بليدة بينها وبين همذان سبعــة فراسخ وبينها وبين بروجرد أحد عشر فرسخا.
بليدة بينها وبين همذان سبعــة فراسخ وبينها وبين بروجرد أحد عشر فرسخا.
حكم: الله سبحانه وتعالى أَحْكَمُ الحاكمِينَ، وهو الحَكِيمُ له
الحُكْمُ، سبحانه وتعالى. قال الليث: الحَكَمُ الله تعالى. الأَزهري: من صفات
الله الحَكَمُ والحَكِيمُ والحاكِمُ، ومعاني هذه الأَسماء متقارِبة، والله
أعلم بما أَراد بها، وعلينا الإيمانُ بأَنها من أَسمائه. ابن الأَثير: في
أَسماء الله تعالى الحَكَمُ والحَكِيمُ وهما بمعنى الحاكِم، وهو القاضي،
فَهو فعِيلٌ بمعنى فاعَلٍ، أو هو الذي يُحْكِمُ الأَشياءَ ويتقنها، فهو
فَعِيلٌ بمعنى مُفْعِلٍ، وقيل: الحَكِيمُ ذو الحِكمة، والحَكْمَةُ عبارة
عن معرفة أفضل الأشياء بأفضل العلوم. ويقال لمَنْ يُحْسِنُ دقائق
الصِّناعات ويُتقنها: حَكِيمٌ، والحَكِيمُ يجوز أن يكون بمعنى الحاكِمِ مثل
قَدِير بمعنى قادر وعَلِيمٍ بمعنى عالِمٍ. الجوهري: الحُكْم الحِكْمَةُ من
العلم، والحَكِيمُ العالِم وصاحب الحِكْمَة. وقد حَكُمَ أي صار حَكِيماً؛
قال النَّمِرُ بن تَوْلَب:
وأَبْغِض بَغِيضَكَ بُغْضاً رُوَيْداً،
إذا أنتَ حاوَلْتَ أن تَحْكُما
أي إذا حاوَلتَ أن تكون حَكيِماً. والحُكْمُ: العِلْمُ والفقه؛ قال الله
تعالى: وآتيناه الحُكْمَ صَبِيّاً، أي علماف وفقهاً، هذا لِيَحْيَى بن
زَكَرِيَّا؛ وكذلك قوله:
الصَّمْتُ حُكْمٌ وقليلٌ فاعِلُهْ
وفي الحديث: إنَّ من الشعر لحُكْماً أي إِن في الشعر كلاماً نافعاً يمنع
من الجهل والسَّفَهِ ويَنهى عنهما، قيل: أراد بها المواعظ والأمثال التي
ينتفع الناس بها. والحُكْمُ: العِلْمُ والفقه والقضاء بالعدل، وهو مصدر
حَكَمَ يَحْكُمُ، ويروى: إن من الشعر لحِكْمَةً، وهو بمعنى الحُكم؛ ومنه
الحديث: الخِلافةُ في قُرَيش والحُكْمُ في الأنصار؛ خَصَّهُم بالحُكْمِ
لأن أكثر فقهاء الصحابة فيهم، منهم مُعاذُ ابن جَبَلٍ وأُبَيّ بن كَعْبٍ
وزيد بن ثابت وغيرهم. قال الليث: بلغني أنه نهى أن يُسَمَّى الرجلُ
حكِيماً
(* قوله «أن يسمى الرجل حكيماً» كذا بالأصل، والذي في عبارة الليث التي
في التهذيب: حكماً بالتحريك)، قال الأزهري: وقد سَمَّى الناسُ حَكيماً
وحَكَماً، قال: وما علمتُ النَّهي عن التسمية بهما صَحيحاً. ابن الأثير:
وفي حديث أبي شُرَيْحٍ أنه كان يكنى أبا الحَكَمِ فقال
له النبي، صلى الله عليه وسلم: إن الله هو الحَكَمُ، وكناه بأَبي
شُرَيْحٍ، وإنما كَرِه له ذلك لئلا يُشارِكَ الله في صفته؛ وقد سَمّى الأَعشى
القصيدة المُحْكمَةَ حَكِيمَةً فقال:
وغَريبَةٍ، تأْتي المُلوكَ، حَكِيمَةٍ،
قد قُلْتُها ليُقالَ: من ذا قالَها؟
وفي الحديث في صفة القرآن: وهو الذِّكْرُ الحَكِيمُ أي الحاكِمُ لكم
وعليكم، أو هو المُحْكَمُ الذي لا اختلاف فيه ولا اضطراب، فَعِيلٌ بمعنى
مُفْعَلٍ، أُحْكِمَ فهو مُحْكَمٌ. وفي حديث ابن عباس:
قرأْت المُحْكَمَ على عَهْدِ رسول الله، صلى الله عليه وسلم؛ يريد
المُفَصَّلَ من القرآن لأنه لم يُنْسَخْ منه شيء، وقيل: هو ما لم يكن متشابهاً
لأنه أُحْكِمَ بيانُه بنفسه ولم يفتقر إلى غيره، والعرب تقول: حَكَمْتُ
وأَحْكَمْتُ وحَكَّمْتُ بمعنى مَنَعْتُ ورددت، ومن هذا قيل للحاكم بين
الناس حاكِمٌ، لأنه يَمْنَعُ الظالم من الظلم. وروى المنذري عن أَبي طالب
أنه قال في قولهم: حَكَمَ الله بيننا؛ قال الأصمعي: أصل الحكومة رد الرجل
عن الظلم، قال: ومنه سميت حَكَمَةُ اللجام لأَنها تَرُدُّ الدابة؟ ومنه
قول لبيد:
أَحْكَمَ الجِنْثِيُّ من عَوْراتِها
كلَّ حِرْباءٍ، إذا أُكْرِهَ صَلّ
والجِنْثِيُّ: السيف؛ المعنى: رَدَّ السيفُ عن عَوْراتِ الدِّرْعِ وهي
فُرَجُها كلَّ حِرْباءٍ، وقيل: المعنى أَحْرَزَ الجِنثيُّ وهو الزَّرَّادُ
مساميرها، ومعنى الإحْكامِ حينئذ الإحْرازُ. قال ابن سيده: الحُكْمُ
القَضاء، وجمعه أَحْكامٌ، لا يكَسَّر على غير ذلك، وقد حَكَمَ عليه بالأمر
يَحْكُمُ حُكْماً وحُكومةً وحكم بينهم كذلك. والحُكْمُ: مصدر قولك حَكَمَ
بينهم يَحْكُمُ أي قضى، وحَكَمَ له وحكم عليه. الأزهري: الحُكْمُ القضاء
بالعدل؛ قال النابغة:
واحْكمْ كحكْمِ فَتَاةِ الحَيِّ، إذ نَظَرَتْ
إلى حَمامٍ سِراعٍ وارد الثَّمَدِ
(* قوله «حمام سراع» كذا هو في التهذيب بالسين المهملة وكذلك في نسخة
قديمة من الصحاح، وقال شارح الديوان: ويروى أيضاً شراع بالشين المعجمة أي
مجتمعة).
وحكى يعقوب عن الرُّواةِ أن معنى هذا البيت:
كُنْ حَكِيماً كفتاة الحي أي إذا قلت فأَصِبْ كما أصابت هذه المرأَة، إذ
نظَرَتْ إلى الحمامِ فأَحْصَتْها ولم تُخْطِئ عددها؛ قال: ويَدُلُّكَ
على أن معنى احْكُمْ كُنْ حَكِيماً قولُ النَّمر بن تَوْلَب:
إذا أنتَ حاوَلْتَ أن تَحْكُما
يريد إذا أَردت أن تكون حَكِيماً فكن كذا، وليس من الحُكْمِ في القضاء
في شيء. والحاكِم: مُنَفّذُ الحُكْمِ، والجمع حُكّامٌ، وهو الحَكَمُ.
وحاكَمَهُ إلى الحَكَمِ: دعاه. وفي الحديث: وبكَ حاكَمْتُ أي رَفَعْتُ
الحُكمَ إليك ولا حُكْمَ إلا لك، وقيل: بكَ خاصمْتُ في طلب الحُكْمِ وإبطالِ من
نازَعَني في الدِّين، وهي مفاعلة من الحُكْمِ.
وحَكَّمُوهُ بينهم: أمروه أن يَحكمَ. ويقال: حَكَّمْنا فلاناً فيما
بيننا أي أَجَزْنا حُكْمَهُ بيننا. وحَكَّمَهُ في الأمر فاحْتَكَمَ: جاز فيه
حُكْمُه، جاء فيه المطاوع على غير بابه والقياس فَتَحَكَّمَ، والاسم
الأُحْكُومَةُ والحُكُومَةُ؛ قال:
ولَمِثْلُ الذي جَمَعْتَ لرَيْبِ الـ
ـدَّهْرِ يَأْبى حُكومةَ المُقْتالِ
يعني لا يَنْفُذُ حُكومةُ من يَحْتَكِمُ عليك من الأَعداء، ومعناه يأْبى
حُكومةَ المُحْتَكِم عليك، وهو المُقْتال، فجعل المُحْتَكِمَ
المُقْتالَ، وهو المُفْتَعِلُ من القول حاجة منه إلى القافية، ويقال: هو كلام
مستعمَلٌ، يقال: اقْتَلْ عليَّ أي احْتَكِمْ، ويقال: حَكَّمْتُه في مالي إذا
جعلتَ إليه الحُكْمَ فيه فاحْتَكَمَ عليّ في ذلك. واحْتَكَمَ فلانٌ في مال
فلان إذا جاز فيه حُكْمُهُ. والمُحاكَمَةُ: المخاصمة إلى الحاكِمِ.
واحْتَكَمُوا إلى الحاكِمِ وتَحاكَمُوا بمعنى. وقولهم في المثل: في بيته
يُؤْتَى الحَكَمُ؛ الحَكَمُ، بالتحريك: الحاكم؛ وأَنشد ابن بري:
أَقادَتْ بَنُو مَرْوانَ قَيْساً دِماءَنا،
وفي الله، إن لم يَحْكُمُوا، حَكَمٌ عَدْلُ
والحَكَمَةُ: القضاة. والحَكَمَةُ: المستهزئون. ويقال: حَكَّمْتُ فلاناً
أي أطلقت يده فيما شاء. وحاكَمْنا فلاناً إلى الله أي دعوناه إلى حُكْمِ
الله. والمُحَكَّمُ: الشاري. والمُحَكَّمُ: الذي يُحَكَّمُ في نفسه. قال
الجوهري: والخَوارِج يُسَمَّوْنَ المُحَكِّمَةَ لإنكارهم أمر
الحَكَمَيْن وقولِهِمْ: لا حُكْم إلا لله. قال ابن سيده: وتحْكِيمُ الحَرُوريَّةِ
قولهم لا حُكْمَ إلا الله ولا حَكَمَ إلا اللهُ، وكأَن هذا على السَّلْبِ
لأَنهم ينفون الحُكْمَ؛ قال:
فكأَني، وما أُزَيِّنُ منها،
قَعَدِيٌّ يُزَيِّنُ التَّحْكيما
(* قوله «وما أزين» كذا في الأصل، والذي في المحكم: مما أزين).
وقيل: إنما بدءُ ذلك في أمر عليّ، عليه السلام، ومعاوِيةَ. والحَكَمان:
أَبو موسى الأَشعريُّ وعمرو ابن العاص. وفي الحديث: إن الجنة
للمُحَكّمين، ويروى بفتح الكاف وكسرها، فالفتح هم الذين يَقَعُون في يد العدو
فيُنَحيَّرُونَ بين الشِّرْك والقتل فيختارون القتل؛ قال الجوهري: هم قوم من
أَصحاب الأُخْدودِ فُعِل بهم ذلك، حُكِّمُوا وخُيِّروا بين القتل والكفر،
فاختاروا الثَّبات على الإسلام مع القتل، قال: وأما الكسر فهو المُنْصِفُ
من نفسه؛ قال ابن الأَثير: والأَول الوجه؛ ومنه حديث كعب:
إن في الجنة داراً، ووصفها ثم قال: لا يَنْزِلُها إلا نبي أو صِدِّيق أو
شَهيد أو مُحَكَّمٌّ في نفسه. ومُحَكَّم اليَمامَةِ رجل قتله خالد بن
الوليد يوم مُسَيْلِمَةَ. والمْحَكَّمُ، بفتح الكاف
(* قوله «والمحكم بفتح
الكاف إلخ» كذا في صحاح الجوهري، وغلطه صاحب القاموس وصوب أنه بكسر
الكاف كمحدث، قال ابن الطيب محشيه: وجوز جماعة الوجهين وقالوا هو كالمجرب
فانه بالكسر الذي جرب الأمور، وبالفتح الذي جربته الحوادث، وكذلك المحكم
بالكسر حكم الحوادث وجربها وبالفتح حكمته وجربته، فلا غلط)، الذي في شعر
طَرَفَةَ إذ يقول:
ليت المُحَكَّمَ والمَوْعُوظَ صوتَكُما
تحتَ التُّرابِ، إذا ما الباطِلُ انْكشفا
(* قوله «ليت المحكم إلخ» في التكملة ما نصه: يقول ليت أني والذي يأمرني
بالحكمة يوم يكشف عني الباطل وأدع الصبا تحت التراب، ونصب صوتكما لأنه
أراد عاذليّ كفّا صوتكما).
هو الشيخ المُجَرّبُ المنسوب إلى الحِكْمة. والحِكْمَةُ: العدل. ورجل
حَكِيمٌ: عدل حكيم. وأَحْكَمَ الأَمر: أتقنه، وأَحْكَمَتْه التجاربُ على
المَثَل، وهو من ذلك. ويقال للرجل إذا كان حكيماً: قد أَحْكَمَتْه
التجارِبُ. والحكيم: المتقن للأُمور، واستعمل ثعلب هذا في فرج المرأَة فقال:
المكَثَّفَة من النساء المحكمة الفرج، وهذا طريف جدّاً.
الأزهري: وحَكَمَ الرجلُ يَحْكُمُ حُكْماً إذا بلغ النهاية في معناه
مدحاً لازماً؛ وقال مرقش:
يأْتي الشَّبابُ الأَقْوَرينَ، ولا
تَغْبِطْ أَخاك أن يُقالَ حَكَمْ
أي بلغ النهاية في معناه.
أبو عدنان: اسْتَحْكَمَ الرجلُ إذا تناهى عما يضره في دِينه أو دُنْياه؛
قال ذو الرمة:
لمُسْتَحْكِمٌ جَزْل المُرُوءَةِ مؤمِنٌ
من القوم، لا يَهْوى الكلام اللَّواغِيا
وأَحْكَمْتُ الشيء فاسْتَحْكَمَ: صار مُحْكَماً. واحْتَكَمَ الأمرُ
واسْتَحْكَمَ: وثُقَ. الأَزهري: وقوله تعالى: كتاب أُحْكِمَتْ آياته
فُصِّلَتْ من لَدُنْ حَكيم خبير؛ فإن التفسير جاء: أُحْكِمَتْ آياته بالأمر
والنهي والحلالِ والحرامِ ثم فُصِّلَتْ بالوعد والوعيد، قال: والمعنى، والله
أعلم، أن آياته أُحْكِمَتْ وفُصِّلَتْ بجميع ما يحتاج إليه من الدلالة على
توحيد الله وتثبيت نبوة الأنبياء وشرائع الإسلام، والدليل على ذلك قول
الله عز وجل: ما فرَّطنا في الكتاب من شيء؛ وقال بعضهم في قول الله تعالى:
الر تلك آيات الكتاب الحَكِيم؛ إنه فَعِيل بمعنى مُفْعَلٍ، واستدل بقوله
عز وجل: الر كتاب أُحْكِمَتْ آياته؛ قال الأزهري: وهذا إن شاء الله كما
قِيل، والقرآنُ يوضح بعضُه بعضاً، قال: وإنما جوزنا ذلك وصوبناه لأَن
حَكَمْت يكون بمعنى أَحْكَمْتُ فَرُدَّ إلى الأصل، والله أعلم. وحَكَمَ
الشيء وأَحْكَمَهُ، كلاهما: منعه من الفساد. قال الأزهري: وروينا عن إبراهيم
النخعي أنه قال: حَكِّم اليَتيم كما تُحكِّمُ ولدك أي امنعه من الفساد
وأصلحه كما تصلح ولدك وكما تمنعه من الفساد، قال: وكل من منعته من شيء فقد
حَكَّمْتَه وأحْكَمْتَهُ، قال: ونرى أن حَكَمَة الدابة سميت بهذا المعنى
لأنها تمنع الدابة من كثير من الجَهْل. وروى شمرٌ عن أبي سعيد الضّرير
أنه قال في قول النخعي: حَكِّمِ اليَتيم كما تُحكِّمُ ولدك؛ معناه
حَكِّمْهُ في ماله ومِلْكِه إذا صلح كما تُحكِّمُ ولدك في مِلْكِه، ولا يكون
حَكَّمَ بمعنى أَحْكَمَ لأنهما ضدان؛ قال الأَزهري: وقول أبي سعيد الضرير ليس
بالمرضي. ابن الأَعرابي: حَكَمَ فلانٌ عن الأمر والشيء أي رجع،
وأَحْكَمْتُه أنا أي رَجَعْتُه، وأَحْكَمه هو عنه رَجَعَهُ؛ قال جرير:
أَبَني حنيفةَ، أَحْكِمُوا سُفَهاءَكم،
إني أَخافُ عليكمُ أَن أَغْضَبا
أي رُدُّوهم وكُفُّوهُمْ وامنعوهم من التعرّض لي. قال الأَزهري: جعل ابن
الأعرابي حَكَمَ لازماً كما ترى، كما يقال رَجَعْتُه فرَجَع ونَقَصْتُه
فنَقَص، قال: وما سمعت حَكَمَ بمعنى رَجَعَ لغير ابن الأَعرابي، قال: وهو
الثقة المأْمون. وحَكَمَ الرجلَ وحَكَّمَه وأَحْكَمَهُ: منعه مما يريد.
وفي حديث ابن عباس: كان الرجل يَرِثُ امرأَةً ذاتَ قاربة فيَعْضُلُها حتى
تموتَ أو تَرُدَّ إليه صداقها، فأَحْكَمَ الله عن ذلك ونهى عنه أي
مَنَعَ منه. يقال: أَحْكَمْتُ فلاناً أي منعته، وبه سُمِّيَ الحاكمُ لأنه يمنع
الظالم، وقيل: هو من حَكَمْتُ الفَرسَ وأَحْكَمْتُه وحَكَّمْتُه إذا
قَدَعْتَهُ وكَفَفْتَه. وحَكَمْتُ السَّفِيه وأَحْكَمْتُه إذا أَخذت على
يده؛ ومنه قول جرير:
أَبَني حنيفة، أحْكِمُوا سُفهاءكم
وحَكَمَةُ اللجام: ما أَحاط بحَنَكَي الدابة، وفي الصحاح: بالحَنَك،
وفيها العِذاران، سميت بذلك لأنها تمنعه من الجري الشديد، مشتق من ذلك،
وجمعه حَكَمٌ. وفي الحديث: وأَنا آخذ بحَكَمَة فرسه أي بلجامه. وفي الحديث:
ما من آدميّ إلا وفي رأْسه حَكَمَةٌ، وفي رواية: في رأْس كل عبد حَكَمَةٌ
إذا هَمَّ بسيئةٍ، فإن شاء الله تعالى أن يَقْدَعَه بها قَدَعَه؛
والحَكَمَةُ: حديدة في اللجام تكون على أنف الفرس وحَنَكِهِ تمنعه عن مخالفة
راكبه، ولما كانت الحَكَمَة تأْخذ بفم الدابة وكان الحَنَكُ متَّصلاً بارأْس
جعلها تمنع من هي في رأْسه كما تمنع الحَكَمَةُ الدابة. وحَكَمَ الفرسَ
حَكْماً وأَحْكَمَهُ بالحَكَمَةِ: جعل للجامه حَكَمَةً، وكانت العرب
تتخذها من القِدِّ والأَبَقِ لأن قصدهم الشجاعةُ لا الزينة؛ قال زهير:
القائد الخَيْلَ مَنْكوباً دوائرُها،
قد أُحْكِمَتْ حَكَمات القِدِّ والأَبَقا
يريد: قد أُحْكِمَتْ بحَكَماتِ القِدِّ وبحَكَماتِ الأَبَقِ، فحذف
الحَكَمات وأَقامَ الأَبَقَ مكانها؛ ويروى:
مَحْكومَةً حَكَماتِ القِدِّ والأبَقا
على اللغتين جميعاً؛ قال أبو الحسن: عَدَّى قد أُحْكِمَتْ لأن فيه معنى
قُلِّدَتْ وقُلِّدَتْ متعدّية إلى مفعولين. الأزهري: وفرس مَحْكومةٌ في
رأْسها حَكَمَةٌ؛ وأنشد:
مَحْكومة حَكَمات القِدِّ والأبقا
وقد رواه غيره: قد أُحْكِمَتْ، قال: وهذا يدل على جواز حَكَمْتُ الفرس
وأَحْكَمْتُه بمعنى واحد. ابن شميل: الحَكَمَةُ حَلْقَةٌ تكون في فم
الفرس. وحَكََمَةُ الإنسان: مقدم وجهه. ورفع الله حَكَمَتَةُ أي رأْسه وشأْنه.
وفي حديث عمر: إن العبد إذا تواضع رفع اللهُ حَكَمَتَهُ أي قدره
ومنزلته. يقال: له عندنا حَكَمَةٌ أي قدر، وفلان عالي الحَكَمَةِ، وقيل:
الحَكَمَةُ من الإنسان أسفل وجهه، مستعار من موضع حَكَمَةِ اللجام، ورَفْعُها
كناية عن الإعزاز لأَن من صفة الذَّليل تنكيسَ رأْسه. وحَكَمة الضائنة:
ذَقَنُها.
الأزهري: وفي الحديث: في أَرْش الجِراحات الحُكومَةُ؛ ومعنى الحُكومة في
أَرش الجراحات التي ليس فيها دِيَةٌ معلومة: أن يُجْرَحَ الإنسانُ في
موضع في بَدَنه يُبْقِي شَيْنَهُ ولا يُبْطِلُ العُضْوَ، فيَقْتاس الحاكم
أَرْشَهُ بأن يقول: هذا المَجْروح لو كان عبداً غير مَشينٍ هذا الشَّيْنَ
بهذه الجِراحة كانت قيمتُه ألفَ دِرْهمٍ، وهو مع هذا الشين قيمتُه
تِسْعُمائة درهم فقد نقصه الشَّيْنُ عُشْرَ قيمته، فيجب على الجارح عُشْرُ
دِيَتِه في الحُرِّ لأن المجروح حُرٌّ، وهذا وما أَشبهه بمعنى الحكومة التي
يستعملها الفقهاء في أَرش الجراحات، فاعْلَمْه.
وقد سَمَّوْا حَكَماً وحُكَيْماً وحَكِيماً وحَكّاماً وحُكْمان.
وحَكَمٌ: أبو حَيٍّ من اليمن. وفي الحديث: شَفاعَتي لأهل الكبائر من أُمتي حتى
حَكَم وحاءَ؛ وهما قبيلتان جافِيتان من وراء رمل يَبرين.
درع: الدِّرْعُ: لَبُوسُ الحديد، تذكر وتؤنث، حكى اللحياني: دِرْعٌ
سابغةٌ ودرع سابغ؛ قال أَبو الأَخرز:
مُقَلَّصاً بالدِّرْعِ ذِي التَّغَضُّنِ،
يَمْشِي العِرَضْنَى في الحَدِيد المُتْقَنِ
والجمع في القليل أَدْرُعٌ وأَدْراعٌ، وفي الكثير دُروعٌ؛ قال الأَعشى:
واخْتارَ أَدْراعَه أَن لا يُسَبَّ بها،
ولم يَكُن عَهْدُه فيها بِخَتَّارِ
وتصغير دِرْعٍ دُرَيْعٌ، بغير هاء على غير قياس لأَن قياسه بالهاء، وهو
أَحد ما شذ من هذا الضرب. ابن السكيت: هي دِرْعُ الحديد. وفي حديث خالد:
أَدْراعَه وأَعْتُدَه حَبْساً في سبيل الله؛ الأَدراعُ: جمع دِرْع وهي
الزَّرَدِيَّةُ.
وادَّرَع بالدِّرْع وتَدَرَّع بها وادَّرَعَها وتَدَرَّعها: لَبِسَها؛
قال الشاعر:
إِن تَلْقَ عَمْراً فقد لاقَيْتَ مُدَّرِعاً،
وليس من هَمِّه إِبْل ولا شاء
قال ابن بري: ويجوز أَن يكون هذا البيت من الادّراع، وهو التقدّم،
وسنذكره في أَواخر الترجمة. وفي حديث أَبي رافع: فَغَلَّ نَمِرةً فَدُرِّعَ
مثلَها من نار أَي أُلْبِسَ عِوَضَها دِرْعاً من نار.
ورجل دارعٌ: ذو دِرْعٍ على النسَب، كما قالوا لابنٌ وتامِرٌ، فأَمَّا
قولهم مُدَّرَعٌ فعلى وضع لفظ المفعول موضع لفظ الفاعل.
والدِّرْعِيَّةُ: النِّصال التي تَنْفُذُ في الدُّروع. ودِرْعُ
المرأَةِ: قميصُها، وهو أَيضاً الثوب الصغير تلبسه الجارية الصغيرة في بيتها،
وكلاهما مذكر، وقد يؤنثان. وقال اللحياني: دِرْعُ المرأَة مذكر لا غير،
والجمع أَدْراع. وفي التهذيب: الدِّرْع ثوب تَجُوب المرأَةُ وسطَه وتجعل له
يدين وتَخِيط فرجَيْه. ودُرِّعت الصبيةُ إِذا أُلبِست الدِّرْع،
وادَّرَعَتْه لبِسَتْه. ودَرَّعَ المرأَةَ بالدِّرْع: أَلبسها إِياه.
والدُّرّاعةُ والمِدْرعُ: ضرب من الثياب التي تُلْبَس، وقيل: جُبَّة
مشقوقة المُقَدَّم. والمِدْرعةُ: ضرب آخر ولا تكون إِلاَّ من الصوف خاصة،
فرقوا بين أَسماء الدُّرُوع والدُّرّاعة والمِدْرعة لاختلافها في الصَّنْعة
إِرادة الإِيجاز في المَنطِق. وتَدَرَّعَ مِدْرعَته وادَّرَعها
وتَمَدْرَعها، تحمَّلُوا ما في تَبْقية الزائد مع الأَصل في حال الاشتقاق تَوْفية
للمعنى وحِراسة له ودَلالة عليه، أَلا ترى أَنهم إِذا قالوا تَمَدْرَعَ،
وإِن كانت أَقوى اللغتين، فقد عرّضوا أَنفسهم لئلا يُعرف غَرضهم أَمن
الدِّرْع هو أَم من المِدْرعة؟ وهذا دليل على حُرمة الزائد في الكلمة عندهم
حتى أَقرّوه إِقرار الأُصول، ومثله تَمَسْكَن وتَمَسْلَم، وفي المثل:
شَمِّر ذَيْلاً وادَّرِعْ ليلاً أَي اسْتَعمِل الحَزْم واتخذ الليل
جَمَلاً. والمِدْرَعةُ: صُفّةُ الرحْل إِذا بدت منها رُؤوس الواسطة الأَخِيرة.
قال الأَزهري: ويقال لصُفّة الرحل إِذا بدا منها رأْسا الوَسط والآخِرة
مِدْرعةٌ.
وشاة دَرْعاء: سَوداء الجسد بَيْضاء الرأْس، وقيل: هي السوداء العنق
والرأْسِ وسائرُها أَبيض. وقال أَبو زيد في شِياتِ الغنم من الضأْن: إِذا
اسودَّت العنق من النعجة فهي دَرْعاء. وقال الليث: الدَّرَعُ في الشاة
بياضٌ في صدرها ونحرها وسواد في الفخذ. وقال أَبو سعيد: شاة دَرْعاء مُختلفة
اللون. وقال ابن شميل: الدرعاء السوداء غير أَن عنقها أَبيض، والحمراء
وعنُقُها أَبيض فتلك الدَّرْعاء، وإِن ابْيَضَّ رأْسها مع عنقها فهي دَرعاء
أَيضاً. قال الأَزهري: والقول ما قال أَبو زيد سميت درعاء إِذا اسودّ
مقدمها تشبيهاً بالليالي الدُّرْع، وهي ليلة ستَّ عَشْرة وسبعَ عشرة وثماني
عشرة، اسودّت أَوائلها وابيضَّ سائرها فسُمّين دُرْعاً لم يختلف فيها
قول الأَصمعي وأَبي زيد وابن شميل. وفي حديث المِعْراج: فإِذا نحن بقوم
دُرْع: أَنْصافُهم بيض وأَنصافهم سود؛ الأَدْرَعُ من الشاء الذي صدره أَسوَد
وسائره أَبيض. وفرس أَدْرَع: أَبيض الرأْس والعنق وسائره أَسود، وقيل
بعكس ذلك، والاسم من كل ذلك الدُّرْعة. والليالي الدُّرَعُ والدُّرْع:
الثالثة عشرة والرابعة عشرة والخامسة عشرة، وذلك لأَنّ بعضها أَسود وبعضها
أَبيض، وقيل: هي التي يطلع القمر فيها عند وجه الصبح وسائرها أَسود مظلم،
وقيل: هي ليلة ست عشرة وسبع عشرة وثماني عشرة، وذلك لسواد أَوائلها وبياض
سائرها، واحدتها دَرْعاء ودَرِعةٌ، على غير قياس، لأَن قياسه دُرْعٌ
بالتسكين لأَن واحدتها دَرْعاء، قال الأَصمعي: في ليالي الشهر بعد الليالي
البيض ثلاث دُرَعٌ مثل صُرَدٍ، وكذلك قال أَبو عبيد غير أَنه قال: القياس
دُرْعٌ جمع دَرْعاء. وروى المنذري عن أَبي الهيثم: ثلاث دُرَعٌ وثلاث
ظُلَمٌ، جمع دُرْعة وظُلْمة لا جمع دَرْعاء وظَلْماء؛ قال الأَزهري: هذا صحيح
وهو القياس. قال ابن بري: إِنما جمعت دَرْعاء على دُرَع إِتباعاً لظُلَم
في قولهم ثلاث ظُلَم وثلاث دُرَع، ولم نسمع أَن فَعْلاء جمعُه على فُعَل
إِلاَّ دَرْعاء. وقال أَبو عبيدة: الليالي الدُّرَع هي السود الصُّدورِ
البيضُ الأَعجازِ من آخر الشهر، والبيضُ الصدور السودُ الأَعجاز من
أَوَّل الشهر، فإِذا جاوَزَت النصف من الشهر فقد أَدْرَعَ، وإِدْراعه سواد
أَوّله؛ وكذلك غنم دُرْعٌ للبيض المآخِير السُّودِ المَقاديمِ، أَو السودِ
المآخيرِ البيضِ المَقاديمِ، والواحد من الغنم والليالي دَرْعاء، والذكر
أَدْرَعُ؛ قال أَبو عبيدة: ولغة أُخرى ليالٍ دُرَعٌ، بفتح الراء، الواحدة
دُرْعة. قال أَبو حاتم: ولم أَسمع ذلك من غير أَبي عبيدة. وليل أَدْرَع:
تَفَجَّر فيه الصبح فابْيَضَّ بعضُه.
ودُرِعَ الزَّرْعُ إِذا أُكل بعضُه. ونَبْت مُدَرَّع: أُكل بعضه
فابْيَضَّ موضعه من الشاة الدَّرْعاء. وقال بعض الأَعراب: عُشْبٌ دَرِعٌ وتَرِعٌ
وثَمِعٌ ودَمِظٌ ووَلِجٌ إِذا كان غَضّاً.
وأَدْرَع الماءُ ودُرِع: أُكل كل شيء قَرُب منه، والاسم الدُّرْعة.
وأَدْرَعَ القومُ إِدْراعاً، وهم في دُرْعة إِذا حَسَر كَلَؤُهم عن حَوْل
مِياهِهم ونحو ذلك. وأَدْرَعَ القومُ: دُرِعَ ماؤهم، وحكى ابن الأَعرابي:
ماء مُدْرِع، بالكسر، قال ابن سيده: ولا أَحقُّه، أُكل ما حَوْله من
المَرْعَى فتباعد قليلاً، وهو دون المُطْلِب، وكذلك روْضة مُدْرِعة أُكل ما
حولها، بالكسر؛ عنه أَيضاً. ويقال للهَجين: إِنه لَمُعَلْهَجٌ وإِنه
لأَدْرَعُ.
ويقال: دَرَع في عنُقه حَبْلاً ثم اخْتَنَق، وروي: ذَرَع بالذال،
وسنذكره في موضعه. أَبو زيد: دَرَّعْته تَدْريعاً إِذا جعلت عُنقه بين ذراعك
وعَضُدك وخنَقْته. وانْدَرأَ يَفْعل كذا وانْدَرَع أَي اندفع؛ وأَنشد:
وانْدَرَعَتْ كلَّ عَلاةٍ عَنْسِ،
تَدَرُّعَ الليلِ إِذا ما يُمْسِي
وادَّرَعَ فلان الليلَ إِذا دخل في ظُلْمته يَسْرِي، والأَصلُ فيه
تَدَرَّعَ كأَنه لبس ظلمة الليل فاستتر به. والانْدِراعُ والادِّراعُ:
التقدُّم في السير؛ قال:
أَمامَ الرَّكْبِ تَنْدَرِعُ انْدِراعا
وفي المثل انْدَرَعَ انْدِراعَ المُخَّة وانْقَصَفَ انْقِصافَ
البَرْوَقةِ.
وبنو الدَّرْعاء: حَيٌّ من عَدْوانَ. ورأَيت حاشية في بعض نسخ حواشي ابن
بري الموثوق بها ما صورته:الذي في النسخة الصحيحة من أَشعار الهذليين
الذُّرَعاء على وزن فُعَلاء، وكذلك حكاه ابن التولمية في المقصور والممدود،
بذال معجمة في أَوَّله، قال: وأَظن ابن سيده تبع في ذلك ابن دريد فإِنه
ذكره في الجمهرة فقال: وبنو الدَّرْعاء بطن من العرب، ذكره في درع ابن
عمرو، وهم حُلَفاء في بني سهم
(* كذا بياض بالأصل.) ... بن معاوية بن تميم
بن سعد بن هُذَيل. والأَدْرَِع: اسم رجل. ودِرْعةُ: اسم عنز؛ قال عُرْوةُ
بن الوَرْد:
أَلَمَّا أََغْزَرَتْ في العُسِّ بُزْلٌ،
ودِرْعةُ بِنْتُها، نَسيا فَعالي
عتم: عَتَم الرجلُ عن الشيء يَعْتِمُ وعَتَّم: كَفَّ عنه بعد المُضِيِّ
فيه؛ قال الأَزهري: وأَكثر ما يقال عَتَّم تَعْتِيماً، وقيل: عَتَّم
احْتَبَسَ عن فِعْل الشيء يريده. وعتَم عن الشيء يَعْتِمُ وأَعْتَم وعَتَّم:
أَبْطأَ، والاسم العَتَمُ: وعَتَم قِراهُ: أَخَّره. وقِرًى عاتِمٌ
ومُعَتِّمٌ: بطيءٌ
مُمْسٍ، وقد عَتَم قِرَاه. وأَعْتَمه صاحبُه وعَتَّمه أَي أَخَّره.
ويقال: فلانٌ عاتِمُ القِرَى؛ قال الشاعر:
فلما رأيْنا أَنه عاتِمُ القِرَى
بَخِيلٌ، ذَكَرْنا ليلةَ الهَضْمِ كَرْدَما
قال ابن بري: ويقال جاءنا ضَيْفٌ عاتِمٌ إذا جاء ذلك الوقتَ؛ قال
الراجز:يَبْني العُلى ويَبْتَني المَكارِما،
أَقْراهُ للضَّيْفِ يؤُوب عاتِمَا
وأَعْتَمْتَ حاجَتك أَي أَخَّرْتَها. وقد عَتَمَتْ حاجتُك، ولغةٌ أُخرى:
أَعْتَمَتْ حاجتُك أَي أَبْطأَتْ؛ وأنشد قوله:
مَعاتِيمُ القِرَى، سُرُفٌ إذا ما
أَجَنَّتْ طَخْيَةُ الليلِ البَهِيمِ
وقال الطِّرِمّاحُ يمدح رجلاً:
متى يَعِدْ يُنْجِزْ، ولا يَكْتَبِلْ
منه العَطايا طُولُ إعْتامِها
وأَنشد ثعلب لشاعر يهجو قوماً:
إذا غابَ عنْكُمْ أَسوَدُ العَينِ كُنْتُمُ
كِراماً، وأَنْتمْ، ما أَقامَ، أَلائِمُ
تحَدَّث رُكْبانُ الحَجِيجِ بلُؤْمِكمْ،
ويَقْرِي به الضَّيْفَ اللِّقاحُ العَواتِمُ
يقول: لا تكونون كراماً حتى يَغِيبَ عنكم هذا الجبلُ الذي يقال له
أَسْوَدُ العَينِ وهو لا يَغِيبُ أَبداً، وقوله: يقري به الضيفَ اللقاحُ
العواتم، معناه أَن أَهل البادية يتَشاغَلون بذكر لُؤْمِكُمْ عن حَلْبِ
لِقاحِهم حتى يُمْسُوا، فإذا طَرَقَهم الضيفُ صادفَ الأَلْبانَ بحالها لم
تُحْلَبْ فنال حاجَته، فكان لُؤمُكم قِرى الأَضيافِ. قال ابن الأَعرابي:
العُتُم يكون فَعالُهم مَدْحاً ويكون ذَمّاً جمعُ عاتِمٍ وعَتُومٍ، فإذا كان
مَدْحاً فهو الذي يَقْري ضِيفانَه الليلَ والنهارَ، وإذا كان ذَمّاً فهو
الذي لا يَحْلُب لبَنَ إبِله مُمْسِياً حتى ييْأَسَ من الضيف. وحكى ابن
بري؛ العَتَمةُ الإبْطاءُ أَيضاً؛ قال عمرو بن الإطْنابة:
وجِلاداً إنْ نَشِطْت لهُ
عاجِلاً ليسَتْ له عَتَمه
وحمَل عليه فما عَتَّمَ أَي ما نَكَلَ ولا أَبْطأَ. وضرَبَ فلانٌ فلاناً
فما عَتَّم ولا عَتَّبَ ولا كَذَّبَ أَي لم يَتَمَكَّثْ ولم يتَباطأْ في
ضرْبه إياه. وفي حديث عمر: نَهى عن الحَريرِ إلا هكذا وهكذا فما
عَتَّمْنا أَنه يَعْني الأعْلامَ أَي أَبْطأْنا عن معرفةِ ما عَنى وأَراد؛ قال
ابن بري: شاهدُه قولُ الشاعر:
فمَرَّ نَضِيُّ السَّهمِ تحتَ لَبانِه،
وجالَ على وَحْشِِيِّه لم يُعَتِّمِ
قال الجوهري: والعامَّةُ تقولُ ضرَبَهُ فما عَتَّبَ. وفي الحديث في صفة
نَخْلٍ: أَنَّ سَلْمانَ غرَس كذا وكذا وَدِيَّةً والنبيُّ، صلى الله عليه
وسلم، يُناوِلُه وهو يٍغْرِسُ فما عَتَّمَتْ منها وَدِيَّةٌ
أَي ما لَبِثَتْ أَن عَلِقَتْ. وعَتَمَتِ الإبلُ تَعْتِمُ وتَعْتُمُ
وأَعْتَمَتْ واسْتَعْتَمَتْ: حُلِبَتْ عِشاءً وهو من الإبْطاء
والتَّأَخُّرِ؛ قال أَبو محمد الحَذْلَمِيُّ:
فيها ضَوىً قد رُدَّ من إعْتامِها
والعَتَمَةُ: ثلثُ الليلِ الأولُ بعد غَيْبوبةِ الشَّفَقِ. أَعْتَم
الرجلُ: صار في ذلك الوقت. ويقال: أَعْتَمنا من العَتَمَةِ كما يقال
أَصْبَحْنا من الصُّبْحِ. وأَعْتَم القومُ وعَتَّمُوا تَعْتِيماً: ساروا في ذلك
الوقت، أَو أَوْرَدُوا أو أَصْدَروا، أَو عَمِلوا أَيَّ عَمَلٍ كان، وقيل:
العَتَمةُ وقتُ صلاةِ العشاء الأَخيرةِ، سميت بذلك لاسْتِعْتامِ
نَعَمِها، وقيل: لِتَأخُّر وقتِها. ابن الأَعرابي: عَتَم الليلُ وأَعْتَم إذا
مَرَّ قِطْعةٌ من الليل، وقال: إذا ذَهب النهارُ وجاء الليل فقد جَنَح
الليلُ. وفي الحديث: لا يَغْلِبَنَّكُم الأَعرابُ على اسْمِ صَلاتِكم
العشاءِ؛ فإن اسْمها في كتاب الله العِشاءُ، وإنما يُعْتَمُ بحِلابِ الإبل؛
قوله: إنما يُعْتَمُ بِحلابِ الإبل، معناه لا تُسَمُّوها صلاةَ العَتَمة فإن
الأَعرابَ الذين يَحْلُبُونَ إبلَهم إذا أَعْتَموا أَي دخلوا في وقت
العَتَمة سَمَّوْها صلاةَ العَتَمة، وسَمَّاها اللهُ عز وجل في كتابه صلاةَ
العشاء، فسَمُّوها كما سَمَّاها اللهُ لا كما سماها الأَعرابُ، فنهاهم عن
الاقتداء بهم، ويُستحَبُّ لهم التَّمَسُّكُ بالاسم الناطق به لسانُ
الشريعةِ، وقيل: أراد لا يَغُرَّنَّكُمْ فعْلُهم هذا فَتُؤَخِّروا صلاتكم ولكن
صَلُّوها إذا حانَ وقْتُها. وعَتَمةُ الليلِ: ظلامُ أَوَّلهِ عند سقوطِ
نور الشفقِ. يقال: عَتَم الليلُ يَعْتِمُ. وقد أَعْتَم الناسُ إذا
دَخَلوا في وقت العَتَمة، وأَهلُ البادِية يُرِيحون نَعَمَهم بُعَيْدَ
المَغْرِب ويُنِيخُونَها في مُراحِها ساعةً يَسْتَفِيقونها، فإذا أَفاقَت وذلك
بعد مَرِّ قطعة من الليلِ أَثارُوها وحَلَبوها، وتلك الساعةُ تُسَمَّى
عَتَمةً، وسمعتهم يقولون: اسْتَعْتِمُوا نَعَمَكم حتى تُفِيقَ ثم
احْتَلِبوها. وفي حديث أَبي ذَرٍّ: واللِّقاحُ قد رُوِّحَتْ وحُلِبتْ عَتَمتُها أَي
حُلِبَتْ ما كانت تُحْلَبُ وقتَ العَتَمةِ، وهم يُسَمُّون الحِلاب
عَتَمةً باسم الوقت. ويقال: قَعَدَ فلان عندنا قَدْرَ عَتَمة الحَلائبِ أَي
احْتَبَس قدر احْتِباسها للإفاقَةِ. وأَصلُ العَتْمِ في كلام العرب المُكْثُ
والاحْتِباسُ. قال ابن سيده: والعَتَمةُ بقِيَّةُ اللبنِ تُفيقُ بها
النَّعَمُ في تلك الساعةِ. يقال: حَلَبْنا عَتَمةً. وعَتَمةُ
الليلُ: ظَلامُه. وقوله: طَيْفٌ أَلَمّْ بذِي سَلَمْ، يَسْرِي عَتَمْ
بينَ الخِيَمْ، يجوز أَن يكون على حذف الهاء كقولهم هو أَبو عُذْرِها؛
وقوله:
أَلا ليتَ شِعْرِي هل تَنَظَّرَ خالِدٌ
عِيادِي على الهِجْرانِ أَم هو يائِسُ؟
قد يكون من البُطْءِ أَي يَسْري بطِيئاً، وقد عَتَم الليلُ يَعْتِمُ.
وعَتَمَةُ الإبلِ: رُجوعُها من المَرْعى بعدما تُمْسي. وناقةٌ
عَتُومٌ: وهي التي لا تَزالُ تَعَشَّى حتى تَذْهَبَ ساعةٌ
من الليل ولا تُحْلَبُ إلا بعد ذلك الوقت؛ قال الراعي:
أُدِرُّ النَّسا كيْلا تَدِرَّ عَتُومُها
والعَتُومُ: الناقةُ التي لا تَدِرُّ إلا عَتَمَةً. قال ابن بري: قال
ثعلب العَتُومة الناقةُ الغزيرةُ الدَّرّ؛ وأَنشد لعامر بن الطُّفَيْلِ:
سُودٌ صَناعِيَةٌ، إذا ما أَوْرَدُوا
صَدَرَتْ عَتُومَتُهمْ، ولَمَّا تُحْلَبِ
صُلْعٌ صَلامعةٌ، كأَنَّ أُنُوفَهُمْ
بَعَرٌ يُنَظِّمهُ الوَلِيدُ بِمَلْعَب
لا يََخْطُبونَ إلى الكرامِ بنَاتِهمْ،
وتَشِيبُ أَيِّمُهُمْ ولما تُخْطَبِ
ويروى:
يُنَظّمُه وَليدٌ يَلْعَبُ
سُودٌ صَناعِيَةٌ: يَصْنعونَ المالَ ويُسَمّنُونَه، والصَّلامِعَةُ:
الدِّقاقُ الرُّؤُوس. قال الأزهري: العَتُوم ناقةٌ غَزِيرَةٌ
يُؤخَّرُ حِلابُها إلى آخر الليل. وقيل: ما قَمْراءُ أَرْبَع
(* قوله
«ما قمراء أربع» كذا في الصحاح والقاموس، والذي في المحكم: ما قمر أربع،
بغير مد)؟ فقيل: عَتَمةُ رُبَع أَي قَدْر ما يَحْتَبِسُ في عشَائه؛ قال
أَبو زيد الأَنصاري: العرب تَقول للقَمَرِ إذاكان ابن لَيْلَةٍ: عَتَمَةُ
سُخَيْلة حَلَّ أَهلُها برُمَيْلة أَي قَدْرُ احْتِباسِ القَمَرِ إذا كان
ابن ليلة، ثم غُروبِه قدْر عَتَمةِ سَخْلَةٍ يَرْضَعُ أُمَّه، ثم
يَحْتَبِسُ قليلاً، ثم يعودُ لرَضاعِ أُمِّه، وذلك أَن يُفَوِّقَ السِّخْلُ أمَّه
فُواقاً بعدَ فُواقٍ يَقْرُبُ ولا يَطولُ، وإذا كان القمرُ ابنَ
لَيْلَتَيْن قيل له: حديثُ أَمَتَيْن بكَذِبٍ ومَيْنٍ، وذلك أَن حَدِيثَهما لا
يَطولُ لشُغْلِهما بمَهْنَةِ أَهْلِهما، وإذا كان ابنَ ثلاث قيل: حدِيثُ
فَتَياتٍ غيرِ مُؤْتَلفاتٍ، وإذا كان ابنَ أَرْبَع قيل: عَتَمةُ رُبَع غير
جائع ولا مُرْضَع؛ أَرادوا أَن قدرَ احتباسِ القَمَرِ طالعاً ثم غُروبه
قدرُ فُواقِ هذا الرُّبَعِ أَو فُواق أُمِّه. وقال ابن الأَعرابي:
عَتَمَةُ
أُمِّ الرُّبَع، وإذا كان ابنَ خَمْسٍ قيل: حديثٌ وأُنْس، ويقال: عَشاءُ
خَلفاتٍ قُعْسٍ، وإذا كان ابنَ سِت قيل: سِرْ وبِتْ، وإذا كان ابنَ
سَبْع قيل: دُلْجَةُ الضَّبُعُ، وإذا كان ابنَ ثَمان قيل: قَمَرٌ إضْحِيان،
وإذا كان ابنَ تِسْع قيل: يُلْقَطُ فيه الجِزْعُ، وإذا كان ابنَ عَشْر قيل
له: مُخَنِّقُ الفَجْر؛ وقول الأَعشى:
نُجُومَ الشِّتاء العَاتماتِ الغَوامِضا
يعني بالعاتماتِ التي تُظْلِمُ من الغَبَرة التي في السماء، وذلك في
الجَدْب لأن نجومَ الشِّتاء أَشدُّ إضاءةً لنَقاء السماء. وضَيْفٌ عاتِمٌ:
مُقِيمٌ. وعَتَّمَ الطائرُ إذا رَفْرَفَ على رَأْسِكَ ولم يَبْعُدْ، وهي
بالغين والياء أَعلى. وعَتَم عَتْماً: نَتَفَ؛ عن كراع.
والعُتْم والعُتُم: شجر الزيتون البَرِّي الذي لا يَحْمِلُ شيئاً، وقيل:
هو ما يَنْبتُ منه بالجبال. وفي حديث أَبي زَيْدٍ الغَافِقيِّ:
الأَسْوِكَةُ ثلاثةٌ أَراكٌ فإن لم يكنْ فَعَتَمٌ
أَو بُطْمٌ؛ العَتَمُ، بالتحريك: الزَّيْتونُ، وقيل: شيء يُشْبِههُ
يَنْبُت بالسَّراة؛ وقال ساعدةُ بن جُؤَيَّة الهُذَليُّ:
من فَوْقِه شُعَبٌ قُرٌّ، وأَسْفَلُه
جَيءٌ تَنَطَّقَ بالظَّيَّانِ والعَتَم
وثَمَرُه الزَّغْبَجُ، والجَيْءُ: الماءُ الذي يَخْرُجُ من الدُّور
فيجتمع في موضع واحد، ومنه أُخِذَ هذه الْجَيْئَةُ المعروفة؛ وقال أمية:
تِلْكُمْ طَرُوقَتُه، واللهُ يَرْفَعها،
فيها العَذاةُ، وفيها يَنْبُتُ العَتَمُ
وقال الجَعْدِيّ:
تَسْتَنُّ بالضِّرْوِ من بَراقِشَ أَوْ
هَيْلانَ، أو ناضِرٍ منَ العُتُم
وقوله:
ارْمِ على قَوْسِكَ ما لم تَنْهَزِمُ،
رَمْيَ المَضَاءِ وجَوادِ بنِ عُتُمْ
يجوز في عُتُمٍ أَن يكون اسم رجل وأَن يكون اسم فرسٍ.
ر: الراء من الحروف المجهورة، وهي من الحروف الذُّلْق، وسميت ذُلْقاً لأَن الذّلاقَة في المنطق إِنما هي بطَرَف أَسَلَةِ اللسان، والحروف الذلق ثلاثة: الراء واللام والنون، وهن في حيز واحد، وقد ذكرنا في أَوّل حرف الباء دخولَ الحروف الستة الذُّلقِ والشفويةِ كَثرةَ دخولها في أَبنية الكلام.
ر: تَقْ، وللمرأَة: تَقي؛ قال عبد الله ابن هَمَّام السَّلُولي:
زِيادَتَنا نَعْمانُ لا تَنْسَيَنَّها،
تَقِ اللهَ فِينا والكتابَ الذي تَتْلُو
بنى الأَمر على المخفف، فاستغنى عن الأَلف فيه بحركة الحرف الثاني في
المستقبل، وأَصل يَتَقي يَتَّقِي، فحذفت التاء الأُولى، وعليه ما أُنشده
الأَصمعي، قال: أَنشدني عيسى بن عُمر لخُفاف بن نُدْبة:
جَلاها الصَّيْقَلُونَ فأَخْلَصُوها
خِفافاً، كلُّها يَتَقي بأَثر
أَي كلها يستقبلك بفِرِنْدِه؛ رأَيت هنا حاشية بخط الشيخ رضيِّ الدين
الشاطِبي، رحمه الله، قال: قال أبو عمرو وزعم سيبويه أَنهم يقولون تَقَى
اللهَ رجل فعَل خَيْراً؛ يريدون اتَّقى اللهَ رجل، فيحذفون ويخفقون، قال:
وتقول أَنت تَتْقي اللهَ وتِتْقي اللهَ، على لغة من قال تَعْلَمُ
وتِعْلَمُ، وتِعْلَمُ، بالكسر: لغة قيْس وتَمِيم وأَسَد ورَبيعةَ وعامَّةِ العرب،
وأَما أَهل الحجاز وقومٌ من أَعجاز هَوازِنَ وأَزْدِ السَّراة وبعضِ
هُذيل فيقولون تَعْلَم، والقرآن عليها، قال: وزعم الأَخفش أَن كل مَن ورد
علينا من الأَعراب لم يقل إِلا تِعْلَم، بالكسر، قال: نقلته من نوادر أَبي
زيد. قال أَبو بكر: رجل تَقِيٌّ، ويُجمع أَتْقِياء، معناه أَنه مُوَقٍّ
نَفْسَه من العذاب والمعاصي بالعمل الصالح، وأَصله من وَقَيْتُ نَفْسي
أَقيها؛ قال النحويون: الأَصل وَقُويٌ، فأَبدلوا من الواو الأُولى تاء كما
قالوا مُتَّزِر، والأَصل مُوتَزِر، وأَبدلوا من الواو الثانية ياء
وأَدغموها في الياء التي بعدها، وكسروا القاف لتصبح الياء؛ قال أَبو بكر:
والاختيار عندي في تَقِيّ أَنه من الفعل فَعِيل، فأَدغموا الياء الأُولى في
الثانية، الدليل على هذا جمعهم إِياه أَتقياء كما قالوا وَليٌّ وأَوْلِياء،
ومن قال هو فَعُول قال: لمَّا أَشبه فعيلاً جُمع كجمعه، قال أَبو منصور:
اتَّقى يَتَّقي كان في الأَصل اوْتَقى، على افتعل، فقلبت الواو ياء
لانكسار ما قبلها، وأُبدلت منها التاء وأُدغمت، فلما كثر استعماله على لفظ
الافتعال توهموا أَن التاءَ من نفس الحرف فجعلوه إِتَقى يَتَقي، بفتح التاء
فيهما مخففة، ثم لم يجدوا له مثالاً في كلامهم يُلحقونه به فقالوا تَقى
يَتَّقي مثل قَضى يَقْضِي؛ قال ابن بري: أَدخل همزة الوصل على تَقى،
والتاء محركة، لأَنَّ أَصلها السكون، والمشهور تَقى يَتَّقي من غير همز وصل
لتحرك التاء؛ قال أَبو أَوس:
تَقاكَ بكَعْبٍ واحِدٍ وتَلَذُّه
يَداكَ، إِذا هُزَّ بالكَفِّ يَعْسِلُ
أَي تَلَقَّاكَ برمح كأَنه كعب واحد، يريد اتَّقاك بكَعْب وهو يصف
رُمْحاً؛ وقال الأَسدي:
ولا أَتْقي الغَيُورَ إِذا رَآني،
ومِثْلي لُزَّ بالحَمِسِ الرَّبِيسِ
الرَّبيسُ: الدَّاهي المُنْكَر، يقال: داهِيةٌ رَبْساء، ومن رواها
بتحريك التاء فإِنما هو على ما ذكر من التخفيف؛ قال ابن بري: والصحيح في هذا
البيت وفي بيت خُفاف بن نَدبة يَتَقي وأَتَقي، بفتح التاء لا غير، قال:
وقد أَنكر أَبو سعيد تَقَى يَتْقي تَقْياً، وقال: يلزم أَن يقال في الأَمر
اتْقِ، ولا يقال ذلك، قال: وهذا هو الصحيح. التهذيب. اتَّقى كان في
الأَصل اوْتَقى، والتاء فيها تاء الافتعال فأُدغمت الواو في التاء وشددت فقيل
اتَّقى، ثم حذفوا أَلف الوصل والواو التي انقلبت تاء فقيل تَقى يَتْقي
بمعنى استقبل الشيء وتَوَقَّاه، وإِذا قالوا اتَّقى يَتَّقي فالمعنى أَنه
صار تَقِيّاً، ويقال في الأَول تَقى يَتْقي ويَتْقي. ورجل وَقِيٌّ تَقِيٌّ
بمعنى واحد. وروي عن أَبي العباس أَنه سمع ابن الأَعرابي يقول: واحدة
التُّقى تُقاة مثل طُلاة وطُلًى، وهذان الحرفان نادران؛ قال الأَزهري:
وأَصل الحرف وَقى يَقي، ولكن التاءَ صارت لازمة لهذه الحروف فصارت كالأَصلية،
قال: ولذلك كتبتها في باب التاء. وفي الحديث: إِنما الإِمام جُنَّة
يُتَّقى به ويُقاتَل من ورائه أَي أَنه يُدْفَعُ به العَدُوُّ ويُتَّقى
بقُوّته، والتاءُ فيها مبدلة من الواو لأن أَصلها من الوِقاية، وتقديرها
اوْتَقى، فقلبت وأُدغمت، فلما كثر استعمالُها توهموا أَن التاءَ من نفس الحرف
فقالوا اتَّقى يَتَّقي، بفتح التاء فيهما.
(* قوله«فقالوا اتقي يتقي بفتح
التاء فيهما» كذا في الأصل وبعض نسخ النهاية بألفين قبل تاء اتقى. ولعله
فقالوا: تقى يتقي، بألف واحدة، فتكون التاء مخففة مفتوحة فيهما. ويؤيده
ما في نسخ النهاية عقبه: وربما قالوا تقى يتقي كرمى يرمي.) وفي الحديث:
كنا إِذا احْمَرَّ البَأْسُ اتَّقَينا برسولِ الله،صلى الله عليه وسلم،
أَي جعلناه وِقاية لنا من العَدُوّ قُدَّامَنا واسْتَقْبَلْنا العدوَّ به
وقُمْنا خَلْفَه وِقاية. وفي الحديث: قلتُ وهل للسَّيفِ من تَقِيَّةٍ؟
قال: نَعَمْ، تَقِيَّة على أَقذاء وهُدْنةٌ على دَخَنٍ؛ التَّقِيَّةُ
والتُّقاةُ بمعنى، يريد أَنهم يَتَّقُون بعضُهم بعضاً ويُظهرون الصُّلْحَ
والاتِّفاق وباطنهم بخلاف ذلك. قال: والتَّقْوى اسم، وموضع التاء واو وأَصلها
وَقْوَى، وهي فَعْلى من وَقَيْتُ، وقال في موضع آخر: التَّقوى أَصلها
وَقْوَى من وَقَيْتُ، فلما فُتِحت قُلِبت الواو تاء، ثم تركت التاءُ في
تصريف الفعل على حالها في التُّقى والتَّقوى والتَّقِيَّةِ والتَّقِيِّ
والاتِّقاءِ، قال: والتُّفاةُ جمع، ويجمع تُقِيّاً، كالأُباةِ وتُجْمع
أُبِيّاً، وتَقِيٌّ كان في الأَصل وَقُويٌ، على فَعُولٍ، فقلبت الواو الأُولى
تاء كما قالوا تَوْلج وأَصله وَوْلَج، قالوا: والثانية قلبت ياء للياءِ
الأَخيرة، ثم أُدغمت في الثانية فقيل تَقِيٌّ، وقيل: تَقيٌّ كان في الأَصل
وَقِيّاً، كأَنه فَعِيل، ولذلك جمع على أَتْقِياء. الجوهري: التَّقْوى
والتُّقى واحد، والواو مبدلة من الياءِ على ما ذكر في رَيّا. وحكى ابن بري
عن القزاز: أَن تُقًى جمع تُقاة مثل طُلاةٍ وطُلًى. والتُّقاةُ:
التَّقِيَّةُ، يقال: اتَّقى تَقِيَّةً وتُقاةً مثل اتَّخَمَ تُخَمةً؛ قال ابن بري:
جعلهم هذه المصادر لاتَّقى دون تَقى يشهد لصحة قول أَبي سعيد المتقدّم
إنه لم يسمع تَقى يَتْقي وإِنما سمع تَقى يَتَقي محذوفاً من اتَّقى.
والوِقايةُ التي للنساءِ، والوَقايةُ، بالفتح لغة، والوِقاءُ والوَقاءُ: ما
وَقَيْتَ به شيئاً.
والأُوقِيَّةُ: زِنةُ سَبعــة مَثاقِيلَ وزنة أَربعين درهماً، وإن جعلتها
فُعْلِيَّة فهي من غير هذا الباب؛ وقال اللحياني: هي الأُوقِيَّةُ وجمعها
أَواقِيُّ، والوَقِيّةُ، وهي قليلة، وجمعها وَقايا. وفي حديث النبي، صلى
الله عليه وسلم: أَنه لم يُصْدِق امْرأَةً من نِسائه أَكثر من اثنتي
عشرة أُوقِيَّةً ونَشٍّ؛ فسرها مجاهد فقال: الأُوقِيَّة أَربعون درهماً،
والنَّشُّ عشرون. غيره: الوَقيَّة وزن من أَوزان الدُّهْنِ، قال الأَزهري:
واللغة أُوقِيَّةٌ، وجمعها أَواقيُّ وأَواقٍ. وفي حديث آخر مرفوع: ليس
فيما دون خمس أَواقٍ من الوَرِق صَدَقَةٌ؛ قال أَبو منصور: خمسُ أَواقٍ
مائتا دِرْهم، وهذا يحقق ما قال مجاهد، وقد ورد بغير هذه الرواية: لا صَدَقة
في أَقَلَّ مِن خمسِ أَواقِي، والجمع يشدَّد ويخفف مثل أُثْفِيَّةٍ
وأَثافِيَّ وأثافٍ، قال: وربما يجيء في الحديث وُقِيّة وليست بالعالية وهمزتها
زائدة، قال: وكانت الأُوقِيَّة قديماً عبارة عن أَربعين درهماً، وهي في
غير الحديث نصف سدس الرِّطْلِ، وهو جزء من اثني عشر جزءاً، وتختلف
باختلاف اصطلاح البلاد. قال الجوهري: الأُوقيَّة في الحديث، بضم الهمزة وتشديد
الياء، اسم لأَربعين درهماً، ووزنه أُفْعولةٌ، والأَلف زائدة، وفي بعض
الروايات وُقِية، بغير أَلف، وهي لغة عامية، وكذلك كان فيما مضى، وأَما
اليوم فيما يَتعارَفُها الناس ويُقَدِّر عليه الأَطباء فالأُوقية عندهم عشرة
دراهم وخمسة أَسباع درهم، وهو إِسْتار وثلثا إِسْتار، والجمع الأَواقي،
مشدداً، وإِن شئت خففت الياء في الجمع. والأَواقِي أَيضاً: جمع واقِيةٍ؛
وأَنشد بيت مهَلْهِلٍ: لقدْ وَقَتْكَ الأَواقِي، وقد تقدّم في صدر هذه
الترجمة، قال: وأَصله ووَاقِي لأَنه فَواعِل، إِلا أَنهم كرهوا اجتماع
الواوين فقلبوا الأُولى أَلفاً.
وسَرْجٌ واقٍ: غير مِعْقَر، وفي التهذيب: لم يكن مِعْقَراً، وما
أَوْقاه، وكذلك الرَّحْل، وقال اللحياني: سَرْجٌ واقٍ بَيّن الوِقاء، مدود،
وسَرجٌ وَقِيٌّ بيِّن الوُقِيِّ. ووَقَى من الحَفَى وَقْياً: كوَجَى؛ قال
امرؤ القيس:
وصُمٍّ صِلابٍ ما يَقِينَ مِنَ الوَجَى،
كأَنَّ مَكانَ الرِّدْفِ منْه علَى رالِ
ويقال: فرس واقٍ إِذا كان يَهابُ المشيَ من وَجَع يَجِده في حافِره، وقد
وَقَى يَقِي؛ عن الأَصمعي، وقيل: فرس واقٍ إِذا حَفِيَ من غِلَظِ
الأَرضِ ورِقَّةِ الحافِر فَوَقَى حافِرُه الموضع الغليظ؛ قال ابن
أَحمر:تَمْشِي بأَوْظِفةٍ شِدادٍ أَسْرُها،
شُمِّ السّنابِك لا تَقِي بالجُدْجُدِ
أَي لا تشتكي حُزونةَ الأَرض لصَلابة حَوافِرها. وفرس واقِيةٌ: للتي بها
ظَلْعٌ، والجمع الأَواقِي. وسرجٌ واقٍ إِذا لم يكن مِعْقَراً. قال ابن
بري: والواقِيةُ والواقِي بمعنى المصدر؛ قال أَفيون التغْلبي:
لَعَمْرُك ما يَدْرِي الفَتَى كيْفَ يتَّقِي،
إِذا هُو لم يَجْعَلْ له اللهُ واقِيا
ويقال للشجاع: مُوَقًّى أَي مَوْقِيٌّ جِدًّا. وَقِ على ظَلْعِك أَي
الزَمْه وارْبَعْ عليه، مثل ارْقَ على ظَلْعِك، وقد يقال: قِ على ظَلْعِك
أَي أَصْلِحْ أَوَّلاً أَمْرَك، فتقول: قد وَقَيْتُ وَقْياً ووُقِيّاً.
التهذيب: أَبو عبيدة في باب الطِّيرَةِ والفَأْلِ: الواقِي الصُّرَدُ مثل
القاضِي؛ قال مُرَقِّش:
ولَقَدْ غَدَوْتُ، وكنتُ لا
أَغْدُو، على واقٍ وحاتِمْ
فَإِذا الأَشائِمُ كالأَيا
مِنِ، والأَيامِنُ كالأَشائِمْ
قال أَبو الهيثم: قيل للصُّرَد واقٍ لأَنه لا يَنبَسِط في مشيه، فشُبّه
بالواقِي من الدَّوابِّ إِذا حَفِيَ. والواقِي: الصُّرَدُ؛ قال خُثَيْمُ
بن عَدِيّ، وقيل: هو للرَّقَّاص
(* قوله« للرقاص إلخ» في التكملة: هو لقب
خثيم بن عدي، وهو صريح كلام رضي الدين بعد) الكلبي يمدح مسعود بن بَجْر،
قال ابن بري: وهو الصحيح:
وجَدْتُ أَباكَ الخَيْرَ بَجْراً بِنَجْوةٍ
بنَاها له مَجْدٌ أَشَمٌّ قُماقِمُ
وليس بِهَيَّابٍ، إِذا شَدَّ رَحْلَه،
يقول: عَدانِي اليَوْمَ واقٍ وحاتِمُ،
ولكنه يَمْضِي على ذاكَ مُقْدِماً،
إِذا صَدَّ عن تلكَ الهَناتِ الخُثارِمُ
ورأَيت بخط الشيخ رَضِيِّ الدين الشاطبي، رحمه الله، قال: وفي جمهرة
النسب لابن الكلبي وعديّ بن غُطَيْفِ بن نُوَيْلٍ الشاعر وابنه خُثَيْمٌ،
قال: وهو الرَّقَّاص الشاعر القائل لمسعود بن بحر الزُّهريّ:
وجدتُ أَباك الخير بحراً بنجوة
بناها له مجدٌ أَشم قُماقمُ
قال ابن سيده: وعندي أَنَّ واقٍ حكاية صوته، فإِن كان ذلك فاشتقاقه غير
معروف. قال الجوهريّ: ويقال هو الواقِ، بكسر القاف بلا ياء، لأَنه سمي
بذلك لحكاية صوته.
وابن وَقاء أَو وِقاء: رجل من العرب، والله أَعلم.
عترس: العَتْرَسَةُ: الغَصْب والغَلَبَة والأَخذ بشدِّة وعُنْفٍ وجَفاء
وغِلْظَةٍ، وقيل: الغَلَبَةُ والأَخْذُ غَصْباً. يقال: أَخَذَ مالَه
عَتْرَسَةً. وعَتْرَسَه مالَه، متعدّ إِلى مفعولين: غَصَبَهُ إِياه وقهره.
وعَتْرَسَهُ: أَلزقه بالأَرض، وقيل: جذبه إِليها وضَغَطَهُ ضَغْطاً شديداً.
وفي حديث ابن عمر قال: سُرِقَتْ عَيْبَةٌ لي ومعنا رجل يُتَّهَمُ
فاسْتَعْدَيْتُ عليه عُمَرَ وقلت: لقد أَردتُ أَن آتي به مَصْفُوداً، فقال:
تأْتيني به مصفوداً تُعَتْرِسُه؟ أَي تَقْهَرُه من غير حُكْمٍ أَوجب ذلك؛
وقال الأَزهري في الحديث: إِن رجلاً جاء ْإلى عمر برجل قد كَتَفَهُ فقال:
أَتُعَتْرِسُه؟ يعني أَتَقْهَرُه وتظلمه دون حُكْمِ حاكمٍ؛ قال شمر: وقد
روي هذا الحرف مصحَّفاً عن عمر، فقال: قال عمر بغير بينة، وهي تصحيف
تُعَتْرِسُه؛ قال: وهذا محال لأَنه لو أَقام عليه البينة لم يكن له في الحكم
أَن يكتفه. وفي حديث عبد اللَّه: إِذا كان الإِمامُ تَخاف عَتْرَسَتَه
فقل: اللهم رَبَّ السموات الــسبع ورَبَّ العرش العظيم كُنْ لي جاراً من
فلان.والعَتْرَسُ والعَتَرَّسُ والعِتْريسُ، كله: الضابط الشديد، وقيل: هو
الجَبَّار الغَضْبان.
والعِتْريسُ والعَنْتَريسُ: الداهية. والعِتْريسُ: الذَّكَرُ من
الغِيلانِ، وقيل: هو اسم للشيطان. والعَنْتَريسُ: الناقة الصُّلْبَةُ الوثيقةُ
الشديدة الكثيرةُ اللحم الجواد الجريئة، وقد يوصف به الفرس؛ قال سيبويه:
هو من العَتْرَسَةِ التي هي الشدة، لم يَحْكِ ذلك غَيْرهُ؛ قال الجوهري:
النون زائدة لأَنه مشتق من العترسة.
أَبو عمرو: يقال للديك العُتْرُسانُ والعِتْرِسُ، وقيل: العِتْرِسُ
الرجل الحادِرٌ الخَلْقِ العظيمُ الجِْسمِ العَبْلُ المفاصلِ، ومثله العردس؛
قال العجاج:
ضَخْم الخُباساتِ إِذا تَخَبَّسا
عَصْباً، وإِن لاقى الصِّعابَ عَتْرَسا
يقال: عَتْرَسَ أَخذ بجفاء وخُرْقٍ. والعَنْتَريسُ: الشجاع؛ وأَنشد قول
أَبي دُواد يصف فرساً:
كلُّ طِرْفٍ مُوَثَّقٍ عَنْتَريسٍ،
مُسْتَطِيلِ الأَقْرابِ والبُلْعُومِ
وعنى بالبلعوم جَحْفَلَتَه، أَراد بياضاً سائلاً على جَحْفَلَتِه.