Academy of the Arabic Language in Cairo, al-Muʿjam al-Wasīṭ (1998) المعجم الوسيط لمجموعة من المؤلفين
Permalink (الرابط القصير إلى هذا الباب):
http://arabiclexicon.hawramani.com/?p=78141#21977b
(المــتعبد) مَكَان الــتَّعَبُّد
عبد: العبد: الإِنسان، حرّاً كان أَو رقيقاً، يُذْهَبُ بذلك إِلى أَنه
مربوب لباريه، جل وعز. وفي حديث عمر في الفداء: مكانَ عَبْدٍ عَبْدٌ، كان
من مذهب عمر، رضي الله عنه، فيمن سُبيَ من العرب في الجاهلية وأَدركه
الإِسلام، وهو عند من سباه، أَن يُرَدَّ حُرّاً إِلى نسبه وتكون قيمته عليه
يؤَدّيها إِلى من سباه، فَجَعل مكان كل رأْس منهم رأْساً من الرقيق؛
وأَما قوله: وفي ابن الأَمة عَبْدان، فإِنه يريد الرجل العربي يتزوّج أَمة
لقوم فتلد منه ولداً فلا يجعله رقيقاً، ولكنه يُفْدَى بعبدين، وإِلى هذا
ذهب الثوري وابن راهويه، وسائرُ الفقهاء على خلافه. والعَبْدُ: المملوك
خلاف الحرّ؛ قال سيبويه: هو في الأَصل صفة، قالوا: رجل عَبْدٌ، ولكنه
استُعمل استعمال الأَسماء، والجمع أَعْبُد وعَبِيد مثل كَلْبٍ وكَليبٍ، وهو
جَمْع عَزيزٌ، وعِبادٌ وعُبُدٌ مثل سَقْف وسُقُف؛ وأَنشد الأَخفش:
انْسُبِ العَبْدَ إِلى آبائِه،
أَسْوَدَ الجِلْدَةِ من قَوْمٍ عُبُدْ
ومنه قرأَ بعضُهم: وعُبُدَ الطاغوتِ؛ ومن الجمع أَيضاً عِبْدانٌ،
بالكسر، مثل جِحْشانٍ. وفي حديث عليّ: هؤُلاء قد ثارت معهم عِبْدانُكم.
وعُبْدانٌ، بالضم: مثل تَمْرٍ وتُمْرانٍ. وعِبِدَّان، مشدّدة الدال، وأَعابِدُ
جمع أَعْبُدٍ؛ قال أَبو دواد الإِيادي يصف ناراً:
لَهنٌ كَنارِ الرأْسِ، بالْـ
ـعَلْياءِ، تُذْكيها الأَعابِدْ
ويقال: فلان عَبْدٌ بَيِّن العُبُودَة والعُبودِيَّة والعَبْدِيَّةِ؛
وأَصل العُبودِيَّة الخُضوع والتذلُّل. والعِبِدَّى، مقصور، والعبدَّاءُ،
ممدود، والمَعْبوداء، بالمد، والمَعْبَدَة أَسماءُ الجمع. وفي حديث أَبي
هريرة: لا يَقُل أَحدكم لمملوكه عَبْدي وأَمَتي وليقل فتايَ وفتاتي؛ هذا
على نفي الاستكبار عليهم وأَنْ يَنْسُب عبوديتهم إِليه، فإِن المستحق لذلك
الله تعالى هو رب العباد كلهم والعَبيدِ، وجعل بعضهم العِباد لله،
وغيرَه من الجمع لله والمخلوقين، وخص بعضهم بالعِبِدَّى العَبيدَ الذين
وُلِدوا في المِلْك، والأُنثى عَبْدة. قال الأَزهري: اجتمع العامة على تفرقة ما
بين عِباد الله والمماليك فقالوا هذا عَبْد من عِباد الله، وهو لاء
عَبيدٌ مماليك. قال: ولا يقال عَبَدَ يَعْبُدُ عِبادة إِلا لمن يَعْبُد الله،
ومن عبد دونه إِلهاً فهو من الخاسرين. قال: وأَما عَبْدٌ خَدَمَ مولاه
فلا يقال عَبَدَه. قال الليث: ويقال للمشركين هم عَبَدَةُ الطاغوت، ويقال
للمسلمين عِبادُ الله يعبدون الله. والعابد: المُوَحِّدُ. قال الليث:
العِبِدَّى جماعة العَبِيد الذين وُلِدوا في العُبودِيَّة تَعْبِيدَةٌ ابن
تعبيدة أَي في العُبودة إِلى آبائه، قال الأَزهري: هذا غلط، يقال: هؤلاء
عِبِدَّى الله أَي عباده. وفي الحديث الذي جاء في الاستسقاء: هؤلاء
عِبِدَّاكَ بِفِناءِ حَرَمِك؛ العِبِدَّاءُ، بالمد والقصر، جمع العبد. وفي حديث
عامر بن الطفيل: أَنه قال للنبي، صلى الله عليه وسلم: ما هذه العِبِدَّى
حوْلَك يا محمد؟ أَراد فقَراءَ أَهل الصُّفَّة، وكانوا يقولون اتَّبَعَه
الأَرذلون. قال شمر: ويقال للعبيد مَعْبَدَةٌ؛ وأَنشد للفرزدق:
وما كانت فُقَيْمٌ، حيثُ كانت
بِيَثْرِبَ، غيرَ مَعْبَدَةٍ قُعودِ
قال الأَزهري: ومثلُ مَعْبَدة جمع العَبْد مَشْيَخَةٌ جمع الشيْخ،
ومَسْيَفة جمع السَّيْفِ. قال اللحياني: عَبَدْتُ الله عِبادَة ومَعْبَداً.
وقال الزجاج في قوله تعالى: وما خلقتُ الجنّ والإِنس إِلا ليعبدون، المعنى
ما خلقتهم إِلا لأَدعوهم إِلى عبادتي وأَنا مريد للعبادة منهم، وقد علم
الله قبل أن يخلقهم من يعبده ممن يكفر به، ولو كان خلقهم ليجبرهم على
العبادة لكانوا كلهم عُبَّاداً مؤمنين؛ قال الأَزهري: وهذا قول أَهل السنَّة
والجماعة. والَعبْدَلُ: العبدُ، ولامه زائدة.
والــتِّعْبِدَــةُ: المُعْرِقُ في المِلْكِ، والاسم من كل ذلك العُبودةُ
والعُبودِيَّة ولا فعل له عند أَبي عبيد؛ وحكى اللحياني: عَبُدَ عُبودَة
وعُبودِية. الليث: وأَعْبَدَه عبداً مَلَّكه إِياه؛ قال الأَزهري: والمعروف
عند أَهل اللغة أَعْبَدْتُ فلاناً أَي اســتَعْبَدْــتُه؛ قال: ولست
أُنْكِرُ جواز ما قاله الليث إِن صح لثقة من الأَئمة فإِن السماع في اللغات
أَولى بنا من خَبْطِ العَشْواءِ، والقَوْلِ بالحَدْس وابتداعِ قياساتٍ لا
تَطَّرِدُ. وتَعَبَّدَ الرجلَ وعَبَّده وأَعْبَدَه: صيَّره كالعَبْد،
وتَعَبَّدَ اللَّهُ العَبْدَ بالطاعة أَي اســتعبده؛ وقال الشاعر:
حَتَّامَ يُعْبِدُني قَوْمي، وقد كَثُرَت
فيهمْ أَباعِرُ، ما شاؤوا، وعِبْدانُ؟
وعَبَّدَه واعْتَبَده واســتعبده؛ اتخذه عَبْداً؛ عن اللحياني؛ قال رؤبة:
يَرْضَوْنَ بالتَّعْبِيدِ والتَّأَمِّي
أَراد: والتَّأْمِيَةِ. يقال: تَعَبَّدْــتُ فلاناً أَي اتخذْتُه عَبْداً
مثل عَبَّدْتُه سواء. وتأَمَّيْتُ فلانة أَي اتخذْتُها أَمَة. وفي
الحديث: ثلاثة أَنا خَصْمُهم: رجل اعْتَبَدَ مُحَرَّراً، وفي رواية: أَعبَدَ
مُحَرَّراً أَي اتخذه عبداً، وهو أَن يُعْتِقَه ثم يكْتمه إِياه، أَو
يَعْتَقِلَه بعد العِتْقِ فَيَسْتَخْدِمَهُ كُرْهاً، أَو يأْخذ حُرًّا
فيدَّعيه عَبداً. وفي التنزيل: وتلك نِعْمَةٌ تَمُنُّها عليّ أَنْ عَبَّدْتَ بني
إِسرائيل؛ قال الأَزهري: وهذه آية مشكلة وسنذكر ما قيل فيها ونخبر
بالأَصح الأَوضح. قال الأَخفش في قوله تعالى: وتلك نعمة، قال: يقال هذا
استفهام كأَنه قال أَو تلك نعمة تمنها عليّ ثم فسر فقال: أَن عَبَّدْتَ بني
إِسرائيل، فجعله بدلاً من النعمة؛ قال أَبو العباس: وهذا غلط لا يجوز أَن
يكون الاستفهام مُلْقًى وهو يُطْلَبُ، فيكون الاستفهام كالخبر؛ وقد
استُقْبِحَ ومعه أَمْ وهي دليل على الاستفهام، استقبحوا قول امرئ
القيس:تروحُ مِنَ الحَيِّ أَم تَبْتَكِرْ
قال بعضهم: هو أَتَروحُ مِنَ الحَيِّ أَم تَبْتَكِر فحذفُ الاستفهام
أَولى والنفي تام؛ وقال أَكثرهم: الأَوّل خبر والثاني استفهام فأَما وليس
معه أَم لم يقله إِنسان. قال أَبو العباس: وقال الفراء: وتلك نعمة تمنها
عليّ، لأَنه قال وأَنت من الكافرين لنعمتي أَي لنعمة تربيتي لك فأَجابه
فقال: نعم هي نعمة عليّ أَن عبَّدْت بني إسرائيل ولم تســتعبدني، فيكون موضع
أَن رفعاً ويكون نصباً وخفضاً، من رفع ردّها على النعمة كأَنه قال وتلك
نعمة تمنها عليّ تَعْبِيدُك بني إِسرائيل ولم تُعَبِّدْــني، ومن خفض أَو نصب
أَضمر اللام؛ قال الأَزهري: والنصب أَحسن الوجوه؛ المعنى: أَن فرعون لما
قال لموسى: أَلم نُرَبِّك فينا وليداً ولبثت فينا من عُمُرِكَ سنين،
فاعْتَدَّ فرعون على موسى بأَنه ربَّاه وليداً منذُ وُلدَ إِلى أَن كَبِرَ
فكان من جواب موسى له: تلك نعمة تعتدّ بها عليّ لأَنك عبَّدْتَ بني
إِسرائيل، ولو لم تُعَبِّدْــهم لكَفَلَني أَهلي ولم يُلْقُوني في اليمّ، فإِنما
صارت نعمة لما أَقدمت عليه مما حظره الله عليك؛ قال أَبو إِسحق: المفسرون
أَخرجوا هذه على جهة الإِنكار أَن تكون تلك نعمة، كأَنه قال: وأَيّ
نعمة لك عليّ في أَن عَبَّدْتَ بني إِسرائيل، واللفظ لفظ خبر؛ قال: والمعنى
يخرج على ما قالوا على أَن لفظه لفظ الخبر وفيه تبكيت المخاطب، كأَنه قال
له: هذه نعمة أَنِ اتَّخَذْتَ بني إِسرائيلَ عَبيداً ولم تتخذني عبداً.
وعَبُدَ الرجلُ عُبودَةً وعُبودِيَّة وعُبِّدَ: مُلِكَ هو وآباؤَه من
قبلُ.
والعِبادُ: قَوْمٌ من قَبَائِلَ شَتَّى من بطونِ العرب اجتمعوا على
النصرانية فأَِنِفُوا أَن يَتَسَمَّوْا بالعَبِيدِ وقالوا: نحن العِبادُ،
والنَّسَبُ إِليه عِبادِيّ كأَنصاِريٍّ، نزلوا بالحِيرَة، وقيل: هم العَباد،
بالفتح، وقيل لِعَبادِيٍّ: أَيُّ حِمَارَيْكَ شَرٌّ؟ فقال: هذا ثم هذا.
وذكره الجوهري: العَبادي، بفتح العين؛ قال ابن بري: هذا غلط بل مكسور
العين؛ كذا قال ابن دريد وغيره؛ ومنه عَدِيُّ بن زيد العِبادي، بكسر العين،
وكذا وجد بخط الأَزهري.
وعَبَدَ اللَّهَ يَعْبُدُه عِبادَةً ومَعْبَداً ومَعْبَدَةً: تأَلَّه
له؛ ورجل عابد من قوم عَبَدَةٍ وعُبُدٍ وعُبَّدٍ وعُبَّادٍ.
والــتَّعَبُّدُ: التَّنَسُّكُ.
والعِبادَةُ: الطاعة.
وقوله تعالى: قل هل أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ من ذلك مَثُوبَةً عند الله من
لعنه الله وغَضِبَ عليه وجعل منهم القِرَدَة والخنازير وعبَدَ الطاغوتَ؛
قرأَ أَبو جعفر وشيبة ونافع وعاصم وأَبو عمرو والكسائي وعَبَدَ الطاغوتَ،
قال الفراء: وهو معطوف على قوله عز وجل: وجعل منهم القِرَدَةَ والخنازير
ومَن عَبَدَ الطاغوتَ؛ وقال الزجاج: قوله: وعَبدَ الطاغوتَ، نسق على مَن
لعنه الله؛ المعنى من لعنه الله ومن عبَدَ الطاغوتَ من دون الله عز وجل،
قال وتأْويلُ عبدَ الطاغوتَ أَي أَطاعه يعني الشيطانَ فيما سَوّلَ له
وأَغواه؛ قال: والطاغوتُ هو الشيطان. وقال في قوله تعالى: إِياك نعبد؛ أَي
نُطِيعُ الطاعةَ التي يُخْضَعُ معها، وقيل: إِياك نُوَحِّد، قال: ومعنى
العبادةِ في اللغة الطاعةُ مع الخُضُوعِ، ومنه طريقٌ مُعَبَّدٌ إِذا كان
مذللاً بكثرة الوطءِ. وقرأَ يحيى بن وَثَّاب والأَعمش وحمزة: وعَبُدَ
الطاغوتِ، قال الفراء: ولا أَعلم له وجهاً إِلا أَن يكون عَبُدَ بمنزلة
حَذُرٍ وعَجُلٍ. وقال نصر الرازي: عَبُدَ وَهِمَ مَنْ قرأَه ولسنا نعرف ذلك في
العربية. قال الليث: وعَبُدَ الطاغوتُ معناه صار الطاغوتُ يُعْبَدُ كما
يقال ظَرُفَ الرجل وفَقُه؛ قال الأَزهري: غلط الليث في القراءة والتفسير،
ما قرأَ أَحد من قرَّاء الأَمصار وغيرهم وعَبُدَ الطاغوتُ، برفع
الطاغوت، إِنما قرأَ حمزة وعَبُدَ الطاغوتِ وأَضافه؛ قال: والمعنى فيما يقال
خَدَمُ الطاغوتِ، قال: وليس هذا بجمع لأَن فَعْلاً لا يُجْمَعُ على فَعُلٍ
مثل حَذُرٍ ونَدُسٍ، فيكون المعنى وخادِمَ الطاغوتِ؛ قال الأَزهري: وذكر
الليث أَيضاً قراءة أُخرى ما قرأَ بها أَحد قال وهي: وعابدو الطاغوتِ
جماعة؛ قال: وكان رحمه الله قليل المعرفة بالقراآت، وكان نَوْلُه أَن لا
يَحكي القراآتِ الشاذَّةَ وهو لا يحفظها، والقارئ إِذا قرأَ بها جاهل، وهذا
دليل أَن إِضافته كتابه إِلى الخليل بن أَحمد غير صحيح، لأَن الخليل كان
أَعقل من أَن يسمي مثل هذه الحروف قراآت في القرآن ولا تكون محفوظة
لقارئ مشهور من قراء الأَمصار، ونسأَل الله العصمة والتوفيق للصواب؛ قال ابن
سيده: وقُرِئَ وعُبُدَ الطاغوتِ جماعةُ عابِدٍ؛ قال الزجاج: هو جمع
عَبيدٍ كرغيف ورُغُف؛ وروي عن النخعي أَنه قرأَ: وعُبْدَ الطاغوتِ، بإِسكان
الباء وفتح الدال، وقرئ وعَبْدَ الطاغوتِ وفيه وجهان: أَحدهما أَن يكون
مخففاً من عَبُدٍ كما يقال في عَضُدٍ عَضْدٌ، وجائز أَن يكون عَبْدَ اسم
الواحد يدل على الجنس ويجوز في عبد النصب والرفع، وذكر الفراء أَن
أُبَيًّا وعبد الله قرآ: وعَبَدوا الطاغوتَ؛ وروي عن بعضهم أَنه قرأَ:
وعُبَّادَ الطاغوتِ، وبعضهم: وعابِدَ الطاغوتِ؛ قال الأَزهري: وروي عن ابن عباس:
وعُبِّدَ الطاغوتُ، وروي عنه أَيضاً: وعُبَّدَ الطاغوتِ، ومعناه عُبَّاد
الطاغوتِ؛ وقرئ: وعَبَدَ الطاغوتِ، وقرئ: وعَبُدَ الطاغوتِ. قال
الأَزهري: والقراءة الجيدة التي لا يجوز عندي غيرها هي قراءة العامّة التي بها
قرأَ القرّاء المشهورون، وعَبَدَ الطاغوتَ على التفسير الذي بينته
أَوّلاً؛ وأَما قَوْلُ أَوْسِ بن حَجَر:
أَبَنِي لُبَيْنَى، لَسْتُ مُعْتَرِفاً،
لِيَكُونَ أَلأَمَ مِنْكُمُ أَحَدُ
أَبَني لُبَيْنى، إِنَّ أُمَّكُمُ
أَمَةٌ، وإِنَّ أَباكُمُ عَبُدُ
فإِنه أَراد وإِن أَباكم عَبْد فَثَقَّل للضرورة، فقال عَبُدُ لأَن
القصيدة من الكامل وهي حَذَّاء. وقول الله تعالى: وقومهما لنا عابدون؛ أَي
دائنون. وكلُّ من دانَ لملك فهو عابد له. وقال ابن الأَنباري: فلان عابد
وهو الخاضع لربه المستسلم المُنْقاد لأَمره. وقوله عز وجل: اعبدوا ربكم؛
أَي أَطيعوا ربكم. والمــتعبد: المنفرد بالعبادة. والمُعَبَّد: المُكَرَّم
المُعَظَّم كأَنه يُعْبَد؛ قال:
تقولُ: أَلا تُمْسِكْ عليكَ، فإِنَّني
أَرى المالَ عندَ الباخِلِينَ مُعَبَّدَا؟
سَكَّنَ آخِرَ تُمْسِكْ لأَنه تَوَهَّمَ سِكُعَ
(* هكذا في الأصل.) مَنْ
تُمْسِكُ عليكَ بِناءً فيه ضمة بعد كسرة، وذلك مستثقل فسكن، كقول جرير:
سِيروا بَني العَمِّ، فالأَهْوازُ مَنْزِلُكم
ونَهْرُ تِيرَى، ولا تَعْرِفْكُمُ العَربُ
والمُعَبَّد: المُكَرَّم في بيت حاتم حيث يقول:
تقولُ: أَلا تُبْقِي عليك، فإِنَّني
أَرى المالَ عند المُمْسِكينَ مُعَبَّدا؟
أَي مُعَظَّماً مخدوماً. وبعيرٌ مُعَبَّدٌ: مُكَرَّم.
والعَبَدُ: الجَرَبُ، وقيل: الجربُ الذي لا ينفعه دواء؛ وقد عَبِدَ
عَبَداً.
وبعير مُعَبَّد: أَصابه ذلك الجربُ؛ عن كراع.
وبعيرٌ مُعَبَّدٌ: مهنوء بالقَطِران؛ قال طرفة:
إِلى أَن تَحامَتْني العَشِيرَةُ كُلُّها،
وأُفْرِدْتُ إِفْرادَ البعيرِ المُعَبَّدِ
قال شمر: المُعَبَّد من الإِبل الذي قد عُمَّ جِلدُه كلُّه بالقَطِران؛
ويقال: المُعَبَّدُ الأَجْرَبُ الذي قد تساقط وَبَرهُ فأُفْرِدَ عن
الإِبل لِيُهْنَأَ، ويقال: هو الذي عَبَّدَه الجَرَبُ أَي ذَلَّلَهُ؛ وقال ابن
مقبل:
وضَمَّنْتُ أَرْسانَ الجِيادِ مُعَبَّداً،
إِذا ما ضَرَبْنا رأْسَه لا يُرَنِّحُ
قال: المُعَبَّد ههنا الوَتِدُ. قال شمر: قيل للبعير إِذا هُنِئَ
بالقَطِرانِ مُعَبَّدٌ لأَنه يتذلل لِشَهْوَتِه القَطِرانَ وغيره فلا يمتنع.
وقال أَبو عدنان: سمعت الكلابيين يقولون: بعير مُــتَعَبِّدٌ ومُتَأَبِّدٌ
إِذا امتنع على الناس صعوبة وصار كآبِدَةِ الوحش. والمُعَبَّدُ: المذلل.
والــتعبد: التذلل، ويقال: هو الذي يُترَك ولا يركب. والتعبيد: التذليل.
وبعيرٌ مُعَبَّدٌ: مُذَلَّلٌ. وطريق مُعَبَّد: مسلوك مذلل، وقيل: هو الذي
تَكْثُرُ فيه المختلفة؛ قال الأَزهري: والمعبَّد الطريق الموطوء في
قوله:وَظِيفاً وَظِيفاً فَوْقَ مَوْرٍ مُعَبَّدِ
وأَنشد شمر:
وبَلَدٍ نائي الصُّوَى مُعَبَّدِ،
قَطَعْتُه بِذاتِ لَوْثٍ جَلْعَدِ
قال: أَنشدنيه أَبو عدنانَ وذكر أَن الكلابية أَنشدته وقالت: المعبَّد
الذي ليس فيه أَثر ولا علَم ولا ماء والمُعَبَّدة: السفينة المُقَيَّرة؛
قال بشر في سفينة ركبها:
مُعَبَّدَةُ السَّقائِفِ ذاتُ دُسْرٍ،
مُضَبَّرَةٌ جَوانِبُها رَداحُ
قال أَبو عبيدة: المُعَبَّدةُ المَطْلِيَّة بالشحم أَو الدهن أَو القار؛
وقول بشر:
تَرى الطَّرَقَ المُعَبَّدَ مِن يَدَيها،
لِكَذَّانِ الإِكامِ به انْتِضالُ
الطَّرَقُ: اللِّينُ في اليَدَينِ. وعنى بالمعبَّد الطرََق الذي لا
يُبْس يحدث عنه ولا جُسُوءَ فكأَنه طريق مُعَبَّد قد سُهِّلَ وذُلِّلَ.
والتَّعْبِيدُ: الاسْتِعْبَادُ وهو أَن يَتَّخِذَه عَبْداً وكذلك
الاعْتِبادُ. وفي الحديث: ورجلٌ اعْتَبَدَ مُحَرَّراً، والإِعبادُ مِثْلُه
وكذلك الــتَّعَبُّد؛ وقال:
تَعَبَّدَــني نِمْرُ بن سَعْدٍ، وقد أُرَى
ونِمْرُ بن سَعْدٍ لي مُطيعٌ ومُهْطِعُ
وعَبِدَ عليه عَبَداً وعَبَدَةً فهو عابِدٌ وعَبدٌ: غَضِب؛ وعدّاه
الفرزدق بغير حرف فقال:
علام يَعْبَدُني قَوْمي، وقد كَثُرَتْ
فيهم أَباعِرُ، ما شاؤوا، وعُبِدانُ؟
أَنشده يعقوب وقد تقدّمت رواية من روى يُعْبِدُني؛ وقيل: عَبِدَ عَبَداً
فهو عَبِدٌ وعابِدٌ: غَضِبَ وأَنِفَ، والاسم العَبَدَةُ. والعَبَدُ: طول
الغضب؛ قال الفراء: عَبِد عليه وأَحِنَ عليه وأَمِدَ وأَبِدَ أَي
غَضِبَ. وقال الغَنَوِيُّ: العَبَدُ الحُزْن والوَجْدُ؛ وقيل في قول
الفرزدق:أُولئِكَ قَوْمٌ إِنْ هَجَوني هَجَوتُهم،
وأَعْبَدُ أَن أَهْجُو كُلَيْباً بِدارِمِ
أَعبَدُ أَي آنَفُ؛ وقال ابن أَحمر يصف الغَوَّاص:
فأَرْسَلَ نَفْسَهُ عَبَداً عَلَيها،
وكان بنَفْسِه أَرِباً ضَنِينا
قيل: معنى قوله عَبَداً أَي أَنَفاً. يقول: أَنِفَ أَن تفوته الدُّرَّة.
وفي التنزيل: قل إِن كان للرحمن ولدٌ فأَنا أَول العابدين، ويُقْرأُ:
العَبِدينَ؛ قال الليث: العَبَدُ، بالتحريك، الأَنَفُ والغَضَبُ
والحَمِيَّةُ من قَوْلٍ يُسْتَحْيا منه ويُسْتَنْكَف، ومن قرأَ العَبِدِينَ فهو
مَقْصُورٌ من عَبِدَ يَعْبَدُ فهو عَبِدٌ؛ وقال الأَزهري: هذه آية مشكلة
وأَنا ذاكر أَقوال السلف فيها ثم أُتْبِعُها بالذي قال أَهل اللغة وأُخبر
بأَصحها عندي؛ أَما القول الذي قاله الليث في قراءَة العبدين، فهو قول أَبي
عبيدة على أَني ما علمت أَحداً قرأَ فأَنا أَول العَبِدين، ولو قرئَ
مقصوراً كان ما قاله أَبو عبيدة محتملاً، وإِذ لم يقرأْ به قارئ مشهور لم
نعبأْ به، والقول الثاني ما روي عن ابن عيينة أَنه سئل عن هذه الآية
فقال: معناه إِن كان للرحمن ولد فأَنا أَوّل العابدين، يقول: فكما أَني لست
أَول من عبد الله فكذلك ليس لله ولد؛ وقال السدي: قال الله لمحمد: قل إِن
كان على الشرط للرحمن ولد كما تقولون لكنت أَوّل من يطيعه ويعبده؛ وقال
الكلبي: إِن كان ما كان وقال الحسن وقتادة إِن كان للرحمن ولد على معنى ما
كان، فأَنا أَوّل العابدين أَوّل من عبد الله من هذه الأُمة؛ قال
الكسائي: قال بعضهم إِن كان أَي ما كان للرحمن فأَنا أَول العابدين أَي
الآنفين، رجل عابدٌ وعَبِدٌ وآنِف وأَنِفٌ أَي الغِضاب الآنفين من هذا القول،
وقال فأَنا أَول الجاحدين لما تقولون، ويقال أَنا أَوَّل من تَعبَّده على
الوحدانية مُخالَفَةً لكم. وفي حديث عليّ، رضي الله عنه، وقيل له: أَنت
أَمرت بقتل عثمان أَو أَعَنْتَ على قتله فَعَبِدَ وضَمِدَ أَي غَضِبَ
غَضَبَ أَنَفَةٍ؛ عَبِدَ، بالكسر، يَعْبَدُ عَبَداً، بالتحريك، فهو عابِدٌ
وعَبِدٌ؛ وفي رواية أُخرى عن علي، كرم الله وجهه، أَنه قال: عَبِدْتُ
فصَمَتُّ أَي أَنِفْتُ فسَكَتُّ؛ وقال ابن الأَنباري: ما كان للرحمن ولد،
والوقف على الولد ثم يبتدئ: فأَنا أَوّل العابدين له، على أَنه ولد له والوقف
على العابدين تامّ. قال الأَزهري: قد ذكرت الأَقوال وفيه قول أَحْسَنُ
من جميع ما قالوا وأَسْوَغُ في اللغة وأَبْعَدُ من الاستكراه وأَسرع إِلى
الفهم. روي عن مجاهد فيه أَنه يقول: إِن كان لله ولد في قولكم فأَنا
أَوّل من عبد الله وحده وكذبكم بما تقولون؛ قال الأَزهري: وهذا واضح، ومما
يزيده وضوحاً أَن الله عز وجل قال لنبيِّه: قل يا محمد للكفار إِن كان
للرحمن ولد في زعمكم فأَنا أَوّل العابدين إِلهَ الخَلْق أَجمعين الذي لم يلد
ولم يولد، وأَوّل المُوَحِّدِين للرب الخاضعين المطيعين له وحده لأَن من
عبد الله واعترف بأَنه معبوده وحده لا شريك له فقد دفع أَن يكون له ولد
في دعواكم، والله عز وجل واحد لا شريك له، وهو معبودي الذي لا ولَدَ له
ولا والِدَ؛ قال الأَزهري: وإِلى هذا ذهب إِبراهيم بن السريِّ وجماعة من
ذوي المعرفة؛ قال: وهو الذي لا يجوز عندي غيره.
وتَعَبَّدَ كَعَبِدَ؛ قال جرير:
يَرَى المُــتَعَبَّدُــونَ عليَّ دُوني
حِياضَ المَوْتِ، واللُّجَجَ الغِمارا
وأَعْبَدُوا به: اجتمعوا عليه يضربونه. وأُعْبِدَ بِفُلانٍ: ماتَتْ
راحِلَتُه أَو اعْتَلَّت أَو ذهَبَتْ فانْقُطِعَ به، وكذلك أُبْدِعَ به.
وعَبَّدَ الرجلُ: أَسْرعَ. وما عَبَدَك عَنِّي أَي ما حَبَسَك؛ حكاه ابن
الأَعرابي. وعَبِدَ به: لَزِمَه فلم يُفارِقْه؛ عنه أَيضاً. والعَبَدَةُ:
البَقاءُ؛ يقال: ليس لِثَوبِك عَبَدَةٌ أَي بَقاءٌ وقوّة؛ عن اللحياني.
والعَبَدَةُ: صَلاءَةُ الطيِّب. ابن الأَعرابي: العَبْدُ نَبات طَيِّبُ
الرائحة؛ وأَنشد:
حَرَّقَها العَبْدُ بِعُنْظُوانِ،
فاليَوْمُ منها يومُ أَرْوَنانِ
قال: والعَبْدُ تُكلَفُ به الإِبلُ لأَنه مَلْبَنَة مَسْمَنَةٌ، وهو
حارُّ المِزاجِ إِذا رَعَتْهُ الإِبِلُ عَطِشَتْ فطلَبَت الماء.
والعَبَدَةُ: الناقة الشديدة؛ قال معن بن أَوس:
تَرَى عَبَداتِهِنَّ يَعُدْنَ حُدْباً،
تُناوِلُهَا الفَلاةُ إِلى الفلاةِ
وناقةٌ ذاتُ عَبَدَةٍ أَي ذاتُ قوَّةٍ شديدةٍ وسِمَنٍ؛ وقال أَبو دُوادٍ
الإِيادِيُّ:
إِن تَبْتَذِلْ تَبْتَذِلْ مِنْ جَنْدَلٍ خَرِسٍ
صَلابَةً ذاتَ أَسْدارٍ، لهَا عَبَدَه
والدراهمُ العَبْدِيَّة: كانت دراهمَ أَفضل من هذه الدراهم وأَكثر
وزناً. ويقال: عَبِدَ فلان إِذا نَدِمَ على شيء يفوته يلوم نفسه على تقصير ما
كان منه.
والمِعْبَدُ: المِسْحاةُ. ابن الأَعرابي: المَعَابِدُ المَساحي
والمُرورُ؛ قال عَدِيّ بن زيد العِبَادِي:
إِذ يَحْرُثْنَه بالمَعَابِدِ
(* قوله «إذ يحرثنه إلخ» في شرح القاموس:
وملك سليمان بن داود زلزلت * دريدان إذ يحرثنه
بالمعابد)
وقال أَبو نصر: المَعَابِدُ العَبيدُ.
وتَفَرَّقَ القومُ عَبادِيدَ وعَبابيدَ؛ والعَباديدُ والعَبابيدُ: الخيل
المتفرقة في ذهابها ومجيئها ولا واحد له في ذلك كله، ولا يقع إِلا في
جماعة ولا يقال للواحد عبْدِيدٌ. الفراء: العباديدُ والشَّماطِيطُ لا
يُفْرَد له واحدٌ؛ وقال غيره: ولا يُتكلم بهما في الإِقبال إِنما يتكلم بهما
في التَّفَرُّق والذهاب. الأَصمعيُّ: يقال صاروا عَبادِيدَ وعَبابيدَ أَي
مُتَفَرِّقِين؛ وذهبوا عَباديدَ كذلك إِذا ذهبوا متفرقين. ولا يقال
أَقبلوا عَبادِيدَ. قالوا: والنسبة إِليهم عَبَادِيدِيُّ؛ قال أَبو الحسن
ذهَبَ إِلى أَنه لو كان له واحدٌ لَرُدَّ في النسب إِليه. والعبادِيدُ:
الآكامُ. والعَبادِيدُ: الأَطرافُ البعيدة؛ قال الشماخ:
والقَوْمُ آتَوْكَ بَهْزٌ دونَ إِخْوَتِهِم،
كالسَّيْلِ يَرْكَبُ أَطرافَ العَبَادِيدِ
وبَهْزٌ: حيٌّ من سُلَيمٍ. قال: هي الأَطرافُ البعيدة والأَشياء
المتفَرِّقةُ. قال الأَصمعي: العَبابيدُ الطُّرُقُ المختلفة.
والتَّعْبيدُ: من قولك ما عَبَّدَ أَن فعَلَ ذلك أَي ما لَبِثَ؛ وما
عَتَّمَ وما كَذَّبَ كُلُّه: ما لَبِثَ. ويقال انثَلَّ يَعْدُو وانْكَدَرَ
يَعْدُو وعَبَّدَ يَعْدُو إِذا أَسْرَع بعضَ الإِسْراعِ.
والعَبْدُ: واد معروف في جبال طيء.
وعَبُّودٌ: اسم رجل ضُرِبَ به المَثَلُ فقيل: نامَ نَوْمَةَ عَبُّودٍ،
وكان رجلاً تَماوَتَ على أَهله وقال: انْدُبِيني لأَعلم كيف تَنْدبينني،
فندبته فمات على تلك الحال؛ قال المفضل بن سلمة: كان عَبُّودٌ عَبْداً
أَسْوَدَ حَطَّاباً فَغَبَر في مُحْتَطَبِه أُسبوعاً لم ينم، ثم انصرف وبقي
أُسبوعاً نائماً، فضرب به المثل وقيل: نام نومةَ عَبُّودٍ.
وأَعْبُدٌ ومَعْبَدٌ وعُبَيْدَةُ وعَبَّادٌ وعَبْدٌ وعُبادَةُ وعابِدٌ
وعُبَيْدٌ وعِبْدِيدٌ وعَبْدانُ وعُبَيْدانُ، تصغيرُ عَبْدانَ، وعَبِدَةُ
وعَبَدَةُ: أَسماءٌ. ومنه علقمةُ بن عَبَدَة، بالتحريك، فإِما أَن يكون
من العَبَدَةِ التي هي البَقاءُ، وإِما أَن يكون سمي بالعَبَدَة التي هي
صَلاءَةُ الطِّيبِ، وعَبْدة بن الطَّبيب، بالتسكين. قال سيبويه: النَّسب
إِلى عَبْدِ القيس عَبْدِيٌّ، وهو من القسم الذي أُضيف فيه إِلى الأَول
لأَنهم لو قالوا قيسي، لالتبس بالمضاف إِلى قَيْس عَيْلانَ ونحوه، وربما
قالوا عَبْقَسِيٌّ؛ قال سويد بن أَبي كاهل:
وهْمْ صَلَبُوا العَبْدِيَّ في جِذْعِ نَخْلَةٍ،
فلا عَطَسَتْ شَيْبانُ إِلاَّ بِأَجْدَعَا
قال ابن بري: قوله بِأَجْدَعَا أَي بأَنْفٍ أَجْدَعَ فحَذَفَ الموصوف
وأَقام صفته مكانه.
والعَبيدتانِ: عَبيدَةُ بنُ معاوية وعَبيدَةُ بن عمرو. وبنو عَبيدَة:
حيٌّ، النسب إِليه عُبَدِيٌّ، وهو من نادر معدول النسب. والعُبَيْدُ،
مُصَغَّرٌ: اسم فرس العباس بن مِرْداسٍ؛ وقال:
أَتَجْعَلُ نَهْبي ونَهْبَ العُبَيْـ
ـدِ بَيْنَ عُيَيْنَةَ والأَقْرَعِ؟
وعابِدٌ: موضع. وعَبُّودٌّ: موضع أَو جبلُ. وعُبَيْدانُ: موضع.
وعُبَيْدانُ: ماءٌ منقطع بأَرض اليمن لا يَقْرَبُه أَنِيسٌ ولا وَحْشٌ؛ قال
النابغة:
فهَلْ كنتُ إِلاَّ نائياً إِذْ دَعَوْتَني،
مُنادَى عُبَيْدانَ المُحَلاَّءِ باقِرُهْ
وقيل: عُبَيْدانُ في البيت رجل كان راعياً لرجل من عاد ثم أَحد بني
سُوَيْدٍ وله خبر طويل؛ قال الجوهري: وعُبَيْدانُ اسم واد يقال إِن فيه حيَّة
قد مَنَعَتْه فلا يُرْعَى ولا يؤتى؛ قال النابغة:
لِيَهْنَأْ لكم أَنْ قد نَفَيْتُمْ بُيوتَنا،
مُنَدَّى عُبَيْدانَ المُحَلاَّءِ باقِرُهْ
يقول: نفيتم بيوتنا إِلى بُعْدٍ كبُعْدِ عُبَيْدانَ؛ وقيل: عبيدان هنا
الفلاة. وقال أَبو عمرو: عبيدان اسم وادي الحية؛ قال ابن بري: صواب
إِنشاده: المُحَلِّئِ باقِرَه، بكسر اللام من المُحَلِّئِ وفتح الراء من
باقِرَه، وأَوّل القصيدة:
أَلا أَبْلِغَا ذُبيانَ عَنِّي رسالة،
فقد أَصْبَحَتْ عن مَنْهَجِ الحَقِّ جائِرَهْ
وقال: قال ابن الكلبي: عُبَيْدانُ راع لرجل من بني سُوَيْدِ بن عاد وكان
آخر عاد، فإِذا حضر عبيدان الماء سَقَى ماشيته أَوّل الناس وتأَخر الناس
كلهم حتى يسقي فلا يزاحمه على الماء أَحد، فلما أَدرك لقمان بن عاد
واشتدّ أَمره أَغار على قوم عبيدان فقتل منهم حتى ذلوا، فكان لقمان يورد
إِبلهُ فَيَسْقِي ويَسْقِي عُبَيْدانُ ماشيته بعد أَن يَسْقِيَ لقمان فضربه
الناس مثلاً. والمُنَدَّى: المَرْعَى يكون قريباً من الماء يكون فيه
الحَمْضُ، فإِذا شربت الإِبلُ أَوّل شربة نُخِّيَتْ إِلى المُنَدَّى لترعى
فيه، ثم تعاد إِلى الشرب فتشرب حتى تَرْوَى وذلك أَبقى للماءِ في أَجوافها.
والباقِرُ: جماعة البَقَر. والمُحَلِّئُ: المانع. الفرَّاء: يقال صُكَّ
به في أُمِّ عُبَيْدٍ، وهي الفلاةُ، وهي الرقَّاصَةُ. قال: وقلت للعتابي:
ما عُبَيْدٌ؟ فقال: ابن الفلاة؛ وعُبَيْدٌ في قول الأَعشى:
لم تُعَطَّفْ على حُوارٍ، ولم يَقْـ
ـطَعْ عُبَيْدٌ عُرُوقَهَا مِن خُمالِ
اسم بَيْطارٍ. وقوله عز وجل: فادْخُلِي في عِبادي وادْخُلي جَنَّتي؛ أَي
في حِزْبي. والعُبَدِيُّ: منسوب إِلى بَطْنٍ من بني عَدِيِّ بن جَنابٍ
من قُضاعَةَ يقال لهم بنو العُبَيْدِ، كما قالوا في النسبة إِلى بني
الهُذَيْل هُذَلِيٌّ، وهم الذين عناهم الأَعشى بقوله:
بَنُو الشَّهْرِ الحَرامِ فَلَسْتَ منهم،
ولَسْتَ من الكِرامِ بَني العُبَيْدِ
قال ابن بَرِّيٍّ: سَبَبُ هذا الشعر أَن عَمْرو بنَ ثعلبةَ بنِ الحَرِث
بنِ حضْرِ بنِ ضَمْضَم بن عَدِيِّ بن جنابٍ كان راجعاً من غَزاةٍ، ومعه
أُسارى، وكان قد لقي الأَعشى فأَخذه في جملة الأُسارى، ثم سار عمرو حتى
نزل عند شُرَيْحِ بنِ حصْنِ بن عمران بن السَّمَوْأَل بن عادياء فأَحسن
نزله، فسأَل الأَعشى عن الذي أَنزله، فقيل له هو شريح بن حِصْنٍ، فقال:
والله لقد امْتَدَحْتُ أَباه السَّمَوْأَل وبيني وبينه خلَّةٌ، فأَرسل
الأَعشى إِلى شريح يخبره بما كان بينه وبين أَبيه، ومضى شريح إِلى عمرو بن
ثعلبة فقال: إِني أُريد أَنْ تَهَبَنِي بعضَ أُساراكَ هؤلاء، فقال: خذ منهم
مَنْ شِئتَ، فقال: أَعطني هذا الأَعمى، فقال: وما تصنع بهذا الزَّمِنِ؟ خذ
أْسيراً فِداؤُه مائةٌ أَو مائتان من الإِبل، فقال: ما أُريدُ إِلا هذا
الأَعمى فإِني قد رحمته، فوهبه له، ثم إِنَّ الأَعشى هجا عمرو بن ثعلبة
ببيتين وهما هذا البيت «بنو الشهر الحرام» وبعده:
ولا مِنْ رَهْطِ جَبَّارِ بنِ قُرْطٍ،
ولا مِن رَهْطِ حارثَةَ بنِ زَيْدِ
فبلغ ذلك عمرو بن ثعلبة فأَنْفَذ إِلى شريح أَنْ رُدَّ عليَّ هِبَتي،
فقال له شريح: ما إِلى ذلك سبيل، فقال: إِنه هجاني، فقال شُرَيْحٌ: لا
يهجوك بعدها أَبداً؛ فقال الأَعشى يمدح شريحاً:
شُرَيْحُ، لا تَتْرُكَنِّي بعدما عَلِقَتْ،
حِبالَكَ اليومَ بعد القِدِّ، أَظْفارِي
يقول فيها:
كُنْ كالسَّمَوْأَلِ إِذْ طافَ الهُمامُ به
في جَحْفَلٍ، كَسَوادِ الليلِ، جَرَّارِ
بالأَبْلَقِ الفَرْدِ مِن تَيْماءَ مَنْزِلهُ،
حِصْنٌ حَصِينٌ، وجارٌ غيرُ غدَّارِ
خَيَّرَه خُطَّتَيْ خَسْفٍ، فقال له:
مَهْمَا تَقُلْه فإِني سامِعٌ حارِي
فقال: ثُكْلٌ وغَدْرٌ أَنتَ بينهما،
فاخْتَرْ، وما فيهما حَظٌّ لمُخْتارِ
فَشَكَّ غيرَ طويلٍ ثم قال له:
أُقْتُلْ أَسِيرَكَ إِني مانِعٌ جاري
وبهذا ضُرِبَ المثلُ في الوفاء بالسَّمَوْأَلِ فقيل: أَوفى مِنَ
السَّمَوْأَل. وكان الحرث الأَعرج الغساني قد نزل على السموأَل، وهو في حصنه،
وكان ولده خارج الحصن فأَسره الغساني وقال للسموأَل: اختر إِمّا أَن
تُعْطِيَني السِّلاحَ الذي أَوْدَعك إِياه امرُؤُ القيس، وإِمّا أَن أَقتل
ولدك؛ فأَبى أَن يعطيه فقتل ولده.
والعَبْدانِ في بني قُشَيْرٍ: عبد الله بن قشير، وهو الأَعور، وهو ابن
لُبَيْنى، وعبد الله بن سَلَمَةَ بن قُشَير، وهو سَلَمَةُ الخير.
والعَبيدَتانِ: عَبيدَةُ ابن معاويةَ بن قُشَيْر، وعَبيدَةُ بن عمرو بن معاوية.
والعَبادِلَةُ: عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وعبدالله بن عمرو بن
العاص.طرد: الطَّرْدُ: الشَّلُّ؛ طَرَدَه يَطْرُدُه طَرْداً وطَرَداً
وطَرَّده؛ قال:
فأُقْسِمُ لولا أَنَّ حُدْباً تَتابَعَتْ
عليَّ، ولم أَبْرَحْ بِدَيْنٍ مُطَرَّدا
حُدْباً: يعني دَواهِيَ، وكذلك اطَّرَدَه؛ قال طريح:
أَمْسَتْ تُصَفِّقُها الجَنُوب، وأَصْبَحَتْ
زَرْقاءَ تَطَّرِدُ القَذَى بِحِباب
والطَّرِيدُ: المَطْرُودُ من الناس، وفي المحكم المَطْرُود، والأُنثى
طَريدٌ وطَريدة؛ وجمعهما مَعاً طَرائِدُ. وناقة طَريدٌ، بغير هاء: طُرِدَتْ
فَذُهِبَ بها كذلك، وجمعها طَرائِدُ. ويقال: طَردْتُ فلاناً فَذَهَبَ،
ولا يقال فاطَّرَدَ. قال الجوهري: لا يُقالُ مِن هذا انْفَعَلَ ولا
افْتَعَلَ إِلا في لغة رديئة.
والطَّرْدُ: الإِبْعَادُ، وكذلك الطَّرَدُ، بالتحريك. والرجل مَطْرُودٌ
وطَريدٌ. ومرَّ فُلانٌ يَطْرُدُهم أَي يَشُلُّهم ويَكْسَو هُمْ.
وطَرَدْتُ الإِبِلَ طَرْداً وطَرَداً أَي ضَمَمْتُها من نواحيها، وأَطْرَدْتُها
أَي أَمرتُ بِطَرْدِها.
وفلانٌ أَطْرَدَه السلطان إِذا أَمر بإِخْراجه عن بَلَده. قال ابن
السكيت: أَطْرَدْتُه إِذا صَيَّرْتَه طريداً، وطَرَدْتُه إِذا نَفَيْتَه عنك
وقلتَ له: اذهب عنا. وفي حديث عمر، رضي الله عنه: أَطْرَدْنا
المُعْتَرفِينَ. يقال: أَطْرَدَه السلطانُ وطَرَدَه أَخرجه عن بَلدِه، وحَقِيقَتُه
أَنه صيَّره طريداً. وطَرَدْتُ الرجل طَرْداً إِذا أَبْعَدته، وطَرَدْتُ
القومَ إِذا أَتَيْتَ عليهم وجُزْتَهُم. وفي حديث قيام الليل: هو قُرْبَةٌ
إِلى الله تعالى ومَطْرَدَةُ الداء عن الجَسَد أَي أَنها حالةٌ من شأْنها
إِبْعادُ الداء أَو مكانٌ يَخْتَصُّ به ويُعْرَفُ، وهي مَفْعَلة من
الطَّرْدِ. والطَّريدُ: الرجل يُولَدُ بعدَ أَخيه فالثاني طَريدُ الأَول؛
يقال: هو طريدُه. والليل والنهار طَريدان، كلُّ واحد منهما طريد صاحبه؛ قال
الشاعر:
يُعيدانِ لي ما أَمضيا، وهما معاً
طَريدانِ لاَ يَسْتَلْهِيان قَرارِي
وبَعِيرٌ مُطَّرِدٌ: وهو المتتابع في سيره ولا يَكْبو؛ قال أَبو النجم:
فَعُجْتُ مِنْ مُطَّرِدٍ مَهْديّ
وطَرَدْتُ الرجل إِذا نَحَّيْتَهُ. وأَطْرَدَ الرجلَ: جعله طَريداً
ونفاه. ابن شميل: أَطرَدْتُ الرجل جعلته طريداً لا يأْمن. وطَرَدْتُه:
نَحَّيْتُه ثم يَأْمَنُ. وطَرَدَتِ الكِلابُ الصَّيْدَ طَرْداً: نَحَّتْه
وأَرهَقَتْه. قال سيبويه: يقال طَرَدْتُه فذهب، لا مضارع له من لفظه.
والطريدة: ما طَرَدْتَ من صَيْدٍ وغيره. طَرَّادٌ: واسع يَطَّرِدُ فيه
السَّرابُ. ومكان طَرَّادٌ أَي واسعٌ. وسَطْحُ طَرَّادٌ: مستو واسع؛ ومنه
قول العجاج:
وكم قَطَعْنا من خِفافٍ حُمْسِ،
غُبْرِ الرِّعانِ ورِمالٍ دُهْسِ،
وصَحْصَحَانٍ قَذَفٍ كالتُّرْسِ،
وعْرٍ، نُسامِيها بِسَيْرٍ وَهْسِ،
والوَعْسِ والطَّرَّادِ بَعْدَ الوَعْسِ
قوله نُسامِيها أَي نُغالبها. بسَيْرٍ وهْسٍ أَي ذي وَطْءٍ شديد. يقال:
وهسه أَي وَطِئَه وَطْأً شديداً يَهِسُه وكذلك وعَسَه؛ وخَرَج فلان
يَطْرُد حمر الوحش. والريح تَطْرُد الحصَى والجَوْلانَ على وجْه الأَرض، وهو
عَصْفُها وذَهابُها بِها. والأَرضُ ذاتُ الآلِ تَطْرُد السَّرابَ طَرْداً؛
قال ذو الرمة:
كأَنه، والرَّهاءُ المَرْتُ يَطْرُدُه،
أَغراسُ أَزْهَر تحتَ الريح مَنْتوج
واطَّرَدَ الشيءُ: تَبِعَ بعضُه بعضاً وجرى. واطَّرَدَ الأَمرُ:
استقامَ. واطَّرَدَتِ الأَشياءُ إِذا تَبِعَ بعضُها بعضاً. واطَّرَدَ الكلامُ
إِذا تتابَع. واطَّرَدَ الماءُ إِذا تتابَع سَيَلانُه؛ قال قيس بن
الخطيم:أَتَعْرِفُ رَسْماً كاطِّرادِ المَذاهِبِ
أَراد بالمَذاهب جلوداً مُذْهَبَةً بخطوط يرى بعضها في إِثر بعض فكأَنها
مُتَتابعَة؛ وقولُ الراعي يصف الإِبل واتِّباعَها مواضع القطر:
سيكفيكَ الإِلهُ ومُسْنَماتٌ،
كَجَنْدَلِ لُبْنَ، تَطّرِدُ الصِّلالا
أَي تَتَتابَعُ إِلى الارَضِين الممطورة لتشرب منها فهي تُسْرِعُ
وتَسْتَمرُّ إِليها، وحذَفَ فأَوْصَلَ الفعل وأَعْمَلَه.
والماءُ الطَّرِدُ: الذي تَخُوضه الدوابُّ لأَنها تَطَّرِدُ فيه وتدفعه
أَي تتتابع. وفي حديث قتادة في الرجل يَتَوَضَّأُ بالماءِ الرَّمَلِ
والماءِ الطَّرِدِ؛ هو الذي تَخُوضه الدوابُّ.
ورَمْلٌ مُتَطارِد: يَطْرُدُ بعضُه بعضاً ويتبعه؛ قال كثير عزة:
ذَكَرتُ ابنَ ليْلى والسَّماحَةَ، بعدَما
جَرَى بينَنا مُورُ النَّقَا المُتطَارِد
وجَدْوَلٌ مُطَّرِدٌ: سريعُ الجَرْيَة. والأَنهارُ تطَّرِدُ أَي تَجْري.
وفي حديث الإِسراء: وإِذا نَهْران يَطَّرِدان أَي يَجْرِيان وهما
يَفْتَعِلان. وأَمرٌ مُطَّردٌ: مستقيم على جهته.
وفلان يَمْشي مَشْياً طِراداً أَي مستقيماً.
والمُطارَدَة في القتال: أَن يَطْرُدَ بعضُهم بعضاً. والفارس
يَسْتَطْرِدُ لِيَحْمِلَ عليه قِرْنُه ثم يَكُرُّ عليه، وذلك أَنه يَتَحَيَّزُ في
اسْتِطْرادِه إِلى فئته وهو يَنْتَهِزُ الفُرْصة لمطاردته، وقد
اسْتَطْرَدَ له وذلك ضَرْب من المَكِيدَة. وفي الحديث: كنت أُطارِدُ حيَّةً أَي
أَخْدَعُها لأَصِيدَها؛ ومنه طِرادُ الصَّيْد. ومُطارَدَة الأَقران
والفُرْسان وطِرادُهم: هو أَن يَحْمِلَ بعضهم على بعض في الحرب وغيرها. يقال: هم
فرسان الطِّرادِ.
والمِطْرَدُ: رُمْحٌ قصير تُطْعَنُ به حُمُر الوحش؛ وقال ابن سيده:
المِطْرَد، بالكسر، رمح قصير يُطْرَد به، وقيل: يُطْرَد به الوحش.
والطِّرادُ: الرمح القصير لأَن صاحبه يُطارِدُ به. ابن سيده: والمِطْرَدُ من الرمح
ما بين الجُبَّةِ والعالية.
والطَّرِيدَةُ: ما طَرَدْتَ من وحش ونحوه. وفي حديث مجاهد: إِذا كان عند
اطِّراد الخيل وعند سَلِّ السيوف أَجزأَ الرجلَ أَن تكون صلاتُهُ
تكبيراً. الاضْطِرادُ: هو الطِّرادُ، وهو افتِعالٌ، من طِرادِ الخَيْل، وهو
عَدْوُها وتتابعها، فقلبت تاء الافتعال طاء ثم قلبت الطاء الأَصلية ضاداً.
والطَّريدة: قَصَبَة فيها حُزَّة تُوضَع على المَغازِلِ والعُودِ والقِداح
فَتُنْحَتُ عليها وتُبْرَى بها؛ قال الشماخُ يصف قوساً:
أَقامَ الثِّقافُ والطَّرِيدَةُ دَرْأَها،
كما قَوَّمَت ضِغْنَ الشَّمُوسِ المَهامِزُ
أَبو الهيثم: الطَّرِيدَةُ السَّفَن وهي قَصَبة تُجَوَّفُ ثم يُغْفَرُ
منها مواضع فَيُتَّبَعُ بها جَذْب السَّهْم. وقال أَبو حنيفة: الطَّرِيدَة
قِطْعَةُ عُودٍ صغيرة في هيئة المِيزابِ كأَنها نصف قَصَبة، سَعَتُها
بقدر ما يَلزمُ القَوْسَ أَو السَّهْمَ. والطَّرِيدَةُ: الخِرْقَة الطويلة
من الحرير. وفي حديث مُعاوية: أَنه صَعِدَ المنبر وبيده طَرِيدَةٌ؛
التفسير لابن الأَعرابي حكاه الهرويّ في الغريبين. أَبو عمرو: الجُبَّةُ
الخِرْقَة المُدَوَّرَة، وإِن كانت طويلة، فهي الطَّرِيدَة. ويقال للخِرْقَة
التي تُبَلُّ ويُمْسَحُ بها التَّنُّورُ: المِطْرَدَةُ والطَّرِيدَة.
وثَوْبٌ طَرائد، عن اللحياني، أَي خَلَقٌ. ويوم طَرَّادٌ ومُطَرَّدٌ: كاملٌ
مُتَمَّم؛ قال:
إِذا القَعُودُ كَرَّ فيها حَفَدَا
يَوْماً، جَديداً كُلَّه، مُطَرَّدا
ويقال: مَرَّ بنا يومٌ طَرِيدٌ وطَرَّادٌ أَي طويلٌ. ويومٌ مُطَرَّدٌ
أَي طَرَّادٌ؛ قال الجوهري: وقول الشاعر يصف الفرس:
وكأَنَّ مُطَّرِدَ النَّسِيم، إِذا جرى
بَعْدَ الكَلالِ، خَلِيَّتَا زُنْبُورِ
يعني به الأَنْفَ.
والطَّرَدُ: فِراخُ النحلِ، والجمع طُرُود؛ حكاه أَبو حنيفة.
والطَّرِيدَةُ: أَصلُ العِذْق. والطَّرِيدُ: العُرْجُون.
والطَّرِيدَةُ: بُحَيْرَةٌ من الأَرضِ قلِيلَة العَرْضِ إِنما هي
طَريقَة. والطَّرِيدَةُ: شُقَّةٌ من الثَّوب شُقَّتْ طولاً. والطَّرِيدَة:
الوَسيقَة من الإِبل يُغِيرُ عليها قومٌ فَيَطْرُدُونها؛ وفي الصحاح: وهو ما
يُسْرَقُ من الإِبل. والطَّرِيدَة: الخُطَّة بين العَجْبِ والكاهِلِ؛ قال
أَبو خراش:
فَهَذَّبَ عنها ما يَلي البَطْنَ، وانْتَحَى
طَرِيدَةَ مَتْنٍ بَيْنَ عَجْبٍ وكاهِلِ
والطَّريدَةُ: لُعْبَةُ الصِّبْيانِ، صِبْيانِ الأَعراب، يقال لها
المَاسَّةُ والمَسَّةُ، وليست بِثَبَت؛ وقال الطِّرِمَّاح يَصِفُ جَواري
أَدرَكْنَ فَتَرَفَّعْن عن لَعِب الصّغار والأَحداث:
قَضَتْ من عَيَافٍ والطَّريدَةِ حاجةً،
فهُنَّ إِلى لَهْوِ الحديث خُضُوعُ
وأَطْرَدَ المُسابِقُ صاحِبَه: قال له إِن سَبَقْتَني فلك عليّ كذا. وفي
الحديثِ: لا بأْسَ بالسِّباق ما لم تُطْرِدْه ويُطْرِدْك. قال
الإِطْرادُ أَن تقولَ: إِن سَبَقْتَني فلك عليّ كذا، وإِن سَبَقْتُكَ فلي عليك
كذا. قال ابن بُزُرج: يقال أَطْرِدْ أَخاك في سَبَقٍ أَو قِمارٍ أَو صِراعٍ
فإِن ظَفِرَ كان قد قضى ما عليه، وإِلا لَزِمَه الأَوَّلُ والآخِرُ.
ابن الأَعرابي: أَطْرَدْنا الغَنَم وأَطْرَدْتُمْ أَي أَرْسَلْنا
التُّيوس في الغنم. قال الشافعي: وينبغي للحاكم إِذا شَهِدَ الشهودُ لرجل على
آخر أَن يُحْضِرَ الخَصْم، ويَقْرأَ عليه ما شهدوا به عليه، ويُنْسِخَه
أَسماءَهم وأَنسابهم ويُطْرِدَه جَرْحَهم فإِن لم يأْتِ به حَكَمَ عليه؛
قال أَبو منصور: معنى قوله يُطْرِدَه جرحهم أَن يقول له: قد عُدِّلَ
هؤُلاءِ الشهودُ، فإِن جئتَ بجرحهم وإِلا حَكَمْتُ عليك بما شهدوا به عليك؛
قال: وأَصله من الإِطْرادِ في السِّباق وهو أَن يقول أَحد المتسابقين
لصاحبه: إِن سبقْتني فلك عليّ كذا، وإِن سَبَقْتُ فلي عليك كذا، كأَنَّ الحاكم
يقول له: إِن جئت بجرح الشُّهودِ وإِلا حكمت عليك بشهادتهم.
وبنو طُرُودٍ: بَطْن وقد سَمَّتْ طَرَّاداً ومُطَرِّداً.
حنث: الحِنْثُ: الخُلْفُ في اليمين.
حَنِثَ في يمينه حِنْثاً وحَنَثاً: لم يَبَرَّ فيها، وأَحْنَثه هو.
تقول: أَحْنَثْتُ الرجلَ في يمينه فَحَنِثَ إِذا لم يَبَرَّ فيها.
وفي الحديث: اليمين حِنْثٌ أَو مَنْدَمَة؛ الحِنْثُ في اليمين: نَقْضُها
والنَّكْثُ فيها، وهو من الحِنْثِ: الاثم؛ يقول: إِما أَنْ يَنْدَمَ على
ما حَلَفَ عليه، أَو يَحْنَثَ فتلزمَه الكفارةُ.
وحَنِثَ في يمينه أَي أَثِمَ.
وقال خالد بن جَنْبةَ: الحِنْثُ أَن يقول الإِنسانُ غير الحق؛ وقال ابن
شميل: على فلانٍ يَمينٌ قد حَنِثَ فيها، وعليه أَحْناثٌ كثيرة؛ وقال:
فإِنما اليمينُ حِنْثٌ أَو نَدَم. والحِنْثُ: حِنْثُ اليمين إِذا لم
تَبَرَّ. والمَحانِثُ: مواقع الحِنْث. والحِنْث: الذَّنْبُ العَظيم والإِثْمُ؛
وفي التنزيل العزيز: وكانوا يُصِرُّونَ على الحِنْثِ العظيم؛ يُصِرُّونَ
أَي يدُومُون؛ وقيل: هو الشِّرْكُ، وقد فُسِّرت به هذه الآية أَيضاً؛
قال:من يَتَشاءَمْ بالهُدَى، فالحِنْثُ شَرٌّ
أَي الشِّرْك شرّ.
وتَحَنَّثَ: تَعَبَّد واعْتَزَل الأَصنامَ، مثل تَحَنَّف. وبَلَغ
الغلامُ الحِنْثَ أَي الإِدْراك والبلوغ؛ وقيل إِذا بَلَغَ مَبْلَغاً جَرَى
عليه القَلَم بالطاعة والمعصِية؛ وفي الحديث: من ماتَ له ثلاثةٌ من الولد،
لم يَبْلُغوا الحِنْثَ، دخل من أَيِّ أَبواب الجنة شاءَ؛ أَي لم يَبْلُغوا
مبلغ الرجال، ويجري عليهم القَلَم فيُكْتَبُ عليهم الحِنْثُ والطاعةُ:
يقال: بَلَغَ الغلامُ الحِنثَ أَي المعصِيةَ والطاعةَ. والحِنْثُ:
الاثْمُ؛ وقيل: الحِنْثُ الحُلُم.
وفي الحديث: أَن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، كان، قبل أَن يُوحَى
إِليه، يأْتي حِراءً، وهو جبلٌ بمكة فيه غار، وكان يَتَحَنَّثُ فيه الليالي
أَي يَــتعَبَّد. وفي رواية عائشة، رضي الله عنها: كان يَخْلُو بغارِ
حِرَاءٍ، فيَتَحَنَّثُ فيه؛ وهو الــتَّعَبُّدُ الليالي ذواتِ العَدد؛ قال ابن
سيده: وهذا عندي على السَّلْب، كأَنه ينفي بذلك الحِنْثَ الذي هو الاثم،
عن نفسه، كقوله تعالى: ومن الليل فتَهَجَّدْ به ناقلةً لك، أَي انْفِ
الهُجودَ عن عَيْنك؛ ونظيرُه: تَأَثَّم وتَحَوَّب أَي نفى الاثمَ والحُوبَ؛
وقد يجوز أَن تكون ثاء يَتَحَنَّثُ بدلاً من فاء يَتَحَنَّف. وفلان
يَتَحَنَّثُ من كذا أَي يَتَأَثَّم منه؛ ابن الأَعرابي: قوله يَتَحَنَّثُ أَي
يَفْعَلُ فِعْلاً يَخْرُج به من الحِنْث، وهو الاثم والحَرَجُ؛ ويقال: هو
يَتَحَنَّثُ أَي يَــتَعَبَّدُ لله؛ قال: وللعرب أَفعال تُخالِفُ معانيها
أَلفاظَها، يقال: فلان يَتَنَجَّس إِذا فعل فعلاً يَخْرُج به من النجاسة،
كما يقال: فلان يَتَأَثَّم ويَتَحَرَّج إِذا فعل فِعْلاً يَخْرُجُ به من
الإثم والحَرَج. وروي عن حَكِيم بن حِزامٍ أَنه قال لرسول الله، صلى
الله عليه وسلم، أَرأَيْتَ أُمُوراً كُنْتُ أَتَحَنَّثُ بها في الجاهلية من
صلَةِ رحِمٍ وصَدَقةٍ، هل لي فيها من أَجْر؟ فقال له، صلى الله عليه
وسلم: أَسْلمْتَ على ما سَلَفَ لك من خَيْر؛ أَي أَتَقَرَّب إِلى الله
بأَفعال في الجاهلية؛ يريد بقوله: كنتُ أَتَحَنَّثُ أَي أَــتَعَبَّدُ وأُلقي بها
الحِنْثَ أَي الإثم عن نفسي. ويقال للشيء الذي يَخْتَلِفُ الناسُ فيه
فيحتمل وجهين: مُحْلِفٌ، ومُحْنِثٌ.
والحِنْثُ: الرجوعُ في اليمين. والحِنْثُ: المَيْلُ من باطل إِلى حقٍّ،
ومن حقّ إِلى باطل.
يقال: قد حَنِثْتُ أَي مِلْتُ إِلى هَواكَ عَليَّ، وقد حَنِثْتُ معَ
الحق على هواك؛ وفي حديث عائشة: ولا أَتَحَنَّثُ إِلى نَذْرِي أَي لا
أَكْتَسِبُ الحِنْثَ، وهو الذنب، وهذا بعكس الأَول؛ وفي الحديث: يَكْثُر فيهم
أَولادُ الحِنْثِ أَي أَولادُ الزنا، من الحِنْث المعصية، ويروى بالخاءِ
المعجمة والباء الموحدة.
نسك: النُّسْكُ والنُّسُك: العبادة والطاعة وكل ما تُقُرب به إِلى الله
تعالى، وقيل لثعلب: هل يسمى الصوم نُسُكاً؟ فقال: كل حق لله عزَّ وجل
يسمى نُسُكاً. نَسَك لله تعالى يَنْسُكُ نَسْكاً ونِسْكاً ونَسُكَ، الضم عن
اللحياني، وتَنَسَّك. ورجل ناسِك: عابد. وقد نَسَك وتَنَسَّكَ أَي تعبد.
ونَسُك، بالضم، نَساكة أَي صار ناسكاً، والجمع نُسَّاك.
والنُسّكُ والنِّسِيكة: الذبيحة، وقيل: النُّسُك الدم، والنَّسِيكة:
الذبيحة، تقول: من فعل كذا وكذا فعليه نُسُك أَي دم يُهَرِيقُه بمكة، شرفها
الله تعالى، واسم تلك الذبيحة النَّسِيكَة، والجمع نُسُك ونَسَائِكُ.
والنُّسُك: ما أَمرت به الشريعةُ، والوَرَع: ما نَهَتْ عنه. والمَنْسَك
والمَنْسِكُ: شِرْعة النَّسْك. وفي التنزيل: وأَرِنا مَنَاسِكَنا؛ أَي
مُــتَعَبَّداتِنا، وقيل: المَنْسَكُ النَّسْك نفسه. والمَنْسِكُ: الموضع الذي
تذبح فيه النَّسِيكة والنَّسائك. النضر: نَسَك الرجلُ إِلى طريقة جميلة أَي
داوم عليها. ويَنْسُكون البيتَ: يأْتونه. وقال الفراء: المَنْسَكُ
المَنْسِكُ
في كلام العرب الموضع المعتاد الذي تعتاده. ويقال: إِنَّ لفلان
مَنْسِكاً يعتاده في خير كان أَو غيره، وبه سميت المَناسِكُ. وقال أَبو إِسحق:
قرئً لكل أُمة جعلنا مَنْسَكاً، ومَنْسِكاً، قال: والنَّسْكُ في هذا
الموضع يدل على معنى النَّحْر كأَنه قال: جعلنا لكل أُمة أَن تَتَقربَ بأَن
تذبح الذبائح لله، فمن قال مَنْسِك فمعناه مكان نَسْك مثل مَجلِس مكان
جلوس، ومن قال مَنْسَك فمعناه المصدر نحو النُّسُك والنُّسُوك. غيره:
والمَنْسَك والمَنْسِك الموضع الذي تذبح فيه النُّسُك، وقرئَ بهما قوله تعالى:
جعلنا مَنْسَكاً هم ناسِكوه. ابن الأَثير: قد تكرر ذكر المَناسِك
والنُّسُك والنَّسِيكة في الحديث، فالمَنَاسك جمع مَنْسَك ومَنْسِك، بفتح السين
وكسرها، وهو المُــتَعَبَّد ويقع على المصدر والزمان والمكان، ثم سميت
أُمور الحج كلها مَناسك. والمَنْسَك والمَنْسِك: المَذْبَحُ.
وقد نَسَكَ يَنْسُك نَسْكاً إِذا ذبح. ونَسَك الثوب: غسله بالماء وطهره،
فهو مَنْسوك؛ قال:
ولا يُنْبِتُ المَرْعَى سِباخُ عُراعِرٍ،
ولو نُسِكَتْ بالماء سِتَّةَ أَشْهُرِ
وأَرض ناسِكة: خضراء حديثة المطر، فاعلة بمعنى مفعولة.
والنَّسِيك: الذهب، والنَّسِيك: الفضة؛ عن ثعلب. والنَّسِيكة: القطعة
الغليظة منه. ابن الأَعرابي: النُّسُك سَبائك الفضة كلُّ سَبِيكة منها
نسيكة، وقيل للمــتعبد ناسِكٌ لأَنه خَلَّص نفسه وصفاها لله تعالى من
دَنَسِالآثام كالسَّبيكة المُخَلَّصة من الخَبَثِ. وسئل ثعلب عن الناسك ما هو
فقال: هو مأْخوذ من النَّسِيكة وهو سَبِيكة الفِضة المُصَفَّاة كأَنه
خَلَّص نفسه وصفاها لله عز وجل.
والنُّسَك، بضم النون وفتح السين: طائر؛ عن كراع.
أله: الإلَهُ: الله عز وجل، وكل ما اتخذ من دونه معبوداً إلَهٌ عند
متخذه، والجمع آلِهَةٌ. والآلِهَةُ: الأَصنام، سموا بذلك لاعتقادهم أَن
العبادة تَحُقُّ لها، وأَسماؤُهم تَتْبَعُ اعتقاداتهم لا ما عليه الشيء في
نفسه، وهو بَيِّنُ الإلَهةِ والأُلْهانيَّةِ: وفي حديث وُهَيْب ابن الوَرْد:
إذا وقع العبد في أُلْهانيَّة الرَّبِّ، ومُهَيْمِنِيَّة الصِّدِّيقين،
ورَهْبانِيَّةِ الأَبْرار لم يَجِدْ أَحداً يأْخذ بقلبه أَي لم يجد
أَحداً ولم يُحِبَّ إلاَّ الله سبحانه؛ قال ابن الأَثير: هو مأْخوذ من إلَهٍ،
وتقديرها فُعْلانِيَّة، بالضم، تقول إلَهٌ بَيِّنُ الإلَهيَّة
والأُلْهانِيَّة، وأَصله من أَلِهَ يَأْلَهُ إذا تَحَيَّر، يريد إذا وقع العبد في
عظمة الله وجلاله وغير ذلك من صفات الربوبية وصَرَفَ وَهْمَه إليها،
أَبْغَضَ الناس حتى لا يميل قلبه إلى أَحد. الأَزهري: قال الليث بلغنا أَن اسم
الله الأَكبر هو الله لا إله إلاَّ هو وحده
(* قوله «إلا هو وحده» كذا
في الأصل المعوّل عليه، وفي نسخة التهذيب: الله لا إله إلا هو والله وحده
ا هـ. ولعله إلا الله وحده): قال: وتقول العرب للهِ ما فعلت ذاك، يريدون
والله ما فعلت. وقال الخليل: الله لا تطرح الأَلف من الاسم إنما هو الله
عز ذكره على التمام؛ قال: وليس هو من الأَسماء التي يجوز منها اشْتقاق
فِعْلٍ كما يجوز في الرحمن والرحيم. وروى المنذري عن أَبي الهيثم أَنه
سأَله عن اشتقاق اسم الله تعالى في اللغة فقال: كان حقه إلاهٌ، أُدخلت
الأَلف واللام تعريفاً، فقيل أَلإلاهُ، ثم حذفت العرب الهمزة استثقالاً لها،
فلما تركوا الهمزة حَوَّلوا كسرتها في اللام التي هي لام التعريف، وذهبت
الهمزة أَصلاً فقالوا أَلِلاهٌ، فحرَّكوا لام التعريف التي لا تكون إلاَّ
ساكنة، ثم التقى لامان متحركتان فأَدغموا الأُولى في الثانية، فقالوا
الله، كما قال الله عز وجل: لكنا هو الله ربي؛ معناه لكنْ أَنا، ثم إن العرب
لما سمعوا اللهم جرت في كلام الخلق توهموا أَنه إذا أُلقيت الأَلف
واللام من الله كان الباقي لاه، فقالوا لاهُمَّ؛ وأَنشد:
لاهُمَّ أَنتَ تَجْبُرُ الكَسِيرَا،
أَنت وَهَبْتَ جِلَّةً جُرْجُورا
ويقولون: لاهِ أَبوك، يريدون الله أَبوك، وهي لام التعجب؛ وأَنشد لذي
الإِصبع:
لاهِ ابنُ عَمِّي ما يَخا
فُ الحادثاتِ من العواقِبْ
قال أَبو الهيثم: وقد قالت العرب بسم الله، بغير مَدَّة اللام وحذف
مَدَّة لاهِ؛ وأَنشد:
أَقْبَلَ سَيْلٌ جاءَ من أَمر اللهْ،
يَحْرِدْ حَرْدَ الجَنَّةِ المُغِلَّه
وأَنشد:
لَهِنَّكِ من عَبْسِيَّةٍ لَوسِيمةٌ،
على هَنَواتٍ كاذبٍ من يَقُولُها
إنما هو للهِ إنَّكِ، فحذف الأَلف واللام فقال لاهِ: إنك، ثم ترك همزة
إنك فقال لَهِنَّك؛ وقال الآخر:
أَبائِنةٌ سُعْدَى، نَعَمْ وتُماضِرُ،
لَهِنَّا لمَقْضِيٌّ علينا التَّهاجُرُ
يقول: لاهِ إنَّا، فحذف مَدَّةِ لاهِ وترك همزة إنا كقوله:
لاهِ ابنُ عَمِّكَ والنَّوَى يَعْدُو
وقال الفراء في قول الشاعر لَهِنَّك: أَرادَ لإنَّك، فأبدل الهمزة هاء
مثل هَراقَ الماءَ وأَراق، وأَدخل اللام في إن لليمين، ولذلك أَجابها
باللام في لوسيمة. قال أَبو زيد: قال لي الكسائي أَلَّفت كتاباً في معاني
القرآن فقلت له: أَسمعتَ الحمدُ لاهِ رَبِّ العالمين؟ فقال: لا، فقلت:
اسمَعْها. قال الأَزهري: ولا يجوز في القرآن إلاَّ الحمدُ للهِ بمدَّةِ اللام،
وإِنما يقرأُ ما حكاه أَبو زيد الأَعرابُ ومن لا يعرف سُنَّةَ القرآن.
قال أَبو الهيثم: فالله أَصله إلاهٌ، قال الله عز وجل: ما اتَّخذ اللهُ من
وَلَدٍ وما كان معه من إلَهٍ إذاً لَذَهَبَ كُلُّ إلَهٍ بما خَلَقَ.
قال: ولا يكون إلَهاً حتى يكون مَعْبُوداً، وحتى يكونَ لعابده خالقاً
ورازقاً ومُدبِّراً، وعليه مقتدراً فمن لم يكن كذلك فليس بإله، وإِن عُبِدَ
ظُلْماً، بل هو مخلوق ومُــتَعَبَّد. قال: وأَصل إلَهٍ وِلاهٌ، فقلبت الواو
همزة كما قالوا للوِشاح إشاحٌ وللوِجاحِ وهو السِّتْر إِجاحٌ، ومعنى ولاهٍ
أَن الخَلْقَ يَوْلَهُون إليه في حوائجهم، ويَضْرَعُون إليه فيما يصيبهم،
ويَفْزَعون إليه في كل ما ينوبهم، كم يَوْلَهُ كل طِفْل إلى أُمه. وقد
سمت العرب الشمس لما عبدوها إلاهَةً. والأُلَهةُ: الشمسُ الحارَّةُ؛ حكي
عن ثعلب، والأَلِيهَةُ والأَلاهَةُ والإلاهَةُ وأُلاهَةُ، كلُّه: الشمسُ
اسم لها؛ الضم في أَوَّلها عن ابن الأَعرابي؛ قالت مَيَّةُ بنت أُمّ
عُتْبَة
(* قوله «ام عتبة» كذا بالأصل عتبة في موضع مكبراً وفي موضعين مصغراً)
بن الحرث كما قال ابن بري:
تروَّحْنا من اللَّعْباءِ عَصْراً،
فأَعْجَلْنا الإلَهةَ أَن تَؤُوبا
(* قوله «عصراً والالهة» هكذا رواية
التهذيب، ورواية المحكم: قسراً والهة).
على مثْل ابن مَيَّة، فانْعَياه،
تَشُقُّ نَواعِمُ البَشَر الجُيُوبا
قال ابن بري: وقيل هو لبنت عبد الحرث اليَرْبوعي، ويقال لنائحة
عُتَيْبة بن الحرث؛ قال: وقال أَبو عبيدة هو لأُمِّ البنين بنت عُتيبة بن الحرث
ترثيه؛ قال ابن سيده: ورواه ابن الأَعرابي أُلاهَةَ، قال: ورواه بعضهم
فأَعجلنا الأَلاهَةَ يصرف ولا يصرف. غيره: وتدخلها الأَلف واللام ولا
تدخلها، وقد جاء على هذا غير شيء من دخول لام المعرفة الاسمَ مَرَّة وسُقوطها
أُخرى. قالوا: لقيته النَّدَرَى وفي نَدَرَى، وفَيْنَةً والفَيْنَةَ بعد
الفَيْنة، ونَسْرٌ والنَّسْرُ اسمُ صنم، فكأَنهم سَمَّوْها الإلَهة
لتعظيمهم لها وعبادتهم إياها، فإنهم كانوا يُعَظِّمُونها ويَعْبُدُونها، وقد
أَوْجَدَنا اللهُ عز وجل ذلك في كتابه حين قال: ومن آياته الليلُ والنهارُ
والشمسُ والقمرُ لا تَسْجُدُوا للشمس ولا للقمر واسجُدُوا لله الذي
خَلَقَهُنَّ إن كنتم إياه تعبدون. ابن سيده: والإلاهَةُ والأُلُوهة
والأُلُوهِيَّةُ العبادة. وقد قرئ: ويَذَرَكَ وآلِهتَكَ، وقرأَ ابن عباس:
ويَذَرَك وإِلاهَتَك، بكسر الهمزة، أَي وعبادتك؛ وهذه الأَخيرة عند ثعلب كأَنها
هي المختارة، قال: لأَن فرعون كان يُعْبَدُ ولا يَعْبُدُ، فهو على هذا ذو
إلاهَةٍ لا ذو آلِهة، والقراءة الأُولى أَكثر والقُرّاء عليها. قال ابن
بري: يُقَوِّي ما ذهب إليه ابن عباس في قراءته: ويذرك وإِلاهَتَك، قولُ
فرعون: أَنا ربكم الأَعلى، وقوله: ما علمتُ لكم من إله غيري؛ ولهذا قال
سبحانه: فأَخَذه اللهُ نَكالَ الآخرةِ والأُولى؛ وهو الذي أَشار إِليه
الجوهري بقوله عن ابن عباس: إن فرعون كان يُعْبَدُ. ويقال: إلَه بَيِّنُ
الإلَهةِ والأُلْهانِيَّة. وكانت العرب في الجاهلية يَدْعُونَ معبوداتهم من
الأَوثان والأَصنام آلهةً، وهي جمع إلاهة؛ قال الله عز وجل: ويَذَرَك
وآلِهَتَك، وهي أَصنام عَبَدَها قوم فرعون معه. والله: أَصله إلاهٌ، على
فِعالٍ بمعنى مفعول، لأَنه مأَلُوه أَي معبود، كقولنا إمامٌ
فِعَالٌ بمعنى مَفْعول لأَنه مُؤْتَمّ به، فلما أُدخلت عليه الأَلف
واللام حذفت الهمزة تخفيفاً لكثرته في الكلام، ولو كانتا عوضاً منها لما
اجتمعتا مع المعوَّض منه في قولهم الإلاهُ، وقطعت الهمزة في النداء للزومها
تفخيماً لهذا الاسم. قال الجوهري: وسمعت أَبا علي النحوي يقول إِن الأَلف
واللام عوض منها، قال: ويدل على ذلك استجازتهم لقطع الهمزة الموصولة
الداخلة على لام التعريف في القسم والنداء، وذلك قولهم: أَفأَللهِ
لَتفْعَلَنّ ويا الله اغفر لي، أَلا ترى أَنها لو كانت غير عوض لم تثبت كما لم تثبت
في غير هذا الاسم؟ قال: ولا يجوز أَيضاً أَن يكون للزوم الحرف لأَن ذلك
يوجب أَن تقطع همزة الذي والتي، ولا يجوز أَيضاً أَن يكون لأَنها همزة
مفتوحة وإن كانت موصولة كما لم يجز في ايْمُ الله وايْمُن الله التي هي
همزة وصل، فإنها مفتوحة، قال: ولا يجوز أَيضاً أَن يكون ذلك لكثرة
الاستعمال، لأَن ذلك يوجب أَن تقطع الهمزة أَيضاً في غير هذا مما يكثر استعمالهم
له، فعلمنا أَن ذلك لمعنى اختصت به ليس في غيرها، ولا شيء أَولى بذلك
المعنى من أَن يكون المُعَوَّضَ من الحرف المحذوف الذي هو الفاء، وجوّز
سيبويه أَن يكون أَصله لاهاً على ما نذكره. قال ابن بري عند قول الجوهري: ولو
كانتا عوضاً منها لما اجتمعتا مع المعوَّض عنه في قولهم الإلَهُ، قال:
هذا رد على أَبي علي الفارسي لأَنه كان يجعل الأَلف واللام في اسم الباري
سبحانه عوضاً من الهمزة، ولا يلزمه ما ذكره الجوهري من قولهم الإلَهُ،
لأَن اسم الله لا يجوز فيه الإلَهُ، ولا يكون إلا محذوف الهمزة، تَفَرَّد
سبحانه بهذا الاسم لا يشركه فيه غيره، فإذا قيل الإلاه انطلق على الله
سبحانه وعلى ما يعبد من الأَصنام، وإذا قلت الله لم ينطلق إلا عليه سبحانه
وتعالى، ولهذا جاز أَن ينادي اسم الله، وفيه لام التعريف وتقطع همزته،
فيقال يا ألله، ولا يجوز يالإلهُ على وجه من الوجوه، مقطوعة همزته ولا
موصولة، قال: وقيل في اسم الباري سبحانه إنه مأْخوذ من أَلِهَ يَأْلَه إذا
تحير، لأَن العقول تَأْلَهُ في عظمته. وأَلِهَ أَلَهاً أَي تحير، وأَصله
وَلِهَ يَوْلَهُ وَلَهاً. وقد أَلِهْتُ على فلان أَي اشتدّ جزعي عليه، مثل
وَلِهْتُ، وقيل: هو مأْخوذ من أَلِهَ يَأْلَهُ إلى كذا أَي لجأَ إليه
لأَنه سبحانه المَفْزَعُ الذي يُلْجأُ إليه في كل أَمر؛ قال الشاعر:
أَلِهْتَ إلينا والحَوادِثُ جَمَّةٌ
وقال آخر:
أَلِهْتُ إليها والرَّكائِبُ وُقَّف
والتَّأَلُّهُ: التَّنَسُّك والــتَّعَبُّد. والتأْليهُ: التَّعْبيد؛ قال:
لله دَرُّ الغَانِياتِ المُدَّهِ
سَبَّحْنَ واسْتَرْجَعْنَ من تأَلُّهِي
ابن سيده: وقالوا يا أَلله فقَطَعُوا، قال: حكاه سيبويه، وهذا نادر.
وحكى ثعلب أَنهم يقولون: يا الله، فيصلون وهما لغتان يعني القطع والوصل؛
وقول الشاعر:
إنِّي إذا ما حَدَثٌ أَلَمَّا
دَعَوْت: يا اللَّهُمَّ يا اللَّهُمَّا
فإن الميم المشددة بدل من يا، فجمع بين البدل والمبدل منه؛ وقد خففها
الأعشى فقال:
كحَلْفَةٍ من أَبي رَباحٍ
يَسْمَعُها لاهُمَ الكُبارُ
(* قوله «من أبي رباح» كذا بالأصل بفتح الراء والباء الموحدة ومثله في
البيضاوي، إلا أن فيه حلقة بالقاف، والذي في المحكم والتهذيب كحلفة من أبي
رياح بكسر الراء وبياء مثناة تحتية، وبالجملة فالبيت رواياته كثيرة).
وإنشاد العامة:
يَسْمَعُها لاهُهُ الكُبارُ
قال: وأَنشده الكسائي:
يَسْمَعُها الله والله كبار
(* وقوله: يسمعها الله والله كبار
كذا بالأصل ونسخة من التهذيب).
الأَزهري: أَما إعراب اللهم فضم الهاء وفتح الميم لا اختلاف فيه بين
النحويين في اللفظ، فأَما العلة والتفسير فقد اختلف فيه النحويون، فقال
الفراء: معنى اللهم يا أَللهُ أُمَّ بخير، وقال الزجاج: هذا إقدام عظيم لأَن
كل ما كان من هذا الهمز الذي طرح فأَكثر الكلام الإتيان به. يقال: وَيْلُ
أُمِّه ووَيْلُ امِّهِ، والأَكثر إثبات الهمزة، ولو كان كما قال هذا
القائل لجاز الله أُومُمْ واللهُ أُمَّ، وكان يجب أَن يلزمه يا لأَن العرب
تقول يا ألله اغفر لنا، ولم يقل أَحد من العرب إلا اللهم، ولم يقل أَحد يا
اللهم، قال الله عز وجل: قُلِ اللهم فاطرَ السمواتِ والأَرضِ؛ فهذا
القول يبطل من جهات: إحداها أَن يا ليست في الكلام، والأُخرى أَن هذا المحذوف
لم يتكلم به على أَصله كما تكلم بمثله، وأَنه لا يُقَدَّمُ أَمامَ
الدُّعاء هذا الذي ذكره؛ قال الزجاج: وزعم الفراء أَن الضمة التي هي في الهاء
ضمة الهمزة التي كانت في أُمِّ وهذا محال أَن يُتْرَكَ الضمُّ الذي هو
دليل على نداء المفرد، وأَن يجعل في اسم الله ضمةُ أُمَّ، هذا إلحاد في اسم
الله؛ قال: وزعم الفراء أَن قولنا هَلُمَّ مثل ذلك أَن أَصلها هَلْ
أُمَّ، وإنما هي لُمَّ وها التنبيه، قال: وقال الفراء إن يا قد يقال مع اللهم
فيقال يا أَللهم؛ واستشهد بشعر لا يكون مثله حجة:
وما عليكِ أَن تَقُولِي كُلَّما
صَلَّيْتِ أَو سَبَّحْت: يا أَللَّهُمَا،
ارْدُدْ علينا شَيْخَنَا مُسَلَّما
قال أَبو إسحق: وقال الخليل وسيبويه وجميع النحويين الموثوق بعلمهم
اللهم بمعنى يا أَلله، وإن الميم المشددة عوض من يا، لأَنهم لم يجدوا يا مع
هذه الميم في كلمة واحدة، ووجدوا اسم الله مستعملاً بيا إذا لم يذكروا
الميم في آخر الكلمة، فعلموا أَن الميم في آخر الكلمة بمنزلة يا في أَولها،
والضمة التي هي في الهاء هي ضمة الاسم المنادى المفرد، والميم مفتوحة
لسكونها وسكون الميم قبلها؛ الفراء: ومن العرب من يقول إذا طرح الميم يا
ألله اغفر لي، بهمزة، ومنهم من يقول يا الله بغير همز، فمن حذف الهمزة فهو
على السبيل، لأَنها أَلف ولام مثل لام الحرث من الأَسماء وأَشباهه، ومن
همزها توهم الهمزة من الحرف إذ كانت لا تسقط منه الهمزة؛ وأَنشد:
مُبارَكٌ هُوَّ ومن سَمَّاهُ،
على اسْمكَ، اللَّهُمَّ يا أَللهُ
قال: وكثرت اللهم في الكلام حتى خففت ميمها في بعض اللغات. قال الكسائي:
العرب تقول يا أَلله اغفر لي، ويَلّله اغفر لي، قال: وسمعت الخليل يقول
يكرهون أَن ينقصوا من هذا الاسم شيئاً يا أَلله أَي لا يقولون يَلَهُ.
الزجاج في قوله تعالى: قال عيسى بنُ مريم اللهم ربنا؛ ذكر سيبويه أَن اللهم
كالصوت وأَنه لا يوصف، وأَن ربنا منصوب على نداء آخر؛ الأَزهري:
وأَنشد قُطْرُب:
إِني إِذا ما مُعْظَمٌ أَلَمّا
أَقولُ: يا اللَّهُمَّ يا اللَّهُمّا
قال: والدليل على صحة قول الفراء وأَبي العباس في اللهم إِنه بمعنى يا
أَلله أُمَّ إِدخالُ العرب يا على اللهم؛ وقول الشاعر:
أَلا لا بارَكَ اللهُ في سُهَيْلٍ،
إِذا ما اللهُ بارك في الرجالِ
إِنما أَراد الله فقَصَر ضرورة.
والإِلاهَةُ: الحية العظيمة؛ عن ثعلب، وهي الهِلالُ. وإِلاهَةُ: اسم
موضع بالجزيرة؛ قال الشاعر:
كفى حَزَناً أَن يَرْحَلَ الركبُ غُدْوةً،
وأُصْبِحَ في عُلْيا إِلاهَةِ ثاوِيا
وكان قد نَهَسته حية. قال ابن بري: قال بعض أَهل اللغة الرواية:
وأُتْرَكَ في عُلْيَا أُلاهَةَ، بضم الهمزة، قال: وهي مَغارَةُ سَمَاوَة كَلْب؛
قال ابن بري: وهذا هو الصحيح لأَن بها دفن قائل هذا البيت، وهو أُفْنُونٌ
التَّغْلَبيّ، واسمه صُرَيْمُ بن مَعْشَرٍ
(* قوله «واسمه صريم بن معشر»
أي ابن ذهل بن تيم بن عمرو بن تغلب، سأل كاهناً عن موته فأخبر أنه يموت
بمكان يقال له ألاهة، وكان افنون قد سار في رهط إلى الشام فأتوها ثم
انصرفوا فضلوا الطريق فاستقبلهم رجل فسألوه عن طريقهم فقال: خذوا كذا وكذا
فإذا عنت لكم الالاهة وهي قارة بالسماوة وضح لكم الطريق. فلما سمع افنون
ذكر الالاهة تطير وقال لأصحابه: إني ميت، قالوا: ما عليك بأس، قال: لست
بارحاً. فنهش حماره ونهق فسقط فقال: اني ميت، قالوا: ما عليك بأس، قال: ولم
ركض الحمار؟ فأرسلها مثلاً ثم قال يرثي نفسه وهو يجود بها:
ألا لست في شيء فروحاً معاويا * ولا المشفقات يتقين الجواريا
فلا خير فيما يكذب المرء نفسه * وتقواله للشيء يا ليت ذا ليا
لعمرك إلخ. كذا في ياقوت لكن قوله وهي قارة مخالف للاصل في قوله وهي
مغارة)؛ وقبله:
لَعَمْرُكَ، ما يَدْري الفَتى كيف يَتَّقي،
إِذا هو لم يَجْعَلْ له اللهُ واقِيَا
رهب: رَهِبَ، بالكسر، يَرْهَبُ رَهْبَةً ورُهْباً، بالضم، ورَهَباً،
بالتحريك، أَي خافَ. ورَهِبَ الشيءَ رَهْباً ورَهَباً ورَهْبةً: خافَه.
والاسم: الرُّهْبُ، والرُّهْبى، والرَّهَبوتُ، والرَّهَبُوتى؛ ورَجلٌ
رَهَبُوتٌ. يقال: رَهَبُوتٌ خَيرٌ مِنْ رَحَمُوتٍ، أَي لأَن تُرْهَبَ خَيرٌ
من أَنْ تُرْحَمَ.
وتَرَهَّبَ غيرَه إِذا تَوَعَّدَه؛ وأَنشد الأَزهري للعجاج يَصِفُ عَيراً وأُتُنَه:
تُعْطِـيهِ رَهْباها، إِذا تَرَهَّبَا، على اضْطِمَارِ الكَشْحِ بَوْلاً زَغْرَبا،(1)
عُصارةَ الجَزْءِ الذي تَحَلَّبا
(1 قوله «الكشح» هو رواية الأزهري وفي التكملة اللوح.)
رَهْباها: الذي تَرْهَبُه، كما يقال هالكٌ وهَلْكَى. إِذا تَرَهَّبا إِذا تَوَعَّدا. وقال الليث: الرَّهْبُ، جزم، لغة في الرَّهَب؛ قال:
والرَّهْباءُ اسم من الرَّهَبِ، تقول: الرَّهْباءُ من اللّهِ، والرَّغْباءُ
إِليه.وفي حديث الدُّعاءِ: رَغْبةً ورَهْبةً إِليك. الرَّهْبةُ: الخَوْفُ
والفَزَعُ، جمع بين الرَّغْبةِ والرَّهْبةِ، ثم أَعمل الرَّغْبةَ وحدها، كما
تَقدَّم في الرَّغْبةِ. وفي حديث رَضاعِ الكبير: فبَقِـيتُ سنَـةً لا
أُحَدِّثُ بها رَهْبَتَه؛ قال ابن الأَثير: هكذا جاءَ في روايةٍ، أَي من
أَجل رَهْبَتِه، وهو منصوب على المفعول له.
وأرْهَبَه ورَهَّبَه واستَرْهَبَه: أَخافَه وفَزَّعه.
واسْتَرْهَبَه: اسْتَدْعَى رَهْبَتَه حتى رَهِـبَه الناسُ؛ وبذلك فسر قوله عز وجل: واسْترْهَبُوهُم وجاؤُوا بسحْرٍ عظيمٍ؛ أَي أَرْهَبُوهم.
وفي حديث بَهْز بن حَكِـيم: إِني لأَسمع الرَّاهِـبةَ. قال ابن الأَثير:
هي الحالة التي تُرْهِبُ أَي تُفْزِعُ وتُخَوِّفُ؛ وفي رواية: أَسْمَعُك
راهِـباً أَي خائفاً.
وتَرَهَّب الرجل إِذا صار راهِـباً يَخْشَى اللّه.
والرَّاهِبُ: الـمُــتَعَبِّدُ في الصَّوْمعةِ، وأَحدُ رُهْبانِ النصارى،
ومصدره الرَّهْبةُ والرَّهْبانِـيّةُ، والجمع الرُّهْبانُ، والرَّهابِـنَةُ خطأٌ، وقد يكون الرُّهْبانُ واحداً وجمعاً، فمن جعله واحداً جعله على
بِناءِ فُعْلانٍ؛ أَنشد ابن الأَعرابي:
لو كَلَّمَتْ رُهْبانَ دَيْرٍ في القُلَلْ، * لانْحَدَرَ الرُّهْبانُ يَسْعَى، فنَزَلْ
قال: ووجهُ الكلام أَن يكون جمعاً بالنون؛ قال: وإِن جمعت الرُّهبانَ الواحد رَهابِـينَ ورَهابِنةً، جاز؛ وإِن قلت: رَهْبانِـيُّون كان صواباً.
وقال جرير فيمن جعل رهبان جمعاً:
رُهْبانُ مَدْيَنَ، لو رَأَوْكَ، تَنَزَّلُوا، * والعُصْمُ، من شَعَفِ العقُولِ، الفادِرُ
وَعِلٌ عاقِلٌ صَعِدَ الجبل؛ والفادِرُ: الـمُسِنُّ من الوُعُول.
والرَّهْبانيةُ: مصدر الراهب، والاسم الرَّهْبانِـيَّةُ. وفي التنزيل
العزيز: وجعَلْنا في قُلُوب الذين اتَّبَعُوه رَأْفةً ورَحْمةً ورَهْبانيَّـةً ابْتَدَعوها، ما كَتَبْناها عليهم إِلا ابتغاء رِضوانِ اللّهِ. قال
الفارسي: رَهْبانِـيَّةً، منصوب بفعل مضمر، كأَنه قال: وابْتَدَعُوا
رَهْبانيَّةً ابْتَدَعوها، ولا يكون عطفاً على ما قبله من المنصوب في الآية، لأَن ما وُضِعَ في القلب لا يُبْتَدَعُ. وقد تَرَهَّبَ. والتَّرَهُّبُ: الــتَّعَبُّدُ، وقيل: الــتَّعَبُّدُ في صَوْمَعَتِه. قال: وأَصلُ
الرَّهْبانِـيَّة من الرَّهْبةِ، ثم صارت اسماً لِـما فَضَل عن المقدارِ
وأَفْرَطَ فيه؛ ومعنى قوله تعالى: ورَهْبانِـيَّةً ابْتَدَعُوها، قال أَبو إِسحق: يَحتمل ضَرْبَيْن: أَحدهما أَن يكون المعنى في قوله «ورَهْبانِـيَّةً ابْتَدَعُوها» وابتدعوا رهبانية ابتدعوها، كما تقول رأَيتُ زيداً وعمراً أَكرمته؛ قال: ويكون «ما كتبناها عليهم»
معناه لم تُكتب عليهم البَتَّةَ. ويكون «إِلا ابتغاءَ رِضوان اللّه» بدلاَ من الهاءِ والأَلف، فيكون المعنى: ما كَتَبْنا عليهم إِلا ابتغاءَ
رِضوانِ اللّهِ. وابتغاءُ رِضوانِ اللّه، اتِّباعُ ما أَمَرَ به، فهذا، واللّه
أَعلم، وجه؛ وفيه وجه آخر: ابتدعوها، جاءَ في التفسير أَنهم كانوا يَرَوْن من ملوكهم ما لا يَصْبِـرُون عليه، فاتخذوا أَسراباً وصَوامِعَ وابتدعوا ذلك، فلما أَلزموا أَنفسهم ذلك التَّطَوُّعَ، ودَخَلُوا فيه، لَزِمَهم تمامُه، كما أَن الإِنسانَ إِذا جعل على نفسِه صَوْماً، لم يُفْتَرَضْ عليه، لزمه أَن يُتِمه.
والرَّهْبَنَةُ: فَعْلَنَةٌ منه، أَو فَعْلَلَةٌ، على تقدير أَصْلِـيَّةِ النون وزيادتها؛ قال ابن الأَثير: والرَّهْبانِـيَّةُ مَنْسوبة إِلى الرَّهْبَنةِ، بزيادة الأَلف. وفي الحديث: لا رَهْبانِـيَّةَ في الإِسلام، هي كالاخْتِصاءِ واعْتِناقِ السَّلاسِلِ وما أَشبه ذلك، مما كانت الرَّهابِنَةُ تَتَكَلَّفُه، وقد وضعها اللّه، عز وجل، عن أُمة محمد، صلى اللّه عليه وسلم. قال ابن الأَثير: هي من رَهْبَنةِ النصارى. قال: وأَصلها من الرَّهْبةِ: الخَوْفِ؛ كانوا يَتَرَهَّبُون بالتَّخَلي
من أَشْغالِ الدنيا، وتَرْكِ مَلاذِّها، والزُّهْدِ فيها، والعُزلةِ عن أَهلِها، وتَعَهُّدِ مَشاقِّها، حتى إِنَّ منهم مَن كان يَخْصِـي نَفْسَه ويَضَعُ السِّلسلةَ في عُنقه وغير ذلك من أَنواع التعذيب، فنفاها النبـيُّ، صلى اللّه عليه وسلم، عن الإِسلام، ونهى المسلمين عنها. وفي الحديث: عليكم بالجهاد فإِنه رَهْبانِـيَّة أُمتي؛ يُريد أَنَّ الرُّهْبانَ، وإِن تركوا الدنيا وزَهِدُوا فيها، وتَخَلَّوْا عنها، فلا تَرْكَ ولا زُهْدَ ولا تَخَلِّيَ أَكثرُ من بذل النفس في سبيل اللّه؛ وكما أَنه ليس عند النصارى عَمَلٌ أَفضلُ من التَّرَهُّب، ففي الإِسلام لا
عَمَلَ أَفضلُ من الجهاد؛ ولهذا قال ذِرْوة: سَنامُ الإِسلامِ الجِهادُ
في سبيل اللّه.
ورَهَّبَ الجَمَلُ: ذَهَبَ يَنْهَضُ ثم بَرَكَ مِن ضَعْفٍ بصُلْبِه.
والرَّهْبَـى: الناقةُ الـمَهْزُولةُ جِدّاً؛ قال:
ومِثْلِكِ رَهْبَـى، قَدْ تَرَكْتُ رَذِيَّةً، * تُقَلِّبُ عَيْنَيْها، إِذا مَرَّ طائِرُ
وقيل: رَهْبَـى ههنا اسم ناقة، وإِنما سماها بذلك. والرَّهْبُ: كالرَّهْبَـى. قال الشاعر:
وأَلْواحُ رَهْبٍ، كأَنَّ النُّسوعَ * أَثْبَتْنَ، في الدَّفِّ منها، سِطارا
وقيل: الرَّهْبُ الجمل الذي استُعْمِلَ في السَّفر وكَلَّ، والأُنثى
رَهْبةٌ.
وأَرْهَبَ الرَّجُلُ إِذا رَكِبَ رَهْباً، وهو الجَمَلُ العالي؛ وأَما
قول الشاعر:
ولا بُدَّ مِن غَزْوَةٍ، بالـمَصِـيفِ، * رَهْبٍ، تُكِلُّ الوَقاحَ الشَّكُورا
فإِنَّ الرَّهْبَ مِن نَعْت الغَزْوَةِ، وهي التي كَلَّ ظَهْرُها وهُزِلَ.
وحكي عن أَعرابي أَنه قال: رَهَّبَتْ ناقةُ فلان فقَعَد عليها
يُحابِـيها، أَي جَهَدَها السَّيرُ، فَعَلَفَها وأَحْسَنَ إِليها حتى ثابَتْ إِليها
نفْسُها.
وناقةٌ رَهْبٌ: ضامِرٌ؛ وقيل: الرَّهْبُ الجَمَلُ العَريضُ العِظامِ
الـمَشْبُوحُ الخَلْقِ؛ قال:
رَهْبٌ، كبُنْيانِ الشَّـآمي، أَخْلَقُ
والرَّهْبُ: السَّهمُ الرَّقيقُ؛ وقيل: العظيمُ. والرَّهْبُ: النَّصْلُ الرقيقُ مِن نِصالِ السِّهام، والجمعُ رِهابٌ؛ قال أَبو ذؤَيب:
فَدَنا له رَبُّ الكِلابِ، بكَفِّه * بِـيضٌ رِهابٌ، رِيشُهُنّ مُقَزَّعُ
وقال صَخْر الغَيّ الـهُذَليّ:
إِني سَيَنْهَى عَنّي وَعِـيدَهُمُ * بِـيضٌ رِهابٌ، ومُجْنَـأٌ أُجُدُ
وصارِمٌ أُخْلِصَت خَشِـيبتُه، * أَبيضُ مَهْوٌ، في مَتْنِه رُبَدُ
الـمُجْنَـأُ: التُّرْسُ. والأُجْدُ: الـمُحْكَمُ الصَّنعةِ، وقد فسَّرْناه في ترجمة جنأَ.
وقوله تعالى: واضْمُمْ إِليكَ جَناحَك من الرَّهَبِ؛ قال أَبو إِسحق: من الرُّهْبِ. والرَّهَبِ إِذا جزم الهاءَ ضمّ الراءَ، وإِذا حرك الهاءَ
فتح الراءَ، ومعناهما واحد مثل الرُّشْدِ والرَّشَدِ. قال: ومعنى جَناحَك ههنا يقال: العَضُدُ، ويقال: اليدُ كلُّها جَناحٌ. قال الأَزهري وقال مقاتل في قوله: من الرَّهَبِ؛ الرَّهَبُ كُمُّ مَدْرَعَتِه. قال
الأَزهري: وأَكثرُ الناس ذهبوا في تفسير قوله: من الرَّهَب، أَنه بمعنى الرَّهْبةِ؛ ولو وَجَدْتُ إِماماً من السلف يجعل الرَّهَبَ كُـمّاً لذهبت إِليه، لأَنه صحيح في العَربية، وهو أَشبه بسياق الكلام والتفسيرِ، واللّه أَعلم بما أَراد.
والرُّهْبُ: الكُمُّ(1)
(1 قوله «والرهب الكم» هو في غير نسخة من المحكم كما
ترى بضم فسكون وأَما ضبطه بالتحريك فهو الذي في التهذيب والتكملة وتبعهما المجد).يقال وضعت الشيءَ في رُهْبِـي أَي في كُمِّي. أَبو عمرو: يقال لِكُمِّ القَمِـيصِ: القُنُّ والرُّدْنُ والرَّهَبُ والخِلافُ.
ابن الأَعرابي: أَرْهَبَ الرجلُ إِذا أَطالَ رَهَبَه أَي كُمَّه.
والرُّهابةُ، والرَّهابة على وَزْنِ السَّحابةِ: عُظَيْمٌ في الصَّدْرِ
مُشْرِفٌ على البطن، قال الجوهري: مِثلُ اللِّسان؛ وقال غيره: كأَنه طرَف لسان الكَلْبِ، والجمع رَهابٌ. وفي حديث عَوْف ابن مالك: لأَنْ يَمْتَلِـئَ ما بين عانَتي إِلى رَهابَتي قَيْحاً أَحَبُّ إِليَّ
من أَن يَمْتَلئَ شِعْراً. الرَّهابةُ، بالفتح: غُضْرُوفٌ، كاللِّسان،
مُعَلَّق في أَسْفَلِ الصَّدْرِ، مُشْرِفٌ على البطن. قال الخطابي: ويروى بالنون، وهو غَلَط. وفي الحديث: فَرَأَيْتُ السَّكاكِـينَ تَدُورُ بين رَهابَتِه ومَعِدَتِه. ابن الأَعرابي: الرَّهابةُ طَرَفُ الـمَعِدة، والعُلْعُلُ: طَرَفُ الضِّلَع الذي يُشْرِفُ على الرَّهابةِ. وقال ابن شميل: في قَصِّ الصدْرِ رَهابَتُه؛ قال: وهو لِسانُ القَصِّ من أَسْفَل؛ قال: والقَصُّ مُشاشٌ. وقال أَبو عبيد في باب البَخِـيل: يُعْطِـي من غير طَبْعِ جُودٍ؛ قال أَبو زيد: يقال في مثل هذا: رَهْباكَ خَيرٌ من رَغْباكَ؛ يقول: فَرَقُه منكَ خيرٌ من حُبّه،
وأَحْرَى أَن يُعْطِـيَكَ عليه. قال: ومثله الطَّعْنُ يَظْأَرُ غيره.
ويقال: فَعَلْتُ ذلك من رُهْباكَ أَي من رَهْبَتِك، والرُّغْبَـى الرَّغْبةُ.
قال ويقال: رُهْباكَ خيرٌ من رُغْباكَ، بالضم فيهما.
ورَهْبَى: موضعٌ. ودارةُ رَهْبَـى: موضع هناك. ومُرْهِبٌ: اسم.
سبح: السَّبْحُ والسِّباحة: العَوْمُ. سَبَحَ بالنهر وفيه يَسْبَحُ
سَبْحاًوسِباحةً، ورجل سابِحٌ وسَبُوح من قوم سُبَحاء، وسَبَّاحٌ من قوم
سَبَّاحين؛ وأَما ابن الأَعرابي فجعل السُّبَحاء جَمْعَ سابح؛ وبه فسر قول
الشاعر:
وماءٍ يَغْرَقُ السُّبَحاءُ فيه،
سَفِينتُه المُواشِكةُ الخَبُوبُ
قال: السُّبَحاءُ جمع سابِحٍ. ويعني بالماء هنا السَّرابَ.
والمُواشِكةُ: الجادَّةُ في سيرها. والخَبُوب، من الخَبَب في السير؛ جعل الناقة مثل
السفينة حين جعل السَّرابَ كالماء. وأَسْبَح الرجلَ في الماء: عَوَّمَه؛
قال أُمية:
والمُسْبِحُ الخُشْبَ، فوقَ الماءِ سَخَّرَها،
في اليَمِّ جَرْيَتُها، كأَنها عُوَمُ
وسَبْحُ الفَرَسِ: جَرْيُه. وفرس سَبُوحٌ وسابِحٌ: يَسْبَحُ بيديه في
سيره. والسَّوابِحُ: الخيل لأَنها تَسْبَح، وهي صفة غالبة.
وفي حديث المقداد: أَنه كان يوم بدرٍ على فرس يقال له سَبْحَة؛ قال ابن
الأَثير: هو من قولهم فرس سابِحٌ إِذا كان حسنَ مَدِّ اليدين في الجَرْي؛
وقوله أَنشده ثعلب:
لقد كانَ فيها للأَمانةِ موضِعٌ،
وللعَيْنِ مُلْتَذٌّ، وللكَفِّ مَسْبَحُ
فسره فقال: معناه إِذا لمسَتها الكف وجدت فيها جميع ما تريد.
والنجوم تَسْبَحُ في الفَلَكِ سَبْحاً إِذا جرت في دَورَانها.
والسَّبْحُ: الفَراغُ. وقوله تعالى: إِنَّ لك في النهار سَبْحاً طويلاً؛ إِنما
يعني به فراغاً طويلاً وتَصَرُّفاً؛ وقال الليث: معناه فراغاً للنوم؛ وقال
أَبو عبيدة: مُنْقَلَباً طويلاً؛ وقال المُؤَرِّجُ: هو الفَراغ والجَيئَة
والذهاب؛ قال أَبو الدُّقَيْش: ويكون السَّبْحُ أَيضاً فراغاً بالليل؛
وقال الفراء: يقول لك في النهار ما تقضي حوائجك؛ قال أَبو إِسحق: من قرأَ
سَبْخاً فمعناه قريب من السَّبْح، وقال ابن الأَعرابي: من قرأَ سَبْحاً
فمعناه اضطراباً ومعاشاً، ومن قرأَ سَبْخاً أَراد راحة وتخفيفاً
للأَبدان.قال ابنُ الفَرَج: سمعت أَبا الجَهْم الجَعْفَرِيِّ يقول: سَبَحْتُ في
الأَرض وسَبَخْتُ فيها إِذا تباعدت فيها؛ ومنه قوله تعالى: وكلٌّ في
فَلَكٍ يَسْبَحُون أَي يَجْرُونَ، ولم يقل تَسْبَحُ لأَنه وصفها بفعل من يعقل؛
وكذلك قوله: والسَّابحاتِ سَبْحاً؛ هي النجوم تَسْبَحُ في الفَلَكِ أَي
تذهب فيها بَسْطاً كما يَسْبَحُ السابحُ في الماء سَبْحاً؛ وكذلك السابح
من الخيل يمدّ يديه في الجري سَبْحاً؛ وقال الأَعشى:
كم فيهمُ من شَطْبَةٍ خَيْفَقٍ،
وسابِحٍ ذي مَيْعَةٍ ضامِرِ
وقال الأَزهري في قوله عز وجل: والسابِحاتِ سَبْحاً فالسَّابِقاتِ
سَبْقاً؛ قيل: السابحاتُ السُّفُنُ، والسابقاتُ الخيلُ، وقيل: إِنها أَرواح
المؤمنين تخرج بسهولة؛ وقيل: الملائكة تَسْبَحُ بين السماء والأَرض.
وسَبَحَ اليَرْبُوعُ في الأَرض إِذا حفر فيها، وسَبَحَ في الكلام إِذا أَكثر
فيه. والتَّسبيح: التنزيه.
وسبحان الله: معناه تنزيهاً لله من الصاحبة والولد، وقيل: تنزيه الله
تعالى عن كل ما لا ينبغي له أَن يوصف، قال: ونَصْبُه أَنه في موضع فعل على
معنى تسبيحاً له، تقول: سَبَّحْتُ الله تسبيحاً له أَي نزهته تنزيهاً،
قال: وكذلك روي عن النبي، صلى الله عليه وسلم؛ وقال الزجاج في قوله تعالى:
سُبْحانَ الذي أَسْرَى بعبده ليلاً؛ قال: منصوب على المصدر؛ المعنى
أُسبِّح الله تسبيحاً. قال: وسبحان في اللغة تنزيه الله، عز وجل، عن السوء؛
قال ابن شميل: رأَيت في المنام كأَنَّ إِنساناً فسر لي سبحان الله، فقال:
أَما ترى الفرس يَسْبَحُ في سرعته؟ وقال: سبحان الله السرعةُ إِليه
والخِفَّةُ في طاعته، وجِماعُ معناه بُعْدُه، تبارك وتعالى، عن أَن يكون له
مِثْلٌ أَو شريك أَو ندٌّ أَو ضدّ؛ قال سيبويه: زعم أَبو الخطاب أَن سبحان
الله كقولك براءَةَ الله أَي أُبَرِّئُ اللهَ من السوء براءةً؛ وقيل:
قوله سبحانك أَي أُنزهك يا رب من كل سوء وأُبرئك. وروى الأَزهري بإِسناده
أَن ابن الكَوَّا سأَل عليّاً، رضوان الله تعالى عليه، عن سبحان الله،
فقال: كلمة رضيها الله لنفسه فأَوصى بها. والعرب تقول: سُبْحانَ مِن كذا إِذا
تعجبت منه؛ وزعم أَن قول الأَعشى في معنى البراءة أَيضاً:
أَقولُ لمَّا جاءني فَخْرُه:
سبحانَ مِن عَلْقَمَةَ الفاخِرِ
أَي براءةً منه؛ وكذلك تسبيحه: تبعيده؛ وبهذا استدل على أَن سبحان معرفة
إِذ لو كان نكرة لانصرف. ومعنى هذا البيت أيضاً: العجب منه إِذ
يَفْخَرُ، قال: وإِنما لم ينوّن لأَنه معرفة وفيه شبه التأْنيث؛ وقال ابن بري:
إِنما امتنع صرفه للتعريف وزيادة الأَلف والنون، وتعريفه كونه اسماً علماً
للبراءة، كما أَن نَزالِ اسم علم للنزول، وشَتَّانَ اسم علم للتفرّق؛
قال: وقد جاء في الشعر سبحان منوّنة نكرة؛ قال أُمية:
سُبْحانَه ثم سُبْحاناً يَعُودُ له،
وقَبْلَنا سَبَّح الجُودِيُّ والجُمُدُ
وقال ابن جني: سبحان اسم علم لمعنى البراءة والتنزيه بمنزلة عُثْمانَ
وعِمْرانَ، اجتمع في سبحان التعريف والأَلف والنون، وكلاهما علة تمنع من
الصرف.
وسَبَّح الرجلُ: قال سبحان الله؛ وفي التنزيل: كلٌّ قد عَلِمَ صلاتَه
وتسبيحَه؛ قال رؤبة:
سَبَّحْنَ واسْتَرْجَعْنَ مِن تَأَلُّهِ
وسَبَحَ: لغة، حكى ثعلب سَبَّح تسبيحاً وسُبْحاناً، وعندي أَن سُبْحاناً
ليس بمصدر سَبَّح، إِنما هو مصدر سَبَح، إِنما هو مصدر سَبَح. وفي
التهذيب: سَبَّحْتُ الله تسبيحاً وسُبْحاناً بمعنى واحد، فالمصدر تسبيح،
والاسم سُبْحان يقوم مقام المصدر. وأَما قوله تعالى: تُسَبِّح له السمواتُ
السبعُ والأَرضُ ومَن فيهن وإِنْ من شيء إِلاَّ يُسَبِّحُ بحمده ولكن لا
تَفْقَهُونَ تسبيحَهم؛ قال أَبو إِسحق: قيل إِن كل ما خلق الله يُسَبِّحُ
بحمده، وإِن صَريرَ السَّقْف وصَريرَ الباب من التسبيح، فيكون على هذا
الخطابُ للمشركين وحدهم: ولكن لا تفقهون تسبيحهم؛ وجائز أَن يكون تسبيح هذه
الأَشياء بما الله به أَعلم لا نَفْقَه منه إِلا ما عُلِّمْناه، قال: وقال
قوم وإِنْ من شيء إِلا يسبح بحمده أَي ما من دابة إلا وفيه دليل أَن
الله، عز وجل، خالقه وأَن خالقه حكيم مُبَرَّأٌ من الأَسْواء ولكنكم، أَيها
الكفار، لا تفقهون أَثر الصَّنْعة في هذه المخلوقات؛ قال أَبو إِسحق:
وليس هذا بشيء لأَن الذين خوطبوا بهذا كانوا مقرّين أَن الله خالقُهم وخالقُ
السماء والأَرض ومن فيهن، فكيف يجهلون الخِلْقَة وهم عارفون بها؟ قال
الأَزهري: ومما يدلك على أَن تسبيح هذه المخلوقات تسبيح تَعَبَّدَــتْ به
قولُ الله عز وجل للجبال: يا جبالُ أَوِّبي معه والطيرَ؛ ومعنى أَوِّبي
سَبِّحي مع داود النهارَ كلَّه إِلى الليل؛ ولا يجوز أَن يكون معنى أَمر الله
عز وجل للجبال بالتأْويب إِلا تَعَبُّداً لها؛ وكذلك قوله تعالى: أَلم
ترَ أَن الله يسجد له من في السموات ومن في الأَرض والشمسُ والقمرُ
والنجومُ والجبالُ والشجرُ والدوابُّ وكثير من الناس، فسجود هذه المخلوقات
عبادة منها لخالقها لا نَفْقَهُها عنها كما لا نفقه تسبيحها؛ وكذلك قوله:
وإِن من الحجارة لما يَتَفَجَّر منه الأَنهارُ وإِنَّ منها لما يَشَّقَّقُ
فيَخْرج منه الماءُ وإِنَّ منها لما يهبِطُ من خشية الله؛ وقد عَلِم اللهُ
هُبوطَها من خشيته ولم يعرّفنا ذلك فنحن نؤمن بما أُعلمنا ولا نَدَّعِي
بما لا نُكَلَّف بأَفهامنا من عِلْمِ فِعْلِها كيفيةً نَحُدُّها.
ومن صفات الله عز وجل: السُّبُّوحُ القُدُّوسُ؛ قال أَبو إِسحق:
السُّبُّوح الذي يُنَزَّه عن كل سُوء، والقُدُّوسُ: المُبارَك، وقيل: الطاهر؛
وقال ابن سيده: سُبُّوحٌ قُدُّوس من صفة الله عز وجل، لأَنه يُسَبَّحُ
ويُقَدَّسُ، ويقال: سَببوحٌ قَدُّوسٌ؛ قال اللحياني: المجتمع عليه فيها الضم،
قال: فإِن فتحته فجائز؛ هذه حكايته ولا أَدري ما هي. قال سيبويه: إِنما
قولهم سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ رب الملائكة والروح؛ فليس بمنزلة سُبْحان لأَن
سُبُّوحاً قُدُّوساً صفة، كأَنك قلت ذكرت سُبُّوحاً قُدُّوساً فنصبته على
إِضمار الفعل المتروك إِظهاره، كأَنه خطر على باله أَنه ذَكَره ذاكِرٌ،
فقال سُبُّوحاً أَي ذَكرت سبوحاً، أَو ذَكَره هو في نفسه فأَضمر مثل ذلك،
فأَما رَفْعُه فعلى إِضمار المبتدإِ وتَرْكُ إِظهارِ ما يَرْفع كترك
إظهار ما يَنْصِب؛ قال أَبو إِسحق: وليس في كلام العرب بناءٌ على فُعُّول،
بضم أَوّله، غير هذين الاسمين الجليلين وحرف آخر
(* قوله «وحرف آخر إلخ» نقل
شارح القاموس عن شيخه قال: حكى الفهري عن اللحياني في نوادره اللغتين في
قولهم ستوق وشبوك لضرب من الحوت وكلوب اهـ ملخصاً. قوله والفتح فيهما
إلخ عبارة النهاية. وفي حديث الدعاء سبوح قدّوس يرويان بالفتح والضم،
والفتح فيهما إِلى قوله والمراد بهما التنزيه.) وهوقولهم للذِّرِّيحِ، وهي
دُوَيْبَّةٌ: ذُرُّوحٌ، زادها ابن سيده فقال: وفُرُّوجٌ، قال: وقد يفتحان
كما يفتح سُبُّوح وقُدُّوسٌ، روى ذلك كراع. وقال ثعلب: كل اسم على فَعُّول
فهو مفتوح الأَول إِلاَّ السُّبُّوح وقُدُّوسٌ، روى ذلك كراع.وقال ثعلب:
كل اسم على فَعُّول فهو مفتوح الأَول إِلاَّ السُّبُّوحَ والقُدُّوسَ،
فإِن الضم فيهما أَكثر؛ وقال سيبويه: ليس في الكلام فُعُّول بواحدة، هذا
قول الجوهري؛ قال الأَزهري: وسائر الأَسماء تجيء على فَعُّول مثل سَفُّود
وقَفُّور وقَبُّور وما أَشبههما، والفتح فيهما أَقْيَسُ، والضم أَكثر
استعمالاً، وهما من أَبنية المبالغة والمراد بهما التنزيه.
وسُبُحاتُ وجهِ الله، بضم السين والباء: أَنوارُه وجلالُه وعظمته. وقال
جبريل، عليه السلام: إِن لله دون العرش سبعين حجاباً لو دنونا من أَحدها
لأَحرقتنا سُبُحاتُ وجه ربنا؛ رواه صاحب العين، قال ابن شميل: سُبُحاتُ
وجهه نُورُ وجهه. وفي حديث آخر: حجابُه النورُ والنارُ، لو كشفه لأَحْرقت
سُبُحاتُ وجهه كلَّ شيء أَدركه بصَرُه؛ سُبُحاتُ وجه الله: جلالُه
وعظمته، وهي في الأَصل جمع سُبْحة؛ وقيل: أَضواء وجهه؛ وقيل: سُبْحاتُ الوجه
محاسنُه لأَنك إِذا رأَيت الحَسَنَ الوجهِ قلت: سبحان الله وقيل: معناه
تنزيهٌ له أَي سبحان وجهه؛ وقيل: سُبْحاتُ وجهه كلام معترض بين الفعل
والمفعول أَي لو كشفها لأَحرقت كل شيء أَدركه بصره، فكأَنه قال: لأَحرقتُ
سُبُحاتُ الله كل شيء أَبصره، كما تقول: لو دخل المَلِكُ البلدَ لقتل،
والعِياذُ بالله، كلَّ من فيه؛ قال: وأَقرب من هذا كله أَن المعنى: لو انكشف من
أَنوار الله التي تحجب العباد عنه شيء لأَهلك كلَّ من وقع عليه ذلك
النورُ، كما خَرَّ موسى، على نبينا وعليه السلام، صَعِقاً وتَقَطَّعَ الجبلُ
دَكّاً، لمَّا تجلى الله سبحانه وتعالى؛ ويقال: السُّبُحاتُ مواضع
السجود.والسُّبْحَةُ: الخَرَزاتُ التي يَعُدُّ المُسَبَّحُ بها تسبيحه، وهي
كلمة مولَّدة.
وقد يكون التسبيح بمعنى الصلاة والذِّكر، تقول: قَّضَيْتُ سُبْحَتي.
وروي أَن عمر، رضي الله عنه، جَلَدَ رجلين سَبَّحا بعد العصر أَي صَلَّيا؛
قال الأَعشى:
وسَبِّحْ على حين العَشِيَّاتِ والضُّحَى،
ولا تَعْبُدِ الشيطانَ، واللهَ فاعْبُدا
يعني الصلاة بالصَّباح والمَساء، وعليه فسر قوله: فسُبْحانَ الله حين
تُمْسون وحين تُصْبحون؛ يأْمرهم بالصلاة في هذين الوَقتين؛ وقال الفراء:
حين تمسون المغرب والعشاء، وحين تصبحون صلاة الفجر، وعشيّاً العصر، وحين
تظهرون الأُولى. وقوله: وسَبِّحْ بالعَشِيِّ والإِبْكارِ أَي وصَلِّ. وقوله
عز وجل: فلولا أَنه كان من المُسَبِّحين؛ أَراد من المصلين قبل ذلك،
وقيل: إِنما ذلك لأَنه قال في بطن الحوت: لا إِله إِلاَّ أَنت سبحانك إِني
كنت من الظالمين. وقوله: يُسَبِّحُونَ الليلَ والنهارَ لا يَفْتُرونَ؛
يقال: إِن مَجْرَى التسبيح فيهم كمَجرى النَّفَسِ منا لا يَشْغَلُنا عن
النَّفَسِ شيء. وقوله: أَلم أَقُلْ لكم لولا تُسَبِّحون أَي تستثنون، وفي
الاستثناء تعظيمُ الله والإِقرارُ بأَنه لا يشاء أَحدٌ إِلاَّ أَن يشاء
الله، فوضع تنزيه الله موضع الاستثناء.
والسُّبْحةُ: الدعاء وصلاةُ التطوع والنافلةُ؛ يقال: فرغ فلانٌ من
سُبْحَته أَي من صلاته النافلة، سمِّيت الصلاة تسبيحاً لأَن التسبيح تعظيم
الله وتنزيهه من كلِّ سوء؛ قال ابن الأَثير: وإِنما خُصت النافلة
بالسُّبْحة، وإِن شاركتها الفريضة في معنى التسبيح، لأَن التسبيحات في الفرائض
نوافلُ، فقيل لصلاة النافلة سُبْحة لأَنها نافلة كالتسبيحات والأَذكار في
أَنها غير واجبة؛ وقد تكرر ذكر السُّبْحة في الحديث كثيراً فمنها: اجعلوا
صلاتكم معهم سُبْحَةً أَي نافلة، ومنها: كنا إِذا نزلنا منزلاً لا
نُسَبِّحُ حتى نَحُلَّ الرِّحال؛ أَراد صلاة الضحى، بمعنى أَنهم كانوا مع
اهتمامهم بالصلاة لا يباشرونها حتى يَحُطُّوا الرحال ويُريحوا الجمالَ رفقاً بها
وإِحساناً. والسُّبْحَة: التطوُّع من الذِّكر والصلاة؛ قال ابن الأَثير:
وقد يطلق التسبيح على غيره من أَنواع الذكر مجازاً كالتحميد والتمجيد
وغيرهما. وسُبْحَةُ الله: جلالُه.
وقيل في قوله تعالى: إِن لك في النهار سَبْحاً طويلاً أَي فراغاً للنوم،
وقد يكون السَّبْحُ بالليل. والسَّبْحُ أَيضاً: النوم نفسه.
وقال ابن عرفة الملقب بنفطويه في قوله تعالى: فَسَبِّحْ باسم ربك العظيم
أَي سبحه بأَسمائه ونزهه عن التسمية بغير ما سمَّى به نفسه، قال: ومن
سمى الله تعالى بغير ما سمى به نفسه، فهو مُلْحِدٌ في أَسمائه، وكلُّ من
دعاه بأَسمائه فَمُسَبِّح له بها إِذ كانت أَسماؤُه مدائح له وأَوصافاً؛
قال الله تعالى: ولله الأَسماء الحُسْنى فادْعُوه بها، وهي صفاته التي وصف
بها نفسه، وكل من دعا الله بأَسمائه فقد أَطاعه ومدحه ولَحِقَه ثوابُه.
وروي عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أَنه قال: ما أَحدٌ أَغْيَرَ من
الله ولذلك حَرَّمَ الفواحشَ، وليس أَحدٌ أَحبَّ إِليه المَدْحُ من الله
تعالى. والسَّبْحُ أَيضاً: السكون. والسَّبْحُ: التقَلُّبُ والانتشار في
الأَرض والتَّصَرُّفُ في المعاش، فكأَنه ضِدٌّ.
وفي حديث الوضوء: فأَدخل اصْبُعَيْه السَّبَّاحَتَيْنِ في أُذنيه؛
السَّبَّاحةُ والمُسَبِّحةُ: الإِصبع التي تلي الإِبهام، سميت بذلك لأَنها
يشار بها عند التسبيح. والسَّبْحَةُ، بفتح السين: ثوب من جُلُود، وجمعها
سِباحٌ؛ قال مالك بن خالد الهذلي:
وسَبَّاحٌ ومَنَّاحٌ ومُعْطٍ،
إِذا عادَ المَسارِحُ كالسِّباحِ
وصحَّف أَبو عبيدة هذه الكلمة فرواها بالجيم؛ قال ابن بري: لم يذكر،
يعني الجوهري، السَّبْحَة، بالفتح، وهي الثياب من الجلود، وهي التي وقع فيها
التصحيف، فقال أَبو عبيدة: هي السُّبْجة، بالجيم وضم السين، وغلط في
ذلك، وإِنما السُّبْجَة كساء أَسود، واستشهد أَبو عبيدة على صحة قوله بقول
مالك الهذلي:
إِذا عاد المسارح كالسباج
فصحَّف البيت أَيضاً، قال: وهذا البيت من قصيدة حائية مدح بها زهيرَ بنَ
الأَغَرِّ اللحياني، وأَوَّلها:
فَتًى ما ابنُ الأَغَرِّ، إِذا شَتَوْنا،
وحُبَّ الزَّادُ في شَهْرَيْ قُِماحِ
والمسارح: المواضع التي تسرح إِليها الإِبل، فشبهها لمَّا أَجدبت
بالجلود المُلْسِ في عدم النبات، وقد ذكر ابن سيده في ترجمة سبج، بالجيم، ما
صورته: والسِّباحُ ثياب من جلود، واحدتها سُبْجَة، وهي بالحاء أَعلى، على
أَنه أَيضاً قد قال في هذه الترجمة: إِن أَبا عبيدة صحَّف هذه الكلمة
ورواها بالجيم كما ذكرناه آنفاً، ومن العجب وقوعه في ذلك مع حكايته عن أَبي
عبيدة أَنه وقع فيه، اللهم إِلا أَن يكون وجد ثقلاً فيه، وكان يتعين عليه
أَنه لو وجد نقلاً فيه أَن يذكره أَيضاً في هذه الترجمة عند تخطئته لأَبي
عبيدة ونسبته إِلى التصحيف ليسلم هو أَيضاً من التهمة والانتقاد.
أَبو عمرو: كساءٌ مُسبَّح، بالباء، قوي شديد، قال: والمُسَبَّحُ، بالباء
أَيضاً، المُعَرَّضُ، وقال شمر: السِّباحُ، بالحاء، قُمُصٌ للصبيان من
جلود؛ وأَنشد:
كأَنَّ زوائِدَ المُهُراتِ عنها
جَواري الهِنْدِ، مُرْخِيةَ السِّباحِ
قال: وأَما السُّبْحَة، بضم السين والجيم، فكساء أَسود.
والسُّبْحَة: القطعة من القطن.
وسَبُوحةُ، بفتح السين مخففة: البلدُ الحرامُ، ويقال: وادٍ بعرفات؛ وقال
يصف نُوقَ الحجيج:
خَوارِجُ من نَعْمانَ، أَو من سَبُوحةٍ
إِلى البيتِ، أَو يَخْرُجْنَ من نَجْدِ كَبْكَبِ
نصب: النَّصَبُ: الإِعْياءُ من العَناءِ. والفعلُ نَصِبَ الرجلُ،
بالكسر،نَصَباً: أَعْيا وتَعِبَ؛ وأَنْصَبه هو، وأَنْصَبَني هذا الأَمْرُ.وهَمٌّ ناصِبٌ مُنْصِبٌ: ذو نَصَبٍ، مثل تامِرٍ ولابِنٍ، وهو فاعلٌ بمعنى مفعول، لأَنه يُنْصَبُ فيه ويُتْعَبُ.
وفي الحديث: فاطمةُ بَضْعَةٌ مِنِّي، يُنْصِـبُني ما أَنْصَبَها أَي
يُتْعِـبُني ما أَتْعَبَها.
والنَّصَبُ: التَّعَبُ؛ قال النابغة:
كِليني لـهَمٍّ، يا أُمَيْمَةَ، ناصِبِ
قال: ناصِب، بمعنى مَنْصُوب؛ وقال الأَصمعي: ناصِب ذي نَصَبٍ، مثلُ لَيْلٌ نائمٌ ذو نومٍ يُنامُ فيه، ورجل دارِعٌ ذو دِرْعٍ؛ ويقال: نَصَبٌ ناصِبٌ، مثل مَوْتٌ مائِت، وشعرٌ شاعر؛ وقال سيبويه: هَمٌّ ناصبٌ، هو على النَّسَب. وحكى أَبو علي في التَّذْكرة: نَصَبه الـهَمُّ؛ فناصِبٌ إِذاً على الفِعْل. قال الجوهري: ناصِبٌ فاعل بمعنى مفعول فيه، لأَنه يُنْصَبُ فيه ويُتْعَبُ، كقولهم: لَيْلٌ نائمٌ أَي يُنامُ فيه، ويوم عاصِفٌ أَي تَعْصِفُ فيه الريح. قال ابن بري: وقد قيل غير هذا القول، وهو الصحيح، وهو أَن يكون ناصِبٌ بمعنى مُنْصِبٍ، مثل مكان باقلٌ بمعنى مُبْقِل، وعليه قول النابغة؛ وقال أَبو طالب:
أَلا مَنْ لِـهَمٍّ، آخِرَ اللَّيْلِ، مُنْصِبِ
قال: فناصِبٌ، على هذا، ومُنْصِب بمعنًى. قال: وأَما قوله ناصِبٌ بمعنى مَنْصوب أَي مفعول فيه، فليس بشيءٍ. وفي التنزيل العزيز: فإِذا فَرَغْتَ فانْصَبْ؛ قال قتادة: فإِذا فرغتَ من صَلاتِكَ، فانْصَبْ في الدُّعاءِ؛ قال الأَزهري: هو من نَصِبَ يَنْصَبُ نَصَباً إِذا تَعِبَ؛ وقيل: إِذا فرغت من الفريضة، فانْصَبْ في النافلة.
ويقال: نَصِبَ الرجلُ، فهو ناصِبٌ ونَصِبٌ؛ ونَصَبَ لـهُمُ الـهَمُّ،
وأَنْصَبَه الـهَمُّ؛ وعَيْشٌ ناصِبٌ: فيه كَدٌّ وجَهْدٌ؛ وبه فسر الأَصمعي قول أَبي ذؤيب:
وغَبَرْتُ بَعْدَهُمُ بعيشٍ ناصِبٍ، * وإِخالُ أَني لاحِقٌ مُسْتَتْبِـعُ
قال ابن سيده: فأَما قول الأُمَوِيِّ إِن معنى ناصِبٍ تَرَكَني مُتَنَصِّباً، فليس بشيءٍ؛ وعَيْشٌ ذو مَنْصَبةٍ كذلك. ونَصِبَ الرجلُ: جَدَّ؛ وروي بيتُ ذي الرمة:
إِذا ما رَكْبُها نَصِـبُوا
ونَصَبُوا. وقال أَبو عمرو في قوله ناصِب: نَصَبَ نَحْوي أَي جَدَّ.
قال الليث: النَّصْبُ نَصْبُ الدَّاءِ؛ يقال: أَصابه نَصْبٌ من
الدَّاءِ.والنَّصْبُ والنُّصْبُ والنُّصُبُ: الداءُ والبَلاءُ والشرُّ. وفي
التنزيل العزيز: مَسَّني الشيطانُ بنُصْبٍ وعَذابٍ. والنَّصِبُ: المريضُ الوَجِـعُ؛ وقد نَصَبه المرض وأَنْصَبه. والنَّصْبُ: وَضْعُ الشيءِ ورَفْعُه، نَصَبه يَنْصِـبُه نَصْباً، ونَصَّبَه فانْتَصَبَ؛ قال:
فباتَ مُنْتَصْـباً وما تَكَرْدَسا
أَراد: مُنْتَصِـباً، فلما رأَى نَصِـباً من مُنْتَصِبٍ، كفَخِذٍ، خففه
تخفيف فَخِذٍ، فقال: مُنْتَصْباً. وتَنَصَّبَ كانْتَصَبَ.
والنَّصِـيبةُ والنُّصُبُ: كلُّ ما نُصِبَ، فجُعِلَ عَلَماً. وقيل: النُّصُب جمع نَصِـيبةٍ، كسفينة وسُفُن، وصحيفة وصُحُفٍ. الليث: النُّصُبُ
جماعة النَّصِـيبة، وهي علامة تُنْصَبُ للقوم.
والنَّصْبُ والنُّصُبُ: العَلَم الـمَنْصُوب. وفي التنزيل العزيز:
كأَنهم إِلى نَصْبٍ يُوفِضُونَ؛ قرئ بهما جميعاً، وقيل: النَّصْبُ الغاية، والأَول أَصحّ. قال أَبو إِسحق: مَن قرأَ إِلى نَصْبٍ، فمعناه إِلى عَلَمٍ مَنْصُوبٍ يَسْتَبِقُون إِليه؛ ومن قرأَ إِلى نُصُبٍ، فمعناه إِلى أَصنام كقوله: وما ذُبِحَ على النُّصُب، ونحو ذلك قال الفراء؛ قال: والنَّصْبُ واحدٌ، وهو مصدر، وجمعه الأَنْصابُ.
واليَنْصُوبُ: عَلم يُنْصَبُ في الفلاةِ. والنَّصْبُ والنُّصُبُ: كلُّ ما عُبِدَ من دون اللّه تعالى، والجمع أَنْصابٌ. وقال الزجاج: النُّصُبُ جمع، واحدها نِصابٌ. قال: وجائز أَن يكون واحداً، وجمعه أَنْصاب. الجوهري: النَّصْبُ ما نُصِبَ فعُبِدَ من دون اللّه تعالى، وكذلك النُّصْب، بالضم، وقد يُحَرّكُ مثل عُسْر؛ قال الأَعشى
يمدح سيدنا رسول اللّه، صلى اللّه عليه وسلم:
وذا النُّصُبَ الـمَنْصُوبَ لا تَنْسُكَنَّهُ * لعافيةٍ، واللّهَ رَبَّكَ فاعْبُدا(1)
(1 قوله «لعافية» كذا بنسخة من الصحاح الخط وفي نسخ الطبع كنسخ شارح القاموس لعاقبة.)
أَراد: فاعبدنْ، فوقف بالأَلف، كما تقول: رأَيت زيداً؛ وقوله: وذا النُّصُبَ، بمعنى إِياك وذا النُّصُبَ؛ وهو للتقريب، كما قال لبيد:
ولقد سَئِمْتُ من الـحَياةِ وطولِها، * وسُؤَالِ هذا الناسِ كيف لَبيدُ!
ويروى عجز بيت الأَعشى:
ولا تَعْبُدِ الشيطانَ، واللّهَ فاعْبُدا
التهذيب، قال الفراء: كأَنَّ النُّصُبَ الآلهةُ التي كانت تُعْبَدُ من
أَحجار. قال الأَزهري: وقد جَعَلَ الأَعشى النُّصُبَ واحداً حيث يقول:
وذا النُّصُبَ الـمَنْصُوبَ لا تَنْسُكَنَّه
والنَّصْبُ واحد، وهو مصدر، وجمعه الأَنْصابُ؛ قال ذو الرمة:
طَوَتْها بنا الصُّهْبُ الـمَهاري، فأَصْبَحَتْ * تَناصِـيبَ، أَمثالَ الرِّماحِ بها، غُبْرا
والتَّناصِـيبُ: الأَعْلام، وهي الأَناصِـيبُ، حجارةٌ تُنْصَبُ على رؤوس القُورِ، يُسْتَدَلُّ بها؛ وقول الشاعر:
وَجَبَتْ له أُذُنٌ، يُراقِبُ سَمْعَها * بَصَرٌ، كناصِـبةِ الشُّجاعِ الـمُرْصَدِ
يريد: كعينه التي يَنْصِـبُها للنظر.
ابن سيده: والأَنْصابُ حجارة كانت حول الكعبة، تُنْصَبُ فيُهَلُّ عليها، ويُذْبَحُ لغير اللّه تعالى.
وأَنْصابُ الحرم: حُدوده.
والنُّصْبةُ: السَّارِية.
والنَّصائِبُ: حجارة تُنْصَبُ حَولَ الـحَوض، ويُسَدُّ ما بينها من
الخَصاص بالـمَدَرة المعجونة، واحدتها نَصِـيبةٌ؛ وكلُّه من ذلك.
وقوله تعالى: والأَنْصابُ والأَزْلامُ، وقوله: وما ذُبِحَ على
النُّصُبِ؛ الأَنْصابُ: الأَوثان. وفي حديث زيد بن حارثة قال: خرج رسول اللّه، صلى اللّه عليه وسلم، مُرْدِفي إِلى نُصُبٍ من الأَنْصاب، فذَبحنا له شاةً، وجعلناها في سُفْرتِنا، فلَقِـيَنا زيدُ بن عَمْرو، فقَدَّمْنا له السُّفرةَ، فقال: لا آكل مما ذُبحَ لغير اللّه. وفي رواية: أَن زيد بن عمرو مَرَّ برسول اللّه، صلى اللّه عليه وسلم، فدعاه إِلى الطعام، فقال زيدٌ:إِنَّا لا نأْكل مما ذُبحَ على النُّصُب. قال ابن الأَثير، قال الحربيُّ: قوله ذَبحنا له شاةً له وجهان:
أَحدهما أَن يكون زيد فعله من غير أَمر النبي، صلى اللّه عليه وسلم، ولا رِضاه، إِلاَّ أَنه كان معه، فنُسِب إِليه، ولأَنَّ زيداً لم يكن معه من العِصْمة، ما كان مع سيدنا رسول اللّه، صلى
اللّه عليه وسلم. والثاني أَن يكون ذبحها لزاده في خروجه، فاتفق ذلك عند صنم كانوا يذبحون عنده، لا أَنه ذبحها للصنم، هذا إِذا جُعِلَ النُّصُب الصَّنم، فأَما إِذا جُعِلَ الحجر الذي يذبح عنده، فلا كلام فيه، فظن زيد بن عمرو أَن ذلك اللحم مما كانت قريش تذبحه لأَنصابها، فامتنع لذلك، وكان زيد يخالف قريشاً في كثير من أُمورها، ولم يكن الأَمْرُ كما ظَنَّ زيد.
القُتَيْبـيُّ: النُّصُب صَنَم أَو حَجَرٌ، وكانت الجاهلية تَنْصِـبُه،
تَذْبَحُ عنده فيَحْمَرُّ للدمِ؛ ومنه حديث أَبي ذرّ في إِسلامه، قال:
فخَررْتُ مَغْشِـيّاً عليّ ثم ارْتَفَعْتُ كأَني نُصُبٌ أَحمر؛ يريد أَنهم
ضَرَبُوه حتى أَدْمَوْه، فصار كالنُّصُب الـمُحْمَرِّ بدم الذبائح. أَبو
عبيد: النَّصائِبُ ما نُصِبَ حَوْلَ الـحَوْضِ من الأَحْجار؛ قال ذو
الرمة:
هَرَقْناهُ في بادي النَّشِـيئةِ داثرٍ، * قَديمٍ بعَهْدِ الماءِ، بُقْعٍ نَصائِـبُهْ
والهاءُ في هَرَقْناه تَعُودُ على سَجْلٍ تقدم ذكره. الجوهري:
والنَّصِـيبُ الـحَوْضُ.
وقال الليث: النَّصْبُ رَفْعُك شيئاً تَنْصِـبُه قائماً مُنْتَصِـباً،
والكلمةُ الـمَنْصوبةُ يُرْفَعُ صَوْتُها إِلى الغار الأَعْلى، وكلُّ شيءٍ
انْتَصَبَ بشيءٍ فقد نَصَبَهُ. الجوهري: النَّصْبُ مصدر نَصَبْتُ الشيءَ إِذا أَقَمته.
وصَفِـيحٌ مُنَصَّبٌ أَي نُصِبَ بعضُه على بعض. ونَصَّبَتِ الخيلُ آذانَها: شُدِّد للكثرة أَو للمبالغة. والـمُنَصَّبُ من الخَيلِ: الذي يَغْلِبُ على خَلْقه كُلِّه نَصْبُ عِظامه، حتى يَنْتَصِبَ منه ما يحتاج إِلى عَطْفه. ونَصَبَ السَّيْرَ يَنْصِـبه نَصْباً: رَفَعه.
وقيل: النَّصْبُ أَن يسيرَ القومُ يَوْمَهُم، وهو سَيْرٌ لَيِّنٌ؛ وقد نَصَبوا نَصْباً. الأَصمعي: النَّصْبُ أَن يسير القومُ يومَهم؛ ومنه قول
الشاعر:
كأَنَّ راكِـبَها، يَهْوي بمُنْخَرَقٍ * من الجَنُوبِ، إِذا ما رَكْبُها نَصَبوا
قال بعضهم: معناه جَدُّوا السَّيْرَ.
وقال النَّضْرُ: النَّصْبُ أَوَّلُ السَّيْر، ثم الدَّبيبُ، ثم العَنَقُ، ثم التَّزَيُّدُ، ثم العَسْجُ، ثم الرَّتَكُ، ثم الوَخْدُ، ثم الـهَمْلَجَة. ابن سيده: وكلُّ شيءٍ رُفِعَ واسْتُقْبِلَ به شيءٌ، فقد نُصِبَ.
ونَصَبَ هو، وتَنَصَّبَ فلانٌ، وانْتَصَبَ إِذا قام رافعاً رأْسه. وفي حديث الصلاة: لا يَنْصِبُ رأْسه ولا يُقْنِعُه أَي لا يرفعه؛ قال ابن الأَثير: كذا في سنن أَبي داود، والمشهور: لا يُصَبِّـي ويُصَوِّبُ، وهما مذكوران في مواضعهما.
وفي حديث ابن عمر: مِنْ أَقْذَرِ الذُّنوبِ رجلٌ ظَلَمَ امْرَأَةً
صَداقَها؛ قيل للَّيْثِ: أَنَصَبَ ابنُ عمر الحديثَ إِلى رسول اللّه، صلى اللّه عليه وسلم؟ قال: وما عِلْمُه، لولا أَنه سمعه منه أَي أَسنَدَه إِليه ورَفَعَه.
والنَّصْبُ: إِقامةُ الشيءِ ورَفْعُه؛ وقوله:
أَزَلُّ إِنْ قِـيدَ، وإِنْ قامَ نَصَبْ
هو من ذلك، أَي إِن قام رأَيتَه مُشْرِفَ الرأْس والعُنُق.
قال ثعلب: لا يكون النَّصْبُ إِلا بالقيام.
وقال مرة: هو نُصْبُ عَيْني، هذا في الشيءِ القائم
الذي لا يَخْفى عليَّ، وإِن كان مُلْـقًى؛ يعني بالقائم، في هذه الأَخيرة: الشيءَ الظاهرَ.القتيبي: جَعَلْتُه نُصْبَ عيني، بالضم، ولا تقل نَصْبَ عيني. ونَصَبَ له الحربَ نَصْباً: وَضَعَها. وناصَبَه الشَّرَّ والحربَ والعَداوةَ مُناصبةً: أَظهَرَهُ له ونَصَبه، وكلُّه من الانتصابِ.
والنَّصِـيبُ: الشَّرَكُ الـمَنْصوب. ونَصَبْتُ للقَطا شَرَكاً.
ويقال: نَصَبَ فلانٌ لفلان نَصْباً إِذا قَصَدَ له، وعاداه، وتَجَرَّدَ
له. وتَيْسٌ أَنْصَبُ: مُنْتَصِبُ القَرْنَيْنِ؛ وعَنْزٌ نَصْباءُ: بَيِّنةُ
النَّصَب إِذا انْتَصَبَ قَرْناها؛ وتَنَصَّبَتِ الأُتُنُ حَوْلَ الـحِمار. وناقة نَصْباءُ: مُرْتَفِعةُ الصَّدْر. وأُذُنٌ نَصْباءُ: وهي التي تَنْتَصِبُ، وتَدْنُو من الأُخرى. وتَنَصَّبَ الغُبار: ارْتَفَعَ. وثَـرًى مُنَصَّبٌ: جَعْدٌ. ونَصَبْتُ القِدْرَ نَصْباً.
والـمِنْصَبُ: شيءٌ من حديد، يُنْصَبُ عليه القِدْرُ؛ ابن الأَعرابي:
الـمِنْصَبُ ما يُنْصَبُ عليه القِدْرُ إِذا كان من حديد.
قال أَبو الحسن الأَخفش: النَّصْبُ، في القَوافي، أَن تَسْلَمَ القافيةُ
من الفَساد، وتكونَ تامَّـةَ البناءِ، فإِذا جاءَ ذلك في الشعر
المجزوءِ، لم يُسَمَّ نَصْباً، وإِن كانت قافيته قد تَمَّتْ؛ قال: سمعنا ذلك من العربِ، قال: وليس هذا مما سَمَّى الخليلُ، إِنما تؤْخَذ الأَسماءُ عن العرب؛ انتهى كلام الأَخفش كما حكاه ابن سيده. قال ابن سيده، قال ابن جني: لما كان معنى النَّصْبِ من الانْتِصابِ، وهو الـمُثُولُ والإِشْرافُ والتَّطاوُل، لم يُوقَعْ على ما كان من الشعر مجزوءاً، لأَن جَزْأَه عِلَّةٌ وعَيْبٌ لَحِقَه، وذلك ضِدُّ الفَخْرِ والتَّطاوُل. والنَّصِـيبُ: الـحَظُّ من كلِّ شيءٍ. وقوله، عز وجل: أُولئك يَنالُهم نَصيبُهم من الكتاب؛ النَّصِـيب هنا: ما أَخْبَرَ اللّهُ من جَزائهم، نحو قوله تعالى: فأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظَّى؛ ونحوُ قوله تعالى: يَسْلُكْه عذاباً صَعَداً؛ ونحو قوله تعالى: إِن المنافقين في الدَّرْكِ الأَسْفل من النار؛ ونحو قوله تعالى: إِذا الأَغْلالُ في أَعْناقِهِم والسَّلاسِلُ، فهذه أَنْصِـبَتُهم من الكتاب، على قَدْرِ ذُنُوبِهم في كفرهم؛ والجمع أَنْصِـباءُ وأَنْصِـبةٌ.
والنِّصْبُ: لغة في النَّصِـيبِ. وأَنْصَبَه: جَعَلَ له نَصِـيباً. وهم يَتَناصَبُونَه أَي يَقْتَسمونه. والـمَنْصِبُ والنِّصابُ: الأَصل والـمَرْجِـع.
والنِّصابُ: جُزْأَةُ السِّكِّين، والجمع نُصُبٌ.
وأَنْصَبَها: جَعَلَ لها نِصاباً، وهو عَجْزُ السكين. ونِصابُ السكين:
مَقْبِضُه. وأَنْصَبْتُ السكين: جَعَلْتُ له مَقْبِضاً. ونِصابُ كلِّ
شيءٍ: أَصْلُه. والـمَنْصِبُ: الأَصلُ، وكذلك النِّصابُ؛ يقال: فلانٌ
يَرْجِـعُ إِلى نِصاب صِدْقٍ، ومَنْصِبِ صِدْقٍ، وأَصْلُه مَنْبِتُه
ومَحْتِدُه.وهَلَكَ نِصابُ مالِ فلانٍ أَي ما اسْتَطْرفه. والنِّصابُ من المال: القَدْرُ الذي تجب فيه الزكاة إِذا بَلَغَه، نحو مائَتَيْ درهم، وخَمْسٍ من الإِبل. ونِصابُ الشَّمْسِ: مَغِـيبُها ومَرْجِعُها الذي تَرْجِـعُ إِليه. وثَغْرٌ مُنَصَّبٌ: مُسْتَوي النِّبْتةِ كأَنه نُصبَ فسُوِّيَ.
والنَّصْبُ: ضَرْبٌ من أَغانيّ الأَعراب. وقد نَصَبَ الراكبُ نَصْباً إِذا غَنَّى النَّصْبَ. ابن سيده: ونَصْبُ العربِ ضَرْبٌ من أَغانِـيّها.
وفي حديث نائل (1)
(1 قوله «وفي حديث نائل» كذا بالأصل كنسخة من النهاية بالهمز وفي أخرى منها نابل بالموحدة بدل الهمز.) ، مولى عثمان: فقلنا لرباحِ بن الـمُغْتَرِفِ: لو نَصَبْتَ لنا نَصْبَ
العَرب أَي لو تَغَنَّيْتَ؛ وفي الصحاح: لو غَنَّيْتَ لنا غِناءَ
العَرَب، وهو غِناءٌ لهم يُشْبِه الـحُداءَ، إِلا أَنه أَرَقُّ منه. وقال أَبو
عمرو: النَّصْبُ حُداءٌ يُشْبِهُ الغِناءَ. قال شمر: غِناءُ النَّصْبِ هو
غِناءُ الرُّكْبانِ، وهو العَقِـيرةُ؛ يقال: رَفَعَ عَقيرته إِذا غَنَّى
النَّصْبَ؛ وفي الصحاح: غِناءُ النَّصْبِ ضَرْب من الأَلْحان؛ وفي حديث السائبِ بن يزيد: كان رَباحُ بنُ الـمُغْتَرِفِ يُحْسِنُ غِناءَ
(يتبع...)
(تابع... 1): نصب: النَّصَبُ: الإِعْياءُ من العَناءِ. والفعلُ نَصِبَ الرجلُ،... ...
النَّصْبِ، وهو ضَرْبٌ من أَغانيّ العَرب، شَبيهُ الـحُداءِ؛ وقيل: هو الذي أُحْكِمَ من النَّشِـيد، وأُقِـيمَ لَحْنُه ووزنُه. وفي الحديث: كُلُّهم كان يَنْصِبُ أَي يُغَنِّي النَّصْبَ. ونَصَبَ الحادي: حَدا ضَرْباً من الـحُداءِ.
والنَّواصِبُ: قومٌ يَتَدَيَّنُونَ ببِغْضَةِ عليّ، عليه السلام. ويَنْصُوبُ: موضع.
ونُصَيْبٌ: الشاعر، مصغَّر. ونَصيبٌ ونُصَيْبٌ: اسمان.
ونِصابٌ: اسم فرس.
والنَّصْبُ، في الإِعْراب: كالفتح، في البناءِ، وهو من مُواضَعات
النحويين؛ تقول منه: نَصَبْتُ الحرفَ، فانْتَصَبَ.
وغُبار مُنْتَصِبٌ أَي مُرْتَفِـع.
ونَصِـيبينَ: اسمُ بلد، وفيه للعرب مذهبان: منهم مَن يجعله اسماً
واحداً، ويُلْزِمُه الإِعرابَ، كما يُلْزم الأَسماءَ المفردةَ التي لا تنصرف، فيقول: هذه نَصِـيبينُ، ومررت بنَصِـيبينَ، ورأَيتُ نَصِـيبينَ، والنسبة نَصِـيبـيٌّ، ومنهم مَن يُجْريه مُجْرى الجمع، فيقول هذه نَصِـيبُونَ، ومررت بنَصِـيبينَ، ورأَيت نَصِـيبينَ. قال: وكذلك القول في يَبْرِينَ، وفِلَسْطِـينَ، وسَيْلَحِـينَ، وياسمِـينَ، وقِنَّسْرينَ، والنسبة إِليه، على هذا: نَصِـيبينيٌّ، ويَبْرينيٌّ، وكذلك أَخواتها. قال ابن بري، رحمه اللّه: ذكر الجوهري أَنه يقال: هذه نَصِـيبينُ ونَصِـيبون، والنسبة إِلى قولك نَصِـيبين، نصيبـيٌّ، وإِلى قولك نصيبون، نصيبينيّ؛ قال: والصواب عكس هذا، لأَن نَصِـيبينَ اسم مفرد معرب بالحركات، فإِذا نسبتَ إِليه أَبقيته على حاله، فقلت: هذا رجلٌ نَصِـيبينيٌّ؛ ومن قال نصيبون، فهو معرب إِعراب جموع السلامة، فيكون في الرفع بالواو، وفي النصب والجر بالياءِ، فإِذا نسبت إِليه، قلت: هذا رجل نَصِـيبـيّ، فتحذف الواو والنون؛ قال: وكذلك كلُّ ما جمعته جمع السلامة، تَرُدُّه في النسب إِلى الواحد، فتقول في زيدون، اسم رجل أَو بلد: زيديّ، ولا تقل زيدونيّ، فتجمع في الاسم الإِعرابَين، وهما الواو والضمة.
حقق: الحَقُّ: نقيض الباطل، وجمعه حُقوقٌ وحِقاقٌ، وليس له بِناء أدنى
عدَد. وفي حديث التلبية: لبَّيْك حَقّاً حقّاً أي غير باطل، وهو مصدر مؤكد
لغيره أي أنه أكََّد به معنى ألزَم طاعتَك الذي دلّ عليه لبيك، كما
تقول: هذا عبد الله حقّاً فتؤَكِّد به وتُكرِّرُه لزيادة التأْكيد،
وتَعَبُّداً مفعول له
(* قوله «وتعبداً مفعول له» كذا هو في النهاية أيضاً.) وحكى
سيبويه: لَحَقُّ أنه ذاهب بإضافة حقّ إلى أنه كأنه قال: لَيقِينُ ذاك
أمرُك، وليست في كلام كل العرب، فأمرك هو خبر يقينُ لأنه قد أضافه إلى ذاك
وإذا أضافه إليه لم يجز أن يكون خبراً عنه، قال سيبويه: سمعنا فصحاء العرب
يقولونه، وقال الأَخفش: لم أسمع هذا من العرب إنما وجدناه في الكتاب
ووجه جوازِه، على قِلَّته، طول الكلام بما أضيف هذا المبتدأ إليه، وإذا طال
الكلام جاز فيه من الحذف ما لا يجوز فيه إذا قصُر، ألا ترى إلى ما حكاه
الخليل عنهم: ما أنا بالذي قائل لك شيئاً؟ ولو قلت: ما أنا بالذي قائم
لقَبُح. وقوله تعالى: ولا تَلْبِسُوا الحقَّ بالباطل؛ قال أبو إسحق: الحق
أمر النبي، صلى الله عليه وسلم، وما أتى به من القرآن؛ وكذلك قال في قوله
تعالى: بل نَقْذِفُ بالحقِّ على الباطل. وحَقَّ الأَمرُ يَحِقُّ ويَحُقُّ
حَقّاً وحُقوقاً: صار حَقّاً وثَبت؛ قال الأَزهري: معناه وجَب يَجِب
وجُوباً، وحَقَّ عليه القولُ وأحْقَقْتُه أنا. وفي التنزيل: قال الذي حَقَّ
عليهم القولُ؛ أي ثبت، قال الزجاج: هم الجنُّ والشياطين. وقوله تعالى:
ولكن حقَّت كلمة العذاب على الكافرين؛ أي وجبت وثبتت، وكذلك: لقد حقَّ القول
على أكثرهم؛ وحَقَّه يَحُقُّه حقّاً وأحَقَّه، كلاهما: أثبته وصار عنده
حقّاً لا يشكُّ فيه. وأحقَّه: صيره حقّاً. وحقَّه وحَقَّقه: صدَّقه؛ وقال
ابن دريد: صدَّق قائلَه. وحقَّق الرجلُ إذا قال هذا الشيء هو الحقُّ
كقولك صدَّق. ويقال: أحقَقْت الأَمر إحقاقاً إذا أحكمته وصَحَّحته؛
وأنشد:قد كنتُ أوْعَزْتُ إلى العَلاء
بأنْ يُحِقَّ وذَمَ الدِّلاء
وحَقَّ الأَمرَ يحُقُّه حقّاً وأحقَّه: كان منه على يقين؛ تقول:
حَقَقْتَ الأَمر وأحْقَقْته إذا كنت على يقين منه. ويقال: ما لي فيك حقٌّ ولا
حِقاقٌ أي خُصومة. وحَقَّ حَذَرَ الرجل يَحُقُّه حَقّاً وحَقَقْتُ حذَره
وأحقَقْته أي فعلت ما كان يَحذَره. وحقَقْت الرجل وأحقَقْته إذا أتيتَه؛
حكاه أبو عبيد. قال الأَزهري: ولا تقل حَقَّ حذَرَك، وقال: حقَقْت الرجل
وأحقَقْته إذا غلَبته على الحقّ وأثبَتَّه عليه. قال ابن سيده: وحقَّه على
الحقّ وأحقَّه غلبَه عليه، واستَحقَّه طلَب منه حقَّه.
واحْتَقّ القومُ: قال كل واحد منهم: الحقُّ في يدي. وفي حديث ابن عباس
في قُرَّراء القرآن: متى ما تَغْلوا في القرآن تَحْتَقُّوا، يعني المِراء
في القرآن، ومعنى تحتقُّوا تختصموا فيقول كل واحد منهم: الحقُّ بيدي
ومعي؛ ومنه حديث الحَضانةِ: فجاءَ رجلان يَحْتَقّانِ في ولَد أي يختصِمان
ويطلُب كل واحد منهما حقّه؛ ومنه الحديث: من يحاقُّني في ولدي؟ وحديث وهْب:
كان فيما كلَّم الله أيُّوبَ، عليه السلام: أتحاقُّني بِخِطْئِك؛ ومنه
كتابه لحُصَين: إنَّ له كذا وكذا لا يُحاقُّه فيها أحد. وفي حديث أبي بكر،
رضي الله عنه: أنه خرج في الهاجرة إلى المسجد فقيل له: ما أخرجك؟ قال: ما
أخرجني إلا ما أجِدُ من حاقِّ الجُوع أي صادِقه وشدَّته، ويروى بالتخفيف
من حاقَ به يَحِيقُ حَيْقاً وحاقاً إذا أحدق به، يريد من اشتمال الجوع
عليه، فهو مصدر أقامه مقام الاسم، وهو مع التشديد اسم فاعل من حقَّ
يَحِقُّ. وفي حديث تأخير الصلاة: وتَحْتَقُّونها إلى شَرَقِ الموتَى أي
تضيِّقُون وقتَها إلى ذلك الوقت. يقال: هو في حاقٍّ من كذا أي في ضيق؛ قال ابن
الأَثير: هكذا رواه بعض المتأخرين وشرَحه، قال: والرواية المعروفة بالخاء
المعجمة والنون، وسيأتي ذكره.
والحق: من أسماء الله عز وجل، وقيل من صفاته؛ قال ابن الأَثير: هو
الموجود حقيقةً المُتحققُ وجوده وإلَهِيَّتُه. والحَق: ضدّ الباطل. وفي
التنزيل: ثم رُدُّوا إلى الله مولاهم الحَقِّ. وقوله تعالى: ولو اتبع الحقُّ
أهواءَهم؛ قال ثعلب: الحق هنا الله عز وجل، وقال الزجاج: ويجوز أن يكون
الحق هنا التنزيل أي لو كن القرآن بما يحِبُّونه لفَسَدت السمواتُ والأَرضُ.
وقوله تعالى: وجاءت سَكْرة الموتِ بالحق؛ معناه جاءَت السكرةُ التي تدل
الإنسان أنه ميت بالحقِّ بالموت الذي خُلق له. قال ابن سيده: وروي عن أبي
بكر، رضي الله عنه: وجاءت سكرة الحقِّ أي بالموت، والمعنى واحد، وقيل:
الحق هنا الله تعالى. وقولٌ حقٌّ: وُصِف به، كما تقول قولٌ باطل. وقال
الليحاني: وقوله تعالى: ذلك عيسى بنُ مريم قول الحقِّ، إنما هو على إضافة
الشيء إلى نفسه؛ قال الأَزهري: رفع الكسائي القول وجعل الحق هو الله، وقد
نصَب قولَ قومٌ من القراء يريدون ذلك عيسى ابن مريم قولاً حقّاً، وقرأ من
قرأ: فالحقُّ والحقَّ أقول برفع الحق الأَول فمعناه أنا الحقُّ. وقال
الفراءُ في قوله تعالى: قال فالحق والحقَّ أقول، قرأ القراء الأَول بالرفع
والنصب، روي الرفع عن عبد الله بن عباس، المعنى فالحقُّ مني وأقول الحقَّ،
وقد نصبهما معاً كثير من القُرَّاء، منهم من يجعل الأَول على معنى
الحقَّ لأَمْلأَنَّ، ونَصب الثاني بوقوع الفعل عليه ليس فيه اختلاف؛ قال ابن
سيده: ومن قرأ فالحقَّ والحقّ أقول بنصب الحق الأَول، فتقديره فأحُقُّ
الحقّ حقّاً؛ وقال ثعلب: تقديره فأقول الحقَّ حقّاً؛ ومن قرأ فالحقِّ، أراد
فبالحق وهي قليلة لأن حروف الجر لا تضمر. وأما قول الله عز وجل: هنالك
الوَلايةُ لله الحقَّ، فالنصب في الحق جائز يريد حقّاً أي أُحِقُّ الحقَّ
وأحُقُّه حَقّاً، قال: وإن شئت خفضت الحق فجعلته صفة لله، وإن شئت رفعته
فجعلته من صفة الولاية هنالك الولايةُ الحقُّ لله. وفي الحديث: من رآني
فقد رأى الحقَّ أي رؤيا صادقةً ليست من أضْغاث الأَحْلام، وقيل: فقد رآني
حقيقة غير مُشَبَّهٍ. ومنه الحديث: أمِيناً حقَّ أمِينٍ أي صِدْقاً،
وقيل: واجباً ثابتاً له الأَمانةُ؛ ومنه الحديث: أتدْرِي ما حَقُّ العباد على
الله أي ثوابُهم الذي وعدَهم به فهو واجبُ الإنْجازِ ثابت بوعدِه
الحقِّ؛ ومنه الحديث: الحقُّ بعدي مع عمر.
ويَحُقُّ عليك أن تفعل كذا: يجب، والكسر لغة، ويَحُقُّ لك أن تفعل
ويَحُقُّ لك تَفْعل؛ قال:
يَحُقُّ لمن أَبُو موسَى أَبُوه
يُوَفِّقُه الذي نصَب الجِبالا
وأنت حَقيِقٌ عليك ذلك وحَقيِقٌ عليَّ أَن أَفعله؛ قال شمر: تقول العرب
حَقَّ عليَّ أَن أَفعلَ ذلك وحُقَّ، وإِني لمَحْقُوق أَن أَفعل خيراً،
وهو حَقِيق به ومَحقُوق به أَي خَلِيق له، والجمع أَحِقاء ومَحقوقون. وقال
الفراء: حُقَّ لك أَن تفعل ذلك وحَقَّ، وإِني لمحقوق أَن أَفعل كذا،
فإِذا قلت حُقَّ قلت لك، وإذا قلت حَقَّ قلت عليك، قال: وتقول يَحِقُّ عليك
أَن تفعل كذا وحُقَّ لك، ولم يقولوا حَقَقْتَ أَن تفعل. وقوله تعالى:
وأَذِنَت لربِها وحُقَّت؛ أَي وحُقَّ لها أنَ تفعل. ومعنى قول من قال حَقَّ
عليك أَن تفعل وجَب عليك. وقالوا: حَقٌّ أَن تفعل وحَقِيقٌ أَن تفعل. وفي
التنزيل: حَقيق عليَّ أَن لا أَقولَ على الله إِلا الحقَّ. وحَقِيقٌ في
حَقَّ وحُقَّ، فَعِيل بمعنى مَفْعول، كقولك أَنت حَقِيق أَن تفعله أَي
محقوق أَن تفعله، وتقول: أَنت مَحْقوق أَن تفعل ذلك؛ قال الشاعر:
قَصِّرْ فإِنَّكَ بالتَّقْصِير مَحْقوق
وفي التنزيل: فحَقَّ علينا قولُ رَبِّنا. ويقال للمرأَة: أَنت حقِيقة
لذلك، يجعلونه كالاسم، وَأَنت مَحْقوقة لذلك، وأَنت مَحْقوقة أَن تفعلي
ذلك؛ وأَما قول الأَعشى:
وإِنَّ امْرَأً أَسْرى إِليكِ، ودونَه
من الأَرضِ مَوْماةٌ ويَهْماء سَمْلَقُ
لَمَحْقُوقةٌ أَن تَسْتَجِيبي لِصَوْتِه،
وأَن تَعْلَمي أَنَّ المُعانَ مُوَفَّقُ
فإِنه أَراد لَخُلّة محْقوقة، يعني بالخُلّة الخَلِيلَ، ولا تكون الهاء
في محقوقة للمبالغة لأَن المبالغة إنما هي في أسماء الفاعلين دون
المَفْعُولين، ولا يجوز أن يكون التقدير لمحقوقة أنت، لأن الصفة إذا جرت على غير
موصوفها لم يكن عند أبي الحسن الأخفش بُدًّ من إبراز الضمير، وهذا كله
تعليل الفارسي؛ وقول الفرزدق:
إذا قال عاوٍ من مَعَدٍّ قَصِيدةً،
بها جَرَبٌ، عُدَّتْ عليَّ بِزَوْبَرا
فيَنْطِقُها غَيْري وأُرْمى بذَنبها،
فهذا قَضاءٌ حَقُّه أَن يُغَيَّرا
أي حُقَّ له. والحَقُّ واحد الحُقوق، والحَقَّةُ والحِقَّةُ أخصُّ منه،
وهو في معنى الحَق؛ قال الأزهري: كأنها أوجَبُ وأخصّ، تقول هذه حَقَّتي
أي حَقِّي. وفي الحديث: أنه أعطى كلَّ ذي حَقّ حقّه ولا وصيّة لوارث أي
حظَّه ونَصِيبَه الذي فُرِضَ له. ومنه حديث عمر، رضي الله عنه: لما طُعِنَ
أُوقِظَ للصلاة فقال: الصلاةُ والله إِذَنْ ولا حقَّ أي ولا حَظَّ في
الإسلام لِمَن تركَها، وقيل: أراد الصلاةُ مقْضِيّة إذن ولا حَقَّ مَقْضِيٌّ
غيرها، يعني أن في عُنقه حُقوقاً جَمَّةً يجب عليه الخروج عن عُهْدتها
وهو غير قادر عليه، فهَبْ أنه قضى حَقَّ الصلاة فما بالُ الحُقوق الأُخر؟
وفي الحديث: ليلةُ الضَّيْفِ حَقٌّ فمن أصبح بفِنائه ضَيْف فهو عليه
دَيْن؛ جعلها حَقّاً من طريق المعروف والمُروءة ولم يزل قِرى الضَّيفِ من
شِيَم الكِرام ومَنْع القِرى مذموم؛ ومنه الحديث: أَيُّما رجُل ضافَ قوماً
فأصبح مَحْرُوماً فإِن نَصْرَه حَقٌّ على كل مسلم حتى يأْخذ قِرى ليلته من
زَرعه وماله؛ وقال الخطابي: يشبه أن يكون هذا في الذي يخاف التّلف على
نفسه ولا يجد ما يأْكل فله أن يَتناول من مال أخيه ما يُقيم نفسه، وقد
اختلف الفقهاء في حكم ما يأْكله هل يلزمه في مقابلته شيء أم لا. قال ابن
سيده: قال سيبويه وقالوا هذا العالم حَقُّ العالم؛ يريدون بذلك التَّناهي
وأنه قد بلغ الغاية فيما يصفه من الخِصال، قال: وقالوا هذا عبد الله
الحَقَّ لا الباطل، دخلت فيه اللام كدخولها في قولهم أَرْسَلَها العِراكَ، إلا
أنه قد تسقط منه فتقول حقّاً لا باطلاً.
وحُقَّ لك أن تفعل وحُقِقْتَ أن
(* قوله «وحققت أن إلخ» كذا ضبط في
الأصل وبعض نسخ الصحاح بضم فكسر والذي في القاموس فكسر.) تفعل وما كان
يَحُقُّك أن تفعله في معنى ما حُقَّ لك. وأُحِقَّ عليك القَضاء فحَقَّ أي
أُثْبِتَ فثبت، والعرب تقول: حَقَقْت عليه القضاء أحُقُّه حَقّاً وأحقَقْتُه
أُحِقُّه إحْقاقاً أي أوجبته. قال الأزهري: قال أبو عبيد ولا أعرف ما قال
الكسائي في حَقَقْت الرجلَ وأحْقَقْته أي غلبته على الحق.
وقوله تعالى: حَقّاً على المُحسنين، منصوب على معنى حَقَّ ذلك عليهم
حقّاً؛ هذا قول أبي إسحق النحوي؛ وقال الفراء في نصب قوله حقّاً على
المحسنين وما أشبهه في الكتاب: إنه نَصْب من جهة الخبر لا أنه من نعت قوله
مَتاعاً بالمعروف حقّاً، قال: وهو كقولك عبدُ اللهِ في الدار حقْاً، إنما
نَصْبُ حقّاً من نية كلام المُخبِر كأنه قال: أُخْبِركم بذلك حقّاً؛ قال
الأزهري: هذا القول يقرب مما قاله أبو إسحق لأنه جعله مصدراً مؤكِّداً كأنه
قال أُخبركم بذلك أحُقُّه حَقّاً؛ قال أبو زكريا الفراء: وكلُّ ما كان في
القرآن من نَكِرات الحق أو معرفته أو ما كان في معناه مصدراً، فوجه
الكلام فيه النصب كقول الله تعالى: وَعْدَ الحقِّ ووعدَ الصِّدْقِ؛
والحَقِيقَةُ ما يصير إليه حَقُّ الأمر ووجُوبُه.
وبلغ حقيقةَ الأمر أي يَقِينَ شأْنه. وفي الحديث: لا يبلُغ المؤمن
حقيقةَ الإيمان حتى لا يَعِيب مسلماً بِعَيْب هو فيه؛ يعني خالِصَ الإيمان
ومَحْضَه وكُنْهَه. وحقيقةُ الرجل: ما يلزمه حِفظه ومَنْعُه ويَحِقُّ عليه
الدِّفاعُ عنه من أهل بيته؛ والعرب تقول: فلان يَسُوق الوَسِيقة ويَنْسِلُ
الوَدِيقةَ ويَحْمي الحقيقة، فالوَسيقةُ الطريدةُ من الإبل، سميت وسيقة
لأن طاردها يَسِقُها إذا ساقَها أي يَقْبِضها، والوَديقةُ شدّة الحر،
والحقيقةُ ما يَحِقّ عليه أن يَحْمِيه، وجمعها الحَقائقُ. والحقيقةُ في
اللغة: ما أُقِرّ في الاستعمال على أصل وضْعِه، والمَجازُ ما كان بضد ذلك،
وإنما يقع المجاز ويُعدَل إليه عن الحقيقة لمعانٍ ثلاثة: وهي الإتِّساع
والتوكيد والتشبيه، فإن عُدِم هذه الأوصافُ كانت الحقيقة البتَّةَ، وقيل:
الحقيقة الرّاية؛ قال عامر بن الطفيل:
لقد عَلِمَتْ عَليْنا هَوازِنَ أَنَّني
أَنا الفارِسُ الحامي حَقِيقةَ جَعْفَرِ
وقيل: الحقيقة الحُرْمة، والحَقيقة الفِناء.
وحَقَّ الشئُ يَحِقُّ، بالكسر، حقّاً أي وجب. وفي حديث حذيفة: ما حَقَّ
القولُ على بني إسرائيل حتى استغْنى الرِّجالُ بالرجالِ والنساءُ
بالنساءِ أي وجَب ولَزِم. وفي التنزيل: ولكن حَقَّ القولُ مني. وأحقَقْت الشئ أي
أوجبته. وتحقق عنده الخَبَرُ أي صحَّ. وحقَّقَ قوله وظنَّه تحقيقاً أي
صدَّقَ. وكلامٌ مُحَقَّقٌ أي رَصِين؛ قال الراجز:
دَعْ ذا وحَبِّرْ مَنْطِقاً مُحَقَّقا
والحَقُّ: صِدْق الحديثِ. والحَقُّ: اليَقين بعد الشكِّ.
وأحقِّ الرجالُ: قال شيئاً أو ادَّعَى شيئاً فوجب له.
واستحقَّ الشيءَ: استوجبه. وفي التنزيل: فإن عُثِرَ على أنَّهُمَا
اسْتَحقّا إثْماً، أي استوجباه بالخِيانةِ، وقيل: معناه فإن اطُّلِعَ على
أنهما استوجبا إثماً أي خيانةً باليمين الكاذبة التي أقْدما عليها، فآخرانِ
يَقُومانِ مَقامها من ورثة المُتوفَّى الذين استُحِقَّ عليهم أي مُلِك
عليهم حقٌ من حقوقهم بتلك اليمين الكاذبة، وقيل: معنى عليهم منهم، وإذا
اشتَرَى رجل داراً من رجل فادّعاها رجل آخر وأقامَ بيِّنةً عادلةً على دعواه
وحكم له الحاكمُ ببينة فقد استحقها على المشتري الذي اشتراها أي مَلَكَها
عليه، وأخرجها الحاكم من يد المشتري إلى يد مَن استحقَّها، ورجع المشتري
على البائع بالثمن الذي أدَّاه إليه، والاستِحْقاقُ والاسْتِيجابُ
قريبان من السواء. وأما قوله تعالى: لَشَهادَتُنا أحَقُّ من شهادتهما، فيجوز
أن يكون معناه أشدُّ اسْتِحْقاقاً للقَبول، ويكون إذ ذاك على طرح الزائد
من اسْتَحقَّ أعني السين والتاء، ويجوز أن يكون أراد أثْبَتُ من شهادتهما
مشتق من قولهم حَقَّ الشيءُ إذا ثبت. وفي حديث ابن عمر أن النبي، صلى
الله عليه وسلم، قال: ما حقُّ امرئٍ أن يَبِيتَ ليلتين إلا ووَصِيَّتُه
عنده؛ قال الشافعي: معناه ما الحَزْمُ لامرئٍ وما المعروف في الأخلاق الحسَنة
لامرئٍ ولا الأحْوطُ إلا هذا، لا أنه واجب ولا هو من جهة الفرض، وقيل:
معناه أن الله حكم على عباده بوجوب الوصية مطلقاً ثم نَسخ الوصيّة للوارث
فبقي حَقُّ الرجل في ماله أن يُوصي لغير الوارث، وهو ما قدَّره الشارع
بثلث ماله.
وحاقَّهُ في الأمر مُحَاقَّةً وحِقاقاً: ادَّعَى أنه أولى بالحق منه،
وأكثر ما استعملوا هذا في قولهم حاقَّني أي أكثر ما يستعملونه في فعل
الغائب. وحاقَّهُ فحَقَّه يَحُقُّه: غَلبه، وذلك في الخصومة واستيجاب الحق.
وحاقَّهُ أي خاصَمه وادَّعَى كل واحد منهما الحق، فإذا غلبه قيل حَقَّه.
والتَّحَاقُّ: التخاصمُ. والاحْتِقاقُ: الاختصام. ويقال: احْتَقَّ فلان
وفلان، ولا يقال للواحد كما لا يقال اختصم للواحد دون الآخر. وفي حديث
علي، كرم الله وجهه: إذا بلغ النساءُ نَصَّ الحِقاقِ، ورواه بعضهم: نَصُّ
الحَقائِقِ، فالعَصَبة أوْلى؛ قال أبو عبيدة: نَصَّ كل شيء مُنتهاه
ومَبْلَغ أقصاه. والحِقاقُ: المُحاقَّةُ وهو أن تُحاقَّ الأُمُّ العَصبَة في
الجارية فتقول أنا أحَقُّ بها، ويقولون بل نحن أحَقُّ، وأراد بِنَصِّ
الحِقاق الإدْراكَ لأن وقت الصغر ينتهي فتخرج الجارية من حد الصغر إلى الكبر؛
يقول: ما دامت الجاريةُ صغيرةً فأُمُّها أوْلى بها، فإذا بَلَغَت فالعصبة
أوْلى بأمرها من أُمها وبتزويجها وحَضانتها إذا كانو مَحْرَماً لها مثل
الآباء والإخْوة والأعمام؛ وقال ابن المبارك: نَصُّ الحِقاق بلوغ العقل،
وهو مثل الإدراك لأنه إنما أراد منتهى الأمر الذي تجب به الحقوق والأحكام
فهو العقل والإدراك. وقيل: المراد بلوغ المرأة إلى الحد الذي يجوز فيه
تزويجها وتصَرُّفها في أمرها، تشبيهاً بالحِقاقِ من الإبل جمع حِقٍّ
وحِقَّةٍ، وهو الذي دخل في السنة الرابعة، وعند ذلك يُتمكَّن من ركوبه
وتحميله، ومن رواه نَصَّ الحَقائِقِ فإنه أراد جمع الحَقيقة، وهو ما يصير إليه
حَقُّ الأمر ووجوبُه، أو جمع الحِقَّة من الإبل؛ ومنه قولهم: فلان حَامي
الحَقِيقة إذا حَمَى ما يجب عليه حمايتُه. ورجل نَزِقُ الحِقاقِ إذا خاصم
في صغار الأشياء.
والحاقَّةُ: النازلة وهي الداهية أيضاً. وفي التهذيب: الحَقَّةُ الداهية
والحاقَّةُ القيامة، وقد حَقَّتْ تَحُقُّ. وفي التنزيل: الحاقَّةُ ما
الحاقَّة وما أدراك ما الحاقَّةُ؛ الحاقة: الساعة والقيامة، سميت حاقَّةً
لأنها تَحُقُّ كلَّ إنسان من خير أو شر؛ قال ذلك الزجاج، وقال الفراء:
سميت حاقَّةً لأن فيها حَواقَّ الأُمور والثوابَ. والحَقَّةُ: حقيقة الأمر،
قال: والعرب تقول لمّاعرفتَ الحَقَّةَ مِني هربْتَ، والحَقَّةُ
والحاقَّةُ بمعنى واحد؛ وقيل: سميت القيامة حاقَّةً لأنها تَحُقُّ كلَّ مُحاقٍّ في
دِين الله بالباطل أي كل مُجادِلٍ ومُخاصم فتحُقُّه أي تَغُلِبه
وتَخُصِمه، من قولك حاقَقْتُه أُحاقُّه حِقاقاً ومُحاقَّةً فحَقَقْتُه أحُقُّه
أي غلبته وفَلَجْتُ عليه. وقال أبو إسحق في قوله الحاقَّةُ: رفعت
بالابتداء، وما رَفْعٌ بالابتداء أيضاً، والحاقَّةُ الثانية خبر ما، والمعنى
تفخيم شأنها كأنه قال الحاقَّةُ أي شيءٍ الحاقَّةُ. وقوله عز وجل: وما أدراكَ
ما الحاقَّةُ، معناه أيُّ شيءٍ أعْلَمَكَ ما الحاقَّةُ، وما موضعُها
رَفْعٌ وإن كانت بعد أدْراكَ؛ المعنى ما أعْلَمَكَ أيُّ شيءٍ الحاقَّةُ.
ومن أيمانهم: لَحَقُّ لأَفْعَلَنّ، مبنية على الضم؛ قال الجوهري:
وقولهم لَحَقُّ لا آتِيكَ هو يمين للعرب يرفعونها بغير تنوين إذا جاءت بعد
اللام، وإذا أزالوا عنها اللام قالوا حَقّاً لا آتِيك؛ قال ابن بري: يريد
لَحَقُّ الله فنَزَّلَه منزلة لَعَمْرُ اللهِ، ولقد أُوجِبَ رفعُه لدخول
اللام كما وَجب في قولك لَعَمْرُ الله إذا كان باللام. والحَقُّ:
المِلْك.والحُقُقُ: القريبو العهد بالأُمور خيرها وشرها، قال: والحُقُقُ
المُحِقُّون لما ادّعَوْا أيضاً.
والحِقُّ من أولاد الإبل: الذي بلغ أن يُرْكب ويُحمَل عليه ويَضْرِب،
يعني أن يضرب الناقةَ، بيِّنُ الإحقاقِ والاسْتحقاق، وقيل: إذا بلغت أمُّه
أوَانَ الحَمْل من العام المُقْبِل فهو حِقُّ بيِّنُ الحِقَّةِ. قال
الأَزهري: ويقال بعير حِقٌّ بيِّنُ الحِقِّ بغير هاء، وقيل: إذا بلغ هو
وأُخته أن يُحْمَل عليهما ويُركبا فهو حِقٌّ؛ الجوهري: سمي حِقّاً لاستحقاقه
أن يُحْمل عليه وأن يُنتفع به؛ تقول: هو حِقٌّ بيِّنُ الحِقَّةِ، وهو
مصدر، وقيل: الحِقُّ الذي استكمل ثلاث سنين ودخل في الرابعة؛ قال:
إذا سُهَيْلٌ مَغْرِبَ الشمس طَلَعْ،
فابْنُ اللَّبونِ الحِقُّ جَذَعْ
والجمع أحُقٌّ وحِقاقٌ، والأُنثى حِقَّة وحِقٌّ أيضاً؛ قال ابن سيده:
والأُنثى من كل ذلك حِقَّةٌ بَيِّنَةُ الحِقَّةِ، وإنما حكمه بَيِّنة
الحَقاقةِ والحُقُوقةِ أو غير ذلك من الأَبنية المخالفة للصفة لأَن المصدر في
مثل هذا يخالف الصفة، ونظيره في موافقة هذا الضرب من المصادر للاسم في
البناء قولهم أسَدٌ بَيِّنُ الأَسد. قال أبو مالك: أحَقَّت البَكْرَة إذا
استوفت ثلاث سنين، وإذا لَقِحَت حين تُحِقّ قيل لَقِحت عليَّ كرهاً.
والحِقَّةُ أيضاً: الناقة التي تؤخذ في الصدقة إذا جازت عِدَّتُها خمساً
وأربعين. وفي حديث الزكاة ذكر الحِقِّ والحِقَّة، والجمع من كل ذلك حُقُقٌ
وحَقائق؛ ومنه قول المُسَيَّب بن عَلَس:
قد نالَني منه على عَدَمٍ
مثلُ الفَسِيل، صِغارُها الحُقُقُ
قال ابن بري: الضمير في منه يعود على الممدوح وهو حسان بن المنذر أخو
النعمان؛ قال الجوهري: وربما تجمع على حَقائقَ مثل إفَالٍ وأفائل، قال ابن
سيده: وهو نادر؛ وأنشد لعُمارةَ بن طارق:
ومَسَدٍ أُمِرَّ من أَيانِقِ،
لَسْنَ بأَنْيابٍ ولا حَقائِقِ
وهذا مثل جَمْعهم امرأَة غِرَّة على غَرائر، وكجمعهم ضَرَّة على ضَرائر،
وليس ذلك بِقياس مُطَّرِد. والحِقُّ والحِقَّة في حديث صدقات الإبل
والديات، قال أَبو عبيد: البعير إِذا اسْتَكْمَلَ السنة الثالثة ودخل في
الرابعة فهو حينئذ حِقُّ، والأُنثى حِقَّة. والحِقَّة: نَبْرُ أُم جَرِير بن
الخَطَفَى، وذلك لأَن سُوَيْدَ بن كراع خطبها إلى أَبيها فقال له: إِنها
لصغيرة صُرْعةٌ، قال سويد: لقد رأَيتُها وهي حِقَّةٌ أَي كالحِقَّة من
الإِبل في عِظَمها؛ ومنه حديث عمر، رضي الله عنه: ومن وَراء حِقاقِ
العُرْفُطِ أَي صغارها وشَوابِّها، تشبيهاً بِحقاق الإبل. وحَقَّتِ الحِقَّةُ
تَحِقُّ وأَحَقَّت، كلاهما: صارت حِقَّةً؛ قال الأَعشى:
بِحِقَّتِها حبِسَتْ في اللَّجيـ
نِ، حتى السَّديِسُ لها قد أَسَنّْ
قال ابن بري: يقال أَسَنَّ سدِيسُ الناقة إِذا نبَت وذلك في الثامنة،
يقول: قِيمَ عليها من لدن كانت حِقَّة إِلى أَن أَسْدَسَت، والجمع حِقاقٌ
وحُقُقٌ؛ قال الجوهري: ولم يُرد بحقَّتها صفة لها لأَنه لا يقال ذلك كما
لا يقال بجَذَعَتها فُعِلَ بها كذا ولا بثنيَّتها ولا ببازلها، ولا أَراد
بقوله أَسَنَّ كَبِرَ لأَنه لا يقال أَسَنَّ السِّنُّ، وإِنما يقال
أََسنَّ الرجل وأَسَّت المرأَة، وإِنما أَراد أَنها رُبِطَت في اللَّجين وقتاً
كانت حقة إِلى أَن نَجَمَ سَدِيسُها أَي نبَت، وجمع الحِقاق حُقُق مثل
كِتاب وكتُب؛ قال ابن سيده: وبعضهم يجعل الحِقَّة هنا الوقت، وأَتت
الناقةُ على حِقَّتها أَي على وقتها الذي ضَربها الفحل فيه من قابل، وهو إِذا
تَمَّ حَملها وزادت على السنة أَياماً
من اليوم الذي ضُربت فيه عاماً أَوّل حتى يستوفي الجَنين السنةَ، وقيل:
حِقُّ الناقة واسْتِحقاقُها تَمام حَمِلها؛ قال ذو الرمة:
أَفانين مَكْتوب لها دُون حِقِّها،
إِذا حَمْلُِها راشَ الحِجَاجَينِ بالثُّكْلِ
أَي إِذا نبَت الشعر على ولدها ألقته ميِّتاً، وقيل: معنى البيت أَنه
كتب لهذه النجائب إِسقاطُ أَولادها قبل أَناء نِتاجها، وذلك أَنها رُكبت في
سفَر أَتعبها فيه شدة السير حتى أَجْهَضَتْ أَولادها؛ وقال بعضهم: سميت
الحِقَّة لأَنها استحقَّت أَن يَطْرُقها الفحلُ، وقولهم: كان ذلك عند
حَقِّ لَقاحها وحِقِّ لَقاحها أَيضاً، بالكسر، أَي حين ثبت ذلك فيها.
الأَصمعي: إِذا جازت الناقة السنة ولم تلد قيل قد جازت الحِقَّ؛
وقولُ عَدِيّ:أَي قومي إِذا عزّت الخمر
وقامت رفاقهم بالحقاق
ويروى: وقامت حقاقهم بالرفاق، قال: وحِقاقُ الشجر صغارها شبهت بحقاق
الإِبل.
ويقال: عَذر الرَّجلُ وأَعْذَر واسْتَحقَّ واستوْجَب إِذا أَذنب ذنباً
استوْجب به عُقوبة؛ ومنه حديث النبي، صلى الله عليه وسلم: لا يَهْلِكُ
الناسُ حتى يُعْذِرُوا من أَنفسهم.
وصبَغْتُ الثوبَ
صَبْغاً تَحْقِيقاً أَي مُشْبَعاً. وثوب مُحقَّق: عليه وَشْيٌ
على صورة الحُقَق، كما يقال بُرْدٌ مُرَجَّلٌ. وثوب مُحَقَّقٌ إِذا كان
مُحْكَمَ النَّسْجِ؛ قال الشاعر:
تَسَرْبَلْ جِلْدَ وجْهِ أَبِيك، إِنّا
كَفَيْناكَ المُحَقَّقَةَ الرَّقاقا
وأَنا حَقِيقٌ على كذا أَي حَريصٌ عليه؛ عن أَبي عليّ، وبه فسر قوله
تعالى: حَقِيقٌ على أَن لا أَقول على الله إلاَّ الحَقَّ، في قراءة من قرأَ
به، وقرئ حقيق عليّ أَن لا أَقول، ومعناه واجب عليّ ترك القول على الله
إِلاَّ بالحق.
والحُقُّ والحُقَّةُ، بالضم: معروفة، هذا المَنْحوت من الخشب والعاج
وغير ذلك مما يصلح أَن
يُنحت منه، عربيٌّ معروف قد جاء في الشعر الفصيح؛ قال الأَزهري: وقد
تُسوّى الحُقة من العاج وغيره؛ ومنه قول عَمرو بن كُلْثُوم:
وثَدْياً مثلَ حُقِّ العاجِ رَخْصاً،
حَصاناً من أَكُفِّ اللاَّمِسِينا
قال الجوهري: والجمع حُقُّ وحُقَقٌ وحِقاقٌ؛ قال ابن سيده: وجمع الحُقّ
أَحْقاقٌ وحِقاقٌ، وجمع الحُقَّة حُقَقٌ؛ قال رؤبة:
سَوَّى مَساحِيهنَّ تَقْطِيطَ الحُقَقْ
وصَفَ
حَوافِرَ حُمُر الوَحْشِ أَي أَنَّ الحِجارة سوَّت حَوافِرها كأَنما
قُطِّطَتْ تَقْطِيطَ الحُقَقِ، وقد قالوا في جمع حُقَّةٍ حُقّ، فجعلوه من
باب سِدْرة وسِدْر، وهذا أَكثره إِنما هو في المخلوق دون المصنوع، ونظيره
من المصنوع دَواةٌ ودَوًى وسَفِينة وسَفِين. والحُقُّ من الورك: مَغْرِزُ
رأْس الفخذ فيها عصَبة إِلى رأْس الفخذ إِذا انقطعت حَرِقَ الرجل، وقيل:
الحُق أَصل الورك الذي فيه عظم رأْس الفخذ. والحُق أَيضاً: النُّقْرة
التي في رأْس الكتف. والحُقُّ: رأْس العَضُد الذي فيه الوابِلةُ وما
أَشْبهها.
ويقال: أَصبت حاقّ عينه وسقط فلان على حاقِّ رأْسه أَي وسَط رأْسه،
وجئته في حاقِّ الشتاء أَي في وسطه. قال الأَزهري: وسمعت أَعرابيّآً يقول
لنُقْبة من الجرَب ظهَرت ببعير فشكُّوا فيها فقال: هذا حاقُّ صُمادِحِ
الجَرَبِ.
وفي الحديث: ليس للنساء أَن يَحقُقْنَ الطَّريقَ؛ هو أَن يَركبن حُقَّها
وهو وسَطها من قولكم سقَط على حاقِّ القَفا وحُقَّه. وفي حديث يوسف بن
عمر: إِنَّ عامِلاً من عُمالي يذكُر أَنه زَرَعَ كلَّ حُقٍّ ولُقٍّ؛
الحُق: الأَرض المطمئنة، واللُّق: المرتفعة. وحُقُّ الكَهْوَل: بيت العنكبوت؛
ومنه حديث عَمرو بن العاص أَنه قال لمعاوية في مُحاوَراتٍ كانت بينهما:
لقد رأَيْتك بالعراق وإِنَّ أَمْرَك كحُقِّ الكَهول وكالحَجاةِ في
الضَّعْف فما زِلت أَرُمُّه حتى اسْتَحكم، في حديث فيه طول، قال: أَي واهٍ.
وحُقُّ الكَهول: بيت العنكبوت. قال الأَزهري: وقد روى ابن قتيبة هذا الحرف
بعينه فصحَّفه وقال: مثل حُق الكَهْدَلِ، بالدال بدل الواو، قال: وخبَطَ
في تفسيره خَبْط العَشْواء، والصواب مثل حُق الكَهول، والكَهول العنكبوت،
وحُقَّه بيته. وحاقُّ وسَطِ الرأْس: حَلاوةُ القفا.
ويقال: استحقَّت إِبلُنا ربيعاً وأَحَقَّت ربيعاً إِذا كان الربيع تاماً
فرعَتْه. وأَحقَّ القومُ إِحْقاقاً إِذا سَمِنَ مالُهم. واحتقَّ القوم
احْتقاقاً إِذا سَمِنَ وانتهى سِمَنُه. قال ابن سيده: وأَحقَّ القومُ
من الربيع إِحْقاقاً إِذا أَسْمَنُوا؛ عن أَبي حنيفة، يريد سَمِنت
مَواشِيهم. وحقَّت الناقة وأَحقَّت واستحقَّت: سمنت. وحكى ابن السكيت عن ابن
عطاء أَنه قال: أَتيت أَبا صَفْوانَ أَيام قَسمَ المَهْدِيُّ الأَعراب
فقال أَبو صفوان؛: ممن أَنت؟ وكان أَعرابيّاً فأَراد أَن يمتحنه، قلت: من
بني تميم، قال: من أَيّ تميم؟ قلت: رباني، قال: وما صنعتُك؟ قلت: الإِبل،
قال: فأَخبرني عن حِقَّة حَقَّت على ثلاث حِقاق، فقلت: سأَلت خبيراً: هذه
بَكْرة كان معها بَكْرتان في ربيع واحد فارْتَبَعْنَ
فسَمِنَت قبل أَن تسمنا فقد حقَّت واحدةً، ثم ضَبَعَت ولم تَضْبَعا فقد
حقَّت عليهما حِقَّة أُخرى، ثم لَقِحَت ولم تَلْقَحا فهذه ثلاث حِقَّات،
فقال لي: لعَمْري أَنت منهم واسْتَحَقَّت الناقة لَقاحاً إِذا لَقِحت
واستحقّ لَقاحُها، يُجْعَل الفعل مرة للناقة ومرة للِّقاح.
قال أَبو حاتم: مَحاقُّ المالِ
يكون الحَلْبة الأُولى، والثانية منها لِبَأٌ. والمَحاقُّ: اللاتي لم
يُنْتَجْن في العام الماضي ولم يُحلَبن فيه.
واحْتقَّ الفرسُ أَي ضَمُر. ويقال: لا يحقُّ
ما في هذا الوِعاء رطلاً، معناه أَنه لا يَزِنُ
رطلاً. وطعْنة مُحْتَقَّة أَي لا زَيْغَ فيها وقد نَفَذَت. ويقال: رمَى
فلان الصيدَ فاحتقَّ بعضاً وشَرَم بعضاً
أَي قتَل بعضاً وأُفْلِتَ بعض جَِريحاً؛ والمُحْتقُّ من الطعْن:
النافِذُ إِلى الجوف؛ ومنه قول أَبي كبير الهذلي:
هَلاَّ وقد شَرَعَ الأَسنَّة نَحْوها،
ما بينَ مُحْتَقٍّ ومُشَرِّمِ
أَراد من بين طَعْن نافذٍ في جوفها وآخَرَ قد شرَّمَ جلدَها ولم ينفُذ
إِلى الجوف.
والأَحقُّ من الخيل: الذي لا يَعْرَق، وهو أَيضاً الذي يضع حافر رجله
موضع حافر يده، وهما عيب؛ قال عديّ بن خَرَشةَ الخَطْمِيّ:
بأَجْرَدَ من عِتاقِ الخَيلِ نَهْدٍ
جَوادِ، لا أَحقُّ ولا شئيتُ
قال ابن سيده: هذه رواية ابن دريد، ورواية أَبي عبيد:
وأَقْدَرُ مُشْرِفُ الصَّهواتِ ساطٍ،
كُمَيْتٌ، لا أَحقُّ ولا شئيت
الأَقدرُ: الذي يجوز حافرا رجليه حافِريْ يديه، والأَحقُّ: الذي
يُطَبِّقُ حافرا رجليه حافريْ
يديه، والشَّئيتُ: الذي يقْصُر موقِعُ حافر رجله عن موقع حافر يده، وذلك
أَيضاً عيب، والاسم الحَقَق.
وبنات الحُقَيْقِ: ضرْب من رَدِيء التمر، وقيل: هو الشِّيص، قال
الأَزهري: قال الليث بنات الحقيق ضرب من التمر، والصواب لَوْن الحُبَيق ضرب من
التمر رديء. وبنات الحقيق في صفة التمر تغيير، ولَوْنُ الحُبيق معروف.
قال: وقد روينا عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أَنه نَهى عن لوْْنين من
التمر في الصدقة: أَحدهما الجُعْرُور، والآخر لون الحبيق، ويقال لنخلته
عَذْقُ ابن حبيق
(* قوله «عذق ابن حبيق» ضبط عذق بالفتح هو الصواب ففي
الزرقاني على الموطأ قال أبو عمر بفتح العين النخلة وبالكسر الكباسة أي القنو
كأن التمر سمي باسم النخلة لأنه منها اهـ. فضبطه في مادة حبق بالكسر خطأ.)
وليس بشِيص ولكنه رديء من الدَّقَلِ؛ وروى الأَزهري حديثاً آخر عن جعفر
بن محمد عن أَبيه قال: لا يُخرَج في الصدقة الجُعرور ولا لون حُبيْق؛ قال
الشافعي: وهذا تمر رديء والسس
(* قوله «والسس» كذا بالأصل ولعله وأيبس.)
تمر وتؤخذ الصدقة من وسط التمر.
والحَقْحقةُ: شدَّة السير. حَقْحقَ القومُ
إِذا اشتدّوا في السير. وقَرَبٌ مُحَقْحَقٌ: جادٌّ منه. وتعَبَّدَ عبد
الله بن مُطَرِّف بن الشِّخيِّر فلم يَقتصِد فقال له أَبوه: يا عبد الله،
العلمُ أَفضلُ من العمل، والحسَنةُ بين السَّيِّئتين، وخيرُ
الأُمور أَوساطُها، وشرُّ
السير الحَقْحقةُ؛ هو إِشارة إلى الرِّفق في العبادة، يعني عليك
بالقَصْد في العبادة ولا تَحْمِل على نفسك فتَسأَم؛ وخيرُ
العمل ما دِيمَ وإِن قلَّ، وإِذا حملت على نفسك من العبادة ما لا
تُطيِقُه انْقَطَعْتَ به عن الدَّوام على العبادة وبَقِيت حَسيراً، فتكلَّفْ من
العبادة ما تُطيقُه ولا يَحْسِرُك. والحَقحقةُ: أَرفع السير وأَتْعَبُه
للظَّهر. وقال الليث: الحقحقة سير الليل في أَوّله، وقد نهي عنه، قال:
وقال بعضهم الحقحقة في السير إِتعابُ
ساعة وكفُّ ساعة؛ قال الأَزهري: فسر الليث الحقحقة تفسيرين مختلفين لم
يصب الصواب في واحد منهما، والحقحقة عند العرب أَن يُسار البعيرُ ويُحمل
على ما يتعبه وما لا يطيقه حتى يُبْدِعَ براكبه، وقيل: هو المُتعِب من
السير، قال: وأَما قول الليث إِنّ الحقحقة سير أَول الليل فهو باطل ما قاله
أَحد، ولكن يقال فَحِّمُوا عن الليل أَي لا تسيروا فيه. وقال ابن
الأَعرابي: الحَقحقةُ أَن يُجْهِد الضعيفَ شدَّةُ
السير. قال ابن سيده: وسَيرٌ حَقْحَاقٌ شديد، وقد حَقْحَقَ وهَقْهَقَ
على البدل، وقَهْقَهَ على القلب بعد البدل. وقَرَبٌ حَقْحاق وهَقْهاق
وقَهْقاه ومُقَهْقَه ومُهَقْهَقٌ إِذا كان السير فيه شديداً مُتعِباً.
وأُمّ حِقّة: اسم امرأَة؛ قال مَعْنُ بن أَوْس:
فقد أَنْكَرَتْه أُمُّ حِقّه حادِثاً،
وأَنْكَرها ما شئت، والودُّ خادِعُ