من (ش ح ر) تمليح أو تدليل شَحْر.
من (ش ح ر) تمليح أو تدليل شَحْر.
حرن: حَرَنتِ الدابةُ تَحْرُن حِراناً وحُراناً وحَرُنَتْ، لغتان، وهي
حَرونٌ: وهي التي إذا استُدِرَّ جَرْيُها وقَفَتْ، وإنما ذلك في ذوات
الحوافر خاصَّة، ونظيرُه في الإِبل اللِّجانُ والخِلاءُ، واستعمل أَبو عبيد
الحِرانَ في الناقة. وفي الحديث: ما خَلأَت ولا حَرَنَتْ ولكن حَبَسَها
حابِسُ الفِيل. وفرس حَرُونٌ من خَيْل حُرُنٍ: لا يَنْقادُ، إذا اشتدّ به
الجَرْيُ وَقَف. وقد حَرَنَ يَحْرُنُ حُرُونــاً وحَرُنَ، بالضم أَيضاً: صار
حَرُونــاً، والاسم الحِرانُ. والــحَرُونُ: اسم فرس كان لباهِلَة، إليه
تنسب الخيل الــحَرُونِــيَّة. والــحَرُونُ: اسم فرس مُسْلم بن عمروٍ الباهليِّ
في الإسلام كان يُسابِق الخيلَ، فإِذا اسْتُدرَّ جَرْيه وقَف حتى تكادَ
تسْبِقُه، ثم يجري فيسبِقها، وفي الصحاح: حَرون اسمُ فرسِ أَبي صالح مُسْلم
بن عمروٍ الباهلي والد قُتَيْبة؛ قال الشاعر:
إذا ما قُريش خلا مُلْكُها،
فإِنَّ لخِلافةَ في باهِلَهْ
لِرَبِّ الــحَرونِ أَبي صالح،
وما ذاك بالسُّنَّة العادلَهْ.
وقال الأَصمعي: هو من نَسْل أَعوج، وهو الــحَرون بن الأَثاثيّ بن الخُزَر
بن ذي الصُّوفة بن أَعْوج، قال: وكان يسبِق الخيلَ ثمَ يَحْرُن حتى
تَلْحَقَه، فإِذا لَحِقَتْه سبَقها ثم حرَن ثم سبَقَها، وقيل: الــحَرونُ فرسُ
عُقبة بن مُدْلِجٍ، ومنه قيل لحبيب بن المهلَّب أَو محمد بن المُهلَّب
الــحَرُون، لأَنه كان يَحْرُنُ في الحرب فلا يبرح، استعير ذلك له وإنما
أَصله في الخيل، وقال اللحياني: حَرَنَت الناقةُ قامت فلم تَبْرَحْ، وخَلأَت
بركَتْ فلم تَقُمْ؛ والــحَرونُ في قول الشماخ:
وما أَرْوَى، وإن كَرُمَتْ علينا،
بأَدْنَى من مُوَقَّفةٍ حَرونِ.
هي التي لا تبرح أَعلى الجَبل من الصَّيْد. ويقال: حَرَن في البيع إذا
لم يَزِد ولم يَنْقُص. والمَحارينُ من النَّحْل: اللَّواتي يَلْصَقْنَ
بالخَلِيَّة حتى يُنْتزَعْنَ بالمَحابِض؛ وقال ابن مقبل:
كأَنَّ أَصْواتَها، من حيث نسمَعُها،
نَبْضُ المَحابضِ يَنْزِعْنَ المَحارِينا.
قال ابن بري: الهاءُ في أَصواتها تعودُ على النَّواقيس في بيتٍ قَبْله،
والمَحابضُ: عِيدانٌ يُشارُ بها العسلُ، قال: والمَحارينُ جمع مِحْرانٍ،
وهو ما حَرُنَ على الشَّهْد من النحل فلا يَبْرَح عنه؛ الأَزهري:
المَحارينُ ما يموتُ من النحل في عسله، وقال غيره: المَحارينُ من العسل ما
لَزِقَ بالخلِيَّة فعَسُر نَزْعُه، أُخذ من قولك حَرُن بالمكان حُرونــة إذا
لزمه فلم يُفارِقْه، وكأَنَّ العسلَ حَرُن فعسُر اشتِيارُه؛ قال الراعي:
كِناس تَنوفةٍ ظَلَّت إليها
هِجانُ الوَحْشِ حارنةً حُرونــا.
وقال الأَصمعي في قوله حارنة: متأَخرة، وغيره يقول: لازِمة.
والمَحارينُ: الشِّهادُ، وهي أَيضاً حَبّات القُطن، واحدتُها مِحْرانٌ، وقد تقدم شرح
بيت ابن مقبل: يَخْلِجْنَ المَحارينا. وحَرّان: اسم بلد، وهو فَعّال،
ويجوز أَن يكون فَعْلانَ، والنسبة إليه حَرْنانيٌّ، كما قالوا مَنانّي في
النسبة إلى ماني، والقياس مانَوِيّ، وحَرّاني على ما عليه العامة.
وحُرَينٌ: اسمٌ. وبنو حِرْنَة: بُطَين
(* قوله «وبنو حرنة بطين» كذا في الأصل
والمحكم بكسر فسكون، وفي القاموس والتكملة بكسر الحاء والراء وشد
النون).
عصفر: الأَزهري: العُصْفُر نبات سُلافَتُه الجِرْيالُ، وهي معربة. ابن
سيده: العُصْفُر هذا الذي يصبغ به، ومنه رِيفِيٌّ ومنه بَرِّيٌّ، وكلاهما
نبتٌ بأَرض العرب. وقد عَصْفَرْت الثوب فتَعَصْفَرَ.
والعُصْفور: السيِّد. والعُصُفور: طائر ذكر، والأُنثى بالهاء.
والعُصْفور: الذكر من الجراد. والعُصْفور: خشبة في الهودج تجمَع أَطراف خشبات
فيها، وهي كهيئة الإِكاف، وهي أَيضاً الخشبات التي تكون في الرَّحْل يُشَدّ
بها رؤوس الأَحْناء. والعُصْفور: الخشب الذي تشدُّ به رؤوسُ الأَقْتاب.
وعُصْفورُ الإِكاف عند مقدّمه في أَصل الدَّأْيةِ، وهو قطعة خشبة قدر
جُمْعِ الكف أَو أُعَيْظِم منه شيئاً مشدودٌ بين الحِنْوَيْنِ المقدّمين؛ وقال
الطرماح يصف الغَبِيط أَو الهودج:
كلّ مَشْكوكٍ عَصافِيرُه،
قانئ اللَّوْنِ حَدِيث الزِّمام
يعني أَنه شكّ فشدّ العُصْفور من الهودج في مواضع بالمسامير. وعُصْفورُ
الإِكاف: عُرْصُوفُه على القلب. وفي الحديث: قد حرَّمت المدينة أَن
تُعْضَد أَو تُخْبَط إِلا لِعُصْفورِ قَتَبٍ أَو شَدَّ مَحالةٍ أَو عَصا
حديدةٍ؛ عُصْفورُ القتَبِ: أَحدُ عِيدانِه، وجمعه عَصافِيرُ. قال: وعصافِير
القتب أَربعة أَوْتادٍ يُجْعَلْن بين رؤوس أَحناء القتب في رأْس كل حِنْوٍ
وتدان مشدودان بالعَقَب أَو بجلود الإِبل فيه الظَّلِفات. والعُصْفور:
عظم ناتئ في جَبين الفرس، وهما عُصْفورانِ يَمْنَةً ويَسْرة. قال ابن
سيده: عُصْفور الناصية أَصلُ منبتِها، وقيل: هو العُظيم الذي تحت ناصية الفرس
بين العينين. والعُصْفور: قُطَيْعة من الدماغ تحت فَرْخ الدماغ كأَنه
بائِنٌ، بينها وبين الدماغ جُلَيْدةٌ تَفْصِلها؛ وأَنشد:
ضَرْباً يُزيلُ الهام عن سريره،
عن أُمّ فَرْخ الرَّأْس أَو عُصْفوره
والعُصْفور: الشِّمْراخُ السائل من غُرّة الفرس لا يبلغ الخَطْمَ.
والعَصافِيرُ: ما على السَّناسِن من العصب والعُصْفورُ: الولد، يمانية.
وتَعَصْفَرت عُنُقُه تَعَصْفُراً: الْتَوَتْ. ويقال للرجل إِذا جاع:
نَقَّت عَصافيرُ بَطْنِه، كما يقال: نَقَّت ضفادعُ بطنه. الأَزهري:
العَصافيرُ ضرب من الشجر له صورة كصورة العُصْفور، يسمون هذا الشجر: مَنْ رَأَى
مِثْلي. وأَما ما رُوي أَن النعمان أَمَرَ للنابغة بمائة ناقة من
عَصافِيرِه؛ قال ابن سيده: أَظنّه أَرادَ مِن فَتايا نُوقِه؛ قال الأَزهري: كان
للنعمان بن المنذر نجائبُ يقال لها عَصافير النعمان. أَبو عمرو: يقال
للجمل ذي السنامين عُصْفورِيٌّ. قال الجوهري: عَصافيرُ المُنْذِرِ إِبلٌ كانت
للملوك نجائب؛ قال حسان بن ثابت: فما حَسَدْت أَحداً حَسَدي للنابغة حين
أَمَرَ له النعمانُ بن المنذر بمائة ناقة برِيشِها من عَصافِيرِه
وحُسَامٍ وآنِيةٍ من فضة؛ قوله: بريشها كان عليها رِيشٌ ليعلم أَنها من عطايا
الملوك.
حرر: الحَرُّ: ضِدُّ البَرْدِ، والجمع حُرُورٌ وأَحارِرُ على غير قياس
من وجهين: أَحدهما بناؤه، والآخر إِظهار تضعيفه؛ قال ابن دريد: لا أَعرف
ما صحته. والحارُّ: نقيض البارد. والحَرارَةُ: ضِدُّ البُرُودَةِ. أَبو
عبيدة: السَّمُومُ الريح الحارة بالنهار وقد تكون بالليل، والحَرُورُ:
الريح الحارَّة بالليل وقد تكون بالنهار؛ قال العجاج:
ونَسَجَتْ لَوافِحُ الحَرُورِ
سَبائِباً، كَسَرَقِ الحَريرِ
الجوهري: الحَرُورُ الريح الحارَّة، وهي بالليل كالسَّمُوم بالنهار؛
وأَنشد ابن سيده لجرير:
ظَلِلْنا بِمُسْتَنِّ الحَرُورِ، كأَنَّنا
لَدَى فَرَسٍ مْسْتَقْبِلِ الرِّيحِ صائم
مستن الحرور: مشتدّ حرها أَي الموضع الذي اشتدّ فيه؛ يقول: نزلنا هنالك
فبنينا خِباءً عالياً ترفعه الريح من جوانبه فكأَنه فرس صائم أَي واقف
يذب عن نفسه الذباب والبعوض بسَبِيبِ ذَنَبِهِ، شبه رَفْرَفَ الفُسْطاطِ
عند تحركه لهبوب الريح بسَبِيبِ هذا الفرس. والحَرُورُ: حر الشمس،
وقيل:الحَرُورُ استيقاد الحرّ ولَفْحُه، وهو يكون بالنهار والليل، والسَّمُوم لا
يكون إِلا بالنهار. وفي التنزيل: ولا الظِّلُّ ولا الحَرُورُ؛ قال ثعلب:
الظل ههنا الجنة والحرور النار؛ قال ابن سيده: والذي عندي أَن الظل هو
الظل بعينه، والحرور الحرّ بعينه؛ وقال الزجاج: معناه لا يستوي أَصحاب الحق
الذين هم في ظل من الحق، وأَصحاب الباطل الذين هم في حَرُورٍ أَي حَرٍّ
دائم ليلاً ونهاراً، وجمع الحَرُور حَرائِرُ؛ قال مُضَرِّسٌ:
بِلَمَّاعَةٍ قد صادَفَ الصَّيْفُ ماءَها،
وفاضَتْ عليها شَمْسُهُ وحَرائِرُهْ
وتقول
(* قوله: «وتقول إِلخ» حاصله أنه من باب ضرب وقعد وعلم كما في
القاموس والمصباح وغيرهما، وقد انفرد المؤلف بواحدة وهي كسر العين في الماضي
والمضارع): حَرَّ النهارُ وهو يَحِرُّ حَرّاً وقد حَرَرْتَ يا يوم
تَحُرُّ، وحَرِرْتَ تَحِرُّ، بالكسر، وتَحَرُّ؛ الأَخيرة عن اللحياني، حَرّاً
وحَرَّةً وحَرارَةً وحُرُوراً أَي اشتدَّ حَرُّكَ؛ وقد تكون الحَرارَةُ
للاسم، وجمعها حينئذ حَراراتٌ؛ قال الشاعر:
بِدَمْعٍ ذِي حَراراتٍ،
على الخَدَّيْنِ، ذي هَيْدَبْ
وقد تكون الحَراراتُ هنا جمع حَرَارَةٍ الذي هو المصدر إِلا أَن
الأَوَّل أَقرب.
قال الجوهري: وأَحَرَّ النهارُ لغة سمعها الكسائي. الكسائي: شيء حارٌّ
يارٌّ جارٌّ وهو حَرَّانُ يَرَّانُ جَرَّانُ. وقال اللحياني: حَرِرْت يا
رجل تَحَرُّ حَرَّةً وحَرارَةً؛ قال ابن سيده: أُراه إِنما يعني الحَرَّ
لا الحُرِّيَّةَ. وقال الكسائي: حَرِرْتَ تَحَرُّ من الحُرِّيَّةِ لا غير.
وقال ابن الأَعرابي: حَرَّ يَحَرُّ حَراراً إِذا عَتَقَ، وحَرَّ يَحَرُّ
حُرِّيَّةً من حُرِّيَّة الأَصل، وحَرَّ الرجلُ يَحَرُّ حَرَّةً عَطِشَ؛
قال الجوهري: فهذه الثلاثة بكسر العين في الماضي وفتحها في المستقبل.
وفي حديث الحجاج: أَنه باع مُعْتَقاً في حَرارِه؛ الحرار، بالفتح: مصدر من
حَرَّ يَحَرُّ إِذا صار حُرّاً، والاسم الحُرِّيَّةُ. وحَرَّ يَحِرُّ
إِذا سَخُنَ ماء أَو غيره. ابن سيده: وإِني لأَجد حِرَّةً وقِرَّة لله أَي
حَرّاً وقُرّاً؛ والحِرَّةُ والحَرارَةُ: العَطَشُ، وقيل: شدته. قال
الجوهري: ومنه قولهم أَشَدُّ العطش حِرَّةٌ على قِرَّةٍ إِذا عطش في يوم بارد،
ويقال: إِنما كسروا الحرّة لمكان القرَّة.
ورجل حَرَّانُ: عَطْشَانُ من قوم حِرَارٍ وحَرارَى وحُرارَى؛ الأَخيرتان
عن اللحياني؛ وامرأَة حَرَّى من نسوة حِرَارٍ وحَرارَى: عَطْشى. وفي
الحديث: في كل كَبِدٍ حَرَّى أَجْرٌ؛ الحَرَّى، فَعْلَى، من الحَرِّ وهي
تأْنيث حَرَّان وهما للمبالغة يريد أَنها لشدة حَرِّها قد عَطِشَتْ
ويَبِسَتْ من العَطَشِ، قال ابن الأَثير: والمعنى أَن في سَقْي كل ذي كبد حَرَّى
أَجراً، وقيل: أَراد بالكبد الحرى حياة صاحبها لأَنه إِنما تكون كبده حرى
إِذا كان فيه حياة يعني في سقي كل ذي روح من الحيوان، ويشهد له ما جاء
في الحديث الآخر: في كل كبد حارّة أَجر، والحديث الآخر: ما دخل جَوْفي ما
يدخل جَوْفَ حَرَّانِ كَبِدٍ، وما جاء في حديث ابن عباس: أَنه نهى
مضارِبه أَن يشتري بماله ذا كَبِدٍ رَطْبَةٍ، وفي حديث آخر: في كل كبد حرى رطبة
أَجر؛ قال: وفي هذه الرواية ضعف، فأَما معنى رطبة فقيل: إِن الكبد إِذا
ظمئت ترطبت، وكذا إِذا أُلقيت على النار، وقيل: كنى بالرطوبة عن الحياة
فإِن الميت يابس الكبد، وقيل: وصفها بما يؤول أَمرها إِليه.
ابن سيده: حَرَّتْ كبده وصدره وهي تَحَرُّ حَرَّةً وحَرارَةً وحَراراً؛
قال:
وحَرَّ صَدْرُ الشيخ حتى صَلاَّ
أَي التهبتِ الحَرَارَةُ في صدره حتى سمع لها صَليلٌ، واسْتَحَرَّتْ،
كلاهما: يبست كبده من عطش أَو حزن، ومصدره الحَرَرُ. وفي حديث عيينة بن
حِصْنٍ: حتى أُذِيقَ نَسَاهُ من الحَرِّ مِثْلَ ما أَذَاقَ نَسايَ؛ يعني
حُرْقَةَ القلب من الوجع والغيظ والمشقة؛ ومنه حديث أُم المهاجر: لما نُعِيَ
عُمَرُ قالت: واحَرَّاه فقال الغلام: حَرٌّ انْتَشَر فملأَ البَشَرَ،
وأَحَرَّها اللهُ.
والعرب تقول في دعائها على الإِنسان: ما له أَحَرَّ اللهُ صَدْرَه أَي
أَعطشه وقيل: معناه أَعْطَشَ الله هامَتَه. وأَحَرَّ الرجلُ، فهو مُحِرٌّ
أَي صارت إِبله حِرَاراً أَي عِطاشاً. ورجل مُحِرٌّ: عطشت إِبله. وفي
الدعاء: سلط الله عليه الحِرَّةَ تحت القِرَّةِ يريد العطش مع البرد؛
وأَورده ابن سيده منكراً فقال: ومن كلامهم حِرَّةٌ تحت قِرَّةٍ أَي عطشٌ في
يوم بارد؛ وقال اللحياني: هو دعاء معناه رماه الله بالعطش والبرد. وقال
ابن دريد: الحِرَّةُ حرارة العطش والتهابه. قال: ومن دعائهم: رماه الله
بالحِرَّةِ والقِرَّةِ أَي بالعطش والبرد.
ويقال: إِني لأَجد لهذا الطعام حَرْوَةً في فمي أَي حَرارةً ولَذْعاً.
والحَرارَةُ: حُرْقَة في الفم من طعم الشيء، وفي القلب من التوجع،
والأَعْرَفُ الحَرْوَةُ، وسيأْتي ذكره.
وقال ابن شميل: الفُلْفُلُ له حَرارَة وحَراوَةٌ، بالراء والواو.
والحَرَّة: حرارة في الحلق، فإِن زادت فهي الحَرْوَةُ ثم الثَّحْثَحَة
ثم الجَأْزُ ثم الشَّرَقُ ثم الْفُؤُقُ ثم الحَرَضُ ثم العَسْفُ، وهو عند
خروج الروح.
وامرأَة حَرِيرَةٌ: حزينة مُحْرَقَةُ الكبد؛ قال الفرزدق يصف نساء
سُبِينَ فضربت عليهن المُكَتَّبَةُ الصُّفْرُ وهي القِدَاحُ:
خَرَجْنَ حَرِيراتٍ وأَبْدَيْنَ مِجْلَداً،
ودارَتْ عَلَيْهِنَّ المُقَرَّمَةُ الصُّفْرُ
وفي التهذيب: المُكَتَّبَةُ الصُّفْرُ؛ وحَرِيراتٌ أَي محرورات يَجِدْنَ
حَرارَة في صدورهن، وحَرِيرَة في معنى مَحْرُورَة، وإِنما دخلتها الهاء
لما كانت في معنى حزينة، كما أُدخلت في حَمِيدَةٍ لأَنها في معنى
رَشِيدَة. قال: والمِجْلَدُ قطعة من جلد تَلْتَدِمُ بها المرأَة عند المصيبة.
والمُكَتَّبَةُ: السهام التي أُجِيلَتْ عليهن حين اقتسمن واستهم عليهن.
واسْتَحَرَّ القتلُ وحَرَّ بمعنى اشتدَّ. وفي حديث عمر وجَمْع القرآن:
إِن القتل قد اسْتَحَرَّ يوم اليمامة بِقُرَّاءِ القرآن؛ أَي اشتدَّ وكثر،
وهو استفعل من الحَرِّ: الشِّدَّةِ؛ ومنه حديث عليٍّ: حَمِسَ الوَغَى
واسْتَحَرَّ الموتُ. وأَما ما ورد في حديث علي، عليه السلام: أَنه قال
لفاطمة: لو أَتَيْتِ النبيَّ، صلى الله عليه وسلم، فسأَلته خادماً يَقِيكَ
حَرَّ ما أَنتِ فيه من العمل، وفي رواية: حارَّ ما أَنت فيه، يعني التعب
والمشقة من خدمة البيت لأَن الحَرارَةَ مقرونة بهما، كما أَن البرد مقرون
بالراحة والسكون. والحارُّ: الشاق المُتْعِبُ: ومنه حديث الحسن بن علي قال
لأَبيه لما أَمره بجلد الوليد بن عقبة: وَلِّ حارَّها من تَوَلَّى
قارَّها أَي وَلِّ الجَلْدَ من يَلْزَمُ الوليدَ أَمْرُه ويعنيه شأْنُه،
والقارّ: ضد الحارّ.
والحَرِيرُ: المَحْرُورُ الذي تداخلته حَرارَةُ الغيظ وغيره.
والحَرَّةُ: أَرض ذات حجارة سود نَخِراتٍ كأَنها أُحرقت بالنار.
والحَرَّةُ من الأَرضين: الصُّلبة الغليظة التي أَلبستها حجارة سود نخرة كأَنها
مطرت، والجمع حَرَّاتٌ وحِرَارٌ؛ قال سيبويه: وزعم يونس أَنهم يقولون
حَرَّةٌ وحَرُّونَ، جمعوه بالواو والنون، يشبهونه بقولهم أَرض وأَرَضُونَ
لأَنها مؤنثة مثلها؛ قال: وزعم يونس أَيضاً أَنهم يقولون حَرَّةٌ
وإِــحَرُّونَ يعني الحِرارَ كأَنه جمع إِحَرَّةٍ ولكن لا يتكلم بها؛ أَنشد ثعلب
لزيد بن عَتاهِيَةَ التميمي، وكان زيد المذكور لما عظم البلاء بصِفِّين قد
انهزم ولحق بالكوفة، وكان عليّ، رضي الله عنه، قد أَعطى أَصحابه يوم الجمل
خمسمائة خمسمائة من بيت مال البصرة، فلما قدم زيد على أَهله قالت له
ابنته: أَين خمس المائة؟ فقال:
إِنَّ أَباكِ فَرَّ يَوْمَ صِفِّينْ،
لما رأَى عَكّاً والاشْعَرِيين،
وقَيْسَ عَيْلانَ الهَوازِنيين،
وابنَ نُمَيرٍ في سراةِ الكِنْدِين،
وذا الكَلاعِ سَيِّدَ اليمانين،
وحابساً يَسْتَنُّ في الطائيين،
قالَ لِنَفْسِ السُّوءِ: هَلْ تَفِرِّين؟
لا خَمْسَ إِلا جَنْدَلُ الإِحَرِّين،
والخَمْسُ قد جَشَّمْنَكِ الأَمَرِّين،
جَمْزاً إِلى الكُوفةِ من قِنِّسْرِينْ
ويروى: قد تُجْشِمُكِ وقد يُجْشِمْنَكِ. وقال ابن سيده: معنى لا خمس ما
ورد في حديث صفين أَن معاوية زاد أَصحابه يوم صفين خمسمائة فلما
التَقَوْا بعد ذلك قال أَصحاب علي، رضوان الله عليه:
لا خمس إِلا جندل الإِحرِّين
أَرادوا: لا خمسمائة؛ والذي ذكره الخطابي أَن حَبَّةَ العُرَنيَّ قال:
شهدنا مع عليّ يوم الجَمَلِ فقسم ما في العسكر بيننا فأَصاب كل رجل منا
خمسمائة خمسمائة، فقال بعضهم يوم صفين الأَبيات. قال ابن الأَثير: ورواه
بعضهم لا خِمس، بكسر الخاء، من وِردِ الإِبل. قال: والفتح أَشبه بالحديث،
ومعناه ليس لك اليوم إِلا الحجارة والخيبة، والإِحَرِّينَ: جمع الحَرَّةِ.
قال بعض النحويين: إِن قال قائل ما بالهم قالوا في جمع حَرَّةٍ
وإِحَرَّةَ حَرُّونَ وإِــحَرُّون، وإِنما يفعل ذلك في المحذوف نحو ظُبَةٍ وثُبة،
وليست حَرَّة ولا إِحَرَّة مما حذف منه شيء من أُصوله، ولا هو بمنزلة أَرض
في أَنه مؤَنث بغير هاء؟ فالجواب: إِن الأَصل في إِحَرَّة إِحْرَرَةٌ،
وهي إِفْعَلَة، ثم إنهم كرهوا اجتماع حرفين متحركين من جنس واحد، فأَسكنوا
الأَوَّل منهما ونقلوا حركته إِلى ما قبله وأَدغموه في الذي بعده، فلما
دخل على الكلمة هذا الإِعلال والتوهين، عوّضوها منه أَن جمعوها بالواو
والنون فقالوا: إِــحَرُّونَ، ولما فعلوا ذلك في إِحَرَّة أَجروا عليها
حَرَّة، فقالوا: حَرُّونَ، وإِن لم يكن لحقها تغيير ولا حذف لأَنها أُخت
إِحَرَّة من لفظها ومعناها، وإِن شئت قلت: إِنهم قد أَدغموا عين حَرَّة في
لامها، وذلك ضرب من الإِعلال لحقها؛ وقال ثعلب: إِنما هو الأَحَرِّينَ، قال:
جاء به على أَحَرَّ كأَنه أَراد هذا الموضع الأَحَرَّ أَي الذي هو
أَحَرُّ من غيره فصيره كالأَكرمين والأَرحمين. والحَرَّةُ: أَرض بظاهر المدينة
بها حجارة سود كبيرة كانت بها وقعة. وفي حديث جابر: فكانت زيادة رسولُ
الله، صلى الله عليه وسلم، معي لا تفارقني حتى ذهبتْ مني يوم الحَرَّةِ؛
قال ابن الأَثير: قد تكرر ذكر الحرّة ويومها في الحديث وهو مشهور في
الإِسلام أَيام يزيد بن معاوية، لما انتهب المدينة عسكره من أَهل الشام الذين
ندبهم لقتال أَهل المدينة من الصحابة والتابعين، وأَمَّر عليهم مسلم بن
عقبة المرّي في ذي الحجة سنة ثلاث وستين وعقيبها هلك يزيد. وفي التهذيب:
الحَرَّة أَرض ذات حجارة سود نخرة كأَنما أُحرقت بالنار. وقال ابن شميل:
الحَرَّة الأَرض مسيرة ليلتين سريعتين أَو ثلاث فيها حجارة أَمثال الإِبل
البُروك كأَنما شُيِّطَتْ بالنار، وما تحتها أَرض غليظة من قاع ليس
بأَسود، وإِنما سوَّدها كثرة حجارتها وتدانيها. وقال ابن الأَعرابي: الحرّة
الرجلاء الصلبة الشديدة؛ وقال غيره: هي التي أَعلاها سود وأَسفلها بيض.
وقال أَبو عمرو: تكون الحرّة مستديرة فإِذا كان منها شيء مستطيلاً ليس بواسع
فذلك الكُرَاعُ. وأَرض حَرِّيَّة: رملية لينة. وبعير حَرِّيٌّ: يرعى في
الحَرَّةِ، وللعرب حِرارٌ معروفة ذوات عدد، حَرَّةُ النار لبني سُليم،
وهي تسمى أُم صَبَّار، وحَرَّة ليلَى وحرة راجِل وحرة واقِم بالمدينة وحرة
النار لبني عَبْس وحرة غَلاَّس؛ قال الشاعر:
لَدُنْ غُدْوَةٍ حتى استغاث شَريدُهُمْ،
بِحَرَّةِ غَلاَّسٍ وشِلْوٍ مُمزَّقِ
والحُرُّ، بالضم: نقيض العبد، والجمع أَحْرَارٌ وحِرارٌ؛ الأَخيرة عن
ابن جني. والحُرَّة: نقيض الأَمة، والجمع حَرائِرُ، شاذ؛ ومنه حديث عمر قال
للنساء اللاتي كنَّ يخرجن إِلى المسجد: لأَرُدَّنَّكُنَّ حَرائِرَ أَي
لأُلزمنكنّ البيوت فلا تخرجن إِلى المسجد لأَن الحجاب إِنما ضرب على
الحرائر دون الإِماء.
وحَرَّرَهُ: أَعتقه. وفي الحديث: من فعل كذا وكذا فله عَِدْلِ
مُحَرَّرٍ؛ أَي أَجر مُعْتَق؛ المحرَّر: الذي جُعل من العبيد حرّاً فأُعتق. يقال:
حَرَّ العبدُ يَحَرُّ حَرارَةً، بالفتح، أَي صار حُرّاً؛ ومنه حديث أَبي
هريرة: فأَنا أَبو هريرة المُحَرَّرُ أَي المُعْتَقُ، وحديث أَبي
الدرداء: شراركم الذين لا يُعْتَقُ مُحَرَّرُهم أَي أَنهم إِذا أَعتقوه استخدموه
فإِذا أَراد فراقهم ادَّعَوْا رِقَّهُ
(* قوله: «ادّعوا رقه» فهو محرر
في معنى مسترق. وقيل إِن العرب كانوا إِذا أَعتقوا عبداً باعوا ولاءه
ووهبوه وتناقلوه تناقل الملك، قال الشاعر:
فباعوه عبداً ثم باعوه معتقاً، * فليس له حتى الممات خلاص
كذا بهامش النهاية). وفي حديث أَبي بكر: فمنكم عَوْفٌ الذي يقال فيه لا
حُرَّ بوادي عوف؛ قال: هو عوف بنُ مُحَلِّمِ بن ذُهْلٍ الشَّيْباني، كان
يقال له ذلك لشرفه وعزه، وإِن من حل واديه من الناس كانوا له كالعبيد
والخَوَل، وسنذكر قصته في ترجمة عوف، وأَما ما ورد في حديث ابن عمر أَنه قال
لمعاوية: حاجتي عَطاءُ المُحَرَّرينَ، فإِن رسول الله، صلى الله عليه
وسلم، إِذا جاءه شيء لم يبدأْ بأَوّل منهم؛ أَراد بالمحرّرين الموالي وذلك
أَنهم قوم لا ديوان لهم وإِنما يدخلون في جملة مواليهم، والديوان إِنما
كان في بني هاشم ثم الذين يلونهم في القرابة والسابقة والإِيمان، وكان
هؤلاء مؤخرين في الذكر فذكرهم ابن عمر وتشفع في تقديم إِعطائهم لما علم من
ضعفهم وحاجتهم وتأَلفاً لهم على الإِسلام.
وتَحْرِيرُ الولد: أَن يفرده لطاعة الله عز وجل وخدمة المسجد. وقوله
تعالى: إِني نذرت لك ما في بطني مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ منِّي؛ قال الزجاج:
هذا قول امرأَة عمران ومعناه جعلته خادماً يخدم في مُتَعَبَّداتك، وكان
ذلك جائزاً لهم، وكان على أَولادهم فرضاً أَن يطيعوهم في نذرهم، فكان
الرجل ينذر في ولده أَن يكون خادماً يخدمهم في متعبدهم ولعُبَّادِهم، ولم يكن
ذلك النذر في النساء إِنما كان في الذكور، فلما ولدت امرأَة عمران مريم
قالت: رب إِني وضعتها أُنثى، وليست الأُنثى مما تصلح للنذر، فجعل الله من
الآيات في مريم لما أَراده من أَمر عيسى، عليه السلام، أَن جعلها
متقبَّلة في النذر فقال تعالى: فَتَقَبَّلَها رَبُّها بِقَبُولٍ حَسَنٍ.
والمُحَرَّرُ: النَّذِيرُ. والمُحَرَّرُ: النذيرة، وكان يفعل ذلك بنو
إِسرائيل، كان أَحدهم ربما ولد له ولد فربما حَرَّرَه أَي جعله نذيرة في
خدمة الكنيسة ما عاش لا يسعه تركها في دينه. وإِنه لَحُرٌّ: بَيِّنُ
الحُرِّية والحَرورَةِ والحَرُورِيَّةِ والحَرارَة والحَرارِ، بفتح الحاء؛
قال:فلو أَنْكِ في يوم الرَّخاء سأَلْتِني
فراقَكِ، لم أَبْخَلْ، وأَنتِ صَدِيقُ
فما رُدَّ تزوِيجٌ عليه شَهادَةٌ،
ولا رُدَّ من بَعْدِ الحَرارِ عَتِيقُ
والكاف في أَنك في موضع نصب لأَنه أَراد تثقيل أَن فخففها؛ قال شمر:
سمعت هذا البيت من شيخ باهلة وما علمت أَن أَحداً جاء به؛ وقال ثعلب: قال
أَعرابيّ ليس لها أَعْراقٌ في حَرارٍ ولكنْ أَعْراقُها في الإِماء.
والحُرُّ من الناس: أَخيارهم وأَفاضلهم. وحُرِّيَّةُ العرب: أَشرافهم؛ وقال ذو
الرمة:
فَصَارَ حَياً، وطَبَّقَ بَعْدَ خَوْفٍ
على حُرِّيَّةِ العَرَبِ الهُزالى
أَي على أَشرافهم. قال: والهزالَى مثل السُّكارى، وقيل: أَراد الهزال
بغير إِمالة؛ ويقال: هو من حُرِّيَةِ قومه أَي من خالصهم. والحُرُّ من كل
شيء: أَعْتَقُه. وفرس حُرٌّ: عَتِيقٌ. وحُرُّ الفاكهةِ: خِيارُها.
والحُرُّ: رُطَبُ الأَزَاذ. والحُرُّ: كلُّ شيء فاخِرٍ من شِعْرٍ أَو غيره.
وحُرُّ كل أَرض: وسَطُها وأَطيبها. والحُرَّةُ والحُرُّ: الطين الطَّيِّبُ؛
قال طرفة:
وتَبْسِمُ عن أَلْمَى كأَنَّ مُنَوِّراً،
تَخَلَّلَ حُرَّ الرَّمْلِ، دِعْصٌ له نَدُّ
وحُرُّ الرمل وحُرُّ الدار: وسطها وخيرها؛ قال طرفة أَيضاً:
تُعَيِّرُني طَوْفِي البِلادَ ورِحْلَتِي،
أَلا رُبَّ يومٍ لي سِوَى حُرّ دارِك
وطينٌ حُرٌّ: لا رمل فيه. ورملة حُرَّة: لا طين فيها، والجمع حَرائِرُ.
والحُرُّ: الفعل الحسن. يقال: ما هذا منك بِحُرٍّ أَي بِحَسَنٍ ولا جميل؛
قال طرفة:
لا يَكُنْ حُبُّكِ دَاءً قاتِلاً،
ليس هذا مِنْكِ، ماوِيَّ، بِحُرّ
أَي بفعل حسن. والحُرَّةُ: الكريمة من النساء؛ قال الأَعشى:
حُرَّةٌ طَفْلَةُ الأَنامِلِ تَرْتَبْـ
ـبُ سُخاماً، تَكُفُّه بِخِلالِ
قال الأَزهري: وأَما قول امرئ القيس:
لَعَمْرُكَ ما قَلْبِي إِلى أَهله بِحُرْ،
ولا مُقْصِرٍ، يوماً، فَيَأْتِيَنِي بِقُرْ
إِلى أَهله أَي صاحبه. بحرّ: بكريم لأَنه لا يصبر ولا يكف عن هواه؛
والمعنى أَن قلبه يَنْبُو عن أَهله ويَصْبُو إِلى غير أَهله فليس هو بكريم في
فعله؛ ويقال لأَوّل ليلة من الشهر: ليلةُ حُرَّةٍ، وليلةٌ حُرَّةٌ،
ولآخر ليلة: شَيْباءُ. وباتت فلانة بليلةِ حُرَّةٍ إِذا لم تُقْتَضَّ ليلة
زفافها ولم يقدر بعلها على اقْتِضاضِها؛ قال النابغة يصف نساء:
شُمْسٌ مَوانِعُ كلِّ ليلةٍ حُرَّةٍ،
يُخْلِفْنَ ظَنَّ الفاحِشِ المِغْيارِ
الأَزهري: الليث: يقال لليلة التي تزف فيها المرأَة إِلى زوجها فلا يقدر
فيها على اقْتضاضها ليلةُ حُرَّةٍ؛ يقال: باتت فلانةُ بليلة حُرَّةٍ؛
وقال غير الليث: فإِن اقْتَضَّها زوجها في الليلة التي زفت إِليه فهي
بِلَيْلَةٍ شَيْبَاءَ. وسحابةٌ حُرَّةٌ: بِكْرٌ يصفها بكثرة المطر. الجوهري:
الحُرَّةُ الكريمة؛ يقال: ناقة حُرَّةٌ وسحابة حُرَّة أَي كثيرة المطر؛
قال عنترة:
جادَتْ عليها كُلُّ بِكْرٍ حُرَّةٍ،
فَتَرَكْنَ كلَّ قَرارَةٍ كالدِّرْهَمِ
أَراد كل سحابة غزيرة المطر كريمة. وحُرُّ البَقْلِ والفاكهة والطين:
جَيِّدُها. وفي الحديث: ما رأَيت أَشْبَهَ برسولِ الله، صلى الله عليه
وسلم، من الحُسن إِلا أَن النبي، صلى الله عليه وسلم، كان أَحَرَّ حُسْناً
منه؛ يعني أَرَقَّ منه رِقَّةَ حُسْنٍ.
وأَحْرارُ البُقُول: ما أُكل غير مطبوخ، واحدها حُرٌّ؛ وقيل: هو ما
خَشُنَ منها، وهي ثلاثة: النَّفَلُ والحُرْبُثُ والقَفْعَاءُ؛ وقال أَبو
الهيثم: أَحْرَارُ البُقُول ما رَقَّ منها ورَطُبَ، وذُكُورُها ما غَلُظَ
منها وخَشُنَ؛ وقيل: الحُرُّ نبات من نجيل السِّباخِ.
وحُرُّ الوجه: ما أَقبل عليك منه؛ قال:
جَلا الحُزْنَ عن حُرِّ الوُجُوهِ فأَسْفَرَتْ،
وكان عليها هَبْوَةٌ لا تَبَلَّجُ
وقيل: حُرُّ الوجه مسايل أَربعة مدامع العينين من مقدّمهما ومؤخرهما؛
وقيل: حُرُّ الوجه الخَدُّ؛ ومنه يقال: لَطَمَ حُرَّ وجهه. وفي الحديث: أَن
رجلاً لطم وجه جارية فقال له: أَعَجَزَ عليك إِلاَّ حُرُّ وَجْهِها؟
والحُرَّةُ: الوَجْنَةُ. وحُرُّ الوجه: ما بدا من الوجنة. والحُرَّتانِ:
الأُذُنانِ؛ قال كعب بن زهير:
قَنْواءُ في حُرَّتَيْها، للبَصِير بها
عِتْقٌ مُبينٌ، وفي الخَدَّيْنِ تَسْهيلُ
وحُرَّةُ الذِّفْرَى: موضعُ مَجالِ القُرْطِ منها؛ وأَنشد:
في خُشَشَاوَيْ حُرَّةِ التَّحْرِيرِ
يعني حُرَّةَ الذِّفْرَى، وقيل: حُرَّةَ الذِّفْرَى صفة أَي أَنها حسنة
الذفرى أَسيلتها، يكون ذلك للمرأَة والناقة. والحُرُّ: سواد في ظاهر أُذن
الفرس؛ قال:
بَيِّنُ الحُرِّ ذو مِراحٍ سَبُوقُ
والحُرَّانِ: السَّودان في أَعلى الأُذنين. وفي قصيد كعب بن زهير:
قنواء في حرتيها
البيت؛ أَراد بالحرّتين الأُذنين كأَنه نسبها إِلى الحُرِّيَّةِ وكرم
الأَصل.
والحُرُّ: حَيَّة دقيقة مثل الجانِّ أَبيضُ، والجانُّ في هذه الصفة؛
وقيل: هو ولد الحية اللطيفة؛ قال الطرماح:
مُنْطَوٍ في جَوْفِ نامُوسِهِ،
كانْطِواءِ الحُرِّ بَيْنَ السِّلامْ
وزعموا أَنه الأَبيض من الحيات، وأَنكر ابن الأَعرابي اين يكون الحُرُّ
في هذا البيت الحية، وقال: الحرّ ههنا الصَّقْر؛ قال الأَزهري: وسأَلت
عنه أَعرابيّاً فصيحاً فقال مثل قول ابن الأَعرابي؛ وقيل: الحرّ الجانُّ من
الحيات، وعم بعضهم به الحية. والحُرُّ: طائر صغير؛ الأَزهري عن شمر:
يقال لهذا الطائر الذي يقال له بالعراق باذنجان لأَصْغَرِ ما يكونُ
جُمَيِّلُ حُرٍّ. والحُرُّ: الصقر، وقيل: هو طائر نحوه، وليس به، أَنْمَرُ
أَصْقَعُ قصير الذنب عظيم المنكبين والرأْس؛ وقيل: إِنه يضرب إِلى الخضرة وهو
يصيد. والحُرُّ: فرخ الحمام؛ وقيل: الذكر منها. وساقُ حُرٍّ: الذَّكَرُ من
القَمَارِيِّ؛ قال حميد بن ثور:
وما هاجَ هذا الشَّوْقَ إِلاَّ حَمامَةٌ،
دَعَتْ ساقَ حُرٍّ تَرْحَةً وتَرَنُّما
وقيل: الساق الحمام، وحُرٌّ فرخها؛ ويقال: ساقُ حُرٍّ صَوْتُ القَمارِي؛
ورواه أَبو عدنان: ساق حَرّ، بفتح الحاء، وهو طائر تسميه العرب ساق حرّ،
بفتح الحاء، لأَنه إِذا هَدَرَ كأَنه يقول: ساق حرّ، وبناه صَخْرُ
الغَيّ فجعل الاسمين اسماً واحداً فقال:
تُنادي سَاقَ حُرَّ، وظَلْتُ أَبْكي،
تَلِيدٌ ما أَبِينُ لها كلاما
وقيل: إِنما سمي ذكر القَماري ساقَ حُرٍّ لصوته كأَنه يقول: ساق حرّ ساق
حرّ، وهذا هو الذي جَرَّأَ صخر الغيّ على بنائه كما قال ابن سيده، وعلله
فقال: لأَن الأَصوات مبنية إِذ بنوا من الأَسماء ما ضارعها. وقال
الأَصمعي: ظن أَن ساق حر ولدها وإِنما هو صوتها؛ قال ابن جني: يشهد عندي بصحة
قول الأَصمعي أَنه لم يعرب ولو أَعرب لصرف ساق حر، فقال: سَاقَ حُرٍّ إِن
كان مضافاً، أَو ساقَ حُرّاً إِن كان مركباً فيصرفه لأَنه نكرة، فتركه
إِعرابه يدل على أَنه حكى الصوت بعينه وهو صياحه ساق حر ساق حر؛ وأَما قول
حميد بن ثور:
وما هاج هذا الشوقَ إِلا حمامةٌ،
دَعَتْ سَاقَ حُرٍّ تَرْحَةَ وتَرَنُّما
البيت؛ فلا يدل إِعرابه على أَنه ليس بصوت، ولكن الصوت قد يضاف أَوّله
إِلى آخره، وكذلك قولهم خازِ بازِ، وذلك أَنه في اللفظ أَشْبه بابَ دارٍ؛
قال والرواية الصحيحة في شعر حميد:
وما هاج هذا الشوقَ إِلا حمامةٌ،
دعت ساق حر في حمام تَرَنَّما
وقال أَبو عدنان: يعنون بساق حر لحن الحمامة. أَبو عمرو: الحَرَّةُ
البَثْرَةُ الصغيرة؛ والحُرُّ: ولد الظبي في بيت طرفة:
بين أَكْنافِ خُفَافٍ فاللِّوَى
مُخْرِفٌ، تَحْنُو لِرَخْص الظِّلْفِ، حُرّ
والحَرِيرَةُ بالنصب
(* قوله: «بالنصب» أراد به فتح الحاء): واحدة
الحرير من الثياب.
والحَرِيرُ: ثياب من إِبْرَيْسَمٍ.
والحَرِيرَةُ: الحَسَا من الدَّسَمِ والدقيق، وقيل: هو الدقيق الذي يطبخ
بلبن، وقال شمر: الحَرِيرة من الدقيق، والخَزِيرَةُ من النُّخَال؛ وقال
ابن الأَعرابي: هي العَصِيدَة ثم النَّخِيرَةُ ثم الحَرِيرَة ثم
الحَسْوُ. وفي حديث عمر: ذُرِّي وأَنا أَحَرُّ لك؛ يقول ذرِّي الدقيق لأَتخذ لك
منه حَرِيرَةً.
وحَرَّ الأَرض يَحَرُّها حَرّاً: سَوَّاها. والمِحَرُّ: شَبَحَةٌ فيها
أَسنان وفي طرفها نَقْرانِ يكون فيهما حبلان، وفي أَعلى الشبحة نقران
فيهما عُود معطوف، وفي وسطها عود يقبض عليه ثم يوثق بالثورين فتغرز الأَسنان
في الأَرض حتى تحمل ما أُثير من التراب إِلى أَن يأْتيا به المكان
المنخفض.
وتحرير الكتابة: إِقامة حروفها وإِصلاح السَّقَطِ. وتَحْرِيرُ الحساب:
إِثباته مستوياً لا غَلَثَ فيه ولا سَقَطَ ولا مَحْوَ. وتَحْرِيرُ الرقبة:
عتقها.
ابن الأَعرابي: الحَرَّةُ الظُّلمة الكثيرة، والحَرَّةُ: العذاب الموجع.
والحُرَّانِ: نجمان عن يمين الناظر إِلى الفَرْقَدَيْنِ إِذا انتصب
الفرقدان اعترضا، فإِذا اعترض الفرقدان انتصبا. والحُرَّانِ: الحُرُّ وأَخوه
أُبَيٌّ، قال: هما أَخوان وإِذا كان أَخوان أَو صاحبان وكان أَحدهما
أَشهر من الآخر سميا جميعاً باسم الأَشهر؛ قال المنخّل اليشكري:
أَلا مَنْ مُبْلِغُ الحُرَّيْنِ عَني
مُغَلْغَلَةً، وخصَّ بها أُبَيَّا
فإِن لم تَثْأَرَا لي مِنْ عِكَبٍّ،
فلا أَرْوَيْتُما أَبداً صَدَيَّا
يُطَوِّفُ بي عِكَبٌّ في مَعَدٍّ،
ويَطْعَنُ بالصُّمُلَّةِ في قَفَيَّا
قال: وسبب هذا الشعر أَن المتجرّدة امرأَة النعمان كانت تَهْوى المنخل
اليشكري، وكان يأْتيها إِذا ركب النعمان، فلاعبته يوماً بقيد جعلته في
رجله ورجلها، فدخل عليهما النعمان وهما على تلك الحال، فأَخذ المنخل ودفعه
إِلى عِكَبٍّ اللَّخْمِيّ صاحب سجنه، فتسلمه فجعل يطعن في قفاه
بالصُّمُلَّةِ، وهي حربة كانت في يده.
وحَرَّانُ: بلد معروف. قال الجوهري: حرَّان بلد بالجزيرة، هذا إِذا كان
فَعْلاناً فهو من هذا الباب، وإِن كان فَعَّالاً فهو من باب النون.
وحَرُوراءُ: موضع بظاهر الكوفة تنسب إِليه الحَرُورِيَّةُ من الخوارج
لأَنه كان أَوَّل اجتماعهم بها وتحكيمهم حين خالفوا عليّاً، وهو من نادر
معدول النسب، إِنما قياسه حَرُوراوِيٌّ؛ قال الجوهري: حَرُوراءُ اسم قرية،
يمد ويقصر، ويقال: حَرُورويٌّ بَيِّنُ الحَرُورِيَّةِ. ومنه حديث عائشة
وسُئِلَتْ عن قضاء صلاة الحائض فقالت: أَحَرُورِيَّةٌ أَنْتِ؟ هم
الحَرُورِيَّةُ من الخوارج الذين قاتلهم عَلِيٌّ، وكان عندهم من التشديد في الدين
ما هو معروف، فلما رأَت عائشة هذه المرأَة تشدّد في أَمر الحيض شبهتها
بالحرورية، وتشدّدهم في أَمرهم وكثرة مسائلهم وتعنتهم بها؛ وقيل: أَرادت
أَنها خالفت السنَّة وخرجت عن الجماعة كما خرجوا عن جماعة المسلمين. قال
الأَزهري: ورأَيت بالدَّهْناءِ رملة وَعْثَةً يقال لها رملةُ حَرُوراءَ.
وحَرِّيٌّ: اسم؛ ونَهْشَلُ بن حَرِّيٍّ. والحُرَّانُ: موضع؛ قال:
فَسَاقانُ فالحُرَّانُ فالصِّنْعُ فالرَّجا،
فَجَنْبَا حِمًى، فالخانِقان فَحَبْحَبُ
وحُرَّيَات: موضع؛ قال مليح:
فَراقَبْتُه حتى تَيامَنَ، واحْتَوَتْ
مطَِافِيلَ مِنْهُ حُرَّيَاتُ فأَغْرُبُ
والحَرِيرُ: فحل من فحول الخيل معروف؛ قال رؤبة:
عَرَفْتُ من ضَرْب الحَرِيرِ عِتْقا
فيه، إِذا السَّهْبُ بِهِنَّ ارْمَقَّا
الحَرِيرُ: جد هذا الفرس، وضَرْبُه: نَسْلُه.
وحَرِّ: زجْرٌ للمعز؛ قال:
شَمْطاءُ جاءت من بلادِ البَرِّ،
قد تَرَكَتْ حَيَّهْ، وقالت: حَرِّ
ثم أَمالتْ جانِبَ الخِمَرِّ،
عَمْداً، على جانِبِها الأَيْسَرِّ
قال: وحَيَّهْ زجر للضأْن، وفي المحكَم: وحَرِّ زجر للحمار، وأَنشد
الرجز.
وأَما الذي في أَشراط الساعة يُسْتَحَلُّ: الحِرُ والحَرِيرُ: قال ابن
الأَثير: هكذا ذكره أَبو موسى في حرف الحاء والراء وقال: الحِرُ، بتخفيف
الراء، الفرج وأَصله حِرْحٌ، بكسر الحاء وسكون الراء، ومنهم من يشدد
الراء، وليس بجيد، فعلى التخفيف يكون في حرح لا في حرر، قال: والمشهور في
رواية هذا الحديث على اختلاف طرقه يستحلُّون الخَزَّ، بالخاء والزاي، وهو ضرب
من ثياب الإِبريسم معروف، وكذا جاء في كتاب البخاري وأَبي داود، ولعله
حديث آخر كما ذكره أَبو موسى، وهو حافظ عارف بما روى وشرح فلا يتهم.
سحر: الأَزهري: السِّحْرُ عَمَلٌ تُقُرِّبَ فيه إِلى الشيطان وبمعونة
منه، كل ذلك الأَمر كينونة للسحر، ومن السحر الأُخْذَةُ التي تأْخُذُ
العينَ حتى يُظَنَّ أَن الأَمْرَ كما يُرَى وليس الأَصل على ما يُرى؛
والسِّحْرُ: الأُخْذَةُ. وكلُّ ما لَطُفَ مَأْخَذُه ودَقَّ، فهو سِحْرٌ، والجمع
أَسحارٌ وسُحُورٌ، وسَحَرَه يَسْحَرُه سَحْراً وسِحْراً وسَحَّرَه، ورجلٌ
ساحِرٌ من قوم سَحَرَةٍ وسُحَّارٍ، وسَحَّارٌ من قوم سَحَّارِينَ، ولا
يُكَسَّرُ؛ والسِّحْرُ: البيانُ في فِطْنَةٍ، كما جاء في الحديث: إِن قيس
بن عاصم المِنْقَرِيَّ والزَّبْرِقانَ بنَ بَدْرٍ وعَمْرَو بنَ الأَهْتَمِ
قدموا على النبي، صلى الله عليه وسلم، فسأَل النبيُّ، صلى الله عليه
وسلم، عَمْراً عن الزِّبْرِقانِ فأَثنى عليه خيراً فلم يرض الزبرقانُ بذلك،
وقال: والله يا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إِنه ليعلم أَنني أَفضل
مما قال ولكنه حَسَدَ مكاني منك؛ فَأَثْنَى عليه عَمْرٌو شرّاً ثم قال:
والله ما كذبت عليه في الأُولى ولا في الآخرة ولكنه أَرضاني فقلتُ بالرِّضا
ثم أَسْخَطَنِي فقلتُ بالسَّخْطِ، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم:
إِن من البيان لَسِحْراً؛ قال أَبو عبيد: كأَنَّ المعنى، والله أَعلم،
أَنه يَبْلُغُ من ثنائه أَنه يَمْدَحُ الإِنسانَ فَيَصْدُقُ فيه حتى
يَصْرِفَ القلوبَ إِلى قوله ثم يَذُمُّهُ فَيَصْدُق فيه حتى يَصْرِفَ القلوبَ
إلى قوله الآخر، فكأَنه قد سَحَرَ السامعين بذلك؛ وقال أَن الأَثير: يعني
إِن من البيان لسحراً أَي منه ما يصرف قلوب السامعين وإِن كان غير حق،
وقيل: معناه إِن من البيان ما يَكْسِبُ من الإِثم ما يكتسبه الساحر بسحره
فيكون في معرض الذمّ، ويجوز اين يكون في معرض المدح لأَنه تُسْتَمالُ به
القلوبُ ويَرْضَى به الساخطُ ويُسْتَنْزَلُ به الصَّعْبُ. قال الأَزهري:
وأَصل السِّحْرِ صَرْفُ الشيء عن حقيقته إِلى غيره فكأَنَّ الساحر لما
أَرَى الباطلَ في صورة الحق وخَيَّلَ الشيءَ على غير حقيقته، قد سحر الشيء
عن وجهه أَي صرفه. وقال الفراء في قوله تعالى: فَأَنَّى تُسْــحَرُون؛ معناه
فَأَنَّى تُصْرَفون؛ ومثله: فأَنى تؤْفكون؛ أُفِكَ وسُحِرَ سواء. وقال
يونس: تقول العرب للرجل ما سَحَرَك عن وجه كذا وكذا أَي ما صرفك عنه؟ وما
سَحَرَك عنا سَحْراً أَي ما صرفك؟ عن كراع، والمعروف: ما شَجَرَك
شَجْراً. وروى شمر عن ابن عائشة
(* قوله: «ابن عائشة» كذا بالأَصل وفي شرح
القاموس: ابن أبي عائشة). قال: العرب إِنما سمت السِّحْرَ سِحْراً لأَنه يزيل
الصحة إِلى المرض، وإِنما يقال سَحَرَه أَي أَزاله عن البغض إِلى الحب؛
وقال الكميت:
وقادَ إِليها الحُبَّ، فانْقادَ صَعْبُه
بِحُبٍّ من السِّحْرِ الحَلالِ التَّحَبُّبِ
يريد أَن غلبة حبها كالسحر وليس به لأَنه حب حلال، والحلال لا يكون
سحراً لأَن السحر كالخداع؛ قال شمر: وأَقرأَني ابن الأَعرابي للنابغة:
فَقالَتْ: يَمِينُ اللهِ أَفْعَلُ إِنَّنِي
رأَيتُك مَسْحُوراً، يَمِينُك فاجِرَه
قال: مسحوراً ذاهِبَ العقل مُفْسَداً. قال ابن سيده: وأَما قوله، صلى
الله عليه وسلم: من تَعَلَّمَ باباً من النجوم فقد تعلم باباً من السحر؛
فقد يكون على المعنى أَوَّل أَي أَن علم النجوم محرّم التعلم، وهو كفر، كما
أَن علم السحر كذلك، وقد يكون على المعنى الثاني أَي أَنه فطنة وحكمة،
وذلك ما أُدرك منه بطريق الحساب كالكسوف ونحوه، وبهذا علل الدينوري هذا
الحديث.
والسَّحْرُ والسحّارة: شيء يلعب به الصبيان إِذ مُدّ من جانب خرج على
لون، وإِذا مُدَّ من جانب آخر خرج على لون آخر مخالف، وكل ما أَشبه ذلك:
سَحَّارةٌ.
وسَحَرَه بالطعامِ والشراب يَسْحَرُه سَحْراً وسَحَّرَه: غذَّاه
وعَلَّلَه، وقيل: خَدَعَه. والسِّحْرُ: الغِذاءُ؛ قال امرؤ القيس:
أُرانا مُوضِعِينَ لأَمْرِ غَيْبٍ،
ونُسْحَرُ بالطَّعامِ وبالشَّرابِ
عَصافِيرٌ وذِبَّانٌ ودُودٌ،
وأَجْرَأُ مِنْ مُجَلِّجَةِ الذِّئَابِ
أَي نُغَذَّى أَو نُخْدَعْ. قال ابن بري: وقوله مُوضِعين أَي مسرعين،
وقوله: لأَمْرِ غَيْبٍ يريد الموت وأَنه قد غُيِّبَ عنا وَقْتُه ونحن
نُلْهَى عنه بالطعام والشراب. والسِّحْرُ: الخديعة؛ وقول لبيد:
فَإِنْ تَسْأَلِينَا: فِيمَ نحْنُ؟ فإِنَّنا
عَصافيرُ من هذا الأَنَامِ المُسَحَّرِ
يكون على الوجهين. وقوله تعالى: إِنما أَنتَ من المُسَحَّرِين؛ يكون من
التغذية والخديعة. وقال الفراء: إِنما أَنت من المسحرين، قالوا لنبي
الله: لست بِمَلَكٍ إِنما أَنت بشر مثلنا. قال: والمُسَحَّرُ المُجَوَّفُ
كأَنه، والله أَعلم، أُخذ من قولك انتفخ سَحْرُكَ أَي أَنك تأْكل الطعام
والشراب فَتُعَلَّلُ به، وقيل: من المسحرين أَي ممن سُحِرَ مرة بعد مرة.
وحكى الأَزهري عن بعض أَهل اللغة في قوله تعالى: أَن تتبعون إِلا رجلاً
مسحوراً، قولين: أَحدهما إِنه ذو سَحَرٍ مثلنا، والثاني إِنه سُحِرَ وأُزيل
عن حد الاستواء. وقوله تعالى: يا أَيها السَّاحِرُ ادْعُ لنا ربك بما
عَهِدَ عندك إِننا لمهتدون؛ يقول القائل: كيف قالوا لموسى يا أَيها الساحر
وهم يزعمون أَنهم مهتدون؟ والجواب في ذلك أَن الساحر عندهم كان نعتاً
محموداً، والسِّحْرُ كان علماً مرغوباً فيه، فقالوا له يا أَيها الساحر على
جهة التعظيم له، وخاطبوه بما تقدم له عندهم من التسمية بالساحر، إِذ جاء
بالمعجزات التي لم يعهدوا مثلها، ولم يكن السحر عندهم كفراً ولا كان مما
يتعايرون به، ولذلك قالوا له يا أَيها الساحر. والساحرُ: العالِمُ.
والسِّحْرُ: الفسادُ. وطعامٌ مسحورٌ إِذا أُفْسِدَ عَمَلُه، وقيل: طعام مسحور
مفسود؛ عن ثعلب. قال ابن سيده: هكذا حكاه مفسود لا أَدري أَهو على طرح
الزائد أَم فَسَدْتُه لغة أَم هو خطأٌ. ونَبْتٌ مَسْحور: مفسود؛ هكذا حكاه
أَيضاً الأَزهري. أَرض مسحورة: أَصابها من المطر أَكثرُ مما ينبغي
فأَفسدها. وغَيْثٌ ذو سِحْرٍ إِذا كان ماؤه أَكثر مما ينبغي. وسَحَرَ المطرُ
الطينَ والترابَ سَحْراً: أَفسده فلم يصلح للعمل؛ ابن شميل: يقال للأَرض التي
ليس بها نبت إِنما هي قاعٌ قَرَقُوسٌ. أَرض مسحورة
(* قوله: «أرض مسحورة
إلخ» كذا بالأصل. وعبارة الأساس: وعنز مسحورة قليلة اللبن وأرض مسحورة
لا تنبت): قليلةُ اللَّبَنِ. وقال: إِن اللَّسَقَ يَسْحَرُ أَلبانَ الغنم،
وهو أَن ينزل اللبن قبل الولاد.
والسَّحْر والسحَر: آخر الليل قُبَيْل الصبح، والجمع أَسحارٌ.
والسُّحْرَةُ: السَّحَرُ، وقيل: أَعلى السَّحَرِ، وقيل: هو من ثلث الآخِر إِلى
طلوع الفجر. يقال: لقيته بسُحْرة، ولقيته سُحرةً وسُحْرَةَ يا هذا، ولقيته
سَحَراً وسَحَرَ، بلا تنوين، ولقيته بالسَّحَر الأَعْلى، ولقيته بأَعْلى
سَحَرَيْن وأَعلى السَّحَرَين، فأَما قول العجاج:
غَدَا بأَعلى سَحَرٍ وأَحْرَسَا
فهو خطأٌ، كان ينبغي له أَن يقول: بأَعلى سَحَرَيْنِ، لأَنه أَوَّل
تنفُّس الصبح، كما قال الراجز:
مَرَّتْ بأَعلى سَحَرَيْنِ تَدْأَلُ
ولقيتُه سَحَرِيَّ هذه الليلة وسَحَرِيَّتَها؛ قال:
في ليلةٍ لا نَحْسَ في
سَحَرِيِّها وعِشائِها
أَراد: ولا عشائها. الأَزهري: السَّحَرُ قطعة من الليل.
وأَسحَرَ القومُ: صاروا في السَّحَر، كقولك: أَصبحوا. وأَسحَرُوا
واستَحَرُوا: خرجوا في السَّحَر. واسْتَحَرْنا أَي صرنا في ذلك الوقتِ،
ونَهَضْنا لِنَسير في ذلك الوقت؛ ومنه قول زهير:
بَكَرْنَ بُكُوراً واستَحَرْنَ بِسُحْرَةٍ
وتقول: لَقِيتُه سَحَرَ يا هذا إِذا أَردتَ به سَحَر ليلَتِك، لم تصرفه
لأَنه معدول عن الأَلف واللام وهو معرفة، وقد غلب عليه التعريفُ بغير
إِضافة ولا أَلف ولا لام كما غلب ابن الزبير على واحد من بنيه، وإِذا
نكَّرْتَ سَحَر صرفتَه، كما قال تعالى: إِلاَّ آلَ لُوط نجيناهم بِسَحَرٍ؛
أَجراهُ لأَنه نكرةٌ، كقولك نجيناهم بليل؛ قال: فإِذا أَلقَتِ العربُ منه
الباءَ لم يجروه فقالوا: فعلت هذا سَحَرَ يا فتى، وكأَنهم في تركهم إِجراءه
أَن كلامهم كان فيه بالأَلف واللام فجرى على ذلك، فلما حذفت منه الأَلف
واللام وفيه نيتهما لم يصرف، وكلامُ العرب أَن يقولوا: ما زال عندنا
مُنْذُ السَّحَرِ، لا يكادون يقولون غيره. وقال الزجاج، وهو قول سيبويه:
سَحَرٌ إِذا كان نكرة يراد سَحَرٌ من الأَسحار انصرف، تقول: أَتيت زيداً
سَحَراً من الأَسحار، فإِذا أَردت سَحَرَ يومك قلت: أَتيته سَحَرَ يا هذا،
وأَتيته بِسَحَرَ يا هذا؛ قال الأَزهري: والقياس ما قاله سيبويه. وتقول:
سِرْ على فرسك سَحَرَ يا فتى فلا ترفعه لأَنه ظرف غير متمكن، وإِن سميت
بسَحَر رجلاً أَو صغرته انصرف لأَنه ليس على وزن المعدول كَأُخَرَ، تقول:
سِرْ على فرسك سُحَيْراً وإِنما لم ترفعه لأَن التصير لم يُدْخِله في الظروف
المتمكنة كما أَدخله في الأَسماء المنصرفة؛ قال الأَزهري: وقول ذي الرمة
يصف فلاة:
مُغَمِّض أَسحارِ الخُبُوتِ إِذا اكْتَسَى،
مِن الآلِ، جُلأً نازحَ الماءِ مُقْفِر
قيل: أَسحار الفلاة أَطرافها. وسَحَرُ كل شيء: طَرَفُه. شبه بأَسحار
الليالي وهي أَطراف مآخرها؛ أَراد مغمض أَطراف خبوته فأَدخل الأَلف واللام
فقاما مقام الإِضافة.
وسَحَرُ الوادي: أَعلاه. الأَزهري: سَحَرَ إِذا تباعد، وسَحَرَ خَدَعَ،
وسَحِرَ بَكَّرَ.
واستَحَرَ الطائرُ: غَرَّد بسَحَرٍ؛ قال امرؤ القيس:
كَأَنَّ المُدَامَ وصَوْبَ الغَمامِ،
وريحَ الخُزامَى ونَشْرَ القُطُرْ،
يُعَلُّ به بَرْدُ أَنيابِها،
إِذا طَرَّبَ الطائِرُ المُسْتَحِرْ
والسَّحُور: طعامُ السَّحَرِ وشرابُه. قال الأَزهري: السَّحور ما
يُتَسَحَّرُ به وقت السَّحَرِ من طعام أَو لبن أَو سويق وضع اسماً لما يؤكل ذلك
الوقت؛ وقد تسحر الرجل ذلك الطعام أَي أَكله، وقد تكرر ذكر السَّحور في
الحديث في غير موضع؛ قال ابن الأَثير: هو بالفتح اسم ما يتسحر به من
الطعام والشراب، وبالضم المصدر والفعل نفسه، وأَكثر ما روي بالفتح؛ وقيل:
الصواب بالضم لأَنه بالفتح الطعام والبركة، والأَجر والثواب في الفعل لا في
الطعام؛ وَتَسَحَّرَ: أَكل السَّحورَ.
والسَّحْرُ والسَّحَرُ والسُّحْرُ: ما التزق بالحلقوم والمَرِيء من
أَعلى البطن. ويقال للجبان: قد انتفخ سَحْرُه، ويقال ذلك أَيضاً لمن تعدّى
طَوْرَه. قال الليث: إِذا نَزَتْ بالرجل البِطْنَةُ يقال: انتفخ سَحْرُه،
معناه عَدَا طَوْرَهُ وجاوز قدرَه؛ قال الأَزهري: هذا خطأٌ إِنما يقال
انتفخ سَحْرُه للجبان الذي مَلأَ الخوف جوفه، فانتفخ السَّحْرُ وهو الرئة
حتى رفع القلبَ اإلى الحُلْقوم، ومنه قوله تعالى: وبلغت القلوبُ الحناجرَ
وتظنون بالله الظنون، وكذلك قوله: وأَنْذِرْهُمْ يومَ الآزفة إِذ القلوبُ
لَدَى الحناجر؛ كلُّ هذا يدل على أَن انتفاخ السَّحْر مَثَلٌ لشدّة الخوف
وتمكن الفزع وأَنه لا يكون من البطنة؛ ومنه قولهم للأَرنب:
المُقَطَّعَةُ الأَسحارِ، والمقطعة السُّحُورِ، والمقطعةُ النِّياط، وهو على التفاؤل،
أَي سَحْرُه يُقَطَّعُ على هذا الاسم. وفي المتأَخرين من يقول:
المُقَطِّعَة، بكسر الطاء، أَي من سرعتها وشدة عدوها كأَنها تُقَطَّعُ سَحْرَها
ونِياطَها. وفي حديث أَبي جهل يوم بدر: قال لِعُتْبَةَ بن ربيعة انتَفَخَ
سَحْرُك أَي رِئَتُك؛ يقال ذلك للجبان وكلِّ ذي سَحْرٍ مُسَحَّرٍ.
والسَّحْرُ أَيضاً: الرئة، والجمع أَسحارٌ وسُحُرٌ وسُحُورٌ؛ قال
الكميت:وأَربط ذي مسامع، أَنتَ، جأْشا،
إِذا انتفخت من الوَهَلِ السُّحورُ
وقد يحرك فيقال سَحَرٌ مثال نَهْرٍ ونَهَرٍ لمكان حروف الحلق.
والسَّحْرُ أَيضاً: الكبد. والسَّحْرُ: سوادُ القلب ونواحيه، وقيل: هو القلب، وهو
السُّحْرَةُ أَيضاً؛ قال:
وإِني امْرُؤٌ لم تَشْعُرِ الجُبْنَ سُحْرَتي،
إِذا ما انطَوَى مِنِّي الفُؤادُ على حِقْدِ
وفي حديث عائشة، رضي الله عنها: مات رسول الله،صلى الله عليه وسلم، بين
سَحْرِي ونَحْرِي؛ السَّحْرُ الرئة، أَي مات رسول الله، «صلى الله عليه
وسلم»،وهو مستند إِلى صدرها وما يحاذي سَحْرَها منه؛ وحكى القتيبي عن
بعضهم أَنه بالشين المعجمة والجيم، وأَنه سئل عن ذلك فشبك بين أَصابعه
وقدّمها عن صدره، وكأَنه يضم شيئاً إِليه، أَي أَنه مات وقد ضمته بيديها إِلى
نحرها وصدرها، رضي الله عنها والشَّجْرُ: التشبيك، وهو الذَّقَنُ أَيضاً،
والمحفوظ الأَوَّل، وسنذكره في موضعه. وسَحَرَه، فهو مسحور وسَحِيرٌ:
أَصاب سَحْرَه أَو سُحْرَه أَو سُحْرَتَه
(* قوله: «أو سحرته» كذا ضبط
الأصل. وفي القاموس وشرحه السحر، بفتح السكون وقد يحرك ويضم فهي ثلاث لغات
وزاد الخفاجي بكسر فسكون اهـ بتصرف).
ورجلٌ سَحِرٌ وسَحِيرٌ: انقطع سَحْرُه، وهو رئته، فإِذا أَصابه منه
السِّلُّ وذهب لحمه، فهو سَحِيرٌ وسَحِرٌ؛ قال العجاج:
وغِلْمَتِي منهم سَحِيرٌ وسَحِرْ،
وقائمٌ من جَذْبِ دَلْوَيْها هَجِرْ
سَحِرَ: انقطع سَحْرُه من جذبه بالدلو؛ وفي المحكم؛
وآبق من جذب دلويها
وهَجِرٌ وهَجِيرٌ: يمشي مُثْقَلاً متقارب الخَطْوِ كأَن به هِجَاراً لا
ينبسط مما به من الشر والبلاء. والسُّحَارَةُ: السَّحْرُ وما تعلق به مما
ينتزعه القَصَّابُ؛ وقوله:
أَيَذْهَبُ ما جَمَعْتَ صَرِيمَ سَحْرِ؟
ظَلِيفاً؟ إِنَّ ذا لَهْوَ العَجِيبُ
معناه: مصروم الرئة مقطوعها؛ وكل ما يَبِسَ منه، فهو صَرِيمُ سَحْرٍ؛
أَنشد ثعلب:
تقولُ ظَعِينَتِي لَمَّا استَقَلَّتْ:
أَتَتْرُكُ ما جَمَعْتَ صَرِيمَ سَحْرِ؟
وصُرِمَ سَحْرُه: انقطع رجاؤه، وقد فسر صَريم سَحْرٍ بأَنه المقطوع
الرجاء. وفرس سَحِيرٌ: عظيم الجَوْفِ. والسَّحْرُ والسُّحْرةُ: بياض يعلو
السوادَ، يقال بالسين والصاد، إِلاَّ أَن السين أَكثر ما يستعمل في سَحَر
الصبح، والصاد في الأَلوان، يقال: حمار أَصْحَرُ وأَتان صَحراءُ.
والإِسحارُّ والأَسْحارُّ: بَقْلٌ يَسْمَنُ عليه المال، واحدته إِسْحارَّةٌ
وأَسْحارَّةٌ. قال أَبو حنيفة: سمعت أَعرابيّاً يقول السِّحارُ فطرح الأَلف
وخفف الراء وزعم أَن نباته يشبه الفُجْلَ غير أَن لا فُجْلَةَ له، وهو
خَشِنٌ يرتفع في وسطه قَصَبَةٌ في رأْسها كُعْبُرَةٌ ككُعْبُرَةِ الفُجْلَةِ،
فيها حَبٌّ له دُهْنٌ يؤكل ويتداوى به، وفي ورقه حُروفَةٌ؛ قال: وهذا قول
ابن الأَعرابي، قال: ولا أَدري أَهو الإِسْحارّ أَم غيره. الأَزهري عن
النضر: الإِسحارَّةُ والأَسحارَّةُ بقلة حارَّة تنبت على ساق، لها ورق
صغار، لها حبة سوداء كأَنها الشِّهْنِيزَةُ.
غبس: الغَبَس والغُبْسَة: لَوْن الرَّماد، وهو بياض فيه كُدْرة، وقد
أَغْبَسَ. وذئب أَغْبَس إِذا كان ذلك لَونَه، وقيل: كل ذئب أَغبَس؛ وفي حديث
الأَعشى:
كالذِّئْبَةِ الغَبْساء في ظِلِّ السَّرَبْ
أَي الغبراء؛ وقيل: الأَغْبَس من الذئاب الخَفِيف الحَريص، وأَصله من
اللَّون. والوَرْدُ الأَغْبَس من الخَيْل: هو الذي تدعون الأَعاجم
السَّمَنْد.
اللحياني: يقال غَبَس وغَبَش لوقت الغَلَس، وأَصله من الغُبْسة. وهو
لوْن بين السواد والصُّفرة. وحمار أَغْبَس إِذا كان أَدْلَم. وغَبَسُ الليل:
ظلامُه من أَوله، وغَبَشه من آخره. وقال يعقوب: الغَبَس والغَبَش سواء،
حكاه في المُبْدَل؛ وأَنشد:
ونِعْمَ مَلْقى الرِّجالِ مَنْزِلُهم،
ونِعْمَ مأْوى الضَّريكِ في الغَبَسِ
تُصْدِرُ وُرَّادَهُمْ عِساسُهُمُ،
ويَنْــحَرُون العِشار في المَلَسِ
يعني أَن لَبَنهم كثير يكفي الأَضياف حتى يُصدِرَهم، ويَنْــحَرُون مع ذلك
العِشارَ، وهي التي أَتى عليها من حَمْلِها عشرة أَشهر، فيقول: من
سَخائهم يَنــحرُون العِشار التي قد قرُب نَتاجُها.
وغَبَسَ الليل وأَغْبَس: أَظلم. وفي حديث أَبي بكر ابن عبد اللَّه: إِذا
استقبلوك يوم الجُمُعَة فاستقْبِلهم حتى تَغْبِسَها حتى لا تَعُود أَن
تَخَلَّفَ: يعني إِذا مَضَيْت إِلى الجمعة فلقِيت الناس وقد فَرَغُوا من
الصَّلاة فاسْتقبِلْهم بوجهك حتى تُسَوِّده حَياء منهم كي لا تتأَخر بعد
ذلك، والهاء في تَغْبِيسهَا ضمير الغُرَّة أَو الطَّلْعَة. والغُبْسَة:
لَون الرَّماد. ولا أَفعله سَجِيسَ غُبَيْس الأَوْجَس أَي أَبد الدهر.
وقولهم: لا آتيك ما غَبا غُبَيْس أَي ما بقي الدهر؛ قال ابن الأَعرابي: ما
أَدري ما أَصله؛ وأَنشد الأُموي:
وفي بَني أُمِّ زُبَيْرٍ كَيْسُ،
على الطَّعام، ما غَبا غُبَيْسُ
أَي فيهم جُود. وما غَبا غُبَيْس: ظرف من الزمان. وقال بعضهم: أَصله
الذئب. وغُبَيْس: تصغير أَغْبَس مُرَخَّماً. وغَبا: أَصله غَبَّ فأَبدل من
أَحد حَرْفَي التضعيف الأَلِف مثل تَقَضَّى أَصله تَقَضَّض؛ يقول: لا
أَتِيك ما دام الذئب يأْتي الغَنم غِبًّا.
غرر: غرّه يغُرُّه غَرًّا وغُروراً وغِرّة؛ الأَخيرة عن اللحياني، فهو
مَغرور وغرير: خدعه وأَطعمه بالباطل؛ قال:
إِن امْرَأً غَرّه منكن واحدةٌ،
بَعْدِي وبعدَكِ في الدنيا، لمغرور
أَراد لمغرور جدًّا أَو لمغرور جِدَّ مغرورٍ وحَقَّ مغرورٍ، ولولا ذلك
لم يكن في الكلام فائدة لأَنه قد علم أَن كل من غُرّ فهو مَغْرور، فأَيُّ
فائدة في قوله لمغرور، إِنما هو على ما فسر. واغْتَرَّ هو: قَبِلَ
الغُرورَ. وأَنا غَرَرٌ منك، أَي مغرور وأَنا غَرِيرُك من هذا أَي أَنا الذي
غَرَّك منه أَي لم يكن الأَمر على ما تُحِبّ. وفي الحديث: المؤمِنُ غِرٌّ
كريم أَي ليس بذي نُكْر، فهو ينْخَدِع لانقياده ولِينِه، وهو ضد الخَبّ.
يقال: فتى غِرٌّ، وفتاة غِرٌّ، وقد غَرِرْتَ تَغَرُّ غَرارةً؛ يريد أَن
المؤمن المحمودَ منْ طَبْعُه الغَرارةُ وقلةُ الفطنة للشرّ وتركُ البحث
عنه، وليس ذلك منه جهلاً، ولكنه كَرَمٌ وحسن خُلُق؛ ومنه حديث الجنة:
يَدْخُلُني غِرّةُ الناس أَي البُلْه الذين لم يُجَرِّبوا الأُمور فهم قليلو
الشرِّ منقادون، فإِنَ منْ آثرَ الخمولَ وإِصلاحَ نفسه والتزوُّدَ لمعاده
ونَبَذَ أُمور الدنيا فليس غِرًّا فيما قَصَد له ولا مذموماً بنوع من
الذم؛ وقول طرفة:
أَبا مُنْذِرٍ، كانت غُروراً صَحِيفتي،
ولم أُعْطِكم، في الطَّوْعِ، مالي ولا عِرْضِي
إِنما أَراد: ذات غُرورٍ لا تكون إِلا على ذلك. قاله ابن سيده قال: لأَن
الغُرور عرض والصحيفة جوهر والجوهر لا يكون عرضاً.
والغَرورُ: ما غَرّك من إِنسان وشيطان وغيرهما؛ وخص يعقوب به الشيطان.
وقوله تعالى: ولا يغُرَّنَّكم بالله الغَرور؛ قيل: الغَرور الشيطان، قال
الزجاج: ويجوز الغُرور، بضم الغين، وقال في تفسيره: الغُرور الأَباطيل،
ويجوز أَن يكون الغُرور جمع غارٍّ مثل شاهد وشُهود وقاعد وقُعود، والغُرور،
بالضم: ما اغْتُرَّ به من متاع الدنيا. وفي التنزيل العزيز: لا
تَغُرَّنَّكم الحياةُ الدنيا؛ يقول: لا تَغُرَّنَّكم الدنيا فإِن كان لكم حظ فيها
يَنْقُص من دينكم فلا تُؤْثِروا ذلك الحظّ ولا يغرَّنَّكم بالله الغَرُور.
والغَرُور: الشيطان يَغُرُّ الناس بالوعد الكاذب والتَّمْنِية. وقال
الأَصمعي: الغُرور الذي يَغُرُّك. والغُرور، بالضم: الأَباطيل، كأَنها جمع
غَرٍّ مصدر غَرَرْتُه غَرًّا، قال: وهو أَحسن من أَن يجعل غَرَرْت غُروراً
لأَن المتعدي من الأَفعال لا تكاد تقع مصادرها على فُعول إِلا شاذّاً، وقد
قال الفراء: غَرَرْتُه غُروراً، قال: وقوله: ولا يَغُرّنّكم بالله
الغَرور، يريد به زينة الأَشياء في الدنيا. والغَرُور: الدنيا، صفة غالبة. أَبو
إِسحق في قوله تعالى: يا أَيها الإِنسان ما غَرَّكَ بربِّك الكريم؛ أَي
ما خدَعَك وسوَّل لك حتى أَضَعْتَ ما وجب عليك؛ وقال غيره: ما غرّك أَي ما
خدعك بربِّك وحملك على معصِيته والأَمْنِ من عقابه فزيَّن لك المعاصي
والأَمانيَّ الكاذبة فارتكبت الكبائر، ولم تَخَفْه وأَمِنْت عذابه، وهذا
توبيخ وتبكيت للعبد الذي يأْمَنُ مكرَ ولا يخافه؛ وقال الأَصمعي: ما
غَرَّك بفلان أَي كيف اجترأْت عليه. ومَنْ غَرَّك مِنْ فلان ومَنْ غَرَّك
بفلان أَي من أَوْطأَك منه عَشْوةً في أَمر فلان؛ وأَنشد أَبو الهيثم:
أَغَرَّ هشاماً، من أَخيه ابن أُمِّه،
قَوادِمُ ضَأْنٍ يَسَّرَت ورَبيعُ
قال: يريد أَجْسَرَه على فراق أَخيه لأُمِّه كثرةُ غنمِه وأَلبانِها،
قال: والقوادم والأَواخر في الأَخْلاف لا تكون في ضروع الضأْن لأَن للضأْن
والمعز خِلْفَيْنِ مُتحاذِيَينِ وما له أَربعة أَخلاف غيرهما،
والقادِمان: الخِلْفان اللذان يَليان البطن والآخِران اللذان يليان الذَّنَب فصيّره
مثلاً للضأْن، ثم قال: أَغرّ هشاماً لضأْن
(*قوله« لضأْن» هكذا بالأصل
ولعله قوادم لضأن) .له يَسَّرت وظن أَنه قد استغنى عن أَخيه وقال أَبو
عبيد: الغَرير المَغْرور. وفي حديث سارِق أَبي بكر، رضي اللَّه عنه:
عَجِبْتُ مِن غِرّتِه بالله عز وجل أَي اغترارِه.
والغَرارة من الغِرِّ، والغِرّة من الغارّ، والتَّغرّة من التَّغْرير،
والغارّ: الغافل. التهذيب: وفي حديث عمر، رضي اللَّه عنه: أَيّما رجل
بايعَ آخَرَ على مشورة
(* قوله « على مشورة» هو هكذا في الأصل، ولعله على غير
مشورة. وفي النهاية بايع آخر فانه لا يؤمر إلخ) . فإِنه لا يُؤَمَّرُ
واحدٌ منهما تَغرَّةَ أَن يُقْتَلا؛ التَّغرَّة مصدر غَرَرْته إِذا أَلقيته
في الغَرَر وهو من التَّغْرير كالتَّعِلّة من التعليل؛ قال ابن الأَثير:
وفي الكلام مضاف محذوف تقديره خوف تَغرَّةٍ في أَن يُقْتَلا أَي خوف
وقوعهما في القتل فحَذَف المضافَ الذي هو الخوف وأَقام المضاف إِليه الذي هو
ثَغِرّة مقامه، وانتصب على أَنه مفعول له، ويجوز أَن يكون قوله أَن
يُقْتَلا بدلاً من تَغِرّة، ويكون المضاف محذوفاً كالأَول، ومن أَضاف ثَغِرّة
إِلى أَن يُقْتَلا فمعناه خوف تَغِرَّةِ قَتْلِهما؛ ومعنى الحديث: أَن
البيعة حقها أَن تقع صادرة عن المَشُورة والاتفاقِ، فإِذا اسْتبدَّ رجلان
دون الجماعة فبايَع أَحدُهما الآخرَ، فذلك تَظاهُرٌ منهما بشَقّ العصا
واطِّراح الجماعة، فإِن عُقدَ لأَحد بيعةٌ فلا يكون المعقودُ له واحداً
منهما، وليْكونا معزولين من الطائفة التي تتفق على تمييز الإِمام منها،
لأَنه لو عُقِد لواحد منهما وقد ارتكبا تلك الفَعْلة الشنيعة التي أَحْفَظَت
الجماعة من التهاوُن بهم والاستغناء عن رأْيهم، لم يُؤْمَن أَن يُقْتلا؛
هذا قول ابن الأَثير، وهو مختصر قول الأَزهري، فإِنه يقول: لا يُبايع
الرجل إِلا بعد مشاورة الملإِ من أَشراف الناس واتفاقهم، ثم قال: ومن بايع
رجلاً عن غير اتفاق من الملإِ لم يؤمَّرْ واحدٌ منهما تَغرّةً بمكر
المؤمَّر منهما، لئلا يُقْتَلا أَو أَحدهما، ونَصب تَغِرّة لأَنه مفعول له وإِن
شئت مفعول من أَجله؛ وقوله: أَن يقتلا أَي حِذارَ أَن يقتلا وكراهةَ أَن
يقتلا؛ قال الأَزهري: وما علمت أَحداً فسر من حديث عمر، رضي الله عنه، ما
فسرته، فافهمه.
والغَرِير: الكفيل. وأَنا غَرِير فلان أَي كفيله. وأَنا غَرِيرُك من
فلان أَي أُحذِّرُكَه، وقال أَبو نصر في كتاب الأَجناس: أَي لن يأْتيك منه
ما تَغْتَرُّ به، كأَنه قال: أَنا القيم لك بذلك. قال أَبو منصور: كأَنه
قال أَنا الكفيل لك بذلك؛ وأَنشد الأَصمعي في الغَرِير الكفيل رواه ثعلب
عن أَبي نصر عنه قال:
أَنت لخيرِ أُمّةٍ مُجيرُها،
وأَنت مما ساءها غَرِيرُها
أَبو زيد في كتاب الأَمثال قال: ومن أَمثالهم في الخِبْرة ولعلم: أَنا
غَرِيرُك من هذا الأَمر أَي اغْترَّني فسلني منه على غِرّةٍ أَي أَني عالم
به، فمتى سأَلتني عنه أَخبرتك به من غير استعداد لذلك ولا روِيّة فيه.
وقال الأَصمعي في هذا المثل: معناه أَنك لستَ بمغرور مني لكنِّي أَنا
المَغْرور، وذلك أَنه بلغني خبرٌ كان باطلاً فأَخْبَرْتُك به، ولم يكن على ما
قلتُ لك وإِنما أَدَّيت ما سمعتُ. وقال أَبو زيد: سمعت أَعرابيا يقول
لآخر: أَنا غريرك مِن تقولَ ذلك، يقول من أَن تقول ذلك، قال: ومعناه
اغْترَّني فسَلْني عن خبره فإِني عالم به أُخبرك عن أمره على الحق والصدق. قال:
الغُرور الباطل؛ وما اغْتَرَرْتَ به من شيء، فهو غَرُور. وغَرَّرَ بنفسه
ومالِه تَغْريراً وتَغِرّةً: عرَّضهما للهَلَكةِ من غير أَن يَعْرِف،
والاسم الغَرَرُ، والغَرَرُ الخَطَرُ. ونهى رسول اللَّه ،صلى الله عليه
وسلم، عن بيع الغَرَرِ
وهو مثل بيع السمك في الماء والطير في الهواء. والتَّغْرير: حمل النفس
على الغَرَرِ، وقد غرَّرَ بنفسه تَغْرِيراً وتَغِرّة كما يقال حَلَّل
تَحْلِيلاً وتَحِلَّة وعَلّل تَعِْليلاً وتَعِلّة، وقيل: بَيْعُ الغَررِ
المنهيُّ عنه ما كان له ظاهرٌ يَغُرُّ المشتري وباطنٌ مجهول، يقال: إِياك
وبيعَ الغَرَرِ؛ قال: بيع الغَرَر أَن يكون على غير عُهْدة ولا ثِقَة. قال
الأَزهري: ويدخل في بيع الغَرَرِ البُيوعُ المجهولة التي لا يُحيط
بكُنْهِها المتبايِعان حتى تكون معلومة. وفي حديث مطرف: إِن لي نفساً واحدة
وإِني أَكْرهُ أَن أُغَرِّرَ بها أَي أَحملها على غير ثقة، قال: وبه سمي
الشيطان غَرُوراً لأَنه يحمل الإِنسان على مَحابِّه ووراءَ ذلك ما يَسوءه،
كفانا الله فتنته. وفي حديث الدعاء: وتَعاطِي ما نهيت عنه تَغْريراً أَي
مُخاطرةً وغفلة عن عاقِبة أَمره. وفي الحديث: لأَنْ أَغْتَرَّ بهذه الآية ولا
أُقاتلَ أَحَبُّ إِليّ مِنْ أَن أَغْتَرَّ بهذه الأية؛ يريد قوله تعالى:
فقاتِلُوا التي تبغي حتى تَفيءَ إلى أَمر الله، وقوله: ومَنْ يَقْتَلْ
مؤمناً مُتَعَمِّداً؛ المعنى أَن أُخاطِرَ بتركي مقتضى الأَمر بالأُولى
أَحَبُّ إِليّ مِن أَن أُخاطِرَ بالدخول تحت الآية الأُخرى.
والغُرَّة، بالضم: بياض في الجبهة، وفي الصحاح: في جبهة الفرس؛ فرس
أَغَرُّ وغَرّاء، وقيل: الأَغَرُّ من الخيل الذي غُرّتُه أَكبر من الدرهم،
وقد وَسَطَت جبهَته ولم تُصِب واحدة من العينين ولم تَمِلْ على واحد من
الخدّينِ ولم تَسِلْ سُفْلاً، وهي أَفشى من القُرْحة، والقُرْحة قدر الدرهم
فما دونه؛ وقال بعضهم: بل يقال للأَغَرّ أَغَرُّ أَقْرَح لأَنك إِذا قلت
أَغَرُّ فلا بد من أَن تَصِف الغُرَّة بالطول والعِرَض والصِّغَر
والعِظَم والدّقّة، وكلهن غُرَر، فالغرّة جامعة لهن لأَنه يقال أَغرُّ أَقْرَح،
وأَغَرُّ مُشَمْرَخُ الغُرّة، وأَغَرُّ شادخُ الغُرّة، فالأَغَرُّ ليس
بضرب واحد بل هو جنس جامع لأَنواع من قُرْحة وشِمْراخ ونحوهما. وغُرّةُ
الفرسِ: البياضُ الذي يكون في وجهه، فإن كانت مُدَوَّرة فهي وَتِيرة، وإن
كانت طويلة فهي شادِخةٌ. قال ابن سيده: وعندي أَن الغُرّة نفس القَدْر الذي
يَشْغَله البياض من الوجه لا أَنه البياض. والغُرْغُرة، بالضم: غُرَّة
الفرس. ورجل غُرغُرة أَيضاً: شريف. ويقال بِمَ غُرّرَ فرسُك؟ فيقول صاحبه:
بشادِخةٍ أَو بوَتِيرةٍ أَو بِيَعْسوبٍ. ابن الأَعرابي: فرس أَغَرُّ،
وبه غَرَرٌ، وقد غَرّ يَغَرُّ غَرَراً، وجمل أَغَرُّ وفيه غَرَرٌ وغُرور.
والأَغَرُّ: الأَبيض من كل شيء. وقد غَرَّ وجهُه يَغَرُّ، بالفتح، غَرَراً
وغُرّةً وغَرارةً: صار ذا غُرّة أَو ابيضَّ؛ عن ابن الأَعرابي، وفكَّ
مرةً الإِدغام ليُري أَن غَرَّ فَعِل فقال غَرِرْتَ غُرّة، فأَنت أَغَرُّ.
قال ابن سيده: وعندي أَن غُرّة ليس بمصدر كما ذهب إِليه ابن الأَعرابي
ههنا، وإِنما هو اسم وإِنما كان حكمه أَن يقول غَرِرْت غَرَراً، قال: على
أَني لا أُشاحُّ ابنَ الأَعرابي في مثل هذا. وفي حديث عليّ، كرم الله تعالى
وجهه: اقْتُلوا الكلبَ الأَسْودَ ذا الغُرّتين؛ الغُرّتان: النُّكْتتان
البَيْضاوانِ فوق عينيه. ورجل أَغَرُّ: كريم الأَفعال واضحها، وهو على
المثل. ورجل أَغَرُّ الوجه إذا كان أَبيض الوجه من قوم غُرٍّ وغُرّان؛ قال
امرؤ القيس يمدح قوماً:
ثِيابُ بني عَوْفٍ طَهارَى نَقِيّةٌ،
وأَوجُهُهم بِيضُ المَسافِر غُرّانُ
وقال أَيضاً:
أُولئكَ قَوْمي بَهالِيلُ غُرّ
قال ابن بري: المشهور في بيت امرئ القيس:
وأَوجُههم عند المَشاهِد غُرّانُ
أَي إذا اجتمعوا لِغُرْم حَمالةٍ أَو لإِدارة حَرْب وجدتَ وجوههم
مستبشرة غير منكرة، لأَن اللئيم يَحْمَرُّ وجهه عندها يسائله السائل، والكريم
لا يتغيّر وجهُه عن لونه قال: وهذا المعنى هو الذي أَراده من روى بيض
المسافر. وقوله: ثياب بني عوف طهارَى، يريد بثيابهم قلوبهم؛ ومنه قوله تعالى:
وثِيابَك فطَهِّرْ. وفي الحديث: غُرٌّ محجلون من آثارِ الوُضوء؛
الغُرُّ: جمع الأَغَرّ من الغُرّة بياضِ الوجه، يريد بياضَ وجوههم الوُضوء يوم
القيامة؛ وقول أُمّ خالد الخَثْعَمِيّة:
ليَشْرَبَ جَحْوَشٌ ، ويَشِيمهُ
بِعَيْني قُطامِيٍّ أَغَرّ شآمي
يجوز أَن تعني قطاميًّا أَبيض، وإِن كان القطامي قلما يوصف بالأَغَرّ،
وقد يجوز أَن تعني عنُقَه فيكون كالأَغَرّ بين الرجال، والأَغَرُّ من
الرجال: الذي أَخَذت اللحيَةُ جميعَ وجهه إِلا قليلاً كأَنه غُرّة؛ قال عبيد
بن الأَبرص:
ولقد تُزانُ بك المَجا
لِسُ، لا أَغَرّ ولا عُلاكزْ
(* قوله «ولا علاكز» هكذا هو في الأصل فلعله علاكد، بالدال بلد الزاي) .
وغُرّة الشيء: أَوله وأَكرمُه. وفي الحديث: ما أَجدُ لما فَعَل هذا في
غُرَّةِ الإِسلام مَثَلاً إِلا غنماً وَرَدَتْ فرُمِيَ أَوّلُها فنَفَر
آخِرُها؛ وغُرّة الإِسلام: أَوَّلُه. وغُرَّة كل شيء: أَوله. والغُرَرُ:
ثلاث ليال من أَول كل شهر. وغُرّةُ الشهر: ليلةُ استهلال القمر لبياض
أَولها، وقيل: غُرّةُ الهلال طَلْعَتُه، وكل ذلك من البياض. يقال: كتبت
غُرّةَ شهر كذا. ويقال لثلاث ليال من الشهر: الغُرَر والغُرُّ، وكل ذلك
لبياضها وطلوع القمر في أَولها، وقد يقال ذلك للأَيام. قال أَبو عبيد: قال غير
واحد ولا اثنين: يقال لثلاث ليال من أَول الشهر: ثلاث غُرَر، والواحدة
غُرّة، وقال أَبو الهيثم: سُمِّين غُرَراً واحدتها غُرّة تشبيهاً بغُرّة
الفرس في جبهته لأَن البياض فيه أَول شيء فيه، وكذلك بياض الهلال في هذه
الليالي أَول شيء فيها. وفي الحديث: في صوم الأَيام الغُرِّ؛ أَي البيض
الليالي بالقمر. قال الأَزهري: وأَما اللَّيالي الغُرّ التي أَمر النبي،صلى
الله عليه وسلم ، بصومها فهي ليلة ثلاثَ عَشْرةَ وأَربعَ عَشْرةَ وخمسَ
عَشْرةَ، ويقال لها البيض، وأَمر النبي، صلى الله عليه وسلم، بصومها
لأَنه خصها بالفضل؛ وفي قول الأَزهري: الليالي الغُرّ التي أَمر النبي، صلى
الله عليه وسلم، بصومها نَقْدٌ وكان حقُّه أَن يقول بصوم أَيامها فإِن
الصيام إِنما هو للأَيام لا لليالي، ويوم أَغَرُّ: شديد الحرّ؛ ومنه قولهم:
هاجرة غَرّاء ووَدِيقة غَرّاء؛ ومنه قول الشاعر:
أَغَرّ كلون المِلْحِ ضاحِي تُرابه،
إذا اسْتَوْدَقَت حِزانُه وضياهِبُه
(* قوله «وضياهبه» هو جمع ضيهب كصيقل، وهو كل قف أو حزن أو موضع من
الجبل تحمى عليه الشمس حتى يشوى عليه اللحم. لكن الذي في الاساس: سباسبه، وهي
جمع سبسب بمعنى المفازة) .
قال وأنشد أَبو بكر:
مِنْ سَمُومٍ كأَنّها لَفحُ نارٍ،
شَعْشَعَتْها ظَهيرةٌ غَرّاء
ويقال: وَدِيقة غَرّاء شديدة الحرّ؛ قال:
وهاجرة غَرّاء قاسَيْتُ حَرّها
إليك، وجَفْنُ العينِ بالماء سابحُ
(* قوله «بالماء» رواية الاساس: في الماء) .
الأَصمعي: ظَهِيرة غَرّاء أَي هي بيضاء من شدّة حر الشمس، كما يقال
هاجرة شَهْباء. وغُرّة الأَسنان: بياضُها. وغَرَّرَ الغلامُ: طلع أَوّلُ
أَسنانه كأَنه أَظهر غُرّةَ أَسنانِه أَي بياضها. وقيل: هو إذا طلعت أُولى
أَسنانه ورأَيت غُرّتَها، وهي أُولى أَسنانه. ويقال: غَرَّرَت ثَنِيَّنا
الغلام إذا طلعتا أَول ما يطلعُ لظهور بياضهما، والأَغَرُّ: الأَبيض، وقوم
غُرّان. وتقول: هذا غُرّة من غُرَرِ المتاع، وغُرّةُ المتاع خيارُه
ورأْسه، وفلان غُرّةٌ من غُرَرِ قومه أَي شريف من أَشرافهم. ورجل أَغَرُّ:
شريف، والجمع غُرُّ وغُرَّان؛ وأَنشد بيت امرئ القيس:
وأَوْجُهُهم عند المشاهد غُرّان
وهو غرة قومِه أَي سّيدهُم، وهم غُرَرُ قومهم. وغُرّةُ النبات: رأْسه.
وتَسَرُّعُ الكَرْمِ إلى بُسُوقِه: غُرّتُه؛ وغُرّةُ الكرم: سُرْعةُ
بُسوقه. وغُرّةُ الرجل: وجهُه، وقيل: طلعته ووجهه. وكل شيء بدا لك من ضوء أَو
صُبْح، فقد بدت لك غُرّته. ووَجْهٌ غريرٌ: حسن، وجمعه غُرّان؛ والغِرُّ
والغرِيرُ: الشابُّ الذي لا تجربة له، والجمع أَغِرّاء وأَغِرّة والأُنثى
غِرٌّ وغِرّة وغَريرة؛ وقد غَرِرْتَ غَرارَةٌ، ورجل غِرٌّ، بالكسر،
وٌغرير أَي غير مجرّب؛ وقد غَرّ يَغِرُّ، بالكسر، غرارة، والاسم الغِرّة.
الليث: الغِرُّ كالغِمْر والمصدر الغَرارة،وجارية غِرّة. وفي الحديث:
المؤمنُ غِرٌّ كَريم الكافرُ خَبٌّ لَئِيم؛ معناه أَنه ليس بذي نَكراء،
فالغِرُّ الذي لا يَفْطَن للشرّ ويغفلُ عنه، والخَبُّ ضد الغِرّ، وهو الخَدّاع
المُفْسِد، ويَجْمَع الغِرَّ أَغْرارٌ، وجمع الغَرِير أَغرّاء. وفي الحديث
ظبيان: إنّ ملوك حِمْير مَلَكُوا مَعاقِلَ الأَرض وقرَارَها ورؤوسَ
المُلوكِ وغِرارَها. الغِرار والأَغْرارُ جمع الغِرّ. وفي حديث ابن عمر: إنّك
ما أَخَذْتَها بَيْضاءَ غَرِيرة؛ هي الشابة الحديثة التي لم تجرِّب
الأُمور. أَبو عبيد: الغِرّة الجارية الحديثة السِّنِّ التي لم تجرِّب
الأُمور ولم تكن تعلم ما يعلم النساء من الحُبِّ، وهي أَيضاً غِرٌّ، بغير هاء؛
قال الشاعر:
إن الفَتَاةَ صَغِيرةٌ
غِرٌّ، فلا يُسْرَى بها
الكسائي: رجل غِرٌّ وامرأَة غِرٌّ بيِّنة الغَرارة، بالفتح، من قوم
أَغِرّاء؛ قال: ويقال من الإنسان الغِرّ: غَرَرْت يا رجل تَغِرُّ غَرارة، ومن
الغارّ وهو الغافل اغْتَرَرْت. ابن الأَعرابي: يقال غَرَرْت بَعْدي
تَغُِ غَرارَة فأَت غِرُّ والجارية غِرٌّ إذا تَصابَى. أَبو عبيد: الغَريرُ
المَغْرور والغَرارة من الغِرّة والغِرَّة من الغارّ والغَرارةُ والغِرّة
واحدٌ؛ الغارّ: الغافل والغِرَّة الغفلة، وقد اغْتَرّ، والاسم منهما
الغِرة. وفي المثل: الغِرَّة تَجْلُب الدِّرَّة أَي الغفلة تجلب الرزق، حكاه
ابن الأَعرابي. ويقال: كان ذلك في غَرارتي وحَداثتي أَي في غِرّتي.
واغْتَرّه أَي أَتاه على غِرّة منه. واغْترَّ بالشيء: خُدِع به. وعيش غَرِيرٌ:
أَبْله يُفَزِّع أَهله. والغَريِر الخُلُق: الحسن. يقال للرجل إِذا
شاخَ: أَدْبَرَ غَريرهُ وأَقْبَل هَريرُه أَي قد ساء خلُقه.
والغِرارُ: حدُّ الرمح والسيف والسهم. وقال أَبو حنيفة: الغِراران
ناحيتا المِعْبلة خاصة. غيره: والغِراران شَفْرتا السيف وكل شيء له حدٌّ،
فحدُّه غِرارُه، والجمع أَغِرّة، وغَرُّ السيف حدّه؛ ،منه قول هِجْرِس بن
كليب حين رأَى قاتِلَ أَبيه: أَما وسَيْفِي وغَرَّيْه أَي وحَدّيه. ولَبِثَ
فلان غِرارَ شهر أَي مكث مقدارَ شهر. ويقال: لَبِث اليومُ غِرارَ شهر أَي
مِثالَ شهر أَي طُول شهر، والغِرارُ: النوم القليل، وقيل: هوالقليل من
النوم وغيره. وروى الأَوزاعي عن الزهري أَنه قال: كانوا لا يَرَون
بغرار النَّوْم بأْساً حتى لا يَنْقض الوضوءَ أَي لا ينقض قليلُ النوم الوضوء.
قال الأَصمعي: غِرارُ النوم قلّتُه؛ قال الفرزدق في مرثية الحجاج:
إن الرَّزِيّة من ثَقيفٍ هالكٌ
تَرَك العُيونَ ، فنَوْمُهُن غِرارُ
أَي قليل. وفي حديث النبي، صلى الله عليه وسلم: لا غِرار في صلاة ولا
تسليم؛ أَي لا نقصان. قال أَبو عبيد: الغرارُ في الصلاة النقصان في ركوعها
وسجودها وطُهورها وهو أَن لا يُتِمَّ ركوعها وسجودها. قال أَبو عبيد:
فمعنى الحديث لا غِرار في صلاة أَي لا يُنْقَص من ركوعها ولا من سجودها ولا
أَركانها، كقول سَلْمان: الصلاة مكيال فمن وَفَّى وُفِّيَ له، ومن طَفّفَ
فقد علمتم ما قال الله في المُطَفِّفِين؛ قال: وأَما الغِرَارُ في التسليم
فنراه أَن يقول له: السَّلام عليكم، فَيَرُدُّ عليه الآخر: وعليكم، ولا
يقول وعليكم السلام؛ هذا من التهذيب. قال ابن سيده: وأَما الغِرارُ في
التّسليم فنراه أَن يقول سَلامٌ عليكَ أَو يَرُدَّ فيقول وعليك ولا يقول
وعليكم، وقيل: لا غِرَارَ في الصلاة ولا تَسليم فيها أَي لا قليل من النوم
في الصلاة ولا تسليم أَي لا يُسَلِّم المصلّي ولا يَسَلَّم عليه؛ قال
ابن الأَثير: ويروى بالنصب والجر، فمن جرّه كان معطوفاً على الصلاة، ومن
نصبه كان معطوفاً على الغِرار، ويكون المعنى: لا نَقْصَ ولا تسليمَ في صلاة
لأَن الكلام في الصلاة بغير كلامها لا يجوز ؛ وفي حديث آخر: تُغارُّ
التحيّةُ أَي يُنْقَص السلامُ. وأَتانا على غِرارٍ أَي على عجلة. ولقيته
غِراراً أَي على عجلة، وأَصله القلَّةُ في الرَّوِية للعجلة. وما أَقمت عنده
إلا غِراراً أَي قليلاً. التهذيب: ويقال اغْتَرَرْتُه واسْتَغْرَرْتُه
أَي أَتيته على غِرّة أَي على غفلة، والغِرار: نُقصانُ لبن الناقة، وفي
لبنها غِرارٌ؛ ومنه غِرارُ النومِ: قِلّتُه. قال أَبو بكر في قولهم: غَرَّ
فلانٌ فلاناً: قال بعضهم عرَّضه للهلَكة والبَوارِ، من قولهم: ناقة
مُغارٌّ إذا ذهب لبنها لحَدث أَو لعلَّة. ويقال: غَرَّ فلان فلاناً معناه
نَقَصه، من الغِرار وهو النقصان. ويقال:: معنى قولهم غَرَّ فلان فلاناً
فعل به ما يشبه القتلَ والذبح بِغرار الشّفْرة، وغارَّت الناقةُ بلبنها
تُغارُّ غِراراً، وهي مُغارٌّ: قلّ لبنها؛ ومنهم من قال ذلك عند كراهيتها
للولد وإنكارها الحالِبَ. الأَزهري: غِرارُ الناقةِ أَنْ تُمْرَى فَتَدِرّ
فإن لم يُبادَرْ دَرُّها رفَعَت دَرَّها ثم لم تَدِرّ حتى تُفِيق.
الأَصمعي: من أَمثالهم في تعَجُّلِ الشيء قبل أوانِه قولهم: سَبَقَ درَّتُه
غِرارَه، ومثله سَبَقَ سَيْلُه مَطرَه. ابن السكيت: غارَّت الناقةُ غراراً
إِذا دَرَّت، ثم نفرت فرجعت الدِّرَة؛ يقال: ناقة مُغارٌّ، بالضم، ونُوق
مَغارُّ يا هذا، بفتح الميم، غير مصروف. ويقال في التحية: لا تُغارَّ أَي
لا تَنْقُصْ، ولكن قُلْ كما يُقال لك أَو رُدَّ، وهو أَن تمرَّ بجماعة
فتخصَّ واحداً. ولِسُوقنا غِرارٌ إذا لم يكن لمتاعها نَفاقٌ؛ كله على
المثل. وغارَّت السوقُ تُغارُّ غِراراً: كسَدَت، ودَرَّت دَرَّةً: نفَقَت؛
وقول أَبي خراش
(*: قوله «وقول أبي خراش إلخ» في شرح القاموس ما نصه: هكذا
ذكره صاحب اللسان هنا، والصواب ذكره في العين المهملة) :
فغارَرت شيئاً والدَّرِيسُ ، كأَنّما
يُزَعْزِعُه وَعْكٌ من المُومِ مُرْدِمُ
قيل: معنى غارَرْت تَلَبَّثت، وقيل: تنبهت ووَلَدَت ثلاثةً على غِرارٍ
واحدٍ أَي بعضُهم في إثْر بعض ليس بينهم جارية. الأَصمعي: الغِرارُ
الطريقة. يقال: رميت ثلاثة أَسْهُم على غِرار واحد أَي على مَجْرًى واحد. وبنى
القومُ بيوتهم على غِرارِ واحدٍ. والغِرارُ: المثالُ الذي يَضْرَب عليه
النصالُ لتصلح. يقال: ضرَبَ نِصالَه على غِرارٍ واحد؛ قال الهُذَلي يصف
نصلاً:
سَديد العَيْر لم يَدْحَضْ عليه الـ
ـغِرارُ، فقِدْحُه زَعِلٌ دَرُوجُ
قوله سديد ، بالسين، أَي مستقيم. قال ابن بري: البيت لعمرو بن الداخل،
وقوله سَدِيد العَيْر أَي قاصِد. والعَير: الناتئ في وسط النصل. ولم
يَدْحَضْ أَي لم يَزْلَقْ عليه الغِرارُ، وهو المثال الذي يضرب عليه النصل
فجاء مثل المثال. وزَعِلٌ: نَشِيط. ودَرُوجٌ: ذاهِبٌ في الأرض.
والغِرارةُ: الجُوالِق، واحدة الغَرائِر؛ قال الشاعر:
كأَنّه غرارةٌ مَلأَى حَثَى
الجوهري: الغِرارةُ واحدة الغَرائِر التي للتّبْن، قال: وأَظنّه معرباً.
الأَصمعي: الغِرارُ أَيضاً غرارُ الحَمامِ فرْخَه إذا زَقّه، وقد
غرَّتْه تَغُرُّه غَرًّا وغِراراً. قال: وغارَّ القُمْرِيُّ أَُنْثاه غِراراً
إذا زقَّها. وغَرَّ الطائرُ فَرْخَه يَغُرُّه غِراراً أَي زقَّه. وفي حديث
معاوية قال: كان النبي، صلى الله عليه وسلم، يَغُرُّ عليًّا بالعلم أَي
يُلْقِمُه إِيّاه. يقال: غَرَّ الطائرُ فَرْخَه أَي زقَّه. وفي حديث علي،
عليه السلام: مَنْ يَطِع اللّه يَغُرّه كما يغُرُّهُ الغُرابُ بُجَّه
أَي فَرْخَه. وفي حديث ابن عمر وذكر الحسن والحسين، رضوان اللّه عليهم
أَجمعين، فقال: إِنما كانا يُغَرّان العِلْمَ غَرًّا، والغَرُّ: اسمُ ما
زقَّتْه به، وجمعه غُرورٌ؛ قال عوف بن ذروة فاستعمله في سير الإِبل:
إِذا احْتَسَى، يومَ هَجِير هائِفِ،
غُرورَ عِيدِيّاتها الخَوانِفِ
يعني أَنه أَجهدها فكأَنه احتَسَى تلك الغُرورَ. ويقال: غُرَّ فلانٌ من
العِلْمِ ما لم يُغَرَّ غيرهُ أَي زُقَّ وعُلِّم. وغُرَّ عليه الماءُ
وقُرَّ عليه الماء أَي صُبَّ عليه. وغُرَّ في حوضك أَي صُبَّ فيه. وغَرَّرَ
السقاء إِذا ملأَه؛ قال حميد:
وغَرَّرَه حتى اسْتَدارَ كأَنَّه،
على الفَرْو ، عُلْفوفٌ من التُّرْكِ راقِدُ
يريد مَسْك شاةٍ بُسِطَ تحت الوَطْب. التهذيب: وغَرَرْتُ الأَساقِيَ
ملأْتها؛ قال الراجز:
فَظِلْتَ تَسْقي الماءَ في قِلاتِ،
في قُصُبٍ يُغَرُّ في وأْباتِ،
غَرَّكَ في المِرارِ مُعْصَماتِ
القُصْبُ: الأَمْعاءُ . والوَأْباتُ: الواسعات. قال الأَزهري: سمعت
أَعرابيًّا يقول لآخر غُرَّ في سِقائك وذلك إِذا وضعه في الماء وملأَه بيده
يدفع الماء في فيه دفعاً بكفه ولا يستفيق حتى يملأَه.
الأَزهري: الغُرّ طَيْرٌ سُود بيضُ الرؤوس من طير الماء، الواحدة
غَرَّاء، ذكراً كان أَو أُنثى. قال ابن سيده: الغُرُّ ضرب من طير الماء، ووصفه
كما وصفناه. والغُرَّةُ: العبد أَو الأَمة كأَنه عُبِّر عن الجسم كله
بالغُرَّة؛ وقال الراجز:
كلُّ قَتىلٍ في كُلَيْبٍ غُرَّه،
حتى ينال القَتْلَ آلُ مُرَّه
يقول: كلُّهم ليسوا يكفء لكليب إِنما هم بمنزلة العبيد والإِماء إن
قَتَلْتُهُمْ حتى أَقتل آل مُرَّة فإِنهم الأَكفاء حينئذ. وفي حديث عمر، رضي
الله عنه: أَنه قَضَى في ولد المَغْرور بغُرَّة؛ هو الرجل يتزوج امرأَة
على أَنها حرة فتظهر مملوكة فيَغْرَم الزوجُ لمولى الأَمة غُرَّةً، عبداً
أو أَمة، ويرجع بها على من غَرَّه ويكون ولدُه حرًّا. وقال أَبو سعيد:
الغُرَّة عند العرب أَنْفَسُ شيء يُمْلك وأَفْضلُه، والفرس غُرَّةُ مال
الرجل، والعبد غرَّةُ ماله، والبعير النجيب غُرَّةُ مالِهِ، والأَمة
الفارِهَةُ من غُرَّة المال. وفي حديث النبي، صلى الله عليه وسلم، أَن حَمَلَ بن
مالك قال له: إِني كنت بين جاريتين لي فَضَرَبتْ إِحداهما الأُخرى
بِمِسْطَحٍ فأَلقت جَنِيناً ميتاً وماتت، فقَضَى رسول الله، صلى الله عليه وسلم
بديَةِ المقتولة على عاقلة القاتلة، وجَعَلَ في الجَنِين غُرَّةً،
عبداً أَو أَمة. وأَصل الغُرَّة البياض الذي يكون في وجه الفرس وكأَنه
عُبّر عن الجسم كله بالغُرَّة. قال أَبو منصور: ولم يقصد النبي،صلى الله
عليه وسلم ، في جعله في الجنين غُرَّةً إِلا جنساً واحداً من أَجناس
الحيوان بِعينه فقال: عبداً أَو أَمة. وغُرَّةُ المال: أَفضله. وغُرَّةُ
القوم: سيدهم. وروي عن أَبي عمرو بن العلاء أَنه قال في تفسير الغُرّة الجنين،
قال: الغٌرّة عَبْدٌ أَبيض أَو أَمَةٌ بيضاء. وفي التهذيب: لا تكون إِلا
بيضَ الرقيق. قال ابن الأَثير: ولا يُقْبَل في الدية عبدٌ أَسود ولا
جاريةٌ سوداء. قال: وليس ذلك شرطاً عند الفقهاء، وإنما الغُرَّة عندهم ما
بلغ ثمنُها عُشْر الدية من العبيد والإِماء. التهذيب وتفسير الفقهاء: إن
الغرة من العبيد الذي يكون ثمنُه عُشْرَ الدية. قال: وإنما تجب الغُرّة في
الجنين إِذا سقط ميّتاً، فإِن سقط حيًّا ثم مات ففيه الدية كاملة. وقد
جاء في بعض روايات الحديث: بغُرّة عبد أَو أَمة أَو فَرَسٍ أَو بَغْلٍ،
وقيل: إِن الفرس والبَغْل غلط من الراوي. وفي حديث ذي الجَوْشَن: ما كُنْتُ
لأَقْضِيَه اليوم بغٌرّة؛ سمّي الفرس في هذا الحديث غُرّة؛ وأَكثرُ ما
يطلق على العبد والأَمة، ويجوز أَن يكون أَراد بالغُرّة النِّفِسَ من كل
شيء، فيكون التقدير ما كنت لأَقْضِيَه بالشيء النفيس المرغوب فيه. وفي
الحديث :إِيّاكم ومُشارّةَ الناس فإِنها تَدْفِنُ الغُرّةَ وتُظْهِرُ
العُرّةَ؛ الغُرّة ههنا: الحَسَنُ والعملُ الصالح، شبهه بغُرّة الفرس. وكلُّ
شيء تُرْفَع قيمتُه، فهو غُرّة. وقوله في الحديث: عَليْكُم بالأَبْكارِ
فإِنّهُنّ أَغَرُّ غُرَّةً، يحتمل أَن يكون من غُرَّة البياض وصفاء اللون،
ويحتمل أَن يكون من حسن الخلُق والعِشْرةِ؛ ويؤيده الحديث الآخر:
عَلَيْكمُ بالأَبْكار فإِنّهُنّ أَغَرُّ أَخْلاقاً، أَي إِنهن أَبْعَدُ من فطْنةِ
الشرّ ومعرفتِه من الغِرّة الغفْلة.
وكلُّ كَسْرٍ مُتَثَنٍّ في ثوب أَو جِلْدٍ: غَرُّ؛ قال:
قد رَجَعَ المُلْك لمُسْتَقَرّه
ولانَ جِلْدُ الأَرضِ بعد غَرّه
وجمعه غُرور؛ قال أَبو النجم:
حتى إذا ما طَار منْ خَبِيرِها،
عن جُدَدٍ صُفْرٍ، وعن غُرورِها
الواحد غَرُّ، بالفتح؛ ومنه قولهم: طَوَيْت الثوبَ على غَرِّه أَي على
كَسْرِه الأَول. قال الأَصمعي: حدثني رجل عن رؤبة أَنه عُرِضَ عليه ثوبٌ
فنظر إليه وقَلَّبَه ثم قال: اطْوِه على« غَرَّه. والغُرورُ في الفخذين:
كالأخادِيد بين الخصائل. وغُرورُ القدم: خطوط ما تَثَنَّى منها. وغَرُّ
الظهر: ثَنِيُّ المَتْنِ؛ قال:
كأَنَّ غَرَّ مَتْنِه ، إِذ تَجْنُبُهْ،
سَيْرُ صَناعٍ في خَرِيرٍ تَكْلُبُهْ
قال الليث: الغَرُّ الكَسْرُ في الجلد من السِّمَن، والغَرُّ تكسُّر
الجلد، وجمعه غُرور، وكذلك غُضونُ الجلْد غُرور. الأَصمعي: الغُرورُ
مَكاسِرُ الجلد. وفي حديث عائشة تصِفُ أَباها، رضي الله عنهما، فقالت: رَدَّ
نَشْرَ الإِسلام على غَرِّه أَي طَيِّه وكَسْرِه. يقال: اطْوِ الثَّوْبَ على
غَرِّه الأَول كما كان مَطْوياًّ؛ أَرادت تَدْبيرَه أَمرَ الردة ومُقابَلة
دَائِها. وغُرورُ الذراعين: الأَثْناءُ التي بين حِبالِهما. والغَرُّ:
الشَّقُّ في الأَرض. والغَرُّ: نَهْرٌ دقيق في الأَرض، وقال ابن الأعرابي:
هو النهر، ولم يُعَيِّن الدَّقِيقَ ولا غيره؛ وأَنشد:
سَقِيّة غَرٍّ في الحِجال دَمُوج
هكذا في المحكم؛ وأَورده الأَزهري، قال: وأَنشدني ابن الأَعرابي في صفة
جارية:
سقيّة غَرٍّ في الحِجال دَمُوج
وقال: يعني أَنها تُخْدَمُ ولا تَخْدُمُ. ابن الأَعرابي: الغَرُّ النهر
الصغير، وجمعه غُرور، والغُرور: شَرَكُ الطريق، كلُّ طُرْقة منها
غُرٌّ؛ ومن هذا قيل: اطْوِ الكتابَ والثوبَ على غَرّه وخِنْثِه أَي على
كَسْره؛ وقال ابن السكيت في تفسير قوله:
كأَنّ غَرَّ مَتْنِهِ إِذ تَجْنُبُهْ
غَرُّ المتن: طريقه. يقولُ دُكَيْن: طريقتُه تَبْرُق كأَنها سَيْرٌ في
خَرِيز، والكَلبُ: أَن يُبَقَّى السَّيْرُ في القربة تُخْرَز فتُدْخِل
الجاريةُ يدها وتجعل معها عقبة أو شعرة فتدخلها من تحت السير ثم تخرق خرقاً
بالإِشْفَى فتخرج رأْس الشعرة منه، فإِذا خرج رأْسها جَذَبَتْها
فاسْتَخْرَجَت السَّيْرَ. وقال أَبو حنيفة: الغَرّانِ خَطّانِ يكونان في أَصل
العَيْر من جانبيه؛ قال ابن مقروم وذكر صائداً:
فأَرْسَلَ نافِذَ الغَرَّيْن حَشْراً،
فخيَّبه من الوَتَرِ انْقِطاعُ
والغرّاء: نبت لا ينبت إِلاّ في الأَجارِع وسُهولةِ الأَرض ووَرَقُها
تافِةٌ وعودها كذلك يُشْبِه عودَ القَضْب إلاّ أَنه أُطَيْلِس، وهي شجرة
صدق وزهرتها شديدة البياض طيبة الريح؛ قال أَبو حنيفة: يُحبّها المال كله
وتَطِيب عليها أَلْبانُها. قال: والغُرَيْراء كالغَرّاء، قال ابي سيده:
وإِنما ذكرنا الغُرَيْراء لأَن العرب تستعمله مصغراً كثيراً.
والغِرْغِرُ: من عشب الربيع، وهو محمود، ولا ينبت إِلا في الجبل له ورق
نحو ورق الخُزامى وزهرته خضراء؛ قال الراعي:
كأَن القَتُودَ على قارِحٍ،
أَطاع الرَّبِيعَ له الغِرْغِرُ
أراد: أَطاع زمن الربيع، واحدته غِرْغِرة. والغِرْغِر، بالكسر: دَجاج
الحبشة وتكون مُصِلّةً لاغتذائها بالعَذِرة والأَقْذار، أَو الدجاجُ
البرّي، الواحدة غِرْغرة؛ وأَنشد أَبو عمرو:
أَلُفُّهُمُ بالسَّيفِ من كلِّ جانبٍ،
كما لَفَّت العِقْبانُ حِجْلى وغِرغِرا
حِجْلى: جمع الحَجَلِ، وذكر الأَزهري قوماً أَبادهم الله فجعل عِنَبَهم
الأَراك ورُمَّانَهم المَظَّ ودَجاجَهم الغِرْغِرَ.
والغَرْغَرَةُ والتَّغَرْغُر بالماء في الحَلْقِ: أَن يتردد فيه ولا
يُسيغه. والغَرُورُ: ما يُتَغَرْغَرُ به من الأَدْوية، مثل قولهم لَعُوق
ولَدُود وسَعُوط. وغَرْغَر فلانٌ بالدواء وتَغَرْغَرَ غَرْغَرةً
وتَغَرْغُراً. وتَغَرْغَرَت عيناه: تردَّد فيهما الدمع. وغَرَّ وغَرْغَرَ: جادَ
بنفسه عند الموت. والغَرْغَرَةُ: تردُّد الروح في الحلق. والغَرْغَرَةُ: صوتٌ
معه بَجَحٌ. وغَرْغَرَ اللحمُ على النار إِذا صَلَيْتَه فسمعت له
نشِيشاً؛ قال الكميت:
ومَرْضُوفة لم تُؤْنِ في الطَّبْخِ طاهِياً،
عَجِلْتُ إلى مُحْوَرِّها حين غَرْغَرا
والغَرْغَرة: صوت القدر إذا غَلَتْ، وقد غَرْغَرت؛ قال عنترة:
إِذ لا تَزالُ لكم مُغَرْغِرة
تَغْلي، وأَعْلى لَوْنِها صَهْرُ
أَي حارٌّ فوضع المصدر موضع الاسم، وكأَنه قال: أَعْلى لونِها لونُ
صَهْر. والغَرْغَرةُ: كَسْرُ قصبة الأَنف وكَسْرُ رأْس القارورة؛
وأَنشد:وخَضْراء في وكرَيْنِ غَرْغَرْت رأْسها
لأُبْلِيَ إن فارَقْتُ في صاحِبي عُذْرا
والغُرْغُرةُ: الحَوْصلة؛ وحكاها كراع بالفتح؛ أَبو زيد: هي الحوصلة
والغُرْغُرة والغُراوي
(* قوله «والغراوي» هو هكذا في الأصل) .والزاورة.
وملأْت غَراغِرَك أَي جَوْفَك. وغَرْغَرَه بالسكين: ذبحه. وغَرْغَرَه
بالسّنان: طعنه في حلقه. والغَرْغَرةُ: حكاية صوت الراعي ونحوه. يقال: الراعي
يُغَرْغِرُ بصوته أَي يردِّده في حلقه؛ ويَتَغَرْ غَرُصوته في حلقه أَي
يتردد.
وغَرٌّ: موضع؛ قال هميان بن قحافة:
أَقْبَلْتُ أَمْشِي، وبِغَرٍّ كُورِي،
وكان غَرٌّ مَنْزِلَ الغرور
والغَرُّ: موضع بالبادية؛ قال:
فالغَرّ تَرْعاه فَجَنْبَي جَفَرَهْ
والغَرّاء: فرس طريف بن تميم، صفة غالبة. والأَغَرُّ: فرس ضُبَيْعة بن
الحرث. والغَرّاء: فرسٌ بعينها. والغَرّاء: موضع؛ قال معن بن أَوس:
سَرَتْ من قُرَى الغَرّاء حتى اهْتَدَتْ لنا،
ودُوني خَراتيّ الطَّوِيّ فيَثْقُب
(* قوله« خراتي» هكذا في الأصل ولعله حزابي.)
وفي حبال الرمل المعترض في طريق مكة حبلان يقال لهما: الأَغَرَّان؛ قال
الراجز:
وقد قَطَعْنا الرَّمْلَ غير حَبْلَيْن:
حَبْلَي زَرُودٍ ونَقا الأَغَرَّيْن
والغُرَيْرُ: فحل من الإِبل، وهو ترخيم تصغير أَغَرّ. كقولك في أَحْمَد
حُمَيد، والإِبل الغُرَيْريّة منسوبة إِليه؛ قال ذو الرمة:
حَراجيج مما ذَمَّرَتْ في نتاجِها،
بناحية الشّحْرِ الغُرَيْر وشَدْقَم
يعني أَنها من نتاج هذين الفحلين، وجعل الغرير وشدقماً اسمين للقبيلتين؛
وقول الفرزدق يصف نساء:
عَفَتْ بعد أَتْرابِ الخَلِيط، وقد نَرَى
بها بُدَّناً حُوراً حِسانَ المَدامِع
إِذا ما أَتاهُنَّ الحَبِيبُ رَشَفْنَه،
رشِيفَ الغُرَيْريّاتِ ماءَ الوَقائِع
والوَقائعُ: المَناقعُ، وهي الأَماكن التي يستنقع فيها الماء، وقيل في
رَشْفِ الغُرَيْرِيّات إِنها نوق منسوبات إِلى فحل؛ قال الكميت:
غُرَيْريّة الأَنْساب أَو شَدْقَمِيَّة،
يَصِلْن إِلى البِيد الفَدافِد فَدْفدا
وفي الحديث: أَنه قاتَلَ مُحَارِبَ خَصَفَة فرأَوْا من المسلمين غِرَّةً
فصلَّى صلاةَ الخوف؛ الغِرَّةُ: الغَفْلة، أَي كانوا غافلين عن حِفْظِ
مقامِهم وما هم فيه من مُقابلة العَدُوِّ؛ ومنه الحديث: أَنه أَغارَ على
بنِي المُصْطَلِق وهم غارُّون؛ أَي غافلون. وفي حديث عمر: كتب إِلى أَبي
عُبَيدة، رضي الله عنهما، أَن لا يُمْضِيَ أَمْرَ الله تعالى إِلا بَعِيدَ
الغِرّة حَصِيف العُقْدة أَي من بعد حفظه لغفلة المسلمين. وفي حديث عمر، رضي
الله عنه: لا تطْرُقُوا النساء ولا تَغْتَرّوهُنّ أَي لا تدخلوا إِليهن
على غِرّة. يقال: اغْتَرَرْت الرجل إِذا طلبت غِرّتَه أَي غفلته. ابن
الأَثير: وفي حديث حاطب: كُنْتُ غَرِيراً فيهم أَي مُلْصَقاً مُلازماً لهم؛
قال: قال بعض المتأَخرين هكذا الرواية والصواب: كنت غَرِيًّا أَي
مُلْصَقاً. يقال: غَرِيَ فلانٌ بالشيء إِذا لزمه؛ ومنه الغِراء الذي يُلْصَقُ به.
قال: وذكره الهروي في العين المهملة: كنت عَرِيراً، قال: وهذا تصحيف منه؛
قال ابن الأَثير: أَما الهروي فلم يصحف ولا شرح إِلا الصحيح، فإِن
الأَزهري والجوهري والخطابي والزمخشري ذكروا هذه اللفظة بالعين المهملة في
تصانيفهم وشرحوها بالغريب وكفاك بواحد منهم حجة للهروي فيما روى وشرح، والله
تعالى أَعلم. وغَرْغَرْتُ رأْسَ القارورة إِذا استخرجْتَ صِمامَها، وقد
تقدم في العين المهملة.
ذود: الذَّوْد: السَّوق والطرد والدفع.
تقول: ذُدْتُه عن كذا، وذاده عن الشيءِ ذَوْداً وذِياداً، ورجل ذائد أَي
حامي الحقيقة دفاع، من قوم ذُوَّذٍ وذُوَّادٍ؛ وزَادَه وأَذاده: أَعانه
على الذَّيادِ. وفي حديث الحوض: إِني لَبِعُقْرِ حوضي أَذُودُ الناس عنه
لأَهل اليمن أَي أَطردهم وأَدفعهم؛ وفي الحديث: لَيُذادَنَّ رجال عن حوضي
أَي ليُطْرَدَنَّ، ويروى فلا تُذادُنَّ أَي لا تفعلوا فعلاً يوجب طردكم
عنه؛ قال ابن أَثير: والأَول أَشبه، وفي الحديث: وأَما إِخواننا بنو
أُمية فقادة ذادَةٌ؛ الذادة جمع ذائد وهو الحامي الدافع؛ قيل: أَراد أَنهم
يذودون عن الحرم.
والمِذْوَدُ: اللسانُ لأَنه يذاد به عن العِرض؛ قال عنترة:
سيأْتيكمُ مني، وإِن كنت نائياً،
دخانُ العَلَنْدى دون بيتي، ومِذودي
قال الأَصمعي: أَراد بمذوده لسانه، وببيته شَرَفَه؛ وقال حسان بن ثابت:
لساني وسيفي صارمان كلاهما،
ويبلغ ما لا يبلغ السيفُ مِذْوَدِي
ومِذْوَدُ الثور: قرنه؛ وقال زهير يذكر بقرة:
ويَذُبُّها عنها بأَسْحَمَ مِذْوَدِ
ويقال: ذِدت فلاناً عن كذا أَذُودُه أَي طردته فأَنا ذائد وهو مَذُود.
ومَعْلَفُ الدابة: مِذْوَدُه؛ قال ابن الأَعرابي: المَذادُ والمَرادخ
المَرْتَع؛ وأَنشد:
لا تَحْبِسا الحَوْساءَ في المَذادِ
وذُدت الإِبل أَذودها ذَوْذاً إِذا طردتها وسقتها، والتذويد مثله،
والمُذِيدُ: المُعِين لك على ما تَذُودُ، وهذا كقولك: أَطلبت الرجل إِذا
أَعنته على ما طلبته، وأَحلبته أَعنته على حلب ناقته؛ قال الشاعر:
ناديتُ في القوم: أَلا مُذِيدا؟
والذَّوْدُ: للقطيع من الإِبل الثلاث إِلى التسع، وقيل: ما بين الثلاث
إِلى العشر؛ قال أَبو منصور: ونحو ذلك حفظته عن العرب، وقيل: من ثلاث إِلى
خمس عشرة، وقيل: إِلى عشرين وفُوَيقَ ذلك، وقيل: ما بين الثلاث إِلى
الثلاثين، وقيل: ما بين الثنتين والتسع، ولا يكون إِلاّ من الإِناث دون
الذكور؛ وقال النبي، صلى الله عليه وسلم: ليس فيما دون خمس ذَوْدٍ من الإِبل
صدقة، فأَنثها في قوله خمس ذود. قال ابن سيده: الذَّود مؤَنث وتصغيره
بغير هاء على غير قياس توهموا به المصدر؛ قال الشاعر:
ذَوْدُ صَفايا بينها وبيني،
ما بين تسع وإِلى اثنتين،
يُغْنِينَنا من عَيْلة ودَين
وقولهم: الذَّوْدُ إِلى الذَّود إِبل يدل على أَنها في موضع اثنتين لأَن
الثنتين إِلى الثنتين جمع؛ قال: والأَذوادُ جمع ذَوْدٍ، وهي أَكثر من
الذود ثلاث مرات؛ وقال أَبو عبيدة: قد جعل النبي، صلى الله عليه وسلم، في
قوله ليس في أَقل من خمس ذود صدقة، جعل الناقة الواحدة ذوداً؛ ثم قال:
والذود لا يكون أَقل من ناقتين؛ قال: وكان حدّ خمس ذود عشراً من النوق ولكن
هذا مثل ثلاثة فئة يعنون به ثلاثة، وكان حدّ ثلاثة فئة أَن يكون جمعاً
لأَن الفئة جمع؛ قال أَبو منصور: وهو مثل قولهم: رأَيت ثلاثة نفر وتسعة رهط
وما أَشبهه؛ قال أَبو عبيد: والحديث عام لأَن من ملك خمسة من الإِبل
وجبت عليه فيها الزكاة ذكوراً كانت أَو إِناثاً، وقد تكرر ذكر الذود في
الحديث، والجمع أَذواد؛ أَنشد ابن الأَعرابي:
وما أَبْقَت الأَيامُ مِ المالِ عِنْدَنا،
سوى حِذْم أَذواد مُحَذَّفَة النَّسل
معنى محذفة النسل: لا نسل لها يبقى لأَنهم يعقرونها وينــحرونــها، وقالوا:
ثلاث أَذواد وثلاث ذَوْد، فأَضافوا إِليه جميع أَلفاظ أَدنى العدد جعلوه
بدلاً من أَذواد؛ قال الحطيئة:
ثلاثةُ أَنُفسٍ وثلاثُ ذَوْدٍ،
لقد جار الزمانُ على عيالي
ونظيره: ثلاثة رَحْلَة جعلوه بدلاً من أَرحال؛ قال ابن سيده: هذا كله
قول سيبويه وله نظائر. وقد قالوا: ثلاث ذود يعنون ثلاث أَينق؛ قال
اللغويون: الذود جمع لا واحد له من لفظه كالنعم؛ وقال بعضهم: الذود واحد وجمع.
وفي المثل: الذود إِلى الذود إلى، وقولهم ابلى بمعنى مع أَي القليل يضم
إِلى القليل فيصير كثيراً.
وذَيَّاد وذوّاد: اسمان.
والمَذَاد: موضع بالمدينة.
والذائد: اسم فرس نجيب جدّاً من نَسْلِ الــحَرُون؛ قال الأَصمعي: هو
الذائد بن بُطَينِ بن بطان بن الــحَرُون.
بطن: البَطْنُ من الإنسان وسائِر الحيوان: معروفٌ خلاف الظَّهْر،
مذكَّر، وحكى أَبو عبيدة أَن تأْنيثه لغةٌ؛ قال ابن بري: شاهدُ التذكير فيه
قولُ ميّةَ بنتِ ضِرار:
يَطْوي، إذا ما الشُّحُّ أَبْهَمَ قُفْلَه،
بَطْناً، من الزادِ الخبيثِ، خَميصا
وقد ذَكرْنا في ترجمة ظهر في حرف الراء وجهَ الرفع والنصب فيما حكاه
سيبويه من قولِ العرب: ضُرِبَ عبدُ الله بَطْنُه وظهرُه، وضُرِبَ زيدٌ
البطنُ والظهرُ. وجمعُ البَطْنِ أَبطُنٌ وبُطُونٌ وبُطْنانٌ؛ التهذيب: وهي
ثلاثةُ أَبْطُنٍ إلى العَشْرِ، وبُطونٌ كثيرة لِما فوْقَ العَشْرِ، وتصغيرُ
البَطْنِ بُطَيْنٌ. والبِطْنةُ: امتلاءُ البَطْنِ من الطعام، وهي
الأَشَرُ من كَثْرةِ المال أَيضاً. بَطِنَ يَبْطَنُ بَطَناً وبِطْنةً وبَطُنَ
وهو بَطينٌ، وذلك إذا عَظُمَ بطْنُه. ويقال: ثَقُلَتْ عليه البِطْنةُ، وهي
الكِظَّة، وهي أَن يَمْتلِئَ من الطعام امتلاءً شديداً. ويقال: ليس
للبِطْنةِ خيرٌ من خَمْصةٍ تَتْبَعُها؛ أَراد بالخَمْصَة الجوعَ. ومن
أَمثالهم: البِطْنة تُذْهِبُ الفِطْنةَ؛ ومنه قول الشاعر:
يا بَني المُنْذرِ بن عَبْدانَ، والبِطـ
ـنةُ ممّا تُسَفِّهُ الأَحْلاما
ويقال: مات فلانٌ بالبَطَنِ. الجوهري: وبُطِنَ الرجلُ، على ما لم يسمَّ
فاعله، اشْتَكَى بَطْنَه. وبَطِن، بالكسر، يَبْطَن بَطَناً: عَظُم
بَطْنُه من الشِّبَعِ؛ قال القُلاخ:
ولم تَضَعْ أَولادَها من البَطَنْ،
ولم تُصِبْه نَعْسَةٌ على غَدَنْ
والغَدَنُ: الإسْتِرخاءُ والفَتْرة. وفي الحديث: المَبْطونُ شهيدٌ أَي
الذي يموتُ بمَرَض بَطْنه كالاسْتِسْقاء ونحوه؛ ومنه الحديث: أَنَّ
امرأَةً ماتت في بَطَن، وقيل: أَراد به ههنا النِّفاسَ، قال: وهو أَظهر لأَن
البخاريّ ترْجَم عليه باب الصلاة على النُّفَساء. وقوله في الحديث: تَغْدُو
خِماصاً وتَرُوحُ بِطاناً أَي ممتَلِئةَ البُطونِ. وفي حديث موسى
وشعيبٍ، على نبيّنا وعليهما الصلاة والسلام، وعَوْد غَنَمِه: حُفَّلاً بِطاناً؛
ومنه حديث عليّ، عليه السلام: أَبِيتُ مِبْطاناً وحَوْلي بُطونٌ غَرْثى؛
المِبْطان: الكثيرُ الأَكل والعظيمُ البطنِ. وفي صفة علي، عليه السلام:
البَطِينُ الأَنْزَعُ أَي العظيمُ البطْنِ. ورجلٌ بَطِنٌ: لا هَمَّ له
إلاَّ بَطْنُه، وقيل: هو الرَّغيب الذي لا تَنْتَهِي نفسُه من الأَكل،
وقيل: هو الذي لا يَزَالُ عظيمَ البَطْنِ من كثرةِ الأَكل، وقالوا: كِيسٌ
بَطينٌ أَي مَلآنُ، على المَثَل؛ أَنشد ثعلبٌ لبعض اللُّصوص:
فأَصْدَرْتُ منها عَيْبةً ذاتَ حُلَّةٍ،
وكِيسُ أَبي الجارُودِ غَيْرُ بَطينِ
ورجل مِبْطانٌ: كثيرُ الأَكل لا يَهُمُّه إلا بَطْنُه، وبَطينٌ: عظيمُ
البَطْنِ، ومُبَطَّنٌ: ضامِر البَطْنِ خَميصُه، قال: وهذا على السَّلْب
كأَنه سُلِبَ بَطْنَه فأُعْدِمَه، والأُنثى مُبَطَّنةٌ، ومَبْطونٌ:
يَشْتَكي بَطْنَه؛ قال ذو الرمة:
رَخِيمات الكلامِ مُبَطَّنات،
جَواعِل في البُرَى قَصَباً خِدالا
ومن أَمثالهم: الذئب يُغْبَط بِذي بَطْنه؛ قال أَبو عبيد: وذلك أَنه لا
يُظَنُّ به أَبداً الجوع إنما يُظَنّ به البِطْنةُ لِعَدْوِه على الناس
والماشِيَةِ، ولعلَّه يكونُ مَجْهوداً من الجوع؛ وأَنشد:
ومَنْ يَسْكُنِ البَحْرَيْنِ يَعْظُمْ طِحالُه،
ويُغْبَطُ ما في بَطْنه وهْو جائعُ
وفي صفة عيسى، على نبينا وعليه أَفضل الصلاة والسلام: فإذا رجُل
مُبَطَّنٌ مثلُ السَّيف؛ المُبَطَّنُ: الضامِرُ البَطْن، ويقال للذي لا يَزالُ
ضَخْمَ البطنِ من كثرة الأَكل مِبْطانٌ، فإذا قالوا رَجُلٌ مُبَطَّنٌ
فمعناه أَنه خَميص البَطْن؛ قال مُتمّم بن نُوَيرة:
فَتىً غَيْرَ مِبْطانِ العَشِيَّةِ أَرْوعا
ومن أَمثال العرب التي تُضْرَب للأَمر إذا اشتدّ: التَقَتْ حَلْقَتا
البِطانِ، وأَما قول الراعي يصف إبلاً وحالبها:
إذا سُرِّحَتْ من مَبْرَكٍ نامَ خلفَها،
بمَيْثاءَ، مِبْطان الضُّحى غير أَرْوعا
مِبْطانُ الضُّحى: يعني راعياً يُبادِر الصَّبوح فيشرَبُ حتى يَميلَ من
اللَّبَن. والبَطينُ: الذي لا يَهُمُّه إلا بَطْنُه. والمَبْطُونُ:
العَليل البَطْنِ. والمِبْطانُ: الذي لا يزالُ ضخْمَ البطنِ. والبَطَنُ: داءُ
البَطْن. ويقال: بَطَنَه الداءُ وهو يَبْطُنُه، إذا دَخَله، بُطوناً.
ورجل مَبْطونٌ: يَشْتَكي بَطْنَه. وفي حديث عطاء: بَطَنتْ بك الحُمَّى أَي
أَثَّرَت في باطنك. يقال: بَطَنَه الداءُ يبطُنه. وفي الحديث: رجل
ارْتَبَطَ فرَساً لِيَسْتبْطِنَها أَي يَطْلُبَ ما في بطنها من النِّتاج.
وبَطَنَه يبْطُنُه بَطْناً وبَطَنَ له، كِلاهما: ضرَب بَطْنَه. وضرَب فلانٌ
البعيرَ فبَطَنَ له إذا ضرَب له تحت البَطْن؛ قال الشاعر:
إذا ضرَبْتَ مُوقَراً فابْطُنْ لهْ،
تحتَ قُصَيْراهُ ودُون الجُلَّهْ،
فإنَّ أَنْ تَبْطُنَهُ خَيرٌ لَهْ
أَراد فابطُنْه فزاد لاماً، وقيل: بَطَنَه وبَطَن له مثل شَكَره
وشَكَرَ له ونصَحَه ونصحَ له، قال ابن بري: وإنما أَسكن النون للإدغام في
اللام؛ يقول: إذا ضربت بعيراً مُوقَراً بحِمْله فاضْرِبْه في موضع لا يَضُرُّ
به الضربُ، فإنّ ضرْبَه في ذلك الموضع من بطْنه خير له من غيره. وأَلقَى
الرجلُ ذا بَطْنه: كناية عن الرَّجيع. وأَلْقَت الدَّجاجةُ ذا بَطْنِها:
يعني مَزْقَها إذا باضت. ونثرَت المرأَةُ بَطْنَها ولداً: كَثُر ولدُها.
وأَلقت المرأَةُ ذا بطنِها أَي وَلَدَت. وفي حديث القاسم بن أَبي
بَرَّةَ: أَمَرَ بعشَرَةٍ من الطَّهارة: الخِتانِ والاستِحدادِ وغَسْلِ
البَطِنةِ ونَتْفِ الإبْطِ وتقليم الأَظفار وقصِّ الشارب والاستِنْثار؛ قال
بعضهم: البَطِنة هي الدبُر، هكذا رواها بَطِنة، بفتح الباء وكسر الطاء؛ قال
شمر: والانتِضاحُ
(* قوله «والانتضاح» هكذا بدون ذكره في الحديث).
الاسْتِنجاءُ بالماء. والبَطْنُ: دون القبيلة، وقيل: هو دون الفَخِذِ وفوق
العِمارة، مُذَكَّر، والجمع أَبْطُنٌ وبُطُونٌ. وفي حديث علي، عليه السلام:
كَتَب على كلِّ بطْنٍ عُقولَه؛ قال: البَطْنُ ما دون القبيلة وفوق الفخِذ،
أَي كَتَب عليهم ما تَغْرَمُه العاقلة من الدِّيات فبَيَّن ما على كل قوم
منها؛ فأَما قوله:
وإنَّ كِلاباً هذه عَشْرُ أَبْطُنٍ،
وأَنتَ بريءٌ من قبَائِلِها العَشْر
فإنه أَنّث على معنى القبيلة وأَبانَ ذلك بقوله من قبائلها العشر. وفرسٌ
مُبَطَّنٌ: أَبيضُ البَطْنِ والظهر كالثوب المُبطَّن ولَوْنُ سائرِه ما
كان. والبَطْنُ من كل شيء: جَوْفُه، والجمع كالجمع. وفي صفة القرآن
العزيز: لكل آية منها ظَهْرٌ وبطْن؛ أَراد بالظَّهْرِ ما ظَهَرَ بيانُه،
وبالبَطْن ما احتيج إلى تفسيره كالباطِن خلاف الظاهر، والجمع بَواطِنُ؛
وقوله:وسُفْعاً ضِياهُنَّ الوَقودُ فأَصْبَحَت
ظواهِرُها سُوداً، وباطِنُها حُمْرا
أَراد: وبواطِنُها حُمْراً فوَضع الواحدَ موضعَ الجمع، ولذلك استَجاز
أَن يقول حُمْراً، وقد بَطُنَ يَبْطُنُ. والباطِنُ: من أَسماء الله عز وجل.
وفي التنزيل العزيز: هو الأَوّلُ والآخِرُ والظاهر والباطن؛ وتأْويلُه
ما روي عن النبي، صلى الله عليه وسلم، في تَمْجيد الربّ: اللهمّ أَنتَ
الظاهِر فليس فوقَك شيءٌ، وأَنت الباطِنُ فليس دونَك شيء، وقيل: معناه أَنه
علِمَ السرائرَ والخفيَّاتِ كما علم كلَّ ما هو ظاهرُ الخَلْقِ، وقيل:
الباطِن هو المُحْتَجِب عن أَبصار الخلائِق وأَوْهامِهم فلا يُدرِكُه بَصَر
ولا يُحيطُ به وَهْم، وقيل: هو العالمُ بكلِّ ما بَطَن. يقال: بَطَنْتُ
الأَمرَ إذا عَرَفتَ باطنَه. وقوله تعالى: وذَرُوا ظاهرَ الإثْمِ
وباطِنَه؛ فسره ثعلب فقال: ظاهرُه المُخالَّة وباطنُه الزِّنا، وهو مذكور في
موضعه. والباطِنةُ: خلافُ الظاهرة. والبِطانةُ: خلافُ الظِّهارة. وبِطانةُ
الرجل: خاصَّتُه، وفي الصحاح: بِطانةُ الرجل وَليجتُه. وأَبْطَنَه:
اتَّخَذَه بِطانةً. وأَبْطَنْتُ الرجلَ إذا جَعَلْتَه من خَواصِّك. وفي الحديث:
ما بَعَثَ الله من نبيّ ولا استَخْلَفَ من خليفة إلا كانت له بِطانتانِ؛
بِطانةُ الرجل: صاحبُ سِرِّه وداخِلةُ أَمره الذي يُشاوِرُه في أَحواله.
وقوله في حديث الاستسقاء: وجاء أَهلُ البِطانةِ يَضِجُّون؛ البِطانةُ:
الخارجُ من المدينة. والنَّعْمة الباطنةُ: الخاصَّةُ، والظاهرةُ:
العامَّةُ. ويقال: بَطْنُ الراحهِ وظَهْرُ الكَفّ. ويقال: باطنُ الإبْط، ولا يقال
بطْن الإبْط. وباطِنُ الخُفّ: الذي تَليه الرجْلُ. وفي حديث النَّخَعي:
أَنه كان يُبَطِّنُ لِحْيتَه ويأْخُذُ من جَوانِبها؛ قال شمر: معنى
يُبَطِّن لحيتَه أَي يأْخذ الشَّعَر من تحت الحَنَك والذَّقَنِ، والله أَعلم.
وأَفْرَشَني ظَهْر أَمرِه وبَطْنَه أَي سِرَّه وعلانِيَتَه، وبَطَنَ
خبرَه يَبْطُنُه، وأَفرَشَني بَطْنَ أَمره وظَهْرَه، ووَقَف على دَخْلَته.
وبَطَن فلانٌ بفلان يَبْطُنُ به بُطوناً وبطانة إذا كان خاصّاً به
داخلاًفي أَمره، وقيل: بَطَنَ به دخل في أَمره. وبَطَنتُ بفلان: صِرْتُ من
خواصِّه. وإنَّ فلاناً لذو بِطانة بفلان أَي ذو علمٍ بداخلةِ أَمره. ويقال:
أَنتَ أَبْطنْتَ فلاناً دوني أَي جَعلْتَه أَخَصَّ بك مني، وهو مُبَطَّنٌ
إذا أَدخَله في أَمره وخُصَّ به دون غيره وصار من أَهل دَخْلَتِه. وفي
التنزيل العزيز: يا أَيها الذين آمنوا لا تَتَّخِذُوا بِطانةً من دونكم؛
قال الزجاج: البِطانة الدُّخَلاء الذين يُنْبَسط إليهم ويُسْتَبْطَنونَ؛
يقال: فلان بِطانةٌ لفلان أَي مُداخِلٌ له مُؤانِس، والمعنى أَن المؤمنين
نُهوا أَن يَتَّخِذوا المنافقين خاصَّتَهم وأَن يُفْضُوا إليهم
أَسرارَهم. ويقال: أَنت أَبْطَنُ بهذا الأَمر أَي أَخبَرُ بباطِنِه. وتبَطَّنْت
الأَمرَ: عَلِمت باطنَه. وبَطَنْت الوادي: دَخَلْته. وبَطَنْت هذا الأَمرَ:
عَرَفْت باطنَه، ومنه الباطِن في صفة الله عز وجل. والبطانةُ: السريرةُ.
وباطِنةُ الكُورة: وَسَطُها، وظاهرتُها: ما تنَحَّى منها. والباطنةُ من
البَصْرةِ والكوفة: مُجْتَمَعُ الدُّور والأَسواقِ في قَصَبتها،
والضاحيةُ: ما تنَحَّى عن المساكن وكان بارزاً. وبَطْنُ الأَرض وباطنُها: ما
غَمَض منها واطمأَنّ. والبَطْنُ من الأَرض: الغامضُ الداخلُ، والجمعُ القليل
أَبْطِنةٌ، نادرٌ، والكثير بُطْنان؛ وقال أَبو حنيفة: البُطْنانُ من
الأَرض واحدٌ كالبَطْن. وأَتى فلانٌ الوادي فتَبَطَّنه أَي دخل بطنَه. ابن
شميل: بُطْنانُ الأَرض ما تَوَطَّأَ في بطون الأَرض سَهْلِها وحَزْنها
ورياضها، وهي قَرار الماء ومستَنْقَعُه، وهي البواطنُ والبُطون. ويقال: أَخذ
فلانٌ باطناً من الأَرض وهي أَبطأُ جفوفاً من غيرها. وتبطَّنْتُ الوادي:
دخلْت بطْنه وجَوَّلْت فيه. وبُطْنانُ الجنة: وسَطُها. وفي الحديث: ينادي
مُنادٍ من بُطْنانُ العرش أَي من وسَطه، وقيل: من أَصله، وقيل:
البُطْنان جمع بطن، وهو الغامض من الأَرض، يريد من دواخل العرش؛ ومنه كلام علي،
عليه السلام، في الاستسقاء: تَرْوَى به القِيعانُ وتسيل به البُطْنان.
والبُطْنُ: مسايلُ الماء في الغَلْظ، واحدها باطنٌ؛ وقول مُلَيْح:
مُنِيرٌ تَجُوزُ العِيسُ من بَطِناتِه
نَوىً، مثل أَنْواءِ الرَّضيخِ المُفَلَّق
قال: بَطِناتُه مَحاجُّه. والبَطْنُ: الجانب الطويلُ من الريش، والجمع
بُطْنانٌ مثل ظَهْرٍ وظُهْرانٍ وعَبْدٍ وعُبْدانٍ. والبَطْنُ: الشِّقُّ
الأَطولُ من الريشة، وجمعها بُطْنان. والبُطْنانُ أَيضاً من الريش: ما كان
بطنُ القُذَّة منه يَلي بطنَ الأُخرى، وقيل: البُطْنانُ ما كان من تحت
العَسيب، وظُهْرانُه ما كان فوق العسيب؛ وقال أَبو حنيفة: البُطْنانُ من
الريش الذي يَلي الأَرضَ إذا وقَع الطائرُ أَو سَفَعَ شيئاً أَو جَثَمَ على
بَيْضه أَو فِراخه، والظُّهارُ والظُّهْرانُ ما جُعِلَ من ظَهر عَسيب
الريشة. ويقال: راشَ سهمَه بظُهْرانٍ ولم يَرِشْه ببُطْنانٍ، لأَنَّ
ظُهْرانَ الريش أَوفَى وأَتَمُّ، وبُطْنانُ الريش قِصار، وواحدُ البُطْنانِ
بَطْنٌ، وواحدُ الظُّهْرانِ ظَهْرٌ، والعَسِيبُ قَضيبُ الريش في وسَطِه.
وأَبْطَن الرجل كَشْحَه سَيفَه ولسيفه: جعله بطانتَه. وأَبطنَ السيفَ كشْحَه
إذا جعله تحت خَصْره. وبطَّنَ ثوبَه بثوبٍ آخر: جعله تحته. وبِطانةُ
الثوب: خلافُ ظِهارته. وبطَّنَ فلان ثوبه تبطيناً: جعل له بطانةً، ولِحافٌ
مَبْطُونٌ ومُبَطَّن، وهي البِطانة والظِّهارة. قال الله عز وجل:
بَطائنُها من إسْتَبْرقٍ. وقال الفراء في قوله تعالى: مُتَّكِئِين على فُرُشٍ
بَطائنُها من إستبرقٍ؛ قال: قد تكونُ البِطانةُ ظِهارةً والظهارةُ بطانةً،
وذلك أَن كلَّ واحدٍ منها قد يكونُ وجهاً، قال: وقد تقول العربُ هذا ظهرُ
السماء وهذا بطنُ السماء لظاهرها الذي تراه. وقال غير الفراء: البِطانةُ
ما بطَنَ من الثوب وكان من شأْن الناس إخْفاؤه، والظهارة ما ظَهَرَ وكان
من شأْن الناس إبداؤه. قال: وإنما يجوز ما قال الفراء في ذي الوجهين
المتساويين إذا وَلِيَ كلُّ واحد منهما قوْماً، كحائطٍ يلي أَحد صَفْحَيْه
قوماً، والصَّفْحُ الآخرُ قوماً آخرين، فكلُّ وجهٍ من الحائط ظَهْرٌ
لمن يليه، وكلُّ واحدٍ من الوجهين ظَهْر وبَطْن، وكذلك وجْها الجبل وما
شاكلَه، فأَما الثوبُ فلا يجوز أَن تكونَ بطانتُه ظهارةً ولا ظِهارتُه
بِطانةً، ويجوز أَن يُجْعَل ما يَلينا من وجه السماء والكواكِب ظهْراً
وبطْناً، وكذلك ما يَلينا من سُقوف البيت. أَبو عبيدة: في باطِن وظِيفَيِ
الفرس أَبْطَنانِ، وهما عِرْقان اسْتَبْطَنا الذِّراعَ حتى انغَمَسا في
عَصَب الوَظيف. الجوهري: الأَبْطَنُ في ذِراع الفرسِ عِرْق في باطنها، وهما
أَبْطَنانِ. والأبْطَنانِ: عِرْقان مُسْتَبْطِنا بَواطِن وظِيفَي
الذراعَينِ حتى يَنْغَمِسا في الكَفَّين. والبِطانُ: الحزامُ الذي يَلي البَطْنَ.
والبِطانُ: حِزامُ الرَّحْل والقَتَب، وقيل: هو للبعير كالحِزام للدابة،
والجمع أَبطِنةٌ وبُطُن. وبَطَنَه يَبْطُنُه وأَبْطَنَه: شَدَّ بِطانه.
قال ابن الأَعرابي وحده: أَبْطَنْتُ البعير ولا يقال بَطَنْتُه، بغير
أَلف؛ قال ذو الرمة يصف الظليم:
أَو مُقْحَم أَضْعَفَ الإبْطانَ حادجُه،
بالأَمسِ، فاستَأْخَرَ العِدْلانِ والقَتَبُ
شَبَّه الظَّليمَ بجَمَل أَضْعَفَ حادِجُهُ شَدَّ بِطانِه فاسترْخَى؛
فشبَّه استِرْخاء
(* قوله «فشبه استرخاء إلخ» كذا بالأصل والتهذيب أيضاً،
ولعلها مقلوبة، والأصل: فشبه استرخاء جناحي الظليم باسترخاء عكميه).
عِكْمَيْه باسترخاء جَناحَيِ الظَّليم، وقد أَنكر أَبو الهيثم بَطَنْت، وقال:
لا يجوز إلا أَبْطَنت، واحتجَّ ببيت ذي الرمة. قال الأَزهري: وبَطَنْتُ
لغةٌ
أَيضاً. والبِطانُ للقَتَب خاصة، وجمعه أَبْطِنة، والحزامُ للسَّرْج.
ابن شميل: يقال أَبْطَنَ حِمْلَ البعيرِ وواضَعَه حتى يتَّضِع أَي حتى
يَسْترْخي على بَطْنه ويتمكن الحِمْل منه. الجوهري: البِطانُ للقَتَب
الحزامُ الذي يجعل تحت بطن البعير. يقال: التَقَتْ حَلْقَتا البطان للأَمر إذا
اشتدَّ، وهو بمنزلة التَّصدير للرحْل، يقال منه: أَبْطَنْتُ البعيرَ
إِبْطاناً إذا شَدَدْتَ بِطانَه. وإنه لعريضُ البِطانِ أَي رَخِيُّ البالِ.
وقال أَبو عبيد في باب البخيل، يموتُ ومالُه وافِرٌ لم يُنْفق منه شيئاً:
مات فلانٌ بِبِطْنَتِه لم يتَغَضْغَضْ منها شيء، ومثله: مات فلانٌ وهو
عريضُ البِطانِ أَي مالُه جَمٌّ لم يَذهَبْ منه شيءٌ؛ قال أَبو عبيد:
ويُضْرَب هذا المثلُ في أَمر الدِّين أَي خرَجَ من الدنيا سليماً لم يَثْلِمْ
دينَه شيءٌ، قال ذلك عمرو ابنُ العاص في عبد الرحمن بن عَوف لما مات:
هنيئاً لك خرَجْتَ من الدنيا بِبِطْنَتِكَ لم يتَغَضْغَضْ منها شيء؛ ضرَبَ
البطْنةَ مثلاً في أَمر الدين، وتغضْغَضَ الماءُ: نَقَصَ، قال: وقد يكون
ذمَّاً ولم يُرِدْ به هنا إلاْ المَدْحَ. ورجل بَطِنٌ: كثيرُ المال.
والبَطِنُ: الأَشِرُ. والبِطْنةُ: الأَشَرُ. وفي المَثَل: البِطْنةُ تُذْهِبُ
الفِطْنةَ، وقد بَطِنَ. وشأْوٌ بَطِينٌ: واسعٌ. والبَطين: البعيد، يقال:
شأْوٌ بطين أَي بعيد؛ وأَنشد:
وبَصْبَصْنَ، بين أَداني الغَضَا
وبين عُنَيْزةَ، شأْواً بَطِيناً
قال: وفي حديث سليمان بن صُرَد: الشَّوْطُ بَطِينٌ أَي بعيد. وتبطَّن
الرجلُ جاريتَه إذا باشَرها ولمَسَها، وقيل: تبطَّنها إذا أَوْلَج ذكرَه
فيها؛ قال امرؤُ القيس:
كأَنِّي لم أَرْكَبْ جَواداً لِلَذَّةٍ،
ولم أَتَبطَّنْ كاعِباً ذاتَ خَلْخالِ
وقال شمر: تبطَّنها إذا باشَرَ بطنُه بطنَها في قوله:
إذا أَخُو لذَّةِ الدنيا تبطَّنها
ويقال: اسْتَبْطَن الفحلُ الشَّوْلَ إذا ضربَها فلُقحَت كلُّها كأَنه
أَوْدع نطفتَه بطونها؛ ومنه قول الكميت:
فلما رأَى الجَوْزاءَ أَولُ صابِحٍ،
وصَرَّتَها في الفجر كالكاعِب الفُضُلْ،
وخَبَّ السَّفا، واسْتبطن الفحلُ، والتقتْ
بأَمْعَزِها بُقْعُ الجَنادِبِ تَرْتَكِلْ
صرَّتُها: جماعة كواكبها، والجَنادِب ترتَكِل من شدة الرَّمْضاء. وقال
عمرو بن بَحْر: ليس من حَيَوانٍ يتبطَّنُ طَروقتَه غيرُ الإنسان والتمساح،
قال: والبهائم تأْتي إناثها من ورائها، والطيرُ تُلْزِق الدُّبُرَ
بالدبر، قال أَبو منصور: وقول ذي الرمة تبطَّنَها أَي علا بطْنَها
ليُجامِعَها. واسْتبطنْتُ الشيءَ وتبَطَّنْتُ الكلأَ: جَوَّلتُ فيه. وابْتَطنْتُ
الناقةَ عشرةَ أَبطن أَي نَتجْتُها عشرَ مرات. ورجل بَطِين الكُرْز إذا كان
يَخبَأُ زادَه في السفر ويأْكل زادَ صاحبه؛ وقال رؤبة يذم رجلاً:
أَو كُرَّزٌ يمشي بَطينَ الكُرْزِ
والبُطَيْن: نجم من نجوم السماء من منازل القمر بين الشرَطَيْن
والثُّرَيَّا، جاء مصغَّراً
عن العرب، وهو ثلاثةُ كواكبَ صغار مستوية التثليث كأَنها أَثافي، وهو
بطن الحمَل، وصُغِّر لأَن الحمَل نجومٌ كثيرة على صورة الحَمَل، والشرَطان
قَرْناه، والبُطَيْن بَطنُه، والثريا أَليتُه، والعرب تزعُم أَن البُطَين
لا نَوْء له إلا الريحُ. والبَطينُ: فرس معروف من خيل العرب، وكذلك
البِطان، وهو ابن البَطين
(* قوله «وهو ابن البطين» عبارة القاموس: وهو أبو
البطين). والبَطين: رجل من الخَوارج. والبُطَين الحِمْضيّ: من
شُعَرائهم.
ضيف: ضِفْتُ الرجل ضَيْفاً وضِيافةً وتَضَيَّفْتُه: نزلتُ به ضَيْفاً
ومِلْتُ إليه، وقيل: نزلت به وصِرْت له ضَيفاً. وضِفْتُه وتَضَيَّفْتُه:
طلبت منه الضِّيافةَ؛ ومنه قول الفرزدق:
وجَدْت الثَّرى فينا إذا التُمِسَ الثَّرى،
ومَنْ هو يَرْجُو فَضْلَه المُتَضَيِّفُ
قال ابن بري: وشاهِد ضِفْتُ الرجل قولُ القطامي:
تَحَيَّزُ عَني خَشْيَةً أَن أَضِيفَها،
كما انْحازَتِ الأَفْعى مَخافةَ ضارِب
وقد فسر في ترجمة حيز. وفي حديث عائشة، رضي اللّه عنها: ضافَها ضَيْفٌ
فأَمَرَتْ له بمِلْحَفَةٍ صفراء؛ هو من ضفت الرجل إذا نزلت به في
ضِيافَتهِ؛ ومنه حديث النَّهْديِّ: تَضَيَّفْتُ أَبا هريرة سَبْعاً. وأَضَفْتَه
وضَيَّفْتَه: أَنْزَلْتَه عليك ضَيْفاً وأَمَلْتَه إليك وقَرَّبْتَه،
ولذلك قيل: هو مُضافٌ إلى كذا أَي مُمالٌ إليه. ويقال: أَضافَ فلان فلاناً
فهو يُضيفُه إضافةً إذا أَلجأَه إلى ذلك. وفي التنزيل العزيز: فأَبَوْا أَن
يضيفوهما؛ وأَنشد ثعلب لأَسماء بن خارجة الفزاري يصف الذئب:
ورأَيتُ حَقّاً أَن أُضَيِّفَه،
إذْ رامَ سِلْمِي واتَّقى حَرْبي
استعار له التضييفَ، وإنما يريد أَنه أَمَّنَه وسالمه. قال شمر: سمعت
رجاء بن سَلَمَة الكوفي يقول: ضَيَّفْتُه إذا أَطْعَمْتَه، قال: والتضييفُ
الإطعام، قال: وأَضافَه إذا لم يُطْعِمْه، وقال رجاء: في قراءة ابن
مسعود فأَبوا أَن يُضَيِّفُوهما: يُطْعِمُوهما. قال أَبو الهيثم: أَضافَه
وضَيَّفَه عندنا بمعنًى واحد كقولك أَكْرَمَه اللّه وكرَّمه، وأَضَفْته
وضَيَّفْتُه. قال: وقوله عز وجل فأَبوا أَن يُضَيِّفُوهما، سأَلاهم الإضافةَ
فلم يفعلوا، ولو قُرِئت أَن يُضِيفُوهما كان صواباً. وتَضَيَّفْتُه:
سأَلته أَن يُضِيفَني، وأَتيتُه ضَيْفاً؛ قال الأَعشى:
تَضَيَّفْتُه يَوْماً، فأَكْرَمَ مَقْعَدي،
وأَصْفَدَني على الزَّمانةِ قائدا
وقال الفرزدق:
ومنّا خَطِيبٌ لا يُعابُ، وقائلٌ
ومَنْ هو يَرْجو فَضْلَه المُتَضَيِّفُ
ويقال: ضَيَّفْتُه أَنزلته منزلة الأَضياف. والضَّيْفُ: المُضَيَّفُ
يكون للواحد والجمع كعدلٍ وخَصْمٍ. وفي التنزيل العزيز: هل أتاك حديثُ
ضَيْفِ إبراهيمَ المُكْرَمِينَ، وفيه: هؤلاء ضَيْفي فلا تَفْضَحُونِ؛ على أَن
ضيفاً قد يجوز أَن يكون ههنا جمع ضائف الذي هو النازل، فيكون من باب
زَوْرٍ وصَوْمٍ، فافهم، وقد يكسَّر فيقال أَضْيافٌ وضُيُوفٌ وضِيفانٌ؛
قال:إذا نَزَلَ الأَضْيافُ، كان عَذَوَّراً
على الحَيِّ حتى تَسْتَقِلَّ مَراجِلُهْ
قال ابن سيده: الأَضْيافُ هنا بلفظ القِلَّة ومعناها أَيضاً، وليس
كقوله:وأَسْيافُنا من نَجْدَةٍ تَقْطُرُ الدّما
في أَنْ المراد بها معنى الكثرة، وذلك أَمْدَحُ لأَنه إذا قَرَى
الأَضْيافَ بمراجِلِ الحيّ أَجمعَ، فما ظنُّك لو نزل به الضيِّفانُ الكثيرون؟
التهذيب: قوله هؤلاء ضَيْفِي أَي أَضيافي، تقول هؤلاء ضَيْفِي وأَضْيافي
وضُيوفي وضِيافي، والأُنثى ضَيْفٌ وضَيْفةٌ، بالهاء؛ قال البَعيث:
لَقًى حَمَلَتْه أُمُّه، وهي ضَيْفَةٌ،
فجاءَت بِيَتْنِ للضِّيافة أَرْشَما
وحرَّفه أَبو عبيدة فعزاه إلى جرير؛ قال أَبو الهيثم: أَراد بالضَّيْفة
في البيت أَنها حملتْه وهي حائض. يقال: ضافَتِ المرأةُ إذا حاضت لأَنها
مالت من الطُّهر إلى الحَيض، وقيل: معنى قوله وهي ضَيْفة أَي ضافت قوماً
فحبِلت في غير دار أَهلها.
واسْتَضافه: طلب إليه الضِّيافة؛ قال أَبو خِراشٍ:
يَطِيرُ إذا الشَّعْراء ضافتْ بِحَلْبِه،
كما طارَ قِدْحُ المُسْتَضِيفِ المُوَشَّمُ
وكان الرجل إذا أَراد أَن يَسْتَضيف دار بِقدْحٍ مُوَشَّم ليُعْلم أَنه
مُسْتَضِيف.
والضَّيْفَن: الذي يَتْبَعُ الضَّيْفَ، مشتقّ منه عند غير سيبويه، وجعله
سيبويه من ضفن وسيأْتي ذكره. الجوهري: الضَّيْفن الذي يجيء مع
الضَّيْفِ، والنون زائدة، وهو فَعْلَن وليس بفَيْعَلٍ؛ قال الشاعر:
إذا جاء ضَيْفٌ، جاء للضَّيْفِ ضَيْفَنٌ،
فأَوْدَى بما تُقْرى الضُّيُوفُ الضَّيافِنُ
وضافَ إليه: مال ودَنا، وكذلك أَضاف؛ قال ساعدة بن جؤية يصف سحاباً:
حتى أَضافَ إلى وادٍ ضَفادِعُه
غَرْقَى رُدافَى، تراها تَشْتَكي النَّشَجا
وضافَني الهمُّ كذلك. والمُضاف: المُلْصَق بالقوم المُمال إليهم وليس
منهم. وكلُّ ما أُمِيلَ إلى شيء وأُسْنِد إليه، فقد أُضِيفَ؛ قال امرؤ
القيس:
فلما دخَلْناه، أَضفنا ظُهورَنا
إلى كلِّ حارِيٍّ قَشِيبٍ مُشَطَّبِ
أَي أَسْنَدْنا ظُهورَنا إليه وأَملْناها؛ ومنه قيل للدّعيِّ مُضاف
لأَنه مُسْنَدٌ إلى قوم ليس منهم. وفي الحديث: مَضِيفٌ ظهرَه إلى القُبَّة
أَي مُسْنِدُه. يقال: أَضفتُه إليه أُضِيفُه. والمُضاف: المُلْزَق بالقوم.
وضافه الهمُّ أَي نزَلَ به؛ قال الراعي:
أَخُلَيْدُ، إنَّ أَباك ضافَ وِسادَهُ
هَمَّانِ، باتا جَنْبَةً ودخِيلا
أَي بات أَحدُ الهَمَّيْنِ جَنْبَه، وباتَ الآخرُ داخِلَ جَوْفِه.
وإضافةُ الاسم إلى الاسم كقولك غلام زيد، فالغلام مضاف وزيد مضاف إليه،
والغَرَض بالإضافة التخصيص والتعريف، ولهذا لا يجوز أَن يُضافَ الشيء إلى
نفسه لأَنه لا يُعَرِّفُ نفسه، فلو عرَّفها لما احتيج إلى الإضافة.
وأَضفت الشيء إلى الشيء أَي أَمَلْتُه، والنحويون يسمون الباء حرف الإضافة،
وذلك أَنك إذا قلت مررت بزيد فقد أَضفت مرورَك إلى زيد بالباء.
وضافت الشمس تَضِيفُ وضَيَّفَت وتَضيَّفتْ: دنت للغروب وقرُبت. وفي
الحديث: نَهى رسولُ اللّه، صلى اللّه عليه وسلم، عن الصلاة إذا تَضَيَّفت
الشمسُ لغروب؛ تضيَّفت: مالت، ومنه سمي الضَّيْفُ ضَيْفاً من ضافَ عنه
يَضِيف؛ قال: ومنه الحديث: ثلاثُ ساعات كان رسول اللّه، صلى اللّه عليه وسلم،
يَنهانا أَن نُصَلِّي فيها: إذا طلعت الشمس حتى ترتفع، وإذا تضَيَّفت
للغروب، ونصفَ النهار. وضاف السهمُ: عَدَل عن الهَدَف أَو الرميَّة، وفيه
لغة أُخرى ليست في الحديث: صافَ السهم بمعنى ضافَ، والذي جاء في الحديث
ضافَ، بالضاد. وفي حديث أَبي بكر قال له ابنه: ضِفْتُ عنك يوم بَدرٍ أَي
مِلْتُ عنكَ وعدَلْتُ؛ وقول أبي ذؤيب:
جَوارِسُها تَأْوِي الشعُوفَ دَوائِباً،
وتَنْصَبُّ أَلْهاباً مَضِيفاً كِرابُها
أَراد ضائفاً كِرابُها أَي عادِلةً مُعْوَجَّةً فوضع اسم المفعول موضع
المصدر. والمُضافُ: الواقع بين الخيل والأَبْطال وليست به قوَّة؛ وأَما
قول الهذلي:
أَنت تُجِيبُ دَعْوةَ المَضوفِ
فإنما استعمل المفعول على حذف الزائد، كما فُعل ذلك في اسم الفاعل نحو
قوله:
يَخْرُجْن من أَجْوازِ ليلٍ غاضِي
وبني المَضُوف على لغة من قال في بِيع بُوعَ. والمضاف: المُلْجأُ
المُحْرَجُ المُثْقَلُ بالشرّ؛ قال البُرَيْق الهذلي:
ويَحْمِي المُضافَ إذا ما دعا،
إذا ما دعا اللِّمّة الفَيْلَمُ
(* قوله «إذا ما دعا اللمة إلخ» هكذا في الأصل، وأنشده الجوهري في مادة
ف ل م: إذا فرّ ذو اللمة الفيلم)
هكذا رواه أَبو عبيد بالإطلاق مرفوعاً، ورواه غيره بالإطلاق أيضاً
مجروراً على الصفة للِّمّة؛ قال ابن سيده: وعندي أَنَّ الرواية الصحيحة إنما
هي الإسكان على أَنه من الضرب الرابع من المُتَقارَب لأَنك إن أَطلقتها
فهي مُقْواة، كانت مرفوعة أَو مجرورة؛ أَلا ترى أَن فيها:
بعثت إذا طَلَعَ المِرْزَمُ
وفيها:
والعَبدَ ذا الخُلُق الأَفْقَما
وفيها:
وأَقضي بصاحبها مَغْرَمِي
فإذا سكّنت ذلك كله فقلت المِرْزَمْ الأَفقمْ مغرمْ، سَلِمت القِطعةُ من
الإقواءِ فكان الضرْب فلْ، فلم يخرج من حكم المتقارَب. وأَضفتُه إلى كذا
أَي أَلجأْته؛ ومنه المُضاف في الحرب وهو الذي أُحيط به؛ قال طرفة:
وكَرِّي إذا نادى المُضافُ مُحَنَّباً،
كَسِيدِ الغَضَا، نَبَّهْتَه، المُتَوَرِّدِ
قال ابن بري: والمُسْتَضاف أَيضاً بمعنى المضاف؛ قال جوَّاس بن حَيّان
الأَزْدِيّ:
ولقد أُقْدِمُ في الرَّوْ
عِ، وأَحْمِي المُسْتَضافا
ثم قد يحْمَدُني الضَّيْـ
ـفُ، إذا ذَمَّ الضِّيافا
واستضافَ من فلان إلى فلان: لجأَ إليه؛ عن ابن الأَعرابي؛ وأَنشد:
ومارَسَني الشَّيْبُ عن لِمَّتي،
فأَصبحْتُ عن حقِّه مُسْتَضيفا
وأَضافَ من الأَمر: أَشْفَقَ وحَذِر؛ قال النابغة الجعدي:
أَقامتْ ثلاثاً بين يومٍ وليلةٍ،
وكان النَّكيرُ أَن تُضِيفَ وتَجْأَرا
وإنما غَلَّبَ التأنيث لأَنه لم يذكر الأَيام. يقال: أَقَمْتُ عنده
ثلاثاً بين يومٍ وليلةٍ، غلَّبوا التأْنيث. والمَضُوفةُ: الأَمر يُشْفَقُ منه
ويُخافُ؛ قال أَبو جندب الهذلي:
وكُنْتُ إِذا جاري دَعا لِمَضُوفةٍ،
أُشَمِّرُ حتى يَنْصُفَ الساقَ مِئْزَري
يعني الأَمْر يُشْفِقُ منه الرَّجُل؛ قال أَبو سعيد: وهذا البيت يروى
على ثلاثة أَوجه: على المَضُوفةِ، والمَضِيفَةِ، والمُضافةِ؛ وقيل:ضافَ
الرَّجلُ وأَضافَ خاف. وفي حديث علي، كرم اللّه وجهه: أَنَّ ابن الكَوَّاء
وقَيْسَ بن عَبادٍ
(* قوله «عباد» كذا بالأصل، والذي في النهاية عبادة.)
جاآه فقالا له: أَتَيْناكَ مُضافين مُثْقَلَيْنِ؛ مُضافين أَي خائفَين،
وقيل: مُضافين مُلْجَأَيْن. يقال: أَضافَ من الأَمر إذا أَشْفَق. وحَذِر من
إضافةِ الشيء إلى الشيء إذا ضَمَّه إليه. يقال: أَضافَ من الأَمر وضافَ
إذا خافه وأَشْفَقَ منه. والمَضُوفة: الأَمر الذي يُحذَرُ منه ويُخافُ،
ووجهه أَن تجعل المُضافَ مصدراً بمعنى الإضافة كالمُكْرَم بمعنى الإكْرام،
ثم تصفَ بالمصدر، وإلا فالخائف مُضِيف لا مُضاف.
وفلان في ضِيفِ فلان أَي في ناحيته. والضِّيفُ: جانبا الجبل والوادي،
وفي التهذيب: الضِّيفُ جانِبُ الوادي؛ واستعار بعض الأَغْفالِ الضِّيفَ
للذَّكر فقال:
حتى إذا وَرَّكْت من أَْتَيْرِ
سواد ضِيفَيْهِ إلى القُصَيْرِ
وتضايف الوادب: تضايَقَ. أَبو زيد: الضِّيفُ، بالكسر، الجَنْبُ؛ قال:
يَتْبَعْنَ عَوْداً يَشْتَكي الأظَلاَّ،
إذا تَضايَفْنَ عليه أْنْسَلاَّ
يعني إذا صِرْنَ منه قريباً إلى جَنْبِه، والقاف فيه تصحيف.
وتَضايَفَه القوم إذا صاروا بِضِيفَيْه. وفي الحديث: أَنَّ العَدُوَّ
يوم حُنَيْنٍ كَمَنُوا في أَحناء الوادي ومَضايفه. والضِّيفُ: جانِبُ
الوادي. وناقةٌ تُضِيفُ إلى صوت الفحل أَي إذا سمعته أَرادت أَن تأْتيه؛ قال
البُرَيْقُ الهذلي:
منَ المُدَّعِينَ إذا نُوكِروا،
تُضِيفُ إلى صَوْتِه الغَيْلَمُ
الغيلم: الجاريةُ الحَسْناء تَسْتأْنِسُ إلى صوته؛ ورواية أَبي عبيد:
تُنِيفُ إلى صَوته الغيلم
لجن: لَجَنَ الورَقَ يَلْجُنُه لَجْناً، فهو مَلْجُونٌ ولَجِينٌ: خبَطه
وخلَطه بدقيق أَو شعير.وكلُّ ما حِيسَ في الماء فقد لُجِنَ.
وتَلجَّنَ الشيءُ: تَلزَّجَ. وتلجَّنَ رأْسُه: اتَّسَخَ، وهو منه. وتلجَّنَ
ورقُ السِّدْرِ إِذا لُجِنَ مدقوقاً؛ وأَنشد الشمّاخ:
وماءٍ قد ورَدْتُ لوَصْلِ أَرْوَى،
عليه الطَّيْرُ كالوَرَقِ اللَّجينِ
وهو ورقُ الخِطْمِيِّ إِذا أُوخِفَ. أَبوعبيدة: لَجَّنْتُ الخِطْمِيّ
ونحوه تَلْجيناً وأَوخَفْتُه إِذا ضربته بيدك ليَثْخُنَ، وقيل:تلجَّنَ
الشيءُ إِذا غُسِلَ فلم يَنتَقِ من وسَخه. وشيء لَجِنٌ: وسِخ؛ قال ابن
مقبل:
يَعْلونَ بالمَرْدَقُوشِ الوَرْدَ ضاحِيةً
على سَعابيب ماء الضّالةِ اللَّجِنِ
الليث: اللَّجينُ ورقُ الشَّجر يُخْبَطُ ثم يُخْلطُ بدقيق أَو شعير
فيُعْلفُ للإبل، وكل ورق أَو نحوه فهومَلْجُون لجِينٌ حتى آسُ الغِسْلَةِ.
الجوهري: واللَّجِينُ الخَبَطُ، وهو ما سقط من الورق عند الخَبْطِ،
وأَنشد بيت الشمّاخ. وتَلجَّنَ القومُ إِذا أَخذوا الورقَ ودقوه وخلطوه
بالنوى للإِبل. وفي حديث جرير: إِذا أَخْلَفَ كان لَجِيناً؛ اللَّجينُ، بفتح
اللام وكسر الجيم: الخَبَطُ، وذلك أَن ورق الأَراك والسَّلَم يُخْبَطُ
حتى يسقُط ويَجِفَّ ثم يُدَقُّ
(* قوله «حتى يسقط ويجف ثم يدق إلخ» كذا
بالأصل والنهاية، وكتب بهامشها: هذا لا يصح فإنه لا يتلزج إلا إذا كان
رطباً اه. أي فالصواب حذف يجف). حتى يتَلجَّن أَي يتلزج ويصيركالخِطْمِي.
وكل شيء تلزج فقد تَلجَّنَ، وهو فعيل بمعنى مفعول.
وناقة لَجُون: حَرُون؛ قال أَوس:
ولقد أَرِبْتُ على الهُمومِ بجَسْرَةٍ
عَيْرانةٍ بالرِّدْفِ، غير لَجُونِ
قال ابن سيده: اللِّجانُ في الإِبل كالحِرَانِ في الخيل.وقد لَجَنَ
لِجاناً ولُجوناً وهي ناقة لَجُونٌ، وناقة لَجُون أَيضاً: ثقيلة المشي، وفي
الصحاح: ثقيلة في السير، وجمَلٌ لَجُونٌ كذلك.قال بعضهم: لا يقال
وجمَلٌ لَجُونٌ إِنما تُخَصُّ به الإِناثُ، وقيل: اللِّجانُ واللُّجُون في
جميع الدواب كالحِرَانِ في ذوات الحافر منها. غيره: الحِرانُ في الحافر
خاصةً، والخِلاء في الإِبل، وقد لَجَنت تَلْجُنُ لُجُوناً ولِجاناً.
واللُّجَيْنُ: الفضة، لا مكبرله جاء مُصغَّراً مثل الثُّرَيّا
والكُمَيْتِ؛ قال ابن جني: ينبغي أَن يكون إِنما أَلزموا التحقير هذا الاسم
لاستصغار معناه ما دام في تُرابِ مَعْدِنه فلزمه التخليص. وفي حديث العِرْباض:
بِعْتُ من رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بَكْراً فأَتيته أَتقاضاه
ثمَنَه فقال: لا أَقضيكها إََِلا لُجَيْنِيَّةً؛ قال ابن الأَثير: الضمير في
أَقضيكها إِلى الدراهم، واللُّجَيْنِيَّة منسوبة إِلى اللُّجَينِ، وهو
الفضة. واللَّجِينُ: زَبَدُ أَفواه الإِبل؛ قال أَبو وجزة:
كأَنَّ الناصعاتِ الغُرَّ منها،
إِذا صَرَفَتْ وقَطَّعَتِ اللَّجِينا
شبَّه لُغامها بلَجِين الخَطْمِيّ، وأَراد بالناصعات الغر أَنيابها.
بوب: البَوْباةُ: الفَلاةُ، عن ابن جني، وهي الـمَوْماةُ. وقال أَبو
حنيفة: البَوْباةُ عَقَبةٌ كَؤُودٌ على طريقِ مَنْ أَنْجَدَ من حاجِّ اليَمَن، والبابُ معروف، والفِعْلُ منه التَّبْوِيبُ، والجمعُ أَبْوابٌ وبِيبانٌ. فأَما قولُ القُلاخِ بن حُبابةَ، وقيل لابن مُقْبِل:
هَتَّاكِ أَخْبِيةٍ، وَلاَّجِ أَبْوِبةٍ، * يَخْلِطُ بالبِرِّ منه الجِدَّ واللِّينا(1)
(1 قوله «هتاك إلخ» ضبط بالجر في نسخة من المحكم وبالرفع في التكملة وقال فيها والقافية مضمومة والرواية: ملء الثواية فيه الجدّ واللين)
فإِنما قال أَبْوِبةٍ للازدواج لمكان أَخْبِيةٍ. قال: ولو أَفرده لم يجز.
وزعم ابن الأَعرابي واللحياني أَنَّ أَبْوِبةً جمع باب من غير أَن يكون إِتباعاً، وهذا نادر، لأَن باباً فَعَلٌ، وفَعَلٌ لا يكسّر على
أَفْعِلةٍ. وقد كان الوزيرُ ابن الـمَغْربِي يَسْأَلُ عن هذه اللفظة على سبيلِ الامْتِحان، فيقول: هل تعرف لَفظَةً تُجْمع على أَفْعِلةٍ على غير قياس جَمْعِها المشهور طَلَباً للازدواج. يعني هذه اللفظةَ، وهي أَبْوِبةٌ. قال: وهذا في صناعةِ الشعر ضَرْبٌ من البَدِيع يسمى التَّرْصِيعَ. قال: ومـما يُسْتَحْسَنُ منه قولُ أَبي صَخْرٍ الهُذلِي في صِفَة مَحْبُوبَتِه:
عَذْبٌ مُقَبَّلُها، خَدْل مُخَلْخَلُها، * كالدِّعْصِ أَسْفَلُها، مَخْصُورة القَدَمِ
سُودٌ ذَوائبُها، بِيض تَرائبُها، * مَحْض ضَرائبُها، صِيغَتْ على الكَرَمِ
عَبْلٌ مُقَيَّدُها، حالٍ مُقَلَّدُها، * بَضّ مُجَرَّدُها، لَفَّاءُ في عَمَمِ
سَمْحٌ خَلائقُها، دُرْم مَرافِقُها، * يَرْوَى مُعانِقُها من بارِدٍ شَبِمِ
واسْتَعار سُوَيْد بن كراع الأَبْوابَ للقوافِي فقال:
أَبِيتُ بأَبْوابِ القَوافِي، كأَنَّما * أَذُودُ بها سِرْباً، مِنَ الوَحْشِ، نُزَّعا
والبَوَّابُ: الحاجِبُ، ولو اشْتُقَّ منه فِعْلٌ على فِعالةٍ لقيل بِوابةٌ باظهار الواو، ولا تُقْلَبُ ياءً، لأَنه ليس بمصدر مَحْضٍ، إِنما هو
اسم. قال: وأَهلُ البصرة في أَسْواقِهم يُسَمُّون السَّاقِي الذي يَطُوف عليهم بالماءِ بَيَّاباً. ورجلٌ بَوّابٌ: لازم للْباب، وحِرْفَتُه
البِوابةُ. وبابَ للسلطان يَبُوبُ: صار له بَوَّاباً.
وتَبَوَّبَ بَوَّاباً: اتخذه. وقال بِشْرُ بن أبي خازم:
فَمَنْ يَكُ سائلاً عن بَيْتِ بِشْرٍ، * فإِنَّ له، بجَنْبِ الرَّدْهِ، بابا
<ص:224>
إِنما عنى بالبَيْتِ القَبْرَ، ولما جَعَله بيتاً، وكانت البُيوتُ ذواتِ
أَبْوابٍ، اسْتَجازَ أَن يَجْعل له باباً.
وبَوَّبَ الرَّجلُ إِذا حَمَلَ على العدُوّ.
والبابُ والبابةُ، في الحُدودِ والحِساب ونحوه: الغايةُ، وحكى سيبويه: بيَّنْتُ له حِسابَه باباً باباً.
وباباتُ الكِتابِ: سطورهُ، ولم يُسمع ما بواحدٍ، وقيل: هي وجوهُه وطُرُقُه. قال تَمِيم بن مُقْبِلٍ:
بَنِي عامرٍ! ما تأْمُرون بشاعِرٍ، * تَخَيَّرَ باباتِ الكتابِ هِجائيا
وأَبوابٌ مُبَوَّبةٌ، كما يقال أَصْنافٌ مُصَنَّفَةٌ. ويقال هذا شيءٌ
منْ بابَتِك أَي يَصْلُحُ لك. ابن الأَنباري في قولهم هذا مِن بابَتي. قال ابن السكيت وغيره: البابةُ عند العَرَب الوجْهُ، والباباتُ الوُجوه.
وأَنشد بيت تميم بن مقبل:
تَخَيَّرَ باباتِ الكِتابِ هِجائِيا
قال معناه: تَخَيَّرَ هِجائي مِن وُجوه الكتاب؛ فإِذا قال: الناسُ مِن
بابَتِي، فمعناه من الوجْهِ الذي أُريدُه ويَصْلُحُ لي.
أَبو العميثل: البابةُ: الخَصْلةُ. والبابِيَّةُ: الأُعْجوبةُ. قال النابغة الجعدي:
فَذَرْ ذَا، ولكِنَّ بابِيَّةً * وَعِيدُ قُشَيْرٍ، وأَقْوالُها
وهذا البيت في التهذيب:
ولكِنَّ بابِيَّةً، فاعْجَبوا، * وَعِيدُ قُشَيْرٍ، وأَقْوالُها
بابِيَّةٌ: عَجِيبةٌ. وأَتانا فلان بِبابيَّةٍ أَي بأُعْجوبةٍ. وقال الليث: البابِيَّةُ هَدِيرُ الفَحْل في تَرْجِيعه (1)
(1 قوله «الليث: البابية هدير الفحل إلخ» الذي في التكملة وتبعه المجد البأببة أي بثلاث باءات كما ترى هدير الفحل. قال رؤبة:
إِذا المصاعيب ارتجسن قبقبا * بخبخة مراً ومراً بأببا
ا هـ فقد أورده كل منهما في مادة ب ب ب لا ب و ب وسلم المجد من التصحيف. والرجز الذي أورده الصاغاني يقضي بان المصحف غير المجد فلا تغتر بمن سوّد الصحائف.) ، تَكْرار له. وقال رؤْبة:
بَغْبَغَةَ مَرّاً ومرّاً بابِيا
وقال أيضاً:
يَسُوقُها أَعْيَسُ، هَدّارٌ، بَبِبْ، * إِذا دَعاها أَقْبَلَتْ، لا تَتَّئِبْ (2)
(2 وقوله «يسوقها أعيس إلخ» أورده الصاغاني أيضاً في ب ب ب.)
وهذا بابةُ هذا أَي شَرْطُه.
وبابٌ: موضع، عن ابن الأَعرابي. وأَنشد:
وإِنَّ ابنَ مُوسى بائعُ البَقْلِ بالنَّوَى، * له، بَيْن بابٍ والجَرِيبِ، حَظِيرُ
والبُوَيْبُ: موضع تِلْقاء مِصْرَ إِذا بَرَقَ البَرْقُ من قِبَله لم يَكَدْ يُخْلِفُ. أَنشد أَبو العَلاءِ:
أَلا إِنّما كان البُوَيْبُ وأَهلُه * ذُنُوباً جَرَتْ مِنِّي، وهذا عِقابُها
والبابةُ: ثَغْرٌ من ثُغُورِ الرُّومِ. والأَبوابُ: ثَغْرٌ من ثُغُور
الخَزَرِ. وبالبحرين موضع يُعرف ببابَيْنِ، وفيه يقول قائلهم:
إِنَّ ابنَ بُورٍ بَيْنَ بابَيْنِ وجَمْ، * والخَيْلُ تَنْحاهُ إِلى قُطْرِ الأَجَمْ
وضَبَّةُ الدُّغْمانُ في رُوسِ الأَكَمْ، * مُخْضَرَّةً أَعيُنُها مِثْلُ الرَّخَمْ
حمل: حَمَل الشيءَ يَحْمِله حَمْلاً وحُمْلاناً فهو مَحْمول وحَمِيل،
واحْتَمَله؛ وقول النابغة:
فَحَمَلْتُ بَرَّة واحْتَمَلْتَ فَجَارِ
عَبَّر عن البَرَّة بالحَمْل، وعن الفَجْرة بالاحتمال، لأَن حَمْل
البَرَّة بالإِضافة إِلى احتمال الفَجْرَة أَمر يسير ومُسْتَصْغَر؛ ومثله قول
الله عز اسمه: لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت، وهو مذكور في موضعه؛ وقول
أَبي ذؤيب:
ما حُمِّل البُخْتِيُّ عام غِيَاره،
عليه الوسوقُ: بُرُّها وشَعِيرُها
قال ابن سيده: إِنما حُمِّل في معنى ثُقِّل، ولذلك عَدَّاه بالباء؛ أَلا
تراه قال بعد هذا:
بأَثْقَل مما كُنْت حَمَّلت خالدا
وفي الحديث: من حَمَل علينا السِّلاح فليس مِنَّا أَي من حَمَل السلاح
على المسلمين لكونهم مسلمين فليس بمسلم، فإِن لم يحمله عليهم لإِجل كونهم
مسلمين فقد اخْتُلِف فيه، فقيل: معناه ليس منا أَي ليس مثلنا، وقيل: ليس
مُتَخَلِّقاً بأَخلاقنا ولا عاملاً بِسُنَّتِنا، وقوله عز وجل: وكأَيِّن
من دابة لا تَحْمِل رزقَها؛ قال: معناه وكم من دابة لا تَدَّخِر رزقها
إِنما تُصْبح فيرزقها الله. والحِمْل: ما حُمِل، والجمع أَحمال، وحَمَله
على الدابة يَحْمِله حَمْلاً. والحُمْلان: ما يُحْمَل عليه من الدَّواب في
الهِبَة خاصة. الأَزهري: ويكون الحُمْلان أَجْراً لما يُحْمَل. وحَمَلْت
الشيء على ظهري أَحْمِله حَمْلاً. وفي التنزيل العزيز: فإِنه يَحْمِل يوم
القيامة وِزْراً خالدين فيه وساءلهم يوم القيامة حِمْلاً؛ أَي وِزْراً.
وحَمَله على الأَمر يَحْمِله حَمْلاً فانْحمل: أَغْراه به؛ وحَمَّله على
الأَمر تَحْمِيلاً وحِمَّالاً فَتَحَمَّله تَحَمُّلاً وتِحِمَّالاً؛ قال
سيبويه: أَرادوا في الفِعَّال أَن يَجِيئُوا به على الإِفْعال فكسروا
أَوله وأَلحقوا الأَلف قبل آخر حرف فيه، ولم يريدوا أَن يُبْدِلوا حرفاً
مكان حرف كما كان ذلك في أَفْعَل واسْتَفْعَل. وفي حديث عبد الملك في هَدْم
الكعبة وما بنى ابنُ الزُّبَيْر منها: وَدِدت أَني تَرَكْتُه وما
تَحَمَّل من الإِثم في هَدْم الكعبة وبنائها. وقوله عز وجل: إِنا عَرَضْنا
الأَمانة على السموات والأَرض والجبال فأَبَيْن أَن يَحْمِلْنها وأَشْفَقْن
منها وحَمَلها الإِنسان، قال الزجاج: معنى يَحْمِلْنها يَخُنَّها،
والأَمانة هنا: الفرائض التي افترضها الله على آدم والطاعة والمعصية، وكذا جاء في
التفسير والإِنسان هنا الكافر والمنافق، وقال أَبو إِسحق في الآية: إِن
حقيقتها، والله أَعلم، أَن الله تعالى ائْتَمَن بني آدم على ما افترضه
عليهم من طاعته وأْتَمَنَ السموات والأَرض والجبال بقوله: ائْتِيا طَوْعاً
أَو كَرْهاً قالتا أَتَيْنا طائعين؛ فَعَرَّفنا الله تعالى أَن السموات
والأَرض لمَ تَحْمِ الأَمانة أَي أَدَّتْها؛ وكل من خان الأَمانة فقد
حَمَلها، وكذلك كل من أَثم فقد حَمَل الإِثْم؛ ومنه قوله تعالى:
ولَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهم، الآية، فأَعْلم اللهُ تعالى أَن من باء بالإِثْم يسمى
حَامِلاً للإِثم والسمواتُ والأَرض أَبَيْن أَن يَحْمِلْنها، يعني الأَمانة.
وأَدَّيْنَها، وأَداؤها طاعةُ الله فيما أَمرها به والعملُ به وتركُ
المعصية، وحَمَلها الإِنسان، قال الحسن: أَراد الكافر والمنافق حَمَلا
الأَمانة أَي خانا ولم يُطِيعا، قال: فهذا المعنى، والله أَعلم، صحيح ومن
أَطاع الله من الأَنبياء والصِّدِّيقين والمؤمنين فلا يقال كان ظَلُوماً
جَهُولاً، قال: وتصديق ذلك ما يتلو هذا من قوله: ليعذب الله المنافقين
والمنافقات، إِلى آخرها؛ قال أَبو منصور: وما علمت أَحداً شَرَح من تفسير هذه
الآية ماشرحه أَبو إِسحق؛ قال: ومما يؤيد قوله في حَمْل الأَمانة إِنه
خِيَانَتُها وترك أَدائها قول الشاعر:
إِذا أَنت لم تَبْرَح تُؤَدِّي أَمانة،
وتَحْمِل أُخْرَى، أَفْرَحَتْك الودائعُ
أَراد بقوله وتَحْمل أُخرى أَي تَخُونها ولا تؤَدِّيها، يدل على ذلك
قوله أَفْرَحَتْك الودائع أَي أَثْقَلَتْك الأَمانات التي تخونها ولا
تُؤَدِّيها. وقوله تعالى: فإِنَّما عليه ما حُمِّل وعليكم ما حُمِّلْتم؛ فسره
ثعلب فقال: على النبي، صلى الله عليه وسلم، ما أُحيَ إِليه وكُلِّف أَن
يُنَبِّه عليه، وعليكم أَنتم الاتِّباع. وفي حديث عليّ: لا تُنَاظِروهم
بالقرآن فإِن القرآن حَمَّال ذو وُجُوه أَي يُحْمَل عليه كُلُّ تأْويل
فيحْتَمِله، وذو وجوه أَي ذو مَعَانٍ مختلفة. الأَزهري: وسمى الله عز وجل
الإِثْم حِمْلاً فقال: وإِنْ تَدْعُ مُثْقَلةٌ إِلى حِمْلِها لا يُحْمَلْ منه
شيء ولو كان ذا قُرْبَى؛ يقول: وإِن تَدْعٌ نفس مُثْقَلة بأَوزارها ذا
قَرابة لها إِلى أَن يَحْمِل من أَوزارها شيئاً لم يَحْمِل من أَوزارها
شيئاً. وفي حديث الطهارة: إِذا كان الماء قُلَّتَيْن لم يَحْمِل الخَبَث
أَي لم يظهره ولم يَغْلب الخَبَثُ عليه، من قولهم فلان يَحْمِل غَضَبه
(*
قوله «فلان يحمل غضبه إلخ» هكذا في الأصل ومثله في النهاية، ولعل المناسب
لا يحمل أو يظهر، باسقاط لا) أَي لا يُظْهِره؛ قال ابن الأَثير: والمعنى
أَن الماء لا ينجس بوقوع الخبث فيه إِذا كان قُلَّتَين، وقيل: معنى لم
يَحْمل خبثاً أَنه يدفعه عن نفسه، كما يقال فلان لا يَحْمِل الضَّيْم إِذا
كان يأْباه ويدفعه عن نفسه، وقيل: معناه أَنه إِذا كان قُلَّتَين لم
يَحْتَمِل أَن يقع فيه نجاسة لأَنه ينجس بوقوع الخبث فيه، فيكون على الأَول
قد قصد أَوَّل مقادير المياه التي لا تنجس بوقوع النجاسة فيها، وهو ما بلغ
القُلَّتين فصاعداً، وعلى الثاني قصد آخر المياه التي تنجس بوقوع
النجاسة فيها، وهو ما انتهى في القلَّة إِلى القُلَّتَين، قال: والأَول هو
القول، وبه قال من ذهب إِلى تحديد الماء بالقُلَّتَيْن، فأَما الثاني فلا.
واحْتَمل الصنيعة: تَقَلَّدها وَشَكَرها، وكُلُّه من الحَمْل. وحَمَلَ
فلاناً وتَحَمَّل به وعليه
(* قوله «وتحمل به وعليه» عبارة الأساس: وتحملت
بفلان على فلان أي استشفعت به إِليه) في الشفاعة والحاجة: اعْتَمد.
والمَحْمِل، بفتح الميم: المُعْتَمَد، يقال: ما عليه مَحْمِل، مثل
مَجْلِس، أَي مُعْتَمَد.
وفي حديث قيس: تَحَمَّلْت بعَليّ على عُثْمان في أَمر أَي استشفعت به
إِليه.
وتَحامل في الأَمر وبه: تَكَلَّفه على مشقة وإِعْياءٍ. وتَحامل عليه:
كَلَّفَه ما لا يُطِيق. واسْتَحْمَله نَفْسَه: حَمَّله حوائجه وأُموره؛ قال
زهير:
ومن لا يَزَلْ يَسْتَحْمِلُ الناسَ نَفْسَه،
ولا يُغْنِها يَوْماً من الدَّهْرِ، يُسْأَم
وفي الحديث: كان إِذا أَمَرَنا بالصدقة انطلق أَحَدُنا إِلى السوق
فَتَحامل أَي تَكَلَّف الحَمْل بالأُجْرة ليَكْسِب ما يتصدَّق به. وتَحامَلْت
الشيءَ: تَكَلَّفته على مَشَقَّة. وتَحامَلْت على نفسي إِذا تَكَلَّفت
الشيءَ على مشقة. وفي الحديث الآخر: كُنَّا نُحامِل على ظهورنا أَي نَحْمِل
لمن يَحْمِل لنا، من المُفاعَلَة، أَو هو من التَّحامُل. وفي حديث
الفَرَع والعَتِيرة: إِذا اسْتَحْمَل ذَبَحْته فَتَصَدَّقت به أَي قَوِيَ على
الحَمْل وأَطاقه، وهو اسْتَفْعل من الحَمْل؛ وقول يزيد بن الأَعور
الشَّنِّي:
مُسْتَحْمِلاً أَعْرَفَ قد تَبَنَّى
يريد مُسْتَحْمِلاً سَناماً أَعْرَف عَظِيماً. وشهر مُسْتَحْمِل:
يَحْمِل أَهْلَه في مشقة لا يكون كما ينبغي أَن يكون؛ عن ابن الأَ عرابي؛ قال:
والعرب تقول إِذا نَحَر هِلال شَمالاً
(* قوله «نحر هلال شمالاً» عبارة
الأساس: نحر هلالاً شمال) كان شهراً مُسْتَحْمِلاً. وما عليه مَحْمِل أَي
موضع لتحميل الحوائج. وما على البعير مَحْمِل من ثِقَل الحِمْل.
وحَمَل عنه: حَلُم. ورَجُل حَمُول: صاحِب حِلْم. والحَمْل، بالفتح: ما
يُحْمَل في البطن من الأَولاد في جميع الحيوان، والجمع حِمال وأَحمال. وفي
التنزيل العزيز: وأُولات الأَحمال أَجَلُهن. وحَمَلت المرْأَةُ والشجرةُ
تَحْمِل حَمْلاً: عَلِقَت. وفي التنزيل: حَمَلَت حَمْلاً خَفيفاً؛ قال
ابن جني: حَمَلَتْه ولا يقال حَمَلَتْ به إِلاَّ أَنه كثر حَمَلَتِ
المرأَة بولدها؛ وأَنشد لأَبي كبير الهذلي:
حَمَلَتْ به، في ليلة، مَزْؤُودةً
كَرْهاً، وعَقْدُ نِطاقِها لم يُحْلَل
وفي التنزيل العزيز: حَمَلَته أُمُّه كَرْهاً، وكأَنه إِنما جاز
حَمَلَتْ به لما كان في معنى عَلِقَت به، ونظيره قوله تعالى: أُحِلَّ لكم ليلَة
الصيام الرَّفَثُ إِلى نسائكم، لما كان في معنى الإِفضاء عُدِّي بإِلى.
وامرأَة حامِل وحاملة، على النسب وعلى الفعل. الأَزهري: امرأَة حامِل
وحامِلة إِذا كانت حُبْلى. وفي التهذيب: إِذا كان في بطنها ولد؛ وأَنشد لعمرو
بن حسان ويروى لخالد بن حقّ:
تَمَخَّضَتِ المَنُونُ له بيوم
أَنى، ولِكُلِّ حاملة تَمام
فمن قال حامل، بغير هاء، قال هذا نعت لا يكون إِلا للمؤنث، ومن قال
حاملة بناه على حَمَلَت فهي حاملة، فإِذا حَمَلَت المرأَةُ شيئاً على ظهرها
أَو على رأْسها فهي حاملة لا غير، لأَن الهاء إِنما تلحق للفرق فأَما ما
لا يكون للمذكر فقد اسْتُغني فيه عن علامة التأْنيث، فإِن أُتي بها فإِنما
هو على الأَصل، قال: هذا قول أَهل الكوفة، وأَما أَهل البصرة فإِنهم
يقولون هذا غير مستمرّ لأَن العرب قالت رَجُل أَيِّمٌ وامرأَة أَيّم، ورجل
عانس وامرأَة عانس، على الاشتراك، وقالوا امرأَة مُصْبِيَة وكَلْبة
مُجْرِية، مع غير الاشتراك، قالوا: والصواب أَن يقال قولهم حامل وطالق وحائض
وأَشباه ذلك من الصفات التي لا علامة فيها للتأْنيث، فإِنما هي أَوْصاف
مُذَكَّرة وصف بها الإِناث، كما أَن الرَّبْعَة والرَّاوِية والخُجَأَة
أَوصاف مؤنثة وصف بها الذُّكْران؛ وقالوا: حَمَلت الشاةُ والسَّبُعة وذلك في
أَول حَمْلِها، عن ابن الأَعرابي وحده. والحَمْل: ثمر الشجرة، والكسر فيه
لغة، وشَجَر حامِلٌ، وقال بعضهم: ما ظَهضر من ثمر الشجرة فهو حِمْل، وما
بَطَن فهو حَمْل، وفي التهذيب: ما ظهر، ولم يُقَيِّده بقوله من حَمْل
الشجرة ولا غيره. ابن سيده: وقيل الحَمْل ما كان في بَطْنٍ أَو على رأْس
شجرة، وجمعه أَحمال. والحِمْل بالكسر: ما حُمِل على ظهر أَو رأْس، قال:
وهذا هو المعروف في اللغة، وكذلك قال بعض اللغويين ما كان لازماً للشيء فهو
حَمْل، وما كان بائناً فهو حِمْل؛ قال: وجمع الحِمْل أَحمال وحُمُول؛ عن
سيبويه، وجمع الحَمْلِ حِمال. وفي حديث بناء مسجد المدينة: هذا الحِمال
لا حِمال خَيْبَر، يعني ثمر الجنة أَنه لا يَنْفَد. ابن الأَثير: الحِمال،
بالكسر، من الحَمْل، والذي يُحْمَل من خيبر هو التمر أَي أَن هذا في
الآخرة أَفضل من ذاك وأَحمد عاقبة كأَنه جمع حِمْل أَو حَمْل، ويجوز أَن
يكون مصدر حَمَل أَو حامَلَ؛ ومنه حديث عمر: فأَيْنَ الحِمال؟ يريد منفعة
الحَمْل وكِفايته، وفسره بعضهم بالحَمْل الذي هو الضمان. وشجرة حامِلَة:
ذات حَمْل. التهذيب: حَمْل الشجر وحِمْله. وذكر ابن دريد أَن حَمْل الشجر
فيه لغتان: الفتح والكسر؛ قال ابن بري: أَما حَمْل البَطْن فلا خلاف فيه
أَنه بفتح الحاء، وأَما حَمْل الشجر ففيه خلاف، منهم من يفتحه تشبيهاً
بحَمْل البطن، ومنهم من يكسره يشبهه بما يُحْمل على الرأْس، فكلُّ متصل
حَمْل وكلُّ منفصل حِمْل، فحَمْل الشجرة مُشَبَّه بحَمْل المرأَة لاتصاله،
فلهذا فُتِح، وهو يُشْبه حَمْل الشيء على الرأْس لبُروزه وليس مستبِطناً
كَحَمْل المرأَة، قال: وجمع الحَمْل أَحْمال؛ وذكر ابن الأَعرابي أَنه يجمع
أَيضاً على حِمال مثل كلب وكلاب. والحَمَّال: حامِل الأَحْمال، وحِرْفته
الحِمالة. وأَحْمَلتْه أَي أَعَنْته على الحَمل، والحَمَلة جمع الحامِل،
يقال: هم حَمَلة العرش وحَمَلة القرآن. وحَمِيل السَّيْل: ما يَحْمِل من
الغُثاء والطين. وفي حديث القيامة في وصف قوم يخرجون من النار:
فَيُلْقَون في نَهَرٍ في الجنة فَيَنْبُتُون كما تَنْبُت الحِبَّة في حَمِيل
السَّيْل؛ قال ابن الأَثير: هو ما يجيء به السيل، فَعيل بمعنى مفعول، فإِذا
اتفقت فيه حِبَّة واستقرَّت على شَطِّ مجرَى السيل فإِنها تنبت في يوم
وليلة، فشُبِّه بها سرعة عَوْد أَبدانهم وأَجسامهم إِليهم بعد إِحراق النار
لها؛ وفي حديث آخر: كما تنبت الحِبَّة في حَمائل السيل، وهو جمع حَمِيل.
والحَوْمل: السَّيْل الصافي؛ عن الهَجَري؛ وأَنشد:
مُسَلْسَلة المَتْنَيْن ليست بَشَيْنَة،
كأَنَّ حَباب الحَوْمَل الجَوْن ريقُها
وحَميلُ الضَّعَة والثُّمام والوَشِيج والطَّريفة والسَّبَط: الدَّوِيل
الأَسود منه؛ قال أَبو حنيفة: الحَمِيل بَطْن السيل وهو لا يُنْبِت، وكل
مَحْمول فهو حَمِيل. والحَمِيل: الذي يُحْمَل من بلده صَغِيراً ولم
يُولَد في الإِسلام؛ ومنه قول عمر، رضي الله عنه، في كتابه إِلى شُرَيْح:
الحَمِيل لا يُوَرَّث إِلا بِبَيِّنة؛ سُمِّي حَميلاً لأَنه يُحْمَل صغيراً
من بلاد العدوّ ولم يولد في الإِسلام، ويقال: بل سُمِّي حَمِيلاً لأَنه
محمول النسب، وذلك أَن يقول الرجل لإِنسان: هذا أَخي أَو ابني، لِيَزْوِي
ميراثَه عن مَوالِيه فلا يُصَدَّق إِلاَّ ببيِّنة. قال ابن سيده:
والحَمِيل الولد في بطن أُمه إِذا أُخِذَت من أَرض الشرك إِلى بلاد الإِسلام فلا
يُوَرَّث إِلا بِبيِّنة. والحَمِيل: المنبوذ يحْمِله قوم فيُرَبُّونه.
والحَمِيل: الدَّعِيُّ؛ قال الكُميت يعاتب قُضاعة في تَحوُّلهم إِلى اليمين
بنسبهم:
عَلامَ نَزَلْتُمُ من غير فَقْر،
ولا ضَرَّاءَ، مَنْزِلَة الحَمِيل؟
والحَمِيل: الغَريب.
والحِمالة، بكسر الحاء، والحَمِيلة: عِلاقة السَّيف وهو المِحْمَل مثل
المِرْجَل، قال:
على النحر حتى بَلَّ دَمْعِيَ مِحْمَلي
وهو السَّيْر الذي يُقَلَّده المُتَقَلِّد؛ وقد سماه
(* قوله: سمَّاه؛
هكذا في الأصل، ولعله اراد سمى به عرقَ الشجر) ذو الرمة عِرْق الشَّجَر
فقال:
تَوَخَّاه بالأَظلاف، حتى كأَنَّما
يُثِرْنَ الكُبَاب الجَعْدَ عن متن مِحْمَل
والجمع الحَمائِل. وقال الأَصمعي: حَمائل السيف لا واحد لها من لفظها
وإِنما واحدها مِحْمَل؛ التهذيب: جمع الحِمالة حَمائل، وجمع المِحْمَل
مَحامل؛ قال الشاعر:
دَرَّتْ دُموعُك فوق ظَهْرِ المِحْمَل
وقال أَبو حنيفة: الحِمالة للقوس بمنزلتها للسيف يُلْقيها المُتَنَكِّب
في مَنْكبِه الأَيمن ويخرج يده اليسرى منها فيكون القوس في ظهره.
والمَحْمِل: واحد مَحامل الحَجَّاج
(* قوله «والمحمل واحد محامل الحجاج»
ضبطه في القاموس كمجلس، وقال شارحه: ضبط في نسخ المحكم كمنبر وعليه
علامة الصحة، وعبارة المصباح: والمحمل وزان مجلس الهودج ويجوز محمل وزان
مقود. وقوله «الحجاج» قال شارح القاموس: ابن يوسف الثقفي اول من اتخذها،
وتمام البيت:
أخزاه ربي عاجلاً وآجلا).
قال الراجز:
أَوَّل عَبْد عَمِل المَحامِلا
والمِحْمَل: الذي يركب عليه، بكسر الميم. قال ابن سيده: المِحْمَل
شِقَّانِ على البعير يُحْمَل فيهما العَدِيلانِ. والمِحْمَل والحاملة:
الزَّبِيل الذي يُحْمَل فيه العِنَب إِلى الجَرين.
واحْتَمَل القومُ وتَحَمَّلوا: ذهبوا وارتحلوا. والحَمُولة، بالفتح:
الإِبل التي تَحْمِل. ابن سيده: الحَمُولة كل ما احْتَمَل عليه الحَيُّ من
بعير أَو حمار أَو غير ذلك، سواء كانت عليها أَثقال أَو لم تكن، وفَعُول
تدخله الهاء إِذا كان بمعنى مفعول به. وفي حديث تحريم الحمر الأَهلية،
قيل: لأَنها حَمولة الناس؛ الحَمُولة، بالفتح، ما يَحْتَمِل عليه الناسُ من
الدواب سواء كانت عليها الأَحمال أَو لم تكن كالرَّكُوبة. وفي حديث
قَطَن: والحَمُولة المائرة لهم لاغِية أَي الإِبل التي تَحْمِل المِيرَة. وفي
التنزيل العزيز: ومن الأَنعام حَمُولة وفَرْشاً؛ يكون ذلك للواحد فما
فوقه. والحُمُول والحُمُولة، بالضم: الأَجمال التي عليها الأَثقال خاصة.
والحُمُولة: الأَحمال
(* قوله «والحمولة الاحمال» قال شارح القاموس: ضبطه
الصاغاني والجوهري بالضم ومثله في المحكم، ومقتضى صنيع القاموس انه بالفتح)
بأَعيانها. الأَزهري: الحُمُولة الأَثقال. والحَمُولة: ما أَطاق العَمل
والحَمْل. والفَرْشُ: الصِّغار. أَبو الهيثم: الحَمُولة من الإِبل التي
تَحْمِل الأَحمال على ظهورها، بفتح الحاء، والحُمُولة، بضم الحاء:
الأَحمال التي تُحْمَل عليها، واحدها حِمْل وأَحمال وحُمول وحُمُولة، قال: فأَما
الحُمُر والبِغال فلا تدخل في الحَمُولة. والحُمُول: الإِبل وما عليها.
وفي الحديث: من كانت له حُمولة يأْوي إِلى شِبَع فليَصُمْ رمضان حيث
أَدركه؛ الحُمولة، بالضم: الأَحمال، يعني أَنه يكون صاحب أَحمال يسافر بها.
والحُمُول، بالضم بلا هاء: الهَوادِج كان فيها النساء أَو لم يكن، واحدها
حِمْل، ولا يقال حُمُول من الإِبل إِلاّ لما عليه الهَوادِج، والحُمُولة
والحُمُول واحد؛ وأَنشد:
أَحَرْقاءُ للبَيْنِ اسْتَقَلَّت حُمُولُها
والحُمول أَيضاً: ما يكون على البعير. الليث: الحَمُولة الإِبل التي
تُحْمَل عليها الأَثقال. والحُمول: الإِبل بأَثقالها؛ وأَنشد للنابغة:
أَصاح تَرَى، وأَنتَ إِذاً بَصِيرٌ،
حُمُولَ الحَيِّ يَرْفَعُها الوَجِينُ
وقال أَيضاً:
تَخالُ به راعي الحَمُولة طائرا
قال ابن بري في الحُمُول التي عليها الهوادج كان فيها نساء أَو لم يكن:
الأَصل فيها الأَحمال ثم يُتَّسَع فيها فتُوقَع على الإِبل التي عليها
الهوادج؛ وعليه قول أَبي ذؤيب:
يا هَلْ أُرِيكَ حُمُول الحَيِّ غادِيَةً،
كالنَّخْل زَيَّنَها يَنْعٌ وإِفْضاخُ
شَبَّه الإِبل بما عليها من الهوادج بالنخل الذي أَزهى؛ وقال ذو الرمة
في الأَحمال وجعلها كالحُمُول:
ما اهْتَجْتُ حَتَّى زُلْنَ بالأَحمال،
مِثْلَ صَوادِي النَّخْل والسَّيَال
وقال المتنخل:
ذلك ما دِينُك إِذ جُنِّبَتْ
أَحمالُها، كالبُكُر المُبْتِل
عِيرٌ عليهن كِنانِيَّةٌ،
جارِية كالرَّشَإِ الأَكْحَل
فأَبدل عِيراً من أَحمالها؛ وقال امرؤ القيس في الحُمُول أَيضاً:
وحَدِّثْ بأَن زالت بَلَيْلٍ حُمُولُهم،
كنَخْل من الأَعْراض غَيْرِ مُنَبَّق
قال: وتنطلق الحُمُول أَيضاً على النساء المُتَحَمِّلات كقول مُعَقِّر:
أَمِنْ آل شَعْثاءَ الحُمُولُ البواكِرُ،
مع الصبح، قد زالت بِهِنَّ الأَباعِرُ؟
وقال آخر:
أَنَّى تُرَدُّ ليَ الحُمُول أَراهُم،
ما أَقْرَبَ المَلْسُوع منه الداء
وقول أَوس:
وكان له العَيْنُ المُتاحُ حُمُولة
فسره ابن الأَعرابي فقال: كأَنَّ إِبله مُوقَرَةٌ من ذلك. وأَحْمَله
الحِمْل: أَعانه عليه، وحَمَّله: فَعَل ذلك به. ويجيء الرجلُ إِلى الرجل
إِذا انْقُطِع به في سفر فيقول له: احْمِلْني فقد أُبْدِع بي أَي أَعْطِني
ظَهْراً أَركبه، وإِذا قال الرجل أَحْمِلْني، بقطع الأَلف، فمعناه أَعنَّي
على حَمْل ما أَحْمِله. وناقة مُحَمَّلة: مُثْقَلة.
والحَمَالة، بالفتح: الدِّيَة والغَرامة التي يَحْمِلها قوم عن قوم، وقد
تطرح منها الهاء. وتَحَمَّل الحَمالة أَي حَمَلَها. الأصمعي:
الحَمَالة الغُرْم تَحْمِله عن القوم ونَحْو ذلك قال الليث، ويقال أَيضاً حَمَال؛
قال الأَعشَى:
فَرْع نَبْعٍ يَهْتَزُّ في غُصُنِ المَجْـ
ـدِ، عظيم النَّدَى، كَثِير الحَمَال
ورجل حَمَّال: يَحْمِل الكَلَّ عن الناس.
الأَزهري: الحَمِيل الكَفِيل. وفي الحديث: الحَمِيل غارِمٌ؛ هو الكفيل
أَي الكَفِيل ضامن. وفي حديث ابن عمر: كان لا يَرى بأْساً في السَّلَم
بالحَمِيل أَي الكفيل. الكسائي: حَمَلْت به حَمَالة كَفَلْت به، وفي الحديث:
لا تَحِلُّ المسأَلة إِلا لثلاثة، ذكر منهم رجل تَحَمَّل حَمالة عن قوم؛
هي بالفتح ما يَتَحَمَّله الإِنسان عن غيره من دِيَة أَو غَرامة مثل أَن
تقع حَرْب بين فَرِيقين تُسْفَك فيها الدماء، فيدخل بينهم رجل
يَتَحَمَّل دِياتِ القَتْلى ليُصْلِح ذاتَ البَيْن، والتَّحَمُّل: أَن يَحْمِلها
عنهم على نفسه ويسأَل الناس فيها. وقَتَادَةُ صاحبُ الحَمالة؛ سُمِّي بذلك
لأَنه تَحَمَّل بحَمالات كثيرة فسأَل فيها وأَدَّاها.
والحَوامِل: الأَرجُل. وحَوامِل القَدَم والذراع: عَصَبُها، واحدتها
حاملة.
ومَحامِل الذكر وحَمائله: العروقُ التي في أَصله وجِلْدُه؛ وبه فعسَّر
الهَرَوي قوله في حديث عذاب القبر: يُضْغَط المؤمن في هذا، يريد القبر،
ضَغْطَة تَزُول منها حَمائِلُه؛ وقيل: هي عروق أُنْثَييه، قال: ويحتمل أَن
يراد موضع حَمَائِل السيف أَي عواتقه وأَضلاعه وصدره. وحَمَل به حمالة:
كَفَل. يقال: حَمَل فلان الحِقْدَ على نفسه إِذا أَكنه في نفسه
واضْطَغَنَه. ويقال للرجل إِذا اسْتَخَفَّه الغضبُ: قد احتُمِل وأُقِلَّ؛ قال
الأَصمَعي في الغضب: غَضِب فلان حتى احتُمِل. ويقال للذي يَحْلُم عمن
يَسُبُّه: قد احْتُمِل، فهو مُحْتَمَل؛ وقال الأَزهري في قول الجَعْدي:
كلبابى حس ما مسه،
وأَفانِين فؤاد مُحْتَمَل
(* قوله «كلبابى إلخ» هكذا في الأصل من غير نقط ولا ضبط).
أَي مُسْتَخَفٍّ من النشاط، وقيل غضبان، وأَفانِينُ فؤاد: ضُروبُ نشاطه.
واحْتُمِل الرجل: غَضِب. الأَزهري عن الفراء: احْتُمِل إِذا غضب، ويكون
بمعنى حَلُم. وحَمَلْت به حَمَالة أَي كَفَلْت، وحَمَلْت إِدْلاله
واحْتَمَلْت بمعنىً؛ قال الشاعر:
أَدَلَّتْ فلم أَحْمِل، وقالت فلم أُجِبْ،
لَعَمْرُ أَبيها إِنَّني لَظَلُوم
والمُحامِل: الذي يَقْدِر على جوابك فَيَدَعُه إِبقاء على مَوَدَّتِك،
والمُجامِل: الذي لا يقدر على جوابك فيتركه ويَحْقِد عليك إِلى وقت مّا.
ويقال: فلان لا يَحْمِل أَي يظهر غضبه.
والمُحْمِل من النساء والإِبل: التي يَنْزِل لبُنها من غير حَبَل، وقد
أَحْمَلَت.
والحَمَل: الخَرُوف، وقيل: هو من ولد الضأْن الجَذَع فما دونه، والجمع
حُمْلان وأَحمال، وبه سُمِّيت الأَحمال، وهي بطون من بني تميم. والحَمَل:
السحاب الكثير الماء. والحَمَل: بُرْج من بُروج السماء، هو أَوَّل البروج
أَوَّلُه الشَّرْطانِ وهما قَرْنا الحَمَل، ثم البُطَين ثلاثة كواكب، ثم
الثُّرَيَّا وهي أَلْيَة الحَمَل، هذه النجوم على هذه الصفة تُسَمَّى
حَمَلاً؛ قلت: وهذه المنازل والبروج قد انتقلت، والحَمَل في عصرنا هذا
أَوَّله من أَثناء الفَرْغ المُؤَخَّر، وليس هذا موضع تحرير دَرَجه ودقائقه.
المحكم: قال ابن سيده قال ابن الأَعرابي يقال هذا حَمَلُ طالعاً،
تَحْذِف منه الأَلف واللام وأَنت تريدها، وتُبْقِي الاسم على تعريفه، وكذلك
جميع أَسماء البروج لك أَن تُثْبِت فيها الأَلف واللام ولك أَن تحذفها وأَنت
تَنْويها، فتُبْقِي الأَسماء على تعريفها الذي كانت عليه. والحَمَل:
النَّوْءُ، قال: وهو الطَّلِيُّ. يقال: مُطِرْنا بنَوْء الحَمَل وبِنَوْء
الطَّلِيِّ؛ وقول المتنخِّل الهذلي:
كالسُّحُل البِيضِ، جَلا لَوْنَها
سَحُّ نِجاءِ الحَمَل الأَسْوَل
فُسَّر بالسحاب الكثير الماء، وفُسِّر بالبروج، وقيل في تفسير النِّجاء:
السحاب الذي نَشَأَ في نَوْءِ الحَمَل، قال: وقيل في الحَمَل إِنه المطر
الذي يكون بنَوْءٍ الحَمَل، وقيل: النِّجاء السحاب الذي هَرَاق ماءه،
واحده نَجْوٌ، شَبَّه البقر في بياضها بالسُّحّل، وهي الثياب البيض، واحدها
سَحْل؛ والأَسْوَل: المُسْتَرْخِي أَسفل البطن، شَبَّه السحاب المسترخي
به؛ وقال الأَصمعي: الحَمَل ههنا السحاب الأَسود ويقوّي قوله كونه وصفه
بالأَسول وهو المسترخي، ولا يوصف النَّجْو بذلك، وإِنما أَضاف النِّجَاء
إِلى الحَمَل، والنِّجاءُ: السحابُ لأَنه نوع منه كما تقول حَشَف التمر
لأَن الحَشَف نوع منه. وحَمَل عليه في الحَرْب حَمْلة، وحَمَل عليه حَمْلة
مُنْكَرة، وشَدَّ شَدَّة مُنكَرة، وحَمَلْت على بني فلان إِذا أَرَّشْتَ
بينهم. وحَمَل على نفسه في السَّيْر أَي جَهَدَها فيه. وحَمَّلْته
الرسالة أَي كلَّفته حَمْلَها. واسْتَحْمَلته: سأَلته أَن يَحْمِلني. وفي حديث
تبوك: قال أَبو موسى أَرسلني أَصحابي إِلى النبي، صلى الله عليه وسلم،
أَسْأَله الحُمْلان؛ هو مصدر حَمَل يَحْمِل حُمْلاناً، وذلك أَنهم أَنفذوه
يطلبون شيئاً يركبون عليه، ومنه تمام الحديث: قال، صلى الله عليه وسلم:
ما أَنا حَمَلْتُكم ولكن الله حَمَلكم، أَراد إِفْرادَ الله بالمَنِّ
عليهم، وقيل: أَراد لَمَّا ساق الله إِليه هذه الإِبل وقت حاجتهم كان هو
الحامل لهم عليها، وقيل: كان ناسياً ليمينه أَنه لا يَحْمِلْهم فلما أَمَر
لهم بالإِبل قال: ما أَنا حَمَلْتكم ولكن الله حَمَلَكم، كما قال للصائم
الذي أَفطر ناسياً: الله أَطْعَمَك وسَقاك.
وتَحَامَل عليه أَي مال، والمُتَحامَلُ قد يكون موضعاً ومصدراً، تقول في
المكان هذا مُتَحَامَلُنا، وتقول في المصدر ما في فلان مُتَحامَل أَي
تَحامُل؛ والأَحمالُ في قول جرير:
أَبَنِي قُفَيْرَة، من يُوَرِّعُ وِرْدَنا،
أَم من يَقوم لشَدَّة الأَحْمال؟
قومٌ من بني يَرْبُوع هم ثعلبة وعمرو والحرث. يقال: وَرَّعْت الإِبلَ عن
الماء رَدَدْتها، وقُفَيْرة: جَدَّة الفَرَزْدَق
(* قوله «وقفيرة جدّة
الفرزدق» تقدم في ترجمة قفر أنها أُمه) أُمّ صَعْصَعة بن ناجِية بن
عِقَال. وحَمَلٌ: موضع بالشأْم. الأَزهري: حَمَل اسم جَبَل بعينه؛ ومنه قول
الراجز:
أَشْبِه أَبا أُمِّك أَو أَشْبِه حَمَل
قال: حَمل اسم جبل فيه جَبَلان يقال لهما طِمِرَّان؛ وقال:
كأَنَّها، وقَدْ تَدَلَّى النَّسْرَان،
ضَمَّهُمَا من حَمَلٍ طِمِرَّان،
صَعْبان عن شَمائلٍ وأَيمان
قال الأَزهري: ورأَيت بالبادية حَمَلاً ذَلُولاً اسمه حَمال.
وحَوْمَل: موضع؛ قال أُمَيَّة بن
أَبي عائذ الهذلي:
من الطَّاويات، خِلال الغَضَا،
بأَجْماد حَوْمَلَ أَو بالمَطَالي
وقول امريء القيس:
بين الدَّخُول فَحَوْمَلِ
إِنما صَرَفه ضرورة. وحَوْمَل: اسم امرأَة يُضْرب بكَلْبتها المَثَل،
يقال: أَجْوَع من كَلْبة حَوْمَل.
والمَحْمولة: حِنْطة غَبْراء كأَنها حَبُّ القُطْن ليس في الحِنْطة
أَكبر منها حَبًّا ولا أَضخم سُنْبُلاً، وهي كثيرة الرَّيْع غير أَنها لا
تُحْمَد في اللون ولا في الطَّعْم؛ هذه عن أَبي حنيفة. وقد سَمَّتْ حَمَلاً
وحُمَيلاً. وبنو حُمَيْل: بَطْن؛ وقولهم:
ضَحِّ قَلِيلاً يُدْرِكِ الهَيْجَا حَمَل
إِنما يعني به حَمَل بن بَدْر. والحِمَالة: فَرَس طُلَيْحَة ابن
خُوَيلِد الأَسدي؛ وقال يذكرها:
عَوَيْتُ لهم صَدْرَ الحِمَالة، إِنَّها
مُعاوِدَةٌ قِيلَ الكُمَاةِ نَزَالِ
فَيوْماً تَراها في الجِلال مَصُونَةً،
ويَوْماً تراها غيرَ ذاتِ جِلال
قال ابن بري: يقال لها الحِمالة الصُّغْرَى، وأَما الحِمَالة الكبرى فهي
لبني سُلَيْم؛ وفيها يقول عباس بن
مِرْدَاس:
أَما الحِمَالَة والقُرَيْظُ، فقد
أَنْجَبْنَ مِنْ أُمٍّ ومن فَحْل