أرجوزة.
في: سبعة وعشرين بيتا.
لجلال الدين: عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي.
المتوفى: سنة 911، إحدى عشرة وتسعمائة.
عضب: العَضْبُ: القطع. عَضَبَه يَعْضِـبُه عَضْباً. قَطَعه. وتدعو العربُ على الرجل فتقول: ما له عَضَبَه اللّهُ؟ يَدْعونَ عليه بقَطْعِ يده ورجله. والعَضْبُ: السيفُ القاطع. وسَيْفٌ عَضْبٌ: قاطع؛ وُصِف بالمصدر.
ولسانٌ عَضْبٌ: ذَلِـيقٌ، مَثَلٌ بذلك.
وعَضَبَه بلسانه: تَناوَلَه وشَتمه. ورجل عَضَّابٌ: شَتَّام. وعَضُبَ
لسانُه، بالضم، عُضُوبة: صار عَضْباً أَي حَديداً في الكلام. ويُقال: إِنه لَـمَعْضُوب اللسانِ إِذا كان مَقْطُوعاً، عَيِـيِّاً، فَدْماً.
وفي مَثَل: إِنَّ الحاجةَ ليَعْضِـبُها طَلَبُها قَبْلَ وقْتِها؛ يقول: يَقْطَعُها ويُفْسدها. ويقال: إِنك لتَعْضِـبُني عن حاجتي أَي تَقْطَعُني عنها.
والعَضَبُ في الرُّمْحِ: الكسرُ. ويُقال: عَضَبْتُه بالرُّمْحِ أَيضاً:
وهو أَن تَشْغَلَه عنه. وقال غيره: عَضَبَ عليه أَي رجع عليه؛ وفلان يُعاضِبُ فلاناً أَي يُرادُّه؛ وناقة عَضْباءُ: مَشْقُوقة الأُذُن، وكذلك الشاة؛ وجَملٌ أَعْضَبُ: كذلك.
والعَضْباءُ من آذانِ الخَيْل: التي يُجاوز القَطْعُ رُبْعَها. وشاة
عَضْباءُ: مكسورة القَرْن، والذَّكر أَعْضَبُ. وفي الصحاح: العَضْباءُ الشاةُ المكسورةُ القَرْنِ الداخلِ، وهو الـمُشاشُ؛ ويقال: هي التي انكسر أَحدُ قَرْنيها، وقد عَضِـبَتْ، بالكسر، عَضَباً وأَعْضَبَها هو. وعَضَبَ القَرْنَ فانْعَضَبَ: قَطَعه فانْقَطَعَ؛ وقيل: العَضَبُ يكون في أَحد القَرْنَينِ. وكَبْشٌ أَعْضَبُ: بَيِّنُ العَضَبِ؛ قال الأَخطل:
إِنَّ السُّيُوفَ، غُدُوَّها ورَوَاحَها، * تَرَكَتْ هَوَازنَ مثلَ قَرْنِ الأَعْضَبِ
ويُقال: عَضِبَ قَرْنُه عَضَباً. وفي الحديث عن النبـي، صلّى اللّه عليه وسلم: أَنه نَهَى أَن يُضَحَّى بالأَعْضَبِ القَرْنِ والأُذُنِ. قال أَبو عبيد: الأَعْضَبُ المكسورُ القَرْنِ الداخلِ؛ قال: وقد يكون العَضَبُ في الأُذن أَيضاً، فأَما المعروف، ففي القَرْن، وهو فيه أَكثر.
والأَعْضَبُ من الرجال: الذي ليس له أَخٌ، ولا أَحَدٌ؛ وقيل: الأَعْضَبُ الذي مات أَخوه؛ وقيل: الأَعْضَبُ من الرجال: الذي لا ناصِرَ له.
والـمَعضوبُ: الضعِـيفُ؛ تقول منه: عَضَبَه؛ وقال الشافعي في المناسك: وإِذا كان الرجل مَعْضُوباً، لا يَسْتَمْسِكُ على الراحلة، فَحَجَّ عنه رجلٌ في تلك الحالة، فإِنه يُجْزِئه. قال الأَزهري: والـمَعْضُوب في كلام العرب: الـمَخْبُولُ الزَّمِنُ الذي لا حَرَاكَ به؛ يقال: عَضَبَتْهُ الزَّمانةُ تَعْضِـبُه عَضْباً إِذا أَقْعَدَتْه عن الـحَرَكة
وأَزمَنَتْه.وقال أَبو الهيثم: العَضَبُ الشَّللُ والعَرَجُ والخَبَلُ. ويقال: لا يَعْضِبُكَ اللّهُ، ولا يَعْضِبُ اللّهُ فلاناً أَي لا يَخْبِلُه اللّه.
والعَضْبُ: أَن يكون البيتُ، من الوافر، أَخْرَمَ. والأَعْضَب: الجُزءُ الذي لَـحِقَه العَضَبُ، فينقل مفاعلتن إِلى مفتعلن؛ ومنه قولُ الـحُطَيْئَة:
إِن نَزَلَ الشتاءُ بدار قَومٍ، * تَجَنَّبَ جارَ بَيْتِهِمُ الشتاءُ
والعَضْباءُ: اسم ناقة النبي، صلى اللّه عليه وسلم، اسم، لها، عَلَمٌ، وليس من العَضَب الذي هو الشَّقُّ في الأُذُن. إِنما هو اسم لها سميت به، وقال الجوهري: هو لقبها؛ قال ابن الأَثير: لم تكن مَشْقُوقَة الأُذُن، قال: وقال بعضهم إِنها كانت مشقوقةَ الأُذُن، والأَولُ أَكثر؛ وقال الزمخشري: هو منقول من قولهم: ناقة عَضْباءُ، وهي القصيرةُ اليَد.
ابن الأَعرابي: يقال للغلام الحادِّ الرأْس الخَفيفِ
الجسم عَضْبٌ ونَدْبٌ وشَطْبٌ وشَهْبٌ وعَصْبٌ وعَكْبٌ وسَكْبٌ.
الأَصمعي: يقال لولد البقرة إِذا طَلَعَ قَرنُه، وذلك بعدما يأْتي عليه
حَولٌ: عَضْبٌ، وذلك قَبْلَ إِجْذاعِه؛ وقال الطائفيُّ: إِذا قُبِضَ على
قَرنه، فهو عَضْبٌ، والأُنثى عَضْبةٌ، ثم جَذَعٌ، ثم ثَنيٌّ، ثم رَباعٌ،
ثم سَدَسٌ، ثم التَّمَمُ والتَّمَمَةُ، فإِذا اسْتَجْمَعَتْ أَسنانُه فهو عَمَمٌ.
حسن: الحُسْنُ: ضدُّ القُبْح ونقيضه. الأَزهري: الحُسْن نَعْت لما
حَسُن؛ حَسُنَ وحَسَن يَحْسُن حُسْناً فيهما، فهو حاسِنٌ
وحَسَن؛ قال الجوهري: والجمع مَحاسِن، على غير قياس، كأَنه جمع مَحْسَن.
وحكى اللحياني: احْسُنْ إن كنتَ حاسِناً، فهذا في المستقبل، وإنه
لَحَسَن، يريد فِعْل الحال، وجمع الحَسَن حِسان. الجوهري: تقول قد حَسُن
الشيءُ، وإن شئت خَفَّفْت الضمة فقلت: حَسْنَ الشيءُ، ولا يجوز أَن تنقُل الضمة
إلى الحاء لأَنه خبَرٌ، وإنما يجوز النقْل إذا كان بمعنى المدح أَو
الذَّم لأَنه يُشَّبه في جواز النَّقْل بنِعْم وبِئْس، وذلك أَن الأَصل فيهما
نَعِم وبَئِس، فسُكِّن ثانيهما ونقِلتْ حركته إلى ما قبله، فكذلك كلُّ
ما كان في معناهما؛ قال سهم بن حنظلة الغَنَوي:
لم يَمْنَعِ الناسُ مِنِّي ما أَردتُ، وما
أُعْطِيهمُ ما أَرادوا، حُسْنَ ذا أَدَبا.
أَراد: حَسُن هذا أَدَباً، فخفَّف ونقَل. ورجل حَسَنٌ بَسَن: إتباع له،
وامرأَة حَسَنة، وقالوا: امرأَة حَسْناء ولم يقولوا رجل أَحْسَن، قال
ثعلب: وكان ينبغي أَن يقال لأَنَّ القياس يوجب ذلك، وهو اسم أُنِّث من غير
تَذْكير، كما قالوا غلام أَمرَد ولم يقولوا جارية مَرْداء، فهو تذكير من
غير تأْنيث. والحُسّان، بالضم: أَحسَن من الحَسَن. قال ابن سيده: ورجل
حُسَان، مخفَّف، كحَسَن، وحُسّان، والجمع حُسّانونَ؛ قال سيبويه: ولا
يُكَسَّر، استغْنَوْا عنه بالواو والنون، والأُنثى حَسَنة، والجمع حِسان
كالمذكر وحُسّانة؛ قال الشماخ:
دارَ الفَتاةِ التي كُنّا نقول لها:
يا ظَبْيةً عُطُلاً حُسّانةَ الجِيدِ.
والجمع حُسّانات، قال سيبويه: إنما نصب دارَ بإضمار أَعني، ويروى
بالرفع. قال ابن بري: حَسِين وحُسَان وحُسّان مثل كَبير وكُبَار وكُبَّار
وعَجيب وعُجاب وعُجَّاب وظريف وظُراف وظُرَّاف؛ وقال ذو الإصبع:
كأَنَّا يَوْمَ قُرَّى إِنْــ
ـنَما نَقْتُل إيّانا
قِياماً بينهم كلُّ
فَتًى أَبْيَضَ حُسّانا.
وأَصل قولهم شيء حَسَن حَسِين لأَنه من حَسُن يَحْسُن كما قالوا عَظُم
فهو عَظِيم، وكَرُم فهو كريم، كذلك حَسُن فهو حَسِين، إلا أَنه جاء
نادراً، ثم قلب الفَعِيل فُعالاً ثم فُعّالاً إذا بُولِغَ في نَعْته فقالوا
حَسَنٌ وحُسَان وحُسّان، وكذلك كريم وكُرام وكُرّام، وجمع الحَسْناء من
النساء حِسانٌ ولا نظير لها إلا عَجْفاء وعِجاف، ولا يقال للذكر أَحْسَن،
إنما تقول هو الأَحْسن على إرادة التفضيل، والجمع الأَحاسِن. وأَحاسِنُ
القوم: حِسانهم. وفي الحديث: أَحاسِنُكم أَخْلاقاً المُوَطَّؤُون أَكنافاً،
وهي الحُسْنَى. والحاسِنُ: القَمَر. وحسَّنْتُ الشيءَ تحْسيناً:
زَيَّنتُه، وأَحسَنْتُ إليه وبه، وروى الأَزهري عن أَبي الهيثم أَنه قال في قوله
تعالى في قصة يوسف، على نبينا وعليه الصلاة والسلام: وقد أَحسَنَ بي إذ
أَخرَجَني من السِّجن؛ أَي قد أَحسن إلي. والعرب تقول: أَحسَنْتُ بفلانٍ
وأَسأْتُ بفلانٍ أَي أَحسنت إليه وأَسأْت إليه. وتقول: أَحْسِنْ بنا أَي
أَحسِنْ إلينا ولا تُسِئْ بنا؛ قال كُثيِّر:
أَسِيئي بنا أَو أَحْسِنِي، لا مَلومةٌ
لَدَيْنا، ولا مَقْلِيَّةٌ إنْ تَقَلَّتِ.
وقوله تعالى: وصَدَّقَ بالحُسْنى؛ قيل أَراد الجنّة، وكذلك قوله تعالى:
للذين أَحْسَنوا الحُسْنى وزيادة؛ فالحُسْنى هي الجنّة، والزِّيادة النظر
إلى وجه الله تعالى. ابن سيده: والحُسْنى هنا الجنّة، وعندي أَنها
المُجازاة الحُسْنى. والحُسْنى: ضدُّ السُّوأَى. وقوله تعالى: وقولوا للناس
حُسْناً. قال أَبو حاتم: قرأَ الأَخفش وقولوا للناس حُسْنى، فقلت: هذا لا
يجوز، لأَن حُسْنى مثل فُعْلى، وهذا لا يجوز إلا بالأَلف واللام؛ قال ابن
سيده: هذا نصُّ لفظه، وقال قال ابن جني: هذا عندي غيرُ لازم لأَبي الحسن،
لأَن حُسْنى هنا غير صفة، وإنما هو مصدرٌ بمنزلة الحُسْن كقراءة غيره:
وقولوا للناس حُسْناً، ومثله في الفِعْل والفِعْلى: الذِّكْرُ والذِّكْرى،
وكلاهما مصدر، ومن الأَول البُؤسُ والبُؤسى والنُّعْم والنُّعْمى، ولا
يُسْتَوْحَش مِنْ تشبيه حُسْنى بذِكرى لاختلاف الحركات، فسيبويه قد عَمل
مثلَ هذا فقال: ومثلُ النَّضْرِ الحَسَن إلاَّ أَن هذا مُسَكَّن
الأَوْسَط، يعني النَّضْرَ، والجمع الحُسْنَيات
(* قوله «والجمع الحسنيات» عبارة
ابن سيده بعد أن ساق جميع ما تقدم: وقيل الحسنى العاقبة والجمع إلخ فهو
راجع لقوله وصدق بالحسنى). والحُسَنُ، لا يسقط منهما الأَلف واللام لأَنها
مُعاقبة، فأَما قراءة من قرأَ: وقولوا للناس حُسْنى، فزعم الفارسي أَنه
اسم المصدر، ومعنى قوله: وقولوا للناس حُسْناً، أَي قولاً ذا حُسْنٍ
والخِطاب لليهود أَي اصْدُقوا في صفة محمد، صلى الله عليه وسلم. وروى الأَزهري
عن أَحمد بن يحيى أَنه قال: قال بعض أَصحابنا اخْترْنا حَسَناً لأَنه
يريد قولاً حَسَناً، قال: والأُخرى مصدر حَسُنَ يَحسُن حُسْناً، قال: ونحن
نذهب إلى أَن الحَسَن شيءٌ من الحُسْن، والحُسْن شيءٌ من الكل، ويجوز هذا
وهذا، قال: واخْتار أَبو حاتم حُسْناً، وقال الزجاج: من قرأَ حُسْناً
بالتنوين ففيه قولان أَحدهما وقولوا للناس قولاً ذا حُسْنٍ، قال: وزعم
الأَخفش أَنه يجوز أَن يكون حُسْناً في معنى حَسَناً، قال: ومن قرأَ حُسْنى
فهو خطأ لا يجوز أَن يقرأَ به، وقوله تعالى: قل هل ترَبَّصون بنا إلا إحدى
الحُسْنَيَيْن؛ فسره ثعلب فقال: الحُسْنَيان الموتُ أَو الغَلَبة، يعني
الظفَر أَو الشهادة، وأَنَّثَهُما لأَنه أَراد الخَصْلتَين، وقوله تعالى:
والذين اتَّبَعوهم بإحسان؛ أَي باستقامة وسُلوك الطريق الذي درَج
السابقون عليه، وقوله تعالى: وآتَيْناه في الدنيا حَسَنةً؛ يعني إبراهيم، صلوات
الله على نبينا وعليه، آتَيناه لِسانَ صِدْقٍ، وقوله تعالى: إنَّ
الحَسَنات يُذْهِبْنَ السيِّئاتِ؛ الصلواتُ الخمس تكفِّر ما بينها. والحَسَنةُ:
ضدُّ السيِّئة. وفي التنزيل العزيز: مَنْ جاء بالحَسَنة فله عَشْرُ
أَمثالها؛ والجمع حَسَنات ولا يُكسَّر. والمَحاسنُ في الأَعمال: ضدُّ
المَساوي. وقوله تعالى: إنا نراكَ من المُحسِنين؛ الذين يُحْسِنون التأْويلَ.
ويقال: إنه كان يَنْصر الضعيف ويُعين المظلوم ويَعُود المريض، فذلك
إحْسانه. وقوله تعالى: ويَدْرَؤُون بالحَسَنة السيِّئةَ؛ أَي يدفعون بالكلام
الحَسَن ما وردَ عليهم من سَيِّءِ غيرهم. وقال أَبو إسحق في قوله عز وجل: ثم
آتينا موسى الكتابَ تماماً على الذي أَحْسَنَ؛ قال: يكون تماماً على
المُحْسِن، المعنى تماماً من الله على المُحْسِنين، ويكون تماماً على الذي
أَحْسَن على الذي أَحْسَنه موسى من طاعة الله واتِّباع أَمره، وقال:
يُجْعل الذي في معنى ما يريد تماماً
على ما أَحْسَنَ موسى. وقوله تعالى: ولا تَقْرَبوا مالَ اليتيم إلا
بالتي هي أَحْسَن؛ قيل: هو أَن يأْخذَ من ماله ما سَتَرَ عَوْرَتَه وسَدَّ
جَوعَتَه. وقوله عز وجل: ومن يُسْلِمْ وجهَه إلى الله وَهْو مُحْسِن؛ فسره
ثعلب فقال: هو الذي يَتَّبع الرسول. وقوله عز وجل: أَحْسَنَ كُلَّ شيءٍ
خَلْقَه؛ أَحْسَنَ يعني حَسَّنَ، يقول حَسَّنَ خَلْقَ كلِّ شيءٍ، نصب
خلقََه على البدل، ومن قرأَ خَلَقه فهو فِعْلٌ. وقوله تعالى: ولله الأَسماء
الحُسنى، تأْنيث الأَحسن. يقال: الاسم الأَحْسَن والأَسماء الحُسْنى؛ ولو
قيل في غير القرآن الحُسْن لَجاز؛ ومثله قوله تعالى: لِنُريك من آياتنا
الكبرى؛ لأَن الجماعة مؤَنثة. وقوله تعالى: ووَصَّيْنا الإنسانَ بوالِدَيه
حُسْناً؛ أَي يفعل بهما ما يَحْسُنُ حُسْناً. وقوله تعالى: اتَّبِعُوا
أَحسَنَ ما أُنزِلَ إليكم؛ أَي اتَّبعوا القرآن، ودليله قوله: نزَّل
أَحسنَ الحديث، وقوله تعالى: رَبَّنا آتنا في الدنيا حسَنةً؛ أَي نِعْمةً،
ويقال حُظوظاً
حسَنة. وقوله تعالى: وإن تُصِبْهم حسنةٌ، أَي نِعْمة، وقوله: إن
تَمْسَسْكم حسَنةٌ تَسُؤْهمْ، أَي غَنيمة وخِصب، وإن تُصِبْكم سيِّئة، أَي
مَحْلٌ. وقوله تعالى: وأْمُرْ قوْمَك يأْخُذوا بأَحسَنِها؛ أَي يعملوا
بحَسَنِها، ويجوز أَن يكون نحو ما أَمَرنا به من الانتصار بعد الظلم، والصبرُ
أَحسَنُ من القِصاص والعَفْوُ أَحسَنُ. والمَحاسِنُ: المواضع الحسَنة من
البَدن. يقال: فلانة كثيرة المَحاسِن؛ قال الأَزهري: لا تكاد العرب توحِّد
المَحاسِن، وقال بعضهم: واحدها مَحْسَن؛ قال ابن سيده: وليس هذا بالقويِّ
ولا بذلك المعروف، إنما المَحاسِنُ عند النحويين وجمهور اللغويين جمعٌ
لا واحد له، ولذلك قال سيبويه: إذا نسبْتَ إلى محاسن قلت مَحاسِنيّ، فلو
كان له واحد لرَدَّه إليه في النسب، وإنما يقال إن واحدَه حَسَن على
المسامحة، ومثله المَفاقِر والمَشابِه والمَلامِح والليالي. ووجه مُحَسَّن:
حَسَنٌ، وحسَّنه الله، ليس من باب مُدَرْهَم ومفؤود كما ذهب إليه بعضهم
فيما ذُكِر. وطَعامٌ مَحْسَنةٌ للجسم، بالفتح: يَحْسُن به. والإحْسانُ: ضدُّ
الإساءة. ورجل مُحْسِن ومِحسان؛ الأَخيرة عن سيبويه، قال: ولا يقال ما
أَحسَنَه؛ أَبو الحسن: يعني منْ هذه، لأَن هذه الصيغة قد اقتضت عنده
التكثير فأَغْنَتْ عن صيغة التعجب. ويقال: أَحْسِنْ يا هذا فإِنك مِحْسانٌ أَي
لا تزال مُحْسِناً. وفسر النبي، صلى الله عليه وسلم، الإحسانَ حين سأَله
جبريلٍ، صلوات الله عليهما وسلامه، فقال: هو أَن تَعْبُدَ الله كأَنك
تراه، فإن لم تكن تراه فإِنه يَراك، وهو تأْويلُ قوله تعالى: إن الله
يأُْمُر بالعدل والإحسان؛ وأَراد بالإحسان الإخْلاص، وهو شرطٌ في صحة الإيمان
والإسلام معاً، وذلك أَن من تلفَّظ بالكلمة وجاء بالعمل من غير إخْلاص لم
يكن مُحْسِناً، وإن كان إيمانُه صحيحاً، وقيل: أَراد بالإحسان الإشارةَ
إلى المُراقبة وحُسْن الطاعة، فإن مَنْ راقَبَ اللهَ أَحسَن عمَله، وقد
أَشار إليه في الحديث بقوله: فإن لم تكن تراه فإِنه يراك، وقوله عز وجل:
هل جزاءُ الإحسان إلا الإحسان؛ أَي ما جزاءُ مَنْ أَحْسَن في الدُّنيا إلا
أَن يُحْسَنَ إليه في الآخرة. وأَحسَنَ به الظنَّ: نقيضُ أَساءَه،
والفرق بين الإحسان والإنعام أَن الإحسانَ يكون لنفسِ الإنسان ولغيره، تقول:
أَحْسَنْتُ إلى نفسي، والإنعامُ لا يكون إلا لغيره. وكتابُ التَّحاسين:
خلاف المَشْق، ونحوُ هذا يُجْعَل مصدراً في المصدر كالتَّكاذِيب
والتَّكاليف، وليس الجمعُ في المصدر بفاشٍ، ولكنهم يُجْرُون بعضه مُجْرى الأَسماء
ثم يجمعونه. والتَّحاسينُ: جمعُ التَّحْسِين، اسم بُنِيَ على تَفْعيل،
ومثلُه تَكاليفُ الأُمور، وتَقاصيبُ الشَّعَرِ ما جَعُدَ مِنْ ذَوائِبه. وهو
يُحْسِنُ الشيءَ أَي يَعْمَلَه، ويَسْتَحْسِنُ الشيءَ أَي يَعُدُّه
حَسَناً. ويقال: إني أُحاسِنُ بك الناسَ. وفي النوادر: حُسَيْناؤُه أن يفعل
كذا، وحُسَيْناه مِثْلُه، وكذلك غُنَيْماؤه وحُمَيْداؤه أَي جُهْدُه
وغايتُه. وحَسَّان: اسم رجل، إن جعلته فعَّالاً من الحُسْنِ أَجْرَيْتَه، وإن
جَعَلْتَه فَعْلاَنَ من الحَسِّ وهو القَتْل أَو الحِسِّ بالشيء لم
تُجْرِه؛ قال ابن سيده: وقد ذكرنا أَنه من الحِسِّ أَو من الحَسِّ، وقال: ذكر
بعض النحويين أَنه فَعَّالٌ من الحُسْنِ، قال: وليس بشيء. قال الجوهري:
وتصغيرُ فعَّالٍ حُسَيْسِين، وتصغيرُ فَعْلانَ حُسَيْسان. قال ابن سيده:
وحَسَنٌ وحُسَيْن يقالانِ باللام في التسمية على إرادة الصفة، وقال قال
سيبويه: أَما الذين قالوا الحَسَن، في اسم الرجل، فإنما أَرادوا أَن يجعلوا
الرجلَ هو الشيءَ بعينه ولم يَجْعلوه سُمِّيَ بذلك، ولكنهم جعلوه كأَنه
وصفٌ
له غَلَب عليه، ومن قال حَسَن فلم يُدْخِل فيه الأَلفَ واللامَ فهو
يُجْريه مُجْرَى زيدٍ. وفي حديث أَبي هريرة، رضي الله عنه: كنا عند النبي،
صلى الله عليه وسلم، في ليلةٍ ظَلْماءَ حِنْدِسٍ وعندَه الحَسَنُ
والحُسَيْنُ، رضي الله عنهما، فسَمِعَ تَوَلْوُلَ فاطمةَ، رضوانُ الله عليها، وهي
تُنادِيهما: يا حَسَنانِ يا حُسَيْنانِ فقال: الْحَقا بأُمّكما؛
غَلَّبَت أَحدَ الإسمين على الآخر كما قالوا العُمَران لأَبي بكر وعمر، رضي الله
عنهما، والقَمَران للشمس والقمر؛ قال أَبو منصور: ويحتمل أَن يكون
كقولهم الجَلَمانُ للجَلَم، والقَلَمانُ للمِقْلامِ، وهو المِقْراضُ، وقال:
هكذا روى سلمة عن الفراء، بضم النون فيهما جميعاً، كأَنه جعل الاسمين اسماً
واحداً فأَعطاهما حظ الاسم الواحد من الإعراب. وذكر الكلبي أَن في طيِّء
بَطْنَيْن يقال لهما الحسَن والحُسَيْن. والحَسَنُ: اسمُ رملة لبني
سَعْد؛ وقال الأَزهري: الحَسَنُ نَقاً في ديار بني تميم معروف، وجاء في الشعر
الحَسَنانُ، يريد الحَسَنَ وهو هذا الرملُ بعينه؛ قال الجوهري: قُتِل
بهذه الرملة أَبو الصَّهْباء بِسْطامُ بنُ قيْس بنِ خالدٍ الشَّيْبانيِّ،
يَوْمَ النَّقَا، قتَله عاصِمُ بن خَلِيفةَ الضَّبِّي، قال: وهما جَبَلانِ
أَو نَقَوانِ، يقال لأَحد هذين الجَبَلَيْن الحَسَن؛ قال عبد الله بن
عَنَمة الضَّبّيّ في الحَسَن يَرْثِي بِسْطَامَ بنَ قَيْس:
لأُمِّ الأَرضِ وَيْلٌ ما أَجَنَّتْ،
بحيثُ أَضَرَّ بالحَسَنِ السَّبيلُ.
وفي حديث أَبي رَجاء العُطارِدِيِّ: وقيل له ما تَذْكُر؟ فقال: أَذْكُرُ
مَقْتَلَ بِسْطام بنِ قَيْسٍ على الحَسَنِ؛ هو بفتحتين: جَبَل معروف من
رمل، وكان أَبو رجاء قد عُمِّر مائةً وثمانِياً وعشرين سَنَةً، وإذا
ثنّيت قلت الحَسَنانِ؛ وأَنشد ابن سيده في الحَسَنين لشَمْعَلة بن الأَخْضَر
الضَّبِّيّ:
ويوْمَ شَقيقةِ الحَسَنَيْنِ لاقَتْ
بَنُو شَيْبان آجالاً قِصارا
شَكَكْنا بالأَسِنَّة، وهْيَ زُورٌ،
صِماخَيْ كَبْشِهم حتى اسْتَدارا
فَخَرَّ على الأَلاءةِ لم يُوَسَّدْ،
وقد كان الدِّماءُ له خِمارا
قوله: وهي زُورٌ يعني الخيلَ، وأَنشد فيه ابنُ بري لجرير:
أَبَتْ عيْناكِ بالحَسَنِ الرُّقادا،
وأَنْكَرْتَ الأَصادِقَ والبِلادا
وأَنشد الجوهري في حُسَيْن جبل:
تَركْنَا، بالنَّواصِف من حُسَيْنٍ،
نساءَ الحيِّ يَلْقُطْنَ الجُمانا.
فحُسَيْنٌ ههنا: جبلٌ. ابن الأَعرابي: يقال أَحْسَنَ الرجلُ إذا جلس على
الحَسَنِ، وهو الكثيبُ النَّقِيّ العالي، قال: وبه سمي الغلام حَسَناً.
والحُسَيْنُ: الجبَلُ العالي، وبه سمي الغلام حُسَيْناً. والحَسَنانِ:
جبلانِ، أَحدُهما بإِزاء الآخر. وحَسْنَى: موضع. قال ابن الأَعرابي: إذا
ذكَر كُثيِّر غَيْقةَ فمعها حَسْنَى، وقال ثعلب: إنما هو حِسْيٌ، وإذا لم
يذكر غيْقةَ فحِسْمَى. وحكى الأَزهري عن علي ابن حمزة: الحَسَنُ شجر
الآَلاءُ مُصْطفّاً بكَثيب رمْلٍ، فالحسَنُ هو الشجرُ، سمي بذلك لِحُسْنِه
ونُسِبَ الكثيبُ إليه فقيل نَقا الحَسَنِ، وقيل: الحَسَنةُ جبلٌ أَمْلَسُ
شاهقٌ ليس به صَدْعٌ، والحَسَنُ جمعُه؛ قال أَبو صعْتَرة البَوْلانِيُّ:
فما نُطْفةٌ من حَبِّ مُزْنٍ تَقاذَفَتْ
به حَسَنُ الجُودِيّ، والليلُ دامِسُ.
ويروى: به جَنْبَتا الجُودِيِّ، والجودِيُّ وادٍ، وأَعلاه بأَجَأَ في
شواهِقها، وأَسفلُه أَباطحُ سهلةٌ، ويُسَمِّي الحَسَنةَ أَهلُ الحجاز
المَلقَة.
كفف: كفّ الشيءَ يكُفُّه كَفّاً: جمعه. وفي حديث الحسن: أَنَّ رجلاً
كانت به جِراحة فسأَله: كيف يتوضأُ؟ فقال: كُفَّه بخِرْقة أَي اجمَعها حوله.
والكفُّ: اليد، أُنثى. وفي التهذيب: والكف كفّ اليد، والعرب تقول: هذه
كفّ واحدة؛ قال ابن بري: وأَنشد الفراء:
أُوفِّيكما ما بلَّ حَلْقيَ رِيقتي،
وما حَمَلَت كَفَّايَ أَنْمُليَ العَشْرا
قال: وقال بشر بن أَبي خازم:
له كَفَّانِ: كَفٌّ كَفُّ ضُرٍّ،
وكَفُّ فَواضِلٍ خَضِلٌ نَداها
وقال زهير:
حتى إذا ما هَوَتْ كَفُّ الولِيدِ لها،
طارَتْ، وفي يدِه من ريشَِها بِتَك
قال: وقال الأَعشى:
يَداكَ يَدا صِدْقٍ: فكفٌّ مُفِيدةٌ،
وأُخرى، إذا ما ضُنَّ بالمال، تُنْفِق
وقال أَيضاً:
غَرَّاءُ تُبْهِجُ زَوْلَه،
والكفُّ زَيَّنها خَضابه
قال: وقال الكميت:
جَمَعْت نِزاراً، وهي شَتَّى شُعوبها،
كما جَمَعَت كَفٌّ إليها الأَباخِسا
وقال ذو الإصبع:
زَمان به للّهِ كَفٌّ كَريمةٌ
علينا، ونُعْماه بِهِنَّ تَسِير
وقالت الخنساء:
فما بَلَغَتْ كَفُّ امْرِئٍ مُتَناوِلٍ
بها المَجْدَ، إلا حيث ما نِلتَ أَطْولُ
وما بَلَغَ المُهْدُون نَحْوَكَ مِدْحَةً،
وإنْ أَطْنَبُوا، إلا وما فيكَ أَفضَلُ
ويروى:
وما بلغ المهدون في القول مدحة
فأَما قول الأَعشى:
أَرَى رجُلاً منهم أَسِيفاً، كأَنما
يضمُّ إلى كَشْحَيْه كَفّاً مُخَضَّبا
فإنه أَراد الساعد فذكَّر، وقيل: إنما أَراد العُضو، وقيل: هو حال من
ضمير يضمّ أَو من هاء كشحيه، والجمع أَكُفٌّ. قال سيبويه: لم يجاوزوا هذا
المثال، وحكى غيره كُفوف؛ قال أَبو عمارةَ بن أَبي طرفَة الهُذلي يدعو
اللّه عز وجل:
فصِلْ جَناحِي بأَبي لَطِيفِ،
حتى يَكُفَّ الزَّحْفَ بالزُّحوفِ
بكلِّ لَينٍ صارِمٍ رهِيفِ،
وذابِلٍ يَلَذّ بالكُفُوفِ
أَبو لطيف يعني أَخاً له أَصغر منه؛ وأَنشد ابن بري لابن أَحمر:
يَداً ما قد يَدَيْتُ على سُكَيْنٍ
وعبدِ اللّه، إذ نُهِشَ الكُفُوفُ
وأَنشد لليلى الأَخْيَلِيّة:
بقَوْلٍ كَتَحْبير اليماني ونائلٍ،
إذا قُلِبَتْ دون العَطاء كُفوفُ
قال ابن بري: وقد جاء في جمع كفٍّ أَكْفاف؛ وأَنشد علي بن حمزة:
يُمسون مما أَضْمَرُوا في بُطُونهم
مُقَطَّعَةً أَكْفافُ أَيديهمُ اليُمْن
وفي حديث الصدقة: كأَنما يَضَعُها في كفِّ الرحمن؛ قال ابن الأَثير: هو
كناية عن محل القَبول والإثابة وإلا فلا كفّ للرحمن ولا جارِحةَ، تعالى
اللّه عما يقول المُشَبِّهون عُلُوّاً كبيراً. وفي حديث عمر، رضي اللّه
عنه: إن اللّه إن شاء أَدخل خلْقه الجنة بكفّ واحدة، فقال النبي، صلى اللّه
عليه وسلم: صدق عمر. وقد تكرر ذكر الكف والحفْنة واليد في الحديث
وكلُّها تمثيل من غير تشبيه، وللصقر وغيره من جوارح الطير كّفانِ في رِجْليه،
وللسبع كفّان في يديه لأَنه يَكُفُّ بهما على ما أَخذ. والكفُّ الخَضيب:
نجم. وكفُ الكلب: عُشْبة من الأَحرار، وسيأْتي ذكرها.
واسْتَكفَّ عينَه: وضع كفّه عليها في الشمس ينظر هل يرى شيئاً؛ قال ابن
مقبل يصف قِدْحاً له:
خَرُوجٌ من الغُمَّى، إذا صُكَّ صَكّةً
بدا، والعُيونُ المُسْتَكِفَّةُ تَلْمَحُ
الكسائي: اسْتَكْفَفْت الشيء واسْتَشْرَفْته، كلاهما: أَن تضع يدك على
حاجبك كالذي يَسْتَظِل من الشمس حتى يَستبين الشيء. يقال: اسْتَكفَّت عينه
إذا نظرت تحت الكفّ. الجوهري: اسْتَكفَفْت الشيء اسْتَوْضَحْته، وهو أَن
تضع يدك على حاجبك كالذي يَستظل من الشمس تنظر إلى الشيء هل تراه. وقال
الفراء: استكفّ القومُ حول الشيء أَي أَحاطوا به ينظرون إليه؛ ومنه قول
ابن مقبل:
إذا رَمَقَتْه من مَعَدٍّ عِمارةٌ
بدا، والعُيونُ المستكفَّة تلمح
واستكفّ السائل: بَسط كفَّه. وتكَفَّفَ الشيءَ: طلبه بكفِّه وتكَفَّفَه.
وفي الحديث: أَن رجلاً رأَى في المنام كأَن ظُلَّة تَنْطِف عَسلاً
وسمناً وكأَنَّ الناس يتَكفَّفُونه؛ التفسير للهروي في الغريبين والاسم منها
الكفَف. وفي الحديث: لأَن تَدَعَ ورَثتَك أَغنياء خير من أَن تَدعهم عالةً
يتَكفَّفون الناس؛ معناه يسأَلون الناس بأَكُفِّهم يمدُّونها إليهم.
ويقال: تكفَّف واستكفَّ إذا أَخذ الشي بكفِّه؛ قال الكميت:
ولا تُطْمِعوا فيها يداً مُسْتَكِفّةً
لغيركُمُ، لو تَسْتَطِيعُ انْتِشالَها
الجوهري: واستكفَّ وتكفَّفَ بمعنى وهو أَن يمد كفَّه يسأَل الناس. يقال:
فلان يَتكَفَّف الناس، وفي الحديث: يتصدَّق بجميع ماله ثم يَقْعُد
يستكِفُّ الناسَ. ابن الأَثير: يقال استكفَّ وتكَفَّفَ إذا أَخذ ببطن كفه أَو
سأَل كفّاً من الطعام أَو ما يكُفُّ الجوع.
وقولهم: لقيته كَفَّةَ كَفَّةَ، بفتح الكاف، أَي كفاحاً، وذلك إذا
استقْبلته مُواجهة، وهما اسمان جُعلا واحداً وبنيا على الفتح مثل خمسة عشر.
وفي حديث الزبير: فتلقّاه رسول اللّه، صلى اللّه عليه وسلم، كفّةَ كَفّةَ
أَي مُواجهة كأَنَّ كل واحد منهما قد كفَّ صاحبه عن مجاوزته إلى غيره أَي
مَنَعَه. والكَفّة: المرة من الكفّ. ابن سيده: ولَقِيتُه كفَّةَ كفَّةَ
وكفَّةَ كفَّةٍ على الإضافة أَي فُجاءة مواجهة؛ قال سيبويه: والدليل على
أَن الآخر مجرور أَنَّ يونس زعم أَن رؤبة كان يقول لقيته كفّةً لِكفّةً
أَو كفّةً عن كفّةٍ، إنما جعل هذا هكذا في الظرف والحال لأَن أَصل هذا
الكلام أَن يكون ظرفاً أَو حالاً.
وكفَّ الرجلَ عن الأَمر يكُفُّه كَفّاً وكفْكَفَه فكفَّ واكتفَّ
وتكفَّف؛ الليث: كَفَفْت فلاناً عن السوء فكفّ يكُفّ كَفّاً، سواء لفظُ اللازم
والمُجاوز. ابن الأَعرابي: كَفْكَفَ إذا رَفَق بغرِيمه أَو ردَّ عنه من
يؤذيه. الجوهري: كَفَفْت الرجل عن الشيء فكفّ، يتعدّى ولا يتعدى، والمصدر
واحد. وكفْكَفْت الرجل: مثل كفَفْته؛ ومنه قول أَبي زبيد:
أَلم تَرَني سَكَّنْتُ لأْياً كِلابَكُم،
وكَفْكَفْتُ عنكم أَكْلُبي، وهي عُقَّر؟
واستكفَّ الرجلُ الرجلَ: من الكفِّ عن الشيء. وتكَفَّف دمعُه: ارتدّ،
وكَفْكَفَه هو؛ قال أَبو منصور: وأَصله عندي من وكَفَ يَكِفُ، وهذا كقولك
لا تعِظيني وتَعظْعَظي. وقالوا: خَضْخضتُ الشيءَ في الماء وأَصله من
خُضْت. والمكفوف: الضَّرير، والجمع المكافِيفُ. وقد كُفَّ بصرُه وكَفَّ بصرُه
كَفّاً: ذهَب. ورجل مَكْفوف أَي أَعمى، وقد كُفَّ. وقال ابن الأَعرابي:
كَفَّ بصرُه وكُفَّ. والكَفْكفة: كفُّك الشيء أَي ردُّك الشيء عن الشيء،
وكفْكَفْت دمْع العين. وبعير كافٌّ: أُكلت أَسنانه وقَصُرَت من الكِبَر
حتى تكاد تذهب، والأُنثى بغير هاء، وقد كُفَّت أَسنانها، فإذا ارتفع عن ذلك
فهو ماجٌّ. وقد كَفَّت الناقة تَكُفُّ كُفوفاً.
والكَفُّ في العَرُوض: حذف السابع من الجزء نحو حذفك النون من مفاعيلن
حتى يصير مفاعيلُ ومن فاعلاتن حتى يصير فاعلات، وكذلك كلُّ ما حُذف سابعه
على التشبيه بكُفّة القميص التي تكون في طرف ذيله، قال ابن سيده: هذا قول
ابن إسحق. والمَكفوف في عِلل العروض مفاعيلُ كان أَصله مفاعيلن، فلما
ذهبت النون قال الخليل هو مكفوف.
وكِفافُ الثوب: نَواحِيه. ويُكَفُّ الدِّخْريصُ إذا كُفَّ بعد خِياطة
مرة. وكَفَفْت الثوبَ أَي خِطْت حاشيته، وهي الخِياطةُ الثانية بعد
الشَّلِّ. وعَيْبةٌ مَكْفوفة أَي مُشْرَجةٌ مَشْدودة. وفي كتاب النبي، صلى اللّه
عليه وسلم، بالحديْبِية لأَهل مكة: وإنَّ بيننا وبينكم عَيبةً مكفوفةً؛
أَراد بالمكفوفة التي أُشْرِجَت على ما فيها وقُفِلت وضَربها مثلاً
للصدور أَنها نَقِيَّة من الغِلِّ والغِشّ فيما كتبوا واتَّفَقُوا عليه من
الصُّلْح والهُدْنة، والعرب تشبه الصدور التي فيها القلوب بالعِياب التي
تُشْرَج على حُرِّ الثياب وفاخِر المتاع، فجعل النبي، صلى اللّه عليه وسلم،
العِياب المُشْرجة على ما فيها مثلاً للقلوب طُوِيَت على ما تعاقدوا؛
ومنه قول الشاعر:
وكادَت عِيابُ الوُدِّ بيني وبينكم،
وإن قيل أَبْناءُ العُمومةِ، تَصْفَرُ
فجعل الصُّدور عِياباً للوُدِّ. وقال أَبو سعيد في قوله: وإنَّ بيننا
وبينكم عَيبةً مكفوفة: معناه أَن يكون الشر بينهم مكفوفاً كما تُكَفُّ
العَيبة إذا أُشْرِجَت على ما فيها من مَتاع، كذلك الذُّحُول التي كانت بينهم
قد اصطلحوا على أَن لا يَنْشُروها وأَن يَتكافُّوا عنها، كأَنهم قد
جعلوها في وِعاء وأَشرجوا عليها. الجوهري: كُفّةُ القَمِيص، بالضم، ما استدار
حول الذَّيل، وكان الأَصمعي يقول: كلُّ ما استطال فهو كُفة، بالضم، نحو
كفة الثوب وهي حاشيته، وكُفَّةِ الرمل، وجمعه كِفافٌ، وكلُّ ما استدار
فهو كِفّة، بالكسر، نحو كِفَّة الميزان وكِفَّة الصائد، وهي حِبالته،
وكِفَّةِ اللِّثةِ، وهو ما انحدرَ منها. قال: ويقال أَيضاً كَفّة الميزان،
بالفتح، والجمع كِفَفٌ؛ قال ابن بري: شاهد كِفَّةِ الحابِل قول الشاعر:
كأَنَّ فِجاجَ الأَرضِ، وهي عَرِيضةٌ
على الخائفِ المَطْلوبِ، كِفّةُ حابِلِ
وفي حديث عطاء: الكِفَّةُ والشَّبكةُ أَمرهما واحد؛الكُفَّة، بالكسر:
حِبالة الصائد. والكِفَفُ في الوَشْم: داراتٌ تكون فيه. وكِفافُ الشيء:
حِتارُه. ابن سيده: والكِفة، بالكسر، كل شيء مستدير كدارة الوشم وعُود
الدُّفّ وحبالة الصيْد، والجمع كِفَفٌ وكِفافٌ. قال: وكفة الميزان الكسر فيها
أَشهر، وقد حكي فيها الفتح وأَباها بعضهم. والكُفة: كل شيء مستطيل ككُفة
الرمل والثوب والشجر وكُفّة اللِّثةِ، وهي ما سال منها على الضِّرس. وفي
التهذيب: وكِفَّة اللثة ما انحدر منها على أُصول الثغْر، وأَمّا كُفَّةُ
الرمْل والقميص فطُرّتهما وما حولهما. وكُفة كل شيء، بالضم: حاشيته
وطرَّته. وفي حديث عليّ، كرَّم اللّه وجهه، يصف السحاب: والتَمع بَرْقُه في
كُفَفِه أَي في حواشيه؛ وفي حديثه الآخر: إذا غَشِيكم الليلُ فاجعلوا
الرِّماح كُفّة أَي في حواشي العسكر وأَطرافه. وفي حديث الحسن: قال له رجل
إنَّ برِجْلي شُقاقاً، فقال: اكفُفه بخِرْقة أَي اعْصُبْه بها واجعلها حوله.
وكُفة الثوب: طُرَّته التي لا هُدب فيها، وجمع كل ذلك كُفَف وكِفافٌ.
وقد كَفَّ الثوبَ يكُفه كَفّاً: تركه بلا هُدب. والكِفافُ من الثوب: موضع
الكف. وفي الحديث: لا أَلبس القميص المُكَفَّف بالحرير أَي الذي عُمِل على
ذَيْله وأَكمامه وجَيْبه كِفاف من حرير، وكلُّ مَضَمِّ شيء كِفافُه،
ومنه كِفافُ الأُذن والظفُر والدبر، وكِفّة الصائد، مكسور أَيضاً.
والكِفَّة: حبالة الصائد، بالكسر. والكِفَّةُ: ما يُصاد به الظِّباء يجعل كالطوْق.
وكُفَفُ السحاب وكِفافُه: نواحيه. وكُفَّة السحاب: ناحيته. وكِفافُ
السحاب: أَسافله، والجمع أَكِفَّةٌ. والكِفافُ: الحوقة والوَتَرَةُ.
واسْتكَفُّوه: صاروا حَواليْه. والمستكِفّ: المستدير كالكِفّة.
والكَفَفُ: كالكِفَفِ، وخصَّ بعضهم به الوَشم. واستكفَّت الحيَّة إذا ترَحَّتْ
كالكِفَّةِ. واستكَفَّ به الناسُ إذا عَصبوا به. وفي الحديث: المنفِقُ على
الخيل كالمسْتَكِفّ بالصدقة أَي الباسطِ يدَه يُعطِيها، من قولهم استكفَّ
به الناسُ إذا أَحدَقوا به، واستكَفُّوا حوله ينظرون إليه، وهو من كِفاف
الثوب، وهي طُرَّته وحَواشِيه وأَطرافُه، أَو من الكِفّة، بالكسر، وهو
ما استدار ككفة الميزان. وفي حديث رُقَيْقَة: فاستكفُّوا جَنابَيْ عبدِ
المطلب أَي أَحاطوا به واجتمعوا حوله. وقوله في الحديث: أُمرتُ أَن لا
أَكُفَّ شَعراً ولا ثوباً، يعني في الصلاة يحتمل أَن يكون بمعنى المنع، قال
ابن الأَثير: أَي لا أَمنَعهما من الاسترسال حال السجود ليَقَعا على
الأَرض، قال: ويحتمل أَن يكون بمعنى الجمع أَي لا يجمعهما ولا يضمهما. وفي
الحديث: المؤمن أَخو المؤمن يَكُفُّ عليه ضَيْعَته أَي يجمع عليه مَعِيشتَه
ويَضُمُّها إليه؛ ومنه الحديث: يَكُفُّ ماء وجهه أَي يصُونُه ويجمعه عن
بَذْلِ السؤال وأَصله المنع؛ ومنه حديث أُم سلمة: كُفِّي رأْسي أَي
اجمعِيه وضُمِّي أَطرافه، وفي رواية: كفِّي عن رأْسي أَي دَعيه واتركي
مَشْطَه.والكِفَفُ: النُّقَر التي فيها العيون؛ وقول حميد:
ظَلَلْنا إلى كَهْفٍ، وظلَّت رِحالُنا
إلى مُسْتَكِفَّاتٍ لهنَّ غُروبُ
قيل: أَراد بالمُسْتَكِفّات الأَعين لأَنها في كِفَفٍ، وقيل: أَراد
الإبل المجتمعة، وقيل: أَراد شجراً قد استكفَّ بعضُها إلى بعض، وقوله لهنَّ
غُروب أَي ظِلال.
والكافَّةُ: الجماعة، وقيل: الجماعة من الناس. يقال: لَقِيتهم كافَّةً
أَي كلَّهم. وقال أبو إسحق في قوله تعالى: يا أَيها الذين آمنوا ادْخلُوا
في السلم كافَّةً، قال: كافة بمعنى الميع والإحاطة، فيجوز أَن يكون معناه
ادخلوا في السِّلْمِ كلِّه أَي في جميع شرائعه، ومعنى كافةً في اشتقاق
اللغة: ما يكفّ الشيء في آخره، من ذلك كُفَّة القميص وهي حاشيته، وكلُّ
مستطيل فحرفه كُفة، وكل مستدير كِفة نحو كِفة الميزان. قال: وسميت كُفَّة
الثوب لأَنها تمنعه أَن ينتشر، وأَصل الكَفّ المنع، ومن هذا قيل لطَرف
اليد كَفٌّ لأَنها يُكَفُّ بها عن سائر البدن، وهي الراحة مع الأَصابع، ومن
هذا قيل رجل مَكْفوف أَي قد كُفَّ بصرُه من أَن ينظر، فمعنى الآية
ابْلُغوا في الإسلام إلى حيث تنتهي شرائعه فَتُكَفُّوا من أَن تعدُو شرائعه
وادخلوا كلُّكم حتى يُكَفَّ عن عدد واحد لم يدخل فيه. وقال في قوله تعالى:
وقاتلوا المشركين كافة، منصوب على الحال وهو مصدر على فاعلة كالعافية
والعاقبة، وهو في موضع قاتلوا المشركين محيطين، قال: فلا يجوز أَن يثنى ولا
يجمع لا يقال قاتلوهم كافَّات ولا كافّين، كما أَنك إذا قلت قاتِلْهم
عامّة لم تثنِّ ولم تجمع، وكذلك خاصة وهذا مذهب النحويين؛ الجوهري: وأَما قول
ابن رواحة الأَنصاري:
فسِرْنا إليهم كافَةً في رِحالِهِمْ
جميعاً، علينا البَيْضُ لا نَتَخَشَّعُ
فإنما خففه ضرورة لأَنه لا يصح الجمع بين ساكِنين في حشو البيت؛ وكذلك
قول الآخر:
جَزى اللّهُ الروابَ جزاء سَوْءٍ،
وأَلْبَسَهُنّ من بَرَصٍ قَمِيصا
جلنر: الجُلنَّارُ: معروف.
مرر: مَرَّ عليه وبه يَمُرُّ مَرًّا أَي اجتاز. ومَرَّ يَمُرُّ مرًّا
ومُروراً: ذهَبَ، واستمرّ مثله. قال ابن سيده: مرَّ يَمُرُّ مَرًّا
ومُروراً جاء وذهب، ومرَّ به ومَرَّه: جاز عليه؛ وهذا قد يجوز أَن يكون مما
يتعدَّى بحرف وغير حرف، ويجوز أَن يكون مما حذف فيه الحرف فأَُوصل الفعل؛
وعلى هذين الوجهين يحمل بيت جرير:
تَمُرُّون الدِّيارَ ولَمْ تَعُوجُوا،
كَلامُكُمُ عليَّ إِذاً حَرَامُ
وقال بعضهم: إِنما الرواية:
مررتم بالديار ولم تعوجوا
فدل هذا على أَنه فَرقَ من تعدّيه بغير حرف. وأَما ابن الأَعرابي فقال:
مُرَّ زيداً في معنى مُرَّ به، لا على الحذف، ولكن على التعدّي الصحيح،
أَلا ترى أَن ابن جني قال: لا تقول مررت زيداً في لغة مشهورة إِلا في شيء
حكاه ابن الأَعرابيف قال: ولم يروه أَصحابنا.
وامْتَرَّ به وعليه: كَمَرّ. وفي خبر يوم غَبِيطِ المَدَرَةِ:
فامْتَرُّوا على بني مالِكٍ. وقوله عز وجل: فلما تَغَشَّاها حَمَلَتْ حَمْلاً
خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِه؛ أَي استمرّت به يعني المنيّ، قيل: قعدت وقامت فلم
يثقلها.
وأَمَرَّهُ على الجِسْرِ: سَلَكه فيه؛ قال اللحياني: أَمْرَرْتُ فلاناً
على الجسر أُمِرُّه إِمراراً إِذا سلكت به عليه، والاسم من كل ذلك
المَرَّة؛ قال الأَعشى:
أَلا قُلْ لِتِيَّا قَبْلَ مَرَّتِها: اسْلَمي
تَحِيَّةَ مُشْتاقٍ إِليها مُسَلِّمِ
وأَمَرَّه بِه: جَعَله يَمُرُّه. ومارَّه: مَرَّ معه. وفي حديث الوحي:
إِذا نزل سَمِعَتِ الملائكةُ صَوْتَ مِرَارِ السِّلْسِلَةِ على الصَّفا
أَي صوْتَ انْجِرارِها واطِّرادِها على الصَّخْرِ. وأَصل المِرارِ:
الفَتْلُ لأَنه يُمَرُّ
(* قوله« لأنه يمرّ» كذا بالأصل بدون مرجع للضمير ولعله
سقط من قلم مبيض مسودة المؤلف بعد قوله على الصخر، والمرار الحبل.) أَي
يُفْتل. وفي حديث آخر: كإِمْرارِ الحدِيدِ على الطَّسْتِ الجَدِيدِ؛
أَمْرَرْتُ الشيءَ أُمِرُّه إِمْراراً إِذا جعلته يَمُرُّ أَي يذهب، يريد
كجَرِّ الحَدِيدِ على الطسْتِ؛ قال: وربما رُوِيَ الحديثُ الأَوّلُ: صوتَ
إِمْرارِ السلسة.
واستمر الشيءُ: مَضى على طريقة واحدة. واستمرَّ بالشيء: قَوِيَ على
حَمْلِه. ويقال: استمرّ مَرِيرُه أَي استحك عَزْمُه. وقال الكلابيون:
حَمَلَتْ حَمْلاً خَفيفاً فاسْتَمَرَّتْ به أَي مَرَّتْ ولم يعرفوا. فمرتْ به؛
قال الزجاج في قوله فمرّت به: معناه استمرتّ به قعدت وقامت لم يثقلها فلما
أثقلت أَي دنا وِلادُها. ابن شميل: يقال للرجل إِذا استقام أَمره بعد
فساد قد استمرّ، قال: والعرب تقول: أَرْجَى الغِلْمانِ الذي يبدأُ بِحُمْقٍ
ثم يستمر؛ وأَنشد للأَعشى يخاطب امرأَته:
يا خَيْرُ، إِنِّي قد جَعَلْتُ أَسْتَمِرّْ،
أَرْفَعُ مِنْ بُرْدَيَّ ما كُنْتُ أَجُرّْ
وقال الليث: كلُّ شيء قد انقادت طُرْقَتُه، فهو مُسْتَمِرٌّ. الجوهري:
المَرَّةُ واحدة المَرِّ والمِرارِ؛ قال ذو الرمة:
لا بَلْ هُو الشَّوْقُ مِنْ دارٍ تَخَوَّنَها،
مَرًّا شَمالٌ ومَرًّا بارِحٌ تَرِبُ
يقال: فلان يَصْنَعُ ذلك الأَمْرَ ذاتَ المِرارِ أَي يصنعه مِراراً
ويدعه مراراً. والمَمَرُّ: موضع المُرورِ والمَصْدَرُ. ابن سيده: والمَرَّةُ
الفَعْلة الواحدة، والجمع مَرٌّ ومِرارٌ ومِرَرٌ ومُرُورٌ؛ عن أَبي علي
ويصدقه قول أَبي ذؤيب:
تَنَكَّرْت بَعدي أَم أَصابَك حادِثٌ
من الدَّهْرِ، أَمْ مَرَّتْ عَلَيك مُرورُ؟
قال ابن سيده: وذهب السكري إِلى أَنّ مرُوراً مصدر ولا أُبْعِدُ أَن
يكون كما ذكر، وإِن كان قد أَنث الفعل، وذلك أَنّ المصدر يفيد الكثرة
والجنسية. وقوله عز وجل: سنُعَذِّبُهُمْ مرتين؛ قال: يعذبون بالإِيثاقِ
والقَتْل، وقيل: بالقتل وعذاب القبر، وقد تكون التثنية هنا في معنى الجمع، كقوله
تعالى: ثم ارجع البصر كَرَّتَيْنِ؛ أَي كَرَّاتٍ، وقوله عز وجل: أُولئك
يُؤْتَوْنَ أَجْرَهم مَرَّتَيْنِ بما صبروا؛ جاء في التفسير: أَن هؤلاء
طائفة من أَهل الكتاب كانوا يأْخذون به وينتهون إِليه ويقفون عنده، وكانوا
يحكمون بحكم الله بالكتاب الذي أُنزل فيه القرآن، فلما بُعث النبيُّ، صلى
الله عليه وسلم، وتلا عليهم القرآنَ، قالوا: آمنَّا به، أَي صدقنا به،
إِنه الحق من ربنا، وذلك أَنّ ذكر النبي، صلى الله عليه وسلم، كان مكتوباً
عندهم في التوارة والإِنجيل فلم يعاندوا وآمنوا وصدَّقوا فأَثنى الله تعالى
عليهم خيراً، ويُعْطَون أَجرهم بالإِيمان بالكتاب قبل محمد، صلى الله
عليه وسلم، وبإِيمانهم بمحمد، صلى الله عليه وسلم.
وَلَقِيَه ذات مرَّةٍ؛ قال سيبويه: لا يُسْتَعْمَلُ ذات مَرةٍ إِلا
ظرفاً. ولقِيَه ذاتَ المِرارِ أَي مِراراً كثيرة. وجئته مَرًّا أَو
مَرَّيْنِ، يريد مرة أَو مرتين. ابن السكيت: يقال فلان يصنع ذلك تارات، ويصنع ذلك
تِيَراً، ويَصْنَعُ ذلك ذاتَ المِرارِ؛ معنى ذلك كله: يصنعه مِراراً
ويَدَعُه مِراراً.
والمَرَارَةُ: ضِدُّ الحلاوةِ، والمُرُّ نَقِيضُ الخُلْو؛ مَرَّ الشيءُ
يَمُرُّ؛ وقال ثعلب: يَمَرُّ مَرارَةً، بالفتح؛ وأَنشد:
لَئِنْ مَرَّ في كِرْمانَ لَيْلي، لَطالَما
حَلا بَيْنَ شَطَّيْ بابِلٍ فالمُضَيَّحِ
وأَنشد اللحياني:
لِتَأْكُلَني، فَمَرَّ لَهُنَّ لَحْمي،
فأَذْرَقَ مِنْ حِذارِي أَوْ أَتاعَا
وأَنشده بعضهم: فأَفْرَقَ، ومعناهما: سَلَحَ. وأَتاعَ أَي قاءَ.
وأَمَرَّ كَمَرَّ: قال ثعلب:
تُمِرُّ عَلَيْنا الأَرضُ مِنْ أَنْ نَرَى بها
أَنيساً، ويَحْلَوْلي لَنا البَلَدُ القَفْرُ
عدّاه بعلى لأَنَّ فيه مَعْنى تَضِيقُ؛ قال: ولم يعرف الكسائي مَرَّ
اللحْمُ بغر أَلفٍ؛ وأَنشد البيت:
لِيَمْضغَني العِدَى فأَمَرَّ لَحْمي،
فأَشْفَقَ مِنْ حِذاري أَوْ أَتاعا
قال: ويدلك على مَرَّ، بغير أَلف، البيت الذي قبله:
أَلا تِلْكَ الثَّعالِبُ قد تَوالَتْ
عَلَيَّ، وحالَفَتْ عُرْجاً ضِباعَا
لِتَأْكُلَنى، فَمَرَّ لَهُنَّ لَحْمي
ابن الأَعرابي: مَرَّ الطعامُ يَمَرُّ، فهومُرٌّ، وأَمَرَّهُ غَيْرُهُ
ومَرَّهُ، ومَرَّ يَمُرُّ من المُرُورِ. ويقال: لَقَدْ مَرِرْتُ من
المِرَّةِ أَمَرُّ مَرًّا ومِرَّةً، وهي الاسم؛ وهذا أَمَرُّ من كذا؛ قالت
امرأَة من العرب: صُغْراها مُرَّاها. والأَمَرَّانِ: الفَقْرُ والهَرَمُ؛
وقول خالد بن زهير الهذلي:
فَلَمْ يُغْنِ عَنْهُ خَدْعُها، حِينَ أَزْمَعَتْ
صَرِيمَتَها، والنَّفْسُ مُرٌّ ضَمِيرُها
إِنما أَراد: ونفسها خبيثة كارهة فاستعار لها المرارة؛ وشيء مُرٌّ
والجمع أَمْرارٌ. والمُرَّةُ: شجَرة أَو بقلة، وجمعها مُرٌّ وأَمْرارٌ؛ قال
ابن سيده: عندي أَنّ أَمْراراً جمعُ مُرٍّ، وقال أَبو حنيفة: المُرَّةُ
بقلة تتفرّش على الأَرض لها ورق مثل ورق الهندبا أَو أَعرض، ولها نَوْرة
صُفَيْراء وأَرُومَة بيضاء وتقلع مع أَرُومَتِها فتغسل ثم تؤكل بالخل
والخبز، وفيها عليقمة يسيرة؛ التهذيب: وقيل هذه البقلة من أَمرار البقول،
والمرّ الواحد. والمُرارَةُ أَيضاً: بقلة مرة، وجمعها مُرارٌ.
والمُرارُ: شجر مُرٌّ، ومنه بنو آكِلِ المُرارِ قومٌ من العرب، وقيل:
المُرارُ حَمْضٌ، وقيل: المُرارُ شجر إِذا أَكلته الإِبل قلَصت عنه
مَشافِرُها، واحدتها مُرارَةٌ، هو المُرارُ، بضم الميم.
وآكِلُ المُرارِ معروف؛ قال أَبو عبيد: أَخبرني ابن الكلبي أَن حُجْراً
إِنما سُمِّي آكِلَ المُرارِ أَن ابنةً كانت له سباها ملك من ملوك
سَلِيحٍ يقال له ابن هَبُولَةَ، فقالت له ابنة حجر: كأَنك بأَبي قد جاء كأَنه
جملٌ آكِلُ المُرارِ، يعني كاشِراً عن أَنيابه، فسمي بذلك، وقيل: إِنه كان
في نفر من أصحابه في سَفَر فأَصابهم الجوع، فأَما هو فأَكل من المُرارِ
حتى شبع ونجا، وأَما أَصحابه فلم يطيقوا ذلك حتى هلك أَكثرهم فَفَضَلَ
عليهم بصبره على أَكْلِه المُرارَ. وذو المُرارِ: أَرض، قال: ولعلها كثيرة
هذا النبات فسمِّيت بذلك؛ قال الراعي:
مِنْ ذِي المُرارِ الذي تُلْقِي حوالِبُه
بَطْنَ الكِلابِ سَنِيحاً، حَيثُ يَنْدَفِقُ
الفراء: في الطعام زُؤانٌ ومُرَيْراءُ ورُعَيْداءُ، وكله ما يُرْمَى به
ويُخْرَجُ منه.
والمُرُّ: دَواءٌ، والجمع أَمْرارٌ؛ قال الأَعشى يصف حمار وحش:
رَعَى الرَّوْضَ والوَسْمِيَّ، حتى كأَنما
يَرَى بِيَبِيسِ الدَّوِّ أَمْرارَ عَلْقَمِ
يصف أَنه رعى نبات الوسْمِيِّ لطِيبه وحَلاوتِه؛ يقول: صار اليبيس عنده
لكراهته إِياه بعد فِقْدانِه الرطْبَ وحين عطش بمنزلة العلقم. وفي قصة
مولد المسيح، على نبينا وعليه الصلاة والسلام: خرج قوم معهم المُرُّ، قالوا
نَجْبُرُ به الكَسِيرَ والجُرْحَ؛ المُرُّ: دواء كالصَّبرِ، سمي به
لمرارته. وفلان ما يُمِرُّ وما يُحْلِي أَي ما يضر ولا ينفع. ويقال: شتمني
فلان فما أَمْرَرْتُ وما أَحْلَيْتُ أَي ما قلت مُرة ولا حُلوة. وقولهم: ما
أَمَرَّ فلان وما أَحْلى؛ أَي ما قال مُرًّا ولا حُلواً؛ وفي حديث
الاسْتِسْقاءِ:
وأَلْقَى بِكَفَّيْهِ الفَتِيُّ اسْتِكانَةً
من الجُوعِ ضَعْفاً، ما يُمِرُّ وما يُحْلي
أَي ما ينطق بخير ولا شر من الجوع والضعف، وقال ابن الأَعرابي: ما
أُمِرُّ وما أُحْلِي أَي ما آتي بكلمة ولا فَعْلَةٍ مُرَّة ولا حُلوة، فإِن
أَردت أَن تكون مَرَّة مُرًّا ومَرَّة حُلواً قلت: أَمَرُّ وأَحْلو
وأَمُرُّ وأَحْلو. وعَيْشٌ مُرٌّ، على المثل، كما قالوا حُلْو. ولقيت منه
الأَمَرَّينِ والبُرَحَينِ والأَقْوَرَينِ أَي الشرَّ والأَمْرَ العظيم. وقال
ابن الأَعرابي: لقيت منه الأَمَرَّينِ، على التثنية، ولقيت منه
المُرَّيَيْنِ كأَنها تثنية الحالة المُرَّى. قال أَبو منصور: جاءت هذه الحروف على
لفظ الجماعة، بالنون، عن العرب، وهي الدواهي، كما قالوا مرقه مرقين
(*
قوله« مرقه مرقين» كذا بالأصل.) وأَما قول النبي، صلى الله عليه وسلم: ماذا
في الأَمَرَّينِ من الشِّفاء، فإِنه مثنى وهما الثُّفَّاءُ والصَّبِرُ،
والمَرارَةُ في الصَّبِرِ دون الثُّفَّاءِ، فغَلَّبَه عليه، والصَّبِرُ
هو الدواء المعروف، والثُّفَّاءُ هو الخَرْدَلُ؛ قال: وإِنما قال
الأَمَرَّينِ، والمُرُّ أَحَدُهما، لأَنه جعل الحُروفةَ والحِدَّةَ التي في
الخردل بمنزلة المرارة وقد يغلبون أَحد القرينين على الآخر فيذكرونهما بلفظ
واحد، وتأْنيث الأَمَرِّ المُرَّى وتثنيتها المُرَّيانِ؛ ومنه حديث ابن
مسعود، رضي الله عنه، في الوصية: هما المُرَّيان: الإِمْساكُ في الحياةِ
والتَّبْذِيرُ عنْدَ المَمات؛ قال أَبو عبيد: معناه هما الخصلتان المرتان،
نسبهما إِلى المرارة لما فيهما من مرارة المأْثم. وقال ابن الأَثير:
المُرَّيان تثنية مُرَّى مثل صُغْرى وكبرى وصُغْرَيان وكُبْرَيانِ، فهي فعلى من
المرارة تأْنيث الأَمَرِّ كالجُلَّى والأَجلِّ، أَي الخصلتان المفضلتان
في المرارة على سائر الخصال المُرَّة أَن يكون الرجل شحيحاً بماله ما دام
حيّاً صحيحاً، وأَن يُبَذِّرَه فيما لا يُجْدِي عليه من الوصايا المبنية
على هوى النفس عند مُشارفة الموت.
والمرارة: هَنَةٌ لازقة بالكَبد وهي التي تُمْرِئُ الطعام تكون لكل ذي
رُوحٍ إِلاَّ النَّعامَ والإِبل فإِنها لا مَرارة لها.
والمارُورَةُ والمُرَيرَاءُ: حب أَسود يكون في الطعام يُمَرُّ منه وهو
كالدَّنْقَةِ، وقيل: هو ما يُخرج منه فيُرْمى به. وقد أَمَرَّ: صار فيه
المُرَيْراء. ويقال: قد أَمَرَّ هذا الطعام في فمي أَي صار فيه مُرّاً،
وكذلك كل شيء يصير مُرّاً، والمَرارَة الاسم. وقال بعضهم: مَرَّ الطعام
يَمُرّ مَرارة، وبعضهم: يَمَرُّ، ولقد مَرَرْتَ يا طَعامُ وأَنت تَمُرُّ؛ ومن
قال تَمَرُّ قال مَرِرْتَ يا طعام وأَنت تَمَرُّ؛ قال الطرمَّاح:
لَئِنْ مَرَّ في كِرْمانَ لَيْلي، لرُبَّما
حَلا بَيْنَ شَطَّي بابِلٍ فالمُضَيَّحِ
والمَرارَةُ: التي فيها المِرَّةُ، والمِرَّة: إِحدى الطبائع الأَربع؛
ابن سيده: والمِرَّةُ مِزاجٌ من أَمْزِجَةِ البدن. قال اللحياني: وقد
مُررْتُ به على صيغة فعل المفعول أُمَرُّ مَرًّا ومَرَّة. وقال مَرَّة:
المَرُّ المصدر، والمَرَّة الاسم كما تقول حُمِمْتُ حُمَّى، والحمى الاسم.
والمَمْرُور: الذي غلبت عليه المِرَّةُ، والمِرَّةُ القوّة وشده العقل
أَيضاً. ورجل مرير أَي قَوِيُّ ذو مِرة. وفي الحديث: لا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ
لغَنِيٍّ ولا لِذي مِرَّةَ سَوِيٍّ؛ المِرَّةُ: القُوَّةُ والشِّدّةُ،
والسَّوِيُّ: الصَّحيحُ الأَعْضاءِ. والمَرِيرُ والمَرِيرَةُ: العزيمةُ؛ قال
الشاعر:
ولا أَنْثَني مِنْ طِيرَةٍ عَنْ مَرِيرَةٍ،
إِذا الأَخْطَبُ الدَّاعي على الدَّوحِ صَرْصَرا
والمِرَّةُ: قُوّةُ الخَلْقِ وشِدّتُهُ، والجمع مِرَرٌ، وأَمْرارٌ جمع
الجمع؛ قال:
قَطَعْتُ، إِلى مَعْرُوفِها مُنْكراتِها،
بأَمْرارِ فَتْلاءِ الذِّراعَين شَوْدَحِ
ومِرَّةُ الحَبْلِ: طاقَتُهُ، وهي المَرِيرَةُ، وقيل: المَرِيرَةُ الحبل
الشديد الفتل، وقيل: هو حبل طويل دقيق؛ وقد أمْرَرْتَه. والمُمَرُّ:
الحبل الذي أُجِيدَ فتله، ويقال المِرارُ والمَرُّ. وكل مفتول مُمَرّ، وكل
قوّة من قوى الحبل مِرَّةٌ، وجمعها مِرَرٌ. وفي الحديث: أَن رجلاً أَصابه
في سيره المِرَارُ أَي الحبل؛ قال ابن الأَثير: هكذا فسر، وإِنما الحبل
المَرُّ، ولعله جمعه. وفي حديث عليّ في ذكر الحياةِ: إِنّ الله جعل الموت
قاطعاً لمَرائِر أَقرانها؛ المَرائِرُ: الحبال المفتولة على أَكثَر من طاق،
واحدها مَريرٌ ومَرِيرَةٌ. وفي حديث ابن الزبير: ثم اسْتَمَرَّتْ
مَريرَتي؛ يقال: استمرت مَرِيرَتُه على كذا إِذا استحكم أَمْرُه عليه وقويت
شَكِيمَتُه فيه وأَلِفَه واعْتادَه، وأَصله من فتل الحبل. وفي حديث معاوية:
سُحِلَتْ مَريرَتُه أَي جُعل حبله المُبْرَمُ سَحِيلاً، يعني رخواً
ضعيفاً. والمَرُّ، بفتح الميم: الحبْل؛ قال:
زَوْجُكِ ا ذاتَ الثَّنايا الغُرِّ،
والرَّبَلاتِ والجَبِينِ الحُرِّ،
أَعْيا فَنُطْناه مَناطَ الجَرِّ،
ثم شَدَدْنا فَوْقَه بِمَرِّ،
بَيْنَ خَشاشَيْ بازِلٍ جِوَرِّ
الرَّبَلاتُ: جمع رَبَلَة وهي باطن الفخذ. والحَرُّ ههنا: الزَّبيلُ.
وأَمْرَرْتُ الحبلَ أُمِرُّه، فهو مُمَرٌّ، إِذا شَدَدْتَ فَتْلَه؛ ومنه
قوله عز وجل: سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ؛ أَي مُحْكَمٌ قَوِيٌّ، وقيل مُسْتَمِرٌّ
أَي مُرٌّ، وقيل: معناه سَيَذْهَبُ ويَبْطُلُ؛ قال أَبو منصور: جعله من
مَرَّ يَمُرُّ إِذا ذهَب. وقال الزجاج في قوله تعالى: في يوم نَحْسٍ
مُسْتَمِرٍّ، أَي دائمٍ، وقيل أَي ذائمِ الشُّؤْمِ، وقيل: هو القويُّ في
نحوسته، وقيل: مستمر أَي مُر، وقيل: مستمر نافِذٌ ماضٍ فيما أُمِرَ به وسُخّر
له. ويقال: مَرَّ الشيءُ واسْتَمَرَّ وأَمَرَّ من المَرارَةِ. وقوله
تعالى: والساعة أَدْهَى وأَمَرُّ؛ أَي أَشد مَرارة؛ وقال الأَصمعي في قول
الأَخطل:
إِذا المِئُونَ أُمِرَّتْ فَوقَه حَمَلا
وصف رجلاً يَتَحَمَّلُ الحِمَالاتِ والدِّياتِ فيقول: إِذا اسْتُوثِقَ
منه بأَن يحمِل المِئينَ من الإِبل ديات فأُمِرَّتْ فوق ظهره أَي شُدَّتْ
بالمِرارِ وهو الحبل، كما يُشَدُّ على ظهر البعير حِمْلُه، حَمَلَها
وأَدّاها؛ ومعنى قوله حَمَلا أَي ضَمِنَ أَداءَ ما حَمَل وكفل. الجوهري:
والمَرِيرُ من الحبال ما لَطُفَ وطال واشتد فَتْلُه، والجمع المَرائِرُ؛ ومنه
قولهم: ما زال فلان يُمِرُّ فلاناً ويُمارُّه أَي يعالجه ويَتَلَوَّى
عليه لِيَصْرَعَه. ابن سيده: وهو يُمارُّه أَي يَتَلَوَّى عليه؛ وقول أَبي
ذؤيب:
وذلِكَ مَشْبُحُ الذِّراعَيْنِ خَلْجَمٌ
خَشُوفٌ، إِذا ما الحَرْبُ طالَ مِرارُها
فسره الأَصمعي فقال: مِرارُها مُداوَرَتُها ومُعالجتُها. وسأَل أَبو
الأَسود
(* قوله« وسأل أبو الاسود إلخ» كذا بالأصل.) الدؤلي غلاماً عن أَبيه
فقال: ما فَعَلَتِ امْرأَةُ أَبيك؟ قال: كانت تُسارُّه وتُجارُّه
وتُزارُّه وتُهارُّه وتُمارُّه، أَي تَلتَوي عليه وتخالِفُه، وهو من فتل الحبل.
وهو يُمارُّ البعيرَ أَي يريده ليصرعه. قال أَبو الهيثم: مارَرْت الرجلَ
مُمارَّةً ومِراراً إِذا عالجته لتصرعه وأراد ذلك منك أَيضاً. قال:
والمُمَرُّ الذي يُدْعى لِلبَكْرَةِ الصَّعْبَةِ لِيَمُرَّها قَبْلَ
الرائِضِ. قال: والمُمَرُّ الذي يَتَعَقَّلُ
(* قوله« يتعقل» في القاموس: يتغفل.)
البَكْرَةَ الصعْبَةَ فيَسْتَمْكِنُ من ذَنَبِها ثم يُوَتِّدُ
قَدَمَيْهِ في الأَرض كي لا تَجُرَّه إِذا أَرادتِ الإِفلاتَ، وأَمَرَّها بذنبها
أَي صرفها شِقًّا لشِقٍّ حتى يذللها بذلك فإِذا ذلت بالإِمرار أَرسلها
إِلى الرائض.
وفلان أَمَرُّ عَقْداً من فلان أَي أَحكم أَمراً منه وأَوفى ذمةً.
وإِنه لذو مِرَّة أَي عقل وأَصالة وإِحْكامٍ، وهو على المثل.
والمِرَّةُ: القوّة، وجمعها المِرَرُ. قال الله عز وجل: ذو مِرَّةٍ فاسْتَوَى، وقيل
في قوله ذو مِرَّةٍ: هو جبريل خلقه الله تعالى قويّاً ذا مِرَّة شديدة؛ وقال
الفراء: ذو مرة من نعت قوله تعالى: علَّمه شدِيدُ القُوى ذو مِرَّة؛ قال
ابن السكيت: المِرَّة القوّة، قال: وأَصل المِرَّةِ إِحْكامُ الفَتْلِ.
يقال: أَمَرَّ الحبلَ إِمْراراً. ويقال: اسْتَمَرَّت مَريرَةُ الرجل إِذا
قويت شَكِيمَتُه.
والمَريرَةُ: عِزَّةُ النفس. والمَرِيرُ، بغير هاء: الأَرض التي لا شيء
فيها، وجمعها مَرائِرُ. وقِرْبة مَمْرورة: مملوءة.
والمَرُّ: المِسْحاةُ، وقيل: مَقْبِضُها، وكذلك هو من المِحراثِ.
والأَمَرُّ: المصارِينُ يجتمع فيها الفَرْثُ، جاء اسماً للجمع كالأَعَمِّ الذي
هو الجماعة؛ قال:
ولا تُهْدِي الأَمَرَّ وما يَلِيهِ،
ولا تُهْدِنّ مَعْرُوقَ العِظامِ
قال ابن بري: صواب إِنشاد هذا البيت ولا، بالواو، تُهْدِي، بالياء،
لأَنه يخاطب امرأَته بدليل قوله ولا تهدنّ، ولو كان لمذكر لقال: ولا
تُهْدِيَنَّ، وأَورده الجوهري فلا تهد بالفاء؛ وقبل البيت:
إِذا ما كُنْتِ مُهْدِيَةً، فَأَهْدِي
من المَأْناتِ، أَو فِدَرِ السَّنامِ
يأْمُرُها بمكارِم الأَخلاقِ أَي لا تْهدي من الجَزُورِ إِلا أَطايِبَه.
والعَرْقُ: العظم الذي عليه اللحم فإِذا أُكِلَ لحمه قيل له مَعْرُوقٌ.
والمَأْنَةُ: الطَّفْطَفَةُ. وفي الحديث: أَن النبي، صلى الله عليه وسلم،
كره من الشَّاءِ سَبْعاً: الدَّمَ والمَرارَ والحَياءَ والغُدّةَ
والذَّكَرَ والأُنْثَيَيْنِ والمَثانَةَ؛ قال القتيبي: أَراد المحدث أَن يقول
الأَمَرَّ فقال المَرارَ، والأَمَرُّ المصارِينُ. قال ابن الأَثير:
المَرارُ جمع المَرارَةِ، وهي التي في جوف الشاة وغيرها يكون فيها ماء أَخضر
مُرٌّ، قيل: هي لكل حيوان إِلاَّ الجمل. قال: وقول القتيبي ليس بشيء. وفي
حديث ابن عمر: أَنه جرح إِصبعه فأَلْقَمَها مَرارَةً وكان يتوضأُ عليها.
ومَرْمَرَ إِذا غَضِبَ، ورَمْرَمَ إِذا أَصلح شأْنَه. ابن السكيت:
المَرِيرَةُ من الحبال ما لَطُف وطال واشتد فتله، وهي المَرائِرُ. واسْتَمَرَّ
مَرِيرُه إِذا قَوِيَ بعد ضَعْفٍ.
وفي حديث شريح: ادّعى رجل دَيْناً على ميِّت فأَراد بنوه أَن يحلفوا على
عِلْمِهِم فقال شريح: لَتَرْكَبُنَّ منه مَرَارَةَ الذَّقَنِ أَي
لَتَحْلِفُنَّ ما له شيء، لا على العلم، فيركبون من ذلك ما يَمَرُّ في
أَفْواهِهم وأَلسِنَتِهِم التي بين أَذقانهم.
ومَرَّانُ شَنُوءَةَ: موضع باليمن؛ عن ابن الأَعرابي. ومَرَّانُ ومَرُّ
الظَّهْرانِ وبَطْنُ مَرٍّ: مواضعُ بالحجاز؛ قال أَبو ذؤَيب:
أَصْبَحَ مِنْ أُمِّ عَمْرٍو بَطْنُ مَرَّ فأَكْـ
ـنافُ الرَّجِيعِ، فَذُو سِدْرٍ فأَمْلاحُ
وَحْشاً سِوَى أَنّ فُرَّاطَ السِّباعِ بها،
كَأَنها مِنْ تَبَغِّي النَّاسِ أَطْلاحُ
ويروى: بطن مَرٍّ، فَوَزْنُ« رِنْ فَأَكْ» على هذا فاعِلُنْ. وقوله
رَفَأَكْ، فعلن،وهو فرع مستعمل، والأَوّل أَصل مَرْفُوض. وبَطْنُ مَرٍّ:
موضع، وهو من مكة، شرفها الله تعالى، على مرحلة. وتَمَرْمَرَ الرجلُ
(* قوله«
وتمرمر الرجل إلخ» في القاموس وتمرمر الرمل): مارَ.
والمَرْمَرُ: الرُّخامُ؛ وفي الحديث: كأَنَّ هُناكَ مَرْمَرَةً؛ هي
واحدةُ المَرْمَرِ، وهو نوع من الرخام صُلْبٌ؛ وقال الأَعشى:
كَدُمْيَةٍ صُوِّرَ مِحْرابُها
بِمُذْهَبٍ ذي مَرْمَرٍ مائِرِ
وقال الراجز:
مَرْمارَةٌ مِثْلُ النَّقا المَرْمُورِ
والمَرْمَرُ: ضَرْبٌ من تقطيع ثياب النساء. وامرأَة مَرْمُورَةٌ
ومَرْمارَةٌ: ترتَجُّ عند القيام. قال أَبو منصور: معنى تَرْتَجُّ وتَمَرْمَرُ
واحد أَي تَرْعُدُ من رُطوبتها، وقيل: المَرْمارَةُ الجارية الناعمة
الرَّجْراجَةُ، وكذلك المَرْمُورَةُ. والتَّمَرْمُرُ: الاهتزازُ. وجِسْمٌ
مَرْمارٌ ومَرْمُورٌ ومُرَامِرٌ: ناعمٌ. ومَرْمارٌ: من أَسماء الداهية؛
قال:قَدْ عَلِمَتْ سَلْمَةُ بالغَمِيسِ،
لَيْلَةَ مَرْمارٍ ومَرْمَرِيسِ
والمرْمارُ: الرُّمانُ الكثير الماء الذي لا شحم له. ومَرَّارٌ ومُرَّةُ
ومَرَّانُ: أَسماء. وأَبو مُرَّةَ: كنية إِبليس. ومُرَيْرَةٌ
والمُرَيْرَةُ: موضع؛ قال:
كأَدْماءَ هَزَّتْ جِيدَها في أَرَاكَةٍ،
تَعاطَى كَبَاثاً مِنْ مُرَيْرَةَ أَسْوَدَا
وقال:
وتَشْرَبُ أَسْآرَ الحِياضِ تَسُوفُه،
ولو وَرَدَتْ ماءَ المُرَيْرَةِ آجِما
أَراد آجنا، فأَبدل. وبَطْنُ مَرٍّ: موضعٌ. والأَمْرَارُ: مياه معروفة
في ديار بني فَزَارَةَ؛ وأَما قول النابغة يخاطب عمرو بن هند:
مَنْ مُبْلِغٌ عَمْرَو بنَ هِنْدٍ آيةً؟
ومِنَ النَّصِيحَةِ كَثْرَةُ الإِنْذَارِ
لا أَعْرِفَنَّك عارِضاً لِرِماحِنا،
في جُفِّ تَغْلِبَ وارِدِي الأَمْرَارِ
فهي مياه بالبادِيَة مرة. قال ابن بري: ورواه أَبو عبيدة: في جف ثعلب،
يعني ثعلبة بن سعد بن ذبيان، وجعلهم جفّاً لكثرتهم. يقال للحي الكثير
العدد: جف، مثل بكر وتغلب وتميم وأَسد، ولا يقال لمن دون ذلك جف. وأَصل الجف:
وعاء الطلع فاستعاره للكثرة، لكثرة ما حوى الجف من حب الطلع؛ ومن رواه:
في جف تغلب، أَراد أَخوال عمرو بن هند، وكانت له كتيبتان من بكر وتغلب
يقال لإِحداهما دَوْسَرٌ والأُخرى الشَّهْباء؛ قوله: عارضاً لرماحنا أَي لا
تُمَكِّنها من عُرْضِكَ؛ يقال: أَعرض لي فلان أَي أَمكنني من عُرْضِه
حتى رأَيته. والأَمْرارُ: مياهٌ مَرَّةٌ معروفة منها عُِراعِرٌ وكُنَيْبٌ
والعُرَيْمَةُ. والمُرِّيُّ: الذي يُؤْتَدَمُ به كأَنَّه منسوب إِلى
المَرارَةِ، والعامة تخففه؛ قال: وأَنشد أَبو الغوث:
وأُمُّ مَثْوَايَ لُباخِيَّةٌ،
وعِنْدَها المُرِّيُّ والكامَخُ
وفي حديث أَبي الدرداء ذكر المُرِّيِّ، هو من ذلك. وهذه الكلمة في
التهذيب في الناقص: ومُرامِرٌ اسم رجل. قال شَرْقيُّ بن القُطَامي: إِن أَوّل
من وضع خطنا هذا رجال من طيء منهم مُرامِرُ بن مُرَّةَ؛ قال الشاعر:
تَعَلَّمْتُ باجاداً وآلَ مُرامِرٍ،
وسَوَّدْتُ أَثْوابي، ولستُ بكاتب
قال: وإِنما قال وآل مرامر لأَنه كان قد سمى كل واحد من أَولاده بكلمة
من أَبجد وهي ثمانية. قال ابن بري: الذي ذكره ابن النحاس وغيره عن
المدايني أَنه مُرامِرُ بن مَرْوَةَ، قال المدايني: بلغنا أَن أَوَّل من كتب
بالعربية مُرامِرُ بن مروة من أَهل الأَنبار، ويقال من أَهل الحِيرَة، قال:
وقال سمرة بن جندب: نظرت في كتاب العربية فإِذا هو قد مَرَّ بالأَنبار
قبل أَن يَمُرَّ بالحِيرَةِ. ويقال إِنه سئل المهاجرون: من أَين تعلمتم
الخط؟ فقالوا: من الحيرة؛ وسئل أَهل الحيرة: من أَين تعلمتم الخط؟ فقالوا:
من الأَنْبار.
والمُرّانُ: شجر الرماح، يذكر في باب النون لأَنه فُعَّالٌ.
ومُرٌّ: أَبو تميم، وهو مُرُّ بنُ أُدِّ بن طابِخَةَ بنِ إِلْياسَ بنِ
مُضَرَ. ومُرَّةُ: أَبو قبيلة من قريش، وهو مُرّة بن كعب بن لُؤَيِّ بن
غالبِ بن فهر بن مالك بن النضر ومُرَّةُ: أَبو قبيلة من قَيْسِ عَيْلانَ،
وهو مُرَّةُ بن عَوْف بن سعد بن قيس عيلانَ. مُرَامِراتٌ: حروف وها
(*
قوله« حروف وها» كذا بالأصل.) قديم لم يبق مع الناس منه شيء، قال أَبو
منصور: وسمعت أَعرابيّاً يقول لَهِمٌ وَذَلٌ وذَلٌ، يُمَرْمِرُ مِرْزةً
ويَلُوكُها؛ يُمَرْمِرُ أَصلُه يُمَرِّرُ أَي يَدْحُوها على وجه الأَرض. ويقال:
رَعَى بَنُو فُلانٍ المُرَّتَيْنِ
(* في القاموس: المريان بالياء
التحتية بعد الراء بدل التاء المثناة) وهما الأَلاءُ والشِّيحُ. وفي الحديث ذكر
ثنية المُرارِ المشهور فيها ضم الميم، وبعضهم يكسرها، وهي عند الحديبية؛
وفيه ذكر بطن مَرٍّ ومَرِّ الظهران، وهما بفتح الميم وتشديد الراء، موضع
بقرب مكة.
الجوهري: وقوله لتَجِدَنَّ فُلاناً أَلْوى بَعيدَ المُسْتَمَرِّ، بفتح
الميم الثانية، أَي أَنه قَوِيٌّ في الخُصُومَةِ لا يَسْأَمُ المِراسَ؛
وأَنشد أَبو عبيد:
إِذا تَخازَرْتُ، وما بي من خَزَرْ،
ثم كَسَرْتُ العَيْنَ مِنْ غَيْرِ عَوَرْ
وجَدْتَني أَلْوَى بَعِيدَ المُسْتَمَرّْ،
أَحْمِلُ ما حُمِّلْتُ مِنْ خَيْرٍ وشَرّْ
قال ابن بري: هذا الرجز يروى لعمرو بن العاص، قال: وهو المشهور؛ ويقال:
إِنه لأَرْطاةَ بن سُهَيَّةَ تمثل به عمرو، رضي الله عنه.
ندب: النَّدَبَةُ: أَثَرُ الجُرْح إِذا لم يَرْتَفِعْ عن الجلد، والجمع
نَدَبٌ، وأَنْدابٌ ونُدُوبٌ: كلاهما جمع الجمع؛ وقيل: النَّدَبُ واحد،
والجمع أَنْدابٌ ونُدُوبٌ، ومنه قول عمر، رضي اللّه عنه: إِياكم ورَضاعَ السَّوْءِ، فإِنه لا بُدَّ من أَن يَنْتَدِبَ أَي يَظْهَرَ يوماً ما؛ وقال الفرزدق:
ومُكَبَّلٍ، تَرَك الـحَديدُ بساقِهِ * نَدَباً من الرَّسَفانِ في الأَحجالِ
وفي حديث موسى، على نبينا وعليه الصلاة والسلام: وإِنَّ بالـحَجَر نَدَباً سِتَّـةً أَو سبعةً مِن ضربه إِياه؛ فَشَبَّه أَثر الضرب في الـحجَر بأَثر الجَرْح. وفي حديث مُجاهد: أَنه قرأَ سِـيماهُمْ في وُجوههم من أَثر السُّجود؛ فقال: ليس بالنَّدَب، ولكنه صُفْرَةُ الوَجْهِ والخُشُوعُ؛ واستعاره بعضُ الشعراء للعِرْضِ، فقال:
نُبِّئْتُ قافيةً قِـيلَتْ، تَناشَدَها * قومٌ سأَتْرُكُ، في أَعْراضِهِم، نَدَبا
أَي أَجْرَحُ أَعْراضَهم بالهجاءِ، فيُغادِرُ فيها ذلك الجَرْحُ نَدَباً.
ونَدِبَ جُرْحُه نَدَباً، وأَنْدَبَ: صَلُبَتْ نَدَبَتُه. وجُرْحٌ نَديبٌ: مَنْدُوبٌ. وجُرْحٌ نَديبٌ أَي ذو ندَبٍ؛ وقال ابن أُم حَزْنَةَ يَصِفُ طَعْنة:
فإِن قَتَلَتْه، فلَم آلهُ * وإِنْ يَنْجُ منها، فَجُرْحٌ نَديبْ
ونَدِبَ ظَهْرُه نَدَباً ونُدوبةً، فهو نَدِبٌ: صارت فيه نُدُوبٌ.
وأَنْدَبَ بظَهْره وفي ظَهْره: غادرَ فيه نُدوباً.
ونَدَبَ الميتَ أَي بكى عليه، وعَدَّدَ مَحاسِنَه، يَنْدُبه نَدْباً؛ والاسم النُّدْبةُ، بالضم. ابن سيده: ونَدَبَ الميت بعد موته من غير أَن
يُقَيِّد ببكاء، وهو من النَّدَب للجراح، لأَنه احْتِراقٌ ولَذْعٌ من
الـحُزْن.
والنَّدْبُ: أَن تَدْعُوَ النادِبةُ الميتَ بحُسْنِ الثناءِ في قولها:
وافُلاناهْ !واهَناه! واسم ذلك الفعل: النُّدْبةُ، وهو من أَبواب النحو؛
كلُّ شيءٍ في نِدائه وا! فهو من باب النُّدْبة. وفي الحديث: كلُّ نادِبةٍ كاذِبةٌ، إِلاَّ نادِبةَ سَعْدٍ؛ هو من ذلك، وأَن تَذْكُرَ النائحةُ
الميتَ بأَحسن أَوصافه وأَفعاله. ورجل نَدْبٌ: خَفِـيفٌ في الحاجة، سريعٌ، ظَريف، نَجِـيبٌ؛ وكذلك الفرس، والجمع نُدوبٌ ونُدَباءُ، توهموا فيه فَعِـيلاً، فكسَّروه على فُعَلاء، ونظيره سَمْحٌ وسُمَحاء؛ وقد نَدُبَ نَدابةً، وفرس نَدْبٌ. الليث: النَّدْبُ الفرسُ الماضي، نقيض البَليدِ. والنَّدْبُ: أَن يَنْدُبَ إِنسانٌ قوماً إِلى أَمر، أَو حَرْبٍ، أَو مَعُونةٍ أَي يَدْعُوهم إِليه، فَيَنْتَدِبُون له أَي يُجِـيبونَ ويُسارِعُون.
ونَدَبَ القومَ إِلى الأَمْر يَنْدُبهم نَدْباً: دعاهم وحَثَّهم.
وانْتَدَبُوا إِليه: أَسْرَعُوا؛ وانْتَدَبَ القومُ من ذوات أَنفسهم أَيضاً،
دون أَن يُنْدَبُوا له. الجوهري: ندَبَه للأَمْر فانْتَدَبَ له أَي دَعاه
له فأَجاب. وفي الحديث: انْتَدَبَ اللّهُ لمن يَخْرُجُ في سبيله أَي
أَجابه إِلى غُفْرانه.يقال: نَدَبْتُه فانْتَدَبَ أَي بَعَثْتُه ودَعَوْتُه
فأَجاب.
وتقول: رَمَيْنا نَدَباً أَي رَشْقاً؛ وارْتَمَى نَدَباً أَو نَدَبَيْنِ أَي وَجْهاً أَو وَجْهَيْنِ. ونَدَبُنا يومُ كذا أَي يومُ انْتِدابِنا للرَّمْي. وتكلَّم فانْتَدَبَ له فلانٌ أَي عارَضَه. والنَّدَبُ: الخَطَرُ. وأَنْدَبَ نَفْسَه وبنفسه: خاطَر بهما؛ قال عُرْوة بنُ الوَرْد:
أَيَهْلِكُ مُعْتَمٌّ وزَيْدٌ، ولم أَقُمْ * على نَدَبٍ، يوماً، ولي نَفْسُ مُخْطِر
مُعْتَمٌّ وزيدٌ: بَطْنانِ من بُطُونِ العرب، وهما جَدَّاه (1)
(1 قوله «وهما جداه» مثله في الصحاح وقال الصاغاني هو غلط وذلك أن زيداً جدّه ومعتم ليس من أجداده وساق نسبهما.) .
وقال ابن الأَعرابي: السَّبَقُ، والخَطَرُ، والنَّدَبُ، والقَرَعُ، والوَجْبُ: كُلُّه الذي يُوضَعُ في النِّضال والرِّهانِ، فمن سَبَقَ أَخذه؛ يقال فيه كُلِّه: فَعَّلَ مُشَدَّداً إِذا أَخذه. أَبو عمرو: خُذْ ما
اسْتَبَضَّ، واسْتَضَبَّ، وانْتَدَمَ، وانْتَدَبَ، ودَمَع، ودَمَغ، وأَوْهَفَ، وأَزْهَفَ، وتَسَنَّى، وفَصَّ وإِن كان يسيراً.
والنَّدَبُ: قبيلة.
ونَدْبةُ، بالفتح: اسم أُم خُفافِ بن نَدْبةَ السُّلَمِـيّ، وكانت سَوْداءَ حَبَشِـيَّةً.
ومَنْدُوبٌ: فرس أَبي طلحة زيد بن سَهْل، رَكِـبَه سيدُنا رسولُ اللّه، صلى اللّه عليه وسلم، فقال فيه: إِنْ وجَدْناه لَبَحْراً. وفي الحديث: كان له فرس يقال له الـمَنْدُوبُ أَي المطلوب، وهو من النَّدَبِ،
وهو الرَّهْنُ الذي يُجْعَل في السِّباقِ؛ وقيل سمي به لِنَدَبٍ كان في جِسْمه، وهي أَثَرُ الجُرْح.
نعش: نَعَشَه اللَّهُ يَنْعَشُه نَعْشاً وأَنْعَشَه: رَفَعَه.
وانْتَعَشَ: ارتفع. والانْتِعاشُ: رَفْعُ الرأْس. والنَّعْشُ: سَريرُ الميت منه،
سمي بذلك لارتفاعه، فإِذا لم يكن عليه ميّت فهو سرير؛ وقال ابن الأَثير:
إِذا لم يكن عليه ميت محمول فهو سرير. والنَّعْشُ: شَبِيهٌ بالمِحَفَّة
كان يُحْمَل عليها المَلِكُ إِذا مَرِض؛ قال النابغة:
أَلم تَرَ خَيْرَ الناسِ أَصْبَحَ نَعْشُه
على فِتْيةٍ، قد جاوَزَ الحَيَّ سائرا؟
ونَحْنُ لَدَيْه نسأَل اللَّه خُلْدَه،
يُرَدُّ لنا مَلْكاً، وللأَرض عامِرا
وهذا يدل على أَنه ليس بميت، وقيل: هذا هو الأَصل ثم كثر في كلامهم حتى
سُمِّي سريرُ الميت نَعْشاً. وميت مَنْعُوشٌ: محمول على النَعْش؛ قال
الشاعر:
أَمَحْمُولٌ على النَّعْشِ الهُمام؟
وسئل أَبو العباس أَحمد بن يحيى عن قول عنترة:
يَتْبَعْن قُلَّةَ رأْسِه، وكأَنه
حَرَجٌ على نَعْشٍ لهنَّ مُخَيِّم
فحَكى عن ابن الأَعرابي أَنه قال: النَّعامُ مَنْخُوبُ الجَوف لا عَقل
له. وقال أَبو العباس: إِنما وصف الرِّئالَ أَنها تتبع النعامةَ
فَتَطْمَحُ بأَبصارها قُلَّة رأْسِها، وكأَن قُلَّةَ رأْسها ميتٌ على سرير، قال:
والرواية مخيِّم، بكسر الياء؛ ورواه الباهِليّ:
وكأَنه زَوْجٌ على نعش لهن مخيَّم
بفتح الياء؛ قال: وهذه نعام يُتَّبَعْن. والمُخَيَّمُ: الذي جُعِل
بمنزلة الخَيْمة. والزَّوْجُ: النَّمطُ. وقُلَّةُ رأْسه: أَعْلاهُ. يَتْبَعْن:
يعني الرِّئالَ؛ قال الأَزهري: ومن رواه حَرَجٌ على نعش، فالحَرَجُ
المَشْبَك الذي يُطْبَق على المرأَة إِذا وُضِعت على سرير المَوْتى وتسميه
الناس النَّعْش، وإِنما النَّعْش السريرُ نفسُه، سمي حَرَجاً لأَنه
مُشَبَّكٌ بعِيدان كأَنها حَرَجُ الهَوْدَج. قال: ويقولون النَّعْش الميت
والنَّعْش السرير.
وبَناتُ نعش: سبعةُ كَواكبَ: أَربعة منها نَعْش لأَنها مُربّعة، وثلاثةٌ
بَناتُ نَعْشٍ؛ الواحدُ ابنُ نَعْشٍ لأَن الكوكب مذكر فَيُذكِّرونه على
تذكيره، وإِذا قالوا ثلاث أشو أَربع ذهبوا إِلى البنات، وكذلك بَناتُ
نَعْشٍ الصُّغْرى، واتفق سيبويه والفراء على ترك صرْف نعْش للمعرفة
والتأْنيث، وقيل: شبهت بحَمَلة النَّعْشِ في تَرْبيعها؛ وجاء في الشعر بَنُو
نَعَش، أَنشد سيبويه للنابغة الجَعْديّ:
وصَهْباء لا يَخْفى القَذى وهي دُونَه،
تُصَفِّقُ في رَاوُوقِها ثم تُقْطَبُ
تمَزَّزْتُها، والدِّيكُ يَدْعُو صَباحَهُ،
إِذا ما بَنُو نَعْشٍ دَنَوْا فتَصَوَّبُوا
الصَّهْباءُ: الخَمْرُ. وقوله لا يَخْفى القَذى وهي دونه أَي لا
تَسْترُهُ إِذا وقَعَ فيها لكونها صافية فالقَذى يُرى فيها إِذا وقع. وقوله: وهي
دونه يريد أَن القَذى إِذا حصل في أَسفل الإِناء رآه الرائي في الموضع
الذي فَوْقَه الخمرُ والخمرُ أَقْربُ إِلى الرائي من القذى، يريد أَنها
يُرى ما وراءها. وتُصَفَّق: تُدارُ من إِناء إِلى إِناء. وقوله:
تمزَّزْتُها أَي شَرِبْتها قليلاً قليلاً. وتُقْطَب: تُمْزَج بالماء؛ قال الأَزهري:
وللشاعر إِذا اضطر أَن يقول بَنُو نَعْش كما قال الشاعر، وأَنشد البيت،
ووجْهُ الكلامِ بَناتُ نَعْشٍ كما قالوا بَناتُ آوى وبناتُ عُرْس،
والواحدُ منها ابنُ عُرْس وابن مِقْرَض
(* قوله «والواحد منها ابن عرس وابن
مقرض» هكذا في الأصل بدون ذكر ابن آوى وبدون تقدم بنات مقرض.)، يؤنثون جمْعَ
ما خلا الآدميّين؛ وأَما قول الشاعر:
تَؤُمُّ النَّواعِشَ والفَرْقَدَيـ
ن، تَنْصِبُ للقَصْد منها الجَبينا
فإِنه يريد بنات نَعْش إِلا أَنه جَمَعَ المضاف كما أَنه جُمِع سامُّ
أَبْرَصَّ الأَبارِصَ، فإِن قلت: فكيف كَسَّر فَعْلاَ على فَواعِلَ وليس من
بابه؟ قيل: جاز ذلك من حيث كان نَعْشٌ في الأَصل مصدر نَعَشَه نَعْشاً،
والمَصْدرُ إِذا كان فَعْلاَ فقد يُكسَّر على ما يكسَّر عليه فاعِل، وذلك
لمُشابهَةِ المصدر لاسم الفاعل من حيث جازَ وقُوعُ كلِّ واحد منهما
موقبعَ صاحبه، كقوله قُمْ قائماً أَي قُمْ قياماً، وكقوله سبحانه: قل
أَرأَيْتُم إِن أَصبَحَ ماؤكم غَوْراً. ونَعَشَ الإِنسان يَنْعَشُه نَعْشاً:
تَدارَكَه من هَلَكةٍ. ونَعَشَه اللَّهُ وأَنْعَشَه: سَدَّ فَقْرَه؛ قال
رؤبة:
أَنْعَشَني منه بسَيْبٍ مُقْعَثِ
ويقال: أَقْعَثَني وقد انْتَعَشَ هو. وقال ابن السكيت: نَعَشَه اللَّهُ
أَي رَفَعَه، ولا يقال أَنْعَشه وهو من كلام العامَّة، وفي الصحاح: لا
يقال أَنْعَشَه اللَّه؛ قال ذو الرمة:
لا يَنْعَشُ الطَّرْفَ إِلا ما تَخَوَّنَه
داغٍ يُنادِيه، باسْمِ الماءِ، مَبْغُوم
وانْتَعَشَ العاثرُ إِذا نَهَض من عَثْرَتِه. ونَعَّشْتُ له: قلت: له
نَعَشَك اللَّهُ؛ قال رؤبة:
وإِنْ هَوى العاثرُ قُلْنا: دَعْدَعا
له، وعالَيْنا بتَنْعِيشِ لَعَا
وقال شمر: النَّعْشُ البقاءُ والارتفاع. يقال: نَعَشَه اللَّه أَي
رَفَعَه اللَّهُ وجَبَره. قال: والنَّعْشُ مِنْ هذا لأَنه مرتفع على السرير.
والنَّعْشُ: الرفْعُ. ونَعَشْت فلاناً إِذا جَبَرته بعد فَقْر أَو
رَفَعْته بعد عَثْرة. قال: والنَعْشُ إِذا ماتَ الرجلُ فهم يَنْعَشُونه أَي
يذكُرونه ويَرْفَعون ذِكْرَه. وفي حديث عمر، رضي اللّه عنه: انْتَعِشْ
نَعَشَك اللَّهُ؛ معناه ارْتَفِعْ رفَعَك اللَّه؛ ومنه قولهم: تَعِسَ فلا
انْتَعَش، وشِيكَ فلا انْتَقَش؛ فلا انْتَعَش أَي لا ارْتَفَع وهو دُعاء عليه.
وقالت عائشة في صِفَة أَبيها، رضي اللَّه عنهما: فانْتاشَ الدِّينَ
بنَعْشِه إِيّاه أَي تَدارَكَه بإِقامته إِياه من مَصْرَعِه، ويروى: فانْتاشَ
الدِّينَ فَنَعَشَه، بالفاء على أَنه فِعْل وفي حديث جابر: فانْطَلَقْنا
به نَنْعَشُه أَي نُنْهِضه ونُقَوّي جأْشَه. ونَعَشْت الشجرةَ إِذا كانت
مائلةً فأَقَمْتها. والرَّبِيعُ يَنْعَشُ الناسَ: يُعيشُهم ويُخْصِبهم؛
قال النابغة:
وأَنتَ رَبِيعٌ يَنْعَشُ الناسَ سَيْبُه،
وسَيفٌ، أَْعِيرَتْه المَنِيّةُ، قاطعُ