كالبُراطِمِ، والشَّفَةُ الضَّخْمَةُ. وكجعفَرٍ: العَيِيُّ اللسانِ.
والبَرْطَمَةُ: الانْتِفَاخُ غَضَباً.
وتَبَرْطَمَ: تَغَضَّبَ من كلامٍ.
وبَرْطَمَهُ: غاظَهُ، لازِمٌ مُتَعَدٍّ،
وـ الليلُ: اسْوَدَّ.
خمط: قال اللّه عزّ وجلّ في قصة أَهل سبإٍ: وبدَّلْناهم بِجَنَّتَيْهِمْ
جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وأَثْلٍ؛ قال الليث: الخَمْطُ ضرب
من الأَراكِ له حَمْل يؤْكل، وقال الزجاج: يقال لكل نبت قد أَخَذَ
طَعْماً من مَرارة حتى لا يمكن أَكلُه خَمْطٌ، وقال الفراء: الخمط في التفسير
ثَمَرُ الأَراكِ وهو البَرِيرُ، وقيل: شجر له شوْكٌ، وقيل: الخَمْطُ في
الآية شجر قاتل أَو سمّ قاتِل، وقيل: الخَمْط الحَمْل القليل من كل شجرة،
والخمط شجر مثل السِّدْرِ وحمله كالتُّوت، وقرئ: ذواتي أُكُلِ خَمْطٍ،
بالإِضافة. قال ابن بري: من جعل الخمْط الأَراكَ فحقُّ القراءَةِ بالإضافة
لأَن الأَكل للجني فأَضافه إِلى الخمْط، ومن جعل الخمط ثَمَرَ الأَراك
فحق القراءَة أَن تكون بالتنوين، ويكون الخمط بدلاً من الأُكُل، وبكلٍّ
قرأَتْه القرَّاءُ. ابن الأَعرابيّ: الخَمْطُ ثمر يقال له فَسْوةُ الضَّبُع
على صورة الخَشْخاش، يَتَفَرَّكُ ولا يُنْتفَعُ به.
وقد خَمَط اللحمَ يَخْمِطُه خَمْطاً، فهو خَمِيطٌ: شواه، وقيل: شواه فلم
يُنْضِجْه. وخَمط الحَمَلَ والشاةَ والجَدْيَ يَخْمِطُه خَمْطاً، وهو
خَمِيطٌ: سلَخَه ونزع جِلْده وشَواه، فإِذا نزَع عنه شَعَره وشواه فهو
السَّمِيطُ، وقيل: الخَمْطُ بالنار، والسَّمْطُ بالماء. والخَمِيطُ:
المَشْوِيُّ، والسَّمِيط: الذي نُزع عنه شعرُه. والخَمّاطُ: الشَّوَّاء؛ قال
رؤْبة:
شاكٍ يَشُكُّ خَلَلَ الآباطِ،
شَكَّ المَشاوِي نَقَدَ الخَمَّاطِ
أَراد بالمَشاوي: السفافِيدَ تدخل في خَلَل الآباطِ، قال: والخُمَّاطُ
السُّمَّاطُ، الواحد خامِطٌ وسامِط. والخَمْطةُ: رِيحٌ نَوْرِ الكَرم وما
أَشْبَهه مما له ريح طيبة وليست بشديدة الذّكاءِ طِيباً. والخَمْطة:
الخمر التي أَخَذَت ريِحاً، وقال اللحياني: الخمْطة التي قد أَخذت شيئاً من
الرِّيح كريح النَّبِق والتفَّاح. يقال: خَمِطَتِ الخَمْرُ، وقيل:
الخمْطةُ الحامضةُ مع ريح؛ قال أَبو ذؤَيب:
عُقارٌ كماءِ النِّيِّ لَيْسَتْ بخَمْطةٍ،
ولا خَلّةٍ، يَكْوِي الوُجوهَ شِهابُها
ويروى: يَكْوِي الشُّروبَ شِهابُها. وقيل: إِذا أُعْجِلَت عن
الاسْتِحكام في دَنِّها فهي خَمْطةٌ. وكلُّ طَرِيّ أَخَذ طعْماً ولم يَسْتَحْكِم،
فهو خَمْطٌ؛ وقال خالد بن زهير الهذلي:
ولا تَسْبِقَنْ للناسِ منّي بخَمْطةٍ،
من السُّمِّ، مَذْرورٍ عليها ذُرُورُها
يعني طريّة حديثة كأَنها عنده أَحَدُّ؛ وقال المتنخل:
مُشَعْشَعَةٌ كعَيْنِ الدِّيك، فيها
حُمَيّاها من الصُّهْبِ الخِماطِ
اختارها حَدِيثةً، واختارها أَبو ذُؤَيب عَتِيقةً، ولذلك قال: ليست
بخَمْطَةٍ. وقال أَبو حنيفة: الخَمْطَةُ الخمرة التي أُعجلت عن استحكام ريحها
فأَخذت ريح الإِدْراكِ كريح التُّفَّاح ولم تُدْرِكْ بعد، ويقال: هي
الحامضةُ، وقال أَبو زيد: الخَمْطةُ أَوّلُ ما تَبْتَدئُ في الحُموضة قبل
أَن تشتدَّ، وقال السكّري في بيت خالد بن زهير الهذلي: عَنى بالخمْطةِ
اللَّوْمَ والكلامَ القَبيحَ.
ولبن خَمْطٌ وخامِطٌ: طَيِّبُ الرِّيح، وقيل: هو الذي قد أَخذ شيئاً من
الرِّيح كريح النبق أَو التُّفَّاح، وكذلك سِقاء خامِطٌ، خَمَطَ يَخْمُطُ
خَمْطاً وخُموطاً وخَمِطَ خَمَطاً، وخَمْطَتُه وخَمَطَتُه رائحتُه،
وقيل: خَمَطُه أَن يَصِير كالخِطْمِيِّ إِذا لَجَّنَه وأَوْخَفَه، وقيل:
الخَمْطُ الحامضُ، وقيل: هو المُرّ من كل شيء؛ وذكر أَبو عبيدة أَن اللبن
إِذا ذهب عنه حَلاوة الحَلب ولم يتغير طعمه فهو سامِطٌ، فإِن أَخذ شيئاً من
الرِّيح فهو خامِطٌ، فإِن أَخذ شيئاً من طعْم فهو مُمَحَّلٌ، فإِذا كان
فيه طَعْمُ الحَلاوةِ فهو فُوّهةٌ. اليزيدي: الخامِطُ الذي يُشبه ريحُه
ريحَ التُّفّاحِ، وكذلك الخَمْطُ أَيضاً؛ قال ابن أَحمر:
وما كنتُ أَخْشَى أَن تكونَ مَنِيَّتِي
ضَرِيبَ جِلادِ الشَّوْلِ، خَمْطاً وصافِيا
التهذيب: لبن خَمْطٌ وهو الذي يُحْقَنُ في سِقاء ثم يوضَع على حشيش حتى
يأْخُذَ من ريحه فَيكون خَمْطاً طَيِّبَ الريح طيبَ الطعم. والخَمْطُ من
اللبن: الحامِضُ. وأَرض خَمْطةٌ وخَمِطةٌ: طيبةُ الرائحة، وقد خَمِطَتْ
وخَمَطَتْ. وخَمَط السِّقاءُ وخَمِطَ خَمْطاً وخَمَطاً، فهو خَمِطٌ: تغيرت
رائحتُه، ضدّ. سيبويه: وهي الخَمْطةُ. وتَخَمَّطَ الفحلُ: هَدَرَ.
وخَمِطَ الرجلُ وتَخَمَّطَ: غَضِبَ وتَكبَّرَ وثارَ؛ قال:
إِذا تَخَمَّطَ جَبّارٌ ثَنَوْه إِلى
ما يَشْتَهُونَ، ولا يُثْنَوْن إِنْ خَمِطُوا
والتَّخَمُّطُ: التَّكَبُّرُ، قال:
إِذا رأَوْا مِنْ مَلِكٍ تَخَمُّطا
أَو خُنْزُواناً، ضَرَبُوهُ ما خَطا
ومنه قول الكميت:
إِذا ما تَسامَتْ للتخمطِ صِيدُها
الأَصمعي: التخمُّط الأَخذُ والقهْرُ بغَلبةٍ؛ وأَنشد:
إِذا مُقْرَمٌ مِنّا ذَرَا حَدُّ نابِه،
تَخَمَّطَ فِينا نابُ آخَرَ مُقْرَمِ
ورجل مُتَخَمِّطٌ: شديدُ الغَضَبِ له ثَوْرةٌ وجَلَبة. وفي حديث رِفاعةَ
قال: الماءُ من الماء، فتخمَّطَ عمر أَي غَضِبَ. ويقال للبحر إِذا
التَطَمَتْ أَمواجُه: إِنه لَخَمِطُ الأَمْواجِ. وبحر خَمِطُ الأَمواج:
مُضْطَرِبُها؛ قال سويد بن أَبي كاهل:
ذُو عُبابٍ زَبَدٍ آذِيَّه،
خَمِطُ التَّيّارِ يَرْمي بالقَلَعْ
يعني بالقِلَعِ الصخْرَ أَي يرمي بالصخْرة العظيمةِ. وتَخَمَّطَ البحرُ:
التطَم أَيضاً.
ضرم: الضَّرَمُ: مَصْدَرُ ضَرِمَ ضَرَماً. وضَرِمَت النارُ وتَضَرَّمَتْ
واضْطَرَمَت: اشْتَعَلَتْ والْتَهَبَتْ، واضْطَرَمَ مَشِيبهُ كما قالوا
اشْتَعَلَ؛ عن ابن الأَعرابي؛ وأنشد:
وفي الْفَتى، بَعْدَ المَشِيب المُضْطَرِمْ،
مَنافِعٌ ومَلْبَسٌ لِمَنْ سَلِمْ
وهو على المثل. وأَضْرَمْتُ النارَ فاضْطَرَمَتْ وضَرَّمْتها فضَرِمَتْ
وتَضرَّمَتْ: شُدِّدَ للمبالغة؛ قال زهير:
وتَضْرَ، إذا ضَرَّيْتُموها فَتضْرَم
(* وصدر البيت: متى تبعثوها ذميمةً).
واسْتَضْرَمْتُها: أَوْقَدْتُها؛ وأَنشد ابن دريد:
حِرْمِيَّةٌ لم يَخْتَبِزْ أَهْلُها
فَثّاً، ولم تَسْتَضْرِمِ العَرْفَجا
الليث: والضَّرِيمُ اسمٌ للحَريق؛ وأَنشد:
شَدّاً كما تُشَيِّعُ الضَّرِيما
شَبَّهَ حفيفَ شدِّه بحَفيفِ النارِ إذا شَيَّعْتَها بالحطَبِ أي
أَلْقَيْتَ عليها ما تُذَكِّيها به؛ روي ذلك عن الأَصمعي. وفي حديث الأُخدود:
فأمَرَ بالأَخادِيدِ وأَضْرَمَ فيها النِّيرانَ، وقيل: الضَّريم كُلُّ
شيءٍ أَضْرَمْتَ به النار. التهذيب: الضَّرَمُ من الحطب ما التهبَ سريعاً،
والواحدةُ ضَرَمَةٌ. والضِّرامُ: ما دَقَّ من الحَطَبِ ولم يكن جَزْلاً
تُثْقَبُ به النارُ، الواحد ضَرَمٌ
وضَرَمَةٌ؛ ومنه قول الشاعر ونسبه ابن بري لأبي مريم:
أَرَى خَلَلَ الرَّمادِ وَمِيضَ جَمْرٍ،
أُحاذِرُ أَن يَشِبَّ له ضِرَامُ
الجوهري؛: الضِّرامُ اشتِعالُ النارِ في الحَلْفاءِ ونحْوها.
والضِّرامُ أَيضاً: دُقاق الحَطبِ الذي يُسْرعُ اشْتِعالُ النار فيه؛
وأَنشد ابن بري فيه:
ولكِنْ بِهاتِيكِ البِقاعِ فأَوْقدِي
بجَزْلٍ، إذا أَوْقَدْتِ، لا بِضرامِ
(* قوله«ولكن بهاتيك البقاع» وأنشده في الأَساس: ولكن بهذاك اليفاع،
بمثناة تحتية ففاء).
والضَّرَمةُ: السَّعَفةُ والشِّيحةُ في طَرَفِها نارٌ.
والضِّرامُ والضِّرامةُ: ما اشْتَعَلَ من الحَطَب، وقيل: الضِّرامُ جمعُ
ضِرَامةٍ. والضِّرامُ أَيضاً من الحطب: ما ضَعُفَ ولانَ كالعرْفَج فما
دُونَه، والجَزْل: ما غلُظ واشْتَدّ كالرِّمْثِ فما فَوْقَه، وقيل:
الضِّرامُ من الحطب كلُّ ما لم يكن له جَمْرٌ، والجَزْلُ ما كان له جَمْرٌ.
والضَّرَمةُ: الجَمرةُ، وقيل: هي النارُ نفسُها، وقيل: هي ما دَقَّ من
الحَطَب. وفي حديث علي، رضي الله عنه: والله لَوَدَّ مُعاويةُ أَنه ما بَقِيَ
مِنْ بني هاشمٍ نافِخُ ضَرَمةٍ؛ هي بالتحريك النارُ، وهذا يقال عند
المُبالَغة في الهلاك لأن الكبير والصغير يَنْفُخانِ النار. وأَضْرَمَ النارَ
إذا أَوْقدَها. وما بالدارِ نافخُ ضَرَمةٍ أي ما بها أَحدٌ، والجمعُ
ضَرَمٌ؛ قال طُفَيْل:
كأَنَّ، على أَعْرافِهِ ولجامِهِ،
سَنَا ضَرَمٍ من عَرْفَجٍ مُتَلَهِّب
قال ثعلب: يقول مِنْ خِفَّةِ الجَرْي كأَنَّه يَضْطَرِمُ مِثْلَ النار.
وقال ابن الأَعرابي: هو اشْقَرُ؛ وأَنشد ابن بري للمُتَلَمِّس:
وقَدْ أَلاحَ سُهَيْلٌ، بَعْدَما هَجَعُوا،
كأَنَّه ضَرَمٌ بالكَفِّ مَقْبُوسُ
وفي حديث أَبي بكر، رضي الله عنه: قال قَيْسُ ابنُ أَبي حازم كان يخرج
إلينا وكأَنَّ لِحْيَتهُ ضِرامُ عَرْفَجٍ؛ الضِّرامُ: لَهِبُ النارِ
شُبِّهتْ به لأَنه كان يَخْضِبُها بالحِنَّاء. والضَّرَمُ: شدَّةُ العَدْوِ.
ويقال: فرسٌ ضَرِمٌ شديدُ العَدْوِ؛ ومنه قوله:
ضَرِمِ الرَّقاقِ مُناقِلِ الأَجْرالِ
والضَّرْيَمُ: الحَريقُ نَفْسُه؛ عن أَبي حنيفة. والضَّرَمُ: غضَبُ
الجوع. وضَرِمَ عليه ضَرَماً وتَضَرَّمَ: تَحَرَّقَ. وضَرِمَ الشيءُ، بالكسر:
اشتدّ حرُّه. يقال: ضَرِمَ الرجلُ إذا اشتدّ جوعُه. أَبو زيد: ضَرِمَ
فلانٌ في الطَّعامِ ضَرَماً إذا جَدَّ في أكْله لا يَدْفَع
منه شيئاً. ويقال: ضَرِمَ عليه وتَضَرَّمَ إذا احْتَدَّ غَضَباً.
وتضَرَّمَ عليه: غَضِبَ. ابن شميل: المُضْطَرِمُ المُغْتَلِمُ من الجمال تراه
كأَنه حُسْحِسَ بالنار، وقد أَضْرَمَتْه الغُلْمةُ. وضَرِمَ الفَرسُ في
عَدْوِه ضَرَماً، فهو ضارِمٌ، واضْطَرمَ: وذلك فوق الإلْهابِ. وضَرِمَ
الأَسَدُ إذا اشْتدَّ حَرُّ جوْفِه من الجوع، وكذلك كلُّ شيء اشْتَدَّ جُوعُه
من اللَّواحِم. والضَّرِمُ: الجائعُ.
واسْتَضْرَمَتِ الحَبّةُ: سَمِنَتْ وبَلَغَتْ أن تُشْوى.
والضِّرْمُ والضَّرِمُ: فَرْخُ العُقابِ؛ هاتانِ عن اللحياني. والضَّرْم
والضُّرْمُ: ضَرْبانِ من الشجر. قال أَبو حنيفة: الضُّرْمُ شجرٌ طَيِّبُ
الرِّيح، وكذلك دخانُه طَيِّبٌ. وقال مرّة: الضُّرْمُ شجرٌ أَغبرُ
الوَرَق وَرَقُه شبيهٌ بورَق الشِّيح، وله ثمر أَشْباهُ البَلُّوط، حُمْرٌ إلى
السَّواد، وله وَرْدٌ أَبيض صغيرٌ كثيرُ العسَلِ.
والضِّرامةُ: شجرُ البُطْم. والضِّرْيَمُ: ضَرْبٌ من الصَّمْغ.
والضِّرامُ: ما اتَّسَعَ من الأَرض؛ عن ابن الأَعرابي.
نزق: النَّزَقُ: خفة في كل أَمر وعجلة في جهل وحُمْق. ابن سيده:
النَّزَقُ الخفة والطيش، نزِق، بالكسر، يَنْزَقُ نزقاً، فهو نزِق، والأُنثى
نزِقَةٌ، وهو من الطيش والخفة. وأَنَزَقَ الرجلُ إذا سَفِهَ بعد حِلْم.
وتَنازَق الرجلان تَنازُقاً ونِزاقاً ومُنازقة: تشاتما، الأَخيرتان على غير
الفعل. والمُنازِقُ: الكثير الكلام والنَّزَقِ. ونزِقَ الرجل والفرس وغيره
يَنزَقُ نزُقاً ونُزوقاً إذا نزا. ونَزَّقَ الفرسَ وأَنزقه تَنزِيقاً إذا
ضربه حتى يَنْزو ويَنْزق، وفي التهذيب: حتى يثب نَهْزاً. وأَنزَقَ في
الضحك وأَهْزَقَ إذا أَفرط فيه وأكثر. والنَّزْقُ: مَلْءُ السِّقاء والإناء
إلى رأسه. ونَزِقَتِ النِّهاءُ: امتلأَت. ويقال: مُطِر مكانُ كذا وكذا
حتى نزِقَتْ نِهاؤه أَي امتلأَت غُدْرانه. وناقة نِزاقٌ: مثل مِزاق؛ عن
يعقوب.
والنَّيْزَقُ لغة في النَّيْزَك: قال الشاعر:
وثَدْيانِ، لَوْلا ما هُما لم تكَدْ تُرَى
على الأَرضِ، إنْ قامَتْ، كمِثْل النَّيازِق
كأنَّهما عِدْلا جُوَالِقٍ أصْبَحا،
وحَشْوُهما تِبْنٌ على ظهر ناهِق
نفر: النَّفْرُ: التَّفَرُّقُ. ويقال: لقيته قبل كل صَيْحٍ ونَفْرٍ أَي
أَولاً، والصَّيْحُ: الصِّياحُ. والنَّفْرُ: التفرق؛ نَفَرَتِ الدابةُ
تَنْفِرُ وتَنْفُر نِفاراً ونُفُوراً ودابة نافِرٌ، قال ابن الأَعرابي: ولا
يقال نافِرَةٌ، وكذلك دابة نَفُورٌ، وكلُّ جازِعٍ من شيء نَفُورٌ. ومن
كلامهم: كلُّ أَزَبَّ نَفُورٌ؛ وقول أَبي ذؤيب:
إِذا نَهَضَتْ فيه تَصَعَّدَ نَفْرُها،
كَقِتْر الغِلاءِ مُسْتَدِرٌّ صيابُها
قال ابن سيده: إِنما هو اسم لجمع نافر كصاحب وصَحْبٍ وزائر وزَوْرٍ
ونحوه. ونَفَرَ القومُ يَنْفِرُون نَفْراً ونَفِيراً. وفي حديث حمزة
الأَسلمي: نُفِّرَ بنا في سَفَرٍ مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم؛ يقال:
أَنْفَرْنا أَي تَفَرَّقَتْ إِبلنا، وأُنْفِرَ بنا أَي جُعِلنا مُنْفِرِين ذَوِي
إِبلٍ نافِرَةٍ. ومنه حديث زَيْنَبَ بنت رسول الله، صلى الله عليه وسلم:
فأَنْفَرَ بها المشركون بَعِيرَها حتى سَقَطَتْ. ونَفَرَ الظَّبْيُ وغيره
نَفْراً ونَفَراناً: شَرَدَ. وظَبْيٌ نَيْفُورٌ: شديد النِّفارِ.
واسْتَنْفَرَ الدابة: كَنَفَّرَ. والإِنْفارُ عن الشيء والتَّنْفِيرُ عنه
والاسْتِنْفارُ كلُّه بمعنًى. والاسْتِنْفارُ أَيضاً: النُّفُورُ؛ وأَنشد ابن
الأَعرابي:
ارْبُطْ حِمارَكَ، إِنه مُسْتَنْفِرٌ
في إِثْرِ أَحْمِرَةٍ عَمَدْنَ لِغُرَّبِ
أَي نافر: ويقال: في الدابة نِفارٌ، وهو اسمٌ مِثْلُ الحِرانِ؛ ونَفَّرَ
الدابة واسْتَنْفَرَها. ويقال: اسْتَنْفَرْتُ الوحشَ وأَنْفَرْتُها
ونَفَّرْتُها بمعنًى فَنَفَرَتْ تَنْفِرُ واسْتَنْفَرَتْ تَسْتَنْفِرُ بمعنى
واحد. وفي التنزيل العزيز: كأَنهم حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ فَرَّتْ من
قَسْوَرَةٍ؛ وقرئت: مستنفِرة، بكسر الفاء، بمعنى نافرة، ومن قرأَ مستنفَرة،
بفتح الفاء، فمعناها مُنَفَّرَةٌ أَي مَذْعُورَةٌ. وفي الحديث: بَشِّرُوا
ولا تُنَفِّرُوا أَي لا تَلْقَوْهُمْ بما يحملهم على النُّفُورِ. يقال:
نَفَرَ يَنْفِر نُفُوراً ونِفاراً إِذا فَرَّ وذهب؛ ومنه الحديث: إِن منكم
مُنَفِّرِينَ أَي من يَلْقى الناسَ بالغِلْظَةِ والشِّدَّةِ
فَيَنْفِرُونَ من الإِسلام والدِّين. وفي حديث عمر، رضي الله عنه: لا تُنَفِّرِ
الناسَ. وفي الحديث: أَنه اشْتَرَطَ لمن أَقْطَعَهُ أَرضاً أَن لا يُنَفَّرَ
مالُه أَي لا يُزْجَرَ ما يرعى من ماله ولا يُدْفَعَ عن الرَّعْي.
واسْتَنْفَرَ القومَ فَنَفَرُوا معه وأَنْفَرُوه أَي نصروه ومَدُّوه. ونَفَرُوا
في الأَمر يَنْفِرُون نِفاراً ونُفُوراً ونَفِيراً؛ هذه عن الزَّجَّاج،
وتَنافَرُوا: ذهبوا، وكذلك في القتال. وفي الحديث: وإِذا اسْتُنْفِرْتُمْ
فانْفِرُوا. والاسْتِنْفارُ: الاسْتِنْجادُ والاسْتِنْصارُ، أَي إِذا طلب
منكم النُّصْرَةَ فأَجيبوا وانْفِرُوا خارجين إِلى الإِعانة. ونَفَرُ
القومِ جماعَتُهم الذين يَنْفِرُون في الأَمر، ومنه الحديث: أَنه بعث جماعة
إِلى أَهل مكة فَنَفَرَتْ لهم هُذَيْلٌ فلما أَحَسُّوا بهم لجَؤُوا إِلى
قَرْدَدٍ أَي خرجوا لقتالهم. والنَّفْرَةُ والنَّفْرُ والنَّفِيرُ:
القومُ يَنْفِرُونَ معك ويَتَنافَرُونَ في القتال، وكله اسم للجمع؛ قال:
إِنَّ لها فَوارِساً وفَرَطَا،
ونَفْرَةَ الحَيِّ ومَرْعًى وَسَطَا،
يَحْمُونَها من أَنْ تُسامَ الشَّطَطَا
وكل ذلك مذكور في موضعه. والنَّفِيرُ: القوم الذين يتَقَدَّمُونَ فيه.
والنَّفيرُ: الجماعةُ من الناس كالنَّفْرِ، والجمع من كل ذلك أَنْفارٌ.
ونَفِير قريش: الذين كانوا نَفَرُوا إِلى بَدْرٍ ليمنعوا عِيْرَ أَبي
سفيان.ويقال: جاءت نَفْرَةُ بني فلان ونَفِيرُهم أَي جماعتهم الذين يَنْفِرُون
في الأَمر. ويقال: فلان لا في العِيْرِ ولا في النَّفِير؛ قيل هذا المثل
لقريش من بين العرب، وذلك أَن النبي، صلى الله عليه وسلم، لما هاجر إِلى
المدينة ونهض منها لِتَلَقِّي عِير قريش سمع مشركو قريش بذلك، فنهضوا
ولَقُوه ببَدْرٍ ليَأْمَنَ عِيرُهم المُقْبِلُ من الشأْم مع أَبي سفيان،
فكان من أَمرهم ما كان، ولم يكن تَخَلَّفَ عن العِيْرِ والقتال إِلا زَمِنٌ
أَو من لا خير فيه، فكانوا يقولون لمن لا يستصلحونه لِمُهِمٍّ: فلان لا
في العِيرِ ولا في النَّفِيرِ، فالعيرُ ما كان منهم مع أَبي سفيان،
والنفير ما كان منهم مع عُتْبَةَ بن ربيعة قائدهم يومَ بَدْرٍ. واسْتَنْفَرَ
الإِمامُ الناسَ لجهاد العدوّ فنفروا يَنْفِرُونَ إِذا حَثَّهُم على
النَّفِيرِ ودعاهم إِليه؛ ومنه قول النبي، صلى الله عليه وسلم: وإِذا
اسْتُنْفِرْتُمْ فانْفِرُوا. ونَفَرَ الحاجُّ من مِنًى نَفْراً ونَفرَ الناسُ من
مِنًى يَنْفِرُونَ نَفْراً ونَفَراً، وهو يوم النَّفْرِ والنَّفَرِ
والنُّفُورِ والنَّفِيرِ، وليلةُ النَّفْر والنَّفَرِ، بالتحريك، ويومُ
النُّفُورِ ويومُ النَّفِير، وفي حديث الحج: يومُ النَّفْرِ الأَوّل؛ قال ابن
الأَثير: هو اليوم الثاني من أَيام التشريق، والنَّفْرُ الآخِرُ اليومُ
الثالث، ويقال: هو يوم النَّحْرِ ثم يوم القَرِّ ثم يوم النفر الأَول ثم
يوم النفر الثاني، ويقال يوم النفر وليلة النفر لليوم الذي يَنْفِرُ الناس
فيه من منى، وهو بعد يوم القرِّ؛ وأَنشد لِنُصَيْبٍ الأَسْوَدِ وليس هو
نُصَيْباً الأَسْوَدَ المَرْوانِيَّ:
أَمَا والذي حَجَّ المُلَبُّونَ بَيْتَهُ،
وعَلَّمَ أَيامَ الذبائحِ والنَّحْرِ
لقد زَادَني، لِلْغَمْرِ، حُبّاً، وأَهْلهِ،
لَيالٍ أَقامَتْهُنَّ لَيْلى على الغَمْرِ
وهل يَأْثَمَنِّي اللهُ في أَن ذَكَرْتُها،
وعَلَّلْتُ أَصحابي بها ليلةَ النَّفْرِ
وسَكَّنْتُ ما بي من كَلالٍ ومن كرً،
وما بالمَطايا من جُنُوحٍ ولا فَتْرِ
ويروى: وهل يأْثُمَنِّي، بضم الثاء. والنَّفَرُ، بالتحريك، والرَّهْطُ:
ما دون العشرة من الرجال، ومنهم من خصص فقال للرجال دون النساءِ، والجمع
أَنفار. قال أَبو العباس: النَّفَرُ والقومُ والرَّهْطُ هؤلاء معناهم
الجمع لا واحد لهم من لفظهم. قال سيبويه: والنسبُ إِليه نَفَرِيٌّ، وقيل:
النَّفَرُ الناسُ كلهم؛ عن كراع، والنَّفِيرُ مثلُه، وكذلك النَّفْرُ
والنَّفْرَةُ. وفي حديث أَبي ذَرٍّ: لو كان ههنا أَحدٌ من أَنْفارِنا أَي من
قومنا، جمع نَفَرٍ وهم رَهْطُ الإِنسان وعشيرته، وهو اسم جمع يقع على
جماعة من الرجال خاصة ما بين الثلاثة إِلى العشرة. وفي الحديث: ونَفَرُنا
خُلُوفٌ أَي رجالنا. الليث: يقال هؤلاء عَشَرَةُ نَفَرٍ أَي عشرة رجال، ولا
يقال عشرون نَفَراً ولا ما فوق العشرة، وهم النَّفَرُ من القوم. وقال
الفراء: نَفْرَةُ الرجل ونَفَرُهُ رَهْطُه؛ قال امرؤ القيس يصف رجلاً
بِجَوْدَةِ الرَّمْي:
فَهْوَ لا تَنْمِي رَمِيَّتُهُ،
ما لَه؟ لا عُدَّ من نَفَرِه
فدعا عليه وهو يمدحه، وهذا كقولك لرجل يعجبك فعله: ما له قاتله اللهُ
أَخزاه اللهُ وأَنت تريد غير معنى الدعاء عليه. وقوله تعالى: وجعلناكم
أَكْثَرَ نَفِيراً؛ قال الزجاج: النَّفِيرُ جمع نَفْرٍ كالعَبِيدِ والكَلِيبِ،
وقيل: معناه وجعلناكم أَكثر منهم نُصَّاراً. وجاءنا في نُفْرَتِه
ونافِرَتِه أَي في فَصِيلَتِه ومن يغضب لغضبه. ويقال: نَفْرَةُ الرجل أُسْرَتُه.
يقال: جاءنا في نَفْرَتِه ونَفْرِه؛ وأَنشد:
حَيَّتْكَ ثُمَّتَ قالتْ: إِنَّ نَفْرَتَنا
أَلْيَوْمَ كلَّهُمُ، يا عُرْوَ، مُشْتَغِلُ
ويقال للأُسْرَةِ أَيضاً: النُّفُورَةُ. يقال: غابتْ نُفُورَتُنا
وغَلَبَتْ نُفُورَتُنا نُفُورَتَهُمْ، وورد ذلك في الحديث: غَلَبَتْ
نُفُورَتُنا نُفُورَتَهُم؛ يقال للأَصحاب الرجل والذين يَنْفِرُونَ معه إِذا
حَزَبَه أَمر. نَفْرَتُه ونَفْرُهُ ونافِرَتُه ونُفُورَتُه.
ونافَرْتُ الرجلَ مُنافَرَةً إِذا قاضيتَه. والمُنافَرَةُ: المفاخرة
والمحاكمة. والمُنافَرَةُ: المحاكمة في الحَسَبِ. قال أَبو عبيد:
المُنافَرَةُ أَن يفتخر الرجلان كل واحد منهما على صاحبه، ثم يُحَكِّما بينهما
رجلاً كَفِعْلِ عَلْقَمَةَ بن عُلاثَةَ مع عامر بن طُفَيْلٍ حين تَنافرا إِلى
هَرِمِ بن قُطْبَةَ الفَزارِيِّ؛ وفيهما يقول الأَعشى يمدح عامر بن
الطفيل ويحمل على عَلْقَمَةَ بن عُلاثَةَ:
قد قلتُ شِعْري فمَضى فيكما،
واعْتَرَفَ المَنْفُورُ للنَّافِرِ
والمَنْفُورُ: المغلوب. والنَّافِرُ: الغالب. وقد نافَرَهُ فَنَفَرَهُ
يَنْفُرُه، بالضم لا غير، أَي غلبه، وقيل: نَفَرَهُ يَنْفِرُه ويَنْفُرُهُ
نَفْراً إِذا غلبه. ونَفَّرَ الحاكمُ أَحدهما على صاحبه تَنْفِيراً أَي
قضى عليه بالغلبة، وكذلك أَنْفَرَه. وفي حديث أَبي ذَرٍّ: نافَرَ أَخي
أُنَيْسٌ فلاناً الشاعِرَ؛ أَراد أَنهما تَفاخَرا أَيُّهما أَجْوَدُ
شِعْراً. ونافَرَ الرجلَ مُنافَرَةً ونِفاراً: حاكَمَهُ، واسْتُعْمِلَ منه
النُّفُورَةُ كالحُكومَةِ؛ قال ابن هَرْمَةَ:
يَبْرُقْنَ فَوْقَ رِواقِ أَبيضَ ماجِدٍ،
يُرْعى ليومِ نُفُورَةٍ ومَعاقِلِ
قال ابن سيده: وكأَنما جاءت المُنافَرَةُ في أَوّل ما اسْتْعْمِلَتْ
أَنهم كانوا يسأَلون الحاكم: أَيُّنا أَعَزُّ نَفَراً؟ قال زهير:
فإِنَّ الحَقَّ مَقْطَعُه ثلاثٌ:
يَمِينٌ أَو نِفارٌ أَو جَلاءُ
وأَنْفَرَهُ عليه ونَفَّرَه ونَفَرَهُ يَنْفُرُه، بالضم، كل ذلك:
غَلَبَه؛ الأَخيرة عن ابن الأَعرابي، ولم يَعْرِفْ أَنْفُرُ، بالضم، في
النِّفارِ الذي هو الهَرَبُ والمُجانَبَةُ. ونَفَّرَه الشيءَ وعلى الشيء وبالشيء
بحرف وغير حرف: غَلَبَهُ عليه؛ أَنشد ابن الأَعرابي:
نُفِرْتُمُ المَجْدَ فلا تَرْجُونَهْ،
وجَدْتُمُ القومَ ذَوِي زَبُّونَهْ
كذا أَنشده نُفِرْتُمْ، بالتخفيف.
والنُّفارَةُ: ما أَخَذَ النَّافِرُ من المَنْفَورِ، وهو الغالبُ
(*
قوله« هو الغالب» عبارة القاموس أي الغالب من المغلوب) ، وقيل: بل هو ما
أَخذه الحاكم. ابن الأَعرابي: النَّافِرُ القَامِرُ. وشاة نافِرٌ: وهي التي
تُهْزَلُ فإِذا سعلت انتثر من أَنفها شيء، لغة في النَّاثِرِ. ونَفَرَ
الجُرْحُ نُفُوراً إِذا وَرِمَ. ونَفَرَتِ العينُ وغيرها من الأَعضاء
تَنْفِرُ نُفُوراً: هاجت ووَرِمَتْ. ونَفَرَ جِلْدُه أَي وَرِمَ. وفي حديث
عمر: أَن رجلاً في زمانه تَخَلَّلَ بالقَصَبِ فَنَفَرَ فُوهُ، فنهى عن
التخلل بالقصب؛ قال الأَصمعي: نَفَرَ فُوه أَي وَرِمَ. قال أَبو عبيد: وأُراهُ
مأْخوذاً من نِفارِ الشيء من الشيء إِنما هو تَجافِيهِ عنه وتَباعُدُه
منه فكأَن اللحْمَ لما أَنْكَرَ الداء الحادث بينهما نَفَرَ منه فظهر،
فذلك نِفارُه. وفي حديث غَزْوانَ: أَنه لَطَمَ عينه فَنَفَرَتْ أَي
وَرِمَتْ.ورجل عِفْرٌ نِفْرٌ وعِفْرِيَةٌ نِفْرِيَةٌ وعِفْرِيتٌ نِفْرِيتٌ
وعُفارِيَةٌ نُفارِيَةٌ إِذا كان خبيثاً مارِداً. قال ابن سيده: ورجل
عِفْرِيتَةٌ نِفْرِيتَةٌ فجاء بالهاء فيهما، والنِّفْرِيتُ إِتباعٌ للعِفْرِيت
وتوكيدٌ.
وبنو نَفْرٍ: بطنٌ. وذو نَفْرٍ: قَيْلٌ من أَقيال حِمْيَرَ. وفي الحديث:
إِن الله يُبْغِضُ العِفْرِيَةَ النِّفْرِيَةَ أَي المُنْكَرَ الخَبيثَ،
وقيل: النِّفْرِيَةُ والنِّفْرِيتُ إِتباع للعِفْرِيَةِ والعِفْرِيتِ. ابن
الأَعرابي: النَّفائِرُ العصافير
(*قوله« النفائر العصافير» كذا بالأصل.
وفي القاموس: النفارير العصافير.) وقولهم: نَفِّرْ عنه أَي لَقِّبْهُ
لَقَباً كأَنه عندهم تَنْفِيرٌ للجن والعينِ عنه. وقال أَعرابي: لما وُلدتُ
قيل لأَبي: نَفِّرْ عنه، فسماني قُنْفُذاً وكنَّاني أَبا العَدَّاءِ.
مغط: المَغْط: مدّ الشيء يستطيله وخص بعضهم به مدّ الشيء الليِّن
كالمُصْرانِ ونحوه، مغَطَه يَمْغُطه مَغْطاً فامَّغَط وامْتَغَط.
والمُمَّغِطُ: الطويل ليس بالبائن الطول، وقيل: الطويل مطلقاً كأَنه
مدَّ مدّاً من طوله. ووصف علي، عليه السلام، النبي، صلّى اللّه عليه وسلّم،
فقال: لم يكن بالطويل الممَّغِط ولا القصير المتردّد؛ يقول: لم يكن
بالطويل البائن ولكنه كان رَبْعة.
الأَصمعي: المُمَّغِط، بتشديد الميم الثانية، المتناهي الطول. وامَّغط
النهار امِّغاطاً: طال وامتدَّ. ومغَط في القوس يَمْغَطُ
(* قوله «يمغط»
كذا ضبط في الأصل، ومقتضى اطلاق المجد انه من باب كتب.) مغْطاً مثل مخط:
نزع فيها بسهم أَو بغيره. ومغَط الرجلُ القوس مغطاً إِذا مدَّها بالوتر.
وقال ابن شميل: شدَّ ما مغَطَ في قوسه إِذا أَغرق في نزْع الوتر ومدّه
ليُبْعِد السهم. ومَغَطْت الحبل وغيره إِذا مددته، وأَصله مُنْمغِط والنون
للمطاوعة فقلبت ميماً وأُدغمت في الميم، ويقال بالعين المهملة بمعناه.
والمغط: مدّ البعير يديه في السير؛ قال:
مَغْطاً يَمُدُّ غَضَنَ الآباطِ
وقد تمغَّط، وكذلك في عدْو الفرس أَن يمُدَّ ضبْعيه. قال أَبو عبيدة:
فرس مُتَمَغِّطٌ والأُنثى مُتَمغِّطةٌ. والتمغُّطُ: أَن يمُدّ ضَبْعَيْه
حتى لا يجد مَزيداً في جَرْيِه ويَحْتَشِيَ رجليه في بطنه حتى لا يجد
مَزيداً للإلحاق ثم يكون ذلك منه في غير احْتلاط، يسْبَح بيديه ويَضْرَحُ
برجليه في اجتماع. وقال مرة: التمغُّطُ أَن يمدّ قَوائمه ويتمَطَّى في
جَرْيِه. وامْتَغَطَ النهارُ أَي ارتفع. وسقط البيت عليه فتمَغَّط فمات أَي
قتله الغُبار، قال ابن دريد: وليس بِمُسْتَعْمَل.
معط: مَعَطَ الشيءَ يَمْعَطُه معطاً. مدّه. وفي حديث أَبي إِسحق: إِن
فُلاناً وتَّر قوسَه ثم معَطَ فيها أَي مدَّ يديه بها، والمَغْطُ، بالعين
والغين: المدّ، وطويل مُمَّعِطٌ منه كأَنه مُدّ. قال الأَزهري: المعروف في
الطويل المُمَّغِطُ، بالغين المعجمة، وكذلك رواه أَبو عبيد عن الأَصمعي،
قال: ولم أَسمع ممَّعطاً بهذا المعنى لغير الليث إِلا بإِقرائه في كتاب
الاعتقاب لأَبي تراب، قال: سمعت أَبا زيد وفلانَ بن عبد اللّه التميمي
يقولان: رجل مُمَّعِطٌ وممَّغط أَي طويل؛ قال الأَزهري: ولا أُبْعِدُ أَن
يكونا لغتين كما قالوا لَعَنَّك ولَغَنَّك بمعنى لعَلَّك، والمَغَصُ
والمَعَصُ من الإِبل البِيضُ، وسُرُوعٌ وسُرُوغٌ للقُضْبان الرِّخْصة.
والمَعْطُ: الجَذْبُ. ومعَطَ السيفَ وامْتَعَطه: سلَّه. وامتعط رمحه: انتزعه،
ومَعِط شعرُه وجلده معَطاً، فهو أَمْعَطُ. يقال: رجل أَمْعَطُ أَمْرَطُ لا
شعر له على جسده بيِّن المَعَط ومَعِطٌ.
وتَمَعَّطَ وامَّعَط، وهو افْتَعل
(* قوله «افتعل» كذا في الأصل
والقاموس بالتاء، وفي الصحاح انفعل بالنون.): تمرَّط وسقط من داء يَعْرِضُ له.
ويقال: امَّعَط الحبلُ وغيره أَي انجرد. ومَعَطَه يَمْعَطُه مَعْطاً:
نتَفَه. وتمعَّطت أَوْبار الإِبل: تطايرت وتفرّقت، ومن أَسماء السَّوءَةِ
المَعْطاء والشَّعْراء والدَّفْراء. وذِئب أمعط: قليل الشعر وهو الذي تساقط
عنه شعره، وقيل: هو الطويل على وجه الأَرض. ويقال: مَعِط الذئب ولا يقال
مَعِطَ شعره، والأُنثى مَعْطاء. وفي الحديث: قالت له عائشة لو آخذْتَ
ذاتَ الذنْب منَّا بذنبها، قال: إِذاً أَدَعها كأَنها شاة مَعْطاء؛ هي التي
سقط صُوفُها. ولِصٌّ أَمعط على التمثيل بذلك: يشبه بالذِّئب الأَمعط
لخُبْثه. ولصوص مُعْط، ورجل أَمْعَط: سَنُوط. وأَرض مَعْطاء: لا نبت بها.
وأَبو مُعْطةَ: الذِّئب لتمَعُّط شعره، علم معرفة، وإِن لم يخص الواحد من
جنسه، وكذلك أُسامةُ وذُؤالةُ وثُعالةُ وأَبو جَعْدة. والمَعْطُ: ضرب من
النكاح. ومَعَطَها مَعْطاً: نكحها. ومَعَطَني بحقي: مطَلَني.
والتَّمعُّط في خُضْر الفرس: أَن يمُدَّ ضَبْعَيْه حتى لا يجد مزيداً،
ويَحْبِس رجليه حتى لا يجد مزيداً للحاق، ويكون ذلك منه في غير الاحْتِلاط
يَمْلَخُ بيديه ويَضْرَحُ برجليه في اجتماعهما كالسابح. وفي حديث حكيم
بن معاوية: فأَعرض عنه فقام مُتمَعِّطاً أَي متسخِّطاً مــتغضِّبــاً. قال ابن
الأَثير: يجوز أَن يكون بالعين والغين.
وماعِط ومُعَيْطٌ: اسمان. وبنو مُعَيْط: حيّ من قريش معروفون.
ومُعَيْطٌ: موضع. وأَمْعَطُ: اسم أَرض؛ قال الراعي:
يَخْرُجْن بالليلِ من نَقْعٍ له عُرَفٌ،
بقاعٍ أَمْعَطَ، بين السَّهل والصِّيَرِ
مضر: مَضَرَ اللَّبَنُ يَمْضُرُ مُضُوراً: حَمُضَ وابْيَضَّ، وكذلك
النبيذ إِذا حَمُضَ. ومَضَرَ اللبنُ أَي صار ماضِراً، وهو الذي يَحْذِي
اللسانَ قبل أَن يَرُوبَ.
ولبن مَضِيرٌ: حامِضٌ شديد الحُموضة؛ قال الليث: يقال إِن مُضَر كان
مُولَعاً بشربه فسمي مُضَرَ به؛ قال ابن سيده: مُضَرُ اسم رجل قيل سمي به
لأَنه كان مولعاً بشرب اللبن الماضر، وهو مُضَرُ بن نِزار بن مَعَدِّ بن
عدنان، وقيل: سمي به لبياض لونه من مَضِيرة الطبيخ.
والمَضِيرَة: مُرَيْقَة تطبخ بلبن وأَشياء، وقيل: هي طبيخ يتخذ من اللبن
الماضر. قال أَبو منصور: المضيرة عند العرب أَن تطبخ اللحم باللبن البحث
الصريح الذي قد حذى اللسانَ حتى يَنْضَجَ اللحمُ وتَخْثُرَ المضيرة،
وربما خلطوا الحليب بالحَقِين وهو حينئذ أَطيب ما يكون.
ويقال: فلان يَتَمَضَّرُ أَي يتعَصَّبُ لمضر، ونقل لي مُتَحَدِّث أَن في
الروض الأُنف للسهيلي قال في الحديث: لا تَسُبُّوا مُضَرَ ولا ربيعة
فإِنهما كانا مُؤمِنَيْن. الجوهري: وقيل لمُضَرَ الحَمْراءُ ولربيعَةَ
الفَرَسُ لأَنهما لما اقتسما الميراث أُعْطِيَ مُضَرُ الذهبَ، وهو يؤنث،
وأُعطي ربيعةُ الخيل. ويقال: كان شِعارهم في الحرب العمائم والراياتِ الحُمْر
ولأَهل اليمن الصفر. وقال الجوهري: سمعت بعض أَهل العلم يفسر قول أَبي
تمام يصف الربيع:
مُحْمَرَّة مُصْفَرَّة فكأَنها
عُصُبٌ، تَيَمَّنُ في الوغى وتَمَضَّرُ
ابن الأَعرابي: لبَن مَضِرٌ، قال ابن سيده: وأُراه على النسب كَمَضِرٍ
وطَعِمٍ لأَن فِعْله إِنما هو مَضَر، بفتح الضاد لا كسرها، قال: وقلما
يجيء اسم الفاعل من هذا على فَعِلٍ.
ومُضارَةُ اللبن: ما سال منه. والماضِرُ: اللبن الذي يَحْذي اللسانَ قبل
أَن يُدْرِك، وقد مَضَرَ يَمْضُر مُضُوراً، وكذلك النبيذ. وفي حديث
حذيفة، وذكر خروج عائشة فقال: يُقاتِلُ معها مُضَرُ، مَضَّرَها الله في النار،
أَي جعلها في النار، فاشتق لذلك لفظاً من اسمها؛ يقال: مَضَّرْنا فلاناً
فَتَمَضَّرَ أَي صيرناه كذلك بأَن نسبناه إِليها؛ وقال الزمخشري:
مَضَّرها جَمَعها كما يقال جَنَّدَ الجُنودَ، وقيل: مَضَّرها أَهلكها، من قولهم:
ذهَب دمُهُ خِضْراً مِضْراً أَي هَدَراً، ومِضْرٌ إِتباع، وحكى الكسائي
بِضْراً، بالباء؛ قال الجوهري: نُرَى أَصلَه من مُضُورِ اللبنِ وهو
قَرْصُه اللسانَ وحَذْيُه له، وإِنما شدد للكثرة والمبالغة.
والتَّمَضُّرُ: التشبه بالمُضَرِيَّةِ. وفي الحديث: سأَله رجلٌ فقال: يا
رسولَ الله، ما لي مِنْ ولَدِي؟ قال: ما قَدَّمْتَ منهم، قال: فَمَنْ
خَلَّفْتُ بَعْدِيف قال: لك منهم ما لِمُضَرَ من ولَدِه أَي أَنّ مُضَر لا
أَجْرَ له فيمن مات من ولده اليَوْمَ وإِنما أَجره فيمن مات من ولده
قبله.وخذ الشيء خِضْراً مِضْراً وخَضِراً مَضِراً أَي غَضًّا طَرِيًّا.
والعرب تقول: مَضَّرَ اللهُ لك الثناء أَي طَيَّبَه. وتُماضِرُ: اسم امرأَة،
مشتق من هذه الأَشياء؛ قال ابن دريد: أَحسبَهُ من اللبن الماضر.
جرم: الجَرْمُ: القَطْعُ. جَرَمَه يَجْرِمُه جَرْماً: قطعه. وشجرة
جَرِيمَةٌ: مقطوعة. وجَرَمَ النَّخْلَ والتَّمْرَ يَجْرِمه جَرْماً وجِراماً
وجَراماً واجْتَرَمه: صَرَمَه: عن اللحياني، فهو جارمٌ، وقوم جُرَّمٌ
وجُرَّام، وتمر جَرِيم: مَجْرُوم. وأَجْرَمَ: حان جِرامُه؛ وقول ساعدة بن
جؤية:
(* قوله «وقول ساعدة بن جؤية» أي يصف سحاباً كما في ياقوت وقبله:
أفعنك لا برق كأنّ وميضه * غاب تشيمه ضرام مثقب
قال الأزهري: ساد أي مهمل، وقال أَبو عمرو: السادي الذي يبيت حيث يمسي.
وتجرم أي قطع ثمانياً في البضيع وهي جزيرة بالبحر. يلوي بماء البحر: أي
يحمله ليمطره ببلده).
سَادٍ تَجَرَّمَ في البَضِيع ثمانِياً،
يَلْوِي بعَيْقاتِ البحار ويَجْنُبُ
يقول: قطع ثماني ليال مقيماً في البضيع يشرب الماء؛ والجَرِيم:
النَّوَى، واحدته جَرِيمة، وهو الجَرامُ أَيضاً؛ قال ابن سيده: ولم أَسمع للجَرام
بواحد، وقيل: الجَرِيمُ والجَرامُ، بالفتح، التمر اليابس؛ قال:
يَرَى مَجْداً ومَكْرُمَةً وعِزّاً،
إذا عَشَّى الصَّديِقَ جَرِيمَ تمرِ
والجُرامَة: التمر المَجْرُوم، وقيل: هو ما يُجْرَمُ منه بعدما يُصْرَمُ
يُلْقَطُ من الكَرَب؛ وقال الشماخ:
مُفِجُّ الحَوامِي عن نُسُورٍ، كأَنَّها
نَوَى القَسْبِ تَرَّتْ عن جَرِيم مُلَجْلَجِ
(* قوله «عن نسور» الذي في نسخة التهذيب: من، بالميم).
أَراد النوى؛ وقيل: الجَرِيم البُؤْرَةُ التي يُرْضَحُ فيها النَّوَى.
أَبو عمرو: الجَرام، بالفتح، والجَرِيمُ هما النوى وهما أَيضاً التمر
اليابس؛ ذكرهما ابن السكيت في باب فَعِيل وفَعالٍ مثل شَحاجٍ وشَحيج وكَهامٍ
وكَهِيم وعَقامٍ وعَقِيمٍ وبَجَالٍ وبَجِيل وصَحاحِ الأَدِيم وصَحِيح.
قال: وأَما الجِرام، بالكسر، فهو جمع جَرِيم مثل كريم وكرام. يقال: جِلَّةٌ
جَرِيمٌ أي عِظامُ الأَجْرام، والجِلَّة: الإبلُ المَسانُّ. وروي عن
أَوْس بن حارثَةَ أنه قال: لا والذي أَخْرَجَ العِذْقَ من الجَريمة والنارَ
من الوثِيمةِ؛ أَراد بالجريمة النواةَ أَخرج الله تعالى منها النخلة.
والوَثِيمةُ: الحجارة المكسورة. والجَريمُ: التمر المَصْرُوم.
والجُرامةُ: قِصَدُ البُرِّ والشعير، وهي أَطرافه تُدَقُّ ثم تُنَقَّى،
والأعرفُ الجُدَامَة، بالدال، وكله من القَطْع.
وجَرَمَ النَّخْلَ جَرْماً واجْتَرَمَه: خَرَصَه وجَرَّه.
والجِرْمةُ: القومُ يَجْتَرِمون النخلَ أي يَصْرِمُون؛ قال امرؤ القيس:
عَلَوْنَ بأَنْطاكِيَّةٍ، فَوْقَ عَقْمَةٍ،
كجِرْمةِ نَخْلٍ أو كجَنَّة يَثْرِبِ
الجِرْمَةُ: ما جُرِمَ وصُرِمَ من البُسْر، شبه ما على الهودج من وَشْيٍ
وعِهْنٍ بالبُسْر الأَحمر والأَصفر، أو بجنة يثرب لأنها كثيرة النخل،
والعَقْمةُ: ضرب من الوَشْيِ.
الأصمعي: الجُرامة، بالضم، ما سقط من التمر إذا جُرِمَ، وقيل: الجُرامة
ما الْتُقِطَ من التمر بعدما يُصْرَمُ يُلْقَط من الكَرَبِ. أَبو عَمْرو:
جَرِمَ الرجل
(* قوله «أبو عمرو جرم الرجل إلخ» عبارة الازهري: عمرو عن
أبيه جرم إلخ) إذا صار يأْكل جُرامة النخل بين السَّعَفِ. ويقال: جاء
زمنُ الجِرامِ والجَرام أي صِرامِ النخل. والجُرَّامُ: الذي يِصْرِمونَ
التمر. وفي الحديث: لا تَذْهَبُ مائةُ سنةٍ وعلى الأرض عَيْنٌ تَطْرِفُ،
يريد تَجَرُّم ذلك القَرْنِ. يقال: نَجَرَّم ذلك القَرْنُ أي انْقَضَى
وانْصَرَم، وأصله من الجَرْم القَطْعِ، ويروى بالخاء المعجمة من الخَرْم، وهو
القطع.
وجَرَمْتُ صُوفَ الشاة أَي جَزَزْته، وقد جَرَمْتُ منه إذا أَخذت منه
مثل جَلَمْتُ.
والجُرْمُ: التَّعدِّي، والجُرْمُ: الذنب، والجمع أَجْرامٌ وجُرُومٌ،
وهو الجَرِيَمةُ، وقد جَرَمَ يَجْرِمُ جَرْماً واجْتَرَمَ وأَجْرَم، فهو
مُجْرِم وجَرِيمٌ. وفي الحديث: أَعظمُ المسلمين في المسلمين جُرْماً من
سأَل عن شيء لم يُجَرَّمْ عليه فَحُرِمَ من أجل مسألته؛ الجُرْم: الذنب.
وقولُه تعالى: حتى يَلِجَ الجَمَلُ في سَمِّ الخياط وكذلك نَجْزي
المُجْرِمين؛ قال الزجاج: المُجْرِمون ههنا، والله أعلم، الكافرون لأن الذي ذكر من
قِصَّتهم التكذيب بآيات الله والاستكبار عنها.
وتَجَرَّم عَليَّ فُلانٌ أي ادَّعَى ذنباً لم أفعله؛ قال الشاعر:
تَعُدُّ عَليَّ الذَّنْبَ، إنْ ظَفِرَتْ به،
وإلاَّ تَجِدْ ذَنْباً عَليَّ تَجَرَّم
ابن سيده: تَجَرَّم ادَّعَى عليه الجُرْمَ وإن لم يُجْرِم؛ عن ابن
الأَعرابي؛ وأَنشد:
قد يُعْتَزَى الهِجْرانُ بالتَّجَرُّم
وقالوا: اجْتَرَم الذنبَ فَعَدَّوْه؛ قال الشاعر أَنشده ثعلب:
وتَرَى اللبيبَ مُحَسَّداً لم يَجْتَرِمْ
عِرْضَ الرجالِ، وعِرْضُه مَشْتُومُ
وجَرَمَ إليهم وعليهم جَرِيمة وأَجْرَم: جَنَى جِناية، وجَرُمَ إذا
عَظُمَ جُرْمُه أي أَذنب. أَبو العباس: فلان يَتَجَرَّمُ علينا أي يَتَجَنَّى
ما لم نَجْنه؛ وأَنشد:
ألا لا تُباتلي حَرْبَ قَومٍ تَجَرَّمُوا
قال: معناه تَجَرَّمُوا الذنوب علينا. والجَرِمَةُ: الجُرْمُ، وكذلك
الجَرِيمَةُ؛ قال الشاعر:
فإنَّ مَوْلايَ ذو يُعَيِّرُني،
لا إحْنَةٌ عِنْدَه ولا جَرِمَهْ
وقوله أَنشده ابن الأعرابي:
ولا مَعْشَرٌ شُوسُ العُيون كأَنَّهم
إليَّ، ولم أجْرِمْ بهم، طالِبُو ذحْلِ
قال: أَراد لم أجْرِم إليهم أَو عليهم فأَبدل الباء مكان إلى أو على.
والجُرْم: مصدر الجارِم الذي يَجْرِم نَفْسَه وقومه شَرّاً. وفلان له
جَرِيمةٌ إليَّ أَي جُرْم. والجارمُ: الجاني. والمُجْرِم: المذنب؛ وقال:
ولا الجَارِمُ الجاني عليهم بمُسْلَم
قال: وقوله عز وجل: ولا يَجْرِمَنَّكم شنَآنُ قوم، قال الفراء:
القُرّاءُ قرؤوا ولا يَجْرِمَنَّكم، وقرأَها يحيى بن وَثَّابٍ والأَعْمَشُ ولا
يُجْرِمَنَّكم، من أَجْرَمْتُ، وكلام العرب بفتح الياء، وجاء في التفسير:
ولا يَحْمِلَنَّكم بُغْضُ قوم أن تَعْتَدُوا، قال: وسمعت العرب يقولون
فلان جَريمَة أَهله أي كاسبهم. وخرج يَجْرِمُ أَهْلَه أي يَكْسبهم، والمعنى
فيهما متقارب لا يَكْسِبَنَّكم بُغْضُ قوم أن تعتدوا. وجَرَمَ يَجْرِمُ
واجْتَرم: كَسَبَ؛ وأنشد أبو عبيدة للهَيْرُدانِ السَّعْدِيِّ أَحدِ لُصوص
بني سَعْد:
طَريدُ عَشِيرةٍ، ورهينُ جُرْمٍ
بما جَرَمَتْ يَدي وجنَى لِساني
وهو يَجْرِمُ لأَهله ويَجْتَرِمُ: يَتَكَسَّبُ ويطلب ويَحْتالُ.
وجَريمةُ القوم: كاسِبُهم. يقال: فلان جارِمُ أَهْلِهِ وجَريمَتُهم أي كاسبهم؛
قال أَبو خِراشٍ الهُذَليُّ يصف عُقاباً تَرْزُق فَرخَها وتَكْسِبُ له:
جَريمَةُ ناهِضٍ في رأْسِ نِيقٍ،
تَرى لِعظامِ ما جَمَعَتْ صَلِيبا
جَريمَةُ: بمعنى كاسبة، وقال في التهذيب عن هذا البيت: قال يصف عُقاباً
تصيد فَرْخَها الناهضَ ما تأْكله من لحم طير أكلته، وبقي عظامه يسيل منها
الودك. قال ابن بري: وحكى ثعلب أن الجَريمة النَّواة. وقال أَبو إسحق:
يقال: أَجْرَمَني كذا وجَرَمَني وجَرَمْتُ وأَجْرَمْت بمعنى واحد، وقيل في
قوله تعالى لا يُجْرِمنَّكم: لا يُدْخِلَنَّكم في الجُرم، كما يقال
آثَمْتُه أي أَدخلته في الإثم. الأَخفش في قوله ولا يَجْرِمَنَّكم شَنآنُ قوم
أي لا يُحِقَّنَّ لكم لأن قوله: لا جَرَمَ أن لهم النار، إنما هو حَقٌّ
أن لهم النار؛ وأَنشد:
جَرَمَتْ فَزارةُ بعدَها أن يَغْضَبوا
يقول: حَقَّ لها. قال أَبو العباس: أما قوله لا يُحِقَّنَّ لكم فإنما
أَحْقَقْتُ الشيءَ إذا لم يكن حَقّاً فجعلته حقّاً، وإنما معنى الآية،
والله أَعلم، في التفسير لا يَحْملَنَّكُم ولا يَكْسبَنَّكم، وقيل في قوله
ولا يَجْرِمَنَّكم قال: لا يَحْمِلَنَّكم
(* قوله «وقيل في قوله ولا
يجرمنكم قال لا يحملنكم»، هذا القول ليونس كما نص عليه الأزهري)، وأنشد بيت أبي
أَسماء.
والجِرْمُ، بالكسر: الجَسَدُ، والجمع القليل أَجرام؛ قال يزيدُ بن
الحَكَمِ الثَّقَفيُّ:
وكم مَوْطِنٍ، لَوْلاي، طِحْتَ كما هَوى
بأَجْرامِه من قُلَّة النِّيقِ مُنْهَوي
وجَمَعَ، كأنه صَيَّر كل جزء من جِرْمه جِرْماً، والكثير جُرُومٌ
وجُرُم؛ قال:
ماذا تقُولُ لأَشْياخ أُولي جُرُمٍ،
سُودِ الوُجوهِ كأمْثالِ المَلاحِيبِ
التهذيب: والجِرْمُ أَلْواحُ الجَسد وجُثْمانه. وأَلقى عليه أَجْرامه؛
عن اللحياني ولم يفسره؛ قال ابن سيده: وعندي أنه يريد ثَقَلَ جِرْمِه،
وجمع على ما تَقَدَّم في بيت يزيد. وفي حديث عليّ: اتّقُوا الصُّبْحة فإنها
مَجْفَرة مَنْتَنَة للجِرْم؛ قال ثعلب: الجِرْمُ البَدَنُ. ورجل جَريمٌ:
عظيم الجِرْم؛ وأَنشد ثعلب:
وقد تَزْذَري العينُ الفَتى، وهو عاقِلٌ،
ويُؤفَنُ بَعْضُ القومِ، وهو جَريمُ
ويروى: وهو حزيم، وسنذكره، والأُنثى جَريمة ذات جِرْم وجِسْم. وإبل
جَريمٌ: عِظامُ الأَجْرام؛ حكى يعقوب عن أَبي عمرو: جِلَّةٌ جَريمٌ، وفسره
فقال: عِظام الأَجْرام يعني الأَجسام. والجِرْم: الحَلْقُ؛ قال مَعْنُ بن
أَوْسٍ:
لأسْتَلّ منه الضِّغْنَ حتى اسْتَلَلْتُه،
وقد كانَ ذا ضِغْنٍ يَضِيقُ به الجِرْمُ
يقول: هو أمر عظيم لا يُسِيغُه الحَلْقُ. والجِرْمُ: الصوت، وقيل:
جَهارَتُه، وكرهها بعضهم. وجِرْمُ الصوت: جَهارته. ويقال: ما عرفته إلا
بِجِرْم صوته. قال أَبو حاتم: قد أُولِعَتِ العامَّةُ بقولهم فلان صافي الجِرْم
أي الصوت أو الحَلْق، وهو خطأٌ. وفي حديث بعضهم: كان حَسَنَ الجِرْم؛
قيل: الجِرْم هنا الصوت، والجِرْمُ البَدَنُ، والجِرْم اللَّوْنُ؛ عن ابن
الأعرابي. وجَرِمَ لونُه
(* قوله «وجرم لونه» وكذلك جرم إذا عظم بدنه،
وبابهما فرح كما ضبط بالأصل والتهذيب والتكملة وصوّبه السيد مرتضى على قول
المجد: وأَجرم عظم لونه وصفا) إذا صفا.
وحَوْلٌ مُجَرَّمٌ: تامٌّ. وسنة مُجَرَّمة: تامَّة، وقد تَجَرَّم. أَبو
زيد: العامُ المُجَرَّمُ الماضي المُكَمَّلُ؛ وأَنشد ابن بري لعمر بن
أَبي ربيعة:
ولكنَّ حُمَّى أَضْرَعَتْني ثلاثَةً
مُجَرَّمةً، ثم اسْتَمَرَّتْ بنا غِبَّا
ابن هانئ: سَنَةٌ مُجَرَّمةٌ وشهر مُجَرَّمٌ وكَريتٌ فيهما، ويوم
مُجَرَّمٌ وكَريتٌ، وهو التام، الليث: جَرَّمْنا هذه السنةَ أي خَرَجْنا منها،
وتَجَرَّمَتِ السنةُ أي انقضت، وتَجَرَّمَ الليلُ ذهب؛ قال لبيد:
دِمَنٌ، تَجَرَّم، بَعدَ عَهْدِ أَنِيسِها،
حِجَجٌ خَلَوْنَ: حَلالُها وحَرامُها
أي تَكَمَّل؛ قال الأَزهري: وهذا كله من القَطْع كأَنّ السنة لما مضت
صارت مقطوعة من السنة المستقبلة. وجَرَّمْنا القومَ: خرجنا عنهم.
ولا جَرَم أي لا بدّ ولا محالة، وقيل: معناه حَقّاً؛ قال أَبو أسماء بن
الضَّريبَةِ:
ولقد طَعَنْتُ أبا عُيَيْنَةَ طَعْنَةً
جَرَمَتْ فَزارةَ، بعدَها، أن يَغْضَبُوا
أي حَقَّتْ لها الغَضَبَ، وقيل: معناه كسَبَتْها الغَضَبَ. قال سيبويه:
فأما قوله تعالى: لا جَرَمَ أنَّ لهم النارَ، فإن جَرَم عَمِلَتْ لأَنها
فعل، ومعناها لقد حَقَّ أن لهم النار، وقول المفسرين: معناها حَقّاً أن
لهم النارَ يَدُلُّك على أنها بمنزلة هذا الفعل إذا مثَّلْتَ، فَجَرَمَ
عَمِلَتْ بعدُ في أَنّ، والعرب تقول: لا جرم لآتِيَنَّك، لا جَرَم لقد
أَحْسَنْتَ، فتراها بمنزلة اليمين، وكذلك فسرها المفسرون حَقّاً أنهم في
الآخرة هم الأَخْسَرُون، وأصلها من جَرَمْتُ أي كَسَبْتُ الذنبَ؛ وقال
الفراء: وليس قول من قال إن جَرَمْتُ كقولك حُقِقْتُ أو حَقَقْتُ بشيء، وإنما
لَبَّس عليه قولُ الشاعر:
جَرَمَتْ فَزارةُ بعدها أن يَغْضَبُوا
فرفعوا فَزارة وقالوا: نجعل الفعل لفَزارة كأَنها بمنزلة حَقَّ لها أو
حُقَّ لها أن تَغْضَبَ، قال: وفزارة منصوب في البيت، المعنى جَرَمَتْهُم
الطعنةُ الغَضَبَ أي كَسَبَتْهم. وقال غير الفراء: حقيقة معنى لا جَرَم أن
لا نَفْيٌ ههنا لَمَّا ظنوا أنه ينفعهم؛ فرُدَّ ذلك عليهم فقيل: لا
ينفعهم ذلك، ثم ابتدأ فقال:
جَرَم أنهم في الآخرة هم الأَخْسَرونَ؛ أي كَسَبَ ذلك العملُ لهم
الخُسْرانَ، وكذلك قوله: لا جَرَم أن لهم النارَ وأنهم مُفْرَطُونَ؛ المعنى لا
ينفعهم ذلك، ثم ابتدأ فقال: جَرَم إفْكُهم وكَذِبُهم لهم عذابَ النار أي
كَسَبَ بهم عَذابَها. قال الأزهري: وهذا من أَبْيَن ما قيل فيه. الجوهري:
قال الفراء لا جَرَم كلمةٌ كانت في الأصل بمنزلة لا بد ولا محالة،
فَجَرتْ على ذلك وكثرت حتى تَحَوَّلتْ إلى معنى القَسَم وصارت بمنزلة حقّاً،
فلذلك يجاب عنها باللام كما يجاب بها عن القسم، ألا تراهم يقولون لا جَرَم
لآتينك؟ قال: وليس قول من قال جَرَمْتُ حَقَقْتُ بشيء، وإنما لبس عليه
الشاعر أَبو أَسماء بقوله: جَرَمْتَ فَزارة؛ وقال أَبو عبيدة: أَحَقّت
عليهم الغضَبَ أي أَحَقَّتْ الطعنةُ فزارة أن يغضبوا، وحَقَّتْ أيضاً: من
قولهم لا جَرَمَ لأَفْعَلَنَّ كذا أي حَقّاً؛ قال ابن بري: وهذا القول ردٌّ
على سيبويه والخليل لأنهما قَدَّراه أَحَقَّتْ فزارةَ الغضَبَ أي
بالغَضَبِ فأسقط الباء، قال: وفي قول الفراء لا يحتاج إلى إسقاط حرف الجرّ فيه
لأن تقديره عنده كسَبَتْ فَزارةَ الغضبَ عليك، قال: والبيت لأَبي أَسماء
بن الضَّريبة، ويقال لعَطِية بن عفيف، وصوابه: ولقد طعنتَ أَبا عُيَيْنة،
بفتح التاء، لأَنه يخاطب كُرْزاً العُقَيليَّ ويَرْثيه؛ وقبل البيت:
يا كُرْزُ إنَّك قد قُتِلْتَ بفارسٍ
بَطَلٍ، إذا هابَ الكُماةُ وجَبَّبُوا
وكان كُرْزٌ قد طعن أبا عيينة، وهو حِصْنُ بن حذيفة بن بَدْر الفَزاريّ.
ابن سيده: وزعم الخليل أن جَرَم إنما تكون جواباً لما قبلها من الكلام،
يقول الرجل: كان كذا وكذا وفعلوا كذا فتقول: لا جَرَمَ أنهم سيندمون، أو
أَنه سيكون كذا وكذا. وقال ثعلب: الفراء والكسائي يقولان لا جَرَمَ
تَبْرِئةٌ. ويقال: لا جَرَم
(* قوله «ويقال لا جرم إلخ» زاد الصاغاني: لا جرم
بضم فسكون، ولا جرم بوزن كرم، ومعنى لا ذا جرم ولا أن ذا جرم استغفر
الله، والاجرام: متاع الراعي. والاجرام من السمك: لونان مستدير بلون وأسود له
أجنحة) ولا ذا جَرَم ولا أنْ ذا جَرَم ولا عَنْ ذا جَرَم ولا جَرَ،
حذفوه لكثرة استعمالهم إياه. قال الكسائي: من العرب من يقول لا ذا جرم ولا أن
ذا جرم ولا عن ذا جرم ولا جَرَ، بلا ميم، وذلك أنه كثر في الكلام فحذفت
الميم، كما قالوا حاشَ للهِ وهو في الأصل حاشَى، وكما قالوا أَيْشْ وإنما
هو أيُّ شيء، وكما قالوا سَوْ تَرَى وإنما هو سوفَ تَرَى. قال الأزهري:
وقد قيل لا صلة في جَرَم والمعنى كَسَبَ لهم عَمَلُهم النَّدَم؛ وأَنشد
ثعلب:
يا أُمَّ عَمْرٍو، بَيِّني لا أو نَعَمْ،
إن تَصْرمِي فراحةٌ ممن صَرَمْ،
أو تَصِلِي الحَبْلَ فقد رَثَّ ورَمّ
قُلْتُ لها: بِينِي فقالت: لا جَرَمْ
أنَّ الفِراقَ اليومَ، واليومُ ظُلَمْ
ابن الأعرابي: لا جَرَ لقد كان كذا وكذا أي حقّاً، ولا ذا جَرَ ولا ذا
جَرَم، والعرب تَصِلُ كلامها بذي وذا وذو فتكون حَشْواً ولا يُعْتَدُّ
بها؛ وأَنشد:
إن كِلاباً والِدِي لا ذا جَرَمْ
وفي حديث قَيْس بن عاصم: لا جَرَمَ لأَفُلَّنَّ حَدَّها؛ قال ابن
الأَثير: هذه كلمة تَرِدُ بمعنى تحقيق الشيء، وقد اختلف في تقديرها فقيل أصلها
التبرئة بمعنى لا بُدَّ، وقد استعملت في معنى حقّاً، وقيل: جَرَمَ بمعنى
كَسَب، وقيل: بمعنى وَجَبَ وحَقَّ ولا رَدٌّ لما قبلها من الكلام ثم
يبتدأُ بها كقوله تعالى: لا جَرَم أن لهم النار؛ أي ليس الأْمْرُ كما قالوا،
ثم ابتدأَ وقال: وَجَبَ لهم النار.
والجَرْمُ: الحَرُّ، فارسي معرَّب. وأَرض جَرْمٌ: حارّة، وقال أَبو
حنيفة: دَفِيئةٌ، والجمع جُرُومٌ، وقال ابن دُرَيْدٍ: أَرْضٌ جَرْمٌ توصف
بالحرِّ، وهو دخيل. الليث: الجَرْمُ نَقِيض الصَّرْد؛ يقال: هذه أَرض جَرْمٌ
وهذه أَرض صَرْدٌ، وهما دخِيلان
(* قوله «وهما دخيلان إلخ» عبارة
التهذيب: دخيلان مستعملان). في الحرِّ والبرد. الجوهري: والجُروُمُ من البلاد
خلافُ الصُّرُودِ. والجَرْمُ: زَورَقٌ من زوارقِ اليَمَن، والجمع من كل
ذلك جُرُومٌ.
والمُدّ يُدْعَى بالحجاز: جَرِيماً. يقال: أَعطيته كذا وكذا جَرِيماً من
الطعام.
وجَرْمٌ: بَطْنانِ بطنٌ في قُضاعة وهو جَرْمُ بنُ زَيَّانَ، والآخر في
طيِّء. وبنو جارِمٍ: بطنانِ بطنٌ في بني ضَبَّة، والآخر في بني سَعْدٍ.
الليث: جَرْمٌ قبيلة من اليمن، وبَنُو جارِمٍ: قومٌ من العرب؛ وقال:
إذا ما رَأَتْ حَرْباً عَبُ الشمسِ شَمَّرَتْ
إلى رَمْلِها، والجارمِيُّ عَمِيدُها
(* قوله «إذا ما إلخ» تقدم في عمد: شمساً بدل حرباً والجلهمي بدل
الجارميّ، والذي هناك هو ما في المحكم).
عَبُ الشَّمْس: ضَوْءُها، وقد يثقل، وهو أَيضاً اسم قبيلة.
جذمر: الجِذْمارُ والجُذْمُورُ: أَصل الشيء، وقيل: هو إِذا قُطعت
السَّعَفَةُ فبقيت منها قطعة من أَصل السعَفة في الجِذْعِ ، بزيادة الميم،
وكذلك إِذا قطعت النَّبْعَةُ فبقيت منها قطعة، ومثله اليد إِذا قطعت إِلاَّ
أَقَلَّها. التهذيب: وما بقي من يد الأَقطع عند رأْس الزَّنْدَيْنِ
جُذْمُورٌ؛ يقال: ضربه بِجُذْموره وبقطعته؛ قال عبدالله بن سَبْرَةَ يرثي
يده:فإِن يكن أَطربُونُ الرُّومِ قَطَّعَها،
فإِنَّ فيها بحمدِ الله مُنْتَفَعَا
بَنَانَتانِ وجُذْمُورٌ أُقِيمُ بها
صَدْرَ القَناةِ، إِذا ما صارِخٌ فَزِعا
ويروى إِذا ما آنَسُوا فَزَعا. ابن الأَعرابي: الجُذْمُورُ بقية كل شيء
مقطوع، ومنه جُذْمُورُ الكِباسَةِ. ورجل جُذامِرٌ: قَطَّاعٌ للعهد
والرَّحِم؛ قال تأَبَّطَ شَرّاً:
فإِن تَصْرِمِينِي أَو تُسِيئِي جَنابَتِي،
فإِنِّي لَصَرَّامُ المُهِينِ جُذامِرُ
وأَخذ الشيءَ بِجُذْمُورِه وبجَذامِيرِه أَي بجميعه، وقيل: أَخذه
بِجُذْمُورِه أَي بِحِدْثانِهِ. الفراء: خذه بجِذْمِيرِه وجِذْمارِه
وجُذْمُورِه؛ وأَنشد:
لَعَلَّكَ إِنْ أَرْدَدْتَ منها حَلِيَّةً
بِجُذْمُورِ ما أَبَقْىَ لك السَّيْفُ، تَغْضَبُ
غلق: غَلَقَ الباب وأَغْلَقه وغَلَّقه؛ الأُولى عن ابن دريد عزاها إلى
أَبي زيد وهي نادرة، فهو مُغْلَق، وفي التنزيل: وغَلَّقَت الأبواب؛ قال
سيبويه: غَلَّقت الأبواب للتكثير، وقد يقال أَغْلَقت يراد بها التكثير،
قال: وهو عربيّ جيد. وباب غُلُق: مُغْلَقٌ، وهو فُعُل بمعنى مَفْعول مثل
قارُورَة، وباب فُتُح أَي واسع ضخم وجِذْع قُطُل، والاسم الغَلْقُ؛ ومنه قول
الشاعر:
وباب إذا ما مالَ للغَلْقِ يَصْرِف
ويقال: هذا من غَلَقْتُ الباب غَلْقاً، وهي لغة رديئة متروكة؛ قال أَبو
الأسود الدؤلي:
ولا أَقولُ لقِدْرِ القوم قد غَلِيَتْ،
ولا أَقولُ لباب الدَّار مَغْلوقُ
وقال الفرزدق:
ما زِلْتُ أَفتح أَبواباً وأُغْلِقها،
حتى أَتَيْتُ أَبا عَمْرو بنَ عَمَّارِ
قال أَبو حاتم السجستاني: يريد أَبا عمرو بن العلاء. وغَلِقَ البابُ
وانْغَلقَ واسْتَغْلق إذا عسر فتحه. والمِغْلاقُ: المِرْتاجُ. والغَلَقُ:
المِغْلاقُ، بالتحريك، وهو ما يُغْلَقُ به الباب ويفتح، والجمع أَغْلاق؛
قال سيبويه: لم يجاوزوا به هذا البناء؛ واستعاره الفرزدق فقال:
فبِتْنَ بجانِبَيَّ مُصَرَّعاتٍ،
وبِتُّ أَفُضّ أَغْلاقََ الخِتامِ
قال الفارسي: أَراد خِتام الأَغْلاقِ فقَلَب. وفي حديث قتل أَبي رافع:
ثم عَلَّقَ الأَغالِيقَ على وَدٍّ؛ هي المفاتيح، واحدها إغْلِيقٌ،
والغَلاقُ والمِغْلاق والمُغْلوق: كالغَلَق. واسْتَغْلَقَ عليه الكلام أَي
ارْتُتِجَ عليه. وكلام غَلِقٌ أي مشكل. وفي الحديث: لا طلاق ولا عَتاق في
إغْلاقٍ أَي في إكراه، ومعنى الإغْلاقِ الإكراه، لأن المُغْلَق مكرَهٌ عليه
في أَمره ومضيَّق عليه في تصرفه كأَنه يُغْلَقُ عليه الباب ويحبس ويضيّق
عليه حتى يطلِّق. وإغْلاقُ القاتل: إسلامه إلى وليّ المقتول فيَحْكم في
دمه ما شاء. يقال: أُغْلِق فلان بجَرِيرِتِه؛ وقال الفرزدق:
أَسارى حديدٍ أُغْلِقَتْ بدِمائها
والاسم منه الغَلاقُ؛ وقال عدي بن زيد:
وتقول العُداةُ: أَوْدَى عَدِيٌّ،
وبَنُوهُ قد أَيْقَنُوا بالغَلاقِ
ابن الأعرابي: أَغْلَقَ زيدٌ عمراً على شيء يفعله إذا أَكرهه عليه.
والمِغْلَقُ والمِغْلاق: السهم السابع من قِداح المَيْسِر. والمَغالِقُ:
الأَزْلام، وكل سهم في الميسِر مِغْلَق؛ قال لبيد:
وجَزُور أَيْسارٍ دَعَوْتُ، لحتْفِها،
بمَغالِقٍ متشابِهٍ أَجْرامُها
(* في معلقة لبيد: أجسامها بدل أجرامها: وفي رواية التبريزي: أعلامها أي
علاماتها).
والمَغالقُ: قِداح الميْسر؛ قال الأسود بن يَعْفُر:
إذا قحطت والزَّاجِرِين المَغالِقَا
الليث: المِغْلَقُ السهم السابع في مُضَعَّفِ المَيْسِر، وسمي مِغْلَقاً
لأنه يَسْتَغْلِقُ ما يبقى من آخر الميَسِر، ويُجْمَع مَغالِقَ، وأنشد
بيت لبيد:
وجَزُور أَيْسارٍ دعوت لحتفها
قال أَبو منصور: غلط الليث في تفسير قوله بمَغالق، والمَغالقُ من نُعُوت
قِداح المَيْسر التي يكون لها الفوز، وليست المَغالِقُ من أَسمائها، وهي
التي تُغْلِقُ الخَطَر فتوجبه للقامر الفائز كما يُغْلَقُ الرهنُ
لمستحقه؛ ومنه قول عمرو بن قَمِيئة:
بأَيديهمُ مَقْرُومةٌ ومَغالِق،
يعود بأَرْزاقِ العيالِ مَنِيحُها
ورجل غَلِقٌ: سيء الخلق. قال الليث: يقال احْتَدَّ فلان فَغَلِقَ في
حِدَّتِهِ أي نشب؛ وروى أَبو العباس أن ابن الأَعرابي أَنشده:
وقد جَعَلَ الرِّكُّ الضعيفُ يُسِيلُني
إليك، ويُشْريك القليلُ فتَغْلَقُ
قال: الرِّكُّ المطر الضعيف؛ يقول: إذا أَتاك عني شيء قليل غضبت وأنا
كذلك فمتى نَتَّفق؟ ومنه قوله: أنت تَئِق وأنا مَئِق فكيف نتفق؟ قال أَبو
منصور: معنى قوله يُسِيلني إليك أي يُغضبني فيغريني بك، ويُشْرِيكَ أي
يغضبك فتَغْلق أي تغضب وتحتدّ عليّ. ويقال: أُغْلِقَ فلان فَغَلِقَ غَلَقاً
إذا أُغضب فغضب واحتدّ. قال أبو بكر: الغَلِقُ الكثير الغضب؛ قال عمرو بن
شأْس:
فأَغْلَقُ مِنْ دونِ امْرِئٍ، إن أَجَرْتُهُ،
فلا تُبْتَغَى عوراتهُ غَلَقَ البَعْلِ
أي أَغضب غضباً شديداً. قال: والغَلِقُ الضيّق الخُلُق العسر الرضا.
وغَلِقَ في حِدَّته غَلَقاً: نشب، وكذلك الغِلِقُ في غير الأَناسي.
والغَلَقُ في الرهن: ضد الفك، فإذا فَكَّ الراهنُ الرهنَ فقد أَطلقه من وثاقه عند
مُرْتَهنه. وقد أَغْلَقْتُ الرهن فَغَلِقَ أي أوجبته فوجب للمرتهن؛ ومنه
الحديث: ورجل ارتبط فرساً ليُغالِقَ عليها أي ليراهن، وكأنه كره
الرِّهان في الخيل إذ كان على رسم الجاهلية. قال سيبويه: وغَلِقَ الرَّهْنُ في
يد المرتهن يَغْلق غَلَقاً وغُلُوقاً، فهو غَلِقٌ، استحقه المرتهن، وذلك
إذا لم يُفْتَكّ في الوقت المشروط. وفي الحديث: لا يغْلَق الرهن بما فيه؛
قال زهير يذكر امرأَة:
وفارَقَتْكَ برَهْنٍ لا فكاكَ لَهُ،
يوم الوَدَاع، فأَمْسَى الرَّهْنُ قد غَلِقا
يعني أنها ارتهنت قلبه ورهنت به؛ وأَنشد شمر:
هل من نَجازٍ لمَوْعودٍ بَخِلْت به؟
أو للرَّهين الذي اسْتَغْلَقْت من فادي؟
وأنشد ابن الأعرابي لأوس بن حجر:
على العُمْرِ، واصطادَتْ فؤاداً كأنه
أَبو غَلِقٍ، في ليلتين، مؤجَّل
وفسره فقال: أَبو غَلِقٍ أي صاحب رهن غَلِقَ، أَجله ليلتان أن يُفَكّ،
وغَلِقَ أي ذهب. ويقال: غَلِقَ الرهنُّ يَغْلَقُ غُلُوقاً إذا لم يوجد له
تخلص وبقي في يد المرتهن لا يقدر راهنه على تخليصه، والمعنى أنه لا
يستحقه المرتهن إذا لم يَسْتَفِكَّه صاحبُه. وكان هذا من فعل الجاهلية أن
الراهن إذا لم يُؤدِّ ما عليه في الوقت المعين مَلَكَ المرتهنُ الرَّهْنَ،
فأَبطله الإسلام. وقوم مَغَاليقُ: يَغْلَقُ الرهن على أَيديهم. وقال ابن
الأَعرابي في حديث داحسٍ والغبراء: إن قيساً أتى حذيفة بن بدرٍ فقال له
حذيفة: ما غَدَا بك؟ قال: غَدَوْتُ لأواضِعَك الرِّهانَ؛ أراد بالواضعة
إبطال الرِّهان أي أَضعه وتَضعه، فقال حذيفة: بل غدوتَ لتُغْلِقَهُ أي لتوجبه
وتؤكده. وأَغْلَقْتُ الرهن أي أَوجبته فَغَلِقَ للمرتهن أي وجب له. وقال
أبو عبيد: غَلِقَ الرهنُ إذا استحقه المرتهن غَلَقاً. وروي عن النبي،
صلى الله عليه وسلم: لا يغْلَقُ الرهن أي لا يستحقه المرتهن إذا لم يَرُدَّ
الراهن ما رهنه فيه، وكان هذا من فعل الجاهلية فأَبطله النبي، صلى الله
عليه وسلم، بقوله: لا يغْلَقُ الرهنُ. أَبو عمرو: الغَلَقُ الضَّجَر.
ومكان غَلِقٌ وضَجِرٌ أي ضيق، والضَّجْرُ الاسم، والضَّجَرُ المصدر.
والغَلَقُ: الهلاك؛ ومعنى لا يَغْلَق الرهنُ أي لا يهلك. وفي كتاب عمر إلى أبي
موسى: إياك والغَلَقَ؛ قال المبرد: الغلق ضيق الصدر وقلة الصبر. وأَغْلَقَ
عليه الأمرُ إذا لم يَنْفسح. وغَلِقَ الأسيرُ والجاني، فهو غَلِقٌ: لم
يُفْدَ؛ قال أَبو دَهْبَلٍ:
ما زِلْتَ في الغَفْرِ للذنوب وإطْـ
لاقٍ لِعَانٍ، بجُرْمِه، غَلِق
شمر: يقال لكل شيء نَشِبَ في شيء فلزمه قد غَلِقَ، غَلِقَ في الباطل،
وغَلِقَ في البيع، وغَلَق بيعه فاسْتَغْلَقَ
(* قوله «وغلق بيعه فاستغلق»
هكذا هو بهذا الضبط في الأصل).
واسْتَغْلَق الرجلُ إذا أُرْتِجَ عليه فلم يتكلم. وقال ابن شميل:
اسْتَغْلَقَني فلان في بَيْعي إذا لم يجعل لي خياراً في ردِّه، قال:
واسْتَغْلَقتُ على بيعته؛ وأَنشد شمر للفرزدق:
وعَرَّد عن بَنِيهِ الكَسْبَ منه،
ولو كانوا أُولي غَلَقٍ سِغَابا
أُولي غَلَقٍ أي قد غَلِقُوا في الفقر والجوع. جمل غَلْق وغَلْقَةٌ إذا
هزل وكبر. النوادر: شيْخٌ غَلْقٌ وجمل غَلْقٌ، وهو الكبير الأعْجَفُ.
وغَلِقَ ظهرُ البعير غَلَقاً، فهو غَلِقٌ: انتقض دَبَرهُ تحت الأَدَاةِ
وكثُر غَلَقاً لا يبرأُ. ويقال: إن بعيرك لغَلِقُ الظهر، وقد غَلِقَ ظهرهُ
غَلَقاً، وهو أَن ترى ظهره أَجْمَعَ جُلُْبَتَين آثار دبَرٍ قد برأَت فأَنت
تنظر إلى صفحتيه تَبْرُقان. ابن شميل: الغَلَقُ شرُّ دَبَر البعير لا
يقدر أن تُعادَى الأَداةُ عنه أي ترفع عنه حتى يكون مرتفعاً، وقد عادَيْت
عنه الأَداةَ: وهو أن تجوب عنه القَتَب والحِلْس. وفي حديث جابر: شفاعة
النبي، صلى الله عليه وسلم، لمن أوثَقَ نفسَه وأَغْلَقَ ظهرَه. وغَلِقَ
ظهرُ البعير إذا دَبِرَ، وأَغْلَقَهُ صاحبه إذا أَثقل حمله حتى يَدْبَرَ؛
شبه الذنوب التي أَثقلت ظهر الإنسان بذلك. وغَلِقَت النخلة غَلَقاً، فهي
غَلِقةٌ: دوَّدَتْ أُصول سَعَفها وانقطع حَمْلُها.
والغِلْقةُ والغَلْقةُ: شجرة يَعْطِنُ بها أَهلُ الطائف وقال أَبو
حنيفة: الغَلْقة شجرة لا تطاق حِدَّة يَتَوَقَّعُ جانيها علي عينيه من بخارها
أو مائها، وهي التي تُمَرَّطُ بها الجلود فلا تترك عليها شعرة ولا لحمة
إلاَّ حلقته؛ قال المرار:
جَرِبْنَ فلا يُهْنَأْنَ إلاَّ بِغَلْقَةٍ
عَطِينٍ، وأَبوالِ النِّساءِ القَواعِدِ
وأورد الأزهري هذا البيت ونسبه لمزَزَّدّ. ابن السكيت: إهَابٌ مَغْلُوق
إذا جعلت فيه الغَلْقَة حين يُعْطَنُ، وهي شجرة تَعْطِنُ بها أهل الطائف،
وقال مرة: هي عشبة تجفَّف وتطحن ثم تُضْرَبُ بالماء وتنقع فيها الجلود
فتمرّط، وربما خلطت بها شجرة تسمى الشَّرْجَبان، يقال منه أَديم مَغْلوق.
وقال مرة: الغَلْقةُ، بالفتح، عن البكري وغيره، والغِلْقَةُ، بالكسر، عن
أَعرابي من ربيعة، كلاهما: شجرة تشبه العِظْلِمَ مُرَّة جدّاً ولا
يأْكلها شيء، والحبشة يطبخونها ثم يطلون بمائها السلاح فلا يصيب شيئاً إلا
قتله.وغَلاَّق: اسم رجل من بني تميم. وغَلاَّق: قبيلة أَو حيّ؛ أنشد ابن
الأَعرابي:
إذا تَجَلَّيْتَ غَلاَّقاً لِتَعْرِقَها،
لاحَتْ من اللُّؤْمِ في أَعْناقها الكُتبُ
إنِّي وأَتْيَ ابنِ غَلاَّقٍ لِيَقْرِيَني،
كغابط الكلب يَبْغي النِّقْيَ في الذَّنَبِ
ويروى: يبغي الطِّرْقَ، ويروى: يرجو الطِّرْق.
غمص: غَمَصَه وغَمِصَه يَغْمِصُه ويَغْمَصُه غَمْصاً واغْتَمَصَه:
حَقَّرَه واسْتَصْغَره ولم يره شيئاً، وقد غَمِصَ فلانٌ يَغْمَصُ غَمَصاً، فهو
أَغْمَصُ. وفي حديث مالك بن مُرَارة الرَّهَاوِيّ: أَنه أَتى النبيَّ،
صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال: إِني أُوتِيتُ من الجَمالِ ما تَرى فما
يسُرُّني أَن أَحداً يَفْضُلني بشِرَاكي فما فوقها فهل ذلك من البَغْي؟ فقال
رسول اللّه، صلّى اللّه عليه وسلّم: إِنما ذلك مَنْ سَفِهَ الحقَّ
وغَمَطَ الناس، وفي بعض الرواية: وغَمَصَ الناسَ أَي احْتَقَرهم ولم يَرَهم
شيئاً. وفي حديث عمر أَنه قال لقَبِيصة بن جابر حين اسْتَفْتاه في قَتْلِه
الصيدَ وهو مُحْرِم قال: أَتَغْمِصُ الفُتْيا وتقْتُل الصيدَ وأَنتَ
مُحْرم؟ أَي تحتقر الفتيا وتَسْتَهِينُ بها. قال أَبو عبيد وغيره: غَمَصَ فلان
الناس وغَمَطهم وهو الاحتقار لهم والازْدِراءُ بهم، ومنه غَمْصُ النعمة.
وفي حديث عليّ: لما قَتَلَ ابنُ آدمَ أَخاه غَمَصَ اللّهُ الخلقَ، أَراد
نَقَصَهم من الطول والعرض والقوّة والبَطْش فصغّرهم وحقَّرهم. وغَمَصَ
النعمة غَمْصاً: تهاوَنَ بها وكفَرَها وازْدَرَى بها. واغْتَمَصْت فلاناً
اغْتِماصاً: احتقرته. وغَمَصَ عليه قولاً قاله: عابَه عليه. وفي حديث
الإِفك: إِن رأَيتُ منها أَمْراً أَغْمِصُه عليها أَي أَعِيبُها به
وأَطْعَنُ به عليها.
ورجلٌ غَمِصٌ على النسب: عَيّاب. ورجل مَغْموص عليه في حَسبَه أَو في
دِينِه ومَغْموزٌ أَي مطعون عليه. وفي حديث توبة كعب: إِلاَّ مَغْموصاً
عليه بالنِّفَاق أَي مطعوناً في دِينه متَّهماً بالنفاق.
والغَمَصُ في العين: كالرَّمَص. وفي حديث ابن عباس: كان الصبيان
يُصْبِحُون غُمْصاً رُمْصاً ويُصْبِح رسولُ اللّه، صلّى اللّه عليه وسلّم،
صَقِيلاً دَهِيناً يعني في صِغَره؛ وقيل: الغَمَصُ ما سالَ والرَّمَصُ ما
جَمَدَ، وقيل: هو شيء تَرْمِي به العينُ مثل الزَّبَدِ، والقطعة منه غَمَصة،
وقد غَمِصَت عينُه، بالكسر، غَمَصاً. ابن شميل: الغَمَصُ الذي يكون مثل
الزبد أَبيض يكون في ناحية العين، والرَّمَصُ الذي يكون في أُصول
الهُدْب.وقال: أَنا مُتَغَمِّصٌ من هذا الخبر ومتوصِّمٌ ومُمْدَئِلٌّ ومرنّحٌ
ومُغَوثٌ، وذلك إِذا كان خبراً يسُرّه ويخاف أَن لا يكون حقّاً أَو يخافه
ويسره.
والشِّعْرَى الغَمُوص والغُمَيْصاء ويقال الرميصاء: من منازل القمر، وهي
في الذراع أَحد الكوكبين، وأُخْتُها الشعرى العَبُور، وهي التي خَلْف
الجوزاءِ، وإِنما سميت الغُمَيْصاء بهذا الاسم لصِغرَها وقلة ضوئها من
غَمَصِ العين، لأَن العين إِذا رَمِصَت صَغُرت. قال ابن دريد: تزعم العرب في
أَخبارها أَن الشِّعْرَيَين أُخْتا سُهَيْلٍ وأَنها كانت مجتمعة،
فانحدَرَ سُهَيْلٌ فصار يمانيّاً، وتَبِعَتْه الشعرى اليمانية فعَبَرت البحرَ
فسُمِّيت عبُوراً، وأَقامت الغُمَيصاءُ مكانَها فبَكَتْ لِفَقْدِهما حتى
غَمِصت عينُها، وهي تصغير الغَمْصاء، وبه سميت أُم سليم الغَمْصاء، وقيل:
إِن العَبُور ترىى سُهَيلاً إِذا طلَع فكأَنّها تَسْتَعْبر، والغُمَيصاء
لا تراه فقد بَكتْ حتى غَمِصت، وتقول العرب أَيضاً في أَحاديثها: إِن
الشعرى العَبور قطعت المَجَرَّةَ فسميت عَبُوراً، وبكت الأُخرى على إِثْرها
حتى غَمِصَت فسميت الغُمَيصاء. وفي الحديث في ذكر الغُمَيصاء: هي الشعرى
الشاميّةُ وأَكبرُ كوكبي الذراع المقبوضة. والغُمَيْصاءُ: موضع بناحية
البحر. وقال الجوهري: الغُمَيْصاء اسم موضع، ولم يُعَيّنْه. قال ابن بري:
قال ابن ولاّد في المقصور والممدود في حرف الغين: والغُمَيْصاء موضع، وهو
الموضع الذي أَوْقَعَ فيه خالدُ بنُ الوليد ببَني جَذِيمةَ من بني كنانة؛
قالت امرأَة منهم:
وكائِنْ تَرى يوم الغُمَيْصاء من فَتىً
أُصِيبَ، ولم يَجْرَحْ، وقد كان جارحا
وأَنشد غيره في الغُمَيْصاء أَيضاً:
وأَصبحَ عنّي بالغُمَيْصاء جالساً
فَرِيقانِ: مسؤولٌ، وآخَرُ يَسْأَلُ
قال ابن بري: وفي إِعرابه إِشكال وهو أَن قوله فريقان مرفوع بالابتداء
ومسؤول وما بعده بدل منه وخبرُ المبتدإ قولهُ بالغُمَيْصاء وعني متعلق
بيسأَل وجالساً حال والعامل فيه يسأَل أَيضاً، وفي أَصبح ضمير الشأْن
والقصة، ويجوز أَن يكون فريقان اسمَ أَصبح وبالغميصاء الخبر، والأَول أَظهر.
والغُمَيْصاءُ: اسم امرأَة.
غطرس: الغَطْرسة والتَغَطْرُس: الإِعجاب بالشيء والتَّطاوُل على
الأَقْران؛ وأَنشد:
كم فِيهمُ من فارِس مُتَغَطْرِسٍ،
شاكِي السِّلاح، يَذُبُّ عن مَكْروبِ
وقيل: هو الظُّلْم والتكبُّر. والغِطْرِس والغِطْرِيسُ والمُتَغَطْرِس:
الظالم المتكبر، قال الكُمَيت يخاطب بني مَرْوان:
ولولا حِبالٌ منكمُ هي أَمْرَسَتْ
جَنائِبَنا، كُنَّا الأُتاةَ الغَطارِسَا
وقد تَغَطْرَسَ، فهو مُتَغَطْرِس. وفي حديث عمر، رضي اللَّه عنه: لولا
التَّغَطْرُس ما غَسَلْت يَدي. التَّغَطْرُس: الكِبر. المُؤَرِّج:
تَغَطْرس في مِشْيَتِه إِذا تَبَخْتَر، وتَغَطْرَس إِذا تَعسَّف الطريق. ورجل
مُتَغَطْرِس: بخيل؛ في كلام هذيل.
برجم: ابن دريد: البَرْجَمةُ غِلَظُ الكلام. وفي حديث الحجاج: أَمِنْ
أَهْل الرَّهْمَسَة والبَرْجَمة أنت؟ البَرْجَمة، بالفتح: غِلَظ في الكلام.
الجوهري: البُرْجُمَة، بالضم، واحدة البَراجِمِ وهي مَفاصِل الأصابع
التي بين الأَشاجِع والرَّواجِب، وهي رؤوس السُّلامَيَات من ظَهْر الكف إذا
قَبَض القابض كفَّه نَشَزَت وارتفعت. ابن سيده: البُرْجُمةُ المَفْصِل
الظاهر من المَفَاصِل، وقيل: الباطِن، وقيل: البَراجِمُ مَفاصِل الأَصابع
كلها، وقيل: هي ظُهور القَصَب من الأصابع. والبُرْجُمةُ: الإصْبَعُ
الوُسْطى من كل طائر. والبَراجِم: أَحْياءٌ من بني تميم، من ذلك، وذلك أن
أَباهُمْ قبَض أَصابعه وقال: كونوا كَبرَاجِم يَدِي هذه أي لا تَفَرَّقُوا،
وذلك أَعزُّ لكم؛ قال أَبو عبيدة: خَمسة من أَولادِ حَنْظلة ابن مالك بن
عمرو بن تميم يقال لهم البَراجِم، قال ابن الأَعرابي: البَراجِمُ في بني
تميم: عمرو وقَيْس وغالِب وكُلْفَة وظُلَيْم، وهو بنو حَنْظلة بن زيد
مَناة، تَحالَفوا على أَن يكونوا كبَراجِم الأَصابع في الاجتماع. ومن
أَمثالهم: إنَّ الشَّقِيَّ راكِبُ البراجِمِ، وكان عمرو بن هِنْد له أخٌ فقتله
نَفَر من تميم فآلى أن يَقْتُل به منهم مائة فقتل تسعةً وتسعين، وكان
نازلاً في ديار بني تميم، فأَحْرَق القَتْلى بالنار، فمرَّ رجل من البَراجِم
وراحَ رائحةَ حَرِيق القَتْلى فَحسبه قُتَارَ الشِّواء فمال إليه، فلمَّا
رآه عَمْروا قال له: ممَّن أنت؟ فقال: رجل من البَراجِم، فقال حينئذ:
إنَّ الشَّقِيَّ راكبُ البراجِم، وأَمَر فقُتِلَ وأُلْقِيَ في النار فَبرَّت
به يَمينه. وفي الصحاح: إن الشَّقِيَّ وافِدُ البَراجِم، وذلك أن عمرو
بن هِنْد كان حلف ليُحْرِقَنَّ بأَخيه سعدِ بن المُنْذِر مائة، وساق
الحديث، وسمَّت العرب عمرو بن هِنْد مُحَرِّقاً لذلك. التهذيب: الرَّاجِبَةُ
البُقْعة المَلْساء بين البراجِم. قال: والبراجِمُ المُشَنَّجاتُ في
مَفاصِل الأَصابع، وفي موضع آخر في ظُهور الأصابع، والرَّواجِبُ ما بينها، وفي
كلّ إصبع ثلاث بُرْجمات إلا الإبهام، وفي موضع آخر: وفي كل إصبع
بُرْجُمَتان. أَبو عبيد: الرَّواجِمُ
(* قوله «الرواجم»هو بالميم في الأصل، وفي
التهذيب بالباء، وفي المصباح نقلاً عن الكفاية: البراجم رؤوس السلاميات
والرواجم بطونها وظهورها.) والبَراجِمُ مَفاصِل الأَصابع كُلِّها. وفي
الحديث: من الفِطْرة غَسْلُ البَراجِمِ؛ هي العُقَدُ التي تكون في ظُهور
الأصابع يَجْتَمع فيها الوَسَخ.
رغب: الرَّغْبُ والرُّغْبُ والرَّغَبُ، والرَّغْبَة والرَّغَبُوتُ،
والرُّغْبَـى والرَّغْبَـى، والرَّغْبَاءُ: الضَّراعة والمسأَلة. وفي حديث
الدعاءِ: رَغْبَةً ورَهْبَةً إِلَيْكَ. قال ابن الأَثير: أَعمل لَفْظَ الرَّغْبَة وَحْدَها، ولو أَعْمَلَهُما مَعاً، لقال: رَغْبة إِليكَ ورَهْبة منكَ، ولكن لـمَّا جمَعَهُما في النظم، حَمَل أَحدَهما على الآخَرِ؛ كقول الراجز:
وزَجَّجْنَ الـحَواجِبَ والعُيونا
وقول الآخر:
مُتَقَلِّداً سَيْفاً ورُمْحاً
وفي حديث عمر، رضي اللّه عنه، قالوا له عند موتِه: جزاكَ اللّهُ خيراً، فعَلْتَ وفَعَلْتَ؛ فقال: راغِبٌ وراهِبٌ؛ يعني: انَّ قولَكم لِـي هذا القولَ، إِمَّا قولُ راغِبٍ فيما عندي، أَو راهِبٍ منِّي؛ وقيل: أَراد إِنَّنِـي راغِبٌ فيما عندَ اللّه، وراهِبٌ من عذابِه، فلا تَعْويلَ عندي على ما قُلتم من الوصف والإِطْراءِ. ورجل رَغَبُوت: من الرَّغْبَةِ. وقد رَغِبَ إِليه ورَغَّـبَه هو، عن ابن الأَعرابي؛ وأَنشد:
إِذا مالَتِ الدُّنْيا على الـمَرْءِ رَغَّـبَتْ * إِليه، ومالَ الناسُ حيثُ يَمِـيلُ
وفي الحديث أَن أَسماءَ بنتَ أَبي بكر، رضي اللّه عنهما، قالت:
أَتَتْنِـي أُمـِّي راغِـبةً في العَهْدِ الذي كان بين رسولِ اللّه، صلى اللّه عليه وسلم، وبينَ قريشٍ، وهي كافِرة، فسأَلَتْنِـي، فسأَلتُ النبـيَّ، صلى اللّه عليه وسلم: أَصِلُها؟ فقال: نعم. قال الأَزهري: قولُها أَتَتْنِـي أُمـِّي راغِـبةً، أَي طائعة، تَسْـأَلُ شيئاً.
يقال: رَغِـبْتُ إِلى فلانٍ في كذا وكذا أَي سأَلتُه إِيَّاه. ورُوِي عن
النبي، صلى اللّه عليه وسلم، أَنه قال: كيفَ أَنتُم إِذا مَرِجَ
الدِّينُ، وظَهَرَتِ الرَّغْبة؟ وقوله: ظَهَرَتِ الرَّغْبةُ أَي كثُر السُّـؤال
وقَلَّتِ العِفَّة، ومَعْنَى ظُهورِ الرَّغْبة: الـحِرْصُ على الجَمْع، مع مَنْعِ الـحَقِّ.
رَغِبَ يَرْغَبُ رَغْبة إِذا حَرَصَ على الشيءِ، وطَمِعَ فيه.
والرَّغْبة: السُّـؤالُ والطَّمَع.
وأَرْغَبَنِـي في الشَّيءِ ورغَّبَنِـي، بمعنًى.
ورَغَّبَه: أَعْطاه ما رَغِبَ؛ قال ساعدة بنُ جُؤَيَّة:
لَقُلْتُ لدَهْري: إِنَّه هو غَزْوَتي، * وإِنِّي، وإِنْ رَغَّبْتَني، غيرُ فاعِلِ
والرَّغِـيبةُ من العَطاءِ: الكثيرُ، والجمعُ الرَّغائبُ؛ قال النَّمِرُ
بنُ تَوْلَبٍ:
لا تَغْضَبَــنَّ على امْرِئٍ في ماله، * وعلى كرائِمِ صُلْبِ مالِكَ، فاغْضَبِ
ومَتى تُصِـبْكَ خَصاصةٌ، فارْجُ الغِنى، * وإِلى الَّذي يُعْطِـي الرَّغائبَ، فارْغَبِ
ويقال: إِنه لَـوَهُوبٌ لكلِّ رَغِـيبةٍ أَي لكلِّ مَرْغُوبٍ فيه.
والـمَراغِبُ: الأَطْماعُ. والـمَراغِبُ: الـمُضْطَرَباتُ للـمَعاشِ.
ودَعا اللّهَ رَغْبةً ورُغْبةً، عن ابن الأَعرابي. وفي التنزيل العزيز: يَدْعُونَنا رَغَباً ورَهَباً؛ قال: ويجوز رُغْباً ورُهْباً؛ قال: ولا نعلم أَحَداً قَرَأَ بها، ونُصِـبَا على أَنهما مفعولٌ لهما؛ ويجوز فيهما المصدر.
ورَغِبَ في الشيءِ رَغْباً ورَغْبةً ورَغْبَـى، على قياس سَكْرَى،
ورَغَباً بالتحريك: أَراده، فهو راغِبٌ؛ وارْتَغَبَ فيه مثلُه.
وتقول: إِليك الرَّغْبَاءُ ومنكَ النَّعْماءُ.
وقال يعقوب: الرُغْبَـى والرَّغْبَاءُ مثل النُّعْمَى والنَّعْمَاءِ.
وفي الحديث أَنَّ ابنَ عُمرَ كان يَزِيدُ في تَلْبِـبتِه: والرُّغْبَـى
إِليكَ والعَمَل. وفي رواية: والرَّغْباءُ بالمدّ، وهما من الرَّغْبة،
كالنُّعْمى والنَّعْماءِ من النِّعْمةِ. أَبو زيد: يقال للبَخِـيل يُعْطِـي من
غيرِ طَبْعِ جُودٍ، ولا سَجِـيَّةِ كَرَمٍ: رُهْباك خير من رُغْباكَ؛ يقول: فَرَقُه منكَ خيرٌ لك، وأَحْرى أَنْ يُعْطِـيَكَ عليه من حُبّه لك.
قال ومثَلُ العامَّة في هذا: فَرَقٌ خيرٌ من حُبٍّ. قال أَبو الهيثم: يقول لأَنْ تُرْهَبَ، خيرٌ من أَن يُرْغَبَ فيكَ. قال: وفعلتُ ذلك رُهْباكَ أَي من رَهْبَتِك. قال ويقال: الرُّغْبَى إِلى اللّه تعالى والعملُ أَي الرَّغْبة؛ وأَصَبْتُ منك الرُّغْبَـى أَي الرَّغْبة الكَثيرة.
وفي حديث ابن عمر: لا تَدَعْ رَكْعَتَيِ الفجر، فإِنَّ فيهما
الرَّغائِبَ؛ قال الكلابي: الرَّغائِبُ ما يُرْغَبُ فيه من الثوابِ العظيمِ، يقال: رَغيبة ورَغائِب؛ وقال غيره: هي ما يَرْغَبُ فيه ذو رَغَبِ النفسِ، ورَغَبُ النفسِ سَعَةُ الأَمَلِ وطَلَبُ الكثير؛ ومن ذلك صلاةُ الرَّغائِب، واحدتُها رَغيبةٌ؛ والرَّغيبةُ: الأَمرُ الـمَرْغوبُ فيه. ورَغِبَ عن الشيءِ: تَرَكَه مُتَعَمّداً، وزَهِدَ فيه ولم يُرِدْهُ. ورَغِبَ بنفسه عنه: رأَى لنفسِه عليه فضلاً. وفي الحديث: إِني لأَرْغَبُ بك عن الأَذانِ.
يقال: رَغِـبْتُ بفلانٍ عن هذا الأَمرِ إِذا كَرِهْتَه له، وزَهِدتَ له
فيه.والرُّغْبُ، بالضم: كثرة الأَكلِ، وشدة النَّهْمة والشَّرَهِ. وفي
الحديث: الرُّغْبُ شُؤْمٌ؛ ومعناه الشَّرَه والنَّهْمة، والـحِرْصُ على
الدنيا، والتَّبَقُّرُ فيها؛ وقيل: سَعَة الأَمَل وطَلَبُ الكثير. وقد رَغُبَ،
بالضم، رُغْباً ورُغُباً، فهو رغيب. التهذيب: ورُغْبُ البطنِ كثرةُ
الأَكلِ؛ وفي حديث مازنٍ:
وكنت امْرَأً بالرُّغْبِ والخَمْرِ مُولَعاً
أَي بسَعَةِ البطنِ، وكثرةِ الأَكلِ؛ ورُوِي بالزاي، يعني الجماع؛ قال ابن الأَثير: وفيه نظر.
والرَّغابُ، بالفتح: الأَرضُ اللَّـيِّنة. وأَرضٌ رَغابٌ ورُغُبٌ: تأْخُذُ الماءَ الكَثيرَ، ولا تَسيلُ إِلاّ من مَطَرٍ كثير؛ وقيل: هي اللينة
الواسعة، الدَّمِثةُ. وقد رَغُبَتْ رُغْباً.
والرَّغيب: الواسع الجوفِ. ورجلٌ رَغيبُ الجَوْفِ إِذا كان أَكُولاً.
وقد رَغُبَ يَرْغُب رَغابةً: يقال: حَوْضٌ رَغيبٌ وسِقاءٌ رَغيبٌ. وقال أَبو حنيفة: وادٍ رَغيبٌ ضَخْمٌ واسِعٌ كثير الأَخذِ للماءِ، ووادٍ زَهيدٌ: قليلُ الأَخْذِ. وقد
رَغُبَ رُغْباً ورُغُباً: وكلُّ ما اتَّسَع فقد رَغُبَ رُغْباً. ووادٍ رُغُبٌ: واسعٌ. وطريق رَغِبٌ: كذلك، والجمع رُغُبٌ؛ قال الحطيئة:
مُسْتَهْلِكُ الوِرْدِ، كالأُسْتيِّ، قد جَعَلَتْ * أَيْدي الـمَطِـيِّ به عاديَّـةً رُغُبا
ويُروى رُكُبا، جمع رَكُوبٍ، وهي الطريقُ التي بها آثارٌ.
وتراغَبَ المكانُ إِذا اتَّسَع، فهو مُتَراغبٌ.
وحِمْلٌ رَغِـيبٌ ومُرْتَغِبٌ: ثقِـيلٌ؛ قال ساعدة ابنُ جُؤَيَّة:
تَحَوَّبُ قَدْ تَرَى إِنِّي لِحَمْلٍ، * على ما كانَ، مُرْتَغِبٌ، ثَقِـيلُ
وفَرَسٌ رَغِـيبُ الشَّحْوة: كَثيرُ الأَخذِ من الأَرضِ بِقَوائِمِه،
والجمعُ رِغَابٌ. وإِبِلٌ رِغابٌ: كَثِـيرَةٌ؛ قال لبيد:
ويَوْماً مِنَ الدُّهْمِ الرِّغَابِ، كأَنـَّها * اشَاءٌ دَنا قِنْوانُهُ، أَوْ مَجادِلُ
وفي الحديث: أَفْضَلُ الأَعْمالِ مَنْحُ الرِّغابِ؛ قال ابن الأَثير: هي
الواسِعَة الدَّرِّ، الكَثيرَةُ النَّفْعِ، جَمْعُ الرَّغِـيبِ، وهو الواسِعُ. جَوْفٌ رَغيبٌ: وواد رَغيبٌ. وفي حديث حُذَيْفة: ظَعَنَ بهم أَبو بكر ظَعْنَـةً رَغيبةً، ثم ظَعَنَ بهم عمر كذلك أَي ظَعْنَـةً واسعةً كثيرةً؛ قال الحربي: هو إِن شاء اللّه تَسْيِـير أَبي بكر الناسَ إِلى الشام، وفتحه إِيَّاها بهم، وتَسْيِـيرُ عمر إِيَّاهم إِلى العراق، وفتْحُها بهم. وفي حديث أَبي الدَّرْداءِ: بئسَ العَوْنُ عَلى الدِّينِ: قَلْبٌ نَخِـيبٌ، وبَطْنٌ رَغِـيبٌ. وفي حديث الحجاج لـمَّا أَراد قَتْلَ سعيدِ بن جبير: ائتُوني بسيفٍ رَغِـيبٍ أَي واسِعِ الحدَّينِ، يأْخُذُ في ضَرْبَتِه
كثيراً من الـمَضْرِب.
ورجلٌ مُرْغِبٌ: مَيِّلٌ غَنيٌّ، عن ابن الأَعرابي؛ وأَنشد:
أَلا لا يَغُرَّنَّ امْرَأً مِن سَوامِهِ * سَوامُ أَخٍ، داني القَرابةِ، مُرْغِبِ
شمر: رَجلٌ مُرْغِبٌ أَي مُوسِرٌ، له مالٌ كثيرٌ رَغِـيبٌ.
والرُّغْبانةُ من النَّعْل: العُقْدَة التي تحتَ الشِّسْع.
وراغِبٌ ورُغَيْبٌ ورَغْبانُ: أَسْماء.
ورَغباء: بِئرٌ معروفة؛ قال كثَيّر عزة:
إِذا وَرَدَتْ رَغْباءَ، في يومِ وِرْدِها، * قَلُوصِـي، دَعَا إِعْطاشَه وتَبَلَّدَا
والـمِرْغابُ: نَهْر بالبَصْرة.
ومَرْغابِـينُ: موضعٌ، وفي التهذيب: اسم لنَهْرٍ بالبَصْرة.
بيض: البياض: ضد السواد، يكون ذلك في الحيوان والنبات وغير ذلك مما
يقبله غيره. البَيَاضُ: لون الأَبْيَض، وقد قالوا بياض وبَياضة كما قالوا
مَنْزِل ومَنْزِلة، وحكاه ابن الأَعرابي في الماء أَيضاً، وجمع الأَبْيَضِ
بِيضٌ، وأَصله بُيْضٌ، بضم الباء، وإِنما أَبدلوا من الضمة كَسْرَةً
لتصحَّ الياء، وقد أَباضَ وابْيَضَّ؛ فأَما قوله:
إِن شَكْلي وإِن شكْلَكِ شَتَّى،
فالْزمي الخُصَّ واخْفِضِي تَبْيَضِضِّي
فإِنه أَرادَ تَبْيَضِّي فزاد ضاداً أُخرى ضرورة لإِقامة الوزن؛ قال ابن
بري: وقد قيل إِنما يجيء هذا في الشعر كقول الآخر:
لقد خَشِيتُ أَن أَرَى جَدْبَباَّ
أَراد جَدْباً فضاعف الباء. قال ابن سيده: فأَما ما حكى سيبويه من أَن
بعضهم قال: أَعْطِني أَبْيَضّه يريد أَبْيَضَ وأَلحق الهاء كما أَلحقها في
هُنّه وهو يريد هُنَّ فإِنه ثقل الضاد فلولا أَنه زاد ضاداً
(* قوله
«فلولا أنه زاد ضاداً إلخ» هكذا في الأصل بدون ذكر جواب لولا.) على الضاد
التي هي حرف الإِعراب، فحرفُ الإِعراب إِذاً الضادُ الأُولى والثانية هي
الزائدة، وليست بحرف الإِعراب الموجود في أَبْيَضَ، فلذلك لحقته بَيانَ
الحركة
(* قوله: بيان الحركة؛ هكذا في الأصل.). قال أَبو علي: وكان ينبغي
أَن لا تُحَرّك فحركتها لذلك ضعيفة في القياس.
وأَباضَ الكَلأُ: ابْيَضَّ ويَبِسَ. وبايَضَني فلانٌ فبِضْته، من
البَياض: كنت أَشدَّ منه بياضاً. الجوهري: وبايَضَه فباضَه يَبِيضُه أَي فاقَه
في البياض، ولا تقل يَبُوضه؛ وهذا أَشدُّ بَياضاً من كذا، ولا تقل
أَبْيَضُ منه، وأَهل الكوفة يقولونه ويحتجون بقول الراجز:
جارِية في دِرْعِها الفَضْفاضِ،
أَبْيَضُ من أُخْتِ بني إِباضِ
قال المبرد: ليس البيت الشاذ بحجة على الأَصل المجمع عليه؛ وأَما قول
الآخر:
إِذا الرجالُ شَتَوْا، واشتدَّ أَكْلُهمُ،
فأَنْتَ أَبْيَضُهم سِرْبالَ طَبَّاخِ
فيحتمل أَن لا يكون بمعنى أَفْعَل الذي تصحبه مِنْ للمفاضلة، وإِنما هو
بمنزلة قولك هو أَحْسَنُهم وجهاً وأَكرمُهم أَباً، تريد حسَنهم وجهاً
وكريمهم أَباً، فكأَنه قال: فأَنت مُبْيَضُّهم سِرْبالاً، فلما أَضافه انتصب
ما بعده على التمييز.
والبِيضَانُ من الناس: خلافُ السُّودانِ.
وأَبْيَضَت المرأَةُ وأَباضَتْ: ولدت البِيضَ، وكذلك الرجل. وفي عينِه
بَياضةٌ أَي بَياضٌ.
وبَيّضَ الشيءَ جعله أَبْيَضَ. وقد بَيَّضْت الشيء فابْيَضَّ ابْيِضاضاً
وابْياضّ ابْيِيضاضاً. والبَيّاضُ: الذي يُبَيِّضُ الثيابَ، على النسب
لا على الفعل، لأَن حكم ذلك إِنما هو مُبَيِّضٌ.
والأَبْيَضُ: عِرْق السرّة، وقيل: عِرْقٌ في الصلب، وقيل: عرق في
الحالب، صفة غالبة، وكل ذلك لمكان البَياضِ. والأَبْيضانِ: الماءُ والحنطةُ.
والأَبْيضانِ: عِرْقا الوَرِيد. والأَبْيَضانِ: عرقان في البطن لبياضهما؛
قال ذو الرمة:
وأَبْيَض قد كلَّفْته بُعد شُقّة،
تَعَقّدَ منها أَبْيَضاه وحالِبُهْ
والأَبْيَضان: عِرْقان في حالب البعير؛ قال هميان ابن قحافة:
قَرِيبة نُدْوَتُه من مَحْمَضِهْ،
كأَنما يَيْجَعُ عِرْقا أَبْيَضِهْ،
ومُلْتَقَى فائلِه وأُبُضِهْ
(* قوله «عرقا أبيضه» قال الصاغاني: هكذا وقع في الصحاح بالالف والصواب
عرقي بالنصب، وقوله وأبضه هكذا هو مضبوط في نسخ الصحاح بضمتين وضبطه
بعضهم بكسرتين، أفاده شارح القاموس.)
والأَبيضان: الشحمُ والشَّباب، وقيل: الخُبْز والماء، وقيل: الماء
واللبنُ؛ قال هذيل الأَشجعي من شعراء الحجازيين:
ولكنّما يَمْضِي ليَ الحَوْلُ كاملاً،
وما ليَ إِلاَّ الأَبْيَضَيْنِ شَرابُ
من الماءِ أو من دَرِّ وَجْناءَ ثَرّةٍ،
لها حالبٌ لا يَشْتَكي وحِلابُ
ومنه قولهم: بَيَّضْت السِّقاءَ والإِناء أَي ملأْته من الماء أَو
اللبن. ابن الأَعرابي: ذهَبَ أَبْيَضاه شحْمُه وشبابُه، وكذلك قال أَبو زيد،
وقال أَبو عبيد: الأَبْيَضانِ الشحمُ واللبن. وفي حديث سعد: أَنه سُئِل عن
السُّلْت بالبَيْضاءِ فكَرِهَه؛ البَيْضاء الحِنْطة وهي السَّمْراء
أَيضاً، وقد تكرر ذكرها في البيع والزكاة وغيرهما، وإِنما كَرِه ذلك لأَنهما
عنده جنسٌ واحد، وخالفه غيره. وما رأَيته مُذْ أَبْيضانِ، يعني يومين أَو
شهرين، وذلك لبياض الأَيام. وبَياضُ الكبدِ والقلبِ والظفرِ: ما أَحاط
به، وقيل: بَياضُ القلب من الفرس ما أَطافَ بالعِرْق من أَعلى القلب،
وبياض البطن بَنات اللبنِ وشحْم الكُلى ونحو ذلك، سمَّوْها بالعَرَض؛ كأَنهم
أَرادوا ذات البياض. والمُبَيِّضةُ، أَصحابُ البياض كقولك المُسَوِّدةُ
والمُحَمِّرةُ لأَصحاب السواد والحمرة. وكَتِيبةٌ بَيْضاء: عليها بَياضُ
الحديد. والبَيْضاء: الشمسُ لبياضها؛ قال الشاعر:
وبَيْضاء لم تَطْبَعْ، ولم تَدْرِ ما الخَنا،
تَرَى أَعيُنَ الفِتْيانِ من دونها خُزْرا
والبَيْضاء: القِدْرُ؛ قال ذلك أَبو عمرو. قال: ويقال للقِدْر أَيضاً
أُمُّ بَيْضاء؛ وأَنشد:
وإِذْ ما يُرِيحُ الناسَ صَرْماءُ جَوْنةٌ،
يَنُوسُ عليها رَحْلُها ما يُحَوَّلُ
فقلتُ لها: يا أُمَّ بَيْضاءَ، فِتْيةٌ
يَعُودُك منهم مُرْمِلون وعُيَّلُ
قال الكسائي: ما في معنى الذي في إِذ ما يُرِيح، قال: وصرماءُ خبر الذي.
والبِيضُ: ليلةُ ثلاثَ عَشْرةَ وأَرْبَعَ عَشْرةَ وخمسَ عَشْرة. وفي
الحديث: كان يأْمُرُنا أَن نصُومَ الأَيامَ البِيضَ، وهي الثالثَ عشَرَ
والرابعَ عشرَ والخامسَ عشرَ، سميت ليالِيها بِيضاً لأَن القمر يطلُع فيها من
أَولها إِلى آخرها. قال ابن بري: وأَكثر ما تجيء الرواية الأَيام
البِيض، والصواب أَن يقال أَيامَ البِيضِ بالإِضافة لأَن البِيضَ من صفة
الليالي. وكلَّمتُه فما ردَّ عليَّ سَوْداءَ ولا بَيْضاءَ أَي كِلمةً قبيحة ولا
حسنة، على المثل. وكلام أَبْيَضُ: مشروح، على المثل أَيضاً. ويقال:
أَتاني كلُّ أَسْودَ منهم وأَحمر، ولا يقال أَبْيَض. الفراء: العرب لا تقول
حَمِر ولا بَيِض ولا صَفِر، قال: وليس ذلك بشيء إِنما يُنْظَر في هذا إِلى
ما سمع عن العرب. يقال: ابْيَضّ وابْياضَّ واحْمَرَّ واحْمارَّ، قال:
والعرب تقول فلانة مُسْوِدة ومُبيِضةٌ إِذا ولدت البِيضانَ والسُّودانَ،
قال: وأَكثر ما يقولون مُوضِحة إِذا وَلَدَت البِيضانَ، قال: ولُعْبة لهم
يقولون أَبِيضي حَبالاً وأَسيدي حَبالاً، قال: ولا يقال ما أَبْيَضَ
فلاناً وما أَحْمَر فلاناً من البياض والحمرة؛ وقد جاء ذلك نادراً في شعرهم
كقول طرفة:
أَمّا الملوكُ فأَنْتَ اليومَ ألأَمُهم
لُؤْماً، وأَبْيَضُهم سِرْبالَ طَبَّاخِ
ابن السكيت: يقال للأَسْودَ أَبو البَيْضاء، وللأبْيَض أَبو الجَوْن،
واليد البَيْضاء: الحُجّة المُبَرْهنة، وهي أَيضاً اليد التي لا تُمَنُّ
والتي عن غير سؤال وذلك لشرفها في أَنواع الحِجاج والعطاء. وأَرض بَيْضاءُ:
مَلْساء لا نبات فيها كأَن النبات كان يُسَوِّدُها، وقيل: هي التي لم
تُوطَأْ، وكذلك البِيضَةُ. وبَيَاضُ الأَرض: ما لا عمارة فيه. وبَياضُ
الجلد: ما لا شعر عليه. التهذيب: إِذا قالت العرب فلان أَبْيَضُ وفلانة
بَيْضاء فالمعنى نَقاء العِرْض من الدنَس والعيوب؛ ومن ذلك قول زهير يمدح
رجلاً.
أَشَمّ أَبْيَض فَيّاض يُفَكِّك عن
أَيدي العُناةِ وعن أَعْناقِها الرِّبَقا
وقال:
أُمُّك بَيْضاءُ من قُضاعةَ في الـ
ـبيت الذي تَسْتَظلُّ في ظُنُبِهْ
قال: وهذا كثير في شعرهم لا يريدون به بَياضَ اللون ولكنهم يريدون المدح
بالكرم ونَقاءِ العرْض من العيوب، وإِذا قالوا: فلان أَبْيَض الوجه
وفلانة بَيْضاءُ الوجه أَرادوا نقاءَ اللون من الكَلَفِ والسوادِ الشائن. ابن
الأَعرابي: والبيضاءُ حبالة الصائد؛ وأَنشد:
وبيضاء مِنْ مالِ الفتى إِن أَراحَها
أَفادَ، وإِلا ماله مال مُقْتِر
يقول: إِن نَشِب فيها عَيرٌ فجرّها بقي صاحبُها مُقْتِراً.
والبَيْضة: واحدة البَيْض من الحديد وبَيْضِ الطائر جميعاً، وبَيْضةُ
الحديد معروفة والبَيْضة معروفة، والجمع بَيْض. وفي التنزيل العزيز:
كأَنَّهُنّ بَيْضٌ مَكْنُون، ويجمع البَيْض على بُيوضٍ؛ قال:
على قَفْرةٍ طارَت فِراخاً بُيوضُها
أَي صارت أَو كانت؛ قال ابن سيده: فأَما قول الشاعر
(* قوله «فأما قول
الشاعر» عبارة القاموس وشرحه: والبيضة واحدة بيض الطير الجمع بيوض وبيضات،
قال الصاغاني: ولا تحرك الياء من بيضات إلا في ضرورة الشعر قال: أخو
بيضات إلخ.):
أَبو بَيَضاتٍ رائحٌ مُتأَوِّب،
رَفيق بمَسْحِ المَنْكِبَينِ سَبُوحُ
فشاذ لا يعقد عليه باب لأَن مثل هذا لا يحرك ثانيه.
وباضَ الطائرُ والنعامة بَيْضاً: أَلْقَتْ بَيْضَها. ودجاجة بَيّاضةٌ
وبَيُوضٌ: كثيرة البَيْضِ، والجمع بُيُضٌ فيمن قال رُسُل مثل حُيُد جمع
حَيُود، وهي التي تَحِيد عنك، وبِيضٌ فيمن قال رُسْل، كسَرُوا الباء
لِتَسْلم الياء ولا تنقلب، وقد قال بُّوضٌ أَبو منصور. يقال: دجاجة بائض بغير
هاء لأَن الدِّيكَ لا يَبِيض، وباضَت الطائرةُ، فهي بائضٌ. ورجل بَيّاضٌ:
يَبِيع البَيْضَ، وديك بائِضٌ كما يقال والدٌ، وكذلك الغُراب؛ قال:
بحيث يَعْتَشّ الغُرابُ البائضُ
قال ابن سيده: وهو عندي على النسب. والبَيْضة: من السلاح، سميت بذلك
لأَنها على شكل بَيْضة النعام. وابْتاضَ الرجل: لَبِسَ البَيْضةَ. وفي
الحديث: لَعَنَ اللّه السارقَ يَسْرِقُ البَيْضةَ فتُقْطَعُ يدُه، يعني
الخُوذةَ؛ قال ابن قتيبة: الوجه في الحديث أَن اللّه لما أَنزل: والسارقُ
والسارقةُ فاقْطَعُوا أَيْدِيَهما، قال النبي، صلّى اللّه عليه وسلّم: لَعَنَ
اللّه السارقَ يَسْرِق البَيْضة فتُقْطَع يدُه على ظاهر ما نزل عليه،
يعني بَيْضةَ الدجاجة ونحوها، ثم أَعلمه اللّه بَعْدُ أَن القطع لا يكون
إِلا في رُبْع دِينار فما فوقه، وأَنكر تأْويلها بالخُوذةِ لأَن هذا ليس
موضع تَكثيرٍ لما يأْخذه السارق، إِنما هو موضع تقليل فإِنه لا يقال: قبَّح
اللّه فلاناً عرَّض نفسه للضرب في عِقْد جَوْهر، إِنما يقال: لَعَنه
اللّه تعرَّض لقطع يده في خَلَقٍ رَثٍّ أَو في كُبّةِ شعَرٍ.
وفي الحديث: أُعْطِيتُ الكَنْزَينِ الأَحمرَ والأَبيضَ، فالأَحمرُ
مُلْكُ الشام، والأَبْيَضُ مُلْكُ فارس، وإِنما يقال لفارس الأَبْيَض لبياض
أَلوانهم ولأَن الغالب على أَموالهم الفضة، كما أَن الغالب على أَلوان أَهل
الشام الحمرة وعلى أَموالهم الذهب؛ ومنه حديث ظبيان وذكر حِمْير قال:
وكانت لهم البَيْضاءُ والسَّوْداءُ وفارِسُ الحَمْراءُ والجِزْيةُ الصفراء،
أَراد بالبيضاء الخرابَ من الأَرض لأَنه يكون أَبْيَضَ لا غَرْسَ فيه
ولا زَرْعَ، وأَراد بالسَّوْداء العامِرَ منها لاخْضِرارِها بالشجر والزرع،
وأَرادَ بفارِسَ الحَمْراء تَحَكُّمَهم عليه، وبالجزية الصفراء الذهبَ
كانوا يَجْبُون الخَراجَ ذَهَباً. وفي الحديث: لا تقومُ الساعةُ حتى يظهر
الموتُ الأَبْيَضُ والأَحْمَرُ؛ الأَبْيَضُ ما يأْتي فَجْأَةً ولم يكن
قبله مرض يُغيِّر لونه، والأَحْمرُ الموتُ بالقَتْل لأَجل الدم.
والبَيْضةُ: عِنَبٌ بالطائف أَبيض عظيم الحبّ. وبَيْضةُ الخِدْر:
الجاريةُ لأَنها في خِدْرها مكنونة. والبَيْضةُ: بَيْضةُ الخُصْية. وبَيْضةُ
العُقْر مَثَلٌ يضرب وذلك أَن تُغْصَبَ الجارية نَفْسها فتُقْتَضّ
فتُجَرَّب ببَيْضةٍ، وتسمى تلك البَيْضةُ بَيْضةَ العُقْرِ. قال أَبو منصور: وقيل
بَُْضةُ العُقْرِ بَيْضَة يَبِيضُها الديك مرة واحدة ثم لا يعود، يضْرب
مثلاً لمن يصنع الصَّنِيعة ثم لا يعود لها. وبَيْضة البلَدِ: تَرِيكة
النعامة. وبَيْضةُ البلد: السَّيِّدُ؛ عن ابن الأَعرابي، وقد يُذَمُّ
ببَيْضة البلد؛ وأَنشد ثعلب في الذم للراعي يهجو ابن الرِّقاعِ العاملي:
لو كُنتَ من أَحَدٍ يُهْجى هَجَوْتُكمُ،
يا ابن الرِّقاعِ، ولكن لستَ من أَحَدِ
تَأْبى قُضاعةُ لم تَعْرِفْ لكم نَسَباً
وابْنا نِزارٍ، فأَنْتُمْ بَيْضةُ البَلَدِ
أَرادَ أَنه لا نسب له ولا عشيرة تَحْمِيه؛ قال: وسئل ابن الأَعرابي عن
ذلك فقال: إِذا مُدِحَ بها فهي التي فيها الفَرْخ لأَن الظَّلِيم حينئذ
يَصُونُها، وإِذا ذُمَّ بها فهي التي قد خرج الفَرْخُ منها ورَمى بها
الظليمُ فداسَها الناسُ والإِبلُ. وقولهم: هو أَذَلُّ من بَيْضةِ البَلَدِ
أَي من بَيْضَةِ النعام التي يتركها؛ وأَنشد كراع للمتلمس في موضع الذم
وذكره أَبو حاتم في كتاب الأَضداد، وقال ابن بري الشعر لِصِنَّان بن عبَّاد
اليشكري وهو:
لَمَّا رأَى شمطٌ حَوْضِي له تَرَعٌ
على الحِياضِ، أَتاني غيرَ ذي لَدَدِ
لو كان حَوْضَ حِمَارٍ ما شَرِبْت به،
إِلاّ بإِذْنِ حِمارٍ آخرَ الأَبَدِ
لكنَّه حَوْضُ مَنْ أَوْدَى بإِخْوَتِه
رَيْبُ المَنُونِ، فأَمْسَى بَيْضَةَ البَلَدِ
أَي أَمسى ذليلاً كهذه البَيْضة التي فارَقَها الفرخُ فرَمَى بها الظليم
فدِيسَت فلا أَذَل منها. قال ابن بري: حِمَار في البيت اسم رجل وهو
علقمة بن النعمان بن قيس بن عمرو بن ثعلبة، وشمطٌ هو شمط ابن قيس بن عمرو بن
ثعلبة اليشكري، وكان أَوْرَدَ إِبِلَه حَوْضَ صِنَّان بن عبَّاد قائل هذا
الشعر فغضب لذلك، وقال المرزوقي: حمار أَخوه وكان في حياته يتعزَّزُ به؛
ومثله قول الآخر يهجو حسان بن ثابت وفي التهذيب انه لحسان:
أَرى الجَلابِيبَ قد عَزُّوا، وقد كَثُروا،
وابنُ الفُرَيْعةِ أَمْسَى بَيْضةَ البَلَدِ
قال أَبو منصور: هذا مدح. وابن فُرَيْعة: أَبوه
(* قوله «وابن فريعة
أبوه» كذا بالأصل وفي القاموس في مادة فرع ما نصه: وحسان بن ثابت يعرف بابن
الفريعة كجهينة وهي أُمه.). وأَراد بالجلابيب سَفِلة الناس وغَثْراءَهم؛
قال أَبو منصور: وليس ما قاله أَبو حاتم بجيد، ومعنى قول حسان أَن سَفِلة
الناس عزُّوا وكثروا بعد ذِلَّتِهِم وقلتهم، وابن فُرَيعة الذي كان ذا
ثَرْوَةٍ وثَراءٍ قد أُخِّرَ عن قديمِ شَرَفِه وسُودَدِه، واسْتُبِدَّ
بالأَمر دونه فهو بمنزلة بَيْضة البلد التي تَبِيضُها النعامة ثم تتركها
بالفلاة فلا تَحْضُنها، فتبقى تَرِكةً بالفلاة.
وروى أَبو عمرو عن أَبي العباس: العرب تقول للرجل الكريم: هو بَيْضة
البلد يمدحونه، ويقولون للآخر: هو بَيْضة البلد يذُمُّونه، قال: فالممدوحُ
يراد به البَيْضة التي تَصُونها النعامة وتُوَقِّيها الأَذَى لأَن فيها
فَرْخَها فالممدوح من ههنا، فإِذا انْفَلَقت عن فَرْخِها رمى بها الظليمُ
فتقع في البلد القَفْر فمن ههنا ذمّ الآخر. قال أَبو بكر في قولهم فلان
بَيْضةُ البلد: هو من الأَضداد يكون مدحاً ويكون ذمّاً، فإِذا مُدِح الرجل
فقيل هو بَيْضةُ البلد أُرِيدَ به واحدُ البلد الذي يُجْتَمع إِليه
ويُقْبَل قولُه، وقيل فَرْدٌ ليس أَحد مثله في شرفه؛ وأَنشد أَبو العباس
لامرأَة من بني عامر بن لُؤَيّ ترثي عمرو بن عبد وُدٍّ وتذكر قتل عليّ
إِيَّاه:لو كان قاتِلُ عَمرو غيرَ قاتله،
بَكَيْتُه، ما أَقام الرُّوحُ في جَسَدي
لكنَّ قاتلَه مَنْ لا يُعابُ به،
وكان يُدعَى قديماً بَيْضَةَ البَلَدِ
يا أُمَّ كُلْثُومَ، شُقِّي الجَيْبَ مُعْوِلَةً
على أَبيكِ، فقد أَوْدَى إِلى الأَبَدِ
يا أُمَّ كُلْثُومَ، بَكِّيهِ ولا تَسِمِي
بُكَاءَ مُعْوِلَةٍ حَرَّى على ولد
بَيْضةُ البلد: عليُّ بن أَبي طالب، سلام اللّه عليه، أَي أَنه فَرْدٌ
ليس مثله في الشرف كالبَيْضةِ التي هي تَرِيكةٌ وحدها ليس معها غيرُها؛
وإِذا ذُمَّ الرجلُ فقيل هو بَيْضةُ البلدِ أَرادوا هو منفرد لا ناصر له
بمنزلة بَيْضَةٍ قام عنها الظَّليمُ وتركها لا خير فيها ولا منفعة؛ قالت
امرأَة تَرْثي بَنِينَ لها:
لَهْفِي عليهم لَقَدْ أَصْبَحْتُ بَعْدَهُمُ
كثيرَة الهَمِّ والأَحزان والكَمَدِ
قد كُنْتُ قبل مَناياهُمْ بمَغبَطَةٍ،
فصِرْتُ مُفْرَدَةً كبَيْضَةِ البلدِ
وبَيْضَةُ السَّنام: شَحْمَته. وبَيْضَةُ الجَنِين: أَصله، وكلاهما على
المثل. وبَيْضَة القوم: وسَطُهم. وبَيْضة القوم: ساحتهم؛ وقال لَقِيطٌ
الإِيادِي:
يا قَوْمِ، بَيْضتَكُمْ لا تُفْضَحُنَّ بها،
إِنِّي أَخاف عليها الأَزْلَم الجَذَعا
يقول: احفظوا عُقْر داركم. والأَزْلَم الجَذَع: الدهر لأَنه لا يهرم
أَبداً. ويقال منه: بِيضَ الحيُّ أُصِيبَت بَيْضَتُهم وأُخِذ كلُّ شيءٍ لهم،
وبِضْناهم وابْتَضْناهم: فعلنا بهم ذلك. وبَيْضَةُ الدار: وسطها
ومعظمها. وبَيْضَةُ الإِسلام: جماعتهم. وبَيْضَةُ القوم: أَصلهم. والبَيْضَةُ:
أَصل القوم ومُجْتَمعُهم. يقال: أَتاهم العدو في بَيْضَتِهِمْ. وقوله في
الحديث: ولا تُسَلِّطْ عليهم عَدُوّاً من غيرهم فيستبيح بَيْضَتَهم؛ يريد
جماعتهم وأَصلهم أَي مُجْتمعهم وموضع سُلْطانهم ومُسْتَقَرَّ دعوتهم،
أَراد عدوّاً يستأْصلهم ويُهْلِكهم جميعهم، قيل: أَراد إِذا أُهْلِكَ أَصلُ
البَيْضة كان هلاك كل ما فيها من طُعْمٍ أَو فَرْخ، وإِذا لم يُهْلَكْ
أَصلُ البَيْضة ربما سلم بعضُ فِراخها، وقيل: أَراد بالبَيْضَة الخُوذَةَ
فكأَنه شَبَّه مكان اجتماعهم والتِئامهم ببَيْضَة الحَدِيدِ؛ ومنه حديث
الحديبية: ثم جئتَ بهم لبَيْضَتِك تَفُضُّها أَي أَصْلك وعشيرتك. وبَيْضَةُ
كل شيء حَوْزَتُه.
وباضُوهُمْ وابْتاضُوهُمْ: استأْصلوهم. ويقال: ابْتِيضَ القومُ إِذا
أُبِيحَتْ بَيْضَتُهم، وابْتاضُوهم أَي استأْصلوهم. وقد ابْتِيضَ القوم إِذا
اُخِذَتْ بَيْضَتُهم عَنْوَةً.
أَبو زيد: يقال لوسط الدار بَيْضةٌ ولجماعة المسلمين بَيْضَةٌ ولوَرَمٍ
في ركبة الدابة بَيْضَة. والبَيْضُ: وَرَمٌ يكون في يد الفرس مثل
النُّفَخ والغُدَد؛ قال الأَصمعي: هو من العيوب الهَيِّنة. يقال: قد باضَتْ يدُ
الفرس تَبِيضُ بَيْضاً. وبَيْضَةُ الصَّيْف: معظمه. وبَيْضَة الحرّ:
شدته. وبَيْضَة القَيْظ: شدة حَرِّه؛ وقال الشماخ:
طَوَى ظِمْأَهَا في بَيْضَة القَيْظِ، بعدما
جَرَى في عَنَانِ الشِّعْرَيَيْنِ الأَماعِزُ
وباضَ الحَرُّ إِذا اشتد. ابن بزرج: قال بعض العرب يكون على الماء
بَيْضَاءُ القَيْظِ، وذلك من طلوع الدَّبَران إِلى طلوع سُهَيْل. قال أَبو
منصور: والذي سمعته يكون على الماء حَمْراءُ القَيْظِ وحِمِرُّ القيظ. ابن
شميل: أَفْرَخَ بَيْضَةُ القوم إِذا ظهر مَكْتُومُ أَمْرِهم، وأَفرخت
البَيْضَةُ إِذا صار فيها فَرْخٌ.
وباضَ السحابُ إِذا أَمْطَر؛ وأَنشد ابن الأَعرابي:
باضَ النَّعَامُ به فنَفَّرَ أَهلَهُ،
إِلا المُقِيمَ على الدَّوا المُتأَفِّنِ
قال: أَراد مطراً وقع بِنَوْءِ النَّعَائم، يقول: إِذا وقع هذا المطر
هَرَبَ العُقلاء وأَقام الأَحمق. قال ابن بري: هذا الشاعر وصف وَادِياً
أَصابه المطر فأَعْشَب، والنَّعَامُ ههنا: النعائمُ من النجوم، وإِنما
تُمْطِرُ النَّعَائمُ في القيظ فينبت في أُصول الحَلِيِّ نبْتٌ يقال له
النَّشْر، وهو سُمٌّ إِذا أَكله المال مَوَّت، ومعنى باضَ أَمْطَرَ، والدَّوا
بمعنى الداء، وأَراد بالمُقِيم المقيمَ به على خَطر أَن يموت،
والمُتَأَفِّنُ: المُتَنَقِّص. والأَفَن: النَّقْصُ؛ قال: هكذا فسره المُهَلَّبِيّ
في باب المقصور لابن ولاَّد في باب الدال؛ قال ابن بري: ويحتمل عندي أَن
يكون الدَّوا مقصوراً من الدواء، يقول: يَفِرُّ أَهلُ هذا الوادي إِلا
المقيمَ على المُداواة المُنَقِّصة لهذا المرض الذي أَصابَ الإِبلَ من
رَعْيِ النَّشْرِ. وباضَت البُهْمَى إِذا سَقَطَ نِصالُها. وباضَت الأَرض:
اصفرت خُضرتُها ونَفَضتِ الثمرة وأَيبست، وقيل: باضَت أَخْرجَتْ ما فيها من
النبات، وقد باضَ: اشتدَّ.
وبَيَّضَ الإِناءَ والسِّقاء: مَلأَه. ويقال: بَيَّضْت الإِناءَ إِذا
فرَّغْتَه، وبَيَّضْته إِذا مَلأْته، وهو من الأَضداد.
والبَيْضاء: اسم جبل. وفي الحديث في صفة أَهل النار: فَخِذُ الكافر في
النار مثْل البَيْضاء؛ قيل: هو اسم جبل. والأَبْيَضُ: السيف، والجمع
البِيضُ.
والمُبَيِّضةُ، بكسر الياء: فرقة من الثَّنَوِيَّة وهم أَصحاب
المُقَنَّع، سُمُّوا بذلك لتَبْيِيضهم ثيابهم خلافاً للمُسَوِّدَة من أَصحاب
الدولة العبّاسية. وفي الحديث: فنظرنا فإِذا برسول اللّه، صلّى اللّه عليه
وسلّم، وأَصحابه مُبَيِّضين، بتشديد الياء وكسرها، أَي لابسين ثياباً بيضاً.
يقال: هم المُبَيِّضةُ والمُسَوِّدَة، بالكسر؛ ومنه حديث توبة كعب بن
مالك: فرأَى رجلاً مُبَيِّضاً يزول به السرابُ، قال ابن الأَثير: ويجوز أَن
يكون مُبْيَضّاً، بسكون الباء وتشديد الضاد، من البياض أَيضاً.
وبِيضَة، بكسر الباء: اسم بلدة. وابن بَيْض: رجل، وقيل: ابن بِيضٍ،
وقولهم: سَدَّ ابنُ بَيْضٍ الطريقَ، قال الأَصمعي: هو رجل كان في الزمن
الأَول يقال له ابن بَيْضٍ عقرَ ناقَتَه على ثَنِيَّةٍ فسد بها الطريق ومنع
الناسَ مِن سلوكِها؛ قال عمرو بن الأَسود الطهوي:
سَدَدْنا كما سَدَّ ابنُ بيضٍ طَرِيقَه،
فلم يَجِدوا عند الثَّنِيَّةِ مَطْلَعا
قال: ومثله قول بَسّامة بن حَزْن:
كثوبِ ابن بيضٍ وقاهُمْ به،
فسَدَّ على السّالِكينَ السَّبِيلا
وحمزة بن بِيضٍ: شاعر معروف، وذكر النضر بن شميل أَنه دخل على المأْمون
وذكر أَنه جَرى بينه وبينه كلام في حديث عن النبي، صلّى اللّه عليه
وسلّم، فلما فرغ من الحديث قال: يا نَضْرُ، أَنْشِدْني أَخْلَبَ بيت قالته
العرب، فأَنشدته أَبيات حمزة بن بِيضٍ في الحكَم بن أَبي العاص:
تقولُ لي، والعُيونُ هاجِعةٌ:
أَقِمْ عَلَيْنا يَوْماً، فلم أُقِم
أَيَّ الوُجوهِ انْتَجَعْتَ؟ قلتُ لها:
وأَيُّ وَجْهٍ إِلا إِلى الحَكَم
متى يَقُلْ صاحِبا سُرادِقِه:
هذا ابنُ بِيضٍ بالباب، يَبْتَسِمِ
رأَيت في حاشية على كتاب أَمالي ابن بري بخط الفاضل رضي الدين الشاطبي،
رحمه اللّه، قال: حمزة بن بِيضٍ، بكسر الباء لا غير. قال: وأَما قولهم
سدَّ ابنُ بَيْضٍ الطريقَ فقال الميداني في أَمثاله: ويروى ابن بِيضٍ، بكسر
الباء، قال: وأَبو محمد، رحمه اللّه، حمل الفتح في بائه على فتح الباء
في صاحب المثَل فعطَفَه عليه. قال: وفي شرح أَسماء الشعراء لأَبي عمر
المطرّز حمزة بن بِيض قال الفراء: البِيضُ جمع أَبْيَض وبَيْضاء.
والبُيَيْضَة: اسم ماء. والبِيضَتانِ والبَيْضَتان، بالكسر والفتح: موضع على طريق
الشام من الكوفة؛ قال الأَخطل:
فهْوَ بها سَيِّءٌ ظَنّاً، وليس له،
بالبَيْضَتَينِ ولا بالغَيْضِ، مُدَّخَرُ
ويروى بالبَيْضَتين. وذُو بِيضانَ: موضع؛ قال مزاحم:
كما صاحَ، في أَفْنانِ ضالٍ عَشِيَّةً
بأَسفلِ ذِي بِيضانَ، جُونُ الأَخاطِبِ
وأَما بيت جرير:
قَعِيدَ كما اللّهَ الذي أَنْتُما له،
أَلم تَسْمَعا بالبَيْضَتَينِ المُنادِيا؟
فقال ابن حبيب: البِيضَة، بالكسر، بالحَزْن لبني يربوع، والبَيْضَة،
بالفتح، بالصَّمّان لبني دارم. وقال أَبو سعيد: يقال لما بين العُذَيْب
والعقَبة بَيْضة، قال: وبعد البَيْضة البَسِيطةُ. وبَيْضاء بني جَذِيمة: في
حدود الخطّ بالبحرين كانت لعبد القيس وفيها نخيل كثيرة وأَحْساءٌ عَذْبة
وقصورٌ جَمَّة، قال: وقد أَقَمْتُ بها مع القَرامِطة قَيْظة. ابن
الأَعرابي: البَيْضة أَرض بالدَّوّ حفَروا بها حتى أَتتهم الريح من تحتهم فرفعتهم
ولم يصِلُوا إِلى الماء. قال شمر: وقال غيره البَيْضة أَرض بَيْضاء لا
نبات فيها، والسَّوْدة: أَرض بها نخيل؛ وقال رؤبة:
يَنْشَقُّ عن الحَزْنُ والبَرِّيتُ،
والبِيضةُ البَيْضاء والخُبُوتُ
كتبه شمر بكسر الباء ثم حكى ما قاله ابن الأَعرابي.
حشم: الحِشْمَةُ: الحَياءُ والانْقِباضُ، وقد احْتَشَمَ عنه ومنه، ولا
يقال احْتَشَمَهُ. قال الليث: الحِشْمَةُ الانقباض عن أَخيك في المَطْعَمِ
وطلبِ الحاجةِ؛ تقول: احْتَشَمْتَ وما الذي أَحْشَمَكَ، ويقال حَشَمَكَ،
فأَما قول القائل: ولم يَحْتَشِمْ ذلك فإنه حذف مِنْ وأَوصل الفعلَ.
والحِشْمَةُ والحُشْمَةُ: أَن يجلس إليك الرجل فتؤذِيَهُ وتُسْمِعَهُ ما
يَكْرَهُ، حَشَمَه يَحْشِمُهُ ويَحْشُمُه حَشْماً وأَحْشَمَهُ. وحَشَمْتُه:
أَخجلته، وأَحْشَمْتُهُ: أَغضبته. قال ابن الأَثير: مذهب ابن الأَعرابي
أَن أَحْشَمْتُه أَغضبته، وحَشَمْتُه أَخجلته، وغيره يقول: حَشَمْتُه
وأَحْشَمْتُه أَغضبته، وحَشَمْتُه وأَحْشَمتُه أَيضاً أَخْجَلْتُه. ويقال
للمُنْقَبِض عن الطعام: ما الذي حَشَمَكَ وأَحْشَمكَ، من الحِشْمَةِ وهي
الاستحياء. قال أَبو زيد: الإبَةُ الحَياء، يقال: أَوْأَبْتُه فاتّأَبَ أَي
احتشم. وروي عن ابن عباس أَنه قال: لكل داخلٍ دَهشةٌ فابْدَؤُوه
بالتَّحِيَّةِ، ولكل طاعم حشْمَةٌ
فابدؤوه باليمين، وأَنشد ابن بري لكُثَيِّر في الاحتِشام بمعنى
الاستحياء:
إنِّي، مَتى لم يَكُنْ عَطاؤهما
عندي بما قد فَعَلْتُ، أَحْتَشِمُ
وقال عنترة:
وأَرى مَطاعِمَ لو أَشاءُ حَوَيتُها،
فيَصُدُّني عنها كثيرُ تَحَشُّمِي
وقال ساعدة:
إن الشَّبابَ رِداءٌ مَنْ يَزِنْ تَرَهُ
يُكْسَى جَمالاً ويُفْسِدْ غير مُحتَشِم
(* قوله «إن الشباب رداء إلى آخر البيت» هكذا هو موجود بالأصل).
وفي الحديث حديث عليّ في السارق: إني لأَحْتَشِمُ أَن لا أَدَعَ له يداً
أَي أَستحي وأَنقبص. والحِشْمةُ: الاستحياء. وهو يَتَحَشَّم المَحارم
أَي يتوقاها.
وحَشِمَ حَشَماً: غضب. وحَشَمهُ يَحْشِمُه حَشْماً وأَحْشمهُ: أَغضبه؛
وأَنشدوا في ذلك:
لَعَمْرُكَ إنَّ قُرْصَ أَبي خُبَيْب
بطيء النُّضْج، مَحْشوم الأكيل
أَي مُغْضَب، والإسم الحِشْمة، وهو الاستحياء والغضب أَيضاً. وقال
الأَصمعي: الحِشْمَةُ إنما هو بمعنى الغضب لا بمعنى الاستحياء. وحكي عن بعض
فُصَحاء العرب أَنه قال: إن ذلك لمما يُحْشِمُ بني فلان أَي يغضبهم،
واحْتَشَمْتُ واحْتَشَمْتُ منه بمعنى؛ قال الكميت:
ورأَيتُ الشَّريفَ في أَعْيُنِ النَّا
س وَضِيعاً، وقَلَّ منه احْتِشامي
والاحْتِشامُ: الــتَّغَضُّبُ. وحَشَمْتُ فلاناً وأَحْشمْتُه أَي أَغضبته.
وحُشْمَةُ الرجل وحَشَمُهُ وأَحْشامُهُ: خاصَّتُهُ الذين يغضبون له من
عبيدٍ أَو أَهلٍ أَو جِيرةٍ إذا أصابه أَمر. ابن سيده: وحكى ابن الأَعرابي
أَن الحَشَمَ واحدٌ
وجمع، قال: يقال هذا الغلام حَشَمٌ لي، فأُرى أَحْشاماً إنما هو جمع هذا
لأَن جمع الجمع وجمع المفرد الذي هو في معنى الجمع غير كثير. وحَشَمُ
الرجل أَيضاً: عياله وقرابته. الأَزهري: والحَشَمُ خَدَمُ الرجل، وسُمُّوا
بذلك لأنهم يغضبون له. والحُشْمَةُ، بالضم: القرابة. يقال: فيهم حُشْمَةٌ
أَي قرابة. وهؤلاء أَحشامي أَي جيراني وأَضيافي. وقال أَبو عمرو: قال
بعض العرب إنه لمُحْتَشمِ بأمري أَي مُهْتَمّ به. وقال يونس: له الحُشْمةُ
الذِّمامُ، وهي الحُشْمُ
(* قوله «وهي الحشم» وكذلك قوله بعد «الحشمة
والحشم» كذا هو بضبط الأصل)، قال: وبعضهم يقول الحُشْمَة والحَشَمُ، وإِني
لأَتَحَشَّمُ منه تَحَشُّماً أَي أَتَذَمَّمُ وأَستحي. ابن الأَعرابي:
الحُشُمُ ذوو الحياء التام، والحُسُمُ، بالسين، الأَطِبَّاء، والحشم
الاستحياء
(*قوله «والحشم الاستحياء» كذا بالأصل بدون ضبط، وفي نسخة من التهذيب
غير موثوق بها مضبوط بالتحريك، لكن الذي في القاموس: التحشم الاستحياء).
والحُشُمُ: المماليك. والحُشُم: الأَتباع، مماليكَ كانوا أَو أَحراراً.
وفي حديث الأَضاحي: فشكَوْا إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أَن لهم
عيالاً وحَشَماً؛ الحَشَمُ، بالتحريك: جماعة الإنسان اللاَّئذون به
لخدمته. والحُشومُ: الإقبال بعد الهزال؛ حَشَمَ يَحْشِمُ حُشوماً: أَقبل بعد
هزال، ورجل حاشِمٌ. وحَشَمَتِ الدوابُّ في أَول الربيع تَحْشِمُ حَشْماً:
وذلك إذا أَصابت منه شيئاً فصَلَحَتْ وسَمِنَتْ وعظمت بطونها وحَسُنَتْ.
وحَشَمَتِ الدوابُّ: صاحَتْ. وما حَشَمَ من طعامه شيئاً أَي ما أَكل.
وغَدَوْنا نُريغُ الصيد فما حَشَمْنا صافراً أَي ما أَصبنا. يونس: تقول العرب
الحُسُومُ يورث الحُشُومَ، قال: والحُسُومُ الدُّؤُوب، والحُشُوم
الإعْياء؛ وقال في قول مُزاحم:
فَعنَّتْ عُنوناً، وهي صَغْواءُ، ما بها،
ولا بالخَوافي الضَّارباتِ، حُشُومُ
أَي إعياء؛ وقد حُشِم حَشْماً. وقال الأَصمعي: في يديه حُشُومٌ أي
انقباض، وروى البيت:
ولا بالخوافي الخافقاتِ حُشوم
ورجل حَشِيمٌ أي مُحْتَشِمٌ.
حقق: الحَقُّ: نقيض الباطل، وجمعه حُقوقٌ وحِقاقٌ، وليس له بِناء أدنى
عدَد. وفي حديث التلبية: لبَّيْك حَقّاً حقّاً أي غير باطل، وهو مصدر مؤكد
لغيره أي أنه أكََّد به معنى ألزَم طاعتَك الذي دلّ عليه لبيك، كما
تقول: هذا عبد الله حقّاً فتؤَكِّد به وتُكرِّرُه لزيادة التأْكيد،
وتَعَبُّداً مفعول له
(* قوله «وتعبداً مفعول له» كذا هو في النهاية أيضاً.) وحكى
سيبويه: لَحَقُّ أنه ذاهب بإضافة حقّ إلى أنه كأنه قال: لَيقِينُ ذاك
أمرُك، وليست في كلام كل العرب، فأمرك هو خبر يقينُ لأنه قد أضافه إلى ذاك
وإذا أضافه إليه لم يجز أن يكون خبراً عنه، قال سيبويه: سمعنا فصحاء العرب
يقولونه، وقال الأَخفش: لم أسمع هذا من العرب إنما وجدناه في الكتاب
ووجه جوازِه، على قِلَّته، طول الكلام بما أضيف هذا المبتدأ إليه، وإذا طال
الكلام جاز فيه من الحذف ما لا يجوز فيه إذا قصُر، ألا ترى إلى ما حكاه
الخليل عنهم: ما أنا بالذي قائل لك شيئاً؟ ولو قلت: ما أنا بالذي قائم
لقَبُح. وقوله تعالى: ولا تَلْبِسُوا الحقَّ بالباطل؛ قال أبو إسحق: الحق
أمر النبي، صلى الله عليه وسلم، وما أتى به من القرآن؛ وكذلك قال في قوله
تعالى: بل نَقْذِفُ بالحقِّ على الباطل. وحَقَّ الأَمرُ يَحِقُّ ويَحُقُّ
حَقّاً وحُقوقاً: صار حَقّاً وثَبت؛ قال الأَزهري: معناه وجَب يَجِب
وجُوباً، وحَقَّ عليه القولُ وأحْقَقْتُه أنا. وفي التنزيل: قال الذي حَقَّ
عليهم القولُ؛ أي ثبت، قال الزجاج: هم الجنُّ والشياطين. وقوله تعالى:
ولكن حقَّت كلمة العذاب على الكافرين؛ أي وجبت وثبتت، وكذلك: لقد حقَّ القول
على أكثرهم؛ وحَقَّه يَحُقُّه حقّاً وأحَقَّه، كلاهما: أثبته وصار عنده
حقّاً لا يشكُّ فيه. وأحقَّه: صيره حقّاً. وحقَّه وحَقَّقه: صدَّقه؛ وقال
ابن دريد: صدَّق قائلَه. وحقَّق الرجلُ إذا قال هذا الشيء هو الحقُّ
كقولك صدَّق. ويقال: أحقَقْت الأَمر إحقاقاً إذا أحكمته وصَحَّحته؛
وأنشد:قد كنتُ أوْعَزْتُ إلى العَلاء
بأنْ يُحِقَّ وذَمَ الدِّلاء
وحَقَّ الأَمرَ يحُقُّه حقّاً وأحقَّه: كان منه على يقين؛ تقول:
حَقَقْتَ الأَمر وأحْقَقْته إذا كنت على يقين منه. ويقال: ما لي فيك حقٌّ ولا
حِقاقٌ أي خُصومة. وحَقَّ حَذَرَ الرجل يَحُقُّه حَقّاً وحَقَقْتُ حذَره
وأحقَقْته أي فعلت ما كان يَحذَره. وحقَقْت الرجل وأحقَقْته إذا أتيتَه؛
حكاه أبو عبيد. قال الأَزهري: ولا تقل حَقَّ حذَرَك، وقال: حقَقْت الرجل
وأحقَقْته إذا غلَبته على الحقّ وأثبَتَّه عليه. قال ابن سيده: وحقَّه على
الحقّ وأحقَّه غلبَه عليه، واستَحقَّه طلَب منه حقَّه.
واحْتَقّ القومُ: قال كل واحد منهم: الحقُّ في يدي. وفي حديث ابن عباس
في قُرَّراء القرآن: متى ما تَغْلوا في القرآن تَحْتَقُّوا، يعني المِراء
في القرآن، ومعنى تحتقُّوا تختصموا فيقول كل واحد منهم: الحقُّ بيدي
ومعي؛ ومنه حديث الحَضانةِ: فجاءَ رجلان يَحْتَقّانِ في ولَد أي يختصِمان
ويطلُب كل واحد منهما حقّه؛ ومنه الحديث: من يحاقُّني في ولدي؟ وحديث وهْب:
كان فيما كلَّم الله أيُّوبَ، عليه السلام: أتحاقُّني بِخِطْئِك؛ ومنه
كتابه لحُصَين: إنَّ له كذا وكذا لا يُحاقُّه فيها أحد. وفي حديث أبي بكر،
رضي الله عنه: أنه خرج في الهاجرة إلى المسجد فقيل له: ما أخرجك؟ قال: ما
أخرجني إلا ما أجِدُ من حاقِّ الجُوع أي صادِقه وشدَّته، ويروى بالتخفيف
من حاقَ به يَحِيقُ حَيْقاً وحاقاً إذا أحدق به، يريد من اشتمال الجوع
عليه، فهو مصدر أقامه مقام الاسم، وهو مع التشديد اسم فاعل من حقَّ
يَحِقُّ. وفي حديث تأخير الصلاة: وتَحْتَقُّونها إلى شَرَقِ الموتَى أي
تضيِّقُون وقتَها إلى ذلك الوقت. يقال: هو في حاقٍّ من كذا أي في ضيق؛ قال ابن
الأَثير: هكذا رواه بعض المتأخرين وشرَحه، قال: والرواية المعروفة بالخاء
المعجمة والنون، وسيأتي ذكره.
والحق: من أسماء الله عز وجل، وقيل من صفاته؛ قال ابن الأَثير: هو
الموجود حقيقةً المُتحققُ وجوده وإلَهِيَّتُه. والحَق: ضدّ الباطل. وفي
التنزيل: ثم رُدُّوا إلى الله مولاهم الحَقِّ. وقوله تعالى: ولو اتبع الحقُّ
أهواءَهم؛ قال ثعلب: الحق هنا الله عز وجل، وقال الزجاج: ويجوز أن يكون
الحق هنا التنزيل أي لو كن القرآن بما يحِبُّونه لفَسَدت السمواتُ والأَرضُ.
وقوله تعالى: وجاءت سَكْرة الموتِ بالحق؛ معناه جاءَت السكرةُ التي تدل
الإنسان أنه ميت بالحقِّ بالموت الذي خُلق له. قال ابن سيده: وروي عن أبي
بكر، رضي الله عنه: وجاءت سكرة الحقِّ أي بالموت، والمعنى واحد، وقيل:
الحق هنا الله تعالى. وقولٌ حقٌّ: وُصِف به، كما تقول قولٌ باطل. وقال
الليحاني: وقوله تعالى: ذلك عيسى بنُ مريم قول الحقِّ، إنما هو على إضافة
الشيء إلى نفسه؛ قال الأَزهري: رفع الكسائي القول وجعل الحق هو الله، وقد
نصَب قولَ قومٌ من القراء يريدون ذلك عيسى ابن مريم قولاً حقّاً، وقرأ من
قرأ: فالحقُّ والحقَّ أقول برفع الحق الأَول فمعناه أنا الحقُّ. وقال
الفراءُ في قوله تعالى: قال فالحق والحقَّ أقول، قرأ القراء الأَول بالرفع
والنصب، روي الرفع عن عبد الله بن عباس، المعنى فالحقُّ مني وأقول الحقَّ،
وقد نصبهما معاً كثير من القُرَّاء، منهم من يجعل الأَول على معنى
الحقَّ لأَمْلأَنَّ، ونَصب الثاني بوقوع الفعل عليه ليس فيه اختلاف؛ قال ابن
سيده: ومن قرأ فالحقَّ والحقّ أقول بنصب الحق الأَول، فتقديره فأحُقُّ
الحقّ حقّاً؛ وقال ثعلب: تقديره فأقول الحقَّ حقّاً؛ ومن قرأ فالحقِّ، أراد
فبالحق وهي قليلة لأن حروف الجر لا تضمر. وأما قول الله عز وجل: هنالك
الوَلايةُ لله الحقَّ، فالنصب في الحق جائز يريد حقّاً أي أُحِقُّ الحقَّ
وأحُقُّه حَقّاً، قال: وإن شئت خفضت الحق فجعلته صفة لله، وإن شئت رفعته
فجعلته من صفة الولاية هنالك الولايةُ الحقُّ لله. وفي الحديث: من رآني
فقد رأى الحقَّ أي رؤيا صادقةً ليست من أضْغاث الأَحْلام، وقيل: فقد رآني
حقيقة غير مُشَبَّهٍ. ومنه الحديث: أمِيناً حقَّ أمِينٍ أي صِدْقاً،
وقيل: واجباً ثابتاً له الأَمانةُ؛ ومنه الحديث: أتدْرِي ما حَقُّ العباد على
الله أي ثوابُهم الذي وعدَهم به فهو واجبُ الإنْجازِ ثابت بوعدِه
الحقِّ؛ ومنه الحديث: الحقُّ بعدي مع عمر.
ويَحُقُّ عليك أن تفعل كذا: يجب، والكسر لغة، ويَحُقُّ لك أن تفعل
ويَحُقُّ لك تَفْعل؛ قال:
يَحُقُّ لمن أَبُو موسَى أَبُوه
يُوَفِّقُه الذي نصَب الجِبالا
وأنت حَقيِقٌ عليك ذلك وحَقيِقٌ عليَّ أَن أَفعله؛ قال شمر: تقول العرب
حَقَّ عليَّ أَن أَفعلَ ذلك وحُقَّ، وإِني لمَحْقُوق أَن أَفعل خيراً،
وهو حَقِيق به ومَحقُوق به أَي خَلِيق له، والجمع أَحِقاء ومَحقوقون. وقال
الفراء: حُقَّ لك أَن تفعل ذلك وحَقَّ، وإِني لمحقوق أَن أَفعل كذا،
فإِذا قلت حُقَّ قلت لك، وإذا قلت حَقَّ قلت عليك، قال: وتقول يَحِقُّ عليك
أَن تفعل كذا وحُقَّ لك، ولم يقولوا حَقَقْتَ أَن تفعل. وقوله تعالى:
وأَذِنَت لربِها وحُقَّت؛ أَي وحُقَّ لها أنَ تفعل. ومعنى قول من قال حَقَّ
عليك أَن تفعل وجَب عليك. وقالوا: حَقٌّ أَن تفعل وحَقِيقٌ أَن تفعل. وفي
التنزيل: حَقيق عليَّ أَن لا أَقولَ على الله إِلا الحقَّ. وحَقِيقٌ في
حَقَّ وحُقَّ، فَعِيل بمعنى مَفْعول، كقولك أَنت حَقِيق أَن تفعله أَي
محقوق أَن تفعله، وتقول: أَنت مَحْقوق أَن تفعل ذلك؛ قال الشاعر:
قَصِّرْ فإِنَّكَ بالتَّقْصِير مَحْقوق
وفي التنزيل: فحَقَّ علينا قولُ رَبِّنا. ويقال للمرأَة: أَنت حقِيقة
لذلك، يجعلونه كالاسم، وَأَنت مَحْقوقة لذلك، وأَنت مَحْقوقة أَن تفعلي
ذلك؛ وأَما قول الأَعشى:
وإِنَّ امْرَأً أَسْرى إِليكِ، ودونَه
من الأَرضِ مَوْماةٌ ويَهْماء سَمْلَقُ
لَمَحْقُوقةٌ أَن تَسْتَجِيبي لِصَوْتِه،
وأَن تَعْلَمي أَنَّ المُعانَ مُوَفَّقُ
فإِنه أَراد لَخُلّة محْقوقة، يعني بالخُلّة الخَلِيلَ، ولا تكون الهاء
في محقوقة للمبالغة لأَن المبالغة إنما هي في أسماء الفاعلين دون
المَفْعُولين، ولا يجوز أن يكون التقدير لمحقوقة أنت، لأن الصفة إذا جرت على غير
موصوفها لم يكن عند أبي الحسن الأخفش بُدًّ من إبراز الضمير، وهذا كله
تعليل الفارسي؛ وقول الفرزدق:
إذا قال عاوٍ من مَعَدٍّ قَصِيدةً،
بها جَرَبٌ، عُدَّتْ عليَّ بِزَوْبَرا
فيَنْطِقُها غَيْري وأُرْمى بذَنبها،
فهذا قَضاءٌ حَقُّه أَن يُغَيَّرا
أي حُقَّ له. والحَقُّ واحد الحُقوق، والحَقَّةُ والحِقَّةُ أخصُّ منه،
وهو في معنى الحَق؛ قال الأزهري: كأنها أوجَبُ وأخصّ، تقول هذه حَقَّتي
أي حَقِّي. وفي الحديث: أنه أعطى كلَّ ذي حَقّ حقّه ولا وصيّة لوارث أي
حظَّه ونَصِيبَه الذي فُرِضَ له. ومنه حديث عمر، رضي الله عنه: لما طُعِنَ
أُوقِظَ للصلاة فقال: الصلاةُ والله إِذَنْ ولا حقَّ أي ولا حَظَّ في
الإسلام لِمَن تركَها، وقيل: أراد الصلاةُ مقْضِيّة إذن ولا حَقَّ مَقْضِيٌّ
غيرها، يعني أن في عُنقه حُقوقاً جَمَّةً يجب عليه الخروج عن عُهْدتها
وهو غير قادر عليه، فهَبْ أنه قضى حَقَّ الصلاة فما بالُ الحُقوق الأُخر؟
وفي الحديث: ليلةُ الضَّيْفِ حَقٌّ فمن أصبح بفِنائه ضَيْف فهو عليه
دَيْن؛ جعلها حَقّاً من طريق المعروف والمُروءة ولم يزل قِرى الضَّيفِ من
شِيَم الكِرام ومَنْع القِرى مذموم؛ ومنه الحديث: أَيُّما رجُل ضافَ قوماً
فأصبح مَحْرُوماً فإِن نَصْرَه حَقٌّ على كل مسلم حتى يأْخذ قِرى ليلته من
زَرعه وماله؛ وقال الخطابي: يشبه أن يكون هذا في الذي يخاف التّلف على
نفسه ولا يجد ما يأْكل فله أن يَتناول من مال أخيه ما يُقيم نفسه، وقد
اختلف الفقهاء في حكم ما يأْكله هل يلزمه في مقابلته شيء أم لا. قال ابن
سيده: قال سيبويه وقالوا هذا العالم حَقُّ العالم؛ يريدون بذلك التَّناهي
وأنه قد بلغ الغاية فيما يصفه من الخِصال، قال: وقالوا هذا عبد الله
الحَقَّ لا الباطل، دخلت فيه اللام كدخولها في قولهم أَرْسَلَها العِراكَ، إلا
أنه قد تسقط منه فتقول حقّاً لا باطلاً.
وحُقَّ لك أن تفعل وحُقِقْتَ أن
(* قوله «وحققت أن إلخ» كذا ضبط في
الأصل وبعض نسخ الصحاح بضم فكسر والذي في القاموس فكسر.) تفعل وما كان
يَحُقُّك أن تفعله في معنى ما حُقَّ لك. وأُحِقَّ عليك القَضاء فحَقَّ أي
أُثْبِتَ فثبت، والعرب تقول: حَقَقْت عليه القضاء أحُقُّه حَقّاً وأحقَقْتُه
أُحِقُّه إحْقاقاً أي أوجبته. قال الأزهري: قال أبو عبيد ولا أعرف ما قال
الكسائي في حَقَقْت الرجلَ وأحْقَقْته أي غلبته على الحق.
وقوله تعالى: حَقّاً على المُحسنين، منصوب على معنى حَقَّ ذلك عليهم
حقّاً؛ هذا قول أبي إسحق النحوي؛ وقال الفراء في نصب قوله حقّاً على
المحسنين وما أشبهه في الكتاب: إنه نَصْب من جهة الخبر لا أنه من نعت قوله
مَتاعاً بالمعروف حقّاً، قال: وهو كقولك عبدُ اللهِ في الدار حقْاً، إنما
نَصْبُ حقّاً من نية كلام المُخبِر كأنه قال: أُخْبِركم بذلك حقّاً؛ قال
الأزهري: هذا القول يقرب مما قاله أبو إسحق لأنه جعله مصدراً مؤكِّداً كأنه
قال أُخبركم بذلك أحُقُّه حَقّاً؛ قال أبو زكريا الفراء: وكلُّ ما كان في
القرآن من نَكِرات الحق أو معرفته أو ما كان في معناه مصدراً، فوجه
الكلام فيه النصب كقول الله تعالى: وَعْدَ الحقِّ ووعدَ الصِّدْقِ؛
والحَقِيقَةُ ما يصير إليه حَقُّ الأمر ووجُوبُه.
وبلغ حقيقةَ الأمر أي يَقِينَ شأْنه. وفي الحديث: لا يبلُغ المؤمن
حقيقةَ الإيمان حتى لا يَعِيب مسلماً بِعَيْب هو فيه؛ يعني خالِصَ الإيمان
ومَحْضَه وكُنْهَه. وحقيقةُ الرجل: ما يلزمه حِفظه ومَنْعُه ويَحِقُّ عليه
الدِّفاعُ عنه من أهل بيته؛ والعرب تقول: فلان يَسُوق الوَسِيقة ويَنْسِلُ
الوَدِيقةَ ويَحْمي الحقيقة، فالوَسيقةُ الطريدةُ من الإبل، سميت وسيقة
لأن طاردها يَسِقُها إذا ساقَها أي يَقْبِضها، والوَديقةُ شدّة الحر،
والحقيقةُ ما يَحِقّ عليه أن يَحْمِيه، وجمعها الحَقائقُ. والحقيقةُ في
اللغة: ما أُقِرّ في الاستعمال على أصل وضْعِه، والمَجازُ ما كان بضد ذلك،
وإنما يقع المجاز ويُعدَل إليه عن الحقيقة لمعانٍ ثلاثة: وهي الإتِّساع
والتوكيد والتشبيه، فإن عُدِم هذه الأوصافُ كانت الحقيقة البتَّةَ، وقيل:
الحقيقة الرّاية؛ قال عامر بن الطفيل:
لقد عَلِمَتْ عَليْنا هَوازِنَ أَنَّني
أَنا الفارِسُ الحامي حَقِيقةَ جَعْفَرِ
وقيل: الحقيقة الحُرْمة، والحَقيقة الفِناء.
وحَقَّ الشئُ يَحِقُّ، بالكسر، حقّاً أي وجب. وفي حديث حذيفة: ما حَقَّ
القولُ على بني إسرائيل حتى استغْنى الرِّجالُ بالرجالِ والنساءُ
بالنساءِ أي وجَب ولَزِم. وفي التنزيل: ولكن حَقَّ القولُ مني. وأحقَقْت الشئ أي
أوجبته. وتحقق عنده الخَبَرُ أي صحَّ. وحقَّقَ قوله وظنَّه تحقيقاً أي
صدَّقَ. وكلامٌ مُحَقَّقٌ أي رَصِين؛ قال الراجز:
دَعْ ذا وحَبِّرْ مَنْطِقاً مُحَقَّقا
والحَقُّ: صِدْق الحديثِ. والحَقُّ: اليَقين بعد الشكِّ.
وأحقِّ الرجالُ: قال شيئاً أو ادَّعَى شيئاً فوجب له.
واستحقَّ الشيءَ: استوجبه. وفي التنزيل: فإن عُثِرَ على أنَّهُمَا
اسْتَحقّا إثْماً، أي استوجباه بالخِيانةِ، وقيل: معناه فإن اطُّلِعَ على
أنهما استوجبا إثماً أي خيانةً باليمين الكاذبة التي أقْدما عليها، فآخرانِ
يَقُومانِ مَقامها من ورثة المُتوفَّى الذين استُحِقَّ عليهم أي مُلِك
عليهم حقٌ من حقوقهم بتلك اليمين الكاذبة، وقيل: معنى عليهم منهم، وإذا
اشتَرَى رجل داراً من رجل فادّعاها رجل آخر وأقامَ بيِّنةً عادلةً على دعواه
وحكم له الحاكمُ ببينة فقد استحقها على المشتري الذي اشتراها أي مَلَكَها
عليه، وأخرجها الحاكم من يد المشتري إلى يد مَن استحقَّها، ورجع المشتري
على البائع بالثمن الذي أدَّاه إليه، والاستِحْقاقُ والاسْتِيجابُ
قريبان من السواء. وأما قوله تعالى: لَشَهادَتُنا أحَقُّ من شهادتهما، فيجوز
أن يكون معناه أشدُّ اسْتِحْقاقاً للقَبول، ويكون إذ ذاك على طرح الزائد
من اسْتَحقَّ أعني السين والتاء، ويجوز أن يكون أراد أثْبَتُ من شهادتهما
مشتق من قولهم حَقَّ الشيءُ إذا ثبت. وفي حديث ابن عمر أن النبي، صلى
الله عليه وسلم، قال: ما حقُّ امرئٍ أن يَبِيتَ ليلتين إلا ووَصِيَّتُه
عنده؛ قال الشافعي: معناه ما الحَزْمُ لامرئٍ وما المعروف في الأخلاق الحسَنة
لامرئٍ ولا الأحْوطُ إلا هذا، لا أنه واجب ولا هو من جهة الفرض، وقيل:
معناه أن الله حكم على عباده بوجوب الوصية مطلقاً ثم نَسخ الوصيّة للوارث
فبقي حَقُّ الرجل في ماله أن يُوصي لغير الوارث، وهو ما قدَّره الشارع
بثلث ماله.
وحاقَّهُ في الأمر مُحَاقَّةً وحِقاقاً: ادَّعَى أنه أولى بالحق منه،
وأكثر ما استعملوا هذا في قولهم حاقَّني أي أكثر ما يستعملونه في فعل
الغائب. وحاقَّهُ فحَقَّه يَحُقُّه: غَلبه، وذلك في الخصومة واستيجاب الحق.
وحاقَّهُ أي خاصَمه وادَّعَى كل واحد منهما الحق، فإذا غلبه قيل حَقَّه.
والتَّحَاقُّ: التخاصمُ. والاحْتِقاقُ: الاختصام. ويقال: احْتَقَّ فلان
وفلان، ولا يقال للواحد كما لا يقال اختصم للواحد دون الآخر. وفي حديث
علي، كرم الله وجهه: إذا بلغ النساءُ نَصَّ الحِقاقِ، ورواه بعضهم: نَصُّ
الحَقائِقِ، فالعَصَبة أوْلى؛ قال أبو عبيدة: نَصَّ كل شيء مُنتهاه
ومَبْلَغ أقصاه. والحِقاقُ: المُحاقَّةُ وهو أن تُحاقَّ الأُمُّ العَصبَة في
الجارية فتقول أنا أحَقُّ بها، ويقولون بل نحن أحَقُّ، وأراد بِنَصِّ
الحِقاق الإدْراكَ لأن وقت الصغر ينتهي فتخرج الجارية من حد الصغر إلى الكبر؛
يقول: ما دامت الجاريةُ صغيرةً فأُمُّها أوْلى بها، فإذا بَلَغَت فالعصبة
أوْلى بأمرها من أُمها وبتزويجها وحَضانتها إذا كانو مَحْرَماً لها مثل
الآباء والإخْوة والأعمام؛ وقال ابن المبارك: نَصُّ الحِقاق بلوغ العقل،
وهو مثل الإدراك لأنه إنما أراد منتهى الأمر الذي تجب به الحقوق والأحكام
فهو العقل والإدراك. وقيل: المراد بلوغ المرأة إلى الحد الذي يجوز فيه
تزويجها وتصَرُّفها في أمرها، تشبيهاً بالحِقاقِ من الإبل جمع حِقٍّ
وحِقَّةٍ، وهو الذي دخل في السنة الرابعة، وعند ذلك يُتمكَّن من ركوبه
وتحميله، ومن رواه نَصَّ الحَقائِقِ فإنه أراد جمع الحَقيقة، وهو ما يصير إليه
حَقُّ الأمر ووجوبُه، أو جمع الحِقَّة من الإبل؛ ومنه قولهم: فلان حَامي
الحَقِيقة إذا حَمَى ما يجب عليه حمايتُه. ورجل نَزِقُ الحِقاقِ إذا خاصم
في صغار الأشياء.
والحاقَّةُ: النازلة وهي الداهية أيضاً. وفي التهذيب: الحَقَّةُ الداهية
والحاقَّةُ القيامة، وقد حَقَّتْ تَحُقُّ. وفي التنزيل: الحاقَّةُ ما
الحاقَّة وما أدراك ما الحاقَّةُ؛ الحاقة: الساعة والقيامة، سميت حاقَّةً
لأنها تَحُقُّ كلَّ إنسان من خير أو شر؛ قال ذلك الزجاج، وقال الفراء:
سميت حاقَّةً لأن فيها حَواقَّ الأُمور والثوابَ. والحَقَّةُ: حقيقة الأمر،
قال: والعرب تقول لمّاعرفتَ الحَقَّةَ مِني هربْتَ، والحَقَّةُ
والحاقَّةُ بمعنى واحد؛ وقيل: سميت القيامة حاقَّةً لأنها تَحُقُّ كلَّ مُحاقٍّ في
دِين الله بالباطل أي كل مُجادِلٍ ومُخاصم فتحُقُّه أي تَغُلِبه
وتَخُصِمه، من قولك حاقَقْتُه أُحاقُّه حِقاقاً ومُحاقَّةً فحَقَقْتُه أحُقُّه
أي غلبته وفَلَجْتُ عليه. وقال أبو إسحق في قوله الحاقَّةُ: رفعت
بالابتداء، وما رَفْعٌ بالابتداء أيضاً، والحاقَّةُ الثانية خبر ما، والمعنى
تفخيم شأنها كأنه قال الحاقَّةُ أي شيءٍ الحاقَّةُ. وقوله عز وجل: وما أدراكَ
ما الحاقَّةُ، معناه أيُّ شيءٍ أعْلَمَكَ ما الحاقَّةُ، وما موضعُها
رَفْعٌ وإن كانت بعد أدْراكَ؛ المعنى ما أعْلَمَكَ أيُّ شيءٍ الحاقَّةُ.
ومن أيمانهم: لَحَقُّ لأَفْعَلَنّ، مبنية على الضم؛ قال الجوهري:
وقولهم لَحَقُّ لا آتِيكَ هو يمين للعرب يرفعونها بغير تنوين إذا جاءت بعد
اللام، وإذا أزالوا عنها اللام قالوا حَقّاً لا آتِيك؛ قال ابن بري: يريد
لَحَقُّ الله فنَزَّلَه منزلة لَعَمْرُ اللهِ، ولقد أُوجِبَ رفعُه لدخول
اللام كما وَجب في قولك لَعَمْرُ الله إذا كان باللام. والحَقُّ:
المِلْك.والحُقُقُ: القريبو العهد بالأُمور خيرها وشرها، قال: والحُقُقُ
المُحِقُّون لما ادّعَوْا أيضاً.
والحِقُّ من أولاد الإبل: الذي بلغ أن يُرْكب ويُحمَل عليه ويَضْرِب،
يعني أن يضرب الناقةَ، بيِّنُ الإحقاقِ والاسْتحقاق، وقيل: إذا بلغت أمُّه
أوَانَ الحَمْل من العام المُقْبِل فهو حِقُّ بيِّنُ الحِقَّةِ. قال
الأَزهري: ويقال بعير حِقٌّ بيِّنُ الحِقِّ بغير هاء، وقيل: إذا بلغ هو
وأُخته أن يُحْمَل عليهما ويُركبا فهو حِقٌّ؛ الجوهري: سمي حِقّاً لاستحقاقه
أن يُحْمل عليه وأن يُنتفع به؛ تقول: هو حِقٌّ بيِّنُ الحِقَّةِ، وهو
مصدر، وقيل: الحِقُّ الذي استكمل ثلاث سنين ودخل في الرابعة؛ قال:
إذا سُهَيْلٌ مَغْرِبَ الشمس طَلَعْ،
فابْنُ اللَّبونِ الحِقُّ جَذَعْ
والجمع أحُقٌّ وحِقاقٌ، والأُنثى حِقَّة وحِقٌّ أيضاً؛ قال ابن سيده:
والأُنثى من كل ذلك حِقَّةٌ بَيِّنَةُ الحِقَّةِ، وإنما حكمه بَيِّنة
الحَقاقةِ والحُقُوقةِ أو غير ذلك من الأَبنية المخالفة للصفة لأَن المصدر في
مثل هذا يخالف الصفة، ونظيره في موافقة هذا الضرب من المصادر للاسم في
البناء قولهم أسَدٌ بَيِّنُ الأَسد. قال أبو مالك: أحَقَّت البَكْرَة إذا
استوفت ثلاث سنين، وإذا لَقِحَت حين تُحِقّ قيل لَقِحت عليَّ كرهاً.
والحِقَّةُ أيضاً: الناقة التي تؤخذ في الصدقة إذا جازت عِدَّتُها خمساً
وأربعين. وفي حديث الزكاة ذكر الحِقِّ والحِقَّة، والجمع من كل ذلك حُقُقٌ
وحَقائق؛ ومنه قول المُسَيَّب بن عَلَس:
قد نالَني منه على عَدَمٍ
مثلُ الفَسِيل، صِغارُها الحُقُقُ
قال ابن بري: الضمير في منه يعود على الممدوح وهو حسان بن المنذر أخو
النعمان؛ قال الجوهري: وربما تجمع على حَقائقَ مثل إفَالٍ وأفائل، قال ابن
سيده: وهو نادر؛ وأنشد لعُمارةَ بن طارق:
ومَسَدٍ أُمِرَّ من أَيانِقِ،
لَسْنَ بأَنْيابٍ ولا حَقائِقِ
وهذا مثل جَمْعهم امرأَة غِرَّة على غَرائر، وكجمعهم ضَرَّة على ضَرائر،
وليس ذلك بِقياس مُطَّرِد. والحِقُّ والحِقَّة في حديث صدقات الإبل
والديات، قال أَبو عبيد: البعير إِذا اسْتَكْمَلَ السنة الثالثة ودخل في
الرابعة فهو حينئذ حِقُّ، والأُنثى حِقَّة. والحِقَّة: نَبْرُ أُم جَرِير بن
الخَطَفَى، وذلك لأَن سُوَيْدَ بن كراع خطبها إلى أَبيها فقال له: إِنها
لصغيرة صُرْعةٌ، قال سويد: لقد رأَيتُها وهي حِقَّةٌ أَي كالحِقَّة من
الإِبل في عِظَمها؛ ومنه حديث عمر، رضي الله عنه: ومن وَراء حِقاقِ
العُرْفُطِ أَي صغارها وشَوابِّها، تشبيهاً بِحقاق الإبل. وحَقَّتِ الحِقَّةُ
تَحِقُّ وأَحَقَّت، كلاهما: صارت حِقَّةً؛ قال الأَعشى:
بِحِقَّتِها حبِسَتْ في اللَّجيـ
نِ، حتى السَّديِسُ لها قد أَسَنّْ
قال ابن بري: يقال أَسَنَّ سدِيسُ الناقة إِذا نبَت وذلك في الثامنة،
يقول: قِيمَ عليها من لدن كانت حِقَّة إِلى أَن أَسْدَسَت، والجمع حِقاقٌ
وحُقُقٌ؛ قال الجوهري: ولم يُرد بحقَّتها صفة لها لأَنه لا يقال ذلك كما
لا يقال بجَذَعَتها فُعِلَ بها كذا ولا بثنيَّتها ولا ببازلها، ولا أَراد
بقوله أَسَنَّ كَبِرَ لأَنه لا يقال أَسَنَّ السِّنُّ، وإِنما يقال
أََسنَّ الرجل وأَسَّت المرأَة، وإِنما أَراد أَنها رُبِطَت في اللَّجين وقتاً
كانت حقة إِلى أَن نَجَمَ سَدِيسُها أَي نبَت، وجمع الحِقاق حُقُق مثل
كِتاب وكتُب؛ قال ابن سيده: وبعضهم يجعل الحِقَّة هنا الوقت، وأَتت
الناقةُ على حِقَّتها أَي على وقتها الذي ضَربها الفحل فيه من قابل، وهو إِذا
تَمَّ حَملها وزادت على السنة أَياماً
من اليوم الذي ضُربت فيه عاماً أَوّل حتى يستوفي الجَنين السنةَ، وقيل:
حِقُّ الناقة واسْتِحقاقُها تَمام حَمِلها؛ قال ذو الرمة:
أَفانين مَكْتوب لها دُون حِقِّها،
إِذا حَمْلُِها راشَ الحِجَاجَينِ بالثُّكْلِ
أَي إِذا نبَت الشعر على ولدها ألقته ميِّتاً، وقيل: معنى البيت أَنه
كتب لهذه النجائب إِسقاطُ أَولادها قبل أَناء نِتاجها، وذلك أَنها رُكبت في
سفَر أَتعبها فيه شدة السير حتى أَجْهَضَتْ أَولادها؛ وقال بعضهم: سميت
الحِقَّة لأَنها استحقَّت أَن يَطْرُقها الفحلُ، وقولهم: كان ذلك عند
حَقِّ لَقاحها وحِقِّ لَقاحها أَيضاً، بالكسر، أَي حين ثبت ذلك فيها.
الأَصمعي: إِذا جازت الناقة السنة ولم تلد قيل قد جازت الحِقَّ؛
وقولُ عَدِيّ:أَي قومي إِذا عزّت الخمر
وقامت رفاقهم بالحقاق
ويروى: وقامت حقاقهم بالرفاق، قال: وحِقاقُ الشجر صغارها شبهت بحقاق
الإِبل.
ويقال: عَذر الرَّجلُ وأَعْذَر واسْتَحقَّ واستوْجَب إِذا أَذنب ذنباً
استوْجب به عُقوبة؛ ومنه حديث النبي، صلى الله عليه وسلم: لا يَهْلِكُ
الناسُ حتى يُعْذِرُوا من أَنفسهم.
وصبَغْتُ الثوبَ
صَبْغاً تَحْقِيقاً أَي مُشْبَعاً. وثوب مُحقَّق: عليه وَشْيٌ
على صورة الحُقَق، كما يقال بُرْدٌ مُرَجَّلٌ. وثوب مُحَقَّقٌ إِذا كان
مُحْكَمَ النَّسْجِ؛ قال الشاعر:
تَسَرْبَلْ جِلْدَ وجْهِ أَبِيك، إِنّا
كَفَيْناكَ المُحَقَّقَةَ الرَّقاقا
وأَنا حَقِيقٌ على كذا أَي حَريصٌ عليه؛ عن أَبي عليّ، وبه فسر قوله
تعالى: حَقِيقٌ على أَن لا أَقول على الله إلاَّ الحَقَّ، في قراءة من قرأَ
به، وقرئ حقيق عليّ أَن لا أَقول، ومعناه واجب عليّ ترك القول على الله
إِلاَّ بالحق.
والحُقُّ والحُقَّةُ، بالضم: معروفة، هذا المَنْحوت من الخشب والعاج
وغير ذلك مما يصلح أَن
يُنحت منه، عربيٌّ معروف قد جاء في الشعر الفصيح؛ قال الأَزهري: وقد
تُسوّى الحُقة من العاج وغيره؛ ومنه قول عَمرو بن كُلْثُوم:
وثَدْياً مثلَ حُقِّ العاجِ رَخْصاً،
حَصاناً من أَكُفِّ اللاَّمِسِينا
قال الجوهري: والجمع حُقُّ وحُقَقٌ وحِقاقٌ؛ قال ابن سيده: وجمع الحُقّ
أَحْقاقٌ وحِقاقٌ، وجمع الحُقَّة حُقَقٌ؛ قال رؤبة:
سَوَّى مَساحِيهنَّ تَقْطِيطَ الحُقَقْ
وصَفَ
حَوافِرَ حُمُر الوَحْشِ أَي أَنَّ الحِجارة سوَّت حَوافِرها كأَنما
قُطِّطَتْ تَقْطِيطَ الحُقَقِ، وقد قالوا في جمع حُقَّةٍ حُقّ، فجعلوه من
باب سِدْرة وسِدْر، وهذا أَكثره إِنما هو في المخلوق دون المصنوع، ونظيره
من المصنوع دَواةٌ ودَوًى وسَفِينة وسَفِين. والحُقُّ من الورك: مَغْرِزُ
رأْس الفخذ فيها عصَبة إِلى رأْس الفخذ إِذا انقطعت حَرِقَ الرجل، وقيل:
الحُق أَصل الورك الذي فيه عظم رأْس الفخذ. والحُق أَيضاً: النُّقْرة
التي في رأْس الكتف. والحُقُّ: رأْس العَضُد الذي فيه الوابِلةُ وما
أَشْبهها.
ويقال: أَصبت حاقّ عينه وسقط فلان على حاقِّ رأْسه أَي وسَط رأْسه،
وجئته في حاقِّ الشتاء أَي في وسطه. قال الأَزهري: وسمعت أَعرابيّآً يقول
لنُقْبة من الجرَب ظهَرت ببعير فشكُّوا فيها فقال: هذا حاقُّ صُمادِحِ
الجَرَبِ.
وفي الحديث: ليس للنساء أَن يَحقُقْنَ الطَّريقَ؛ هو أَن يَركبن حُقَّها
وهو وسَطها من قولكم سقَط على حاقِّ القَفا وحُقَّه. وفي حديث يوسف بن
عمر: إِنَّ عامِلاً من عُمالي يذكُر أَنه زَرَعَ كلَّ حُقٍّ ولُقٍّ؛
الحُق: الأَرض المطمئنة، واللُّق: المرتفعة. وحُقُّ الكَهْوَل: بيت العنكبوت؛
ومنه حديث عَمرو بن العاص أَنه قال لمعاوية في مُحاوَراتٍ كانت بينهما:
لقد رأَيْتك بالعراق وإِنَّ أَمْرَك كحُقِّ الكَهول وكالحَجاةِ في
الضَّعْف فما زِلت أَرُمُّه حتى اسْتَحكم، في حديث فيه طول، قال: أَي واهٍ.
وحُقُّ الكَهول: بيت العنكبوت. قال الأَزهري: وقد روى ابن قتيبة هذا الحرف
بعينه فصحَّفه وقال: مثل حُق الكَهْدَلِ، بالدال بدل الواو، قال: وخبَطَ
في تفسيره خَبْط العَشْواء، والصواب مثل حُق الكَهول، والكَهول العنكبوت،
وحُقَّه بيته. وحاقُّ وسَطِ الرأْس: حَلاوةُ القفا.
ويقال: استحقَّت إِبلُنا ربيعاً وأَحَقَّت ربيعاً إِذا كان الربيع تاماً
فرعَتْه. وأَحقَّ القومُ إِحْقاقاً إِذا سَمِنَ مالُهم. واحتقَّ القوم
احْتقاقاً إِذا سَمِنَ وانتهى سِمَنُه. قال ابن سيده: وأَحقَّ القومُ
من الربيع إِحْقاقاً إِذا أَسْمَنُوا؛ عن أَبي حنيفة، يريد سَمِنت
مَواشِيهم. وحقَّت الناقة وأَحقَّت واستحقَّت: سمنت. وحكى ابن السكيت عن ابن
عطاء أَنه قال: أَتيت أَبا صَفْوانَ أَيام قَسمَ المَهْدِيُّ الأَعراب
فقال أَبو صفوان؛: ممن أَنت؟ وكان أَعرابيّاً فأَراد أَن يمتحنه، قلت: من
بني تميم، قال: من أَيّ تميم؟ قلت: رباني، قال: وما صنعتُك؟ قلت: الإِبل،
قال: فأَخبرني عن حِقَّة حَقَّت على ثلاث حِقاق، فقلت: سأَلت خبيراً: هذه
بَكْرة كان معها بَكْرتان في ربيع واحد فارْتَبَعْنَ
فسَمِنَت قبل أَن تسمنا فقد حقَّت واحدةً، ثم ضَبَعَت ولم تَضْبَعا فقد
حقَّت عليهما حِقَّة أُخرى، ثم لَقِحَت ولم تَلْقَحا فهذه ثلاث حِقَّات،
فقال لي: لعَمْري أَنت منهم واسْتَحَقَّت الناقة لَقاحاً إِذا لَقِحت
واستحقّ لَقاحُها، يُجْعَل الفعل مرة للناقة ومرة للِّقاح.
قال أَبو حاتم: مَحاقُّ المالِ
يكون الحَلْبة الأُولى، والثانية منها لِبَأٌ. والمَحاقُّ: اللاتي لم
يُنْتَجْن في العام الماضي ولم يُحلَبن فيه.
واحْتقَّ الفرسُ أَي ضَمُر. ويقال: لا يحقُّ
ما في هذا الوِعاء رطلاً، معناه أَنه لا يَزِنُ
رطلاً. وطعْنة مُحْتَقَّة أَي لا زَيْغَ فيها وقد نَفَذَت. ويقال: رمَى
فلان الصيدَ فاحتقَّ بعضاً وشَرَم بعضاً
أَي قتَل بعضاً وأُفْلِتَ بعض جَِريحاً؛ والمُحْتقُّ من الطعْن:
النافِذُ إِلى الجوف؛ ومنه قول أَبي كبير الهذلي:
هَلاَّ وقد شَرَعَ الأَسنَّة نَحْوها،
ما بينَ مُحْتَقٍّ ومُشَرِّمِ
أَراد من بين طَعْن نافذٍ في جوفها وآخَرَ قد شرَّمَ جلدَها ولم ينفُذ
إِلى الجوف.
والأَحقُّ من الخيل: الذي لا يَعْرَق، وهو أَيضاً الذي يضع حافر رجله
موضع حافر يده، وهما عيب؛ قال عديّ بن خَرَشةَ الخَطْمِيّ:
بأَجْرَدَ من عِتاقِ الخَيلِ نَهْدٍ
جَوادِ، لا أَحقُّ ولا شئيتُ
قال ابن سيده: هذه رواية ابن دريد، ورواية أَبي عبيد:
وأَقْدَرُ مُشْرِفُ الصَّهواتِ ساطٍ،
كُمَيْتٌ، لا أَحقُّ ولا شئيت
الأَقدرُ: الذي يجوز حافرا رجليه حافِريْ يديه، والأَحقُّ: الذي
يُطَبِّقُ حافرا رجليه حافريْ
يديه، والشَّئيتُ: الذي يقْصُر موقِعُ حافر رجله عن موقع حافر يده، وذلك
أَيضاً عيب، والاسم الحَقَق.
وبنات الحُقَيْقِ: ضرْب من رَدِيء التمر، وقيل: هو الشِّيص، قال
الأَزهري: قال الليث بنات الحقيق ضرب من التمر، والصواب لَوْن الحُبَيق ضرب من
التمر رديء. وبنات الحقيق في صفة التمر تغيير، ولَوْنُ الحُبيق معروف.
قال: وقد روينا عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أَنه نَهى عن لوْْنين من
التمر في الصدقة: أَحدهما الجُعْرُور، والآخر لون الحبيق، ويقال لنخلته
عَذْقُ ابن حبيق
(* قوله «عذق ابن حبيق» ضبط عذق بالفتح هو الصواب ففي
الزرقاني على الموطأ قال أبو عمر بفتح العين النخلة وبالكسر الكباسة أي القنو
كأن التمر سمي باسم النخلة لأنه منها اهـ. فضبطه في مادة حبق بالكسر خطأ.)
وليس بشِيص ولكنه رديء من الدَّقَلِ؛ وروى الأَزهري حديثاً آخر عن جعفر
بن محمد عن أَبيه قال: لا يُخرَج في الصدقة الجُعرور ولا لون حُبيْق؛ قال
الشافعي: وهذا تمر رديء والسس
(* قوله «والسس» كذا بالأصل ولعله وأيبس.)
تمر وتؤخذ الصدقة من وسط التمر.
والحَقْحقةُ: شدَّة السير. حَقْحقَ القومُ
إِذا اشتدّوا في السير. وقَرَبٌ مُحَقْحَقٌ: جادٌّ منه. وتعَبَّدَ عبد
الله بن مُطَرِّف بن الشِّخيِّر فلم يَقتصِد فقال له أَبوه: يا عبد الله،
العلمُ أَفضلُ من العمل، والحسَنةُ بين السَّيِّئتين، وخيرُ
الأُمور أَوساطُها، وشرُّ
السير الحَقْحقةُ؛ هو إِشارة إلى الرِّفق في العبادة، يعني عليك
بالقَصْد في العبادة ولا تَحْمِل على نفسك فتَسأَم؛ وخيرُ
العمل ما دِيمَ وإِن قلَّ، وإِذا حملت على نفسك من العبادة ما لا
تُطيِقُه انْقَطَعْتَ به عن الدَّوام على العبادة وبَقِيت حَسيراً، فتكلَّفْ من
العبادة ما تُطيقُه ولا يَحْسِرُك. والحَقحقةُ: أَرفع السير وأَتْعَبُه
للظَّهر. وقال الليث: الحقحقة سير الليل في أَوّله، وقد نهي عنه، قال:
وقال بعضهم الحقحقة في السير إِتعابُ
ساعة وكفُّ ساعة؛ قال الأَزهري: فسر الليث الحقحقة تفسيرين مختلفين لم
يصب الصواب في واحد منهما، والحقحقة عند العرب أَن يُسار البعيرُ ويُحمل
على ما يتعبه وما لا يطيقه حتى يُبْدِعَ براكبه، وقيل: هو المُتعِب من
السير، قال: وأَما قول الليث إِنّ الحقحقة سير أَول الليل فهو باطل ما قاله
أَحد، ولكن يقال فَحِّمُوا عن الليل أَي لا تسيروا فيه. وقال ابن
الأَعرابي: الحَقحقةُ أَن يُجْهِد الضعيفَ شدَّةُ
السير. قال ابن سيده: وسَيرٌ حَقْحَاقٌ شديد، وقد حَقْحَقَ وهَقْهَقَ
على البدل، وقَهْقَهَ على القلب بعد البدل. وقَرَبٌ حَقْحاق وهَقْهاق
وقَهْقاه ومُقَهْقَه ومُهَقْهَقٌ إِذا كان السير فيه شديداً مُتعِباً.
وأُمّ حِقّة: اسم امرأَة؛ قال مَعْنُ بن أَوْس:
فقد أَنْكَرَتْه أُمُّ حِقّه حادِثاً،
وأَنْكَرها ما شئت، والودُّ خادِعُ