(الــحشمة) الْحيَاء والمسلك الْوسط الْمَحْمُود
(الــحشمة) الْحيَاء والمسلك الْوسط الْمَحْمُود
حشم: الــحِشْمَةُ: الحَياءُ والانْقِباضُ، وقد احْتَشَمَ عنه ومنه، ولا
يقال احْتَشَمَهُ. قال الليث: الــحِشْمَةُ الانقباض عن أَخيك في المَطْعَمِ
وطلبِ الحاجةِ؛ تقول: احْتَشَمْتَ وما الذي أَحْشَمَكَ، ويقال حَشَمَكَ،
فأَما قول القائل: ولم يَحْتَشِمْ ذلك فإنه حذف مِنْ وأَوصل الفعلَ.
والــحِشْمَةُ والــحُشْمَةُ: أَن يجلس إليك الرجل فتؤذِيَهُ وتُسْمِعَهُ ما
يَكْرَهُ، حَشَمَه يَحْشِمُهُ ويَحْشُمُه حَشْماً وأَحْشَمَهُ. وحَشَمْتُه:
أَخجلته، وأَحْشَمْتُهُ: أَغضبته. قال ابن الأَثير: مذهب ابن الأَعرابي
أَن أَحْشَمْتُه أَغضبته، وحَشَمْتُه أَخجلته، وغيره يقول: حَشَمْتُه
وأَحْشَمْتُه أَغضبته، وحَشَمْتُه وأَحْشَمتُه أَيضاً أَخْجَلْتُه. ويقال
للمُنْقَبِض عن الطعام: ما الذي حَشَمَكَ وأَحْشَمكَ، من الــحِشْمَةِ وهي
الاستحياء. قال أَبو زيد: الإبَةُ الحَياء، يقال: أَوْأَبْتُه فاتّأَبَ أَي
احتشم. وروي عن ابن عباس أَنه قال: لكل داخلٍ دَهشةٌ فابْدَؤُوه
بالتَّحِيَّةِ، ولكل طاعم حشْمَةٌ
فابدؤوه باليمين، وأَنشد ابن بري لكُثَيِّر في الاحتِشام بمعنى
الاستحياء:
إنِّي، مَتى لم يَكُنْ عَطاؤهما
عندي بما قد فَعَلْتُ، أَحْتَشِمُ
وقال عنترة:
وأَرى مَطاعِمَ لو أَشاءُ حَوَيتُها،
فيَصُدُّني عنها كثيرُ تَحَشُّمِي
وقال ساعدة:
إن الشَّبابَ رِداءٌ مَنْ يَزِنْ تَرَهُ
يُكْسَى جَمالاً ويُفْسِدْ غير مُحتَشِم
(* قوله «إن الشباب رداء إلى آخر البيت» هكذا هو موجود بالأصل).
وفي الحديث حديث عليّ في السارق: إني لأَحْتَشِمُ أَن لا أَدَعَ له يداً
أَي أَستحي وأَنقبص. والــحِشْمةُ: الاستحياء. وهو يَتَحَشَّم المَحارم
أَي يتوقاها.
وحَشِمَ حَشَماً: غضب. وحَشَمهُ يَحْشِمُه حَشْماً وأَحْشمهُ: أَغضبه؛
وأَنشدوا في ذلك:
لَعَمْرُكَ إنَّ قُرْصَ أَبي خُبَيْب
بطيء النُّضْج، مَحْشوم الأكيل
أَي مُغْضَب، والإسم الــحِشْمة، وهو الاستحياء والغضب أَيضاً. وقال
الأَصمعي: الــحِشْمَةُ إنما هو بمعنى الغضب لا بمعنى الاستحياء. وحكي عن بعض
فُصَحاء العرب أَنه قال: إن ذلك لمما يُحْشِمُ بني فلان أَي يغضبهم،
واحْتَشَمْتُ واحْتَشَمْتُ منه بمعنى؛ قال الكميت:
ورأَيتُ الشَّريفَ في أَعْيُنِ النَّا
س وَضِيعاً، وقَلَّ منه احْتِشامي
والاحْتِشامُ: التَّغَضُّبُ. وحَشَمْتُ فلاناً وأَحْشمْتُه أَي أَغضبته.
وحُشْمَةُ الرجل وحَشَمُهُ وأَحْشامُهُ: خاصَّتُهُ الذين يغضبون له من
عبيدٍ أَو أَهلٍ أَو جِيرةٍ إذا أصابه أَمر. ابن سيده: وحكى ابن الأَعرابي
أَن الحَشَمَ واحدٌ
وجمع، قال: يقال هذا الغلام حَشَمٌ لي، فأُرى أَحْشاماً إنما هو جمع هذا
لأَن جمع الجمع وجمع المفرد الذي هو في معنى الجمع غير كثير. وحَشَمُ
الرجل أَيضاً: عياله وقرابته. الأَزهري: والحَشَمُ خَدَمُ الرجل، وسُمُّوا
بذلك لأنهم يغضبون له. والــحُشْمَةُ، بالضم: القرابة. يقال: فيهم حُشْمَةٌ
أَي قرابة. وهؤلاء أَحشامي أَي جيراني وأَضيافي. وقال أَبو عمرو: قال
بعض العرب إنه لمُحْتَشمِ بأمري أَي مُهْتَمّ به. وقال يونس: له الــحُشْمةُ
الذِّمامُ، وهي الحُشْمُ
(* قوله «وهي الحشم» وكذلك قوله بعد «الــحشمة
والحشم» كذا هو بضبط الأصل)، قال: وبعضهم يقول الــحُشْمَة والحَشَمُ، وإِني
لأَتَحَشَّمُ منه تَحَشُّماً أَي أَتَذَمَّمُ وأَستحي. ابن الأَعرابي:
الحُشُمُ ذوو الحياء التام، والحُسُمُ، بالسين، الأَطِبَّاء، والحشم
الاستحياء
(*قوله «والحشم الاستحياء» كذا بالأصل بدون ضبط، وفي نسخة من التهذيب
غير موثوق بها مضبوط بالتحريك، لكن الذي في القاموس: التحشم الاستحياء).
والحُشُمُ: المماليك. والحُشُم: الأَتباع، مماليكَ كانوا أَو أَحراراً.
وفي حديث الأَضاحي: فشكَوْا إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أَن لهم
عيالاً وحَشَماً؛ الحَشَمُ، بالتحريك: جماعة الإنسان اللاَّئذون به
لخدمته. والحُشومُ: الإقبال بعد الهزال؛ حَشَمَ يَحْشِمُ حُشوماً: أَقبل بعد
هزال، ورجل حاشِمٌ. وحَشَمَتِ الدوابُّ في أَول الربيع تَحْشِمُ حَشْماً:
وذلك إذا أَصابت منه شيئاً فصَلَحَتْ وسَمِنَتْ وعظمت بطونها وحَسُنَتْ.
وحَشَمَتِ الدوابُّ: صاحَتْ. وما حَشَمَ من طعامه شيئاً أَي ما أَكل.
وغَدَوْنا نُريغُ الصيد فما حَشَمْنا صافراً أَي ما أَصبنا. يونس: تقول العرب
الحُسُومُ يورث الحُشُومَ، قال: والحُسُومُ الدُّؤُوب، والحُشُوم
الإعْياء؛ وقال في قول مُزاحم:
فَعنَّتْ عُنوناً، وهي صَغْواءُ، ما بها،
ولا بالخَوافي الضَّارباتِ، حُشُومُ
أَي إعياء؛ وقد حُشِم حَشْماً. وقال الأَصمعي: في يديه حُشُومٌ أي
انقباض، وروى البيت:
ولا بالخوافي الخافقاتِ حُشوم
ورجل حَشِيمٌ أي مُحْتَشِمٌ.
صون: الصَّوْنُ: أَن تَقِيَ شيئاً أَو ثوباً، وصانَ الشيءَ صَوْناً
وصِيانَةً وصِيَاناً واصْطانه؛ قال أُمية ابن أَبي عائذ الهذلي:
أَبْلِغْ إِياساً أَنَّ عِرْضَ ابنِ أُخْتِكُمْ
رِداؤُكَ، فاصْطَنْ حُسْنَه أَو تَبَذَّلِ
أَراد: فاصْطَنْ حَسَنه، فوضع المصدر موضع الصفة. ويقال: صُنْتُ الشيءَ
أَصُونه، ولا تقل أَصَنْتُه، فهو مَصُون، ولا تقل مُصانٌ. وقال الشافعي،
رضي الله عنه: بِذْلَةُ كلامِنا صَوْنُ غَيْرِنا. وجعلتُ الثَّوْبَ في
صُوَانه وصِوَانه، بالضم والكسر، وصِيَانه أَيضاً: وهو وعاؤه الذي يُصان
فيه. ابن الأَعرابي: الصَّوْنَةُ العَتِيدَة. وثوب مَصُونٌ، على النقص،
ومَصْـوُون، على التمام؛ الأَخيرة نادرة، وهي تميمية، وصَوْنٌ وَصْفٌ
بالمصدر. والصِّوَانُ والصُّوانُ: ما صُنْتَ به الشيء. والصِّينَةُ: الصَّوْنُ،
يقال: هذه ثياب الصِّينَةِ أَي الصَّوْنِ. وصَانَ عِرْضَه صِيَانة
وصَوْناً، على المَثل؛ قال أَوْس بن حَجَر:
فإِنا رَأَيْنَا العِرْضَ أَحْوَجَ، ساعةً،
إلى الصَّوْنِ من رَيْطٍ يَمانٍ مُسَهَّمِ
وقد تَصَاوَنَ الرجلُ وتَصَوَّنَ؛ الأَخيرة عن ابن جني، والحُرُّ
يَصُونُ عِرْضَه كما يَصُونُ الإِنسان ثوبه. وصَانَ الفرسُ عَدْوَه وجَرْيَه
صَوْناً: ذَخَرَ منه ذَخيرة لأَوانِ الحاجةِ إليه؛ قال لبيد:
يُراوِحُ بين صَوْنٍ وابْتذالِ
أَي يَصُونُ جَرْيه مرة فيُبْقِي منه، ويَبْتَذِلُه مرة فيَجْتهدُ فيه.
وصَانَ صَوْناً: ظَلَعَ ظَلْعاً شديداً؛ قال النابغة:
فأَوْرَدَهُنَّ بَطْنَ الأَتْم شُعْثاً،
يَصُنَّ المَشْيَ كالحِدَإ التُّؤَامِ
وقال الجوهري في هذا البيت: لم يعرفه الأَصمعي، وقال غيره: يُبْقِين
بعضَ المَشْيِ، وقال: يَتَوَجيْنَ من حَفاً. وذكر ابن بري: صانَ الفَرَسُ
يَصُونُ صَوْناً إذا ظَلَعَ ظَلْعاً خفيفاً، فمعنى يَصُنَّ المَشْي أَي
يَظْلَعْنَ وَيَتَوَجَّيْنَ من التعب. وصانَ الفرسُ يَصُونُ صَوْناً: صَفَّ
بين رجليه، وقيل: قام على طرف حافره؛ قال النابغة:
وما حاوَلْتُما بقيادِ خَيْل،
يَصُونُ الوَرْدُ فيها والكُمَيْتُ
أَبو عبيد: الصائن من الخيل القائم على طرف حافره من الحَفَا أَو
الوَجَى، وأَما الصائم فهو القائم على قوائمه الأَربع من غير حَفاً.
والصَّوَّانُ، بالتشديد: حجارة يُقْدَحُ بها، وقيل: هي حجارة سُود ليست بصلبة،
واحدتها صَوَّانة. الأَزهري: الصَّوَّان حجارة صُلْبة إذا مسته النار فَقَّع
تَفْقِيعاً وتشقق، وربما كان قَدَّاحاً تُقْتَدَحُ به النار، ولا يصلح
للنُّورَةِ ولا للرِّضافِ؛ قال النابغة:
بَرَى وَقَعُ الصَّوّانِ حَدَّ نُسُورِها،
فهُنَّ لِطافٌ كالصِّعَادِ الذَّوابِلِ.
ستر: سَتَرَ الشيءَ يَسْتُرُه ويَسْتِرُه سَتْراً وسَتَراً: أَخفاه؛
أَنشد ابن الأَعرابي:
ويَسْتُرُونَ الناسَ مِن غيرِ سَتَرْ
والستَر، بالفتح: مصدر سَتَرْت الشيء أَسْتُرُه إِذا غَطَّيْته
فاسْتَتَر هو. وتَسَتَّرَ أَي تَغَطَّى. وجاريةٌ مُسَتَّرَةٌ أَي مُخَدَّرَةٌ.
وفي الحديث: إِن اللهَ حَيِيٌّ سَتِيرٌ يُحِبُّ
(* قوله: «ستير يحب» كذا
بالأَصل مضبوطاً. وفي شروح الجامع الصغير ستير، بالكسر والتشديد).
السَّتْرَ؛ سَتِيرٌ فَعِيلٌ بمعنى فاعل أَي من شأْنه وإِرادته حب الستر
والصَّوْن. وقوله تعالى: جعلنا بينك وبين الذين لا يؤْمنون بالآخرة حجاباً
مستوراً؛ قال ابن سيده: يجوز أَن يكون مفعولاً في معنى فاعل، كقوله تعالى: إِنه
كان وعْدُه مَأْتِيّاً؛ أَي آتِياً؛ قال أَهل اللغة: مستوراً ههنا بمعنى
ساتر، وتأْويلُ الحِجاب المُطيعُ؛ ومستوراً ومأْتياً حَسَّن ذلك فيهما
أَنهما رَأْساً آيَتَيْن لأَن بعض آي سُورَةِ سبحان إِنما «وُرا وايرا»
وكذلك أَكثر آيات «كهيعص» إِنما هي ياء مشدّدة. وقال ثعلب: معنى مَسْتُوراً
مانِعاً، وجاء على لفظ مفعول لأَنه سُتِرَ عن العَبْد، وقيل: حجاباً
مستوراً أَي حجاباً على حجاب، والأَوَّل مَسْتور بالثاني، يراد بذلك كثافة
الحجاب لأَنه جَعَلَ على قلوبهم أَكِنَّة وفي آذانهم وقراً. ورجل مَسْتُور
وسَتِير أَي عَفِيفٌ والجارية سَتِيرَة؛ قال الكميت:
ولَقَدْ أَزُورُ بها السَّتِيـ
ـرَةَ في المُرَعَّثَةِ السَّتائِر
وسَتَّرَه كسَتَرَه؛ وأَنشد اللحياني:
لَها رِجْلٌ مُجَبَّرَةٌ بِخُبٍّ،
وأُخْرَى ما يُسَتِّرُها أُجاجُ
(* قوله: «أجاج» مثلثة الهمزة أَي ستر. انظر و ج ح من اللسان).
وقد انْسَتَر واستَتَر وتَسَتَّر؛ الأَوَّل عن ابن الأَعرابي.
والسِّتْرُ معروف: ما سُتِرَ به، والجمع أَسْتار وسُتُور وسُتُر. وامرأَةٌ
سَتِيرَة: ذاتُ سِتارَة. والسُّتْرَة: ما اسْتَتَرْتَ به من شيء كائناً ما كان،
وهو أَيضاً السِّتارُ والسِّتارَة، والجمع السَّتائرُ. والسَّتَرَةُ
والمِسْتَرُ والسِّتارَةُ والإِسْتارُ: كالسِّتر، وقالوا أُسْوارٌ لِلسِّوار،
وقالوا إِشْرارَةٌ لِما يُشْرَرُ عليه الأَقِطُ، وجَمْعُها الأَشارير.
وفي الحديث: أَيُّما رَجُلٍ أَغْلَقَ بابه على امرأَةٍ وأَرْخَى دُونَها
إِستارَةً فَقَدْ تمء صَداقُها؛ الإِسْتارَةُ: من السِّتْر، وهي
كالإِعْظامَة في العِظامَة؛ قيل: لم تستعمل إِلاَّ في هذا الحديث، وقيل: لم تسمع
إِلاَّ فيه. قال: ولو روي أَسْتَارَه جمع سِتْر لكان حَسَناً. ابن
الأَعرابي: يقال فلان بيني وبينه سُتْرَةٌ ووَدَجٌ وصاحِنٌ إِذا كان سفيراً بينك
وبينه. والسِّتْرُ: العَقْل، وهو من السِّتارَة والسّتْرِ. وقد سُتِرَ
سَتْراً، فهو سَتِيرٌ وسَتِيرَة، فأَما سَتِيرَةٌ فلا تجمع إِلاَّ جمع
سلامة على ما ذهب إِليه سيبويه في هذا النحو، ويقال: ما لفلان سِتْر ولا
حِجْر، فالسِّتْر الحياء والحِجْرُ العَقْل. وقال الفراء في قوله عز وجل: هل
في ذلك قَسَمٌ لِذي حِجْرٍ؛ لِذِي عَقْل؛ قال: وكله يرجع إِلى أَمر واحد
من العقل. قال: والعرب تقول إِنه لَذُو حِجْر إِذا كان قاهراً لنفسه
ضابطاً لها كأَنه أُخذَ من قولك حَجَرْتُ على الرجل. والسِّتَرُ: التُّرْس،
قال كثير بن مزرد:
بين يديهِ سَتَرٌ كالغِرْبالْ
والإِسْتارُ، بكسر الهمزة، من العدد: الأَربعة؛ قال جرير:
إِنَّ الفَرَزْدَقَ والبَعِيثَ وأُمَّه
وأَبا البَعِيثِ لشَرُّ ما إِسْتار
أَي شر أَربعة، وما صلة؛ ويروى:
وأَبا الفرزْدَق شَرُّ ما إِسْتار
وقال الأَخطل:
لَعَمْرُكَ إِنِّنِي وابْنَيْ جُعَيْلٍ
وأُمَّهُما لإِسْتارٌ لئِيمُ
وقال الكميت:
أَبلِغْ يَزِيدَ وإِسماعيلَ مأْلُكَةً،
ومُنْذِراً وأَباهُ شَرَّ إِسْتارِ
وقال الأَعشى:
تُوُفِّي لِيَوْمٍ وفي لَيْلَةٍ
ثَمانِينَ يُحْسَبُ إِستارُها
قال: الإِستار رابِعُ أَربعة. ورابع القومِ: إِسْتَارُهُم. قال أَبو
سعيد: سمعت العرب تقول للأَربعة إِسْتار لأَنه بالفارسية جهار فأَعْربوه
وقالوا إِستار؛ قال الأَزهري: وهذا الوزن الذي يقال له الإِستارُ معرّب
أَيضاً أَصله جهار فأُعرب فقيل إِسْتار، ويُجْمع أَساتير. وقال أَبو حاتم:
يقال ثلاثة أَساتر، والواحد إِسْتار. ويقال لكل أَربعة إِستارٌ. يقال:
أَكلت إِستاراً من خبز أَي أَربعة أَرغفة. الجوهري: والإِسْتَارُ أَيضاً وزن
أَربعة مثاقيل ونصف، والجمع الأَساتير. وأَسْتارُ الكعبة، مفتوحة الهمزة.
والسِّتارُ: موضع. وهما ستاران، ويقال لهما أَيضاً السِّتاران. قال
الأَزهري: السِّتاران في ديار بني سَعْد واديان يقال لهما السَّوْدة يقال
لأَحدهما: السِّتارُ الأَغْبَرُ، وللآخر: السِّتارُ الجابِرِيّ، وفيهما عيون
فَوَّارَة تسقي نخيلاً كثيرة زينة، منها عَيْنُ حَنيذٍ وعينُ فِرْياض
وعين بَثاءٍ وعين حُلوة وعين ثَرْمداءَ، وهي من الأَحْساء على ثلاث ليال؛
والسّتار الذي في شعر امرئ القيس:
على السِّتارِ فَيَذْبُل
هما جبلان. وسِتارَةُ: أَرض؛ قال:
سَلاني عن سِتارَةَ، إِنَّ عِنْدِي
بِها عِلْماً، فَمَنْ يَبْغِي القِراضَا
يَجِدْ قَوْماً ذَوِي حَسَبٍ وحال
كِراماً، حَيْثُما حَبَسُوا مخاضَا
نجس: النَّجْسُ والنِّجْسُ والنَّجَسُ: القَذِرُ من الناس ومن كل شيء
قَذِرْتَه. ونَجِسَ الشيءَ، بالكسر، يَنْجَسُ نَجَساً، فهو نَجِسٌ ونَجَسٌ،
ورجل نَجِسٌ ونَجَسٌ، والجمع أَنْجاسٌ، وقيل: النَّجَسُ يكون للواحد
والاثنين والجمع والمؤنث بلفظ واحد، رجل نَجَسٌ ورجلان نَجَسٌ وقوم نَجَسٌ.
قال اللَّه تعالى: إِنما المشركون نَجَسٌ؛ فإِذا كَسَرُوا ثَنَّوْا
وجَمَعوا وأَنَّثوا فقالوا أَنْجاسٌ ونِجْسَةٌ، وقال الفرّاء: نَجَسٌ لا يجمع
ولا يؤنث. وقال أَبو الهيثم في قوله: إِنما المشركون نَجَسٌ؛ أَي
أَنْجاسٌ أَخباث. وفي الحديث: أَن النبي، صلى اللَّه عليه وسلم، كان إِذا دخل
الخلاء قال: اللهم إِني أَعوذ بك من النَّجْسِ الرِّجْس الخَبيثِ
المُخْبِث. قال أَبو عبيد: زعم الفرّاء أَنهم إِذا بدؤوا بالنجس ولم يذكروا الرجس
فتحوا النون والجيم، وإِذا بدؤوا بالرجس ثم أَتبعوه بالنجس كَسَروا
النون، فهم إِذا قالوه مع الرجس أَتبعوه إِياه وقالوا: رِجْسٌ نِجْسٌ، كسروا
لِمَكان رجس وثَنَّوا وجمعوا كما قالوا: جاء بالطِّمِّ والرِّمِّ، فإِذا
أَفردوا قالوا بالطَّم ففتحوا، وأَنْجَسَه غيرُه ونَجَّسه بمعنى؛ قال ابن
سيده: وكذلك يعكسون فيقولون نِجْس رِجْسٌ فيقولونها بالكسر لمكان رِجْسٍ
الذي بعده، فإِذا أَفردوه قالوا نَجَسٌ، وأَما رِجْسٌ مفرداً فمكسور على
كل حال؛ هذا على مذهب الفرّاء؛ وهي النَّجاسة، وقد أَنْجَسه. وفي الحديث
عن الحسن في رجل زنى بامرأَة تزوجها فقال: هو أَنْجَسَها وهو أَحق بها
والنَّجِسُ: الدَّنِس. وداء نجِسٌ وناجِسٌ ونَجِيسٌ وعَقامٌ: لا يبرأُ منه،
وقد يوصف به صاحب الداء.
والّنَجْس: اتخاذ عُوذَةٍ للصبي، وقد نَجَّس له ونَجَّسَه: عَوّذَه؛
قال:وجارِيَةٍ مَلْبونَةٍ، ومُنَجِّسٍ،
وطارِقَةٍ في طَرْقِها لم تُسَدَّد
(* هذا البيت ورد في أَساس البلاغة على هذه الصورة:
وحازيةٍ ملبوسةٍ، ومنجَّسِ، وطارقةِ في طرقِها لم تُشدّدِ.)
يصف أَهل الجاهلية أَنهم كانوا بين متَكَهِّنٍ وحَدَّاس وراقٍ ومنَجِّس
ومتَنَجِّم حتى جاء النبي، صلى اللَّه عليه وسلم.
والنَّجاس: التعويذ؛ عن ابن الأَعرابي، قال: كأَنه الاسم من ذلك ابن
الأَعرابي: من المَعاذات التَّمِيمة والجُلْبَة والمنَجِّسة. ويقال
للمُعَوَّذِ: مُنَجَّس؛ قال ثعلب: قلت له: المُعَوَّذ لِمَ قيل له منَجَّس وهو
مأْخوذ من النجاسة؟ فقال: إِن للعرب أَفعالاً تخالف معانيها أَلفاظها،
يقال: فلان يتنجس إِذا فعل فعلاً يخرج به من النجاسة كما قيل يَتَأَثَّم
ويَتَحَرَّجُ ويَتَحَنَّثُ إِذا فعل فعلاً يخرج به من الإِثْمِ والحَرَج
والحِنْث. الجوهري: والتَّنْجِيسُ شيء كانت العرب تفعله كالعوذة تدفع بها
العين؛ ومنه قول الشاعر:
وعَلَّقَ أنْجاساً عليَّ المُنَجِّس
(* قوله «وعلق إلخ» صدره كما في شرح
القاموس :
وكان لدي كاهنان وحارث)
الليث: المُنَجَّسُ الذي يعلَّق عليه عظام أَو خرق. ويقال للمُعَوِّذ:
منَجِّس، وكان أَهل الجاهلية يعلِّقون على الصبيّ ومن يخاف عليه عيون الجن
الأَقْذارَ من خِرَقِ المَحِيض ويقولون: الجن لا تقربها. ابن الأَعرابي:
النُّجُسُ المعَوَّذون، والجُنُس المياه الجامدة.
والمَنْجَسُ: جليدة توضع على حز الوَتَر.
دمث: دَمِثَ دَمَثاً، فهو دَمِثٌ: لانَ وسَهُلَ.
والدَّماثَةُ: سُهولةُ الخُلُق. يقال: ما أَدْمَثَ فلاناً وأَلْيَنَه
ومكانٌ دَمِثٌ ودَمْثٌ: لَيِّنُ المَوْطِئ؛ ورملَةٌ دَمَثٌ، كذلك،
كأَنها سُمِّيَتْ بالمصدر؛ قال أَبو قِلابَة:
خَوْدٌ ثَقالٌ، في القِيام، كرَمْلةٍ
دَمَثٍ، يُضِيءُ لها الظلامُ الحِنْدسُ
ورجلٌ دَمِثٌ بَيِّنُ الدَّماثةِ والدُّمُوثة: وَطِيءُ الخُلُقِ.
والدَّمْثُ: السُّهول من الأَرض، والجمع أَدْماث ودِماثٌ؛ وقد دَمِثَ، بالكسر،
يَدْمَثُ دَمَثاً. التهذيب: الدِّماثُ السُّهولُ من الأَرض، الواحدة
دَمِثةٌ، وكل سَهْلٍ دَمِثٌ، والوادي الدَّمِثُ: السائلُ، ويكون الدِّماثُ في
الرمال وغير الرمال. والدَّمائِثُ: ما سَهُلَ ولانَ، أَحدهما دَميثةٌ؛
ومنه قيل للرجل السَّهْل الطَّلْق الكريم: دَمِثٌ. وفي صفته، صلى الله
عليه وسلم: دَمِثٌ ليس بالجافي؛ أَراد أَنه كان لَيِّنَ الخُلُق في سهولة،
وأَصله من الدَّمْثِ، وني الأَرضُ اللينة السهْلة الرِّخْوةُ، والرملُ
الذي ليس بمُتَلبِّدٍ. وفي حديث الحجاج في صفة الغَيْثِ: فلبَّدتِ الدِّماثَ
أَي صَيَّرَتْها لا تَسُوخُ فيها الأَرجلُ، وهي جمع دَمْثٍ. وامرأَة
دَميثةٌ: شُبِّهَتْ بدِماثِ الأَرض، لأَنها أَكرم الأَرض.
ويقال: دَمَّثْتُ له المَكانَ أَي سَهَّلْتُه له.
الجوهري: الدَّمِثُ المكان اللَّيِّنُ ذو رمل. وفي الحديث: أَنه مالَ
إِلى دَمَثٍ من الأَرض، فبال فيه، وإِنما فعل ذلك لئلاَّ يَرْتَدَّ إِليه
رَشاشُ البول. وفي حديث ابن مسعود: إِذا قرأْتُ آلَ حم، وَقعْتُ في
رَوضاتٍ دَمِثاتٍ، جمع دَمِثةٍ.
ودَمَّثَ الشيءَ إِذا مَرَسَه حتى يَلينَ. وتَدمِيثُ المَضْجَع:
تَلْيينه. وفي الحديث: من كذَبَ عليّ، فإِنما يُدَمِّثُ مَجلِسَه من النار أَي
يُمَهِّدُ ويُوَطِّئُ؛ ومَثَلٌ للعَرب:
دَمِّثْ لجَنْبِك، قبلَ اللَّيلِ، مُضْطَجَعا
أَي خُذْ أُهْبته، واسْتَعِدَّ له، وتَقَدَّمْ فيه قبلَ وُقوعه. ويقال:
دَمِّثْ لي ذلك الحديثَ حتى أَطْعَنَ في حَوصِه؛ أَي اذْكُرْ لي أَوَّله،
حتى أَعْرفَ وجْهَه.
والأُدْمُوثُ: مكانُ المَلَّةِ إِذا خُبِزَتْ.
جرأ: الجُرأَةُ مثل الجُرْعةِ: الشجاعةُ، وقد يترك همزه فيقال: الجُرةُ مثل الكُرةِ، كما قالوا للمرأَة مَرةٌ.
ورجل جَرِيءٌ: مُقْدِمٌ من قومٍ أَجْرِئاء، بهمزتين، عن اللحياني، ويجوز حذف إِحدى الهمزتين؛ وجمعُ الجرِيِّ الوكيلِ: اجْرياءُ، بالمدة فيها همزة؛ والجَرِيءُ: المِقْدامُ.
وقد جَرُؤَ يَجْرُؤُ جُرْأَةً وجَراءةً، بالمدّ، وجَرايةً، بغير همز،
نادر، وجَرائِيةً على فعالِيةٍ، واستَجْرَأً وتَجَرَّاً وجَرَّأَه عليه حتى
اجتَرَأَ عليه جُرْأَةً، وهو جَرِيءُ الـمَقْدَم: أي جَريءٌ عند الاقدامِ.
وفي حديث ابن الزبير وبِناء الكعبة: تَرَكها حتى إِذا كان الـمَوسِمُ وقَدِمَ الناسُ يريد أَن يُجَرِّئهم عل أَهل الشام، هو من الجُرأَةِ والإِقدامِ على الشيء. أَراد أَن يَزِيدَ في جُرْأَتهِم عليهم ومُطالبَتِهِم بإِحراقِ الكعبة، ويروى بالحاء المهملة والباء، وهو مذ كور في موضعه. ومنه حديث أَبي هريرة رضي اللّه عنه قال فيه ابن عمر رضي اللّه عنهما: لكنه اجْتَرَأَ وجَبُنَّا: يريد أَنه أَقْدَمَ على الإِكثار من الحديث عن النبي صلى اللّه عليه وسلم وجَبُنَّا نحن عنه، فكثُر حديثُه وقَلَّ حديثُنا. وفي الحديث: وقومُه جُرَآءُ عليه، بوزن عُلماءَ، جمع جَريءٍ: أَي مُتَسَلِّطين غيرَ هائِبين له. قال ابن الأَثير: هكذا رواه وشرحه بعض المتأَخرين،
والمعروف حِراءٌ بالحاء المهملة وسيجيء.
والجِرِّيَّة والجِرِّيئةُ: الحُلْقومُ. والجِرِّيئةُ، مـمدود: القانِصةُ، التهذيب. أَبو زيد: هي الفِرِّيَّةُ والجِرِّيَّةُ والنَّوْطةُ لِحَوْصَلةِ الطائر، هكذا رواه ثعلب عن ابن نجْدةَ بغير هَمْز؛ وأَماابن هانئ فإِنه قال: الجِرِّيئةُ <ص 45>
مهموز، لأَبي زيد، والجَرِيئةُ مثال خَطِيئةٍ: بَيْتٌ يُبْنى من حِجارة ويُجعل على بابه حَجَر يكون أَعلى الباب ويَجْعلون لحمَةَ السَّبُع في مُؤَخَّر البيت، فإِذا دَخل السبُعُ فَتناوَلَ اللَّحْمَةَ سقَط الحَجرُ على الباب فسَدَّه، وجَمْعُها جَرائِئُ، كذلك رواه أَبو زيد، قال: وهذا من الأُصول المرفوضة عند أَهل العربية إِلاَّ في الشُّذُوذ.
هيب: الـهَيْبةُ: الـمَهابةُ، وهي الإِجلالُ والـمَخافة. ابن سيده:
الـهَيْبةُ التَّقِـيَّةُ من كل شيءٍ.
هابَهُ يَهابُه هَيْباً ومَهابةً، والأَمْرُ منه هَبْ، بفتح الهاءِ، لأَن أَصله هابْ، سقطت الأَلف لاجتماع الساكنين، وإِذا أَخبرت عن نفسِك
قلتَ: هِـبْتُ، وأَصله هَيِـبْتُ، بكسر الياءِ، فلما سكنت سقطت لاجتماع الساكنين ونُقِلَت كسرتها إِلى ما قبلها، فَقِسْ عليه؛ وهذا الشيء مَهْيَبةٌ لكَ.
وهَيَّبْتُ إِليه الشيءَ إِذا جَعَلْته مَهيباً عنده. ورجل هائِبٌ، وهَيُوبٌ، وهَيَّابٌ، وهَيَّابة، وهَيُّوبة، وهَيِّبٌ، وهَيَّبانٌ،
وهَيِّبانٌ؛ قال ثعلب: الـهَيَّبانُ الذي يُهابُ، فإِذا كان ذلك كان الـهَيَّبانُ في معنى المفعول، وكذلك الـهَيُوب قد يكون الهائِبَ، وقد يكون الـمَهِـيبَ. الصحاح: رجل مَهِـيبٌ أَي يهابُه الناسُ، وكذلك رجل مَهُوبٌ، ومكانٌ مَهُوب، بُنيَ على قولهم: هُوبَ الرجلُ، لـمَّا نُقِلَ من الياءِ إِلى الواو، فيما لم يُسَمَّ فاعِلُه؛ أَنشد الكسائي لـحُمَيْدِ بن ثَور:
ويأْوي إِلى زُغْبٍ مَساكينَ، دونَهُم * فَـلاً، لا تَخَطَّاه الرِّفاقُ، مَهُوبُ
قال ابن بري: صواب إِنشاده: وتأْوي بالتاءِ، لأَنه يصف قَطاةً؛ وقبله:
فجاءَتْ، ومَسْقاها الذي وَرَدَتْ به، * إِلى الزَّوْر، مَشْدودُ الوَثاقِ، كَتِـيبُ
والكَتِـيبُ: من الكَتْبِ، وهو الخَرْزُ؛ والمشهور في شعره:
تَعِـيثُ به زُغْباً مساكينَ دونَهم
ومكانٌ مَهابٌ أَي مَهُوبٌ؛ قال أُمَيَّة بن أَبي عائذ الـهُذَليُّ:
أَلا يا لَقَومِ لِطَيْفِ الخَيالْ، * أَرَّقَ من نازحٍ، ذي دَلالْ،
أَجازَ إِلينا، على بُعْدِهِ، * مَهاوِيَ خَرْقٍ مَهابٍ مَهالْ
قال ابن بري: والبيت الأَول من أَبياتِ كتاب سيبويه، أَتى به شاهداً على فتح اللام الأُولى، وكسر الثانية، فرقاً بين الـمُسْتغاث به والمستغاث من أَجله. والطَّيفُ: ما يُطِـيفُ بالإِنسان في المنام من خَيال محبوبته.
والنازحُ: البعيد. وأَرَّقَ: مَنَعَ النَّومَ. وأَجازَ: قَطَع، والفاعل
المضمر فيه يعود على الخَيال. ومَهابٌ: موضعُ هَيْبة. ومَهالٌ: موضع هَوْلٍ. والـمَهاوِي: جمعُ مَهْـوًى ومَهْواةٍ، لما بين الجبلين ونحوهما.
والخَرْقُ: الفَلاةُ الواسعة.
والـهَيَّبانُ: الجَبانُ.
والـهَيُوبُ: الجَبانُ الذي يَهابُ الناسَ. ورجل هَيُوبٌ: جَبانٌ يَهابُ
من كلِّ شيءٍ. وفي حديث عُبَيدِ بن عُمَيْرٍ: الإِيمانُ هَيُوبٌ أَي
يُهابُ أَهْلُه، فَعُولٌ بمعنى مفعول، فالناس يَهابونَ أَهلَ الإِيمان
لأَنهم يَهابونَ اللّهَ ويَخافونَه؛ وقيل: هو فَعُول بمعنى فاعل أَي إِن
المؤمنَ يَهابُ الذُّنوبَ والمعاصِـيَ فيَتَّقِـيها؛ قال الأَزهري: فيه وجهان: أَحدهما أَن المؤمن يَهابُ الذَّنْبَ فيَتَّقِـيه، والآخر: المؤمنُ هَيُوبٌ أَي مَهْيُوبٌ، لأَنه يَهابُ اللّهَ تعالى، فيَهابُه الناسُ، حتى يُوَقِّرُوه؛ ومنه قول الشاعر:
لم يَهَبْ حُرْمةَ النَّدِيمِ
أَي لم يُعَظِّمْها.
يقال: هَبِ الناسَ يَهابوكَ أَي وَقِّرْهُمْ يُوَقِّرُوكَ.
يقال: هابَ الشيءَ يَهابُه إِذا خافَه، وإِذا وَقَّرَه، وإِذا عظَّمَهُ. واهْتابَ الشَّيءَ كَهَابَهُ؛ قال:
ومَرْقَبٍ، تَسْكُنُ العِقْبانُ قُلَّتَهُ، * أَشْرَفْتُه مُسْفِراً، والشَّمْسُ مُهْتابَهْ
ويقال: تَهَيَّبَني الشيءُ بمعنى تَهَيَّبْتُه أَنا. قال ابن سيده: تَهَيَّبْتُ الشيءَ وتَهَيَّبَني: خِفْتُه وخَوَّفَني؛ قال ابن مُقْبِـل:
وما تَهَيَّبُني الـمَوْماةُ، أَرْكَبُها، * إِذا تَجَاوَبَتِ الأَصْداءُ بالسَّحَر
قال ثعلب: أَي لا أَتَهَيَّبُها أَنا، فنَقَلَ الفِعلَ إِليها. وقال الجَرْمِـيُّ: لا تَهَيَّبُني الـمَوْماةُ أَي لا تَمْـلأُني مَهابةً.
والـهَيَّبانُ: زَبَدُ أَفْواهِ الإِبلِ. والـهَيَّبانُ: الترابُ؛ وأَنشد:
أَكُلَّ يَوْمٍ شِعِرٌ مُسْتَحْدَثُ؟ * نحْنُ إِذاً، في الـهَيَّبانِ، نَبْحَثُ
والـهَيَّبانُ: الرَّاعي؛ عن السيرافي. والـهَيَّبانُ: الكثيرُ مِن كل
شيءٍ. والـهَيَّبانُ: الـمُنْتَفِشُ الخَفيفُ؛ قال ذو الرمة:
تَمُجُّ اللُّغامَ الـهَيَّبانَ، كأَنهُ * جَنَى عُشَرٍ، تَنْفيه أَشداقُها الـهُدْلُ
وقيل: الـهَيَّبانُ، هنا، الخفيف النَّحِزُ. وأَورد الأَزهري هذا البيت
مستشهداً به على إِزبادِ مَشافِرِ الإِبل، فقال: قال ذو الرمة يصف إِبلاً وإِزْبادها مشافِرَها. قال: وجَنى العُشَرِ يَخْرُجُ مِثْلَ رُمّانة
صغيرة، فتَنْشَقُّ عن مِثْلِ القَزّ، فَشَبَّه لُغامَها به، والبَوادي
يَجْعَلُونه حُرَّاقاً يُوقِدُونَ به النارَ.
وهابْ هابْ: مِن زَجْرِ الإِبل.
وأَهابَ بالإِبل: دَعاها. وأَهابَ بصاحِـبه: دَعاهُ، وأَصله في الإِبل.
وفي حديث الدُّعاءِ: وقَوَّيْتَني على ما أَهَبْتَ بي إِليه من طاعتِكَ.
يقال: أَهَبْتُ بالرجل إِذا دَعَوْتَه إِليك؛ ومنه حديث ابن الزبير في
بناءِ الكعبة. وأَهابَ الناسَ إِلى بَطْحِه أَي دَعاهم إِلى تَسويَتِه.
وأَهابَ الراعي بغَنَمِه أَي صاح بها لِتَقِفَ أَو لتَرْجِـعَ. وأَهاب
بالبعير؛ وقال طَرَفةُ بن العبد:
تَرِيعُ إِلى صَوْتِ الـمُهِـيبِ، وتَتَّقي، * بذِي خُصَلٍ، رَوْعاتِ أَكلَفَ مُلْبِدِ
تَرِيعُ: تَرْجِـعُ وتَعُودُ. وتتَّقِـي بِذي خُصَل: أَراد بذَنَبٍ ذي
خُصَل. ورَوْعات: فَزَعات. والأَكلَفُ: الفَحْلُ الذي يَشُوبُ حُمْرتَه
سَوادٌ. والـمُلْبِدُ: الذي يَخطِرُ بذَنَبِه، فيَتَلَبَّد البولُ على
وَرِكَيْه. وهابِ: زَجْرٌ للخَيْل. وهَبِـي: مِثلُه أَي أَقْدِمي وأَقْبِلي،
وهَلاً أَي قَرِّبي؛ قال الكميت:
نُعَلِّمها هَبِـي وهَـلاً وأَرْحِبْ
والهابُ: زَجْرُ الإِبل عند السَّوْق؛ يقال: هابِ هابِ، وقد أَهابَ بها الرجلُ؛ قال الأَعشى:
ويَكْثُرُ فيها هَبِـي، واضْرَحِـي، * ومَرْسُونُ خَيْلٍ، وأَعطالُها
وأَما الإِهابةُ فالصوت بالإِبل ودُعاؤها، قال ذلك الأَصمعي وغيره؛ ومنه قول ابن أَحمر:
إِخالُها سمِعَتْ عَزْفاً، فتَحْسَبُه * إِهابةَ القَسْرِ، لَيْلاً، حين تَنْتَشِرُ
وقَسْرٌ: اسمُ راعي إِبل ابن أَحمر قائلِ هذا الشعر. قال الأَزهري:
وسمعتُ عُقَيْلِـيّاً يقول لأَمَةٍ كانت تَرْعَى روائدَ خَيْلٍ، فَجَفَلَتْ
في يوم عاصفٍ، فقال لها: أَلا وأَهِـيبي بها، تَرِعْ إِليكِ؛ فجعَل دُعاءَ الخيل إِهابةً أَيضاً. قال: وأَما هابِ، فلم أَسْمَعْه إِلا في الخيل دون الإِبل؛ وأَنشد بعضهم:
والزَّجْرُ هابِ وَهَـلاً تَرَهَّبُهْ
غير: التهذيب: غَيْرٌ من حروف المعاني، تكون نعتاً وتكون بمعنى لا، وله
باب على حِدَة. وقوله: ما لكم لا تَناصَرُون؛ المعنى ما لكم غير
مُتَناصرين. وقولهم: لا إِلَه غيرُك، مرفوع على خبر التَّبْرِئة، قال: ويجوز لا
إِله غيرَك بالنصب أَي لا إِله إِلاَّ أَنت، قال: وكلَّما أَحللت غيراً
محلّ إِلا نصبتها، وأَجاز الفراء: ما جاءني غيرُك على معنى ما جاءني إِلا
أَنت؛ وأَنشد :
لا عَيْبَ فيها غيرُ شُهْلَة عَيْنِها
وقيل: غير بمعنى سِوَى، والجمع أَغيار، وهي كلمة يوصف بها ويستثنى، فإِن
وصف بها أَتبعتها إِعراب ما قبلها، وإِن استثنيت بها أَعربتها بالإِعراب
الذي يجب للاسم الواقع بعد إِلا، وذلك أَن أَصل غير صفة والاستثناء
عارض؛ قال الفراء: بعض بني أَسد وقُضاعة ينصبون غيراً إِذا كان في معنى
إِلاَّ، تمَّ الكلام قبلها أَو لم يتم، يقولون: ما جاءني غيرَك وما جاءني أَحد
غيرَك، قال: وقد تكون بمعنى لا فتنصبها على الحال كقوله تعالى: فمنِ
اضطُرّ غيرَ باعٍ ولا عادٍ، كأَنه تعالى قال: فمنِ اضطرّ خائفاً لا باغياً.
وكقوله تعالى: غيرَ ناظِرِين إنَاهُ، وقوله سبحانه: غَيرَ مُحِلِّي
الصيد. التهذيب: غير تكون استثناء مثل قولك هذا درهم غيرَ دانق، معناه إِلا
دانقاً، وتكون غير اسماً، تقول: مررت بغيرك وهذا غيرك. وفي التنزيل العزيز:
غيرِ المغضوب عليهم؛ خفضت غير لأَنها نعت للذين جاز أَن تكون نعتاً
لمعرفة لأَن الذين غير مَصْمود صَمْده وإِن كان فيه الأَلف واللام؛ وقال أَبو
العباس: جعل الفراء الأَلف واللام فيهما بمنزلة النكرة. ويجوز أَن تكون
غيرٌ نعتاً للأَسماء التي في قوله أَنعمتَ عليهم وهي غير مَصْمود
صَمْدها؛ قال: وهذا قول بعضهم والفراء يأْبى أَن يكون غير نعتاً إِلا للّذين
لأَنها بمنزلة النكرة، وقال الأَخفش: غير بَدل، قال ثعلب: وليس بممتنع ما
قال ومعناه التكرير كأَنه أَراد صراط غيرِ المغضوب عليهم، وقال الفراء:
معنى غير معنى لا، وفي موضع آخر قال: معنى غير في قوله غير المغضوب عليهم
معنى لا، ولذلك رُدّت عليها لا كما تقول: فلان غير محسِن ولا مُجْمِل،
قال: وإِذا كان غير بمعنى سِوى لم يجز أَن يكرّر عليها، أَلا ترى أَنه لا
يجوز أَن تقول عندي سوى عبدالله ولا زيدٍ؟ قال: وقد قال مَنْ لا يعرِف
العربية إِن معنى غَير ههنا بمعنى سوى وإِنّ لا صِلَة؛ واحتجّ بقوله:
في بِئرِ لا حُورٍ سَرَى وما شَعَرْ
قال الأَزهري: وهذا قول أَبي عبيدة، وقال أَبو زيد: مَن نصَب قوله غير
المغضوب فهو قطْع، وقال الزجاج: مَن نصَب غيراً، فهو على وجهين: أَحدهما
الحال، والآخر الاستثناء. الفراء والزجاج في قوله عز وجل: غيرَ مُحِلِّي
الصَّيْد: بمعنى لا، جعلا معاً غَيْرَ بمعنى لا، وقوله عز وجل: غيرَ
مُتَجانفٍ لإِثمٍ، غيرَ حال هذا. قال الأَزهري: ويكون غيرٌ بمعنى ليس كما تقول
العرب كلامُ الله غيرُ مخلوق وليس بمخلوق. وقوله عز وجل: هل مِنْ خالقٍ
غيرُ الله يرزقكم؛ وقرئ: غَيْرِ الله، فمن خفض ردَّه على خالق، ومن رفعه فعلى
المعنى أَراد: هل خالقٌ؛ وقال الفراء: وجائز هل من خالق
(* قوله« هل من
خالق إلخ» هكذا في الأصل ولعل أصل العبارة بمعنى هل من خالق إلخ) . غيرَ
الله، وكذلك: ما لكم من إِله غيرَه، هل مِنْ خالقٍ إِلا الله وما لكم من إِله
إِلا هُوَ، فتنصب غير إِذا كانت محلَّ إِلا.
وقال ابن الأَنباري في قولهم: لا أَراني الله بك غِيَراً؛ الغِيَرُ: من
تغيَّر الحال، وهو اسم بمنزلة القِطَع والعنَب وما أَشبههما، قال: ويجوز
أَن يكون جمعاً واحدته غِيرَةٌ؛ وأَنشد:
ومَنْ يَكْفُرِ اللهَ يَلْقَ الغِيَرْ
وتغيَّر الشيءُ عن حاله: تحوّل. وغَيَّرَه: حَوَّله وبدّله كأَنه جعله
غير ما كان. وفي التنزيل العزيز: ذلك بأَن الله لم يَكُ مُغَيِّراً نِعْمةً
أَنعمها على قوم حتى يُغَيِّروا ما بأَنفسهم؛ قال ثعلب: معناه حتى
يبدِّلوا ما أَمرهم الله. والغَيْرُ: الاسم من التغيُّر؛ عن اللحياني؛
وأَنشد:إِذْ أَنا مَغْلوب قليلُ الغيَرْ
قال: ولا يقال إِلا غَيَّرْت. وذهب اللحياني إِلى أَن الغَيْرَ ليس
بمصدر إِذ ليس له فعل ثلاثي غير مزيد. وغَيَّرَ عليه الأَمْرَ: حَوَّله.
وتَغَايرتِ الأَشياء: اختلفت. والمُغَيِّر: الذي يُغَيِّر على بَعيره أَداتَه
ليخفف عنه ويُريحه؛ وقال الأَعشى:
واسْتُحِثَّ المُغَيِّرُونَ من القَوْ
مِ، وكان النِّطافُ ما في العَزَالي
ابن الأَعرابي: يقال غَيَّر فلان عن بعيره إِذا حَطّ عنه رَحْله وأَصلح
من شأْنه؛ وقال القُطامي:
إِلا مُغَيِّرنا والمُسْتَقِي العَجِلُ
وغِيَرُ الدهْرِ: أَحوالُه المتغيِّرة. وورد في حديث الاستسقاء: مَنْ
يَكْفُرِ اللهَ يَلْقَ الغِيَرَ أَي تَغَيُّر الحال وانتقالَها من الصلاح
إِلى الفساد. والغِيَرُ: الاسم من قولك غَيَّرْت الشيء فتغيَّر. وأَما ما
ورد في الحديث: أَنه كَرِه تَغْيِير الشَّيْب يعني نَتْفَه، فإِنّ تغيير
لونِه قد أُمِر به في غير حديث.
وغارَهُم الله بخير ومطَرٍ يَغِيرُهم غَيْراً وغِياراً ويَغُورهم: أَصابهم
بمَطر وخِصْب، والاسم الغِيرة. وأَرض مَغِيرة، بفتح الميم، ومَغْيُورة
أَي مَسْقِيَّة. يقال: اللهم غِرْنا بخير وعُرْنا بخير. وغارَ الغيثُ
الأَرض يَغِيرها أَي سقاها. وغارَهُم الله بمطر أَي سقاهم، يَغِيرهم ويَغُورهم.
وغارَنا الله بخير: كقولك أَعطانا خيراً؛ قال أَبو ذؤيب:
وما حُمِّلَ البُخْتِيُّ عام غِيَارهِ،
عليه الوُسُوقُ بُرُّها وشَعِيرُها
وغارَ الرجلَ يَغُورُه ويَغِيره غَيْراً: نفعه؛ قال عبد مناف بن ربعيّ
الهُذَلي:
(* قوله «عبد مناف» هكذا في الأصل، والذي في الصحاح: عبد
الرحمن).
ماذا يَغير ابْنَتَيْ رِبْعٍ عَوِيلُهُما
لا تَرْقُدانِ، ولا يُؤْسَى لِمَنْ رَقَدَا
يقول: لا يُغني بُكاؤهما على أَبيهما من طلب ثأْرِه شيئاً. والغِيرة،
بالكسر، والغِيارُ: المِيرة. وقد غارَهم يَغِيرهم وغارَ لهم غِياراً أَي
مارَهُم ونفعهم؛ قال مالك بن زُغْبة الباهِليّ يصِف امرأَة قد كبِرت وشاب
رأْسها تؤمِّل بنيها أَن يأْتوها بالغنيمة وقد قُتِلوا:
ونَهْدِيَّةٍ شَمْطاءَ أَو حارِثِيَّةٍ،
تُؤَمِّل نَهْباً مِنْ بَنِيها يَغِيرُها
أَي يأْتِيها بالغَنيمة فقد قُتِلوا؛ وقول بعض الأَغفال:
ما زِلْتُ في مَنْكَظَةٍ وسَيْرِ
لِصِبْيَةٍ أَغِيرُهم بِغَيْرِ
قد يجوز أَن يكون أَراد أَغِيرُهم بِغَيرٍ، فغيَّر للقافية، وقد يكون
غَيْر مصدر غارَهُم إِذا مارَهُم. وذهب فلان يَغيرُ أَهله أَي يَمِيرهم.
وغارَه يَغِيره غَيْراً: وَداهُ؛ أَبو عبيدة: غارَني الرجل يَغُورُني
ويَغيرُني إِذا وَداك، من الدِّيَة. وغارَه من أَخيه يَغِيره ويَغُوره
غَيْراً: أَعطاه الدية، والاسم منها الغِيرة، بالكسر، والجمع غِيَر؛ وقيل:
الغِيَرُ اسم واحد مذكَّر، والجمع أَغْيار. وفي الحديث: أَن النبي، صلى الله
عليه وسلم، قال لرجل طلَب القَوَد بِوَليٍّ له قُتِلَ: أَلا تَقْبَل
الغِيَر؟ وفي رواية أَلا الغِيَرَ تُرِيدُف الغَيَرُ: الدية، وجمعه أَغْيار
مثل ضِلَع وأَضْلاع. قال أَبو عمرو: الغِيَرُ جمع غِيرةٍ وهي الدِّيَةُ؛
قال بعض بني عُذْرة:
لَنَجْدَعَنَّ بأَيدِينا أُنُوفَكُمُ،
بَنِي أُمَيْمَةَ، إِنْ لم تَقْبَلُوا الغِيَرَا
(* قوله« بني أميمة» هكذا في الأصل والأَساس، والذي في الصحاح: بني
أمية.)
وقال بعضهم: إِنه واحد وجمعه أَغْيار. وغَيَّرَه إِذا أَعطاه الدية،
وأَصلها من المُغايَرة وهي المُبادَلة لأَنها بدَل من القتل؛ قال أَبو
عبيدة: وإِنما سمّى الدِّية غِيَراً فيما أَرى لأَنه كان يجب القَوَد فغُيّر
القَوَد ديةً، فسمّيت الدية غِيَراً، وأَصله من التَّغْيير؛ وقال أَبو
بكر: سميت الدية غِيَراً لأَنها غُيِّرت عن القَوَد إِلى غيره؛ رواه ابن
السكِّيت في الواو والياء. وفي حديث مُحَلِّم
(* قوله« وفي حديث محلم» أي
حين قتل رجلاً فأبى عيينة بن حصن أن يقبل الدية، فقام رجل من بني ليث فقال:
يا رسول الله اني لم أجد إلخ.ا هـ. من هامش النهاية) . بن جثَّامة: إني لم
أَجد لِمَا فعَل هذا في غُرَّة الإِسلام مثلاً إِلا غَنَماً وردَتْ
فَرُمِيَ أَوَّلُها فنَفَرَ آخرُها: اسْنُن اليومَ وغَيِّر غداً؛ معناه أَن
مثَل مُحَلِّمٍ في قتْله الرجلَ وطلَبِه أَن لا يُقْتَصَّ منه وتُؤخذَ منه
الدِّية، والوقتُ أَول الإِسلام وصدرُه، كمَثل هذه الغَنَم النافِرة؛
يعني إِنْ جَرى الأَمر مع أَوْلِياء هذا القتيل على ما يُريد مُحَلِّم
ثَبَّطَ الناسَ عن الدخول في الإِسلام معرفتُهم أَن القَوَد يُغَيَّر
بالدِّية، والعرب خصوصاً، وهمُ الحُرَّاص على دَرْك الأَوْتار، وفيهم الأَنَفَة
من قبول الديات، ثم حَثَّ رسولَ الله،صلى الله عليه وسلم، على الإِقادة منه
بقوله: اسْنُن اليوم وغَيِّرْ غداً؛ يريد: إِنْ لم تقتَصَّ منه غَيَّرْت
سُنَّتَك، ولكنَّه أَخرج الكلام على الوجه الذي يُهَيّج المخاطَب
ويحثُّه على الإِقْدام والجُرْأَة على المطلوب منه. ومنه حديث ابن مسعود: قال
لعمر، رضي الله عنهما، في رجل قتل امرأَة ولها أَولياء فعَفَا بعضهم وأَراد
عمر، رضي الله عنه، أَن يُقِيدَ لمن لم يَعْفُ، فقال له: لو غَيَّرت بالدية
كان في ذلك وفاءٌ لهذا الذي لم يَعْفُ وكنتَ قد أَتممت لِلْعافي
عَفْوَه، فقال عمر، رضي الله عنه: كَنِيفٌ مُلئ عِلْماً؛ الجوهري: الغِيَرُ الاسم
من قولك غَيَّرت الشيء فتَغَيَّر. والغَيْرة، بالفتح، المصدر من قولك
غار الرجل على أَهْلِه. قال ابن سيده: وغار الرجل على امرأَته، والمرأَة
على بَعْلها تَغار غَيْرة وغَيْراً وغاراً وغِياراً؛ قال أَبو ذؤيب يصِف
قُدوراً:
لَهُنَّ نَشِيجٌ بالنَّشِيلِ كأَنَّها
ضَرائِرُ حِرْمِيٍّ، تَفاحَشَ غارُها
وقال الأَعشى:
لاحَهُ الصَّيْفُ والغِيارُ وإِشْفا
قٌ على سَقْبَةٍ، كقَوْسِ الضَّالِ
ورجل غَيْران، والجمع غَيارَى وغُيَارَى، وغَيُور، والجمع غُيُرٌ، صحَّت
الياء لخفّتها عليهم وأَنهم لا يستثقلون الضمة عليها استثقالهم لها على
الواو، ومن قال رُسْل قال غُيْرٌ، وامرأَة غَيْرَى وغَيُور، والجمع
كالجمع؛ الجوهري: امرأَة غَيُور ونسوة غُيُرٌ وامرأَة غَيْرَى ونسوة غَيارَى؛
وفي حديث أُم سلمة، رضي الله عنها: إِنَّ لي بِنْتاً وأَنا غَيُور، هو
فَعُول من الغَيْرة وهي الحَمِيّة والأَنَفَة. يقال: رجل غَيور وامرأَة
غَيُور بلا هاء لأَنّ فَعُلولاً يشترِك فيه الذكر والأُنثى. وفي رواية: امرأَة
غَيْرَى؛ هي فَعْلى من الغَيْرة. والمِغْيارُ: الشديد الغَيْرة؛ قال
النابغة:
شُمُسٌ موانِعُ كُلِّ لَيْلَةِ حُرَّةٍ،
يُخْلِفْنَ ظَنَّ الفاحِشِ المِغْيارِ
ورجل مِغْيار أَيضاً وقوم مَغايِير. وفلان لا يَتَغَيَّر على أَهله أَي
لا يَغار وأَغارَ أَهلَه: تزوّج عليها فغارت. والعرب تقول: أَغْيَرُ من
الحُمَّى أَي أَنها تُلازِم المحموم مُلازَمَةَ الغَيُور لبعْلها.
وغايَرَه مُغايَرة: عارضه بالبيع وبادَلَه. والغِيارُ: البِدالُ؛ قال
الأَعشى:
فلا تَحْسَبَنّي لكمْ كافِراً،
ولا تَحْسبَنّي أُرِيدُ الغِيارَا
تقول للزَّوْج: فلا تحسَبَنّي كافراً لِنعْمتك ولا مِمَّن يريد بها
تَغْيِيراً. وقولهم: نزل القوم يُغَيِّرون أَي يُصْلِحون الرحال. وبَنُو
غِيَرة: حيّ.
رذل: الرَّذْل والرَّذِيل والأَرذل: الدُّون من الناس، وقيل: الدُّون في
مَنْظَره وحالاته، وقيل: هو الدُّون الخَسيس، وقيل: هو الرَّديء من كل
شيء. ورجل رَذْل الثياب والفعل، والجمع أَرذال ورُذَلاء ورُذُول ورُذَال؛
الأَخيرة من الجمع العزيز، والأَرْذَلون، ولا تفارق هذه الأَلف واللام
لأَنها عَقِيبة مِن. وقوله عز وجل: واتَّبَعك الأَرْذَلون؛ قاله قوم نوح
له، قال الزجاج: نسبوهم إِلى الحِياكة والحِجامة، قال: والصِّناعات لا
تَضُرُّ في باب الديانات، والأُنثى رَذْلة، وقد رَذُل فلان، بالضم، يَرْذُل
رَذالة ورُذُولة، فهو رَذْلٌ ورُذال، بالضم، وأَرْذَله غيره، ورَذَله
يَرْذُله رَذْلاً: جعله كذلك، وهم الرَّذْلون والأَرذال وهو مَرْذُول. وحكى
سيبويه رُذِل، قال: كأَنه وضع ذلك فيه يعني أَنه لم يَعْرض لرُذِل، ولو
عَرض له لقال رذَّله وشَدَّد. وثوب رَذْل ورَذيل: وَسِخٌ رديءٌ. والرُّذال
والرُّذالة: ما انْتُقي جَيِّده وبقي رديئه. والرَّذِيلة: ضد الفضيلة.
ورُذالة كل شيء: أَردؤُه. ويقال: أَرْذَلَ فلان دراهمي أَي فَسَّلها،
وأَرْذَلَ غنمي وأَرْذَلَ من رجاله كذا وكذا رَجُلاً، وهم رُذالة الناس
ورُذالهم. وقوله تعالى: ومنكم من يُردُّ إِلى أَرذل العمر؛ قيل: هو الذي
يَخْرَف من الكِبَر حتى لا يَعْقِل، وبَيَّنه بقوله: لكيلا يعلم من بعد علم
شيئاً. وفي الحديث: وأَعوذ بك من أَن أُرَدَّ إِلى أَرذل العمر أَي آخره في
حال الكِبَر والعجز. والأَرْذَل من كل شيء: الرَّديء منه.
قوم: القيامُ: نقيض الجلوس، قام يَقُومُ قَوْماً وقِياماً وقَوْمة
وقامةً، والقَوْمةُ المرة الواحدة. قال ابن الأَعرابي: قال عبد لرجل أَراد أن
يشتريه: لا تشترني فإني إذا جعت أَبغضت قَوْماً، وإذا شبِعت أَحببت
نَوْماً، أي أَبغضت قياماً من موضعي؛ قال:
قد صُمْتُ رَبِّي، فَتَقَبَّلْ صامتي،
وقُمْتُ لَيْلي، فتقَبَّل قامَتي
أَدْعُوك يا ربِّ من النارِ التي
أَعْدَدْتَ للكُفَّارِ في القِيامةِ
وقال بعضهم: إنما أَراد قَوْمَتي وصَوْمَتي فأَبدل من الواو أَلفاً،
وجاء بهذه الأبيات مؤسَّسة وغير مؤسسة، وأَراد من خوف النار التي أَعددت؛
وأَورد ابن بري هذا الرجز شاهداً على القَوْمة فقال:
قد قمت ليلي، فتقبَّل قَوْمَتي،
وصمت يومي، فتقبَّل صَوْمَتي
ورجل قائم من رجال قُوَّمٍ وقُيَّمٍ وقِيَّمٍ وقُيَّامٍ وقِيَّامٍ.
وقَوْمٌ: قيل هو اسم للجمع، وقيل: جمع. التهذيب: ونساء قُيَّمٌ
وقائمات أَعرف. والقامةُ: جمع قائم؛ عن كراع. قال ابن بري رحمه الله: قد
ترتجل العرب لفظة قام بين يدي الجمل فيصير كاللغو؛ ومعنى القِيام
العَزْمُ كقول العماني الراجز للرشيد عندما همَّ بأَن يعهد إلى ابنه
قاسم:قُل للإمامِ المُقْتَدَى بأَمِّه:
ما قاسِمٌ دُونَ مَدَى ابنِ أُمِّه،
فَقَدْ رَضِيناهُ فَقُمْ فسَمِّه
أي فاعْزِمْ ونُصَّ عليه؛ وكقول النابغة الذبياني:
نُبِّئتُ حِصْناً وحَيّاً مِن بَني أَسَدٍ
قامُوا فقالُوا؛ حِمانا غيرُ مَقْروبِ
أَي عَزَموا فقالوا؛ وكقول حسان بن ثابت:
علاما قامَ يَشْتُمُني لَئِيمٌ،
كخِنْزِيرٍ تَمَرَّغَ في رَمادِ
(* قوله «علاما» ثبتت ألف ما في الإستفهام مجرورة بعلى في الأصل، وعليها
فالجزء موفور وإن كان الأكثر حذفها حينئذ).
معناه علام يعزم على شتمي؛ وكقول الآخر:
لَدَى بابِ هِنْدٍ إذْ تَجَرَّدَ قائما
ومنه قوله تعالى: وإنه لما قامَ عبد الله يدعوه؛ أي لما عزم. وقوله
تعالى: إذ قاموا فقالوا ربُّنا ربُّ السموات والأرض؛ أي عزَموا فقالوا، قال:
وقد يجيء القيام بمعنى المحافظة والإصلاح؛ ومنه قوله تعالى: الرجال
قوّامون على النساء، وقوله تعالى: إلا ما دمت عليه قائماً؛ أي ملازماً
محافظاً. ويجيء القيام بمعنى الوقوف والثبات. يقال للماشي: قف لي أي تحبَّس
مكانَك حتى آتيك، وكذلك قُم لي بمعنى قف لي، وعليه فسروا قوله سبحانه: وإذا
أَظلم عليهم قاموا؛ قال أهل اللغة والتفسير: قاموا هنا بمعنى وقَفُوا
وثبتوا في مكانهم غير متقدّمين ولا متأَخرين، ومنه التَّوَقُّف في الأَمر وهو
الوقُوف عنده من غير مُجاوَزة له؛ ومنه الحديث: المؤمن وَقَّافٌ
متَأَنٍّ، وعلى ذلك قول الأَعشى:
كانت وَصاةٌ وحاجاتٌ لها كَفَفُ،
لَوْ أَنَّ صْحْبَكَ، إذْ نادَيْتَهم، وقَفُوا
أي ثبتوا ولم يتقدَّموا؛ ومنه قول هُدبة يصف فلاة لا يُهتدى فيها:
يَظَلُّ بها الهادي يُقلِّبُ طَرْفَه،
يَعَضُّ على إبْهامِه، وهو واقِفُ
أَي ثابت بمكانه لا يتقدَّم ولا يتأَخر؛ قال: ومنه قول مزاحم:
أَتَعْرِفُ بالغَرَّيْنِ داراً تَأبَّدَتْ،
منَ الحَيِّ، واستَنَّتْ عَليها العَواصِفُ
وقَفْتُ بها لا قاضِياً لي لُبانةً،
ولا أَنا عنْها مُسْتَمِرٌّ فَصارِفُ
قال: فثبت بهذا ما تقدم في تفسير الآية. قال: ومنه قامت الدابة إذا وقفت
عن السير. وقام عندهم الحق أي ثبت ولم يبرح؛ ومنه قولهم: أقام بالمكان
هو بمعنى الثبات. ويقال: قام الماء إذا ثبت متحيراً لا يجد مَنْفَذاً،
وإذا جَمد أيضاً؛ قال: وعليه فسر بيت أبي الطيب:
وكذا الكَريمُ إذا أَقام بِبَلدةٍ،
سالَ النُّضارُ بها وقام الماء
أي ثبت متحيراً جامداً. وقامَت السُّوق إذا نفَقت، ونامت إذا كسدت.
وسُوق قائِمة: نافِقة. وسُوق نائِمة: كاسِدة. وقاوَمْتُه قِواماً: قُمْت معه،
صحَّت الواو في قِوام لصحتها في قاوَم. والقَوْمةُ: ما بين الركعتين من
القِيام. قال أَبو الدُّقَيْش: أُصلي الغَداة قَوْمَتَيْنِ، والمغرب ثلاث
قَوْمات، وكذلك قال في الصلاة.
والمقام: موضع القدمين؛ قال:
هذا مَقامُ قَدَمَي رَباحِ،
غُدْوَةَ حتَّى دَلَكَتْ بَراحِ
ويروى: بِراحِ. والمُقامُ والمُقامةُ: الموضع الذي تُقيم فيه.
والمُقامة، بالضم: الإقامة. والمَقامة، بالفتح: المجلس والجماعة من الناس، قال:
وأما المَقامُ والمُقامُ فقد يكون كل واحد منهما بمعنى الإقامة، وقد يكون
بمعنى موضع القِيام، لأَنك إذا جعلته من قام يَقُوم فمفتوح، وإن جعلته من
قام يُقِيمُ فَمضْموم، فإن الفعل إذا جاوز الثلاثة فالموضع مضموم الميم،
لأَنه مُشَبَّه ببنات الأَربعة نحو دَحْرَجَ وهذا مُدَحْرَجُنا. وقوله
تعالى: لا مقَامَ لكم، أي لا موضع لكم، وقُرئ لا مُقام لكم، بالضم، أي لا
إقامة لكم. وحَسُنت مُستقَرّاً ومُقاماً؛ أَي موضعاً؛ وقول لبيد:
عَفَتِ الدِّيارُ: مَحلُّها فَمُقامُها
بِمنىً، تأَبَّدَ غَوْلُها فَرِجامُها
يعني الإقامة. وقوله عزَّ وجل: كم تركوا من جنات وعيون وزُروع ومَقام
كَريم؛ قيل: المَقامُ الكريم هو المِنْبَر، وقيل: المنزلة الحسَنة. وقامت
المرأَة تَنُوح أَي جعَلت تنوح، وقد يُعْنى به ضدّ القُعود لأَن أكثر
نوائح العرب قِيامٌ؛ قال لبيد:
قُوما تَجُوبانِ مَعَ الأَنْواح
وقوله:
يَوْمُ أَدِيمِ بَقَّةَ الشَّرِيمِ
أَفضَلُ من يومِ احْلِقِي وقُومي
إنما أَراد الشدّة فكنى عنه باحْلِقي وقومي، لأَن المرأَة إذا مات
حَمِيمها أو زوجها أو قُتل حلَقَت رأْسها وقامَت تَنُوح عليه. وقولهم: ضَرَبه
ضَرْبَ ابنةِ اقْعُدي وقُومي أي ضَرْبَ أمة، سميت بذلك لقُعودها وقِيامه
في خدمة مواليها، وكأنَّ هذا جعل اسماً، وإن كان فِعْلاً، لكونه من
عادتها كما قال: إن الله ينهاكم عن قِيلٍ وقالٍ. وأَقامَ بالمكان إقاماً
وإقامةً ومُقاماً وقامةً؛ الأخيرة عن كراع: لَبِثَ. قال ابن سيده: وعندي أن
قامة اسم كالطّاعةِ والطّاقَةِ. التهذيب: أَقَمْتُ إقامةً، فإذا أَضَفْت
حَذَفْت الهاء كقوله تعالى: وإقام الصلاةِ وإيتاء الزكاةِ. الجوهري:
وأَقامَ بالمكان إقامةً، والهاء عوض عن عين الفعل لأَن أصلَه إقْواماً،
وأَقامَه من موضعه. وأقامَ الشيء: أَدامَه، من قوله تعالى: ويُقِيمون الصلاةَ،
وقوله تعالى: وإنَّها لبِسَبيل مُقِيم؛ أراد إن مدينة قوم لوط لبطريق
بيِّن واضح؛ هذا قول الزجاج.
والاسْتِقامةُ: الاعْتدالُ، يقال: اسْتَقامَ له الأمر. وقوله تعالى:
فاسْتَقِيمُوا إليه أي في التَّوَجُّه إليه دون الآلهةِ. وقامَ الشيءُ
واسْتقامَ: اعْتدَل واستوى. وقوله تعالى: إن الذين قالوا ربُّنا الله ثم
اسْتَقاموا؛ معنى قوله اسْتَقامُوا عملوا بطاعته ولَزِموا سُنة نبيه، صلى الله
عليه وسلم. وقال الأَسود بن مالك: ثم استقاموا لم يشركوا به شيئاً، وقال
قتادة: استقاموا على طاعة الله؛ قال كعب بن زهير:
فَهُمْ صَرفُوكم، حينَ جُزْتُمْ عنِ الهُدَى،
بأَسْيافِهِِمْ حَتَّى اسْتَقَمْتُمْ على القِيَمْ
قال: القِيَمُ الاسْتِقامةُ. وفي الحديث: قل آمَنتُ بالله ثم اسْتَقِمْ؛
فسر على وجهين: قيل هو الاسْتقامة على الطاعة، وقيل هو ترك الشِّرك.
أَبو زيد: أَقمْتُ الشيء وقَوَّمْته فَقامَ بمعنى اسْتقام، قال:
والاسْتِقامة اعتدال الشيء واسْتِواؤه. واسْتَقامَ فلان بفلان أي مدَحه وأَثنى عليه.
وقامَ مِيزانُ النهار إذا انْتَصفَ، وقام قائمٌ الظَّهِيرة؛ قال الراجز:
وقامَ مِيزانُ النَّهارِ فاعْتَدَلْ
والقَوامُ: العَدْل؛ قال تعالى: وكان بين ذلك قَواماً؛ وقوله تعالى: إنّ
هذا القرآن يَهْدِي للتي هي أَقْومُ؛ قال الزجاج: معناه للحالة التي هي
أَقْوَمُ الحالاتِ وهي تَوْحِيدُ الله، وشهادةُ أن لا إله إلا الله،
والإيمانُ برُسُله، والعمل بطاعته. وقَوَّمَه هو؛ واستعمل أبو إسحق ذلك في
الشِّعر فقال: استقامَ الشِّعر اتَّزَنَ. وقَوّمَََ دَرْأَه: أَزال
عِوَجَه؛ عن اللحياني، وكذلك أَقامَه؛ قال:
أَقِيمُوا، بَني النُّعْمانِ، عَنَّا صُدُورَكُم،
وإلا تُقِيموا، صاغِرِينَ، الرُّؤوسا
عدَّى أَقِيمُوا بعن لأَن فيه معنى نَحُّوا أَو أَزيلُوا، وأَما قوله:
وإلاَّ تُقِيموا صاغرين الرُّؤوسا فقد يجوز أَن يُعْنى به عُني بأَقِيموا
أي وإلا تُقيموا رؤوسكم عنا صاغرين، فالرُّؤوسُ على هذا مفعول بتُقيموا،
وإن شئت جعلت أَقيموا هنا غير متعدّ بعن فلم يكن هنالك حرف ولاحذف،
والرُّؤوسا حينئذ منصوب على التشبيه بالمفعول.
أَبو الهيثم: القامةُ جماعة الناس. والقامةُ أيضاً: قامةُ الرجل. وقامةُ
الإنسان وقَيْمَتُه وقَوْمَتُه وقُومِيَّتُه وقَوامُه: شَطاطُه؛ قال
العجاج:
أَما تَرَيني اليَوْمَ ذا رَثِيَّهْ،
فَقَدْ أَرُوحُ غيرَ ذي رَذِيَّهْ
صُلْبَ القَناةِ سَلْهَبَ القُومِيَّهْ
وصَرَعَه من قَيْمَتِه وقَوْمَتِه وقامَته بمعنى واحد؛ حكان اللحياني عن
الكسائي. ورجل قَوِيمٌ وقَوَّامٌ: حَسَنُ القامة، وجمعهما قِوامٌ.
وقَوام الرجل: قامته وحُسْنُ طُوله، والقُومِيَّةُ مثله؛ وأنشد ابن بري رجز
العجاج:
أَيامَ كنتَ حسَنَ القُومِيَّهْ،
صلبَ القناة سَلهبَ القَوْسِيَّهْ
والقَوامُ: حُسْنُ الطُّول. يقال: هو حسن القامةِ والقُومِيَّة
والقِمّةِ. الجوهري: وقامةُ الإنسان قد تُجمَع على قاماتٍ وقِيَمٍ مِثْل تاراتٍ
وتِيَر، قال: وهو مقصور قيام ولحقه التغيير لأَجل حرف العلة وفارق رَحَبة
ورِحاباً حيث لم يقولوا رِحَبٌ كما قالوا قِيَمٌ وتِيَرٌ. والقُومِيَّةُ:
القَوام أَو القامةُ. الأَصمعي: فلان حسن القامةِ والقِمّة والقُوميَّة
بمعنى واحد؛ وأَنشد:
فَتَمَّ مِنْ قَوامِها قُومِيّ
ويقال: فلان ذُو قُومِيَّةٍ على ماله وأَمْره. وتقول: هذا الأَمر لا
قُومِيَّة له أي لا قِوامَ له. والقُومُ: القصدُ؛ قال رؤبة:
واتَّخَذَ الشَّد لهنَّ قُوما
وقاوَمَه في المُصارَعة وغيرها. وتقاوموا في الحرب أي قام بعضهم لبعض.
وقِوامُ الأمر، بالكسر: نِظامُه وعِماده. أَبو عبيدة: هو قِوامُ أهل
بيته وقِيامُ أهل بيته، وهو الذي يُقيم شأْنهم من قوله تعالى: ولا تُؤتوا
السُّفهاء أَموالكم التي جَعل الله لكم قِياماً. وقال الزجاج: قرئت جعل
الله لكم قِياماً وقِيَماً. ويقال: هذا قِوامُ الأَمر ومِلاكُه الذي يَقوم
به؛ قال لبيد:
أَفَتِلْكَ أمْ وَحْشِيّةٌ مَسْبُوعَةٌ
خُذِلَتْ، وهادِيةُ الصِّوارِ قوامُها؟
قال: وقد يفتح، ومعنى الآية أي التي جعلَها الله لكم قِياماً تُقِيمكم
فتَقُومون بها قِياماً، ومن قرأَ قِيَماً فهو راجع إلى هذا، والمعنى جعلها
الله قِيمةَ الأَشياء فبها تَقُوم أُمورُكم؛ وقال الفراء: التي جعل الله
لكم قِياماً يعني التي بها تَقُومون قياماً وقِواماً، وقرأَ نافع المدني
قيَماً، قال: والمعنى واحد.
ودِينارٌ قائم إذا كان مثقالاً سَواء لا يَرْجح، وهو عند الصيارفة ناقص
حتى يَرْجَح بشيء فيسمى مَيّالاً، والجمع قُوَّمٌ وقِيَّمٌ. وقَوَّمَ
السِّلْعة واسْتَقامها: قَدَّرها. وفي حديث عبد الله بن عباس: إذا
اسْتَقَمْت بنَقْد فبِعْتَ بنقد فلا بأْس به، وإذا اسْتَقَمْت بنقد فبعته
بِنَسيئة فلا خير فيه فهو مكروه؛ قال أَبو عبيد: قوله إذا استقمت يعني
قوَّمت، وهذا كلام أهل مكة، يقولون: اسَتَقَمْتُ المَتاع أي قَوَّمْته، وهما
بمعنى، قال: ومعنى الحديث أن يدفَعَ الرجلُ إلى الرجل الثوب فيقوّمه مثلاً
بثلاثين درهماً، ثم يقول: بعه فما زاد عليها فلك، فإن باعه بأكثر من
ثلاثين بالنقد فهو جائز، ويأْخذ ما زاد على الثلاثين، وإن باعه بالنسيئة
بأَكثر مما يبيعه بالنقد فالبيع مردود ولا يجوز؛ قال أَبو عبيد: وهذا عند من
يقول بالرأْي لا يجوز لأَنها إجارة مجهولة، وهي عندنا معلومة جائزة،
لأَنه إذا وَقَّت له وَقْتاً فما كان وراء ذلك من قليل أو كثير فالوقت يأْتي
عليه، قال: وقال سفيان بن عيينة بعدما روى هذا الحديث يَسْتَقِيمه بعشرة
نقداً فيبيعه بخمسة عشر نسيئة، فيقول: أُعْطِي صاحب الثوب من عندي عشرة
فتكون الخمسة عشر لي، فهذا الذي كره. قال إسحق: قلت لأَحمد قول ابن عباس
إذا استقمت بنقد فبعت بنقد، الحديث، قال: لأنه يتعجل شيئاً ويذهب عَناؤه
باطلاً، قال إسحق: كما قال قلت فما المستقيم؟ قال: الرجل يدفع إلى الرجل
الثوب فيقول بعه بكذا، فما ازْدَدْتَ فهو لك، قلت: فمن يدفع الثوب إلى
الرجل فيقول بعه بكذا فما زاد فهو لك؟ قال: لا بأْس، قال إسحق كما قال.
والقِيمةُ: واحدة القِيَم، وأَصله الواو لأَنه يقوم مقام الشيء.
والقيمة: ثمن الشيء بالتَّقْوِيم. تقول: تَقاوَمُوه فيما بينهم، وإذا انْقادَ
الشيء واستمرّت طريقته فقد استقام لوجه. ويقال: كم قامت ناقتُك أي كم بلغت.
وقد قامَتِ الأمةُ مائة دينار أي بلغ قيمتها مائة دينار، وكم قامَتْ
أَمَتُك أي بلغت. والاستقامة: التقويم، لقول أهل مكة استقَمْتُ المتاع أي
قوَّمته. وفي الحديث: قالوا يا رسول الله لو قوَّمْتَ لنا، فقال: الله هو
المُقَوِّم، أي لو سَعَّرْت لنا، وهو من قيمة الشيء، أي حَدَّدْت لنا
قيمتها. ويقال: قامت بفلان دابته إذا كلَّتْ وأَعْيَتْ فلم تَسِر. وقامت
الدابة: وَقَفَت. وفي الحديث: حين قام قائمُ الظهيرة أي قيام الشمس وقت
الزوال من قولهم قامت به دابته أي وقفت، والمعنى أن الشمس إذا بلغت وسَط
السماء أَبْطأَت حركةُ الظل إلى أن تزول، فيحسب الناظر المتأَمل أنها قد وقفت
وهي سائرة لكن سيراً لا يظهر له أثر سريع كما يظهر قبل الزوال وبعده،
ويقال لذلك الوقوف المشاهد: قام قائم الظهيرة، والقائمُ قائمُ الظهيرة.
ويقال: قام ميزان النهار فهو قائم أي اعْتَدَل. ابن سيده: وقام قائم الظهيرة
إذا قامت الشمس وعقَلَ الظلُّ، وهو من القيام. وعَيْنٌ قائمة: ذهب بصرها
وحدَقَتها صحيحة سالمة. والقائم بالدِّين: المُسْتَمْسِك به الثابت عليه.
وفي الحديث: إنَّ حكيم بن حِزام قال: بايعت رسول الله، صلى الله عليه
وسلم، أن لا أخِرَّ إلا قائماً؛ قال له النبي، صلى الله عليه وسلم: أمّا من
قِبَلِنا فلا تَخِرُّ إلا قائماً أي لسنا ندعوك ولا نبايعك إلا قائماً
أي على الحق؛ قال أبو عبيد: معناه بايعت أن لا أموت إلا ثابتاً على
الإسلام والتمسُّك به. وكلُّ من ثبت على شيء وتمسك به فهو قائم عليه. وقال
تعالى: ليْسُوا سَواء من أهل الكتاب أُمَّةٌ قائمةٌ؛ إنما هو من المُواظبة
على الدين والقيام به؛ الفراء: القائم المتمسك بدينه، ثم ذكر هذا الحديث.
وقال الفراء: أُمَّة قائمة أي متمسكة بدينها. وقوله عز وجل: لا يُؤَدِّه
إليك إلا ما دُمت عليه قائماً؛ أي مُواظِباً مُلازِماً، ومنه قيل في
الكلام للخليفة: هو القائِمُ بالأمر، وكذلك فلان قائِمٌ
بكذا إذا كان حافظاً له متمسكاً به. قال ابن بري: والقائِمُ على الشيء
الثابت عليه، وعليه قوله تعالى: من أهل الكتاب أُمةٌ قائمةٌ؛ أي مواظِبة
على الدين ثابتة. يقال: قام فلان على الشيء إذا ثبت عليه وتمسك به؛ ومنه
الحديث: اسْتَقِيموا لقُريش ما اسْتَقامُوا لكم، فإنْ لم يَفْعَلوا
فضَعُوا سيُوفَكم على عَواتِقكم فأَبِيدُوا خضْراءهم، أي دُوموا لهم في الطاعة
واثْبُتوا عليها ما داموا على الدين وثبتوا على الإسلام. يقال: قامَ
واسْتَقامَ كما يقال أَجابَ واسْتجابَ؛ قال الخطابي: الخَوارِج ومن يَرى
رأْيهم يتأَوَّلونه على الخُروج على الأَئمة ويحملون قوله ما اسْتقاموا لكم
على العدل في السِّيرة، وإنما الاستقامة ههنا الإقامة على الإسلام، ودليله
في حديث آخر: سيَلِيكم أُمَراءُ تَقْشَعِرُّ منهم الجلود وتَشْمَئِزُّ
منهم القلوب، قالوا: يا رسول الله، أَفلا تُقاتلهم؟ قال: لا ما أَقاموا
الصلاة، وحديثه الآخر: الأَئمة من قريش أَبرارُها أُمَراءُ أَبرارِها
وفُجَّارُها أُمَراءُ فُجَّارِها؛ ومنه الحديث: لو لم تَكِلْه لقامَ لكم أي
دام وثبت، والحديث الآخر: لو تَرَكَتْه ما زال قائماً، والحديث الآخر: ما
زال يُقِيمُ لها أُدْمَها. وقائِمُ السيف: مَقْبِضُه، وما سوى ذلك فهو
قائمة نحو قائمةِ الخِوان والسرير والدابة. وقَوائِم الخِوان ونحوها: ما
قامت عليه. الجوهري: قائمُ السيف وقائمتُه مَقْبِضه. والقائمةُ: واحدة قوائم
الدَّوابّ. وقوائم الدابة: أربَعُها، وقد يستعار ذلك في الإنسان؛ وقول
الفرزدق يصف السيوف:
إذا هِيَ شِيمتْ فالقوائِمُ تَحْتها،
وإنْ لمْ تُشَمْ يَوْماً علَتْها القَوائِمُ
أَراد سُلَّت. والقوائم: مقَابِض السيوف.
والقُوام: داءٌ يأْخذ الغنم في قوائمها تقوم منه. ابن السكيت: ما فَعل
قُوام كان يَعتري هذه الدابة، بالضم، إذا كان يقوم فلا يَنْبَعث. الكسائي:
القُوام داءٌ يأْخذ الشاة في قوائمها تقوم منه؛ وقَوَّمت الغنم: أَصابها
ذلك فقامت. وقامُوا بهم: جاؤوهم بأَعْدادهم وأَقرانِهم وأَطاقوهم. وفلان
لا يقوم بهذا الأمر أي لا يُطِيق عليه، وإذا لم يُطِق الإنسان شيئاً
قيل: ما قام به. الليث: القامةُ مِقدار كهيئة رجل يبني على شَفِير البئر
يوضع عليه عود البَكْرة، والجمع القِيم، وكذلك كل شيء فوق سطح ونحوه فهو
قامة؛ قال الأَزهري: الذي قاله الليث في تفسير القامة غير صحيح، والقامة عند
العرب البكرة التي يستقى بها الماء من البئر، وروي عن أبي زيد أنه قال:
النَّعامة الخشبة المعترضة على زُرْنُوقي البئر ثم تعلق القامة، وهي
البَكْرة من النعامة. ابن سيده: والقامةُ البكرة يُستقَى عليها، وقيل: البكرة
وما عليها بأَداتِها، وقيل: هي جُملة أَعْوادها؛ قال الشاعر:
لَمّا رأَيْتُ أَنَّها لا قامهْ،
وأَنَّني مُوفٍ على السَّآمَهْ،
نزَعْتُ نَزْعاً زَعْزَعَ الدِّعامهْ
والجمع قِيَمٌ مثل تارةٍ وتِيَرٍ، وقامٌ؛ قال الطِّرِمّاح:
ومشَى تُشْبِهُ أَقْرابُه
ثَوْبَ سْحْلٍ فوقَ أَعوادِ قامِ
وقال الراجز:
يا سَعْدُ غَمَّ الماءَ وِرْدٌ يَدْهَمُه،
يَوْمَ تَلاقى شاؤُه ونَعَمُهْ،
واخْتَلَفَتْ أَمْراسُه وقِيَمُهْ
وقال ابن بري في قول الشاعر:
لَمّا رأَيت أَنها لا قامه
قال: قال أَبو عليّ ذهب ثعلب إلى أَن قامة في البيت جمع قائِم مثل بائِع
وباعةٍ، كأَنه أَراد لا قائمين على هذا الحوض يَسْقُون منه، قال: ومثله
فيما ذهب إليه الأَصمعي:
وقامَتي رَبِيعةُ بنُ كَعْبِ،
حَسبُكَ أَخلاقُهمُ وحَسْبي
أي رَبِيعة قائمون بأَمري؛ قال: وقال عديّ بن زيد:
وإنِّي لابنُ ساداتٍ
كِرامٍ عنهمُ سُدْتُ
وإنِّي لابنُ قاماتٍ
كِرامٍ عنهمُ قُمْتُ
أَراد بالقاماتِ الذين يقومون بالأُمور والأَحداث؛ ومما يشهد بصحة قول
ثعلب أن القامة جمع قائم لا البكرة قوله:
نزعت نزعاً زعزع الدِّعامه
والدِّعامة إنما تكون للبكرة، فإن لم تكن بكْرَةٌ
فلا دعامة ولا زعزعةَ لها؛ قال ابن بري: وشاهد القامة للبكرة قول
الراجز:إنْ تَسْلَمِ القامةُ والمَنِينُ،
تُمْسِ وكلُّ حائِمٍ عَطُونُ
وقال قيس بن ثُمامة الأرْحبي في قامٍ جمع قامةِ البئر:
قَوْداءَ تَرْمَدُّ مِنْ غَمْزي لها مَرَطَى،
كأَن هادَيها قامٌ على بِيرِ
والمِقْوَم: الخَشَبة التي يُمْسكها الحرّاث. وقوله في الحديث: إنه
أَذِنَ في قَطْع المسَدِ والقائمَتينِ من شجر الحَرَم، يريد قائمتي الرَّحْل
اللتين تكون في مُقَدَّمِه ومُؤَخَّره.
وقَيِّمُ الأمر: مُقِيمهُ. وأمرٌ
قَيِّمٌ: مُسْتقِيم. وفي الحديث: أتاني مَلَك فقال: أَنت قُثَمٌ
وخُلُقُكَ قَيِّم أي مُسْتَقِيم حسَن. وفي الحديث: ذلك الدين القَيِّمُ أي
المستقيم الذي لا زَيْغ فيه ولا مَيْل عن الحق. وقوله تعالى: فيها كُتب
قيِّمة؛ أَي مستقيمة تُبيّن الحقّ من الباطل على اسْتِواء وبُرْهان؛ عن الزجاج.
وقوله تعالى: وذلك دِين القَيِّمة؛ أَي دين الأُمةِ القيّمة بالحق،
ويجوز أَن يكن دين المِلة المستقيمة؛ قال الجوهري: إنما أَنثه لأَنه أَراد
المِلة الحنيفية. والقَيِّمُ: السيّد وسائسُ الأَمر. وقَيِّمُ القَوْم:
الذي يُقَوِّمُهم ويَسُوس أَمرهم. وفي الحديث: ما أَفْلَحَ قَوْمٌ
قَيِّمَتُهُم امرأة. وقَيِّمُ المرأَةِ: زوجها في بعض اللغات. وقال أَبو
الفتح ابن جني في كتابه الموسوم بالمُغْرِب. يروى أَن جاريتين من بني
جعفر بن كلاب تزوجتا أَخوين من بني أَبي بكر ابن كلاب فلم تَرْضَياهما
فقالت إحداهما:
أَلا يا ابْنَةَ الأَخْيار مِن آلِ جَعْفَرٍ
لقد ساقَنا منْ حَيِّنا هَجْمَتاهُما
أُسَيْوِدُ مِثْلُ الهِرِّ لا دَرَّ دَرُّه
وآخَرُ مِثْلُ القِرْدِ لا حَبَّذا هُما
يَشِينانِ وجْهَ الأَرْضِ إنْ يَمْشِيا بِها،
ونَخْزَى إذَا ما قِيلَ: مَنْ قَيِّماهُما؟
قَيِّماهما: بَعْلاهُما، ثنت الهَجّمتين لأَنها أَرادت القِطْعَتَين أَو
القَطيعَيْنِ. وفي الحديث: حتى يكون لخمسين امرأَة قَيِّمٌ واحد؛
قَيِّمُ المرأَةِ: زوجها لأَنه يَقُوم بأَمرها وما تحتاج إليه. وقام بأَمر كذا.
وقام الرجلُ على المرأَة: مانَها. وإنه لَقَوّام علهيا: مائنٌ لها. وفي
التنزيل العزيز: الرجالُ قَوَّامون على النساء؛ وليس يراد ههنا، والله
أَعلم، القِيام الذي هو المُثُولُ والتَّنَصُّب وضدّ القُعود، إنما هو من
قولهم قمت بأَمرك، فكأنه، والله أَعلم، الرجال مُتكفِّلون بأُمور النساء
مَعْنِيُّون بشؤونهن، وكذلك قوله تعالى: يا أَيها الذين آمنوا إذا قُمتم
إلى الصلاة؛ أَي إذا هَمَمْتم بالصلاة وتَوَجّهْتم إليها بالعِناية وكنتم
غير متطهرين فافعلوا كذا، لا بدّ من هذا الشرط لأَن كل من كان على طُهر
وأَراد الصلاة لم يلزمه غَسْل شيء من أعضائه، لا مرتَّباً ولا مُخيراً
فيه، فيصير هذا كقوله: وإن كنتم جُنُباً فاطَّهروا؛ وقال هذا، أَعني قوله
إذا قمتم إلى الصلاة فافعلوا كذا، وهو يريد إذا قمتم ولستم على طهارة، فحذف
ذلك للدلالة عليه، وهو أَحد الاختصارات التي في القرآن وهو كثير جدّاً؛
ومنه قول طرفة:
إذا مُتُّ فانْعِينِي بما أَنا أَهْلُه،
وشُقِّي عَلَيَّ الجَيْبَ، يا ابنةَ مَعْبَدِ
تأْويله: فإن مت قبلك، لا بدّ أَن يكون الكلام مَعْقوداً على هذا لأَنه
معلوم أَنه لا يكلفها نَعْيَه والبُكاء عليه بعد موتها، إذ التكليفُ لا
يصح إلا مع القدرة، والميت لا قدرة فيه بل لا حَياة عنده، وهذا واضح.
وأَقامَ الصلاة إقامةً وإقاماً؛ فإقامةً
على العوض، وإقاماً بغير عوض. وفي التنزيل: وإقامَ الصلاة. ومن كلام
العرب: ما أَدري أَأَذَّنَ أَو أَقامَ؛ يعنون أَنهم لم يَعْتَدّوا أَذانَه
أَذانَاً ولا إقامَته إقامةً، لأَنه لم يُوفِّ ذلك حقَّه، فلما وَنَى فيه
لم يُثبت له شيئاً منه إذ قالوها بأَو، ولو قالوها بأَم لأَثبتوا أَحدهما
لا محالة. وقالوا: قَيِّم المسجد وقَيِّمُ الحَمَّام. قال ثعلب: قال ابن
ماسَوَيْهِ ينبغي للرجل أَن يكون في الشتاء كقَيِّم الحَمَّام، وأَما
الصيف فهو حَمَّام كله وجمع قَيِّم عند كراع قامة. قال ابن سيده: وعندي أَن
قامة إنما هو جمع قائم على ما يكثر في هذا الضرب.
والمِلَّة القَيِّمة: المُعتدلة، والأُمّة القَيِّمة كذلك. وفي التنزيل:
وذلك دين القَيّمة؛ أي الأُمَّة القيمة. وقال أَبو العباس والمبرد: ههنا
مضمرٍ، أَراد ذلك دِينُ الملَّةِ القيمة، فهو نعت مضمرٍ محذوفٌ محذوقٌ؛
وقال الفراء: هذا مما أُضيف إلى نفسه لاختلاف لفظيه؛ قال الأَزهري:
والقول ما قالا، وقيل: أباء في القَيِّمة للمبالغة، ودين قَيِّمٌ كذلك. وفي
التنزيل العزيز: ديناً قِيَماً مِلَّةَ إبراهيم. وقال اللحياني وقد قُرئ
ديناً قَيِّماً أي مستقيماً. قال أَبو إسحق: القَيِّمُ هو المُسْتَقيم،
والقِيَمُ: مصدر كالصِّغَر والكِبَر إلا أَنه لم يُقل قِوَمٌ مثل قوله: لا
يبغون عنها حِوَلاً؛ لأَن قِيَماً من قولك قام قِيَماً، وقامَ كان في
الأصل قَوَمَ أَو قَوُمَ، فصار قام فاعتل قِيَم، وأَما حِوَلٌ
فهو على أَنه جار على غير فِعْل؛ وقال الزجاج: قِيَماً مصدر كالصغر
والكبر، وكذلك دين قَوِيم وقِوامٌ.
ويقال: رمح قَوِيمٌ وقَوامٌ قَوِيمٌ
أَى مستقيم؛ وأَنشد ابن بري لكعب بن زهير:
فَهُمْ ضَرَبُوكُم حِينَ جُرْتم عن الهُدَى
بأَسْيافهم، حتَّى اسْتَقَمْتُمْ على القِيَمْ
(* قوله «ضربوكم حين جرتم» تقدم في هذه المادة تبعاً للأصل: صرفوكم حين
جزتم، ولعله مروي بهما).
وقال حسان:
وأَشْهَدُ أَنَّكَ، عِنْد المَلِيـ
ـكِ، أُرْسلْتَ حَقّاً بِدِينٍ قِيَمْ
قال: إلا أنّ القِيَمَ مصدر بمعنى الإستقامة. والله تعالى القَيُّوم
والقَيَّامُ. ابن الأَعرابي: القَيُّوم والقيّام والمُدبِّر واحد. وقال
الزجاج: القيُّوم والقيَّام في صفة الله تعالى وأَسمائه الحسنى القائم بتدبير
أَمر خَلقه في إنشائهم ورَزْقهم وعلمه بأَمْكِنتهم. قال الله تعالى: وما
من دابّة في الأَرض إلا على الله رِزْقُها ويَعلَم مُسْتَقَرَّها
ومُسْتَوْدَعها. وقال الفراء: صورة القَيُّوم من الفِعل الفَيْعُول، وصورة
القَيَّام الفَيْعال، وهما جميعاً مدح، قال: وأَهل الحجاز أَكثر شيء قولاً
للفَيْعال من ذوات الثلاثة مثل الصَّوَّاغ، يقولون الصَّيَّاغ. وقال الفراء
في القَيِّم: هو من الفعل فَعِيل، أَصله قَوِيم، وكذلك سَيّد سَوِيد
وجَيِّد جَوِيد بوزن ظَرِيف وكَرِيم، وكان يلزمهم أَن يجعلوا الواو أَلفاً
لانفتاح ما قبلها ثم يسقطوها لسكونها وسكون التي بعدها، فلما فعلوا ذلك
صارت سَيْد على فَعْل، فزادوا ياء على الياء ليكمل بناء الحرف؛ وقال
سيبويه: قَيِّم وزنه فَيْعِل وأَصله قَيْوِم، فلما اجتمعت الياء والواو والسابق
ساكن أَبدلوا من الواو ياء وأَدغموا فيها الياء التي قبلها، فصارتا ياء
مشدّدة، وكذلك قال في سيّد وجيّد وميّت وهيّن وليّن. قال الفراء: ليس في
أَبنية العرب فَيْعِل، والحَيّ كان في الأَصل حَيْواً، فلما إجتمعت الياء
والواو والسابق ساكن جعلتا ياء مشدّدة. وقال مجاهد: القَيُّوم القائم
على كل شيء، وقال قتادة: القيوم القائم على خلقه بآجالهم وأَعمالهم
وأَرزاقهم. وقال الكلبي: القَيُّومُ الذي لا بَدِيء له. وقال أَبو عبيدة: القيوم
القائم على الأشياء. الجوهري: وقرأَ عمر الحيُّ القَيّام، وهو لغة،
والحيّ القيوم أَي القائم بأَمر خلقه في إنشائهم ورزقهم وعلمه بمُسْتَقرِّهم
ومستودعهم. وفي حديث الدعاء: ولكَ الحمد أَنت قَيّام السمواتِ والأَرض،
وفي رواية: قَيِّم، وفي أُخرى: قَيُّوم، وهي من أبنية المبالغة، ومعناها
القَيّام بأُمور الخلق وتدبير العالم في جميع أَحواله، وأَصلها من الواو
قَيْوامٌ وقَيْوَمٌ وقَيْوُومٌ، بوزن فَيْعالٍ وفَيْعَلٍ وفَيْعُول.
والقَيُّومُ: من أَسماء الله المعدودة، وهو القائم بنفسه مطلقاً لا بغيره، وهو
مع ذلك يقوم به كل موجود حتى لا يُتَصوَّر وجود شيء ولا دوام وجوده إلا
به.
والقِوامُ من العيش
(* قوله «والقوام من العيش» ضبط القوام في الأصل
بالكسر واقتصر عليه في المصباح، ونصه: والقوام، بالكسر، ما يقيم الإنسان من
القوت، وقال أيضاً في عماد الأمر وملاكه أنه بالفتح والكسر، وقال صاحب
القاموس: القوام كسحاب ما يعايش به، وبالكسر، نظام الأمر وعماده): ما
يُقيمك. وفي حديث المسألة: أَو لذي فَقْرٍ مُدْقِع حتى يُصِيب قِواماً من عيش
أَي ما يقوم بحاجته الضرورية. وقِوامُ العيش: عماده الذي يقوم به.
وقِوامُ الجِسم: تمامه. وقِوام كل شيء: ما استقام به؛ قال العجاج:
رأْسُ قِوامِ الدِّينِ وابنُ رَأْس
وإِذا أَصاب البردُ شجراً أَو نبتاً فأَهلك بعضاً وبقي بعض قيل: منها
هامِد ومنها قائم. الجوهري: وقَوَّمت الشيء، فهو قَويم أي مستقيم، وقولهم
ما أَقوَمه شاذ، قال ابن بري: يعني كان قياسه أَن يقال فيه ما أَشدَّ
تَقْويمه لأَن تقويمه زائد على الثلاثة، وإنما جاز ذلك لقولهم قَويم، كما
قالوا ما أَشدَّه وما أَفقَره وهو من اشتدّ وافتقر لقولهم شديد وفقير.
قال: ويقال ما زِلت أُقاوِمُ فلاناً في هذا الأَمر أي أُنازِله. وفي
الحديث: مَن جالَسه أَو قاوَمه في حاجة صابَره. قال ابن الأَثير: قاوَمَه
فاعَله من القِيام أَي إذا قامَ معه ليقضي حاجتَه صبَر عليه إلى أن
يقضِيها.وفي الحديث: تَسْويةُ الصفّ من إقامة الصلاة أي من تمامها وكمالها، قال:
فأَمّا قوله قد قامت الصلاة فمعناه قامَ أَهلُها أَو حان قِيامهم. وفي
حديث عمر: في العين القائمة ثُلُث الدية؛ هي الباقية في موضعها صحيحة
وإنما ذهب نظرُها وإبصارُها. وفي حديث أَبي الدرداء: رُبَّ قائمٍ مَشكورٌ له
ونائمٍ مَغْفورٌ له أَي رُبَّ مُتَجَهِّد يَستغفر لأَخيه النائم فيُشكر
له فِعله ويُغفر للنائم بدعائه. وفلان أَقوَمُ كلاماً من فلان أَي أَعدَلُ
كلاماً.
والقَوْمُ: الجماعة من الرجال والنساء جميعاً، وقيل: هو للرجال خاصة دون
النساء، ويُقوِّي ذلك قوله تعالى: لا يَسْخَر قَوم من قوم عسى أَن
يكونوا خيراً منهم ولا نساء من نساء عسى أَن يَكُنَّ خيراً منهن؛ أَي رجال من
رجال ولا نساء من نِساء، فلو كانت النساء من القوم لم يقل ولا نساء من
نساء؛ وكذلك قول زهير:
وما أَدرِي، وسوفَ إخالُ أَدري،
أَقَوْمٌ آلُ حِصْنٍ أَمْ نِساء؟
وقَوْمُ كل رجل: شِيعته وعشيرته. وروي عن أَبي العباس: النَّفَرُ
والقَوْم والرَّهط هؤُلاء معناهم الجمع لا واحد لهم من لفظهم للرجال دون
النساء. وفي الحديث: إن نَسَّاني الشيطان شيئاً من هلاتي فليُسبِّح القومُ
وليُصَفِّقِ النساء؛ قال ابن الأَثير: القوم في الأصل مصدر قام ثم غلب على
الرجال دون النساء، ولذلك قابلن به، وسموا بذلك لأَنهم قوّامون على النساء
بالأُمور التي ليس للنساء أَن يقمن بها. الجوهري: القوم الرجال دون
النساء لا واحد له من لفظه، قال: وربما دخل النساء فيه على سبيل التبع لأَن
قوم كل نبي رجال ونساء، والقوم يذكر ويؤَنث، لأَن أَسماء الجموع التي لا
واحد لها من لفظها إذا كانت للآدميين تذكر وتؤنث مثل رهط ونفر وقوم، قال
تعالى: وكذَّبَ به قومك، فذكَّر، وقال تعالى: كذَّبتْ قومُ نوح، فأَنَّث؛
قال: فإن صَغَّرْتَ لم تدخل فيها الهاء وقلت قُوَيْم ورُهَيْط ونُفَير،
وإنما يلحَقُ التأْنيثُ فعله، ويدخل الهاء فيما يكون لغير الآدميين مثل
الإبل والغنم لأَن التأنيث لازم له، وأَما جمع التكسير مثل جمال ومساجد،
وإن ذكر وأُنث، فإنما تريد الجمع إذا ذكرت، وتريد الجماعة إذا أَنثت. ابن
سيده: وقوله تعالى: كذَّبت قوم نوح المرسلين، إِنما أَنت على معنى كذبت
جماعة قوم نوح، وقال المرسلين، وإن كانوا كذبوا نوحاً وحده، لأَن من كذب
رسولاً واحداً من رسل الله فقد كذب الجماعة وخالفها، لأَن كل رسول يأْمر
بتصديق جميع الرسل، وجائز أَن يكون كذبت جماعة الرسل، وحكى ثعلب: أَن العرب
تقول يا أَيها القوم كفُّوا عنا وكُفّ عنا، على اللفظ وعلى المعنى. وقال
مرة: المخاطب واحد، والمعنى الجمع، والجمع أَقْوام وأََقاوِم وأقايِم؛
كلاهما على الحذف؛ قال أَبو صخر الهذلي أَنشده يعقوب:
فإنْ يَعْذِرِ القَلبُ العَشِيَّةَ في الصِّبا
فُؤادَكَ، لا يَعْذِرْكَ فيه الأَقاوِمُ
ويروى: الأقايِمُ، وعنى بالقلب العقل؛ وأَنشد ابن بري لخُزَز بن
لَوْذان:مَنْ مُبْلغٌ عَمْرَو بنَ لأ
يٍ، حَيْثُ كانَ مِن الأَقاوِمْ
وقوله تعالى: فقد وكلنا بها قوماً ليسوا بها بكافرين؛ قال الزجاج: قيل
عنى بالقوم هنا الأَنبياء، عليهم السلام، الذين جرى ذكرهم، آمنوا بما أَتى
به النبي، صلى الله عليه وسلم، في وقت مَبْعثهم؛ وقيل: عنى به من آمن من
أَصحاب النبي، صلى الله عليه وسلم، وأَتباعه، وقيل: يُعنى به الملائكة
فجعل القوم من الملائكة كما جعل النفر من الجن حين قال عز وجل: قل أُوحي
إليّ أَنه استمع نفر من الجن، وقوله تعالى: يَسْتَبْدِلْ قوماً غيركم؛ قال
الزجاج: جاء في التفسير: إن تولى العِبادُ استبدل الله بهم الملائكة،
وجاء: إن تَوَلَّى أهلُ مكة استبدل الله بهم أهل المدينة، وجاء أيضاً:
يَسْتَبْدِل قوماً غيركم من أهل فارس، وقيل: المعنى إن تتولوا يستبدل قوماً
أَطْوَعَ له منكم. قال ابن بري: ويقال قوم من الجنّ وناسٌ من الجنّ
وقَوْمٌمن الملائكة؛ قال أُمية:
وفيها مِنْ عبادِ اللهِ قَوْمٌ،
مَلائِكُ ذُلُِّلوا، وهُمُ صِعابُ
والمَقامُ والمَقامة: المجلس. ومَقامات الناس: مَجالِسُهم؛ قال العباس
بن مرداس أَنشده ابن بري:
فأَيِّي ما وأَيُّكَ كان شَرّاً
فَقِيدَ إلى المَقامةِ لا يَراها
ويقال للجماعة يجتمعون في مَجْلِسٍ: مَقامة؛ ومنه قول لبيد:
ومَقامةٍ غُلْبِ الرِّقابِ كأَنَّهم
جِنٌّ، لدَى بابِ الحَصِيرِ، قِيامُ
الحَصِير: المَلِك ههنا، والجمع مَقامات؛ أَنشد ابن بري لزهير:
وفيهِمْ مَقاماتٌ حِسانٌ وجُوهُهُمْ،
وأَنْدِيةٌ يَنْتابُها القَوْلُ والفِعْلُ
ومَقاماتُ الناسِ: مَجالِسهم أيضاً. والمَقامة والمَقام: الموضع الذي
تَقُوم فيه. والمَقامةُ: السّادةُ.
وكل ما أَوْجَعَك من جسَدِك فقد قامَ بك. أَبو زيد في نوادره: قامَ بي
ظَهْري أَي أَوْجَعَني، وقامَت بي عيناي.
ويومُ القِيامة: يومُ البَعْث؛ وفي التهذيب: القِيامة يوم البعث يَقُوم
فيه الخَلْق بين يدي الحيّ القيوم. وفي الحديث ذكر يوم القِيامة في غير
موضع، قيل: أَصله مصدر قام الخَلق من قُبورهم قِيامة، وقيل: هو تعريب
قِيَمْثَا
(* قوله «تعريب قيمثا» كذا ضبط في نسخة صحيحة من النهاية، وفي أخرى
بفتح القاف والميم وسكون المثناة بينهما. ووقع في التهذيب بدل المثلثة
ياء مثناة ولم يضبط)، وهو بالسريانية بهذا المعنى. ابن سيده: ويوم
القِيامة يوم الجمعة؛ ومنه قول كعب: أَتَظْلِم رجُلاً يوم القيامة؟
ومَضَتْ قُِوَيْمةٌ من الليلِ أَي ساعةٌ
أَو قِطْعة، ولم يَجِدْه أَبو عبيد، وكذلك مضَى قُوَيْمٌ
من الليلِ، بغير هاء، أَي وَقْت غيرُ محدود.
خلع: خَلَعَ الشيءَ يَخْلَعُه خَلْعاً واختَلَعه: كنَزَعه إِلا أَنَّ في
الخَلْعِ مُهْلة، وسَوَّى بعضهم بين الخَلْع والنَّزْعِ. وخلَعَ النعلَ
والثوبَ والرِّداءَ يَخْلَعُه خَلْعاً: جَرَّده.
والخِلْعةُ من الثياب: ما خَلَعْتَه فَطَرَحْتَه على آخر أَو لم
تَطْرَحْه. وكلُّ ثوب تَخْلَعُه عنك خِلْعةٌ؛ وخَلَع عليه خِلْعةً.
وفي حديث كعب: إِنَّ من تَوْبَتي أَن أَنْخَلِعَ من مالي صَدَقةً أَي
أَخرُجَ منه جميعه وأَتَصَدَّقَ به وأُعَرَّى منه كما يُعَرَّى الإِنسانُ
إِذا خلعَ ثوبه.
وخلَع قائدَه خَلْعاً: أَذالَه. وخلَع الرِّبقةَ عن عُنُقه: نقَض
عَهْدَه. وتَخالَع القومُ: نقَضُوا الحِلْفَ والعَهْدَ بينهم. وفي الحديث: من
خَلَعَ يداً من طاعة لَقِيَ اللهَ لا حُجّة له أَي من خرج من طاعةِ
سُلْطانِه وعَدا عليه بالشرّ؛ قال ابن الأَثير: هو من خَلَعْتُ الثوب إِذا
أَلْقَيْتَه عنك، شبَّه الطاعة واشتمالَها على الإِنسان به وخصّ اليد لأَن
المُعاهَدة والمُعاقَدةَ بها. وخلَع دابته يَخْلَعُها خَلْعاً وخَلَّعها:
أَطْلَقها من قَيْدها، وكذلك خَلَع قَيْدَه؛ قال:
وكلُّ أُناسٍ قارَبوا قيْدَ فَحْلِهم،
ونحنُ خَلَعْنا قيْدَه، فهو سارِبُ
وخلَع عِذاره: أَلْقاه عن نفسه فعَدا بشَرّ، وهو على المَثل بذلك. وخلع
امرأَته خُلْعاً، بالضم، وخِلاعاً فاختلَعَت وخالَعَتْه: أَزالَها عن
نفسه وطلقها على بَذْل منها له، فهي خالعٌ، والاسم الخُلْعةُ، وقد تَخالعا،
واخْتَلَعَت منه اخْتِلاعاً فهي مخْتلِعةٌ؛ أَنشد ابن الأَعرابي:
مُولَعاتٌ بِهاتِ هاتِ، فإِن شفْـ
ـفَر مالٌ أَرَدْنَ مِنْكَ الخِلاعا
شَفَّر مالٌ: قلَّ. قال أَبو منصور: خَلَع امرأَتَه وخالَعها إِذا
افْتَدَت منه بمالها فطلَّقها وأَبانها من نفسه، وسمي ذلك الفِراق خُلْعاً
لأَن الله تعالى جعل النساء لباساً للرجال، والرجالَ لباساً لهنَّ، فقال:
هنَّ لِباسٌ لكم وأَنتم لباس لهن؛ وهي ضجِيعهُ وضَجيعتهُ فإِذا افتدت
المرأَة بمال تعطيه لزوجها ليُبِينَها منه فأَجابها إِلى ذلك، فقد بانت منه
وخلَع كل واحد منهما لباسَ صاحبه، والاسم من كل ذلك الخُلْعُ، والمصدر
الخَلْع، فهذا معنى الخُلع عند الفقهاء. وفي الحديث: المُخْتَلِعاتُ هن
المُنافِقاتُ يعني اللاَّتي يَطْلُبْنَ الخُلْع والطلاق من أَزْواجِهن بغير
عُذْر؛ قال ابن الأَثير: وفائدة الخُلْع إِبْطال الرَّجْعة إِلا بعقد جديد،
وفيه عند الشافعي خلاف هل هو فَسْخٌ أَو طَلاق، وقد يسمى الخُلع طلاقاً.
وفي حديث عمر، رضي الله عنه: أَنَّ امرأَة نَشَزَت على زوجها فقال له
عمر: اخْلَعْها أَي طَلِّقْها واتْرُكْها.
والخَوْلَعُ: المُقامِرُ المَجْدُودُ الذي يُقْمِرُأَبداً. والمُخالِعُ:
المُقامِرُ؛ قال الخراز بن عمرو يخاطِبُ امرأَته:
إِنَّ الرَّزِيّةَ ما أُلاكِ، إِذا
هَرَّ المُخالِعُ أَقْدُحَ اليَسَرِ
(* قوله: ما أُلاك، هكذا في الأصل.)
فهو المُقامِرُ لأَنه يُقْمَرُ خُلْعَته. وقوله هَرَّ أَي كَره.
والمَخْلُوع: المَقْمُورُ مالَه؛ قال الشاعر يصف جملاً:
يعُزُّ على الطَّرِيق بِمَنْكِبَيْه،
كما ابْتَرَكَ الخَلِيعُ على القِداحِ
يقول: يَغْلِب هذا الجَملُ الإِبلَ على لُزُوم الطريق، فشبَّه حِرْصَه
على لزُوم الطريق وإِلحاحَه على السيْر بحِرْص هذا الخَلِيع على الضَّرْب
بالقِداح لعله يَسْتَرْجِع بعض ما ذهب من ماله. والخَلِيعُ: المَخْلُوعُ
المَقْمُورُ مالَه. وخلَعَه: أَزالَه. ورجل خَلِيعٌ: مَخْلُوع عن نفسه،
وقيل: هو المَخْلوع من كل شيء، والجمع خُلْعاء كما قالوا قَبيل وقُبَلاء.
وغُلام خَلِيعٌ بيِّنُ الخَلاعةِ، بالفتح: وهو الذي قد خلَعه أَهلُه،
فإِن جنى لم يُطالَبُوا بجِنايته. والخَوْلَعُ: الغلام الكثيرُ الجِناياتِ
مثل الخَليع. والخَليعُ: الرجل يَجْني الجِناياتِ يُؤْخذ بها أَولياؤُه
فيتبرَّؤُون منه ومن جنايته ويقولون: إِنّا خلَعْنا فلاناً فلا نأْخذ
أَحداً بجناية تُجْنى عليه، ولا نؤَاخَذ بجناياته التي يَجْنيها، وكان يسمى في
الجاهلية الخَلِيعَ. وفي حديث عثمان: أَنه كان إِذا أُتِيَ بالرجل قد
تخلَّع في الشراب المُسْكِر جلده ثمانين؛ هو الذي انهمك في الشراب ولازَمه
ليلاً ونهاراً كأَنه خلَع رَسَنَه وأَعطى نفْسه هَواها. وفي حديث ابن
الصَّبْغاء: وكان رجل منهم خَلِيعٌ أَي مُسْتَهْتَرٌ بالشرب واللهو، هو من
الخَلِيع الشاطِر الخَبيث الذي خَلَعَتْه عشيرته وتَبرَّؤُوا منه. ويقال:
خُلِعَ من الدِّين والحياء، وقومٌ خُلَعاءُ بَيِّنُو الخَلاعةِ. وفي
الحديث: وقد كانت هذيل خلَعوا خَلِيعاً لهم في الجاهلية؛ قال ابن الأَثير:
كانوا يتعاهَدون ويتعاقَدون على النُّصْرة والإِعانة وأَن يُؤْخذ كل واحد
منهم بالآخر، فإِذا أَرادوا أَن يَتَبرَّؤُوا من إِنسان قد حالَفوه
أَظهروا ذلك للناس وسموا ذلك الفِعْل خُلْعاً، والمُتَبَرَّأَ منه خَليعاً أَي
مَخْلوعاً فلا يُؤْخَذون بجنايته ولا يُؤْخَذُ بجنايتهم، فكأَنهم خَلَعوا
اليمين التي كانوا لَبِسوها معه، وسمَّوْه خُلْعاً وخَلِيعاً مَجازاً
واتِّساعاً، وبه يسمى الإِمام والأَميرُ إِذا عُزِلَ خَليعاً، لأَنه قد
لَبِسَ الخِلافة والإِمارة ثم خُلِعَها؛ ومنه حديث عثمان، رضي الله عنه، قال
له: إِن اللهَ سَيُقَمِّصُكَ قَمِيصاً وإِنك تُلاصُ على خَلْعِه؛ أَراد
الخلافةَ وتَرْكَها والخُروجَ منها. وخَلُع خَلاعةً فهو خَليعٌ:
تَبَاعَدَ. والخَلِيعُ: الشاطِرُ وهو منه، والأُنثى بالهاء. ويقال للشاطِر:
خَلِيعٌ لأَنه خلَع رَسَنَه. والخَلِيعُ: الصَّيادُ لانفراده. والخَليعُ:
الذِّئب. والخَلِيعُ: الغُول. والخَلِيعُ: المُلازِمُ للقِمار. والخَلِيعُ:
القِدْح الفائزُ أَوّلاً، وقيل: هو الذي لا يَفُوزُ أَوَّلاً؛ عن كراع،
وجمعه خِلْعة.
والخُلاعُ والخَيْلَعُ والخَوْلَعُ: كالخَبَلِ والجنون يُصِيب الإِنسان،
وقيل: هو فَزَع يَبْقى في الفُؤَاد يكاد يَعْتَرِي منه الوَسْواسُ،
وقيل: الضعْفُ والفزَعُ؛ قال جرير:
لا يُعْجِبَنَّكَ أَن تَرَى بمُجاشِع
جَلَدَ الرِّجالِ، وفي الفُؤَادِ الخَوْلَعُ
والخَوْلَعُ: الأَحْمَقُ. ورجل مَخْلوعُ الفُؤَاد إِذا كان فَزِعاً. وفي
الحديث: من شَرِّ ما أُعْطِيَ الرجلُ شُحٌّ هالِعٌ وجُبْنٌ خالعٌ أَي
شديد كأَنه يَخْلَعُ فؤادَه من شدَّة خَوْفه؛ قال ابن الأَثير: وهو مجاز في
الخَلْعِ والمراد به ما يَعْرِضُ من نَوازِع الأَفكار وضَعْفِ القلب عند
الخَوْف. والخَوْلَعُ: داءٌ يأْخذ الفِصال. والمُخَلَّع: الذي كأَنَّ به
هَبْتةً أَو مَسًّا. وفي التهذيب: المُخَلَّع من الناس، فَخصَّص. ورجل
مُخَلَّعٌ وخَيْلَعٌ: ضَعِيف، وفيه خُلْعةٌ أَي ضَعْفٌ. والمُخَلَّعُ من
الشِّعر: مَفْعولن في الضرب السادس من البَسيط مُشتَقٌّ منه، سمي بذلك
لأَنه خُلِعَتْ أَوْتاده في ضَرْبه وعَرُوضه، لأَن أَصله مستفعلن مستفعلن في
العروض والضرب، فقد حُذف منه جُزْآن لأَنَّ أَصله ثمانية، وفي
الجُزْأَين وتِدانِ وقد حذفت من مستفعلن نونه فَقُطِعَ هذان الوتدانِ فذهب من
البيت وتدان، فكأَنَّ البيتَ خُلِّعَ إِلا أَن اسم التخليع لَحِقَه بقطع نون
مستفعلن، لأَنهما من البيت كاليدين، فكأَنهما يدان خُلِعتا منه، ولما نقل
مستفعلن بالقطع إِلى مفعولن بقي وزنه مثل قوله:
ما هَيَّجَ الشَّوْقَ من أَطْلالٍ
أَضْحَتْ قِفاراً، كَوَحْيِ الواحِي
فسمي هذا الوزن مخلعاً؛ والبيت الذي أَورده الأَزهري في هذا الموضع هو
بيت الأَسود:
ماذا وُقوفي على رَسْمٍ عَفا،
مُخْلَوْلِقٍ دارِسٍ مُسْتَعْجِم
وقال: المُخَلَّع من العَرُوض ضرب من البسيط وأَورده. ويقال: أَصابه في
بعض أَعْضائه بَيْنُونة، وهو زوالُ المَفاصل من غير بَيْنُونة.
والتخلُّع: التفكُّك في المِشْيةِ، وتخلَّع في مَشْيه: هَزَّ
مَنْكِبَيْه ويديه وأَشار بهما. ورجل مُخَلَّع الأَلْيَتَيْنِ إِذا كان
مُنْفكَّهما. والخَلْعُ والخَلَع: زوال المَفْصِل من اليَد أَو الرِّجل من غير
بَيْنونة. وخَلَعَ أَوصالَه: أَزالها. وثوب خَلِيعٌ: خلَقٌ.
والخالع: داء يأْخُذ في عُرْقوب الناقةِ. وبعير خالِعٌ: لا يَقدِر أَن
يَثُورَ إِذا جلَس الرجل على غُرابِ وَرِكه، وقيل: إِنما ذلك لانْخِلاع
عَصَبةِ عُرْقوبه. ويقال: خُلِعَ الشيخ إِذا أَصابه الخالعُ، وهو التواءُ
العُرْقوب؛ قال الراجز:
وجُرَّةٍ تَنْشُصُها فَتَنْتَشِصْ
من خالِعٍ يُدْرِكُه فَتَهْتَبِصْ
الجُرَّة: خَشبة يُثَقَّل بها حِبالة الصائد فإِذا نَشِب فيها الصَّيْد
أَثْقَلَتْه.
وخَلَعَ الزرْعُ خَلاعةً: أَسْفَى. يقال: خَلَعَ الزرْعُ يَخْلَعُ
خَلاعةً إِذا أَسْفَى السُّنْبُل، فهو خالِعٌ. وأَخْلَعَ: صار فيه الحَبّ.
وبُسْرة خالِعٌ وخالِعةٌ: نَضِيجةٌ، وقيل: الخالع بغير هاء البُسْرة إِذا
نَضِجَتْ كلُّها. والخالِعُ من الرُّطب؛ المُنْسَبِتُ. وخلَعَ الشِّيحُ
خَلْعاً: أَوْرَقَ، وكذلك العِضاه. وخَلَع: سقَط ورَقُه، وقيل: الخالِعُ من
العِضاه الذي لا يسقُط ورقه أَبداً. والخالِعُ من الشجر: الهَشِيم
السَّاقِطُ. وخلَع الشجرُ إِذا أَنبَت ورقاً طريّاً.
والخَلْعُ: القَدِيدُ المَشْوِيُّ، وقيل: القَديدُ يُشْوَى واللحم
يُطْبَخُ ويجعل في وِعاءٍ بإِهالَتِه. والخَلْعُ: لحم يُطْبَخُ بالتَّوابل،
وقيل: يُؤخذ من العِظام ويُطبخ ويُبَزَّر ثم يجعل في القَرْف،وهو وِعاءٌ من
جِلْد، ويُتَزَوَّدُ به في الأَسفار.
والخَوْلَعُ: الهَبِيدُ حين يُهْبَد حتى يخرج سَمْنه ثم يُصَفَّى
فيُنَحَّى ويجعل عليه رَضِيضُ التمْرِ المَنْزُوع النَّوَى والدَّقِيقُ، ويُساط
حتى يَخْتَلِط ثم يُنْزل فيُوضع فإِذا بَرَد أُعِيد عليه سَمنه.
والخَوْلَعُ: الحَنظل المَدْقُوق والمَلْتُوت بما يُطَيِّبه ثم يُؤْكل وهو
المُبَسَّل. والخَوْلَعُ: اللحم يُغْلَى بالخلّ ثم يُحْمَلُ في الأَسْفار.
والخَوْلَعُ: الذِّئب.
وتَخَلَّع القوم: تَسَلَّلوا وذهبوا؛ عن ابن الأَعرابي؛ وأَنشد:
ودَعا بني خلَفٍ، فباتُوا حوْلَهُ،
يَتَخَلَّعُونَ تَخَلُّعَ الأَجْمالِ
والخالِع: الجَدْي. والخَلِيعُ والخَلْيَعُ: الغُول.
والخَلِيعُ: اسم رجل من العرب. والخُلَعاءُ: بطن من بني عامر.
والخَيْلَعُ من الثياب والذِّئاب: لغة في الخَيْعَل. والخَيْلَعُ:
الزَّيت؛ عن كراع. والخَيْلَعُ: القُبَّةُ من الأَدم، وقيل: الخَيْلَعُ الأَدم
عامّة؛ قال رؤبة:
نفْضاً كنفْضِ الريحِ تُلْقِي الخَيْلَعا
وقال رجل من كلب:
ما زِلْتُ أَضْرِبُه وأَدْعو مالِكاً،
حتى تَرَكْتُ ثِيابَه كالخَيْلَعِ
والخَلَعْلَعُ: من أَسماء الضِّباع؛ عنه أَيضاً. والخُلْعةُ: خِيار
المال؛ وينشد بيت جرير:
مَنْ شاءَ بايَعْتُه مالي وخُلْعَتَهُ،
ما تَكْمُل التَّيْمُ في ديوانِهِم سَطَرا
وخُلْعة المالِ وخِلْعَتُه: خِيارُه. قال أَبو سعيد: وسمي خِيارُ المال
خُلْعة وخِلْعة لأَنه يَخْلَع قلب الناظر إِليه؛ أَنشد الزجاج:
وكانت خُِلْعةً دُهْساً صَفايا،
يَصُورُ عُنوقَها أَحْوَى زَنِيمُ
يعني المِعْزى أَنها كانت خِياراً. وخُلْعةُ ماله: مُخْرَتُه.
وخُلِعَ الوالي أَي عُزِلَ. وخَلَع الغُلامُ: كَبُرَ زُبُّه.
أَبو عمرو: الخَيْعَلُ قَمِيصٌ لا كُمَّيْ له
(* قال الهُوريني في
تعليقه على القاموس: قوله لا كُمَّي له، قال الصاغاني: وإِنما أُسقطت النون من
كُمَّين للاضافة لأن اللام كالمُقحمة لا يُعتدّ بها في مثل هذا
الموضع.). قال الأَزهري: وقد يُقلب فيقال خَيْلَع.
وفي نوادر الأَعراب: اختلَعوا فلاناً: أَخذوا ماله.