُ لك
بمُخْلِيَةٍ أَي لم أَجِدْكَ خالِياً من الزَّوْجات غيري، قال: وليس من
قولهم امرأَة مُخْلِية إِذا خَلَتْ من الزَّوْج. وخَلا الرجلُ وأَخْلَى: وقع
في موضع خالٍ لا يُزاحَمُ فيه. وفي المثل: الذئبُ مُخْلِياً أَشدُّ.
والخَلاءُ، ممدود: البَرازُ من الأَرض. وأَلْفْيتُ فلاناً بخَلاءٍ من الأَرض
أَي بأَرض خاليةٍ. وخَلَت الدار خَلاءً إِذا لم يَبْقَ فيها أَحَدٌ،
وأَخْلاها الله إِخْلاءً. وخَلا لك الشيءُ وأَخْلَى: بمعنى فرغ؛ قال مَعْن بن
أَوْس المُزَني:
أَعاذِلَ، هل يأْتي القبائِلَ حَظُّها
مِنَ المَوْتِ أَم أَخْلى لنا الموتُ وحْدَنا؟
ووجدْت الدار مُخْلِيَةً أَي خالِيَة، وقد خَلَت الدارُ وأَخْلَتْ.
ووَجَدت فلانةَ مُخْلِيَة أَي خالِيَة. وفي الحديث عن ابن مسعود قال: إِذا
أَدْرَكْتَ منَ الجُمُعَة رَكْعَةً فإِذا سَلَّم الإِمام فأَخْلِ وَجْهَك
وضُمَّ إِليها ركْعة، وإِن لم تُدْرِك الرُّكوعَ فَضَلِّ أَرْبعاً؛ قال
شمر: قوله فأَخْل وجْهَكَ معناه فيما بَلَغَنا اسْتَتِرْ بإِنسانٍ أَو
شَيءْ وصَلِّ رَكْعة أُخْرى، ويُحْمَل الاسْتِتار على أَن لا يراهُ الناسُ
مُصَلِّياً ما فاتَه فَيَعْرِفوا تقصيرَه في الصلاةِ، أَو لأَنَّ الناس
إِذا فَرَغوا من الصلاةِ انْتَشروا راجِعِين فأَمَرَه أَن يَسْتَتِرَ بشيء
لئلا يَمُرّوا بين يديه. قال: ويقال أَخْلِ أَمْرَكَ واخْلُ بأَمْرِك أَي
تَفَرَّدْ به وتَفَرَّغ له. وتَخَلَّيت: تَفَرَّغت. وخَلا على بعضِ
الطعامِ إِذا اقْتَصَر عليه. وأَخْلَيْتُ عنِ الطعامِ أَي خَلَوْت عنه. وقال
اللحياني: تميم تقول خَلا فُلان على اللَّبَنِ وعلى اللَّحْمِ إِذا لم
يأْكُلْ معه شيئاً ولا خَلَطَه به، قال: وكِنانَةُ وقيسٌ يقولون أَخْلى فلان
على اللَّبَنِ واللَّحْمِ؛ قال الراعي:
رَعَتْه أَشهراً وخَلا عَلَيْها،
فطارَ النَّيُّ فيها واسْتَغارا
ابن الأَعرابي: اخْلَوْلى إِذا دام على أَكلِ اللَّبنِ، واطْلَوْلى
حَسُن كلامهُ، واكْلَوْلى
(* قوله «واكلولى» هكذا في الأصل والتهذيب). إِذا
انْهَزَم. وفي الحديث: لا يَخْلو عليهما أَحدٌ بغير مكةَ إِلاَّ لم
يُوافِقاهُ، يعني الماءَ واللحْم أَي ينفرِدُ بهما. يقال: خَلا وأَخْلى، وقيل:
يَخْلُو يعتمد، وأَخْلى إِذا انْفَرَدَ؛ ومنه الحديث: فاسْتَخْلاهُ
البُكاءُ أَي انْفَرَدَ به؛ ومنه قولهم: أَخْلى فلانٌ على شُرْب اللَّبنِ
إِذا لم يأْكلْ غيرَه، قال أَبو موسى: قال أَبو عمرو هو بالخاء المعجمة
وبالحاء لا شيء. واسْتَخلاهُ مَجْلِسَه أَي سَأَله أَن يُخْلِيَه له. وفي
حديث ابن عباس: كانَ أُناسٌ يَستَحْيُون أَن يَتخَلَّوْا فيُفْضُوا إِلى
السماءِ؛ يَتَخَلَّوْا: من الخَلاء وهو قضاءُ الحاجة، يعني يَستَحْيُون
أَن ينكشفوا عند قضائها تحت السماء. والخَلاء، ممدود: المُتَوَضَّأ
لِخُلُوِّه. واسْتَخْلى المَلِكَ فأَخْلاه وخَلا به، وخَلا الرجلُ بصاحِبه
وإِلَيْه ومَعَه؛ عن أَبي إِسحق، خُلُوّاً وخَلاءً وخَلْوةً، الأَخيرة عن
اللحياني: اجتمع معه في خَلْوة. قال الله تعالى: وإِذا خَلَوْا إِلى
شَياطِنِهِنمْ؛ ويقال: إِلى بمعْنى مَعْ كما قال تعالى: مَنْ أَنصاري إِلى
الله. وأَخْلى مَجْلِسَه، وقيل: الخَلاءُ والُخلُوُّ المصْدر، والخَلْوَة
الاسم. وأَخْلى به؛ كخَلا؛ هذه عن اللحياني، قال: ويصلح أَن يكون خَلَوْت به
أَي سَخِرْتُ منه. وخَلا بهِ: سَخِرَ منه. قال الأَزهري: وهذا حرف غريب
لا أَعْرِفه لغيره، وأَظنه حفِظَه. وفلان يَخْلُو بفلانٍ إِذا خادَعَه.
وقال بعضهم: أَخْلَيْت بفلان أُخْلِي بهِ إِخْلاءً المعنى خَلَوْت به.
ويقول الرجل للرجل: اخْلُ مَعي حتى أُكَلِّمَك أَي كُنْ مَعِي خالياً. وقد
اسْتَخْلَيْتُ فلاناً: قلت له أَخْلِني؛ قال الجعدي:
وذَلِكَ مِنْ وَقَعاتِ المَنُون،
فأَخْلِي إِلَيْكِ ولا تَعْجَبِي
أَي أَخْلِي بأَمْرِك من خَلَوْت. وخَلا الرجلُ يَخْلو خَلْوةً. وفي
حديث الرؤيا: أَلَيْسَ كُلُّكُم يَرى القَمَر مُخْلِياً به؟ يقال: خَلَوتُ
به ومعه وإِليه وأَخْلَيْت به إِذا انفردت به، أَي كُلُّكم يراه منفرداً
لنفسه، كقوله: لاتُضارُون في رُؤْيَته. وفي حديث بَهْزِ بن حكِيم:
إِنَّهُمْ لَيَزْعُمُونَ أَنك تَنْهى عن الغَيِّ وتَسْتَخْلي به أَي تَسْتَقِلّ
به وتَنْفَرد. وحكي عن بعض العرب: تَرَكْتُه مُخْلِياً بفلان أَي خالياً
به. واسْتَخْلى به: كَخَلا، عنه أَيضاً، وخَلَّى بينهما وأَخْلاه معه.
وكُنَّا خِلْوَيْن أَي خالِيَيْن. وفي المَثَل: خَلاؤُك أَقْنى لِحَيائِك
أَي منزِلُك إِذا خَلَوْت فيه أَلْزَمِ لِحَيائِك، وأَنت خَلِيٌّ من هذا
الأَمر أَي خالٍ فارِغٌ من الهمّ، وهو خِلافُ الشَّجِيِّ. وفي المثل:
وَيْلٌ للشَّجِيِّ من الخَلِيِّ؛ الخَلِيُّ الذي لاَ همَّ لهُ الفارِغ،
والجمع خَليُّون وأَخْلِياء. والخِلْوُ: كالخَلِيِّ، والأُنثى خِلْوَةٌ
وخِلْوٌ؛ أَنشد سيبويه:
وقائِلَةٍ: خَوْلانُ فانْكِحْ فتاتَهُمْ
وأُكْرُومَةُ الحَيّيْنِ خِلْوٌ كما هِيا
والجمع أَخْلاءٌ. قال اللحياني: الوجه في خِلْوٍ أَن لا يثنى ولا يجمع
ولا يؤنث وقد ثنى بعضهم وجمع وأَنث، قال: وليس بالوجه. وفي حديث أَنس:
أَنت خِلْوٌ من مُصِيبَتي؛ الخِلْوُ، بالكسر: الفارِغُ البال من الهموم،
والخلو أَيضاً المُنْفَرِدُ؛ ومنه الحديث: إِذا كنْتَ
إِماماً أَوِ خِلْواً. وحكى اللحياني أَيضاً: أَنت خَلاءٌ من هذا
الأَمرِ كَخَلِيّ، فمن قال خِليٌّ ثنَّى وجمع وأَنث، ومن قال خَلاءٌ لم يثن
ولا جمع ولا أَنث. وتقول: أَنا منك خَلاءٌ أَي بَراءٌ، إِذا جعلته مصدراً
لم تثن ولم تجمع، وإِذا جعلته اسماً على فعيل ثنيت وجمعت وأَنثت وقلت أَنا
خَلِيٌّ منك أَي بَرِيءٌ منك. ويقال: هو خِلْوٌ من هذا الأَمر أَي خالٍ،
وقيل أَي خارِجٌ، وهما خِلْوٌ وهم خِلْوٌ. وقال بعضهم: هما خِلْوان من
هذا الأَمر وهم خِلاءٌ، وليس بالوجه. والخالي: الــعَزَبُ الذي لا زَوْجَة
له، وكذلك الأُنثى، بغير هاء، والجمع أَخْلاءٌ؛ قال امرؤ القيس:
أَلَمْ تَرَني أُصْبي عَلى المَرْءِ عِرْسَهُ،
وأَمْنَعُ عِرْسي أَن يُزَنَّ بها الخالي؟
وخَلَّى الأَمْرَ وتَخَلَّى منه وعنه وخالاه: تَرَكه. وخالى فلاناً:
تَرَكه؛ قال النابغة الذُّبْياني لزُرْعة ابن عَوْف، حينَ بعثَ بنو عامر
إِلى حِصْن بن فزارة وإِلى عُيَيْنَة بنِ حِصْنٍ أَن اقْطَعُوا ما بيْنَكُم
وبَينَ بني أَسَدٍ، وأَلْحِقُوهمْ ببَني كنانَة ونحالِفُكُمْ، فنَحْنُ
بنو أَبيكم، وكان عُيَيْنَة هَمَّ بذلك فقال النابغة:
قالَتْ بَنُو عامِرٍ: خالُوا بني أَسدٍ،
يا بُؤْسَ للحَرْبِ ضَرَّاراً لأَقْوامِ
أَي تارِكُوهُمْ، وهو من ذلك. وفي حديث ابن عمر في قوله تعالى: ليَقْضِ
عَلْينا رُّبك، قال فخَلَّى عنهم أَربعين عاماً ثم قال اخْسَؤُوا فيها
أَي ترَكَهُم وأَعرَض عنهم. وخالاني فلان مُخالاةً أَي خالَفَني. يقال:
خالَيْته خِلاءً إِذا تَركْتَه؛ وقال:
يأْبى البَلاءُ فما يَبْغِي بهمْ بَدَلاً،
وما أُرِيدُ خِلاءً بعدَ إِحْكامِ
يأْبى البَلاءُ أَي التَّجْرِبة أَي جَرَّبْناهم فأَحْمَدْناهُمْ فلا
نخالِيهمْ.
والخَلِيَّةُ والخَلِيُّ: ما تُعَسِّلُ فيه النَّحْلُ من غير ما
يُعالَجُ لها من العَسَّالاتِ، وقيل: الخَلِيَّة ما تُعَسِّل فيه النَّحل من
راقُودٍ
أَو طِينٍ أَو خَشبة مَنْقُورة، وقيل: الخَلِيَّة بَيْتُ النَّحْل الذي
تُعَسِّلُ فيه، وقيل: الخَلِيَّةُ ما كان مصنوعاً، وقيل: الخَلِيَّة
والخَلِيُّ خَشَبة تُنْقَرُ فيُعَسِّلُ فيها النَّحلُ؛ قال:
إِذا ما تأَرَّتْ بالخَلِيِّ ابتَنَتْ به
شَرِيجَيْنِ مما تَأْتَرِي وتُتِيع
شريجين أَي ضربين من العسل. والخَلِيَّة: أَسفَلُ شَجَرة يقال لها
الخَزَمة كأَنه راقُود، وقيل: هو مثل الراقود يُعْمَل لها من طين. وفي الحديث:
في خَلايا النَّحلِ إِنَّ فيها العُشْرَ. الليث: إِذا سُوِّيَت
الخَلِيَّة من طِين فهي كُوَّارة. وفي حديث عمر، رضي الله عنه: أَنَّ عاملاً له
على الطائِف كتَبَ إِليه إِن رِجالاً مِنْ فَهْمٍ كَلَّموني في خَلايا لهم
أَسْلَموا عليها وسأَلوني أَنْ أَحْمِيَها لهمْ؛ الخَلايا: جمعُ
خَلِيَّة وهو الموضع الذي تُعَسّل فيه النَّحل. والخَلِيَّة من الإِبل: التي
خُلِّيَتْ للحَلْب، وقيل: هي التي عَطَفتْ على وَلَدٍ، وقيل: هي التي خَلَتْ
عن وَلَدِها ورَئِمَتْ وَلَدَ غيرِها، وإِنْ لم تَرْأَمْهُ فهي خَلِيَّة
أَيضاً، وقيل: هي التي خَلَتْ عن ولدها بمَوْت أَو نَحْر فتُسْتَدَرُّ
بوَلَدِ غيرِها ولا تُرْضِعُه، إِنما تَعْطِفُ
على حُوارٍ تُستَدَرُّ به من غير أَن تُرْضِعَه، فسُمِّيت خَلِيَّة
لأَنها لا تُرْضِعُ ولدَها ولا غيرَه؛ وقال اللحياني: الخَلِيَّة التي
تُنْتَج وهي غزيرة فيُجَرُّ ولدُها من تحتها فيُجعل تحت أُخرى وتُخَلَّى هي
للحلب وذلك لكَرَمِها. قال الأَزهري: ورأَيت الخَلايا في حَلائبهم، وسمعتهم
يقولون: بنو فلان قد خَلَوْا وهمْ يَخْلُون. والخليَّة: الناقة تُنْتَج
فيُنْحَر ولدُها ساعةَ يُولَد قبلَ أَن تَشَمَّه ويُدْنى منها ولدُ ناقةٍ
كانت ولدَتْ
قَبلَها فتَعْطِفُ عليه، ثم يُنظَر إِلى أَغْزَر الناقتين فتُجعل
خَلِيَّةً، ولا يكون للحُوار منها إِلاَّ قَدْرُ ما يُدِرُّها وتُركَت الأُخرى
للحُوار يَرْضعُها متى ما شاء وتُسمَّى بَسُوطاً، وجمعها بُسْطٌ،
والغزيرة التي يتَخلَّى بلَبَنِها أَهلُها هي الخَلِيَّة. أَبو بكر: ناقة
مِخلاءٌ أخْلِيَت عن ولدِها؛ قال أَعرابي:
عِيطُ الهَوادي نِيطَ مِنها بالِحُقِي،
أَمْثالُ أَعْدالِ مَزَادِ المُرْتَوي،
مِنْ كلِّ مِخْلاءٍ ومُخْلاةٍ صَفي
والمُرْتوي: المُسْتَقي، وقيل: الخَلِيَّة ناقة أَو ناقتان أَو ثلاث
يُعْطَفْنَ على ولدٍ واحد فيَدْرُرْنَ عليه فيَرْضعُ الولد من واحدة،
ويتَخلَّى أَهلُ البيت لأَنفُسِهم واحدةً أَو ثنتين يَحْلُبونها. ابن
الأَعرابي: الخَلِيَّة الناقة تُنْتَجُ فيُنْحَرُ ولدها عَمْداً ليَدُوم لهم
لَبَنُها فتُسْتَدَرُّ بِجُوارِ غيرِها، فإِذا دَرَّتْ نُحِّيَ الحُوارُ
واحْتُلِبَتْ، وربما جمعوا من الخَلايا ثلاثاً وأَربعاَ على حُوارٍ واحدٍ وهو
التَّلَسُّن. وقال ابن شميل: ربما عَطَفُوا ثلاثاً وأَربعاً على فَصيل
وبأَيَّتِهِنَّ شاؤُوا تَخَلَّوْا. وتَخَلَّى خَلِيَّة: اتَّخَذَها لنفْسه؛
ومنه قول خالد بن جعفر بن كلاب يصف فرساً:
أَمرْتُ بها الرِّعاءَ ليُكرموها،
لها لَبَنُ الخَلِيَّةِ والصَّعُودِ
ويروى:
أَمْرتُ الراعِيَيْن ليُكْرِماها
والخَلِيَّة من الإِبل: المطلَقة من عِقال. ورُفِعَ إِلى عمر، رضي الله
عنه، رجلٌ وقد قالت له امرأَتُه شَبِّهْني فقال: كأَنكِ ظَبْيَةٌ، كأَنكِ
حمامةٌ فقالت: لا أَرضَى حتى تقولَ خَليَّة طالِقٌ فقال ذلك، فقال
عمر، رضي الله عنه: خُذْ بيدها فإِنها امرأَتُك لمَّا لم تكن نيتُه
الطلاقَ، وإِنما غالَطَتْه بلفظ يُشْبِه لفظ الطلاق؛ قال ابن الأَثير: أَراد
بالخلية ههنا الناقة تُخَلَّى من عِقالها، وطَلَقَت من العِقال تَطْلُقُ
طَلْقاً فهي طالق، وقيل: أَراد بالخلية الغزيرةَ يؤْخذ ولدها فيُعطَفُ
عليه غيرُها وتُخَلَّى للحَيِّ يشربون لبنها، والطالِقُ: الناقة التي لا
خِطَام لها، وأَرادت هي مُخادَعَته بهذا القول ليَلْفِظ به فيقَعَ عليها
الطلاقُ، فقال له عُمر: خُذْ بيدها فإِنها امرأَتك، ولم يوقع الطلاق
لأَنه لم يَنْوِ
الطلاقَ، وكان ذلك خِداعاً منها. وفي حديث أُمّ زَرْع: كنتُ لكِ كأَبي
زَرْع لأُم زَرْع في الأُلْفَة والرِّفاء لا في الفُرْقة والخَلاء، يعني
أَنه طَلَّقها وأَنا لا أُطَلِّقك. وقال اللحياني: الخلِيَّةُ كلمة
تُطَلَّقُ بها المرأَة يقال لها أَنتِ بَرِيَّة وخَلِيَّة، كنايةً عن الطلاق
تَطْلُق بها المرأَة إِذا نوَى طلاقاً، فيقال: قد خَلَت المرأَةُ من زوجها.
وقال ابن بُزُرْج: امرأَة خَلِيَّةٌ ونساءٌ خَلِيَّاتٌ لا أَزواج لهُنَّ
ولا أَولادَ، وقال: امرأَةٌ خِلْوةٌ وامرأَتان خِلْوَتان ونساء خِلْواتٌ
أَي عَزَبــات. ورجل خَلِيٌّ وخَلِيّانِ وأَخْلِياءُ: لا نساءَ لهم. وفي
حديث ابن عمر: الخَلِيَّة ثلاث، كان الرجل في الجاهلية يقول لزوجته أَنتِ
خَلِيَّة فكانت تَطْلُق منه، وهي في الإِسلام من كِنايات الطلاق فإِذا
نوى بها الطلاق وقع. أَبو العباس أَحمد بن يحيى: إِنه لَحُلْوُ الخَلا
إِذا كان حسَنَ الكلام؛ وأَنشد لكثير:
ومُحْتَرِشٍ ضَبَّ العَداوة مِنْهُمُو
بحُلْوِ الخَلا حَرْشَ الضِّبابِ الخَوادعِ
شمر: المُخالاةُ المبارَزَةُ. والمُخالاةُ: أَن يَتخلَّوْا من الدُّورِ
ويَصيروا إِلى الدُّثُورِ. الليث: خالَيْت فلاناً إِذا صارَعْته، وكذلك
المُخالاةُ في كلِّ أَمرٍ؛ وأَنشد:
ولا يَدْرِي الشَّقِيُّ بمَنْ يُخالي
قال الأَزهري: كأَنه إِذا صارعه خَلا به فلم يَسْتَعِنْ واحد منهما
بأَحَدٍ وكل واحد منهما يَخْلُو بصاحبه. ويقال: عَدُوٌّ مُخالٍ أَي ليس له
عَهْد؛ وقال الجعدي:
غَيْرُ بِدْعٍ منَ الجِيادِ، ولا يُجْـ
ـنَبْنَ إِلاَّ على عَدُوٍّ مُخالي
وقال بعضهم: خَالَيْت العَدُوَّ تركت ما بَيْني وبينه من المُواعَدة،
وخلا كلُّ واحدٍ منهما من العَهْد. والخَلِيَّة: السَّفِينة التي تَسير من
غير أَن يُسَيِّرَها مَلاَّح، وقيل: هي التي يتبعها زَوْرَق صغير، وقيل:
الخَليَّة العظيمة من السُّفُن، والجمع خَلايا، قال الأَزهري: وهو
الصحيح؛ قال طرفة:
كأَنَّ حُدُوجَ المَالِكِيَّة، غُدْوَةً،
خَلايا سَفِين بالنَّواصِفِ مِنْ دَدِ
وقال الأَعشى:
يَكُبُّ الخَلِيَّةَ ذاتَ القِلاع،
وقَدْ كادَ جُؤْجُؤُها يَنْحَطِمْ
وخلا الشيءُ خُلُوّاً: مَضَى. وقوله تعالى: وإِنْ من أُمَّةٍ إِلاَّ
خَلا فيها نَذِيرٌ؛ أَي مضى وأُرْسِل. والقُرون الخالِية: هُم المَواضي.
ويقال: خَلا قَرْنٌ فَقَرْنٌ أَي مَضى. وفي حديث جابر: تَزَوَّجْت امرأَةً
قَدْ خَلا منها أَي كَبِرَتْ ومَضى مُعْظَم عُمْرِها؛ ومنه الحديث: فلمَّا
خَلا سِنِّي ونَثَرْتُ له ذا بَطْني؛ أَنها كَبِرَت وأَولَدت له.
وتَخَلَّى عن الأَمر ومن الأَمر: تَبَرَّأَ. وتَخَلَّى: تَفَرَّغ. وفي حديث
مُعاوية القُشَيْرِي: قلت يا رسول الله ما آياتُ الإِسلامِ؟ قال: أَن تقول
أَسْلَمْتُ وجْهِي إِلى الله وتَخَلَّيْتُ؛ التَّخَلِّي: التفَرُّغُ.
يقال: تَخَلَّى للعبادة، وهو تَفَعُّلٌ من الخُلُوّ، والمراد التَّبَرُّؤُ من
الشرْكِ وعقْدُ القَلْبِ على الإِيمان. وخَلَّى عن الشيء: أَرْسَلَه،
وخَلَّى سبيلَه فهو مُخَلّىً عنه، ورأَيته مُخَلِّياً؛ قال الشاعر:
ما لي أَراك مُخَلِّياً،
أَيْنَ السلاسِلُ والقُيُود؟
أَغَلا الحدِيدُ بأَرْضِكُمْ
أَمْ ليسَ يَضْبِطُكَ الحدِيد؟
وخَلَّى فلانٌ مكانَه إِذا مات؛ قال:
فإِنْ يكُ عبدُ الله خَلَّى مكانَه،
فما كان وقَّافاً ولا مُتَنَطِّقا
قال ابن الأَعرابي: خَلا فلانٌ إِذا ماتَ، وخلا إِذا أَكل الطَّيِّبَ،
وخلا إِذا تعيَّد، وخلا إِذا تَبَرَّأَ من ذنب قُرِفَ به. ويقال: لا
أَخْلى اللهُ مكانَك، تدعو له بالبَقاء.
وخَلا: كلمة من حروف الاستثناء تَجُرُّ ما بعدها وتنصِبُه، فإِذا قلت ما
خَلا زيداً فالنصب لا غير. الليث: يقال ما في الدار أَحد خلا زيداً
وزيدٍ، نصْبٌ وجَرّ، فإِذا قلت ما خلا زيداً فانْصِبْ فإِنه قد بُيِّنَ
الفِعْلُ. قال الجوهري: تقول جاؤوني خلا زيداً، تنصب بها إِذا جَعَلْتها فعلاً
وتضمر فيها الفاعل كأَنك قلت خلا مَنْ جاءني مِنْ زيد؛ قال ابن بري:
صوابه خلا بعضُهم زيداً، فإِذا قلت خلا زيد فجررتْ فهو عند بعض النحويين حرف
جرّ بمنزلة حاشى، وعند بعضهم مصدر مضاف، وأَما ما خلا فلا يكون بعدها
إِلاَّ النصب، تقول جاؤوني ما خلا زيداً لأَن خلا لا تكون بعد ما إِلاَّ
صلة لها، وهي معها مصدر، كأَنك قلت جاؤوني خُلُوَّ زيد أَي خُلُوَّهُم من
زيد. قال ابن بري: ما المصدرية لا توصل بحرف الجر، فدلّ أَن خلا فعل.
وتقول: ما أَردت مَساءَتَك خَلا أَني وعَظْتك، معناه إِلاَّ أَني وعظتك؛
وأَنشد:
خَلا اللهَ لا أَرْجُو سِوَاكَ، وإِنَّما
أَعُدُّ عِيالي شُعْبة مِنْ عِيالِكا
وفي المثل: أَنا مِنْ هذا الأَمْرِ كَفَالِجِ بْن خَلاوَةَ أَي بَرِيءٌ
خَلاءٌ، وهو مذكور في حرف الجيم.
وخَلاوَةُ: اسم رجل مشتقٌّ من ذلك. وبَنُو خَلاوَةَ: بطن من أَشْجَعَ،
وهو خَلاوَةُ بن سُبَيْعِ بنِ بَكْرِ ابنِ أَشْجَعَ؛ قال أَبو الرُّبَيْسِ
التَّغْلَبيّ:
خَلاويَّةٌ إِنْ قُلْتَ جُودي، وجَدْتَها
نَوَارَ الصَّبَا قَطَّاعَةً للعَلائِقِ
وقال أَبو حنيفة: الخَلْوَتانِ شَفْرَتا النَّصْل، واحدَتُهما خَلْوَة.
وقولهم: افْعَلْ كذا وخَلاكَ ذَمٌّ أَي أَعْذَرْتَ وسَقَطَ عَنْكَ
الذَّمُّ؛ قال عبد الله بن رواحة:
فَشَأْنَكِ فانْعَمي، وخَلاكِ ذَمٌّ،
ولا أَرْجِعْ إِلى أَهْلٍ وَرَائي
وفي حديث عليّ، رضوان الله عليه: وخَلاكُمْ ذَمٌّ ما لم تَشْرُدوا، هو
من ذلك.
والخَلى: الرَّطْبُ من النَّبات، واحدته خَلاةٌ. الجوهري: الخَلى
الرَّطْبُ من الحَشِيشِ. قال ابن بري: يقال الخَلى الرُّطْبُ، بالضم لا غير،
فإِذا قلت الرَّطْبُ من الحَشِيش فَتَحْت لأَنك تُرِيدُ ضِدَّ اليابس،
وقيل: الخَلاةُ كلّ بَقْلة قَلَعْتها، وقد يُجْمَع الخَلى على أَخْلاءٍ؛ حكاه
أَبو حنيفة. وجاءَ في المثل: عَبْدٌ وخَلىً في يَدَيْهِ أَي مع
عبودِيَّته غَنيٌّ. قال يعقوب: ولا تقل وحَلْيٌ في يَدَيْه. وقال الأَصمعي:
الخَلى الرَّطْب من الحشيش، وبه سُمِّيت المُخْلاة، فإذا يَبِس فهو حَشِيش؛
ابن سيده: وقول الأَعشى:
وحَوْليَ بَكْرٌ وأَشْياعُهَا،
ولَسْتُ خَلاةً لِمَنْ أَوْعَدَنْ
أَي لَسْتُ بمنزلة الخَلاةِ يأْخُذُها الآخِذُ كيف شاء بل أَنا في عِزّ
ومَنَعة. وفي حديث مُعْتَمِرٍ: سئل مالك عن عَجين يُعْجَن بِدُرْدِيٍّ
فقال: إن كان يُسْكِرُ فَلا، فَحَدَّث الأَصمعي به مُعْتَمِراً فقال: أَو
كان كما قال:
رأَى في كَفِّ صاحِبِه خَلاةً،
فتُعْجِبهُ ويُفْزِعُه الجَرِيرُ
الخَلاةُ: الطائفة من الخَلا، وذلك أَن معناه أَن الرجلَ بَنِدُّ
بَعيره، فيأْخُذُ بإحْدى يَدَيْه عُشْباً وبالأُخْرى حَبْلاً، فينظُر البعيرُ
إلَيْهما فلا يَدْرِي ما يَصْنَع، وذلك أَنه أَعْجَبه فَتْوَى مالِكٍ
وخافَ التحريمَ لاختلاف الناسِ في المسكر فتَوقَّف وتمَثَّل بالبيت. وأَخْلَت
الأَرضُ: كَثُرَ خَلاها. وأَخْلى اللهُ الماشِيَةَ يُخْلِيها إخْلاءً:
أَنْبَتَ لها ما تأْكُلُ من الخَلى؛ هذه عن اللحياني. وخَلى الخَلى
خَلْياًً واخْتَلاه فانْخَلى: جَزَّه وقَطَعَه ونَزَعه، وقال اللحياني: نَزَعه.
والمِخْلى: ما خَلاه وجَزَّه به. والمِخْلاةُ: ما وَضَعه فِيه. وخَلى في
المِخْلاةِ: جَمَع؛ عن اللحياني. الليث: الخَلى هو الحشيش الذي
يُحْتَشُّ من بُقول الرَّبِيع، وقد اخْتَلَيْته، وبِه سُمِّيت المِخْلاة،
والواحدة خَلاةٌ، وأَعْطِني مِخْلاةً أَخْلِي فيها. وخَلَيْت فَرَسي إذا حَشَشْت
عليه الحَشيش. وفي حديث تحريم مَكَّة: لا يُخْتَلىَ خَلاها؛ الخَلَى:
النَّبات الرقيق ما دام رَطْباً. وفي حديث ابن عمر: كان يَخْتَلِي لِفَرسِه
أَي يَقْطَع لها الخَلَى. وفي حديث عمرو بن مُرَّةَ: إذا اخْتُلِيَتْ في
الحَرْبِ هامُ الأَكابِرِ أي قُطِعَتْ رُؤُوسُهُم. وخَلى البَعِيرَ
والفَرَس يَخْلِيها خَلْياً: جَزَّ لَه الخَلَى. والسيفُ يَخْتَلِي أَي
يَقْطَع. والمُخْتَلُون والخالُون: الذين يَخْتَلُون الخَلَى ويقطعونه. وخَلَى
اللِّجامَ عن الفرس يَخْلِيهِ: نَزَعَه. وخَلَى الفرسَ خلْياً: ألقى في
فيه اللِّجامَ؛ قال ابن مقبل في خَلَيْت الفرس:
تَمَطَّيْت أَخليهِ اللِّجامَ وبَذَّنِي،
وشَخْصي يُسامي شَخْصَه وهو طائِلُهْ
(* قوله «وهو طائله» كذا بالأصل والتكملة، والذي بهامش نسخة قديمة من
النهاية: ويطاوله).
وخَلَى القِدْرَ خَلْياً: أَلْقَى تَحْتَها حَطَباً. وخَلاها أَيضاً:
طَرحَ فيها اللَّحْمَ. ابن الأَعرابي: أَخْلَيْتُ القِدْرَ إذا أَلْقَيْتَ
تَحْتَها حَطَباً. وخَلَيْتُها إذا طَرَحْتَ فيها اللَّحم، والله أَعلم.
جرد: جَرَدَ الشيءَ يجرُدُهُ جَرْداً وجَرَّدَهُ: قشَره؛ قال:
كأَنَّ فداءَها، إِذْ جَرَّدُوهُ
وطافوا حَوْله، سُلَكٌ يَتِيمُ
ويروى حَرَّدُوهُ، بالحاء المهملة وسيأْتي ذكره. واسمُ ما جُرِدَ منه:
الجُرادَةُ. وجَرَدَ الجِلْدَ يَجْرُدُه جَرْداً: نزع عنه الشعر، وكذلك
جَرَّدَه؛ قال طَرَفَةُ:
كسِبْتِ اليماني قِدُّهُ لم يُجَرَّدِ
ويقال: رجل أَجْرَدُ لا شعر عليه.
وثَوْبٌ جَرْدٌ: خَلَقٌ قد سَقَطَ زِئْبِرُهُ، وقيل: هو الذي بين الجديد
والخَلَق؛ قال الشاعر:
أَجَعَلْتَ أَسْعَدَ للرِّماحِ دَرِيئَةً؟
هَبِلَتْكَ أُمُّكَ أَيَّ جَرْدٍ تَرْقَعُ؟
أَي لا تَرْقَع الأَخْلاق وتَتركْ أَسعدَ قد خَرَّقته الرماح فأَيُّ...
تُصِلحُ
(* قوله «فأيِّ تصلح» كذا بنسخة الأصل المنسوبة إلى المؤلف ببياض
بين أيّ وتصلح ولعل المراد فأي أمر أو شأن أو شعب أو نحو ذلك.)
بَعْدَهُ. والجَرْدُ: الخَلَقُ من الثياب، وأَثْوابٌ جُرُودٌ؛ قال كُثَيِّرُ
عزة:فلا تَبْعَدَنْ تَحْتَ الضَّريحةِ أَعْظُمٌ
رَميمٌ، وأَثوابٌ هُناكَ جُرودُ
وشَمْلَةٌ جَرْدَةٌ كذلك؛ قال الهذلي:
وأَشْعَثَ بَوْشِيٍّ، شَفَيْنا أُحاحَهُ
غَدَاتَئِذٍ، في جَرْدَةٍ، مُتَماحِلِ
بَوْشِيٌّ: كثير العيال. متماحِلٌ: طويل: شفينا أُحاحَهُ أَي قَتَلْناه.
والجَرْدَةُ، بالفتح: البُرْدَةُ المُنْجَرِدَةُ الخَلَقُ.
وانْجَرَدَ الثوبُ أَي انسَحَق ولانَ، وقد جَرِدَ وانْجَرَدَ؛ وفي حديث
أَبي بكر، رضي الله عنه: ليس عندنا من مال المسلمين إِلاَّ جَرْدُ هذه
القَطِيفَةِ أَي التي انجَرَدَ خَمَلُها وخَلَقَتْ. وفي حديث عائشة، رضوان
الله عليها: قالت لها امرأَة: رأَيتُ أُمي في المنام وفي يدها شَحْمَةٌ
وعلى فَرْجِها جُرَيْدَةٌ، تصغير جَرْدَة، وهي الخِرْقة البالية.
والجَرَدُ من الأَرض: ما لا يُنْبِتُ، والجمع الأَجاردُ. والجَرَدُ: فضاءٌ لا
نَبْتَ فيه، وهذا الاسم للفضاء؛ قال أَبو ذؤيب يصف حمار وحش وأَنه يأْتي
الماء ليلاً فيشرب:
يَقْضِي لُبَانَتَهُ بالليلِ، ثم إِذا
أَضْحَى، تَيَمَّمَ حَزْماً حَوْلهُ جَرَدُ
والجُرْدَةُ، بالضم: أَرض مسْتوية متجرِّدة. ومكانٌ جَرْدٌ وأَجْرَدُ
وجَرِدٌ، لا نبات به، وفضاءٌ أَجْرَدُ. وأَرض جَرْداءُ وجَرِدَةٌ، كذلك،
وقد جَرِدَتْ جَرَداً وجَرَّدَها القحطُ تَجْريداً. والسماءُ جَرْداءُ إِذا
لم يكن فيها غَيْم من صَلَع. وفي حديث أَبي موسى: وكانت فيها أَجارِدُ
أَمْسَكَتِ الماءَ أَي مواضعُ منْجَرِدَة من النبات؛ ومنه الحديث:
تُفْتَتحُ الأَريافُ فيخرج إِليها الناسُ، ثم يَبْعَثُون إِلى أَهاليهم إِنكم في
أَرض جَرَديَّة؛ قيل: هي منسوبة إِلى الجَرَدِ، بالتحريك، وهي كل أَرض
لا نبات بها. وفي حديث أَبي حَدْرَدٍ: فرميته على جُرَيداءِ مَتْنِهِ أَي
وسطه، وهو موضع القفا المنْجَرِد عن اللحم تصغيرُ الجَرْداء.
وسنة جارودٌ: مُقْحِطَةٌ شديدة المَحْلِ. ورجلٌ جارُودٌ: مَشْو ومٌ،
منه، كأَنه يَقْشِر قَوْمَهُ. وجَرَدَ القومَ يجرُدُهُم جَرْداً: سأَلهم
فمنعوه أَو أَعطَوْه كارهين. والجَرْدُ، مخفف: أَخذُك الشيءَ عن الشيءِ
حَرْقاً وسَحْفاً، ولذلك سمي المشؤوم جاروداً، والجارودُ العَبْدِيُّ: رجلٌ
من الصحابة واسمه بِشْرُ بنُ عمرو من عبد القيس، وسمي الجارودَ لأَنه
فَرَّ بِإِبِلِه إِلى أَخواله من بني شيبان وبإِبله داء، ففشا ذلك الداء في
إِبل أَخواله فأَهلكها؛ وفيه يقول الشاعر:
لقد جَرَدَ الجارودُ بكرَ بنَ وائِلِ
ومعناه: شُئِمَ عليهم، وقيل: استأْصل ما عندهم. وللجارود حديث، وقد صحب
النبي، صلى الله عليه وسلم، وقتل بفارس في عقبة الطين. وأَرض جَرْداءُ:
فضاء واسعة مع قلة نبت. ورجل أَجْرَدُ: لا شعر على جسده. وفي صفته، صلى
الله عليه وسلم: أَنه أَجرَدُ ذو مَسْرَبةٍ؛ قال ابن الأَثير: الأَجرد الذي
ليس على بدنه شعر ولم يكن، صلى الله عليه وسلم، كذلك وإِنما أَراد به
أَن الشعر كان في أَماكن من بدنه كالمسربة والساعدين والساقين، فإِن ضدَّ
الأَجْرَد الأَشعرُ، وهو الذي على جميع بدنه شعر. وفي حديث صفة أَهل
الجنة: جُرْذ مُرْدٌ مُتَكَحِّلون، وخَدٌّ أَجْرَدُ، كذلك. وفي حديث أَنس:
أَنه أَخرج نعلين جَرْداوَيْن فقال: هاتان نعلا رسول الله، صلى الله عليه
وسلم، أَي لا شعر عليهما. والأَجْرَدُ من الخيلِ والدوابِّ كلِّها: القصيرُ
الشعرِ حتى يقال إِنه لأَجْرَدُ القوائم. وفرس أَجْرَدُ: قصير الشعر،
وقد جَرِدَ وانْجَرَدَ، وكذلك غيره من الدواب وذلك من علامات العِتْق
والكَرَم؛ وقولهم: أَجردُ القوائم إِنما يريدون أَجردُ شعر القوائم؛
قال:كأَنَّ قتودِي، والقِيانُ هَوَتْ به
من الحَقْبِ، جَردَاءُ اليدين وثيقُ
وقيل: الأَجردُ الذي رقَّ شعره وقصر، وهو مدح. وتَجَرَّد من ثوبه
وانجَرَدَ: تَعرَّى. سيبويه: انجرد ليست للمطاوعة إِنما هي كَفَعَلْتُ كما
أَنَّ افتَقَرَ كضَعُفَ، وقد جَرَّده من ثوبه؛ وحكى الفارسيُّ عن ثعلب:
جَرَّدهُ من ثوبه وجرَّده إِياه. ويقال أَيضاً: فلان حسنُ الجُرْدةِ
والمجرَّدِ والمتجرَّدِ كقولك حَسَنُ العُريةِ والمعَرّى، وهما بمعنى.
والتجريدُ: التعرية من الثياب. وتجريدُ السيف: انتضاؤه. والتجريدُ:
التشذيبُ. والتجرُّدُ: التعرِّي. وفي صفته، صلى الله عليه وسلم: أَنه كان
أَنورَ المتجرِّدِ أَي ما جُرِّدَ عنه الثياب من جسده وكُشِف؛ يريد أَنه كان
مشرق الجسد. وامرأَة بَضَّةُ الجُرْدةِ والمتجرَّدِ والمتجرَّدِ، والفتح
أَكثر، أَي بَضَّةٌ عند التجرُّدِ، فالمتجرَّدِ على هذا مصدر؛ ومثل هذا
فلان رجلُ حرب أَي عند الحرب، ومن قال بضة المتجرِّد، بالكسر، أَراد
الجسمَ. التهذيب: امرأَةٌ بَضَّةُ المتجرَّدِ إِذا كانت بَضَّةَ البَشَرَةِ
إِذا جُرِّدَتْ من ثوبها.
أَبو زيد: يقال للرجل إِذا كان مُسْتَحْيياً ولم يكن بالمنبسِطِ في
الظهور: ما أَنتَ بمنجَرِدِ السِّلْكِ.
والمتجرِّدةُ: اسم امرأَةِ النعمانِ بن المنذِر ملك الحَيرةِ. وفي حديث
الشُّراةِ: فإِذا ظهروا بين النَّهْرَينِ لم يُطاقوا ثم يَقِلُّون حتى
يكون آخرهُم لُصوصاً جرَّادين أَي يُعْرُون الناسَ ثيابهم ويَنْهَبونها؛
ومنه حديث الحجاج؛ قال الأَنس: لأُجَرِّدَنَّك كما يُجَرِّدُ الضبُّ أَي
لأَسْلُخَنَّك سلخَ الضبِّ، لأَنه إِذا شوي جُرَّدَ من جلده، ويروى:
لأَجْرُدَنَّك، بتخفيف الراء.
والجَرْدُ: أَخذ الشيء عن الشيء عَسْفاً وجَرْفاً؛ ومنه سمي الجارودُ
وهي السنة الشديدة المَحْل كأَنها تهلك الناس؛ ومنه الحديث: وبها سَرْحةٌ
سُرَّ تحتَها سبعون نبيّاً لم تُقْتَلْ ولم تُجَرَّدْ أَي لم تصبها آفة
تهلك ثَمرها ولا ورقها؛ وقيل: هو من قولهم جُرِدَتِ الأَرضُ، فهي مجرودة
إِذا أَكلها الجرادُ.
وجَرَّدَ السيفَ من غِمْدِهِ: سَلَّهُ. وتجرَّدَتِ السنبلة وانجَرَدَتْ:
خرجت من لفائفها، وكذلك النَّورُ عن كِمامِهِ. وانجردت الإِبِلُ من
أَوبارها إِذا سقطت عنها. وجَرَّدَ الكتابَ والمصحفَ: عَرَّاه من الضبط
والزيادات والفواتح؛ ومنه قول عبدالله بن مسعود وقد قرأَ عنده رجل فقال
أَستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، فقال: جَرِّدوا القرآنَ لِيَرْبُوَ فيه
صغيركم ولا يَنْأَى عنه كبيركم، ولا تَلبِسوا به شيئاً ليس منه؛ قال ابن
عيينة: معناه لا تقرنوا به شيئاً من الأَحاديث التي يرويها أَهل الكتاب ليكون
وحده مفرداً، كأَنه حثَّهم على أَن لا يتعلم أَحد منهم شيئاً من كتب الله
غيره، لأَن ما خلا القرآن من كتب الله تعالى إِنما يؤخذ عن اليهود
والنصارى وهم غير مأْمونين عليها؛ وكان إِبراهيم يقول: أَراد بقوله جَرِّدوا
القرآنَ من النَّقْط والإِعراب والتعجيم وما أَشبهها، واللام في ليَرْبُوَ
من صلة جَرِّدوا، والمعنى اجعلوا القرآن لهذا وخُصُّوه به واقْصُروه
عليه، دون النسيان والإِعراض عنه لينشأَ على تعليمه صغاركم ولا يبعد عن
تلاوته وتدبره كباركم.
وتجرَّدَ الحِمارُ: تقدَّمَ الأُتُنَ فخرج عنها. وتجَرَّدَ الفرسُ
وانجرَدَ: تقدَّم الحَلْبَةَ فخرج منها ولذلك قيل: نَضَا الفرسُ الخيلَ إِذا
تقدّمها، كأَنه أَلقاها عن نفسه كما ينضو الإِنسانُ ثوبَه عنه.
والأَجْرَدُ: الذي يسبق الخيلَ ويَنْجَرِدُ عنها لسرعته؛ عن ابن جني. ورجلٌ
مُجْرَد، بتخفيف الراء: أُخْرِجَ من ماله؛ عن ابن الأَعرابي. وتجَرَّدَ العصير:
سكن غَلَيانُه. وخمرٌ جَرداءُ: منجردةٌ من خُثاراتها وأَثفالها؛ عن أَبي
حنيفة؛ وأَنشد للطرماح:
فلما فُتَّ عنها الطينُ فاحَتْ،
وصَرَّح أَجْرَدُ الحَجَراتِ صافي
وتجَرَّدَ للأَمر: جَدَّ فيه، وكذلك تجَرَّد في سيره وانجَرَدَ، ولذلك
قالوا: شَمَّرَ في سيره. وانجرَدَ به السيرُ: امتَدَّ وطال؛ وإِذا جَدَّ
الرجل في سيره فمضى يقال: انجرَدَ فذهب، وإِذا أَجَدَّ في القيام بأَمر
قيل: تجَرَّد لأَمر كذا، وتجَردَّ للعبادة؛ وروي عن عمر: تجرَّدُوا بالحج
وإِن لم تُحرِموا. قال إِسحق بن منصور: قلت لأَحمد ما قوله تجَرَّدوا
بالحج؟ قال: تَشَبَّهوا بالحاج وإِن لم تكونوا حُجَّاجاً، وقال إِسحق بن
إِبراهيم كما قال؛ وقال ابن شميل: جَرَّدَ فُلانٌ الحَجَّ وتجَرَّدَ بالحج
إِذا أَفرده ولم يُقْرِنْ.
والجرادُ: معروف، الواحدةُ جَرادة تقع على الذكر والأُنثى. قال الجوهري:
وليس الجرادُ بذكر للجرادة وإِنما هو اسم للجنس كالبقر والبقرة والتمر
والتمرة والحمام والحمامة وما أَشبه ذلك، فحقُّ مذكره أَن لا يكون مؤنثُه
من لفظه لئلا يلتبس الواحدُ المذكرُ بالجمع؛ قال أَبو عبيد: قيل هو
سِرْوَةٌ ثم دبى ثم غَوْغاءُ ثم خَيْفانٌ ثم كُتْفانُ ثم جَراد، وقيل: الجراد
الذكر والجرادة الأُنثى؛ ومن كلامهم: رأَيت جَراداً على جَرادةٍ كقولهم:
رأَيت نعاماً على نعامة؛ قال الفارسي: وذلك موضوعٌ على ما يحافظون عليه،
ويتركون غيرَه بالغالب إِليه من إِلزام المؤَنث العلامةَ المشعرةَ
بالتأْنيث، وإِن كان أَيضاً غير ذلك من كلامهم واسعاً كثيراً، يعني المؤَنث
الذي لا علامة فيه كالعين والقدْر والعَناق والمذكر الذي فيه علامةُ
التأْنيث كالحمامة والحَيَّة؛ قال أَبو حنيفة: قال الأَصمعي إِذا اصفَرَّت
الذكورُ واسودت الإِناثُ ذهب عنه الأَسماء إِلا الجرادَ يعني أَنه اسم لا
يفارقها؛ وذهب أَبو عبيد في الجراد إِلى أَنه آخر أَسمائه كما تقدم. وقال
أَعرابي: تركت جراداً كأَنه نعامة جاثمة.
وجُردت الأَرضُ، فهي مجرودةٌ إِذا أَكل الجرادُ نَبْتَها. وجَرَدَ
الجرادُ الأَرضَ يَجْرُدُها جَرْداً: احْتَنَكَ ما عليها من النبات فلم يُبق
منه شيئاً؛ وقيل: إِنما سمي جَراداً بذلك؛ قال ابن سيده: فأَما ما حكاه
أَبو عبيد من قولهم أَرضٌ مجرودةٌ، من الجراد، فالوجه عندي أَن يكون
مفعولةً من جَرَدَها الجرادُ كما تقدم، وللآخر أَن يعني بها كثرةَ الجراد، كما
قالوا أَرضٌ موحوشةٌ كثيرةُ الوحش، فيكون على صيغة مفعول من غير فعل إِلا
بحسب التوهم كأَنه جُردت الأَرض أَي حدث فيها الجراد، أَو كأَنها
رُميَتْ بذلك، فأَما الجرادةُ اسم فرس عبدالله بن شُرَحْبيل، فإِنما سميت بواحد
الجراد على التشبيه لها بها، كما سماها بعضهم خَيْفانَةً. وجَرادةُ
العَيَّار: اسم فرس كان في الجاهلية. والجَرَدُ: أَن يَشْرَى جِلْدُ الإِنسان
من أَكْلِ الجَرادِ. وجُردَ الإِنسانُ، بصيغة ما لم يُسَمَّ فاعلهُ،
إِذا أَكل الجرادَ فاشتكى بطنَه، فهو مجرودٌ. وجَرِدَ الرجلُ، بالكسر،
جَرَداً، فهو جَرِدٌ: شَرِيَ جِلْدُه من أَكل الجرادِ. وجُرِدَ الزرعُ: أَصابه
الجرادُ. وما أَدري أَيُّ الجرادِ عارَه أَي أَيُّ الناس ذهب به. وفي
الصحاح: ما أَدري أَيُّ جَرادٍ عارَه.
وجَرادَةُ: اسمُ امرأَةٍ ذكروا أَنها غَنَّتْ رجالاً بعثهم عاد إِلى
البيت يستسقون فأَلهتهم عن ذلك؛ وإِياها عنى ابن مقبل بقوله:
سِحْراً كما سَحَرَتْ جَرادَةُ شَرْبَها،
بِغُرورِ أَيامٍ ولَهْوِ ليالِ
والجَرادَتان: مغنيتان للنعمان؛ وفي قصة أَبي رغال: فغنته الجرادَتان.
التهذيب: وكان بمكة في الجاهلية قينتان يقال هما الجرادتان مشهورتان بحسن
الصوت والغناء.
وخيلٌ جريدة: لا رَجَّالَةَ فيها؛ ويقال: نَدَبَ القائدُ جَريدَةً من
الخيل إِذا لم يُنْهِضْ معهم راجلاً؛ قال ذو الرمة يصف عَيْراً
وأُتُنَه:يُقَلِّبُ بالصَّمَّانِ قُوداً جَريدةً،
تَرامَى به قِيعانُهُ وأَخاشِبُه
قال الأَصمعي: الجَريدةُ التي قد جَرَدَها من الصِّغار؛ ويقال: تَنَقَّ
إِبلاً جريدة أَي خياراً شداداً. أَبو مالك: الجَريدةُ الجماعة من
الخيل.والجاروديَّةُ: فرقة من الزيدية نسبوا إِلى الجارود زياد بن أَبي
زياد.ويقال: جَريدة من الخيل للجماعة جردت من سائرها لوجه. والجَريدة: سَعفة
طويلة رطبة؛ قال الفارسي: هي رطبةً سفعةٌ ويابسةً جريدةٌ؛ وقيل: الجريدة
للنخلة كالقضيب للشجرة، وذهب بعضهم إِلى اشتقاق الجريدة فقال: هي السعفة
التي تقشر من خوصها كما يقشر القضيب من ورقه، والجمع جَريدٌ وجَرائدُ؛
وقيل: الجريدة السعَفة ما كانت، بلغة أَهل الحجاز؛ وقيل: الجريد اسم واحد
كالقضيب؛ قال ابن سيده: والصحيح أَن الجريد جمع جريدة كشعير وشعيرة، وفي
حديث عمر: ائْتني بجريدة. وفي الحديث: كتب القرآن في جَرائدَ، جمع جريدة؛
الأَصمعي: هو الجَريد عند أَهل الحجاز، واحدته جريدة، وهو الخوص
والجردان. الجوهري: الجريد الذي يُجْرَدُ عنه الخوص ولا يسمى جريداً ما دام عليه
الخوص، وإِنما يسمى سَعَفاً.
وكل شيء قشرته عن شيء، فقد جردته عنه، والمقشور: مجرود، وما قشر عنه:
جُرادة.
وفي الحديث: القلوب أَربعة: قلب أَجرَدُ فيه مثلُ السراج يُزْهِرُ أَي
ليس فيه غِلٌّ ولا غِشٌّ، فهو على أَصل الفطرة فنور الإِيمان فيه يُزهر.
ويومٌ جَريد وأَجْرَدُ: تامّ، وكذلك الشهر؛ عن ثعلب. وعامٌ جَريد أَي
تامّ. وما رأَيته مُذْ أَجْرَدانِ وجَريدانِ ومُذْ أَبيضان: يريدُ يومين
أَو شهرين تامين.
والمُجَرَّدُ والجُردانُ، بالضم: القضيب من ذوات الحافر؛ وقيل: هو الذكر
معموماً به، وقيل هو في الإِنسان أَصل وفيما سواه مستعار؛ قال جرير:
إِذا رَوِينَ على الخِنْزِير من سَكَرٍ،
نادَيْنَ: يا أَعظَمَ القِسَّين جُرْدانا
الجمع جَرادين.
والجَرَدُ في الدواب: عيب معروف، وقد حكيت بالذال المعجمة، والفعل منه
جَرِدَ جَرَداً. قال ابن شميل: الجَرَدُ ورم في مؤَخر عرقوب الفرس يعظم
حتى يمنعَه المشيَ والسعيَ؛ قال أَبو منصور: ولم أَسمعه لغيره وهو ثقة
مأْمون.
والإِجْرِدُّ: نبت يدل على الكمأَة، واحدته إِجْرِدَّةٌ؛ قال:
جَنَيْتُها من مُجْتَنىً عَويصِ،
من مَنْبِتِ الإِجْرِدِّ والقَصيصِ
النضر: الإِجْرِدُّ بقل يقال له حب كأَنه الفلفل، قال: ومنهم من يقول
إِجْرِدٌ، بتخفيف الدال، مثل إِثمد، ومن ثقل، فهو مثل الإِكْبِرِّ، يقال:
هو إِكْبِرُّ قومه.
وجُرادُ: اسم رملة في البادية. وجُراد وجَراد وجُرادَى: أَسماء مواضع؛
ومنه قول بعض العرب: تركت جَراداً كأَنها نعامة باركة. والجُراد
والجُرادة: اسم رملة بأَعلى البادية. والجارد وأُجارد، بالضم: موضعان أَيضاً،
ومثله أُباتر. والجُراد: موضع في ديار تميم. يقال: جَرَدُ القَصِيم والجارود
والمجرد وجارود أَسماء رجال. ودَرابُ جِرْد: موضع. فأَما قول سيبويه:
فدراب جرد كدجاجة ودراب جردين كدجاجتين فإِنه لم يرد أَن هنالك دراب
جِرْدين، وإِنما يريد أَن جِرْد بمنزلة الهاء في دجاجة، فكما تجيء بعلم التثنية
بعد الهاء في قولك دجاجتين كذلك تجيء بعلم التثنية بعد جرد، وإِنما هو
تمثيل من سيبويه لا أَن دراب جردين معروف؛ وقول أَبي ذؤيب:
تدلَّى عليها بين سِبٍّ وخَيْطَةٍ
بِجَرْداءَ، مِثْلِ الوَكْفِ يَكْبُو عُرابُها
يعني صخرة ملساء؛ قال ابن بري يصف مشتاراً للعسل تدلى على بيوت النحل.
والسبّ: الحبل. والخيطة: الوتد. والهاء في قوله عليها تعود على النحل.
وقوله: بجرداء يريد به صخرة ملساء كما ذكر. والوكف: النطع شبهها به
لملاستها، ولذلك قال: يكبو غرابها أَي يزلق الغراب إِذا مشى عليها؛ التهذيب: قال
الرياشي أَنشدني الأَصمعي في النون مع الميم:
أَلا لها الوَيْلُ على مُبين،
على مبين جَرَدِ القَصِيم
قال ابن بري: البيت لحنظلة بن مصبح، وأَنشد صدره:
يا رِيَّها اليومَ على مُبين
مبين: اسم بئر، وفي الصحاح: اسم موضع ببلاد تميم.
والقَصِيم: نبت.
والأَجاردة من الأَرض: ما لا يُنْبِتُ؛ وأَنشد في مثل ذلك:
يطعُنُها بخَنْجَرٍ من لحم،
تحت الذُّنابى في مكانٍ سُخْن
وقيل: القَصيم موضع بعينه معروف في الرمال المتصلة بجبال الدعناء. ولبن
أَجْرَدُ: لا رغوة له؛ قال الأَعشى:
ضَمِنَتْ لنا أَعجازَه أَرماحُنا،
مِلءَ المراجِلِ، والصريحَ الأَجْرَدا
لا: الليث: لا حَرْفٌ يُنْفَى به ويُجْحَد به، وقد تجيء زائدة مع اليمين
كقولك لا أُقْسِمُ بالله. قال أَبو إِسحق في قول الله عز وجل: لا
أُقْسِمُ بيومِ القيامة، وأَشْكالِها في القرآن: لا اختلاف بين الناس أَن
معناه أُقْسِمُ بيوم القيامة، واختلفوا في تفسير لا فقال بعضهم لا لَغْوٌ،
وإِن كانت في أَوَّل السُّورة، لأَن القرآن كله كالسورة الواحدة لأَنه متصل
بعضه ببعض؛ وقال الفرّاء: لا ردٌّ لكلام تقدَّم كأَنه قيل ليس الأَمر
كما ذكرتم؛ قال الفراء: وكان كثير من النحويين يقولون لا صِلةٌ، قال: ولا
يبتدأُ بجحد ثم يجعل صلة يراد به الطرح، لأَنَّ هذا لو جاز لم يُعْرف خَبر
فيه جَحْد من خبر لا جَحْد فيه، ولكن القرآن العزيز نزل بالردّ على
الذين أَنْكَروا البَعْثَ والجنةَ والنار، فجاء الإِقْسامُ بالردّ عليهم في
كثير من الكلام المُبْتدإ منه وغير المبتدإ كقولك في الكلام لا واللهِ لا
أَفعل ذلك، جعلوا لا، وإِن رأَيتَها مُبتدأَةً، ردًّا لكلامٍ قد مَضَى،
فلو أُلْغِيَتْ لا مِمّا يُنْوَى به الجوابُ لم يكن بين اليمين التي تكون
جواباً واليمين التي تستأْنف فرق. وقال الليث: العرب تَطرح لا وهي
مَنْوِيّة كقولك واللهِ أضْرِبُكَ، تُريد والله لا أَضْرِبُكَ؛ وأَنشد:
وآلَيْتُ آسَى على هالِكِ،
وأَسْأَلُ نائحةً ما لَها
أَراد: لا آسَى ولا أَسأَلُ. قال أَبو منصور: وأَفادَنِي المُنْذري عن
اليزِيدي عن أَبي زيد في قول الله عز وجل: يُبَيِّن اللهُ لكم أَن
تَضِلُّوا؛ قال: مَخافَة أَن تَضِلُّوا وحِذارَ أَن تَضِلوا، ولو كان يُبَيّنُ
الله لكم أَنْ لا تَضِلوا لكان صواباً، قال أَبو منصور: وكذلك أَنْ لا
تَضِلَّ وأَنْ تَضِلَّ بمعنى واحد. قال: ومما جاء في القرآن العزيز مِن هذا
قوله عز وجل: إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ السمواتِ والأَرضَ أَنْ تَزُولا؛ يريد
أَن لا تزولا، وكذلك قوله عز وجل: أَن تَحْبَطَ أَعمالُكم وأَنتم لا
تَشْعُرون؛ أَي أَن لا تَحْبَطَ، وقوله تعالى: أَن تقولوا إِنما أُنْزِلَ
الكتابُ على طائفَتَيْنِ مِن قَبْلنا؛ معناه أَن لا تقولوا، قال: وقولك
أَسأَلُك بالله أَنْ لا تقولَه وأَنْ تَقُولَه، فأَمَّا أَنْ لا تقولَه
فجاءَت لا لأَنك لم تُرد أَن يَقُوله، وقولك أَسأَلك بالله أَن تقوله سأَلتك
هذا فيها معنى النَّهْي، أَلا ترى أَنك تقول في الكلام والله أَقول ذلك
أَبداً، والله لا أَقول ذلك أَبداً؟ لا ههنا طَرْحُها وإِدْخالُها سواء
وذلك أَن الكلام له إِباء وإِنْعامٌ، فإِذا كان من الكلام ما يجيء من باب
الإِنعام موافقاً للإٍباء كان سَواء وما لم يكن لم يكن، أَلا ترى أَنك
تقول آتِيكَ غَداً وأَقومُ معك فلا يكون إِلا على معنى الإِنعام؟ فإذا قلت
واللهِ أَقولُ ذلك على معنى واللهِ لا أَقول ذلك صَلَحَ، وذلك لأَنَّ
الإِنْعام واللهِ لأَقُولَنَّه واللهِ لأَذْهَبَنَّ معك لا يكون واللهِ أَذهب
معك وأَنت تريد أَن تفعل، قال: واعلم أَنَّ لا لا تكون صِلةً إِلاَّ في
معنى الإِباء ولا تكون في معنى الإِنعام. التهذيب: قال الفراء والعرب
تجعل لا صلة إِذا اتصلت بجَحْدٍ قبلَها؛ قال الشاعر:
ما كانَ يَرْضَى رسولُ اللهِ دِيْنَهُمُ،
والأَطْيَبانِ أَبو بَكْرٍ ولا عُمَر
أَرادَ: والطَّيِّبانِ أَبو بكر وعمر. وقال في قوله تعالى: لِئلاَّ
يَعْلَمَ أَهْلُ الكتابِ أَنْ لا يَقْدِرُونَ على شيء من فَضْلِ اللهِ؛ قال:
العرب تقول لا صِلةً في كلّ كلام دخَل في أَوَّله جَحْدٌ أَو في آخره جحد
غير مُصرَّح، فهذا مما دخَل آخِرَه الجَحْدُ فجُعلت لا في أَوَّله
صِلةً، قال: وأَما الجَحْدُ السابق الذي لم يصرَّحْ به فقولك ما مَنَعَكَ أَن
لا تَسْجُد، وقوله: وما يُشْعِرُكُمْ أَنها إِذا جاءت لا يُؤْمِنون،
وقوله عز وجل: وحَرامٌ على قَرْيةٍ أَهْلَكْناها أَنهم لا يَرْجِعُون؛ وفي
الحَرام معنى جَحْدٍ ومَنْعٍ، وفي قوله وما يُشْعركم مثله، فلذلك جُعِلت لا
بعده صِلةً معناها السُّقوط من الكلام، قال: وقد قال بعضُ مَن لا يَعرف
العربية، قال: وأُراه عَرْضَ بأَبِي عُبيدة، إِن معنى غير في قول الله عز
وجل: غير المغضوب عليهم، معنى سِوَى وإِنَّ لا صلةٌ في الكلام؛ واحتج
بقوله:
في بئْرِ لا حُورٍ سرى وما شَعَرْ
بإِفْكِه، حَتَّى رَأَى الصُّبْحَ جَشَرْ
قال: وهذا جائز لأَن المعنى وقَعَ فيما لا يتبيَّنْ فيه عَمَلَه، فهو
جَحْدُ محض لأَنه أَراد في بئرِ ما لا يُحِيرُ عليه شيئاً، كأَنك قلت إِلى
غير رُشْد توجَّه وما يَدْرِي. وقال الفراء: معنى غير في قوله غير
المغضوب معنى لا، ولذلك زِدْتَ عليها لا كما تقول فلان غيرُ مُحْسِنٍ ولا
مُجْمِلٍ، فإِذا كانت غير بمعنى سِوَى لم يجز أَن تَكُرّ عليه، أَلا ترَى أَنه
لا يجوز أَن تقول عندي سِوَى عبدِ الله ولا زيدٍ؟ وروي عن ثعلب أَنه سمع
ابن الأَعرابي قال في قوله:
في بئر لا حُورٍ سرى وما شَعَر
أَراد: حُؤُورٍ أَي رُجُوع، المعنى أَنه وقع في بئرِ هَلَكةٍ لا رُجُوعَ
فيها وما شَعَرَ بذلك كقولك وَقع في هَلَكَةٍ وما شَعَرَ بذلك، قال:
ويجيء لا بمعنى غير؛ قال الله عز وجل: وقِفُوهُمْ إِنَّهم مسؤُولون ما لكم
لا تَناصَرُون؛ في موضع نصب على الحال، المعنى ما لكم غيرَ مُتناصِرين؛
قاله الزجاج؛ وقال أَبو عبيد: أَنشد الأَصمعي لساعدة الهذلي:
أَفَعَنْك لا بَرْقٌ كأَنَّ وَمِيضَه
غابٌ تَسَنَّمه ضِرامٌ مُثْقَبُ
قال: يريد أَمِنك بَرْقٌ، ولا صلة. قال أَبو منصور: وهذا يخالف ما قاله
الفراء إِن لا لا تكون صلة إِلا مع حرف نفي تقدَّمه؛ وأَنشد الباهلي
للشماخ:
إِذا ما أَدْلَجْتْ وضَعَتْ يَداها،
لَها الإِدْلاج لَيْلَه لا هُجُوعِ
أَي عَمِلَتْ يَداها عَمَلَ الليلةِ التي لا يُهْجَعُ فيها، يعني الناقة
ونَفَى بلا الهُجُوعَ ولم يُعْمِلْ، وترك هُجُوع مجروراً على ما كان
عليه من الإِضافة؛ قال: ومثله قول رؤبة:
لقد عرَفْتُ حِينَ لا اعْتِرافِ
نَفى بلا وترَكَه مجروراً؛ ومثله:
أَمْسَى بِبَلْدَةِ لا عَمٍّ ولا خال
وقال المبرد في قوله عز وجل: غَيْرِ المَغْضوبِ عليهم ولا الضالِّين؛
إِنما جاز أَن تقع لا في قوله ولا الضَّالين لأَن معنى غير متضمن معنى
النَّفْي، والنحويون يُجيزون أَنتَ زيداً غَيْرُ ضارِبٍ لأَنه في معنى قولك
أَنتَ زيداً لا ضارِبٌ، ولا يجيزون أَنت زيداً مِثْلُ ضارِب لأَن زيداً من
صلة ضارِبٍ فلا تتقدَّم عليه، قال: فجاءت لا تُشَدِّد من هذا النفي الذي
تضمنه غيرُ لأَنها تُقارِبُ الداخلة، أَلا ترى أَنك تقول جاءَني زيد
وعمرو، فيقول السامع ما جاءَك زيد وعَمرو؟ فجائز أَن يكون جاءَه أَحدُهما،
فإِذا قال ما جاءَني زيد ولا عمرو فقد تَبَيَّن أَنه لم يأْت واحد منهما.
وقوله تعالى: ولا تَسْتَوي الحَسَنةُ ولا السَّيِّئةُ؛ يقارب ما ذكرناه
وإِن لم يَكُنْه. غيره: لا حرفُ جَحْد وأَصل ألفها ياء، عند قطرب، حكاية
عن بعضهم أَنه قال لا أَفعل ذلك فأَمال لا. الجوهري: لا حرف نفي لقولك
يَفْعَل ولم يقع الفعل، إِذا قال هو يَفْعَلُ غَداً قلت لا يَفْعَلُ غداً،
وقد يكون ضدّاً لبَلَى ونَعَمْ، وقد يكون للنَّهْي كقولك لا تَقُمْ ولا
يَقُمْ زيد، يُنهى به كلُّ مَنْهِيٍّ من غائب وحاضِر، وقد يكون لَغْواً؛
قال العجاج:
في بِئرِ لا حُورٍ سَرَى وما شَعَرْ
وفي التنزيل العزيز: ما مَنَعَك أَن لا تَسْجُد؛ أَي ما منعك أَن
تسْجُد، وقد يكون حرفَ عطف لإِخراج الثاني مما دخل فيه الأَول كقولك رأَيت
زيداً لا عَمراً، فإَن أَدْخَلْتَ عليها الواو خَرَجَتْ من أَن تكون حَرْفَ
عطفٍ كقولك لم يقم زيد ولا عمرو، لأَن حُروف النسق لا يَدخل بعضُها على
بعض، فتكون الواو للعطف ولا إِنما هي لتأْكيد النفي؛ وقد تُزاد فيها التاء
فيقال لاتَ؛ قال أَبو زبيد:
طَلَبُوا صُلْحَنا ولاتَ أَوانٍ
وإِذا استقبلها الأَلف واللام ذهبت أَلفه كما قال:
أَبَى جُودُه لا البُخْلَ، واستَعْجلتْ نَعَمْ
بهِ مِنْ فَتًى، لا يَمْنَعُ الجُوعَ قاتِلَهْ
قال: وذكر يونس أَن أَبا عمرو بن العلاء كان يجرّ البُخل ويجعل لا
مُضافة إِليه لأَنَّ لا قد تكون للجُود والبُخْلِ، أَلا ترى أَنه لو قيل له
امْنَعِ الحَقَّ فقال لا كان جُوداً منه؟ فأَمَّا إِنْ جَعَلْتَها لغواً
نصَبْتَ البُخل بالفعل وإِن شئت نصَبْتَه على البدل؛ قال أَبو عمرو: أَراد
أَبَى جُودُه لا التي تُبَخِّلُ الإِنسان كأَنه إِذا قيل له لا تُسْرِفُ
ولا تُبَذِّرْ أَبَى جُوده قولَ لا هذه، واستعجلت نعم فقال نَغَم
أَفْعلُ ولا أَترك الجُودَ؛ قال: حكى ذلك الزجاج لأَبي عمرو ثم قال: وفيه قولان
آخران على رواية مَن روى أَبَى جُودُه لا البُخْل: أَحدهما معناه أَبَى
جُوده البُخْلَ وتَجعل لا صِلةً كقوله تعالى: ما منَعك أَن لا تَسْجُدَ،
ومعناه ما منعكَ أَن تسجُدَ، قال: والقول الثاني وهو حَسَن، قال: أرى أَن
يكون لا غيرَ لَغْوٍ وأَن يكون البُخل منصوباً بدلاً من لا، المعنى: أبي
جُودُه لا التي هي للبُخْل، فكأَنك قلت أَبَى جُوده البُخْلَ وعَجَّلَتْ
به نَعَمْ. قال ابن بري في معنى البيت: أَي لا يَمْنَعُ الجُوعَ
الطُّعْمَ الذي يَقْتُله؛ قال: ومن خفض البُخْلَ فعلى الإِضافةِ، ومَن نصب
جَعَله نعتاً للا، ولا في البيت اسمٌ، وهو مفعول لأَبَى، وإِنما أَضاف لا إِلى
البُخل لأَنَّ لا قد تكون للجُود كقول القائل: أَتَمْنَعُني من عَطائك،
فيقول المسؤول: لا، ولا هنا جُودٌ. قال: وقوله وإِن شئت نصبته على البدل،
قال: يعني البخل تنصبه على البدل من لا لأَن لا هي البُخل في المعنى،
فلا يكون لَغْواً على هذا القول.
لا التي تكون للتبرئة: النحويون يجعلون لها وجوهاً في نصب المُفرد
والمُكَرَّر وتنوين ما يُنوَّنُ وما لا يُنوَّن، والاخْتِيارُ عند جميعهم
أَن يُنصَب بها ما لا تُعادُ فيه كقوله عز وجل: أَلم ذلك الكتابُ لا
رَيْبَ فيه؛ أَجمع القراء على نصبه. وقال ابن بُزرْج: لا صلاةَ لا رُكُوعَ
فيها، جاء بالتبرئة مرتين، وإِذا أَعَدْتَ لا كقوله لابَيْعَ لا بَيْعَ فيه
ولا خُلَّة ولا شفاعة فأَنتَ بالخيار، إِن شئت نصبت بلا تنوين، وإِن شئت
رَفَعْتَ ونوَّنْتَ، وفيها لُغاتٌ كثيرة سوى ما ذكرتُ جائزةٌ عندهم.
وقال الليث: تقول هذه لاء مَكْتوبةٌ فتَمُدُّها لتَتِمَّ الكلمة اسماً، ولو
صغرت لقلت هذه لُوَيَّةٌ مكتوبة إِذا كانت صغيرة الكِتْبة غيرَ جَليلةٍ.
وحكى ثعلب: لَوَّيْت لاء حَسَنَةً عَمِلْتها، ومدَّ لا لأَنه قد صيَّرَها
اسماً، والاسمُ لا يكون على حرفين وَضْعاً، واخْتارَ الأَلف من بين حروف
المَدِّ واللين لمكان الفَتْحة، قال: وإِذا نسبت إِليها قلت لَوَوِيٌّ
(* قوله« لووي إلخ» كذا في الأصل وتأمله مع قول ابن مالك:
وضاعف الثاني من ثنائي * ثانيه ذو لين كلا ولائي)
وقصِيدةٌ لَوَوِيَّةٌ: قافِيَتُها لا. وأَما قول الله عز وجل: فلا
اقْتَحَمَ العَقَبةَ، فلا بمعنى فَلَمْ كأَنه قال فلم يَقْتَحِمِ العَقَبةَ،
ومثله: فلا صَدَّقَ ولا صَلَّى، إِلاَّ أَنَّ لا بهذا المعنى إِذا
كُرِّرَتْ أَسْوَغُ وأَفْصَحُ منها إِذا لم تُكَرَّرْ؛ وقد قال الشاعر:
إِنْ تَغْفِرِ اللهمَّ تَغْفِرْ جَمَّا،
وأَيُّ عَبْدٍ لَكَ لا أَلَمَّا؟
وقال بعضهم في قوله: فلا اقْتَحَمَ العَقَبةَ؛ معناها فما، وقيل:
فَهَلاَّ، وقال الزجاج: المعنى فلم يَقْتَحِم العقبةَ كما قال فلا صَدَّق ولا
صَلَّى ولم يذكر لا ههنا إِلاَّ مرة واحدة، وقلَّما تتَكَلَّم العرب في
مثل هذا المكان إِلاَّ بلا مَرَّتَيْنِ أَو أَكثر، لا تكاد تقول لا
جِئْتَني تُريد ما جِئْتَني ولا نري صلح
(*قوله «نري صلح» كذا في الأصل بلا نقط
مرموزاً له في الهامش بعلامة وقفة.) والمعنى في فلا اقْتَحَمَ موجود لأَن
لا ثابتة كلها في الكلام، لأَن قوله ثم كان من الذين آمنوا يَدُلُّ على
معنى فلا اقْتَحَمَ ولا آمَنَ، قال: ونحوَ ذلك قال الفراء، قال الليث:
وقد يُرْدَفُ أَلا بِلا فيقال أَلا لا؛ وأَنشد: فقامَ
يَذُودُ الناسَ عنها بسَيْفِه
وقال: أَلا لا من سَبيلٍ إِلى هِنْدِ
ويقال للرجل: هل كان كذا وكذا؟ فيقال: أَلا لا ؛ جَعَلَ أَلا تَنْبيهاً
ولا نفياً. وقال الليث في لي قال: هما حَرْفانِ مُتباينان قُرِنا
واللامُ لامُ الملكِ والياء ياء الإضافة؛ وأَما قول الكميت:
كَلا وكَذا تَغْمِيضةً ثمَّ هِجْتُمُ
لَدى حين أَنْ كانُوا إِلى النَّوْمِ، أَفْقَرا
فيقول: كانَ نَوْمُهم في القِلَّةِ كقول القائل لا وذا، والعرب إِذا
أَرادوا تَقْلِيل مُدَّة فِعْلٍ أَو ظهور شيء خَفِيَ قالوا كان فِعْلُه
كَلا، وربما كَرَّروا فقالوا كلا ولا؛ ومن ذلك قول ذي الرمة:
أَصابَ خَصاصةً فبَدا كَليلاً
كلا، وانْغَلَّ سائرُه انْغِلالا
وقال آخر:
يكونُ نُزولُ القَوْمِ فيها كَلا ولا