من (ر س ل) نسبة إلى الرَسُول: المرسل والرسالة ومن يبلغ عن الله.
من (ر س ل) نسبة إلى الرَسُول: المرسل والرسالة ومن يبلغ عن الله.
رسل: الرَّسَل: القَطِيع من كل شيء، والجمع أَرسال. والرَّسَل: الإِبل،
هكذا حكاه أَبو عبيد من غير أَن يصفها بشيء؛ قال الأَعشى:
يَسْقِي رياضاً لها قد أَصبحت غَرَضاً،
زَوْراً تَجانف عنها القَوْدُ والرَّسَل
والرَّسَل: قَطِيع بعد قَطِيع. الجوهري: الرَّسَل، بالتحريك، القَطِيع
من الإِبل والغنم؛ قال الراجز:
أَقول للذَّائد: خَوِّصْ برَسَل،
إِني أَخاف النائبات بالأُوَل
وقال لبيد:
وفِتْيةٍ كالرَّسَل القِمَاح
والجمع الأَرْسال؛ قال الراجز:
يا ذائدَيْها خَوِّصا بأَرْسال،
ولا تَذُوداها ذِيادَ الضُّلاَّل
ورَسَلُ الحَوْض الأَدنى: ما بين عشر إِلى خمس وعشرين، يذكر ويؤَنث.
والرَّسَل: قَطيعٌ من الإِبِل قَدْر عشر يُرْسَل بعد قَطِيع.
وأَرْسَلو إِبلهم إِلى الماء أَرسالاً أَي قِطَعاً. واسْتَرْسَل إِذا
قال أَرْسِلْ إِليَّ الإِبل أَرسالاً. وجاؤوا رِسْلة رِسْلة أَي جماعة
جماعة؛ وإِذا أَورد الرجل إِبله متقطعة قيل أَوردها أَرسالاً، فإِذا أَوردها
جماعة قيل أَوردها عِراكاً. وفي الحديث: أَن الناس دخلوا عليه بعد موته
أَرسالاً يُصَلُّون عليه أَي أَفواجاً وفِرَقاً متقطعة بعضهم يتلو بعضاً،
واحدهم رَسَلٌ، بفتح الراء والسين. وفي حديث فيه ذكر السَّنَة: ووَقِير
كثير الرَّسَل قليل الرِّسْل؛ كثير الرَّسَل يعني الذي يُرْسَل منها إِلى
المرعى كثير، أَراد أَنها كثيرة العَدَد قليلة اللَّبن، فهي فَعَلٌ بمعنى
مُفْعَل أَي أَرسلها فهي مُرْسَلة؛ قال ابن الأَثير: كذا فسره ابن
قتيبة، وقد فسره العُذْري فقال: كثير الرَّسَل أَي شديد التفرق في طلب
المَرْعى، قال: وهو أَشبه لأَنه قد قال في أَول الحديث مات الوَدِيُّ وهَلَك
الهَدِيُّ، يعني الإِبل، فإِذا هلكت الإِبل مع صبرها وبقائها على الجَدْب
كيف تسلم الغنم وتَنْمي حتى يكثر عددها؟ قال: والوجه ما قاله العُذْري وأَن
الغنم تتفرَّق وتنتشر في طلب المرعى لقلته. ابن السكيت: الرَّسَل من
الإِبل والغنم ما بين عشر إِلى خمس وعشرين. وفي الحديث: إِني لكم فَرَطٌ على
الحوض وإِنه سَيُؤتي بكم رَسَلاً رَسَلاً فتُرْهَقون عني، أَي فِرَقاً.
وجاءت الخيل أَرسالاً أَي قَطِيعاً قَطِيعاً.
وراسَلَه مُراسَلة، فهو مُراسِلٌ ورَسِيل.
والرِّسْل والرِّسْلة: الرِّفْق والتُّؤَدة؛ قال صخر الغَيِّ ويئس من
أَصحابه أَن يَلْحَقوا به وأَحْدَق به أَعداؤه وأَيقن بالقتل فقال:
لو أَنَّ حَوْلي من قُرَيْمٍ رَجْلا،
لمَنَعُوني نَجْدةً أَو رِسْلا
أَي لمنعوني بقتال، وهي النَّجْدة، أَو بغير قتال، وهي الرِّسْل.
والتَّرسُّل كالرِّسْل. والتَّرسُّلُ في القراءة والترسيل واحد؛ قال:
وهو التحقيق بلا عَجَلة، وقيل: بعضُه على أَثر بعض. وتَرَسَّل في قراءته:
اتَّأَد فيها. وفي الحديث: كان في كلامه تَرْسِيلٌ أَي ترتيل؛ يقال:
تَرَسَّلَ الرجلُ في كلامه ومشيه إِذا لم يَعْجَل، وهو والترسُّل سواء. وفي
حديث عمر، رضي الله عنه: إِذا أَذَّنْتَ فتَرَسَّلْ أَي تَأَنَّ ولا
تَعْجَل. وفي الحديث: أَن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: إِن الأَرض إِذا
دُفِن
(* قوله «ان الأرض إذا دفن إلخ» هكذا في الأصل وليس في هذا الحديث
ما يناسب لفظ المادة، وقد ذكره ابن الأثير في ترجمة فدد بغير هذا اللفظ)
فيها الإِنسان قالت له رُبَّما مَشَيت عليَّ فَدَّاداً ذا مالٍ وذا
خُيَلاء. وفي حديث آخر: أَيُّما رجلٍ كانت له إِبل لم يُؤَدِّ زكاتها بُطِحَ
لها بِقاعٍ قَرْقَرٍ تَطَؤه بأَخفافها إِلاَّ من أَعْطَى في نَجْدتها
ورِسْلها؛ يريد الشِّدَّة والرخاء، يقول: يُعْطي وهي سِمانٌ حِسانٌ يشتدُّ
على مالكها إِخراجُها، فتلك نَجْدَتها، ويُعْطِي في رِسْلِها وهي
مَهازِيلُ مُقارِبة، قال أَبو عبيد: معناه إِلاَّ من أَعْطى في إِبله ما يَشُقُّ
عليه إِعطاؤه فيكون نَجْدة عليه أَي شدَّة، أَو يُعْطي ما يَهُون عليه
إِعطاؤُه منها فيعطي ما يعطي مستهيناً به على رِسْله؛ وقال ابن الأَعرابي
في قوله: إِلا من أَعْطى في رِسْلها؛ أَي بطِيب نفس منه. والرِّسْلُ في
غير هذا: اللَّبَنُ؛ يقال: كثر الرِّسْل العامَ أَي كثر اللبن، وقد تقدم
تفسيره أَيضاً في نجد. قال ابن الأَثير: وقيل ليس للهُزال فيه معنى لأَنه
ذكر الرِّسْل بعد النَّجْدة على جهة التفخيم للإِبل، فجرى مجرى قولهم إِلا
من أَعْطى في سِمَنها وحسنها ووفور لبنها، قال: وهذا كله يرجع إِلى معنى
واحد فلا معنى للهُزال، لأَن من بَذَل حق الله من المضنون به كان إِلى
إِخراجه مما يهون عليه أَسهل، فليس لذكر الهُزال بعد السِّمَن معنى؛ قال
ابن الأَثير: والأَحسن، والله أَعلم، أَن يكون المراد بالنَّجْدة الشدة
والجَدْب، وبالرِّسْل الرَّخاء والخِصْب، لأَن الرِّسْل اللبن، وإِنما يكثر
في حال الرخاء والخِصْب، فيكون المعنى أَنه يُخْرج حق الله تعالى في حال
الضيق والسعة والجَدْب والخِصْب، لأَنه إِذا أَخرج حقها في سنة الضيق
والجدب كان ذلك شاقّاً عليه فإِنه إَجحاف به، وإِذا أَخرج حقها في حال
الرخاء كان ذلك سهلاً عليه، ولذلك قيل في الحديث: يا رسول الله، وما نَجْدتها
ورِسْلها؟ قال: عُسْرها ويسرها، فسمى النَّجْدة عسراً والرِّسْل يسراً،
لأَن الجَدب عسر، والخِصْب يسر، فهذا الرجل يعطي حقها في حال الجدب
والضيق وهو المراد بالنجدة، وفي حال الخِصب والسعة وهو المراد بالرسل. وقولهم:
افعلْ كذا وكذا على رِسْلك، بالكسر، أَي اتَّئدْ فيه كما يقال على
هِينتك. وفي حديث صَفِيَّة: فقال النبي، صلى الله عليه وسلم: على رِسْلكما أَي
اتَّئِدا ولا تَعْجَلا؛ يقال لمن يتأَنى ويعمل الشيء على هينته.
الليث: الرَّسْل، بفتح الراء، الذي فيه لين واسترخاء، يقال: ناقة رَسْلة
القوائم أَي سَلِسة لَيِّنة المفاصل؛ وأَنشد:
برَسْلة وُثّق ملتقاها،
موضع جُلْب الكُور من مَطاها
وسَيْرٌ رَسْلٌ: سَهْل. واسترسل الشيءُ: سَلِس. وناقة رَسْلة: سهلة
السير، وجَمَل رَسْلٌ كذلك، وقد رَسِل رَسَلاً ورَسالة. وشعر رَسْل:
مُسْترسِل. واسْتَرْسَلَ الشعرُ أَي صار سَبْطاً. وناقة مِرْسال: رَسْلة القوائم
كثيرة الشعر في ساقيها طويلته. والمِرْسال: الناقة السهلة السير، وإِبِل
مَراسيلُ؛ وفي قصيد كعب بن زهير:
أَضحت سُعادُ بأَرض، لا يُبَلِّغها
إِلا العِتاقُ النَّجيبات المَراسِيل
المَراسِيل: جمع مِرْسال وهي السريعة السير. ورجل فيه رَسْلة أَي كَسَل.
وهم في رَسْلة من العيش أَي لين. أَبو زيد: الرَّسْل، بسكون السين،
الطويل المسترسِل، وقد رَسِل رَسَلاً ورَسالة؛ وقول الأَعشى:
غُولَيْن فوق عُوَّجٍ رِسال
أَي قوائم طِوال. الليث: الاسترسال إِلى الإِنسان كالاستئناس
والطمأْنينة، يقال: غَبْنُ المسترسِل إِليك رِباً. واستَرْسَل إِليه أَي انبسط
واستأْنس. وفي الحديث: أَيُّما مسلمٍ اسْتَرْسَل إِلى مسلم فغَبَنه فهو كذا؛
الاسترسال: الاستئناس والطمأْنينة إِلى الإِنسان والثِّقةُ به فيما
يُحَدِّثه، وأَصله السكون والثبات.
قال: والتَّرسُّل من الرِّسْل في الأُمور والمنطق كالتَّمهُّل والتوقُّر
والتَّثَبُّت، وجمع الرِّسالة الرَّسائل. قال ابن جَنْبة: التَّرسُّل في
الكلام التَّوقُّر والتفهمُ والترفق من غير أَن يرفع صوته شديداً.
والترسُّل في الركوب: أَن يبسط رجليه على الدابة حتى يُرْخِي ثيابه على رجليه
حتى يُغَشِّيَهما، قال: والترسل في القعود أَن يتربَّع ويُرْخي ثيابه على
رجليه حوله.
والإِرْسال: التوجيه، وقد أَرْسَل إِليه، والاسم الرِّسالة والرَّسالة
والرَّسُول والرَّسِيل؛ الأَخيرة عن ثعلب؛ وأَنشد:
لقد كَذَب الواشُون ما بُحْتُ عندهم
بلَيْلى، ولا أَرْسَلْتُهم برَسِيل
والرَّسول: بمعنى الرِّسالة، يؤنث ويُذكَّر، فمن أَنَّث جمعه أَرْسُلاً؛
قال الشاعر:
قد أَتَتْها أَرْسُلي
ويقال: هي رَسُولك. وتَراسَل القومُ: أَرْسَل بعضُهم إِلى بعض.
والرَّسول. الرِّسالة والمُرْسَل؛ وأَنشد الجوهري في الرسول الرِّسالة للأَسعر
الجُعفي:
أَلا أَبْلِغ أَبا عمرو رَسُولاً،
بأَني عن فُتاحتكم غَنِيُّ
عن فُتاحتكم أَي حُكْمكم؛ ومثله لعباس بن مِرْداس:
أَلا مَنْ مُبْلِغٌ عني خُفافاً
رَسُولاً، بَيْتُ أَهلك مُنْتهاها
فأَنت الرَّسول حيث كان بمعنى الرِّسالة؛ ومنه قول كثيِّر:
لقد كَذَب الواشُون ما بُحتُ عندهم
بسِرٍّ، ولا أَرْسَلْتهم برَسُول
وفي التنزيل العزيز: إِنَّا رَسُول رب العالمين؛ ولم يقل رُسُل لأَن
فَعُولاً وفَعِيلاً يستوي فيهما المذكر والمؤنث والواحد والجمع مثل عَدُوٍّ
وصَدِيق؛ وقول أَبي ذؤيب:
أَلِكْني إِليها، وخَيْرُ الرَّسو
ل أَعْلَمهُم بنواحي الخَبَر
أَراد بالرَّسول الرُّسُل، فوضع الواحد موضع الجمع كقولهم كثر الدينار
والدرهم، لا يريدون به الدينار بعينه والدرهم بعينه، إِنما يريدون كثرة
الدنانير والدراهم، والجمع أَرْسُل ورُسُل ورُسْل ورُسَلاء؛ الأَخيرة عن
ابن الأَعرابي، وقد يكون للواحد والجمع والمؤنث بلفظ واحد؛ وأَنشد ابن بري
شاهداً على جمعه على أَرْسُل للهذلي:
لو كان في قلبي كقَدْرِ قُلامة
حُبًّا لغيرك، ما أَتاها أَرْسُلي
وقال أَبو بكر بن الأَنباري في قول المؤذن: أَشهد أَن محمداً رسول الله،
أَعلم وأُبَيِّن أَن محمداً مُتابِعٌ للإِخبار عن الله عز وجل.
والرَّسول: معناه في اللغة الذي يُتابِع أَخبار الذي بعثه أَخذاً من قولهم جاءت
الإِبل رَسَلاً أَي متتابعة. وقال أَبو إِسحق النحوي في قوله عز وجل حكاية
عن موسى وأَخيه: فقُولا إِنَّا رسول رب العالمين؛ معناه إِنا رِسالة
رَبّ العالمين أَي ذَوَا رِسالة رب العالمين؛ وأَنشد هو أَو غيره:
... ما فُهْتُ عندهم
بسِرٍّ ولا أَرسلتهم برَسول
أَراد ولا أَرسلتهم برِسالة؛ قال الأَزهري: وهذا قول الأَخفش. وسُمِّي
الرَّسول رسولاً لأَنه ذو رَسُول أَي ذو رِسالة. والرَّسول: اسم من أَرسلت
وكذلك الرِّسالة. ويقال: جاءت الإِبل أَرسالاً إِذا جاء منها رَسَلٌ بعد
رَسَل. والإِبل إِذا وَرَدت الماء وهي كثيرة فإِن القَيِّم بها يوردها
الحوض رَسَلاً بعد رَسَل، ولا يوردها جملة فتزدحم على الحوض ولا تَرْوَى.
وأَرسلت فلاناً في رِسالة، فهو مُرْسَل ورَسول. وقوله عز وجل: وقومَ نوح
لما كَذَّبوا الرُّسُل أَغرقناهم؛ قال الزجاج: يَدُلُّ هذا اللفظ على أَن
قوم نوح قد كَذَّبوا غير نوح، عليه السلام، بقوله الرُّسُل، ويجوز أَن
يُعْنى به نوح وحده لأَن من كَذَّب بنبيٍّ فقد كَذَّب بجميع الأَنبياء،
لأَنه مخالف للأَنبياء لأَن الأَنبياء، عليهم السلام، يؤمنون بالله وبجميع
رسله، ويجوز أَن يكون يعني به الواحد ويذكر لفظ الجنس كقولك: أَنت ممن
يُنْفِق الدراهم أَي ممن نَفَقَتُه من هذا الجنس؛ وقول الهذلي:
حُبًّا لغيرك ما أَتاها أَرْسُلي
ذهب ابن جني إِلى أَنه كَسَّر رسولاً على أَرْسُل، وإِن كان الرسول هنا
إِنما يراد به المرأَة لأَنها في غالب الأَمر مما يُسْتَخْدَم في هذا
الباب.
والرَّسِيل: المُوافِق لك في النِّضال ونحوه. والرَّسِيل: السَّهْل؛ قال
جُبَيْهاء الأَسدي:
وقُمْتُ رَسِيلاً بالذي جاء يَبْتَغِي
إِليه بَلِيجَ الوجه، لست بِباسِر
قال ابن الأَعرابي: العرب تسمي المُراسِل في الغِناء والعَمل المُتالي.
وقوائم البعير: رِسالٌ. قال الأَزهري: سمعت العرب تقول للفحل العربي
يُرْسَل في الشَّوْل ليضربها رَسِيل؛ يقال: هذا رَسِيل بني فلان أَي فحل
إِبلهم. وقد أَرْسَل بنو فلان رَسِيلَهم أَي فَحْلهم، كأَنه فَعِيل بمعنى
مُفْعَل، من أَرْسَل؛ قال: وهو كقوله عز وجل أَلم تلك آيات الكتاب الحكيم؛
يريد، والله أَعلم، المُحْكَم، دَلَّ على ذلك قوله: الر كتاب أُحْكِمَتْ
آياته؛ ومما يشاكله قولهم للمُنْذَرِ نَذير، وللمُسْمَع سَمِيع. وحديثٌ
مُرْسَل إِذا كان غير متصل الأَسناد، وجمعه مَراسيل. والمُراسِل من النساء:
التي تُراسِل الخُطَّاب، وقيل: هي التي فارقها زوجها بأَيِّ وجه كان،
مات أَو طلقها، وقيل: المُراسِل التي قد أَسَنَّتْ وفيها بَقِيَّة شباب،
والاسم الرِّسال. وفي حديث أَبي هريرة: أَن رجلاً من الأَنصار تزوَّج
امرأَة مُراسِلاً، يعني ثَيِّباً، فقال النبي، صلى الله عليه وسلم: فهَلاَّ
بِكْراً تُلاعِبُها وتلاعِبك وقيل: امرأَة مُراسِل هي التي يموت زوجها أَو
أَحَسَّت منه أَنه يريد تطليقها فهي تَزَيَّنُ لآخر؛ وأَنشد المازني
لجرير:
يَمْشِي هُبَيرةُ بعد مَقْتَل شيخه،
مَشْيَ المُراسِل أُوذِنَتْ بطلاق
يقول: ليس يطلب بدم أَبيه، قال: المُراسِل التي طُلِّقت مرات فقد
بَسَأَتْ بالطلاق أَي لا تُباليه، يقول: فهُبَيرة قد بَسَأَ بأَن يُقْتَل له
قتيل ولا يطلب بثأْره مُعَوَّدٌ ذلك مثل هذه المرأَة التي قد بَسَأَتْ
بالطلاق أَي أَنِسَتْ به، والله أَعلم. ويقال: جارية رُسُل إِذا كانت صغيرة
لا تَخْتَمر؛ قال عديّ بن زيد:
ولقد أَلْهُو بِبِكْرٍ رُسُلٍ،
مَسُّها أَليَنُ من مَسِّ الرَّدَن
وأَرْسَل الشيءَ: أَطلقه وأَهْمَله. وقوله عز وجل: أَلم تر أَنا أَرسلنا
الشياطين على الكافرين تَؤُزُّهم أَزًّا؛ قال الزجاج في قوله أَرْسَلْنا
وجهان: أَحدهما أَنَّا خَلَّينا الشياطين وإِياهم فلم نَعْصِمهم من
القَبول منهم، قال: والوجه الثاني، وهو المختار، أَنهم أُرْسِلوا عليهم
وقُيِّضوا لهم بكفرهم كما قال تعالى: ومن يَعْشُ عن ذكر الرحمن نُقَيِّضْ له
شيطاناً؛ ومعنى الإِرسال هنا التسليط؛ قال أَبو العباس: الفرق بين إِرسال
الله عز وجل أَنبياءه وإِرْساله الشياطين علىأَعدائه في قوله تعالى: أَنا
أَرسلنا الشياطين على الكافرين، أَن إِرساله الأَنبياء إِنما هو وَحْيُه
إِليهم أَن أَنذِروا عبادي، وإِرساله الشياطينَ على الكافرين
تَخْلِيَتُه وإِياهم كما تقول: كان لي طائر فأَرْسَلْته أَي خليته وأَطلقته.
والمُرْسَلات، في التنزيل: الرياح، وقيل الخَيْل، وقال ثعلب: الملائكة.
والمُرْسَلة: قِلادة تقع على الصدر، وقيل: المُرْسَلة القِلادة فيها
الخَرَزُ وغيرها.
والرِّسْل: اللَّبن ما كان. وأَرْسَل القومُ فهم مُرْسلون: كَثُر
رِسْلُهم، وصار لهم اللبن من مواشيهم؛ وأَنشد ابن بري:
دعانا المُرْسِلون إِلى بِلادٍ،
بها الحُولُ المَفارِقُ والحِقاق
ورَجُلٌ مُرَسِّلٌ: كثير الرِّسْل واللبن والشِّرْب؛ قال تأَبَّط
شَرًّا:ولست براعي ثَلَّةٍ قام وَسْطَها،
طوِيل العصا غُرْنَيْقِ ضَحْلٍ مُرَسِّل
مُرَسِّل: كثير اللبن فهو كالغُرْنَيْق، وهو شبه الكُرْكِيّ في الماء
أَبداً. والرَّسَلُ: ذوات اللبن. وفي حديث أَبي سعيد الخُدْري: أَنه قال
رأَيت في عام كثر فيه الرِّسْل البياضَ أَكثر من السَّواد، ثم رأَيت بعد
ذلك في عام كثر فيه التمر السَّوادَ أَكثر من البياض؛ الرِّسْل: اللبن وهو
البياض إِذا كَثُر قَلَّ التَّمْر وهو السَّواد، وأَهل البَدْو يقولون
إِذا كثر البياض قَلَّ السواد، وإِذا كثر السواد قَلَّ البياض. والرِّسْلان
من الفرس: أَطراف العضدين. والراسِلان: الكَتِفان، وقيل عِرْقان فيهما،
وقيل الوابِلَتان.
وأَلقَى الكلامَ على رُسَيْلاته أَي تَهاوَن به. والرُّسَيْلي، مقصور:
دُوَيْبَّة. وأُمُّ رِسالة: الرَّخَمة.
ألك: في ترجمة علج: يقال هذا أَلوكُ صِدْقٍ وعَلوك صِدْقٍ وعَلُوج
صِدْقٍ لما يؤكل، وما تَلَوَّكْتُ بأَلوكٍ وما تَعَلَّجْتُ بعَلوج. الليث:
الأَلوك الرسالة وهي المَأْلُكة، على مَفْعُلة، سميت أَلوكاً لأَنه يُؤْلَكُ
في الفم مشتق من قول العرب: الفرس يَأْلُك اللُّجُمَ، والمعروف يَلوك
أَو يَعْلُك أَي يمضغ. ابن سيده: أَلَكَ الفرسُ اللجام في فيه يَأْلُكه
عَلَكه. والأَلوك والمَأْلَكة والمَأْلُكة: الرسالة لأنها تُؤْلَك في الفم؛
قال لبيد:
وغُلامٌ أَرْسَلَتْهُ أُمُّه
بأَلوكٍ، فَبَذَلْنا ما سَأَلْ
قال الشاعر:
أَبْلِغْ أَبا دَخْتَنُوسَ مَأْلُكةً،
عن الذي قد يُقالُ مِ الكَذبِ
قال ابن بري: أَبو دَخْتَنُوس هو لَقِيط بن زُرارة ودخْتَنُوس ابنته،
سماها باسم بنت كِسرى؛ وقال فيها:
يل ليت شِعْري عنكِ دَخْتَنوسُ،
إِذا أَتاكِ الخبرُ المَرْمُوسُ
قال: وقد يقال مَأْلُكة ومَأْلُك؛ وقوله:
أَبْلِغْ يَزِيد بني شَيْبان مَأْلُكَةٌ:
أَبا ثُبَيْتٍ، أَما تَنْفَكُّ تأْتَكِلُ؟
إِنما أَراد تَأْتَلِكُ من الأَلوك؛ حكاه يعقوب في المقلوب. قال ابن
سيده: ولم نسمع نحن في الكلام تَأْتَلِكُ من الأَلوك فيكون هذا محمولاً عليه
مقلوباً منه؛ فأَما قول عديّ بن زيد:
أَبْلِغِ النُّعْمان عني مَأْلُكاً:
أَنه قد طال حَبْسي وانْتِظار
فإِن سيبويه قال: ليس في الكلام مَفْعُل، وروي عن محمد بن يزيد أَنه
قال: مَأْلُك جمع مَأْلُكة، وقد يجوز أَن يكون من باب إِنْقَحل في القلة،
والذي روي عن ابن عباس أَقيس
(* قوله «والذي روي عن ابن عباس أقيس» هكذا في
الأصل)؛ قال ابن بري: ومثله مَكْرُم ومَعُون، قال الشاعر:
ليوم رَوْغٍ أَو فَعَال مَكْرُم
وقال جميل:
بُثَيْنَ الْزَمي لا، إِنَّ لا إِنْ لَزِمْتِه،
على كثرةِ الوَاشينَ، أَيّ مَعُون
قال: ونظير البيت المتقدم قول الشاعر:
أَيُّها القاتلون ظلماً حُسَيْناً،
أَبْشِرُوا بالعَذابِ والتَّتْكيل
كلُّ أَهلِ السماء يَدْعُو عليكُمْ:
من نَبيّ ومَلأَكٍ ورسول
ويقال: أَلَك بين القوم إِذا ترسّل أَلْكاً وأُلُوكاً والاسم منه
الأَلُوك، وهي الرسالة، وكذلك الأَلُوكة والمَأْلُكة والمَأْلُك، فإِن نقلته
بالهمزة قلت أَلَكْتُه إِليه رسالةً، والأَصل أَأْلَكْتُه فأَخرت الهمزة
بعد اللام وخففت بنقل حركتها على ما قبلها وحَذْفِها، فإِن أَمرتَ من هذا
الفعل المنقول بالهمزة قلت أَلِكْني إِليها برسالة، وكان مقتضى هذا اللفظ
أَن يكون معناه أَرْسِلْني إِليها برسالة، إِلا أَنه جاء على القلب إِذ
المعنى كُنْ رسولي إِليها بهذه الرسالة فهذا على حد قولهم:
ولا تَهَيَّبُني المَوْماةُ أَركبها
أَي ولا أَتَهَيَّبُها، وكذلك أَلِكْني لفظه يقضي بأَن المخاطَب
مُرْسِلٌ والمتكلم مُرْسَل، وهو في المعنى بعكس ذلك، وهو أَن المخاطب مُرْسَل
والمتكلم مخرْسِل؛ وعلى ذلك قول ابن أَبي ربيعة:
أَلِكْني إِليها بالسلام، فإِنَّهُ
يُنَكَّرُ إِلْمامي بها ويُشَهَّرُ
أَي بَلِّغْها سلامي وكُنْ رسولي إِليها، وقد تحذف هذه الباء فيقال
أَلِكْني إِليها السلامَ؛ قال عمرو بن شَأْسٍ:
أَلِكْني إِلى قومي السلامَ رِسالةً،
بآية ما كانوا ضِعافاً ولا عُزْلا
فالسلام مفعول ثان، ورسالة بدل منه، وإِن شئت حملته إِذا نصبت على معنى
بَلِّغ عني رسالة؛ والذي وقع في شعر عمرو بن شأْس:
أَلِكْني إِلى قومي السلامَ ورحمةَ الـ
ـإِله، فما كانوا ضِعافاً ولا عُزْلا
وقد يكون المُرْسَلُ
هو المُرْسَل إِليه، وذلك كقولك أَلِكْني إِليك السلام أَي كُنْ رسولي
إِلى نفسك بالسلام؛ وعليه قول الشاعر:
أَلِكْني يا عتيقُِ إِليكَ قَوْلاً،
سَتُهْدِيهِ الرواةُ إِليكَ عَني
وفي حديث زيد بن حارثة وأَبيه وعمه:
أَلِكْني إِلى قومي، وإِن كنتُ نائياً،
فإِني قَطُِينُ البيتِ عند المَشَاعِرِ
أَي بَلِّغ رسالتي من الأَلُوكِ والمَأْلُكة، وهي الرسالة. وقال كراع:
المَأْلُك الرسالة ولا نظير لها أَي لم يجئ على مَفْعُل إِلا هي.
وأَلَكَه يأْلِكُه أَلْكاً: أَبلغه الأَلُوك. ابن الأَنباري: يقال
أَلِكْني إِلى فلان يراد به أَرسلني، وللاثنين أَلِكاني وأَلِكُوني وأَلِكِيني
وأَلِكَاني وأَلِكْنَني، والأَصل في أَلِكْني أَلْئِكْني فحولت كسرة
الهمزة إلى اللام وأُسقطت الهمزة؛ وأَنشد:
أَلِكْني إِليها بخير الرسو
لِ، أُعْلِمُهُمْ بنواحي الخَبَرْ
قال: ومن بنى على الأَلوك قال: أَصل أَلِكُْني أَأْلِكْني فحذفت الهمزة
الثانية تخفيفاً؛ وأَنشد:
أَلِكْني يا عُيَيْنُ إِليكَ قولا
قال أَبو منصور: أَلِكْني أَلِكْ لي، وقال ابن الأَنباري: أَلِكْني
إِليه أَي كُنْ رسولي إِليه؛ وقا ل أَبو عبيد في قوله:
أَلِكْني يا عُيَيْنُ إِليكَ عني
أَي أَبلغ عني الرسالة إِليك، والمَلَكُ مشتق منه، وأَصله مَأْلَك، ثم
قلبت الهمزة إِلى موضع اللام فقيل مَلأَك، ثم خففت الهمزة بأَن أُلقيت
حركتها على الساكن الذي قبلها فقيل مَلَك؛ وقد يستعمل متمماً والحذف
أَكثر:فلسْتَ لإِنْسيٍّ،. ولكن لمَلأَكٍ
تَنَزَّلَ من جَوِّ السماء يَصُوب
والجمع ملائكة، دخلت فيها الهاء لا لعجمة ولا لنسب، ولكن على حد دخولها
في القَشاعِمَة والصيَّاقلة، وقد قالوا المَلائك. ابن السكيت: هي
المَأْلَكة والمَلأَكة على القلب. والملائكة: جمع مَلأَكة ثم ترك الهمز فقيل
مَلَك في الوحدان، وأَصله مَلأَك كما ترى. ويقال: جاء فلان قد اسْتَأْلكَ
مَأْلُكَته أَي حمل رسالته.
يمن: اليُمْنُ: البَركةُ؛ وقد تكرر ذكره في الحديث. واليُمْنُ: خلاف
الشُّؤم، ضدّه. يقال: يُمِنَ، فهو مَيْمُونٌ، ويَمَنَهُم فهو يامِنٌ. ابن
سيده: يَمُنَ الرجلُ يُمْناً ويَمِنَ وتَيَمَّنَ به واسْتَيْمَن، وإنَّه
لمَيْمونٌ
عليهم. ويقال: فلان يُتَيَمَّنُ برأْيه أَي يُتَبَرَّك به، وجمع
المَيْمونِ مَيامِينُ. وقد يَمَنَه اللهُ يُمْناً، فهو مَيْمُونٌ، والله
الْيَامِنُ. الجوهري: يُمِن فلانٌ على قومه، فهو مَيْمُونٌ إذا صار مُبارَكاً
عليهم، ويَمَنَهُم، فهو يامِنٌ، مثل شُئِمَ وشَأَم. وتَيَمَّنْتُ به:
تَبَرَّكْتُ.
والأَيامِنُ: خِلاف الأَشائم؛ قال المُرَقِّش، ويروى لخُزَزَ بن
لَوْذَانَ.
لا يَمنَعَنَّكَ، مِنْ بُغَا
ءِ الخَيْرِ، تَعْقَادُ التَّمائم
وكَذَاك لا شَرٌّ ولا
خَيْرٌ، على أَحدٍ، بِدَائم
ولَقَدْ غَدَوْتُ، وكنتُ لا
أَغْدُو على وَاقٍ وحائم
فإذَا الأَشائِمُ كالأَيا
مِنِ، والأَيامنُ كالاشائم
وقول الكيمت:
ورَأَتْ قُضاعةُ في الأَيا
مِنِ رَأْيَ مَثْبُورٍ وثابِرْ
يعني في انتسابها إلى اليَمَن، كأَنه جمع اليَمَنَ على أَيْمُن ثم على
أَيَامِنَ مثل زَمَنٍ وأَزْمُن. ويقال: يَمِينٌ وأَيْمُن وأَيمان ويُمُن؛
قال زُهَير:
وحَقّ سلْمَى على أَركانِها اليُمُنِ
ورجل أَيْمَنُ: مَيْمُونٌ، والجمع أَيامِنُ. ويقال: قَدِمَ فلان على
أَيْمَنِ اليُمْن أَي على اليُمْن. وفي الصحاح: قدم فلان على أَيْمَن
اليَمِين أَي اليُمْن. والمَيْمنَةُ: اليُمْنِ. وقوله عز وجل: أُولئك أَصحاب
المَيْمَنةِ؛ أَي أَصحاب اليُمْن على أَنفسهم أَي كانوا مَامِينَ على
أَنفسهم غير مَشَائيم، وجمع المَيْمَنة مَيَامِنُ.
واليَمِينُ: يَمِينُ الإنسانِ وغيرِه، وتصغير اليَمِين يُمَيِّن،
بالتشديد بلا هاء. وقوله في الحديث: إِنه كان يُحِبُّ التَّيَمُّنَ في جميع
أَمره ما استطاع؛ التَّيَمُّنُ: الابتداءُ في الأَفعال باليد اليُمْنى
والرِّجْلِ اليُمْنى والجانب الأَيمن. وفي الحديث: فأَمرهم أَن
يَتَيَامَنُواعن الغَمِيم أَي يأْخذوا عنه يَمِيناً. وفي حديث عَدِيٍّ: فيَنْظُرُ
أَيْمَنَ منه فلا يَرَى إلاَّ ما قَدَّم؛ أَي عن يمينه. ابن سيده: اليَمينُ
نَقِيضُ اليسار، والجمع أَيْمانُ وأَيْمُنٌ
ويَمَائنُ. وروى سعيد بن جبير في تفسيره عن ابن عباس أَنه قال في كهيعص:
هو كافٍ هادٍ يَمِينٌ
عَزِيزٌ صادِقٌ؛ قال أَبو الهيثم: فجعَل قولَه كاف أَوَّلَ اسم الله
كافٍ، وجعَلَ الهاء أَوَّلَ اسمه هادٍ، وجعلَ الياء أَوَّل اسمه يَمِين من
قولك يَمَنَ اللهُ الإنسانَ يَمينُه يَمْناً ويُمْناً، فهو مَيْمون، قال:
واليَمِينُ واليامِنُ يكونان بمعنى واحد كالقدير والقادر؛ وأَنشد:
بَيْتُكَ في اليامِنِ بَيْتُ الأَيْمَنِ
قال: فجعَلَ اسم اليَمِين مشقّاً من اليُمْنِ، وجعل العَيْنَ عزيزاً
والصاد صادقاً، والله أَعلم. قال اليزيدي: يَمَنْتُ أَصحابي أَدخلت عليهم
اليَمِينَ، وأَنا أَيْمُنُهم يُمْناً ويُمْنةً ويُمِنْتُ عليهم وأَنا
مَيْمونٌ
عليهم، ويَمَنْتُهُم أَخَذْتُ على أَيْمانِهم، وأَنا أَيْمَنُهُمْ
يَمْناً ويَمْنةً، وكذلك شَأَمْتُهُم. وشأَمْتُهُم: أَخَذتُ على شَمائلهم،
ويَسَرْتُهم: أَخذْتُ على يَسارهم يَسْراً. والعرب تقول: أَخَذَ فلانٌ
يَميناً وأَخذ يساراً، وأَخذَ يَمْنَةً أَو يَسْرَةً. ويامَنَ فلان:
أَخذَ ذاتَ اليَمِين، وياسَرَ: أَخذَ ذاتَ الشِّمال. ابن السكيت: يامِنْ
بأَصحابك وشائِمْ بهم أَي خُذْ بهم يميناً وشمالاً، ولا يقال: تَيامَنْ بهم
ولا تَياسَرْ بهم؛ ويقال: أَشْأَمَ الرجلُ وأَيْمَنَ إذا أَراد اليَمين،
ويامَنَ وأَيْمَنَ إذا أَراد اليَمَنَ. واليَمْنةُ: خلافُ اليَسْرة.
ويقال: قَعَدَ فلان يَمْنَةً. والأَيْمَنُ والمَيْمَنَة: خلاف الأَيْسَر
والمَيْسَرة. وفي الحديث: الحَجرُ الأَسودُ يَمينُ الله في الأَرض؛ قال ابن
الأَثير: هذا كلام تمثيل وتخييل، وأَصله أَن الملك إذا صافح رجلاً قَبَّلَ
الرجلُ يده، فكأنَّ الحجر الأَسود لله بمنزلة اليمين للملك حيث يُسْتلَم
ويُلْثَم. وفي الحديث الآخر: وكِلْتا يديه يمينٌ
أَي أَن يديه، تبارك وتعالى، بصفة الكمال لا نقص في واحدة منهما لأَن
الشمال تنقص عن اليمين، قال: وكل ما جاء في القرآن والحديث من إضافة اليد
والأَيدي واليمين وغير ذلك من أَسماء الجوارح إلى الله عز وجل فإنما هو
على سبيل المجاز والاستعارة، والله منزَّه عن التشبيه والتجسيم. وفي حديث
صاحب القرآن يُعْطَى الملْكَ بِيَمِينه والخُلْدَ بشماله أَي يُجْعَلانِ
في مَلَكَتِه، فاستعار اليمين والشمال لأَن الأَخذ والقبض بهما؛ وأَما
قوله:
قَدْ جَرَتِ الطَّيرُ أَيامِنِينا،
قالتْ وكُنْتُ رجُلاً قَطِينا:
هذا لعَمْرُ اللهِ إسْرائينا
قال ابن سيده: عندي أَنه جمع يَميناً على أَيمانٍ، ثم جمع أَيْماناً على
أَيامِين، ثم أَراد وراء ذلك جمعاً آخر فلم يجد جمعاً من جموع التكسير
أَكثر من هذا، لأَن باب أَفاعل وفواعل وفعائل ونحوها نهاية الجمع، فرجع
إلى الجمع بالواو والنون كقول الآخر:
فهُنَّ يَعْلُكْنَ حَدائداتها
لَمّا بلَغ نهاية الجمع التي هي حَدَائد فلم يجد بعد ذلك بناء من أَبنية
الجمع المكسَّر جَمَعه بالأَلف والتاء؛ وكقول الآخر:
جَذْبَ الصَّرَارِيِّينَ بالكُرور
جَمَع صارِياً على صُرَّاء، ثم جَمع صُرَّاء على صَراريّ، ثم جمعه على
صراريين، بالواو والنون، قال: وقد كان يجب لهذا الراجز أَن يقول
أَيامينينا، لأَن جمع أَفْعال كجمع إفْعال، لكن لمَّا أَزمَع أَن يقول في النصف
الثاني أَو البيت الثاني فطينا، ووزنه فعولن، أَراد أَن يبني قوله
أَيامنينا على فعولن أَيضاً ليسوي بين الضربين أَو العروضين؛ ونظير هذه التسوية
قول الشاعر:
قد رَوِيَتْ غيرَ الدُّهَيْدِهينا
قُلَيِّصاتٍ وأُبَيْكِرينا
كان حكمه أَن يقول غير الدُّهَيْدِيهينا، لأَن الأَلف في دَهْداهٍ رابعة
وحكم حرف اللين إذا ثبت في الواحد رابعاً أَن يثبت في الجمع ياء، كقولهم
سِرْداح وسَراديح وقنديل وقناديل وبُهْلُول وبَهاليل، لكن أَراد أَن
يبني بين
(* قوله «يبني بين» كذا في بعض النسخ، ولعل الأظهريسوي بين كما
سبق). دُهَيْدِهينا وبين أُبَيْكِرينا، فجعل الضَّرْبَيْنِ جميعاً أو
العَرُوضَيْن فَعُولُن، قال: وقد يجوز أَن يكون أَيامنينا جمعَ أَيامِنٍ الذي
هو جمع أَيمُنٍ فلا يكون هنالك حذف؛ وأَما قوله:
قالت، وكنتُ رجُلاً فَطِينا
فإن قالت هنا بمعنى ظنت، فعدّاه إلى مفعولين كما تعَدَّى ظن إلى
مفعولين، وذلك في لغة بني سليم؛ حكاه سيبويه عن الخطابي، ولو أَراد قالت التي
ليست في معنى الظن لرفع، وليس أَحد من العرب ينصب بقال التي في معنى ظن
إلاَّ بني سُلَيم، وهي اليُمْنَى فلا تُكَسَّرُ
(* قوله «وهي اليمنى فلا
تكسر» كذا بالأصل، فانه سقط من نسخة الأصل المعول عليها من هذه المادة نحو
الورقتين، ونسختا المحكم والتهذيب اللتان بأيدينا ليس فيهما هذه المادة
لنقصهما). قال الجوهري: وأَما قول عمر، رضي الله عنه، في حديثه حين ذكر ما
كان فيه من القَشَفِ والفقر والقِلَّة في جاهليته، وأَنه واخْتاً له خرجا
يَرْعَيانِ ناضِحاً لهما، قال: أَلْبَسَتْنا أُمُّنا نُقْبَتَها
وزَوَّدَتْنا بيُمَيْنَتَيها من الهَبِيدِ كلَّ يومٍ، فيقال: إنه أَراد
بيُمَيْنَتَيْها تصغير يُمْنَى، فأَبدل من الياء الأُولى تاء إذ كانت للتأْنيث؛
قال ابن بري: الذي في الحديث وزوَّدتنا يُمَيْنَتَيْها مخففة، وهي تصغير
يَمْنَتَيْن تثنية يَمْنَة؛ يقال: أَعطاه يَمْنَة من الطعام أَي أَعطاه
الطعام بيمينه ويده مبسوطة. ويقال: أَعطى يَمْنَةً ويَسْرَةً إذا أَعطاه
بيده مبسوطة، والأَصل في اليَمْنةِ أَن تكون مصدراً كاليَسْرَة، ثم سمي
الطعام يَمْنَةً لأَنه أُعْطِي يَمْنَةً أَي باليمين، كما سَمَّوا الحَلِفَ
يَميناً لأَنه يكون بأْخْذِ اليَمين؛ قال: ويجوز أَن يكون صَغَّر يَميناً
تَصْغِيرَ الترخيم، ثم ثنَّاه، وقيل: الصواب يَمَيِّنَيْها، تصغير يمين،
قال: وهذا معنى قول أَبي عبيد. قال: وقول الجوهري تصغير يُمْنى صوابه
أَن يقول تصغير يُمْنَنَيْن تثنية يُمْنَى، على ما ذكره من إبدال التاء من
الياء الأُولى. قال أَبو عبيد: وجه الكلام يُمَيِّنَيها، بالتشديد،
لأَنه تصغير يَمِينٍ، قال: وتصغير يَمِين يُمَيِّن بلا هاء. قال ابن سيده:
وروي وزَوَّدتنا بيُمَيْنَيْها، وقياسه يُمَيِّنَيْها لأَنه تصغير يَمِين،
لكن قال يُمَيْنَيْها على تصغير الترخيم، وإنما قال يُمَيْنَيْها ولم يقل
يديها ولا كفيها لأَنه لم يرد أَنها جمعت كفيها ثم أَعطتها بجميع
الكفين، ولكنه إنما أَراد أَنها أَعطت كل واحد كفّاً واحدة بيمينها، فهاتان
يمينان؛ قال شمر: وقال أَبو عبيد إنما هو يُمَيِّنَيْها، قال: وهكذا قال
يزيد بن هرون؛ قال شمر: والذي آختاره بعد هذا يُمَيْنَتَيْها لأَن
اليَمْنَةَ إنما هي فِعْل أَعطى يَمْنةً ويَسْرَة، قال: وسعت من لقيت في غطفانَ
يتكلمون فيقولون إذا أهْوَيْتَ بيمينك مبسوطة إلى طعام أَو غيره فأَعطيت
بها ما حَمَلَتْه مبسوطة فإنك تقول أَعطاه يَمْنَةً من الطعام، فإن أَعطاه
بها مقبوضة قلت أَعطاه قَبْضَةً من الطعام، وإن حَشَى له بيده فهي
الحَثْيَة والحَفْنَةُ، قال: وهذا هو الصحيح؛ قال أَبو منصور: والصواب عندي ما
رواه أَبو عبيد يُمَيْنَتَيْها، وهو صحيح كما روي، وهو تصغير
يَمْنَتَيْها، أَراد أَنها أَعطت كل واحد منهما بيمينها يَمْنةً، فصَغَّرَ اليَمْنَةَ ثم
ثنَّاها فقال يُمَيْنَتَيْنِ؛ قال: وهذا أَحسن الوجوه مع السماع. وأَيْمَنَ:
أَخَذَ يَميناً.ويَمَنَ به ويامَنَ ويَمَّن وتَيامَنَ: ذهب به ذاتَ
اليمين. وحكى سيبويه: يَمَنَ يَيْمِنُ أَخذ ذاتَ اليمين، قال: وسَلَّمُوا
لأَن الياء أَخف عليهم من الواو، وإن جعلتَ اليمين ظرفاً لم تجمعه؛ وقول
أَبي النَّجْم:
يَبْري لها، من أَيْمُنٍ وأَشْمُلِ،
ذو خِرَقٍ طُلْسٍ وشخصٍ مِذْأَلِ
(* قوله «يبري لها» في التكملة الرواية: تبري له، على التذكير أي
للممدوح، وبعده:
خوالج بأسعد أن أقبل
والرجز للعجاج).
يقول: يَعْرِض لها من ناحية اليمين وناحية الشمال، وذهب إلى معنى
أَيْمُنِ الإبل وأَشْمُلِها فجمع لذلك؛ وقال ثعلبة بن صُعَيْر:
فتَذَكَّرَا ثَقَلاً رَثِيداً، بعدما
أَلْقَتْ ذُكاءُ يَمِينَها في كافِر
يعني مالت بأَحد جانبيها إلى المغيب. قال أَبو منصور: اليَمينُ في كلام
العرب على وُجوه، يقال لليد اليُمْنَى يَمِينٌ. واليَمِينُ: القُوَّة
والقُدْرة؛ ومنه قول الشَّمّاخ:
رأَيتُ عَرابةَ الأَوْسِيَّ يَسْمُو
إلى الخَيْراتِ، مُنْقَطِعَ القَرينِ
إذا ما رايةٌ رُفِعَتْ لِمَجْدٍ،
تَلَقَّاها عَرابَةُ باليَمينِ
أَي بالقوَّة. وفي التنزيل العزيز: لأَخَذْنا منه باليَمين؛ قال الزجاج:
أَي بالقُدْرة، وقيل: باليد اليُمْنَى. واليَمِينُ: المَنْزِلة.
الأَصمعي: هو عندنا باليَمِينِ أَي بمنزلة حسَنةٍ؛ قال: وقوله تلقَّاها عَرابة
باليمين، قيل: أَراد باليد اليُمْنى، وقيل: أَراد بالقوَّة والحق. وقوله
عز وجل: إنكم كنتم تَأْتونَنا عن اليَمين؛ قال الزجاج: هذا قول الكفار
للذين أَضَلُّوهم أَي كنتم تَخْدَعُوننا بأَقوى الأَسباب، فكنتم تأْتوننا من
قِبَلِ الدِّين فتُرُوننا أَن الدينَ والحَقَّ ما تُضِلُّوننا به
وتُزَيِّنُون لنا ضلالتنا، كأَنه أَراد تأْتوننا عن المَأْتَى السَّهْل، وقيل:
معناه كنتم تأْتوننا من قِبَلِ الشَّهْوة لأَن اليَمِينَ موضعُ الكبد،
والكبدُ مَظِنَّةُ الشهوة والإِرادةِ، أَلا ترى أَن القلب لا شيء له من ذلك
لأَنه من ناحية الشمال؟ وكذلك قيل في قوله تعالى: ثم لآتِيَنَّهم من بين
أَيديهم ومن خَلْفهم وعن أَيمانهم وعن شَمائلهم؛ قيل في قوله وعن
أَيمانهم: من قِبَلِ دينهم، وقال بعضهم: لآتينهم من بين أَيديهم أَي
لأُغْوِيَنَّهم حتى يُكذِّبوا بما تقَدَّم من أُمور الأُمم السالفة، ومن خلفهم حتى
يكذبوا بأَمر البعث، وعن أَيمانهم وعن شمائلهم لأُضلنَّهم بما يعملون
لأَمْر الكَسْب حتى يقال فيه ذلك بما كسَبَتْ يداك، وإن كانت اليدان لم
تَجْنِيا شيئاً لأَن اليدين الأَصل في التصرف، فجُعِلتا مثلاً لجميع ما عمل
بغيرهما. وأَما قوله تعالى: فَراغَ عليهم ضَرْباً باليمين؛ ففيه أَقاويل:
أَحدها بيمينه، وقيل بالقوَّة، وقيل بيمينه التي حلف حين قال: وتالله
لأَكِيدَنَّ أَصنامَكم بعدَ أَن تُوَلُّوا مُدْبِرين.
والتَّيَمُّنُ: الموت. يقال: تَيَمَّنَ فلانٌ
تيَمُّناً إذا مات، والأَصل فيه أَنه يُوَسَّدُ يَمينَه إذا مات في
قبره؛ قال الجَعْدِيّ
(* قوله «قال الجعدي» في التكملة: قال أبو سحمة
الأعرابي):
إذا ما رأَيْتَ المَرْءَ عَلْبَى، وجِلْدَه
كضَرْحٍ قديمٍ، فالتَّيَمُّنُ أَرْوَحُ
(* قوله «وجلده» ضبطه في التكملة بالرفع والنصب).
عَلْبَى: اشْتَدَّ عِلْباؤُه وامْتَدَّ، والضِّرْحُ: الجِلدُ،
والتَّيَمُّن: أَ يُوَسَّدَ
يمِينَه في قبره. ابن سيده: التَّيَمُّن أَن يُوضعَ الرجل على جنبه
الأَيْمن في القبر؛ قال الشاعر:
إذا الشيخُ عَلْبى، ثم أَصبَحَ جِلْدُه
كرَحْضٍ غَسيلٍ، فالتَّيَمُّنُ أَرْوَحُ
(* لعل هذه رواية أخرى لبيت الجعدي الوارد في الصفحة السابقة).
وأَخذَ يَمْنةً ويَمَناً ويَسْرَةً ويَسَراً أَي ناحيةَ يمينٍ ويَسارٍ.
واليَمَنُ: ما كان عن يمين القبلة من بلاد الغَوْرِ، النَّسَبُ إليه
يَمَنِيٌّ
ويَمانٍ، على نادر النسب، وأَلفه عوض من الياء، ولا تدل على ما تدل عليه
الياء، إذ ليس حكم العَقِيب أَن يدل على ما يدل عليه عَقيبه دائباً، فإن
سميت رجلاً بيَمَنٍ ثم أَضفت إليه فعلى القياس، وكذلك جميع هذا الضرب،
وقد خصوا باليمن موضعاً وغَلَّبوه عليه، وعلى هذا ذهب اليَمَنَ، وإنما
يجوز على اعتقاد العموم، ونظيره الشأْم، ويدل على أَن اليَمن جنسيّ غير
علميّ أَنهم قالوا فيه اليَمْنة والمَيْمَنة. وأَيْمَنَ القومُ ويَمَّنُوا:
أَتَوا اليَمن؛ وقول أَبي كبير الهذلي:
تَعْوي الذئابُ من المَخافة حَوْلَه،
إهْلالَ رَكْبِ اليامِن المُتَطوِّفِ
إمّا أَن يكون على النسب، وإِما أَن يكون على الفعل؛ قال ابن سيده: ولا
أََعرف له فعلاً. ورجل أَيْمَنُ: يصنع بيُمْناه. وقال أَبو حنيفة: يَمَنَ
ويَمَّنَ جاء عن يمين.
واليَمِينُ: الحَلِفُ والقَسَمُ، أُنثى، والجمع أَيْمُنٌ وأَيْمان. وفي
الحديث: يَمِينُك على ما يُصَدِّقُك به صاحبُك أَي يجب عليك أَن تحلف له
على ما يُصَدِّقك به إذا حلفت له.
الجوهري: وأَيْمُنُ اسم وُضعَ للقسم، هكذا بضم الميم والنون وأَلفه أَلف
وصل عند أَكثر النحويين، ولم يجئ في الأَسماء أَلف وصل مفتوحة غيرها؛
قال: وقد تدخل عليه اللام لتأْكيد الابتداء تقول: لَيْمُنُ اللهِ، فتذهب
الأَلف في الوصل؛ قال نُصَيْبٌ:
فقال فريقُ القومِ لما نشَدْتُهُمْ:
نَعَمْ، وفريقٌ: لَيْمُنُ اللهِ ما نَدْري
وهو مرفوع بالابتداء، وخبره محذوف، والتقدير لَيْمُنُ الله قَسَمِي،
ولَيْمُنُ الله ما أُقسم به، وإذا خاطبت قلت لَيْمُنُك. وفي حديث عروة بن
الزبير أَنه قال: لَيْمُنُك لَئِنْ كنت ابْتَلَيْتَ لقد عافَيْتَ، ولئن كنت
سَلبْتَ لقد أَبقَيْتَ، وربما حذفوا منه النون قالوا: أَيْمُ الله وإيمُ
الله أَيضاً، بكسر الهمزة، وربما حذفوا منه الياء، قالوا: أَمُ اللهِ،
وربما أَبْقَوُا الميم وحدها مضمومة، قالوا: مُ اللهِ، ثم يكسرونَها
لأَنها صارت حرفاً واحداً فيشبهونها بالباء فيقولون مِ اللهِ، وربما قالوا
مُنُ الله، بضم الميم والنون، ومَنَ الله
بفتحها، ومِنِ الله بكسرهما؛ قال ابن الأَثير: أَهل الكوفة يقولون
أَيْمُن جمعُ يَمينِ القَسَمِ، والأَلف فيها أَلف وصل تفتح وتكسر، قال ابن
سيده: وقالوا أَيْمُنُ الله وأَيْمُ اللهِ وإيمُنُ اللهِ ومُ اللهِ، فحذفوا،
ومَ اللهِ أُجري مُجْرَى مِ اللهِ. قال سيبويه: وقالوا لَيْمُ الله،
واستدل بذلك على أَن أَلفها أَلف وصل. قال ابن جني: أَما أَيْمُن في القسم
ففُتِحت الهمزة منها، وهي اسم من قبل أَن هذا اسم غير متمكن، ولم يستعمل
إلا في القسَم وحده، فلما ضارع الحرف بقلة تمكنه فتح تشبيهاً بالهمزة
اللاحقة بحرف التعريف، وليس هذا فيه إلا دون بناء الاسم لمضارعته الحرف،
وأَيضاً فقد حكى يونس إيمُ الله، بالكسر، وقد جاء فيه الكسر أَيضاً كما ترى،
ويؤَكد عندك أَيضاً حال هذا الإسم في مضارعته الحرف أَنهم قد تلاعبوا به
وأَضعفوه، فقالوا مرة: مُ الله، ومرة: مَ الله، ومرة: مِ الله، فلما
حذفوا هذا الحذف المفرط وأَصاروه من كونه على حرف إلى لفظ الحروف، قوي شبه
الحرف عليه ففتحوا همزته تشبيهاً بهمزة لام التعريف، ومما يجيزه القياس،
غير أَنه لم يرد به الاستعمال، ذكر خبر لَيْمُن من قولهم لَيْمُن الله
لأَنطلقن، فهذا مبتدأٌ محذوف الخبر، وأَصله لو خُرِّج خبره لَيْمُنُ الله ما
أُقسم به لأَنطلقن، فحذف الخبر وصار طول الكلام بجواب القسم عوضاً من
الخبر.
واسْتَيْمَنْتُ الرجلَ: استحلفته؛ عن اللحياني. وقال في حديث عروة بن
الزبير: لَيْمُنُكَ إنما هي يَمينٌ، وهي كقولهم يمين الله كانوا يحلفون
بها. قال أَبو عبيد: كانوا يحلفون باليمين، يقولون يَمِينُ
الله لا أَفعل؛ وأَنشد لامرئ القيس:
فقلتُ: يَمِينُ الله أَبْرَحُ قاعِداً،
ولو قَطَعُوا رأْسي لَدَيْكِ وأَوْصالي
أَراد: لا أَبرح، فحذف لا وهو يريده؛ ثم تُجْمَعُ اليمينُ أَيْمُناً كما
قال زهير:
فتُجْمَعُ أَيْمُنٌ مِنَّا ومِنْكُمْ
بمُقْسَمةٍ، تَمُورُ بها الدِّماءُ
ثم يحلفون بأيْمُنِ الله، فيقولون وأَيْمُنُ اللهِ لأَفْعَلَنَّ كذا،
وأَيْمُن الله لا أَفعلُ كذا، وأَيْمُنْك يا رَبِّ، إذا خاطب ربَّه، فعلى
هذا قال عروة لَيْمُنُكَ، قال: هذا هو الأَصل في أَيْمُن الله، ثم كثر في
كلامهم وخفَّ على أَلسنتهم حتى حذفوا النون كما حذفوا من لم يكن فقالوا:
لم يَكُ، وكذلك قالوا أَيْمُ اللهِ؛ قال الجوهري: وإلى هذا ذهب ابن كيسان
وابن درستويه فقالا: أَلف أَيْمُنٍ أَلفُ قطع، وهو جمع يمين، وإنما خففت
همزتها وطرحت في الوصل لكثرة استعمالهم لها؛ قال أَبو منصور: لقد أَحسن
أَبو عبيد في كل ما قال في هذا القول، إلا أَنه لم يفسر قوله أَيْمُنك
لمَ ضمَّت النون، قال: والعلة فيها كالعلة في قولهم لَعَمْرُك كأَنه
أُضْمِرَ فيها يَمِينٌ
ثانٍ، فقيل وأَيْمُنك، فلأَيْمُنك عظيمة، وكذلك لَعَمْرُك فلَعَمْرُك
عظيم؛ قال: قال ذلك الأَحمر والفراء. وقال أَحمد بن يحيى في قوله تعالى:
الله لا إله إلا هو؛ كأَنه قال واللهِ الذي لا إله إلا هو ليجمعنكم. وقال
غيره: العرب تقول أَيْمُ الله وهَيْمُ الله، الأَصل أَيْمُنُ الله، وقلبت
الهمزة فقيل هَيْمُ اللهِ، وربما اكْتَفَوْا بالميم وحذفوا سائر الحروف
فقالوا مُ الله ليفعلن كذا، وهي لغات كلها، والأَصل يَمِينُ الله وأَيْمُن
الله. قال الجوهري: سميت اليمين بذلك لأَنهم كانوا إذا تحالفوا ضرب كل
امرئ منهم يَمينَه على يمين صاحبه، وإن جعلتَ اليمين ظرفاً لم تجمعه،
لأَن الظروف لا تكاد تجمع لأَنها جهات وأَقطار مختلفة الأَلفاظ، أَلا ترى
أَن قُدَّام مُخالفٌ لخَلْفَ واليَمِين مخالف للشِّمال؟ وقال بعضهم: قيل
للحَلِفِ يمينٌ
باسم يمين اليد، وكانوا يبسطون أَيمانهم إذا حلفوا وتحالفوا وتعاقدوا
وتبايعوا، ولذلك قال عمر لأَبي بكر، رضي الله عنهما: ابْسُطْ يَدَك
أُبايِعْك. قال أَبو منصور: وهذا صحيح، وإن صح أَن يميناً من أَسماء الله تعالى،
كما روى عن ابن عباس، فهو الحَلِفُ بالله؛ قال: غير أَني لم أَسمع
يميناً من أَسماء الله إلا ما رواه عطاء بن الشائب، والله أَعلم.
واليُمْنةَ واليَمْنَةُ: ضربٌ من بُرود اليمن؛ قال: واليُمْنَةَ
المُعَصَّبا. وفي الحديث: أَنه عليه الصلاة والسلام، كُفِّنَ في يُمْنة؛ هي، بضم
الياء، ضرب من برود اليمن؛ وأَنشد ابن بري لأَبي فُرْدُودة يرثي ابن
عَمَّار:
يا جَفْنَةً كإزاء الحَوْضِ قد كَفَأُوا،
ومَنْطِقاً مثلَ وَشْيِ اليُمْنَةِ الحِبَرَه
وقال ربيعة الأَسدي:
إنَّ المَودَّةَ والهَوادَةَ بيننا
خلَقٌ، كسَحْقِ اليُمْنَةِ المُنْجابِ
وفي هذه القصيدة:
إنْ يَقْتُلوكَ، فقد هَتَكْتَ بُيوتَهم
بعُتَيْبةَ بنِ الحرثِ بنِ شِهابِ
وقيل لناحية اليَمنِ يَمَنٌ لأَنها تلي يَمينَ الكعبة، كما قيل لناحية
الشأْم شأْمٌ لأَنها عن شِمال الكعبة. وقال النبي، صلى الله عليه وسلم،
وهو مُقْبِلٌ من تَبُوكَ: الإيمانُ يَمانٍ والحكمة يَمانِيَة؛ وقال أَبو
عبيد: إِنما قال ذلك لأَن الإيمان بدا من مكة، لأَنها مولد النبي، صلى الله
عليه وسلم، ومبعثه ثم هاجر إلى المدينة. ويقال: إن مكة من أَرض
تِهامَةَ، وتِهامَةُ من أَرض اليَمن، ومن هذا يقال للكعبة يَمَانية، ولهذا سمي ما
وَلِيَ مكةَ من أَرض اليمن واتصل بها التَّهائمَ، فمكة على هذا التفسير
يَمَانية، فقال: الإيمانُ يَمَانٍ، على هذا؛ وفيه وجه آخر: أَن النبي،
صلى الله عليه وسلم، قال هذا القول وهو يومئذ بتَبُوك، ومكّةُ والمدينةُ
بينه وبين اليَمن، فأَشار إلى ناحية اليَمن، وهو يريد مكة والمدينة أَي هو
من هذه الناحية؛ ومثلُ هذا قولُ النابغة يذُمُّ يزيد بن الصَّعِق وهو رجل
من قيس:
وكنتَ أَمِينَه لو لم تَخُنْهُ،
ولكن لا أَمانَةَ لليمَانِي
وذلك أَنه كان مما يلي اليمن؛ وقال ابن مقبل وهو رجل من قيس:
طافَ الخيالُ بنا رَكْباً يَمانِينا
فنسب نفسه إلى اليمن لأَن الخيال طَرَقَه وهو يسير ناحيتها، ولهذا قالوا
سُهَيْلٌ
اليَمانيّ لأَنه يُرى من ناحية اليمَنِ. قال أَبو عبيد: وذهب بعضهم إلى
أَنه، صلى الله عليه وسلم، عنى بهذا القول الأَنصارَ لأَنهم يَمانُونَ،
وهم نصروا الإسلام والمؤْمنين وآوَوْهُم فنَسب الإيمانَ إليهم، قال: وهو
أَحسن الوجوه؛ قال: ومما يبين ذلك حديث النبي، صلى الله عليه وسلم، أَنه
قال لما وَفَدَ عليه وفْدُ اليمن: أَتاكم أَهلُ اليَمن هم أَلْيَنُ قلوباً
وأَرَقُّ أَفْئِدَة، الإيمانُ يَمانٍ والحكمةُ يَمانِيةٌ. وقولهم: رجلٌ
يمانٍ منسوب إلى اليمن، كان في الأَصل يَمَنِيّ، فزادوا أَلفاً وحذفوا
ياء النسبة، وكذلك قالوا رجل شَآمٍ، كان في الأَصل شأْمِيّ، فزادوا أَلفاً
وحذفوا ياء النسبة، وتِهامَةُ كان في الأَصل تَهَمَةَ فزادوا أَلفاً
وقالوا تَهامٍ. قال الأَزهري: وهذا قول الخليل وسيبويه. قال الجوهري:
اليَمَنُ بلادٌ للعرب، والنسبة إليها يَمَنِيٌّ
ويَمانٍ، مخففة، والأَلف عوض من ياء النسب فلا يجتمعان. قال سيبويه:
وبعضهم يقول يمانيّ، بالتشديد؛ قال أُميَّة ابن خَلَفٍ:
يَمانِيّاً يَظَلُّ يَشُدُّ كِيراً،
ويَنْفُخُ دائِماً لَهَبَ الشُّوَاظِ
وقال آخر:
ويَهْماء يَسْتافُ الدليلُ تُرابَها،
وليس بها إلا اليَمانِيُّ مُحْلِفُ
وقوم يَمانية ويَمانُون: مثل ثمانية وثمانون، وامرأَة يَمانية أَيضاً.
وأَيْمَن الرجلُ ويَمَّنَ ويامَنَ إذا أَتى اليمَنَ، وكذلك إذا أَخذ في
سيره يميناً. يقال: يامِنْ يا فلانُ بأَصحابك أَي خُذ بهم يَمْنةً، ولا تقل
تَيامَنْ بهم، والعامة تقوله. وتَيَمَّنَ: تنَسَّبَ إلى اليمن. ويامَنَ
القومُ وأَيْمنوا إذا أَتَوُا اليَمن. قال ابن الأَنباري: العامة
تَغْلَطُ في معنى تَيامَنَ فتظن أَنه أَخذ عن يمينه، وليس كذلك معناه عند العرب،
إنما يقولون تَيامَنَ إذا أَخذ ناحية اليَمن، وتَشاءَمَ إذا أَخذ ناحية
الشأْم، ويامَنَ إذا أَخذ عن يمينه، وشاءمَ إذا أَخذ عن شماله. قال
النبي، صلى الله عليه وسلم: إذا نشَأَتْ بَحْرِيَّةً ثم تشاءَمَتْ فتلك
عَيْنٌغُدَيْقَةٌ؛ أَراد إذا ابتدأَتِ السحابة من ناحية البحر ثم أَخذت ناحيةَ
الشأْم. ويقال لناحية اليَمَنِ يَمِينٌ
ويَمَنٌ، وإذا نسبوا إلى اليمن قالوا يَمانٍ.
والتِّيمَنِيُّ: أَبو اليَمن
(* قوله «والتيمني أبو اليمن» هكذا بالأصل
بكسر التاء، وفي الصحاح والقاموس: والتَّيمني أفق اليمن ا هـ. أي بفتحها)
، وإذا نسَبوا إلى التِّيمَنِ قالوا تِيمَنِيٌّ. وأَيْمُنُ: إسم رجل.
وأُمُّ أَيْمَن: امرأة أَعتقها رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وهي حاضنةُ
أَولاده فزَوَّجَها من زيد فولدت له أُسامة. وأَيْمَنُ: موضع؛ قال
المُسَيَّبُ أَو غيره:
شِرْكاً بماءِ الذَّوْبِ، تَجْمَعُه
في طَوْدِ أَيْمَنَ، من قُرَى قَسْرِ
وحي: الوَحْيُ: الإِشارة والكتابة والرِّسالة والإِلْهام والكلام
الخَفِيُّ وكلُّ ما أَلقيته إِلى غيرك. يقال: وحَيْتُ إِليه الكلامَ
وأَوْحَيْتُ. ووَحَى وَحْياً وأَوْحَى أَيضاً أَي كتب؛ قال العجاج:
حتى نَحَاهُمْ جَدُّنا والنَّاحِي
لقَدَرٍ كانَ وحَاه الوَاحِي
بِثَرْمَداء جَهْرَةَ الفِضاحِ
(* قوله« الفضاح» هو بالضاد معجمة في الأصل هنا والتكملة في ثرمد ووقع
تبعاً للاصل هناك بالمهملة خطأ.)
والوَحْيُ: المكتوب والكِتاب أَيضاً، وعلى ذلك جمعوا فقالوا وُحِيٌّ مثل
حَلْيٍ وحُلِيٍّ؛ قال لبيد:
فمَدافِعُ الرَّيّانِ عُرِّيَ رَسْمُها
خَلَقاً، كما ضَمِنَ الوُحِيَّ سِلامُها
أَراد ما يُكتب في الحجارة ويُنقش عليها. وفي حديث الحرث الأَعْوَر: قال
علقمة قرأْتُ القُرآن في سنتين، فقال الحرثُ: القرآن هَيِّنٌ، الوَحْيُ
أَشدُّ منه؛ أَراد بالقرآن القِراءة وبالوَحْي الكِتابة والخَطَّ. يقال:
وحَيْتُ الكِتاب وَحْياً، فأَنا واحٍ؛ قال أَبو موسى: كذا ذكره عبد
الغافر، قال: وإِنما المفهوم من كلام الحرث عند الأَصحاب شيء تقوله الشيعة
أَنه أُوحِيَ إِلى سيدنا رسول الله،صلى الله عليه وسلم، شيءٌ فخَصَّ به أَهل
البيت. وأَوْحى إِليه: بَعَثه. وأَوْحى إِليه: أَلْهَمَه. وفي التنزيل
العزيز: وأَوْحى ربك إِلى النَّحْل، وفيه: بأَنَّ ربك أَوْحى لها؛ أَي
إِليها، فمعنى هذا أَمرها، ووَحَى في هذا المعنى؛ قال العجاج:
وحَى لها القَرارَ فاسْتَقَرَّتِ،
وشَدَّها بالرّاسِياتِ الثُّبَّتِ
وقيل: أَراد أَوْحى إِلا أَنَّ من لغة هذا الراجز إِسقاط الهمزة مع
الحرف، ويروى أَوْحى؛ قال ابن بري: ووَحَى في البيت بمعنى كتب. ووَحَى إِليه
وأَوْحَى: كلَّمه بكلام يُخفِيه من غيره. ووَحى إِليه وأَوْحى: أَوْمَأَ.
وفي التنزيل العزيز: فأَوْحى إِليهم أَنْ سَبِّحوا بُكْرَة وعَشِيّاً؛
وقال:
فأَوْحَتْ إِلينا والأَنامِلُ رُسْلُها
وقال الفراء في قوله، فأَوْحى إليهم: أَي أَشار إِليهم، قال: والعرب
تقول أَوْحى ووَحَى وأَوْمى ووَمى بمعنى واحد، ووَحى يحِي ووَمى يَمِي.
الكسائي: وَحَيْتُ إليه بالكلام أَحي به وأَوْحَيْتُه إِليه، وهو أَن تكلمه
بكلام تخفيه من غيره؛ وقول أَبي ذؤيب:
فقال لها، وقدْ أَوْحَتْ إِليه:
أَلا للهِ أُمُّك ما تَعِيفُ
أَوحت إليه أَي كلمته، وليست العَقاة متكلمة، إنما هو على قوله:
قد قالتِ الأَنْساعُ للبَطْن الحَقي
وهو باب واسع، وأَوْحى الله إلى أَنبيائه. ابن الأَعرابي: أَوْحى الرجلُ
إِذا بعَث برسول ثقة إلى عبد من عبيدِه ثِقة، وأَوْحى أَيضاً إِذا
كَلَّم عبدَه بلا رسول، وأَوْحى الإِنسانُ إِذا صارَ ملِكاً بعد فَقْر،
وأَوْحى الإنسانُ ووَحَى وأَحَى إِذا ظَلَمَ في سلطانه، واسْتَوْحَيْتُه إذا
اسْتَفْهَمْته. والوَحْيُ: ما يُوحِيه اللهُ إِلى أَنْبيائه. ابن الأَنباري
في قولهم: أَنا مُؤْمِنٌ بوَحْيِ الله، قال: سمي وَحْياً لأَنَّ الملك
أَسَرَّه على الخلق وخَصَّ به النبيِّ، صلى الله عليه وسلم ، المبعوثَ
إِليهِ؛ قال الله عز وجل: يُوحي بعضُهم إِلى بعض زُخْرُفَ القَوْلِ غُروراً؛
معناه يُسِرُّ بعضُهم إِلى بعض، فهذا أَصل الحرف ثم قُصِرَ الوَحْيُ
للإِلهامِ، ويكون للأَمر، ويكون للإِشارة؛ قال علقمة:
يُوحي إِليها بأَنْقاضٍ ونَقْنَقَةٍ
وقال الزجاج في قوله تعالى: وإِذْ أَوْحَيْتُ إِلى الحَوارِيِّينَ أَنْ
آمِنُوا بي وبــرسُولي؛ قال بعضهم: أَلْهَمْتُهم كما قال عز وجل: وأَوْحى
ربك إلى النَّحل، وقال بعضهم: أَوْحَيْتُ إِلى الحَوارِيِّين أَمرتهم؛
ومثله:
وحَى لها القَرارَ فاسْتَقَرَّتِ
أَي أَمرها ، وقال بعضهم في قوله: وإِذ أَوْحَيْتُ إِلى الحَوارِيِّينَ؛
أَتَيْتُهم في الوَحْي إليك بالبَراهِين والآيات التي استدلوا بها على
الإِيمان فآمنوا بي وبك. قال الأَزهري: وقال الله عز وجل: وأَوْحَيْنا
إِلى أُمِّ موسى أَن أَرْضِعِيه؛ قال: الوَحْيُ ههنا إِلقاءُ اللهِ في
قلبِها ، قال: وما بعد هذا يدل، والله أَعلم، على
أَنه وَحْيٌ من الله على جهة الإِعلامِ للضَّمانِ لها: إِنَّا رادُّوه
إليك وجاعلوه من المرسلين؛ وقيل: إنَّ معنى الوَحْي ههنا الإِلهام، قال:
وجائز أَن يُلْقِيَ الله في قلبها أَنه مردود إليها وأَنه يكون مرسلاً،
ولكن الإعلام أَبين في معنى الوحي ههنا . قال أَبو إسحق: وأَصل الوحي في
اللغة كلها إعلام في خَفاء، ولذلك صار الإِلهام يسمى وَحْياً؛ قال
الأَزهري: وكذلك الإِشارةُ والإِيماءُ يسمى وَحْياً والكتابة تسمى وحياً. وقال
الله عز وجل: وما كان لِبَشر أَن يُكَلِّمَه الله إِلا وَحْياً أَو من
وراء حِجاب؛ معناه إلا أَن يُوحيَ إِليه وَحْياً فيُعْلِمَه بما يَعْلمُ
البَشَرُ أَنه أَعْلَمَه،إِما إلهاماً أَو رؤْيا، وإما أَن يُنزل عليه كتاباً
كما أُنزِل على موسى، أَو قرآناً يُتْلى عليه كما أَنْزَله على سيدنا
محمد رسول الله، صلى الله عليه وسلم ، وكل هذا إعْلامٌ وإن اختلَفت
أَسبابُ الإعلامِ فيها. وروى الأَزهري عن أَبي زيد في قوله عز وجل: قل أُوحِيَ
إِليَّ، من أَوْحَيْتُ، قال: وناسٌ من العرب يقولون وحَيْتُ إليه
ووَحَيْتُ له وأَوْحَيْتُ إِليه وله، قال: وقرأَ جُؤَيَّة الأَسدي قل أُحِيَ
إليَّ من وحَيْتُ، همز الواو. ووَحَيْتُ لك بخبر كذا أَي أَشَرْتُ وصَوَّتُّ
به رُوَيْداً. قال أَبو الهيثم: يقال وَحَيْتُ إلى فلان أَحي إليه
وَحْياً، وأَوْحَيْتُ إِليه أُوحِي إيحاءً إذا أَشرت إِليه وأَوْمأْتَ، قال:
وأَما اللغة الفاشية في القرآن فبالأَلف، وأَما في غير القرآن العظيم
فوَحَيْتُ إلى فلان مشهورة؛ وأَنشد العجاج:
وحى لها القَرارَ فاسْتَقَرَّتِ
أَي وحَى اللهُ تعالى للأَرض بأَن تَقِرَّ قراراً ولا تميدَ بأَهلها أَي
أَشار إليها بذلك، قال: ويكون وَحى لها القَرارَ أَي كَتب لها القَرارَ.
يقال: وحَيْتُ الكتابَ أَحِيهِ وَحْياً أَي كتبته فهو مَوحِيٌّ. قال رؤبة:
إِنْجيلُ تَوْراةٌ وَحى مُنَمْنِمُهْ
أَي كتَبه كاتِبُه.
والوَحى: النارُ، ويقال للمَلِكِ وَحًى من هذا. قال ثعلب: قلت لابن
الأَعرابي ما الوَحى؟ فقال: المَلِكُ، فقلت: ولم سمي الملِكُ وَحىً؟ فقال:
الوَحى النار فكأَنه مِثلُ النار يَنْفَع ويَضُرُّ. والوَحى: السِّيدُ من
الرجال؛ قال:
وعَلِمْتُ أَني إِن عَلِقْتُ بحَبْلِه،
نشِبَتْ يَدايَ إِلى وَحًى لم يَصْقَعِ
يريد: لم يذهب عن طريق المكارم، مشتق من الصَّقْع. والوَحْيُ والوَحى
مثل الوَغى: الصوت يكون في الناس وغيرهم؛ قال أَبو زبيد:
مُرْتَجِز الجَوفِ بوَحْيٍ أَعْجَم
وسمعت وَحاهُ ووَغاه؛ وأَنشد ابن الأَعرابي:
يَذُودُ بسَحْماوَيْن لم يَتَفَلَّلا
وَحى الذئبِ عن طَفْلٍ مَناسِمهُ مُخْلي
وهذا البيت مذكور في سحم؛ وأَنشد الجوهري على الوَحى الصوت لشاعر:
مَنَعْناكُمْ كَراء وجانِيَيْه،
كما مَنَعَ العَرِينُ وَحى اللُّهامِ
وكذلك الوَحاة بالهاء؛ قال الراجز:
يَحدُو بها كلُّ فَتًى هَيَّاتِ،
تَلْقاهْ بَعْدَ الوَهْنِ ذا وحاةِ،
وهُنَّ نحوَ البيْتِ عامِداتِ
ونصب عامدات على الحال. النضر: سمعت وَحاةَ الرَّعْد وهو صوته الممدود
الخفيّ، قال: والرَّعْدُ يَحي وَحاةً، وخص ابن الأَعرابي مرة بالوحاة صوتَ
الطائر. والوَحى: العَجَلةُ، يقولون: الوَحى الوَحى والوَحاء الوَحاء
يعني البِدارَ البِدارَ، والوَحاء الوَحاء يعني الإِسراع، فيمدُّونهما
ويَقْصُرونهما إِذا جمعوا بينهما، فإِذا أَفردوه مدّوه ولم يَقْصروه؛ قال
أَبو النجم:
يَفِيضُ عَنْهُ الرَّبْوُ من وَحائه
التهذيب: الوَحاء ممدود، السُّرْعة، وفي الصحاح: يمدّ ويقصر، وربما
أَدخلوا الكاف مع الأَلف واللام فقالوا الوَحاك الوَحاك، قال: والعرب تقول
النَّجاء النَّجاء والنَّجى النَّجى والنَّجاك النَّجاك والنَّجاءك
النَّجاءك.
وتَوحَّ يا هذا في شأْنك أَي أَسْرِع. ووحَّاه تَوْحِيةً أَي عَجَّله.
وفي الحديث: إِذا أَرَدْتَ أَمراً فتَدَبَّر عاقِبتَه، فإِن كانت شَرّاً
فانْتَهِ، وإِن كانت خيراً فَتَوَحَّهْ أَي أَسْرِعْ إِليه، والهاء للسكت.
ووَحَّى فلان ذبيحته إِذا ذَبَحها ذَبْحاً سَرِيعاً وَحِيّاً؛ وقال
الجعدي:
أَسِيرانِ مَكْبُولانِ عندَ ابنِ جعْفَرٍ،
وآخرُ قد وحَّيْتُمُوه مُشاغِبُ
والوَحِيُّ، على فعيل: السَّريعُ. يقال: مَوْتٌ وَحِيٌّ. وفي حديث أَبي
بكر: الوَحا الوَحا أَي السُّرْعةَ السُّرعةَ، يمدّ ويقصر. يقال:
تَوَحَّيْتُ تَوَحِّياً إِذا أَسرعت، وهو منصوب على الإِغْراء بفعل مضمر.
واسْتَوْحَيْناهم أَي اسْتَصْرَخْناهم. واسْتَوْحِ لنا بني فلان ما خَبَرُهم
أَي اسْتَخْبِرهم، وقد وَحى. وتَوَحَّى بالشيء: أَسْرَعَ. وشيء وَحِيٌّ:
عَجِلٌ مُسْرِعٌ.
واسْتَوْحى الشيءَ: حرَّكه ودَعاه ليُرْسِله. واسْتَوْحَيْتُ الكلبَ
واسْتَوْشَيْتُه وآسَدْتُه إِذا دعوته لترسله. بعضهم: الإِيحاء البُكاء.
يقال: فلان يُوحي أَباه أَي يَبْكِيه. والنائحةُ تُوحي الميت: تَنُوحُ عليه؛
وقال:
تُوحي بِحالِ أَبيها، وهو مُتَّكِئٌ
على سِنانٍ كأَنْفِ النِّسْرِ مَفْتُوقِ
أَي مَحَدِّد. ابن كثوة: من أَمثالهم: إِن من لا يَعرِف الوَحى
أَحْمَقُ؛ يقال للذي يُتَواحى دُونه بالشيء أَو يقال عند تعيير الذي لا يعرف
الوَحْى. أَبو زيد من أَمثالهم: وَحْيٌ في حجَر؛ يضرب مثلاً لمن يَكْتُم
سِرَّه، يقول: الحجر لا يُخْبِر أَحداً بشيء فأَنا مثله لا أُخبر أَحداً بشيء
أَكْتُمُه؛ قال الأَزهري: وقد يضرب مثلاً للشيء الظاهر البين. يقال: هو
كالوَحْي في الحجر إِذا نُقِرَ فيه؛ ومنه قول زهير:
كالوَحْي في حَجَرِ المَسيل المُخْلِدِ
نصح: نَصَحَ الشيءُ: خَلَصَ. والناصحُ: الخالص من العسل وغيره. وكل شيءٍ
خَلَصَ، فقد نَصَحَ؛ قال ساعدةُ بن جُؤَيَّةَ الهذلي يصف رجلاً مزج
عسلاً صافياً بماءٍ حتى تفرق فيه:
فأَزالَ مُفْرِطَها بأَبيضَ ناصِحٍ،
من ماءِ أَلْهابٍ، بهنَّ التَّأْلَبُ
وقال أَبو عمرو: الناصح الناصع في بيت ساعدة، قال: وقال النضر أَراد
أَنه فرّق به خالصها ورديئها بأَبيض مُفْرِطٍ أَي بماء غدير مملوء.
والنُّصْح: نقيض الغِشّ مشتق منه نَصَحه وله نُصْحاً ونَصِيحة ونَصاحة
ونِصاحة ونَصاحِيةً ونَصْحاً، وهو باللام أَفصح؛ قال الله تعالى:
وأَنْصَحُ لكم.ويقال: نَصَحْتُ له نَصيحتي نُصوحاً أَي أَخْلَصْتُ وصَدَقْتُ،
والاسم النصيحة.
والنصيحُ: الناصح، وقوم نُصَحاء؛ وقال النابغة الذبياني:
نَصَحْتُ بني عَوْفٍ فلم يَتَقَبَّلوا
رَسُولي، ولم تَنْجَحْ لديهم وَسائِلي
ويقال: انْتَصَحْتُ فلاناً وهو ضدّ اغْتَشَشْتُه؛ ومنه قوله:
أَلا رُبَّ من تَغْتَشُّه لك ناصِحٌ،
ومُنْتَصِحٍ بادٍ عليك غَوائِلُهْ
تَغْتَشُّه: تَعْتَدُّه غاشّاً لك. وتَنْتَصِحُه: تَعْتَدُّه ناصحاً لك.
قال الجوهري: وانْتَصَحَ فلان أَي قبل النصيحة. يقال: انْتَصِحْني إِنني
لك ناصح؛ وأَنشده ابن بري:
تقولُ انْتَصِحْنُ إِنني لك ناصِحٌ،
وما أَنا، إِن خَبَّرْتُها، بأَمِينِ
قال ابن بري: هذا وَهَمٌ منه لأَن انتصح بمعنى قبل النصيحة لا يتعدَّى
لأَنه مطاوع نصحته فانتصح، كما تقول رددته فارْتَدَّ، وسَدَدْتُه
فاسْتَدَّ، ومَدَدْتُه فامْتَدَّ، فأَما انتصحته بمعنى اتخذته نصيحاً، فهو متعدّ
إِلى مفعول، فيكون قوله انتصحْني إِنني لك ناصح، يعني اتخذني ناصحاً لك؛
ومنه قولهم: لا أُريد منك نُصْحاً ولا انتصاحاً أَي لا أُريد منك أَن
تنصحني ولا أَن تتخذني نصيحاً، فهذا هو الفرق بين النُّصْح والانتصاح.
والنُّصْحُ: مصدر نَصَحْتُه. والانتصاحُ: مصدر انْتَصَحْته أَي اتخذته نصيحاً،
ومصدر انْتَصَحْتُ أَيضاً أَي قبلت النصيحة، فقد صار للانتصاح معنيان.
وفي الحديث: إِن الدِّينَ النصيحةُ لله ولرسوله ولكتابه ولأَئمة
المسلمين وعامّتهم؛ قال ابن الأَثير: النصيحة كلمة يعبر بها عن جملة هي إِرادة
الخير للمنصوح له، فليس يمكن أَن يعبر عن هذا المعنى بكلمة واحدة تجمع
معناها غيرها. وأَصل النُّصْحِ: الخلوص. ومعنى النصيحة لله: صحة الاعتقاد في
وحدانيته وإِخلاص النية في عبادته. والنصيحة لكتاب الله: هو التصديق به
والعمل بما فيه. ونصيحة رسوله: التصديق بنبوّته ورسالته والانقياد لما
أَمر به ونهى عنه. ونصيحة الأَئمة: أَن يطيعهم في الحق ولا يرى الخروج
عليهم إِذا جاروا. ونصيحة عامّة المسلمين: إِرشادهم إِلى المصالح؛ وفي شرح
هذا الحديث نظرٌ وذلك في قوله نصيحة الأَئمة أَن يطيعهم في الحق ولا يرى
الخروج عليهم إِذا جاروا، فأَيّ فائدة في تقييد لفظه بقوله يطيعهم في الحق
مع إِطلاق قوله ولا يرى الخروج عليهم إِذا جاروا؟ وإِذا منعه الخروج إِذا
جاروا لزم أَن يطيعهم في غير الحق. وتَنَصَّح أَي تَشَبَّه بالنُّصَحاء.
واسْتَنْصَحه: عَدَّه نصيحاً.
ورجل ناصحُ الجَيْب: نَقِيُّ الصدر ناصح القلب لا غش فيه، كقولهم طاهر
الثوب، وكله على المثل؛ قال النابغة:
أَبْلِغِ الحرثَ بنَ هِنْدٍ بأَني
ناصِحُ الجَيْبِ، بازِلٌ للثوابِ
وقومٌ نُصَّح ونُصَّاحٌ. والتَّنَصُّح: كثرة النُّصْحِ؛ ومنه قول
أَكْثَمَ بن صَيْفِيٍّ: إِياكم وكثرةَ التَّنَصُّح فإِنه يورث
التُّهَمَة.والتوبة النَّصُوح: الخالصة، وقيل: هي أَن لا يرجع العبد إِلى ما تاب
عنه؛ قال الله عز وجل: توبةً نَصُوحاً؛ قال الفراء: قرأَ أَهل المدينة
نَصُوحاً، بفتح النون، وذكر عن عاصم نُصُوحاً، بضم النون؛ وقال الفراء: كأَنّ
الذين قرأُوا نُصُوحاً أَرادوا المصدر مثل القُعود، والذين قرأُوا
نَصُوحاً جعلوه من صفة التوبة؛ والمعنى أَن يُحَدّث نفسه إِذا تاب من ذلك
الذنب أَن لا يعود إِليه أَبداً، وفي حديث أُبيّ: سأَلت النبي، صلى الله عليه
وسلم، عن التوبة النصوح فقال: هي الخالصة التي لا يُعاوَدُ بعدها
الذنبُ؛ وفَعُول من أَبنية المبالغة يقع على الذكر والأُنثى، فكأَنَّ الإِنسانَ
بالغ في نُصْحِ نفسه بها، وقد تكرّر في الحديث ذكر النُّصْح والنصيحة.
وسئل أَبو عمرو عن نُصُوحاً فقال: لا أَعرفه؛ قال الفراء وقال المفضَّل:
بات عَزُوباً وعُزُوباً وعَرُوساً وعُرُوساً؛ وقال أَبو إِسحق: توبةٌ
نَصُوح بالغة في النُّصْح، ومن قرأَ نُصُوحاً فمعناه يَنْصَحُون فيها
نُصوحاً. وقال أَبو زيد: نَصَحْتُه أَي صَدَقْتُه؛ ومنه التوبة النصوح، وهي
الصادقة.
والنِّصاحُ: السِّلكُ يُخاط به. وقال الليث: النِّصاحة السُّلوك التي
يخاط بها، وتصغيرها نُصَيِّحة. وقميص مَنْصُوح أَي مَخِيط.
ويقال للإِبرة: المِنْصَحة فإِذا غَلُظَتْ، فهي الشعيرة. والنُّصْحُ:
مصدر قولك نَصَحْتُ الثوبَ إِذا خِطْتَه. قال الجوهري: ومنه التوبة النصوح
اعتباراً بقوله، صلى الله عليه وسلم: من اغتابَ خَرَقَ ومن استغفر الله
رَفَأَ. ونَصَحَ الثوبَ والقميص يَنْصَحُه نَصْحاً وتَنَصَّحه: خاطه. ورجل
ناصح وناصِحِيٌّ ونَصَّاحٌ: خائط. والنِّصاحُ: الخَيْطُ وبه سمي الرجل
نِصاحاً، والجمع نُصُحٌ ونِصاحةٌ، الكسرة في الجمع غير الكسرة في الواحد،
والأَلف فيه غير الأَلف، والهاء لتأْنيث الجمع.
والمِنْصَحة: المِخْيَطة. والمِنْصَحُ: المِخْيَطُ. وفي ثوبه
مُتَنَصِّحٌ لم يُصلحه أَي موضع إِصلاح وخياطة، كما يقال: إِن فيه مُتَرَقَّعاً؛
قال ابن مقبل:
ويُرْعِدُ إِرعادَ الهجِينِ أَضاعه،
غَداةَ الشَّمالِ، الشُّمْرُخُ المُتَنَصَّحُ
وقال أَبو عمرو: المُتَنَصَّحُ المَخيطُ، وأَنشد بيت ابن مقبل.
وأَرض مَنْصوحة: متصلة بالغيت كما يُنْصَحُ الثوبُ، حكاه ابن الأَعرابي؛
قال ابن سيده: وهذه عبارة رديئة إِنما المَنْصُوحة الأَرض المتصلة
النبات بعضه ببعض، كأَنَّ تلك الجُوَبَ التي بين أَشخاص النبات خيطت حتى اتصل
بعضها ببعض.
قال النضر: نَصَحَ الغيثُ البلادَ نَصْحاً إِذا اتصل نبتها فلم يكن فيه
فَضاء ولا خَلَلٌ؛ وقال غيره: نَصَحَ الغيثُ البلادَ ونَضَرها بمعنى
واحد؛ وقال أَبو زيد: الأَرض المنصوحة هي المَجُودةُ نُصِحتْ نَصْحاً.
ونَصَحَ الرجلُ الرِّيَّ نَصْحاً إِذا شرب حتى يَرْوى؛ وكذلك نَصَحتِ الإِبلُ
الشُّرْبَ تَنْصَحُ نُصُوحاً: صَدَقَتْه. وأَنْصَحْتُها أَنا: أَرويتها؛
قال:
هذا مَقامِي لكِ حتى تَنْصَحِي
رِيّاً، وتَجْتازي بَلاطَ الأَبْطَحِ
ويروى: حتى تَنْضَحِي، بالضاد المعجمة، وليس بالعالي. البَلاطُ: القاعُ.
وأَنْصَح الإِبلَ: أَرْواها.
والنِّصاحاتُ: الجلودُ؛ قبال الأَعشى يصف شَرْباً:
فتَرى القومَ نَشاوى كلَّهُمْ،
مثلما مُدَّتْ نِصاحاتُ الرُّبَحْ
قال الأَزهري: أَراد بالرُّبَحِ الرُّبَعَ في قول بعضهم؛ وقال ابن سيده:
الرُّبَحُ من أَولاد الغنم، وقيل: هو الطائر الذي يسمى بالفارسية زاغ؛
وقال المُؤَرِّج: النِّصاحاتُ حبال يجعل لها حَلَقٌ وتنصب للقُرود إِذا
أَرادوا صيدها: يَعْمدُ رجل فيجعلُ عِدّة حبال ثم يأْخذ قرداً فيجعله في
حبل منها، والقرود تنظر إِليه من فوق الجبل، ثم يتنحى الحابل فتنزل القرود
فتدخل في تلك الحبال وهو ينظر إِليها من حيث لا تراه، ثم ينزل إِليها
فيأْخذ ما نَشِبَ في الحبال؛ قال وهو قول الأَعشى:
مثلما مدّت نصاحات الربح
قال: والرُّبَحُ القرود وأَصلها الرُّباح.
وشَيْبَةُ بن نِصاحٍ: رجل من القرّاء.
والنَّصْحاء ومَنْصَح: موضعان؛ قال ساعدة بن جؤية
(* قوله «قال ساعدة بن
جؤية لهن إلخ» قبله:
ولو أنه إذ كان ما حمَّ واقعاً
بجانب من يخفى ومن يتودّد والأصاغي، بالصاد المهملة والغين المعجمة:
موضع، كما أنشده ياقوت في مادته.):
لهنَّ بما بين الأَصاغِي ومَنْصَحٍ
تَعاوٍ، كما عَجَّ الحَجِيحُ المُبَلِّدُ
نول: الليث: النائِل ما نِلْت من معروف إِنسان، وكذلك النَّوَال.
وأَنالَهُ معروفه ونَوَّلَه: أَعطاه معروفه؛ قال الشاعر:
إِنْ تُنَولْهُ فقد تَمْنَعُهُ،
وتُرِيهِ النَّجْمَ يَجْرِي بالظُّهُرْ
والنّالُ والمَنالةُ والمَنالُ: مصدر نِلْت أَنال.
ويقال: نُلْت له بشيء أَي جُدْت، وما نُلْتُه شيئاً أَي ما أَعطيته.
ويقال: نالَني بالخير يَنُولُني نَوالاً ونَوْلاً ونَيْلاً، وأَنالَني بخير
إِنالةً. ويقال في الأَمر من نِلْت أَنالُ للواحد: نَلْ، وللاثنين، نالا،
وللجمع: نالُوا. ونُلْتُه معروفاً ونَوَّلْته. الجوهري: النَّوَال
العَطاء، والنائِل مثله. ابن سيده: النّالُ والنَّوالُ معروف، ونُلْتُه ونُلْت
له ونُلْتُه به أَنُولُه به نَوْلاً؛ قال العُجير السَّلُولي:
فعَضَّ يَدَيْهِ أُصْبُعاً ثم أُصْبُعاً
وقال: لعلَّ الله سَوْفَ يَنِيل
أَي يَنُول بخير، فحذف. وأَنَلْته به وأَنَلْته إِيّاه ونَوَّلْته
ونَوَّلْت عليه بقليل، كله: أَعطيته. الكسائي: لقد تَنَوَّل علينا فلان بشيء
يسير أَي أَعطانا شيئاً يسيراً، وتَطَوَّل مثلها. وقال أَبو محجن:
التَّنَوُّل لا يكون إِلا في الخير، والتطوُّل قد يكون في الخير والشر جميعاً.
الجوهري: يقال نُلْت له بالعطيَّة أَنُول نَوْلاً ونُلْتُه العطيَّة.
ونَوَّلْته: أَعطينه نَوالاً؛ قال وَضّاح اليَمن:
إِذا قلتُ يوماً: نَوِِّّلِيني، تبسَّمتْ
وقالت: مَعاذ الله من نَيْل ما حَرُمْ
فما نَوَّلتْ حتى تضرَّعْت عندَها،
وأَنْبَأْتُها ما رَخَّص اللهُ في اللَّمَمْ
يعني التقبيلَ؛ قال ابن بري: وشاهد نُلْت له بالعطيَّة قول الشاعر:
تَنُول بمعروف الحديثِ، وإِن تُرِدْ
سِوَى ذاكَ تُذْعَرْ منك، وهي ذَعُورُ
وقال الغنوي:
ومن لا يَنُلْ حتى تسدَّ خِلالُه،
يجِدْ شَهوات النفْس غير قليلِ
وفي حديث موسى والخضر، عليهما السلام: حَمَلُوهما في السفينة بغير
نَوْلٍ أَي بغير أَجْرٍ ولا جُعْل، وهو مصدر ناله يَنُوله إِذا أَعطاه، وإِنه
لَيَتَنَوَّل بالخير وهو قبل ذلك لا خير فيه. ورجل نالٌ، بوزْن بالٍ:
جَوَاد، وهي في الأَصل نائل، قال ابن سيده: يجوز أَن يكون فَعْلاً وأَن يكون
فاعِلاً ذهبت عينه، وقيل: كثير النائِل. ونالَ ينال نائلاً ونَيْلاً:
صار نالاً. وما أَنْوَله أَي ما أَكثر نائله. وما أَصَبْتُ منه نَوْلةً أَي
نَيْلاً. وشيء مُنَوَّل ومَنِيل؛ عن سيبويه. ابن السكيت: رجل نالٌ كثير
النَّوال، ورجلان نالان وقوم أَنْوال؛ وقول لبيد:
وقَفْتُ بهنَّ حتى قال صحْبي:
جَزِعْتَ وليس ذلك بالنَّوال
أَي بالصواب. ونالَتِ المرأَة بالحديث والحاجة نَوالاً: سَمَحَتْ أَو
هَمَّت؛ قال الشاعر:
تَنُولُ بمعروف الحديث، وإِن تُرِدْ
سوى ذاك تُذْعَر منك، وهي ذَعورُ
وقيل: النَّوْلة القُبْلة.
وناوَلْت فلاناً شيئاً مُناولة إِذا عاطَيْته. وتناوَلْت من يده شيئاً
إِذا تَعاطيته، وناوَلْته الشيء فتناوله. ابن سيده: تناول الأَمرَ
أَخذه.قال سيبويه: أَما نَوْل فتقول نَوْلُك أَن تفعل كذا أَي ينبغي لك فِعْل
كذا؛ وفي الصحاح: أَي حقُّك أَن تفعل كذا، وأَصله من التناوُل كأَنه يقول
تناوُلك كذا وكذا؛ قال العجاج:
هاجَتْ، ومثلي نَوْلُه أَن يَرْبَعا،
حمامةٌ ناجت حماماً سُجَّعا
أَي حقُّه أَين يكُفَّ، وقيل: الرجز لرؤبة؛ وإِذا قال لا نَوْلُك فكأَنه
يقول أَقْصِر، ولكنه صار فيه معنى ينبغي لك، وقال في موضع لا نَوْلُك
أَن تفعل، جعلوه بدلاً من ينبغي مُعاقِباً له؛ قال أَبو الحسن: ولذلك وقعت
المعرفة هنا غير مكرَّرة. وقالوا: ما نَوْلُك أَن تفعل كذا أَي ما ينبغي
لك أَن تَناله؛ روى الأَزهري عن أَبي العباس أَنه قال في قولهم للرجل ما
كان نَوْلُكَ أَن تفعل كذا قال: النَّوْل من النَّوال؛ يقول ما كان فعلُك
هذا حظًّا لك. الفراء: يقال أَلمْ يَأْنِ وأَلم يَأْنِ لك وأَلم يَنَلْ
لك وأَلم يُنِلْ لك، قال: وأَجْوَدُهنّ التي نزل بها القرآن العزيز يعني
قوله: أَلم يَأْنِ للذين آمنوا. ويقال: أَنَّى لك أَن تفعل كذا ونالَ لك
وأَنال لك وأآن لك بمعنى واحد. وفي الحديث: ما نَوْل امرئٍ مسلم أَن
يقول غير الصواب أَو أَن يقول ما لا يعلم أَي ما ينبغي له وما حظُّه أَن
يقول؛ومنه قولهم: ما نَوْلُك أَن تفعل كذا. الأَزهري في قوله قولهم: ولا
يَنالون من عدوٍّ نَيْلاً، قال: النَّيْل من ذوات الواو، صُيِّر واوها ياء
لأَن أَصله نَيْوِل، فأَدغموا الواو في الياء فقالوا نَيّل، ثم خفَّفوا
فقال نَيْل، ومثله مَيِّت ومَيْت، قال: ولا ينالون من عدوٍّ نَيْلاً، هو من
نِلْت أَنالُ لا من نُلْت أَنُول.
والنَّوْل: الوادي السائل؛ خثعمية عن كراع. والنَّوْل: خشبةُ الحائك
التي يلفُّ عليها الثوب، والجمع أَنْوال. والمِنْوَلُ والمِنْوال:
كالنَّوْل. الليث: المِنْوال الحائك الذي يَنْسُِج الوَسائد ونحوَها نفسُه، ذهب
(*
قوله «نفسه ذهب إلخ» عبارة الصاغاني بعد قوله ونحوها: وقال ابن الاعرابي
المنوال الحائك نفسه ذهب إلخ) إِلى أَنه يَنْسِج بالنَّوْل وهو مِنْسَج
يُنسَج به وأَداتُه المنصوبة تسمى أَيضاً مِنْوالاً؛ وأَنشد:
كُمَيْتاً كأَنها هِراوَةُ مِنْوالِ
وقال: أَراد بالمِنْوال النَّسّاج. وإِذا استوتْ أَخلاقُ القوم قيل: هم
على مِنْوالٍ واحد، وكذلك رَمَوْا على مِنْوالٍ واحد أَي على رِشْقٍ
واحد، وكذلك ات ذا اسْتَووا في النِّضال. ويقال: لا أَدري على أَي مِنْوالٍ
هو أَي على أَيِّ وجه هو.
والنّالةُ: ما حول الحرَم؛ قال ابن سيده: وإِنما قضينا على أَلِفها
أَنها واو لأَن انقلاب الأَلف عن الواو عيناً أَعرف من انقلابها عن الياء؛
وقال ابن جني: أَلِفها ياء لأَنها من النَّيْل أَي من كان فيها لم تَنَله
اليد، قال: ولا يعجبني.
وأَنالَ بالله: حلف بالله؛ قال ساعدة بن جؤبة:
يُنِيلانِ بالله المجيدِ لقد ثَوَى
لدى حيث لاقَى رينُها ونَصِيرُها
(* قوله «رينها ونصيرها» هكذا في الأصل).
ونَوَّال ومُنَوِّل: اسمان.
قصد: القصد: استقامة الطريق. قَصَد يَقْصِدُ قصداً، فهو قاصِد. وقوله
تعالى: وعلى الله قَصْدُ السبيل؛ أَي على الله تبيين الطريق المستقيم
والدعاءُ إِليه بالحجج والبراهين الواضحة، ومنها جائر أَي ومنها طريق غير
قاصد. وطريقٌ قاصد: سهل مستقيم. وسَفَرٌ قاصدٌ: سهل قريب. وفي التنزيل
العزيز: لو كان عَرَضاً قريباً وسفراً قاصداً لاتبعوك؛ قال ابن عرفة: سفراً
قاصداً أَي غيرَ شاقٍّ. والقَصْدُ: العَدْل؛ قال أَبو اللحام التغلبي، ويروى
لعبد الرحمن بن الحكم، والأَول الصحيح:
على الحَكَمِ المأْتِيِّ، يوماً إِذا قَضَى
قَضِيَّتَه، أَن لا يَجُورَ ويَقْصِدُ
قال الأَخفش: أَراد وينبغي أَن يقصد فلما حذفه وأَوقع يَقْصِدُ موقع
ينبغي رفعه لوقوعه موقع المرفوع؛ وقال الفراء: رفعه للمخالفة لأَن معناه
مخالف لما قبله فخولف بينهما في الإِعراب؛ قال ابن بري: معناه على الحكم
المرْضِيِّ بحكمه المأْتِيِّ إِليه ليحكم أَن لا يجور في حكمه بل يقصد أَي
يعدل، ولهذا رفعه ولم ينصبه عطفاً على قوله أَن لا يجور لفساد المعنى
لأَنه يصير التقدير: عليه أَن لا يجور وعليه أَن لا يقصد، وليس المعنى على
ذلك بل المعنى: وينبغي له أَن يقصد وهو خبر بمعنى الأَمر أَي وليقصد؛ وكذلك
قوله تعالى: والوالداتُ يُرْضِعْنَ أَولادهُنَّ؛ أَي ليرضعن. وفي
الحديث: القَصدَ القصدَ تبلغوا أي عليكم بالقصد من الأمور في القول والفعل، وهو
الوسط بين الطرفين، وهو منصوب على المصدر المؤكد وتكراره للتأكيد. وفي
الحديث: عليكم هَدْياً قاصداً أَي طريقاً معتدلاً. والقَصْدُ: الاعتمادُ
والأَمُّ. قَصَدَه يَقْصِدُه قَصْداً وقَصَدَ له وأَقْصَدَني إِليه
الأَمرُ، وهو قَصْدُكَ وقَصْدَكَ أَي تُجاهَك، وكونه اسماً أَكثر في كلامهم.
والقَصْدُ: إِتيان الشيء. تقول: قصَدْتُه وقصدْتُ له وقصدْتُ إِليه بمعنى.
وقد قَصُدْتَ قَصادَةً؛ وقال:
قَطَعْتُ وصاحِبي سُرُحٌ كِنازٌ
كَرُكْنِ الرَّعْنِ ذِعْلِبَةٌ قصِيدٌ
وقَصَدْتُ قَصْدَه: نحوت نحوه.
والقَصْد في الشيء: خلافُ الإِفراطِ وهو ما بين الإِسراف والتقتير.
والقصد في المعيشة: أَن لا يُسْرِفَ ولا يُقَتِّر. يقال: فلان مقتصد في
النفقة وقد اقتصد. واقتصد فلان في أَمره أَي استقام. وقوله: ومنهم مُقْتَصِدٌ؛
بين الظالم والسابق. وفي الحديث: ما عالَ مقتصد ولا يَعِيلُ أَي ما
افتقر من لا يُسْرِفُ في الانفاقِ ولا يُقَتِّرُ. وقوله تعالى: واقْصِدْ في
مشيك واقصد بذَرْعِك؛ أَي ارْبَعْ على نفسِك. وقصد فلان في مشيه إِذا مشى
مستوياً، ورجل قَصْد ومُقْتَصِد والمعروف مُقَصَّدٌ: ليس بالجسيم ولا
الضئِيل.
وفي الحديث عن الجُرَيْرِيِّ قال: كنت أَطوف بالبيت مع أَبي الطفيل،
فقال: ما بقي أَحد رأَى رسولَ الله، صلى الله عليه وسلم، غيري، قال: قلت له:
ورأَيته؟ قال: نعم، قلت: فكيف كان صفته؟ قال: كان أَبيضَ مَلِيحاً
مُقَصَّداً؛ قال: أَراد بالمقصد أَنه كان رَبْعة بين الرجلين وكلُّ بَيْن
مستوٍ غيرِ مُشْرفٍ ولا ناقِص فهو قَصْد، وأَبو الطفيل هو واثلة بن الأَسقع.
قال ابن شميل: المُقَصَّدُ من الرجال يكون بمعنى القصد وهو الربعة. وقال
الليث: المقصَّد من الرجال الذي ليس بجسيم ولا قصير وقد يستعمل هذا النعت
في غير الرجال أَيضاً؛ قال ابن الأَثير في تفسير المقصد في الحديث: هو
الذي ليس بطويل ولا قصير ولا جسيم كأَنَّ خَلْقه يجيءُ به القَصْدُ من
الأُمور والمعتدِلُ الذي لا يميل إِلى أَحد طرفي التفريط والإِفراط.
والقَصْدَةُ من النساء: العظيمة الهامةِ التي لا يراها أَحد إِلاَّ
أَعجبته. والمَقْصَدَةُ: التي إِلى القِصَر.
والقاصد: القريب؛ يقال: بيننا وبين الماء ليلة قاصدة أَي هينة السير لا
تَعَب ولا بُطء.
والقَصِيدُ من الشِّعْر: ما تمَّ شطر أَبياته، وفي التهذيب: شطر ابنيته،
سمي بذلك لكماله وصحة وزنه. وقال ابن جني: سمي قصيداً لأَنه قُصِدَ
واعتُمِدَ وإِن كان ما قَصُر منه واضطرب بناؤُه نحو الرمَل والرجَز شعراً
مراداً مقصوداً، وذلك أَن ما تمَّ من الشِّعْر وتوفر آثرُ عندهم وأَشَدُّ
تقدماً في أَنفسهم مما قَصُر واختلَّ، فسَمُّوا ما طال ووَفَرَ قَصِيداً
أَي مُراداً مقصوداً، وإِن كان الرمل والرجز أَيضاً مرادين مقصودين، والجمع
قصائد، وربما قالوا: قَصِيدَة. الجوهري: القَصِيدُ جمع القَصِيدة
كسَفِين جمع سفينة، وقيل: الجمع قصائدُ وقصِيدٌ؛ قال ابن جني: فإِذا رأَيت
القصيدة الواحدة قد وقع عليها القصيد بلا هاء فإِنما ذلك لأَنه وُضِعَ على
الواحد اسمُ جنس اتساعاً، كقولك: خرجت فإِذا السبع، وقتلت اليوم الذئب،
وأَكلت الخبز وشربت الماء؛ وقيل: سمي قصيداً لأَن قائله احتفل له فنقحه
باللفظ الجيِّد والمعنى المختار، وأَصله من القصيد وهو المخ السمين الذي
يَتَقَصَّد أَي يتكسر لِسِمَنِه، وضده الرِّيرُ والرَّارُ وهو المخ السائل
الذائب الذي يَمِيعُ كالماء ولا يتقصَّد، إِذا نُقِّحَ وجُوِّدَ وهُذِّبَ؛
وقيل: سمي الشِّعْرُ التامُّ قصيداً لأَن قائله جعله من باله فَقَصَدَ له
قَصْداً ولم يَحْتَسِه حَسْياً على ما خطر بباله وجرى على لسانه، بل
رَوَّى فيه خاطره واجتهد في تجويده ولم يقتَضِبْه اقتضاباً فهو فعيل من
القصد وهو الأَمُّ؛ ومنه قول النابغة:
وقائِلةٍ: مَنْ أَمَّها واهْتَدَى لها؟
زيادُ بنُ عَمْرٍو أَمَّها واهْتَدَى لها
أَراد قصيدته التي يقول فيها:
يا دارَ مَيَّةَ بالعَلْياءِ فالسَّنَدِ
ابن بُزُرج: أَقصَدَ الشاعرُ وأَرْملَ وأَهْزَجَ وأَرْجَزَ من القصيد
والرمَل والهَزَج والرَّجَزِ. وقَصَّدَ الشاعرُ وأَقْصَدَ: أَطال وواصل عمل
القصائد؛ قال:
قد وَرَدَتْ مِثلَ اليماني الهَزْهاز،
تَدْفَعُ عن أَعْناقِها بالأَعْجاز،
أَعْيَتْ على مُقْصِدِنا والرَّجَّاز
فَمُفْعِلٌ إِنما يراد به ههنَا مُفَعِّل لتكثير الفعل، يدل على أَنه
ليس بمنزلة مُحْسِن ومُجْمِل ونحوه مما لا يدل على تكثير لأَنه لا تكرير
عين فيه أَنه قرنه بالرَّجَّاز وهو فعَّال، وفعَّال موضوع للكثرة. وقال
أَبو الحسن الأَخفش: ومما لا يكاد يوجد في الشعر البيتان المُوطَآن ليس
بينهما بيت والبيتان المُوطَآن، وليست القصيدة إِلا ثلاثة أَبيات فجعل
القصيدة ما كان على ثلاثة أَبيات؛ قال ابن جني: وفي هذا القول من الأَخفش جواز،
وذلك لتسميته ما كان على ثلاثة أَبيات قصيدة، قال: والذي في العادة أَن
يسمى ما كان على ثلاثة أَبيات أَو عشرة أَو خمسة عشر قطعة، فأَما ما زاد
على ذلك فإِنما تسميه العرب قصيدة. وقال الأَخفش: القصيد من الشعر هو
الطويل والبسيط التامّ والكامل التامّ والمديد التامّ والوافر التامّ والرجز
التامّ والخفيف التامّ، وهو كل ما تغنى به الركبان، قال: ولم نسمعهم
يتغنون بالخفيف؛ ومعنى قوله المديد التامُّ والوافر التامّ يريد أَتم ما جاء
منها في الاستعمال، أَعني الضربين الأَوّلين منها، فأَما أَن يجيئا على
أَصل وضعهما في دائرتيهما فذلك مرفوض مُطَّرَحٌ. قال ابن جني: أَصل «ق ص
د» ومواقعها في كلام العرب الاعتزام والتوجه والنهودُ والنهوضُ نحو
الشيء، على اعتدال كان ذلك أَو جَوْر، هذا أَصله في الحقيقة وإن كان قد يخص في
بعض المواضع بقصد الاستقامة دون الميل، أَلا ترى أَنك تَقْصِد الجَوْرَ
تارة كما تقصد العدل أُخرى؟ فالاعتزام والتوجه شامل لهما جميعاً.
والقَصْدُ: الكسر في أَيّ وجه كان، تقول: قصَدْتُ العُود قَصْداً كسَرْتُه،
وقيل: هو الكسر بالنصف قَصَدْتُهُ أَقْصِدُه وقَصَدْتُه فانْقَصَدَ
وتَقَصَّدَ؛ أَنشد ثعلب:
إِذا بَرَكَتْ خَوَّتْ على ثَفِناتِها
على قَصَبٍ، مِثلِ اليَراعِ المُقَصَّدِ
شبه صوت الناقة بالمزامير؛ والقِصْدَةُ: الكِسْرة منه، والجمع قِصَد.
يقال: القنا قِصَدٌ، ورُمْحٌ قَصِدٌ وقَصِيدٌ مكسور. وتَقَصَّدَتِ الرماحُ:
تكسرت. ورُمْحٌ أَقصادٌ وقد انْقَصَدَ الرمحُ: انكسر بنصفين حتى يبين،
وكل قطعة قِصْدة، ورمح قَصِدٌ بَيِّنُ القَصَد، وإِذا اشتقوا له فِعْلاً
قالوا انْقَصَدَ، وقلما يقولون قَصِدَ إِلا أَنَّ كل نعت على فَعِلٍ لا
يمتنع صدوره من انْفَعَلَ؛ وأَنشد أَبو عبيد لقيس بن الخطيم:
تَرَى قِصَدَ المُرَّانِ تُلْقَى كأَنها
تَذَرُّعُ خُرْصانٍ بأَيدي الشَّواطِبِ
وقال آخر:
أَقْرُو إِليهم أَنابِيبَ القَنا قِصَدا
يريد أَمشي إِليهم على كِسَرِ الرِّماحِ. وفي الحديث: كانت المُداعَسَةُ
بالرماح حتى تَقَصَّدَتْ أَي تَكسَّرَت وصارت قِصَداً أَي قطعاً.
والقِصْدَةُ، بالكسر: القِطْعة من الشيء إِذا انكسر؛ ورمْحٌ أَقْصادٌ. قال
الأَخفش: هذا أَحد ما جاء على بناء الجمع. وقَصَدَ له قِصْدَةً من عَظْم وهي
الثلث أَو الربُع من الفَخِذِ أَو الذراعِ أَو الساقِ أَو الكَتِفِ.
وقَصَدَ المُخَّةَ قَصْداً وقَصَّدَها: كَسَرَها وفَصَّلَها وقد انقَصَدَتْ
وتَقَصَّدَتْ.
والقَصِيدُ: المُخُّ الغليظُ السمِينُ، واحدته قَصِيدَةٌ. وعَظْمٌ
قَصِيدٌ: مُمخٌّ؛ أَنشد ثعلب:
وهمْ تَرَكُوكمْ لا يُطَعَّمُ عَظْمُكُمْ
هُزالاً، وكان العَظْمُ قبْلُ قَصِيدَا
أَي مُمِخًّا، وإِن شئت قلت: أَراد ذا قَصِيدٍ أَي مُخٍّ. والقَصِيدَةُ:
المُخَّةُ إِذا خرجت من العظم، وإِذا انفصلت من موضعها أَو خرجت قيل:
انقَصَدَتْ. أَبو عبيدة: مُخٌّ قَصِيدٌ وقَصُودٌ وهو دون السمين وفوق
المهزول. الليث: القَصِيدُ اليابس من اللحم؛ وأَنشد قول أَبي زبيد:
وإِذا القَوْمُ كان زادُهُمُ اللحـ
ـمَ قَصِيداً منه وغَيرَ قَصِيدِ
وقيل: القَصِيدُ السمين ههنا. وسنام البعير إِذا سَمِنَ: قَصِيدٌ؛ قال
المثقب:
سَيُبْلِغُني أَجْلادُها وقَصِيدُهَا
ابن شميل: القَصُودُ من الإِبل الجامِسُ المُخِّ، واسم المُخِّ الجامِس
قَصِيدٌ. وناقة قَصِيدٌ وقصِيدَةٌ: سمينة ممتلئة جسيمة بها نِقْيٌ أَي
مُخٌّ؛ أَنشد ابن الأَعرابي:
وخَفَّتْ بَقايا النِّقْيِ إِلا قَصِيبَةً،
قَصِيدَ السُّلامى أَو لَمُوساً سَنامُها
والقَصيدُ أَيضاً والقَصْدُ: اللحمُ اليابس؛ قال الأَخطل:
وسيرُوا إِلى الأَرضِ التي قَدْ عَلِمْتُمُ،
يَكُنْ زادُكُمْ فيها قَصِيدُ الإِباعِرِ
والقَصَدَةُ: العُنُقُ، والجمع أَقْصادٌ؛ عن كراع: وهذا نادر؛ قال ابن
سيده: أَعني أَن يكون أَفعالٌ جمع فَعَلَةٍ إِلا على طرح الزائد والمعروف
القَصَرَةُ والقِصَدُ والقَصَدُ والقَصْدُ؛ الأَخيرة عن أَبي حنيفة: كل
ذلك مَشْرَةُ العِضاهِ وهي بَراعيمُها وما لانَ قبْلَ أَن يَعْسُوَ، وقد
أَقصَدتِ العِضاهُ وقصَّدَتْ. قال أَبو حنيفة: القَصْدُ ينبت في الخريف
إِذا بَرَدَ الليل من غير مَطَرٍ. والقَصِيدُ: المَشْرَةُ؛ عن أَبي حنيفة؛
وأَنشد:
ولا تَشْعفاها بالجِبالِ وتَحْمِيا
عليها ظَلِيلاتٍ يَرِفُّ قَصِيدُها
الليث: القَصَدُ مَشْرَةُ العِضاهِ أَيامَ الخَريفِ تخرج بعد القيظ
الورق في العضاه أَغْصان رَطْبة غَضَّةٌ رِخاصٌ، فسمى كل واحدة منها قَصَدة.
وقال ابن الأَعرابي: القَصَدَةُ من كل شجرة ذات شوك أَن يظهر نباتها
أَوَّلَ ما ينبت.
الأَصمعي: والإِقْصادُ القَتْل على كل حال؛ وقال الليث: هو القتل على
المكان، يقال: عَضَّتْه حيَّةٌ فأَقْصَدَتْه. والإِقْصادُ: أَن تَضْرِبَ
الشيءَ أَو تَرْمِيَه فيموتَ مكانه. وأَقصَد السهمُ أَي أَصاب فَقَتَلَ
مكانَه. وأَقْصَدَتْه حية: قتلته؛ قال الأَخطل:
فإِن كنْتِ قد أَقْصَدْتِني إِذْ رَمَيتِنِي
بِسَهْمَيْكِ، فالرَّامي يَصِيدُ ولا يَدري
أَي ولا يخْتُِلُ. وفي حديث عليّ: وأَقْصَدَت بأَسْهُمِها؛ أَقْصَدْتُ
الرجلَ إِذا طَعَنْتَه أَو رَمَيتَه بسهم فلم تُخْطئْ مَقاتلَه فهو
مُقْصَد؛ وفي شعر حميد ابن ثور:
أَصْبَحَ قَلْبي مِنْ سُلَيْمَى مُقْصَدا،
إِنْ خَطَأً منها وإِنْ تَعَمُّدا
والمُقْصَدُ: الذي يَمْرَضُ ثم يموت سريعاً. وتَقَصَّدَ الكلبُ وغيره
أَي مات؛ قال لبيد:
فَتَقَصَّدَتْ منها كَسابِ وضُرِّجَتْ
بِدَمٍ، وغُودِرَ في المَكَرِّ سُحامُها
وقَصَدَه قَصْداً: قَسَرَه. والقصيدُ: العصا؛ قال حميد:
فَظَلَّ نِساء الحَيِّ يَحْشُونَ كُرْسُفاً
رُؤُوسَ عِظامٍ أَوْضَحَتْها القصائدُ
سمي بذلك لأَنه بها يُقْصَدُ الإِنسانُ وهي تَهدِيهِ وتَو مُّه، كقول
الأَعشى:
إِذا كانَ هادِي الفَتى في البِلا
دِ صَدْرَ القناةِ، أَطاعَ الأَمِيرا
والقَصَدُ: العَوْسَجُ، يَمانِيةٌ.
ودر: وَدَّر الرجلَ تَوْدِيراً: أَوقعه في مَهْلَكَةٍ، وقيل: هو أَن
يُغْرِيَهُ حتى يتكلف ما يقع منه في هَلكَةٍ، يكون ذلك في الصدق والكذب،
وقيل: إِنما هو إِيرادك صاحبك الهَلَكَةَ. ابن شميل: تقول وَدَّرْتُ رسولي
قِبَلَ بَلْخٍ إِذا بعثته. قال الأَزهري: وسمعت غير واحد يقول للرجل إِذا
تَجَهَّم له وردّه ردّاً قبيحاً: ودِّرْ وجهك عني أَي نَحِّه وبَعِّدْه.
ابن الأَعرابي: تَهَوَّل في الأَمر وتَورَّطَ وتَوَدَّرَ بمعنى مال.
لوك: اللَّوْكُ: أَهْوَن المَضْغِ، وقيل: هو مضغ الشيء الصُّلْبِ
المَمْضَغة تديره في فيك؛ قال الشاعر:
ولَوْكُهُمُ جَدْلَ الحَصَى بشفاهِهم،
كأَنَّ على أَكْتافِهم فِلَقاً صَخْرا
وقد لاكه يَلُوكه لَوْكاً. وما ذاقَ لَواكاً أي ما يُلاك. ويقال: ما
لُكْتُ عنده لوَاكاً أي مَضاغاً. ولُكْتُ الشيءَ في فمي أَلُوكُه إذا
عَلَكْتَه، وقد لاكَ الفرسُ اللجام. وفلان يلوك أَعراض الناس أي يقع فيهم. وفي
الحديث: فإذا هي في فيه يَلُوكُها أي يَمْضَغُها. واللَّوْكُ: إدارة
الشيء في الفم. الجوهري في هذه الترجمة: وقول الشعراء أَلِكْني إلى فلان
يُريدون كُنْ رسولي وتَحَمَّلْ رسالتي إليه، وقد أكثروا في هذا اللفظ؛ قال
عبد بني الحَسْحاسِ:
أَلِكْني إليها، عَمْرَكَ الله يا فَتَى
بآيةِ ما جاءتْ إلينا تَهادِيا
وقال أَبو ذؤيب الهذلي:
أَلِكْني إليها، وخَيْرُ الرَّسُو
لِ أَعْلَمُهم بنواحي الخَبَرْ
قال: وقياسه أن يقال أَلاكه يُلِيكه إلاكةً، قال: وقد حكي هذا عن أبي
زيد وهو إن كان من الأَلُوكِ في المعنى وهو الرسالة فليس منه في اللفظ، لأن
الأَلُوك فَعُول والهمزة فاء الفعل، إلا أن يكون مقلوباً أو على التوهم.
قال ابن بري: وأَلكني من آلَكَ إذا أَرسل، وأَصله أَأْلِكْني ثم أُخرت
الهمزة بعد اللام فصار أَلْئِكْني، ثم خففت الهمزة بأَن نقلت حركتها على
اللام وحذفت كما فعل بمَلَكٍ وأَصله مأْلَكٌ ثم مَلأَكٌ ثم مَلَك، قال:
وحق هذا أَن يكون في فصل ألك لا فصل لوك، وقد ذكرنا نحن هناك أَكثر هذا
الباب.
فتر: الفَتْرَةُ: الانكسار والضعف. وفَتَر الشيءُ والحرّ وفلان يَفْتُر
ويَفْتِر فُتُوراً وفُتاراً: سكن بعد حدّة ولانَ بعد شدة؛ وفَتَّره الله
تَفْتِيراً وفَتَّر هو؛ قال ساعدة بن جؤية الهذلي:
أُخِيلُ بَرْقاً متى حابٍ ه زَجَلٌ،
إِذا يُفَتِّرُ من تَوْماضِه حَلَجَا
يريد من سحاب
(* قوله« يريد من سحاب» أي فمتى بمعنى من، ويحتمل أن تكون
بمعنى وسط، أو بمعنى في كما ذكره في مادة ح ل ج وقال هناك ويروى خلجا
حاب. والزجل: صوت الرعد؛ وقول ابن مقبل يصف غيثاً) :
تَأَمَّلْ خَليلي، هَلْ تَرَى ضَوْءَ بارِقٍ
يَمانٍ، مَرَتْه ريحُ نَجْدٍ فَفَتَّرا؟
قال حماد الرواية: فتَّر أَي أَقام وسكن. وقال الأَصمعي: فَتَّر مَطَر
وفَرغ ماؤُه وكَفَّ وتحيّر. والفَتَر: الضعف. وفَتَر جسمُه يَفْتِرُ
فُتوراً: لانَتْ مفاصله وضعف. ويقال: أَجد في نفسي فَتْرةً، وهي كالضَّعفة.
ويقال للشيخ: قد عَلَتْه كَبْرة وعَرَتْه فَتْرَة. وأفْتَرَه الداء:
أَضعفه، وكذلك أَفْتَره السكر.
والفُتار: ابتداء النَّشْوة؛ عن أَبي حنيفة، وأَنشد للأَخطل:
وتَجَرَّدَتْ بعد الهَدير، وصَرَّحَتْ
صَهْباء، ترمي شَرْبَها بفُتارِ
وفي الحديث: أَنه، صلى الله عليه وسلم، نهى عن كل مُسْكر ومُفَتِّرٍ؛
فالمسكر الذي يزيل العقل إِذا شُرب، والمُفَتِّر الذي يُفَتِّر الجسد إِذا
شُرب أَي يحمي الجسد ويصيِّر فيه فُتُوراً؛ فإِما أَن يكون أَفْتَره
بمعنى فَتَّره أَي جعله فاتراً، وإِما أَن يكون أَفْتَرَ الشرابُ إِذا فَتَرَ
شاربُه كأَقْطَفَ إِذا قَطَفَتْ دابتُه.
وماءٌ فاترٌ: بين الحار والبارد. وفَتَرَ الماءُ: سكن حرّه. وماء
فاتورٌ: فاتر. وطَرْف فاتِرٌ: فيه فُتور وسُجُوّ ليس بحادّ النظر. ابن
الأَعرابي: أَفْتَر الرجلُ، فهو مُفْتِرٌ إِذا ضعفت جفونه فانكسر طَرْفه.
الجوهري: طَرْف فاتر إِذا لم يكن حديداً. والفِتْر: ما بين طرف الإِبهام وطرف
المُشيرة. وقيل: ما بين الإِبهام والسبابة. الجوهري: الفِتْرُ ما بين طرف
السَّبَّابة والإِبهام إِذا فتحتهما. وفَتَر الشيءَ: قدّره وكاله
بِفتْرِه، كشَبَره: كاله بِشبْره. والفَتْرَةُ: ما بين كل نَبِيَّيْنِ، وفي
الصحاح: ما بين كل رسوليــن من رسل الله، عز وجل، من الزمان الذي انقطعت فيه
الرسالة. وفي الحديث: فَتْرَةَ ما بين عيسى ومحمد، عليهما الصلاة والسلام. وفي
حديث ابن مسعود،رضي الله عنه: أَنه مرض فبكى فقال: إِنما أَبكي لأَنه
أَصابني على حال فَتْرة ولم يصبني على
حال اجتهاد أَي في حال سكون وتقليل من العبادات والمجاهدات.
وفَتْرٌ وفِتْرٌ: اسم امرأَة؛ قال المسيب بن علس ويروى للأَعشى:
أَصَرَمْتَ حبل الوَصْلِ من فَتْرِ،
وهَجَرْتَها ولَجَحْتَ في الهجرِ
وسَمِعْتَ حَلْفتها التي حَلَفَتْ،
إِن كان سَمْعُك غير ذي وَقْر
قال ابن بري: المشهور عند الرواة من فتر، بفتح الفاء، وذكر بعضهم أَنها
قد تكسر ولكن الأَشهر فيها الفتح. وصرمتَ: قطعتَ. والحبل: الوصل.
والوَقْر: الثقل في الأُذن. يقال منه: وَقِرَتْ أُذنُه تَوْقَرُ وَقْراً
ووَقَرَتْ تَوْقِرُ أَيضاً، وجواب إِن الشرطية أَغنى عنه ما تقدم تقديره: إِن لم
يكن بك صمم فقد سمعت حلفتها.
أَبو زيد: الفُتْر النَّبِيَّة، وهو الذي يُعْمل من خُوص يُنخل عليه
الدقيق كالسُّفْرة.
فوض: فَوَّضَ إِليه الأَمرَ: صَيَّرَه إِليه وجعَلَه الحاكم فيه. وفي
حديث الدعاء: فَوَّضْتُ أَمْري إِليك أَي رَدَدْتُه إِليك. يقال: فَوَّضَ
أَمرَه إِليه إِذا ردّه إِليه وجعله الحاكم فيه؛ ومنه حديث الفاتحة:
فَوَّضَ إِليَّ عَبْدي. والتَّفْوِيضُ في النكاح التزويجُ بلا مَهْر.
وقَوْمٌ فَوْضَى: مُخْتَلِطُون، وقيل: هم الذين لا أَمير لهم ولا من
يجمعهم؛ قال الأَفْوَهُ الأَوْدِي:
لا يَصْلُحُ القَوْمُ فَوْضَى لا سَراةَ لَهم،
ولا سَراةَ إِذا جُهّالُهُم سادُوا
وصار الناسُ فَوْضَى أَي متفرِّقين، وهو جماعةُ الفائضِ، ولا يُفْرَدُ
كما يُفْرد الواحد من المتفرّقين. والوحش فَوْضَى: متفرّقة تتردّد. وقوم
فَوْضَى أَي مُتَساوُونَ لا رَئيسَ لهم. ونَعامٌ فَوْضَى أَي مُخْتَلِطٌ
بعضه ببعض، وكذلك جاء القوم فَوْضى، وأَمْرُهم فَيْضَى وفَوْضَى: مختلط؛
عن اللحياني، وقال: معناه سواء بينهم كما قال ذلك في فضا. ومتاعُهم
فَوْضَى بينهم إِذا كانوا فيه شركاء، ويقال أَيضاً فَضاً؛ قال:
طَعامُهُمُ فَوْضَى فَضاً في رِحالِهِمْ،
ولا يَحْسَبُونَ السُّوءَ إِلاَّ تَنادِيا
ويقال: أَمرهم فَيْضُوضا وفَيْضيضَا وفَوْضُوضا بينهم. وهذه الأَحرف
الثلاثة يجوز فيها المدُّ والقصر، وقال أَبو زيد: القوم فَيْضُوضا أَمرُهم
وفَيْضُوضا فيما بينهم إِذا كانوا مختلطين، فيَلْبَسُ هذا ثوبَ هذا،
ويأْكل هذا طعامَ هذا، لا يُؤَامِرُ واحد منهم صاحِبَه فيما يَفْعَلُ في
أَمره. ويقال: أَموالُهم فَوْضَى بينهم أَي هم شرَكاء فيها، وفَيْضُوضا مثله،
يمد ويقصر. وشَرِكةُ
(* قوله «وشركة» ككلمة ويخفف وهو الأَغلب بكسر
أَوّله وتسكين ثانيه؛ أفاده المصباح.) المُفاوضَةِ: الشَّرِكةُ العامّةُ في كل
شيء. وتَفاوَضَ الشَّرِيكانِ في المال إِذا اشتركا فيه أَجمع، وهي شركة
المفاوضة. وقال الأَزهري في ترجمة عنن: وشارَكه شركة مفاوضة، وذلك أَن
يكون مالهما جميعاً من كل شيء يَمْلِكانه بينهما، وقيل: شَرِكةُ المفاوضة
أَن يشتركا في كل شيء في أَيديهما أَو يَسْتَفِيئانِه من بعد، وهذه الشركة
باطلة عند الشافعي، وعند النعمان وصاحبيه جائزة. وفاوَضَه في أَمْره أَي
جارَاه. وتَفاوَضوا الحديث: أَخذوا فيه. وتَفَاوَضَ القوم في الأَمر أَي
فاوَضَ فيه بعضُهم بعضاً. وفي حديث معاوية قال لدَغْفَلِ بن حنظلة: بِمَ
ضَبَطْتَ ما أَرَى؟ قال: بمُفاوَضةِ العُلماء، قال: وما مُفاوَضةُ
العلماء؛ قال: كنت إِذا لقِيتُ عالماً أَخذت ما عنده وأَعطيته ما عندي؛
المُفاوَضةُ: المُساواةُ والمُشارَكةُ، وهي مُفاعلة من التفْويض، كأَن كلَّ
واحد منهما رَدّ ما عنده إِلى صاحبه، أَراد مُحادَثة العلماء ومُذاكرتهم في
العلم، واللّه أَعلم.
ذعر: الذُّعْرُ، بالضم: الخَوْفُ والفَزَعُ، وهو الاسم. ذَعَرَهُ
يَذْعَرُهُ ذَعْراً فانْذعَرَ، وهو مُنْذَعِرٌ، وأَذْعَرَه، كلاهما: أَفزعنه
وصيره إِلى الذُّعْرِ؛ أَنشد ابن الأَعرابي:
ومِثْل الذي لاقيتَ، إِن كنت صادقاً،
من الشَّرِّ يوماً من خَلِيلِكَ أَذْعَرَا
وقال الشاعر:
غَيْرَان شَمَّصَهُ الوُشاةُ فأَذْعَرُوا
وَحْشاً عليكَ، وَجَدْتَهُنَّ سُكُونَا
وفي حديث حذيفة قال له ليلة الأَحزاب: قُمْ فأْتِ القوم ولا تَذْعَرْهُم
عليّ يعني قريشاً، أَي لا تُقْزِعْهُمْ؛ يريد لا تُعْلِمْهُمْ بنفسك
وامْشِ في خُفْيَةٍ لئلاَّ يَنْفِروا منك ويُقْبِلُوا عَلَيَّ. وفي حديث
نابل مولى عثمان: ونحن نَتَرامَى بالحَنْظَل فما يَزِيدُنا عُمَرُ على أَن
يقولَ: كذاك لا تَذْعَرُوا إِبَلَنا علينا أَي لا تُنَفِّرُوا إِبلنا
علينا؛ وقوله: كذاك أَي حَسْبُكُمْ.
(* قوله: «كذاك أَي حسبكم» كذا في الأَصل
والنهاية). وفي الحديث: لا يزال الشيطانُ ذَاعِراً من المؤمن؛ أَي ذَا
ذُعْرٍ وخَوْفٍ أَو هو فاعل بمعنى مفعول أَي مَذْعُور. ورجل ذَعُور:
مُنْذَعِرٌ. وامرأَة ذَعُورٌ: تُذْعَرُ من الرّيَبةِ والكلام القبيح؛
قال:تَنُولُ بمَعْرُوفِ الحَديثِ، وإِن تُرِدْ
سِوَى ذَاكَ، تُذْعَرْ منكَ وهْيَ ذَعُورُ
وذُعِرَ فلانٌ ذَعْراً، فهو مَذْعُورٌ، أَي أُخِيفَ.
والذَّعَرُ: الدَّهَشُ من الحياء. والذَّعْرَةُ: الفَزْعَةُ.
والذَّعْرَاءُ والذُّعْرَةُ: الفِنْدَوْرَةُ، وقيل: الذُّعْرَةُ أُمُّ
سُوَيْدٍ. وأَمْرٌ ذُعَرٌ: مَخُوفٌ، على النسب. والذُّعَرَةُ: طُوَيِّرَةٌ
تكون في الشجر تَهُزُّ ذَنَبَها لا تراها أَبداً إِلاَّ مَذْعُورَةً.
وناقة ذَعُورٌ إِذا مُسَّ ضَرْعُها غارت. والعرب تقول للناقة المجنونة:
مَذْعُورَةٌ. ونُوقٌ مُذَعَّرَةٌ: بها جنون. والذُّعْرَةُ: الاسْتُ.
وذُو الإِذْعارِ: لَقَبُ مَلِكٍ من ملوك اليمن لأَنه زَعَمُوا حَمَلَ
النَّسْناسَ إِلى بلاد اليمن فَذُعِرَ الناسُ منه، وقيل: ذُو الإِذْعارِ
جَدُّ تُبَّعٍ كان سَبَى سَبْياً من التُّرْكِ فَذُعِرَ الناسُ منهم.
ورجل ذَاعِرٌ وذُعَرَةٌ وذُعْرَةٌ: ذو عُيُوب؛ قال:
نَواجِحاً لم تَخْشَ ذُعْرَاتِ الذُّعَرْ
هكذا رواه كراع بالعين والذال المعجمة وذكره في باب الذعر. قال: وأَما
الداعر فالخبيث، وقد تقدم ذلك في الدال المهملة، وحكيناه هنالك ما رواه
كراع من الذال المعجمة.
وتر: الوِتْرُ والوَتْرُ: الفَرْدُ أَو ما لم يَتَشَفَّعْ من العَدَدِ.
وأَوْتَرَهُ أَي أَفَذَّهُ. قال اللحياني: أَهل الحجاز يسمون الفَرْدَ
الوَتْرَ، وأَهل نجد يكسرون الواو، وهي صلاة الوِتْرِ، والوَتْرِ لأَهل
الحجاز، ويقرؤُون: والشَّفْعِ والوتْر، والكسر لتميم، وأَهل نجد يقرؤُون:
والشفع والوَتْرِ، وأَوْتَرَ: صَلَّى الوتر. وقال اللحياني: أَوتر في
الصلاة فعدّاه بفي. وقرأَ حمزة والكسائي: والوتِر، بالكسر. وقرأَ عاصم ونافع
وابن كثير وأَبو عمرو وابن عامر: والوَتر، بالفتح، وهما لغتان معروفتان.
وروي عن ابن عباس، رضي الله عنهما، أَنه قال: الوتر آدم، عليه السلام،
والشَّفْع شُفِعَ بزوجته، وقيل: الشع يوم النحر والوتر يوم عرفة، وقيل:
الأَعداد كلها شفع ووتر، كثرت أَو قلت، وقيل: الوتر الله الواحد والشفع جميع
الخلق خلقوا أَزواجاً، وهو قول عطاء؛ كان القوم وتراً فَشَفَعْتهم
وكانوا شَفْعاً فَوَتَرْتهم. ابن سيده: وتَرَهُمْ وتْراً وأَوْتَرَهُمْ جعل
شفعهم وتراً. وفي الحديث عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أَنه قال: إِذا
اسْتَجْمَرْتَ فأَوْتِرْ أَي اجعل الحجارة التي تستنجي بها فرداً، معناه
استنج بثلاثة أَحجار أَو خمسة أَو سبعة، ولا تستنج بالشفع، وكذلك يُوتِرُ
الإِنسانُ صلاةَ الليل فيصلي مثنى مثنى يسلم بين كل ركعتين ثم يصلي في
آخرها ركعة تُوتِرُ له ما قد صَلَّى؛ وأَوْتَر صلاته. وفي حديث النبي، صلى
الله عليه وسلم: إِن الله وِتْرٌ يحب الوِتْرَ فأَوْتِرُوا يا أَهل القرآن.
وقد قال: الوتر ركعة واحدة. والوتر: الفرد، تكسر واوه وتفتح، وقوله:
أَوتروا، أَمر بصلاة الوتر، وهو أَن يصلي مثنى مثنى ثم يصلي في آخرها ركعة
مفردة ويضيفها إِلى ما قبلها من الركعات.
والوَتْرُ والوِتْرُ والتِّرَةُ والوَتِيرَةُ: الظلم في الذَّحْل، وقيل:
عو الذَّحْلُ عامةً. قال اللحياني: أَهل الحجاز يفتحون فيقولون وَتْرٌ،
وتميم وأَهل نجد يكسرون فيقولون وِتْرٌ، وقد وَتَرْتُه وَتْراً وتِرَةً.
وكلُّ من أَدركته بمكروه، فقد وَتَرْتَه. والمَوْتُورُ: الذي قتل له قتيل
فلم يدرك بدمه؛ تقول منه: وتَرَهُ يَتِرُه وَتْراً وتِرَةً. وفي حديث
محمد بن مسلمة: أَنا المَوْتُور الثَّائِرُ أَي صاحب الوَتْرِ الطالبُ
بالثأْر، والموتور المفعول. ابن السكيت: قال يونس أَهل العالية يقولون:
الوِتْرُ في العدد والوَتْرُ في الذَّحْلِ، قال: وتميم تقول وِتر، بالكسر، في
العدد والذحل سواد. الجوهري: الوتر، بالكسر، الفرد، والوتر، بالفتح:
الذَّحْلُ، هذه لغة أَهل العالية، فأَما لغة أَهل الحجاز فبالضد منهم، وأَما
تميم فبالكسر فيهما. وفي حديث عبد الرحمن في الشورى: لا تَغْمِدُوا
السيوفَ عن أَعدائكم فَتُوتِرُوا ثأْركم. قال الأَزهري: هو من الوَتْرِ؛ يقال:
وَتَرْتُ فلاناً إِذا أَصبته بِوَتْرٍ، وأَوْتَرْتُه أَوجدته ذلك، قال:
والثَّأْرُ ههنا العَدُوُّ لأَنه موضع الثأْر؛ المعنى لا تُوجِدوا
عدوَّكم الوَتْرَ في أَنفسكم. ووَتَرْتُ الرجلَ: أَفزعتُه؛ عن الفراء.
ووَترَهُ حَقَّه وماله: نَقَصَه إِياه. وفي التنزيل العزيز: ولن
يَتِرَكُمْ أَعمالكم. وفي حديث النبي، صلى الله عليه وسلم: من فاتته صلاة العصر
فكأَنما وتر أَهله وماله؛ أَي نقص أَهله وماله وبقي فرداً؛ يقال:
وتَرْتُه إِذا نَقَصْتَه فكأَنك جعلته وتراً بعد أَن كان كثيراً، وقيل: هو من
الوَتْرِ الجناية التي يجنيها الرجل على غيره من قتل أَو نهب أَو سبي، فشبه
ما يلحق من فاتته صلاة العصر بمن قُتِلَ حَمِيمُهُ أَو سُلِبَ أَهله
وماله؛ ويروى بنصب الأَهل ورفعه، فمن نصب جعله مفعولاً ثانياً لوُتِرَ
وأَضمر فيها مفعولاً لم يسم فاعله عائداً إِلى الذي فاتته الصلاة، ومن رفع لم
يضمر وأَقام الأَهل مقام ما لم يسم فاعله لأَنهم المصابون المأْخوذون،
فمن ردَّ النقص إِلى الرجل نصبهما، ومن ردّه إِلى الأَهل والمال رفعهما
وذهب إِلى قوله: ولم يَتِرَكُمْ أَعمالَكم، يقول: لن يَنْقُصَكُمْ من ثوابكم
شيئاً. وقال الجوهري: أَي لن يَنْتَقِصَكم في أَعمالكم، كما تقول: دخلت
البيت، وأَنت تريد في البيت، وتقول: قد وَتَرْتُه حَقَّه إِذا نَقَصْتَه،
وأَحد القولين قريب من الآخر. وفي الحديث: اعمل من وراء البحر فإِن الله
لن يَتِرَكَ من عملك شيئاً أَي لن يَنْقُصَك. وفي الحديث: من جلس مجلساً
لم يَذْكُرِ الله فيه كان عليه تِرَةً أَي نقصاً، والهاء فيه عوض من
الواو المحذوفة مثل وَعَدْتُه عِدَةً، ويجوز نصبها ورفعها على اسم كان
وخبرها، وقيل: أَراد بالتِّرَةِ ههنا التَّبِعَةَ. الفراء: يقال وَتَرْتُ
الرجل إِذا قتلت له قتيلاً وأَخذت له مالاً، ويقال: وَتَرَه في الذَّحْلِ
يَتِرُه وَتْراً، والفعل من الوِتْرِ الذَّحْلِ وَتَرَ يَتِرُ، ومن الوِتْرِ
الفَرْد أَوْتَرَ يُوتِرُ، بالأَلف. وروي عن النبي، صلى الله عليه وسلم،
أَنه قال: قَلِّدوا الخيل ولا تُقَلِّدوها الأَوْتارَ؛ هي جمع وِتر،
بالكسر، وهي الجناية؛ قال ابن شميل: معناه لا تَطْلُبوا عليها الأَوْتارَ
والذُّحُولَ التي وُتِرْتُمْ عليها في الجاهلية. قال: ومنه حديث عَلِيٍّ
يصف أَبا بكر: فأَدْرَكْتَ أَوْتارَ ما طَلَبُوا. وفي الحديث: إِنها
لَخَيْلٌ لو كانوا يضربونها على الأَوْتارِ. قال أَبو عبيد في تفسير وقوله: ولا
تُقلدوها الأَوتار، قال: غير هذا الوجه أَشبه عندي بالصواب، قال: سمعت
محمد بن الحسن يقول: معنى الأَوتار ههنا أَوتار القِسِيِّ، وكانوا
يقلدونها أَوتار القِسِيِّ فتختنق، فقال: لا تقلدوها. وروي: عن جابر: أن النبي،
صلى الله عليه وسلم، أَمر بقطع الأَوْتارِ من أَعناق الخيل. قال أَبو
عبيد: وبلغني أَن مالك بن أَنس قال: كانوا يُقَلِّدُونها أَوتار القِسِيِّ
لئلا تصيبها العين فأَمرهم بقطعها يُعلمهم أَن الأَوْتارَ لا تَرُدُّ من
أَمر الله شيئاً؛ قال: وهذا شبيه بما كره من التمائم؛ ومنه الحديث: من
عَقَدَ لِحْيَتَهُ أَو تَقَلَّدَ وَتَراً، كانوا يزعمون أَن التَّقَلُّدَ
بالأَوْتارِ يَرُدُّ العَيْنَ ويدفع عنهم المكاره، فنهوا عن ذلك.
والتَّواتُرُ: التتابُعُ، وقيل: هو تتابع الأَشياء وبينها فَجَواتٌ
وفَتَراتٌ. وقال اللحياني: تواتَرَت الإِبل والقَطا وكلُّ شيء إِذا جاء بعضه
في إِثر بعض ولم تجئ مُصْطَفَّةً؛ وقال حميد بن ثور:
قَرِينَةُ سَبْعٍ، وإِن تواتَرْنَ مَرَّةً،
ضُرِبْنَ وصَفَّتْ أَرْؤُسٌ وجُنُوبُ
وليست المُتَواتِرَةُ كالمُتَدارِكَةِ والمُتَتابِعة. وقال مرة:
المُتَواتِرُ الشيء يكون هُنَيْهَةً ثم يجيء الآخر، فإِذا تتابعت فليست
مُتَواتِرَةً، وإِنما هي مُتَدارِكة ومتتابعة على ما تقدّم. ابن الأَعرابي: تَرى
يَتْري إِذا تَراخى في العمل فعمل شيئاً بعد شيء. الأَصمعي: واتَرْتُ
الخَبَرَ أَتْبَعْتُ وبين الخبرين هُنَيْهَةٌ. وقال غيره: المُواتَرَةُ
المُتابَعَةُ، وأَصل هذا كله من الوَتِرْ، وهو الفَرْدُ، وهو أَني جعلت كل
واحد بعد صاحبه فَرْداً فَرْداً.
والمُتَواتِرُ: كل قافية فيها حرف متحرّك بين حرفين ساكنين نحو مفاعيلن
وفاعلاتن وفعلاتن ومفعولن وفَعْلُنْ وفَلْ إِذا اعتمد على حرف ساكن نحو
فَعُولُنْ فَلْ؛ وإِياه عنى أَبو الأَسود بقوله:
وقافيةٍ حَذَّاءَ سَهْلٍ رَوِيُّها،
كَسَرْدِ الصَّنَاعِ، ليس فيها تواتُرُ
أَي ليس فيها توقف ولا فتور. وأَوْتَرَ بين أَخباره وكُتُبه وواتَرَها
مُواتَرَةً ووِتاراً: تابَعَ وبين كل كتابين فَتْرَةٌ قليلة. والخَبَرُ
المُتَواتِرُ: أَن يحدِّثه واحد عن واحد، وكذلك خبر الواحد مثل
المُتواتِرِ. والمُواتَرَةُ: المتابعة، ولا تكون المُواتَرَةُ بين الأَشياء إِلا
إِذا وقعت بينها فترة، وإِلا فهي مُدارَكَة ومُواصَلة. ومُواتَرَةُ الصوم:
أَن يصوم يوماً ويفطر يوماً أَو يومين، ويأْتي به وِتْراً؛ قال: ولا يراد
به المواصلة لأَن أَصله من الوِتْرِ، وكذلك واتَرْتُ الكُتُبَ
فَتَواتَرَت أَي جاءت بعضُها في إِثر بعض وِتْراً وِتْراً من غير أَن تنقطع. وناقة
مُواتِرَةٌ: تضع إِحدى ركبتيها أَوّلاً في البُرُوكِ ثم تضع الأُخرى ولا
تضعهما معاً فتشق على الراكب. الأَصمعي: المُواتِرَةُ من النوق هي التي
لا ترفع يداً حتى تستمكن من الأُخرى، وإِذا بركت وضعت إِحدى يديها، فإِذا
اطمأَنت وضعت الأُخرى فإِذا اطمأَنت وضعتهما جميعاً ثم تضع وركيها قليلاً
قليلاً؛ والتي لا تُواتِرُ تَزُجُّ بنفسها زَجّاً فتشق على راكبها عند
البروك. وفي كتاب هشام إِلى عامله: أَن أَصِبْ لي ناقة مُواتِرَةً؛ هي
التي تضع قوائمها بالأَرض وِتْراً وِتْراً عند البُروك ولا تَزُجُّ نفسها
زَجّاً فَتَشُقَّ على راكبها، وكان بهشام فَتْقٌ. وفي حديث الدعاء: أَلِّفْ
جَمْعَهُم وواتِرْ بين مِيَرِهم أَي لا تقطع المِيْرَةَ واجْعَلْها
تَصِلُ إِليهم مَرَّةً بعد مرة.
وجاؤوا تَتْرى وتَتْراً أَي مُتَواتِرِين، التاء مبدلة من الواو؛ قال
ابن سيده: وليس هذا البدل قياساً إِنما هو في أَشياء معلومة، أَلا ترى أَنك
لا تقول في وَزِير يَزِيرٌ؟ إِنما تَقِيسُ على إِبدال التاء من الواو في
افْتَعَل وما تصرف منها، إِذا كانت فاؤه واواً فإِن فاءه تقلب تاء وتدغم
في تاء افتعل التي بعدها، وذلك نحو اتَّزَنَ؛ وقوه تعالى: ثم أَرسلنا
رسلنا تَتْرى؛ من تتابع الأَشياء وبينها فَجَواتٌ وفَتَراتٌ لأَن بين كل
رسوليــن فَتْرَةً، ومن العرب من ينوّنها فيجعل أَلفها للإِلحاق بمنزلة
أَرْطى ومِعْزى، ومنهم من لا يصرف، يجعل أَلفها للتأْنيث بمنزلة أَلف سَكْرى
وغَضْبى؛ الأَزهري: قرأَ أَبو عمرو وابن كثير: تَتْرًى منوّنة ووقفا
بالأَلف، وقرأَ سائر القراء: تَتْرى غير منوّنة؛ قال الفراء: وأَكثر العرب
على ترك تنوين تترى لأَنها بمنزلة تَقْوى، ومنهم من نَوَّنَ فيها وجعلها
أَلفاً كأَلف الإِعراب؛ قال أَبو العباس: من قرأَ تَتْرى فهو مثل شَكَوْتُ
شَكْوى، غير منوّنة لأَن فِعْلى وفَعْلى لا ينوّن، ونحو ذلك قال الزجاج؛
قال: ومن قرأَها بالتنوين فمعناه وَتْراً، فأَبدل التاء من الواو، كما
قالوا تَوْلَج من وَلَجَ وأَصله وَوْلَجٌ كما قال العجاج:
فإِن يكن أَمْسى البِلى تَيْقُورِي
أَرادَ وَيْقُورِي، وهو فَيْعُول من الوَقار، ومن قرأَ تَتْرى فهو أَلف
التأْنيث، قال: وتَتْرى من المواترة. قال محمد بن سلام: سأَلت يونس عن
قوله تعالى: ثم أَرسلنا رسلنا تترى، قال: مُتَقَطِّعَةً مُتَفاوِتَةً.
وجاءت الخيل تَتْرى إِذا جاءت متقطعة؛ وكذلك الأَنبياء: بين كل نبيين دهر
طويل. الجوهري: تَتْرى فيها لغتن: تنوّن ولا تنوّن مثل عَلْقى، فمن ترك
صرفها في المعرفة جعل أَلفها أَلف تأْنيث، وهو أَجود، وأَصلها وَتْرى من
الوِتْرِ وهو الفرد، وتَتْرى أَي واحداً بعد واحد، ومن نونها جعلها ملحقة.
وقال أَبو هريرة: لا بأْس بقضاء رمضان تَتْرى أَي متقطعاً. وفي حديث أَبي
هريرة: لا بأْس أَن يُواتِرَ قضاءَ رمضان أَي يُفَرِّقَهُ فيصومَ يوماً
ويُفْطِرَ يوماً ولا يلزمه التتابع فيه فيقضيه وِتْراً وِتْراً.
والوتيرة: الطريقة، قال ثعلب: هي من التَّواتُرِ أَي التتابع، وما زال
على وَتِيرةٍ واحدة أَي على صفة. وفي حديث العباس بن عبد المطلب قال: كان
عمر بن الخطاب لي جاراً فكان يصوم النهار ويقوم الليل، فلما وَلِيَ قلت:
لأَنظرنّ اليوم إِلى عمله، فلم يزل على وَتِيرَةٍ واحدة حتى مات أَي على
طريقة واحدة مطردة يدوم عليها. قال أَبو عبيدة:الوَتِيرَةُ المداومة على
الشيء، وهو مأْخوذ من التَّواتُرِ والتتابُع. والوَتِيرَةُ في غير هذا:
الفَتْرَةُ عن الشيء والعمل؛ قال زهير يصف بقرة في سيرها:
نَجَأٌ مُجِدٌّ ليس فيه وَتِيرَةٌ
ويَذُبُّها عنها بأَسْحَمَ مِذْوَدِ
يعني القَرْنَ. ويقال: ما في عمله وَتِيرَةٌ، وسَيْرٌ ليست فيه
وَتِيرَةٌ أَي فتور. والوَتِيرَةُ: الفَتْرَةُ في الأَمر والغَمِيزَةُ والتواني.
والوَتِيرَةُ: الحَبْسُ والإِبطاء.
ووَتَرَهُ الفخِذِ: عَصَبَةٌ بين أَسفل الفخذ وبين الصَّفنِ.
والوَتِيرَةُ والوَتَرَةُ في الأَنف: صِلَةُ ما بين المنخرين، وقيل: الوَتَرَةُ حرف
المنخر، وقيل: الوَتِيرَةُ الحاجز بين المنخرين من مقدّم الأَنف دون
الغُرْضُوف. ويقال للحاجز الذي بين المنخرين: غرضوف، والمنخران: خرقا
الأَنف، ووَتَرَةُ الأَنف: حِجابُ ما بين المنخرين، وكذلك الوَتِيرَة. وفي حديث
زيد: في الوَتَرَةِ ثلث الدية؛ هي وَتَرَةُ الأَنف الحاجزة بين
المنخرين. اللحياني: الوَترَةُ ما بين الأَرْنَبَةِ والسَّبَلَةِ. وقال الأَصمعي:
خِتارُ كل شيء وَتَرُه. ابن سيده: والوَتَرَةُ والوَتِيرَةُ غُرَيضيفٌ
في أَعلى الأُذن يأْخُذُ من أَعلى الصِّماخ. وقال أَبو زيد: الوتيرة
غريضيف في جوف الأُذن يأْخذ من أَعلى الصماخ قبل الفَرْع. والوَتَرَةُ من
الفَرَسِ: ما بين الأَرْنَبَةِ وأَعلى الجَحْفَلةِ. والوَتَرَتان: هَنَتانِ
كأَنهما حلقتان في أُذني الفرس، وقيل: الوَتَرَتانِ العَصَبتان بين رؤوس
العُرْقُوبين إِلى المَأْبِضَيْنِ، ويقال: تَوَتَّرَ عَصَبُ فرسه.
والوَتَرَة من الذَّكر: العِرْقُ الذي في باطن الحَشَفَة، وقال اللحياني: هو
الذي بين الذكر والأُنثيين. والوترتان: عصبتان بين المأْبضين وبين رؤوس
العُرقوبين. والوَتَرَةُ أَيضاً: العَصَبَةُ التي تضم مَخْرَجَ رَوْثِ الفرس.
الجوهري: والوَتَرَةُ العرق الذي في باطن الكَمَرَة، وهو جُلَيْدَةٌ.
ووَتَرَةُ كل شيء: حِتارُه، وهو ما استدار من حروفه كَحِتارِ الظفر
والمُنْخُلِ والدُّبُر وما أَشبهه. والوَتَرَةُ: عَقَبَة المَتْنِ، وجمعها
وَتَرٌ. ووَتَرَةُ اليد ووَتِيرَتُها: ما بين الأَصابع، وقال اللحياني: ما بين
كل إِصبعين وَتَرَةٌ، فلم يخص اليد دون الرجل. والوَتَرَةُ
والوَتِيرَةُ: جُلَيْدَة بين السبابة والإِبهام. والوَتَرَةُ: عصبة تحت اللسان.
والوتِيرَةُ: حَلْقَةٌ يتعلم عليها الطعن، وقيل: هي حَلْقَةٌ تُحَلِّقُ على
طَرَفِ قَناةٍ يتعلم عليها الرمي تكون من وَتَرٍ ومن خيط؛ فأَما قول أُم
سلمة زوج النبي، صلى الله عليه وسلم:
حامي الحقيقةِ ماجِدٌ،
يَسْمُو إِلى طَلَبِ الوَتِيرَهْ
قال ابن الأَعرابي: فسر الوَتِرة هنا بأَنها الحَلْقَةُ، وهو غلط منه،
إِنما الوتيرة هنا الذَّحْلُ أَو الظلم في الذحلِ. وقال اللحياني:
الوَتِيرة التي يتعلم الطعن عليها، ولم يخص الحَلْقَةَ. والوَتِيرة: قطعة تستكن
وتَغْلُظ وتنقاد من الأَرض؛ قال:
لقد حَبَّبَتْ نُعْمٌ إِلينا بوجهها
مَنازِلَ ما بين الوَتائِرِ والنَّقْعِ
وربما شبهت القبور بها؛ قال ساعدة بن جؤية الهذلي يصف ضَبُعاً نبشت
قبراً:
فَذاحَتْ بالوَتائِر ثم بَدَّتْ
يديها عند جانبها، تَهِيلُ
ذَاحَتْ: يعني ضَبُعاً نَبَشَتْ عن قبر قتيل. وقال الجوهري: ذاحت
مَشَتْ؛ قال ابن بري: ذاحَتْ مَرَّتْ مَرّاً سريعاً؛ قال: والوَتائِرُ جمع
وَتِيرَةٍ الطريقة من الأَرض؛ قال: وهذا تفسير الأَصمعي؛ وقال أَبو عمرو
الشَّيْبانيُّ: الوتائر ههنا ما بين أَصابع الضبع، يريد أَنها فَرَّجَتْ بين
أَصابعها، ومعنى بَدَّتْ يديها أَي فرّقت بين أَصابع يديها فحذف المضاف.
وتَهِيل: تَحْثُو الترابَ. الأَصمعي: الوَتِيرَةُ من الأَرض، ولم
يَحُدَّها. الجوهري: الوَتِيرَةُ من الأَرض الطريقة. والوَتِيرَةُ: الأَرض
البيضاء. قال أَبو حنيفة: الوَتِيرُ نَوْرُ الوردِ، واحدته وَتِيرَةٌ.
والوَتِيرَةُ: الوَرْدَةُ البيضاء. والوتِيرَةُ: الغُرّة الصغيرة. ابن سيده:
الوَتِيرَة غرّة الفرس إِذا كانت مستديرة، فإِذا طالت فهي الشَّادِخَة. قال
أَبو منصور: شبهت غرّة الفرس إِذا كانت مستديرة بالحلقة التي يتعلم عليها
الطعن يقال لها الوتيرة. الجوهري: الوتيرة حَلْقَةٌ من عَقَبٍ يتعلم
فيها الطعن، وهي الدَّرِيئَةُ أَيضاً؛ قال الشاعر يصف فرساً:
تُبارِي قُرْحَةً مثل الْـ
ـوَتِيرَةِ لم تكن مَغْدَا
المَغْدُ: النَّتْفُ، أَي مَمْغُودَةً، وضع المصدر موضع الصفة؛ يقول:
هذه القرحة خلقة لم تنتف فتبيضَّ. والوتر، بالتحريك: واحد أَوتار القوس.
ابن سيده: الوَتَرُ شِرْعَةُ القوس ومُعَلَّقُها، والجمع أَوتارٌ.
وأَوْتَرَ القوسَ: جعل لها وَتَراً. وَوتَرَها وَوتَّرها: شدَّ تَرَها. وقال
اللحياني: وَتَّرَها وأَوْتَرَها شَدَّ وَتَرَها. وفي المثل: إِنْباضٌ بغير
تَوْتِير. ابن سيده: ومن أَمثالهم: لا تَعْجَلْ بالإِنْباضِ قبل
التَّوتِيرِ؛ وهذا مثل في استعجال الأَمر قبل بلوغ إِناه. قال: وقال بعضهم
وَتَرَها، خفيفة، عَلَّق عليها وترها. والوَتَرَةُ: مجرى السهم من القوس العربية
عنها يزل السهم إِذا أَراد الرامي أَن يرمي. وتَوَتَّرَ عَصَبُه: اشتدّ
فصار مثل الوَتَر. وتَوَتَّرَتْ عروقه: كذلك. كلُّ وَتَرَة في هذا الباب،
فجمعها وتَرٌ؛ وقول ساعدة بن جؤية:
فِيمَ نِساءُ الحَيِّ من وَتَرِيَّةٍ
سَفَنَّجَةٍ، كأَنَّها قَوْسُ تَأْلَبِ؟
قيل: هجا امرأَة نسبها إِلى الوتائر، وهي مساكن الذين هجا، وقيل:
وَتَرِيَّة صُلْبَة كالوَتَرِ.
والوَتِيرُ: موضع؛ قال أُسامة الهذلي:
ولم يَدَعُوا، بين عَرْضِ الوَتِير
وبين المناقِب، إِلا الذِّئابا
كرس: تَكَرَّسَ الشيءُ وتَكارَس: تَراكَمَ وتَلازَبَ. وتَكَرَّس أُسُّ
البِناء: صَلُبَ واشتدَّ. والكِرْسُ: الصَّارُوجُ. والكِرْس، بالكسر:
أَبوال الإِبل والغَنَم وأَبعارُها يتلبَّد بعضها على بعض في الدار،
والدِّمْنُ ما سَوَّدُوا من آثار البَعَر وغيره. ويقال: أَكْرَسَتِ الدار.
والكِرْس: كِرْس البِناء، وكِرْس الحَوض: حيث تَقِف النَّعَم فيتلبَّد، وكذلك
كِرْس الدِّمْنة إِذا تَلَبَّدَت فَلزِقَت بالأَرض. ورسم مُكْرَس، بتخفيف
الراء، ومُكْرِس: كَرِسٌ؛ قال العجاج:
يا صاحِ، هل تعرِف رَسْماً مُكْرَسَا؟
قال: نعم أَعْرِفه، وأَبْلَسَا،
وانْحَلَبَتْ عَيْناه من فَرْط الأَسَى
قال: والمَكْرس الذي قد بَعَرَت فيه الإِبل وبوّلتْ فركِب بعضه بعضاً؛
ومنه سُمِّيت الكُرَّاسة. وأَكْرَس المكان: صار فيه كِرْس؛ قال أَبو محمد
الحذلمي:
في عَطَنٍ أَكْرَسَ من أَصْرَامِها
أَبو عمرو: الأَكارِيسُ الأَصْرام من الناس، واحدها كِرْس، وأَكْراس ثم
أَكارِيس. والكِرْس: الطِّين المتلبِّد، والجمع أَكْراس. أَبو بكر:
لُمْعَة كَرْساء للقطعة من الأَرض فيها شجر تَدانَتْ أُصُولها والتفَّت
فُرُوعها. والكِرْس: القلائد
(* قوله «والكرس القلائد» عبارة القاموس والكرس
واحد أَكراس القلائد والوشح ونحوها.) المضموم بعضها إِلى بعض، وكذلك هي من
الوُشُح ونحوها، والجمع أَكراس. ويقال: قلادة ذاتُ كِرْسَين وذات أَكْراس
ثلاثة إِذا ضَمَمْتَ بعضها إِلى بعض؛ وأَنشد:
أَرِقْتُ لِطَيْف زارني في المَجَاسِدِ،
وأَكْراس دُرٍّ فُصِّلَتْ بالفَرائدِ
وقِلادة ذات كِرْسَيْن أَي ذات نَظْمين. ونظم مُكَرَّس ومُتَكَرِّس:
بعضه فوق بعض. وكلُّ ما جُعِل بعضه فوق بعض. وكلُّ ما جُعِل بعضه فوق بعض،
فقد كُرِّس وتَكَرَّس هُوَ.
ابن الأَعرابي: كَرِس الرجل إِذا ازدحَمَ عِلْمه على قلبه؛ والكُرَّاسة
من الكتب سُمِّيت بذلك لتَكَرُّسِها. الجوهري: الكُرَّاسة واحدة
الكُرَّاس
(* قوله «الكراسة واحدة الكراس» إن أراد أنثاه فظاهر، وإن أَراد أَنها
واحدة والكراس جمع أَو اسم جنس جمعي فليس كذلك، وقد حققته في شرح الاقتراح
وغيره اهـ من هامش القاموس.) والكرارِيس؛ قال الكميت:
حتى كأَن عِراصَ الدّار أَرْدِيةٌ
من التَّجاويز، أَو كُرَّاسُ أَسفار
جمع سِفْر. وفي حديث الصِّراط: ومنهم مَكْروسٌ في النار، بَدَل
مُكَرْدَس وهو بمعناه. والتَكرِيس: ضَمُّ الشيء بعضه إِلى بعض، ويجوز أَن يكون من
كِرْس الدِّمْنة حيث تَقِف الدوابُّ. والكِرْس: الجماعة من الناس، وقيل:
الجماعة من أَيِّ شيء كان، والجمع أَكْراس، وأَكارِيسُ جمع الجمع؛ فأَما
قول ربيعة بن الجحدر:
أَلا إِن خَيْرَ الناس رِسْلاً ونَجْدَةً،
بِعَجْلان، قد خَفَّت لَدَيْهِ الأَكارِسُ
فإِنه أَراد الأَكارِيس فحذف للضرورة، ومثله كثير. وكِرس كل شيء: أَصله.
يقال: إِنه لكريم الكِرْس وكَريم القِنْس وهما الأَصل؛ وقال العجاج يمدح
الوليد بن عبد الملك:
أَنْتَ أَبا العَبَّاس، أَولى نَفْسِ
بِمعْدِنِ الملْك القدِيم الكِرْسِ
الكِرْس: الأَصل.
والكُرْسِيّ: معروف واحد والكَرَاسِي، وربما قالوا كِرْسِيّ؛ بكسر
الكاف. وفي التنزيل العزيز: وسِعَ كُرْسِيُّه السمواتِ والأَرض؛ في بعض
التَّفاسير: الكُرْسِيّ العِلم وفيه عدَّة أَقوال. قال ابن عباس: كُرْسِيُّه
عِلْمُه، وروي عن عطاء أَنه قال: ما السموات والأَرض في الكُرْسِيّ إِلا
كحَلْقة في أَرض فَلاة؛ قال الزجاج: وهذا القول بَيِّنٌ لأَن الذي نعرِفه
من الكُرْسي في اللغة الشيء الذي يُعْتَمَد عليه ويُجْلَس عليه فهذا يدل
على أَن الكرسيّ عظيم دونه السموات والأَرض، والكُرْسِيّ في اللغة
والكُرَّاسة إِنما هو الشيء الذي قد ثَبَت ولزِم بعضُه بعضاً. قال: وقال قوم
كُرْسيّه قُدْرَتُه التي بها يمسك السموات والأَرض. قالوا: وهذا كقولك اجعل
لهذا الحائط كُرْسِيّاً أَي اجعل له ما يَعْمِدُه ويُمْسِكه، قال: وهذا
قريب من قول ابن عباس لأَن علمه الذي وسع السموات والأَرض لا يخرج من هذا،
واللَّه أَعلم بحقيقة الكرسيّ إِلا أَن جملته أَمرٌ عظيم من أَمر اللَّه
عز وجل؛ وروى أَبو عمرو عن ثعلب أَنه قال: الكرسيّ ما تعرفه العرب من
كَرَاسِيِّ المُلوك، ويقال كِرْسي أَيضاً؛ قال أَبو منصور: والصحيح عن ابن
عباس في الكرسيّ ما رواه عَمَّار الذهبي عن مسلم البَطِين عن سعيد بن
جبير عن ابن عباس أَنه قال: الكرسيّ موضع القَدَمين، وأَما العرش فإِنه لا
يُقدر قدره، قال: وهذه رواية اتفق أَهل العلم على صحتها، قال: ومن روى عنه
في الكرسيّ أَنه العِلم فقد أَبْطل. والانْكِراس: الانْكِباب. وقد
انْكَرَس في الشيء إِذا دخل فيه مُنْكَبّاً.
والكَرَوَّس، بتشديد الواو: الضخم من كل شيء، وقيل: هو العَظِيم الرأْس
والكاهِلِ مع صَلابة، وقيل: هو العظيم الرأْس فقط، وهو اسم رجل. التهذيب:
والكَرَوَّس الرجل الشديد الرأْس والكاهل في جِسْم؛ قال العجاج:
فِينا وجَدْت الرجل الكَرَوّسا
ابن شميل: الكَرَوَّس الشديد، رجلٌ كَرَوَّس. والكَرَوَّس: الهُجَيْمِي
من شُعَرائهم.
والكِرْياس: الكَنِيف، وقيل: هو الكنِيف الذي يكون مُشْرفاً على سَطْح
بِقَناةٍ إِلى الأَرض؛ ومنه حديث أَبي أَيوب أَنه قال: ما أَدْرِي ما
أَصْنَع بهذه الكَرَاييِس، وقد نَهَى رسول اللَّه، صلى اللَّه عليه وسلم، أَن
تُسْتَقْبَل القِبلة بغائطٍ أَو بَوْل يعني الكُنُف. قال أَبو عبيد:
الكَرَايِيسُ واحدُها كِرْياس، وهو الكَنِيف الذي يكون مُشْرِفاً على سَطْحٍ
بِقَناةٍ إِلى الأَرض، فإِذا كان أَسفل فليس بكِرْياس. قال الأَزهري:
سُمِّي كِرْياساً لما يَعْلَق به من الأَقذار فَيَرْكب بعضه بعضاً ويتكرَّس
مثل كِرْس الدِّمْنِ والوَأْلَةِ، وهو فِعْيال من الكَرْس مثل جِرْيال؛
قال الزمخشري: وفي كتاب العين الكِرْناس، بالون.