وَجْنَاءُ مُجْمَرَةُ الْمَنَاسِمِ عِرْمِسٌ
وَهَذَا مِمَّا زِيدَتْ فِيهِ الْمِيمُ، وَالْأَصْلُ عَرْسٌ، وَقَدْ شُبِّهَتْ بِــعَرْسِ الْبِنَاءِ.
خلا: خَلا المكانُ
والشيءُ يَخْلُو خُلُوّاً وخَلاءً وأَخْلَى إِذا لم يكن فيه أَحد ولا
شيء فيه، وهو خالٍ. والخَلاءُ من الأَرض: قَرارٌ خالٍ. واسْتَخْلَى: كخَلا
من باب علا قِرْنَه واسْتَعْلاه. ومن قوله تعالى: وإِذا رأَوْا آية
يَسْتَسخِرون؛ من تذكره أَبي علي. ومكان خَلاء: لا أَحد به ولا شيء فيه.
وأَخْلَى المكان: جعله خالياً. وأَخْلاه: وجده كذلك. وأَخْلَيْت أَي خَلَوْت،
وأَخْلَيْتُ غيرِي، يَتعدَّى ولا يتعدَّى؛ قال عُتَيّ بن مالك
العُقَيْلي:أَتيتُ مع الحُدَّاثِ لَيْلَى فَلَمْ أُبِنْ،
فأَخْلَيْتُ، فاسْتَعْجَمْت عندَ خَلائي
(* قوله «عند خلائي» هكذا في الأصل والصحاح، وفي المحكم: عند خلائيا).
قال ابن بري: قال أَبو القاسم الزجاجي في أَماليه أَخْلَيْتُ وجدْتُها
خالية مثل أَجْبَنْته وجدْته جَباناً، فعلى هذا القول يكون مفعول
أَخْلَيْتُ محذوفاً أَي أَخْلَيْتها. وفي حديث أُمّ حَبيبةَ: قالت له لستُ لك
بمُخْلِيَةٍ أَي لم أَجِدْكَ خالِياً من الزَّوْجات غيري، قال: وليس من
قولهم امرأَة مُخْلِية إِذا خَلَتْ من الزَّوْج. وخَلا الرجلُ وأَخْلَى: وقع
في موضع خالٍ لا يُزاحَمُ فيه. وفي المثل: الذئبُ مُخْلِياً أَشدُّ.
والخَلاءُ، ممدود: البَرازُ من الأَرض. وأَلْفْيتُ فلاناً بخَلاءٍ من الأَرض
أَي بأَرض خاليةٍ. وخَلَت الدار خَلاءً إِذا لم يَبْقَ فيها أَحَدٌ،
وأَخْلاها الله إِخْلاءً. وخَلا لك الشيءُ وأَخْلَى: بمعنى فرغ؛ قال مَعْن بن
أَوْس المُزَني:
أَعاذِلَ، هل يأْتي القبائِلَ حَظُّها
مِنَ المَوْتِ أَم أَخْلى لنا الموتُ وحْدَنا؟
ووجدْت الدار مُخْلِيَةً أَي خالِيَة، وقد خَلَت الدارُ وأَخْلَتْ.
ووَجَدت فلانةَ مُخْلِيَة أَي خالِيَة. وفي الحديث عن ابن مسعود قال: إِذا
أَدْرَكْتَ منَ الجُمُعَة رَكْعَةً فإِذا سَلَّم الإِمام فأَخْلِ وَجْهَك
وضُمَّ إِليها ركْعة، وإِن لم تُدْرِك الرُّكوعَ فَضَلِّ أَرْبعاً؛ قال
شمر: قوله فأَخْل وجْهَكَ معناه فيما بَلَغَنا اسْتَتِرْ بإِنسانٍ أَو
شَيءْ وصَلِّ رَكْعة أُخْرى، ويُحْمَل الاسْتِتار على أَن لا يراهُ الناسُ
مُصَلِّياً ما فاتَه فَيَعْرِفوا تقصيرَه في الصلاةِ، أَو لأَنَّ الناس
إِذا فَرَغوا من الصلاةِ انْتَشروا راجِعِين فأَمَرَه أَن يَسْتَتِرَ بشيء
لئلا يَمُرّوا بين يديه. قال: ويقال أَخْلِ أَمْرَكَ واخْلُ بأَمْرِك أَي
تَفَرَّدْ به وتَفَرَّغ له. وتَخَلَّيت: تَفَرَّغت. وخَلا على بعضِ
الطعامِ إِذا اقْتَصَر عليه. وأَخْلَيْتُ عنِ الطعامِ أَي خَلَوْت عنه. وقال
اللحياني: تميم تقول خَلا فُلان على اللَّبَنِ وعلى اللَّحْمِ إِذا لم
يأْكُلْ معه شيئاً ولا خَلَطَه به، قال: وكِنانَةُ وقيسٌ يقولون أَخْلى فلان
على اللَّبَنِ واللَّحْمِ؛ قال الراعي:
رَعَتْه أَشهراً وخَلا عَلَيْها،
فطارَ النَّيُّ فيها واسْتَغارا
ابن الأَعرابي: اخْلَوْلى إِذا دام على أَكلِ اللَّبنِ، واطْلَوْلى
حَسُن كلامهُ، واكْلَوْلى
(* قوله «واكلولى» هكذا في الأصل والتهذيب). إِذا
انْهَزَم. وفي الحديث: لا يَخْلو عليهما أَحدٌ بغير مكةَ إِلاَّ لم
يُوافِقاهُ، يعني الماءَ واللحْم أَي ينفرِدُ بهما. يقال: خَلا وأَخْلى، وقيل:
يَخْلُو يعتمد، وأَخْلى إِذا انْفَرَدَ؛ ومنه الحديث: فاسْتَخْلاهُ
البُكاءُ أَي انْفَرَدَ به؛ ومنه قولهم: أَخْلى فلانٌ على شُرْب اللَّبنِ
إِذا لم يأْكلْ غيرَه، قال أَبو موسى: قال أَبو عمرو هو بالخاء المعجمة
وبالحاء لا شيء. واسْتَخلاهُ مَجْلِسَه أَي سَأَله أَن يُخْلِيَه له. وفي
حديث ابن عباس: كانَ أُناسٌ يَستَحْيُون أَن يَتخَلَّوْا فيُفْضُوا إِلى
السماءِ؛ يَتَخَلَّوْا: من الخَلاء وهو قضاءُ الحاجة، يعني يَستَحْيُون
أَن ينكشفوا عند قضائها تحت السماء. والخَلاء، ممدود: المُتَوَضَّأ
لِخُلُوِّه. واسْتَخْلى المَلِكَ فأَخْلاه وخَلا به، وخَلا الرجلُ بصاحِبه
وإِلَيْه ومَعَه؛ عن أَبي إِسحق، خُلُوّاً وخَلاءً وخَلْوةً، الأَخيرة عن
اللحياني: اجتمع معه في خَلْوة. قال الله تعالى: وإِذا خَلَوْا إِلى
شَياطِنِهِنمْ؛ ويقال: إِلى بمعْنى مَعْ كما قال تعالى: مَنْ أَنصاري إِلى
الله. وأَخْلى مَجْلِسَه، وقيل: الخَلاءُ والُخلُوُّ المصْدر، والخَلْوَة
الاسم. وأَخْلى به؛ كخَلا؛ هذه عن اللحياني، قال: ويصلح أَن يكون خَلَوْت به
أَي سَخِرْتُ منه. وخَلا بهِ: سَخِرَ منه. قال الأَزهري: وهذا حرف غريب
لا أَعْرِفه لغيره، وأَظنه حفِظَه. وفلان يَخْلُو بفلانٍ إِذا خادَعَه.
وقال بعضهم: أَخْلَيْت بفلان أُخْلِي بهِ إِخْلاءً المعنى خَلَوْت به.
ويقول الرجل للرجل: اخْلُ مَعي حتى أُكَلِّمَك أَي كُنْ مَعِي خالياً. وقد
اسْتَخْلَيْتُ فلاناً: قلت له أَخْلِني؛ قال الجعدي:
وذَلِكَ مِنْ وَقَعاتِ المَنُون،
فأَخْلِي إِلَيْكِ ولا تَعْجَبِي
أَي أَخْلِي بأَمْرِك من خَلَوْت. وخَلا الرجلُ يَخْلو خَلْوةً. وفي
حديث الرؤيا: أَلَيْسَ كُلُّكُم يَرى القَمَر مُخْلِياً به؟ يقال: خَلَوتُ
به ومعه وإِليه وأَخْلَيْت به إِذا انفردت به، أَي كُلُّكم يراه منفرداً
لنفسه، كقوله: لاتُضارُون في رُؤْيَته. وفي حديث بَهْزِ بن حكِيم:
إِنَّهُمْ لَيَزْعُمُونَ أَنك تَنْهى عن الغَيِّ وتَسْتَخْلي به أَي تَسْتَقِلّ
به وتَنْفَرد. وحكي عن بعض العرب: تَرَكْتُه مُخْلِياً بفلان أَي خالياً
به. واسْتَخْلى به: كَخَلا، عنه أَيضاً، وخَلَّى بينهما وأَخْلاه معه.
وكُنَّا خِلْوَيْن أَي خالِيَيْن. وفي المَثَل: خَلاؤُك أَقْنى لِحَيائِك
أَي منزِلُك إِذا خَلَوْت فيه أَلْزَمِ لِحَيائِك، وأَنت خَلِيٌّ من هذا
الأَمر أَي خالٍ فارِغٌ من الهمّ، وهو خِلافُ الشَّجِيِّ. وفي المثل:
وَيْلٌ للشَّجِيِّ من الخَلِيِّ؛ الخَلِيُّ الذي لاَ همَّ لهُ الفارِغ،
والجمع خَليُّون وأَخْلِياء. والخِلْوُ: كالخَلِيِّ، والأُنثى خِلْوَةٌ
وخِلْوٌ؛ أَنشد سيبويه:
وقائِلَةٍ: خَوْلانُ فانْكِحْ فتاتَهُمْ
وأُكْرُومَةُ الحَيّيْنِ خِلْوٌ كما هِيا
والجمع أَخْلاءٌ. قال اللحياني: الوجه في خِلْوٍ أَن لا يثنى ولا يجمع
ولا يؤنث وقد ثنى بعضهم وجمع وأَنث، قال: وليس بالوجه. وفي حديث أَنس:
أَنت خِلْوٌ من مُصِيبَتي؛ الخِلْوُ، بالكسر: الفارِغُ البال من الهموم،
والخلو أَيضاً المُنْفَرِدُ؛ ومنه الحديث: إِذا كنْتَ
إِماماً أَوِ خِلْواً. وحكى اللحياني أَيضاً: أَنت خَلاءٌ من هذا
الأَمرِ كَخَلِيّ، فمن قال خِليٌّ ثنَّى وجمع وأَنث، ومن قال خَلاءٌ لم يثن
ولا جمع ولا أَنث. وتقول: أَنا منك خَلاءٌ أَي بَراءٌ، إِذا جعلته مصدراً
لم تثن ولم تجمع، وإِذا جعلته اسماً على فعيل ثنيت وجمعت وأَنثت وقلت أَنا
خَلِيٌّ منك أَي بَرِيءٌ منك. ويقال: هو خِلْوٌ من هذا الأَمر أَي خالٍ،
وقيل أَي خارِجٌ، وهما خِلْوٌ وهم خِلْوٌ. وقال بعضهم: هما خِلْوان من
هذا الأَمر وهم خِلاءٌ، وليس بالوجه. والخالي: العَزَبُ الذي لا زَوْجَة
له، وكذلك الأُنثى، بغير هاء، والجمع أَخْلاءٌ؛ قال امرؤ القيس:
أَلَمْ تَرَني أُصْبي عَلى المَرْءِ عِرْسَــهُ،
وأَمْنَعُ عِرْســي أَن يُزَنَّ بها الخالي؟
وخَلَّى الأَمْرَ وتَخَلَّى منه وعنه وخالاه: تَرَكه. وخالى فلاناً:
تَرَكه؛ قال النابغة الذُّبْياني لزُرْعة ابن عَوْف، حينَ بعثَ بنو عامر
إِلى حِصْن بن فزارة وإِلى عُيَيْنَة بنِ حِصْنٍ أَن اقْطَعُوا ما بيْنَكُم
وبَينَ بني أَسَدٍ، وأَلْحِقُوهمْ ببَني كنانَة ونحالِفُكُمْ، فنَحْنُ
بنو أَبيكم، وكان عُيَيْنَة هَمَّ بذلك فقال النابغة:
قالَتْ بَنُو عامِرٍ: خالُوا بني أَسدٍ،
يا بُؤْسَ للحَرْبِ ضَرَّاراً لأَقْوامِ
أَي تارِكُوهُمْ، وهو من ذلك. وفي حديث ابن عمر في قوله تعالى: ليَقْضِ
عَلْينا رُّبك، قال فخَلَّى عنهم أَربعين عاماً ثم قال اخْسَؤُوا فيها
أَي ترَكَهُم وأَعرَض عنهم. وخالاني فلان مُخالاةً أَي خالَفَني. يقال:
خالَيْته خِلاءً إِذا تَركْتَه؛ وقال:
يأْبى البَلاءُ فما يَبْغِي بهمْ بَدَلاً،
وما أُرِيدُ خِلاءً بعدَ إِحْكامِ
يأْبى البَلاءُ أَي التَّجْرِبة أَي جَرَّبْناهم فأَحْمَدْناهُمْ فلا
نخالِيهمْ.
والخَلِيَّةُ والخَلِيُّ: ما تُعَسِّلُ فيه النَّحْلُ من غير ما
يُعالَجُ لها من العَسَّالاتِ، وقيل: الخَلِيَّة ما تُعَسِّل فيه النَّحل من
راقُودٍ
أَو طِينٍ أَو خَشبة مَنْقُورة، وقيل: الخَلِيَّة بَيْتُ النَّحْل الذي
تُعَسِّلُ فيه، وقيل: الخَلِيَّةُ ما كان مصنوعاً، وقيل: الخَلِيَّة
والخَلِيُّ خَشَبة تُنْقَرُ فيُعَسِّلُ فيها النَّحلُ؛ قال:
إِذا ما تأَرَّتْ بالخَلِيِّ ابتَنَتْ به
شَرِيجَيْنِ مما تَأْتَرِي وتُتِيع
شريجين أَي ضربين من العسل. والخَلِيَّة: أَسفَلُ شَجَرة يقال لها
الخَزَمة كأَنه راقُود، وقيل: هو مثل الراقود يُعْمَل لها من طين. وفي الحديث:
في خَلايا النَّحلِ إِنَّ فيها العُشْرَ. الليث: إِذا سُوِّيَت
الخَلِيَّة من طِين فهي كُوَّارة. وفي حديث عمر، رضي الله عنه: أَنَّ عاملاً له
على الطائِف كتَبَ إِليه إِن رِجالاً مِنْ فَهْمٍ كَلَّموني في خَلايا لهم
أَسْلَموا عليها وسأَلوني أَنْ أَحْمِيَها لهمْ؛ الخَلايا: جمعُ
خَلِيَّة وهو الموضع الذي تُعَسّل فيه النَّحل. والخَلِيَّة من الإِبل: التي
خُلِّيَتْ للحَلْب، وقيل: هي التي عَطَفتْ على وَلَدٍ، وقيل: هي التي خَلَتْ
عن وَلَدِها ورَئِمَتْ وَلَدَ غيرِها، وإِنْ لم تَرْأَمْهُ فهي خَلِيَّة
أَيضاً، وقيل: هي التي خَلَتْ عن ولدها بمَوْت أَو نَحْر فتُسْتَدَرُّ
بوَلَدِ غيرِها ولا تُرْضِعُه، إِنما تَعْطِفُ
على حُوارٍ تُستَدَرُّ به من غير أَن تُرْضِعَه، فسُمِّيت خَلِيَّة
لأَنها لا تُرْضِعُ ولدَها ولا غيرَه؛ وقال اللحياني: الخَلِيَّة التي
تُنْتَج وهي غزيرة فيُجَرُّ ولدُها من تحتها فيُجعل تحت أُخرى وتُخَلَّى هي
للحلب وذلك لكَرَمِها. قال الأَزهري: ورأَيت الخَلايا في حَلائبهم، وسمعتهم
يقولون: بنو فلان قد خَلَوْا وهمْ يَخْلُون. والخليَّة: الناقة تُنْتَج
فيُنْحَر ولدُها ساعةَ يُولَد قبلَ أَن تَشَمَّه ويُدْنى منها ولدُ ناقةٍ
كانت ولدَتْ
قَبلَها فتَعْطِفُ عليه، ثم يُنظَر إِلى أَغْزَر الناقتين فتُجعل
خَلِيَّةً، ولا يكون للحُوار منها إِلاَّ قَدْرُ ما يُدِرُّها وتُركَت الأُخرى
للحُوار يَرْضعُها متى ما شاء وتُسمَّى بَسُوطاً، وجمعها بُسْطٌ،
والغزيرة التي يتَخلَّى بلَبَنِها أَهلُها هي الخَلِيَّة. أَبو بكر: ناقة
مِخلاءٌ أخْلِيَت عن ولدِها؛ قال أَعرابي:
عِيطُ الهَوادي نِيطَ مِنها بالِحُقِي،
أَمْثالُ أَعْدالِ مَزَادِ المُرْتَوي،
مِنْ كلِّ مِخْلاءٍ ومُخْلاةٍ صَفي
والمُرْتوي: المُسْتَقي، وقيل: الخَلِيَّة ناقة أَو ناقتان أَو ثلاث
يُعْطَفْنَ على ولدٍ واحد فيَدْرُرْنَ عليه فيَرْضعُ الولد من واحدة،
ويتَخلَّى أَهلُ البيت لأَنفُسِهم واحدةً أَو ثنتين يَحْلُبونها. ابن
الأَعرابي: الخَلِيَّة الناقة تُنْتَجُ فيُنْحَرُ ولدها عَمْداً ليَدُوم لهم
لَبَنُها فتُسْتَدَرُّ بِجُوارِ غيرِها، فإِذا دَرَّتْ نُحِّيَ الحُوارُ
واحْتُلِبَتْ، وربما جمعوا من الخَلايا ثلاثاً وأَربعاَ على حُوارٍ واحدٍ وهو
التَّلَسُّن. وقال ابن شميل: ربما عَطَفُوا ثلاثاً وأَربعاً على فَصيل
وبأَيَّتِهِنَّ شاؤُوا تَخَلَّوْا. وتَخَلَّى خَلِيَّة: اتَّخَذَها لنفْسه؛
ومنه قول خالد بن جعفر بن كلاب يصف فرساً:
أَمرْتُ بها الرِّعاءَ ليُكرموها،
لها لَبَنُ الخَلِيَّةِ والصَّعُودِ
ويروى:
أَمْرتُ الراعِيَيْن ليُكْرِماها
والخَلِيَّة من الإِبل: المطلَقة من عِقال. ورُفِعَ إِلى عمر، رضي الله
عنه، رجلٌ وقد قالت له امرأَتُه شَبِّهْني فقال: كأَنكِ ظَبْيَةٌ، كأَنكِ
حمامةٌ فقالت: لا أَرضَى حتى تقولَ خَليَّة طالِقٌ فقال ذلك، فقال
عمر، رضي الله عنه: خُذْ بيدها فإِنها امرأَتُك لمَّا لم تكن نيتُه
الطلاقَ، وإِنما غالَطَتْه بلفظ يُشْبِه لفظ الطلاق؛ قال ابن الأَثير: أَراد
بالخلية ههنا الناقة تُخَلَّى من عِقالها، وطَلَقَت من العِقال تَطْلُقُ
طَلْقاً فهي طالق، وقيل: أَراد بالخلية الغزيرةَ يؤْخذ ولدها فيُعطَفُ
عليه غيرُها وتُخَلَّى للحَيِّ يشربون لبنها، والطالِقُ: الناقة التي لا
خِطَام لها، وأَرادت هي مُخادَعَته بهذا القول ليَلْفِظ به فيقَعَ عليها
الطلاقُ، فقال له عُمر: خُذْ بيدها فإِنها امرأَتك، ولم يوقع الطلاق
لأَنه لم يَنْوِ
الطلاقَ، وكان ذلك خِداعاً منها. وفي حديث أُمّ زَرْع: كنتُ لكِ كأَبي
زَرْع لأُم زَرْع في الأُلْفَة والرِّفاء لا في الفُرْقة والخَلاء، يعني
أَنه طَلَّقها وأَنا لا أُطَلِّقك. وقال اللحياني: الخلِيَّةُ كلمة
تُطَلَّقُ بها المرأَة يقال لها أَنتِ بَرِيَّة وخَلِيَّة، كنايةً عن الطلاق
تَطْلُق بها المرأَة إِذا نوَى طلاقاً، فيقال: قد خَلَت المرأَةُ من زوجها.
وقال ابن بُزُرْج: امرأَة خَلِيَّةٌ ونساءٌ خَلِيَّاتٌ لا أَزواج لهُنَّ
ولا أَولادَ، وقال: امرأَةٌ خِلْوةٌ وامرأَتان خِلْوَتان ونساء خِلْواتٌ
أَي عَزَبات. ورجل خَلِيٌّ وخَلِيّانِ وأَخْلِياءُ: لا نساءَ لهم. وفي
حديث ابن عمر: الخَلِيَّة ثلاث، كان الرجل في الجاهلية يقول لزوجته أَنتِ
خَلِيَّة فكانت تَطْلُق منه، وهي في الإِسلام من كِنايات الطلاق فإِذا
نوى بها الطلاق وقع. أَبو العباس أَحمد بن يحيى: إِنه لَحُلْوُ الخَلا
إِذا كان حسَنَ الكلام؛ وأَنشد لكثير:
ومُحْتَرِشٍ ضَبَّ العَداوة مِنْهُمُو
بحُلْوِ الخَلا حَرْشَ الضِّبابِ الخَوادعِ
شمر: المُخالاةُ المبارَزَةُ. والمُخالاةُ: أَن يَتخلَّوْا من الدُّورِ
ويَصيروا إِلى الدُّثُورِ. الليث: خالَيْت فلاناً إِذا صارَعْته، وكذلك
المُخالاةُ في كلِّ أَمرٍ؛ وأَنشد:
ولا يَدْرِي الشَّقِيُّ بمَنْ يُخالي
قال الأَزهري: كأَنه إِذا صارعه خَلا به فلم يَسْتَعِنْ واحد منهما
بأَحَدٍ وكل واحد منهما يَخْلُو بصاحبه. ويقال: عَدُوٌّ مُخالٍ أَي ليس له
عَهْد؛ وقال الجعدي:
غَيْرُ بِدْعٍ منَ الجِيادِ، ولا يُجْـ
ـنَبْنَ إِلاَّ على عَدُوٍّ مُخالي
وقال بعضهم: خَالَيْت العَدُوَّ تركت ما بَيْني وبينه من المُواعَدة،
وخلا كلُّ واحدٍ منهما من العَهْد. والخَلِيَّة: السَّفِينة التي تَسير من
غير أَن يُسَيِّرَها مَلاَّح، وقيل: هي التي يتبعها زَوْرَق صغير، وقيل:
الخَليَّة العظيمة من السُّفُن، والجمع خَلايا، قال الأَزهري: وهو
الصحيح؛ قال طرفة:
كأَنَّ حُدُوجَ المَالِكِيَّة، غُدْوَةً،
خَلايا سَفِين بالنَّواصِفِ مِنْ دَدِ
وقال الأَعشى:
يَكُبُّ الخَلِيَّةَ ذاتَ القِلاع،
وقَدْ كادَ جُؤْجُؤُها يَنْحَطِمْ
وخلا الشيءُ خُلُوّاً: مَضَى. وقوله تعالى: وإِنْ من أُمَّةٍ إِلاَّ
خَلا فيها نَذِيرٌ؛ أَي مضى وأُرْسِل. والقُرون الخالِية: هُم المَواضي.
ويقال: خَلا قَرْنٌ فَقَرْنٌ أَي مَضى. وفي حديث جابر: تَزَوَّجْت امرأَةً
قَدْ خَلا منها أَي كَبِرَتْ ومَضى مُعْظَم عُمْرِها؛ ومنه الحديث: فلمَّا
خَلا سِنِّي ونَثَرْتُ له ذا بَطْني؛ أَنها كَبِرَت وأَولَدت له.
وتَخَلَّى عن الأَمر ومن الأَمر: تَبَرَّأَ. وتَخَلَّى: تَفَرَّغ. وفي حديث
مُعاوية القُشَيْرِي: قلت يا رسول الله ما آياتُ الإِسلامِ؟ قال: أَن تقول
أَسْلَمْتُ وجْهِي إِلى الله وتَخَلَّيْتُ؛ التَّخَلِّي: التفَرُّغُ.
يقال: تَخَلَّى للعبادة، وهو تَفَعُّلٌ من الخُلُوّ، والمراد التَّبَرُّؤُ من
الشرْكِ وعقْدُ القَلْبِ على الإِيمان. وخَلَّى عن الشيء: أَرْسَلَه،
وخَلَّى سبيلَه فهو مُخَلّىً عنه، ورأَيته مُخَلِّياً؛ قال الشاعر:
ما لي أَراك مُخَلِّياً،
أَيْنَ السلاسِلُ والقُيُود؟
أَغَلا الحدِيدُ بأَرْضِكُمْ
أَمْ ليسَ يَضْبِطُكَ الحدِيد؟
وخَلَّى فلانٌ مكانَه إِذا مات؛ قال:
فإِنْ يكُ عبدُ الله خَلَّى مكانَه،
فما كان وقَّافاً ولا مُتَنَطِّقا
قال ابن الأَعرابي: خَلا فلانٌ إِذا ماتَ، وخلا إِذا أَكل الطَّيِّبَ،
وخلا إِذا تعيَّد، وخلا إِذا تَبَرَّأَ من ذنب قُرِفَ به. ويقال: لا
أَخْلى اللهُ مكانَك، تدعو له بالبَقاء.
وخَلا: كلمة من حروف الاستثناء تَجُرُّ ما بعدها وتنصِبُه، فإِذا قلت ما
خَلا زيداً فالنصب لا غير. الليث: يقال ما في الدار أَحد خلا زيداً
وزيدٍ، نصْبٌ وجَرّ، فإِذا قلت ما خلا زيداً فانْصِبْ فإِنه قد بُيِّنَ
الفِعْلُ. قال الجوهري: تقول جاؤوني خلا زيداً، تنصب بها إِذا جَعَلْتها فعلاً
وتضمر فيها الفاعل كأَنك قلت خلا مَنْ جاءني مِنْ زيد؛ قال ابن بري:
صوابه خلا بعضُهم زيداً، فإِذا قلت خلا زيد فجررتْ فهو عند بعض النحويين حرف
جرّ بمنزلة حاشى، وعند بعضهم مصدر مضاف، وأَما ما خلا فلا يكون بعدها
إِلاَّ النصب، تقول جاؤوني ما خلا زيداً لأَن خلا لا تكون بعد ما إِلاَّ
صلة لها، وهي معها مصدر، كأَنك قلت جاؤوني خُلُوَّ زيد أَي خُلُوَّهُم من
زيد. قال ابن بري: ما المصدرية لا توصل بحرف الجر، فدلّ أَن خلا فعل.
وتقول: ما أَردت مَساءَتَك خَلا أَني وعَظْتك، معناه إِلاَّ أَني وعظتك؛
وأَنشد:
خَلا اللهَ لا أَرْجُو سِوَاكَ، وإِنَّما
أَعُدُّ عِيالي شُعْبة مِنْ عِيالِكا
وفي المثل: أَنا مِنْ هذا الأَمْرِ كَفَالِجِ بْن خَلاوَةَ أَي بَرِيءٌ
خَلاءٌ، وهو مذكور في حرف الجيم.
وخَلاوَةُ: اسم رجل مشتقٌّ من ذلك. وبَنُو خَلاوَةَ: بطن من أَشْجَعَ،
وهو خَلاوَةُ بن سُبَيْعِ بنِ بَكْرِ ابنِ أَشْجَعَ؛ قال أَبو الرُّبَيْسِ
التَّغْلَبيّ:
خَلاويَّةٌ إِنْ قُلْتَ جُودي، وجَدْتَها
نَوَارَ الصَّبَا قَطَّاعَةً للعَلائِقِ
وقال أَبو حنيفة: الخَلْوَتانِ شَفْرَتا النَّصْل، واحدَتُهما خَلْوَة.
وقولهم: افْعَلْ كذا وخَلاكَ ذَمٌّ أَي أَعْذَرْتَ وسَقَطَ عَنْكَ
الذَّمُّ؛ قال عبد الله بن رواحة:
فَشَأْنَكِ فانْعَمي، وخَلاكِ ذَمٌّ،
ولا أَرْجِعْ إِلى أَهْلٍ وَرَائي
وفي حديث عليّ، رضوان الله عليه: وخَلاكُمْ ذَمٌّ ما لم تَشْرُدوا، هو
من ذلك.
والخَلى: الرَّطْبُ من النَّبات، واحدته خَلاةٌ. الجوهري: الخَلى
الرَّطْبُ من الحَشِيشِ. قال ابن بري: يقال الخَلى الرُّطْبُ، بالضم لا غير،
فإِذا قلت الرَّطْبُ من الحَشِيش فَتَحْت لأَنك تُرِيدُ ضِدَّ اليابس،
وقيل: الخَلاةُ كلّ بَقْلة قَلَعْتها، وقد يُجْمَع الخَلى على أَخْلاءٍ؛ حكاه
أَبو حنيفة. وجاءَ في المثل: عَبْدٌ وخَلىً في يَدَيْهِ أَي مع
عبودِيَّته غَنيٌّ. قال يعقوب: ولا تقل وحَلْيٌ في يَدَيْه. وقال الأَصمعي:
الخَلى الرَّطْب من الحشيش، وبه سُمِّيت المُخْلاة، فإذا يَبِس فهو حَشِيش؛
ابن سيده: وقول الأَعشى:
وحَوْليَ بَكْرٌ وأَشْياعُهَا،
ولَسْتُ خَلاةً لِمَنْ أَوْعَدَنْ
أَي لَسْتُ بمنزلة الخَلاةِ يأْخُذُها الآخِذُ كيف شاء بل أَنا في عِزّ
ومَنَعة. وفي حديث مُعْتَمِرٍ: سئل مالك عن عَجين يُعْجَن بِدُرْدِيٍّ
فقال: إن كان يُسْكِرُ فَلا، فَحَدَّث الأَصمعي به مُعْتَمِراً فقال: أَو
كان كما قال:
رأَى في كَفِّ صاحِبِه خَلاةً،
فتُعْجِبهُ ويُفْزِعُه الجَرِيرُ
الخَلاةُ: الطائفة من الخَلا، وذلك أَن معناه أَن الرجلَ بَنِدُّ
بَعيره، فيأْخُذُ بإحْدى يَدَيْه عُشْباً وبالأُخْرى حَبْلاً، فينظُر البعيرُ
إلَيْهما فلا يَدْرِي ما يَصْنَع، وذلك أَنه أَعْجَبه فَتْوَى مالِكٍ
وخافَ التحريمَ لاختلاف الناسِ في المسكر فتَوقَّف وتمَثَّل بالبيت. وأَخْلَت
الأَرضُ: كَثُرَ خَلاها. وأَخْلى اللهُ الماشِيَةَ يُخْلِيها إخْلاءً:
أَنْبَتَ لها ما تأْكُلُ من الخَلى؛ هذه عن اللحياني. وخَلى الخَلى
خَلْياًً واخْتَلاه فانْخَلى: جَزَّه وقَطَعَه ونَزَعه، وقال اللحياني: نَزَعه.
والمِخْلى: ما خَلاه وجَزَّه به. والمِخْلاةُ: ما وَضَعه فِيه. وخَلى في
المِخْلاةِ: جَمَع؛ عن اللحياني. الليث: الخَلى هو الحشيش الذي
يُحْتَشُّ من بُقول الرَّبِيع، وقد اخْتَلَيْته، وبِه سُمِّيت المِخْلاة،
والواحدة خَلاةٌ، وأَعْطِني مِخْلاةً أَخْلِي فيها. وخَلَيْت فَرَسي إذا حَشَشْت
عليه الحَشيش. وفي حديث تحريم مَكَّة: لا يُخْتَلىَ خَلاها؛ الخَلَى:
النَّبات الرقيق ما دام رَطْباً. وفي حديث ابن عمر: كان يَخْتَلِي لِفَرسِه
أَي يَقْطَع لها الخَلَى. وفي حديث عمرو بن مُرَّةَ: إذا اخْتُلِيَتْ في
الحَرْبِ هامُ الأَكابِرِ أي قُطِعَتْ رُؤُوسُهُم. وخَلى البَعِيرَ
والفَرَس يَخْلِيها خَلْياً: جَزَّ لَه الخَلَى. والسيفُ يَخْتَلِي أَي
يَقْطَع. والمُخْتَلُون والخالُون: الذين يَخْتَلُون الخَلَى ويقطعونه. وخَلَى
اللِّجامَ عن الفرس يَخْلِيهِ: نَزَعَه. وخَلَى الفرسَ خلْياً: ألقى في
فيه اللِّجامَ؛ قال ابن مقبل في خَلَيْت الفرس:
تَمَطَّيْت أَخليهِ اللِّجامَ وبَذَّنِي،
وشَخْصي يُسامي شَخْصَه وهو طائِلُهْ
(* قوله «وهو طائله» كذا بالأصل والتكملة، والذي بهامش نسخة قديمة من
النهاية: ويطاوله).
وخَلَى القِدْرَ خَلْياً: أَلْقَى تَحْتَها حَطَباً. وخَلاها أَيضاً:
طَرحَ فيها اللَّحْمَ. ابن الأَعرابي: أَخْلَيْتُ القِدْرَ إذا أَلْقَيْتَ
تَحْتَها حَطَباً. وخَلَيْتُها إذا طَرَحْتَ فيها اللَّحم، والله أَعلم.
هوا: الهَواء، ممدود: الجَوُّ ما بين السماء والأَرض، والجمع
الأَهْوِيةُ، وأَهلُ الأَهْواء واحدها هَوًى، وكلُّ فارغٍ هَواء. والهَواء:
الجَبانُ لأَنه لا قلب له، فكأَنه فارغٌ، الواحد والجمع في ذلك سواء. وقلب هواء:
فارغٌ، وكذلك الجمع. وفي التنزيل العزيز: وأَفْئِدَتُهم هَواء؛ يقال
فيه: إِنه لا عُقولَ لهم. أَبو الهيثم: وأَفْئِدَتُهم هَواء قال كأَنهم لا
يَعْقِلون من هَوْلِ يوم القيامة، وقال الزجاج: وأَفْئِدَتُهم هَواء أَي
مُنْحَرِفة
(* قوله« منحرفة» في التهذيب: منخرقة.)
لا تَعِي شيئاً من الخَوْفِ، وقيل: نُزِعَتْ أَفْئدَتُهم من أَجْوافِهم؛
قال حسان:
أَلا أَبْلِغْ أَبا سُفيانَ عَنِّي،
فَأَنْتَ مُجَوَّفٌ نَخِبٌ هَواه
والهَواء والخَواء واحد. والهَواء: كل فُرْجةٍ بين شيئين كما بَيْنَ
أَسْفَلِ البيت إِلى أَعْلاه وأَسْفَلِ البئرِ إِلى أَعْلاها. ويقال: هَوَى
صَدْرُه يَهْوِي هَواء إِذا خلا؛ قال جرير:
ومُجاشِعٌ قَصَبٌ هَوَتْ أَجْوافُه،
لَوْ يُنْفَخُونَ مِنَ الخُؤُورةِ طارُوا
أَي هم بمنزلة قَصَبٍ جَوْفُه هَواء أَي خالٍ لا فُؤادَ لهم كالهَواء
الذي بين السماء والأَرض؛ وقال زهير:
كأَنّ الرَّحل مِنها فَوْق صَعْلٍ،
من الظِّلْمانِ، جُؤْجُؤه هَواه
وقال الجوهري: كل خالٍ هَواء؛ قال ابن بري: قال كعب الأَمثال:
ولا تَكُ مِنْ أَخْدانِ كُلِّ يَراعةٍ
هَواء كسَقْبِ البان، جُوفٍ مَكاسِرُهْ
قال: ومثله قوله عز وجل: وأَفْئِدَتُهم هَواء؛ وفي حديث عاتكة:
فَهُنَّ هَواءٌ والحُلُومُ عَوازِبُ
أَي بَعِيدةٌ خاليةُ العقول من قوله تعالى: وأَفْئِدَتُهم هَواء.
والمَهْواةُ والهُوَّةُ والأُهْوِيَّةُ والهاوِيةُ: كالهَواء. الأَزهري:
المَهْواةُ مَوْضِع في الهَواء مُشْرِفٌ ما دُونَه من جبل وغيره: ويقال:
هَوَى يَهْوِي هَوَياناً، ورأَيتهم يَتَهاوَوْنَ في المَهْواةِ إِذا سقط
بعضُهم في إِثْر بعض. الجوهري: والمَهْوَى والمَهْواةُ ما بين الجبلين
ونحو ذلك. وتَهاوَى القَوْمُ من المَهواةِ إِذا سقَط بَعضُهم في إِثر بعض.
وهَوتِ الطَّعْنَةُ تَهْوِي: فتَحَت فاها بالدم؛ قال أَبو النجم:
فاخْتاضَ أُخْرَى فَهَوَتْ رُجُوحا
لِلشِّقِّ، يَهْوِي جُرْحُها مَفْتُوحا
وقال ذو الرمة:
طَوَيْناهُما، حتى إِذا ما أُنِيخَتا
مُناخاً، هَوَى بَيْنَ الكُلَى والكَراكِرِ
أَي خَلا وانفتح من الضُّمْر. وهَوَى وأَهْوَى وانْهَوَى: سَقَط؛ قال
يَزيدُ بن الحَكَم الثقفي:
وكَمْ مَنْزِلٍ لَوْلايَ طِحْتَ، كما هَوَى،
بأَجْرامِه مِن قُلَّةِ النِّيقِ، مُنْهَوِي
وهَوت العُقابُ تَهْوِي هُوِيًّا إِذا انْقَضَّت على صيد أَو غيره ما لم
تُرِغْه، فإِذا أَراغَتْه قِيل: أَهْوَتْ له إِهْواء؛ قال زهير:
أَهْوَى لها أَسْفَعُ الخَدَّيْنِ مُطَّرِقٌ
رِيش القَوادِمِ، لَمْ يُنْصَبْ له الشَّبَك
والإِهْواء: التَّناوُل باليد والضَّرْبُ، والإِراغةُ: أَن يَذْهَبَ
الصَّيدُ هكذا وهكذا والعُقاب تَتْبَعُه. ابن سيده: والإِهْواء والاهْتِواء
الضَّرب باليد والتناوُلُ. وهَوَت يدي للشيء وأَهْوَتْ: امْتَدَّت
وارْتَفَعَت. وقال ابن الأَعرابي: هَوَى إِليه مِن بُعْدٍ، وأَهْوَى إِليه من
قُرْبٍ، وأَهْوَيْت له بالسيف وغيره، وأَهْوَيْت بالشيء إِذا أَوْمَأْت
به، وأَهْوَى إِليه بيده ليأْخذه. وفي الحديث: فأَهْوَى بيده إِليه أَي
مَدَّها نَحْوَه وأَمالها إِليه. يقال: أَهْوَى يَده وبيده إِلى الشيء
ليأْخذه. قال ابن بري: الأَصمعي ينكر أَن يأْتي أَهْوَى بمعنى هَوَى، وقد
أَجازه غيره، وأَنشد لزهير:
أَهْوَى لَها أَسْفَعُ الخَدَّيْنِ مُطَّرِقٌ
وكان الأَصمعي يرويه: هَوَى لها؛ وقال زهير أَيضاً:
أَهْوَى لَها فانْتَحَتْ كالطَّيْرِ حانيةً،
ثم اسْتَمَرَّ عليها، وهو مُخْتَضِعُ
قال ابن أَحمر:
أَهْوَى لَها مِشْقَصاً حَشْراً فَشَبْرَقَها،
وكُنْتُ أَدْعُو قَذاها الإِثْمِدَ القَرِدا
وأَهْوَى إِليه بسَهْم واهْتَوَى إِليه به. والهاوِي من الحُروف واحد:
وهو الأَلف، سمي بذلك لشدّة امتداده وسَعة مَخرجه. وهَوَتِ الرِّيح
هَوِيًّا: هَبَّتْ؛ قال:
كأَنَّ دَلْوِي في هَوِيِّ رِيحِ
وهَوَى، بالفتح، يَهْوِي هَوِيًّا وهُوِيًّا وهَوَياناً وانْهَوَى:
سَقَط مِن فوقُ إِلى أَسفل، وأَهْواهُ هُو. يقال: أَهْوَيْتُه إِذا
أَلقَيْتَه من فوق. وقوله عز وجل: والمُؤْتَفِكةَ أَهْوَى؛ يعني مَدائنَ قومِ لُوط
أَي أَسْقَطَها فَهَوَت أَي سَقَطَت. وهَوَى السهم هُوِيًّا: سَقَط من
عُلْو إِلى سُفْل. وهَوَى هَوِيًّا وهَى
(* قوله« وهوى هوياً وهى إلخ» كذا
في الأَصل، وعبارة المحكم: وهوى هوياً، وهاوى سار سيراً شديداً، وأَنشد
بيت ذي الرمة.) ، وكذلك الهُوِيّ في السير إِذا مضى. ابن الأَعرابي:
الهُوِيُّ السَّرِيعُ إِلى فَوْقُ، وقال أَبو زيد مثله، وأَنشد:
والدَّلْوُ في إِصْعادِهَا عَجْلَى الهُوِيُّ
وقال ابن بري: ذكر الرياشي عن أَبي زيد أَنَّ الهَوِيّ بفتح الهاء إِلى
أَسفل، وبضمها إِلى فوق؛وأَنشد: عَجْلَى الهُوي؛ وأَنشد:
هَوِيَّ الدَّلْوِ أَسْلَمَها الرِّشاء
فهذا إِلى أَسفل؛ وأَنشد لمعقر بن حمار البارقي:
هَوَى زَهْدَمٌ تحْتَ الغُبارِ لِحاجِبٍ،
كما انْقَضَّ بازٍ أَقْتَمُ الرِّيشِ كاسِرُ
وفي صفته، صلى الله عليه وسلم: كأَنَّما يَهْوِي مِن صَبَبٍ أَي
يَنْحَطُّ، وذلك مِشية القَوِيّ من الرجال. يقال: هَوَى يَهْوِي هَوِيًّا،
بالفتح، إِذا هبط، وهَوَى يَهْوِي هُوِيًّا، بالضم، إِذا صَعِدَ، وقيل بالعكس،
وهَوَى يَهْوِي هُوِيًّا إِذا أَسرع في السير. وفي حديث البراق: ثم
انْطَلَق يَهْوِي أَي يُسْرِعُ. والمُهاواةُ: المُلاجَّةُ. والمُهاواةُ:
شدَّة السير.
وهاوَى: سارَ سَيْراً شديداً؛ قال ذو الرمة:
فلم تَسْتَطِعْ مَيٌّ مُهاواتَنا السُّرَى،
ولا لَيْلَ عِيسٍ في البُرِينَ خَواضِعِ
وفي التهذيب:
ولا لَيْلَ عِيسٍ في البُرينَ سَوامِ
وأَنشد ابن بري لأَبي صخرة:
إِيّاكَ في أَمْرِك والمُهاواهْ،
وكَثْرَة التَّسْويفِ والمُماناهْ
الليث: العامة تقول الهَوِيُّ في مصدر هَوَى يَهْوي في المَهْواةِ
هُوِيًّا. قال: فأَما الهَويُّ المَلِيُّ فالحينُ الطويل من الزمان، تقول:
جلست عنده هَوِيّاً. والهَويُّ: الساعة المُمتدَّة من الليل. ومضى هَويٌّ من
الليل، على فَعِيلٍ أَي هَزيعٌ منه. وفي الحديث: كنتُ أَسْمَعُه
الهَوِيَّ من الليل؛ الهَوِيُّ، بالفتح: الحين الطويل من الزمان، وقيل: هو مختص
بالليل. ابن سيده: مضى هَوِيٌّ من الليل وهُوِيٌّ وتَهْواء أَي ساعة منه.
ويقال: هَوَتِ الناقةُ والأَتانُ وغيرهما تَهْوي هُوِيّاً، فهي هاوِيةٌ
إِذا عَدَتْ عَدْواً شديداً أَرْفَعَ العَدْو، كأَنه في هَواء بئر تَهْوي
فيها، وأَنشد:
فشَدَّ بها الأَماعِزَ، وهْيَ تَهْوي
هُويَّ الدَّلْوِ أَسْلمها الرِّشاءُ
والهَوى، مقصور: هَوَى النَّفْس، وإِذا أَضفته إِليك قلت هَوايَ. قال
ابن بري: وجاء هَوَى النفْس ممدوداً في الشعر؛ قال:
وهانَ على أَسْماءَ إِنْ شَطَّتِ النَّوى
نَحِنُّ إِليها، والهَواء يَتُوقُ
ابن سيده: الهَوى العِشْق، يكون في مداخل الخير والشر. والهَوِيُّ:
المَهْوِيُّ؛ قال أَبو ذؤيب:
فَهُنَّ عُكُوفٌ كنَوْحِ الكَرِيـ
ـمِ، قدْ شَفَّ أَكْبادَهُنَّ الهَويُّ
أَي فَقْدُ المَهْويِّ. وهَوى النفسِ: إِرادتها، والجمع الأَهْواء.
التهذيب: قال اللغويون الهَوَى محبةُ الإِنسان الشيء وغَلَبَتُه على قلبه؛
قال الله عز وجل: ونَهى النفْسَ عن الهَوى؛ معناه نَهاها عن شَهَواتِها وما
تدعو إِليه من معاصي الله عز وجل. الليث: الهَو مقصور هَوى الضَّمير،
تقول: هَوِيَ، بالكسر، يَهْوى هَوًى أَي أَحبَّ. ورجل هَوٍ: ذو هَوًى
مُخامِرُه. وامرأَة هَوِيةٌ: لا تزال تَهْوى على تقدير فَعِلة، فإِذا بُنيَ
منه فَعْلة بجزم العين تقول هَيَّة مثل طَيَّة. وفي حديث بَيْعِ الخِيار:
يأْخُذُ كلُ واحد من البيع ما هَوِيَ أَي ما أَحب، ومتى تُكُلِّمَ بالهَوى
مطلقاً لم يكن إِلا مذموماً حتى يُنْعَتَ بما يُخرجُ معناه كقولهم هَوًى
حَسَنٌ وهَوًى موافق للصواب؛ وقول أَبي ذؤيب:
سَبَقوا هَوَيَّ وأَعْنَقُوا لِهَواهُم
فتُخُرِّمُوا، ولكُلِّ جَنْبٍ مَصْرَعُ
قال ابن حبيب: قال هَوَيَّ لغة هذيل، وكذلك تقول قَفَيَّ وعَصَيَّ، قال
الأَصمعي: أَي ماتوا قبلي ولم يَلْبثُوا لِهَواي وكنت أُحِبُّ أَن أَموت
قبلهم، وأَعْنَقُوا لِهَواهم: جعلهم كأَنهم هَوُوا الذَّهابَ إِلى
المَنِيَّةِ لسُرْعتهم إِليها، وهم لم يَهْوَوْها في الحقيقة، وأَثبت سيبويه
الهَوَى لله عز وجل فقال: فإِذا فعَلَ ذلك فقد تَقَرَّب إِلى الله بهَواه.
وهذا الشيءُ أَهْوى إليَّ من كذا أَي أَحَبُّ إِليَّ؛ قال أَبو صخر
الهذلي:
ولَلَيْلةٌ مِنها تَعُودُ لَنا،
في غَيْرِ ما رَفْثٍ ولا إِثْمِ،
أَهْوى إِلى نَفْسِي، ولَوْ نَزَحَتْ
مِمَّا مَلَكْتُ، ومِنْ بَني سَهْمِ
وقوله عز وجل: فاجْعَلْ أَفْئِدةً من الناس تَهْوَى إِليهم وارْزُقْهم
من التَّمرات، فيمن قرأَ به إِنما عدَّاه بإِلى لأَن فيه معنى تميل،
والقراءَة المعروفة تَهْوي إِليهم أَي تَرْتَفِع، والجمع أَهْواء؛ وقد هَوِيَه
هَوًى، فهو هَوٍ؛ وقال الفراء: معنى الآية يقول اجعل أَفئدة من الناس
تُريدُهم، كما تقول: رأَيت فلاناً يَهْوي نَحْوَك، معناه يُريدك، قال:
وقرأَ بعض الناس تَهْوى إِليهم، بمعنى تَهْواهم، كما قال رَدِفَ لكم
ورَدِفَكم؛ الأَخفش: تَهْوى إِليهم زعموا أَنه في التفسير تَهْواهم؛ الفراء:
تَهْوي إِليهم أَي تُسْرعُ. والهَوى أَيضاً: المَهْويُّ؛ قال أَبو
ذُؤيب:زَجَرْتُ لها طَيْرَ السَّنِيحِ، فإِنْ تَكُنْ
هَواكَ الذي تَهْوى، يُصِبْكَ اجْتِنابُها
واسْتَهْوَتْه الشياطينُ: ذهبت بهَواه وعَقْله. وفي التنزيل العزيز:
كالذي اسْتَهْوَتْه الشياطينُ؛ وقيل: اسْتَهْوَتْه استَهامَتْه وحَيَّرَتْه،
وقيل: زيَّنت الشياطينُ له هَواه حَيْرانَ في حال حيرته. ويقال
للمُسْتَهام الذي استَهامَتْه الجنُّ: اسْتَهْوَته الشياطين. القتيبي: استَهْوته
الشَّياطينُ هَوَتْ به وأَذْهَبتْه، جعله من هَوَى يَهْوي، وجعله الزجاج
من هَوِيَ يَهْوَى أَي زيَّنت له الشياطينُ هَواه. وهَوى الرَّجل: ماتَ؛
قال النابغة:
وقال الشَّامِتُونَ: هَوى زِيادٌ،
لِكُلِّ مَنِيَّةٍ سَببٌ مَتِينُ
قال: وتقول أَهْوى فأَخذ؛ معناه أَهْوى إِليه يَدَه، وتقول: أَهْوى
إِليه بيَدِه.
وهاوِيةُ والهاوِيةُ: اسم من أَسماء جهنم، وهي معرفة بغير أَلف ولام.
وقوله عز وجل: فأُمُّه هاوِيةٌ؛ أَي مَسْكنه جهنمُ ومُسْتَقَرُّه النار،
وقيل: إِنَّ الذي له بدل ما يسكن إِليه نارٌ حامية. الفراء في قوله،
فأُمُّه هاوِية: قال بعضهم هذا دعاءٌ عليه كما تقول هَوَتْ أُمه على قول العرب؛
وأَنشد قول كعب بن سعد الغنوي يرثي أَخاه:
هَوَتْ امُّه ما يَبْعَثُ الصُّبْحُ غادِياً،
وماذا يُؤَدِّي الليلُ حين يَؤُوبُ
(* قوله «هوت أمه» قال الصاغاني رادًّا على الجوهري، الرواية: هوت عرســه،
والمعروف: حين يثوب اهـ. لكن الذي في صحاح الجوهري هو الذي في تهذيب
الازهري.)
ومعنى هَوت أُمه أَي هلَكَت أُمُّه. وتقول: هَوَت أُمُّه فهي هاويةٌ أَي
ثاكِلةٌ. وقال بعضهم: أُمّه هاويةٌ صارَتْ هاويةٌ مأْواه، كما تُؤْوي
المرأَةُ ابنها ، فجعلها إذْ لا مأْوى له غَيْرَها أُمًّا له، وقيل: معنى
قوله فأُمُّه هاويةٌ أُمُّ رأْسه تَهْوي في النار؛ قال ابن بري: لو كانت
هاوية اسماً علماً للنار لم ينصرف في الآية. والهاوِيةُ: كلُّ مَهْواة لا
يُدْرَك قَعْرُها ؛ وقال عمرو بن مِلْقَط الطائي:
يا عَمْرُو لو نالتْك أَرْماحُنا،
كنتَ كمَنْ تَهْوي به الهاوِيَهْ
وقالوا: إِذا أَجْدَبَ الناسُ أَتى
(* قوله «إذا أجدب الناس أتى إلخ» كذا في الأصل والمحكم.)
الهاوي والعاوي، فالهاوي الجَرادُ، والعاوي الذئبُ. وقال ابن الأَعرابي: إنما هو الغاوي، بالغين المعجمة، والهاوي، فالغاوي الجَرادُ، والهاوي
الذِّئبُ لأَن الذِّئابَ تأْتي إلى الخِصْب. ابن الأَعرابي: إذا أَخْصَب
الزَّمانُ جاء الغاوي والهاوي؛ قال: الغاوي الجَراد وهو الغَوْغاء،
والهاوي الذئاب لأَن الذئاب تَهْوي إلى الخصب. قال: وقال إذا جاءت السنة جاء
معها أَعوانُها، يعني الجَراد والذئاب والأَمراض.
ويقال: سمعتُ لأُذُني هَوِياًّ أَي دَوِيًّا، وقد هَوَت أُذُنه تَهْوي.
الكسائي: هاوَأْتُ الرَّجل وهاوَيْتُه، في باب ما يهمز وما لا يهمز،
ودارَأْتُه ودارَيْتُه.
والهَواهي: الباطلُ واللَّغْوُ من القول ، وقد ذكر أَيضاً في موضعه؛ قال
ابن أَحمر:
أَفي كلِّ يَوْمٍ يَدْعُوانِ أَطبّةً
إليَّ ، وما يُجْدُونَ إلا الهَواهِيا؟
قال ابن بري: صوابه الهَواهِيُّ الأباطيلُ، لأَن الهَواهِيَّ جمع
هَوْهاءة من قوله هَوْهاءة اللُّبّ أَخْرَقُ، وإنما خففه ابن أَحمر ضرورة؛
وقياسُه هَواهِيُّ كما قال الأَعشى:
أَلا مَنْ مُبْلِغُ الفِتْيا
نِ أَنَّا في هَواهيِّ
وإِمْساءِ وإِصباح،
وأَمْرٍ غَيْرِ مَقْضِيِّ
قال: وقد يقال رجل هَواهِيةٌ إلا أَنه ليس من هذا الباب.
والهَوْهاءة، بالمد: الأَحْمَقُ. وفي النوادر: فلان هُوَّة أي أَحْمَقُ
لا يُمْسِكُ شيئاً في صدره.
وهَوٌّ من الأَرض: جانِبٌ منها . والهُوّة: كلُّ وَهْدَةٍ عَمِيقةٍ؛
وأَنشد:
كأَنه في هُوَّةٍ تَقَحْذَما
قال: وجمع الهُوَّةِ هُوًى. ابن سيده: الهُوَّةُ ما انهَبَطَ من الأَرضَ
، وقيل: الوَهْدةُ الغامضةُ من الأرض، وحكى ثعلب: اللهم أَعِذْنا من
هُوَّةِ الكُفْر ودَواعي النفاق، قال: ضربه مثلاً للكُفْر، والأُهْوِيّة
على أُفْعُولة مثلها. أَبو بكر: يقال وَقَعَ في هُوَّة أَي في بئر
مُغَطَّاةٍ؛ وأَنشد:
إنكَ لو أُعْطِيتَ إَرْجاء هُوّةٍ
مُغَمَّسَةٍ ، لا يُسْتَبانُ تُرابُها،
بِثَوْبِكَ في الظَّلْماء، ثم دَعَوْتَني
لجِئْتُ إِليها سادِماً، لا أَهابُها
النضر: الهَوَّةُ، بفتح الهاء، الكَوّةُ؛ حكاها عن أَبي الهذيل، قال:
والهُوّةُ والمَهْواةُ بين جبلين. ابن الفرج: سمعت خليفة يقول للبيت
كِواءٌ كثيرة وهِواء كثيرة، الواحدة كَوَّةٌ وهَوَّةٌ، وأَما النضر فإِنه زعم
أَن جمع الهَوَّة بمعنى الكَوَّة هَوًى مثل قريةٍ وقُرًى؛ الأَزهري في
قول الشماخ:
ولمّا رأَيتُ الأَمْرَ عَرْشَ هُوَيَّةً،
تسَلَّيْتُ حاجاتِ الفُؤَادِ بشَمَّرا
قال: هُوَيَّةٌ تصغير هُوّة، وقيل: الهَوِيَّةُ بئر
(*قوله « وقيل الهوية بئر» أي على وزن فعيلة كما صرح به في التكملة ،
وضبط الهاء في البيت بالفتح والواو بالكسر. وقوله «طواطي» كذا بالأصل.)
بَعِيدةُ المَهْواةِ، وعَرْشُها سقفها المُغَمَّى عليها بالتراب
فيَعْتَرُّ به واطِئُه فيَقَع فيها ويَهْلِك، وأَراد لما رأَيتُ الأَمرَ
مُشْرِفاً بي على هَلَكةِ طواطي سَقْفِ هَوَّةٍ مُغَمَّاةٍ تركته ومضيت
وتسَلَّيْت عن حاجتي من ذلك الأَمر، وشَمَّرُ: اسم ناقة أَي ركبتها ومضيت. ابن
شميل: الهُوَّةُ ذاهبةٌ في الأَرض بعيدة القعر مثل الدَّحْلِ غير أَن له
أَلجافاً، والجماعةُ الهُوُّ، ورأْسُها مثلُ رأْس الدَّحْل. الأَصمعي:
هُوَّةٌ وهُوًى. والهُوَّة: البئر؛ قال أَبو عمرو، وقيل: الهُوَّة الحُفْرة
البعيدة القعر، وهي المَهْواةُ. ابن الأَعرابي: الرواية عَرْشَ
هُوِيَّة، أَراد أُهْوِيَّةٍ، فلما سقطت الهمزة رُدَّت الضمة إلى الهاء، المعنى
لما رأَيت الأَمر مشرفاً على الفوت مضيت ولم أُقم. وفي الحديث: إذا
عَرَّسْــتم فاجْتَنِبُوا هُوِيَّ الأَرضِ
(* قوله «هوي الارض» كذا ضبط في الأصل
وبعض نسخ النهاية، وهو بضم فكسر وشد الياء، وفي بعض نسخها بفتحتين.) ؛
هكذا جاء في رواية، وهي جمع هُوَّة، وهي الحُفْرة والمطمئن من الأَرض،
ويقال لها المَهْواةُ أَيضاً. وفي حديث عائشة، رضي الله عنها ، ووصفت أَباها
قالت: وامْتاحَ من المَهْواة،أَرادت البئر العَمِيقَة أَي أَنه تحَمَّل
ما لم يَتحَمَّل غيره. الأَزهري: أَهْوى اسم ماء لبني حِمَّان، واسمه
السُّبَيْلةُ، أَتاهم الرَّاعي فمنعوه الوِرْدَ فقال:
إِنَّ على أَهْوى لأَلأَمَ حاضِرٍ
حَسَباً، وأَقْبَحَ مَجْلسٍ أَلوانا
قَبَحَ الإِلهُ ولا أُحاشي غَيْرَهُمْ،
أَهْلَ السُّبَيْلةِ من بَني حِمَّانا
وأَهْوى، وسُوقةُ أَهْوى، ودارة أَهْوى: موضع أَو مَواضِعُ، والهاء حرف
هجاء، وهي مذكورة في موضعها من باب الأَلف اللينة.
دعا: قال الله تعالى: وادْعوا شُهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين؛
قال أَبو إسحق: يقول ادْعوا من اسْتَدعَيتُم طاعتَه ورجَوْتم مَعونتَه في
الإتيان بسورة مثله، وقال الفراء: وادعوا شهداءكم من دون الله، يقول:
آلِهَتَكم، يقول اسْتَغِيثوا بهم، وهو كقولك للرجل إذا لَقِيتَ العدوّ
خالياً فادْعُ المسلمين، ومعناه استغث بالمسلمين، فالدعاء ههنا بمعنى
الاستغاثة، وقد يكون الدُّعاءُ عِبادةً: إم الذين تَدْعون من دون الله عِبادٌ
أَمثالُكم، وقوله بعد ذلك: فادْعُوهم فلْيَسْتجيبوا لكم، يقول: ادعوهم في
النوازل التي تنزل بكم إن كانوا آلهة كما تقولون يُجيبوا دعاءكم، فإن
دَعَوْتُموهم فلم يُجيبوكم فأَنتم كاذبون أَنهم آلهةٌ. وقال أَبو إسحق في
قوله: أُجِيبُ دعوة الدَّاعِ إذا دَعانِ؛ معنى الدعاء لله على ثلاثة أَوجه:
فضربٌ منها توحيدهُ والثناءُ عليه كقولك: يا اللهُ لا إله إلا أَنت،
وكقولك: ربَّنا لكَ الحمدُ، إذا قُلْتَه فقدَ دعَوْته بقولك ربَّنا، ثم
أَتيتَ بالثناء والتوحيد، ومثله قوله: وقال ربُّكم ادعوني أَسْتَجِبْ لكم
إنَّ الذين يَسْتَكبرون عن عِبادتي؛ فهذا ضَرْبٌ من الدعاء، والضرب الثاني
مسأَلة الله العفوَ والرحمة وما يُقَرِّب منه كقولك: اللهم اغفر لنا،
والضرب الثالث مسأَلة الحَظِّ من الدنيا كقولك: اللهم ارزقني مالاً وولداً،
وإنما سمي هذا جميعه دعاء لأَن الإنسان يُصَدّر في هذه الأَشياء بقوله
يا الله يا ربّ يا رحمنُ، فلذلك سُمِّي دعاءً. وفي حديث عرَفة: أَكثر
دُعائي ودعاء الأَنبياء قَبْلي بعَرفات لا إله إلا اللهُ وحدهَ لا شريك
له، له المُلكُ وله الحمدُ وهو على كل شيء قدير، وإنما سمي التهليلُ
والتحميدُ والتمجيدُ دعاءً لأَنه بمنزلته في استِيجاب ثوابِ الله وجزائه
كالحديث الآخر: إذا شَغَلَ عَبْدي ثناؤه عليَّ عن مسأَلتي أَعْطَيْتُه
أَفْضَلَ ما أُعْطِي السائِلين، وأَما قوله عز وجل: فما كان دَعْواهُمْ إذ
جاءَهم بأْسُنا إلا أَن قالوا إنا كنا ظالمين؛ المعنى أَنهم لم يَحْصُلوا
مما كانوا ينْتَحِلونه من المذْهب والدِّينِ وما يَدَّعونه إلا على
الاعْتِرافِ بأَنهم كانوا ظالمين؛ هذا قول أَبي إسحق.
قال: والدَّعْوَى اسمٌ لما يَدَّعيه، والدَّعْوى تَصْلُح أَن تكون في
معنى الدُّعاء، لو قلت اللهم أَشْرِكْنا في صالحِ دُعاءِ المُسْلمين أَو
دَعْوَى المسلمين جاز؛ حكى ذلك سيبويه؛ وأَنشد:
قالت ودَعْواها كثِيرٌ صَخَبُهْ
وأَما قوله تعالى: وآخِرُ دَعْواهم أَنِ الحمدُ لله ربّ العالمين؛ يعني
أَنَّ دُعاءَ أَهلِ الجَنَّة تَنْزيهُ اللهِ وتَعْظِيمُه، وهو قوله:
دَعْواهم فيها سُبْحانكَ اللهمَّ، ثم قال: وآخرُ دَعْواهم أَن الحمدُ لله ربّ
العالمين؛ أَخبرَ أَنهم يبْتَدِئُون دُعاءَهم بتَعْظيم الله وتَنزيهه
ويَخْتِمُونه بشُكْره والثناء عليه، فجَعل تنزيهه دعاءً وتحميدَهُ دعاءً،
والدَّعوى هنا معناها الدُّعاء. وروي عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أَنه
قال: الدُّعاءُ هو العِبادَة، ثم قرأَ: وقال ربُّكم ادْعوني أَسْتَجِبْ
لكم إنَّ الذين يسْتَكْبرون عن عِبادتي؛ وقال مجاهد في قوله: واصْبِرْ
نفْسَكَ مع الذين يَدْعُون رَبَّهم بالغَداةِ والعَشِيّ، قال: يُصَلُّونَ
الصَّلَواتِ الخمسَ، ورُوِي مثل ذلك عن سعيد بن المسيب في قوله: لن
نَدْعُوَ من دونه إلهاً؛ أَي لن نَعْبُد إلهاً دُونَه. وقال الله عز وجل:
أَتَدْعُون بَعْلاً؛ أَي أَتَعْبُدون رَبّاً سِوَى الله، وقال: ولا تَدْعُ معَ
اللهِ إلهاً آخرَ؛ أَي لا تَعْبُدْ. والدُّعاءُ: الرَّغْبَةُ إلى الله
عز وجل، دَعاهُ دُعاءً ودَعْوَى؛ حكاه سيبويه في المصادر التي آخرها أَلف
التأْنيث؛ وأَنشد لبُشَيْر بن النِّكْثِ:
وَلَّت ودَعْواها شَديدٌ صَخَبُهْ
ذكَّرَ على معنى الدعاء. وفي الحديث: لولا دَعْوَةُ أَخِينا سُلْيمانَ
لأَصْبَحَ مُوثَقاً يَلْعَبُ به وِلْدانُ أَهلِ المدينة؛ يعني الشَّيْطان
الذي عَرَضَ له في صلاته، وأَراد بدَعْوَةِ سُلْىمانَ، عليه السلام،
قوله: وهَبْ لي مُلْكاً لا ينبغي لأَحَدٍ من بَعْدي، ومن جملة مُلكه تسخير
الشياطين وانقِيادُهم له؛ ومنه الحديث: سأُخْبِرُكم بأَوَّل أَمري
دَعْوةُ أَبي إبراهيم وبِشارةُ عِيسى؛ دَعْوةُ إبراهيم، عليه السلام، قولهُ
تعالى: رَبَّنا وابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً منهم يَتْلُو عليهم آياتِكَ؛
وبِشارَةُ عيسى، عليه السلام، قوله تعالى: ومُبَشِّراً برَسُولٍ يأْتي من
بَعْدي اسْمهُ أَحْمَدُ.وفي حديث معاذ، رضي الله عنه، لما أَصابَهُ الطاعون
قال: ليْسَ بِرِجْزٍ ولا طاعونٍ ولكنه رَحْمةُ رَبِّكم ودَْوَةُ
نبِيِّكُم، صلى الله عليه وسلم؛ أَراد قوله: اللهم اجعَلْ فَناءَ أُمَّتي
بالطَّعْن والطاعونِ، وفي هذا الحديث نَظَر، وذلك أَنه قال لما أَصابَهُ
الطاعون فأَثبَتَ أَنه طاعونٌ، ثم قال: ليسَ برِجْزٍ ولا طاعونٍ فنَفَى أَنه
طاعونٌ، ثم فسَّر قوله ولكنَّه رحمةٌ من ربِّكم ودَعوةُ نبِيِّكم فقال
أَراد قوله: اللهم اجعَلْ فَناءَ أُمَّتي بالطَّعْن والطاعون، وهذا فيه
قَلَق. ويقال: دَعَوْت الله له بخَيْرٍ وعَليْه بِشَرٍّ. والدَّعوة: المَرَّة
الواحدةَ من الدُّعاء؛ ومنه الحديث: فإن دَعْوتَهم تُحِيطُ من ورائهم
أَي تحُوطُهم وتكْنُفُهم وتَحْفَظُهم؛ يريد أهلَ السُّنّة دون البِدْعة.
والدعاءُ: واحد الأَدْعية، وأَصله دُعاو لأنه من دَعَوْت، إلا أن الواو
لمَّا جاءت بعد الأَلف هُمِزتْ. وتقول للمرأَة: أَنتِ تَدْعِينَ، وفيه لغة
ثانية: أَنت تَدْعُوِينَ، وفيه لغة ثالثة: أَنتِ تَدْعُينَ، بإشمام
العين الضمة، والجماعة أَنْتُنِّ تَدْعُونَ مثل الرجال سواءً؛ قال ابن بري:
قوله في اللغة الثانية أَنتِ تَدْعُوِينَ لغة غير معروفة.
والدَّعَّاءةُ: الأَنْمُلَةُ يُدْعى بها كقولهم السِّبَّابة كأنها هي
التي تَدْعُو، كما أَن السبابة هي التي كأَنها تَسُبُّ. وقوله تعالى: له
دَعْوةُ الحقّ؛ قال الزجاج: جاء في التفسير أَنها شهادة أَن لاإله إلا
الله، وجائزٌ أَن تكون، والله أََعلم، دعوةُ الحقِّ أَنه مَن دَعا الله
مُوَحِّداً اسْتُجيب له دعاؤه. وفي كتابه، صلى الله عليه وسلم، إلى
هِرَقْلَ: أَدْعُوكَ بِدِعايةِ الإسْلام أَي بِدَعْوَتِه، وهي كلمة
الشهادة التي يُدْعى إليها أَهلُ المِلَلِ الكافرة، وفي رواية: بداعيةِ
الإسْلامِ، وهو مصدر بمعنى الدَّعْوةِ كالعافية والعاقبة. ومنه حديث عُمَيْر
بن أَفْصى: ليس في الخْيلِ داعِيةٌ لِعاملٍ أَي لا دَعْوى لعاملِ الزكاة
فيها ولا حَقَّ يَدْعُو إلى قضائه لأَنها لا تَجب فيها الزكاة. ودَعا
الرجلَ دَعْواً ودُعاءً: ناداه، والاسم الدعْوة. ودَعَوْت فلاناً أَي صِحْت
به واسْتَدْعَيْته. فأَما قوله تعالى: يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّه أَقْرَبُ
من نَفْعِه؛ فإن أَبا إسحق ذهب إلى أَن يَدْعُو بمنزلة يقول، ولَمَنْ
مرفوعٌ بالابتداء ومعناه يقولُ لَمَنْ ضَرُّه أَقربُ من نَفْعه إلهٌ وربٌّ؛
وكذلك قول عنترة:
يَدْعُونَ عَنْتَرَ، والرِّماحُ كأَنها
أَشْطانُ بئرٍ في لَبانِ الأَدْهَمِ
معناه يقولون: يا عَنْتَر، فدلَّت يَدْعُون عليها. وهو مِنِّي
دَعْوَةَ الرجلِ ودَعْوةُ الرجُلِ، أَي قدرُ ما بيني وبينه، ذلك يُنْصَبُ على
أَنه ظرف ويُرفع على أَنه اسمٌ. ولبني فلانٍ الدَّعْوةُ على قومِهم أَي
يُبْدأُ بهم في الدعاء إلى أَعْطِياتِهم، وقد انتهت الدَّعْوة إلى بني
فلانٍ. وكان عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، يُقدِّمُ الناسَ في
أَعطِياتِهِم على سابِقتِهم، فإذا انتهت الدَّعْوة إليه كَبَّر أَي النداءُ
والتسميةُ وأَن يقال دونكَ يا أَميرَ المؤمنين.
وتَداعى القومُ: دعا بعضُهم بعضاً حتى يَجتمعوا؛ عن اللحياني، وهو
التَّداعي. والتَّداعي والادِّعاءُ: الاعْتِزاء في الحرب، وهو أَن يقول أنا
فلانُ بنُ فلان، لأنهم يَتداعَوْن بأَسمائهم.
وفي الحديث: ما بالُ دَعْوى الجاهلية؟ هو قولُهم: يا لَفُلانٍ، كانوا
يَدْعُون بعضُهم بعضاً عند الأَمر الحادث الشديد. ومنه حديث زيدِ بنِ
أَرْقَمَ: فقال قومٌ يا للأَنْصارِ وقال قومٌ: يا للْمُهاجِرين فقال،
عليه السلام: دَعُوها فإنها مُنْتِنةٌ.
وقولهم: ما بالدَّارِ دُعْوِيٌّ، بالضم، أَي أَحد. قال الكسائي: هو مِنْ
دَعَوْت أَي ليس فيها من يَدعُو لا يُتكَلَّمُ به إلاَّ مع الجَحْد؛
وقول العجاج:
إنِّي لا أَسْعى إلى داعِيَّهْ
مشددة الياء، والهاءُ للعِمادِ مثل الذي في سُلْطانِيَهْ ومالِيَهْ؛
وبعد هذا البيت:
إلا ارْتِعاصاً كارْتِعاص الحَيَّهْ
ودَعاه إلى الأَمِير: ساقَه. وقوله تعالى: وداعِياً إلى الله بإذْنهِ
وسِراجاً مُنيراً؛ معناه داعياً إلى توحيد الله وما يُقَرِّبُ منه، ودعاهُ
الماءُ والكَلأُ كذلك على المَثَل. والعربُ تقول: دعانا غَيْثٌ وقع
ببَلدٍ فأَمْرَعَ أَي كان ذلك سبباً لانْتِجاعنا إيَّاه؛ ومنه قول ذي
الرمة:تَدْعُو أَنْفَهُ الرِّيَبُ
والدُّعاةُ: قومٌ يَدْعُونَ إلى بيعة هُدىً أَو ضلالة، واحدُهم داعٍ.
ورجل داعِيةٌ إذا كان يَدْعُو الناس إلى بِدْعة أَو دينٍ، أُدْخِلَت
الهاءُ فيه للمبالغة. والنبي، صلى الله عليه وسلم، داعي الله تعالى، وكذلك
المُؤَذِّنُ. وفي التهذيب: المُؤَذِّنُ داعي الله والنبيّ، صلى الله عليه
وسلم، داعي الأُمَّةِ إلى توحيدِ الله وطاعتهِ. قال الله عز وجل مخبراً عن
الجنّ الذين اسْتَمعوا القرآن: وولَّوْا إلى قومهم مُنْذِرِين قالوا يا
قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللهِ. ويقال لكلّ من مات دُعِيَ فأَجاب.
ويقال: دعاني إلى الإحسان إليك إحسانُك إليّ. وفي الحديث: الخلافة في
قُرَيْشٍ والحُكْمُ في الأَنْصارِ والدَّعْوة في الحَبَشة؛ أَرادَ بالدعوة
الأَذانَ جَعله فيهم تفضيلاً لمؤذِّنِهِ بلالٍ. والداعية: صرِيخُ الخيل في
الحروب لدعائه مَنْ يَسْتَصْرِخُه. يقال: أَجِيبُوا داعيةَ الخيل. وداعية
اللِّبَنِ: ما يُترك في الضَّرْع ليَدْعُو ما بعده. ودَعَّى في
الضَّرْعِ: أَبْقى فيه داعيةَ اللَّبنِ. وفي الحديث: أَنه أَمر ضِرارَ بنَ
الأَزْوَر أَن يَحْلُبَ ناقةً وقال له دَعْ داعِيَ اللبنِ لا تُجهِده أي أَبْق
في الضرع قليلاً من اللبن ولا تستوعبه كله، فإن الذي تبقيه فيه يَدْعُو ما
وراءه من اللبن فيُنْزله، وإذا استُقْصِيَ كلُّ ما في الضرع أَبطأَ
دَرُّه على حالبه؛ قال الأَزهري: ومعناه عندي دَعْ ما يكون سَبباً لنزول
الدِّرَّة، وذلك أَن الحالبَ إذا ترك في الضرع لأَوْلادِ الحلائبِ لُبَيْنةً
تَرضَعُها طابت أَنفُسُها فكان أَسرَع لإفاقتِها. ودعا الميتَ: نَدَبه
كأَنه ناداه. والتَّدَعِّي: تَطْريبُ النائحة في نِياحتِها على مَيِّتِها
إذا نَدَبَتْ؛ عن اللحياني. والنادبةُ تَدْعُو الميّت إذا نَدَبَتْه،
والحمامة تَدْعو إذا ناحَتْ؛ وقول بِشْرٍ:
أَجَبْنا بَني سَعْد بن ضَبَّة إذْ دَعَوْا،
وللهِ مَوْلى دَعْوَةٍ لا يُجِيبُها
يريد: لله وليُّ دَعْوةٍ يُجيب إليها ثم يُدْعى فلا يُجيب؛ وقال
النابغة فجعَل صوتَ القطا دعاءً:
تَدْعُو قَطاً، وبه تُدْعى إذا نُسِبَتْ،
يا صِدْقَها حين تَدْعُوها فتَنْتَسِب
أَي صوْتُها قَطاً وهي قَطا، ومعنى تدعو تُصوْت قَطَا قَطَا. ويقال: ما
الذي دعاك إلى هذا الأَمْرِ أَي ما الذي جَرَّكَ إليه واضْطَرَّك. وفي
الحديث: لو دُعِيتُ إلى ما دُعُِيَ إليه يوسفُ، عليه السلام، لأَجَبْتُ؛
يريد حي دُعِيَ للخروج من الحَبْسِ فلم يَخْرُجْ وقال: ارْجِعْ إلى ربّك
فاسْأَلْه؛ يصفه، صلى الله عليه وسلم، بالصبر والثبات أَي لو كنت مكانه
لخرجت ولم أَلْبَث. قال ابن الأَثير: وهذا من جنس تواضعه في قوله لا
تُفَضِّلوني على يونُسَ بنِ مَتَّى. وفي الحديث: أَنه سَمِع رجُلاً يقول في
المَسجِدِ من دَعا إلى الجَمَلِ الأَحمر فقال لا وجَدْتَ؛ يريد مَنْ وجَدَه
فدَعا إليه صاحِبَه، وإنما دعا عليه لأَنه نهى أَن تُنْشَدَ الضالَّةُ في
المسجد. وقال الكلبي في قوله عز وجل: ادْعُ لنا ربَّك يُبَيِّن لنا ما
لَوْنُها، قال: سَلْ لنا رَبّك. والدَّعْوة والدِّعْوة والمَدْعاة
والمدْعاةُ: ما دَعَوتَ إليه من طعام وشراب، الكسر في الدِّعْوة
(* قوله «الكسر
في الدعوة إلخ» قال في التكملة: وقال قطرب الدعوة بالضم في الطعام
خاصة). لعَدِي بن الرِّباب وسائر العرب يفتحون، وخص اللحياني بالدَّعْوة
الوليمة. قال الجوهري: كُنا في مَدْعاةِ فلان وهو مصدر يريدون الدُّعاءَ إلى
الطعام. وقول الله عز وجل: والله يَدْعُو إلى دار السلام ويَهْدي مَنْ
يشاء إلى صراط مستقيم؛ دارُ السلامِ هي الجَنَّة، والسلام هو الله، ويجوز
أَن تكون الجنة دار السلام أَي دار السلامة والبقاء، ودعاءُ اللهِ
خَلْقَه إليها كما يَدْعُو الرجلُ الناسَ إلى مَدْعاةٍ أَي إلى مَأْدُبَةٍ
يتَّخِذُها وطعامٍ يدعو الناسَ إليه.
وفي الحديث: أَنه، صلى الله عليه وسلم، قال إذا دُعيَ أَحَدُكم إلى
طعام فلْيُجِبْ فإن كان مُفْطِراً فلْيَأْكُلْ وإن كان صائماً فلْيُصَلِّ.
وفي الــعُرْسِ دَعْوة أَيضاً. وهو في مَدْعاتِهِم: كما تقول في عُرْسِــهِم.
وفلان يَدَّعي بكَرَم فِعالهِ أَي يُخْبِر عن نفسه بذلك. والمَداعي: نحو
المَساعي والمكارمِ، يقال: إنه لذُو مَداعٍ ومَساعٍ. وفلان في خير ما
ادَّعَى أَي ما تَمَنَّى. وفي التنزيل: ولهم ما يَدَّعُون؛ معناه ما
يتَمَنَّوْنَ وهو راجع إلى معنى الدُّعاء أَي ما يَدَّعِيه أَهلُ الجنة يأْتيهم.
وتقول العرب: ادَّعِ عليَّ ما شئتَ. وقال اليزيدي: يقا لي في هذا الأَمر
دَعْوى ودَعاوَى ودَعاوةٌ ودِعاوةٌ؛ وأَنشد:
تأْبَى قُضاعَةُ أَنْ تَرْضى دِعاوَتَكم
وابْنا نِزارٍ، فأَنْتُمْ بَيْضَةُ البَلَدِ
قال: والنصب في دَعاوة أَجْوَدُ. وقال الكسائي: يقال لي فيهم دِعْوة أَي
قَرابة وإخاءٌ. وادَّعَيْتُ على فلان كذا، والاسم الدَّعْوى. ودعاهُ
اللهُ بما يَكْرَه: أَنْزَلَه به؛ قال:
دَعاكَ اللهُ من قَيْسٍ بأَفْعَى،
إذا نامَ العُيونُ سَرَتْ عَلَيْكا
(* وفي الأساس: دعاك الله من رجلٍ إلخ).
القَيْسُ هنا من أَسماء الذَّكَر. ودَواعي الدَّهْرِ: صُرُوفُه. وقوله
تعالى في ذِكْرِ لَظَى، نعوذ بالله منها: تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ
وتَوَلَّى؛ من ذلك أَي تَفْعل بهم الأَفاعيل المَكْرُوهَة، وقيل: هو من الدعاء
الذي هو النداء، وليس بقَوِيّ. وروى الأَزهري عن المفسرين: تدعو الكافر
باسمه والمنافق باسمه، وقيل: ليست كالدعاءِ تَعالَ، ولكن دَعْوَتها إياهم ما
تَفْعَل بهم من الأَفاعيل المكروهة، وقال محمد بن يزيد: تَدْعُو من
أَدبر وتوَلَّى أَي تُعَذِّبُ، وقال ثعلب: تُنادي من أَدْبر وتوَلَّى.
ودَعَوْته بزيدٍ ودَعَوْتُه إياهُ: سَمَّيته به، تَعَدَّى الفعلُ بعد إسقاط
الحرف؛ قال ابن أَحمرَ الباهلي:
أَهْوَى لها مِشْقَصاً جَشْراً فشَبْرَقَها،
وكنتُ أَدْعُو قَذَاها الإثْمِدَ القَرِدا
أَي أُسَمِّيه، وأَراد أَهْوَى لما بِمِشْقَصٍ فحذف الحرف وأَوصل. وقوله
عز وجل: أَنْ دَعَوْا للرحمن وَلَداً؛ أَي جعَلوا، وأَنشد بيت ابن أَحمر
أَيضاً وقال أَي كنت أَجعل وأُسَمِّي؛ ومثله قول الشاعر:
أَلا رُبَّ مَن تَدْعُو نَصِيحاً، وإنْ تَغِبْ
تَجِدْهُ بغَيْبٍ غيرَ مُنْتَصِحِ الصَّدْرِ
وادَّعيت الشيءَ: زَعَمْتُهِ لي حَقّاً كان أَو باطلاً. وقول الله عز
وجل في سورة المُلْك: وقيل هذا الذي كُنْتُم به تَدَّعُون؛ قرأَ أَبو عمرو
تَدَّعُون، مثقلة، وفسره الحسن تَكْذبون من قولك تَدَّعي الباطل
وتَدَّعي ما لا يكون، تأْويله في اللغة هذا الذي كنتم من أَجله تَدَّعُونَ
الأَباطيلَ والأَكاذيبَ، وقال الفراء: يجوز أَن يكون تَدَّعُون بمعنى
تَدْعُون، ومن قرأَ تَدْعُون، مخففة، فهو من دَعَوْت أَدْعُو، والمعنى هذا الذي
كنتم به تستعجلون وتَدْعُون الله بتَعْجيله، يعني قولهم: اللهم إن كان
هذا هوالحَقَّ من عندك فأَمْطِر علينا حجارةً من السماء، قال: ويجوز أَن
يكون تَدَّعُون في الآية تَفْتَعِلُونَ من الدعاء وتَفْتَعِلون من
الدَّعْوَى، والاسم الدَّعْوى والدِّعْوة، قال الليث: دَعا يَدْعُو دَعْوَةً
ودُعاءً وادَّعَى يَدَّعي ادِّعاءً ودَعْوَى. وفي نسبه دَعْوة أَي دَعْوَى.
والدِّعْوة، بكسر الدال: ادِّعاءُ الوَلدِ الدَّعِيِّ غير أَبيه. يقال:
دَعِيٌّ بيِّنُ الدِّعْوة والدِّعاوَة. وقال ابن شميل: الدَّعْوة في
الطعام والدِّعْوة في النسب. ابن الأَعرابي: المدَّعَى المُتَّهَمُ في نسبَه،
وهو الدَّعِيُّ. والدَّعِيُّ أَيضاً: المُتَبَنَّى الذي تَبَنَّاه رجلٌ
فدعاه ابنَه ونسبُه إلى غيره، وكان النبي، صلى الله عليه وسلم، تَبَنَّى
زيدَ بنَ حارثةَ فأَمَرَ اللهُ عز وجل أَن يُنْسَب الناسُ إلى آبائهم
وأَن لا يُنْسَبُوا إلى مَن تَبَنَّاهم فقال: ادْعُوهم لآبائهم هو
أَقْسَطُ عند الله فإن لم تَعْلَموا آباءَهم فإخوانُكم في الدِّينِ
ومَوالِيكمْ، وقال: وما جعلَ أَدْعِياءَكم أَبْناءَكم ذلِكم قَوْلُكمْ بأَفْواهِكم.
أَبو عمرو عن أَبيه: والداعي المُعَذِّب، دَعاهُ الله أَي عَذَّبَه
الله. والدَّعِيُّ: المنسوب إلى غير أَبيه. وإنه لَبَيِّنُ الدَّعْوَة
والدِّعْوةِ، الفتح لعَدِيِّ بن الرِّباب، وسائرُ العرب تَكْسِرُها بخلاف ما
تقدم في الطعام. وحكى اللحياني: إنه لبيِّنُ الدَّعاوة والدِّعاوة. وفي
الحديث: لا دِعْوة في الإسلام؛ الدِّعْوة في النسب، بالكسر: وهو أَن
ينْتَسب الإنسان إلى غير أََبيه وعشيرته، وقد كانوا يفعلونه فنهى عنه وجعَل
الوَلَدَ للفراش. وفي الحديث: ليس من رجل ادَّعَى إلى غير أَبيه وهو
يَعْلمه إلا كَفَر، وفي حديث آخر: فالجَنَّة عليه حرام، وفي حديث آخر: فعليه
لعنة الله، وقد تكرَّرَت الأَحاديث في ذلك، والادِّعاءُ إلى غيرِ الأَبِ مع
العِلْم به حرام، فمن اعتقد إباحة ذلك فقد كفر لمخالفته الإجماع، ومن لم
يعتقد إباحته ففي معنى كفره وجهان: أَحدهما أَنه قدأَشبه فعلُه فعلَ
الكفار، والثاني أَنه كافر بنعمة الله والإسلام عليه؛ وكذلك الحديث الآخر:
فليس منا أَي إن اعْتَقَد جوازَه خرج من الإسلام، وإن لم يعتقده فالمعنى
لم يَتَخَلَّق بأَخلاقنا؛ ومنه حديث علي بن الحسين: المُسْتَلاطُ لا
يَرِثُ ويُدْعَى له ويُدْعَى به؛ المُسْتَلاطُ المُسْتَلْحَق في النسب،
ويُدَعى له أَي يُنْسَبُ إليه فيقال: فلان بن فلان، ويُدْعَى به أَي يُكَنَّى
فيقال: هو أَبو فلان، وهو مع ذلك لا يرث لأَنه ليس بولد حقيقي.
والدَّعْوة: الحِلْفُ، وفي التهذيب: الدَّعوةُ الحِلْف. يقال: دَعْوة بني فلان
في بني فلان.
وتَداعَى البناءُ والحائط للخَراب إذا تكسَّر وآذَنَ بانْهِدامٍ.
وداعَيْناها عليهم من جَوانِبِها: هَدَمْناها عليهم. وتَداعَى الكثيب من الرمل
إذا هِيلَ فانْهالَ. وفي الحديث: كَمَثَلِ الجَسدَ إذا اشْتَكَى بعضهُ
تَداعَى سائرهُ بالسَّهَر والحُمَّى كأَن بعضه دعا بعضاً من قولهم
تَداعَت الحيطان أَي تساقطت أَو كادت، وتَداعَى عليه العدوّ من كل جانب:
أَقْبَلَ، من ذلك. وتَداعَت القبائلُ على بني فلان إذا تأَلَّبوا ودعا بعضهم
بعضاً إلى التَّناصُر عليهم. وفي الحديث: تَداعَتْ عليكم الأُمَم أَي
اجتمعوا ودعا بعضهم بعضاً. وفي حديث ثَوْبانَ: يُوشكُ أَن تَداعَى عليكم
الأُمَمُ كما تَداعَى الأَكَلَةُ على قَصْعَتِها. وتَداعَتْ إبلُ فلان فهي
مُتدَاعِيةٌ إذا تَحَطَّمت هُزالاً؛ وقال ذو الرمة:
تَباعَدْتَ مِنِّي أَن رأَيتَ حَمُولَتي
تَداعَتْ، وأَن أَحْنَى عليكَ قَطِيعُ
والتَّداعِي في الثوب إذا أَخْلَقَ، وفي الدار إذا تصدَّع من نواحيها،
والبرقُ يَتَداعَى في جوانب الغَيْم؛ قال ابن أَحمر:
ولا بَيْضاءَ في نَضَدٍ تَداعَى
ببَرْقٍ في عَوارِضَ قد شَرِينا
ويقال: تَداعَت السحابةُ بالبرق والرَّعْد من كل جانب إذا أَرْعَدَت
وبَرَقَت من كل جهة. قال أَبو عَدْنان: كلُّ شيء في الأَرض إذا احتاجَ إلى
شيء فقد دَعا به. ويقال للرجل إذا أَخْلَقَت ثيابُه: قد دعَتْ ثِيابُكَ
أَي احْتَجْتَ إلى أَن تَلْبَسَ غيرها من الثياب. وقال الأَخفش: يقال لو
دُعينا إلى أَمر لانْدَعَينا مثل قولك بَعَثْتُه فانْبَعَثَ، وروى
الجوهريّ هذا الحرف عن الأَخفش، قال: سمعت من العرب من يقول لو دَعَوْنا
لانْدَعَيْنا أَي لأَجَبْنا كما تقول لو بَعَثُونا لانْبَعَثْنا؛ حكاها عنه
أَبو بكر ابن السَّرَّاج. والتَّداعي: التَّحاجِي. وداعاهُ: حاجاهُ
وفاطَنَه.
والأُدْعِيَّةُ والأُدْعُوّةُ: ما يَتَداعَوْنَ به. سيبويه: صَحَّت
الواو في أُدْعُوّة لأَنه ليس هناك ما يَقْلِبُها، ومن قال أُدْعِيَّة
فلخِفَّةِ الياء على حَدِّ مَسْنِيَّة، والأُدْعِيَّة مِثْل الأُحْجِيَّة.
والمُداعاة: المُحاجاة. يقال: بينهم أُدْعِيَّة يَتَداعَوْنَ بها
وأُحْجِيَّة يَتَحاجَوْنَ بها، وهي الأُلْقِيَّة أَيضاً، وهي مِثْلُ الأُغْلُوطات
حتى الأَلْغازُ من الشعر أُدْعِيَّة مثل قول الشاعر:
أُداعِيكَ ما مُسْتَحْقَباتٌ مع السُّرَى
حِسانٌ، وما آثارُها بحِسانِ
أَي أُحاجِيكَ، وأَراد بالمُسْتَحْقَباتِ السُّيوفَ، وقد دَاعَيْتُه
أُدَاعِيهِ؛ وقال آخر يصف القَلَم:
حاجَيْتُك يا خَنْسا
ءُ، في جِنْسٍ من الشِّعْرِ
وفيما طُولُه شِبْرٌ،
وقد يُوفِي على الشِّبْرِ
له في رَأْسِهِ شَقٌّ
نَطُوفٌ، ماؤُه يَجْرِي
أَبِيِني، لَمْ أَقُلْ هُجْراً
ورَبِّ البَيْتِ والحِجْرِ
فيظ: فاظ الرجلُ، وفي المحكم: فاظَ فَيْظاً وفُيوظاً وفَيْظُوظةً
وفَيَظاناً وفَيْظاناً؛ الأَخيرة عن اللحياني: مات؛ قال رؤْبة:
والأَزْدُ أَمسَى شِلْوُهُم لُفاظا،
لا يَدْفِنُون منهمُ مَن فاظا،
إِن مات في مَصيفِه أَو قاظا
أَي من كثرةِ القَتْلى. وفي الحديث: أَنه أَقطَع الزُّبَيْر حُضْرَ
فرَسِه فأَجْرَى الفرَسَ حتى فاظ، ثم رَمَى بسوطِه فقال: أَعْطُوه حيث بلَغ
السوْطُ؛ فاظ بمعنى مات. وفي حديث قَتْل ابن أَبي الحُقَيْقِ: فاظَ والِهُ
بَني إِسرائيل. وفاظت نفسُه تَفِيظُ أَي خرَجتْ رُوحُه، وكَرِهَها
بعضُهم؛ وقال دُكَيْنٌ الراجز:
اجتَمَعَ الناسُ وقالوا: عُرْسُ،
فَفُقِئَتْ عَيْنٌ، وفاظَتْ نَفْسُ
وأَفاظه اللّهُ إِياها وأَفاظه اللّه
(* قوله «وأَفاظه اللّه إلخ» كذا
في الأصل.) نفسَه؛ قال الشاعر:
فهَتَكْتُ مُهْجةَ نَفسِه فأَفَظْتُها،
وثأَرْتُه بمُعَمّم الحِلْم
(* قوله في البيت «بمعمم الحلم» كذا بأَصله، ولعله بمعمم الحكم أَي
بمقلد الحكم، ففي الأَساس: وعمموني أَمرهم قلدوني.)
الليث: فاظت نفسُه فَيْظاً وفَيْظُوظةً إِذا خرَجَت، والفاعل فائظٌ،
وزعم أَبو عبيدة أَنها لغةٌ لبعض تميم، يعني فاظت نفسُه وفاضت. الكسائي:
تَفَيَّظُوا أَنفسَهم، قال: وقال بعضهم لأُفِيظَنَّ نفسَك، وحكي عن أَبي
عمرو بن العلاء أَنه لا يقال فاظت نفسه ولا فاضت، إِنما يقال فاظ فلان، قال:
ويقال فاظ المَيِّتُ، قال: ولا يقال فاض، بالضاد، بَتَّةً. ابن السكيت:
يقال فاظ الميتُ يَفيظ فَيْظاً ويَفُوظُ فَوْظاً، كذا رواها الأَصمعي؛
قال ابن بري: ومثل فاظ الميتُ قولُ قَطَرِيّ:
فلم أَرَ يوماً كان أَكثَرَ مَقْعَصاً،
يُبِيحُ دَماً، من فائظٍ وكَلِيم
وقال العجاج:
كأَنَّهم، من فائظٍ مُجَرْجَمِ،
خُشْبٌ نَفاها دَلْظُ بَحْرٍ مُفْعَمِ
وقال سُراقةُ بن مِرْداس بنِ أَبي عامر أَخو العباس بن مِرْداس في يوم
أَوْطاسٍ وقد اطَّرَدَتْه بنو نصر وهو على فرسه الحَقْباء:
ولولا اللّهُ والحَقْباءُ فاظت
عِيالي، وهي بادِيةُ العُروقِ
إِذا بَدَتِ الرِّماحُ لها تَدَلَّتْ،
تَدَلِّيَ لَقْوةٍ من رأْسِ نِيقِ
وحان فوْظُه أَي فَيْظُه على المعاقَبة؛ حكاه اللحياني.
وفاظ فلانٌ نفسَه أَي قاءَها؛ عن اللحياني. وضربته حتى أَفَظْتُ نفسَه.
الكسائي: فاظَت نفسُه وفاظ هو نفسَه أَي قاءَها، يتعدَّى ولا يتعدَّى،
وتَفَيَّظُوا أَنفسَهم: تَقَيَّؤُوها. الكسائي هو تَفِيظُ نفسُه. الفراء:
أَهلُ الحجاز وطَيِّءٌ يقولون فاظت نفسُه، وقُضاعة وتميم وقيس يقولون فاضت
نفسُه مثل فاضت دَمْعَتُه. وقال أَبو زيد وأَبو عبيدة: فاظت نفسُه،
بالظاء، لغة قيس، وبالضاد لغة تميم. وروى المازني عن أَبي زيد أَن العرب تقول
فاظت نفسُه، بالظاء، إِلاَّ بني ضبة فإِنهم يقولونه بالضاد؛ ومما
يُقوِّي فاظت، بالظاء، قولُ الشاعر:
يَداكَ: يَدٌ جُودُها يُرْتَجَى،
وأُخْرَى لأَعْدائها غائظه
فأَما التي خيرُها يرتجى،
فأَجْوَدُ جُوداً من اللافِظه
وأَما التي شَرُّها يُتَّقَى،
فنَفْسُ العَدُوِّ لها فائظه
ومثله قول الآخر:
وسُمِّيتَ غَيَّاظاً، ولستَ بغائظٍ
عَدُوّاً، ولكن للصَّدِيقِ تَغِيظ
فلا حَفِظ الرحمنُ رُحَك حَيَّةً،
ولا وهْيَ في الأَرْواحِ حين تفِيظ
أَبو القاسم الزجاجي: يقال فاظَ الميتُ، بالظاء، وفاضت نفسُه، بالضاد،
وفاظت نفسُه، بالظاء، جائز عند الجميع إِلاَّ الأَصمعي فإِنه لا يجمع بين
الظاء والنفس؛ والذي أَجاز فاظت نفسه، بالظاء، يحتج بقول الشاعر:
كادت النفسُ أَن تَفِيظَ عليه،
إِذ ثَوَى حشْوَ رَيْطةٍ وبُرُودِ
وقول الآخر:
هَجَرْتُك، لا قِلىً مِنِّي، ولكنْ
رأَيتُ بَقاءَ وُدِّك في الصُّدُودِ
كهَجْرِ الحائماتِ الوِرْدَ، لمَّا
رأَتْ أَنَّ المِنِيَّةَ في الوُرودِ
تَفِيظُ نفوسُها ظَمأً، وتَخْشَى
حِماماً، فهي تَنْظُرُ من بَعِيدِ
عنس: عَنَسَتِ المرأَة تَعْنُس، بالضم، عُنُوساً وعِناساً وتَأَطَّرَتْ،
وهي عانس، من نِسوة عُنَّسٍ وعَوَانِسَ، وعَنَّسَتْ، وهي مُعَنَّس،
وعَنَّسَها أَهلُها: حَبَسُوها عن الأَزواج حتى جازت فَتَاءَ السِّن ولمَّا
تَعْجُِزْ. قال الأَصمعي: لا يقال عَنَسَتْ ولا عَنَّسَت ولكن يقال
عُنِّسَت، على ما لم يسمَّ فاعلُه، فهي مُعَنَّسَة، وقيل: يقال عَنَسَت،
بالتخفيف، وعُنِّسَتْ ولا يقال عَنَّسَت؛ قال ابن بري: الذي ذكره الأَصمعي في
خَلْق الإِنسان أَنه يقال عَنَّسَت المرأَة، بالفتح مع التشديد، وعَنَسَت،
بالتخفيف، بخلاف ما حكاه الجوهري. وفي صفته، صلى اللَّه عليه وسلم: لا
عانِسٌ ولا مُفَنِّدٌ؛ العانِس من الرجال والنساء: الذي يَبقى زماناً بعد
أَن يُدْرِك لا يتزوج، وأَكثر ما يُستعمل في النساء. يقال: عَنَسَتِ
المرأِة، فهي عانِس، وعُنِّسَت، فهي مُعَنِّسَة إِذا كَبِرَت وعَجَزَتْ في
بيت أَبويها. قال الجوهري: عَنَسَتِ الجارية تَعْنُس إِذا طال مكثها في
منزل أَهلها بعد إِدْراكها حتى خرجتْ من عِداد الأَبكار، هذا ما لم تتزوج،
فإِن تزوجت مرَّة فلا يقال عَنَسَت؛ قال الأَعشى:
والبِيضُ قد عَنَسَتْ وطالَ جِراؤُها،
ونَشَأْنَ في فَنَنٍ وفي أَذْوادِ
ويروى: والبيضِ، مجروراً بالعطف على الشَّرْب في قوله:
ولقد أُرَجَّل لِمَّتي بِعَشِيَّةٍ
للشَّرْبِ، قبلَ حَوادثِ المُرْتادِ
ويروى: سَنابِك، أَي قيل حوادث الطَّالِب؛ يقول: أُرَجِّلُ لِمَّتي
للشَّرْب وللجواري الحِسان اللواتي نشَأْن في فَنَنٍ أَي في نعمة. وأَصلها
أَغصان الشجر؛ هذه رواية الأَصمعي، وأَما أَبو عبيدة فإِنه رواه: في قِنٍّ،
بالقاف، أَي في عبيد وخَدَم. ورجل عانِس، والجمع العانِسُون؛ قال أَبو
قيس بن رفاعة:
مِنَّا الذي هو ما إِنْ طَرَّ شارِبُه،
والعانِسُون، ومِنَّا المُرْدُ والشِّيبُ
وفي حديث الشعبي: سئل عن الرجل يَدخل بالمرأَة على أَنها بكر فيقول لم
أَجدها عَذْراء، فقال: إِن العُذْرة قد يُذهِبها التَعْنيسُ والحَيْضَة،
وقال الليث: عَنَسَت إِذا صارت نَصَفاً وهي بكر ولم تتزوَّج. وقال
الفَرَّاء: امرأَة عانس التي لم تتزوج وهي تترقب ذلك، وهي المُعَنَّسة. وقال
الكسائي: العَانِس فوق المُعْصِر؛ وأَنشد لذي الرمة:
وعِيطاً كأَسْراب الخُروج تَشَوَّقَتْ
مَعاصِيرُها، والعاتِقاتُ العَوانِسُ
العِيطُ: يعني بها إِبلاً طِوال الأَعناق، الواحدة منها عَيْطاء. وقوله
كأَسراب الخروج أَي كجماعة نساء خرجْن متشوّفات لأَحد العِيدين أَي
متزينات، شبَّه الإِبل بهنَّ. والمُعْصِر: التي دنا حيضها. والعانِقُ: التي في
بيت أَبويها ولم يقع عليها اسم الزوج، وكذلك العانِس.
وفلان لم تَعْنُس السِّنُّ وَجهَه أَي لم تغيّره إِلى الكِبَرِ؛ قال
سُوَيْدٌ الحارثي:
فَتى قَبَلٌ لم تَعْنُس السنُّ وجهَهُ،
سِوى خُلْسَةٍ في الرأْس كالبَرْقِ في الدُّجى
وفي التهذيب: أَعْنَس الشيبُ رأْسَه إِذا خالطه؛ قال أَبو ضب الهذلي:
فَتى قَبَلٌ لم يَعْنُسِ الشَّيبُ رأْسَه،
سِوى خُيُطٍ في النُّورِ أَشرَقْنَ في الدُّجى
ورواه المُبَرَّد: لم تعْنُس السِّنُّ وَجهه؛ قال الأَزهري: وهو أَجود.
والعُنَّسُ من الإِبلِ فوق البَكارة أَي الصِّغار. قال بعض العرب: جَعل
الفحلُ يضرب في أَبكارِها وعُنَّسِها؛ يعني بالأَبكار جمع بَكْر،
والعُنَّس المتوسِّطات التي لَسْن بأَبكار.
والعَنْسُ: الصَّخرة. والعَنْسُ: الناقة القويَّةُ، شبهت بالصخرة
لصلابتها، والجمع عُنْسٌ وعُنُوس وعُنَّس مثل بازِل وبُزْلٍ وبُزَّل؛ قال
الراجز:
يُــعْرِسُ أَبكاراً بها وعُنَّسا
وقال ابن الأَعرابي: العَنْس البازِل الصُّلبة من النُّوق لا يقال
لغيرها، وجمعها عِناس، وعُنُوس جمع عِناس؛ قال ابن سيده: هذا قول ابن
الأَعرابي وأَظنه وهَماً منه لأَن فِعالاً لا يجمع على فُعُول، كان واحداً أَو
جمعاً، بل عُنُوس جمع عَنْس كعِناس. قال الليث: تُسمّى عَنْساً إِذا
تَمَّتْ سِنّها واشتدت قوَّتها ووفَر عظامها وأَعضاؤُها؛ قال الراجز:
كَمْ قَدْ حَسَرْنا مِنْ عَلاةٍ عَنْسِ
وناقة عانِسَة وجمل عانِس: سمين تامّ الخَلق؛ قال أَبو وجزة السعدي:
بعانِساتٍ هَرِماتِ الأَزْمَلِ،
جُشٍّ كبَحْريّ السَّحاب المُخْيِلِ
والعَنْس: العُقاب. وعَنَسَ العودَ: عَطَفَه، والشين أَفصح.
واعْنَوْنَسَ ذنَب الناقةٍ، واعْنِيناسُه: وفُورُ هُلْبِه وطولُه؛ قال
الطِّرِمَّاح يصف ثوراً وحشيّاً:
يَمْسَحُ الأَرض بمُعْنَوْنِسٍ،
مِثل مئلاة النِّياح القِيام
أَي بذنب سابغ. وعَنْسٌ: قبيلة، وقيل: قبيلة من اليمن؛ حكاها سيبويه؛
وأَنشد:
لا مَهْلَ حَتى تَلْحَقي بعَنْسِ،
أَهلِ الرِّباطِ البِيضِ والقَلَنْسِ
قال: ولم يقل القَلَنْسُو لأَنَه ليس في الكلام اسم آخره واو قبلها حرف
مضموم، ويكفيك من ذلك أَنهم قالوا: هذه أَدْلي زير.
والعِناسُ: المرآة. والعُنُس: المرايا؛ وأَنشد الأَصمعي:
حتى رَأَى الشَّيْبَة في العِناسِ،
وعادمَ الجُلاحبِ العَوَّاسِ
وعُنَيِّس: اسم رَمْل معروف؛ وقال الراعي:
وأَعْرَضَ رَمْلٌ من عُنَيِّس، تَرْتَعِي
نِعاجُ المَلا، عُوذاً به ومَتالِيا
أَراد: ترتعي به نعاجُ الملا أَي بَقَرُ الوحش. عوذاً: وضَعَتْ
حَدِيثاً، ومَتَاليَ: يتلوها أَولادها. والملا: ما اتّسع من الأَرض، ونَصَب
عُوذاً على الحال.
وبر: الوَبَرُ: صوف الإِبل والأَرانب ونحوها، والجمع أَوْبارٌ. قال أَبو
منصور: وكذلك وَبَرُ السَّمُّور والثعالب والفَنَكِ، الواحدة وَبَرَةٌ.
وقد وَبِرَ البعير، بالكسر؛ وحاجى به ثعلبةُ بن عبيد فاستعمله للنحل
فقال:شَتَتْ كَثَّةَ الأَوْبارِ لا القُرَّ تَتَّقي،
ولا الذِّئْبَ تَخْشى، وهي بالبَلَدِ المُفْضي
يقال: جمل وَبِرٌ وأَوْبَرُ إِذا كان كثير الوَبَرِ، وناقة وَبِرَةٌ
ووَبْراءُ. وفي الحديث: أَحَبُّ إِليّ من أَهل الوَبَرِ والمَدَرِ أَي أَهل
البوادي والمُدْنِ والقُرى، وهو من وَبَرِ الإِبل لأَن بيوتهم يتخذونها
منه، والمَدَرُ جمع مَدَرَة، وهي البِنْيَةُ.
وبناتُ أَوْبَرَ: ضَرْبٌ من الكمأَة مُزْغِبٌ؛ قال أَبو حنيفة: بناتُ
أَوبَرَ كَمْأَةٌ كأَمثال الحصى صِغارٌ، يَكنَّ في النقص من واحدة إِلى
عشر، وهي رديئة الطعم، وهي أَول الكمأَة؛ وقال مرة: هي مثل الكمأَة وليست
بكمأَة وهي صغار. الأَصمعي: يقال للمُزْغِبَةِ من الكمأَة بناتُ أَوْبَرَ،
واحدها ابن أَوبر، وهي الصغار. قال أَبو زيد: بناتُ الأَوْبَرِ كمأَةٌ
صغار مُزْغِبَةٌ على لون التراب؛ وأَنشد الأَحمر:
ولقد جَنَيْتُكَ أَكْمُؤاً وعَساقِلاً،
ولقد نَهَيْتُكَ عن بَناتِ الأَوْبَرِ
أَي جنيت لك، كما قال تعالى: وإِذا كالوهم أَو وَزَنُوهم؛ قال الأَصمعي:
وأَما قول الشاعر:
ولقد نهيتك عن بنات الأَوبر
فإِنه زاد الأَلف واللام للضرورة كقول الراحز:
باعَدَ أُمَّ العَمْرِ من أَسِيرِها
وقول الآخر:
يا ليتَ أُمَّ العَمْرِ كانتْ صاحبي
يريد أَنه عمرو فيمن رواه هذا، وإِلا فالأَعرف: يا ليت أُم الغَمْرِ،
قال: وقد يجوز أَن يكون أَوْبَرُ نكرةً فعرّفه باللام كما حكى سيبويه أَن
عُرْســاً من ابن عُرْسٍ قد نكره بعضهم، فقال: هذا ابن عُرْسٍ مقبلٌ. وقال
أَبو حنيفة: يقال إِن بني فلان مثل بَناتِ أَوْبَر يظن أَن فيهم خيراً.
ووَبَّرَتِ الأَرنبُ والثعلب تَوْبِيراً إِذا مشى في الخُزُونَةِ ليخفى
أَثره فلا يتبين. وفي حديث الشُّورى رواه الرِّياشِيُّ: أَن الستة لما
اجتمعوا تكلموا فقال قائل منهم في خطبته: لا تُوَبِّرُوا آثارَكم
فَتُولِتُوا ديْنَكُمْ. وفي حديث عبد الرحمن يوم الشُّورى: لا تَغْمِدوا السيوف عن
أَعدائكم فَتُوَبِّرُوا آثارَكم؛ التَّوْبِيرُ التَّعْفِيَةُ ومَحْوُ
الأَثر؛ قال الزمخشري: هو من تَوْبِير الأَرنب مَشْيِها على وَبَرِ قوائمها
لئلا يُقْتَصَّ أَثَرُها، كأَنه نهاهم عن الأَخذ في الأَمر بالهُوَيْنا،
قال: ويروى بالتاء وهو مذكور في موضعه، رواه شمر: لا تُوَتِّرُوا
آثاركم، ذهب به إِلى الوَتْرِ والثَّأْرِ، والصواب ما رواه الرياشي، أَلا ترى
أَنه يقال وَتَرْتُ فلاناً أَتِرُه من الوَتْرِ ولا يقال أَوْتَرْتُ؟
التهذيب: إِنما يُوَبِّرُ من الدواب التُّفَهُ وعَناقُ الأَرض والأَرنبُ.
ويقال: وَبَّرَتِ الأَرنب في عَدْوها إِذا جمعت بَراثِنَها لِتُعَفِّيَ
أَثَرَها. قال أَبو منصور: والتَّوْبِيرُ أَن تَتْبَعَ المكانَ الذي لا
يَسْتَبِين فيه أَثَرُها، وذلك أَنها إِذا طُلِبَتْ نظرت إِلى صَلابة من
الأَرض وحَزْنٍ فَوَثَبَتْ عليه لئلا يستبين أَثرها لصلابته. قال أَبو زيد:
إِنما يُوَبِّرُ من الدواب الأَرنبُ وشيءٌ آخرُ لم نحفظه. وَوَبَّرَ الرجلُ
في منزله إِذا أَقام حيناً فلم يبرح. التهذيب في ترجمة أَبر: أَبَّرْتُ
النخلَ أَصلحته، وروي عن أَبي عمرو بن العلاء قال: يقال نخل قد أُبِّرَتْ
ووُبِرتْ وأُبِرَتْ، ثلاث لغات، فمن قال أُبِّرَتْ فهي مؤَبَّرَةٌ، ومن
قال وُبِرَتْ فهي مَوْبُورَةٌ، ومن قال أُبِرَتْ فهي مأُبُورَةٌ أَي
مُلَقَّحَةٌ.
والوَبْرُ، بالتسكين: دُوَيْبَّة على قدر السِّنَّوْرِ غبراء أَو بيضاء
من دواب الصحراء حسنة العينين شديدة الحياء تكون بالغَوْرِ، والأُنثى
وَبْرَةٌ، بالتسكين، والجمع وَبْرٌ ووُبُورٌ ووِبارٌ ووِبارَةٌ وإِبارةٌ؛
قال الجوهري: هي طَحْلاء اللون لا ذَنَبَ لها تَدْجُنُ في البيوت، وبه سمي
الرجل وَبْرَةَ. وفي حديث أَبي هريرة: وَبْرٌ تَحَدَّرَ من قُدُومِ ضأْنٍ
(* قوله« من قدوم ضأن» كذا ضبط بالأصل بضم القاف، وضبط في النهاية
بفتحها، ونبه ياقوت في المعجم على أنهما روايتان) ؛ الوَبْرُ، بسكون الباء:
دويبة كما حليناها حجازية وإِنما شبهه بالوَبْرِ تحقيراً له، ورواه بعضهم
بفتح الباء من وَبَرِ الإِبلِ تحقيراً له أَيضاً، قال: والصحيح الأَول.
وفي حديث مجاهد: في الوَبْرِ شاةٌ، يعني إِذا قتلها المحرم لأَن لها
كَرِشاً وهي تَجْتَرُّ. ابن الأَعرابي: فلان أَسْمَجُ من مُخَّةِ الوَبْرِ. قال
والعرب تقول: قالت الأَرنبُ للوَبْرِ: وَبْر وَبْر، عَجُزٌ وصَدْر،
وسائرك حَقْرٌ نَقْر فقال لها الوَبْرُ: أَرانِ أَرانْ، عَجُزٌ وكَتِفانْ،
وسائركِ أُكْلَتانْ
ووَبَّرَ الرجلُ: تَشَرَّدَ فصار مع الوَبْرِ في التَّوَحُّشِ؛ قال
جرير:فما فارقْتُ كِنْدَةَ عن تَراضٍ،
وما وَبَّرْتُ في شعبي ارْتِعابا
أَبو زيد: يقال وَبَّرَ فلانٌ على فلانٍ الأَمرَ أَي عَمَّاه عليه؛
وأَنشد أَبو مالك بيت جرير أَيضاً:
وما وَبَّرْتُ في شُعَبَى ارتعابا* ويُروى: ارتغاباً كما في ديوان جرير.
قال: يقول ما أَخفيت أَمرك ارتعاباً أَي اضطراباً. وأُمُّ الوَبْرِ: اسم
امرأَة؛ قال الراعي:
بأَعلامِ مَرْكُوزٍ فَعَنْزٍ فَغُرَّبٍ،
مَغاني أُمِّ الوَبْرِ إِذ هي ما هيا
وما بالدار وابِرٌ أَي ما بها أَحد؛ قال ابن سيده: لا يستعمل إِلا في
النفي؛ وأَنشد غيره:
فَأُبْتُ إِلى الحيّ الذين وراءَهمْ
جَرِيضاً، ولم يُفْلِتْ من الجيشِ وابِرُ
والوَبْراءُ: نبات.
ووَبارِ مثل قَطام: أَرض كانت لعاد غلبت عليها الجن، فمن العرب من
يجريها مجرى نَزالِ، ومنهم من يجريها مجرى سُعادَ، وقد أُعرب في الشعر؛ وأَنشد
سيبويه للأَعشى:
ومَرَّ دَهرٌ على وَبارِ،
فَهَلَكَتْ جَهْرَةً وبارُ
قال: والقوافي موفوعة. قال الليث: وَبارِ أَرضٌ كانت من مَحالِّ عادٍ
بين اليمن ورمال يَبْرِينَ، فلما هلكت عاد أَورث الله ديارهم الجنَّ فلا
يتقاربها أَحد من الناس؛ وأَنشد:
مِثْل ما كان بَدْءُ أَهلِ وَبارِ
وقال محمد بن إِسحق بن يسار: وبَارِ بلدة يسكنها النَّسْنَاسُ.
والوَبْرُ: يوم من أَيام العجوز السبعة التي تكون في آخر الشتاء، وقيل:
إِنما هو وَبْر بغير أَلف ولام. تقول العرب: صِنٌّ وصِنَّبْر وأُخَيُّهما
وَبْر، وقد يجوز أَن يكونوا قالوا ذلك للسجع لأَنهم قد يتركون للسجع
أَشياء يوجبها القياس.
وفي حديث أُهبانَ الأَسْلَمِيّ: بينا هو يَرْعَى بِحرَّةِ الوَبْرَةِ،
هي بفتح الواو وسكون الباء، ناحية من أَعراض المدينة، وقيل: هي قرية ذات
نخيل. ووَبَرٌ ووَبَرَةُ: اسمان، ووَبْرَةٌ: لصٌّ معروف؛ عن ابن
الأَعرابي.
خطب: الخَطْبُ: الشَّأْنُ أَو الأَمْرُ، صَغُر أَو عَظُم؛ وقيل: هو
سَبَبُ الأَمـْر. يقال: ما خَطْبُك؟ أَي ما أَمرُكَ؟ وتقول: هذا خَطْبٌ
جليلٌ، وخَطْبٌ يَسير. والخَطْبُ: الأمر الذي تَقَع فيه المخاطَبة، والشأْنُ والحالُ؛ ومنه قولهم: جَلَّ الخَطْبُ أَي عَظُم الأَمرُ والشأْن. وفي حديث عمر، وقد أَفْطَروا في يومِ غيمٍ من رمضان، فقال: الخَطْبُ يَسيرٌ. وفي التنزيل العزيز: قال فما خَطْبُكُم أَيـُّها الـمُرسْلون؟ وجمعه خُطُوبٌ؛ فأَما قول الأَخطل:
كَلَمْعِ أَيْدي مَثاكِيلٍ مُسَلَّبةٍ، * يَنْدُبْنَ ضَرْسَ بَناتِ الدّهْرِ والخُطُبِ
إِنما أَراد الخُطوبَ، فحذفَ تخفيفاً، وقد يكونُ من باب رَهْنٍ ورُهُنٍ.
وخَطَب المرأَةَ يَخْطُبها خَطْباً وخِطْبة، بالكسر، الأَوَّل عن
اللحياني، وخِطِّيبَى؛ وقال الليث: الخِطِّيبَى اسمٌ؛ قال عديُّ بن زيد، يذكر قَصْدَ جَذِيمة الأَبرَشِ لخِطْبةِ الزَّبَّاءِ:
لخِطِّيبَى التي غَدَرَتْ وخانَتْ، * وهنّ ذَواتُ غائلةٍ لُحِينا
قال أَبو منصور: وهذا خطاٌ مَحْضٌ، وخِطِّيبَى، ههنا، مصدرٌ
كالخِطْبَةِ، هكذا قال أَبو عبيد، والمعنى لخِطْبةِ زَبَّاءَ، وهي امرأَةٌ غَدَرَت بجَذِيمة الأَبْرَشِ حين خَطَبَها، فأَجابَتْه وخاستْ بالعهد فقَتَلَتْه.
وجَمعُ الخاطب: خُطَّاب.
الجوهري: والخَطيبُ الخاطِبُ ، والخِطِّيبَى الخُطْبة. وأَنشد بيتَ عَدِيّ بن زيد؛ وخَطَبَها واخْتَطَبَها عليه.
والخِطْبُ: الذي يَخْطُب المرأَةَ. وهي خِطْبُه التي يَخْطُبُها، والجمع أَخطابٌ؛ وكذلك خِطْبَتُه وخُطْبَتُه، الضمّ عن كُراع، وخِطِّيباهُ وخِطِّيبَتُه وهو خِطْبُها، والجمعُ كالجمع؛ وكذلك هو خِطِّيبُها، والجمع خِطِّيبون، ولا يُكَسَّر. والخِطْبُ: المرأَةُ الـمَخطوبة، كما يقال ذِبْح للمذبوحِ. وقد خَطَبها خَطْباً، كما يقال: ذَبَحَ ذَبْحاً. الفرَّاءُ في قوله تعالى: من خِطْبة النساءِ؛ الخِطْبة مصدر بمنزلة الخَطْبِ، وهو بمنزلة قولك: إِنه لحَسَن القِعْدة والجِلْسةِ. والعرب تقول: فلان خِطْبُ فُلانة إِذا كان يَخْطُبها. ويقُول الخاطِبُ: خِطْبٌ !فيقول الـمَخْطُوب إِليهم: نِكْحٌ !وهي كلمة كانتِ العرب تَتزَوَّجُ بها. وكانت امرأَةٌ من العرب
يقال لها: أُمُّ خارجِةَ، يُضْرَبُ بها الـمَثَل، فيقال: أَسْرَعُ من
نِكاحِ أُمِّ خارجة. وكان الخاطِب يقوم على باب خِبائِها فيقول: خِطْبٌ!
فتقول: نِكْحٌ !وخُطْبٌ !فيقال: نُكْحٌ! ورجلٌ خَطَّابٌ: كثير التَّصَرُّفِ في الخِطْبةِ؛ قال:
بَرَّحَ، بالعَيْنَينِ، خَطَّابُ الكُثَبْ،
يقولُ: إِني خــاطِبٌ، وقد كذَبْ،
وإِنمــــــا يخْطُبُ عُسًّا من حَلَبْ
واخْتَطَب القومُ فُلاناً إِذا دَعَوْه إِلى تَزْويجِ صاحبَتهِم. قال أَبو
زيد: إِذا دَعا أَهلُ المرأَة الرجلَ إِليها ليَخْطُبَها، فقد اخْتَطَبوا
اختطاباً؛ قال: وإِذا أَرادوا تَنْفيق أَيِّمِهم كذَبوا على رجلٍ، فقالوا:
قد خَطَبها فرَدَدْناه، فإِذا رَدَّ عنه قَوْمُه قالوا: كَذبْتُم لقد
اخْتَطَبْتُموه، فما خَطَب إِليكم.
وقوله في الحديث: نَهَى أَن يَخْطُبَ الرجلُ على خِطْبةِ أَخيهِ. قال: هو أَن يخْطُب الرجلُ المرأَةَ فَترْكَنَ إِليه ويَتَّفِقا على صَداقٍ
معلومٍ، ويَترَاضَيا، ولم يَبْقَ إِلاّ العَقْد؛ فأَما إِذا لم يتَّفِقَا ويَترَاضَيا، ولم يَرْكَنْ أَحَدُهما إِلى الآخر، فلا يُمنَع من خِطْبَتِها؛ وهو خارج عن النَّهْي. وفي الحديث: إِنَّه لحَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ يُخَطَّبَ أَي يجابَ إِلى خِطْبَتِه.
يقال: خَطَب فلانٌ إِلى فلانٍ فَخَطَّبَه وأَخْطَبَه أَي أَجابَه. الخِطابُ والـمُخاطَبَة: مُراجَعَة الكَلامِ، وقد خاطَبَه بالكَلامِ مُخاطَبَةً وخِطاباً، وهُما يَتخاطَبانِ.
الليث: والخُطْبَة مَصْدَرُ الخَطِيبِ، وخَطَب الخاطِبُ على المِنْبَر،
واخْتَطَب يَخْطُبُ خَطابَةً، واسمُ الكلامِ: الخُطْبَة؛ قال أَبو منصور:
والذي قال الليث، إِنَّ الخُطْبَة مَصْدَرُ الخَطِيبِ، لا يَجوزُ إِلاَّ
عَلى وَجْهٍ واحدٍ، وهو أَنَّ الخُطْبَة اسمٌ للكلام، الذي يَتَكَلَّمُ به
الخَطِيب، فيُوضَعُ موضِعَ الـمَصْدر. الجوهري: خَطَبْتُ على المِنْبَرِ خُطْبةً، بالضم، وخَطَبْتُ المرأَةَ خِطْبةً، بالكَسْرِ، واخْتَطَبَ
فيهما. قال ثعْلب: خَطَب على القوْم خُطْبةً، فَجَعَلَها مصدراً؛ قال ابن سيده: ولا أَدْرِي كيف ذلك، إِلاَّ أَن يكونَ وَضَعَ الاسْمَ مَوْضِعَ الـمَصْدر؛ وذهب أَبو إِسْحق إِلى أَنَّ الخُطْبَة عندَ العَرَب: الكلامُ الـمَنْثُورُ الـمُسَجَّع، ونحوُه. التهذيب: والخُطْبَة، مثلُ الرِّسَالَةِ، التي لَها أَوّلٌ وآخِرٌ. قال: وسمعتُ بعضَ العَرَب يقولُ: اللهم ارْفَعْ عَنَّا هذه الضُّغْطة، كأَنه ذَهَب إِلى أَنَّ لها مُدَّة وغايةً، أَوّلاً وآخراً؛ ولو أَراد مَرَّة لَقال ضَغْطَة؛ ولو أَرادَ الفعلَ لَقالَ
الضِّغْطَة، مثلَ المِشْيَةِ. قال وسمعتُ آخَرَ يقولُ: اللهم غَلَبَني فُلانٌ على قُطْعةٍ من الأَرض؛ يريدُ أَرضاً مَفْرُوزة.
ورَجُلٌ خَطِيبٌ: حَسَن الخُطْبَة، وجَمْع الخَطِيب خُطَباءُ.
وخَطُبَ، بالضم، خَطابَةً، بالفَتْح: صار خَطِيباً. وفي حديث الحَجّاج: أَمِنْ أَهْلِ الـمَحاشِد والـمَخاطِبِ؟ أَراد بالـمَخَاطب: الخُطَبَ، جمعٌ على غيرِ قياسٍ، كالـمَشَابِهِ والـمَلامِحِ؛ وقيل: هو جَمْع مَخْطَبة، والـمَخْطَبة: الخُطْبَة؛ والـمُخاطَبَة، مُفاعَلَة، من الخِطاب والـمُشاوَرَة، أَراد: أَنـْتَ من الذينَ يَخْطُبون الناسَ، ويَحُثُّونَهُم على الخُروجِ، والاجْتِمَاعِ لِلْفِتَنِ. التهذيب: قال بعض المفسرين في قوله تعالى: وفَصْلَ الخِطابِ؛ قال: هو أَن يَحْكُم بالبَيِّنة أَو اليَمِين؛ وقيل: معناه أَن يَفْصِلَ بينَ الحَقِّ والبَاطِل، ويُمَيِّزَ بيْن الحُكْمِ وضِدِّهِ؛ وقيلَ فصلُ الخِطَاب أَمـّا بَعْدُ؛ وداودُ، عليه السلام، أَوَّلُ من قال: أَمـَّا بَعْدُ؛ وقيل: فَصلُ الخِطاب الفِقْهُ في القَضَاءِ. وقال أَبو العباس: معنى أَمـَّا بعدُ، أَمـَّا بَعْدَ ما مَضَى من الكَلامِ، فهو كذا وكذا.
والخُطْبَةُ: لَوْنٌ يَضْرِب إِلى الكُدْرَةِ، مُشْرَبٌ
حُمْرةً في صُفْرةٍ، كَلَوْنِ الحَنْظَلَة الخَطْبَاءِ، قبلَ أَن تَيْبَسَ، وكَلَوْنِ
بَعضِ حُمُرِ الوَحْشِ. والخُطْبَةُ: الخُضْرَةُ، وقيل: غُبْرَة تَرْهَقُها
خُضْرَة، والفعلُ من كلِّ ذلك: خَطِبَ خَطَباً، وهو أَخْطَب؛ وقيلَ:
الأَخْطَبُ الأَخْضَرُ يُخالِطُه سَوَادٌ.
وأَخْطَبَ الحَنْظَل: اصْفَرَّ أَي صَار خُطْبَاناً، وهو أَن يَصْفَرَّ،
وتصير فيه خُطوطٌ خُضْرٌ.
وحَنْطَلةٌ خَطْباءُ: صفراءُ فيها خُطوطٌ خُضْرٌ، وهي الخُطْبانةُ،
وجمعها خُطْبانٌ وخِطْبانٌ، الأَخيرة نادرة. وقد أَخْطَبَ الحَنْظَل وكذلك الحِنْطة إِذا لَوَّنَتْ والخُطْبانُ: نِبْتةٌ في آخرِ الحشِيشِ، كأَنها الهِلْيَوْنُ، أَوأَذْناب الحَيَّاتِ، أَطْرافُها رِقَاقٌ تُشْبه البَنَفْسَج، أَو هو أَشدُّ منه سَواداً، وما دون ذلك أَخْضَرُ، وما دون ذلك إِلى أُصُولِها أَبيضُ، وهي شديدةُ الـمَرارةِ.
وأَوْرَقُ خُطْبانِيٌّ: بالَغُوا به، كما قالوا أَرْمَكُ رادِنِيٌّ.
والأَخْطَبُ: الشِّقِرَّاقُ، وقيل الصُّرَدُ، لأَنّ فيهما سَواداً وبَياضاً؛ وينشد:
ولا أَنْثَنِي، مِن طِيرَةٍ، عن مَرِيرَةٍ، * إِذا الأَخْطَبُ الداعِي، على الدَّوْحِ صَرْصَرَا
ورأَيت في نسخةٍ من الصحاح حاشيةً: الشِّقِرّاقُ بالفارسِيَّة،
كأَسْكِينَهْ. وقد قالوا للصَّقْرِ: أَخْطَبُ؛ قال ساعِدَةُ بنُ جُؤَيَّة الهذلي:
ومِنَّا حَبِيبُ العَقْرِ، حينَ يَلُفُّهم، * كما لَفَّ، صِرْدانَ الصَّريمةِ، أَخْطَبُ
وقيل لليَدِ عند نُضُوِّ سوادها من الحِنَّاءِ: خَطْباءُ، ويقال ذلك في
الشَّعَرِ أَيضاً. والأَخْطَب: الحِمارُ تَعْلُوه خُضْرَة. أَبو عبيد: من
حُمُرِ الوَحْشِ الخَطْباءُ، وهي الأَتانُ التي لها خَطٌّ أَسودُ على
مَتْنِها، والذكَر أَخْطَبُ؛ وناقةٌ خَطْباءُ: بَيِّنة الخَطَبِ؛ قال الزَّفَيانُ:
وصاحِبِي ذاتُ هِبابٍ دَمْشَقُ، * خَطْباءُ وَرْقاءُ السَّراةِ، عَوْهَقُ
وأَخْطَبانُ: اسم طائرٍ، سُمِّي بذلك لِخُطْبةٍ في جَناحَيْه، وهي
الخُضْرَة.
ويدٌ خَطْباءُ: نَصَل سَوادُ خِضابِها من الحِنّاءِ؛ قال:
أَذَكرْت مَيَّةَ، إِذْ لَها إِتْبُ، * وجَدائِلٌ، وأَنامِلٌ خُطْبُ
وقد يقال في الشَّعَر والشَّفَتَيْن.
وأَخْطَبَكَ الصَّيْدُ: أَمْكَنَكَ ودَنا منكَ. ويقال: أَخْطَبَكَ الصَّيْدُ فارْمِه أَي أَمـْكَنَكَ، فهو مُخْطِبٌ.
والخَطَّابِيَّة: من الرافِضةِ، يُنْسَبون إِلى أَبي الخَطَّابِ، وكان
يَأْمـُر أَصحابَه أَن يَشهدوا، على مَنْ خالَفَهم، بالزُّورِ.
دسع: دَسَع البعيرُ بِجِرَّته يَدْسَعُ دَسْعاً ودُسُوعاً أَي دَفَعها
حتى أَخرجها من جوفه إِلى فيه وأَفاضها، وكذلك الناقة.
والدَّسْعُ: خُروج القَريض بمرَّة، والقَريضُ جِرَّة البعير إِذا
دَسَعَه وأَخرجه إِلى فيه.
والمَدْسَعُ: مَضِيقُ مَوْلِج المَريء في عظم ثُغْرة النحر، وفي
التهذيب: وهو مَجْرَى الطعام في الحلق، ويسمى ذلك العظم الدَّسِيعَ.
والدسيعُ من الإِنسان: العظم الذي فيه التَّرْقُوَتانِ، وهو مُرَكَّبُ
العُنُق في الكاهل، وقيل: الدَّسِيعُ الصدر والكاهل؛ قال ابن مقبل:
شَديدُ الدَّسيعِ دُقاقُ اللَّبان،
يُناقِلُ بعدَ نِقالٍ نِقالا
وقال سَلامة بن جَندل يصف فرساً:
يَرْقى الدسيعُ إِلى هادٍ له تَلَعٌ،
في جُؤْجُؤٍ كَمَداكِ الطِّيبِ مَخْضوبِ
وقال ابن شميل: الدَّسيعُ حيث يَدْفع البعير بِجِرَّتِه دفَعها بمرة
إِلى فيه وهو موضع المَريء من حَلْقه، والمريء: مَدْخَل الطعام والشراب.
ودَسيعا الفرسِ: صَفْحتا عنقه. من أَصلهما، ومن الشاة موضع التَّرِيبةِ،
وقيل: الدَّسيعة من الفرس أَصل عُنقه والدسيعةُ: مائدةُ الرجل إِذا كانت
كريمة، وقيل: هي الجَفْنة سميت بذلك تشبيهاً بدَسِيع البعير لأَنه لا يخلو
كلما اجْتَذَب منه جِرّة عادت فيه أُخرى، وقيل: هي كَرَمُ فِعْله، وقيل:
هي الخِلْقة، وقيل: الطَّبيعة والخلُقُ.
ودَسَع الجُحْرَ دَسْعاً: أَخذ دِساماً من خِرْقة وسَدَّه به. ودَسَع
وفلان بَقَيْئه إِذا رمى به. وفي حديث علي، كرم الله وجهه، وذكر ما يوجب
الوضوء فقال: دَسْعةٌ تَمْلأ الفم؛ يريد الدَّفْعة الواحدة من القيءِ،
وجعله الزمخشري حديثاً عن النبي، صلى الله عليه وسلم، فقال: هي من دسَع
البعيرُ بجِرَّته دَسْعاً إِذا نزعها من كَرِشه وأَلقاها إِلى فيه. ودَسَع
الرجلُ يَدْسَع دَسْعاً: قاء؛ ودَسَع يَدْسَعُ دَسْعاً: امْتَلأَ؛ قال:
ومُناخ غير تائيَّةٍ عَرَّسْــتُه،
قَمِن من الحِدْثانِ، نابي المَضْجَعِ
(* قوله «ومناخ إلخ» تقدم البيتان في مادة بضع على غير هذه الصورة.)
عَرَّسْــته، ووِسادُ رأْسي ساعِدٌ،
خاظي البَضيعِ، عُروقُه لم تَدْسَعِ
والدَّسْع: الدَّفْع كالدَّسْر. يقال: دَسَعَه يَدْسَعُه دَسْعاً
ودَسِيعةً. والدَّسِيعة: العَطِيَّةُ. يقال: فلان ضَخْمُ الدَّسِيعة، ومنه حديث
قيس: ضَخْم الدَّسِيعةِ؛ الدَّسِيعةُ ههنا: مُجْتَمَعُ الكَتِفين، وقيل:
هي العُنُق؛ قال الأَزهري: يقال ذلك للرجل الجَواد، وقيل: أَي كثير
العَطِية، سميت دَسِيعة لدفع المُعْطي إِياها بمرة واحدة كما يدفع البعير
جِرّته دَفْعة واحدة. والدَّسائعُ: الرغائب الواسعة. وفي الحديث أَن الله
تعالى يقول يوم القيامة: يا ابن آدم أَلم أَحْمِلْك على الخيل، أَلم
أَجعَلْك تَرْبَعُ وتَدْسَعُ؟ تَرْبعُ: تأْخذ ربع الغنيمة وذلك فِعْل الرئيس،
وتَدْسَعُ: تُعْطِي فَتُجْزِل، ومنه ضَخْم الدَّسيعةِ؛ وقال علي بن عبد
الله بن عباس:
وكِنْدةُ مَعْدِنٌ لِلمُلْك قِدْماً،
يَزينُ فِعالَهم عِظَمُ الدَّسِيعهْ
ودَسع البحرُ بالعَنْبَر ودَسَر إِذا جمعه كالزَّبَد ثم يَقْذِفه إِلى
ناحية فيؤخذ، وهو من أَجْود الطِّيب. وفي حديث كتابه بين قُريش والأَنصار:
وإِن المؤمنين المتقين أَيديهم على مَن بَغى عليهم أَو ابْتَغى دَسِيعةَ
ظُلْم أَي طلَب دَفْعاً على سبيل الظلم فأَضافه إِليه، وهي إِضافة بمعنى
من؛ ويجوز أَن يراد بالدَّسِيعة العَطِيَّة أَي ابتغى منهم أَن يَدْفعوا
إِليه عطية على وجه ظُلمهم أَي كونهم مَظْلومين، وأَضافها إِلى ظُلمه
(*
قوله «الى ظلمه» كذا في الأصل تبعاً للنهاية بهاء الضمير.) لأَنه سبب
دفعهم لها. وفي حديث ظَبْيان وذكر حِمْيَر. فقال: بَنوا المَصانِعَ
واتَّخَذُوا الدَّسائع؛ يريد العطايا. وقيل: الدَّسائعُ الدَّساكرُ،وقيل:
الجِفان والموائد، وفي حديث معاذ قال: مرَّ بي النبي، صلى الله عليه وسلم،
وأَنا أَسلخُ شاة فدَسَعَ يَده بين الجِلْد واللحمِ دَسْعَتَين أَي
دَفَعها.
أرض: الأَرْض: التي عليها الناس، أُنثى وهي اسم جنس، وكان حق الواحدة
منها أَن يقال أَرْضة ولكنهم لم يقولوا. وفي التنزيل: وإِلى الأَرْض كيف
سُطِحَت؛ قال ابن سيده: فأَما قول عمرو بن جُوَين الطائي أَنشده ابن
سيبويه:فلا مُزْنةٌ وَدَقَتْ وَدْقَها،
ولا أَرْضَ أَبْقَلَ إِبْقالَها
فإِنه ذهب بالأَرض إِلى الموضع والمكان كقوله تعالى: فلما رأَى
الشَّمْسَ بازِغةً قال هذا رَبِّي؛ أَي هذا الشَّخْصُ وهذا المَرْئِيُّ ونحوه،
وكذلك قوله: فَمَنْ جاءه مَوْعظةٌ منْ ربِّه؛ أَي وعْظ. وقال سيبويه: كأَنه
اكتفى بذكر الموعظة عن التاء، والجمع آراضٌ وأُرُوض وأَرَضُون، الواو
عوض من الهاء المحذوفة المقدرة وفتحوا الراء في الجمع ليدخل الكلمةَ ضَرْبٌ
من التكسير، استِيحاشاً من أَن يُوَفِّرُوا لفظ التصحيح ليعلموا أَن
أَرضاً مما كان سبيله لو جمع بالتاء أَن تُفتح راؤُه فيقال أَرَضات، قال
الجوهري: وزعم أَبو الخطاب أَنهم يقولون أَرْض وآراضٌ كما قالوا أَهل وآهال،
قال ابن بري: الصحيح عند المحققين فيما حكي عن أَبي الخطاب أَرْض
وأَراضٍ وأَهل وأَهالٍ، كأَنه جمع أَرْضاة وأَهلاة كما قالوا ليلة وليالٍ كأَنه
جمع لَيْلاة، قال الجوهري: والجمع أَرَضات لأَنهم قد يجمعون المُؤنث
الذي ليست فيه هاء التأْنيث بالأَلف والتاء كقولهم عُرُســات، ثم قالوا
أَرَضُون فجمعوا بالواو والنون والمؤَنث لا يجمع بالواو والنون إِلا أَن يكون
منقوصاً كثُبة وظُبَة، ولكنهم جعلوا الواو والنون عوضاً من حَذْفهم الأَلف
والتاء وتركوا فتحة الراء على حالها، وربما سُكِّنَت، قال: والأَراضي
أَيضاً على غير قياس كأَنهم جمعوا آرُضاً، قال ابن بري: صوابه أَن يقول
جمعوا أَرْضى مثل أَرْطى، وأَما آرُض فقياسُه جمعُ أَوارِض. وكل ما سفَل،
فهو أَرْض؛ وقول خداش بن زهير:
كذَبْتُ عليكم، أَوْعِدُوني وعلِّلُوا
بِيَ الأَرْضَ والأَقوامَ، قِرْدانَ مَوْظَبا
قال ابن سيبويه: يجوز أَن يعني أَهل الأَرض ويجوز أَن يريد علِّلُوا
جميع النوع الذي يقبل التعليل؛ يقول: عليكم بي وبهجائي إِذا كنتم في سفر
فاقطعوا الأَرض بذكري وأَنْشِدوا القوم هِجائي يا قِرْدان مَوْظَب، يعني
قوماً هم في القِلّةِ والحَقارة كقِرْدان مَوْظَب، لا يكون إِلا على ذلك
أَنه إِنما يهجو القوم لا القِرْدان. والأَرْضُ: سَفِلة البعير والدابة وما
وَلِيَ الأَرض منه، يقال: بَعِيرٌ شديد الأَرْضِ إِذا كان شديد القوائم.
والأَرْضُ: أَسفلُ قوائم الدابة؛ وأَنشد لحميد يصف فرساً:
ولم يُقَلِّبْ أَرْضَها البَيْطارُ،
ولا لِحَبْلَيْهِ بها حَبارُ
يعني لم يقلب قوائمها لعلمه بها؛ وقال سويد بن كراع:
فرَكِبْناها على مَجْهولِها
بصِلاب الأَرْض، فِيهنّ شَجَعْ
وقال خفاف:
إِذا ما اسْتَحَمَّت أَرْضُه من سَمائِه
جَرى، وهو مَوْدوعٌ وواحدٌ مَصْدَقِ
وأَرْضُ الإِنسان: رُكْبتاه فما بعدهما. وأَرْضُ النَّعْل: ما أَصاب
الأَرض منها.
وتأَرَّضَ فلان بالمكان إِذا ثبت فلم يبرح، وقيل: التَّأَرُّضُ
التَّأَنِّي والانتظار؛ وأَنشد:
وصاحِبٍ نَبّهْتُه لِيَنْهَضا،
إِذا الكَرى في عينه تَمَضْمَضا
يَمْسَحُ بالكفّين وَجْهاً أَبْيَضا،
فقام عَجْلانَ، وما تَأَرَّضَا
أَي ما تَلَبَّثَ. والتَّأَرُّضُ: التَّثاقُلُ إِلى الأَرض؛ وقال
الجعدي:مُقِيم مع الحيِّ المُقِيمِ، وقَلبْهُ
مع الراحِلِ الغَادي الذي ما تَأَرَّضا
وتَأَرَّضَ الرجلُ: قام على الأَرض؛ وتَأَرَّضَ واسْتَأْرَضَ بالمكان:
أَقامَ به ولَبِثَ، وقيل: تمكن. وتَأَرَّضَ لي: تضَرَّعَ وتعرَّضَ. وجاء
فلان يَتَأَرَّضُ لي أَي يتصَدَّى ويتعرَّض؛ وأَنشد ابن بري:
قبح الحُطَيْئة من مُناخِ مَطِيَّةٍ
عَوْجاءَ سائمةٍ تأَرَّضُ للقِرَى
ويقال: أَرَّضْت الكلامَ إِذا هَيَّأْتَه وسَوَّيْتَه. وتأَرَّضَ
النَّبْتُ إِذا أَمكن أَن يُجَزَّ.
والأَرْضُ: الزُّكامُ، مذكر، وقال كراع: هو مؤنث؛ وأَنشد لابن أَحمر:
وقالوا: أَنَتْ أَرْضٌ به وتَحَيَّلَتْ،
فَأَمْسَى لما في الصَّدْرِ والرأْسِ شَاكِيا
أَنَتْ أَدْرَكَتْ، ورواه أَبو عبيد: أَتَتْ. وقد أُرِضَ أَرْضاً
وآرَضَه اللّه أَي أَزْكَمَه، فهو مَأْرُوضٌ. يقال: رجل مَأْروضٌ وقد أُرِضَ
فلان وآرَضَه إِيراضاً. والأَرْضُ: دُوارٌ يأْخذ في الرأْس عن اللبنِ
فيُهَراقُ له الأَنف والعينان، والأَرْضُ، بسكون الراء: الرِّعْدةُ
والنَّفْضةُ؛ ومنه قول ابن عباس وزلزلت الأَرْضُ: أَزُلْزِلَت الأَرض أَمْ بي
أَرْضٌ؟ يعني الرعدة، وقيل: يعني الدُّوَارَ؛ وقال ذو الرمة يصف صائداً:
إِذا تَوَجَّسَ رِكْزاً مِن سنَابِكها،
أَو كان صاحِبَ أَرضٍ، أَو به المُومُ
ويقال: بي أَرْضٌ فآرِضُوني أَي داووني.
والمَأْرُوضُ: الذي به خَبَلٌ من الجن وأَهلِ الأَرْض وهو الذي يحرك
رأْسه وجسده على غير عَمْدٍ.
والأَرْضُ: التي تأْكل الخشب. وشَحْمَةُ الأَرْضِ: معروفةٌ، وشحمةُ
الأَرْضِ تسمى الحُلْكة، وهي بَنات النقا تغوص في الرمل كما يغوص الحوت في
الماء، ويُشَبَّه بها بَنان العذارَى.
والأَرَضَةُ، بالتحريك: دودة بيضاء شبه النملة تظهر في أَيام الربيع؛
قال أَبو حنيفة: الأَرَضَةُ ضربان: ضرب صغار مثل كبَار الذَّرِّ وهي آفة
الخشب خاصة، وضربٌ مثل كبار النمل ذوات أَجنحة وهي آفة كل شيءٍ من خشب
ونبات، غير أَنها لا تَعْرِض للرطب، وهي ذات قوائم، والجمع أَرَضٌ، والأَرَض
اسم للجمع. والأَرْضُ: مصدر أُرِضَت الخشبةُ تُؤْرَضُ أَرْضاً فهي
مَأْرُوضة إِذا وقعت فيها الأَرْضةُ وأَكلتها. وأُرِضَت الخشبة أَرْضاً
وأَرِضَت أَرْضاً، كلاهما: أَكلَتْها الأَرَضةُ. وأَرْضٌ أَرِضةٌ وأَرِيضةٌ
بَيِّنة الأَراضة: زكيَّةٌ كريمة مُخَيِّلةٌ للنبت والخير؛ وقال أَبو حنيفة:
هي التي تَرُبُّ الثَّرَى وتَمْرَحُ بالنبات؛ قال امرؤ القيس:
بِلادٌ عَرِيضة، وأَرْضٌ أَرِيضة،
مَدافِع ماءٍ في فَضاءٍ عَريض
وكذلك مكان أَريضٌ. ويقال: أَرْضٌ أَرِيضةٌ بَيِّنةُ الأَراضَةِ إِذا
كانت لَيِّنةً طيبة المَقْعَد كريمة جيِّدة النبات. وقد أُرِضَت، بالضم،
أَي زَكَتْ. ومكان أَرِيضٌ: خَلِيقٌ للخير؛ وقال أَبو النجم:
بحر هشام وهو ذُو فِرَاضِ،
بينَ فُروعِ النَّبْعةِ الغِضاضِ
وَسْط بِطاحِ مكة الإِرَاضِ،
في كلِّ وادٍ واسعِ المُفاضِ
قال أَبو عمرو: الإِرَاضُ العِرَاضُ، يقال: أَرْضٌ أَريضةٌ أَي عَريضة.
وقال أَبو البيداء: أَرْض وأُرْض وإِرض وما أَكْثَرَ أُرُوضَ بني فلان،
ويقال: أَرْضٌ وأَرَضُون وأَرَضات وأَرْضُون. وأَرْضٌ أَرِيضةٌ للنبات:
خَلِيقة، وإِنها لذات إِراضٍ. ويقال: ما آرَضَ هذا المكانَ أَي ما أَكْثَرَ
عُشْبَه. وقال غيره: ما آرَضَ هذه الأَرضَ أَي ما أَسْهَلَها
وأَنْبَتَها وأَطْيَبَها؛ حكاه أَبو حنيفة. وإِنها لأَرِيضةٌ للنبت وإِنها لذات
أَرَاضةٍ أَي خليقة للنبت. وقال ابن الأَعرابي: أَرِضَتِ الأَرْضُ تأْرَضُ
أَرَضاً إِذا خَصِبَت وزَكا نباتُها. وأَرْضٌ أَرِيضةٌ أَي مُعْجِبة.
ويقال: نزلنا أَرْضاً أَرِيضةً أَي مُعْجِبةً للعَينِ، وشيءٌ عَرِيضٌ
أَرِيضٌ: إِتباع له وبعضهم يفرده؛ وأَنشد ابن بري:
عَريض أَرِيض باتَ يَيْعِرُ حَوْلَه،
وباتَ يُسَقِّينا بُطونَ الثَّعالِبِ
وتقول: جَدْيٌ أَرِيضٌ أَي سمين. ورجل أَريضٌ بَيِّنُ الأَرَاضةِ:
خَلِيقٌ للخير متواضع، وقد أَرُضَ. الأَصمعي: يقال هو آرَضُهم أَن يفعل ذلك
أَي أَخْلَقُهم. ويقال: فلانٌ أَرِيضٌ بكذا أَي خَلِيق به. ورَوْضةٌ
أَرِيضةٌ: لَيِّنةُ المَوْطِئِ؛ قال الأَخطل:
ولقد شَرِبْتُ الخمرَ في حانوتِها،
وشَرِبْتُها بأَرِيضةٍ مِحْلالِ
وقد أَرُضَتْ أَراضةً واسْتَأْرَضَت. وامرأَة عَرِيضةٌ أَرِيضةٌ:
وَلُودٌ كاملة على التشبيه بالأَرْض. وأَرْضٌ مأْرُوضَةٌ
(* قوله «وأرض مأروضة»
زاد شارح القاموس: وكذلك مؤرضة وعليه يظهر الاستشهاد بالبيت.) :
أَرِيضةٌ؛ قال:
أَما تَرَى بكل عَرْضٍ مُعْرِضِ
كلَّ رَداحٍ دَوْحَةِ المُحَوَّضِ،
مُؤْرَضة قد ذَهَبَتْ في مُؤْرَضِ
التهذيب: المُؤَرِّضُ الذي يَرْعَى كَلأَ الأَرْض؛ وقال ابن دَالان
الطائي:
وهمُ الحُلومُ، إِذا الرَّبيعُ تجَنَّبَتْ،
وهمُ الرَّبيعُ، إِذا المُؤَرِّضُ أَجْدَبا
والإِرَاضُ: البِسَاط لأَنه يَلي الأَرْضَ. الأَصمعي: الإِرَاضُ،
بالكسر، بِسَاطٌ ضخْم من وَبَرٍ أَو صوف. وأَرَضَ الرجلُ: أَقام على الإِرَاضِ.
وفي حديث أُم معبد: فشربوا حتى آرَضُوا؛ التفسير لابن عباس، وقال غيره:
أَي شربوا عَلَلاً بعد نَهَلٍ حتى رَوُوا، مِنْ أَرَاضَ الوادي إِذا
اسْتَنْقَعَ فيه الماءُ؛ وقال ابن الأَعرابي: حتى أَراضُوا أَي نامُوا على
الإِرَاضِ، وهو البساط، وقيل: حتى صَبُّوا اللبن على الأَرْض.
وفَسِيلٌ مُسْتَأْرِضٌ وَوَديَّةٌ مُسْتَأْرِضة، بكسر الراء: وهو أَن
يكون له عِرْقٌ في الأَرْضِ فأَما إِذا نبت على جذع النخل فهو: الراكِبُ؛
قال ابن بري: وقد يجيءُ المُسْتَأْرِضُ بمعنى المُتَأَرِّض وهو المُتَثاقل
إِلى الأَرض؛ قال ساعدة يصف سحاباً:
مُسْتَأْرِضاً بينَ بَطْنِ الليث أَيْمنُه
إِلى شَمَنْصِيرَ، غَيْثاً مُرْسلاً مَعَجَا
وتأَرَّضَ المنزلَ: ارْتادَه وتخيَّره للنزول؛ قال كثير:
تأَرَّضَ أَخفاف المُناخةِ منهمُ،
مكانَ التي قد بُعِّثَتْ فازْلأَمَّتِ
ازْلأَمَّت: ذهبت فَمَضَت. ويقال: تركت الحي يَتَأَرَّضون المنزِلَ أَي
يَرْتادُون بلداً ينزلونه. واسْتَأْرَض السحابُ: انبسط، وقيل: ثبت وتمكن
وأَرْسَى؛ وأَنشد بيت ساعدة يصف سحاباً:
مستاْرضاً بين بطن الليث أَيمنه
وأَما ما ورد في الحديث في الجنازة: من أَهل الأَرض أَم من أَهل الذِّمة
فإِنه أَي الذين أُقِرُّوا بأَرضهم.
والأَرَاضةُ: الخِصْبُ وحسنُ الحال. والأُرْضةُ من النبات: ما يكفي
المال سنَةً؛ رواه أَبو حنيفة عن ابن الأَعرابي.
والأَرَضُ: مصدر أَرِضَت القُرْحةُ تأْرَضُ أَرَضاً مثال تَعِبَ
يَتْعَبُ تَعَباً إِذا تفَشَّتْ ومَجِلت ففسدت بالمِدَّة وتقطَّعت. الأَصمعي:
إِذا فسدت القُرْحة وتقطَّعت قيل أَرِضَت تأْرَضُ أَرَضاً. وفي حديث النبي،
صلّى اللّه عليه وسلّم: لا صيامَ إِلاّ لمن أَرَّضَ الصِّيامَ أَي
تقدَّم فيه؛ رواه ابن الأَعرابي، وفي رواية: لا صيامَ لمن لم يُؤَرِّضْه من
الليل أَي لم يُهَيِّئْه ولم يَنْوِه. ويقال: لا أَرْضَ لك كما يقال لا
أُمَّ لك.
أدب: الأَدَبُ: الذي يَتَأَدَّبُ به الأَديبُ من الناس؛ سُمِّيَ أَدَباً
لأَنه يَأْدِبُ الناسَ إِلى الـمَحامِد، ويَنْهاهم عن المقَابِح. وأَصل
الأَدْبِ الدُّعاءُ، ومنه قيل للصَّنِيع يُدْعَى إليه الناسُ: مَدْعاةٌ
ومَأْدُبَةٌ.
ابن بُزُرْج: لقد أَدُبْتُ آدُبُ أَدَباً حسناً، وأَنت أَدِيبٌ. وقال أَبو زيد: أَدُبَ الرَّجلُ يَأْدُبُ أَدَباً، فهو أَدِيبٌ، وأَرُبَ يَأْرُبُ أَرَابةً وأَرَباً، في العَقْلِ، فهو أَرِيبٌ. غيره: الأَدَبُ: أَدَبُ النَّفْسِ والدَّرْسِ. والأَدَبُ: الظَّرْفُ وحُسْنُ التَّناوُلِ.
وأَدُبَ، بالضم، فهو أَدِيبٌ، من قوم أُدَباءَ.
وأَدَّبه فَتَأَدَّب: عَلَّمه، واستعمله الزجاج في اللّه، عز وجل، فقال:
وهذا ما أَدَّبَ اللّهُ تعالى به نَبِيَّه، صلى اللّه عليه وسلم.
وفلان قد اسْتَأْدَبَ: بمعنى تَأَدَّبَ. ويقال للبعيرِ إِذا رِيضَ وذُلِّلَ: أَدِيبٌ مُؤَدَّبٌ. وقال مُزاحِمٌ العُقَيْلي:
وهُنَّ يُصَرِّفْنَ النَّوى بَين عالِجٍ * ونَجْرانَ، تَصْرِيفَ الأَدِيبِ الـمُذَلَّلِ
والأُدْبَةُ والـمَأْدَبةُ والـمَأْدُبةُ: كلُّ طعام صُنِع لدَعْوةٍ أَو عُرْسٍ. قال صَخْر الغَيّ يصف عُقاباً:
كأَنّ قُلُوبَ الطَّيْر، في قَعْرِ عُشِّها، * نَوَى القَسْبِ، مُلْقًى عند بعض الـمَآدِبِ
القَسْبُ: تَمْر يابسٌ صُلْبُ النَّوَى. شَبَّه قلوبَ الطير في وَكْر العُقابِ بِنَوى القَسْبِ، كما شبهه امْرُؤُ القيس بالعُنَّاب في قوله:
كأَنَّ قُلُوبَ الطَّيْرِ، رَطْباً ويابِساً، * لَدَى وَكْرِها، العُنَّابُ والحَشَفُ البالي
والمشهور في الـمَأْدُبة ضم الدال، وأَجاز بعضهم الفتح، وقال: هي بالفتح مَفْعَلةٌ مِن الأَدَبِ. قال سيبويه: قالوا الـمَأْدَبةُ كما قالوا
الـمَدْعاةُ. وقيل: الـمَأْدَبةُ من الأَدَبِ.وفي الحديث عن ابن سعود: إِنَّ هذا القرآنَ مَأْدَبةُ اللّه في الأَرض فتَعَلَّموا من مَأْدَبَتِه، يعني
مَدْعاتَه. قال أَبو عبيد: يقال مَأْدُبةٌ
ومَأْدَبةٌ، فمن قال مَأْدُبةٌ أَراد به الصَّنِيع يَصْنَعه الرجل، فيَدْعُو إِليه الناسَ؛ يقال منه: أَدَبْتُ على القوم آدِبُ أَدْباً، ورجل آدِبٌ. قال أَبو عبيد: وتأْويل الحديث أَنه شَبَّه القرآن بصَنِيعٍ صَنَعَه اللّه للناس لهم فيه خيرٌ ومنافِعُ ثم دعاهم إليه؛ ومن قال مَأْدَبة: جعَله مَفْعَلةً من الأَدَبِ.
وكان الأَحمر يجعلهما لغتين مَأْدُبةً ومَأْدَبةً بمعنى واحد. قال أَبو
عبيد: ولم أَسمع أحداً يقول هذا غيره؛ قال: والتفسير الأَول أَعجبُ
إِليّ.وقال أَبو زيد: آدَبْتُ أُودِبُ إِيداباً، وأَدَبْتُ آدِبُ أَدْباً، والـمَأْدُبةُ: الطعامُ، فُرِقَ بينها وبين الـمَأْدَبةِ الأَدَبِ.
والأَدْبُ: مصدر قولك أَدَبَ القومَ يَأْدِبُهُم، بالكسر، أَدْباً، إِذا
دعاهم إِلى طعامِه.
والآدِبُ: الداعِي إِلى الطعامِ. قال طَرَفَةُ:
نَحْنُ في الـمَشْتاةِ نَدْعُو الجَفَلى، * لا تَرَى الآدِبَ فينا يَنْتَقِرْ
وقال عدي:
زَجِلٌ وَبْلُهُ، يجاوبُه دُفٌّ * لِخُونٍ مَأْدُوبَةٍ، وزَمِيرُ
والـمَأْدُوبَةُ: التي قد صُنِعَ لها الصَّنِيعُ. وفي حديث عليّ، كرّم
اللّه وجهه: أَما إِخْوانُنا بنو أُمَيَّةَ فَقادةٌ أَدَبَةٌ. الأَدَبَةُ جمع آدِبٍ، مثل كَتَبةٍ وكاتِبٍ، وهو الذي يَدْعُو الناسَ إِلى الـمَأْدُبة، وهي الطعامُ الذي يَصْنَعُه الرجل ويَدْعُو إِليه الناس. وفي حديث كعب، رضي اللّه عنه: إِنّ لِلّهِ مَأْدُبةً من لحُومِ الرُّومِ بمُرُوج
عَكَّاءَ. أَراد: أَنهم يُقْتَلُون بها فَتَنْتابُهمُ السِّباعُ والطير تأْكلُ
من لحُومِهم.
وآدَبَ القومَ إِلى طَعامه يُؤْدِبُهم إِيداباً، وأَدَبَ: عَمِلَ مَأْدُبةً. أَبو عمرو يقال: جاشَ أَدَبُ البحر، وهو كثْرَةُ مائِه.
وأَنشد:
عن ثَبَجِ البحرِ يَجِيشُ أَدَبُه،
والأَدْبُ: العَجَبُ. قال مَنْظُور بن حَبَّةَ الأَسَدِيّ، وحَبَّةُ أُمُّه:
بِشَمَجَى الـمَشْي، عَجُولِ الوَثْبِ،
غَلاَّبةٍ للنَّاجِياتِ الغُلْبِ،
حتى أَتَى أُزْبِيُّها بالأَدْبِ
الأُزْبِيُّ: السُّرْعةُ والنَّشاطُ، والشَّمَجَى: الناقةُ السرِيعَةُ. ورأَيت في حاشية في بعض نسخ الصحاح المعروف: الإِدْبُ، بكسر الهمزة؛ ووجد كذلك بخط أَبي زكريا في نسخته قال: وكذلك أَورده ابن فارس في المجمل.
الأَصمعي: جاءَ فلان بأَمْرٍ أَدْبٍ، مجزوم الدال، أَي بأَمْرٍ عَجِيبٍ، وأَنشد:
سمِعتُ، مِن صَلاصِلِ الأَشْكالِ، * أَدْباً على لَبَّاتِها الحَوالي
أيا: إيَّا من علامات المضمر، تقول: إيَّاك وإيَّاهُ وإيَّاكَ أَنْ
تَفْعَل ذلك وهِيَّاكَ، الهاء على البدل مثل أَراقَ وهَراقَ؛ وأَنشد
الأَخفش:فهيّاكَ والأَمْرَ الذي إنْ تَوسَّعَتْ
مَوارِدُه، ضاقَتْ عَلَيْكَ مَصادِرُهْ
وفي المُحكم: ضاقَتْ عليكَ المَصادِرُ؛ وقال آخر:
يا خالِ، هَلاَّ قُلْتَ، إذْ أَعْطَيْتَني،
هِيَّاكَ هِيَّاكَ وحَنْواءَ العُنُقْ
وتقول: إيَّاكَ وأَنْ تَفْعَلَ كذا، ولا تقل إِيَّاك أَنْ تَفْعَل بلا
واو؛ قال ابن بري: الممتنع عند النحويين إِياكَ الأَسَدَ، ولا بُدَّ فيه
من الواو ، فأَمَّا إِيَّاك أَن تَفْعل فجائز على أَن تجعله مفعولاً من
أَجله أَي مَخافةَ أَنْ تَفْعَل. الجوهري: إِيَّا اسم مبهم ويَتَّصِلُ
به جميع المضمرات المتصلة التي للنصب، تقول إِيَّاكَ وإِيَّايَ وإيَّاه
وإَيَّانا، وجعلت الكاف والهاء والياء والنون بياناً عن المقصود ليُعْلَم
المخاطَب من الغائب، ولا موضع لها من الإِعراب، فهي كالكاف في ذلك
وأَرَأَيْتَكَ، وكالأَلف والنون التي في أَنت فتكون إِيَّا الاسم وما بعدها
للخطاب، وقد صار كالشيء الواحد لأَن الأَسماء المبهمة وسائر المَكْنِيَّات
لا تُضافُ لأَنها مَعارفُ؛ وقال بعض النحويين: إنَّ إِيَّا مُضاف إِلى ما
بعده، واستدل على ذلك بقولهم إِذا بَلَغَ الرجل السِّتِّينَ فإِياهُ
وإِيَّا الشَّوابِّ، فأَضافوها إلى الشَّوابِّ وخَفَضُوها؛ وقال ابن كيسان:
الكاف والهاء والياء والنون هي الأَسماء ، وإِيَّا عِمادٌ لها، لأَنها لا
تَقُومُ بأَنْفُسها كالكاف والهاء والياء في التأْخير في يَضْرِبُكَ
ويَضْرِبُه ويَضْرِبُني، فلما قُدِّمت الكاف والهاء والياء عُمِدَتْ بإيَّا،
فصار كله كالشيء الواحد، ولك أَن تقول ضَرَبْتُ إِيَّايَ لأَنه يصح أَن
تقول ضَرَبْتُني، ولا يجوز أَن تقول ضَرَبْتُ إِيَّاك، لأَنك إنما تحتاجُ
إلى إِيَّاكَ إذا لم يُمكِنْكَ اللفظ بالكاف، فإِذا وصَلْتَ إلى الكاف
ترَكْتَها ؛ قال ابن بري عند قول الجوهري ولك أَن تقول ضَرَبْتُ إِيايَ
لأَنه يصح أَن تقول ضَرَبْتُني ولا يجوز أَن تقول ضَرَبْتُ إِيَّاكَ، قال:
صوابه أَن يقول ضَرَبْتُ إِيَّايَ، لأَنه لا يجوز أَن تقول ضَرَبْتُني،
ويجوز أَن تقول ضَرَبْتُكَ إِيَّاكَ لأَن الكاف اعْتُمِدَ بها على الفِعل،
فإذا أَعَدْتَها احْتَجْتَ إلى إِيَّا؛ وأَما قولُ ذي الإِصْبَعِ
العَدْواني:
كأَنَّا يومَ قُرَّى إِنْـ
ـنَما نَقْتُلُ إِيَّانا
قَتَلْنا منهُم كُلَّ
فَتًى أَبْيَضَ حُسَّانا
فإِنه إنما فَصلَها من الفعل لأَن العرب لا تُوقع فِعْلَ الفاعل على
نفسه بإيصال الكناية، لا تقول قَتَلْتُني، إنما تقول قَتَلْتُ نفسِي، كما
تقول ظَلَمْتُ نَفْسِي فاغفر لي، ولم تقل ظَلَمْتُني ، فأَجْرى إِيَّانا
مُجْرَى أَنْفُسِنا، وقد تكون للتحذير، تقول: إِيَّاك والأَسدَ، وهو بدل من
فعل كأَنك قُلْتَ باعِدْ، قال ابن حَرِّى: وروينا عن قطرب أَن بعضهم
يقول أَيَّاك ، بفتح الهمزة، ثم يبدل الهاء منها مفتوحة أَيضاً، فيقول
هَيَّاكَ، واختلف النحويون في إِيَّاكَ، فذهب الخليل إلى أَنَّ إِيَّا اسم
مضمر مضاف إلى الكاف، وحكي عن المازني مثل قول الخليل؛ قال أَبو عليّ: وحكى
أَبو بكر عن أَبي العباس عن أَبي الحسن الأَخفش وأَبو إسحق عن أَبي
العباس عن منسوب إلى الأَخفش أَنه اسم مفرد مُضْمر، يتغير آخره كما يتغير آخر
المُضْمَرات لاختلاف أَعداد المُضْمَرِينَ، وأَنَّ الكاف في إِيَّاكَ
كالتي في ذَلِكَ في أَنه دلالةٌ على الخطاب فقط مَجَرَّدَةٌ من كَوْنِها
عَلامةَ الضمير، ولا يُجيزُ الأَخفش فيما حكي عنه إِيَّاكَ وإِيّا زَيْدٍ
وإِيَّايَ وإِيَّا الباطِل، قال سيبويه: حدّثني من لا أَتَّهِمُ عن الخليل
أَنه سمع أَعرابيّاً يقول إذا بلَغ الرجل السِّتِّينَ فإِيَّاه وإِيَّا
الشَّوابِّ، وحكى سيبويه أَيضاً عن الخليل أَنه قال: لو أَن قائلاً قال
إِيَّاك نَفْسِك لم أُعنفه لأَن هذه الكلمة مجرورة، وحكى ابن كيسان قال :
قال بعض النحويين إِيَّاكَ بكمالها اسم، قال: وقال بعضهم الياء والكاف
والهاء هي أَسماء وإِيَّا عِمادٌ لها لأَنها لا تَقُوم بأَنفسها، قال: وقال
بعضهم إِيَّا ايم مُبْهَم يُكْنَى به عن المنصوب ، وجُعِلَت الكاف
والهاء والياء بياناً عن المقصود لِيُعْلَم المُخاطَبُ من الغائب، ولا موضع
لها من الإِعراب كالكاف في ذلك وأَرَأَيْتَك، وهذا هو مذهب أَبي الحسن
الأَخفش ؛ قال أَبو منصور: قوله اسم مُبهم يُكْنى به عن المنصوب يدل على أَنه
لا اشتاق له؛ وقال أَبو إسحق الزَّجاجُ: الكافُ في إِيَّاكَ في موضع جرّ
بإضافة إِيَّا إليها، إلا أَنه ظاهر يُضاف إلى سائر المُضْمَرات، ولو
قلت إِيَّا زَيدٍ حدَّثت لكان قبيحاً لأَنه خُصَّ بالمُضْمَر، وحكى ما رواه
الخليل من إِيَّاهُ وإِيَّا الشَّوابِّ؛ قال ابن جني: وتأَملنا هذه
الأَقوال على اختلافها والاعْتِلالَ لكل قول منها فلم نجِد فيها ما يصح مع
الفحص والتنقير غَيرَ قَوْلِ أَبي الحسن الأَخفش، أَما قول الخليل إِنَّ
إيّا اسم مضمر مضاف فظاهر الفساد، وذلك أَنه إِذا ثبت أَنه مضمر لم تجز
إِضافته على وجه من الوجوه، لأَن الغَرَض في الإِضافة إِنما هو التعريف
والتخصيص والمضمر على نهاية الاختصاص فلا حاجة به إلى الإِضافة ، وأَمَّا قول
من قال إنَّ إِيَّاك بكمالها اسم فليس بقويّ، وذلك أَنَّ إيّاك في أَن
فتحة الكاف تفيد الخطاب المذكر، وكسرة الكاف تفيد الخطاب المؤنث، بمنزلة
أَنت في أَنَّ الاسم هو الهمزة، والنون والتاء المفتوحة تفيد الخطاب
المذكر، والتاء المكسورة تفيد الخطاب المؤنث، فكما أَن ما قبل التاء في أَنت
هو الاسم والتاء هو الخطاب فكذا إيّا اسم والكاف بعدها حرف خطاب، وأَمّا
مَن قال إن الكاف والهاء والياء في إِيَّاكَ وإِيّاه وإِيَّايَ هي
الأَسماء، وإِنَّ إِيَّا إنما عُمِدَت بها هذه الأَسماء لقلتها، فغير مَرْضِيّ
أَيضاً، وذلك أَنَّ إِيَّا في أَنها ضمير منفصل بمنزلة أَنا وأَنت ونحن
وهو وهي في أَن هذه مضمرات منفصلة ، فكما أَنَّ أَنا وأَنت ونحوهما تخالف
لفظ المرفوع المتصل نحو التاء في قمت والنون والأَلف في قمنا والأَلف في
قاما والواو في قامُوا، بل هي أَلفاظ أُخر غير أَلفاظ الضمير المتصل، وليس
شيء منها معموداً له غَيْرُه، وكما أَنَّ التاء في أَنتَ، وإن كانت بلفظ
التاء في قمتَ، وليست اسماً مثلها بل الاسم قبلها هو أَن والتاء بعده
للمخاطب وليست أَنْ عِماداً للتاء، فكذلك إيّا هي الاسم وما بعدها يفيد
الخطاب تارة والغيبة تارة أُخرى والتكلم أُخرى، وهو حرف خطاب كما أَن التاء
في أَنت حرف غير معمود بالهمزة والنون من قبلها، بل ما قبلها هو الاسم
وهي حرف خطاب، فكذلك ما قبل الكاف في إِيَّاكَ اسم والكاف حرف خطاب ، فهذا
هو محض القياس، وأَما قول أَبي إسحق: إِنَّ إيّا اسم مظهر خص بالإِضافة
إلى المضمر، ففاسد أَيضاً، وليس إيّا بمظهر، كما زعم والدليل على أَنَّ
إيّا ليس باسم مظهر اقتصارهم به على ضَرْبٍ واحد من الإِعراب وهو النصب؛
قال ابن سيده: ولم نعلم اسماً مُظْهَراً اقْتُصِرَ به على النَّصْب البتة
إِلاَّ ما اقْتُصِرَ به من الأَسماء على الظَّرْفِيَّة، وذلك نحو ذاتَ
مَرَّةٍ وبُعَيْداتِ بَيْنٍ وذا صَباحٍ وما جَرى مَجْراهُنَّ، وشيئاً من
المصادر نحو سُبْحانَ اللهِ ومَعاذَ اللهِ ولَبَّيْكَ، وليس إيّا ظرفاً ولا
مصدراً فيُلحق بهذه الأَسماء، فقد صح إذاً بهذا الإِيراد سُقُوطُ هذه
الأَقوالِ، ولم يَبْقَ هنا قول يجب اعتقاده ويلزم الدخول تحته إلا قول أَبي
الحسن من أَنَّ إِيَّا اسم مضمر، وأَن الكاف بعده ليست باسم، وإنما هي
للخطاب بمنزلة كاف ذلك وأَرَأَيْتَك وأَبْصِرْكَ زيداً ولَيْسَكَ عَمْراً
والنَّجاك. قال ابن جني:وسئل أَبو إسحق عن معنى قوله عز وجل: إِيَّاكَ
نَعْبُد، ما تأْويله؟ فقال: تأْويله حَقيقَتَكَ نَعْبُد، قال: واشتقاقه من
الآيةِ التي هي العَلامةُ؛ قال ابن جني: وهذا القول من أَبي إِسحق غير
مَرْضِيّ، وذلك أَنَّ جميع الأَسماء المضمرة مبني غير مشتق نحو أَنا وهِيَ
وهُوَ، وقد قامت الدلالة على كونه اسماً مضمراً فيجب أَن لا يكون
مشتقّاً. وقال الليث: إِيَّا تُجعل مكان اسم منصوب كقولك ضَرَبْتُكَ، فالكاف اسم
المضروب ، فإِذا أَردت تقديم اسمه فقلت إِيَّاك ضَرَبْت، فتكون إيّا
عِماداً للكاف لأَنها لا تُفْرَد من الفِعْل، ولا تكون إيّا في موضع الرَّفع
ولا الجرّ مع كاف ولا ياء ولا هاء، ولكن يقول المُحَذِّر إِيّاكَ
وزَيْداً، ومنهم من يَجعل التحذير وغير التحذير مكسوراً، ومنهم من ينصب في
التحذير ويكسر ما سوى ذلك للتفرقة. قال أَبو إِسحق: مَوْضِع إِيَّاكَ في قوله
إِيَّاكَ نَعْبُد نَصْبٌ بوقوع الفعل عليه، وموضِعُ الكاف في إيَّاكَ
خفض بإضافة إِيّا إليها؛ قال وإِيَّا اسم للمضمر المنصوب، إِلا أَنه ظاهر
يضاف إلى سائر المضمرات نحو قولك إِيَّاك ضَرَبْت وإِيَّاه ضَرَبْت
وإِيَّايَ حدَّثت، والذي رواه الخليل عن العرب إذا بلغ الرجل الستين فإِيَّاه
وإِيَّا الشَّوابِّ، قال: ومن قال إنَّ إيّاك بكماله الاسم، قيل له: لم نر
اسماً للمضمر ولا للمُظْهر، إِنما يتغير آخره ويبقى ما قبل آخره على لفظ
واحد، قال: والدليل على إضافته قول العرب فإيّاه وإيّا الشوابِّ يا هذا،
وإجراؤهم الهاء في إِيّاه مُجراها في عَصاه، قال الفراء: والعرب تقول
هِيَّاك وزَيْداً إذا نَهَوْكَ، قال: ولا يقولون هِيَّاكَ ضَرَبْت. وقال
المبرد: إِيَّاه لا تستعمل في المضمر المتصل إِنما تستعمل في المنفصل،
كقولك ضَرَبْتُك لا يجوز أَن يقال ضَرَبْت إِياك، وكذلك ضَرَبْتهم
(* قوله
«وكذلك ضربتهم إلى قوله قال وأما إلخ» كذا بالأصل.) لا يجوز أَن تقول
ضَرَبْت إياك وزَيْداً أَي وضَرَبْتُك، قال: وأَما التحذير إذا قال الرجل
للرجل إِيَّاكَ ورُكُوبَ الفاحِشةِ ففِيه إضْمارُ الفعل كأَنه يقول إِيَّاكَ
أُحَذِّرُ رُكُوبَ الفاحِشةِ. وقال ابن كَيْسانَ: إذا قلت إياك وزيداً
فأَنت مُحَذِّرٌ مَن تُخاطِبهُ مِن زَيد، والفعل الناصب لهما لا يظهر،
والمعنى أُحَذِّرُكَ زَيْداً كأَنه قال أُحَذِّرُ إِيَّاكَ وزَيْداً،
فإيَّاكَ مُحَذَّر كأَنه قال باعِدْ نَفْسَك عن زيد وباعِدْ زَيْداً عنك، فقد
صار الفعل عاملاً في المُحَذَّرِ والمُحَذَّرِ منه، قال: وهذه المسأَلة
تبين لك هذا المعنى، تقول: نفسَك وزَيداً، ورأْسَكَ والسَّيْفَ أَي اتَّقِ
رَأْسَك أَن يُصِيبه السَّيْفُ واتَّقِ السَّيْفَ أَن يُصِيبَ رَأْسَك،
فرأْسُه مُتَّقٍ لئلا يُصِيبَه السيفُ، والسَّيْف مُتَّقًى، ولذلك جمعهما
الفِعْل؛ وقال:
فإِيَّاكَ إِيَّاكَ المِراءَ، فإِنَّه
إلى الشَّرِّ دَعَّاءٌ، وللشَّرِّ جالِبُ
يريد: إِيَّاكَ والمِراء، فحذف الواو لأَنه بتأْويل إِيَّاكَ وأَنْ
تُمارِيَ، فاستحسن حذفها مع المِراء. وفي حديث عَطاء: كان مُعاويةُ، رضي الله
عنه، إذا رَفَع رأْسَه من السَّجْدةِ الأَخِيرةِ كانَتْ إِيَّاها؛ اسم
كان ضمير السجدة، وإِيَّاها الخبر أَي كانت هِيَ هِيَ أَي كان يَرْفَع
منها ويَنْهَضُ قائماً إلى الركعة الأُخرى من غير أَن يَقْعُد قَعْدةَ
الاسْتِراحة. وفي حديث عمر بن عبد العزيز: إيايَ وكذا أَي نَحِّ عنِّي كذا
ونَحِّني عنه . قال: إِيّا اسم مبني، وهو ضمير المنصوب، والضمائر التي تُضاف
إليها من الهاء والكاف والياء لا مَواضِعَ لها من الإعراب في القول
القويّ؛ قال: وقد تكون إيَّا بمعنى التحذير. وأَيايا: زَجْرٌ؛ وقال ذو
الرمة:إذا قال حادِيِهِمْ: أَيايا، اتَّقَيْتُه
بِمِثْل الذُّرَا مُطْلَنْفِئاتِ العَرائِكِ
قال ابن بري: والمشهور في البيت :
إذا قال حاديِنا: أَيا ، عَجَسَتْ بِنا
خِفَافُ الخُطى مُطْلَنْفِئاتُ العَرائكِ
وإياةُ الشمسِ ، بكسر الهمزة: ضَوْءُها، وقد تفتح؛ وقال طَرَفةُ:
سَقَتْه إِياةُ الشمْسِ إِلا لِثاتِه
أُسِفَّ، ولم تَكْدِمْ عَلَيْهِ بإِثْمِدِ
فإن أَسقطت الهاء مَدَدْت وفتحت؛ وأَنشد ابن بري لمَعْنِ بن أَوْسٍ:
رَفَّعْنَ رَقْماً علَى أَيْلِيَّةٍ جُدُدٍ،
لاقَى أَيَاها أَياءَ الشَّمْسِ فَأْتَلَقا
ويقال: الأَياةُ لِلشَّمْس كالهالةِ للقمر، وهي الدارة حولها.
أيا: أَيّ: حرف استفهام عما يعقل وما لا يعقل، وقوله:
وأَسماء، ما أَسْماءُ ليلةَ أَدْلَجَتْ
إِليَّ، وأَصْحابي بأَيَّ وأَيْنَما
فإِنه جعل أَيّ اسماً للجهة، فلما اجتمع فيه التعريف والتأْنيث منعه
الصرف، وأَما أَينما فهو مذكور في موضعه؛ وقال الفرزدق:
تَنَظَّرْتُ نَصْراً والسِّماكَيْنِ أَيْهُما
عَليَّ من الغَيْثِ اسْتَهَلَّتْ مواطِرُهْ
إِنما أَراد أَيُّهما، فاضطر فحذف كما حذف الآخر في قوله:
بَكى، بعَيْنَيك، واكفُ القَطْرِ
ابنَ الحَواري العاليَ الذِّكْرِ
إِنما أَراد: ابن الحواريّ، فحذف الأَخيرة من ياءي النسب اضطراراً.
وقالوا: لأَضربن أَيُّهم أَفضلُ؛ أَيّ مبنية عند سيبويه، فلذلك لم يعمل فيها
الفعلُ، قال سيبويه: وسأَلت الخليل عن أَيِّي وأَيُّك كان شرّاً فأَخزاه
الله فقال: هذا كقولك أَخزى الله الكاذبَ مني ومنك، إِنما يريد منَّا
فإِنما أَراد أَيُّنا كان شَرّاً، إِلا أَنهما لم يشتركا في أَيٍّ، ولكنهما
أَخْلَصاهُ لكل واحد منهما؛ التهذيب: قال سيبويه سأَلت الخليل عن قوله:
فأَيِّي ما وأَيُّكَ كان شَرّاً ،
فسِيقَ إِلى المقامَةِ لا يَراها
فقال: هذا بمنزلة قول الرجل الكاذبُ مني ومنك فعل الله به؛ وقال غيره:
إِنما يريد أَنك شرٌّ
ولكنه دعا عليه بلفظ هو أَحسن من التصريح كما قال الله تعالى: وأَنا أَو
إِياكم لعلى هُدىً أَو في ضلال مبين؛ وأَنشد المُفَضَّلُ:
لقد عَلِم الأَقوامُ أَيِّي وأَيُّكُمْ
بَني عامِرٍ، أَوْفى وَفاءً وأَظْلَمُ
معناه: علموا أَني أَوْفى وَفاءً وأَنتم أَظلم، قال: وقوله فأَبي ما
وأَيك، أَيّ موضع رفع لأَنه اسم مكان، وأَيك نسق عليه، وشرّاً خبرها، قال:
وقوله:
فسيق إِلى المقامة لا يراها
أَي عَمِيَ، دعاء عليه. وفي حديث أَبي ذر أَنه قال لفلان: أَشهد أَن
النبي، صلى الله عليه وسلم، قال إِني أَو إِياك فرعونُ هذه ا لأُمة؛ يريد
أَنك فرعونُ هذه الأُمة، ولكنه أَلقاه إِليه تعريضاً لا تصريحاً، وهذا كما
تقول أَحدُنا كاذبٌ وأَنت تعلم أَنك صادق ولكنك تُعَرِّضُ به. أَبو زيد:
صَحِبه الله أَيَّا مّا تَوَجَّهَ؛ يريد أَينما توجه. التهذيب: روي عن
أَحمد بن يحيى والمبرّد قالا: لأَيّ ثلاثة أُصول: تكون استفهاماً، وتكون
تعجباً، وتكون شرطاً؛ وأَنشد:
أَيّاً فَعَلْتَ، فإِني لك كاشِحٌ،
وعلى انْتِقاصِك في الحَياةِ وأَزْدَدِ
قالا جزَمَ قوله: وأَزْدَد على النسق على موضع الفاء التي في فإِنني،
كأَنه قال: أَيّاً تفعلْ أُبْغِضْكَ وأَزْدَدْ؛ قالا: وهو مثل معنى قراءة
من قرأَ: فأَصَّدَّقَ وأَكُنْ، فتقدير الكلام إِن تؤخرني أَصَّدَّق وأَكن،
قالا: وإِذا كانت أَيٌّ استفهاماً
لم يعمل فيها الفعل الذي قبلها، وإِنما يرفعها أَو ينصبها ما بعدها. قال
الله عز وجل: لنَعْلَم أَيٌّ الحِزْبين أَحصى لما لبثوا أَمداً؛ قال
المبرد: فأَيٌّ رفع، وأَحصى رفع بخبر الابتداء. وقال ثعلب: أَيٌّ رافعهُ
أَحصى، وقالا: عمل الفعل في المعنى لا في اللفظ كأَنه قال لنعلم أَيّاً
من أَيٍّ، ولنَعْلم أَحَدَ هذين، قالا: وأَما المنصوبة بما بعدها فقوله:
وسيعلم الذين ظلموا أَيَّ مُنْقَلَبٍ ينقلبون؛ نصب أَيّاً بينقلبون. وقال
الفراء: أَيٌّ إِذا أَوْقَعْتَ الفعل المتقدّم عليها خرجت من معنى
الاستفهام، وذلك إِن أَردته جائز، يقولون لأَضْربنَّ أَيُّهم يقول ذلك، لأَن
الضرب على اسم يأْتي بعد ذلك استفهام، وذلك أَن الضرب لا يقع اننين
(*
قوله «لأن الضرب إلخ» كذا بالأصل). قال: وقول الله عز وجل: ثم لننزعنَّ من
كل شيعةٍ أَيُّهم أَشَدُّ على الرحمن عِتِيّاً؛ من نصب أَيّاً أَوقع عليها
النَّزْعَ وليس باستفهام كأَنه قال لنستخرجن العاتي الذي هو أَشدّ، ثم
فسر الفراء وجه الرفع وعليه القراء على ما قدمناه من قول ثعلب والمبرد.
وقال الفراء: وأَيّ إِذا كانت جزاء فهي على مذهب الذي قال وإِذا كان أَيّ
تعجباً
لم يجاز بها لأن التعجب لا يجازى به، وهو كقولك أَيُّ رجل زيدٌ وأَيٌّ
جاريةٍ زينبُ، قال: والعرب تقول أَيّ وأَيّانِ وأَيُّونَ، إِذا أَفردوا
أَيّاً ثَنَّوْها وجمعوها وأَنثوها فقالوا أَيّة وأَيْتان وأَيّاتٌ، وإِذا
أَضافوها إِلى ظاهرٍ أَفردوها وذكَّروها فقالوا أَيّ الرجلين وأَيّ
المرأَتين وأَيّ الرجل وأَيّ النساء، وإِذا أَضافوا إلى المَكْنِيّ المؤنث
ذكَّروا وأَنَّثوا فقالوا أَيهما وأَيتهما للمرأَتين، وفي التنزيل العزيز:
أَيَّا مَّا تَدْعوا؛ وقال زهير في لغة من أَنَّث:
وزَوَّدُوك اشْتياقاً أَيَّةً سَلَكوا
أَراد: أَيَّةَ وُجْهةٍ سلكوا، فأَنثها حين لم يضفها، قال: ولو قلت
أَيّاً سلكوا بمعنى أَيَّ وَجْه سلكوا كان جائزاً. ويقول لك قائل: رأَيتُ
ظَبْياً، فتجيبه: أَيّاً، ويقول: رأَيت ظبيين، فتقول: أَيَّين، ويقول:
رأَيت ظِباءً، فتقول: أَيَّات، ويقول: رأَيت ظبية، فتقول: أَيَّةً. قال:
وإِذا سأَلت الرجل عن قبيلته قلت المَيِّيُّ، وإِذا سأَلته عن كورته قلت
الأَيِّيُّ، وتقول مَيِّيٌّ أَنت وأَيِّيٌّ أَنت، بياءين شديدتين. وحكى
الفراء عن العرب في لُغَيَّة لهم: أَيُّهم ما أَدرك يركب على أَيهم يريد. وقال
الليث: أَيّانَ هي بمنزلة متى، قال: ويُخْتَلَف في نونها فيقال أَصلية،
ويقال زائدة. وقال الفراء: أَصل أَيان أَيَّ أَوانٍ، فخففوا الياء من أَي
وتركوا همزة أَوان، فالتقت ياء ساكنة بعدها واو، فأُدغمت الواو في
الياء؛ حكاه عن الكسائي، قال: وأَما قولهم في النداء أَيها الرجل وأَيتها
المرأَة وأَيها الناس فإِن الزجاج قال: أَيّ اسم مبهم مبني على الضم من أَيها
الرجل لأَنه منادى مفرد، والرجل صفة لأَيّ لازمة، تقول يا أَيها الرجل
أَقبل، ولا يجوز يا الرجل، لأَن يا تنبيه بمنزلة التعريف في الرجل فلا
يجمع بين يا وبين الأَلف واللام فتصل إِلى الأَلف واللام بأَيّ، وها لازمة
لأَيّ للتنبيه، وهي عوض من الإِضافة في أَيّ، لأَن أَصل أَيّ أَن تكون
مضافة إِلى الاستفهام والخبر، والمُنادى في الحقيقة الرجلُ، وأَيّ وُصْلَة
إِليه، وقال الكوفيون: إِذا قلت يا أَيها الرجل، فيا نداء، وأَيّ اسم
منادى، وها تنبيه، والرجل صفة، قالوا ووُصِلَتْ أَيّ بالتنبيه فصارا اسماً
تامّاً لأَن أَيا وما ومن الذي أَسماء ناقصة لا تتم إِلا بالصلات، ويقال
الرجل تفسير لمن نودي.
وقال أَبو عمرو: سأَلت المبرّد عن أَيْ مفتوحة ساكنة ما يكون بعدها
فقال: يكون الذي بعدها بدلاً، ويكون مستأْنفاً ويكون منصوباً؛ قال: وسأَلت
أَحمد بن يحيى فقال: يكون ما بعدها مُتَرْجِماً، ويكون نصباً بفعل مضمر،
تقول: جاءني أَخوك أَي زيد ورأَيت أَخاك أَي زيداً ومررت بأَخيك أَي زيد.
ويقال: جاءني أَخوك فيجوز فيه أَيْ زيدٌ وأَيْ زيداً، ومررت بأَخيك
فيجوز فيه أَي زيدٍ أَي زيداً أَي زيدٌ. ويقال: رأَيت أَخاك أَي زيداً، ويجوز
أَي زيدٌ.
وقال الليث: إِيْ يمينٌ، قال الله عز وجل: قل إِي وربي إِنه لحق؛
والمعنى إِي والله؛ قال الزجاج: قل إِي وربي إِنه لحق، المعنى نعم وربي، قال:
وهذا هو القول الصحيح، وقد تكرر في الحديث إِي واللهِ وهي بمعنى نعم، إِلا
أَنها تختص بالمجيء مع القسم إِيجاباً لما سبقه من الاستعلام.
قال سيبويه: وقالوا كأَيَّنْ رجلاً قد رأَيت، زعم ذلك يونس، وكأَيَّنْ
قد أَتاني رجلاً، إِلا أَن أَكثر العرب إِنما يتكلمون مع مِنْ، قال:
وكأَيَّنْ مِنْ قرية، قال: ومعنى كأَيِّن رُبَّ، وقال: وإِن حذفت من فهو
عربي؛ وقال الخليل: إِن جَرَّها أَحدٌ من العرب فعسى أَن يجرّها بإِضمار من،
كما جاز ذلك في كم، قال: وقال الخليل كأَيِّنْ عملت فيما بعدها كعمل
أَفضلهم في رجل فصار أَيّ بمنزلة التنوين، كما كان هم من قولهم أَفضلهم
بمنزلة التنوين، قال: وإِنما تجيء الكاف للتشبيه فتصير هي وما بعدها بمنزلة
شيء واحد، وكائِنْ بزنة كاعِنْ مغير من قولهم كأَيِّنْ. قال ابن جني: إِن
سأَل سائل فقال ما تقول في كائِنْ هذه وكيف حالها وهل هي مركبة أَو بسيطة؟
فالجواب إِنها مركبة، قال: والذي عَلَّقْتُه عن أَبي علي أَن أَصلها
كأَيَّنْ كقوله تعالى: وكأَيِّنْ من قرية؛ ثم إِن العرب تصرفت في هذه
الكلمة لكثرة استعمالها إِياها، فقدمت الياء المشددة وأَخرت الهمزة كما فعلت
ذلك في عِدّة مواضع نحو قِسِيّ وأَشْياء في قول الخليل، وشاكٍ ولاثٍ
ونحوهما في قول الجماعة، وجاءٍ وبابه في قول الخليل أَيضاً وغير ذلك، فصار
التقدير فيما بَعْدُ كَيِّئٌ، ثم إِنهم حذفوا الياء التانية تخفيفاً كما
حذفوها في نحو مَيِّت وهَيِّن ولَيِّن فقالوا مَيْت وهَيْن ولَيْن، فصار
التقدير كَيْئٌ، ثم إِنهم قلبوا الياء أَلفاً لانفتاح ما قبلها كما قلبوا
في طائيّ وحارِيٍّ وآيةٍ في قول الخليل أَيضاً، فصارت كائِنْ. وفي
كأَيِّنْ لغات: يقال كأَيِّنْ وكائِنْ وكأْيٌ، بوزنَ رَميٍ، وكإٍ بوزن عَمٍ؛
حكى ذلك أَحمد بن يحيى، فمن قال كأَيِّنْ
فهي أَيٌّ دخلت عليها الكاف، ومن قال كائِنْ فقد بيَّنَّا أَمره، ومن
قال كأْي بوزن رَمْي فأَشبه ما فيه أَنه لما أَصاره التغيير على ما ذكرنا
إِلى كَيْءٍ قدّم الهمزة وأَخر الياء ولم يقلب الياءَ أَلفاً، وحَسَّنَ
ذلك ضَعْف هذه الكلمة وما اعْتَوَرَها من الحذف والتغيير، ومن قال كإٍ بوزن
عَمٍ فإنه حذف الياء من كَيْءٍ تخفيفاً أَيضاً، فإِن قلت: إِن هذا
إِجحاب بالكلمة لأَنه حذف بعد حذف فليس ذلك بأَكثر من مصيرهم بأَيْمُن الله
إِلى مُنُ اللهِ ومِ الله، فإِذا كثر استعمال الحذف حسن فيه ما لا يحسن في
غيره من التغيير والحذف. وقوله عز وجل: وكأَيِّنْ من قرية؛ فالكاف زائدة
كزيادتها في كذا وكذا، وإِذا كانت زائدة فليست متعلقة بفعل ولا بمعنى
فعل. وتكون أَيٌّ جزاء، وتكون بمعنى الذي، والأُنثى من كل ذلك أَيّة، وربما
قيل أَيُّهن منطلقةٌ، يريد أَيَّتهن؛ وأَيّ: استفهام فيه معنى التعجب
فيكون حينئذ صفة للنكرة وحالاً للمعرفة نحو ما أَنشده سيبويه للراعي:
فأَوْمَأْتُ إِيماءً خَفيّاً لحَبْتَرٍ،
ولله عَيْنا حبتر أَيَّما فَتى
أَي أَيَّما فَتىً هو، يتعجب من اكتفائه وشدة غَنائه. وأَيّ: اسم صيغ
ليتوصل به إِلى نداء ما دخلته الأَلف واللام كقولك يا أَيها الرجل ويا
أَيها الرجلان ويا أَيها الرجال، ويا أَيتها المرأَة ويا أَيتها المرأَتان
ويا أَيتها النسوة ويا أَيها المرأَة ويا أَيها المرأَتان ويا أَيها
النسوة. وأَما قوله عز وجل: يا أَيها النملُ ادخلوا مساكنَكم لا يَحْطِمَنَّكم
سليمانُ وجنودُه؛ فقد يكون على قولك يا أَيها المرأَة ويا أََيها النسوة،
وأَما ثعلب فقال: إِنما خاطب النمل بيا أَيها لأَنه جعلهم كالناس فقال
يا أَيها النمل كما تقول للناس يا أَيها الناس، ولم يقل ادخلي لأَنها
كالناس في المخاطبة، وأَما قوله: يا أَيها الذين آمنوا، فيا أَيُّ نداء مفرد
مبهم والذين في موضع رفع صفة لأَيها، هذا مذهب الخليل وسيبويه، وأَما
مذهب الأَخفش فالذين صلة لأَيّ، وموضع الذين رفع بإِضمار الذكر العائد على
أَيّ، كأَنه على مذهب الأَخفش بمنزلة قولك يا من الذي أَي يا من هم الذين
وها لازمة لأَي عوضاً مما حذف منها للإضافة وزيادةً في التنبيه، وأَجاز
المازني نصب صفة أَي في قولك يا أَيها الرجلَ أَقبل، وهذا غير معروف،
وأَيّ في غير النداء لا يكون فيها ها، ويحذف معها الذكر العائد عليها، تقول:
اضرب أَيُّهم أَفضل وأَيَّهم أَفضل، تريد اضرب أَيَّهم هو أَفضلُ.
الجوهريّ: أَيٌّ اسم معرب يستفهم بها ويُجازَى بها فيمن يعقل وما لا يعقل، تقول
أَيُّهم أَخوك، وأَيُّهم يكْرمني أُكْرِمْه، وهو معرفة للإضافة، وقد
تترك الإضافة وفيه معناها، وقد تكون بمنزلة الذي فتحتاج إِلى صلة، تقول
أَيُّهم في الدار أَخوك؛ قال ابن بري: ومنه قول الشاعر:
إِذا ما أَتيتَ بني مالكٍ،
فَسَلِّمْ على أَيُّهم أَفضلُ
قال: ويقال لا يَعْرِفُ أَيّاً من أَيٍّ إِذا كان أَحمق؛ وأَما قول
الشاعر:
إِذا ما قيلَ أَيُّهمُ لأيٍّ،
تَشابَهَتِ العِبِدَّى والصَّمِيمُ
فتقديره: إِذا قيل أَيُّهم لأَيٍّ يَنْتَسِبُ، فحذف الفعل لفهم المعنى،
وقد يكون نعتاً، تقول: مررت برجل أَيِّ رجلٍ وأَيِّما رجلٍ، ومررت
بامرأَة أَيَّةِ امرأَة وبامرأَتين أَيَّتما امرأَتين، وهذه امرأَةٌ أَيَّةُ
امرأَةٍ وأَيَّتُما امرأَتين، وما زائدة. وتقول: هذا زيد أَيَّما رجل،
فتنصب أَيّاً على الحال، وهذه أَمةُ
الله أَيَّتَما جاريةٍ. وتقول: أَيُّ امرأَة جاءتك وجاءك، وأَيَّةُ
امرأَةٍ جاءتك، ومررت بجارية أَيِّ جاريةٍ، وجئتك بمُلاءةٍ أَيِّ مُلاءَةٍ
وأَيَّةِ مُلاءَةٍ، كل جائز. وفي التنزيل العزيز: وما تَدْرِي نفسٌ بأَيِّ
أَرضٍ تموتُ. وأَيٌّ: قد يتعجب بها؛ قال جميل:
بُثَيْنَ، الْزَمِي لا، إِنَّ لا، إِنْ لَزِمْتِهِ
على كَثْرَةِ الواشِينَ، أَيُّ مَعُونِ
قال الفراء: أَيٌّ يعمل فيه ما بعده ولا يعمل فيه ما قبله. وفي التنزيل
العزيز: لنعلم أَيُّ الحزبين أَحْصَى؛ فرفع، وفيه أَيضاً: وسيعلم الذين
ظلموا أَيَّ مُنْقَلب ينقلبون؛ فنصبه بما بعده؛ وأَما قول الشاعر:
تَصِيحُ بنا حَنِيفَةُ، إِذْ رأَتْنا،
وأَيَّ الأَرْضِ تَذْهَبُ للصِّياحِ
فإِنما نصبه لنزع الخافض، يريد إلى أَي الأَرض. قال الكسائي: تقول
لأَضْرِبَنّ أَيُّهم في الدار، ولا يجوز أَن تقول ضربت أَيُّهم في الدار، ففرق
بين الواقع والمُنْتَظَرِ، قال: وإِذا نادَيت اسماً فيه الأَلف واللام
أَدخلت بينه وبين حرف النداء أَيُّها، فتقول يا أَيها الرجل ويا أَيتها
المرأَة، فأَيّ اسم مبهم مفرد معرفة بالنداء مبني على الضم، وها حرف
تنبيه، وهي عوض مما كانت أَيّ تضاف إِليه، وترفع الرجل لأَنه صفة أَيّ. قال
ابن بري عند قول الجوهري وإِذا ناديت اسماً فيه ا لأَلف واللام أَدخلت
بينه وبين حرف النداء أَيها، قال: أَي وُصْلة إِلى نداء ما فيه الأَلف
واللام في قولك يا أَيها الرجل، كما كانت إِيَّا وُصْلَةَ المضمر في إياه
وإياك في قول من جعل إيَّا اسماً ظاهراً مضافاً، على نحو ما سمع من قول بعض
العرب: إِذا بلغ الرجل الستين فإِيَّاه وإِيَّا الشَّوابِّ؛ قال: وعليه
قول أَبي عُيَيْنَة:
فَدَعني وإِيَّا خالدٍ،
لأُقَطِّعَنَّ عُرَى نِياطِهْ
وقال أَيضاً:
فَدَعني وإِيَّا خالدٍ بعدَ ساعةٍ،
سَيَحْمِلُه شِعْرِي على الأَشْقَرِ الأَغَرّ
وفي حديث كعب بن مالك: فَتَخَلَّفْنا أَيَّتُها الثلاثة؛ يريد
تَخَلُّفَهم عن غزوة تَبُوكَ وتأَخُّر توبتهم. قال: وهذه اللفظة تقال في الاختصاص
وتختص بالمُخْبر عن نفسه والمُخاطَب، تقول أَما أَنا فأَفعل كذا أَيُّها
الرجلُ، يعني نفسه، فمعنى قول كعب أَيتها الثلاثة أَي المخصوصين بالتخلف.
وقد يحكى بأَيٍّ النكراتُ ما يَعْقِلُ
وما لا يعقل، ويستفهم بها، وإِذا استفهمت بها عن نكرة أَعربتها بإِعراب
الاسم الذي هو اسْتِثبات عنه، فإِذا قيل لك: مرَّ بي رجل، قلتَ أَيٌّ
ىا فتى؟ تعربها في الوصل وتشير إِلى الإِعراب في الوقف، فإِن قال: رأَيت
رجلاً، قلت: أَيّاً يا فتى؟ تعرب وتنوّن إِذا وصلت وتقف على الأَلف
فتقول أَيَّا، وإِذا قال: مررت برجل، قلتَ: أَيٍّ يا فتى؟ تعرب وتنوّن، تحكي
كلامه في الرفع والنصب والجر في حال الوصل والوقف؛ قال ابن بري: صوابه
في الوصل فقط، فأَما في الوقف فإِنه يوقف عليه في الرفع والجر بالسكون لا
غير، وإِنما يتبعه في الوصل والوقف إِذا ثناه وجمعه، وتقول في التثنية
والجمع والتأْنيث كما قيل في من، إِذا قال: جاءني رجال، قلتَ: أَيُّونْ،
ساكنة النون، وأَيِّينْ
في النصب والجر، وأَيَّهْ للمؤنث؛ قال ابن بري: صوابه أَيُّونَ بفتح
النون، وأَيِّينَ بفتح النون أَيضاً، ولا يجوز سكون النون إِلا في الوقف
خاصة، وإِنما يجوز ذلك في مَنْ خاصة، تقول مَنُونْ ومَنِينْ، بالإِسكان لا
غير. قال: فإِن وصلت قلتَ أَيَّة يا هذا وأَيَّات يا هذا، نوَّنتَ، فإِن
كان الاستثباتُ عن معرفة رفعتَ أَيّاً لا غير على كل حال، ولا يحكى في
المعرفة ليس في أَيٍّ مع المعرفة إِلا الرفع، وقد يدخل على أَيّ الكاف فتنقل
إِلى تكثير العدد بمعنى كم في الخبر ويكتب تنوينه نوناً، وفيه لغتان:
كائِنْ مثل كاعِنْ، وكأَيِّنْ مثل كعَيِّنْ، تقول: كأَيِّنْ رجلاً لقيت،
تنصب ما بعد كأَيِّنْ على التمييز، وتقول أَيضاً: كأَيِّنْ من رجل لقيت،
وإِدخال من بعد كأَيِّنْ أَكثر من النصب بها وأَجود، وبكأَيِّنْ تبيع هذا
الثوب؟ أَي بكم تبيع؛ قال ذو الرمة:
وكائِنْ ذَعَرْنا مِن مَهاةٍ ورامِحٍ،
بِلادُ الوَرَى لَيْسَتْ له بِبلادِ
قال ابن بري: أَورد الجوهري هذا شاهداً على كائن بمعنى كَمْ، وحكي عن
ابن جني قال لا تستعمل الوَرَى إِلا في النفي، قال: وإِنما حسن لذي الرمة
استعماله في الواجب حيث كان منفيّاً في المعنى لأَن ضميره منفي، فكأَنه
قال: ليست له بلاد الورى ببلاد.
وأَيَا: من حروف النداء يُنادَى بها القريب والبعيد، تقول أَيَا زيدُ
أَقْبِل.
وأَيْ، مثال كَيْ: حرفٌ يُنادَى بها القريب دون البعيد، تقول أَيْ زيدُ
أَقبل، وهي أَيضاً كلمة تتقدم التفسير، تقول أَيْ كذا بمعنى يريد كذا،
كما أَن إِي بالكسر كلمة تتقدم القسم، معناها بلى، تقول إِي وربي وإِي
والله. غيره أَيا حرف نداء، وتبدل الهاء من الهمزة فيقال: هيا؛ قال:
فانْصَرَفَتْ، وهي حَصانٌ مُغْضَبَهْ،
ورَفَعَتْ بصوتِها: هَيَا أَبَهْ
قال ابن السكيت: يريد أَيا أَبَهْ، ثم أَبدل الهمزة هاء، قال: وهذا صحيح
لأَن أَيا في النداء أَكثر من هَيَا، قال: ومن خفيفه أَيْ معناه
العبارةُ، ويكون حرف نداء. وإِيْ: بمعنى نعم وتوصل باليمين، فيقال إِي والله،
وتبدل منها هاء فيقال هِي.
والآيةُ: العَلامَةُ، وزنها فَعَلَةٌ في قول الخليل، وذهب غيره إِلى أَن
أَصلها أَيَّةٌ فَعْلَةٌ فقلبت الياء أَلفاً لانفتاح ما قبلها، وهذا قلب
شاذ كما قلبوها في حارِيّ وطائِيٍّ إِلا أَن ذلك قليل غير مقيس عليه،
والجمع آياتٌ وآيٌ، وآياءٌ جمعُ الجمع نادرٌ؛ قال:
لم يُبْقِ هذا الدَّهْر، من آيائِه،
غيرَ أَثافِيهِ وأَرْمِدائِه
وأَصل آية أَوَيَةٌ، بفتح الواو، وموضع العين واو، والنسبة إِليه
أَوَوِيّ، وقيل: أَصلها فاعلة فذهبت منها اللام أَو العين تخفيفاً، ولو جاءت
تامة لكانت آيِيَةً. وقوله عز وجل: سَنُريهم آياتنا في الآفاق؛ قال الزجاج:
معناه نريهم الآيات التي تدل على التوحيد في الآفاق أَي آثارَ مَنْ
مَضَى قبلهم من خلق الله، عز وجل، في كل البلاد وفي أَنفسهم من أَنهم كانوا
نُطَفاً ثم عَلَقاً ثم مُضَغاً ثم عظاماً كسيت لحماً، ثم نقلوا إِلى
التمييز والعقل، وذلك كله دليل على أَن الذي فعله واحد ليس كمثله شيء، تبارك
وتقدس. وتَأَيَّا الشيءَ: تَعَمَّد آيَتَهُ أَي شَخْصَه. وآية الرجل:
شَخْصُه. ابن السكيت وغيره: يقال تآيَيْتُه، على تَفاعَلْتُه، وتَأَيَّيْتُه
إِذا تعمدت آيته أَي شخصه وقصدته؛ قال الشاعر:
الحُصْنُ أَدْنَى، لو تَأَيَّيْتِهِ،
من حَثْيِكِ التُّرْبَ على الراكبِ
يروى بالمد والقصر؛ قال ابن بري: هذا البيت لامرأَة تخاطب ابنتها وقد
قالت لها:
يا أُمَّتي، أَبْصَرَني راكبٌ
يَسيرُ في مُسْحَنْفِرٍ لاحِبِ
ما زِلْتُ أَحْثُو التُّرْبَ في وَجْهِه
عَمْداً، وأَحْمِي حَوزةَ الغائِبِ
فقالت لها أُمها:
الحُصْنُ أَدنى، لو تأَيَّيته،
من حَثْيِك الترب على الراكبِ
قال: وشاهد تآيَيْتُه قول لَقيط بن مَعْمَر الإِياديّ:
أَبْناء قوم تآيَوْكُمْ على حَنَقٍ،
لا يَشْعُرونَ أَضرَّ اللهُ أَم نَفَعَا
وقال لبيد:
فَتآيا، بطَرِيرٍ مُرْهَفٍ،
حُفْرَةَ المَحْزِمِ منه، فَسَعَلْ
وقوله تعالى: يُخْرجون الرسول وإِياكم؛ قال أَبو منصور: لم أَسمع في
تفسير إِيا واشتقاقه شيئاً، قال: والذي أَظنه، ولا أَحقُّه، أَنه مأْخوذ من
قوله تآييته على تفاعلته أَي تعمدت آيته وشخصه، وكأَنَّ إِيا اسم منه على
فِعْلى، مثل الذِّكْرى من ذكرت، فكان معنى قولهم إِيَّاك أَردتُ أَي
قصدت قصدك وشخصك، قال: والصحيح أَن الأَمر مبهم يكنى به عن المنصوب. وأَيَّا
آيةً: وضع علامة. وخرج القوم بآيَتهم أَي بجماعتهم لم يَدععوا وراءهم
شيئاً؛ قال بُرْج بن مُسْهِر الطائي:
خَرَجْنا من النَّقْبَين، لا حَيَّ مِثْلُنا،
بآيتنا نُزْجِي اللِّقاحَ المَطافِلا
والآيةُ: من التنزيل ومن آيات القرآن العزيز؛ قال أَبو بكر: سميت الآية
من القرآن آية لأَنها علامة لانقطاع كلام من كلام. ويقال: سميت الآية آية
لأَنها جماعة من حروف القرآن. وآيات الله: عجائبه. وقال ابن حمزة: الآية
من القرآن كأَنها العلامة التي يُفْضَى منها إِلى غيرها كأَعلام الطريق
المنصوبة للهداية كما قال:
إِذا مَضَى عَلَمٌ منها بدا عَلَم
والآية: العلامة. وفي حديث عثمان: أَحَلَّتْهما آيةٌ وَحرَّمَتْهُما
آية؛ قال ابن الأَثير: الآية المُحِلَّةُ قوله تعالى: أَو ما ملكت أَيمانكم؛
والآية المحرّمة قوله تعالى: وأَن تجمعوا بين الأُختين إِلا ما قد سلف؛
والآية: العِبْرَة، وجمعها آيٌ. الفراء في كتاب المصادر: الآية من الآيات
والعبَر، سميت آية كما قال تعالى: لقد كان في يوسف وإِخوته آيات؛ أَي
أُمور وعِبَرٌ
مختلفة، وإِنما تركت العرب همزتها كما يهمزون كل ما جاءت بعد أَلف
ساكنة لأَنها كانت فيما يرى في الأصل أَيَّة، فثقل عليهم التشديد فأَبدلوه
أَلفاً لانفتاح ما قبل التشديد، كما قالوا أَيْما لمعنى أَمَّا، قال: وكان
الكسائي يقول إِنه فاعلة منقوصة؛ قال الفراء: ولو كان كذلك ما صغرها
إِيَيَّة، بكسر الأَلف؛ قال: وسأَلته عن ذلك فقال صغَّروا عاتكة وفاطمة
عُتَيْكة وفُطَيْمة، فالآية مثلهما، وقال الفراء: ليس كذلك لأَن العرب لا تصغر
فاعلة على فُعَيْلة إِلا أَن يكون اسماً في مذهب فُلانَة فيقولون هذه
فُطَيْمة قد جاءت إِذا كان اسماً، فإِذا قلت هذه فُطَيْمة ابْنِها يعني
فاطِمتَه من الرضاع لم يجز، وكذلك صُلَيْح تصغيراً لرجل اسمه صالح، ولو قال
رجل لرجل كيف بِنْتُك قال صُوَيْلِح ولم يجِز صُلَيْح لأَنه ليس باسم،
قال: وقال بعضهم آية فاعلة صيرت ياؤها الأُولى أَلفاً كما فعل بحاجة
وقامَة، والأَصل حائجة وقائمة. قال الفراء: وذلك خطأٌ لأَن هذا يكون في أَولاد
الثلاثة ولو كان كما قالوا لقيل في نَواة وحَياة نايَة وحايَة، قال: وهذا
فاسد. وقوله عز وجل: وجعلنا ابن مريم وأُمَّه آيَةً، ولم يقل آيَتَيْن
لأَن المعنى فيهما معنى آية واحدة، قال ابن عرفة: لأَن قصتهما واحدة، وقال
أَبو منصور: لأَن الآية فيهما معاً آيةٌ واحدة، وهي الولادة دون الفحل؛
قال ابن سيده: ولو قيل آيتين لجاز لأَنه قد كان في كل واحد منهما ما لم
يكن في ذكر ولا أُنثى من أَنها ولَدَتْ من غير فحل، ولأَن عيسى، عليه
السلام، روح الله أَلقاه في مريم ولم يكن هذا في وَلدٍ قط، وقالوا: افعله
بآية كذا كما تقول بعلامة كذا وأَمارته؛ وهي من الأسماء المضافة إِلى
الأَفعال كقوله:
بآيَة تُقْدِمُون الخَيْلَ شُعْثاً،
كأَنَّ، على سَنابِكِها، مُداما
وعين الآية ياء كقول الشاعر:
لم يُبْقِ هذا الدهرُ من آيائه
فظهور العين في آيائه يدل على كون العين ياء، وذلك أَن وزن آياء أَفعال،
ولو كانت العين واواً لقال آوائه، إذ لا مانع من ظهور الواو في هذا
الموضع. وقال الجوهري: قال سيبويه موضع العين من الاية واو لأن ما كان
مَوْضعَ العين منه واوٌ واللام ياء أَكثر مما موضع العين واللام منه ياءَان،
مثل شَوَيْتُ أَكثر من حَيِيت، قال: وتكون النسبة إليه أوَوِيُّ؛ قال
الفراء: هي من الفعل فاعلة، وإنما ذهبت منه اللام، ولو جاءت تامة لجاءت
آييَة، ولكنها خُففت، وجمع الآية آيٌ وآياتٌ؛ وأَنشد أَبو زيد:
لم يبق هذا الدهر من آيايه
قال ابن بري: لم يذكر سيبويه أَن عين آية واو كما ذكر الجوهري، وإنما
قال أَصلها أَيّة، فأُبدلت الياء الساكنة أَلفا؛ وحكي عن الخليل أَن وزنها
فَعَلة، وأَجاز في النسب إلى آية آييٌ وآئِيٌّ وآوِيٌّ، قال: فأَما
أَوَوِيٌّ فلم يقله أَحد علمته غير الجوهري. وقال ابن بري أَيضا عند قول
الجوهري في جمع الآية آياي، قال: صوابه آياء، بالهمز، لأَن الياء إذا وقعت
طرفاً بعد أَلف زائدة قلبت همزة، وهو جمع آيٍ لا آيةٍ.
وتَأَيا أَي توقَّف وتَمَكَّث، تقديره تَعَيَّا. ويقال: قد تَأيَّيت على
تَفَعَّلت أَي تَلَبَّثت وتَحَبَّست. ويقال: ليس منزلكم بدار تَئِيَّةٍ
أَي بمنزلة تَلَبُّثٍ وتَحَبُّس؛ قال الكميت:
قِفْ بالدِّيارِ وُقوفَ زائرْ،
وتَأَيَّ، إنَّك غَيْرُ صاغرْ
وقال الحُويْدِرة:
ومُناخِ غَيْرِ تَئِيَّةٍ عَرَّسْــتُه،
قَمِنٍ مِنَ الحِدْثانِ نابي المَضْجَع
والتَّأَيِّي: التَّنَظُّر والتُّؤَدة. يقال: تأَيَّا الرجلُ بتأَيَّا
تَأَيِّياً إذا تأَنى في الأَمر؛ قال لبيد:
وتأيَّيْتُ عليه ثانياً،
يَتَّقِيني بتَلِيلٍ ذي خُصَل
أَي انصرفت على تُؤَدةٍ مُتَأَنيَّا؛ قال أَبو منصور: معنى قوله
وتأَيَّيت عليه أَي تَثَبَّتُّ وتمكَّثت، وأَنا عليه يعني في فرسه. وتَأَيَّا
عليه: انصرف في تؤدة. وموضع مأْبيُّ الكلإ أَي وَخِيمه. وإيا الشمس
وأَياؤها: نورها وضوءها وحسنها، وكذلك إياتها وأَياتُها، وجمعها آياء وإياء
كأكَمة وإكام؛ وأَنشد الكسائي لشاعر:
سَقَتْه إياةُ الشمس، إلاَّ لثاتِهِ
أُسِفَّ، ولم تَكْدِمْ عليه بإثْمِد
(* البيت للبيد).
قال الأَزهري: يقال الأَياء، مفتوح الأَول بالمد، والإيا، مكسور الأَول
بالقصر، وإياةٌ، كله واحدٌ: شعاع الشمس وضوءها؛ قال: ولم أَسمع لها
فعلاً، وسنذكره في الأَلف اللينة أَيضاً. وإيا النبات وأَيَاؤه: حسنه وزَهْره،
في التشبيه.
وأَيَايا وأَيايَهْ ويَايَهْ، الأَخيرة على حذف الفاء: زَجْرٌ للإبل،
وقد أَيَّا بها. الليث: يقال أَيَّيْتُ بالإبل أُأَيِّي بها تَأْيِيةً إذا
زجرتها تقول لها أَيَا أَيَا؛ قال ذو الرمة:
إذا قال حادِينا، أَيَا يَا اتَّقَيْنهُ
بمثْلِ الذُّرى مُطْلَنْفِئات العَرائِك
لين: اللِّينُ: ضِدُّ الخُشونة. يقال في فِعْل الشيء اللَّيِّن: لانَ
الشيءُ يَلِينُ لِيْناً ولَيَاناً وتَلَيَّن وشيءٌ لَيِّنٌ
ولَيْنٌ، مخفف منه، والجمع أَلْيِناءُ. وفي الحديث: يَتْلُونَ كتابَ
الله لَيِّناً أَي سَهْلا على أَلسنتهم، ويروى لَيْناً، بالتخفيف، لغة فيه.
وأَلانه هو ولَيَّنه وأَلْيَنه: صَيَّرَه لَيِّناً. ويقال: أَلَنْتُه
وأَلْيَنتُه على النقْصان والتمام مثل أَطَلْته وأَطْوَلْتُه. واستلانه:
عَدَّه ليِّناً، وفي المحكم: رآه ليِّناً، وقيل: وجده ليِّناً على ما يغلب
عليه في هذا النحو. وفي حديث عليّ، عليه السلام، في ذكر العلماء
الأَتقياء: فباشَرُوا رُوحَ اليقين، واسْتلانُوا ما اسْتَخْشنَ المُترَفُون،
واستَوْحَشُوا مما أَنِسَ به الجاهلون. وتلَيَّنَ له: تملَّقَ. واللَّيانُ:
نَعْمَةُ العيْشِ؛ وأَنشد الأَزهري:
بيضاءُ باكرَها النَّعِيمُ، فصاغَها
بلَيَانِه، فأَدَقَّها وأَجَلَّها
يقول: أَدَقَّ خَصْرَها وأَجَلَّ كفَلَها أَي وَفَّرَه. واللَّيانُ،
بالفتح: المصدر من اللِّين، وهو في لَيانٍ من العيش أَي رَخاء ونعيم وخفْضٍ.
وإنه لذو مَلْينَةٍ أَي ليِّنُ الجانب. ورجل هَيْنٌ لَيْنٌ وهَيِّنٌ
ليِّنٌ، العرب تقوله؛ وحديث عثمان بن زائدةَ قال: قالت جدّة سفيان
لسفيان:
بُنَيَّ، إنَّ البِرَّ شيءٌ هَيِّنُ،
المَفْرَشُ اللَّيِّنُ والطُّعَيِّمُ،
ومَنْطِقٌ، إذا نطَقْتَ، ليِّنُ
قال: يأْتون بالميم مع النون في القافية؛ وأَنشده أَبو زيد:
بُنَيَّ، إنَّ البِرَّ شيءٌ هَيْنُ،
المَفْرَشُ اللَّيِّنُ والطُّعَيْمُ،
ومَنْطِقٌ، إذا نطَقْتَ، لَْيْنُ
وقال الكميت:
هَيْنُونَ لَيْنُونَ في بُيوتِهم،
سِنْخُ التُّقَى والفَضائلُ الرُّتَبُ
وقوم لَيْنُون وأَلْيِناءُ: إنما هو جمع لَيِّن مشدداً وهو فَيْعِل لأَن
فَعْلاً لا يُجْمع على أَفْعلاء. وحكى اللحياني: إنهم قوم أَلْيِناءُ،
قال: وهو شاذ. واللِّيانُ، بالكسر: المُلايَنة. ولايَنَ الرجلَ مُلايَنة
ولِياناً: لانَ له. وقول ابن عمر في حديثه: خيارُكم أَلايِنُكم مَناكِبَ
في الصلاةِ؛ هي جمع أَلْيَنَ وهو بمعنى السُّكُون والوَقار والخُشوع.
واللَّيْنَةُ: كالمِسْوَرةِ
يُتَوَسَّدُ بها؛ قال ابن سيده: أَرى ذلك للِينِها ووَثارَتها. وفي
الحديث: أَن النبي، صلى الله عليه وسلم، كان إذا عَرَّس بليل توَسَّدَ
لَيْنةً، وإذا عَرَّسَ عند الصُّبح نصَبَ ساعدَه؛ قال: اللَّيْنة كالمِسْوَرة
أَو الرِّفادة، سميت لَيْنةً للينها؛ وقول الشاعر:
قطَعْتَ عَليَّ الدَّهرَ سوفَ وعَلَّهُ،
ولانَ وزُرْنا وانْتَظرْنا وأَبْشِرِ
غَدٌ عِلَّةٌ لليوم، واليومُ عِلَّةٌ
لأَمْسِ فلا يُقْضَى، وليس بمُنْظَرِ
أَراد أَلانَ، فترك الهمز. وقوله في التنزيل العزيز: ما قطَعْتُم من
لِينَةٍ؛ قال: كلُّ شيء من النخل سوى العجوة فهو من اللِّينِ، واحدته
لِينةٌ. وقال أَبو إسحق: هي الأَلوان، الواحدة لُونَةٌ، فقيل لِينة، بالياء،
لانكسار اللام. وحروف اللِّينِ: الأَلفُ والياء والواو، كانت حركة ما قبلها
منها أَو لم تكن، فالذي حركة ما قبله منه كنار ودار وفيل وقيلٍ وحُول
وغُول، والذي ليس حركة ما قبله منه إنما هو في الياء والواو كبَيْتٍ
وثَوْبٍ، فأَما الأَلف فلا يكون ما قبلها إلا منها.
ولِينة: ماء لبني أَسد احْتَفره سليمان بن داود، عليهما السلام، وذلك
أَنه كان في بعض أَسفاره فشكا جُنْدُه العَطش فنَظر إلى سِبَطْرٍ فوجده
يضحك فقال: ما أَضحك؟ فقال: أَضحكني أَن العطش قد أَضَرَّ بكم والماء تحت
أَقدامكم، فاحتَفَر لِينةَ؛ حكاه ثعلب عن ابن الأَعرابي، وقد يقال لها
اللِّينة. قال أَبو منصور: ولِينَة موضع بالبادية عن يسار المُصْعِدِ في طريق
مكة بحذاء الهَبِير؛ ذكره زهير فقال:
من ماءِ لِينَةَ لا طَرْقاً ولا رَنَقا
قال: وبها رَكايا عَذْبة حُفِرَت في حَجَرٍ رخْوٍ، والله أََعلم.
عمر: العَمْر والعُمُر والعُمْر: الحياة. يقال قد طال عَمْرُه وعُمْرُه،
لغتان فصيحتان، فإِذا أَقسموا فقالوا: لَعَمْرُك فتحوا لا غير، والجمع
أَعْمار. وسُمِّي الرجل عَمْراً تفاؤلاً أَن يبقى. والعرب تقول في
القسَم: لَعَمْرِي ولَعَمْرُك، يرفعونه بالابتداء ويضمرون الخبر كأَنه قال:
لَعَمْرُك قَسَمِي أَو يميني أَو ما أَحْلِفُ به؛ قال ابن جني: ومما يجيزه
القياس غير أَن لم يرد به الاستعمال خبر العَمْر من قولهم: لَعَمْرُك
لأَقومنّ، فهذا مبتدأٌ محذوف الخبر، وأَصله لو أُظهر خبره: لَعَمْرُك ما
أُقْسِمُ به، فصار طولُ الكلام بجواب القسم عِوَضاً من الخبر؛ وقيل: العَمْرُ
ههنا الدِّينُ؛ وأَيّاً كان فإِنه لا يستعمل في القسَم إِلا مفتوحاً.
وفي التنزيل العزيز: لَعَمْرُك إِنّهم لفي سَكْرتِهم يَعْمَهُون؛ لم يقرأْ
إِلا بالفتح؛ واستعمله أَبو خراش في الطير فقال:
لَعَمْرُ أَبي الطَّيْرِ المُرِنّة عُذْرةً
على خالدٍ، لقد وَقَعْتَ على لَحْمِ
(* قوله: «عذرة» هكذا في الأصل).
أَي لحم شريف كريم. وروي عن ابن عباس في قوله تعالى: لَعَمْرُك أَي
لحياتك. قال: وما حَلَفَ الله بحياة أَحد إِلا بحياة النبي، صلى الله عليه
وسلم. وقال أَبو الهيثم: النحويون ينكرون هذا ويقولون معنى لعَمْرُك
لَدِينُك الذي تَعْمُر وأَنشد لعمربن أَبي ربيعة:
أَيُّها المُنْكِحُ الثُّرَيّا سُهَيْلاً،
عَمْرَكَ اللهَ كيف يَجْتَمِعان؟
قال: عَمْرَك اللهَ عبادتك اللهَ، فنصب؛ وأَنشد:
عَمْرَكِ اللهَ ساعةً، حَدِّثِينا،
وذَرِينا مِن قَوْلِ مَن يُؤْذِينا
فأَوْقَع الفعلَ على الله عز وجل في قوله عَمْرَك الله. وقال الأَخفش في
قوله: لَعَمْرُك إِنهم وعَيْشِك وإِنما يريد العُمْرَ. وقال أَهل
البصرة: أَضْمَر له ما رَفَعَه لَعَمْرُك المحلوفُ به. قال: وقال الفراء
الأَيْمان يَرْفعها جواباتها. قال الجوهري: معنى لَعَمْرُ الله وعَمْر الله
أَحْلِفُ ببقاء الله ودوامِه؛ قال: وإِذا قلت عَمْرَك اللهَ فكأَنك قلت
بِتَعْمِيرِك الله أَي بإِقرارك له بالبقاء؛ وقول عمر بن أَبي ربيعة:
عَمْرَك اللهَ كيف يجتمعان
يريد: سأَلتُ الله أَن يُطيل عُمْرَك لأَنه لم يُرِد القسم بذلك. قال
الأَزهري: وتدخل اللام في لَعَمْرُك فإِذا أَدخلتها رَفَعْت بها بالابتداء
فقلت: لَعَمْرك ولَعَمْرُ أَبيك، فإِذا قلت لَعَمْرُ أَبيك الخَيْرَ،
نَصَبْتَ الخير وخفضت، فمن نصب أَراد أَن أَباك عَمَرَ الخيرَ يَعْمُرُه
عَمْراً وعِمارةً، فنصب الخير بوقوع العَمْر عليه؛ ومَن خفض الخير جعله
نعتاً لأَبيك، وعَمْرَك اللهَ مثل نَشَدْتُك اللهَ. قال أَبو عبيد: سأَلت
الفراء لمَ ارتفع لَعَمْرُك؟ فقال: على إِضمار قسم ثان كأَنه قال وعَمْرِك
فلَعَمْرُك عظيم، وكذلك لَحياتُك مثله، قال: وصِدْقُه الأَمرُ، وقال:
الدليل على ذلك قول الله عز وجل: اللهُ لا إِله إِلا هو لَيَجْمَعَنّكم،
كأَنه أَراد: والله ليجمعنكم، فأَضمر القسم. وقال المبرد في قوله عَمْرَك
اللهَ: إِن شئت جعلت نصْبَه بفعلٍ أَضمرتَه، وإِن شئت نصبته بواو حذفته
وعَمْرِك
(* قوله: بواو حذفته وعمرك إِلخ» هكذا في الأَصل). الله، وإِن شئت
كان على قولك عَمَّرْتُك اللهَ تَعْمِيراً ونَشَدْتُك الله نَشِيداً ثم
وضعتَ عَمْرَك في موضع التَّعْمِير؛ وأَنشد فيه:
عَمَّرْتُكِ اللهَ أَلا ما ذَكَرْتِ لنا،
هل كُنْتِ جارتَنا، أَيام ذِي سَلَمِ؟
يريد: ذَكَّرْتُكِ اللهَ؛ قال: وفي لغة لهم رَعَمْلُك، يريدون
لَعَمْرُك. قال: وتقول إِنّك عَمْرِي لَظَرِيفٌ. ابن السكيت: يقال لَعَمْرُك
ولَعَمْرُ أَبيك ولَعَمْرُ الله، مرفوعة. وفي الحديث: أَنه اشترى من أَعرابي
حِمْلَ خَبَطٍ فلما وجب البيع قال له: اخْتَرْ، فقال له الأَعرابيّ:
عَمْرَكَ اللهَ بَيْعاً أَي أَسأَلُ الله تَعْمِيرَك وأَن يُطيل عُمْرك،
وبَيِّعاً منصوب على التمييز أَي عَمَّرَك اللهُ مِن بَيِّعٍ. وفي حديث
لَقِيط: لَعَمْرُ إِلَهِك؛ هو قسَم ببقاء الله ودوامِه. وقالوا: عَمْرَك اللهَ
افْعَلْ كذا وأَلا فعلت كذا وأَلا ما فَعَلْتَ على الزيادة، بالنصب، وهو
من الأَسماء الموضوعة موضع المصادر المنصوبة على إِضمار الفعل المتروكِ
إِظهارُه؛ وأَصله مِنْ عَمَّرْتُك اللهَ تَعْمِيراً فحذفت زيادته فجاء على
الفعل. وأُعَمِّرُك اللهَ أَن تفعل كذا: كأَنك تُحَلِّفه بالله وتسأَله
بطول عُمْرِه؛ قال:
عَمَّرْتُكَ اللهَ الجَلِيلَ، فإِنّني
أَلْوِي عليك، لَوَانّ لُبَّكَ يَهْتَدِي
الكسائي: عَمْرَك اللهَ لا أَفعل ذلك، نصب على معنى عَمَرْتُك اللهَ أَي
سأَلت الله أَن يُعَمِّرَك، كأَنه قال: عَمَّرْتُ الله إِيَّاك. قال:
ويقال إِنه يمين بغير واو وقد يكون عَمْرَ اللهِ، وهو قبيح.
وعَمِرَ الرجلُ يَعْمَرُ عَمَراً وعَمارةً وعَمْراً وعَمَر يَعْمُرُ
ويَعْمِر؛ الأَخيرة عن سيبويه، كلاهما: عاشَ وبقي زماناً طويلاً؛ قال
لبيد:وعَمَرْتُ حَرْساً قبل مَجْرَى داحِسٍ،
لو كان للنفس اللَّجُوجِ خُلُودُ
وأَنشد محمد بن سلام كلمة جرير:
لئن عَمِرَتْ تَيْمٌ زَماناً بِغِرّةٍ،
لقد حُدِيَتْ تَيْمٌ حُداءً عَصَبْصَبا
ومنه قولهم: أَطال الله عَمْرَك وعُمْرَك، وإِن كانا مصدرين بمعنًى إِلا
أَنه استعمل في القسم أَحدُهما وهو المفتوح.
وعَمَّرَه اللهُ وعَمَرَه: أَبقاه. وعَمَّرَ نَفْسَه: قدَّر لها قدْراً
محدوداً. وقوله عز وجل: وما يُعَمَّرُ مِن مُعَمَّرٍ ولا يُنْقَص من
عُمُرِه إِلا في كتاب؛ فسر على وجهين، قال الفراء: ما يُطَوَّلُ مِن عُمُرِ
مُعَمَّر ولا يُنْقَص من عُمُرِه، يريد الآخر غير الأَول ثم كنى بالهاء
كأَنه الأَول؛ ومثله في الكلام: عندي درهم ونصفُه؛ المعنى ونصف آخر، فجاز
أَن تقول نصفه لأَن لفظ الثاني قد يظهر كلفظ الأَول فكُنِيَ عنه ككناية
الأَول؛ قال: وفيها قول آخر: ما يُعَمَّر مِن مُعَمَّرٍ ولا يُنْقَص مِن
عُمُرِه، يقول: إِذا أَتى عليه الليلُ، والنهار نقصا من عُمُرِه، والهاء في
هذا المعنى للأَول لا لغيره لأَن المعنى ما يُطَوَّل ولا يُذْهَب منه
شيء إِلا وهو مُحْصًى في كتاب، وكلٌّ حسن، وكأَن الأَول أَشبه بالصواب، وهو
قول ابن عباس والثاني قول سعيد بن جبير.
والعُمْرَى: ما تجعله للرجل طولَ عُمُرِك أَو عُمُرِه. وقال ثعلب:
العُمْرَى أَن يدفع الرجل إِلى أَخيه داراً فيقول: هذه لك عُمُرَك أَو
عُمُرِي، أَيُّنا مات دُفِعَت الدار أَلى أَهله، وكذلك كان فعلُهم في الجاهلية.
وقد عَمَرْتُه أَياه وأَعْمَرْته: جعلتُه له عُمُرَه أَو عُمُرِي؛
والعُمْرَى المصدرُ من كل ذلك كالرُّجْعَى. وفي الحديث: لا تُعْمِرُوا ولا
تُرْقِبُوا، فمن أُعْمِرَ داراً أَو أُرْقِبَها فهي له ولورثته من بعده، وهي
العُمْرَى والرُّقْبَى. يقال: أَعْمَرْتُه الدار عمْرَى أَي جعلتها له
يسكنها مدة عُمره فإِذا مات عادت إِليَّ، وكذلك كانوا يفعلون في الجاهلية
فأَبطل ذلك، وأَعلمهم أَن من أُعْمِرَ شيئاً أَو أُرْقِبَه في حياته فهو
لورثته مِن بعده. قال ابن الأَثير: وقد تعاضدت الروايات على ذلك والفقهاءُ
فيها مختلفون: فمنهم من يعمل بظاهر الحديث ويجعلها تمليكاً، ومنهم من
يجعلها كالعارية ويتأَول الحديث. قال الأَزهري: والرُّقْبى أَن يقول الذي
أُرْقِبَها: إِن مُتَّ قبلي رجعَتْ إِليَّ، وإِن مُتُّ قبلك فهي لك. وأَصل
العُمْرَى مأَخوذ من العُمْر وأَصل الرُّقْبَى من المُراقبة، فأَبطل
النبي، صلى الله عليه وسلم، هذه الشروط وأَمْضَى الهبة؛ قال: وهذا الحديث
أَصل لكل من وهب هِبَة فشرط فيها شرطاً بعدما قبضها الموهوب له أَن الهبة
جائزة والشرط باطل؛ وفي الصحاح: أَعْمَرْتُه داراً أَو أَرضاً أَو
إِبِلاً؛ قال لبيد:
وما البِرّ إِلاَّ مُضْمَراتٌ من التُقَى،
وما المالُ إِلا مُعْمَراتٌ وَدائِعُ
وما المالُ والأَهْلُون إِلا وَدائِعٌ،
ولا بد يوماً أَن تُرَدَّ الوَدائِعُ
أَي ما البِرُّ إِلا ما تُضْمره وتخفيه في صدرك. ويقال: لك في هذه الدار
عُمْرَى حتى تموت.
وعُمْرِيُّ الشجرِ: قديمُه، نسب إِلى العُمْر، وقيل: هو العُبْرِيّ من
السدر، والميم بدل. الأَصمعي: العُمْرِيّ والعُبْرِيّ من السِّدْر القديم،
على نهر كان أَو غيره، قال: والضّالُ الحديثُ منه؛ وأَنشد قول ذي الرمة:
قطعت، إِذا تَجَوَّفت العَواطِي،
ضُروبَ السِّدْر عُبْرِيّاً وضالا
(* قوله: «إِذا تجوفت» كذا بالأصل هنا بالجيم، وتقدم لنا في مادة عبر
بالخاء وهو بالخاء في هامش النهاية وشارح القاموس).
وقال: الظباء لا تَكْنِس بالسدر النابت على الأَنهار. وفي حديث محمد بن
مَسْلمة ومُحارَبتِه مَرْحَباً قال الراوي
(* قوله: «قال الراوي» بهامش
الأصل ما نصه قلت راوي هذا الحديث جابر بن عبدالله الأنصاري كما قاله
الصاغاني كتبه محمد مرتضى) لحديثهما. ما رأَيت حَرْباً بين رجلين قطّ قبلهما
مثلَهما، قام كلُّ واحد منهما إِلى صاحبه عند شجرة عُمْرِيَّة، فجعل كل
واحد منهما يلوذ بها من صاحبه، فإِذا استتر منها بشيء خَذَم صاحبُه ما
يَلِيه حتى يَخْلَصَ إِليه، فما زالا يَتَخَذَّمانها بالسَّيْف حتى لم يبق
فيها غُصْن وأَفضى كل واحد منهما إِلى صاحبه. قال ابن الأَثير: الشجرة
العُمْريَّة هي العظيمة القديمة التي أَتى عليها عُمْرٌ طويل. يقال للسدر
العظيم النابت على الأَنهار: عُمْرِيّ وعُبْرِيّ على التعاقب. ويقال: عَمَر
اللهُ بك منزِلَك يَعْمُره عِمارة وأَعْمَره جعلَه آهِلاً. ومكان
عامِرٌ: ذو عِمَارةٍ. ومكان عَمِيرٌ: عامِرٌ. قال الأَزهري: ولا يقال أَعْمَر
الرجلُ منزلَه بالأَلف. وأَعْمَرْتُ الأَرضَ: وجدتها عامرةً. وثوبٌ
عَمِيرٌ أَي صَفِيق. وعَمَرْت الخَرابَ أَعْمُره عِمارةً، فهو عامِرٌ أَي
مَعْمورٌ، مثل دافقٍ أَي مدفوق، وعيشة راضية أَي مَرْضِيّة. وعَمَر الرجلُ
مالَه وبيتَه يَعْمُره عِمارةً وعُموراً وعُمْراناً: لَزِمَه؛ وأَنشد أَبو
حنيفة لأَبي نخيلة في صفة نخل:
أَدامَ لها العَصْرَيْنِ رَيّاً، ولم يَكُنْ
كما ضَنَّ عن عُمْرانِها بالدراهم
ويقال: عَمِرَ فلان يَعْمَر إِذا كَبِرَ. ويقال لساكن الدار: عامِرٌ،
والجمع عُمّار.
وقوله تعالى: والبَيْت المَعْمور؛ جاء في التفسير أَنه بيت في السماء
بإزاء الكعبة يدخله كل يوم سبعون أَلف ملك يخرجون منه ولا يعودون إِليه.
والمَعْمورُ: المخدومُ. وعَمَرْت رَبِّي وحَجَجْته أَي خدمته. وعَمَر
المالُ نَفْسُه يَعْمُرُ وعَمُر عَمارةً؛ الأَخيرة عن سيبويه، وأَعْمَره
المكانَ واسْتَعْمَره فيه: جعله يَعْمُره. وفي التنزيل العزيز: هو أَنشأَكم من
الأَرض واسْتَعْمَرَكم فيها؛ أَي أَذِن لكم في عِمارتها واستخراجِ
قومِكم منها وجعَلَكم عُمَّارَها.
والمَعْمَرُ: المَنْزِلُ الواسع من جهة الماء والكلإِ الذي يُقامُ فيه؛
قال طرفة
بن العبد:
يا لَكِ مِن قُبَّرةٍ بمَعْمَرِ
ومنه قول الساجع: أَرْسِل العُراضاتِ أَثَرا، يَبْغِينَك في الأَرض
مَعْمَرا أَي يبغين لك منزلاً، كقوله تعالى: يَبْغُونها عِوَجاً؛ وقال أَبو
كبير:
فرأَيتُ ما فيه فثُمَّ رُزِئْتِه،
فبَقِيت بَعْدَك غيرَ راضي المَعْمَرِ
والفاء هناك في قوله: فثُمَّ رُزِئته، زائدة وقد زيدت في غير موضع؛ منها
بيت الكتاب:
لا تَجْزَعِي، إِن مُنْفِساً أَهْلَكْتُه،
فإِذا هَلكتُ فعِنْدَ ذلك فاجْزَعِي
فالفاء الثانية هي الزائدة لا تكون الأُولى هي الزائدة، وذلك لأَن الظرف
معمول اجْزَع فلو كانت الفاء الثانية هي جواب الشرط لما جاز تعلق الظرف
بقوله اجزع، لأَن ما بعد هذا الفاء لا يعمل فيما قبلها، فإِذا كان ذلك
كذلك فالفاء الأُولى هي جواب الشرط والثانية هي الزائدة. ويقال: أَتَيْتُ
أَرضَ بني فلان فأَعْمَرْتُها أَي وجدتها عامِرةً. والعِمَارةُ: ما
يُعْمَر به المكان. والعُمَارةُ: أَجْرُ العِمَارة. وأَعْمَرَ عليه:
أَغناه.والعُمْرة: طاعة الله عز وجل. والعُمْرة في الحج: معروفة، وقد اعْتَمر،
وأَصله من الزيارة، والجمع العُمَر. وقوله تعالى: وأَتِمُّوا الحجَّ
والعُمْرة لله؛ قال الزجاج: معنى العُمْرة في العمل الطوافُ بالبيت والسعيُ
بين الصفا والمروة فقط، والفرق بين الحج والعُمْرةِ أَن العُمْرة تكون
للإِنسان في السَّنَة كلها والحج وقت واحد في السنة كلها والحج وقت واحد في
السنة؛ قال: ولا يجوز أَن يحرم به إِلا في أَشهر الحج شوّال وذي القعدة
وعشر من ذي الحجة، وتمامُ العُمْرة أَن يطوف بالبيت ويسعى بين الصفا
والمروة، والحج لا يكون إِلاَّ مع الوقوف بعرفة يومَ عرفة. والعُمْرة: مأَخوذة
من الاعْتِمار، وهو الزيارة، ومعنى اعْتَمر في قصد البيت أَنه إِنما
خُصَّ بهذا لأَنه قصد بعمل في موضع عامر، ولذلك قيل للمُحْرِم بالعُمْرةِ:
مُعْتَمِرٌ، وقال كراع: الاعْتِمار العُمْرة، سَماها بالمصدر. وفي الحديث
ذكرُ العُمْرة والاعْتِمار في غير موضع، وهو الزيارة والقصد، وهو في
الشرع زيارة البيت الحرام بالشروط المخصوصة المعروفة. وفي حديث الأَسود قال:
خرجنا عُمّاراً فلما انصرفنا مَرَرْنا بأَبي ذَرٍّ؛ فقال: أَحَلَقْتم
الشَّعَث وقضيتم التَّفَثَ عُمّاراً؟ أَي مُعْتَمِرين؛ قال الزمخشري: ولم
يجئ فيما أَعلم عَمَر بمعنى اعْتَمَر، ولكن عَمَر اللهَ إِذا عبده، وعَمَر
فلانٌ ركعتين إِذا صلاهما، وهو يَعْمُر ربَّه أَي يصلي ويصوم. والعَمَار
والعَمَارة: كل شيء على الرأْس من عمامة أَو قَلَنْسُوَةٍ أَو تاجٍ أَو
غير ذلك. وقد اعْتَمَر أَي تعمّم بالعمامة، ويقال للمُعْتَمِّ:
مُعْتَمِرٌ؛ ومنه قول الأَعشى:
فَلَمَّا أَتانا بُعَيْدَ الكَرى،
سَجَدْنا لَهُ ورَفَعْنا العَمارا
أَي وضعناه من رؤوسنا إِعْظاماً له.
واعْتَمرة أَي زارَه؛ يقال: أَتانا فلان مُعْتَمِراً أَي زائراً؛ ومنه
قول أَعشى باهلة:
وجاشَت النَّفْسُ لَمَّا جاءَ فَلُهمُ،
وراكِبٌ، جاء من تَثْلِيثَ، مُعْتَمِرُ
قال الأَصمعي: مُعْتَمِر زائر، وقال أَبو عبيدة: هو متعمم بالعمامة؛
وقول ابن أَحمر:
يُهِلُّ بالفَرْقَدِ رُكْبانُها،
كما يُهِلُّ الراكبُ المُعْتَمِرْ
فيه قولان: قال الأَصمعي: إِذا انْجلى لهم السحابُ عن الفَرْقَدِ
أَهَلّوا أَي رفعوا أَصواتهم بالتكبير كما يُهِلّ الراكب الذي يريد عمرة الحج
لأَنهم كانوا يهتدون بالفَرْقَد، وقال غيره: يريد أَنهم في مفازة بعيدة من
المياه فإِذا رأَوْا فرقداً، وهو ولد البقرة الوحشية، أَهلّوا أَي
كبّروا لأَنهم قد علموا أَنهم قد قربوا من الماء. ويقال للاعْتِمار: القصد.
واعْتَمَر الأَمْرَ: أَمَّه وقصد له: قال العجاج:
لقد غَزَا ابنُ مَعْمَرٍ، حين اعْتَمَرْ،
مَغْزًى بَعِيداً من بَعيد وضَبَرْ
المعنى: حين قصد مَغْزًى بعيداً. وضبَرَ: جَمعَ قوائمه ليَثِبَ.
والعُمْرةُ: أَن يَبْنِيَ الرجلُ بامرأَته في أَهلها، فإِن نقلها إِلى
أَهله فذلك الــعُرْس؛ قاله ابن الأَعرابي.
والعَمَارُ: الآسُ، وقيل: كل رَيْحانٍ عَمَارٌ. والعَمّارُ: الطَّيِّب
الثناء الطَّيِّب الروائح، مأْخوذ من العَمَار، وهو الآس.
والعِمَارة والعَمارة: التحيّة، وقيل في قول الأَعشى «ورفعنا العمارا»
أَي رفعنا له أَصواتنا بالدعاء وقلنا عمَّرك الله وقيل: العَمَارُ ههنا
الريحان يزين به مجلس الشراب، وتسميه الفُرْس ميُوران، فإِذا دخل عليهم
داخل رفعوا شيئاً منه بأَيديهم وحيَّوْه به؛ قال ابن بري: وصواب إِنشاده
«ووَضَعْنا العَمارا» فالذي يرويه ورفعنا العَمَارا، هو الريحان أَو الدعاء
أَي استقبلناه بالريحان أَو الدعاء له، والذي يرويه «ووضعنا العمارا» هو
العِمَامة؛ وقيل: معناه عَمّرَك اللهُ وحيّاك، وليس بقوي؛ وقيل:
العَمارُ هنا أَكاليل الرَّيْحان يجعلونها على رؤوسهم كما تفعل العجم؛ قال ابن
سيده: ولا أَدري كيف هذا.
ورجل عَمّارٌ: مُوَقًّى مستور مأْخوذ من العَمَر، وهو المنديل أَو غيره،
تغطّي به الحرّة رأْسها. حكى ثعلب عن ابن الأَعرابي قال: إِن العَمَرَ
أَن لا يكون للحُرّة خِمار ولا صَوْقَعة تُغطّي به رأْسها فتدخل رأْسها في
كمها؛ وأَنشد:
قامَتْ تُصَلّي والخِمارُ مِن عَمَرْ
وحكى ابن الأَعرابي: عَمَر ربَّه عبَدَه، وإِنه لعَامِرٌ لربّه أَي
عابدٌ. وحكى اللحياني عن الكسائي: تركته يَعمرُ ربَّه أَي يعبده يصلي ويصوم.
ابن الأَعرابي: يقال رجل عَمّار إِذا كان كثيرَ الصلاة كثير الصيام. ورجل
عَمّار، وهو الرجل القوي الإِيمان الثابت في أَمره الثَّخينُ الوَرَعِ:
مأْخوذ من العَمِير، وهو الثوب الصفيق النسجِ القويُّ الغزلِ الصبور على
العمل، قال: وعَمّارٌ المجتمعُ الأَمر اللازمُ للجماعة الحَدِبُ على
السلطان، مأْخوذ من العَمارةِ، وهي العمامة، وعَمّارٌ مأْخوذ من العَمْر، وهو
البقاء، فيكون باقياً في إِيمانه وطاعته وقائماً بالأَمر والنهي إِلى
أَن يموت. قال: وعَمّارٌ الرجل يجمع أَهل بيته وأَصحابه على أَدَبِ رسول
الله، صلى الله عليه وسلم، والقيامِ بسُنّته، مأْخوذ من العَمَرات، وهي
اللحمات التي تكون تحت اللَّحْي، وهي النَّغانِغُ واللَّغادِيدُ؛ هذا كله
محكى عن ابن الأَعرابي. اللحياني: سمعت العامِريّة تقول في كلامها: تركتهم
سامِراً بمكان كذا وكذا وعامِراً؛ قال أَبو تراب: فسأَلت مصعباً عن ذلك
فقال: مقيمين مجتمعين.
والعِمَارة والعَمارةُ: أَصغر من القبيلة، وقيل: هو الحيُّ العظيم الذي
يقوم بنفسه، ينفرد بِظَعْنِها وإِقامتها ونُجْعَتِها، وهي من الإِنسان
الصدر، سُمِّي الحيُّ العظيم عِمَارة بعِمارة الصدر، وجمعها عمائر؛ ومنه
قول جرير:
يَجُوسُ عِمارة، ويَكُفّ أُخرى
لنا، حتى يُجاوزَها دَليل
قال الجوهري: والعَمَارة القبيلة والعشيرة؛ قال التغلبي:
لكل أُناسٍ من مَعَدٍّ عَمارةٍ
عَرُوِّضٌ، إِليها يَلْجأُون، وجانِبُ
وعَمارة خفض على أَنه بدل من أُناس. وفي الحديث: أَنه كتب لِعَمَائر
كَلْب وأَحْلافها كتاباً؛ العَمَائرُ: جمع عمارة، بالكسر والفتح، فمن فتح
فَلالْتفاف بعضهم على بعض كالعَمارة العِمامةِ، ومن كسر فلأَن بهم عِمارةَ
الأَرض، وهي فوق البَطْن من القبائل، أَولها الشَّعْب ثم القبيلة ثم
العَِمارة ثم البَطْن ثم الفَخْذ. والعَمْرة: الشَّذْرة من الخرز يفصّل بها
النظم، وبها سميت المرأَة عَمْرة؛ قال:
وعَمْرة مِن سَرَوات النسا
ءِ، يَنْفَحُ بالمِسْك أَرْدانُها
وقيل: العَمْرة خرزة الحُبّ. والعَمْر: الشَّنْف، وقيل: العَمْر حلقة
القرط العليا والخَوْقُ حلقة أَسفل القرط. والعَمَّار: الزَّيْن في
المجالس، مأْخوذ من العَمْر، وهو القرط.
والعَمْر: لحم من اللِّثَة سائل بين كل سِنَّيْن. وفي الحديث: أَوْصاني
جِبْرِيل بالسواك حتى خَشِيتُ على عُمورِي؛ العُمُور: منابت الأَسنان
واللحم الذي بين مَغارِسها، الواحد عَمْر، بالفتح، قال ابن الأَثير: وقد
يضم؛ وقال ابن أَحمر:
بانَ الشَّبابُ وأَخْلَفَ العَمْرُ،
وتَبَدَّلَ الإِخْوانُ والدَّهْرُ
والجمع عُمور، وقيل: كل مستطيل بين سِنَّيْنِ عَمْر. وقد قيل: إِنه
أَراد العُمْر. وجاء فلان عَمْراً أَي بطيئاً؛ كذا ثبت في بعض نسخ المصنف،
وتبع أَبا عبيد كراع، وفي بعضها: عَصْراً.
اللحياني: دارٌ مَعْمورة يسكنها الجن، وعُمَّارُ البيوت: سُكّانُها من
الجن. وفي حديث قتل الحيّات: إِنّ لهذه البيوت عَوامِرَ فإِذا رأَيتم منها
شيئاً فحَرِّجُوا عليها ثلاثاً؛ العَوامِرُ: الحيّات التي تكون في
البيوت، واحدها عامِرٌ وعامرة، قيل: سميت عَوامِرَ لطول أَعمارها.
والعَوْمَرةُ: الاختلاطُ؛ يقال: تركت القوم في عَوْمَرةٍ أَي صياحٍ
وجَلبة.والعُمَيْرانِ والعُمَيْمِرانِ والعَمَّرتان
(* قوله: «العمرتان» هو
بتشديد الميم في الأصل الذي بيدنا، وفي القاموس بفتح العين وسكون الميم وصوب
شارحه تشديد الميم نقلاً عن الصاغاني). والعُمَيْمِرتان: عظمان صغيران
في أَصل اللسان.
واليَعْمورُ: الجَدْيُ؛ عن كراع. ابن الأَعرابي: اليَعامِيرُ الجِداءُ
وصغارُ الضأْن، واحدها يَعْمور؛ قال أَبو زيد الطائي:
ترى لأَخْلافِها مِن خَلْفِها نَسَلاً،
مثل الذَّمِيم على قَرْم اليَعامِير
أَي يَنْسُل اللبن منها كأَنه الذميم الذي يَذِمّ من الأَنف. قال
الأَزهري: وجعل قطرب اليَعامِيرَ شجراً، وهو خطأٌ. قال ابن سيده: واليَعْمورة
شجرة، والعَمِيرة كُوَّارة النَّحْل.
والعُمْرُ: ضربٌ من النخل، وقيل: من التمر.
والعُمور: نخلُ السُّكَّر
(* قوله: «السكر» هو ضرب من التمر جيد).
خاصة، وقيل: هو العُمُر، بضم العين والميم؛ عن كراع، وقال مرة: هي العَمْر،
بالفتح، واحدتها عَمْرة، وهي طِوال سُحُقٌ. وقال أَبو حنيفة: العَمْرُ نخل
السُّكّر، والضم أَعلى اللغتين. والعَمْرِيّ: ضرب من التمر؛ عنه أَيضاً.
وحكى الأَزهري عن الليث أَنه قال: العَمْر ضرب من النخيل، وهو السَّحُوق
الطويل، ثم قال: غلظ الليث في تفسير العَمْر، والعَمْرُ نخل السُّكَّر،
يقال له العُمُر، وهو معروف عند أَهل البحرين؛ وأَنشد الرياشي في صفة
حائط نخل:
أَسْوَد كالليل تَدَجَّى أَخْضَرُهْ،
مُخالِط تَعْضوضُه وعُمُرُه،
بَرْنيّ عَيْدانٍ قَلِيل قَشَرُهْ
والتَّعْضوض: ضرب من التمر سِرِّيّ، وهو من خير تُمْران هجَر، أَسود عذب
الحلاوة. والعُمُر: نخل السُّكّر، سحوقاً أَو غير سحوق. قال: وكان
الخليل ابن أَحمد من أَعلم الناس بالنخيل وأَلوانِه ولو كان الكتابُ مِن
تأْليفه ما فسر العُمُرَ هذا التفسير، قال: وقد أَكلت أَنا رُطَبَ العُمُرِ
ورُطَبَ التَّعْضوضِ وخَرَفْتُهما من صغار النخل وعَيدانِها وجَبّارها،
ولولا المشاهدةُ لكنت أَحد المغترّين بالليث وخليلِه وهو لسانه.
ابن الأَعرابي: يقال كَثِير بَثِير بَجِير عَمِير إِتباع؛ قال الأَزهري:
هكذا قال بالعين.
والعَمَرانِ: طرفا الكُمّين؛ وفي الحديث: لا بأْس أَن يُصَلِّيَ الرجلُ
على عَمَرَيْهِ، بفتح العين والميم، التفسير لابن عرفة حكاه الهروي في
الغريبين وغيره. وعَمِيرة: أَبو بطن وزعمها سيبويه في كلْب، النسبُ إِليه
عَمِيرِيّ شاذ، وعَمْرو: اسم رجل يكتب بالواو للفرق بينه وبين عُمَر
وتُسْقِطها في النصب لأَن الأَلف تخلفها، والجمع أَعْمُرٌ وعُمور؛ قال الفرزدق
يفتخر بأَبيه وأَجداده:
وشَيَّدَ لي زُرارةُ باذِخاتٍ،
وعَمرو الخير إِن ذُكِرَ العُمورُ
الباذِخاتُ: المراتب العاليات في الشرف والمجد. وعامِرٌ: اسم، وقد يسمى
به الحيّ؛ أَنشد سيبويه في الحي:
فلما لَحِقنا والجياد عشِيّة،
دَعَوْا: يا لَكَلْبٍ، واعْتَزَيْنا لِعامِر
وأَما قول الشاعر:
وممن ولَدُوا عامِـ
ـرُ ذو الطُّول وذو العَرْض
فإِن أَبا إِسحق قال: عامر هنا اسم للقبيلة، ولذلك لم يصرفه، وقال ذو
ولم يقل ذات لأَنه حمله على اللفظ، كقول الآخر:
قامَتْ تُبَكِّيه على قَبْرِه:
مَنْ ليَ مِن بَعدِك يا عامِرُ؟
تَرَكْتَني في الدار ذا غُرْبةٍ،
قد ذَلَّ مَن ليس له ناصِرُ
أَي ذات غُرْبة فذكّر على معنى الشخص، وإِنما أَنشدنا البيت الأَول
لتعلم أَن قائل هذا امرأَة وعُمَر وهو معدول عنه في حال التسمية لأَنه لو عدل
عنه في حال الصفة لقيل العُمَر يُراد العامِر. وعامِرٌ: أَبو قبيلة، وهو
عامرُ بن صَعْصَعَة بن معاوية بن بكر بن هوازن. وعُمَير وعُوَيْمِر
وعَمَّار ومَعْمَر وعُمارة وعِمْران ويَعْمَر، كلها: أَسماء؛ وقول
عنترة:أَحَوْليَ تَنْفُضُ آسْتُك مِذْرَوَيْها
لِتَقْتُلَني؟ فها أَنا ذا عُمارا
هو ترخيم عُمارة لأَنه يهجو به عُمارةَ بن زياد العبسي. وعُمارةُ بن
عقيل بن بلال بن جرير: أَدِيبٌ جدّاً. والعَمْرانِ: عَمْرو بن جابر بن هلال
بن عُقَيْل بن سُمَيّ بن مازن بن فَزارة، وبَدْر بن عمرو بن جُؤيّة بن
لَوْذان بن ثعلبة بن عديّ بن فَزارة، وهما رَوْقا فزراة؛ وأَنشد ابن السكيت
لقُراد بن حبش الصارديّ يذكرهما:
إِذا اجتمع العَمْران: عَمْرو بنُ جابر
وبَدْرُ بن عَمْرٍو، خِلْتَ ذُبْيانَ تُبَّعا
وأَلْقَوْا مَقاليدَ الأُمورِ إِليهما،
جَمِيعاً قِماءً كارهين وطُوَّعا
والعامِرانِ: عامِرُ بن مالك بن جعفر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة
وهو أَبو براء مُلاعِب الأَسِنَّة، وعامر بن الطفيل بن مالك بن جعفر بن
كلاب وهو أَبو علي. والعُمَران: أَبو بكر وعُمَر، رضي الله تعالى عنهما،
وقيل: عمر يبن الخطاب وعمر بن عبد العزيز، رضي الله عنهما؛ قال مُعاذٌ
الهَرَّاء: لقد قيل سِيرةُ العُمَرَيْنِ قبل خلافة عُمَر بن عبد العزيز
لأَنهم قالوا لعثمان يوم الدار: تَسْلُك سِيرةَ العُمَرَيْن. قال الأَزهري:
العُمَران أَبو بكر وعمر، غُلِّبَ عُمَر لأَنه أَخَفّ الاسمين، قال: فان
قيل كيف بُدِئ بِعُمَر قبل أَبي بكر وهو قبله وهو أَفضل منه، فإِن العرب
تفعل هذا يبدأُون بالأَخسّ، يقولون: رَبيعة ومُضَر وسُلَيم وعامر ولم
يترك قليلاً ولا كثيراً؛ قال محمد بن المكرم: هذا الكلام من الأَزهري فيه
افْتِئات على عمر، رضي الله عنه، وهو قوله: إِن العرب يبدأُون بالأَخس
ولقد كان له غُنية عن إِطلاق هذا اللفظ الذي لا يليق بجلالة هذا الموضع
المتشرْف بهذين الاسمين الكريمين في مثالٍ مضروبٍ لعُمَر، رضي الله عنه، وكان
قوله غُلِّب عُمر لأَنه أَخفّ الاسمين يكفيه ولا يتعرض إِلى هُجْنة هذه
العبارة، وحيث اضطر إِلى مثل ذلك وأَحْوَجَ نفسَه إِلى حجة أُخرى فلقد
كان قِيادُ الأَلفاظ بيده وكان يمكنه أَن يقول إِن العرب يقدمون المفضول
أَو يؤخرون الأَفضل أَو الأَشرف أَو يبدأُون بالمشروف، وأَما أَفعل على هذه
الصيغة فإِن إِتيانه بها دل على قلة مبالاته بما يُطْلِقه من الأَلفاظ
في حق الصحابة، رضي الله عنهم، وإِن كان أَبو بكر، رضي الله عنه، أَفضل
فلا يقال عن عمر، رضي الله عنه، أَخسّ، عفا الله عنا وعنه. وروي عن قتادة:
أَنه سئل عن عِتْق أُمهات الأَولاد فقال: قضى العُمَران فما بينهما من
الخُلَفاء بعتق أُمّهات الأَولاد؛ ففي قول قتادة العُمَران فما بينهما أَنه
عُمر بن الخطاب وعُمَر ابن عبد العزيز لأَنه لم يكن بين أَبي بكر وعُمَر
خليفةٌ. وعَمْرَوَيْهِ: اسم أَعجمي مبني على الكسر؛ قال سيبويه: أَما
عَمْرَوَيْه فإِنه زعم أَنه أَعجمي وأَنه ضَرْبٌ من الأَسماء الأَعجمية
وأَلزموا آخره شيئاً لم يلزم الأَعْجميّة، فكما تركوا صرف الأَعجمية جعلوا
ذلك بمنزلة الصوت، لأَنهم رَأَوْه قد جمع أَمرين فخطُّوه درجة عن إِسمعيل
وأَشباهه وجعلوه بمنزلة غاقٍ منونة مكسورة في كل موضع؛ قال الجوهري: إِن
نَكَّرْتَه نوّنت فقلت مررت بعَمْرَوَيْهِ وعَمْرَوَيْهٍ آخر، وقال:
عَمْرَوَيْه شيئان جعلا واحداً، وكذلك سيبويه ونَفْطَوَيْه، وذكر المبرد في
تثنيته وجمعه العَمْرَوَيْهانِ والعَمْرَوَيْهُون، وذكر غيره أَن من قال
هذا عَمْرَوَيْهُ وسِيبَوَيْهُ ورأَيت سِيبَوَيْهَ فأَعربه ثناه وجمعه،
ولم يشرطه المبرد. ويحيى بن يَعْمَر العَدْوانيّ: لا ينصرف يَعْمَر لأَنه
مثل يَذْهَب. ويَعْمَر الشُِّدّاخ: أَحد حُكّام العرب. وأَبو عَمْرة:
رسولُ المختار
(* قوله: «المختار» أَي ابن أبي عبيد كما في شرح القاموس).
وكان إِذا نزل بقوم حلّ بهم البلاء من القتل والحرب وكان يُتَشاءم به. وأَبو
عَمْرة: الإِقْلالُ؛ قال:
إِن أَبا عَمْرة شرُّ جار
وقال:
حلّ أَبو عَمْرة وَسْطَ حُجْرَتي
وأَبو عَمْرة: كنية الجوع. والعُمُور: حيٌّ من عبد القيس؛ وأَنشد ابن
الأَعرابي:
جعلنا النِّساءَ المُرْضِعاتِكَ حَبْوةً
لِرُكْبانِ شَنٍّ والعُمُورِ وأَضْجَما
شَنٌّ: من قيس أَيضاً. والأَضْجَم: ضُبَيْعة بن قيس ابن ثعلبة. وبنو
عمرو بن الحرث: حيّ؛ وقول حذيفة بن أَنس الهذلي:
لعلكمُ لَمَّا قُتِلْتُم ذَكَرْتم،
ولن تَتْركُوا أَن تَقْتُلوا مَن تَعَمَّرا
قيل: معنى مَن تَعَمَّر انتسب إِلى بني عمرو بن الحرث، وقيل: معناه من
جاء العُمْرة. واليَعْمَريّة: ماء لبني قعلبة بوادٍ من بطن نخل من
الشَّرَبّة. واليَعامِيرُ: اسم موضع؛ قال طفيل الغنوي:
يقولون لمّا جَمّعوا لغدٍ شَمْلَكم:
لك الأُمُّ مما باليَعامِير والأَبُ
(* هذا الشطر مختل الوزن ويصح إِذا وضع «فيه» مكان «لغدٍ» هذا إِذا كان
اليعامير مذكراً، وهو مذكور في شعر سابق ليعود إِليه ضمير فيه).
وأَبو عُمَيْر: كنية الفَرْج. وأُمُّ عَمْرو وأُم عامر، الأُولى نادرة:
الضُبُع معروفة لأَنه اسم سمي به النوع؛ قال الراجز:
يا أُمَّ عَمْرٍو، أَبْشِري بالبُشْرَى،
مَوْتٌ ذَرِيعٌ وجَرادٌ عَظْلى
وقال الشنفرى:
لا تَقْبِرُوني، إِنّ قَبْرِي مُحَرَّم
عليكم، ولكن أَبْشِري، أُمَّ عامر
يقال للضبع أُمّ عامر كأَن ولدها عامر؛ ومنه قول الهذلي:
وكَمْ مِن وِجارٍ كجَيْبِ القَمِيص،
به عامِرٌ وبه فُرْعُلُ
ومن أَمثالهم: خامِرِي أُمَّ عامر، أَبْشِري بجرادٍ عَظْلى وكَمَرِ
رجالٍ قَتْلى، فتَذِلّ له حتى يكْعَمها ثم يجرّها ويستخرجها. قال: والعرب
تضرب بها المثل في الحمق، ويجيء الرجل إِلى وجارِها فيسُدُّ فمه بعدما تدخله
لئلا ترى الضوء فتحمل الضبعُ عليه فيقول لها هذا القول؛ يضرب مثلاً لمن
يُخْدع بلين الكلام.
حوط: حاطَه يَحُوطُه حَوْطاً وحِيطةً وحِياطةً: حَفِظَه وتعَهَّده؛ وقول
الهذلي:
وأَحْفَظُ مَنْصِبي وأَحُوطُ عِرْضِي،
وبعضُ القومِ ليسَ بذِي حِياطِ
أَراد حِياطة، وحذف الهاء كقول اللّه تعالى: وإِقامِ الصلاة، يريد
الإِقامة، وكذلك حَوَّطه؛ قال ساعدة ابن جُؤَيّةَ:
عليَّ وكانُوا أَهلَ عِزٍّ مُقَدَّمٍ
ومَجْدٍ، إِذا ما حُوِّطَ المَجْدُ نائل
(* قوله «حوط المجد» وقوله «ويروى حوص» كذا في الأصل مضبوطاً.)
ويروى: حُوِّصَ، وهو مذكور في موضعه. وتَحَوَّطَه: كَحَوَّطَه.
واحْتاطَ الرجلُ: أَخذ في أُموره بالأَحْزَم. واحْتاط الرجل لنفسه أَي
أَخذ بالثِّقة. والحَوْطةُ والحَيْطةُ: الاحْتِياطُ. وحاطَه اللّه حَوْطاً
وحِياطةً، والاسم الحَيْطةُ والحِيطة: صانه وكَلأَه ورَعاه. وفي حديث
العباس: قلت يا رسول اللّه ما أَغْنَيْتَ عن عمك، يعني أَبا طالب، فإِنه
كان يَحُوطُك؟ حاطَه يَحُوطُه حَوْطاً إِذا حفظه وصانه وذبَّ عنه وتَوفَّرَ
على مصالحِهِ. وفي الحديث: وتُحِيطُ دَعْوَتُه من وَرائهم أَي تُحْدِقُ
بهم من جميع نَواحِيهم. وحاطَه وأَحاط به، والعَيْرُ يَحُوطُ عانَتَه:
يجمعها.
والحائطُ: الجِدار لأَنه يَحُوطُ ما فيه، والجمع حِيطانٌ، قال سيبويه:
وكان قِياسُه حُوطاناً، وحكى ابن الأَعرابي في جمعه حِياطٌ كقائمٍ وقِامٍ،
إِلا أَن حائطاً قد غلب عليه الاسم فحكمه أَن يكسّر على ما يكسر عليه
فاعل إِذا كان اسماً؛ قال الجوهري: صارت الواو ياء لانكسار ما قبلها؛ قال
ابن جني: الحائط اسم بمنزلة السَّقْف والرُّكْنن وإن كان فيه معنى
الحَوْط. وحَوْطَ حائطاً: عمله. وقال أَبو زيد: حُطْتُ قومي وأَحَطْتُ الحائطَ؛
وحَوَّطَ حائطاً: عمله. وحَوَّطَ كَرْمَه تحْويطاً أَي بنَى حوْلَه
حائطاً، فهو كرم مُحَوَّط، ومنه قولهم: أَنا أُحَوِّطُ حول ذلك الأَمر أَي
أدُورُ.
والحُوَّاطُ: حَظِيرة تتخذ للطّعام لأَنها تَحُوطُه. والحُوَّاطُ: حظيرة
تتخذ للطعام أَو الشيء يُقْلَعُ عنه سريعاً؛ وأَنشد:
إِنّا وجَدْنا عُرُسَ الحَنّاطِ
مَذْمُومةً لَئِيمةَ الحُوّاطِ
والحُواطةُ: حظيرة تتخَذ للطعام، والحِيطةُ، بالكسر: الحِياطةُ، وهما من
الواو. ومع فلان حِيطةٌ لك ولا تقل عليك أَي تَحَنُّنٌ وتعَطُّفٌ.
والمَحاطُ: المكان الذي يكون خلف المالِ والقومِ يَسْتَدِير بهم ويَحُوطُهم؛
قال العجاج:
حتى رأَى من خَمَرِ المَحاطِ
وقيل: الأَرض المَحاط التي علَيها حائطٌ وحَديقةٌ، فإِذا لم يُحَيَّطْ
عليها فهي ضاحيةٌ. وفي حديث أَبي طلحة: فإِذا هو في الحائط وعليه خَميصةٌ؛
الحائطُ ههنا البُسْتانُ من النخيل إِذا كان عليه حائط، وهو الجِدارُ،
وتكرَّر في الحديث، وجمعه الحوائطُ. وفي الحديث: على أَهلِ الحَوائطِ
حِفْظُها بالنهار، يعني البَساتِينَ، وهو عامٌّ فيها.
وحُوَّاطُ الأَمرِ: قِوامُه. وكلُّ من بلغ أَقْصَى شيء وأَحْصَى
عِلْمَه، فقد أَحاطَ به. وأَحاطَتْ به الخيلُ وحاطَتْ واحْتاطَتْ: أَحْدَقَتْ،
واحتاطت بفلان وأَحاطت إِذا أَحدقت به. وكلُّ من أَحْرَز شيئاً كلَّه
وبلَغ عِلْمُه أَقْصاه، فقد أَحاطَ به. يقال: هذا الأَمْر ما أَحَطْتُ به
عِلماً. وقوله تعالى: واللّه مُحِيطٌ بالكافرين؛ أَي جامعهم يوم القيامة.
وأَحاطَ بالأَمر إِذا أَحْدَقَ به من جَوانِبِه كلِّه. وقوله تعالى: واللّه
من ورائهم مُحِيطٌ؛ أَي لا يُعْجِزُه أَحَدٌ قدرته مشتملة عليهم.
وحاطَهم قَصاهُم وبِقَصاهُم: قاتَلَ عنهم. وقوله تعالى: أَحَطْتُ بما لم تُحِطْ
به؛ أَي علمته من جميع جهاتِه. وأَحاطَ به: عَلِمَه وأَحاطَ به عِلْماً.
وفي الحديث: أَحَطْت به عِلماً أَي أَحْدَقَ عِلْمِي به من جميع جهاته
وعَرفَه.
ابن بزرج: يقولون للدَّراهم إِذا نقَصت في الفرائض أَو غيرها هَلُمَّ
حِوَطَها، قال: والحِوَطُ ما تُتَمِّمُ به الدَّراهم.
وحاوَطْتُ فلاناً مُحاوَطةً إِذا داورْتَه في أَمر تُريدُه منه وهو
يأْباه كأَنك تَحُوطُه ويَحُوطُك؛ قال ابن مقبل:
وحاوَطْتُه حتى ثَنَيْتُ عِنانَه،
على مُدْبِرِ العِلْباء رَيَّانَ كاهِلُهْ
وأُحِيطَ بفلان إِذا دَنا هلاكُه، فهو مُحاطٌ به. قال اللّه عزّ وجلّ:
وأُحِيطَ بثمره فأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كفَّيه على ما أَنفَق فيها؛ أَي
أَصابَه ما أَهْلَكَه وأَفْسده. وقوله تعالى: إِلا أَن يُحاطَ بكم؛ أَي
تؤْخَذُوا من جَوانِبِكم، والحائط من هذا. وأَحاطَتْ به خَطِيئته أَي مات على
شِرْكِه، نعوذ باللّه من خاتمةِ السُّوء.
ابن الأَعرابي: الحَوْطُ خَيْطٌ مفْتول من لَوْنين: أَحمر وأَسود، يقال
له البَرِيمُ، تشدُّه المرأَة على وسَطها لئلا تُصيبها العين، فيه
خَرَزات وهِلالٌ من فضَّة، يسمى ذلك الهِلالُ الحَوْطَ ويسمَّى الخَيْطُ به.
ابن الأَعرابي: حُطْ حُطْ إِذا أَمرته أَن يُحَلِّيَ صِبْيةً بالحَوْط، وهو
هِلالٌ من فضَّة، وحُطْ حُطْ إِذا أَمرته بصلة الرحم.
وحَوْطُ الحَظائر: رجل من النَّمِر بن قاسط وهو أَخو المُنْذِر بن امرئ
القيس لأُمه جدّ النعمان بن المنذر. وتَحُوطُ وتَحِيطُ وتُحِيطُ
والتَّحُوطُ والتَّحِيطُ، كله: اسم للسنة الشديدة.
شنع: الشَّناعةُ: الفَظاعةُ، شَنُعَ الأَمرُ أَو الشيء شَناعةً وشَنَعاً
وشُنعاً وشُنُوعاً: قَبُح، فهو شَنِيعٌ، والاسم الشُّنْعةُ؛ فأَما قول
عاتكة بنت عبد المطلب:
سائِلْ بِنا في قَوْمِنا،
ولْيَكْفِ من شرٍّ سَماعُهْ
قَيْساً، وما جَمَعُوا لَنا
في مَجْمَعٍ باقٍ شَناعُهْ
فقد يكون شَناعٌ من مصادر شَنُعَ كقولهم سَقُمَ سَقاماً، وقد يجوز أَن
تريد شناعته فحذفُ الهاء للضرورة كما تأَوَّل بعضهم قول أَبي ذؤيب:
أَلا لَيْتَ شِعْرِي، هَلْ تَنَظَّر خالِدٌ
عِيادِي على الهِجْرانِ أَمْ هو يائِسُ؟
من أَنه أَراد عيادتي فحذف التاء مُضْطَرّاً. وأَمرٌ أَشْنَعُ وشَنِيعٌ:
قَبِيحٌ؛ ومنه قول أَبي ذؤَيب:
مُتَحامِيَيْن المَجْدَ كلٌّ واثِقٌ
بِبَلائه، واليَوْمُ يَوْمٌ أَشْنَعُ
(* قوله «متحاميين المجد في شرح القاموس: يتناهبان المجد.)
ومثله لمتمم بن نُويْرة:
ولقد غُبِطْتُ بما أُلاقي حِقْبةً،
ولقد يَمُرُّ عليَّ يَوْمٌ أَشْنَعُ
وفي حديث أَبي ذر: وعنده امرأَة سوْداء مُشَنَّعةٌ أَي قبِيحةٌ. يقال:
مَنْظَرٌ شَنِيعٌ وأَشْنَعُ ومُشَنَّعٌ. وشَنَّع عليه الأَمرَ تشْنيعاً:
قَبَّحَه. وشَنِعَ بالأَمر
(* قوله «وشنع بالامر في القاموس: ورأى امراً
شنع به كعلم شنعأ بالضم اي استشنعه.) شُنْعاً واسْتَشْنَعه: رآه
شَنِيعاً. وتَشَنَّعَ القومُ: قَبُحَ أَمرُهم باختِلافِهم واضْطِرابِ رأْيِهم؛
قال جرير:
يَكْفِي الأَدِلَّةَ بعد سُوءِ ظُنُونِهم
مَرُّ المَطِيِّ، إِذا الحُداةُ تَشَنَّعُوا
وتَشَنَّع فُلان لهذا الأَمر إِذا تَهَيَّأَ له. وتَشَنَّع الرجل: هَمّ
بأَمْرٍ شَنِيعٍ؛ قال الفرزدق:
لَعَمْري، لقد قالَتْ أُمامةُ إِذْ رَأَتْ
جَريراً بِذاتِ الرَّقْمَتَيْنِ تَشَنَّعا
وشَنَعَه شَنْعاً: سَبَّه؛ عن ابن الأَعرابي، وقيل: اسْتَقْبَحَه
وسَئِمَهُ
(* قوله «وسئمه هو كذلك في الصحاح، والذي في القاموس: وشتمه.)؛
وأَنشد لكثير:
وأَسماءُ لا مَشْنُوعةٌ بِمَلامةٍ
لَدَيْنا، ولا مَقْلِيّةٌ باعْتِلالِها
(* قوله «مقلية كتب بطرة الأصل في نسخة: معذورة.)
والشَّنَعُ والشَّناعةُ والمَشْنُوعُ كلُّ هذا من قُبْحِ الشيء الذي
يُسْتَشْنَعُ قُبْحُه، وهو شَنِيعٌ أَشْنَعُ، وقصة شَنْعاءُ ورجل أَشْنَعُ
الخلق؛ وأَنشد شمر:
وفي الهامِ منه نَظْرةٌ وشُنُوعُ
أَي قُبْح يتعجب منه. وقال الليث: تقول رأَيت أَمراً شَنِعْتُ به
شُنْعاً أَي اسْتَشْنَعْتُه؛ وأَنشد لمرْوان:
فَوِّضْ إِلى اللهِ الأُمورَ، فإِنه
سَيَكْفيكَ، لا يَشْنَعْ بِرأْيِكَ شانِعُ
أَي لا يَسْتَقْبِحُ رأَيَك مُسْتَقْبِحٌ. وقد اسْتَشْنَعَ بفلان
جَهْلُه: خَفَّ، وشَنَعَنا فُلان وفَضَحنا. والمَشْنوع: المشهور.
والتَّشْنِيعُ: التَّشْمير. وشَنَّع الرجلُ: شَمَّر وأَسْرعَ. وشَنَّعَتِ الناقةُ
وأَشْنَعَتْ وتَشَنَّعَتْ: شَمَّرَت في سَيْرِها وأَسْرَعَتْ وجَدَّت، فهي
مُشَنِّعةٌ؛ قال الراجز:
كأَنَّه حِينَ بَدا تَشَنُّعُهْ،
وسالَ بعد الهَمَعانِ أَخْدَعُهْ،
جأْبٌ بِأَعْلى قُنَّتَيْنِ مَرْتَعُه
والتشنُّع: الجِدّ والانْكِماشُ في الأَمر؛ عن ابن الأَعرابي، تقول منه:
تشَنَّعَ القومُ.
والشَّنَعْنَعُ: الرجل الطوِيلُ.
وتَشَنَّعْتُ الغارةَ: بَثَثْتُها، والفرسَ والرّاحلةَ والقِرْنَ:
رَكِبْتُه وعَلَوْتُه، والسِّلاحَ: لَبِسْتُه.
بضع: بَضَعَ اللحمَ يَبْضَعُه بَضْعاً وبَضَّعه تَبْضِيعاً: قطعه،
والبَضْعةُ: القِطعة منه؛ تقول: أَعطيته بَضع من اللحم إِذا أَعطيته قِطعة
مجتمعة، هذه بالفتح، ومثلها الهَبْرة، وأَخواتها بالكسر، مثل القِطْعةِ
والفِلْذةِ والفِدْرةِ والكِسْفةِ والخِرْقةِ وغير ذلك مما لا يُحصى. وفلان
بَضْعة من فلان: يُذْهَب به إِلى الشبَه؛ وفي الحديث: فاطِمةُ بَضْعة
منِّي، من ذلك، وقد تكسر، أَي إِنها جُزء مني كما أَن القِطْعة من اللحم،
والجمع بَضْع مثل تَمْرة وتَمْر؛ قال زهير:
أَضاعَتْ فلم تُغْفَرْ لها غَفَلاتُها،
فلاقَتْ بَياناً عند آخِرِ مَعْهَدِ
(* في ديوان زهير: خلواتها بدل غفلاتها.)
دَماً عند شِلْوٍ تَحْجَلُ الطيرُ حَوْلَه،
وبَضْعَ لِحامٍ في إِهابٍ مُقَدَّدِ
وبَضْعة وبَضْعات مثل تمْرة وتمْرات، وبعضهم يقول: بَضْعة وبِضَعٌ مثل
بَدْرةٍ وبِدَرٍ، وأَنكره عليّ بن حمزة على أَبي عبيد وقال: المسموع
بَضْعٌ لا غير؛ وأَنشد:
نُدَهْدِقُ بَضْعَ اللحْمِ للباعِ والنَّدى،
وبعضُهُم تَغْلي بذَمٍّ مَناقِعُهْ
وبَضْعةٌ وبِضاعٌ مثل صَفْحةٍ وصِفاحٍ، وبَضْعٌ وبَضِيع، وهو نادر،
ونظيره الرَّهِينُ جمع الرَّهْن. والبَضِيعُ أَيضاً: اللحم. ويقال: دابّة
كثيرة البَضِيعِ، والبَضِيعُ: ما انْمازَ من لحم الفخذ، الواحد بَضِيعة.
ويقال: رجل خاظِي البَضِيعِ؛ قال الشاعر:
خاظِي البَضِيعِ لَحْمُه خَظا بَظا
قال ابن بري: وبقال ساعِدٌ خاظِي البَضِيعِ أَي مُمْتلِئُ اللحمِ، قال:
ويقال في البضِيعِ اللحم إِنه جمع بَضْعٍ مثل كلْب وكَلِيب؛ قال
الحادِرةُ:
ومُناخ غير تبيئة* عَرَّسْــتُه،
(* قوله «تبيئة» كذا بالأصل هنا، وسيأتي في دسع تاءية ولعله نبيئة
بالنون أوله أَي أَرض غير مرتفعة)
قَمِنِ مِنَ الحِدْثانِ، نابي المَضْجَعِ
عَرَّسْــتُه، ووِسادُ رأْسِي ساعِدٌ
خاظِي البَضِيعِ، عُروقه لم تَدْسَعِ
أَي عُروقُ ساعِده غيرُ ممتلئة من الدَّم لأَن ذلك إِنما يكون للشيوخ.
وإِن فلاناً لشديدُ البَضْعةِ حَسَنُها إِذا كان ذا جِسم وسِمَن؛ وقوله:
ولا عَضِل جَثْل كأَنَّ بَضِيعَه
يَرابِيعُ، فوقَ المَنْكِبَيْن، جُثُومُ
يجوز أَن يكون جمع بَضْعة وهو أَحسن لقوله يَرابِيع ويجوز أَن يكون
اللحم.
وبَضَع الشيءَ يَبْضعُه: شَقَّه. وفي حديث عمر، رضي الله عنه: أَنه ضرب
رجلاً أَقْسَمَ على أُم سَلمة ثلاثين سوطاً كلُّها تَبْضَع وتَحْدُر أَي
تَشقُّ الجلد وتقطع وتَحْدر الدَّم، وقيل: تَحْدُر تُوَرِّم.
والبَضَعةُ: السِّياطُ، وقيل: السُّيوف، واحدها باضِع؛ قال الراجز:
وللسِّياطِ بَضَعَهْ
قال الأَصمعي: يقال سَيْفٌ باضِعٌ إِذا مَرَّ بشيء بضَعَه أَي قطَع منه
بَضْعة، وقيل: يَبْضَعُ كلَّ شيء يقطَعُه؛ وقال:
مِثْلِ قُدامى النَّسْرِ ما مَسَّ بضَعْ
وقول أَوْس بن حَجَر يصف قوساً:
ومَبْضُوعة منْ رأْسِ فَرْعٍ شَظِيّة
يعني قَوساً بضَعها أَي قطعَها.
والباضِعُ في الإِبل: مثل الدَّلاَّل في الدُّور
(* أَي انها تحمل بضائع
القوم وتجلبها.) والباضِعةُ من الشِّجاج: التي تَقْطع الجلد وتَشُقُّ
اللحم تَبْضَعُه بعد الجلد وتُدْمِي إِلا أَنه لا يسيل الدم، فإِن سال فهي
الدَّامِيةُ، وبعد الباضِعة المُتلاحِمةُ، وقد ذكرت الباضعة في الحديث.
وبَضَعْتُ الجُرْحَ: شَقَقْتُه.
والمِبْضَعُ: المِشْرَطُ، وهو ما يُبْضَعُ به العِرْق والأَدِيم.
وبَضَعَ من الماء وبه يَبْضَعُ بُضُوعاً وبَضْعاً: رَوِيَ وامْتلأ:
وأَبْضَعني الماءُ: أَرْواني. وفي المثل: حتى متى تَكْرَعُ ولا تَبْضَعُ؟
وربما قالوا: سأَلني فلان عن مسأَلة فأَبْضَعْتُه إِذا شَفَيْتَه، وإِذا شرب
حتى يَرْوى، قال: بضَعْت أَبْضَع. وماء باضِعٌ وبَضِيع: نَمِير.
وأَبْضَعه بالكلام وبَضَعَه به: بَيَّن له ما يُنازِعُه حتى يَشْتَفِيَ، كائناً
ما كان. وبَضع هو يَبْضَعُ بُضُوعاً: فَهِمَ. وبضَعَ الكلامَ فانْبَضَعَ:
بيّنَه فتبيَّن. وبَضَع من صاحبه يَبْضَع بُضوعاً إذا أَمره بشيء فلم
يأْتَمِرْ له فسَئِمَ أَن يأْمره بشيء أَيضاً، تقول منه: بضعت من فلان؛ قال
الجوهري: وربما قالوا بضعت من فلان إِذا سَئمْت منه، وهو على التشبيه.
والبُضْعُ: النّكاح؛ عن ابن السكيت. والمُباضَعةُ: المُجامَعةُ، وهي
البِضاعُ. وفي المثل: كمُعَلِّمة أُمَّها البِضاع. ويقال: ملَك فلان بُضْع
فلانة إِذا ملَكَ عُقْدة نكاحها، وهو كناية عن موضع الغِشْيان؛ وابْتَضَعَ
فلان وبضع إِذا تزوّج. والمُباضعة: المُباشرة؛ ومنه الحديث: وبُضْعهُ
أَهلَه صَدقةٌ أَي مُباشَرته. وورد في حديث أَبي ذر، رضي الله عنه:
وبَضِيعَتُه أَهلَه صدقةٌ، وهو منه أَيضاً. وبَضَع المرأَةَ بَضْعاً وباضَعها
مُباضعة وبِضاعاً: جامَعَها، والاسم البُضْع وجمعه بُضوع؛ قال عمرو بن
معديكرب:
وفي كَعْبٍ وإِخْوتِها، كِلابٍ،
سَوامي الطَّرْفِ غالِيةُ البُضوعِ
سَوامي الطرف أَي مُتأَبِّياتٌ مُعْتزَّاتٌ. وقوله: غاليةُ البضوع؛ كنى
بذلك عن المُهور اللواتي يُوصَل بها إِليهن؛ وقال آخر:
عَلاه بضَرْبةٍ بَعَثَتْ بِلَيْلٍ
نوائحَه، وأَرْخَصَتِ البُضُوعا
والبُضْعُ: مَهْرُ المرأَة. والبُضْع: الطلاق. والبُضْع: مِلْك الوَلِيّ
للمرأَة، قال الأَزهري: واختلف الناس في البُضع فقال قوم: هو الفَرج،
وقال قوم: هو الجِماع، وقد قيل: هو عَقْد النكاح. وفي الحديث: عَتَقَ
بُضْعُكِ فاخْتارِي أَي صار فرجُك بالعِتق حُرّاً فاختارِي الثَّباتَ على زوجك
أَو مُفارَقَته. وفي الحديث عن أَبي أُمامةَ: أَن رسول الله، صلى الله
عليه وسلم، أَمر بلالاً فنادَى في الناس يوم صَبَّحَ خَيْبَر: أَلا مَن
أَصاب حُبْلى فلا يَقْرَبَنَّها فإِنَّ البُضْعَ يَزيد في السمع والبصَر
أَي الجماع؛ قال الأَزهري: هذا مثل قوله لا يَسقِي ماؤه زرعَ غيره، قال:
ومنه قول عائشةَ في الحديث: وله حَصَّنَنِي ربّي من كل بُضْع؛ تَعْني
النّبي، صلى الله عليه وسلم، من كل بُضع: من كل نكاح، وكان تزوّجها بِكْراً من
بين نسائه. وأَبْضَعَت المرأَةَ إِذا زوّجتها مثل أَنكحْت. وفي الحديث:
تُسْتأْمَرُ النساء في إِبْضاعِهن أَي في إِنكاحهنَّ؛ قال ابن الأَثير:
الاسْتِبْضاع نوع من نكاح الجاهلية، وهو اسْتِفْعال من البُضع الجماع،
وذلك أَن تطلب المرأَةُ جِماع الرجل لتنال منه الولد فقط، كان الرجل منهم
يقول لأَمَته أَو امرأَته: أَرسلي إِلى فلان فاسْتَبْضِعي منه، ويعتزلها
فلا يمَسُّها حتى يتبينَ حملها من ذلك الرجل، وإِنما يفعل ذلك رَغْبة في
نَجابة الولد. ومنه الحديث: أَن عبد الله أَبا النبي، صلى الله عليه وسلم،
مرّ بامرأَة فدعته إِلى أَن يَسْتَبْضِعَ منها. وفي حديث خَدِيجةَ، رضي
الله عنها: لما تزوجها النبي، صلى الله عليها وسلم، دخل عليها عمرو بن
أُسيد، فلما رآه قال: هذا البُضع لا يُقرَعُ أَنفه؛ يريد هذا الكُفْءُ الذي
لا يُرَدّ نِكاحه ولا يُرْغَب عنه، وأَصل ذلك في الإِبل أَنَّ الفَحل
الهَجين إِذا أَراد أَن يضرب كرائم الإِبل قَرَعُوا أَنفه بعصاً أَو غيرها
ليَرْتَدّ عنها ويتركها.
والبِضاعةُ: القِطْعة من المال، وقيل: اليسير منه. والبضاعة: ما
حَمَّلْتَ آخَرَ بَيْعَه وإِدارَتَه. والبِضاعةُ: طائفةٌ من مالك تَبْعَثُها
للتجارة. وأَبْضعه البِضاعَة: أَعطاه إِيّاها.وابْتَضَع منه: أَخذ، والاسم
البِضاعُ كالقِراض. وأَبْضَع الشيء واسْتَبْضعه: جعله بِضاعَتَه، وفي
المثل: كمُسْتَبْضِع التمر إِلى هَجَرَ، وذلك أَنَّ هجر معدِنُ التمر؛ قال
خارجة بن ضِرارٍ:
فإِنَّكَ، واسْتِبْضاعَكَ الشِّعْرَ نَحْونَا،
كمَسْتَبْضِعٍ تَمْراً إِلى أَهْلِ خَيْبَرا
وإِنما عُدِّي بإِلى لأَنه في معنى حامل. وفي التنزيل: وجئنا ببِضاعةٍ
مُزْجاةٍ؛ البِضاعة: السِّلْعةُ، وأَصلها القِطْعة من المال الذي يُتَّجَر
فيه، وأصلها من البَضْع وهو القَطْع، وقيل: البِضاعة جُزء من أَجزاء
المال، وتقول: هو شَرِيكي وبَضِيعي، وهم شُركائي وبُضعائي، وتقول: أبْضَعْت
بِضاعة للبيع، كائنة ما كانت. وفي الحديث: المدِينةُ كالكِير تَنْفِي
خَبَثَها وتُبْضِعُ طِيبَها؛ ذكره الزمخشري وقال: هو من أَبْضَعْتُه بِضاعةً
إِذا دفعتها إِليه؛ يعني أَنّ المدينة تُعطِي طِيبَها ساكِنيها،
والمشهور تَنْصع، بالنون والصاد، وقد روي بالضاد والخاء المعجمتين وبالحاء
المهملة، من النَّضْخ والنَّضْح وهو رش الماء.
والبَضْع والبِضْعُ، بالفتح والكسر: ما بين الثلاث إِلى العشر، وبالهاء
من الثلاثة إِلى العشرة يضاف إِلى ما تضاف إِليه الآحاد لأَنه قِطْعة من
العدد كقوله تعالى: في بِضْعِ سنين، وتُبنى مع العشرة كما تُبنى سائر
الآحاد وذلك من ثلاثة إِلى تسعة فيقال: بِضْعةَ عَشرَ رجُلاً وبضْع عشْرةَ
جارية؛ قال ابن سيده: ولم نسمع بضعة عشر ولا بضع عشرة ولا يمتنع ذلك،
وقيل: البضع من الثلاث إِلى التسع، وقيل من أَربع إِلى تسع، وفي التنزيل:
فلَبث في السجْنِ بِضْع سنين؛ قال الفراء: البِضْع ما بين الثلاثة إِلى ما
دون العشرة؛ وقال شمر: البضع لا يكون أَقل من ثلاثة ولا أَكثر من عشرة،
وقال أَبو زيد: أَقمت عنده بِضْع سنين، وقال بعضهم: بَضْع سنين، وقال أَبو
عبيدة: البِضع ما لم يبلغ العِقْد ولا نصفه؛ يريد ما بين الواحد إِلى
أَربعة. ويقال: البضع سبعة، وإِذا جاوزت لفظ العشر ذهب البضع، لا تقول: بضع
وعشرون. وقال أَبو زيد: يقال له بضع وعشرون رجلاً وله بضع وعشرون امرأَة.
قال ابن بري: وحكي عن الفراء في قوله بضع سنين أَن البضع لا يُذْكر إِلا
مع العشر والعشرين إِلى التسعين ولا يقال فيما بعد ذلك؛ يعني أَنه يقال
مائة ونَيِّف؛ وأَنشد أَبو تَمّام في باب الهِجاء من الحَماسة لبعض
العرب:أَقولُ حِين أَرَى كَعْباً ولِحْيَتَه:
لا بارك الله في بِضْعٍ وسِتِّينِ،
من السِّنين تَمَلاَّها بلا حَسَبٍ،
ولا حَياءٍ ولا قَدْرٍ ولا دِينِ
وقد جاء في الحديث: بِضْعاً وثلاثين ملَكاً. وفي الحديث: صلاةُ الجماعةِ
تَفْضُل صلاةَ الواحد بِبِضْع وعشرين دَرجةً. ومرَّ بِضْعٌ من الليل أَي
وقت؛ عن اللحيانب.
والباضعةُ: قِطعة من الغنم انقطعت عنها، تقول فِرْقٌ بَواضِعُ.
وتَبَضَّع الشيءُ: سالَ، يقال: جَبْهَتُه تَبْضَع وتَتَبَضَّع أَي
تَسِيل عرقاً؛ وأَنشد لأَبي ذؤيب:
تأْبَى بِدِرَّتِها، إِذا اسْتُغْضِبَت،
إِلاَّ الحَمِيمَ، فإِنه يَتَبَضَّعُ
(* راجع هذا البيت وشرحه في أول هذه المادة)
يَتبضَّع: يَتفتَّحُ بالعَرَق ويَسِيلُ مُتقطِّعاً، وكان أَبو ذؤيب لا
يُجِيد في وصْفِ الخيل، وظنّ أَنَّ هذا مما توصف به؛ قال ابن بري: يقول
تأْبَى هذه الفرس أَن تَدِرَّ لك بما عندها من جَرْي إِذا اسْتَغْضَبْتها
لأَن الفرس الجَوادَ إِذا أَعطاك ما عنده من الجرْي عَفْواً فأَكرهْته على
الزيادة حملته عزّة النفْس على ترك العَدْو، يقول: هذه تأْبى بدرَّتها
عند إِكْراهها ولا تأْبى العَرَق، ووقع في نسخة ابن القطّاع: إِذا ما
استُضْغِبت، وفسره بفُزِّعَت لأَن الضاغب هو الذي يَخْتَبِئُ في الخَمَرِ
ليُفَزِّعَ بمثل صوت الأَسد، والضُّغابُ صوت الأَرْنب.
والبَضِيعُ: العَرَقُ، والبَضيعُ: البحر، والبَضِيعُ: الجَزِيرةُ في
البحر، وقد غلب على بعضها؛ قال ساعدة ابن جُؤَيّةَ الهذلي:
سادٍ تَجرَّمَ في البَضِيعِ ثَمانِياً،
يَلْوي بعَيْقاتِ البِحارِ ويُجْنَبُ
(* قوله «يجنب» هو بصيغة المبني للمفعول وتقدم ضبطه في مادة سأد بفتح
الياء.)
ساد مقلوب من الإِسْآدِ وهو سَيْرُ الليل. تجَرَّمَ في البَضِيعِ أَي
أَقام في الجزيرة، وقيل: تجرَّم أَي قَطعَ ثماني ليال لا يَبْرَح مكانَه،
ويقال للذي يُصْبح حيث أَمْسى ولم يبرح مكانه سادٍ، وأَصله من السُّدَى
وهو المُهْمَلُ وهذا الصحيح. والعَيْقةُ: ساحل البحر، يَلْوِي بَعيقات أَي
يذهب بما في ساحل البحر. ويُجْنَبُ أَي تَصِيبه الجَنُوب؛ وقال القتيبي
في قول أَبي خِراش الهذلي:
فلمّا رأَيْنَ الشمْسَ صارت كأَنها،
فُوَيْقَ البَضِيعِ في الشُّعاعِ، خَمِيلُ
قال: البَضِيعُ جزيرة من جزائر البحر، يقول: لما همَّت بالمَغِيب رأَينَ
شُعاعَها مثل الخَمِيلِ وهو القَطِيفة. والبُضَيعُ مصغَّر: مكان في
البحر؛ وهو في شعر حسّان بن ثابت في قوله:
أَسَأَلْتَ رَسْمَ الدارِ أَمْ لم تَسْأَلِ
بَيْنَ الخَوابي، فالبُضَيْعِ فحَوْمَلِ
قال الأَثرم: وقيل هو البُصَيْعُ، بالصاد غير المعجمة، قال الأَزهري:
وقد رأَيته وهو جبل قصير أَسود على تلّ بأَرض البلسةِ فيما بين سيل وذات
الصَّنَمين بالشام من كُورة دِمَشْق، وقيل: هو اسم موضع ولم يُعَيَّنْ.
والبَضِيعُ والبُضَيْعُ وباضِعٌ: مواضِعُ.
وبئر بُضاعة التي في الحديث، تكسر وتضم، وفي الحديث: أَنه سئل عن بئر
بُضاعة قال: هي بئر معروفة بالمدينة، والمحفوظ ضم الباء، وأَجاز بعضهم
كسرها وحكي بالصاد المهملة.
وفي الحديث ذكر أَبْضَعة، وهو مَلِك من كِنْدةَ بوزن أَرْنَبة، وقيل: هو
بالصاد المهملة.
وقال البشتي: مررت بالقوم أَجمعين أَبضعين، بالضاد، قال الأَزهري: وهذا
تصحيف واضح، قال أَبو الهيثم الرازي: العرب تُوَكِّد الكلمة بأَربعة
توَاكِيدَ فتقول: مررت بالقوم أَجمعين أَكتعين أَبصعين أَبتعين، بالصاد،
وكذلك روي عن ابن الأَعرابي قال: وهو مأْخوذ من البَصْع وهو الجمْع.