شيخ البخاري، في الحديث.
المتوفى: سنة 211، إحدى عشرة ومائتين.
صنع: صَنَعَه يَصْنَعُه صُهْعاً، فهو مَصْنوعٌ وصُنْعٌ: عَمِلَه. وقوله
تعالى: صُنْعَ اللهِ الذي أَتْقَنَ كُلَّ شيء؛ قال أَبو إِسحق: القراءة
بالنصب ويجوز الرفع، فمن نصب فعلى المصدر لأَن قوله تعالى: وترى الجِبالَ
تَحْسَبُها جامِدةً وهي تَمُرُّ مَرَّ السّحابِ، دليل على الصَّنْعةِ كأَنه
قال صَنَعَ اللهُ ذلك صُنْعاً، ومن قرأَ صُنْعُ الله فعلى معنى ذلك صُنْعُ
الله.
واصْطَنَعَه: اتَّخَذه. وقوله تعالى: واصْطَنَعْتُك لنفسي، تأْويله
اخترتك لإِقامة حُجَّتي وجعلتك بيني وبين خَلْقِي حتى صِرْتَ في الخطاب عني
والتبليغ بالمنزلة التي أَكون أَنا بها لو خاطبتهم واحتججت عليهم؛ وقال
الأَزهري: أَي ربيتك لخاصة أَمري الذي أَردته في فرعون وجنوده. وفي حديث آدم:
قال لموسى، عليهما السلام: أَنت كليم الله الذي اصْطَنَعَك لنفسه؛ قال ابن
الأَثير: هذا تمثيل لما أَعطاه الله من منزلة التقْرِيبِ والتكريمِ.
والاصطِناع: افتِعالٌ من الصنِيعة وهي العَطِيّةُ والكرامة والإِحسان. وفي
الحديث: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: لا تُوقِدُوا بليل ناراً، ثم قال:
أَوْقِدوا واصْطَنِعُوا فإِنه لن يُدرِك قوم بعدكم مُدَّكم ولا صاعَكُم؛
قوله اصطَنِعوا أَي اتَّخِذوا صَنِيعاً يعني طَعاماً تُنْفِقُونه في سبيل
الله. ويقال: اططَنَعَ فلان خاتماً إِذا سأَل رجلاً أَن يَصْنَع له خاتماً.
وروى ابن عمر أَن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، اصطَنَعَ خاتماً من ذهب
كان يجعل فَصَّه في باطن كَفِّه إِذا لبسه فصنَعَ الناسُ ثم إِنه رَمى به،
أَي أَمَر أَن يُصْنَعَ له كما تقول اكتَتَبَ أَي أَمَر أَن يُكْتَبَ له،
والطاءُ بدل من تاء الافتعال لأَجل الصاد.
واسْتَصْنَعَ الشيءَ: دَعا إِلى صُنْعِه؛ وقول أَبي ذؤَيب:
إِذا ذَكَرَت قَتْلى بَكَوساءَ أَشْعَلَتْ،
كَواهِيةِ الأَخْرات رَثّ صُنُوعُها
قال بان سيده: صُنوعُها جمع لا أَعرف له واحداً. والصَّناعةُ: حِرْفةُ
الصانِع، وعَمَلُه الصَّنْعةُ. والصِّناعةُ: ما تَسْتَصْنِعُ من أَمْرٍ؛
ورجلٌ صَنَعُ اليدِ وصَنَاعُ اليدِ من قوم صَنَعَى الأَيْدِي وصُنُعٍ
وصُنْع، وأَما سيبويه فقال: لا يُكَسَّر صَنَعٌ، اسْتَغْنَوا عنه بالواو
والنون. ورجل صَنِيعُ اليدين وصِنْعُ اليدين، بكسر الصاد، أَي صانِعٌ حاذِقٌ،
وكذلك رجل صَنَعُ اليدين، بالتحريك؛ قال أَبو ذؤيب:
وعليهِما مَسْرُودتانِ قَضاهُما
داودُ، أَو صَنَعُ السَّوابِغِ تُبَّعُ
هذه رواية الأَصمعي ويروى: صَنَعَ السَّوابِغَ؛ وصِنْعُ اليدِ من قوم
صِنْعِي الأَيْدِي وأَصْناعِ الأَيْدِي، وحكى سيبويه الصِّنْعَ مُفْرداً.
وامرأَة صَناعُ اليدِ أَي حاذِقةٌ ماهِرة بعمل اليدين، وتُفْرَدُ في
المرأَة من نسوة صُنُعِ الأَيدي، وفي الصحاح: وامرأَة صَناعُ اليدين ولا يفرد
صَناعُ اليد في المذكر؛ قال ابن بري: والذي اختاره ثعلب رجل صَنَعُ اليد
وامرأَة صَناعُ اليد، فَيَجْعَلُ صَناعاً للمرأَة بمنزلة كَعابٍ ورَداحٍ
وحَصانٍ؛ وقال ابن شهاب الهذلي:
صَناعٌ بِإِشْفاها، حَصانٌ بِفَرْجِها،
جوادٌ بقُوتِ البَطْنِ، والعِرْقُ زاخِرُ
وجَمْعُ صَنَع عند سيبويه صَنَعُون لا غير، وكذلك صِنْعٌ؛ يقال: رجال
صِنْعُو اليد، وجمعُ صَناعٍ صُنُعٌ، وقال ابن درستويه: صَنَعٌ مصدرٌ وُصِفَ
به مثل دَنَفٍ وقَمَنٍ، والأَصل فيه عنده الكسر صَنِعٌ ليكون بمنزلة
دَنِفٍ وقَمِنٍ، وحكي أَنَّ فِعله صَنِع يَصْنَعُ صَنَعاً مثل بَطِرَ
بَطَراً، وحكى غيره أَنه يقال رجل صَنِيعٌ وامرأَة صنِيعةٌ بمعنى صَناع؛ وأَنشد
لحميد بن ثور:
أَطافَتْ به النِّسْوانُ بَيْنَ صَنِيعةٍ،
وبَيْنَ التي جاءتْ لِكَيْما تَعَلَّما
وهذا يدل أَنَّ اسم الفاعل من صَنَعَ يَصْنَعُ صَنِيعٌ لا صَنِعٌ لأَنه
لم يُسْمَعْ صَنِعٌ؛ هذا جميعُه كلا ابن بري. وفي المثل: لا تَعْدَمُ
صَناعٌ ثَلَّةً؛ الثَّلَّةُ: الصوف والشعر والوَبَر. وورد في الحديث: الأَمةُ
غيرُ الصَّناعِ. قال ابن جني: قولهم رجل صَنَع اليدِ وامرأَة صَناعُ
اليدِ دليل على مشابهة حرف المدّ قبل الطرَف لتاء التأْنيث، فأَغنت الأَلفُ
قبل الطرَف مَغْنَى التاء التي كانت تجب في صنَعة لو جاء على حكم نظيره نحو
حسَن وحسَنة؛ قال ابن السكيت: امرأَة صَناعٌ إِذا كانت رقِيقةَ اليدين
تُسَوِّي الأَشافي وتَخْرِزُ الدِّلاء وتَفْرِيها. وامرأَة صَناعٌ: حاذقةٌ
بالعمل: ورجل صَنَعٌ إِذا أُفْرِدَتْ فهي مفتوحة محركة، ورجل صِنْعُ
اليدِ وصِنْعُ اليدين، مكسور الصاد إِذا أُضيفت؛ قال الشاعر:
صِنْعُ اليَدَيْنِ بحيثُ يُكْوَى الأَصْيَدُ
وقال آخر:
أَنْبَلُ عَدْوانَ كلِّها صَنَعا
وفي حديث عمر: حين جُرِحَ قال لابن عباس انظر مَن قَتَلَني، فقال: غلامُ
المُغِيرةِ بنِ شُعْبةَ، قال: الصَّنَعُ؟ قال: نعم. يقال: رجل صَنَعٌ
وامرأَة صَناع إِذا كان لهما صَنْعة يَعْمَلانِها بأَيديهما ويَكْسِبانِ
بها. ويقال: امرأَتانِ صَناعانِ في التثنية؛ قال رؤبة:
إِمّا تَرَيْ دَهْرِي حَناني حَفْضا،
أَطْرَ الصَّناعَيْنِ العَرِيشَ القَعْضا
ونسوة صُنُعٌ مثل قَذالٍ وقُذُلٍ. قال الإِيادي: وسمعت شمراً يقول رجل
صَنْعٌ وقَومٌ صَنْعُونَ، بسكون النون. ورجل صَنَعُ اللسانِ ولِسانٌ
صَنَعٌ، يقال ذلك للشاعر ولكل بيِّن
(* قوله« بين» في القاموس وشرحه: يقال ذلك
للشاعر الفصيح ولكل بليغ بين) وهو على المثل؛ قال حسان بن ثابت:
أَهدَى لَهُم مِدَحي قَلْبٌ يُؤازِرُه،
فيما أَراد، لِسانٌ حائِكٌ صَنَعُ
وقال الراجز في صفة المرأَة:
وهْيَ صناعٌ باللِّسان واليَدِ
وأَصنَعَ الرجلُ إِذا أَعانَ أَخْرَقَ.
والمَصْنَعةُ: الدَّعْوةُ يَتَّخِذُها الرجلُ ويَدْعُو إِخوانه إِليها؛
قال الراعي:
ومَصْنَعة هُنَيْدَ أَعَنْت فيها
قال الأَصمعي: يعني مَدْعاةً. وصَنْعةُ الفرَسِ: حُسْنُ القِيامِ عليه.
وصَنَعَ الفَرَسَ يَصْنَعُه صَنْعاً وصَنْعةً، وهو فرس صنِيعٌ: قام عليه.
وفرس صنِيعٌ للأُنثى، بغير هاء، وأرى اللحياني خص به الأُنثى من الخيل؛
وقال عدي بن زيد:
فَنَقَلْنا صَنْعَه حتى شَتا،
ناعِمَ البالِ لَجُوجاً في السَّنَنْ
وقوله تعالى: ولِتُصْنَعَ على عَيْني؛ قيل: معناه لِتُغَذَّى، قال
الأَزهري: معناه لتُرَبَّى بِمَرْأَى مِنّي. يقال: صَنَعَ فلان جاريته إِذا
رَبّاها، وصَنَع فرسه إِذا قام بِعَلَفِه وتَسْمِينه، وقال الليث: صَنع
فرسه، بالتخفيف، وصَنَّعَ جاريته، بالتشديد، لأَن تصنيع الجارية لا يكون
إِلا بأَشياء كثيرة وعلاج؛ قال الأَزهري: وغير الليث يُجِيز صنع جاريته
بالخفيف؛ ومنه قوله: ولتصنع على عيني.
وتَصَنَّعَتِ المرأَة إِذا صَنَعَتْ نَفْسها.
وقومٌ صَناعيةٌ أَي يَصْنَعُون المال ويُسَمِّنونه؛ قال عامر بن الطفيل:
سُودٌ صَناعِيةٌ إِذا ما أَوْرَدُوا،
صَدَرَتْ عَتُومُهُمُ، ولَمَّا تُحْلَب
الأَزهري: صَناعِيةٌ يصنعون المال ويُسَمِّنُون فُصْلانهم ولا يَسْقُون
أَلبان إِبلهم الأَضياف، وقد ذكرت الأَبيات كلها في ترجمة صلمع.
وفرَسٌ مُصانِعٌ: وهو الذي لا يُعْطِيك جميع ما عنده من السير له صَوْنٌ
يَصُونه فهو يُصانِعُكَ ببَذْله سَيْرَه.
والصنِيعُ: الثَّوْبُ الجَيِّدُ النقي؛ وقول نافع بن لقيط الفقعسي
أَنشده ابن الأَعرابي:
مُرُطٌ القِذاذِ، فَلَيْسَ فيه مَصْنَعٌ،
لا الرِّيشُ يَنفَعُه، ولا التَّعْقِيبُ
فسّره فقال: مَصْنَعٌ أَي ما فيه مُسْتَمْلَحٌ. والتَّصَنُّعُ: تكَلُّفُ
الصَّلاحِ وليس به. والتَّصَنُّعُ: تَكَلُّفُ حُسْنِ السَّمْتِ
وإِظْهارُه والتَّزَيُّنُ به والباطنُ مدخولٌ. والصِّنْعُ: الحَوْضُ، وقيل:
شِبْهُ الصِّهْرِيجِ يُتَّخَذُ للماء، وقيل: خشبة يُحْبَسُ بها الماء
وتُمْسِكُه حيناً، والجمع من كل ذلك أَصناعٌ. والصَّنَّاعةُ: كالصِّنْع التي هي
الخشبَة. والمَصْنَعةُ والمَصْنُعةُ: كالصِّنْعِ الذي هو الحَوْض أَو شبه
الصِّهْرِيجِ يُجْمَعُ فيه ماءُ المطر. والمَصانِعُ أَيضاً: ما يَصْنَعُه
الناسُ من الآبار والأَبْنِيةِ وغيرها؛ قال لبيد:
بَلِينا وما تَبْلى النُّجومُ الطَّوالِعُ،
وتَبْقى الدِّيارُ بَعْدَنا والمَصانِعُ
قال الأَزهري: ويقال للقُصور أَيضاً مَصانعُ؛ وأَما قول الشاعر أَنشده
ابن الأَعرابي:
لا أُحِبُّ المُثَدَّناتِ اللَّواتِي،
في المَصانِيعِ، لا يَنِينَ اطِّلاعا
فقد يجوز أَن يُعْنى بها جميع مَصْنعةٍ، وزاد الياء للضرورة كما قال:
نَفْيَ الدّراهِيمِ تَنْقادُ الصَّيارِيفِ
وقد يجوز أَن يكون جمع مَصْنُوعٍ ومَصْنوعةٍ كَمَشْؤومٍ ومَشائِيم
ومَكْسُور ومكاسِير. وفي التنزيل: وتَتَّخِذون مصانِعَ لعلكم تَخْلُدُون؛
المَصانِعُ في قول بعض المفسرين: الأَبنية، وقيل: هي أَحباسٌ تتخذ للماء،
واحدها مَصْنَعةٌ ومَصْنَعٌ، وقيل: هي ما أُخذ للماء. قال الأَزهري: سمعت
العرب تسمي أَحباسَ الماءِ الأَصْناعَ والصُّنوعَ، واحدها صِنْعٌ؛ وروى أَبو
عبيد عن أَبي عمرو قال: الحِبْسُ مثل المَصْنَعةِ، والزَّلَفُ
المَصانِعُ، قال الأَصمعي: وهي مَساكاتٌ لماءِ السماء يَحْتَفِرُها الناسُ
فيَمْلَؤُها ماءُ السماء يشربونها.وقال الأَصمعي: العرب تُسَمِّي القُرى
مَصانِعَ، واحدتها مَصْنَعة؛ قال ابن مقبل:
أَصْواتُ نِسوانِ أَنْباطٍ بِمَصْنَعةٍ،
بجَّدْنَ لِلنَّوْحِ واجْتَبْنَ التَّبابِينا
والمَصْنعةُ والمَصانِعُ: الحُصون؛ قال ابن بري: شاهده قول البعيث:
بَنى زِيادٌ لذِكر الله مَصْنَعةً،
مِنَ الحجارةِ، لم تُرْفَعْ مِنَ الطِّينِ
وفي الحديث: مَنْ بَلَغَ الصِّنْعَ بِسَهْمٍ؛ الصِّنْعُ، بالكسر:
المَوْضِعُ يُتَّخَذُ للماء، وجمعه أَصْناعٌ، وقيل: أَراد بالصِّنْع ههنا
الحِصْنَ. والمَصانِعُ: مواضِعُ تُعْزَلُ للنحل مُنْتَبِذةً عن البيوت، واحدتها
مَصْنَعةٌ؛ حكاه أَبو حنيفة. والصُّنْعُ: الرِّزْق. والصُّنْعُ، بالضم:
مصدر قولك صَنَعَ إِليه معروفاً، تقول: صَنَعَ إِليه عُرْفاً صُنْعاً
واصْطَنَعه، كلاهما: قَدَّمه، وصَنَع به صَنِيعاً قَبيحاً أَي فَعَلَ.
والصَّنِيعةُ: ما اصْطُنِعَ من خير. والصَّنِيعةُ: ما أَعْطَيْتَه
وأَسْدَيْتَه من معروف أَو يد إِلى إِنسان تَصْطَنِعُه بها، وجمعها
الصَّنائِعُ؛ قال الشاعر:
إِنَّ الصَّنِيعةَ لا تَكونُ صَنِيعةً،
حتى يُصابَ بِها طَرِيقُ المَصْنَعِ
واصْطَنَعْتُ عند فلان صَنِيعةً، وفلان صَنيعةُ فلان وصَنِيعُ فلات إِذا
اصْطَنَعَه وأَدَّبَه وخَرَّجَه ورَبَّاه. وصانَعَه: داراه ولَيَّنَه
وداهَنَه. وفي حديث جابر: كالبَعِيرِ المَخْشُوشِ الذي يُصانِعُ قائدَهُ أَي
يداريه. والمُصانَعةُ: أَن تَصْنَعَ له شيئاً ليَصْنَعَ لك شيئاً آخر،
وهي مُفاعَلةٌ من الصُّنْعِ. وصانِعَ الوالي: رَشاه. والمُصانَعةُ:
الرَّشْوةُ. وفي لمثل: من صانَعَ بالمال لم يَحْتَشِمْ مِنْ طَلَب الحاجةِ.
وصانَعَه عن الشيء: خادَعه عنه. ويقال: صانَعْتُ فلاناً أَي رافَقْتُه.
والصِّنْعُ: السُّودُ
(* قوله« والصنع السود» كذا بالأصل، وعبارة القاموس مع
شرحه: والصنع، بالكسر، السفود، هكذا في سائر النسخ ومثله في العباب
والتكملة، ووقع في اللسان: والصنع السود، ثم قال: فليتأمل في العبارتين؛) قال
المرّارُ يصف الإِبل:
وجاءَتْ، ورُكْبانُها كالشُّرُوب،
وسائِقُها مِثْلُ صِنْعِ الشِّواء
يعني سُودَ الأَلوان، وقيل: الصِّنْعُ الشِّواءُ نَفْسُه؛ عن ابن
الأَعرابي. وكلُّ ما صُنِعَ فيه، فهو صِنْعٌ مثل السفرة أَو غيرها. وسيف
صَنِيعٌ: مُجَرَّبٌ مَجْلُوٌّ؛ قال عبد الرحمن بن الحكم بن أَبي العاصي يمدح
معاوية:
أَتَتْكَ العِيسُ تَنْفَحُ في بُراها،
تَكَشَّفُ عن مَناكِبها القُطُوعُ
بِأَبْيَضَ مِنْ أُميّة مَضْرَحِيٍّ،
كأَنَّ جَبِينَه سَيْفٌ صَنِيعُ
وسهم صَنِيعٌ كذلك، والجمع صُنُعٌ؛ قال صخر الغيّ:
وارْمُوهُمُ بالصُّنُعِ المَحْشُورَهْ
وصَنْعاءُ، ممدودة: ببلدة، وقيل: هي قَصَبةُ اليمن؛ فأَما قوله:
لا بُدَّ مِنْ صَنْعا وإِنْ طالَ السَّفَرْ
فإِنما قَصَرَ للضرورة، والإِضافة إِليه صَنْعائي، على غير قياس، كما
قالوا في النسبة إِلى حَرّانَ حَرْنانيٌّ، وإِلى مانا وعانا مَنَّانِيّ
وعَنَّانِيٌّ، والنون فيه بدل من الهمزة في صَنْعاء؛ حكاه سيبويه، قال ابن جني:
ومن حُذَّاقِ أَصحابنا من يذهب إِلى أَنَّ النون في صنعانيّ إِنما هي بدَل
من الواو التي تبدل من همزة التأْنيث في النسب، وأَن الأَصل صَنْعاوِيّ
وأَن النون هناك بدل من هذه الواو كما أَبدلت الواو من النون في قولك: من
وَّافِدِ، وإن وَّقَفْتَ وقفتُ، ونحو ذلك، قال: وكيف تصرّفتِ الحالُ فالنون
بدل من بدل من الهمزة، قال: وإِنما ذهب من ذهب إِلى هذا لأَنه لم ير
النون أُبْدِلَتْ من الهمزة في غير هذا، قال: وكان يحتج في قولهم إِن نون
فَعْلانَ بدل من همزة فَعْلاء فيقول: ليس غرضهم هنا البدل الذي هو نحو قولهم في
ذِئْبٍ ذيب، وفي جُؤْنةٍ، وإِنما يريدون أَن النون تُعاقِبُ في هذا الموضع
الهمزة كما تعاقب امُ المعرفة التنوينَ أَي لا تجتمع معه، فلما لم
تجامعه قيل إِنها بدل منه، وكذلك النون والهمزة. والأَصْناعُ: موضع؛ قال عمرو
بن قَمِيئَة:
وضَعَتْ لَدَى الأَصْناعِ ضاحِيةً،
فَهْيَ السّيوبُ وحُطَّتِ العِجَلُ
وقولهم: ما صَنَعْتَ وأَباك؟ تقديره مَعَ أَبيك لأَن مع والواو جميعاً
لما كانا للاشتراك والمصاحبة أُقيم أَحدهما مُقامَ الآخَر، وإِنما نصب
لقبح العطف على المضمر المرفوع من غير توكيد، فإِن وكدته رفعت وقلت: ما صنعت
أَنت وأَبوك؟ واما الذي في حديث سعد: لو أَنّ لأَحدكم وادِيَ مالٍ مرّ
على سبعة أَسهم صُنُعٍ لَكَلَّفَتْه نفْسُه أَن ينزل فيأْخذها؛ قال ابن
الأَثير: كذا قال صُنُع، قاله الحربي، وأَظنه صِيغةً أَي مستوية من عمل رجل
واحد. وفي الحديث: إِذا لم تَسْتَحْيِ فاصْنَعْ ما شئتَ؛ قال جرير: معناه
أَن يريد الرجل أَن يَعْمَلَ الخيرَ فَيَدَعَه حَياء من الناس كأَنه يخاف
مذهب الرياء، يقول فلا يَمْنَعَنك الحَياءُ من المُضِيّ لما أَردت؛ قال
أَبو عبيد: والذي ذهب إِليه جرير معنى صحيح في مذهبه ولكن الحديث لا تدل
سِياقتُه ولا لفظه على هذا التفسير، قال: ووجهه عندي أَنه أَراد بقوله
إِذا لم تَسْتَحْي فاصنع ما شئت إِنما هو من لم يَسْتَحِ صَنَعَ ما شاء على
جهة الذمّ لترك الحياء، ولم يرد بقوله فاصنع ما شئت أَن يأْمرع بذلك
أَمراً، ولكنه أَمرٌ معناه الخبر كقوله، صلى الله عليه وسلم: من كذب عليّ
مُتَعَمِّداً فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَه من النار، والذي يراد من الحديث
أَنه حَثَّ على الحياء، وأَمرَ به وعابَ تَرْكَه؛ وقيل: هو على الوعيد
والتهديد اصنع ما شئت فإِن الله مجازيك، وكقوله تعالى: اعملوا ما شئتم، وذكر ذلك
كله مستوفى في موضعه؛ وأَنشد:
إِذا لَمْ تَخْشَ عاقِبةَ اللّيالي،
ولمْ تَسْتَحْي، فاصْنَعْ ما تشاءُ
وهو كقوله تعالى: فمن شاء فَلْيُؤْمِنْ ومن شاء فَلْيَكْفُرْ. وقال ابن
الأَثير في ترجمة ضيع: وفي الحديث تُعِينُ ضائِعاً أَي ذا ضياعٍ من قَفْر
أَو عِيالٍ أَو حال قَصَّر عن القيام بها، قال: ورواه بعضهم بالصاد
المهملة والنون، وقيل: إِنه هو الصواب، وقيل: هو في حديث بالمهملة وفي آخر
بالمعجمة، قال: وكلاهما صواب في المعنى.
برر: البِرُّ: الصِّدْقُ والطاعةُ. وفي التنزيل: ليس البِرَّ أَنْ
تُوَلُّوا وجُوهَكُمْ قِبَلَ المَشْرِقِ والمَغْرِبِ ولكنْ البِرَّ مَنْ آمنَ
باللهِ؛ أَراد ولكنَّ البِرَّ بِرُّ مَنْ آمن بالله؛ قال ابن سيده: وهو
قول سيبويه، وقال بعضهم: ولكنَّ ذا الْبِرّ من آمن بالله؛ قال ابن جني:
والأَول أَجود لأَن حذف المضاف ضَرْبٌ من الاتساع والخبر أَولى من المبتدإ
لأَن الاتساع بالأَعجاز أَولى منه بالصدور. قال: وأَما ما يروى من أَن
النَّمِرَ بنَ تَوْلَب قال: سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول: ليس
من امْبِرِّ امْصِيامُ في امْسَفَرِ؛ يريد: ليس من البر الصيام في
السفر، فإِنه أَبدل لام المعرفة ميماً، وهو شاذ لا يسوغ؛ حكاه عنه ابن جني؛
قال: ويقال إِن النمر بن تولب لم يرو عن النبي، صلى الله عليه وسلم، غير
هذا الحديث؛ قال: ونظيره في الشذوذ ما قرأْته على أَبي عليّ بإِسناده إِلى
الأَصمعي، قال: يقال بَناتُ مَخْرٍ وبَناتُ بَخْرٍ وهن سحائب يأْتين
قَبْلَ الصيف بيضٌ مُنْتَصِباتٌ في السماء. وقال شمر في تفسير قوله، صلى الله
عليه وسلم: عليكم بالصِّدْق فإِنه يَهْدي إِلى البِرِّ؛ اختلف العلماء
في تفسير البر فقال بعضهم: البر الصلاح، وقال بعضهم: البر الخير. قال: ولا
أَعلم تفسيراً أَجمع منه لأَنه يحيط بجميع ما قالوا؛ قال: وجعل لبيدٌ
البِرَّ التُّقى حيث يقول:
وما البِرُّ إِلا مُضْمَراتٌ مِنَ التُّقى
قال: وأَما قول الشاعر:
تُحَزُّ رؤُوسهم في غيرِ بِرّ
معناه في غير طاعة وخير. وقوله عز وجل: لَنْ تنالوا البِرَّ حتى
تُنْفِقُوا مما تُحِبُّونَ؛ قال الزجاج: قال بعضهم كلُّ ما تقرّب به إِلى الله
عز وجل، من عمل خير، فهو إِنفاق. قال أَبو منصور: والبِرُّ خير الدنيا
والآخرة، فخير الدنيا ما ييسره الله تبارك وتعالى للعبد من الهُدى
والنِّعْمَةِ والخيراتِ، وخَيْرُ الآخِرَةِ الفَوْزُ بالنعيم الدائم في الجنة، جمع
الله لنا بينهما بكرمه ورحمته.
وبَرَّ يَبَرُّ إِذا صَلَحَ. وبَرَّ في يمينه يَبَرُّ إِذا صدقه ولم
يَحْنَثْ. وبَرَّ رَحِمَهُ
(* قوله «وبرّ رحمه إلخ» بابه ضرب وعلم). يَبَرُّ
إِذا وصله. ويقال: فلانٌ يَبَرُّ رَبَّهُ أَي يطيعه؛ ومنه قوله:
يَبَرُّك الناسُ ويَفْجُرُونَكا
ورجلٌ بَرٌّ بذي قرابته وبارٌّ من قوم بَرَرَةٍ وأَبْرَارٍ، والمصدر
البِرُّ. وقال الله عز وجل: لَيْسَ البِرِّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكم قِبَلَ
المشرق والمغرب ولكنَّ البِرَّ من آمن بالله؛ أَراد ولكن البِرَّ بِرُّ
من آمن بالله؛ قول الشاعر:
وكَيْفَ تُواصِلُ مَنْ أَصْبَحَتْ
خِلالَتُهُ كأَبي مَرْحَبِ؟
أَي كخِلالَةِ أَبي مَرْحَبٍ. وتَبارُّوا، تفاعلوا: من البِرّ. وفي حديث
الاعتكاف: أَلْبِرَّ تُرِدْنَ؛ أَي الطاعةَ والعبادَةَ. ومنه الحديث:
ليس من البر الصيام في السفر. وفي كتاب قريش والأَنصار: وإِنَّ البِرَّ دون
الإِثم أَي أَن الوفاء بما جعل على نفسه دون الغَدْر والنَّكْث.
وبَرَّةُ: اسْمٌ عَلَمٌ بمعنى البِر، مَعْرِفَةٌ، فلذلك لم يصرف، لأَنه
اجتمع فيه التعريف والتأْنيث، وسنذكره في فَجارِ؛ قال النابغة:
إِنَّا اقْتَسَمْنا خُطَّتَيْنا بَيْنَنا،
فَحَمَلْتُ بَرَّةَ واحْتَمَلْتَ فَجارِ
وقد بَرَّ رَبَّه. وبَرَّتْ يمينُه تَبَرُّ وتَبِرُّ بَرّاً وبِرّاً
وبُرُوراً: صَدَقَتْ. وأَبَرَّها: أَمضاها على الصِّدْقِ والبَرُّ: الصادقُ.
وفي التنزيل العزيز: إِنه هو البَرُّ الرحيمُ. والبَرُّ، من صفات الله
تعالى وتقدس: العَطُوفُ الرحيم اللطيف الكريم. قال ابن الأَثير: في أَسماء
الله تعالى البَرُّ دون البارِّ، وهو العَطُوف على عباده بِبِرَّهِ
ولطفه. والبَرُّ والبارُّ بمعنًى، وإِنما جاء في أَسماء الله تعالى البَرُّ
دون البارّ. وبُرَّ عملُه وبَرَّ بَرّاً وبُرُوراً وأَبَرَّ وأَبَرَّه
الله؛ قال الفراء: بُرَّ حَجُّه، فإِذا قالوا: أَبَرَّ الله حَجَّك، قالوه
بالأَلف. الجوهري: وأَبَرَّ اللهُ حَجَّك لغة في بَرَّ اللهُ حَجَّك أَي
قَبِلَه؛ قال: والبِرُّ في اليمين مثلُه. وقالوا في الدعاء: مَبْرُورٌ
مَأْجُورٌ ومَبرُوراً مَأْجوراً؛ تميمٌ ترفع على إِضمار أَنتَ، وأَهلُ
الحجاز ينصبون على اذْهَبْ مَبْرُوراً. شمر: الحج المَبْرُورُ الذي لا يخالطه
شيء من المآثم، والبيعُ المبرورُ: الذي لا شُبهة فيه ولا كذب ولا خيانة.
ويقال: بَرَّ فلانٌ ذا قرابته يَبَرُّ بِرّاً، وقد برَرْتُه أَبِرُّه،
وبَرَّ حَجُّكَ يَبَرُّ بُرُوراً، وبَرَّ الحجُّ يَبِرُّ بِرّاً، بالكسر،
وبَرَّ اللهُ حَجَّهُ وبَرَّ حَجُّه. وفي حديث أَبي هريرة قال: قال رسولُ
الله، صلى الله عليه وسلم: الحجُّ المبرورُ ليس له جزاءٌ إِلا الجنةُ؛
قال سفيان: تفسير المبرور طِيبُ الكلام وإِطعام الطعام، وقيل: هو المقبولُ
المقابَلُ بالبرِّ وهو الثواب؛ يقال: بَرَّ اللهُ حَجَّه وأَبَرَّهُ
بِرّاً، بالكسر، وإِبْرَاراً. وقال أَبو قِلابَةَ لرجل قَدِمَ من الحج: بُرَّ
العملُ؛ أَرادَ عملَ الحج، دعا له أَن يكون مَبْرُوراً لا مَأْثَمَ فيه
فيستوجب ذلك الخروجَ من الذنوب التي اقْتَرَفَها. وروي عن جابر بن
عبدالله قال: قالوا: يا رسول الله، ما بِرُّ الحجِّ؟ قال: إِطعامُ الطعام
وطِيبُ الكلامِ.
ورجل بَرٌّ من قوم أَبرارٍ، وبارٌّ من قوم بَرَرَةٍ؛ وروي عن ابن عمر
أَنه قال: إِنما سماهم الله أَبْراراً لأَنهم بَرُّوا الآباءَ والأَبناءَ.
وقال: كما أَن لك على ولدك حقّاً كذلك لولدك عليك حق. وكان سفيان يقول:
حقُّ الولدِ على والده أَن يحسن اسمه وأَن يزوّجه إِذا بلغ وأَن يُحِجَّه
وأَن يحسن أَدبه. ويقال: قد تَبَرَّرْتَ في أَمرنا أَي تَحَرَّجْتَ؛ قال
أَبو ذؤيب:
فقالتْ: تَبَرَّرْتَ في جَنْبِنا،
وما كنتَ فينا حَدِيثاً بِبِرْ
أَي تَحَرَّجْتَ في سَبْيِنا وقُرْبِنا. الأَحمَر: بَرَرْتُ قسَمي
وبَرَرْتُ والدي؛ وغيرُه لا يقول هذا. وروي المنذري عن أَبي العباس في كتاب
الفصيح: يقال صَدَقْتُ وبَرِرْتُ، وكذلك بَرَرْتُ والدي أَبِرُّه. وقال
أَبو زيد: بَرَرْتُ في قسَمِي وأَبَرَّ اللهُ قَسَمِي؛ وقال الأَعور
الكلبي:
سَقَيْناهم دِماءَهُمُ فَسالَتْ،
فأَبْرَرْنَا إِلَيْه مُقْسِمِينا
وقال غيره: أَبَرَّ فلانٌ قَسَمَ فلان وأَحْنَثَهُ، فأَما أَبَرَّه
فمعناه أَنه أَجابه إِلى ما أَقسم عليه، وأَحنثه إِذا لم يجبه. وفي الحديث:
بَرَّ اللهُ قَسَمَه وأَبَرَّه بِرّاً، بالكسر، وإِبراراً أَي صدقه؛ ومنه
حديث أَبي بكر: لم يَخْرُجْ من إِلٍّ ولا بِرٍّ أَي صِدْقٍ؛ ومنه الحديث:
أَبو إِسحق: أُمِرْنا بِسَبْعٍ منها إِبرارُ القَسَمِ.
أَبو سعيد: بَرَّتْ سِلْعَتُه إِذا نَفَقَتْ، قال والأَصل في ذلك أَن
تُكافئه السِّلْعَةُ بما حَفِظها وقام عليها، تكافئه بالغلاء في الثمن؛ وهو
من قول الأَعشى يصف خمراً:
تَخَيَّرَها أَخو عاناتَ شَهْراً،
ورَجَى بِرَّها عاماً فعاما
والبِرُّ: ضِدُّ العُقُوقُ، والمَبَرَّةُ مثله. وبَرِرْتُ والدي،
بالكسر، أَبَرُّهُ بِرّاً وقد بَرَّ والدَه يَبَرُّه ويَبِرُّه بِرّاً،
فَيَبَرُّ على بَرِرْتُ ويَبِرُّ على بَرَرْتُ على حَدِّ ما تقدَّم في اليمين؛
وهو بَرٌّ به وبارٌّ؛ عن كراع، وأَنكر بعضهم بارٌّ. وفي الحديث:
تَمَسَّحُوا بالأَرضِ فإِنها بَرَّةٌ بكم أَي تكون بيوتكم عليها وتُدْفَنُون
فيها. قال ابن الأَثير: قوله فإنها بكم برة أي مشفقة عليكم كالوالدة البَرَّة
بأَولادها يعني أَن منها خلقكم وفيها معاشكم وإِليها بعد الموت معادكم؛
وفي حديث زمزم: أَتاه آتٍ فقال: تحْفِرْ بَرَّة؛ سماها بَرَّةً لكثرة
منافعها وسعَةِ مائها. وفي الحديث: أَنه غَيَّرَ اسْمَ امرأَةٍ كانت
تُسَمَّى بَرَّةَ فسماها زينب، وقال: تزكي نفسها، كأَنه كره ذلك. وفي حديث حكِيم
بن حِزامٍ: أَرأَيتَ أُموراً كنتُ أَبْرَرْتُها أَي أَطْلُبُ بها
البِرِّ والإِحسان إِلى الناس والتقرّب إِلى الله تعالى. وجمعُ البَرّ
الأَبْرارُ، وجمعُ البارّ البَرَرَةُ. وفلانٌ يَبَرُّ خالقَه ويَتَبَرَّرهُ أَي
يطيعه؛ وامرأَة بَرّةٌ بولدها وبارّةٌ. وفي الحديث، في بِرّ الوالدين: وهو
في حقهما وحق الأَقْرَبِين من الأَهل ضِدُّ العُقوق وهو الإِساءةُ
إِليهم والتضييع لحقهم. وجمع البَرِّ أَبْرارٌ، وهو كثيراً ما يُخَصُّ
بالأَولياء، والزُّهَّاد والعُبَّدِ، وفي الحديث: الماهِرُ بالقرآن مع
السَّفَرَةِ الكرامِ البَرَرَةِ أَي مع الملائكة. وفي الحديث: الأَئمةُ من قريش
أَبْرارُها أُمراءُ أَبْرارِها وفُجَّارُها أُمراءُ فُجَّارها؛ قال ابن
الأَثير: هذا على جهة الإِخبار عنهم لا طريقِ الحُكْمِ فيهم أَي إِذا صلح
الناس وبَرُّوا وَلِيَهُمُ الأَبْرارُ، وإِذا فَسَدوا وفجَرُوا وَلِيَهُمُ
الأَشرارُ؛ وهو كحديثه الآخر: كما تكونون يُوَلَّى عليكم. والله يَبَرُّ
عبادَه: يَرحَمُهم، وهو البَرُّ. وبَرَرْتُه بِرّاً: وَصَلْتُه. وفي
التنزيل العزيز: أَن تَبَرُّوهم وتُقْسِطوا إِليهم. ومن كلام العرب السائر:
فلانٌ ما يعرف هِرّاً من بِرٍّ؛ معناه ما يعرف من يَهُرِهُّ أَي من
يَكْرَهُه ممن يَبِرُّه، وقيل: الهِرُّ السِّنَّوْرُ، والبِرُّ الفأْرةُ في بعض
اللغات، أَو دُوٍيْبَّة تشبهها، وهو مذكور في موضعه؛ وقيل: معناه ما
يعرف الهَرْهَرَة من البَرْبَرَةِ، فالهَرْهَرة: صوتُ الضأْن،
والبَرْبَرَةُ: صوتُ المِعْزى. وقال الفزاري: البِرُّ اللطف، والهِرُّ العُقُوق. وقال
يونس: الهِرُّ سَوْقُ الغنم، والبِرُّ دُعاءُ الغَنَمِ. وقال ابن
الأَعرابي: البِرُّ فِعْلُ كل خير من أَي ضَرْبٍ كان، والبِرُّ دُعاءُ الغنم
إِلى العَلَفِ، والبِرُّ الإِكرامُ، والهِرُّ الخصومةُ، وروى الجوهري عن ابن
الأَعرابي: الهِرُّ دعاء الغنم والبِرُّ سَوْقُها. التهذيب: ومن كلام
سليمان: مَنْ أَصْلَحَ جُوَّانِيَّتَهُ بَرَّ اللهُ بَرَّانِيَّته؛ المعنى:
من أَصلح سريرته أَصلح الله علانيته؛ أُخذ من الجَوِّ والبَرِّ،
فالجَوُّ كلُّ بَطْن غامضٍ، والبَرُّ المَتْنُ الظاهر، فهاتان الكلمتان على
النسبة إِليهما بالأَلف والنون. وورد: من أَصْلحَ جُوَّانيَّهُ أَصْلح الله
بَرَّانِيَّهُ. قالوا: البَرَّانيُّ العلانية والأَلف والنون من زياداتِ
النَّسبِ، كما قالوا في صنعاء صنعاني، وأَصله من قولهم: خرج فلانٌ بَرّاً
إِذا خرج إِلى البَرِّ والصحراء، وليس من قديم الكلام وفصيحه. والبِرُّ:
الفؤاد، يقال هو مُطمْئَنِنُّ البِرِّ؛ وأَنشد ابن الأَعرابي:
أَكُونُ مَكانَ البِرِّ منه ودونَهُ،
وأَجْعَلُ مالي دُونَه وأُؤَامِرُهْ
وأَبَرَّ الرجُلُ: كَثُرَ ولَدهُ. وأَبَرّ القومُ: كثروا وكذلك
أَعَرُّوا، فَأَبَرُّوا في الخير وأَعَرُّوا في الشرّ، وسنذكر أَعَرُّوا في
موضعه.والبَرُّ، بالفتح: خلاف البُحْرِ. والبَرِّيَّة من الأَرَضِين، بفتح
الباء: خلاف الرِّيفِيَّة. والبَرِّيَّةُ: الصحراءُ نسبت إِلى البَرِّ، كذلك
رواه ابن الأَعرابي، بالفتح، كالذي قبله. والبَرُّ: نقيض الكِنّ؛ قال
الليث: والعرب تستعمِله في النكرة، تقول العرب: جلست بَرّاً وخَرَجْتُ
بَرّاً؛ قال أَبو منصور: وهذا من كلام المولَّدين وما سمعته من فصحاء العرب
البادية. ويقال: أَفْصَحُ العرب أَبَرُّهم. معناه أَبعدهم في البَرِّ
والبَدْوِ داراً. وقوله تعالى: ظهر الفَسادُ في البَرِّ والبَحْرِ؛ قال
الزجاج: معناه ظهر الجَدْبُ في البَرِّ والقَحْطُ في البحر أَي في مُدُنِ
البحر التي على الأَنهار. قال شمر: البَرِّيَّةُ الأَرضَ المنسوبةُ إِلى
البَرِّ وهي بَرِّيَّةً إِذا كانت إِلى البرِّ أَقربَ منها إِلى الماء،
والجمعُ البرَارِي. والبَرِّيتُ، بوزن فَعْلِيتٍ: البَرِّيَّةُ فلما سكنت
الياء صارت الهاء تاء، مِثْل عِفرِيتٍ وعِفْرِية، والجمع البَرَارِيتُ. وفي
التهذيب: البَرِّيتُ؛ عن أَبي عبيد وشمر وابن الأَعرابي. وقال مجاهد في
قوله تعالى: ويَعْلَمُ ما في البَرِّ والبَحْرِ؛ قال: البَرُّ القِفارُ
والبحر كلُّ قرية فيها ماءٌ. ابن السكيت: أَبَرَّ فلانٌ إِذا ركب البَر. ابن
سيده: وإِنه لمُبِرٌّ بذلك أَي ضابطٌ له. وأَبَرَّ عليهم: غلبهم.
والإِبرارُ: الغلبةُ؛ وقال طرفة:
يَكْشِفُونَ الضُّرَّ عن ذي ضُرِّهِمْ،
ويُبِرُّونَ على الآبي المُبرّ
أي يغلبون؛ يقال أَبَرَّ عليه أَي غلبه. والمُبِرُّ: الغالب. وسئل رجل
من بني أَسَد: أَتعرف الفَرَسَ الكريمَ؟ قال: أَعرف الجوادَ المُبَِّر من
البَطِيءِ المُقْرِفِ؛ قال: والجوادُ المُبِرُّ الذي إِذا أُنِّف
يَأْتَنِفُ السَّيْرَ، ولَهَزَ لَهْزَ العَيْرِ، الذي إِذا عَدَا اسْلَهَبَّ،
وإِذا قِيد اجْلَعَبَّ، وإِذا انْتَصَبَ اتْلأَبَّ. ويقال: أَبَرَّهُ
يُبِرُّه إِذا قَهَره بفَعالٍ أَو غيره؛ ابن سيده: وأَبَرَّ عليهم شَرّاً؛
حكاه ابن الأَعرابي، وأَنشد:
إِذا كُنْتُ مِنْ حِمَّانَ في قَعْرِ دارِهِمْ،
فَلَسْتُ أُبالي مَنْ أَبَرَّ ومَنْ فَجَرْ
ثم قال: أَبرَّ من قولهم أَبرَّ عليهم شَرّاً، وأَبرَّ وفَجَرَ واحدٌ
فجمع بينهما. وأَبرّ فلانٌ على أَصحابه أَي علاهم. وفي الحديث: أَن رجلاً
أَتى النبي، صلى الله عليه وسلم، فقال: إِنَّ ناضِح فلان قد أَبرّ عليهم
أَي اسْتَصْعَبَ وغَلَبَهُم.
وابْتَرَّ الرجل: انتصب منفرداً من أَصحابه. ابن الأَعرابي:
البَرَابِيرُ أَن يأْتي الراعي إِذا جاع إِلى السُّنْبُلِ فَيَفْرُكَ منه ما أَحبَّ
وَينْزِعَه من قُنْبُعِه، وهو قشره، ثم يَصُبَّ عليه اللبنَ الحليبَ
ويغْليَه حتى يَنْضَجَ ثم يجعَله في إِناءِ واسع ثم يُسَمِّنَه أَي
يُبَرِّدَه فيكون أَطيب من السَّمِيذِ. قال: وهي الغَديرَةُ، وقد
اغْتَدَرنا.والبَريرُ: ثمر الأَراك عامَّةً، والمَرْدُ غَضُّه، والكَباثُ نَضِيجُه؛
وقيل: البريرُ أَوَّل ما يظهر من ثمر الأَراك وهو حُلْو؛ وقال أَبو
حنيفة: البَرِيرُ أَعظم حبّاً من الكَبَاث وأَصغر عُنقُوداً منه، وله
عَجَمَةٌ مُدَوّرَةٌ صغيرة صُلْبَة أَكبر من الحِمَّص قليلاً، وعُنْقُوده يملأُ
الكف، الواحدة من جميع ذلك بَرِيرَةٌ. وفي حديث طَهْفَةَ: ونستصعد
البَريرَ أَي نَجْنيه للأَكل؛ البَريرُ: ثمر الأَراك إِذا اسوَدَّ وبَلَغَ،
وقيل: هو اسم له في كل حال؛ ومنه الحديث الآخر: ما لنا طعامٌ إِلاَّ
البَريرُ.
والبُرُّ: الحِنْطَةُ؛ قال المتنخل الهذلي:
لا درَّ دَرِّيَ إِن أَطْعَمْتُ نازِلَكُمْ
قِرْفَ الحَتِيِّ، وعندي البُرُّ مَكْنُوزُ
ورواه ابن دريد: رائدهم. قال ابن دريد: البُرُّ أَفصَحُ من قولهم
القَمْحُ والحنطةُ، واحدته بُرَّةٌ. قال سيبويه: ولا يقال لصاحبه بَرَّارٌ على
ما يغلب في هذا النحو لأَن هذا الضرب إِنما هو سماعي لا اطراديّ؛ قال
الجوهري: ومنع سيبويه أَن يجمع البُرُّ على أَبْرارٍ وجوّزه المبرد قياساً.
والبُرْبُورُ: الجشِيشُ من البُرِّ.
والبَرْبَرَةُ: كثرة الكلام والجَلَبةُ باللسان، وقيل: الصياح. ورجلٌ
بَرْبارٌ إِذا كان كذلك؛ وقد بَرْبَر إِذا هَذَى. الفراء: البَرْبرِيُّ
الكثير الكلام بلا منفعة. وقد بَرْبَرَ في كلامه بَرْبَرَةً إِذا أَكثر.
والبَرْبَرَةُ: الصوتُ وكلامٌ من غَضَبٍ؛ وقد بَرْبَر مثل ثَرثَرَ، فهو
ثرثارٌ. وفي حديث عليّ، كرم الله وجهه، لما طلب إِليه أَهل الطائف أَن يكتب
لهم الأَمانَ على تحليل الزنا والخمر فامتنع: قاموا ولهم تَغَذْمُرٌ
وبَرْبَرةٌ؛ البَرْبَرَةُ التخليط في الكلام مع غضب ونفور؛ ومنه حديث أُحُدٍ:
فأَخَذَ اللِّواءَ غلامٌ أَسودُ فَنَصَبَه وبَرْبَرَ.
وبَرْبَرٌ: جِيلٌ من الناس يقال إِنهم من ولَدِ بَرِّ ابن قيس بن عيلان،
قال: ولا أَدري كيف هذا، والبَرابِرَةُ: الجماعة منهم، زادوا الهاء فيه
إِما للعجمة وإِما للنسب، وهو الصحيح، قال الجوهري: وإِن شئت حذفتها.
وبَرْبَرَ التَّبْسُ لِلهِياجِ: نَبَّ. ودَلْوٌ بَرْبارٌ: لها في الماء
بَرْبَرَةٌ أَي صوت، قال رؤْبة:
أَرْوي بِبَرْبارَيْنِ في الغِطْماطِ
والبُرَيْراءُ، على لفظ التصغير: موضع، قال:
إِنَّ بِأَجْراعِ البُرَيْراءِ فالحِسَى
فَوَكْزٍ إِلى النَّقْعَينِ مِن وَبِعانِ
ومَبَرَّةُ: أَكَمَةٌ دون الجارِ إِلى المدينة، قال كيير عزة:
أَقْوَى الغَياطِلُ مِن حِراجِ مَبَرَّةٍ،
فَجُنوبُ سَهْوَةَ
(* قوله: «فجنوب سهوة» كذا بالأَصل، وفي ياقوت فخبوت،
بخاء معجمة فباء موحدة مضومتين فمثناة فوقية بعد الواو جمع خبت، بفتح
الخاء المعجمة وسكون الموحدة، وهو المكان المتسع كما في القاموس). قد
عَفَتْ، فَرِمالُها
وبَرُيرَةُ: اسم امرأَة. وبَرَّةُ: بنت مُرٍّ أُخت تميم بن مُرٍّ وهي
أُم النضر بن كنانة.
أنس: الإِنسان: معروف؛ وقوله:
أَقَلْ بَنو الإِنسانِ، حين عَمَدْتُمُ
إِلى من يُثير الجنَّ، وهي هُجُودُ
يعني بالإِنسان آدم، على نبينا وعليه الصلاة والسلام. وقوله عز وجل:
وكان الإِنسانُ أَكْثَرَ شيء جَدَلاً؛ عنى بالإِنسان هنا الكافر، ويدل على
ذلك قوله عز وجل: ويُجادِلُ الذين كفروا بالباطل لِيُدْحِضُوا به الحقَّ؛
هذا قول الزجّاج، فإِن قيل: وهل يُجادل غير الإِنسان؟ قيل: قد جادل
إِبليس وكل من يعقل من الملائكة، والجنُّ تُجادل، لكن الإِنسان أَكثر جدلاً،
والجمع الناس، مذكر. وفي التنزيل: يا أَيها الناسُ؛ وقد يؤنث على معنى
القبيلة أَو الطائفة، حكى ثعلب: جاءَتك الناسُ، معناه: جاءَتك القبيلة أَو
القطعة؛ كما جعل بعض الشعراء آدم اسماً للقبيلة وأَنت فقال أَنشده
سيبويه:شادوا البلادَ وأَصْبَحوا في آدمٍ،
بَلَغوا بها بِيضَ الوُجوه فُحُولا
والإِنسانُ أَصله إِنْسِيانٌ لأَن العرب قاطبة قالوا في تصغيره:
أُنَيْسِيانٌ، فدلت الياء الأَخيرة على الياء في تكبيره، إِلا أَنهم حذفوها لما
كثر الناسُ في كلامهم. وفي حديث ابن صَيَّاد: قال النبي، صلى اللَّه عليه
وسلم، ذاتَ يوم: انْطَلِقوا بنا إِلى أُنَيسيانٍ قد رأَينا شأْنه؛ وهو
تصغير إِنسان، جاء شاذّاً على غير قياس، وقياسه أُنَيْسانٌ، قال: وإِذا
قالوا أَناسينُ فهو جمع بَيِّنٌ مثل بُسْتانٍ وبَساتينَ، وإِذا قالوا
أَناسي كثيراً فخففوا الياء أَسقطوا الياء التي تكون فيما بين عين الفعل ولامه
مثل قَراقيرَ وقراقِرَ، ويُبَيِّنُ جواز أَناسي، بالتخفيف، قول العرب
أَناسيَة كثيرة، والواحدُ إِنْسِيٌّ وأُناسٌ إِن شئت. وروي عن ابن عباس،
رضي اللَّه عنهما، أَنه قال: إِنما سمي الإِنسان إِنساناً لأَنه عهد إِليه
فَنَسيَ، قال أَبو منصور: إِذا كان الإِنسان في الأَصل إِنسيانٌ، فهو
إِفْعِلانٌ من النِّسْيان، وقول ابن عباس حجة قوية له، وهو مثل لَيْل
إِضْحِيان من ضَحِيَ يَضْحَى، وقد حذفت الياء فقيل إِنْسانٌ. وروى المنذري عن
أَبي الهيثم أَنه سأَله عن الناس ما أَصله؟ فقال: الأُناس لأَن أَصله
أُناسٌ فالأَلف فيه أَصيلة ثم زيدت عليه اللام التي تزاد مع الأَلف للتعريف،
وأَصل تلك اللام
(* قوله «وأصل تلك اللام إلى قوله فلما زادوهما» كذا
بالأصل.) إِبدالاً من أَحرف قليلة مثل الاسم والابن وما أَشْبهها من
الأَلفات الوصلية فلما زادوهما على أُناس صار الاسم الأُناس، ثم كثرت في الكلام
فكانت الهمزة واسطة فاستثقلوها فتركوها وصار الباقي: أَلُناسُ، بتحريك
اللام بالضمة، فلما تحركت اللام والنون أَدغَموا اللام في النون فقالوا:
النَّاسُ، فلما طرحوا الأَلف واللام ابتَدأُوا الاسم فقالوا: قال ناسٌ من
الناس. قال الأَزهري: وهذا الذي قاله أَبو الهيثم تعليل النحويين،
وإِنْسانٌ في الأَصل إِنْسِيانٌ، وهو فِعْليانٌ من الإِنس والأَلف فيه فاء
الفعل، وعلى مثاله حِرْصِيانٌ، وهو الجِلْدُ الذي يلي الجلد الأَعلى من
الحيوان، سمي حِرْصِياناً لأَنه يُحْرَصُ أَي يُقْشَرُ؛ ومنه أُخذت الحارِصَة
من الشِّجاج، يقال رجل حِذْريانٌ إِذا كان حَذِراً. قال الجوهري: وتقدير
إِنْسانٍ فِعْلانٌ وإِنما زيد في تصغيره ياء كما زيد في تصغير رجل فقيل
رُوَيْجِل، وقال قوم: أَصله إِنْسِيان على إِفْعِلان، فحذفت الياء
استخفافاً لكثرة ما يجري على أَلسنتهم، فإِذا صغّروه ردوهما لأَن التصغير لا
يكثر. وقوله عز وجل: أَكان للناس عَجَباً أَن أَوْحَينا إِلى رجل منهم؛
النَّاسُ ههنا أَهل مكة الأُناسُ لغة في الناس، قال سيبويه: والأَصل في الناس
الأُناسُ مخففاً فجعلوا الأَلف واللام عوضاً عن الهمزة وقد قالوا
الأُناس؛ قال الشاعر:
إِنَّ المَنايا يَطَّلِعْـ
ـنَ على الأُناس الآمِنينا
وحكى سيبويه: الناسُ الناسُ أَي الناسُ بكل مكان وعلى كل حال كما نعرف؛
وقوله:
بلادٌ بها كُنَّا، وكُنَّا نُحِبُّها،
إِذ الناسُ ناسٌ، والبلادُ بلادُ
فهذا على المعنى دون اللفظ أَي إِذ الناس أَحرار والبلاد مُخْصِبَة،
ولولا هذا الغَرَض وأَنه مراد مُعْتَزَم لم يجز شيء من ذلك لِتَعَرِّي الجزء
الأَخير من زيادة الفائدة عن الجزءِ الأَول، وكأَنه أُعيد لفظ الأَول
لضرب من الإِدْلالِ والثقة بمحصول الحال، وكذلك كل ما كان مثل هذا.
والنَّاتُ: لغة في الناس على البدل الشاذ؛ وأَنشد:
يا قَبَّحَ اللَّهُ بني السِّعْلاةِ
عَمرو بنَ يَرْبوعٍ شِرارَ الناتِ،
غيرَ أَعِفَّاءٍ ولا أَكْياتِ
أَراد ولا أَكياس فأَبدل التاء من سين الناس والأَكياس لموافقتها إِياها
في الهمس والزيادة وتجاور المخارج.
والإِنْسُ: جماعة الناس، والجمع أُناسٌ، وهم الأَنَسُ. تقول: رأَيت
بمكان كذا وكذا أَنَساً كثيراً أَي ناساً كثيراً؛ وأَنشد:
وقد تَرى بالدّار يوماً أَنَسا
والأَنَسُ، بالتحريك: الحيُّ المقيمون، والأَنَسُ أَيضاً: لغة في
الإِنْس؛ وأَنشد الأَخفش على هذه اللغة:
أَتَوْا ناري فقلتُ: مَنُونَ أَنتم؟
فقالوا: الجِنُّ قلتُ: عِمُوا ظَلاما
فقلتُ: إِلى الطَّعامِ، فقال منهمْ
زَعِيمٌ: نَحْسُد الأَنَسَ الطَّعاما
قال ابن بري: الشعر لشمر بن الحرث الضَّبِّي، وذكر سيبويه البيت الأَول
جاء فيه منون مجموعاً للضرورة وقياسه: من أَنتم؟ لأَن من إِنما تلحقه
الزوائد في الوقف، يقول القائل: جاءَني رجل، فتقول: مَنُو؟ ورأَيت رجلاً
فيقال: مَنا؟ ومررت برجل فيقال: مَني؟ وجاءني رجلان فتقول: مَنانْ؟ وجاءَني
رجال فتقول: مَنُونْ؟ فإِن وصلت قلت: مَنْ يا هذا؟ أَسقطت الزوائد كلها،
ومن روى عموا صباحاً فالبيت على هذه الرواية لجِذْع بن سنان الغساني في
جملة أَبيات حائية؛ ومنها:
أَتاني قاشِرٌ وبَنُو أَبيه،
وقد جَنَّ الدُّجى والنجمُ لاحا
فنازَعني الزُّجاجَةَ بَعدَ وَهْنٍ،
مَزَجْتُ لهم بها عَسلاً وراحا
وحَذَّرَني أُمُوراً سَوْف تأْتي،
أَهُزُّ لها الصَّوارِمَ والرِّماحا
والأَنَسُ: خلاف الوَحْشَةِ، وهو مصدر قولك أَنِسْتُ به، بالكسر،
أَنَساً وأَنَسَةً؛ قال: وفيه لغة أُخرى: أَنَسْتُ به أُنْساً مثل كفرت به
كُفْراً. قال: والأُنْسُ والاستئناس هو التَّأَنُّسُ، وقد أَنِسْتُ بفلان.
والإِنْسِيُّ: منسوب إِلى الإِنْس، كقولك جَنِّيٌّ وجِنٌ وسِنْدِيٌّ
وسِنْدٌ، والجمع أَناسِيُّ كَكُرْسِيّ وكَراسِيّ، وقيل: أَناسِيُّ جمع إِنسان
كسِرْحانٍ وسَراحينَ، لكنهم أَبدلوا الياء من النون؛ فأَما قولهم:
أَناسِيَةٌ جعلوا الهاء عوضاً من إِحدى ياءَي أَناسِيّ جمع إِنسان، كما قال عز
من قائل: وأَناسِيَّ كثيراً. وتكون الياءُ الأُولى من الياءَين عوضاً
منقلبة من النون كما تنقلب النون من الواو إِذا نسبت إِلى صَنْعاءَ وبَهْراءَ
فقلت: صَنْعانيٌّ وبَهْرانيٌّ، ويجوز أَن تحذف الأَلف والنون في إِنسان
تقديراً وتأْتي بالياءِ التي تكون في تصغيره إِذا قالوا أُنَيْسِيان،
فكأَنهم زادوا في الجمع الياء التي يردّونها في التصغير فيصير أَناسِيَ،
فيدخلون الهاء لتحقيق التأْنيث؛ وقال المبرد: أَناسِيَةٌ جمع إِنْسِيَّةٍ،
والهاء عوض من الياء المحذوفة، لأَنه كان يجب أَناسِيٌ بوزن زَناديقَ
وفَرازِينَ، وأَن الهاء في زَنادِقَة وفَرازِنَة إِنما هي بدل من الياء،
وأَنها لما حذفت للتخفيف عوّضت منها الهاءُ، فالياءُ الأُولى من أَناسِيّ
بمنزلة الياءِ من فرازين وزناديق، والياء الأَخيرة منه بمنزلة القاف والنون
منهما، ومثل ذلك جَحْجاحٌ وجَحاجِحَةٌ إِنما أَصله جَحاجيحُ. وقال
اللحياني: يُجْمَع إِنسانٌ أَناسِيَّ وآناساً على مثال آباضٍ، وأَناسِيَةً
بالتخفيف والتأْنيث.
والإِنْسُ: البشر، الواحد إِنْسِيٌّ وأَنَسيٌّ أَيضاً، بالتحريك. ويقال:
أَنَسٌ وآناسٌ كثير. وقال الفراء في قوله عز وجل: وأَناسِيّ كثيراً؛
الأَناسِيُّ جِماعٌ، الواحد إِنْسِيٌّ، وإِن شئت جعلته إِنساناً ثم جمعته
أَناسِيّ فتكون الياءُ عوضاً من النون، كما قالوا للأَرانب أَراني،
وللسَّراحين سَراحِيّ. ويقال للمرأَة أَيضاً إِنسانٌ ولا يقال إِنسانة، والعامة
تقوله. وفي الحديث: أَنه نهى عن الحُمُر الإِنسيَّة يوم خَيْبَر؛ يعني
التي تأْلف البيوت، والمشهور فيها كسر الهمزة، منسوبة إِلى الإِنس، وهم بنو
آدم، الواحد إِنْسِيٌّ؛ قال: وفي كتاب أَبي موسى ما يدل على أَن الهمزة
مضمومة فإِنه قال هي التي تأْلف البيوت. والأُنْسُ، وهو ضد الوحشة،
الأُنْسُ، بالضم، وقد جاءَ فيه الكسر قليلاً، ورواه بعضهم بفتح الهمزة والنون،
قال: وليس بشيءٍ؛ قال ابن الأَثير: إِن أَراد أَن الفتح غير معروف في
الرواية فيجوز، وإِن أَراد أَنه ليس بمعروف في اللغة فلا، فإِنه مصدر
أَنِسْت به آنَس أَنَساً وأَنَسَةً، وقد حكي أَن الإِيْسان لغة في الإِنسان،
طائية؛ قال عامر بن جرير الطائي:
فيا ليتني من بَعْدِ ما طافَ أَهلُها
هَلَكْتُ، ولم أَسْمَعْ بها صَوْتَ إِيسانِ
قال ابن سيده: كذا أَنشده ابن جني، وقال: إِلا أَنهم قد قالوا في جمعه
أَياسِيَّ، بياء قبل الأَلف، فعلى هذا لا يجوز أَن تكون الياء غير مبدلة،
وجائز أَيضاً أَن يكون من البدل اللازم نحو عيدٍ وأَعْياد وعُيَيْدٍ؛ قال
اللحياني: فلي لغة طيء ما رأَيتُ ثَمَّ إِيساناً أَي إِنساناً؛ وقال
اللحياني: يجمعونه أَياسين، قال في كتاب اللَّه عز وجل: ياسين والقرآن
الحكيم؛ بلغة طيء، قال أَبو منصور: وقول العلماء أَنه من الحروف المقطعة. وقال
الفراءُ: العرب جميعاً يقولون الإِنسان إِلا طيئاً فإِنهم يجعلون مكان
النون ياء. وروى قَيْسُ ابن سعد أَن ابن عباس، رضي اللَّه عنهما، قرأَ:
ياسين والقرآن الحكيم، يريد يا إِنسان. قال ابن جني: ويحكى أَن طائفة من
الجن وافَوْا قوماً فاستأْذنوا عليهم فقال لهم الناس: من أَنتم؟ فقالوا:
ناسٌ من الجنِّ، وذلك أَن المعهود في الكلام إِذا قيل للناس من أَنتم
قالوا: ناس من بني فلان، فلما كثر ذلك استعملوه في الجن على المعهود من كلامهم
مع الإِنس، والشيء يحمل على الشيء من وجه يجتمعان فيه وإِن تباينا من
وجه آخر.
والإِنسانُ أَيضاً: إِنسان العين، وجمعه أَناسِيُّ. وإِنسانُ العين:
المِثال الذي يرى في السَّواد؛ قال ذو الرمة يصف إِبلاً غارت عيونها من
التعب والسير:
إِذا اسْتَحْرَسَتْ آذانُها، اسْتَأْنَسَتْ لها
أَناسِيُّ مَلْحودٌ لها في الحَواجِبِ
وهذا البيت أَورده ابنُ بري: إِذا اسْتَوْجَسَتْ، قال: واستوجست بمعنى
تَسَمَّعَتْ، واسْتَأْنَسَتْ وآنَسَتْ بمعنى أَبصرت، وقوله: ملحود لها في
الحواجب، يقول: كأَن مَحارَ أَعيُنها جُعِلْنَ لها لُحوداً وصَفَها
بالغُؤُور؛ قال الجوهري ولا يجمع على أُناسٍ. وإِنسان العين: ناظرها.
والإِنسانُ: الأُنْمُلَة؛ وقوله:
تَمْري بإِنْسانِها إِنْسانَ مُقْلَتها،
إِنْسانةٌ، في سَوادِ الليلِ، عُطبُولُ
فسره أَبو العَمَيْثَلِ الأَعرابيُّ فقال: إِنسانها أُنملتها. قال ابن
سيده: ولم أَره لغيره؛ وقال:
أَشارَتْ لإِنسان بإِنسان كَفِّها،
لتَقْتُلَ إِنْساناً بإِنْسانِ عَيْنِها
وإِنْسانُ السيف والسهم: حَدُّهما. وإِنْسِيُّ القَدَم: ما أَقبل عليها
ووَحْشِيُّها ما أَدبر منها. وإِنْسِيٌّ الإِنسان والدابة: جانبهما
الأَيسر، وقيل الأَيمن. وإِنْسِيُّ القَوس: ما أَقبل عليك منها، وقيل:
إِنْسِيُّ القوس ما وَليَ الرامِيَ، ووَحْشِيُّها ما ولي الصيد، وسنذكر اختلاف
ذلك في حرف الشين. التهذيب: الإِنْسِيُّ من الدواب هو الجانب الأَيسر الذي
منه يُرْكَبُ ويُحْتَلَبُ، وهو من الآدمي الجانبُ الذي يلي الرجْلَ
الأُخرى، والوَحْشِيُّ من الإِنسانِ الجانب الذي يلي الأَرض. أَبو زيد:
الإِنْسِيُّ الأَيْسَرُ من كل شيء. وقال الأَصمعي: هو الأَيْمَنُ، وقال: كلُّ
اثنين من الإِنسان مثل الساعِدَيْن والزَّنْدَيْن والقَدَمين فما أَقبل
منهما على الإِنسان فهو إِنْسِيٌّ، وما أَدبر عنه فهو وَحْشِيٌّ.
والأَنَسُ: أَهل المَحَلِّ، والجمع آناسٌ؛ قال أَبو ذؤَيب:
مَنايا يُقَرِّبْنَ الحُتُوفَ لأَهْلِها
جَهاراً، ويَسْتَمْتِعْنَ بالأَنَسِ الجُبْلِ
وقال عمرو ذو الكَلْب:
بفِتْيانٍ عَمارِطَ من هُذَيْلٍ،
هُمُ يَنْفُونَ آناسَ الحِلالِ
وقالوا: كيف ابنُ إِنْسُك أَي كيف نَفْسُك. أَبو زيد: تقول العرب للرجل
كيف ترى ابن إِنْسِك إِذا خاطبت الرجل عن نفْسك. الأحمر: فلان ابن إِنْسِ
فلان أَي صَفِيُّه وأَنيسُه وخاصته. قال الفراء: قلت للدُّبَيْريّ إِيش،
كيف ترى ابنُ إِنْسِك، بكسر الأَلف؟ فقال: عزاه إِلى الإِنْسِ، فأَما
الأُنْس عندهم فهو الغَزَلُ. الجوهري: يقال كيف ابنُ إِنْسِك وإِنْسُك يعني
نفسه، أَي كيف تراني في مصاحبتي إِياك؟ ويقال: هذا حِدْثي وإِنسي
وخِلْصي وجِلْسِي، كله بالكسر. أَبو حاتم: أَنِسْت به إِنساً، بكسر الأَلف، ولا
يقال أُنْساً إِنما الأُنْسُ حديثُ النساء ومُؤَانستهن. رواه أَبو حاتم
عن أَبي زيد. وأَنِسْتُ به آنَسُ وأَنُسْتُ أنُسُ أَيضاً بمعنى واحد.
والإِيناسُ: خلاف الإِيحاش، وكذلك التَّأْنيس. والأَنَسُ والأُنْسُ
والإِنْسُ الطمأْنينة، وقد أَنِسَ به وأَنَسَ يأْنَسُ ويأْنِسُ وأَنُسَ أُنْساً
وأَنَسَةً وتَأَنَّسَ واسْتَأْنَسَ؛ قال الراعي:
أَلا اسْلَمي اليومَ ذاتَ الطَّوْقِ والعاجِ.
والدَّلِّ والنَّظَرِ المُسْتَأْنِسِ الساجي
والعرب تقول: آنَسُ من حُمَّى؛ يريدون أَنها لا تكاد تفارق العليل
فكأَنها آنِسَةٌ به، وقد آنَسَني وأَنَّسَني. وفي بعض الكلام: إِذا جاءَ الليل
استأْنَس كلُّ وَحْشِيٍّ واستوحش كلُّ إِنْسِيٍّ؛ قال العجاج:
وبَلْدَةٍ ليس بها طُوريُّ،
ولا خَلا الجِنَّ بها إِنْسِيُّ
تَلْقى، وبئس الأَنَسُ الجِنِّيُّ
دَوِّيَّة لهَولِها دَويُّ،
للرِّيح في أَقْرابها هُوِيُّ
هُويُّ: صَوْتٌ. أَبو عمرو: الأَنَسُ سُكان الدار. واستأْنس الوَحْشِيُّ
إِذا أَحَسَّ إِنْسِيّاً. واستأْنستُ بفلان وتأَنَّسْتُ به بمعنى؛ وقول
الشاعر:
ولكنني أَجمع المُؤْنِساتِ،
إِذا ما اسْتَخَفَّ الرجالُ الحَديدا
يعني أَنه يقاتل بجميع السلاح، وإِنما سماها بالمؤْنسات لأَنهن
يُؤْنِسْنَه فَيُؤَمِّنَّه أَو يُحَسِّنَّ ظَنَّهُ. قال الفراء: يقال للسلاح كله
من الرُّمح والمِغْفَر والتِّجْفاف والتَّسْبِغَةِ والتُّرْسِ وغيره:
المُؤْنِساتُ.
وكانت العرب القدماءُ تسمي يوم الخميس مُؤْنِساً لأنَّهم كانوا يميلون
فيه إلى الملاذِّ؛ قال الشاعر:
أُؤَمِّلُ أَن أَعيشَ، وأَنَّ يومي
بأَوَّل أَو بأَهْوَنَ أَو جُبارِ
أَو التَّالي دُبارِ، فإِن يَفُتْني،
فَمُؤْنِس أَو عَروبَةَ أَو شِيارِ
وقال مُطَرِّز: أَخبرني الكريمي إِمْلاءً عن رجاله عن ابن عباس، رضي
اللَّه عنهما، قال: قال لي عليّ، عليه السلام: إِن اللَّه تبارك وتعالى خلق
الفِرْدَوْسَ يوم الخميس وسماها مُؤْنِسَ.
وكلب أَنُوس: وهو ضد العَقُور، والجمع أُنُسٌ. ومكان مَأْنُوس إِنما هو
على النسب لأَنهم لم يقولوا آنَسْتُ المكان ولا أَنِسْتُه، فلما لم نجد
له فعلاً وكان النسبُ يَسوغُ في هذا حملناه عليه؛ قال جرير:
حَيِّ الهِدَمْلَةَ من ذاتِ المَواعِيسِ،
فالحِنْوُ أَصْبَحَ قَفْراً غيرَ مَأْنُوسِ
وجارية أنِسَةٌ: طيبة الحديث؛ قال النابغة الجَعْدي:
بآنِسةٍ غَيْرِ أُنْسِ القِرافِ،
تُخَلِّطُ باللِّينِ منها شِماسا
وكذلك أَنُوسٌ، والجمع أُنُسٌ؛ قال الشاعر يصف بيض النعام:
أُنُسٌ إِذا ما جِئْتَها بِبُيُوتِها،
شُمُسٌ إِذا داعي السَّبابِ دَعاها
جُعلَتْ لَهُنَّ مَلاحِفٌ قَصَبيَّةٌ،
يُعْجِلْنَها بالعَطِّ قَبْلَ بِلاها
والمَلاحِف القصبية يعني بها ما على الأَفْرُخِ من غِرْقئِ البيض.
الليث: جارية آنِسَةٌ إِذا كانت طيبة النَّفْسِ تُحِبُّ قُرْبَكَ وحديثك،
وجمعها آنِسات وأَوانِسُ. وما بها أَنِيسٌ أَي أَحد، والأُنُسُ الجمع.
وآنَسَ الشيءَ: أَحَسَّه. وآنَسَ الشَّخْصَ واسْتَأْنَسَه: رآه وأَبصره
ونظر إِليه؛ أَنشد ابن الأَعرابي:
بعَيْنَيَّ لم تَسْتَأْنِسا يومَ غُبْرَةٍ،
ولم تَرِدا جَوَّ العِراقِ فَثَرْدَما
ابن الأَعرابي: أَنِسْتُ بفلان أَي فَرِحْتُ به، وآنَسْتُ فَزَعاً
وأَنَّسْتُهُ إِذا أَحْسَسْتَه ووجدتَهُ في نفسك. وفي التنزيل العزيز: آنَسَ
من جانب الطُور ناراً؛ يعني موسى أَبصر ناراً، وهو الإِيناسُ. وآنَس
الشيءَ: علمه. يقال: آنَسْتُ منه رُشْداً أَي علمته. وآنَسْتُ الصوتَ: سمعته.
وفي حديث هاجَرَ وإِسمعيلَ: فلما جاءَ إِسمعيل، عليه السلام، كأَنه آنَسَ
شيئاً أَي أَبصر ورأَى لم يَعْهَدْه. يقال: آنَسْتُ منه كذا أَي علمت.
واسْتَأْنَسْتُ: اسْتَعْلَمْتُ؛ ومنه حديث نَجْدَةَ الحَرُورِيِّ وابن
عباس: حتى تُؤْنِسَ منه الرُّشْدَ أَي تعلم منه كمال العقل وسداد الفعل
وحُسْنَ التصرف. وقوله تعالى: يا أَيها الذين آمنوا لا تَدْخُلوا بُيوتاً
غيرَ بُيوتِكم حتى تَسْتَأْنِسوا وتُسَلِّموا؛ قال الزجاج: معنى تستأْنسوا
في اللغة تستأْذنوا، ولذلك جاءَ في التفسير تستأْنسوا فَتَعْلَموا
أَيريد أَهلُها أَن تدخلوا أَم لا؟ قال الفراءُ: هذا مقدم ومؤَخَّر إِنما هو
حتى تسلِّموا وتستأْنسوا: السلام عليكم أَأَدخل؟ قال: والاستئناس في كلام
العرب النظر. يقال: اذهبْ فاسْتَأْنِسْ هل ترى أَحداً؟ فيكون معناه
انظرْ من ترى في الدار؛ وقال النابغة:
بذي الجَليل على مُسْتَأْنِسٍ وَحِدِ
أَي على ثور وحشيٍّ أَحس بما رابه فهو يَسْتَأْنِسُ أَي يَتَبَصَّرُ
ويتلفت هل يرى أَحداً، أَراد أَنه مَذْعُور فهو أَجَدُّ لعَدْوِه وفراره
وسرعته. وكان ابن عباس، رضي اللَه عنهما، يقرأُ هذه الآية: حتى تستأْذنوا،
قال: تستأْنسوا خطأ من الكاتب. قال الأَزهري: قرأ أُبيّ وابن مسعود:
تستأْذنوا، كما قرأَ ابن عباس، والمعنى فيهما واحد. وقال قتادة ومجاهد:
تستأْنسوا هو الاستئذان، وقيل: تستأْنسوا تَنَحْنَحُوا. قال الأَزهري: وأَصل
الإِنْسِ والأَنَسِ والإِنسانِ من الإِيناسِ، وهو الإِبْصار.
ويقال: آنَسْتُه وأَنَّسْتُه أَي أَبصرته؛ وقال الأَعشى:
لا يَسْمَعُ المَرْءُ فيها ما يؤَنِّسُه،
بالليلِ، إِلاَّ نَئِيمَ البُومِ والضُّوَعا
وقيل معنى قوله: ما يُؤَنِّسُه أَي ما يجعله ذا أُنْسٍ، وقيل للإِنْسِ
إِنْسٌ لأَنهم يُؤنَسُونَ أَي يُبْصَرون، كما قيل للجنِّ جِنٌّ لأَنهم لا
يؤنسون أَي لا يُبصَرون. وقال محمد بن عرفة الواسطي: سمي الإِنْسِيٍّون
إِنْسِيِّين لأَنهم يُؤنَسُون أَي يُرَوْنَ، وسمي الجِنُّ جِنّاً لأَنهم
مُجْتَنُّون عن رؤية الناس أَي مُتَوارُون. وفي حديث ابن مسعود: كان إِذا
دخل داره اسْتَأْنس وتَكَلَّمَ أَي اسْتَعْلَم وتَبَصَّرَ قبل الدخول؛
ومنه الحديث:
أَلم تَرَ الجِنَّ وإِبلاسها،
ويَأْسَها من بعد إِيناسها؟
أَي أَنها يئست مما كانت تعرفه وتدركه من استراق السمع ببعثة النبي، صلى
اللَه عليه وسلم. والإِيناسُ: اليقين؛ قال:
فإِن أَتاكَ امْرؤٌ يَسْعَى بِكذْبَتِه،
فانْظُرْ، فإِنَّ اطِّلاعاً غَيْرُ إِيناسِ
الاطِّلاعُ: النظر، والإِيناس: اليقين؛ قال الشاعر:
ليَس بما ليس به باسٌ باسْ،
ولا يَضُرُّ البَرَّ ما قال الناسْ،
وإِنَّ بَعْدَ اطِّلاعٍ إِيناسْ
وبعضهم يقول: بعد طُلوعٍ إِيناسٌ. الفراء: من أَمثالهم: بعد اطِّلاعٍ
إِيناسٌ؛ يقول: بعد طُلوعٍ إِيناس.
وتَأَنَّسَ البازي: جَلَّى بطَرْفِه. والبازي يَتَأَنَّسُ، وذلك إِذا ما
جَلَّى ونظر رافعاً رأْسه وطَرْفه.
وفي الحديث: لو أَطاع اللَّهُ الناسَ في الناسِ لم يكن ناسٌ؛ قيل: معناه
أَن الناس يحبون أَن لا يولد لهم إِلا الذُّكْرانُ دون الإِناث، ولو لم
يكن الإِناث ذهب الناسُ، ومعنى أَطاع استجاب دعاءه.ومَأْنُوسَةُ
والمَأْنُوسَةُ جميعاً: النار. قال ابن سيده: ولا أَعرف لها فِعْلاً، فأَما
آنَسْتُ فإِنما حَظُّ المفعول منها مُؤْنَسَةٌ؛ وقال ابن أَحمر:
كما تَطايَرَ عن مَأْنُوسَةَ الشَّرَرُ
قال الأَصمعي: ولم نسمع به إِلا في شعر ابن أَحمر.
ابن الأَعرابي: الأَنِيسَةُ والمَأْنُوسَةُ النار، ويقال لها السَّكَنُ
لأَن الإِنسان إِذا آنَسَها ليلاً أَنِسَ بها وسَكَنَ إِليها وزالت عنه
الوَحْشَة، وإِن كان بالأَرض القَفْرِ.
أَبو عمرو: يقال للدِّيكِ الشُّقَرُ والأَنيسُ والنَّزِيُّ.
والأَنِيسُ: المُؤَانِسُ وكل ما يُؤْنَسُ به. وما بالدار أَنِيسٌ أَي
أَحد؛ وقول الكميت:
فِيهنَّ آنِسَةُ الحدِيثِ حَيِيَّةٌ،
ليسَتْ بفاحشَةٍ ولا مِتْفالِ
أَي تَأْنَسُ حديثَك ولم يرد أَنها تُؤْنِسُك لأَنه لو أَراد ذلك لقال
مُؤْنِسَة.
وأَنَسٌ وأُنَيسٌ: اسمان. وأُنُسٌ: اسم ماء لبني العَجْلانِ؛ قال ابن
مُقْبِل:
قالتْ سُلَيْمَى ببطنِ القاعِ من أُنُسٍ:
لا خَيْرَ في العَيْشِ بعد الشَّيْبِ والكِبَرِ
ويُونُسُ ويُونَسُ ويُونِسُ، ثلاث لغات: اسم رجل، وحكي فيه الهمز فيه
الهمز أَيضاً، واللَّه أَعلم.
بوس: البَوْسُ: التقبيل، فارسي معرب، وقد باسَه يَبُوسه. وجاء بالبَوْسِ
البائِسِ أَي الكثير، والشين المعجمة أَعلى.
حذف: حذَفَ الشيءَ يَحْذِفُه حَذْفاً: قَطَعَه من طَرَفه، والحَجَّامُ
يَحْذِفُ الشعْر، من ذلك. والحُذافةُ: ما حُذِفَ من شيء فَطُرِح، وخص
اللحياني به حُذافةَ الأَديم. الأَزهري: تَحْذِيفُ الشَّعر تَطْريرُه
وتَسْويَتُه، وإذا أَخذت من نواحيه ما تُسَوِّيه به فقد حَذَّفْتَه؛ وقال امرؤ
القيس:
لها جَبْهةٌ كسَراةِ المِجَنِّ
حَذَّفَه الصّانِعُ الـمُقْتَدِرْ
وهذا البيت أَنشده الجوهري على قوله حَذَّفَه تَحْذيفاً أَي هَيَّأَه
وصَنَعه، قال: وقال الشاعر يصف فرساً؛ وقال النضر: التَّحْذِيفُ في
الطُّرّة أَن تُجْعل سُكَيْنِيَّةً كما تفعل النصارى. وأُذن حَذْفاء: كأَنها
حُذِفَتْ أَي قُطِعَتْ. والحِذْفةُ القِطْعة من الثوب، وقد احْتَذَفَه
وحَذَف رأْسَه. وفي الصحاح: حذَف رأْسه بالسيف حَذْفاً ضربه فقطَع منه قِطْعة.
والحَذْفُ: الرَّمْيُ عن جانِبٍ والضرْبُ عن جانب، تقول: حَذَفَ
يَحْذِفُ حَذْفاً. وحَذَفَه حذْفاً: ضربه عن جانب أَو رَماه عنه، وحَذَفَه
بالعَصا وبالسيف يَحْذِفُه حَذْفاً وتَحَذَّفه: ضربه أَو رماه بها. قال
الأَزهري: وقد رأَيتُ رُعْيانَ العرب يَحْذِفُون الأَرانِبَ بِعِصِيَّهم إذا
عَدَتْ ودَرَمَتْ بين أَيديهم، فربما أَصابت العصا قوائمها فيَصِيدونها
ويذبحونها. قال: وأَما الخَذْفُ، بالخاء، فإنه الرمي بالحَصى الصّغار
بأَطراف الأَصابع، وسنذكره في موضعه. وفي حديث عَرْفجةَ: فتناوَلَ السيف
فحَذَفَه به أَي ضربه به عن جانب. والحَذْفُ يستعمل في الرمْي والضرب مَعاً.
ويقال: هم بين حاذِفٍ وقاذِفٍ؛ الحاذِفُ بالعصا والقاذِفُ بالحجر. وفي
المثل: إياي وأَن يَحْذِفَ أَحَدُكم الأَرْنَبَ؛ حكاه سيبويه عن العرب، أَي
وأَن يرمِيَها أَحد، وذلك لأَنها مَشْؤُومةٌ يتطير بالتعرّض لها.
وحَذَفَني بجائزة: وصلني.
والحَذَفُ، بالتحريك: ضَأْنٌ سُود جُرْدٌ صِغار تكون باليمن. وقيل: هي
غنم سود صغار تكون بالحجاز، واحدتها حَذَفةٌ، ويقال لها النَّقَدُ أَيضاً.
وفي الحديث: سوّوا الصُّفُوف، وفي رواية: تَراصُّوا بينكم في الصلاة لا
تَتَخَلَّلُكم الشياطين كأَنها بَناتُ حَذَف، وفي رواية: كأَولاد الحذف
يزعمون أَنها على صورة هذه الغنم؛ قال:
فأَضْحَتِ الدّارُ قَفْراً لا أَنِيسَ بها،
إلا القِهادُ مع القَهْبيِّ والحَذَف
اسْتَعاره للظِّباء، وقيل: الحَذَفُ أَوْلادُ الغنم عامّةً؛ قال أَبو
عبيد: وتفسير الحديث بالغنم السُّود الجُرْد التي تكون باليمن أَحَبُّ
التفسيرين إليّ لأَنها في الحديث، وقال ابن الأَثير في تفسير الحذف: هي الغنم
الصغار الحجازية، وقيل: هي صغار جُرْدٌ ليس لها آذان ولا أَذناب يُجاء
بها من جُرَشِ اليَمنِ.الأَزهري عن ابن شميل: الأَبقعُ الغراب الأَبيض
الجناح، قال: والحَذَفُ للصغار السود والواحد حَذَفة، وهي الزِّيغان التي
تؤكل، والحذَف الصغار من النِّعاج.
الجوهري: حَذْفُ الشيء إسْقاطُه، ومنه حَذَفتُ من شَعري ومن ذَنَب
الدابّة أَي أَخذت. وفي الحديث: حَذْفُ السلام في الصلاة سُنّةٌ؛ هو تخفيفه
وترك الإطالة فيه، ويدل عليه حديث النَّخَعِيّ: التكبير جَزْمٌ والسلام
جَزْمٌ فإنه إذا جَزَمَ السلام وقطعَه فقد خفَّفه وحَذفه. الأَزهري عن ابن
الـمُظفَّر: الحَذْفُ قَطْفُ الشيء من الطرَف كما يُحْذَفُ ذَنَب الدابة،
قال: والـمَحْذُوفُ الزِّقُّ؛ وأَنشد:
قاعِداً حَوْلَه النَّدامَى، فما يَنْـ
ـفَكُّ يُؤتَى بِمُوكَرٍ مَحْذوفِ
قال: ورواه شمر عن ابن الأَعرابي مَجْدوف ومَجْذُوف، بالجيم وبالدال أَو
بالذال، قال: ومعناهما المقطوع، ورواه أَبو عبيد مَنْدُوف، وأَما محذوف
فما رواه غير الليث، وقد تقدّم ذكره في الجيم.
والحَذفُ: ضرب من البَطّ صِغار، على التشبيه بذلك. وحذَفُ الزرع:
ورَقُه.وما في رَحْله حُذافةٌ أَي شيء من طعام. قال ابن السكيت: يقال أَكلَ
الطعام فما ترك منه حُذافةً، واحتمل رَحْله فما ترك منه حُذافةً أَي شيئاً.
قال الأَزهري: وأَصحاب أَبي عبيد رَوَوا هذا الحرف في باب النفي حُذاقة،
بالقاف، وأَنكر شمر والصواب ما قال ابن السكيت، ونحو ذلك قاله اللحياني،
بالفاء، في نوادره، وقال: حُذافةُ الأَدِيمِ ما رُمِيَ منه.
وحُذَيْفَةُ: اسم رجل. وحَذْفةُ: اسم فرس خالد ابن جعفر بن كِلاب؛ قال:
فَمَنْ يَكُ سائلاً عَني، فإني
وحَذْفةَ كالشَّجَا تحتَ الوَرِيدِ
حضرم: الحَضْرَمِيَّةُ: اللُّكْنَةُ. وحَضْرَمَ في كلامه حَضْرَمةً:
لحن، بالحاء، وخالف بالإعراب عن وجه الصواب. والحَضْرَمَةُ: الخلط، وشاعر
مُحَضْرَمٌ.
وحَضْرَمَوْت: موضع باليمن معروف. ونعل حَضْرَمِيُّ إذا كان مُلَسَّناً.
ويقال لأَهل حَضْرَمَوْتَ: الحَضارِمَةُ، ويقال للعرب الذي يسكنون
حَضْرَمَوْتَ من أهل اليمن: الحَضارِمَةُ؛ هكذا ينسبون كما يقولون المَهالِبَة
والصَّقالِبَة. وفي حديث مُصْعَب بن عُمَيْرٍ: أنه كان يمشي في
الحَضْرَمِيّ؛ هو النعل المنسوبة إلى حَضْرَمَوْتَ المتَّخَذَة بها.
بحر: البَحْرُ: الماءُ الكثيرُ، مِلْحاً كان أَو عَذْباً، وهو خلاف
البَرِّ، سمي بذلك لعُمقِهِ واتساعه، قد غلب على المِلْح حتى قَلّ في
العَذْبِ، وجمعه أَبْحُرٌ وبُحُورٌ وبِحارٌ. وماءٌ بَحْرٌ: مِلْحٌ، قَلَّ أَو
كثر؛ قال نصيب:
وقد عادَ ماءُ الأَرضِ بَحْراً فَزادَني،
إِلى مَرَضي، أَنْ أَبْحَرَ المَشْرَبُ العَذْبُ
قال ابن بري: هذا القولُ هو قولُ الأُمَوِيّ لأَنه كان يجعل البحر من
الماء الملح فقط. قال: وسمي بَحْراً لملوحته، يقال: ماءٌ بَحْرٌ أَي
مِلْحٌ، وأَما غيره فقال: إِنما سمي البَحْرُ بَحْراً لسعته وانبساطه؛ ومنه
قولهم إِن فلاناً لَبَحْرٌ أَي واسع المعروف؛ قال: فعلى هذا يكون البحرُ
للملْح والعَذْبِ؛ وشاهدُ العذب قولُ ابن مقبل:
ونحنُ مَنَعْنا البحرَ أَنْ يَشْرَبُوا به،
وقد كانَ مِنْكُمْ ماؤه بِمَكَانِ
وقال جرير:
أَعْطَوْا هُنَيْدَةَ تَحْدُوها ثمانِيَةٌ،
ما في عطائِهِمُ مَنٌَّ ولا سَرَفُ
كُوماً مَهارِيسَ مَثلَ الهَضْبِ، لو وَرَدَتْ
ماءَ الفُراتِ، لَكادَ البَحْرُ يَنْتَزِفُ وقال عديّ بن زيد:
وتَذَكَّرْ رَبِّ الخُوَرْنَقِ إِذْ أَشْـ
ـرَفَ يوماً، وللْهُدَى تَذْكِيرُ
سَرَّه مالُهُ وكَثْرَةُ ما يَمْـ
ـلِكُ، والبحرُ مُعْرِضاً والسَّدِيرُ
أَراد بالبحر ههنا الفرات لأَن رب الخورنق كان يشرِفُ على الفرات؛ وقال
الكميت:
أُناسٌ، إِذا وَرَدَتْ بَحْرَهُمْ
صَوادِي العَرائِبِ، لم تُضْرَبِ
وقد أَجمع أَهل اللغة أَن اليَمَّ هو البحر. وجاءَ في الكتاب العزيز:
فَأَلْقِيهِ في اليَمِّ؛ قال أَهل التفسير: هو نيل مصر، حماها الله تعالى.
ابن سيده: وأَبْحَرَ الماءُ صار مِلْحاً؛ قال: والنسب إِلى البحر
بَحْرانيٌّ على غير قياس. قال سيبويه: قال الخليل: كأَنهم بنوا الاسم على
فَعْلان. قال عبدا محمد بن المكرم: شرطي في هذا الكتاب أَن أَذكر ما قاله مصنفو
الكتب الخمسة الذين عينتهم في خطبته، لكن هذه نكتة لم يسعني إِهمالها.
قال السهيلي، رحمه الله تعالى: زعم ابن سيده في كتاب المحكم أَن العرب
تنسب إِلى البحر بَحْرانيّ، على غير قياس، وإِنه من شواذ النسب، ونسب هذا
القول إِلى سيبويه والخليل، رحمهما الله تعالى، وما قاله سيبويه قط، وإِنما
قال في شواذ النسب: تقول في بهراء بهراني وفي صنعاء صنعاني، كما تقول
بحراني في النسب إلى البحرين التي هي مدينة، قال: وعلى هذا تلقَّاه جميع
النحاة وتأَوَّلوه من كلام سيبويه، قال: وإِنما اشتبه على ابن سيده لقول
الخليل في هذه المسأَبة أَعني مسأَلة النسب إِلى البحرين، كأَنهم بنوا
البحر على بحران، وإِنما أَراد لفظ البحرين، أَلا تراه يقول في كتاب العين:
تقول بحراني في النسب إِلى البحرين، ولم يذكر النسب إِلى البحر أَصلاً،
للعلم به وأَنه على قياس جار. قال: وفي الغريب المصنف عن الزيدي أَنه قال:
إِنما قالوا بَحْرانيٌّ في النسب إِلى البَحْرَيْنِ، ولم يقولوا
بَحْرِيٌّ ليفرقوا بينه وبين النسب إلى البحر. قال: ومازال ابن سيده يعثر في هذا
الكتاب وغيره عثرات يَدْمَى منها الأَظَلُّ، ويَدْحَضُ دَحَضَات تخرجه
إِلى سبيل من ضل، أَلاّ تراه قال في هذا الكتاب، وذكر بُحَيْرَة طَبَرَيَّة
فقال: هي من أَعلام خروج الدجال وأَنه يَيْبَسُ ماؤُها عند خروجه،
والحديث إِنما جاء في غَوْرٍ زُغَرَ، وإِنما ذكرت طبرية في حديث يأْجوج
ومأْجوج وأَنهم يشربون ماءها؛ قال: وقال في الجِمَار في غير هذا الكتاب: إِنما
هي التي ترمي بعرفة وهذه هفوة لا تقال، وعثرة لا لَعاً لها؛ قال: وكم له
من هذا إِذا تكلم في النسب وغيره. هذا آخر ما رأَيته منقولاً عن السهيلي.
ابن سيده: وكلُّ نهر عظيم بَحْرٌ. الزجاج: وكل نهر لا ينقطع ماؤُه، فهو
بحر. قال الأَزهري: كل نهر لا ينقطع ماؤه مثل دِجْلَةَ والنِّيل وما
أَشبههما من الأَنهار العذبة الكبار، فهو بَحْرٌ. و أَما البحر الكبير الذي
هو مغيض هذه الأَنهار فلا يكون ماؤُه إِلاَّ ملحاً أُجاجاً، ولا يكون ماؤه
إِلاَّ راكداً؛ وأَما هذه الأَنهار العذبة فماؤُها جار، وسميت هذه
الأَنهار بحاراً لأَنها مشقوقة في الأَرض شقّاً. ويسمى الفرس الواسع الجَرْي
بَحْراً؛ ومنه قول النبي، صلى الله عليه وسلم، في مَنْدُوبٍ فَرَسِ أَبي
طلحة وقد ركبه عُرْياً: إِني وجدته بَحْراً أَي واسع الجَرْي؛ قال أَبو
عبيدة: يقال للفرس الجواد إِنه لَبَحْرٌ لا يُنْكَش حُضْرُه. قال الأَصمعي:
يقال فَرَسٌ بَحْرٌ وفَيضٌ وسَكْبٌ وحَثٌّ إِذا كان جواداً كثيرَ
العَدْوِ وفي الحديث: أَبى ذلك البَحرُ ابنُ عباس؛ سمي بحراً لسعة علمه
وكثرته.والتَّبَحُّرُ والاستِبْحَارُ: الانبساط والسَّعة.
وسمي البَحْرُ بَحْراً لاسْتبحاره، وهو انبساطه وسعته. ويقال: إِنما سمي
البَحْر بَحْراً لأَنه شَقَّ في الأَرض شقّاً وجعل ذلك الشق لمائه
قراراً. والبَحْرُ في كلام العرب: الشَّقُّ. وفي حديث عبد المطلب: وحفر زمزم
ثم بَحَرَها بَحراً أَي شقَّها ووسَّعها حتى لا تُنْزَفَ؛ ومنه قيل للناقة
التي كانوا يشقون في أُذنها شقّاً: بَحِيرَةٌ.
وبَحَرْتُ أُذنَ الناقة بحراً: شققتها وخرقتها. ابن سيده: بَحَرَ
الناقةَ والشاةَ يَبْحَرُها بَحْراً شقَّ أُذنها بِنِصْفَين، وقيل: بنصفين
طولاً، وهي البَحِيرَةُ، وكانت العرب تفعل بهما ذلك إِذا نُتِجَتا عشرةَ
أَبْطن فلا يُنْتَفَع منهما بلبن ولا ظَهْرٍ، وتُترك البَحِيرَةُ ترعى وترد
الماء ويُحَرَّمُ لحمها على النساء، ويُحَلَّلُ للرجال، فنهى الله تعالى
عن ذلك فقال: ما جَعَلَ اللهُ من بَحِيرَةٍ ولا سائبةٍ ولا وصِيلةٍ ولا
حامٍ؛ قال: وقيل البَحِيرَة من الإِبل التي بُحِرَتْ أُذنُها أَي شُقت
طولاً، ويقال: هي التي خُلِّيَتْ بلا راع، وهي أَيضاً الغَزِيرَةُ، وجَمْهُها
بُحُرٌ، كأَنه يوهم حذف الهاء. قال الأَزهري: قال أَبو إِسحق النحوي:
أَثْبَتُ ما روينا عن أَهل اللغة في البَحِيرَة أَنها الناقة كانت إِذا
نُتِجَتْ خَمْسَةَ أَبطن فكان آخرها ذكراً، بَحَرُوا أُذنها أَي شقوها
وأَعْفَوا ظهرها من الركوب والحمل والذبح، ولا تُحلأُ عن ماء ترده ولا تمنع من
مرعى، وإِذا لقيها المُعْيي المُنْقَطَعُ به لم يركبها. وجاء في الحديث:
أَن أَوَّل من بحر البحائرَ وحَمَى الحامِيَ وغَيَّرَ دِين إِسمعيل
عَمْرُو بن لُحَيِّ بن قَمَعَة بنِ جُنْدُبٍ؛ وقيل: البَحِيرَةُ الشاة إِذا
ولدت خمسة أَبطُن فكان آخرها ذكراً بَحَرُوا أُذنها أَي شقوها وتُرِكَت
فلا يَمَسُّها أَحدٌ. قال الأَزهري: والقول هو الأَوَّل لما جاء في حديث
أَبي الأَحوص الجُشَمِيِّ عن أَبيه أَن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال له:
أَرَبُّ إِبلٍ أَنتَ أَم ربُّ غَنَمٍ؟ فقال: من كلٍّ قد آتاني اللهُ
فأَكْثَرَ، فقال: هل تُنْتَجُ إِبلُك وافيةً آذانُها فَتَشُقُّ فيها وتقول
بُحُرٌ؟ يريد به جمع البَحِيرة. وقال الفرّاء: البَحِيرَةُ هي ابنة
السائبة، وقد فسرت السائبة في مكانها؛ قال الجوهري: وحكمها حكم أُمها. وحكى
الأَزهري عن ابن عرفة: البَحيرة الناقة إِذا نُتِجَتْ خمسة أَبطن والخامس
ذكر نحروه فأَكله الرجال والنساء، وإِن كان الخامس أُنثى بَحَروا أُذنها
أَي شقوها فكانت حراماً على النساء لحمها ولبنها وركوبها، فإِذا ماتت حلت
للنساء؛ ومنه الحديث: فَتَقَطَعُ آذانَها فتقُولُ بُحُرٌ؛ وأَنشد شمر لابن
مقبل:
فيه من الأَخْرَجِ المُرْتَاعِ قَرْقَرَةٌ،
هَدْرَ الدَّيامِيِّ وَسْطَ الهجْمَةِ البُحُرِ
البُحُرُ: الغِزارُ. والأَخرج: المرتاعُ المُكَّاءٌ. وورد ذكر البَحِيرة
في غير موضع: كانوا إِذا ولدت إِبلهم سَقْباً بَحَروا أُذنه أَي شقوها،
وقالوا: اللهم إِن عاش فَقَنِيٌّ، وإِن مات فَذَكيٌّ؛ فإِذا مات أَكلوه
وسموه البحيرة، وكانوا إِذا تابعت الناقة بين عشر إِناث لم يُرْكب ظهرُها،
ولم يُجَزّ وبَرُها، ولم يَشْرَبْ لَبَنَها إِلا ضَيْفٌ، فتركوها
مُسَيَّبَةً لسبيلها وسموَّها السائبة، فما ولدت بعد ذلك من أُنثى شقوا أُذنها
وخلَّوا سبيلها، وحرم منها ما حرم من أُمّها، وسَمّوْها البحِيرَةَ،
وجمعُ البَحِيرَةِ على بُحُرٍ جمعٌ غريبٌ في المؤنث إِلا أَن يكون قد حمله
على المذكر، نحو نَذِيرٍ ونُذُرٍ، على أَن بَحِيرَةً فعيلة بمعنى مفعولة
نحو قتيلة؛ قال: ولم يُسْمَعْ في جمع مثله فُعُلٌ، وحكى الزمَخْشري
بَحِيرَةٌ وبُحُرٌ وصَريمَةٌ وصُرُمٌ، وهي التي صُرِمَتْ أُذنها أَي
قطعت.واسْتَبْحَرَ الرجل في العلم والمال وتَبَحَّرَ: اتسع وكثر ماله.
وتَبَحَّرَ في العلم: اتسع. واسْتَبْحَرَ الشاعرُ إِذا اتَّسَعَ في القولِ؛ قال
الطرماح:
بِمِثْلِ ثَنائِكَ يَحْلُو المديح،
وتَسْتَبْحِرُ الأَلسُنْ المادِحَهْ
وفي حديث مازن: كان لهم صنم يقال له باحَر، بفتح الحاء، ويروى بالجيم.
وتَبَحَّر الراعي في رعْيٍ كثير: اتسع، وكلُّه من البَحْرِ لسعته.
وبَحِرَ الرجلُ إِذا رأَى البحر فَفَرِقَ حتى دَهِشَ، وكذلك بَرِقَ إِذا
رأَى سَنا البَرْقِ فتحير، وبَقِرَ إِذا رأَى البَقَرَ الكثيرَ، ومثله
خَرِقَ وعَقِرَ. ابن سيده: أَبْحَرَ القومُ ركبوا البَحْرَ.
ويقال للبَحْرِ الصغير: بُحَيْرَةٌ كأَنهم توهموا بَحْرَةً وإِلا فلا
وجه للهاء، وأَما البُحَيْرَةُ التي في طبرية وفي الأَزهري التي بالطبرية
فإِنها بَحْرٌ عظيم نحو عشرة أَميال في ستة أَميال وغَوْرُ مائها، وأَنه
(* قوله «وغور مائها وأنه إلخ» كذا بالأَصل المنسوب للمؤلف وهو غير تام).
علامة لخروج الدجال تَيْبَس حتى لا يبقى فيها قطرة ماء، وقد تقدم في هذا
الفصل ما قاله السهيلي في هذا المعنى.
وقوله: يا هادِيَ الليلِ جُرْتَ إِنما هو البَحْرُ أَو الفَجْرُ؛ فسره
ثعلب فقال: إِنما هو الهلاك أَو ترى الفجر، شبه الليل بالبحر. وقد ورد ذلك
في حديث أَبي بكر، رضي الله عنه: إِنما هو الفَجْرُ أَو البَجْرُ، وقد
تقدم؛ وقال: معناه إِن انتظرت حتى يضيء الفجر أَبصرب الطريق، وإِن خبطت
الظلماء أَفضت بك إِلى المكروه. قال: ويروى البحر، بالحاء، يريد غمرات
الدنيا شبهها بالبحر لتحير أَهلها فيها.
والبَحْرُ: الرجلُ الكريمُ الكثيرُ المعروف. وفَرسٌ بَحْرٌ: كثير
العَدوِ، على التشبيه بالبحر. والبَحْرُ: الرِّيفُ، وبه فسر أَبو عليّ قوله عز
وجل: ظهر الفساد في البَرِّ والبَحْرِ؛ لأَن البحر الذي هو الماء لا يظهر
فيه فساد ولا صلاح؛ وقال الأَزهري: معنى هذه الآية أَجدب البر وانقطعت
مادة البحر بذنوبهم، كان ذلك ليذوقوا الشدَّة بذنوبهم في العاجل؛ وقال
الزجاج: معناه ظهر الجدب في البر والقحط في مدن البحر التي على الأَنهار؛
وقول بعض الأَغفال:
وأَدَمَتْ خُبْزِيَ من صُيَيْرِ،
مِنْ صِيرِ مِصْرَيْنِ، أَو البُحَيْرِ
قال: يجوز أَن يَعْني بالبُحَيْرِ البحر الذي هو الريف فصغره للوزن
وإقامة القافية. قال: ويجوز أَن يكون قصد البُحَيْرَةَ فرخم اضطراراً. وقوله:
من صُيَيْر مِن صِيرِ مِصْرَيْنِ يجوز أَن يكون صير بدلاً من صُيَيْر،
بإِعادة حرف الجر، ويجوز أَن تكون من للتبعيض كأَنه أَراد من صُيَيْر كائن
من صير مصرين، والعرب تقول لكل قرية: هذه بَحْرَتُنا. والبَحْرَةُ:
الأَرض والبلدة؛ يقال: هذه بَحْرَتُنا أَي أَرضنا. وفي حديث القَسَامَةِ:
قَتَلَ رَجُلاً بِبَحْرَةِ الرِّعاءِ على شَطِّ لِيَّةَ، البَحْرَةُ:
البَلْدَةُ. وفي حديث عبدالله بن أُبيّ: اصْطَلَحَ أَهلُ هذه البُحَيْرَةِ أَن
يَعْصِبُوه بالعِصَابَةِ؛ البُحَيْرَةُ: مدينة سيدنا رسولُ الله، صلى
الله عليه وسلم، وهي تصغير البَحْرَةِ، وقد جاء في رواية مكبراً. والعربُ
تسمي المُدُنَ والقرى: البحارَ. وفي الحديث: وكَتَبَ لهم بِبَحْرِهِم؛ أَي
ببلدهم وأَرضهم. وأَما حديث عبدالله ابن أُبيّ فرواه الأَزهري بسنده عن
عُرْوَةَ أَن أُسامة ابن زيد أَخبره: أَن النبي، صلى الله عليه وسلم، ركب
حماراً على إِكافٍ وتحته قَطِيفةٌ فركبه وأَرْدَفَ أُسامةَ، وهو يعود سعد
بن عُبادَةَ، وذلك قبل وَقْعَةِ بَدْرٍ، فلما غشيت المجلسَ عَجاجَةُ
الدابة خَمَّرَ عبدُالله بنُ أُبيّ أَنْفَه ثم قال: لا تُغَبِّرُوا، ثم نزل
النبي، صلى الله عليه وسلم، فوقف ودعاهم إِلى الله وقرأَ القرآنَ، فقال
له عبدُالله: أَيها المَرْءُ إِن كان ما تقول حقّاً فلا تؤذنا في مجلسنا
وارجعْ إِلى رَحْلك، فمن جاءَك منَّا فَقُصَّ عليه؛ ثم ركب دابته حتى دخل
على سعد بن عبادة، فقال له: أَي سَعْدُ أَلم تسمعْ ما قال أَبو حُباب؟
قال كذا، فقال سعدٌ: اعْفُ واصفَحْ فوالله لقد أَعطاك اللهُ الذي أَعطاك،
ولقد اصطلح أَهلُ هذه البُحَيْرةِ على أَن يُتَوِّجُوه، يعني يُمَلِّكُوهُ
فَيُعَصِّبوه بالعصابة، فلما ردَّ الله ذلك بالحق الذي أَعطاكَ شَرِقَ
لذلك فذلك فَعَلَ به ما رأَيْتَ، فعفا عنه النبي، صلى الله عليه وسلم.
والبَحْرَةُ: الفَجْوَةُ من الأَرض تتسع؛ وقال أَبو حنيفة: قال أَبو نصر
البِحارُ الواسعةُ من الأَرض، الواحدة بَحْرَةٌ؛ وأَنشد لكثير في وصف
مطر:يُغادِرْنَ صَرْعَى مِنْ أَراكٍ وتَنْضُبٍ،
وزُرْقاً بأَجوارِ البحارِ تُغادَرُ
وقال مرة: البَحْرَةُ الوادي الصغير يكون في الأَرض الغليظة.
والبَحْرةُ: الرَّوْضَةُ العظيمةُ مع سَعَةٍ، وجَمْعُها بِحَرٌ وبِحارٌ؛ قال النمر
بن تولب:
وكأَنها دَقَرَى تُخايِلُ، نَبْتُها
أُنُفٌ، يَغُمُّ الضَّالَ نَبْتُ بِحارِها
(* قوله «تخايل إلخ» سيأتي للمؤلف في مادّة دقر هذا البيت وفيه تخيل بدل
تخايل وقال أي تلوّن بالنور فتريك رؤيا تخيل إليك أنها لون ثم تراها
لوناً آخر، ثم قطع الكلام الأول فقال نبتها أنف فنبتها مبتدأ إلخ ما
قال).الأَزهري: يقال للرَّوْضَةِ بَحْرَةٌ. وقد أَبْحَرَتِ الأَرْضُ إِذا
كثرت مناقع الماء فيها. وقال شمر: البَحْرَةُ الأُوقَةُ يستنقع فيها الماء.
ابن الأَعرابي: البُحَيْرَةُ المنخفض من الأَرض.
وبَحِرَ الرجلُ والبعيرُ بَحَراً، فهو بَحِرٌ إِذا اجتهد في العدوِ
طالباً أَو مطلوباً، فانقطع وضعف ولم يزل بِشَرٍّ حتى اسودَّ وجهه وتغير. قال
الفراء: البَحَرُ أَن يَلْغَى البعيرُ بالماء فيكثر منه حتى يصيبه منه
داء. يقال: بَحِرَ يَبْحَرُ بَحَراً، فهو بَحِرٌ؛ وأَنشد:
لأُعْلِطَنَّه وَسْماً لا يُفارِقُه،
كما يُجَزُّ بِحُمَّى المِيسَمِ البَحِرُ
قال: وإِذا أَصابه الداءُ كُويَ في مواضع فَيَبْرأُ. قال الأَزهري:
الداء الذي يصيب البعير فلا يَرْوَى من الماء، هو النِّجَرُ، بالنون والجيم،
والبَجَرُ، بالباء والجيم، وأَما البَحَرُ، فهو داء يورث السِّلَّ.
وأَبْحَرَ الرجلُ إِذا أَخذه السِّلُّ. ورجلٌ بَجِيرٌ وبَحِرٌ: مسْلُولٌ ذاهبُ
اللحم؛ عن ابن الأَعرابي وأَنشد:
وغِلْمَتي مِنْهُمْ سَحِيرٌ وبَحِرْ،
وآبقٌ، مِن جَذْبِ دَلْوَيْها، هَجِرْ
أَبو عمرو: البَحِيرُ والبَحِرُ الذي به السِّلُّ، والسَّحِيرُ: الذي
انقطعت رِئَتُه، ويقال: سَحِرٌ. وبَحِرَ الرجلُ. بُهِتَ. وأَبْحَرَ الرجل
إذا اشتدَّتْ حُمرةُ أَنفه. وأَبْحَرَ إِذا صادف إِنساناً على غير اعتمادٍ
وقَصدٍ لرؤيته، وهو من قولهم: لقيته صَحْرَةَ بَحْرَةَ أَي بارزاً ليس
بينك وبينه شيء.
والباحِر، بالحاء: الأَحمق الذي إِذا كُلِّمَ بَحِرَ وبقي كالمبهوت،
وقيل: هو الذي لا يَتَمالكُ حُمْقاً. الأَزهري: الباحِرُ الفُضولي، والباحرُ
الكذاب. وتَبَحَّر الخبرَ: تَطَلَّبه. والباحرُ: الأَحمرُ الشديدُ
الحُمرة. يقال: أَحمر باحرٌ وبَحْرانيٌّ. ابن الأَعرابي: يقال أَحْمَرُ
قانِئٌ وأَحمرُ باحِرِيٌّ وذَرِيحِيٌّ، بمعنى واحد. وسئل ابن عباس عن المرأَة
تستحاض ويستمرّ بها الدم، فقال: تصلي وتتوضأُ لكل صلاة، فإِذا رأَتِ
الدَّمَ البَحْرانيَّ قَعَدَتْ عن الصلاة؛ دَمٌ بَحْرَانيٌّ: شديد الحمرة
كأَنه قد نسب إِلى البَحْرِ، وهو اسم قعر الرحم، منسوب إِلى قَعْرِ الرحم
وعُمْقِها، وزادوه في النسب أَلِفاً ونوناً للمبالغة يريد الدم الغليظ
الواسع؛ وقيل: نسب إِلى البَحْرِ لكثرته وسعته؛ ومن الأَول قول العجاج:
وَرْدٌ من الجَوْفِ وبَحْرانيُّ
أَي عَبِيطٌ خالصٌ. وفي الصحاح: البَحْرُ عُمْقُ الرَّحِمِ، ومنه قيل
للدم الخالص الحمرة: باحِرٌ وبَحْرانيٌّ. ابن سيده: ودَمٌ باحِرٌ
وبَحْرانيٌّ خالص الحمرة من دم الجوف، وعم بعضُهم به فقال: أَحْمَرُ باحِرِيٌّ
وبَحْرَانيٌّ، ولم يخص به دم الجوف ولا غيره. وبَناتُ بَحْرٍ: سحائبُ يجئنَ
قبل الصيف منتصبات رقاقاً، بالحاء والخاء، جميعاً. قال الأَزهري: قال
الليث: بَناتُ بَحْرٍ ضَرْبٌ من السحاب، قال الأَزهري: وهذا تصحيف منكر
والصواب بَناتُ بَخْرٍ. قال أَبو عبيد عن الأَصمعي: يقال لسحائب يأْتين قبل
الصيف منتصبات: بَناتُ بَخْرٍ وبَناتُ مَخْرٍ، بالباء والميم والخاء، ونحو
ذلك قال اللحياني وغيره، وسنذكر كلاًّ منهما في فصله.
الجوهري: بَحِرَ الرجلُ، بالكسر، يَبْحَرُ بَحَراً إِذا تحير من الفزع
مثل بَطِرَ؛ ويقال أَيضاً: بَحِرَ إِذا اشتدَّ عَطَشُه فلم يَرْوَ من
الماء. والبَحَرُ أَيضاً: داءٌ في الإِبل، وقد بَحِرَتْ.
والأَطباء يسمون التغير الذي يحدث للعليل دفعة في الأَمراض الحادة:
بُحْراناً، يقولون: هذا يَوْمُ بُحْرَانٍ بالإِضافة، ويومٌ باحُوريٌّ على غير
قياس، فكأَنه منسوب إِلى باحُورٍ وباحُوراء مثل عاشور وعاشوراء، وهو
شدّة الحر في تموز، وجميع ذلك مولد؛ قال ابن بري عند قول الجوهري: إِنه مولد
وإِنه على غير قياس؛ قال: ونقيض قوله إِن قياسه باحِرِيٌّ وكان حقه أَن
يذكره لأَنه يقال دم باحِرِيٌّ أَي خالص الحمرة؛ ومنه قول المُثَقِّب
العَبْدِي:
باحِريُّ الدَّمِ مُرَّ لَحْمُهُ،
يُبْرئُ الكَلْبَ، إِذا عَضَّ وهَرّ
والباحُورُ: القَمَرُ؛ عن أَبي علي في البصريات له. والبَحْرانِ: موضع
بين البصرة وعُمانَ، النسب إِليه بَحْريٌّ وبَحْرانيٌّ؛ قال اليزيدي:
كرهوا أَن يقولوا بَحْريٌّ فتشبه النسبةَ إِلى البَحْرِ؛ الليث: رجل
بَحْرانيٌّ منسوب إِلى البَحْرَينِ؛ قال: وهو موضع بين البصرة وعُمان؛ ويقال: هذه
البَحْرَينُ وانتهينا إِلى البَحْرَينِ. وروي عن أَبي محمد اليزيدي قال:
سأَلني المهدي وسأَل الكسائي عن النسبة إِلى البحرين وإِلى حِصْنَينِ:
لِمَ قالوا حِصْنِيٌّ وبَحْرانيٌّ؟ فقال الكسائي: كرهوا أَن يقولوا
حِصْنائِيٌّ لاجتماع النونين، قال وقلت أَنا: كرهوا أَن يقولوا بَحْريٌّ فتشبه
النسبة إِلى البحر؛ قال الأَزهري: وإِنما ثنوا البَحْرَ لأَنَّ في ناحية
قراها بُحَيرَةً على باب الأَحساء وقرى هجر، بينها وبين البحر الأَخضر
عشرة فراسخ، وقُدِّرَت البُحَيرَةُ ثلاثةَ أَميال في مثلها ولا يغيض
ماؤُها، وماؤُها راكد زُعاقٌ؛ وقد ذكرها الفرزدق فقال:
كأَنَّ دِياراً بين أَسْنِمَةِ النَّقا
وبينَ هَذالِيلِ البُحَيرَةِ مُصْحَفُ
وكانت أَسماء بنت عُمَيْسٍ يقال لها البَحْرِيَّة لأَنها كانت هاجرت
إِلى بلاد النجاشي فركبت البحر، وكلُّ ما نسب إِلى البَحْرِ، فهو
بَحْريٌّ.وفي الحديث ذِكْرُ بَحْرانَ، وهو بفتح الباء وضمها وسكون الحاء، موضع
بناحية الفُرْعِ من الحجاز، له ذِكْرٌ في سَرِيَّة عبدالله بن جَحْشٍ.
وبَحْرٌ وبَحِيرٌ وبُحَيْرٌ وبَيْحَرٌ وبَيْحَرَةُ: أَسماء.
وبنو بَحْريّ: بَطْنٌ.
وبَحْرَةُ ويَبْحُرُ: موضعان. وبِحارٌ وذو بِحارٍ: موضعان؛ قال الشماخ:
صَبَا صَبْوَةً مِن ذِي بِحارٍ، فَجاوَرَتْ،
إِلى آلِ لَيْلى، بَطْنَ غَوْلٍ فَمَنْعَجِ
خلج: الخَلْجُ: الجَذْبُ.
خَلَجَهُ يَخْلِجُه خَلْجاً، وتَخَلَّجَهُ، واخْتَلَجَهُ إِذا جَبَذَهُ
وانْتَزَعَهُ؛ أَنشَد أَبو حنيفة:
إِذا اخْتَلَجَتْها مُنْجِياتٌ، كأَنها
صُدورُ َْراقٍ، ما بِهِنَّ قُطُوعُ
شبه أَصابعه في طولها وقلة لحمها بصدور عَرَاقي الدَّلْو؛ قال العجاج:
فإَنْ يَكُنْ هذا الزمانُ خَلَجا،
فقَدْ لَبِسْنا عَيْشَه المُخَرْفَجا
يعني قد خلج حالاً،وانتزعها وبَدَّلَها بغيرها؛ وقال في التهذيب:
فإِن يكن هذا الزمان خلجا
أَي نحى شيئاً عن شيء.
وفي الحديث: يَخْتَلِجُونَهُ على باب الجنة أَي يجتذبونه؛ ومنه حديث
عمار وأُم سلمة: فاخْتَلَجَها مِنْ جُحْرِها. وفي حديث عَليٍّ في ذكر
الحياة: إِن الله جعل الموت خالِجاً لأَشْطانِها أَي مُسْرِعاً في أَخذِ
حِبالِها. وفي الحديث: تَنْكَبُ المَخالِجُ عن وضَحِ السبيل أَي الطُّرُقُ
المُتَشَعِّبَةُ عن الطريق الأَعظم الواضح.
وفي حديث المغيرة: حتى تَرَوْهُ يَخْلِجُ في قومه أَو يَحْلِجُ أَي يسرع
في حُبِّهمْ. وأَخْلَجَ هو: انجذب. وناقة خَلُوجٌ: جُذِبَ عنها ولدها
بذبح أَو موت فَحَنَّتْ إِليه وقَلَّ لذلك لبنها، وقد يكون في غير الناقة؛
أَنشد ثعلب:
يَوْماً تَرَى مُرْضِعَةً خَلُوجا
أَراد كلَّ مرضعة؛ أَلا تراه قال بعد هذا:
وكلَّ أُنْثى حَمَلَتْ خَدُوجا،
وكلَّ صاحٍ ثَمِلاً مَرُوجا؟
وإِنما يذهب في ذلك إِلى قوله تعالى: يَومَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كلُّ
مُرْضِعَةٍ عَمّا أَرْضَعَتْ وتَضَعُ كلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها وتَرَى
النَّاسَ سُكارَى وما هُمْ بِسُكارى. وقيل: هي التي تَخلِجُ السَّيْرَ من
سُرْعَتِها أَي تجذبه، والجمع خُلُجٌ وخِلاجٌ؛ قال أَبو ذؤيب:
أَمِنْك البَرْقُ أَرْقُبُهُ، فَهَاجا،
فَبِتُّ إِخالُه دُهْماً خِلاجا؟
أَمِنك أَي من شِقِّك وناحيتك. دُهْماً: إِبِلاَّ سُوداً. شبه صوت الرعد
بأَصوات هذه الخلاج لأَنها تَحَانُّ لفقد أَولادها.
ويقال للمفقود من بين القوم والميت: قد اخْتُلِجَ من بينهم فذهب به. وفي
الحديث: لَيَرِدَنَّ عليَّ الحَوضَ أَقوامٌ ثم لَيُخْتَلَجُنَّ دوني أَي
يُجْتَذَبونَ ويُقْتَطَعُون. وفي الحديث: فَحَنَّتِ الخَشَبَةُ حَنِينَ
النَّاقَةِ الخَلُوجِ؛ هي التي اخْتُلِجَ وَلَدُها أَي انْتُزِعَ منها.
والإِخْلِيجَةُ: الناقة المُخْتَلَجَةُ عن أُمها؛ قال ابن سيده: هذه
عبارة سيبويه، وحكى السيرافي أَنها الناقة المُخْتَلَجُ عنها وَلَدُها، وحكي
عن ثعلب أَنها المرأَة المُخْتَلَجَةُ عن زوجها بموت أَو طلاق، وحكي عن
أَبي مالك أَنه نَبْتٌ؛ قال: وهذا لا يطابق مذهب سيبويه لأَنه على هذا
اسم وإِنما وضعه سيبويه صفة؛ ومنه سمي خَلِيجُ النهر خَلِيجاً.
والخَلِيجُ من البحر: شَرْمٌ منه. ابن سيده: والخَلِيجُ ما انقطع من
معظم الماء لأَنه يُجْبَذُ منه، وقد اختُلِجَ؛ وقيل: الخليج شعبة تنشعب من
الوادي تُعَبِّرُ بَعْضَ مائه إِلى مكان آخر، والجمع خُلْجٌ وخُلْجانٌ.
وخَلِيجَا النهر: جَناحاه. وخَلِيجُ البحر: رِجْلٌ يَخْتَلِجُ منه، قال:
هذا قول كراع. التهذيب: والخليج نهر في شق من النهر الأَعظم.وجناحا النهر:
خليجاه؛ وأَنشد:
إِلى فَتًى قاضَ أَكُفّ الفِتْيانْ،
فَيْضَ الخَلِيجِ مَدَّهُ خَلِيجانْ
وفي الحديث: أَن فلاناً ساق خَلِيجاً؛ الخلِيجُ: نهر يُقتطع من النهر
الأَعظم إِلى موضع ينتفع به فيه.
ابن الأَعرابي: الخُلُجُ التَّعِبُونَ.والخُلُجُ: المُرْتَعِدُو
الأَبدانِ.والخُلُجُ: الحِبالُ.
ابن سيده: والخليج الحبل لأَنه يَحْبِذُ ما شُدَّ به. والخليج:
الرَّسَنُ لذلك؛ التهذيب: قال الباهلي في قول تميم بن مقبل:
فَبَاتَ يُسامي، بَعْدَما شُجَّ رَأْسُه،
فُحُولاً جَمَعْنَاها تَشِبُّ وتَضْرَحُ
وباتَ يُغَنَّى في الخَليج، كأَنه
كُمَيْتٌ مُدَمًّى، ناصِعُ اللَّوْنِ أَقْرَحُ
قال: يعني وتِداً رُبِطَ به فَرَسٌ. يقول: يقاسي هذه الفحول أَي قد
شدَّت به، وهي تنزو وترمح. وقوله: يُغَنَّى أَي تَصْهَلُ عنده الخيل.
والخَلِيجُ: حَبْلٌ خُلِجَ أَي فتل شزراً أَي فتل على العَسْراءِ؛ يعني مِقْوَدَ
الفَرَسِ. كُمَيْتٌ: من نعت الوتد أَي أَحْمَرُ من طَرْفاءَ. قال:
وقرحته موضع القطع؛ يعني بياضه؛ وقيل: قرحته ما تمج عليه من الدم والزَّبَدِ.
ويقال للوتد خليج لأَنه يجذب الدابة إِذا ربطت إِليه. وقال ابن بري في
البيتين: يصف فرساً رُبط بحبل وشدَّ بوتِد في الأَرض فجعل صهيل الفرس غناء
له، وجعله كميتاً أَقرَح لما علاه من الزَّبَد والدم عند جذبه الحبل.
ورواه الأَصمعي: وبات يُغَنَّى أَي وبات الوتد المربوط به الخيلُ يُغَنَّى
بصهيلها أَي بات الوتد والخيل تصهل حوله، ثم قال: أَي كأَن الوتد فرس كميت
أَقرَح أَي صار عليه زبد ودم؛ فبالزبد صار أَقرَح، وبالدم صار كميتاً.
وقوله: يُسامي أَي يجذب الأَرسان. والشباب في الفرس: أَن يقوم على رجليه.
وقوله: تضرح أَي ترمح بأَرجلها.
ابن سيده: وخَلَجَتِ الأُمُّ ولدها تَخْلِجُه، وجذبته تجذبه: فطمته؛ عن
اللحياني، ولم يخصَّ من أَيّ نوع ذلك. وخَلَجْتُها: فَطَمْتُ ولَدَها؛
قال أَعرابي: لا تَخْلِجِ الفصيلَ عن أُمه، فإن الذئب عالم بمكان الفصيل
اليتيم؛ أَي لا تفرق بينه وبين أُمه.
وتَخَلَّجَ المجنونُ في مشيته: تجاذب يميناً وشمالاً. والمجنون يتخلج في
مشيته أَي يتمايل كأَنما يجتذب مرَّة يمنةً ومرة يسرة. وتخَلَّج المفلوج
في مشيته أَي تفكك وتمايل؛ ومنه قول الشاعر:
أَقْبَلَتْ تَنْفُضُ الحُلاءَ بِعَيْنَيْـ
ـها، وتَمْشِي تَخَلُّجَ المَجْنُونِ
والتَّخَلُّجُ في المشي: مثل التخلع؛ قال جرير:
وأَشْفِي مِنْ تَخَلُّجِ كلِّ جِنٍّ،
وأَكْوِي النَّاظِرَيْنِ منَ الخُنانِ
وفي حديث الحسن: رأَى رجلاً يمشي مِشْيَةً أَنكرها، فقال: يَخْلِجُ في
مِشْيَتِهِ خَلَجَانَ المجنون أَي يجتذب مَرَّةً يَمْنَةً ومَرَّةً
يَسْرَةً. والخَلَجان، بالتحريك: مصدر كالنزوان.
والخالِجُ: المَوْتُ، لأَنه يَخْلج الخليقة أَي يجذبها. واخْتَلَجَتِ
المَنِيَّةُ القومَ أَي اجتذبتهم.
وخُلِجَ الفَحْلُ: أُخْرِجَ عن الشَّوْل قبل أَن يقدر. الليث: الفحلُ
إِذا أُخْرِجَ من الشَّوْلِ قبل قُدُوره فقد خُلِجَ أَي نُزِعَ وأُخرج،
وإِن أُخْرِجَ بعد قُدُورِه فقد عُدِلَ فانْعَدَلَ؛ وأَنشد:
فَحْلٌ هِجانٌ تَوَلَّى غَيرَ مَخْلُوجِ
وخَلَجَ الشيءَ من يده يَخْلِجُهُ خَلْجاً: انْتزعه.
واخْتَلَجَ الرجلُ رُمْحَه من مركزه: انتزعه. وخَلَجَهُ هَمٌّ
يَخْلِجُه: شغَله؛ أَنشد ابن الأَعرابي:
وأَبِيتُ تَخْلِجُني الهُمُومُ، كأَنَّني
دَلْوُ السُّقاةِ، تُمَدُّ بالأَشْطانِ
واخْتَلَجَ في صدري هَمٌّ. الليث: يقال: خَلَجَتْه الخَوالِجُ أَي شغلته
الشواغل؛ وأَنشد:
وتَخْلِجُ الأَشكالُ دونَ الأَشكال
وخَلَجَني كذا أَي شغلني. يقال: خَلَجَتْه أُمورُ الدنيا وتَخَالَجَتْه
الهموم: نازعته.
وخالَجَ الرجلَ: نازعه.
ويقال: تَخَالَجَتْه الهموم إِذا كان له هَمٌّ في ناحيةٍ وهمٌّ في ناحية
كأَنه يجذبه إِليه. وفي الحديث: أَن النبي، صلى الله عليه وسلم، صلى
بأَصحابه صلاةً جهر فيها بالقراءة، وقرأَ قارئٌ خلفه فجهر، فلما سلَّم قال:
لقد ظَنَنْتُ أَن بعضكم خالَجَنِيها؛ قال: معنة قوله خالجنيها أَي نازعني
القراءة فجهر فيما جهرت فيه، فنزع ذلك من لساني ما كنت أَقرؤُه ولم
أَستمرّ عليه. وأَصل الخَلْجِ: الجَذْبُ والنزع.
واخْتَلَجَ الشيءُ في صدري وتَخَالَجَ: احْتَكَأَ مع شَكٍّ. وفي حديث
عديّ، قال له عليه السلام: لا يَخْتَلِجَنَّ في صدرك أَي لا يتحرَّك فيه
شيءٌ من الريبة والشك، ويروى بالحاء، وهو مذكور في موضعه. وأَصل الاختلاج:
الحركة والاضطرب؛ ومنه حديث عائشة، رضي الله عنها، وقد سئلت عن لحم الصيد
للمحرم، فقالت: إِن يَخْلِجْ في نفسك شيءٌ فَدَعْهُ. وفي الحديث: ما
اخْتَلَجَ عِرْقٌ إِلاَّ ويكفر الله به. وفي حديث عبد الرحمن بن أَبي بكر،
رضي الله عنهما: أَن الحكم بن أَبي العاصي أَبا مروان كان يجلس خلف النبي،
صلى الله عليه وسلم، فإِذا تكلم اخْتَلَجَ بوجهه فرآه، فقال: كن كذلك،
فلم يزل يختلج حتى مات؛ أَي كان يحرِّك شفتيه وذقنه استهزاء وحكايةً لفعل
سيدنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فبقي يرتعد إِلى أَن مات؛ وفي
رواية: فَضُرِبَ بِهَمٍ شهرين ثم أَفاقَ خَلِيجاً أَي صُرِعَ؛ قال ابن
الأَثير: ثم أَفاق مُخْتَلَجاً قد أُخذ لحمه وقوَّته، وقيل مرتعشاً. ونَوًى
خَلُوجٌ بَيِّنَةُ الخِلاج، مشكوك فيها؛ قال جرير:
هذا هَوًى شَغَفَ القُؤَادَ مُبَرِّحٌ،
ونَوًى تَقَاذَفُ غَيرُ ذاتِ خِلاجِ
وقال شمر: إِني لَبَيْنَ خالِجَيْنِ في ذلك الأَمر أَي نفسين. وما
يُخَالِجُني في ذلك الأَمر شكٌّ أَي ما أَشك فيه. وخَلَجَهُ بعينه وحاجبه
يَخْلِجُه ويَخْلُجُه خَلْجاً: غمزه؛ قال حبينة بن طريف العكلي ينسب بليلى
الأَخيلية:
جارِيَةٌ من شِعْبِ ذِي رُعَيْنِ،
حَيَّاكَةٌ تَمْشِي بِعُلْطَتَيْنِ
قد خَلَجَتْ بِحاجِبٍ وعَيْنِ،
يا قَوْمُ، خَلُّوا بَيْنَها وبَيْني
أَشَدَّ ما خُلِّيَ بيْنَ اثْنَينِ
والعُلْطَة: القلادة. والعين تختلج أَي تضطرب، وكذلك سائر الأَعضاء.
الليث: يقال أَخْلَجَ الرجلُ حاجبيه عن عينيه واخْتَلَجَ حاجباه إِذا تحركا؛
وأَنشد:
يُكَلِّمُني ويَخْلِجُ حاجِبَيْه،
لأَحْسِبَ عِنْدَه عِلْماً قديما
وفي حديث شريح: أَن نسوة شهدنَ عنده على صبي وقع حيّاً يَتَخَلَّجُ أَي
يتحرَّك، فقال: إِن الحيَّ يرث الميت، أَتشهدن بالاستهلال؟ فأَبطل
شهادتهن. شمر: التَّخَلُّجُ التحرُّك؛ يقال: تَخَلَّجَ الشيءُ تَخَلُّجاً
واخْتَلَجَ اخْتِلاجاً إِذا اضطرب وتحرَّك؛ ومنه يقال: اخْتَلَجَتْ عينه
وخَلَجَتْ تَخْلِجُ خُلوجاً وخَلَجاناً، وخَلَجْتُ الشيءَ: حركته؛ وقال
الجعدي:وفي ابن خُرَيْقٍ، يَوْمَ يَدْعُو نِساءَكمْ
حَوَاسِرَ، يَخْلُجْنَ الجِمالَ المَذَاكِيا
قال أَبو عمرو: يَخْلُجْنَ يحرِّكن؛ وقال أَبو عدنان: أَنشدني حماد بن
عماد بن سعد:
يا رُبَّ مُهْرٍ حَسَنٍ وَقَاحِ،
مُخَلَّجٍ مِنْ لَبَنِ اللِّقَاحِ
قال: المُخَلَّجُ الذي قد سمن، فلحمه يَتَخَلَّجُ تَخَلُّجَ العين أَي
يضطرب.
وخَلَجَتْ عينه تَخْلِجُ وتَخْلُجُ خُلُوجاً واخْتَلَجَتْ إِذا طارت.
والخَلْجُ والخَلَجُ: داءٌ يصيب البهائم تَخْتَلِجُ منه أَعضاؤُها. وخَلَجَ
الرجلُ رُمْحَهُ يَخْلِجُهُ ويَخْلُجُهُ، واخْتَلَجَهُ: مَدَّهُ من
جانب. قال الليث: إِذا مَدَّ الطاعنُ رُمحه عن جانب، قيل: خَلَجَهُ. قال:
والخَلْجُ كالانتزاع.
والمَخْلُوجَةُ: الطعنة ذات اليمين وذات الشمال. وقد خَلَجَه إِذا طعنه.
ابن سيده: المخلوجة الطعنة التي تذهب يَمْنَةً ويَسْرَةً. وأَمْرُهم
مَخْلوجٌ: غير مستقيم. ووقعوا في مَخْلُوجَةٍ من أَمرهم أَي اختلاط؛ عن ابن
الأَعرابي. ابن السكيت: يقال في الأَمثال: الرَّأْيُ مَخْلُوجَةٌ وليستْ
بِسُلْكَى؛ قال: قوله مخلوجة أَي تصرف مرَّة كذا ومرَّة كذا حتى يصح
صوابه، قال: والسُّلكى المستقيمة؛ وقال في معنى قول امرئ القيس:
نَطْعُنُهُم سُلْكَى ومَخْلُوجَةً،
كَرَكِّ لأْمَيْنِ على نابِلِ
يقول: يذهب الطعن فيهم ويرجع كما تَرُدُّ سهمين على رامٍ رمى بهما. قال:
والسُّلْكَى الطعنة المستقيمة، والمَخْلُوجَةُ على اليمين وعلى اليسار.
والمَخْلُوجَةُ: الرأي المصيب؛ قال الحطيئة:
وكنتُ، إِذا دَارَتْ رَحَى الحَرْبِ، رُعْتُهُ
بِمَخْلُوجَةٍ، فيها عن العَجْزِ مَصْرِفُ
والخَلْجُ: ضَرْبٌ من النكاح، وهو إِخْرَاجُهُ، والدَّعْسُ إِدْخالُه.
وخَلَجَ المرأَة يَخْلِجُها خَلْجاً: نَكَحها؛ قال:
خَلَجْتُ لها جارَ اسْتِها خَلَجاتٍ
واخْتَلَجَها: كَخَلَجَها.
والخَلَجُ، بالتحريك: أَن يشتكي الرجل لحمه وعظامه من عمل يعمله أَو طول
مشي وتعبٍ؛ تقول منه: خَلِجَ، بالكسر؛ قال الليث: إِنما يكون الخَلَجُ
من تَقَبُّضِ العَصب في العضد حتى يعالج بعد ذلك فيستطلق، وإِنما قيل له:
خَلَجٌ لأَن جذبه يَخْلُجُ عضده. ابن سيده: وخَلِجَ البعير خَلَجاً، وهو
أَخْلَجُ، وذلك أَن يتقبض العصب في العضد حتى يعالج بعد ذلك فيستطلق.
وبيننا وبينهم خُلْجَةٌ: وهو قدر ما يمشي حتى يُعْيي مرَّة واحدة. التهذيب:
والخَلَجُ ما اعْوَجَّ من البيت. والخَلَجُ: الفساد في ناحية البيت. وبيت
خَلِيجٌ: مُعْوَجٌّ.
والخَلُوجُ من السحاب: المتفرِّق كأَنه خُلِجَ من معظم السحاب، هذلية.
وسحابة خَلُوجٌ: كثيرة الماءِ شديدة البرق.وناقة خَلُوجٌ: غزيرة اللبن، من
هذا، والجمع خُلُجٌ. التهذيب: وناقة خَلُوجٌ كثير اللبن،تحنُّ إِلى
ولدها؛ ويقال: هي التي تَخْلِجُ السَّيْرَ من سُرْعتِها. والخَلُوجُ من
النُّوق: التي اخْتُلِجَ عنها ولدها فَقَلَّ لذلك لبنها. وقد خَلَجْتُها أَي
فطمت ولدها. والخَلِيجُ: الجَفْنَةُ، والجمع خُلُجٌ؛ قال لبيد:
ويُكَلِّلُونَ، إِذا الرِّياحُ تَنَاوَحَتْ،
خُلُجاً تُمَدُّ شَوارِعاً أَيْتَامُها
وجَفْنَةٌ خَلُوجٌ: قعيرة كثيرة الأَخذ من الماء. والخُلُجُ: سُفُنٌ
صغار دون العَدَوْليِّ.
أَبو عمرو: الخِلاجُ العِشْق الذي ليس بمحكم.
الليث: المُخْتَلِجُ من الوجوه القليل اللحم الضامر. ابن سيده:
المُخْتَلِجُ الضامر؛ قال المخبل:
وتُرِيكَ وَجْهاً كالصَّحِيفَةِ، لا
ظَمْآنُ مُخْتَلِجٌ، ولا جَهْمُ
وفرسٌ إِخْلِيجٌ: جوادٌ سريع؛ التهذيب: وقول ابن مقبل:
وأَخْلَجَ نَهَّاماً، إِذا الخَيْلُ أَوْعَنَتْ،
جَرى بسِلاحِ الكَهْلِ،والكهلُ أَجْرَد
قال: الأَخْلَجُ الطويل من الخيل الذي يَخْلِجُ الشَّدَّ خَلْجاً أَي
يجذبه، كما قال طرفة:
خُلُجُ الشَّدِّ مُشِيحاتُ الحُزُمْ
والخِلاجُ والخِلاسُ: ضُرُوبٌ من البرود مخطَّطة؛ قال ابن أَحمر:
إِذا انْفَرَجَتْ عنه سَمَادِيرُ خَلْفِهِ،
بِبُرْدَيْنِ مِنْ ذاك الخِلاجِ المُسَهَّمِ
ويروى من ذاك الخِلاسِ.
والخَلِيجُ: قبيلة ينسبون في قريش، وهم قوم من العرب كانوا من
عَدْوَانَ، فأَلحقهم عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، بالحرث بن مالك بن النضر بن
كنانة، وسمُّوا بذلك لأَنهم اختلجوا من عدوان. التهذيب: وقوم خُلْجٌ إِذا
شُك في أَنسابهم فتنازع النسب قوم، وتنازعه آخرون؛ ومنه قول الكميت:
أَمْ أَنْتُمُ خُلُجٌ أَبْنَاءُ عُهَّارِ
ورجل مُخْتَلَجٌ: وهو الذي نقل عن قومه ونسبه فيهم إلى قوم آخرين،
فاختلف في نسبه وتنوزع فيه. قال أَبو مجلز: إِذا كان الرجل مُخْتَلَجاً
فَسَرَّكَ أَن لا تَكْذِبَ فانْسُبْهُ إِلى أُمِّهِ؛ وقال غيره: هم الخُلُجُ
الذين انتقلوا بنسبهم إِلى غيرهم. ويقال: رجل مُخْتَلَجٌ إِذا نوزع في نسبه
كأَنه جذب منهم وانتزع. وقوله: فانسبه إِلى أُمه أَي إِلى رهطها لا
إِليها نفسها.
وخَلِيجٌ الأَعْيَوِيُّ: شاعر ينسب إِلى بني أُعَيٍّ حَيٍّ من جَرْمٍ.
وخَلِيجُ بنُ مُنازِلِ بن فُرْعانَ: أَحد العَقَقَة، يقول فيه أَبوه
مُنازِل
(* قوله «منازل» كذا بالأصل بضم الميم وفي القاموس بفتحها.):
تَظَلَّمَني حَقِّي خَلِيجٌ، وعَقَّني
على حِينِ كانتْ، كالحَنِيِّ، عِظامي
وقول الطرماح يصف كلاباً:
مُوعَباتٌ لأَخْلَجِ الشِّدقِ سَلْعا
مٍ، مُمَرٍّ مَفْتُولَةٍ عَضُدُهْ
كَلْبٌ أَخلج الشِّدْقِ: واسِعُهُ.
نغي: النَّغْيَةُ: مثل النَّغمة، وقيل: النَّغْية ما يُعْجِبك من صوت
أَو كلام. وسمعت نَغْيةً من كذا وكذا أَي شيئاً من خبر؛ قال أَبو
نُخَيْلة:لَمَّا أَتَتْني نَغْيةٌ كالشُّهْدِ،
كالعَسَل المَمْزوج بَعْدَ الرَّقْدِ،
رَفَّعْتُ من أَطْمارِ مُسْتَعِدِّ،
وقلْتُ للعِيسِ: اغْتَدي وجِدِّي
(* قوله« وقلت للعيس اغتدي وجدي» هكذا في الأصل ونسختين من الصحاح،
والذي في التكملة: وقلت للعنس، بالنون، اغتلي، باللام.)
يعني ولاية بعض ولد عبد الملك بن مروان، قال ابن سيده: أَظنه هشاماً.
أَبو عمرو: النَّعْوة والمَغْوَةُ النَّغْمة. يقال: نَغَوْتُ ونَغَيْتُ
نَغْوةً ونَغْية، وكذلك مَغَوْت ومَغَيْتُ. وما سمعت له نَغْوةً أَي كلمة.
والنَّغْيةُ من الكلام والخبرِ: الشيءُ تَسمعه ولا تفهمه، وقيل: هو أَوَّل
ما يبلغك من الخبر قبل أَن تستبينه. ونَغَى إِليه نَغْيةً: قال له قولاً
يفهمه عنه.
والمُناغاةُ: المغازَلة. والمُناغاة: تكليمك الصَّبيَّ بما يَهْوى من
الكلام. والمرأَة تُناغي الصبيِّ أَي تكلمه بما يُعْجِبه ويَسُرُّه. وناغى
الصبيَّ: كلَّمه بما يَهواه ويَسُرُّه؛ قال:
ولم يَكُ في بُؤْسٍ، إِذا بات ليلةً
يُناغي غَزالاً فاتِرَ الطَّرْفِ أَكْحَلا
الفراء: الإِنْغاء كلام الصبيان. وقال أَحمد بن يحيى: مُناغاةُ الصبي
أَن يصير بحِذاء الشمس فيُناغِيها كما يُناغي الصبيُّ أُمَّه. وفي الحديث:
أَنه كان يُناغي القمرَ في صِباه؛ المُناغاةُ: المحادثة. وناغَتِ الأُمُّ
صبيِّها: لاطَفَتْه وشاغَلَته بالمحادثة والمُلاعبة.
وتقول: نَغَيْت إِلى فلان نَغْيَةً ونَغَى إِليَّ نَغْية إِذا أَلقى
إِليك كلمة وأَلقيت إِليه أُخرى. وإِذا سمعت كلمة تعجبك تقول: سمعت نَغْيةً
حَسَنة. الكسائي: سمعت له نَغْيةً وهو من الكلام الحسنُ. ابن الأَعرابي:
أَنْغى إِذا تَكلَّم بكلام
(* قوله « ابن الاعرابي أنغى إلخ» عبارته في
التهذيب: أنغى إِذا تكلم بكلام لا يفهم، وأنغى أيضاً إذا تكلم بكلام يفهم،
ويقال: نغوت أنغو ونغيت أنغي، قال وأنغى وناغى إذا كلم إلى آخر ما هنا.)
، وناغى إِذا كلَّم صبيّاً بكلام مليح لطيف.
ويقال للموج إِذا ارتفع: ؛كاد يُناغي السحابَ. ابن سيده: ناغى الموجُ
السحابَ كاد يرتفع إليه؛ قال:
كأَنَّكَ بالمُبارَكِ، بَعْدَ شَهْرٍ،
يناغي مَوْجُه غُرَّ السَّحابِ
المُبارَكُ: موضع. التهذيب: يقالُ إِنَّ ماءَ رَكِيَّتنا يُناغِي
الكواكب، وذلك إِذا نظرت في الماء ورأَيت بَريقَ الكواكب، فإِذا نظرت إِلى
الكواكب رأَيتها تتحرَّك بتحَرُّك الماء؛ قال الراجز:
أَرْخَى يَدَيه الأُدْمِ وَضَّاح اليَسَر،
فتَركَ الشمسَ يُناغِيهِ القَمَر
أَي صَبَّ لَبناً فتركه يُناغِيه القمرُ، قال: والأُدْم السَّمْن. وهذا
الجبل يُناغي السماءَ أَي يُدانيها لطوله.
جوت: جَوْتَ جَوْتَ: دُعاءُ الإِبل إِلى الماءِ؛ فإِذا أَدخلوا عليه
الأَلف واللام، تركوه على حاله قبل دخولهما؛ قال الشاعر، أَنشده
الكسائي:دَعاهُنَّ رِدْفِي، فارْعَوَيْنَ لِصَوْتِه،
كما رُعْتَ بالجَوْتَ الظِّماءَ الصَّوادِيا
نصبه مع الأَلف واللام، على الحكاية: والرِّدْفُ: الصاحبُ والتابعُ،
وكلُّ شيء تبع شيئاً فهو رِدْفُه. وكان أَبو عمرو يكسر التاء، من قوله
بالجَوْتِ، ويقول: إِذا أُدخلت عليه الأَلف واللام ذَهَبَتْ منه الحكايةُ؛
والأَوَّل قول الفراء والكسائي. وكان أَبو الهيثم يُنْكِر النصب، ويقول:
إِذا دخل عليه الأَلف واللام أُعرب، وينشده: كما رُعْتَ بالجَوْتِ؛ وقال
أَبو عبيد: قال الكسائي: أَراد به الحكاية، مع اللام؛ قال أَبو الحسن؛
والصحيح أَن اللام هنا زائدة، كزيادتها في قوله:
ولقد نَهَيْتُكَ عن بَناتِ الأَوْبَرِ
فبقيت على بنائها؛ ورواه يعقوب: كما رُعْتَ بالجَوْت؛ والقول فيها
كالقول في الجَوْتِ، وقد جاوَتَها؛ والاسم منه؛ الجُواتُ؛ قال الشاعر:
جاوَتَها، فهاجَها جُواتُه
وقال بعضهم:
جايَتَها، فهاجَها جُواتُه
وهذا إِنما هو على المُعاقَبة؛ أَصلها جاوَتَها، لأَنه فاعَلَها مِن
جَوْتِ جَوْتِ، وطَلَبَ الخِفَّةَ، فَقَلبَ الواو ياء، أَلا تراه رَجَع في
قوله: فهاجَها جُواتُه، إِلى الأَصل الذي هو الواو، وقد يكون شاذّاً،
نادراً.
جند: الجُنْد: معروف. والجُنْد الأَعوان والأَنصار.
والجُنْد: العسكر، والجمع أَجناد. وقوله تعالى: إِذ جاءَتكم جنود
فأَرسلنا عليهم ريحاً وجنوداً لم تروها؛ الجنود التي جاءَتهم: هم الأَحزاب
وكانوا قريشاً وغَطَفَان وبني قُريظة تحزبوا وتظاهروا على حرب النبي، صلى
الله عليه وسلم، فأَرسل الله عليهم ريحاً كفأَت قدورهم وقلعت فساطيطهم
وأَظعنتهم من مكانهم، والجنود التي لم يروها الملائكة. وجند مُجَنَّد: مجموع؛
وكل صنف على صفة من الخلق جند على حدة، والجمع كالجمع، وفلان جَنَّدَ
الجنود. وفي الحديث: الأَرواح جنود مُجَنَّدة فما تعارف منها ائْتَلف وما
تناكر منها اختلف؛ والمجندة: المجموعة، وهذا كما يقال أَلْف مؤَلفة
وقَناطِيرُ مُقَنطَرَةٌ أَي مُضَعَّفة، ومعناه الإِخبار عن مبدإِ كون الأَرواح
وتقدمها الأَجساد أَي أَنها خلقت أَوّل خلقها على قسمين من ائتلاف
واختلاف، كالجنود المجموعة إِذا تقابلت وتواجهت، ومعنى تقابل الأَرواح ما جعلها
الله عليه من السعادة والشقاوة والأَخلاق في مبدإِ الخلق، يقول: إِن
الأَجساد التي فيها الأَرواح تلتقي في الدنيا فتأْتلف وتختلف على حسب ما خلقت
عليه، ولهذا ترى الخَيَّرَ يحب الخَيِّر ويميل إِلى الأَخيار،
والشِّرِّير يحب الأَشرار ويميل إِليهم. ويقال: هذا جند قد أَقبل وهؤلاء جنود قد
أَقبلوا؛ قال الله تعالى: جند مّا هنالك مهزوم من الأَحزاب، فوحَّد النعت
لأَن فقظ الجند
(* هنا بياض بالأصل ولعل الساقط منه مفرد أو واحد) . . .
وكذلك الجيش والحزب. والجند: المدينة، وجمعها أَجناد، وخص أَبو عبيدة به
مدن الشام، وأَجناد الشام خمس كور؛ ابن سيده: يقال الشام خمسة أَجناد:
دِمَشْق وحِمْص وقِنَّسْرِين والأُرْدُنُّ وفِلَسْطِين، يقال لكل مدينة
منها جند؛ قال الفرزدق:
فقلت ما هو إِلا الشام نركبه،
كأَنما الموتُ في أَجناده البَغَر
البَغَر: العطش يصيب الإِبل فلا تروى وهي تموت عنه. وفي حديث عمر: أَنه
خرج إِلى الشام فلقيه أُمراء الأَجناد، وهي هذه الخمسة أَماكن، كل واحد
منها يسمى جُنْداً أَي المقيمين بها من المسلمين المقاتلين. وفي حديث
سالم: سترنا البيت بِجُناديٍّ أَخضر، فدخل أَبو أَيوب فلما رآه خرج إِنكاراً
له؛ قيل: هو جنس من الأَنماط أَو الثياب يستر بها الجدران.
والجَنَد: الأَرض الغليظة، وقيل: هي حجارة تشبه الطين. والجَنَد: موضع
باليمن، وهي أَجود كورها، وفي الصحاح: وجَنَد، بالتحريك، بلد باليمن. وفي
الحديث ذكر الجَنَد، بفتح الجيم والنون، أَحد مَخاليف اليمن؛ وقيل: هي
مدينة معروفة بها.
وجُنَيْد وجَنَّاد وجُنادة: أَسماء. وجُنادة أَيضاً: حيّ.
وجُنْدَيْسابُورُ: موضع، ولفظه في الرفع والنصب سواء لعجمته. وأَجنادانُ
وأَجنادَيْنُ: موضع، النونُ معربة بالرفع؛ قال ابن سيده: وأُرى البناء
قد حكي فيها. ويوم أَجنادَيْنِ: يوم معروف كان بالشام أَيام عمر، وهو موضع
مشهور من نواحي دمشق، وكانت الوقعة العظيمة بين المسلمين والروم فيه.
وفي الحديث: كان ذلك يوم أَجْيادِينَ، وهو بفتح الهمزة وسكون الجيم وبالياء
تحتها نقطتان، جبل بمكة وأَكثر الناس يقولونه بالنون وفتح الدال المهملة
وقد تكسر.
جيل: الجِيل: كل صِنْف من الناس، التُّرْك جِيل والصِّين جِيل والعرب
جِيل والروم جِيل، والجمع أَجْيال. وفي حديث سعد بن معاذ: ما أَعْلَمُ من
جِيل كان أَخبث منكم؛ الجِيل الصنف من الناس، وقيل الأُمَّة، وقيل كل قوم
يختصون بِلُغَة جيل. وجِيلان وجَيْلان: قوم رَتَّبهم كِسْرى بالبحرين
شِبْه الأَكَرة لخَرْص النَّخْل أَو لمِهْنَةٍ مّا؛ وقال عمرو بن بحر:
جَيْلان وجِيلان فَعَلة المُلوك، وكانوا من أَهل الجَبَل؛ وأَنشد:
أُتِيحَ له جَِيْلانُ عند جَذاذِه،
ورَدَّد فيه الطَّرْفَ حتى تَحَيَّرا
وأَنشد الأَصمعي:
أَرْسَل جَيْلان يَنْحِتُون له
ساتِيذَما بالحَديدِ فانْصَدَعا
(* قوله: ساتيذَما، هكذا في الأصل، وهو في معجم البلدان: ساتيدما
بالدال، قيل إنه جبل وقيل إنه نهر).
المُؤَرِّج في قوله تعالى: هو وقَبِيله؛ أَي جِيلُه، ومعناه جِنْسه.
وجِيل جِيلان: قوم خلف الدَّيْلم. التهذيب: جِيلٌ من المشركين خلف الدَّيلم،
يقال جِيل جَيلان. وجَيْلان، بفتح الجيم: حَيٌّ من عبد
القيس. الجوهري: وجَيْلان الحَصى ما أَجالَته الريح منه؛ يقال منه: ريح
ذات جَيْلان.
خنر: أُم خِنَّوْر وخَنُّورٍ، على وزن تنور: الضبع والبقرة؛ عن أَبي
رياش؛ وقيل: الداهية. ويقال: وقع القوم في أُم خِنَّورٍ أَي في داهية.
والخِنَّوْرُ: الضَّبُعُ، وقيل: أُم خَنُّورٍ من كُنَى الضبع، وقيل: هي أُم
خِنَّوْر، بكسر الخاء وفتح النون، وقيل: هي خنُّور، بفتح الخاء وضم النون.
وأُم خَنُّور: الصَّحارى. وأُم خَنُّور وخَنَوَّرٍ وخِنَّوْرٍ: الدنيا.
قال: قال عبد الملك بن مروان، وفي رواية أُخرى سليمان بن عبد الملك:
وطِئْنَا أُمَّ خَنُّورٍ بقوة، فما مضت جمعة حتى مات، وأُمُّ خَنُّورٍ: مصر،
صانها الله تعالى. وفي الحديث: أُمُّ خَنُّورٍ يساق إِليها القِصَارُ
الأَعمار؛ رواه أَبو حنيفة الدِّيْنَوَريُّ. قال أَبو منصور: وفي الخنور ثلاث
لغات: خِنَّورٌ مثل بِلَّوْر، وخَنُّورُ مثل سَفُّود، وخَنَوَّر مثل
عَذَوَّر. والخَنُّور: النِّعْمة الظاهرة، وقيل: إِنما سميت مصر بذلك
لنعمتها، وذلك ضعيف. ويقال: وقعوا في أُم خِنَّوْر إِذا وقعوا في خِصْب ولين من
العَيْشِ، ولذلك سميت الدنيا أُم خِنَّوْرٍ. وأُمُّ خَنُّور: الاسْتُ؛
وشك أَبو حاتم في شدّ النون، ويقال لها أَيضاً: أُم خِنَّوْرٍ؛ قال أَبو
سهل: وأَما أُم خِنَّوْرٍ، بكسر الخاء، فهو اسم الاست؛ وقال ابن خالويه:
هي اسم لاست الكلبة. والخَنَوَّر: قَصَبُ النُّشَّاب، ورواه أَبو حنيفة
الخَنُّور، وقال مرة: خَنَوَّرٌ أَو خَنُّور، فأَفْصَحَ بالشك؛ وأَنشد:
يَرْمُونَ بالنُّشَّاب ذي الآ
ذان في القَصَبِ الخَنَوَّرْ
وقيل: كل شجرة رِخْوَةٍ خَوَّارَةٍ، وقال أَبو حنيفة: كل شجرة رِخْوَة
خَوَّارَة، فهي خَنُّورة، ولذلك قيل لقصب النشاب: خَنُّور، بفتح الخاء وضم
النون.
أَبو العباس: الخانِرُ الصَّديق المُصافي، وجمعه خُنُرٌ؛ يقال: فلان ليس
من خُنُرِي أَي ليس من أَصفيائي.
طرف: الطَّرْفُ: طرْفُ العين. والطرْفُ: إطْباقُ الجَفْنِ على الجفْن.
ابن سيده: طَرَفَ يَطْرِفُ طَرْفاً: لَحَظَ، وقيل: حَرَّكَ شُفْره
ونَظَرَ. والطرْفُ: تحريك الجُفُون في النظر. يقال: شَخَصَ بصرُه فما يَطْرِفُ.
وطرفَ البصرُ نفسُه يَطْرِفُ وطَرَفَه يَطرِفُه وطَرَّفه كلاهما إذا
أَصاب طرْفَه، والاسم الطُّرْفةُ. وعين طَريفٌ: مَطْروفة. التهذيب وغيره:
الطَّرْفُ اسم جامع للبصر، لا يثنى ولا يُجمع لأَنه في الأَصل مصدر فيكون
واحداً ويكون جماعة. وقال تعالى: لا يَرْتدّ إليهم طَرْفُهُم. والطرْفُ:
إصابَتُك عَيناً بثوب أَو غيره. يقال: طُرِفَتْ عينُه وأَصابَتْها طُرْفةٌ
وطَرَفَها الحزنُ بالبكاء. وقال الأَصمعي: طُرِفَتْ عينُه فهي تُطْرَفُ
طَرْفاً إذا حُرِّكَتْ جُفونُها بالنظر. ويقال: هو بمكان لا تراه
الطَّوارِفُ، يعني العيون. وطَرَف بصَره يَطْرِفُ طرْفاً إذا أطْبَقَ أَحدَ
جَفْنيهِ على الآخر، الواحدة من ذلك طَرْفَةٌ. يقال: أَسْرَعُ من طرْفةِ عين.
وفي حديث أُم سَلَمة: قالت لعائشة، رضي اللّه عنهما: حُمادَياتُ النساء
غَضُّ الأَطْرافِ؛ أَرادتْ بغَضِّ الأَطْرافِ قَبْضَ اليدِ والرِّجْلِ عن
الحَركةِ والسيْر، تعني تسكين الأَطْرافِ وهي الأَعْضاء؛ وقال القُتيبي:
هي جمع طرْف العين، أَرادت غضّ البصر. وقال الزمخشري: الطرف لا يثنى ولا
يجمع لأَنه مصدر، ولو جمع لم يسمع في جمعه أَطْرافٌ، قال: ولا أَكاد
أَشُكُّ في أَنه تصحيف، والصواب غَضُّ الإطْراق أَي يَغْضُضْن من أَبْصارِهن
مُطْرِقاتٍ رامِياتٍ بأَبصارهن إلى الأَرض.
وجاء من المال بطارِفةِ عين كما يقال بعائرةِ عين. الجوهري: وقولهم جاء
فلان بطارفة عين أَي جاء بمال كثير.
والطِّرْف، بالكسر، من الخيل: الكريمُ العَتِيقُ، وقيل: هو الطويل
القوائم والعُنُق المُطَرَّفُ الأُذنينِ، وقيل: هو الذي ليس من نِتاجكو والجمع
أَطرافٌ وطُرُوفٌ، والأَُنثى بالهاء. يقال: فرس طِرْفٌ من خيل طُرُوفٍ،
قال أَبو زيد: وهو نعت للذكور خاصّة. وقال الكسائي: فرس طِرْفةٌ، بالهاء
للأُنثى، وصارمةٌ وهي الشديدة. وقال الليث: الطِّرْفُ الفَرَسُ الكريمُ
الأَطرافِ يعني الآباء والأُمّهات. ويقال: هو المُسْتَطْرِفُ ليس من نتاج
صاحِبه، والأَنثى طِرْفةٌ؛ وأَنشد:
وطِرفة شَدَّتْ دِخالاً مُدْمَجا
والطِّرْفُ والطَّرْفُ: الخِرْقُ الكريم من الفِتْيان والرّجال، وجمعهما
أَطْراف؛ وأَنشد ابن الأَعرابي لابن أَحمر:
عليهنَّ أَطرافٌ من القوْمِ لم يكن
طَعامُهُمُ حَبّاً، بِزُغْمَةَ، أَسْمَرا
يعني العَدَس لأَن لونه السُّمْرَةُ. وزُغْمَةُ: موضع وهو مذكور في
موضعه؛ وقال الشاعر:
أَبْيَض من غَسّانَ في الأَطْرافِ
الأَزهري: جعل أَبو ذؤيب الطِّرْفَ الكريم من الناس فقال:
وإنَّ غلاماً نِيلَ في عَهْدِ كاهلٍ
لَطِرْفٌ، كنَصْلِ السَّمهَرِيِّ صريحُ
(* قوله «صريح» هو بالصاد المهملة هنا، وأَنشده في مادة قرح بالقاف،
وفسره هناك، والقريح والصريح واحد.)
وأَطْرَفَ الرجلَ: أَعْطاه ما لم يُعْطِه أَحداً قبله. وأَطْرفت فلاناً
شيئاً أَي أَعطيته شيئاً لم يَمْلِك مثله فأَعجبه، والاسم الطُّرفةُ؛ قال
بعض اللُّصوص بعد أَن تابَ:
قُلْ للُّصُوص بَني اللَّخْناء يَحْتَسِبُوا
بُرَّ العِراق، ويَنْسَوْا طُرْفةَ اليَمنِ
وشيء طَريفٌ: طَيِّب غريب يكون؛ عن ابن الأَعرابي، قال: وقال خالد بن
صفوان خيرُ الكلامِ ما طَرُفَتْ معانيه، وشَرُفَت مَبانِيه، والتَذّه آذانُ
سامعِيه. وأَطْرَفَ فلان إذا جاء بطُرْفةٍ.
واسْتَطرَف الشيءَ أَي عَدَّه طَريفاً. واسْتَطْرَفْت الشيءَ: استحدثته.
وقولهم: فعلت ذلك في مُسْتطرَفِ الأَيام أَي في مُسْتَأْنَف الأَيام.
واسْتَطْرَفَ الشيءَ وتَطَرَّفه واطَّرَفَه: اسْتفادَه.
والطَّرِيفُ والطارِفُ من المال: المُسْتَحْدثُ، وهو خِلافُ التَّالِد
والتَّلِيدِ، والاسم الطُّرْفةُ، وقد طَرُفَ، بالضم، وفي المحكم:
والطِّرْفُ والطَّرِيفُ والطارفُ المال المُسْتَفاد؛ وقول الطرماح:
فِدًى لِفَوارِسِ الحَيَّيْنِ غَوْثٍ
وزِمَّانَ التِّلادُ مع الطِّرافِ
يجوز أَن يكون جمع طَريف كظَريفٍ وظِرافٍ، أَو جمع طارِفٍ كصاحِبٍ
وصِحابٍ، ويجوز أَن يكون لغة في الطَّريف، وهو أَقيس لاقترانه بالتلاد، والعرب
تقول: ما له طارِفٌ ولا تالدٌ ولا طرِيفٌ ولا تليدٌ؛ فالطارفُ والطريفُ:
ما اسْتَحْدَثْت من المالِ واسْتَطْرفته، والتِّلادُ والتلِيدُ ما
ورِئْتَه عن الآباء قديماً. وقد طَرُفَ طَرافةً وأَطْرَفَه: أَفاده ذلك؛ أَنشد
ابن الأعرابي:
تَئِطُّ وتَأْدُوها الإفال مُرِبَّةً
بأَوْطانِها من مُطرَفاتِ الحَمائِل
(* قوله «تئط» هو في الأصل هنا بهمز ثانيه مضارع أط، وسيأتي تفسيره في
أدي.)
مُطْرَفاتٌ: أَطْرِفُوها غنيمةً من غيرهم.
ورجل طِرْفٌ ومُتَطَرِّفٌ ومُسْتَطْرِفٌ: لا يثبت على أَمْرٍ. وامرأَة
مَطْرُوفةٌ بالرجال إذا كانت لا خير فيها، تَطْمَحُ عَيْنُها إلى الرجال
وتَصْرف بَصَرَها عن بعلها إلى سواه. وفي حديث زياد في خُطبته: إنَّ
الدنيا قد طَرَفَتْ أَعْيُنكم أَي طَمَحتْ بأَبصاركم إليها وإلى زُخْرُفِها
وزينتها. وامرأَة مَطْروفَةٌ: تَطْرِفُ الرجالَ أَي لا تَثْبُت على واحد،
وُضِع المفعول فيه موضع الفاعل؛ قال الحُطيئة:
وما كنتُ مِثْلَ الهالِكِيِّ وعِرْسِه،
بَغَى الودَّ من مَطْرُوفةِ العينِ طامِح
وفي الصحاح: من مطروفة الودّ طامح؛ قال أَبو منصور: وهذا التفسير مخالف
لأَصل الكلمة. والمطروفة من النساء: التي قد طَرفها حبُّ الرِّجال أَي
أَصاب طَرْفَها، فهي تَطْمَحُ وتُشْرِفُ لكل من أَشْرَفَ لها ولا تَغُضُّ
طَرْفَها، كأَنما أَصابَ طرْفَها طُرفةٌ أَو عُود، ولذلك سميت مطروفة؛
الجوهري: ورجل طَرْفٌ
(* قوله «ورجل طرف» أورده في القاموس فيما هو بالكسر،
وفي الأصل ونسخ الصحاح ككتف، قال في شرح القاموس: وهو القياس.) لا
يَثبتُ على امرأَة ولا صاحب؛ وأَنشد الأَصمعي:
ومَطْروفةِ العَيْنَينِ خَفَّاقةِ الحَشَى،
مُنَعَّمةٍ كالرِّيمِ طابتْ فَطُلَّتِ
وقال طَرَفة يذكر جارية مُغَنِّية:
إذا نحنُ قلنا: أَسْمِعِينا، انْبَرَتْ لنا
على رِسْلِها مَطْروفةً لم تَشَدَّدِ
(* قوله «مطروفة» تقدم انشاده في مادة شدد: مطروقة بالقاف تبعاً للاصل.)
قال ابن الأَعرابي: المَطروفةُ التي أَصابتها طُرفة، فهي مطروفة، فأَراد
كأَنَّ في عينيها قَذًى من اسْتِرْخائها. وقال ابن الأعرابي: مَطْروفة
منكسرة العين كأَنها طُرِفَتْ عن كل شيء تنظر إليه.
وطَرَفْتُ عينه إذا أَصَبْتها بشيء فَدَمِعَتْ، وقد طُرِفَتْ عينه، فهي
مطروفة. والطَّرْفةُ أَيضاً: نقطة حمراء من الدم تحدُث في العين من ضربة
وغيرها. وفي حديث فُضَيْلٍ: كان محمد بن عبد الرحمن أَصْلع فَطُرِفَ له
طرْفة؛ أَصل الطَّرْفِ: الضرب على طرَف العين ثم نقل إلى الضرب على
الرأْس. ابن السكيت: يقال طَرَفْتُ فلاناً أَطرِفه إذا صَرَفْتَه عن شيء،
وطَرفه عنه أَي صَرفه وردّه؛ وأَنشد لعمر ابن أَبي ربيعة:
إنك، واللّهِ، لَذُو مَلَّةٍ،
يَطْرِفُك الأَدنى عن الأَبْعَدِ
أَي يَصْرِفك؛ الجوهري: يقول يَصْرِفُ بصرَك عنه أَي تَسْتَطرِفُ
الجَديد وتَنْسى القديم؛ قال ابن بري: وصواب إنشاده:
يَطْرِفك الأَدنى عن الأَقْدَمِ
قال: وبعده:
قلتُ لها: بل أَنت مُعْتَلّةٌ
في الوَصْلِ، يا هِند، لكي تَصْرِمي
وفي حديث نظر الفجأَة: وقال اطْرِفْ بصرك أَي اصْرِفْه عما وقع عليه
وامْتَدَّ إليه، ويروى بالقاف، وسيأْتي ذكره. ورجل طَرِفٌ وامرأَة طَرِفةٌ
إذا كانا لا يثبتان على عهد، وكلُّ واحد منهما يُحِبُّ أَن يَسْتَطْرِفَ
آخر غير صاحبه ويَطَّرِفَ غير ما في يده أَي يَسْتَحْدِثَ.
واطَّرَفْت الشيء أَي اشتريته حديثاً، وهو افْتَعَلْت. وبعير مُطَّرَفٌ:
قد اشترى حديثاً؛ قال ذو الرّمّة:
كأَنَّني من هَوى خَرْقاء مُطَّرَفٌ،
دامي الأَظلِّ بعِيدُ السَّأْوِ مَهْيُومُ
أَراد أَنه من هَواها كالبعير الذي اشتُري حديثاً فلا يزال يَحِنُّ إلى
أُلاَّفِه. قال ابن بري: المُطَّرف الذي اشتري من بلد آخر فهو يَنْزِعُ
إلى وطنه، والسَّأْوُ: الهِمّة، ومَهْيُومٌ: به هُيامٌ. ويقال: هائم
القلب. وطَرَفه عنا شُغل: حبسه وصَرَفه. ورجل مَطْروف: لا يثبت على واحدة
كالمَطْروفةِ من النساء؛ حكاه ابن الأعرابي:
وفي الحَيِّ مَطْروفٌ يُلاحظُ ظِلّه،
خَبُوطٌ لأَيْدي اللاَّمِساتِ، رَكُوضُ
والطِّرْفُ من الرجال: الرَّغِيبُ العين الذي لا يرى شيئاً إلا أَحَبَّ
أَن يكون له. أَبو عمرو: فلان مَطْروف العين بفلان إذا كان لا ينظر إلا
إليه. واسْتَطْرَفَتِ الإبلُ المَرْتَع: اختارتْه، وقيل: اسْتأْنَفَتْه.
وناقة طَرِفةٌ ومِطْرافٌ: لا تَكاد تَرْعى حتى تَسْتَطْرِفَ. الأَصمعي:
المِطْرافُ التي لا تَرْعى مَرْعًى حتى تَسْتَطْرِفَ غيرَه. الأَصمعي:
ناقة طَرِفةٌ إذا كانت تُطْرِفُ الرِّياضَ رَوْضةً بعد رَوْضةٍ؛ وأَنشد:
إذا طَرِفَتْ في مَرْتَعٍ بَكَراتُها،
أَو اسْتَأْخَرَتْ عنها الثِّقالُ القَناعِسُ
ويروى: إذا أَطْرَفَتْ. والطرَفُ: مصدر قولك طَرِفَتِ الناقة، بالكسر،
إذا تَطَرَّفت أَي رَعَتْ أَطرافَ المرعى ولم تَخْتَلِطْ بالنوق. وناقة
طَرِفة: لا تثبت على مرعى واحد. وسِباعٌ طوارِفُ: سوالِبُ. والطريفُ في
النسب: الكثير الآباء إلى الجدّ الأَكبر. ابن سيده: رجل طَرِفٌ وطَريف كثير
الآباء إلى الجدّ الأَكبر ليس بذي قُعْدُدٍ، وفي الصحاح: نَقِيضُ
القُعدد، وقيل: هو الكثير الآباء في الشرف، والجمع طُرُفٌ وطُرَفٌ وطُرّافٌ؛
الأَخيران شاذان؛ وأَنشد ابن الأعرابي في الكثير الآباء في الشرَف
للأَعشى:أَمِرُونَ ولاَّدُونَ كلَّ مُبارَكٍ،
طَرِفُونَ لا يَرِثُونَ سَهْمَ القُعْدُدِ
وقد طَرُفَ، بالضم، طَرافةً. قال الجوهري: وقد يُمْدَحُ به. والإطْرافُ:
كثرة الآباء. وقال اللحياني: هو أَطْرَفُهم أَي أَبْعَدُهم من الجد
الأَكبر. قال ابن بري: والطُّرْفى في النسب مأْخوذ من الطرف، وهو البُعْدُ،
والقُعْدى أَقرب نسباً إلى الجد من الطُّرفى، قال: وصحَّفه ابن ولاَّد
فقال: الطُّرْقى، بالقاف. والطرَفُ، بالتحريك: الناحية من النواحي والطائفة
من الشي، والجمع أَطراف. وفي حديث عذاب القبر: كان لا يَتَطَرَّفُ من
البَوْلِ أَي لا يَتباعَدُ؛ من الطرَف: الناحية. وقوله عز وجل: أَقِمِ
الصلاةَ طَرَفي النهارِ وزُلَفاً من الليل؛ يعني الصلوات الخمس فأَحدُ طَرَفي
النهار صلاة الصبح والطرَفُ الآخر فيه صلاتا العَشِيِّ، وهما الظهر
والعصر، وقوله وزُلَفاً من الليل يعني صلاة المغرب والعشاء. وقوله عز وجل: ومن
الليل فسَبِّحْ وأَطْراف النهارِ؛ أَراد وسبح أَطراف النهار؛ قال
الزجاج: أَطْرافُ النهار الظهر والعصر، وقال ابن الكلبي: أَطراف النهار ساعاته.
وقال أَبو العباس: أَراد طرفيه فجمع.
ويقال: طَرَّفَ الرجل حول العسكر وحول القوم، يقال: طرَّف فلان إذا قاتل
حول العسكر لأنه يحمل على طَرَف منهم فيردُّهم إلى الجُمْهور. ابن سيده:
وطرَّف حول القوم قاتَل على أَقصاهم وناحيتهم، وبه سمي الرجل
مُطَرِّفاً. وتطرَّفَ عليهم: أَغار، وقيل: المُطَرِّف الذي يأْتي أَوائل الخيل
فيردُّها على آخرها، ويقال: هو الذي يُقاتِل أَطراف الناس؛ وقال ساعِدةُ
الهذلي:
مُطَرِّف وَسْطَ أُولى الخَيْلِ مُعْتَكِر،
كالفَحْلِ قَرْقَرَ وَسْطَ الهَجْمةِ القَطِم
وقال المفضَّل: التطريفُ أَن يردّ الرجل عن أُخْريات أَصحابه. ويقال:
طرَّفَ عنا هذا الفارسُ؛ وقال متمم:
وقد عَلِمَتْ أُولى المغِيرة أَنَّنا
نُطَرِّفُ خَلْفَ المُوقصاتِ السَّوابقا
وقال شمر: أَعْرِفُ طَرَفَه إذا طَرَدَه. ابن سيده: وطَرَفُ كل شي
مُنتهاه، والجمع كالجمع، والطائفة منه طَرَفٌ أَيضاً. وفي الحديث: أَن النبي،
صلى اللّه عليه وسلم، قال: عليكم بالتَّلْبِينةِ، وكان إذا اشْتكى
أَحدُهم لم تُنْزَلِ البُرمة حتى يأْتي على أَحد طَرَفَيْه أَي حتى يُفِيق من
عِلَّتِه أَو يموت، وإنما جَعَل هذين طرفيه لأَنهما منتهى أَمر العليل في
علته فهما طرَفاه أَي جانباه. وفي حديث أَسماء بنت أَبي بكر: قالت لابنها
عبداللّه: ما بي عَجَلة إلى الموت حتى آخُذَ على أحد طَرَفَيْكَ: إما
أَن تُسْتَخْلَفَ فتَقَرَّ عيني، وإمَّا أَن تُقْتَل فأَحْتَسِبَك.
وتَطَرَّف الشيءُ: صار طرَفاً.
وشاةٌ مُطرَّفةٌ: بيضاء أَطرافِ الأُذنين وسائرها أَسود، أَو سَوْداؤها
وسائرها أَبيض. وفرس مُطرَّف: خالَفَ لونُ رأْسِه وذنبه سائر لَونه. وقال
أَبو عبيدة: من الخيل أَبْلَقُ مُطرَّف، وهو الذي رأْسه أَبيض، وكذلك إن
كان ذنبه ورأْسه أَبيضين، فهو أَبلق مطرَّف، وقيل: تَطْريفُ الأُذنين
تأْلِيلُهما، وهي دِقّة أَطْرافهما. الجوهري: المُطَرَّف من الخيل، بفتح
الراء، هو الأَبيض الرأْس والذنب وسائره يخالف ذلك، قال: وكذلك إذا كان
أَسود الرأْس والذنب، قال ويقال للشاة إذا اسْوَدَّ طرفُ ذَنبها وسائرها
أَبيض مُطرَّفة. والطَّرَفُ: الشَّواةُ، والجمع أَطْراف. والأَطْرافُ:
الأَصابع، وفي التهذيب: اسم الأَصابع، وكلاهما من ذلك، قال: ولا تفرد
الأَطْرافُ إلا بالإضافة كقولك أَشارت بَطرَفِ إصبَعِها ؛ وأَنشد
الفراء:يُبْدِينَ أَطْرافاً لِطافاً عَنَمَهْ
قال الأزهري: جعل الأَطراف بمعنى الطرَف الواحد ولذلك قال عَنَمَه.
ويقال: طَرَّفَت الجارية بَنانَها إذا خضَبت أَطْراف أَصابعها بالحِنَّاء،
وهي مُطَرَّفة، وفي الحديث: أَنَّ إبراهيم الخليل، عليه السلام، جُعل في
سَرَبٍ وهو طِفْل وجُعِل رِزْقه في أَطْرافه أَي كان يَمَصُّ أَصابعه فيجد
فيها ما يُغَذِّيه. وأَطرافُ العَذارَى: عِنب أَسود طوال كأَنه البَلُّوط
يشبَّه بأَصابع العذارى المُخَضَّبة لطوله، وعُنقودُه نحو الذراع، وقيل:
هو ضرب من عنب الطائف أَبيض طوال دقاق. وطَرَّفَ الشيءَ وتَطَرَّفه:
اخْتاره؛ قال سويد بن كراع العُكلِيُّ:
أُطَرِّفُ أَبكاراً كأَنَّ وُجوهَها
وجُوهُ عَذارى، حُسِّرَتْ أَن تُقَنَّعا
وطرَفُ القومِ: رئيسهم، والجمعُ كالجمع. وقوله عز وجل: أَوَلم يَرَوْا
أَنَّا نأْتي الأَرضَ نَنْقُصها من أَطرافها؛ قال: معناه موتُ علمائها،
وقيل: موت أَهلها ونقصُ ثمارها، وقيل: معناه أَوَلم يروا أَنَّا فتحنا على
المسلمين من الأَرض ما قد تبيَّن لهم، كما قال: أَوَلم يروا أَنَّا نأْتي
الأَرض ننقصها من أَطرافها أَفَهُم الغالبون؛ الأَزهري: أَطرافُ الأَرض
نواحِيها، الواحد طَرَف وننقصها من أَطرافها أَي من نواحِيها ناحيةً
ناحيةً، وعلى هذا من فسّر نقْصَها من أَطرافها فُتوح الأَرضين، وأَما من جعل
نقصها من أَطرافها موت علمائها، فهو من غير هذا، قال: والتفسير على القول
الأَوَّل. وأَطراف الرجال: أَشرافُهم، وإلى هذا ذهب بالتفسير الآخر؛ قال
ابن أَحمر:
عليهنَّ أَطرافٌ من القومِ لم يكنْ
طَعامهُمُ حَبّاً، بِزغْبةَ أَغْبَرَا
وقال الفرزدق:
واسْأَلْ بنا وبكم، إذا ورَدَتْ مِنًى،
أَطرافَ كلِّ قَبِيلةٍ مَنْ يُمْنَعُ
يريد أَشْراف كل قبيلة. قال الأَزهري: الأَطراف بمعنى الأَشراف جمع
الطرَفِ أَيضاً؛ ومنه قول الأَعشى:
هم الطُّرُفُ البادُو العدوِّ، وأَنتُمُ
بقُصْوَى ثلاثٍ تأْكلون الرَّقائِصا
قال ابن الأَعرابي: الطُّرُفُ في هذا البيت بيت الأَعشى جمع طَرِيفٍ،
وهو المُنْحَدِر في النسب، قال: وهو عندهم أَشرف من القُعْدُد. وقال
الأَصمعي: يقال فلان طَريفُ النسب والطَّرافة فيه بَيِّنة وذلك إذا كان كثير
الآباء إلى الجدّ الأَكبر، وفي الحديث: فمال طَرَفٌ من المشركين على رسول
اللّه، صلى اللّه عليه وسلم، أَي قِطعة منهم وجانب؛ ومنه قوله تعالى:
ليقطع طَرَفاً من الذين كفروا. وكلُّ مختار طَرَف، والجمع أَطراف؛ قال:
ولمَّا قَضَيْنا مِنْ مِنًى كلَّ حاجةٍ،
ومَسَّحَ بالأَرْكانِ منْ هو ماسِحُ
أَخَذْنا بأَطْرافِ الأَحاديثِ بَينَنا،
وسالتْ بأَعْناقِ المَطِيِّ الأباطِحُ
قال ابن سيده: عنَى بأَطراف الأَحاديث مُختارها، وهو ما يتعاطاه المحبون
ويتَفاوَضُه ذوو الصبابة المُتَيَّمون من التعريض والتَّلْوِيحِ
والإيماء دون التصريح، وذلك أَحْلى وأَخفُّ وأَغْزَل وأَنسبُ من أَن يكونَ
مشافَهة وكشْفاً ومُصارَحة وجهراً. وطَرائفُ الحديث: مُختاره أَيضاً كأَطرافه؛
قال:
أَذْكُرُ مِن جارَتي ومَجْلِسِها
طَرائفاً من حديثها الحَسَنِ
ومن حديثٍ يَزِيدُني مِقَةً،
ما لِحَدِيثِ المَوْموقِ من ثَمَنِ
أَراد يَزِيدُني مِقة لها. والطَّرَفُ: اللحمُ. والطرَفُ: الطائفةُ من
الناس. تقول: أَصَبْتُ طَرَفاً من الشيء؛ ومنه قوله تعالى: ليَقْطَعَ
طرَفاً من الذين كفروا؛ أي طائفة. وأَطرافُ الرجلِ: أَخوالُه وأَعمامه وكلُّ
قَرِيبٍ له مَحْرَمٍ. والعرب تقول: لا يُدْرَى أَيُّ طَرَفَيْه أَطولُ،
ومعناه لا يُدْرى أَيُّ والدَيْه أَشرف؛ قال: هكذا قاله الفراء. ويقال: لا
يُدرى أَنَسَبُ أَبيه أَفضل أَم نسَبُ أُمّه. وقال أَبو الهيثم: يقال
للرجل ما يَدرِي فلان أَيُّ طَرَفَيْه أَطولُ أَي أَيُّ نصفَيه أَطول،
أَلطَّرَفُ الأَسفل من الطَّرَف الأَعلى، فالنصف الأَسفلُ طَرَف، والأَعْلى
طرَف، والخَصْرُ ما بين مُنْقَطع الضُّلُوع إلى أَطراف الوَرِكَيْنِ وذلك
نصف البدن، والسّوْءةُ بينهما، كأَنه جاهل لا يَدْرِي أَيُّ طَرَفَيْ
نفسِه أَطولُ. ابن سيده: ما يَدْرِي أَي طرفيه أَطول يعني بذلك نسَبه من
قِبَل أَبيه وأُمه، وقيل: طرَفاه لِسانُه وفَرجُه، وقيل: اسْتُه وفمُه لا
يَدرِي أَيُّهما أَعفُّ؛ ويُقَوِّيه قول الراجز:
لو لم يُهَوْذِلْ طَرَفاهُ لَنَجَمْ،
في صَدْرِه، مَثْلُ قَفا الكَبْشُ الأَجَمّ
يقول: لولا أَنه سَلَحَ وقاء لقامَ في صَدْرِه من الطعام الذي أَكل ما
هو أَغْلظُ وأَضْخَمُ من قَفا الكَبْشِ الأَجَمِّ . وفي حديث طاووسٍ:
أَنَّ رجلاً واقَعَ الشرابَ الشدِيد فَسُقِي فَضَريَ فلقد رأْيتُه في
النِّطَع وما أَدْرِي أَيُّ طَرَفَيْه أَسْرَعُ؛ أَراد حَلْقَه ودُبرَه أَي
أَصابه القَيْء والإسْهال فلم أَدرِ أَيهما أَسرع خروجاً من كثرته. وفي حديث
قَبِيصةَ ابن جابر: ما رأَيتُ أَقْطَعَ طرَفاً من عمرو بن العاص؛ يريد
أَمْضَى لساناً منه. وطرَفا الإنسان: لسانه وذَكرُه؛ ومنه قولهم: لا يُدرى
أَيُّ طرفيه أَطول. وفلان كريم الطرَفين إذا كان كريم الأَبوَيْن، يراد
به نسَبُ أَبيه ونسب أُّمه؛ وأَنشد أَبو زيد لعَوْن ابن عبداللّه بن
عُتْبة بن مسعود:
فكيفَ بأَطرافي، إذا ما شَتَمْتَني،
وما بعدَ شَتْمِ الوالِدِينَ صُلُوحُ
(* قوله «فكيف بأطرافي إلخ» تقدم في صلح كتابته باطراقي بالقاف والصواب
ما هنا.)
جمعهما أَطرافاً لأَنه أَراد أَبويه ومن اتصل بهما من ذويهما، وقال أَبو
زيد في قوله بأَطرافي قال: أَطْرافُه أَبواه وإخوته وأَعمامه وكل قريب
له محرم؛ الأَزهري: ويقال في غير هذا فلان فاسد الطرَفين إذا كان خَبيثَ
اللسان والفرج، وقد يكون طرَفا الدابة مُقدّمَها ومؤخّرها؛ قال حُمَيد بن
ثور يصف ذئباً وسُرعته:
تَرى طَرَفَيْه يَعْسِلانِ كِلاهُما،
كما اهْتَزَّ عُودُ الساسَمِ المتتايِعُ
أَبو عبيد: ويقال فلان لا يَملِك طرَفيه، يعنون اسْته وفمه، إذا شَرِب
دواءً أَو خمراً فقاء وسَكِر وسَلَحَ. والأَسودُ ذو الطَّرَفين: حَيّة له
إبرتان إحداهما في أَنفه والأُخرى في ذنبه، يقال إنه يضرب بهما فلا
يُطْني الأَرض.
ابن سيده: والطرَفانِ في المَديد حذف أَلف فاعلاتن ونونِها؛ هذا قول
الخليل وإنما حكمه أَن يقول: التَّطْريفُ حذف أَلف فاعلاتن ونونها، أَو يقول
الطرَفانِ الأَلف والنون المحذوفتان من فاعلاتن.
وتَطَرَّفَتِ الشمسُ: دَنَت للغروب؛ قال:
دَنا وقَرْنُ الشمس قد تَطَرَّفا
والطِّرافُ: بَيْت من أَدَم ليس له كِفاء وهو من بيوت الأَعراب؛ ومنه
الحديث: كان عَمرو لمعاوية كالطِّراف المَمدود.
والطوارفُ من الخِباء: ما رَفَعْت من نواحيه لتنظر إلى خارج، وقيل: هي
حِلَقٌ مركبة في الرُّفوف وفيها حِبال تُشدُّ بها إلى الأَوتاد.
والمِطْرَفُ والمُطْرَفُ: واحد المَطارِفِ وهي أَرْدِية من خز مُرَبَّعة
لها أَعْلام، وقيل: ثوب مربع من خزّ له أَعلام. الفراء: المِطْرَفُ من
الثياب ما جعل في طَرَفَيْه عَلمانِ، والأَصل مُطرَف، بالضم، فكسروا الميم
ليكون أَخف كما قالوا مِغْزَل وأَصله مُغْزَل من أُغْزِلَ أَي أُدير،
وكذلك المِصْحَفُ والمِجْسَد؛ وقال الفراء: أَصله الضم لأَنه في المعنى
مأْخوذ من أُطرِفَ أَي جُعل في طرَفه العَلَمان، ولكنهم اسْتَثْقَلوا الضمة
فكسروه. وفي الحديث: رأَيت على أبي هريرة، رضي اللّه عنه، مِطْرَفَ خزٍّ؛
هو بكسر الميم وفتحها وضمها، الثوب الذي في طرفيه علمان، والميم زائدة.
الأَزهري: سمعت أَعرابيّاً يقول لآخر قَدِمَ من سفَر: هل وراءك طَريفةُ
خَبَرٍ تُطْرِفُناه؟ يعني خبراً جديداً، ومُغَرِبَّةُ خبَرٍ مثله.
والطُّرْفةُ: كل شيء استحدَثْته فأَعجبك وهو الطريفُ وما كان طَريفاً، ولقد
طَرُفَ يَطْرُفُ. والطَّريفةُ: ضَرب من الكلإِ، وقيل: هو النَّصِيُّ إذا
يَبِسَ وابْيَضَّ، وقيل: الطَّريفةُ الصِّلِّيانُ وجميع أَنواعهما إذا
اعْتَمَّا وتَمَّا، وقيل: الطريفة من النبات أَوَّل شيء يَسْتَطرِفه المالُ
فيرعاه، كائناً ما كان، وسميت طريفة لأَن المالَ يَطَّرِفُه إذا لم يجد
بقلاً. وقيل: سميت بذلك لكرمها وطَرافَتِها واسْتطراف المال إياها.
وأُطْرِفَتِ الأَرضُ: كثرت طريفتها. وأَرض مطروفة: كثيرة الطريفة. وإبل طَرِفَةٌ:
تَحاتَّتْ مَقادِمُ أَفواهِها من الكِبَر، ورجل طريفٌ بَيِّنُ
الطَّرافة: ماضٍ هَشٌّ. والطَّرَفُ: اسم يُجْمع الطَّرْفاء وقلما يستعمل في الكلام
إلا في الشعر، والواحدة طَرَفةٌ، وقياسه قَصَبة وقصَب وقَصْباء وشجرة
وشجر وشَجْراء.
ابن سيده: والطرَفةُ شجرة وهي الطَّرَفُ، والطرفاء جماعةُ الطرَفةِ
شجرٌ، وبها سمي طَرَفَةُ بن العَبْد، وقال سيبويه: الطرْفاء واحد وجمع،
والطرفاء اسم للجمع، وقيل: واحدتها طرفاءة. وقال ابن جني: من قال طرفاء
فالهمزة عنده للتأنيث، ومن قال طرفاءة فالتاء عنده للتأْنيث، وأَما الهمزة على
قوله فزائدة لغير التأْنيث قال: وأَقوى القولين فيها أَن تكون همزة
مُرْتَجَلَةً غير منقلبة، لأنها إذا كانت منقلبة في هذا المثال فإنها تنقلب عن
أَلف التأْنيث لا غير نحو صَحْراء وصَلْفاء وخَبْراء والخِرْشاء، وقد
يجوز أَن تكون عن حرف علة لغير الإلحاق فتكون في الألف لا في الإلحاق كأَلف
عِلباء وحِرْباء، قال: وهذا مما يؤكِّد عندك حالَ الهاء، أَلا ترى أَنها
إذا أَلحَقت اعتَقَدت فيما قبلها حُكماً ما فإذا لم تُلْحِقْ جاز الحكم
إلى غيره؟ والطَّرْفاء أَيضاً: مَنْبِتُها، وقال أَبو حنيفة: الطرْفاء من
العضاه وهُدْبُه مثل هدب الأَثْلِ، وليس له خشب وإنما يُخرج عِصِيّاً
سَمْحة في السماء، وقد تتحمض بها الإبل إذا لم تجد حَمْضاً غيره؛ قال: وقال
أَبو عمرو الطرفاء من الحَمْض، قال وبها سمي الرجل طَرَفة.
والطَّرْفُ من مَنازِل القمر: كوكبان يَقْدُمانِ الجَبهةَ وهما عَينا
الأَسد ينزلهما القمر.
وبنو طَرَفٍ: قوم من اليمن. وطارِفٌ وطَريفٌ وطُرَيْفٌ وطَرَفةُ
ومُطَرِّفٌ: أَسماء. وطُرَيْف: موضع، وكذلك الطُّرَيْفاتُ؛ قال:
رَعَتْ سُميراء إلى إرْمامِها،
إلى الطُّرَيْفات، إلى أَهْضامِها
وكان يقال لبني عَدِيّ بن حاتم الطَّرَفاتُ قُتِلوا بِصِفِّينَ،
أَسماؤهم: طَريفٌ وطَرَفةُ ومُطَرِّفٌ.
سحق: سَحَقَ الشيءَ يَسْحَقُه سَحْقاً: دقَّه أشد الدقّ، وقيل: السَّحْق
الدقُّ الرقيق، وقيل: هو الدقّ بعد الدقّ، وقيل: السَّحْق دون الدقّ.
الأَزهري: سَحَقَت الريحُ الأَرض وسَهَكَتها إذا قشرت وجه الأَرض بشدة
هبوبها، وسَحَقْت الشيء فانْسَحَق إذا سَهَكْته. ابن سيده: سَحَقَت الريحُ
الأَرض تَسْحَقُها سَحْقاً إذا عَفَّت الآثار وانْتَسَفَت الدِّقاقَ.
والسَّحْق: أثر دَبَرة البعير إذا بَرَأَت وابْيَضَّ موضعها. والسَّحْق:
الثوب الخلَق البالي؛ قال مُزَرِّد:
وما زَوَّدُوني غيرَ سَحْقِ عِمامة،
وخَمْسِ مِئٍ منها قَسِيٌّ وزائفُ
وجمعه سُحوق؛ قال الفرزدق:
فإنّك، إن تَهْجو تَمِيماً وتَرْتَشِي
بِتَأْبِينِ قَيْسٍ، أو سُحوق العَمائم
والفعل: الانْسِحاق. وانْسَحَق الثوبُ وأسْحَق إذا سقط زئْبِرُه وهو
جديد، وسَحَقَه البِلى سَحْقاً؛ قال رؤبة:
سَحْقَ البِلى جدَّته فأَنْهَجا
وقد سَحَقَه البِلى ودَعْكُ اللُّبْس. وثوب سَحْق: وهو الخلَق؛ وقال
غيره: هو الذي انْسَحَق ولانَ. وفي حديث عمر، رضي الله عنه، أنه قال: مَنْ
زافَت عليه دَراهِمُه فَليَأْت بها السُّوقَ ولْيَشْتَرِ بها ثَوْبَ
سَحْقٍ ولا يُحالفِ الناسَ أنها جِيادٌ؛ السَّحْق: الثوب الخلَق الذي انْسَحَق
وبَليَ كأنه بعد من الانتفاع به. وانْسَحَقَ الثوبُ أي خلَق؛ قال أبو
النجم:
مِنْ دِمْنةٍ كالمِرْجَليِّ المِسْحَق
وأسْحَق خفٌّ البعير أي مَرَنَ. والإسْحاق: ارتفاع الضرع ولزوقه بالبطن.
وأسْحَقَ الضرعُ: يَبِسَ وبَلي وارتفع لبنه وذهب ما فيه؛ قال لبيد:
حتى إذا يَبِسَت وأسْحَقَ حالقٌ،
لم يُبْلِه إرْضاعُها وفِطامُها
وأسْحَقَت ضَرّتُها: ضَمَرت وذهب لبنُها. وقال الأَصمعي: أسْحَق يَبِسَ،
وقال أبو عبيد: أسْحَقَ الضَّرْع ذهب وبلي. وانْسَحَقت الدلوُ: ذهب ما
فيها. الأَزهري: ومُساحَقةُ النساءِ لفظ مولَّد. والسَّحْق في العَدْوِ:
دون الحُضْر وفوق السَّحْج؛ قال رؤبة:
فهي تعاطي شدَّه المُكايَلا
سَحْقاً من الجِدّ وسَحْجاً باطلا
وأنشد الأَزهري لآخر:
كانت لنا جارة، فأزْعَجها
قاذورة تَسْحَق النَّوى قُدُما
والسَّحْق في العَدْوِ: فوق المشي ودون الحُضْر. وسَحَقت العينُ الدمعَ
تَسْحَقه سَحْقاً فانْسَحَق: حَدَرَتْه، ودُموع مَساحِيق؛ وأنشد:
قِتْب وغَرْب إذا ما أُفْرِغ انْسَحقا
والسُّحُق: البُعْد، وكذلك السُّحْق مثل عُسْر وعُسُر. وقد سَحُق الشيء،
بالضم، فهو سَحِيق أي بعيد؛ قال ابن بري: ويقال سَحِيق وأسْحق؛ قال أبو
النجم:
تعلو خَناذِيذَ البَعيد الأَسْحَقِ
وفي الدعاء: سُحْقاً له وبُعْداً، نصبوه على إضمار الفعل غير المستعمل
إظهارُه. وسَحَقَه اللهُ وأسْحَقه الله أي أبعده؛ ومنه قوله:
قاذورة تسحق النوى قُدُما
وأسْحَق هو وانْسَحَق: بَعُد. ومكان سَحِيق: بَعِيد: وفي التنزيل: أو
تَهْوِي به الريحُ في مكان سَحِيق؛ ويجوز في الشعر ساحِقٌ. وسُحُقٌ ساحِقٌ،
على المبالغة، فإن دعوت فالمختار النصب. الأَزهري: لغة أهل الحجاز
بُعْدٌ له وسُحْقٌ له، يجعلونه اسماً، والنصبُ على الدعاء عليه يريدون به
أبْعَدَه الله؛ وأسْحَقَه سُحْقاً وبُعداً وإنه لَبَعِيد سَحِيق. وقال الفراء
في قوله فسُحْقاً لأَصحاب السَّعِير: اجتمعوا على التخفيف، ولو قرئت
فسُحُقاً كانت لغة حسنة؛ قال الزجاج: فسُحْقاً منصوب على المصدر أسْحَقَهم
الله سُحْقاً أي باعَدَهم من رحمته مُباعَدة. وفي حديث الحوض: فأقول
سُحْقاً سُحْقاً أي بُعْداً بُعْداً. ومكان سَحِيق: بعيد. ونخلة سَحُوق:
طويلة؛ وأنشد ابن بري للمفضل النكري:
كان جِذْعٌ سَحُوق
وفي حديث قُسّ: كالنخلة السَّحُوق أي الطويلة التي بَعُد ثمرُها على
المجتني؛ قال الأَصمعي: لا أدري لعل ذلك مع انحناء يكون، والجمع سُحُق؛
فأما قول زهير:
كأنَّ عَيْنَيّ في غَرْبَيْ مُقَتِّلة،
من النواضح، تَسْقِي جَنّةً سُحُقا
فإنه أراد نخلَ جَنّة فحذف إلا أن يكونوا قد قالوا جنّة سُحُق، كقولهم
ناقة عُلُطٌ وامرأة عُطُلٌ. الأَصمعي: إذا طالت النخلة مع انجراد فهي
سَحُوق، وقال شمر: هي الجرداء الطويلة التي لا كَرَب لها؛ وأنشد:
وسالِفة كسَحُوق اللِّيا
ن، أضْرَمَ فيها الغَوِيُّ السُّعُرْ
شبه عنق الفرس بالنخلة الجرداء. وحمار سَحُوق: طويل مُسِنّ، وكذلك
الأَتان، والجمع سُحخقٌ؛ وأنشد للبيد في صفة النخل:
سُحُقٌ يُمَتِّعُها الصَّفا وسَرِيُّه،
عُمٌّ نَواعِمُ بَيْنَهُنّ كُرومُ
واستعار بعضهم السَّحُوق للمرأة الطويلة؛ وأنشد ابن الأَعرابي:
تُطِيف به شَدَّ النهار ظَعِينةٌ،
طَويلةُ أنْقاء اليدَيْنِ سَحُوقُ
والسَّوْحَق: الطويل من الرجال؛ قال ابن بري: شاهده قول الأَخطل:
إذا قلتُ: نالَته العَوالي، تَقاذَفَتْ
به سَوْحَقُ الرِّجْلَيْنِ سانحةُ الصَّدْرِ
الأَصمعي: من الأَمطار السَّحائِقُ، الواحدة سَحيقة، وهو المطر العظيم
القَطْر الشديد الوَقْع القليلُ العَرِمُ، قال: ومنها السَّحِيفة، بالفاء،
وهي المطرة تجرُف ما مرَّت به.
وساحوق: موضع؛ قال سلمة العبسي:
هَرَقْن بِساحُوقٍ دِماءً كَثِيرة،
وغادَرْن قَبْلي من حَلِيب وحازِر
عني بالحليب الرفيعَ، وبالحازر الوضيع، فسره يعقوب؛ وأنشد الأَزهري:
وهُنَّ بِساحوقٍ تَدَارَكْنَ ذالِقا
ويومُ ساحوق: من أيامهم. ومساحق: اسم. وإسْحَق: اسم أعجمي؛ قال سيبويه:
ألحقوه ببناء إعْصار. وإسْحَق: اسم رجل، فإن أردت به الاسم الأَعجمي لم
تصرفه في المعرفة لأنه غُيِّر عن جهته فوقع في كلام العرب غير معروف
المذهب، وإن أردت المصدر من قولك أسْحَقَه السفرُ إسْحاقاً أي أبعده صرفته
لأَنه لم يُغٍيَّرْ.
والسُّمْحوق من النخل: الطويلةُ، والميم زائدة.
والسِّمْحاق: قشرة رقيقة فوق عظم الرأس بها سميت الشَّجّة إذا بلغت
إليها سِمْحاقاً؛ قال ابن بري: والسمحاق أثر الحنان؛ قال الراجز:
يَضْبُط، بين فَخْذِه وساقِه،
أيْراً بَعِيدَ الأَصْلِ منْ سِمْحاقه
وسَماحيق السماء: القِطعَُ الرِّقاقُ من الغَيْم؛ وعلى ثَرْب الشَّاة
سَماحِيقُ من شَحْم؛ قال الجوهري: وأرى أن الميمات في هذه الكلمات
زوائد.