[في الانكليزية] Euphoria
[ في الفرنسية] Euphorie
بالراء المهملة هو عند متأخري القرّاء أن يترنّم بالقرآن فيمدّ في غير محل المدّ ويزيد في المدّ ما لا تجيزه العربية، كذا في الدقائق المحكمة، وهو من البدعات كما في الإتقان.
طرب: الطَّرَبُ: الفَرَح والـحُزْنُ؛ عن ثعلب. وقيل: الطَّرَبُ خفة تَعْتَري عند شدَّة الفَرَح أَو الـحُزن والهمّ. وقيل: حلول الفَرَح وذهابُ الـحُزن؛ قال النابغة الجعديّ في الهمّ:
سَـأَلَتْني أَمتي عن جارَتي، * وإِذا ما عَيَّ ذو اللُّبِّ سَـأَلْ
سَـأَلَتْني عن أُناسٍ هَلَكوا، * شَرِبَ الدَّهْرُ عليهم وأَكلْ
وأَراني طَرِباً، في إِثْرِهِمْ، * طَرَبَ الوالِهِ أَو كالـمُخْتَبَلْ
والوالِهُ: الثاكِلُ. والـمُخْتَبَلُ: الذي اخْتُبِلَ عَقْله أَي جُنَّ.
وأَطْرَبَهُ هو، وتَطَرَّبه؛ قال الكميت:
ولم تُلْهِني دارٌ ولا رَسْمُ مَنزِلٍ، * ولم يَتَطَرَّبني بَنانٌ مُخَضَّبُ
وقال ثعلب: الطَّرَبُ عندي هو الحركة؛ قال ابن سيده: ولا أَعرف ذلك.
والطَّرَبُ: الشَّوقُ، والجمع، من ذلك، أَطْرابٌ؛ قال ذو الرمة:
اسْتَحْدَثَ الرَّكْب، عن أَشياعِهِم، خَبَراً، * أَم راجَعَ القلبَ، من أَطرابه، طَرَبُ
وقد طَرِبَ طَرَباً، فهو طَرِبٌ، من قوم طِرابٍ. وقولُ الـهُذَليّ:
حتى شَـآها كَليلٌ؛ مَوْهِناً، عَمِلٌ، * بانَتْ طِراباً، وباتَ الليلَ لم يَنَمِ
يقول: باتت هذه البَقَر العِطاشُ طِراباً لِـمَا رَأَته من البَرْقِ،
فَرَجَتْه من الماء.
ورجل طَروبٌ ومِطْرابٌ ومِطرابةٌ، الأَخيرة عن اللحياني: كثيرُ
الطَّرَبِ؛ قال: وهو نادرٌ.
واسْتَطْرَب: طلب الطَّرب واللَّهْوَ.
وطَرَّبه هو، وطَرَّب: تَغَنَّى؛ قال امرؤ القيس:
يُغَرِّدُ بالأَسْحارِ، في كلِّ سُدْفَةٍ، * تَغَرُّدَ مَيَّاحِ النَّدامى الـمُطَرِّبِ
ويقال: طَرَّب فلانٌ في غِنائِه تَطْريبــاً إِذا رَجَّع صوتَه وزيَّنَه؛
قال امرؤ القيس:
كما طَرَّبَ الطَّائرُ الـمُسْتَحِرْ
أَي رجَّع.
والــتَّطْريب في الصوت: مَدُّه وتَحْسينُه. وطَرَّبَ في قراءته: مَدَّ
ورجَّع. وطَرَّبَ الطائِرُ في صوته،
كذلك، وخَصَّ بعضُهم به الـمُكَّاء.
وقول سَلْمى (1)
(1 قوله «وقول سلمى إلخ» كذا بالأصل.) ابنِ الـمُقْعَدِ:
لما رأَى أَن طَرَّبوا من ساعَةٍ، * أَلْوى بِرَيْعانِ العِدى وأَجْذَما
قال السُّكَّريُّ: طَرَّبوا صاحُوا ساعةً بعد ساعةٍ. والأَطْرابُ:
نُقاوَةُ الرَّياحينِ؛ وقيل: الأَطْرابُ الرَّياحينُ وأَذْكاؤُها. وإِبلٌ
طرابٌ تَنزِعُ إِلى أَوْطانِها، وقيل: إِذا طَرِبَتْ لِـحُداتها.
واستَطْرَبَ الـحُداةُ الإِبلَ إِذا خَفَّتْ في سيرها، من أَجلِ حُداتِها؛ وقال الطِّرمَّاحُ:
واسْتَطْرَبَتْ ظُعْنُهُم، لما احْزَأَلَّ بهمْ * آلُ الضُّحى ناشِطاً من داعِـباتِ دَدِ(2)
(2 قوله «من داعبات» كذا بالأصل كالتهذيب بالموحدة بعد العين والذي في الأساس بالمثناة التحتية ثم قال أي سألته أن يطرب ويغني وهو من داعيات دد أي من دواعيه وأسبابه يعني الناشط وهو الحادي لأنه ينشط من مكان إلى مكان.)
يقول: حَملَهم على الطرب شوقٌ نازعٌ؛ وقولُ الكُمَيْت:
يُريد أَهْزَعَ حَنَّاناً يُعَلِّله * عندَ الإِدامَة، حتى يَرْنَـأَ الطَّرِبُ(3)
(3 قوله «يريد أهزع إلخ» أنشده في دوم يستل أهزع إلخ والأهزع بالزاي السريع.)
فإِنما عَنى بالطَّرِبِ السَّهْم؛ سماه طَرِباً لِتَصْويته إِذا دُوِّم أَي فُتِلَ بالأَصابع.
والـمَطْرَبُ والـمَطْرَبةُ: الطريق الضيق، ولا فعل له، والجمعُ
الـمَطارِبُ؛ قال أَبو ذؤيب الهذلي:
ومَتْلَفٍ مثلِ فَرْقِ الرَّأْسِ، تَخْلِجُه * مَطارِبٌ، زَقَبٌ أَميالُها فيحُ
ابن الأَعرابي: الـمَطْرَبُ والـمَقْرَبُ الطريق الواضح، والـمَتْلَفُ:
القَفْر؛ سمي بذلك لأَنه يُتْلِفُ سالِكَه في الأكثر كما سموا الصَّحراءَ بَيْداء لأَنها تُبيدُ سالِكَها. والزَّقَبُ: الضيقة. وقوله: مثل فَرْقِ الرأْس أَي مثل فرق الرأْس في ضيقه. وتَخْلِجُهُ أَي تَجْذِبهُ هذه الطرقُ إِلى هذه، وهذه إِلى هذه. وأَميالُها فيح أَي واسعة، والميلُ: المسافة من العَلَم إِلى العَلَم.
وفي الحديث: لَعَنَ اللّهُ من غيَّر الـمَطْرَبَةَ والـمَقْرَبَة.
الـمَطْرَبَة: واحدة المطارب، وهي طُرُقٌ صِغار تَنْفُذُ إِلى الطرقِ الكبارِ، وقيل: المطارِبُ طُرُقٌ متَفرقة، واحدتُها مَطْربة ومَطْرَبٌ؛ وقيل: هي الطرق الضيقة المنفردة.
يقال: طَرَّبْتُ عن الطريق: عدَلْتُ عنه.
والطَّرَبُ: اسم فرس سيدنا رسول اللّه، صلى اللّه عليه وسلم. وطَيْروب: اسم.
رنم: الرَّنِيمُ والتَّرْنِيمُ: تطريب الصوت. وفي الحديث: ما أَذِنَ
الله لشيء أَذَنَه لنبيّ حسن التَّرَنُّمِ بالقرآن، وفي رواية: حسن الصوت
يتَرَنَّمُ بالقرآن؛ التَّرنُّمُ: الــتطريب والتغَنِّي وتحسين الصوت
بالتلاوة ويطلق على الحيوان والجماد، ورَنَّمَ الحَمامُ والمُكَّاء والجُنْدُبُ؛
قال ذو الرمة:
كأنَّ رِجْلَيْهِ رِجْلا مُقْطِفٍ عَجِلٍ،
إذا تجاوَبَ من بُرْدَيْهِ تَرْنِيمُ
والحمامة تَتَرنَّمُ، وللمكاء في صوته تَرْنِيمٌ. الجوهري: الرَّنَمُ،
بالتحريك، الصوت. وقد رَنِمَ، بالكسر، وتَرَنّمَ إذا رجّع صوته، والترنيم
مثله؛ ومنه قول ذي الرمة:
إذا تجاوَبَ من بُرْدَيْهِ تَرْنِيمُ
وتَرَنَّمَ الطائر في هَديرِه، وتَرَنَّمَ القوس عند الإنْباضِ،
وتَرَنَّمَ الحمام والقوس والعود، وكل ما اسْتُلِذَّ صوته وسمع منه رَنَمَةٌ
حسنة
(* قوله «رنمة حسنة» كذا هو مضبوط في الأصل بالتحريك وإليه مال شارح
القاموس وأيده بعبارة الأساس) فله تَرْنِيمٌ، وأَنشد بيت ذي الرمة، وقال:
أَراد ببرديه جناحيه، وله صَريرٌ يقع فيهما إذا رَمِضَ فطار وجعله
تَرْنِيماً.
ابن الأَعرابي: الرُّنُمُ المُغَنِّيات المُجِيدات، قال: والرُّنُمُ
الجواري
(* قوله «والرنم الجواري» كذا هو بالأصل بالنون، وكتب عليه بالهامش
ما نصه: صوابه الرمم) الكَيِّساتُ.
وقوس تَرْنَمُوتٌ لها حَنين عند الرمي. والتَّرْنَموت أَيضاً:
تَرَنُّمها عند الإنْباض؛ قال أَبو تراب: أَنشدني الغَنَويّ في القوس:
شِرْيانَةٌ تُرْزِم من عُنْتُوتها،
تُجاوِبُ القَوْسَ بتَرْنَمُوتِها،
تَسْتَخْرِجُ الحَبَّة من تابوتِها
يعني حبة القلب من الجوف، وقوله بِتَرْنَمُوتها أي بتَرَنُّمها.
الجوهري: والتَّرْنَموتُ التَّرَنُّمُ، زادوا فيه الواو والتاء كما زادوا في
ملكوت.
الأَصمعي: من نبات السهل الحُرْبُثُ والرَّنَمَةُ والتَّرِبَةُ؛ قال
شمر: رواه المِسْعَريُّ عن أَبي عبيد الرَّنَمة، قال: وهو عندنا الرَّتَمة،
قال أَبو منصور: الرَّنَمَةُ من دِقِّ النبات معروف، وقال ابن الأَعرابي:
الرَّنَمَةُ، بالنون، ضرب من الشجر، قال أَبو منصور: لم يعرف شمر
الرَّنَمَةَ فظن أَنه تصحيف وصيره الرَّتَمَةَ، والرَّتَمُ من الأَشجار الكبار
ذوات الساق، والرَّنَمَةُ من دِقِّ النبات.
رعب: الرُّعْبُ والرُّعُبُ: الفَزَع والخَوْفُ.
رَعَبَه يَرْعَبُه رُعْباً ورُعُباً، فهو مَرْعُوبٌ ورَعِـيبٌ: أَفْزَعَه؛ ولا تَقُلْ: أَرْعَبَه ورَعَّبَه تَرْعِـيباً وتَرْعاباً، فَرَعَب رُعْباً، وارْتَعَبَ فهو مُرَعَّبٌ ومُرْتَعِبٌ أَي فَزِعٌ. وفي الحديث: نُصِرْتُ بالرُّعْبِ مَسيرةَ شَهرٍ؛ كان أَعداءُ النبـيِّ، صلى اللّه عليه وسلم، قد أَوْقَعَ اللّهُ في قلوبِهمُ الخَوْفَ منه، فإِذا كان بينَه وبينَهم مَسِـيرَةُ شَهْرٍ، هابُوه وفَزِعُوا منه؛ وفي حديث الخَنْدَق:
إِنَّ الأُولى رَعَّبُوا عَلَيْنا
قال ابن الأَثير: هكذا جاءَ في رواية، بالعين المهملة، ويروى بالغين المعجمة، والمشهورُ بَغَوْا من البَغْيِ، قال: وقد تكرر الرُّعْب في الحديث.والتِّرْعابةُ: الفَرُوقة من كلِّ شيءٍ. والـمَرْعَبة: القَفْرة الـمُخِـيفة، وأَن يَثِب الرجُلُ فيَقْعُدَ بجَنْبِـكَ، وأَنتَ عنه غافِلٌ، فتَفْزَعَ.
ورَعَبَ الـحَوْضَ يَرْعَبُه رَعْباً: مَلأَه. ورَعَبَ السَّيْلُ الوادِيَ يَرْعَبُه: مَلأَه، وهُو منه.
وسَيْلٌ راعِبٌ: يَمْـَلأُ الوادِيَ؛ قال مُلَيْحُ بنُ الـحَكَم الـهُذَلي:
بِذِي هَيْدَبٍ، أَيْمَا الرُّبى تحتَ وَدْقِه، * فتَرْوى، وأَيْمَا كلُّ وادٍ فيَرْعَبُ
ورَعَبَ: فِعْلٌ مُتَعَدٍّ، وغيرُ متعدٍّ؛ تقول: رَعَبَ الوادي، فهو
راعِبٌ إِذا امْتَلأَ بالماءِ؛ ورَعَبَ السَّيْلُ الوادِيَ: إِذا مَـَلأَهُ، مِثْلُ قَولِهم: نَقَصَ الشيءُ ونَقَصْتُه، فمن رواه: فيَرْعَبُ، بضم لام
كلّ، وفتح ياءِ يَرْعَب، فمعناه فيَمْتَلِـئُ؛ ومن رَوَى: فيُرْعَب، بضم الياء، فمعناه فيُمْلأُ؛ وقد رُوِيَ بنصب كلٍّ، على أَن يكونَ مفعولاً مقدَّماً لِـيَرْعَبُ، كقولك أَمـَّا زيداً فضَرَبْت، وكذلك أَمـّا كلّ وادٍ فيَرْعَب؛ وفي يَرْعَبُ ضميرُ السَّيْلِ والمطَرِ، وروي فيُرْوِي، بضم الياءِ وكسر الواو، بدل قوله فتَرْوَى، فالرُّبى على هذه الرواية في موضع نصب بيُرْوِي، وفي يُرْوي ضميرُ السَّيْل أَو المطَر، ومَن رواه فتَرْوَى رَفَع الرُّبى بالابتداءِ وتَرْوَى خَبره.
والرَّعِـيبُ: الذي يَقْطُر دَسَماً.
ورَعَّبَتِ الحمامةُ: رَفَعَت هَديلَها وشَدَّتْه.
والرَّاعِـبـيُّ: جِنْسٌ من الـحَمَامِ. وحَمامةٌ راعِـبِـيَّة: تُرَعِّبُ في صَوْتِها تَرْعِـيباً، وهو شِدّة الصوت، جاءَ على لفظِ النَّسَب،
وليس به؛ وقيلَ: هو نَسَبٌ إِلى موضِـعٍ، لا أَعرِفُ صِـيغة اسمِه. وتقول: إِنه لشَدِيدُ الرَّعْبِ؛ قال رؤبة:
ولا أُجِـيبُ الرَّعْبَ إِن دُعِـيتُ
ويُرْوى إِنْ رُقِـيتُ. أَراد بالرَّعْب: الوعيد؛ إِن رُقِـيتُ، أَي
خُدِعْتُ بالوعيدِ، لمْ أَنْقَدْ ولم أَخَفْ.
والسَّنامُ الـمُرَعَّبُ: الـمُقَطَّع.
ورَعَب السَّنامَ وغيرَهُ، يَرْعَبُه، ورَعَّبَه: قَطَعَه. والتِّرعِـيبةُ، بالكسر: القِطْعَةُ منه، والجمعُ تِرْعِـيبٌ؛ وقيل: التِّرْعِـيبُ السنامُ الـمُقَطَّع شَطَائِبَ مُسْتَطِـيلَةً، وهو اسمٌ لا مَصدر. وحكى سيبويه: التِّرْعِـيبَ في التَّرعِـيبِ، على الإِتباعِ، ولم يَحْفِلْ بالساكِنِ لأَنه حاجِزٌ غيرُ حَصِـينٍ.
وسَنامٌ رَعِـيبٌ أَي مُمْـتَلِـئٌ سَمِـينٌ. وقال شمر: تَرْعِـيبُه ارتِجاجُه وسِمَنُه وغِلَظُه، كأَنه يَرْتَجُّ من سِمَنِه.
والرُّعْبُوبَة: كالتِّرْعِـيبةِ، ويقال: أَطْعَمَنا رُعْبُوبةً من سَنامٍ عندَه، وهو الرُّعْبَبُ. وجاريةٌ رُعْبوبةٌ ورُعْبوبٌ ورِعْبيبٌ: شَطْبة تارَّةٌ، الأَخيرة عن السيرافي من هذا، والجمع الرَّعابِـيبُ؛ قال حُمَيْد:
رَعابِـيبُ بِـيضٌ، لا قِصارٌ زَعانِفٌ، * ولا قَمِعات، حُسْنُهُنَّ قَرِيبُ
أَي لا تَسْتَحْسِنُها إِذا بَعُدَتْ عَنْك، وإِنما تَسْتَحْسِنُها عند التأَمـُّلِ لدَمامَة قامتِها؛ وقيل: هي البيضاءُ الـحَسَنةُ، الرَّطْبة الـحُلْوة؛ وقيل: هي البيضاءُ فقط؛ وأَنشد الليث:
ثُمَّ ظَلِلْنا في شِواءٍ، رُعْبَبُه * مُلَهْوَجٌ، مِثل الكُشَى نُكَشِّبُهْ
وقال اللحياني: هي البيضاءُ الناعمة. ويقال لأَصلِ الطلعة: رُعْبوبة أَيضاً. والرُّعْبُوبة: الطويلة، عن ابن الأَعرابي. وناقة رُعْبوبة ورُعْبوبٌ: خفيفة
طَيَّاشة؛ قال عبيد بن الأَبرص:
إِذا حَرَّكَتْها الساقُ قلت: نَعامَةٌ، * وإِن زُجِرَتْ، يوماً، فلَيْسَتْ برُعْبُوبِ
والرُّعْبوبُ: الضعِـيفُ الجبان.
والرَّعْب: رُقْيةٌ من السِّحْر، رَعَبَ الرَّاقي يَرْعَب رَعْباً.
ورجلٌ رَعَّابٌ: رَقَّاءٌ من ذلك.
والأَرْعَبُ: القَصِـيرُ، وهو الرَّعيبُ أَيضاً، وجَمْعُه رُعُبٌ
ورُعْبٌ؛ قالت امرأَة:
إِني لأَهْوَى الأَطْوَلِـين الغُلْبَا، * وأُبْغِضُ الـمُشَيَّبِـينَ الرُّعْبا
والرَّعْباءُ: موضِعٌ، وليس بثَبَتٍ.
لحن: اللَّحْن: من الأَصوات المصوغة الموضوعة، وجمعه أَلْحانٌ ولُحون.
ولَحَّنَ في قراءته إِذا غرَّد وطرَّبَ فيها بأَلْحان، وفي الحديث:
اقرؤُوا القرآن بلُحون العرب. وهو أَلْحَنُ الناس إِذا كان أَحسنهم قراءة أَو
غناء. واللَّحْنُ واللَّحَنُ واللَّحَانةُ واللَّحانِيَة: تركُ الصواب في
القراءة والنشيد ونحو ذلك، لَحَنَ يَلْحَنُ لَحْناً ولَحَناً ولُحوناً؛
الأَخيرة عن أَبي زيد قال:
فُزْتُ بقِدْحَيْ مُعْرِب لم يَلْحَنِ
ورجل لاحِنٌ ولَحّان ولَحّانة ولُحَنَة: يُخْطِئ، وفي المحكم: كثير
اللَّحْن. ولَحَّنه: نسبه إِلى اللَّحْن. واللُّحَنَةُ: الذي يُلحَّنُ.
والتَّلْحِينُ: التَّخْطِئة. ولَحَنَ الرجلُ يَلْحَنُ لَحْناً: تكلم بلغته.
ولَحَنَ له يَلْحَنُ لَحْناً: قال له قولاً يفهمه عنه ويَخْفى على غيره
لأَنه يُميلُه بالتَّوْرية عن الواضح المفهوم؛ ومنه قولهم: لَحِنَ الرجلُ:
فهو لَحِنٌ إِذا فَهمَ وفَطِنَ لما لا يَفْطنُ له غيره. ولَحِنَه هو عني،
بالكسر، يَلْحَنُه لَحْناً أَي فَهمَه؛ وقول الطرماح:
وأَدَّتْ إِليَّ القوْلِ عنهُنَّ زَوْلةٌ
تُلاحِنُ أَو ترْنُو لقولِ المُلاحِنِ
أَي تَكلَّمُ بمعنى كلام لا يُفْطنُ له ويَخْفى على الناس غيري.
وأَلْحَنَ في كلامه أَي أَخطأَ. وأَلْحَنه القولَ: أَفهمه إيِاه، فلَحِنَه
لَحْناً: فهِمَه. ولَحَنه عن لَحْناً؛ عن كراع: فهِمَه؛ قال ابن سيده: وهي
قليلة، والأَول أَعرف. ورجل لَحِنٌ: عارفٌ بعواقب الكلام ظريفٌ. وفي الحديث:
أَن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: إِنكم تَخْتصِمُون إِليَّ ولعلَّ
بعضَكم أَن يكونَ أَلْحَنَ بحجَّته من بعض أَي أَفْطنَ لها وأَجْدَل، فمن
قَضَيْتُ له بشيء من حق أَخيه فإِنما أَقطعُ له قِطْعةً من النار؛ قال
ابن الأَثير: اللَّحْنُ الميل عن جهة الاستقامة؛ يقال: لَحَنَ فلانٌ في
كلامه إِذا مال عن صحيح المَنْطِق، وأَراد أَن بعضكم يكون أَعرفَ بالحجة
وأَفْطَنَ لها من غيره. واللَّحَنُ، بفتح الحاء: الفِطْنة. قال ابن
الأَعراب: اللَّحْنُ، بالسكون، الفِطْنة والخطأُ سواء؛ قال: وعامّة أَهل اللغة في
هذا على خلافه، قالوا: الفِطْنة، بالفتح، والخطأ، بالسكون. قال ابن
الأَعرابي: واللَّحَنُ أَيضاً، بالتحريك، اللغة. وقد روي أَن القرآن نزَل
بلَحَنِ قريش أَي بلغتهم. وفي حديث عمر، رضي الله عنه: تعلَّمُوا الفرائضَ
والسُّنَّةَ واللَّحَن، بالتحريك، أَي اللغة؛ قال الزمخشري: تعلموا
الغَريبَ واللَّحَنَ لأَن في ذلك عِلْم غَرِيب القرآن ومَعانيه ومعاني الحديث
والسنَّة، ومن لم يعْرِفْه لم يعرف أَكثرَ كتاب الله ومعانيه ولم يعرف
أَكثر السُّنن. وقال أَبو عبيد في قول عمر، رضي الله عنه: تعلَّمُوا
اللَّحْنَ أَي الخطأَ في الكلام لتحترزوا منه. وفي حديث معاويه: أَنه سأَل عن
أَبي زيادٍ فقيل إِنه ظريف على أَنه يَلْحَنُ، فقال: أَوَليْسَ ذلك أَظرف
له؟ قال القُتَيْبيُّ: ذهب معاويةُ إِلى اللَّحَن الذي هو الفِطنة، محرَّك
الحاء. وقال غيره. إِنما أَراد اللَّحْنَ ضد الإِعراب، وهو يُسْتَمْلَحُ
في الكلام إِذا قَلَّ، ويُسْتَثْقَلُ الإِعرابُ والتشَدُّقُ. ولَحِنَ
لَحَناً: فَطِنَ لحجته وانتبه لها. ولاحَنَ الناس: فاطَنَهم؛ وقوله مالك بن
أَسماء بن خارجةَ الفَزاريّ:
وحديثٍ أَلَذُّه هو مما
يَنْعَتُ النَّاعِتُون يُوزَنُ وَزْنا
مَنْطِقٌ رائِعٌ، وتَلْحَنُ أَحْيا
ناً، وخيرُ الحديثِ ما كانَ لَحْنا
يريد أَنها تتكلم بشيء وهي تريد غيره، وتُعَرِّضُ في حديثها فتزيلُه عن
جهته من فِطنتِها كما قال عز وجل: ولَتَعْرِفنَّهُمْ في لَحن القول، أَي
في فَحْْواهُ ومعناه؛ وقال القَتَّال الكلابيُّ:
ولقد لَحَنْتُ لكم لِكَيْما تَفْهمُوا،
ولَحَنْتُ لَحْناً لَحْناً ليس بالمُرْتابِ
وكأَنَّ اللَّحْنَ في العربية راجعٌ إِلى هذا لأَنه من العُدول عن
الصواب. وقال عمر بن عبد العزيز: عَجِبْتُ لمن لاحَنَ الناسَ ولاحَنُوه كيفَ
لا يعرفُ جَوامعَ الكَلِم، أَي فاطَنَهم وفاطَنُوه وجادَلَهم؛ ومنه قيل:
رجل لَحِنٌ إِذا كان فَطِناً؛ قال لبيد:
مُتَعوِّذٌ لَحِنٌ يُعِيدُ بكَفِّه
قَلَماً على عُسُبٍ ذَبُلْنَ وبانِ
وأَما قول عمر، رضي الله عنه: تعلموا اللَّحْنَ والفرائضَ، فهو بتسكين
الحاء وهو الخطأُ في الكلام. وفي حديث أَبي العالية قال: كنتُ أَطُوفُ مع
ابن عباسٍ وهو يُعلِّمني لَحْنَ الكلامِ؛ قال أَبو عبيد: وإِنما سماه
لَحْناً لأَنه إِذا بَصَّره بالصواب فقد بَصَّره اللَّحْنَ. قال شمر: قال
أَبو عدنان سأَلت الكِلابيينَ عن قول عمر تعلموا اللحن في القرآن كما
تَعَلَّمُونه فقالوا: كُتِبَ هذا عن قوم لس لهم لَغْوٌ كلَغْوِنا، قلت: ما
اللَّغْوُ؟ فقال: الفاسد من الكلام، وقال الكلابيُّون: اللَّحْنُ اللغةُ،
فالمعنى في قول عمر تعلموا اللّحْنَ فيه يقول تعلموا كيف لغة العرب فيه
الذين نزل القرآنُ بلغتهم؛ قال أَبو عدنان: وأَنشدتْني الكَلْبيَّة:
وقوْمٌ لهم لَحْنٌ سِوَى لَحْنِ قومِنا
وشَكلٌ، وبيتِ اللهِ، لسنا نُشاكِلُهْ
قال: وقال عُبيد بن أَيوب:
وللهِ دَرُّ الغُولِ أَيُّ رَفِيقَةٍ
لِصاحِبِ قَفْرٍ خائفٍ يتَقَتَّرُ
فلما رأَتْ أَن لا أُهَالَ، وأَنني
شُجاعٌ، إِذا هُزَّ الجَبَانُ المُطيَّرُ
أَتَتني بلحْنٍ بعد لَحْنٍ، وأَوقدَتْ
حَوَالَيَّ نِيراناً تَبُوخُ وتَزْهَرُ
ورجل لاحِنٌ لا غير إِذا صَرَفَ كلامَه عن جِهَته، ولا يقال لَحّانٌ.
الليث: قول الناسِ قد لَحَنَ فلانٌ تأْويلُه قد أَخذ في ناحية عن الصواب
أَي عَدَل عن الصواب إِليها؛ وأَنشد قول مالك بن أَسماء:
مَنْطِقٌ صائِبٌ وتَلْحَنُ أَحْيا
ناً، وخيرُ الحديثِ ما كانَ لَحْناً
قال: تأْويله وخير الحديث من مثل هذه الجارية ما كان لا يعرفه كلُّ
أَحد، إِنما يُعرفُ أَمرها في أَنحاء قولها، وقيل: معنى قوله وتلحن أَحياناً
أَنها تخطئ في الإِعراب، وذلك أَنه يُسْتملَحُ من الجواري، ذلك إِذا كان
خفيفاً، ويُستثقل منهن لُزوم حاقِّ الإِعراب. وعُرِف ذلك في لَحْن كلامه
أَي فيما يميل إِليه. الأَزهري: اللَّحْنُ ما تَلْحَنُ إِليه بلسانك أَي
تميلُ إِليه بقولك، ومنه قوله عز وجل: ولَتَعْرِفَنَّهُم في لَحْنِ
القول؛ أَي نَحْوِ القول، دَلَّ بهذا أَن قولَ القائل وفِعْلَه يَدُلاَّنِ
على نيته وما في ضميره، وقيل: في لَحْنِ القول أَي في فَحْواه ومعناه.
ولَحَن إِليه يَلْحَنُ لَحْناً أَي نَواه ومال إِليه. قال ابن بري وغيره:
للَّحْنِ ستة مَعان: الخطأُ في الإِعراب واللغةُ والغِناءُ والفِطْنةُ
والتَّعْريضُ والمَعْنى، فاللَّحْنُ الذي هو الخطأُ في الإِعراب يقال منه
لَحَنَ في كلامه، بفتح الحاء، يَلْحَنُ لَحْناً، فهو لَحَّانٌ ولَحّانة، وقد
فسر به بيتُ مالك بن أَسماء بن خارجة الفَزَاري كما تقدم، واللَّحْنُ
الذي هو اللغة كقول عمر، رضي الله عنه: تعلموا الفرائضَ والسُّنَنَ
واللَّحْنَ كما تعلَّمُون القرآنَ، يريد اللغة؛ وجاء في رواية تعلموا اللَّحْنَ
في القرآن كما تتعلمونه، يريد تعلموا لغَةَ العرب بإِعرابها؛ وقال
الأَزهري: معناه تعلموا لغة العرب في القرآن واعرفُوا معانيه كقوله تعالى:
ولتَعْرِفَنَّهم في لَحْنِ القول؛ أَي معناه وفَحْواه، فقول عمر، رضي الله
عنه: تعلموا اللَّحْن، يريد اللغة؛ وكقوله أَيضاً: أُبَيٌّ أَقْرَؤُنا
وإِنَّا لنَرْغَبُ عن كثير من لَحْنِه أَي من لُغَتِه وكان يَقْرأُ التابُوه؛
ومنه قول أَبي مَيْسَرَة في قوله تعالى: فأَرْسَلْنا عليهم سَيْلَ
العَرِمِ، قال: العَرِمُ المُسَنَّاةُ بلَحْنِ اليمن أَي بلغة اليمن؛ ومنه قول
أَبي مَهْديٍّ: ليس هذا من لَحْني ولا لَحْنِ قومي؛ واللَّحْنُ الذي هو
الغِناء وتَرْجيعُ الصوت والــتَّطْريبُ شاهدُه قول يزيد ابن النعمان:
لقد تَرَكَتْ فُؤادَكَ مُسْتَجَنَّا
مُطَوَّقَةٌ على فَنَنٍ تَغَنَّى
يَمِيلُ بها، وتَرْكَبُه بلَحْنٍ،
إِذا ما عَنَّ للمَحْزُون أَنَّا
فلا يَحْزُنْكَ أَيامٌ تَوَلَّى
تَذَكّرُها، ولا طَيْرٌ أَرَنَّا
وقال آخر:
وهاتِفَينِ بشَجْوٍ، بعدما سجَعَتْ
وُرْقُ الحَمامِ بترجيعٍ وإِرْنانِ
باتا على غُصْنِ بانٍ في ذُرَى فَننٍ،
يُرَدِّدانِ لُحوناً ذاتَ أَلْوانِ
ويقال: فلان لا يعرفُ لَحْنَ هذا الشعر أَي لا يعرف كيف يُغَنيه. وقد
لَحَّنَ في قراءته إِذا طَرَّب بها. واللَّحْنُ الذي هو الفِطْنة يقال منه
لَحَنْتُ لَحْناً إِذا فَهِمته وفَطِنته، فَلَحَنَ هو عني لَحْناً أَي
فَهمَ وفَطِنَ، وقد حُمِلَ عليه قول مالك بن أَسماء: وخير الحديث ما كان
لحناً، وقد تقدم؛ قاله ابن الأَعرابي وجعله مُضارعَ لَحِنَ، بالكسر، ومنه
قوله، صلى الله عليه وسلم: لعَلَّ بعضَكم أَن يكون أَلْحَنَ بحجته أَي
أَفْطَنَ لها وأَحسَنَ تصَرُّفاً. واللَّحْنُ الذي هو التَّعْريض والإِيماء؛
قال القتَّالُ الكلابي:
ولقد لَحَنْتُ لكم لِكَيما تَفْهَموا،
ووَحَيْتُ وَحْياً ليس بالمُرْتابِ
ومنه قوله، صلى الله عليه وسلم، وقد بعث قوماً ليُخْبِرُوه خبَرَ قريش:
الْحَنُوا لي لَحْناً، وهو ما روي أَنه بعث رجلين إِلى بعض الثُّغُور
عَيْناً فقال لهما: إِذا انصرفتما فالْحَنا لي لَحْناً أَي أَشيرا إِليَّ
ولا تُفْصِحا وعَرِّضا بما رأَيتما، أَمرهما بذلك لأَنهما ربما أَخبرا عن
العَدُوِّ ببأْسٍ وقُوَّة، فأَحَبَّ أَن لا يقفَ عليه المسلمون. ويقال:
جعَلَ كذا لَحْناً لحاجته إِذا عَرَّضَ ولم يُُصَرِّح؛ ومنه أَيضاً قول
مالك بن أَسماء وقد تقدم شاهداً على أَن اللَّحْنَ الفِطنة، والفعل منه
لَحَنْتُ له لَحْناً، على ما ذكره الجوهر عن أَبي زيد؛ والبيت الذي
لمالك:مَنطِقٌ صائبٌ وتَلْحَنُ أَحيا
ناً، وخيرُ الحديثِ ما كان لَحْنا
ومعنى صائب: قاصد الصواب وإِن لم يُصِبْ، وتَلْحَن أَحياناً أَي تُصيب
وتَفْطُنُ، وقيل: تريدُ حديثَها عن جهته، وقيل: تُعَرِّض في حديثها،
والمعنى فيه متقاربٌ، قال: وكأَنَّ اللَّحْن في العربية راجع إِلى هذا لأَنه
العُدول عن الصواب؛ قال عثمان ابن جني: مَنْطِقٌ صائب أَي تارة تورد القول
صائباً مُسَدَّداً وأُخرى تتَحَرَّفُ فيه وتَلْحَنُ أَي تَعْدِلُه عن
الجهة الواضحة متعمدة بذلك تلَعُّباً بالقول، وهو من قوله ولعل بعضَكم أَن
يكون أَلْحَنَ بحجته أَي أَنْهَضَ بها وأَحسَنَ تصَرُّفاً، قال: فصار
تفسير اللَّحْنِ في البيت على ثلاثة أَوجه: الفِطنة والفهم، وهو قول أَبي
زيد وابن الأَعرابي وإِن اختلفا في اللفظ، والتعريضُ، وهو قول ابن دريد
والجوهري، والخطأُ في الإِعراب على قول من قال تزيله عن جهته وتعدله عن
الجهة الواضحة، لأَن اللحن الذي هو الخطأُ في الإِعراب هو العدول عن الصواب،
واللَّحْن الذي هو المعنى والفَحْوَى كقوله تعالى: ولَتَعْرِفنَّهُم في
لَحْنِ القول؛ أَي في فَحْواه ومعناه. وروى المنذريُّ عن أَبي الهيثم أَنه
قال: العُنوان واللَّحْنُ واحد، وهو العلامة تشير بها إِلى الإِنسان
ليَفْطُنَ بها إِلى غيره، تقول: لَحَنَ لي فلانٌ بلَحْنٍ ففطِنْتُ؛ وأَنشد:
وتَعْرِفُ في عُنوانِها بعضَ لَحْنِها،
وفي جَوْفِها صَمْعاءُ تَحْكي الدَّواهيا
قال: ويقال للرجل الذي يُعَرِّضُ ولا يُصَرِّحُ قد جعل كذا وكذا لَحْناً
لحاجته وعُنواناً. وفي الحديث: وكان القاسم رجلاً لُحْنَةً، يروى بسكون
الحاء وفتحها، وهو الكثير اللَّحْنِ، وقيل: هو بالفتح الذي يُلَحِّنُ
الناس أَي يُخَطِّئُهم، والمعروف في هذا البناء أَنه الذي يَكْثُر منه الفعل
كالهُمَزة واللُّمَزة والطُّلَعة والخُدَعة ونحو ذلك. وقِدْحٌ لاحِنٌ
إِذا لم يكن صافيَ الصوت عند الإِفاضة، وكذلك قوس لاحنة إِذا أُنْبِضَتْ.
وسهمٌ لاحِنٌ عند التَّنْفير إِذا لم يكن حَنَّاناً عند الإِدامةِ على
الإِصبع، والمُعْرِبُ من جميع ذلك على ضِدِّه. ومَلاحِنُ العُودِ: ضُروبُ
دَسْتاناته. يقال: هذا لَحْنُ فلانٍ العَوَّاد، وهو الوجه الذي يَضْرِبُ
به. وفي الحديث: اقرؤُوا القرآنَ بلُحُونِ العرب وأَصواتها، وإِياكم
ولُحُونَ أَهل العِشْق؛ اللَّحنُ: الــتطريب وترجيع الصوت وتحسين القراءة
والشِّعْرِ والغِناءِ، قال: ويشبه أَن يكون أَراد هذا الذي يفعله قُرَّاء الزمان
من اللُّحون التي يقرؤون بها النظائر في المحافل، فإِن اليهود والنصارى
يقرؤون كتُبَهم نحْواً من ذلك.
غير: التهذيب: غَيْرٌ من حروف المعاني، تكون نعتاً وتكون بمعنى لا، وله
باب على حِدَة. وقوله: ما لكم لا تَناصَرُون؛ المعنى ما لكم غير
مُتَناصرين. وقولهم: لا إِلَه غيرُك، مرفوع على خبر التَّبْرِئة، قال: ويجوز لا
إِله غيرَك بالنصب أَي لا إِله إِلاَّ أَنت، قال: وكلَّما أَحللت غيراً
محلّ إِلا نصبتها، وأَجاز الفراء: ما جاءني غيرُك على معنى ما جاءني إِلا
أَنت؛ وأَنشد :
لا عَيْبَ فيها غيرُ شُهْلَة عَيْنِها
وقيل: غير بمعنى سِوَى، والجمع أَغيار، وهي كلمة يوصف بها ويستثنى، فإِن
وصف بها أَتبعتها إِعراب ما قبلها، وإِن استثنيت بها أَعربتها بالإِعراب
الذي يجب للاسم الواقع بعد إِلا، وذلك أَن أَصل غير صفة والاستثناء
عارض؛ قال الفراء: بعض بني أَسد وقُضاعة ينصبون غيراً إِذا كان في معنى
إِلاَّ، تمَّ الكلام قبلها أَو لم يتم، يقولون: ما جاءني غيرَك وما جاءني أَحد
غيرَك، قال: وقد تكون بمعنى لا فتنصبها على الحال كقوله تعالى: فمنِ
اضطُرّ غيرَ باعٍ ولا عادٍ، كأَنه تعالى قال: فمنِ اضطرّ خائفاً لا باغياً.
وكقوله تعالى: غيرَ ناظِرِين إنَاهُ، وقوله سبحانه: غَيرَ مُحِلِّي
الصيد. التهذيب: غير تكون استثناء مثل قولك هذا درهم غيرَ دانق، معناه إِلا
دانقاً، وتكون غير اسماً، تقول: مررت بغيرك وهذا غيرك. وفي التنزيل العزيز:
غيرِ المغضوب عليهم؛ خفضت غير لأَنها نعت للذين جاز أَن تكون نعتاً
لمعرفة لأَن الذين غير مَصْمود صَمْده وإِن كان فيه الأَلف واللام؛ وقال أَبو
العباس: جعل الفراء الأَلف واللام فيهما بمنزلة النكرة. ويجوز أَن تكون
غيرٌ نعتاً للأَسماء التي في قوله أَنعمتَ عليهم وهي غير مَصْمود
صَمْدها؛ قال: وهذا قول بعضهم والفراء يأْبى أَن يكون غير نعتاً إِلا للّذين
لأَنها بمنزلة النكرة، وقال الأَخفش: غير بَدل، قال ثعلب: وليس بممتنع ما
قال ومعناه التكرير كأَنه أَراد صراط غيرِ المغضوب عليهم، وقال الفراء:
معنى غير معنى لا، وفي موضع آخر قال: معنى غير في قوله غير المغضوب عليهم
معنى لا، ولذلك رُدّت عليها لا كما تقول: فلان غير محسِن ولا مُجْمِل،
قال: وإِذا كان غير بمعنى سِوى لم يجز أَن يكرّر عليها، أَلا ترى أَنه لا
يجوز أَن تقول عندي سوى عبدالله ولا زيدٍ؟ قال: وقد قال مَنْ لا يعرِف
العربية إِن معنى غَير ههنا بمعنى سوى وإِنّ لا صِلَة؛ واحتجّ بقوله:
في بِئرِ لا حُورٍ سَرَى وما شَعَرْ
قال الأَزهري: وهذا قول أَبي عبيدة، وقال أَبو زيد: مَن نصَب قوله غير
المغضوب فهو قطْع، وقال الزجاج: مَن نصَب غيراً، فهو على وجهين: أَحدهما
الحال، والآخر الاستثناء. الفراء والزجاج في قوله عز وجل: غيرَ مُحِلِّي
الصَّيْد: بمعنى لا، جعلا معاً غَيْرَ بمعنى لا، وقوله عز وجل: غيرَ
مُتَجانفٍ لإِثمٍ، غيرَ حال هذا. قال الأَزهري: ويكون غيرٌ بمعنى ليس كما تقول
العرب كلامُ الله غيرُ مخلوق وليس بمخلوق. وقوله عز وجل: هل مِنْ خالقٍ
غيرُ الله يرزقكم؛ وقرئ: غَيْرِ الله، فمن خفض ردَّه على خالق، ومن رفعه فعلى
المعنى أَراد: هل خالقٌ؛ وقال الفراء: وجائز هل من خالق
(* قوله« هل من
خالق إلخ» هكذا في الأصل ولعل أصل العبارة بمعنى هل من خالق إلخ) . غيرَ
الله، وكذلك: ما لكم من إِله غيرَه، هل مِنْ خالقٍ إِلا الله وما لكم من إِله
إِلا هُوَ، فتنصب غير إِذا كانت محلَّ إِلا.
وقال ابن الأَنباري في قولهم: لا أَراني الله بك غِيَراً؛ الغِيَرُ: من
تغيَّر الحال، وهو اسم بمنزلة القِطَع والعنَب وما أَشبههما، قال: ويجوز
أَن يكون جمعاً واحدته غِيرَةٌ؛ وأَنشد:
ومَنْ يَكْفُرِ اللهَ يَلْقَ الغِيَرْ
وتغيَّر الشيءُ عن حاله: تحوّل. وغَيَّرَه: حَوَّله وبدّله كأَنه جعله
غير ما كان. وفي التنزيل العزيز: ذلك بأَن الله لم يَكُ مُغَيِّراً نِعْمةً
أَنعمها على قوم حتى يُغَيِّروا ما بأَنفسهم؛ قال ثعلب: معناه حتى
يبدِّلوا ما أَمرهم الله. والغَيْرُ: الاسم من التغيُّر؛ عن اللحياني؛
وأَنشد:إِذْ أَنا مَغْلوب قليلُ الغيَرْ
قال: ولا يقال إِلا غَيَّرْت. وذهب اللحياني إِلى أَن الغَيْرَ ليس
بمصدر إِذ ليس له فعل ثلاثي غير مزيد. وغَيَّرَ عليه الأَمْرَ: حَوَّله.
وتَغَايرتِ الأَشياء: اختلفت. والمُغَيِّر: الذي يُغَيِّر على بَعيره أَداتَه
ليخفف عنه ويُريحه؛ وقال الأَعشى:
واسْتُحِثَّ المُغَيِّرُونَ من القَوْ
مِ، وكان النِّطافُ ما في العَزَالي
ابن الأَعرابي: يقال غَيَّر فلان عن بعيره إِذا حَطّ عنه رَحْله وأَصلح
من شأْنه؛ وقال القُطامي:
إِلا مُغَيِّرنا والمُسْتَقِي العَجِلُ
وغِيَرُ الدهْرِ: أَحوالُه المتغيِّرة. وورد في حديث الاستسقاء: مَنْ
يَكْفُرِ اللهَ يَلْقَ الغِيَرَ أَي تَغَيُّر الحال وانتقالَها من الصلاح
إِلى الفساد. والغِيَرُ: الاسم من قولك غَيَّرْت الشيء فتغيَّر. وأَما ما
ورد في الحديث: أَنه كَرِه تَغْيِير الشَّيْب يعني نَتْفَه، فإِنّ تغيير
لونِه قد أُمِر به في غير حديث.
وغارَهُم الله بخير ومطَرٍ يَغِيرُهم غَيْراً وغِياراً ويَغُورهم: أَصابهم
بمَطر وخِصْب، والاسم الغِيرة. وأَرض مَغِيرة، بفتح الميم، ومَغْيُورة
أَي مَسْقِيَّة. يقال: اللهم غِرْنا بخير وعُرْنا بخير. وغارَ الغيثُ
الأَرض يَغِيرها أَي سقاها. وغارَهُم الله بمطر أَي سقاهم، يَغِيرهم ويَغُورهم.
وغارَنا الله بخير: كقولك أَعطانا خيراً؛ قال أَبو ذؤيب:
وما حُمِّلَ البُخْتِيُّ عام غِيَارهِ،
عليه الوُسُوقُ بُرُّها وشَعِيرُها
وغارَ الرجلَ يَغُورُه ويَغِيره غَيْراً: نفعه؛ قال عبد مناف بن ربعيّ
الهُذَلي:
(* قوله «عبد مناف» هكذا في الأصل، والذي في الصحاح: عبد
الرحمن).
ماذا يَغير ابْنَتَيْ رِبْعٍ عَوِيلُهُما
لا تَرْقُدانِ، ولا يُؤْسَى لِمَنْ رَقَدَا
يقول: لا يُغني بُكاؤهما على أَبيهما من طلب ثأْرِه شيئاً. والغِيرة،
بالكسر، والغِيارُ: المِيرة. وقد غارَهم يَغِيرهم وغارَ لهم غِياراً أَي
مارَهُم ونفعهم؛ قال مالك بن زُغْبة الباهِليّ يصِف امرأَة قد كبِرت وشاب
رأْسها تؤمِّل بنيها أَن يأْتوها بالغنيمة وقد قُتِلوا:
ونَهْدِيَّةٍ شَمْطاءَ أَو حارِثِيَّةٍ،
تُؤَمِّل نَهْباً مِنْ بَنِيها يَغِيرُها
أَي يأْتِيها بالغَنيمة فقد قُتِلوا؛ وقول بعض الأَغفال:
ما زِلْتُ في مَنْكَظَةٍ وسَيْرِ
لِصِبْيَةٍ أَغِيرُهم بِغَيْرِ
قد يجوز أَن يكون أَراد أَغِيرُهم بِغَيرٍ، فغيَّر للقافية، وقد يكون
غَيْر مصدر غارَهُم إِذا مارَهُم. وذهب فلان يَغيرُ أَهله أَي يَمِيرهم.
وغارَه يَغِيره غَيْراً: وَداهُ؛ أَبو عبيدة: غارَني الرجل يَغُورُني
ويَغيرُني إِذا وَداك، من الدِّيَة. وغارَه من أَخيه يَغِيره ويَغُوره
غَيْراً: أَعطاه الدية، والاسم منها الغِيرة، بالكسر، والجمع غِيَر؛ وقيل:
الغِيَرُ اسم واحد مذكَّر، والجمع أَغْيار. وفي الحديث: أَن النبي، صلى الله
عليه وسلم، قال لرجل طلَب القَوَد بِوَليٍّ له قُتِلَ: أَلا تَقْبَل
الغِيَر؟ وفي رواية أَلا الغِيَرَ تُرِيدُف الغَيَرُ: الدية، وجمعه أَغْيار
مثل ضِلَع وأَضْلاع. قال أَبو عمرو: الغِيَرُ جمع غِيرةٍ وهي الدِّيَةُ؛
قال بعض بني عُذْرة:
لَنَجْدَعَنَّ بأَيدِينا أُنُوفَكُمُ،
بَنِي أُمَيْمَةَ، إِنْ لم تَقْبَلُوا الغِيَرَا
(* قوله« بني أميمة» هكذا في الأصل والأَساس، والذي في الصحاح: بني
أمية.)
وقال بعضهم: إِنه واحد وجمعه أَغْيار. وغَيَّرَه إِذا أَعطاه الدية،
وأَصلها من المُغايَرة وهي المُبادَلة لأَنها بدَل من القتل؛ قال أَبو
عبيدة: وإِنما سمّى الدِّية غِيَراً فيما أَرى لأَنه كان يجب القَوَد فغُيّر
القَوَد ديةً، فسمّيت الدية غِيَراً، وأَصله من التَّغْيير؛ وقال أَبو
بكر: سميت الدية غِيَراً لأَنها غُيِّرت عن القَوَد إِلى غيره؛ رواه ابن
السكِّيت في الواو والياء. وفي حديث مُحَلِّم
(* قوله« وفي حديث محلم» أي
حين قتل رجلاً فأبى عيينة بن حصن أن يقبل الدية، فقام رجل من بني ليث فقال:
يا رسول الله اني لم أجد إلخ.ا هـ. من هامش النهاية) . بن جثَّامة: إني لم
أَجد لِمَا فعَل هذا في غُرَّة الإِسلام مثلاً إِلا غَنَماً وردَتْ
فَرُمِيَ أَوَّلُها فنَفَرَ آخرُها: اسْنُن اليومَ وغَيِّر غداً؛ معناه أَن
مثَل مُحَلِّمٍ في قتْله الرجلَ وطلَبِه أَن لا يُقْتَصَّ منه وتُؤخذَ منه
الدِّية، والوقتُ أَول الإِسلام وصدرُه، كمَثل هذه الغَنَم النافِرة؛
يعني إِنْ جَرى الأَمر مع أَوْلِياء هذا القتيل على ما يُريد مُحَلِّم
ثَبَّطَ الناسَ عن الدخول في الإِسلام معرفتُهم أَن القَوَد يُغَيَّر
بالدِّية، والعرب خصوصاً، وهمُ الحُرَّاص على دَرْك الأَوْتار، وفيهم الأَنَفَة
من قبول الديات، ثم حَثَّ رسولَ الله،صلى الله عليه وسلم، على الإِقادة منه
بقوله: اسْنُن اليوم وغَيِّرْ غداً؛ يريد: إِنْ لم تقتَصَّ منه غَيَّرْت
سُنَّتَك، ولكنَّه أَخرج الكلام على الوجه الذي يُهَيّج المخاطَب
ويحثُّه على الإِقْدام والجُرْأَة على المطلوب منه. ومنه حديث ابن مسعود: قال
لعمر، رضي الله عنهما، في رجل قتل امرأَة ولها أَولياء فعَفَا بعضهم وأَراد
عمر، رضي الله عنه، أَن يُقِيدَ لمن لم يَعْفُ، فقال له: لو غَيَّرت بالدية
كان في ذلك وفاءٌ لهذا الذي لم يَعْفُ وكنتَ قد أَتممت لِلْعافي
عَفْوَه، فقال عمر، رضي الله عنه: كَنِيفٌ مُلئ عِلْماً؛ الجوهري: الغِيَرُ الاسم
من قولك غَيَّرت الشيء فتَغَيَّر. والغَيْرة، بالفتح، المصدر من قولك
غار الرجل على أَهْلِه. قال ابن سيده: وغار الرجل على امرأَته، والمرأَة
على بَعْلها تَغار غَيْرة وغَيْراً وغاراً وغِياراً؛ قال أَبو ذؤيب يصِف
قُدوراً:
لَهُنَّ نَشِيجٌ بالنَّشِيلِ كأَنَّها
ضَرائِرُ حِرْمِيٍّ، تَفاحَشَ غارُها
وقال الأَعشى:
لاحَهُ الصَّيْفُ والغِيارُ وإِشْفا
قٌ على سَقْبَةٍ، كقَوْسِ الضَّالِ
ورجل غَيْران، والجمع غَيارَى وغُيَارَى، وغَيُور، والجمع غُيُرٌ، صحَّت
الياء لخفّتها عليهم وأَنهم لا يستثقلون الضمة عليها استثقالهم لها على
الواو، ومن قال رُسْل قال غُيْرٌ، وامرأَة غَيْرَى وغَيُور، والجمع
كالجمع؛ الجوهري: امرأَة غَيُور ونسوة غُيُرٌ وامرأَة غَيْرَى ونسوة غَيارَى؛
وفي حديث أُم سلمة، رضي الله عنها: إِنَّ لي بِنْتاً وأَنا غَيُور، هو
فَعُول من الغَيْرة وهي الحَمِيّة والأَنَفَة. يقال: رجل غَيور وامرأَة
غَيُور بلا هاء لأَنّ فَعُلولاً يشترِك فيه الذكر والأُنثى. وفي رواية: امرأَة
غَيْرَى؛ هي فَعْلى من الغَيْرة. والمِغْيارُ: الشديد الغَيْرة؛ قال
النابغة:
شُمُسٌ موانِعُ كُلِّ لَيْلَةِ حُرَّةٍ،
يُخْلِفْنَ ظَنَّ الفاحِشِ المِغْيارِ
ورجل مِغْيار أَيضاً وقوم مَغايِير. وفلان لا يَتَغَيَّر على أَهله أَي
لا يَغار وأَغارَ أَهلَه: تزوّج عليها فغارت. والعرب تقول: أَغْيَرُ من
الحُمَّى أَي أَنها تُلازِم المحموم مُلازَمَةَ الغَيُور لبعْلها.
وغايَرَه مُغايَرة: عارضه بالبيع وبادَلَه. والغِيارُ: البِدالُ؛ قال
الأَعشى:
فلا تَحْسَبَنّي لكمْ كافِراً،
ولا تَحْسبَنّي أُرِيدُ الغِيارَا
تقول للزَّوْج: فلا تحسَبَنّي كافراً لِنعْمتك ولا مِمَّن يريد بها
تَغْيِيراً. وقولهم: نزل القوم يُغَيِّرون أَي يُصْلِحون الرحال. وبَنُو
غِيَرة: حيّ.
بغا: بَغَى الشيءَ بَغْواً: نَظَراً إليه كيف هو. والبَغْوُ: ما يخرج من
زَهْرةِ القَتادِ الأَعْظَمِ الحجازي، وكذلك ما يخرج من زَهْرَة
العُرْفُط والسَّلَم. والبَغْوَةُ: الطَّلْعة حين تَنْشَقُّ فتخرج بيضاء
رَطْبَةً. والبََغْوة: الثمرة قبل أَن تَنْضَج؛ وفي التهذيب: قبل أَن
يَسْتَحْكِم يُبْسُها، والجمع بَغْوٌ، وخص أَبو حنيفة بالبَغْوِ مَرَّةً البُسَر
إذا كَبِرَ شيئاً، وقيل: البَغْوَة التمْرة التي اسودّ جوفُها وهي
مُرْطِبة. والبَغْوة: ثمرةُ العِضاه، وكذلك البَرَمَةُ. قال ابن بري: البَغْوُ
والبَغْوَة كل شجر غَضٍّ ثَمرهُ أَخْضَر صغير لم يَبْلُغْ. وفي حديث عمر،
رضي الله عنه: أَنه مرَّ برجل يقطع سَمُراً بالبادية فقال: رَعَيْتَ
بَغْوَتَها وبَرَمَتَها وحُبْلَتها وبَلَّتها وفَتْلَتَها ثم تَقْطَعُها؛ قال
ابن الأَثير: قال القتيبي يرويه أَصحاب الحديث مَعْوَتَها، قال: وذلك غلط
لأَن المَعْوَةَ البُسْرَة التي جرى فيها الإرْطابُ، قال: والصواب
بَغْوَتَها، وهي ثمرة السَّمُرِ أول ما تخرج، ثم تصير بعد ذلك بَرَمَةً ثم
بَلَّة ثم فَتْلة. والبُغَةُ: ما بين الرُّبَع والهُبَع؛ وقال قطرب: هو
البُعَّة، بالعين المشدّدة، وغلطوه في ذلك. وبَغَى الشيءَ ما كان خيراً أَو
شرّاً يَبْغِيه بُغاءً وبُغىً؛ الأَخيرة عن اللحياني والأُولى أَعرف:
طَلَبَه؛ وأَنشد غيره:
فلا أَحْبِسَنْكُم عن بُغَى الخَيْر، إني
سَقَطْتُ على ضِرْغامةٍ، وهو آكِلي
وبَغَى ضالَّته، وكذلك كل طَلِبَة، بُغاءً، بالضم والمد؛ وأَنشد
الجوهري:لا يَمْنَعَنَّك من بُغا
ءِ الخَيْرِ تَعْقادُ التَّمائم
وبُغايةً أَيضاً. يقال: فَرِّقوا لهذه الإبلِ بُغياناً يُضِبُّون لها
أَي يتفرَّقون في طلبها. وفي حديث سُراقة والهِجْرةِ: انْطَلِقوا بُغياناً
أَي ناشدين وطالبين، جمع باغ كراع ورُعْيان. وفي حديث أَبي بكر، رضي
الله عنه، في الهجرة: لقيهما رجل بكُراعِ الغَمِيم فقال: من أَنتم؟ فقال
أَبو بكر: باغٍ وهادٍ؛ عَرَّضَ بِبُغاء الإبل وهداية الطريق، وهو يريد طلبَ
الدِّينِ والهدايةَ من الضلالة. وابتغاه وتَبَغَّاه واسْتَبْغاه، كل ذلك:
طلبه؛ قال ساعدة ابن جُؤيَّة الهُذَلي:
ولكنَّما أَهلي بوادٍ، أَنِيسُه
سِباغٌ تَبَغَّى الناسَ مَثْنى ومَوْحَدا
وقال:
أَلا مَنْ بَيَّنَ الأَخَوَيْـ
ـنِ، أُمُّهما هي الثَّكْلَى
تُسائلُ من رَأَى ابْنَيْها،
وتَسْتَبْغِي فما تُبْغَى
جاء بهما بعد حرف اللين
(* قوله «جاء بهما بعد حرف اللين إلخ» كذا
بالأصل، والذي في المحكم: بغير حرف إلخ). المعوَّض مما حذف، وبَيَّنَ بمعنى
تَبَيَّنَ، والاسم البُغْيَةُ. وقال ثعلب: بَغَى الخَيْرَ بُغْيَةً
وبِغْيَةً، فجعلهما مصدرين. ويقال: بَغَيْتُ المال من مَبْغاتِه كما تقول أَتيت
الأَمر من مَأتاته، يريد المَأْتَي والمَبْغَى. وفلان ذو بُغاية للكسب
إذا كان يَبغِي ذلك. وارْتَدَّتْ على فلان بُغْيَتُه أَي طَلِبَتُه، وذلك
إذا لم يجد ما طَلَب. وقال اللحياني: بَغَى الرجلُ الخير والشر وكلَّ ما
يطلبه بُغاءً وبِغْيَة وبِغىً، مقصور. وقال بعضهم: بُغْيَةً وبُغىً.
والبُغْيَةُ: الحاجة. الأَصمعي: بَغَى الرجلُ حاجته أَو ضالته يَبْغيها بُغاءً
وبُغْيَةً وبُغايةً إذا طلبها؛ قال أَبو ذؤيب:
بغايةً إنما تَبْغي الصحاب من الـ
فِتْيانِ في مثله الشُّمُّ الأَناجِيجُ
(* قوله «الاناجيج» كذا في الأصل والتهذيب).
والبَغِيَّةُ: الطَّلِبَةُ، وكذلك البِغْية. يقال: بَغِيَّتي عندك
وبَغْيتي عندك. ويقال: أَبْغِني شيئاً أَي أَعطني وأَبْغِ لي شيئاً. ويقال:
اسْتَبْغَيْتُ القوم فَبَغَوْا لي وبَغَوْني أَي طَلَبوا لي. والبِغْية
والبُغْيَةُ والبَغِيَّةُ: ما ابْتُغِي. والبَغِيّةُ: الضالة المَبْغِيَّة.
والباغي: الذي يطلب الشيء الضالَّ، وجمعه بُغاة وبُغْيانٌ؛ قال ابن
أَحمر:أَو باغيان لبُعْرانٍ لنا رَقصَتْ،
كي لا تُحِسُّون من بُعْرانِنا أَثَرَا
قالوا: أَراد كيف لا تُحِسُّونَ. والبِغْية والبُغْية: الحاجة
المَبْغِيَّة، بالكسر والضم، يقال: ما لي في بني فلان بِغْيَة وبُغْية أَي حاجة،
فالبِغْيَة مثل الجلْسة التي تَبْغِيها، والبُغْية الحاجة نفسها؛ عن
الأَصمعي. وأَبغاه الشيءَ: طلبه له أَو أَعانه على طلبه، وقيل: بَغاه الشيءَ
طلبه له، وأَبغاه إياه أَعانه عليه. وقال اللحياني: اسْتَبْغَى القومَ
فَبَغَوْه وبغَوْا له أَي طلبوا له. والباغي: الطالِبُ، والجمع بُغاة
وبُغْيانٌ. وبَغَيْتُك الشيءَ: طلبته لك؛ ومنه قول الشاعر:
وكم آمِلٍ من ذي غِنىً وقَرابةٍ
لِتَبْغِيَه خيراً، وليس بفاعِل
وأبْغَيْتُك الشيءَ: جعلتك له طالباً. وقولهم: يَنْبَغِي لك أَن تفعل
كذا فهو من أَفعال المطاوعة، تقول: بَغَيْتُه فانْبَغَى، كما تقول: كسرته
فانكسر. وفي التنزيل العزيز: يَبْغُونكم الفِتْنة وفيكم سَمَّاعُون لهم؛
أَي يَبْغُون لكم، محذوف اللام؛ وقال كعب بن زهير:
إذا ما نُتِجْنا أَرْبَعاً عامَ كَفْأَةٍ،
بَغاها خَناسيراً فأَهْلَكَ أَرْبعا
أَي بَغَى لها خَناسير، وهي الدواهي، ومعنى بَغَى ههنا طَلَب. الأَصمعي:
ويقال ابْغِني كذا وكذا أَي أطلبه لي، ومعنى ابْغِني وابْغِ لي سواء،
وإذا قال أَبْغِني كذا وكذا فمعناه أَعِنِّي على بُغائه واطلبه معي. وفي
الحديث: ابْغِني أَحجاراً أَسْتَطبْ بها. يقال: ابْغِني كذا بهمزة الوصل
أَي اطْلُبْ لي. وأَبْغِني بهمزة القطع أَي أَعنَّي على الطلب. ومنه
الحديث: ابْغُوني حَديدةً أَسْتَطِبْ بها، بهمز الوصل والقطع؛ هو من بَغَى
يَبْغِي بُغاءً إذا طلب. وفي حديث أَبي بكر، رضي الله عنه: أَنه خرج في بُغاء
إبل؛ جعلوا البُغاء على زنة الأَدْواء كالعُطاس والزُّكام تشبيهاً لشغل
قلب الطالب بالداء. الكسائي: أَبْغَيتُك الشيءَ إذا أَردت أَنك أَعنته
على طلبه، فإذا أَردت أَنك فعلت ذلك له قلت قد بَغَيْتُك، وكذلك أعْكَمْتُك
أَو أَحْمََلْتُك. وعَكَمْتُك العِكْم أَي فعلته لك. وقوله: يَبْغُونَها
عِوَجاً؛ أَي يَبْغُون للسبيل عوجاً، فالمفعول الأَول منصوب بإسقاط
الخافض؛ ومثله قول الأَعشى:
حتى إذا ذَرَّ قَرْنُ الشَّمْسِ صَبَّحها
ذُؤالُ نَبْهانَ، يَبْغِي صَحْبَه المُتَعا
أَي يبغي لصحبه الزادَ؛ وقال واقِدُ بن الغِطرِيف:
لئن لَبَنُ المِعْزَى بماء مَوَيْسِلِ
بَغانيَ داءً، إنني لَسَقِيمُ
وقال الساجع: أَرْسِل العُراضاتِ أَثَراً يَبْغِينك مَعْمَراً أَي
يَبْغِينَ معمراً. يقال: بَغَيتُ الشيءَ طلبته، وأَبْغَيْتُك فَرساً
أَجْنَبْتُك إياه، وأَبْغَيْتُك خيراً أَعنتك عليه. الزجاج: يقال انْبَغَى لفلان
أَن يفعل كذا أَي صَلَحَ له أَن يفعل كذا، وكأَنه قال طَلَبَ فِعْلَ كذا
فانْطَلَبَ له أَي طاوعه، ولكنهم اجْتزَؤوا بقولهم انْبَغَى. وانْبَغى
الشيءُ: تيسر وتسهل. وقوله تعالى: وما علَّمناه الشعر وما ينبغي له؛ أَي ما
يتسهل له ذلك لأَنا لم نعلمه الشعر. وقال ابن الأَعرابي: وما ينبغي له
وما يَصْلُح له. وإنه لذُو بُغايةٍ أَي كَسُوبٌ.
والبِغْيةُ في الولد: نقِيضُ الرِّشْدَةِ. وبَغَتِ الأَمة تَبْغِي
بَغْياً وباغَتْ مُباغاة وبِغاء، بالكسر والمدّ، وهي بَغِيٌّ
وبَغُوٌ: عَهَرَتْ وزَنَتْ، وقيل: البَغِيُّ الأَمَةُ، فاجرة كانت أَو
غير فاجرة، وقيل: البَغِيُّ أَيضاً الفاجرة، حرة كانت أَو أَمة. وفي
التنزيل العزيز: وما كانت أُمُّكِ بغيّاً؛ أَي ما كانت فاجرة مثل قولهم
ملْحَفَة جَدِيدٌ؛ عن الأَخفش، وأُم مريم حرَّة لا محالة، ولذلك عمَّ ثعلبٌ
بالبِغاء فقال: بَغَتِ المرأَةُ، فلم يَخُصَّ أَمة ولا حرة. وقال أَبو عبيد:
البَغايا الإماءُ لأَنهنَّ كنَّ يَفْجُرْنَ. يقال: قامت على رؤُوسهم
البَغايا، يعني الإماءَ، الواحدة بَغِيٌّ، والجمع بغايا. وقال ابن خالويه:
البِغاءُ مصدر بَغَتِ المرأَة بِغاءً زَنَت، والبِغاء مَصْدَرُ باغت بِغاء
إذا زنت، والبِغاءُ جمع بَغِيٍّ ولا يقال بغِيَّة؛ قال الأَعشى:
يَهَبُ الْجِلَّةَ الجَراجِرَ، كالبُسْـ
ـتانِ، تَحْنو لدَرْدَقٍ أَطفالِ
والبَغايا يَرْكُضْنَ أَكْسِيةَ الإضْـ
رِيجِ والشَّرْعَبيَّ ذا الأَذْيالِ
أَراد: ويَهَبُ البغايا لأَن الحرة لا توهب، ثم كثر في كلامهم حتى
عَمُّوا به الفواجر، إماءً كنّ أَو حرائر. وخرجت المرأَة تُباغِي أَي تُزاني.
وباغَتِ المرأَة تُباغِي بِغاءً إذا فَجَرَتْ. وبغَتِ المرأَةُ تَبْغِي
بِغاء إذا فَجرَت. وفي التنزيل العزيز: ولا تُكْرِهوا فَتياتِكم على
البِغاء؛ والبِغاء: الفُجُور، قال: ولا يراد به الشتم، وإن سُمِّينَ بذلك في
الأَصل لفجورهن. قال اللحياني: ولا يقال رجل بَغيّ. وفي الحديث: امرأَة
بَغِيّ دخلت الجنة في كَلْب، أَي فاجرة، ويقال للأَمة بَغِيٌّ وإن لم
يُرَدْ به الذَّم، وإن كان في الأَصل ذمّاً، وجعلوا البِغاء على زنة العيوب
كالحِرانِ والشِّرادِ لأَن الزناعيب. والبِغْيةُ: نقيض الرِّشْدةِ في
الولد؛ يقال: هو ابن بِغْيَةٍ؛ وأَنشد:
لدَى رِشْدَةٍ من أُمِّه أَو بَغِيَّةٍ،
فيَغلِبُها فَحْلٌ، على النسل، مُنْجِب
قال الأَزهري: وكلام العرب هو ابن غَيَّة وابن زَنيَة وابن رَشْدَةٍ،
وقد قيل: زِنْيةٍ ورِشْدةٍ، والفتح أَفصح اللغتين، وأَما غَيَّة فلا يجوز
فيه غير الفتح. قال: وأَما ابن بِغْية فلم أَجده لغير الليث، قال: ولا
أُبْعِدُه عن الصواب.
والبَغِيَّةُ: الطليعةُ التي تكون قبل ورودِ الجَيْش؛ قال طُفَيل:
فأَلْوَتْ بَغاياهُم بنا، وتباشَرَتْ
إلى عُرْضِ جَيْشٍ، غَيرَ أَنْ لم يُكَتَّبِ
أَلْوَتْ أَي أَشارت. يقول: ظنوا أَنَّا عِيرٌ فتباشروا علم يَشْعُروا
إلا بالغارة، وقيل: إن هذا البيت على الإماء أَدَلُّ منه على الطَّلائع؛
وقال النابغة في البغايا الطَّلائع:
على إثْرِ الأَدِلَّةِ والبَغايا،
وخَفْقِ الناجِياتِ من الشآمِ
ويقال: جاءت بَغِيَّةُ القوم وشَيِّفَتُهم أَي طَلِيعَتُهم. والبَغْيُ:
التَّعَدِّي. وبَغَى الرجلُ علينا بَغْياً: عَدَل عن الحق واستطال.
الفراء في قوله تعالى: قل إنما حرَّم ربِّي الفواحشَ ما ظهر منها وما بطن
والإثم والبَغْيَ بغير الحق، البَغْي الإستطالة على الناس؛ وقال الأَزهري:
معناه الكبر، والبَغْي الظُّلْم والفساد، والبَغْيُ معظم الأَمر. الأَزهري:
وقوله فمن اضْطُر غيرَ باغِ ولا عادٍ، قيل فيه ثلاثة أَوجه: قال بعضهم:
فمن اضْطُرَّ جائعاً غير باغٍ أَكْلَها تلذذاً ولا عاد ولا مجاوزٍ ما
يَدْفَع به عن نفسه الجُوعَ فلا إثم عليه، وقيل: غير باغٍ غير طالب مجاوزة
قدر حاجته وغيرَ مُقَصِّر عما يُقيم حالَه، وقيل: غير باغ على الإمام وغير
مُتَعدٍّ على أُمّته. قال: ومعنى البَغْي قصدُ الفساد. ويقال: فلان
يَبْغي على الناس إذا ظلمهم وطلب أَذاهم. والفِئَةُ الباغيةُ: هي الظالمة
الخارجة عن طاعة الإمام العادل. وقال النبي، صلى الله عليه وسلم، لعَمَّار:
وَيْحَ ابنِ سُمَيَّة تَقْتله الفئةُ الباغية وفي التنزيل: فلا تَبْغُوا
عليهن سبيلاً؛ أي إن أَطَعْنكم لا يَبْقَى لكم عليهن طريقٌ إلا أَن يكون
بَغْياً وجَوْراً، وأَصلُ البَغْي مجاوزة الحدّ. وفي حديث ابن عمر: قال
لرجل أَنا أُبغضك، قال: لِمَ؟ قال: لأَنك تَبْغِي في أَذانِكَ؛ أَراد
الــتطريب فيه، والتمديد من تجاوُز الحد. وبَغَى عليه يَبْغِي بَغْياً: علا
عليه وظلمه. وفي التنزيل العزيز: بَغَى بعضُنا على بعض. وحكى اللحياني عن
الكسائي: ما لي وللبَغِ بعضُكم على بعض؛ أَراد وللبَغْي ولم يعلله؛ قال:
وعندي أَنه استثقل كسرة الإعراب على الياء فحذفها وأَلقى حركتها على
الساكن قبلها. وقوم بُغاء
(* قوله «وقوم بغاء» كذا بالأصل بهمز آخره بهذا
الضبط ومثله في المحكم، وسيأتي عن التهذيب بغاة بالهاء بدل الهمز وهو المطابق
للقاموس). وتَباغَوْا: بَغَى بعضُهم على بعض؛ عن ثعلب. وبَغَى الوالي:
ظلم. وكلُّ مجاوزة وإفراط على المقدار الذي هو حد الشيء بَغْيٌ. وقال
اللحياني: بَغَى على أَخيه بَغْياً حسده. وفي التنزيل العزيز: ثم بُغِيَ عليه
ليَنْصُرَنَّه الله، وفيه: والذين إذا أَصابهم البَغْيُ هم ينتصرون.
والبَغْيُ: أَصله الحسد، ثم سمي الظلم بَغْياً لأَن الحاسد يظلم المحسود
جُهْدَه إراغَةَ زوالِ نعمةِ الله عليه عنه. وبَغَى بَغْياً: كَذَب. وقوله
تعالى: يا أَبانا ما نَبْغي هذه بضاعَتُنا؛ يجوز أَن يكون ما نَبْتَغي أَي
ما نطلب، فما على هذا إستفهام، ويجوز أَن يكون ما نكْذب ولا نَظْلِم فما
على هذا جَحْد. وبَغَى في مِشْيته بَغْياً: اخْتال وأَسرع. الجوهري:
والبَغْيُ اخْتِيالٌ ومَرَحٌ في الفَرس. غيره: والبَغْيُ في عَدْوِ الفرس
اختيالٌ ومَرَح. بَغَى بَغْياً: مَرِحَ واختال، وإنه ليَبْغِي في عَدْوِه.
قال الخليل: ولا يقال فرس باغٍ. والبَغْيُ: الكثير من المَطَر. وبَغَتِ
السماء: اشتد مطرها؛ حكاه أَبو عبيد. وقال اللحياني: دَفَعْنا بَغْيَ
السماء عنا أَي شدَّتَها ومُعْظَم مطرها، وفي التهذيب: دَفَعْنا بَغْيَ
السماء خَلفَنا. وبَغَى الجُرحُ يَبْغِي بَغْياً: فَسَدَ وأَمَدَّ ووَرِمَ
وتَرامَى إلى فساد. وبَرِئَ جُرْحُه على بَغْي إذا برئَ وفيه شيء من
نَغَلٍ. وفي حديث أَبي سَلَمة: أَقام شهراً يداوي جُرْحَه فَدَمَلَ على بَغْي
ولا يَدْري به أَي على فساد. وجَمَل باغٍ: لا يُلْقِح؛ عن كراع. وبَغَى
الشيءَ بَغْياً: نظر إليه كيف هو. وبغاه بَغْياً: رَقبَه وانتَظره؛ عنه
أَيضاً. وما يَنْبَغِي لك أَن تَفْعَل وما يَبْتَغِي أَي لا نَوْلُكَ. وحكى
اللحياني: ما انْبَغَى لك أَن تفعل هذا وما ابْتَغَى أَي ما ينبغي.
وقالوا: إنك لعالم ولا تُباغَ أَي لا تُصَبْ بالعين، وأَنتما عالمان ولا
تُباغَيا، وأَنتم علماء ولا تُباغَوْا. ويقال للمرأَة الجميلة: إنك
لجميلة ولا تُباغَيْ، وللنساء: ولا تُباغَيْنَ. وقال: والله ما نبالي أَن
تُباغيَ أَي ما نبالي أَن تصيبك العين. وقال أَبو زيد: العرب تقول إنه لكريم
ولا يُباغَهْ، وإنهما لكريمان ولا يُباغَيا، وإنهم لكرام ولا يُباغَوْا،
ومعناه الدعاء له أَي لا يُبْغَى عليه؛ قال: وبعضهم لا يجعله على الدعاء
فيقول لا يُباغَى ولا يُباغَيان ولا يُباغَون أَي ليس يباغيه أَحد، قال:
وبعضهم يقول لا يُباغُ ولا يُباغان ولا يُباغُونَ. قال الأَزهري: وهذا
من البَوْغِ، والأَول من البَغْي، وكأَنه جاء مقلوباً. وحكى الكسائي: إنك
لعالم ولا تُبَغْ، قال: وقال بعض الأَعراب مَنْ هذا المَبُوغُ عليه؟ وقال
آخر: مَن هذا المَبيغُ عليه؟ قال: ومعناه لا يُحْسَدُ. ويقال: إنه لكريم
ولا يُباغُ؛ قال الشاعر:
إِما تَكَرّمْ إنْ أَصَبْتَ كَريمةً،
فلقد أَراك، ولا تُباغُ، لَئِيما
وفي التثنية: لا يُباغانِ، ولا يُباغُونَ، والقياس أَن يقال في الواحد
على الدعاء ولا يُبَغْ، ولكنهم أَبوا إلاَّ أَن يقولوا ولا يُباغْ. وفي
حديث النَّخَعِي: أَن إبراهيم بن المُهاجِر جُعِلَ على بيت الوَرِقِ فقال
النخعي ما بُغِي له أَي ما خير له.
عقر: العَقْرُ والعُقْرُ: العُقْم، وهو اسْتِعقْامُ الرَّحِم، وهو أَن
لا تحمل. وقد عَقُرَت المرأَة عَقَارةً وعِقارةً وعَقَرت تَعْقِرِ عَقْراً
وعُقْراً وعَقِرَت عَقاراً، وهي عاقرٌ. قال ابن جني: ومما عدُّوه شاذّاً
ما ذكروه من فَعُل فهو فاعِلٌ، نحو عَقُرَت المرأَة فهي عاقِرٌ، وشَعُر
فهو شاعرٌ، وحَمُض فهو حامِضٌ، وطَهُرَ فهو طاهِرٌ؛ قال: وأَكثر ذلك
وعامَّتُه إِنما هو لُغات تداخَلَت فَتَركَّبَت، قال: هكذا ينبغي أَن
تعتَقِد، وهو أَشَبهُ بحِكمةِ العرب. وقال مرَّة: ليس عاقرٌ من عَقُرَت بمنزلة
حامِضٍ من حَمُض ولا خاثرٍ من خَثُر ولا طاهِرٍ من طَهُر ولا شاعِرٍ من
شَعُر لأَن كل واحد من هذه اسم الفاعل، وهو جارٍ على فَعَل، فاستغني به عما
يَجْرِي على فَعُل، وهو فَعِيل، ولكنه اسمٌ بمعنى النسب بمنزلة امرأَة
حائضٍ وطالَقٍ، وكذلك الناقة، وجمعها عُقَّر؛ قال:
ولو أَنَّ ما في بَطْنِه بَيْنَ نِسْوَةٍ
حَبِلْنَ، ولو كانت قَواعِدَ عُقّرا
ولقد عَقُرَت، بضم القاف، أَشدَّ العُقْر وأَعْقَر اللهُ رَحِمَها، فهي
مُعْقَرة، وعَقُر الرجلُ مثل المرأَة أَيضاً، ورجال عُقَّرٌ ونساء
عُقَّرٌ. وقالوا: امرأَة عُقَرة، مثل هُمَزة؛ وأَنشد:
سَقَى الكِلابيُّ العُقَيْليَّ العُقُرْ
والعُقُر: كل ما شَرِبه
(*
قوله: «والعقر كل ما شربه إلخ» عبارة شارح القاموس العقر، بضمتين، كل ما
شربه إِنسان فلم يولد له، قال: «سقى الكلابي العقيلي العقر» قال
الصاغاني: وقيل هو العقر بالتخفيف فنقله للقافية). الإِنسان فلم يولد له، فهو
عُقْرٌ له. ويقال: عَقَر وعَقِر إِذا عَقُر فلم يُحْمَل له. وفي الحديث: لا
تَزَوَّجُنَّ عاقِراً فإِني مُكاثِرٌ بكم؛ العاقرُ: التي لا تحمل. وروي
عن الخليل: العُقْرُ اسْتِبْراءُ المرأَة لتُنْظَرَ أَبِكْرٌ أَم غير
بكر، قال: وهذا لا يعرف. ورجل عاقرٌ وعَقِيرٌ: لا يولد له بَيْن العُقْر،
بالضم، ولم نسمع في المرأَة عَقِيراً. وقال ابن الأَعرابي: هو الذي يأْتي
النساء فيُحاضِنُهنّ ويُلامِسهُنّ ولا يولد له.
وعُقْرةُ لعهدهم: النِّسْيانُ: والعُقَرة: خرزة تشدُّها المرأَة على
حَِقْوَيْها لئلا تَحْبَل. قال الأَزهري: ولسنا العرب خرزةٌ يقال لها
العُقَرة يَزْعُمْن أَنها إِذا عُلِّقَت على حِقْوِ المرأَة لم تحمل إِذا
وُطِئت. قال الأَزهري: قال ابن الأَعرابي العُقَرة خرزةٌ تعلَّق على العاقر
لتَلِدَ. وعَقُر الأَمرُ عُقْراً: لم يُنْتِجْ عاقِبةً؛ قال ذر الرمة يمدح
بلال بن أَبي بردة:
أَبوكَ تَلافَى الناسَ والدِّينَ بعدما
تَشاءَوْا، وبَيْتُ الدِّين مُنْقطِع الكَسْر
فشدَّ إِصارَ الدِّينِ أَيَّامَ أَذْرُحٍ
ورَدَّ حُروباً لَقِحْن إِلى عُقْرِ
الضمير في شدَّ عائد على جد الممدوح وهو أَبو موسى الأَشعري.
والتَّشائِي: التبايُنُ والتَّفَرُّق. والكَسْرُ؛ جانب البيت. والإِصَارُ: حَبْل
قصير يشدّ به أَسفلُ الخباء إِلى الوتد، وإِنما ضربه مثلاً. وأَذْرُح:
موضع؛ وقوله: وردَّ حُروباً قد لَقِحْنَ إِلى عُقْرِ أَي رَجَعْن إِلى
السكون. ويقال: رَجَعَت الحربُ إِلى عُقْرٍ إِذا فَتَرَتْ. وعَقْرُ النَّوَى:
صَرْفُها حالاً بعد حال. والعاقِرُ من الرمل: ما لا يُنْبِت، يُشَبَّه
بالمرأَة، وقيل: هي الرملة التي تُنْبِت جَنَبَتَاها ولا يُنْبِت وَسَطُها؛
أَنشد ثعلب:
ومِن عاقرٍ يَنْفِي الأَلاءَ سَراتُها،
عِذَارَيْنِ عَنْ جَرْداءَ، وَعْثٍ خُصورُها
وخَصَّ الأَلاء لأَنه من شجر الرمل، وقيل: العاقر رملة معروفة لا تنبت
شيئاً؛ قال:
أَمَّا الفُؤادُ، فلا يَزالُ مُوكَّلاً
بهوى حَمامةَ، أَو بِرَيّا العاقِر
حَمامَةُ: رملة معروفة أَو أَكَمَة، وقيل: العاقِرُ العظيم من الرمل،
وقيل: العظيم من الرمل لا ينبت شيئاً؛ فأَما قوله أَنشده ابن الأَعرابي:
صَرَّافةَ القَبِّ دَموكاً عاقِرا
فإِنه فسره فقال: العاقِرُ التي لا مثل لها. والدَّمُوك هنا: البَكَرة
التي يُسْتقى بها على السانِية، وعَقَرَه أَي جَرَحَه، فهو عَقِيرٌ
وعَقْرَى، مثَّل جريح وجَرْحَى والعَقْرُ: شَبِيهٌ بالحَزِّ؛ عَقَرَه يَعْقِره
عَقْراً وعَقَّره. والعَقِيرُ: المَعْقورُ، والجمع عَقْرَى، الذكر
والأُنثى فيه سواء. وعَقَر الفرسَ والبعيرَ بالسيف عَقْراً: قطع قوائمه؛ وفرس
عَقِيرٌ مَعْقورٌ، وخيل عَقْرى؛ قال:
بسِلَّى وسِلِّبْرَى مَصارعُ فِتْيةٍ
كِرامٍ، وعَقْرَى من كُمَيْتٍ ومن وَرْدِ
وناقةٌ عَقِيرٌ وجمل عَقِير. وفي حديث خديجة، رضي الله تعالى عنها، لما
تزوجت رسولُ الله، صلى الله عليه وسلم، كَسَتْ أَباها حُلَّةً
وخَلَّقَتْه ونَحَرَتْ جزوراً، فقال: ما هذا الحَبِيرُ وهذا العَبِيرُ وهذا
العَقِيرُ؟ أَي الجزور المنحور؛ قيل: كانوا إِذا أَرادوا نَحْرَ البعير عَقَرُوه
أَي قطعوا إِحدى قوائمه ثم نَحرُوه، يفْعل ذلك به كَيْلا يَشْرُد عند
النَّحْر؛ وفي النهاية في هذا المكان: وفي الحديث: أَنه مَرَّ بحِمارٍ
عَقِيرٍ أَي أَصابَه عَقْرٌ ولم يَمُتْ بعد، ولم يفسره ابن الأَثير. وعَقَرَ
الناقة يَعْقِرُها ويَعْقُرها عَقْراً وعَقَّرَها إِذا فعل بها ذلك حتى
تسقط فَنَحَرَها مُسْتمكناً منها، وكذلك كل فَعِيل مصروف عن مفعول به
فإِنه بغير هاء. قال اللحياني: وهو الكلام المجتمع عليه، ومنه ما يقال
بالهاء؛ وقول امرئ القيس:
ويومَ عَقَرْتُ للعَذارَى مَطِيَّتي
فمعناه نحرتها. وعاقَرَ صاحبَه: فاضَلَه في عَقْر الإِبل، كما يقال
كارَمَه وفاخَرَه. وتعاقَر الرجُلان: عَقَرا إِبلِهَما يَتَباريَان بذلك
ليُرَى أَيُّهما أَعْقَرُ لها؛ ولما أَنشد ابن دريد قوله:
فما كان ذَنْبُ بنِي مالك،
بأَنْ سُبَّ منهم غُلامٌ فَسَبَّ
بأَبْيَضَ ذِي شُطَبٍ باتِرٍ
يَقُطُّ العِظامَ ويَبْرِي العَصَبْ
فسره فقال: يريد مُعاقرةَ غالب بن صعصعة أَبي الفرزدق وسُحَيم بن وَثِيل
الرياحي لما تَعاقَرَا بِصَوْأَر، فعقر سحيم خمساً ثم بدَا له، وعَقَر
غالبٌ أَبو الفرزدق مائة. وفي حديث ابن عباس: لا تأْكلوا من تَعاقُرِ
الأَعراب فإِني لا آمَنُ أَن يكون مما أْهِلَّ به لغير الله؛ قال ابن
الأَثير: هو عَقْرُهم الإِبل، كان الرجلان يَتَباريانِ في الجود والسخاء
فيَعْقِر هذا وهذا حتى يُعَجِّزَ أَحدُهما الآخر، وكانوا يفعلونه رياءً وسُمْعة
وتفاخُراً ولا يقصدون به وجه الله تعالى، فشبَّهه بما ذُبح لغير الله
تعالى. وفي الحديث: لا عَقْرَ في الإِسلام: قال ابن الأَثير: كانوا
يَعْقِرون الإِبل على قبور المَوْتَى أَي يَنْحَرُونها ويقولون: إِن صاحبَ القبر
كان يَعْقِر للأَضياف أَيام حياته فتُكافِئُه بمثل صَنِيعه بعد وفاته.
وأَصل العَقْرِ ضَرْبُ قوائم البعير أَو الشاة بالسيف، وهو قائم. وفي
الحديث: ولا تَعْقِرنّ شاةً ولا بَعِيراً إِلاَّ لِمَأْكَلة، وإِنما نهى عنه
لأَنه مُثْلة وتعذيبٌ للحيوان؛ ومنه حديث ابن الأَكوع: وما زِلْتُ
أَرْمِيهم وأَعْقِرُ بهم أَي أَقتُلُ مركوبهم؛ يقال: عَقَرْت به إِذا قتلت مر
كوبه وجعلته راجلاً؛ ومنه الحديث: فَعَقَرَ حَنْظَلةُ الراهب بأَبي
سُفْيَان بن حَرْب أَي عَرْقَبَ دَابّته ثم اتُّسِعَ في العَقْر حتى استعمل في
القَتْل والهلاك؛ ومنه الحديث: أَنه قال لمُسَيْلِمةَ الكذّاب: وإِن
أَدْبَرْتَ ليَعْقرَنَّك الله أَي ليُهْلِكَنّك، وقيل: أَصله من عَقْر النخل،
وهو أَن تقطع رؤوسها فتَيْبَس؛ ومنه حديث أُم زرع: وعَقْرُ جارِتها أَي
هلاكُهَا من الحسد والغيظ. وقولهم: عَقَرْتَ بي أَي أَطَلْت جَبْسِي كأَنك
عَقَرْت بَعِيرِي فلا أَقدر على السير، وأَنشد ابن السكيت:
قد عَقَرَتْ بالقومِ أُمُّ خَزْرج
وفي حديث كعب: أَن الشمس والقَمَرَ ثَوْرانِ عَقِيران في النار؛ قيل
لمّا وصَفَهما الله تعالى بالسِّبَاحة في قوله عز وجل: وكلٌّ في فَلَكٍ
يَسْبَحُون، ثم أَخبر أَنه يجعلهما في النار يُعَذِّب بهما أَهْلَها بحيث لا
يَبْرَحانِها صارا كأَنهما زَمِنان عَقِيران. قال ابن الأَثير: حكى ذلك
أَبو موسى، وهو كما تراه. ابن بزرج: يقال قد كانت لي حاجة فعَقَرَني عنها
أَي حَبَسَنِي عنها وعاقَنِي. قال الأَزهري: وعَقْرُ النَّوَى منه
مأْخوذ، والعَقْرُ لا يكون إِلاَّ في القوائم. عَقَرَه إِذا قطع قائِمة من
قوائمه. قال الله تعالى في قضيَّة ثمود: فتاطَى فعَقَرَ؛ أَي تعاطَى الشقِيُّ
عَقْرَ الناقةِ فبلغ ما أَراد، قال الأَزهري: العَقْرُ عند العرب كَشْفُ
عُرْقوب البعير، ثم يُجْعَل النَّحْرُ عَقْراً لأَن ناحِرَ الإِبل
يَعْقِرُها ثم ينحرها. والعَقِيرة: ما عُقِرَ من صيد أَو غيره. وعَقِيرةُ
الرجل: صوتُه إِذا غَنّى أَو قَرَأَ أَو بَكى، وقيل: أَصله أَن رجلاً عُقِرَت
رجلُه فوضع العَقِيرةَ على الصحيحة وبكَى عليها بأَعْلى صوته، فقيل: رفع
عَقِيرَته، ثم كثر ذلك حتى صُيِّر الصوتُ بالغِنَاء عَقِيرة. قال
الجوهري: قيل لكل مَن رفع صوته عَقِيرة ولم يقيّد بالغناء. قال: والعَقِيرة
الساقُ المقطوعة. قال الأَزهري: وقيل فيه هو رجل أُصِيبَ عُضْوٌ من أَعضائه،
وله إِبل اعتادت حُداءَه، فانتشرت عليه إِبلُه فرفع صوتَه بالأَنِينِ
لِمَا أَصابه من العَقْرِ في بدنه فتسمَّعت إِبلُه فحَسِبْنه يَحْدو بها
فاجتمعت إِليه، فقيل لكل من رفع صوته بالغناء: قد رفع عَقِيرته.
والعَقِيرة: متهى الصوت؛ عن يعقوب؛ واسْتَعْقَرَ الذئبُ رَفَع صوتَه بالــتطريب في
العُواء؛ عنه أَيضاً؛ وأَنشد:
فلما عَوَى الذئبُ مُسْتَعِقْراً،
أَنِسْنا به والدُّجى أَسْدَفُ
وقيل: معناه يطلب شيئاً يَفْرِسُه وهؤلاء قومٌ لُصوصٌ أَمِنُوا الطلب
حين عَوَى الذئب. والعَقِيرة: الرجل الشريف يُقْتَل. وفي بعض نسخ الإِصلاح:
ما رأَيت كاليوم عَقِيرَةً وَسْطَ قوم. قال الجوهري: يقال ما رأَيت
كاليوم عَقِيرةً وَسْطَ قوم، للرجل الشريف يُقْتَل، ويقال: عَقَرْت ظهر
الدابة إِذا أَدْبَرْته فانْعَقَر واعْتَقَر؛ ومنه قوله:
عَقَرْتَ بَعِيري يا امْرَأَ القَيْسِ فانْزِلِ
والمِعْقَرُ من الرِّحالِ: الذي ليس بِواقٍ. قال أَبو عبيد: لا يقال
مِعْقر إِلاَّ لما كانت تلك عادته، فأَمّا ما عَقَر مرة فلا يكون إِلاَّ
عاقراً؛ أَبو زيد: سَرْجٌ عُقَرٌ؛ وأَنشد للبَعِيث:
أَلَدُّ إِذا لافَيْتُ قَوْماً بِخُطَّةٍ،
أَلَحَّ على أَكتافِهم قَتَبٌ عُقَرْ
وعَقَرَ القَتَبُ والرحل ظهر الناقة، والسرجُ ظهرَ الدابة يَعْقِرُه
عَقْراً: حَزَّه وأََدْبَرَه. واعْتَقَر الظهرُ وانْعَقَرَ: دَبِرَ. وسرجٌ
مِعْقار ومِعْقَر ومُعْقِرٌ وعُقَرَةٌ وعُقَر وعاقورٌ: يَعْقِرُ ظهر
الدابة، وكذلك الرحل؛ وقيل: لا يقال مِعْقَر إِلاَّ لما عادته أَن يَعْقِرِ.
ورجل عُقَرة وعُقَر ومِعْقَر: يَعقِر الإِبل من إِتْعابِه إِيّاها، ولا
يقال عَقُور. وكلب عَقُور، والجمع عُقْر؛ وقيل: العَقُور للحيوان،
والعُقَرَة للمَواتِ. وفي الحديث: خَمْسٌ مَن قَتَلَهُنّ، وهو حَرامٌ، فلا جُناح
عليه. العَقْرب والفأْرة والغُراب والحِدَأُ والكلبُ والعَقُور؛ قال: هو
كل سبع يَعْقِر أَي يجرح ويقتل ويفترس كالأَسد والنمر والذئب والفَهْد
وما أَشبهها، سمّاها كلباً لاشتراكها في السَّبُعِيَّة؛ قال سفيان بن
عيينة: هو كل سبع يَعْقِر، ولم يخص به الكلب. والعَقُور من أَبنية المبالغة
ولا يقال عَقُور إِلاَّ في ذي الروح. قال أَبو عبيد: يقال لكل جارحٍ أَو
عاقرٍ من السباع كلب عَقُور. وكَلأُ أَرضِ كذا عُقَارٌ وعُقَّارٌ: يَعْقِر
الماشية ويَقْتُلُها؛ ومنه سمِّي الخمر عُقَاراً لأَنه يَعْقِرُ
العَقْلَ؛ قاله ابن الأَعرابي. ويقال للمرأَة: عَقْرَى حَلْقى، معناه عَقَرها
الله وحَلَقها أَي حَلَقَ شَعَرها أَو أَصابَها بوجع في حَلْقِها، فعَقْرى
ههنا مَصْدَرٌ كدَعْوى في قول بَشِير بن النَّكْث أَنشده سيبويه:
وَلَّتْ ودَعْلأاها شديدٌ صَخَبُهْ
أَي دعاؤُها؛ وعلى هذا قال: صَخَبُه، فذكّر، وقيل: عَقْرى حَلْقى
تَعِقْرُ قومها وتَحْلِقُهم بشُؤْمِها وتستأْصلهم، وقيل: العَقْرى الحائض. وفي
حديث النبي، صلى الله عليه وسلم، حين قيل له يوم النَّفْر في صَفِيَّة
إِنها حائضٌ فقال: عَقْرَى حَلقى ما أُراها إِلاَّ حابِسَتَنا؛ قال أَبو
عبيد: قوله عَقْرى عَقَرَها اللهُ؛ وحَلْقى خَلَقَها اللهُ تعالى، فقوله
عَقَرَهَا الله يعني عَقَرَ جسدَها، وحَلْقى أَصابَها الله تعالى بوجعٍ في
حَلْقِها؛ قال: وأَصحاب الحديث يروونه عَقْرى حَلْقِى، وإِنما هو عَقْراً
وحَلْقاً، بالتنوين، لأَنهما مصدرا عَقَرَ وحَلَقَ؛ قال: وهذا على مذهب
العرب في الدعاء على الشيء من غير إِرادة لوقوعه. قال شمر: قلت لأَبي
عبيد لم لا تُجِيزُ عَقْرى؟ فقال: لأَنّ فَعْلى تجيء نعتاً ولم تجئ في
الدعاء. فقلت: روى ابن شميل عن العرب مُطَّيْرى، وعَقْرى أَخَفّ منه، فلم
يُنْكِرْه؛ قال ابن الأَثير: هذا ظاهرُه الدعاء عليها وليس بدعاء في الحقيقة،
وهو في مذهبهم معروف. وقال سيبويه: عَقَّرْته إِذا قلت له عَقْراً وهو
من باب سَقْياً ورَعْياً وجَدْعاً، وقال الزمخشري: هما صِفتان للمرأَة
المشؤومة أَي أَنها تَعْقِرُ قومَها وتَحْلِقُهم أَي تستأْصِلُهم، من شؤمها
عليهم، ومحلُّها الرفع على الخبرية أَي هي عَقْرى وحَلْقى، ويحتمل أَن
يكونا مصدرين على فَعْلى بمعنى العَقْر والحَلْق كالشَّكْوى للشَّكْوِ،
وقيل: الأَلف للتأْنيث مثلها في غَضْبى وسَكْرى؛ وحكى اللحياني: لا تفعل ذلم
أُمُّك عَقْرى، ولم يفسره، غير أَنه ذكره مع قوله أُمك ثاكِلٌ وأُمُّك
هابِلٌ. وحكى سيبويه في الدعاء: جَدْعاً له وعَقْراً، وقال: جَدَّعْتُه
وعَقَّرْته قلت له ذلك؛ والعرب تقول: نَعُوذُ بالله من العَواقِر
والنَّواقِر؛ حكاه ثعلب، قال: والعواقِرُ ما يَعْقِرُ، والنَّواقِرُ السهامُ التي
تُصيب.
وعَقَرَ النخلة عَقْراً وهي عَقِرةٌ: قطع رأْسها فيبست. قال الأَزهري:
وعَقْرُ النَّخْلة أَنُ يُكْشَطَ لِيفُها عن قَلْبها ويؤخذ جَذَبُها فإِذا
فعل ذلك بها يَبِسَتْ وهَمَدت. قال: ويقال عَقَر النخلة قَطَع رأْسَها
كلَّه مع الجُمّار، فهي مَعْقورة وعَقِير، والاسم العَقَار. وفي الحديث:
أَنه مَرَّ بأَرضٍ تسمى عَقِرة فسماها خضِرَة؛ قال ابن الأَثير: كأَنه
كرِه لها اسم العَقْر لأَن العاقِرَ المرأَةُ التي لا تحمل، وشجرة عاقر لا
تحمل، فسماها خَضِرة تفاؤلاً بها؛ ويجوز أَن يكون من قولهم نخلة عَقِرةٌ
إِذا قطع رأْسها فيبست. وطائر عَقِرٌ وعاقِرٌ إِذا أَصاب ريشَه آفةٌ فلم
ينبت؛ وأَما قول لبيد:
لَمَّا رأَى لُبَدُ النُّسورَ تطايَرَتْ،
رَفَعَ القَوادِمَ كالعَقِير الأَعْزلِ
قال: شبَّه النَّسْرَ، لمّا تطاير ريشُه فلم يَطِرْ، بفرس كُشِفَ
عرقوباه فلم يُحْضِرْ. والأَعْزَلُ المائل الذنب.
وفي الحديث فيما روى الشعبي: ليس على زانٍ عُقْرٌ أَي مَهْر وهو
للمُغْتَصَبةِ من الإِماء كمَهْرِ المثل للحُرَّة. وفي الحديث: فأَعْطاهم
عُقْرَها؛ قال: العُقْرُ، بالضم، ما تُعْطاه المرأَة على وطء الشبهة، وأَصله
أَن واطئ البِكْر يَعْقِرها إِذا اقْتَضَّها. فسُمِّيَ ما تُعْطاه
للعَقْرِ عُقْراً ثم صار عامّاً لها وللثيّب، وجمعه الأَعْقارُ. وقال أَحمد بن
حنبل: العُقْرُ المهر. وقال ابن المظفر: عُقْرُ المرأَة دبةُ فرجها إذا
غُصِبَت فَرْجَها. وقال أَبو عبيدة: عُقْرُ المرأَة ثَوابٌ تُثابُه
المرأَةُ من نكاحها، وقيل: هو صداق المرأَة، وقال الجوهري: هو مَهْرُ المرأَة
إِذا وُِطِئت على شبهة فسماه مَهْراً. وبَيْضَةُ العُقْرِ: التي تُمْتحنُ
بها المرأَةُ عند الاقْتِضاض، وقيل: هي أَول بيضة تبَِيضُها الدجاجة
لأَنها تَعْقِرها، وقيل: هي آخر بيضة تبيضها إِذا هَرِمَت، وقيل: هي بيضة
الدِّيك يبيضها في السنة مرة واحدة، وقيل: يبيضها في عمره مرة واحدة إِلى
الطُّول ما هي، سميِّت بذلك لأَن عُذْرةَ الجارية تُخْتَبَرُ بها. وقال
الليث: بَيْضةُ العُقْر بَيْضةُ الدِّيك تُنْسَبُ إِلى العُقْر لأَن الجارية
العذراء يُبْلى ذلك منها بِبَيْضة الدِّيك، فيعلم شأْنها فتُضْرَبُ بيضةُ
الديك مثلاً لكل شيء لا يستطاع مسُّه رَخاوةً وضَعْفاً، ويُضْرَب بذلك
مثلاً للعطية القليلة التي لا يَرُبُّها مُعْطِيها بِبِرّ يتلوها؛ وقال
أَبو عبيد في البخيل يعطي مرة ثم لا يعود: كانت بيْضَة الدِّيك، قال: فإِن
كان يعطي شيئاً ثم يقطعه آخر الدهر قيل للمرة الأَخيرة: كانت بَيْضةَ
العُقْر، وقيل: بيضة العُقْر إِنما هو كقولهم: بَيْض الأَنُوق والأَبْلق
العَقُوق، فهو مثل لما لا يكون. ويقال للذي لا غَنَاء عنده: بَيْضَة العقر،
على التشبيه بذلك. ويقال: كان ذلك بَيْضَة العقر، معناه كان ذلك مرة
واحدة لا ثانية لها. وبَيْضةَ العقر، معناه كان ذلك مرة واحدة لا ثانية لها.
وبَيْضة العُقْر: الأَبْترُ الذي لا ولد له. وعُقْرُ القوم وعَقْرُهم:
مَحَلّتُهم بين الدارِ والحوضِ. وعُقْرُ الحوض وعُقُره، مخففاً ومثقلاً:
مؤخَّرُه، وقيل: مَقامُ الشاربة منه. وفي الحديث: إِني لِبعُقْرِ حَوْضِي
أَذُودُ الناس لأَهل اليَمَنِ؛ قال ابن الأَثير: عُقْرُ الحوض، بالضم،
موضع الشاربة منه، أَي أَطْرُدُهم لأَجل أَن يَرِدَ أَهلُ اليمن. وفي المثل:
إِنما يُهْدَمُ الحَوْضُ من عُقْرِه أَي إِنما يؤتى الأَمرُ من وجهه،
والجمع أَعقار، قال:
يَلِدْنَ بأَعْقارِ الحِياضِ كأَنَّها
نِساءُ النَّصارى، أَصْبَحَتْ وهي كُفَّلُ
ابن الأَعرابي: مَفْرَغُ الدَّلْو من مُؤَخَّرِه عُقْرُه، ومن
مُقَدَّمِه إزاؤه. والعَقِرةُ: الناقةُ التي لا تشرب إِلاَّ من العُقْرِ،
والأَزِيَة: التي لا تَشْرَبُ إِلاَّ من الإِزاءِ؛ ووصف امرؤ القيس صائداً حاذقاً
بالرمي يصيب المَقاتل:
فَرماها في فَرائِصِها
بإِزاءِ الحَوْضِ، أَو عُقُرِهْ
والفرائِصُ: جمع فَرِيصة، وهي اللحمة التي تُرْعَدُ من الدابة عند مرجع
الكتف تتّصل بالفؤاد. وإِزاءُ الحوض: مُهَراقُ الدَّلْوِ ومصبُّها من
الحوض. وناقةٌ عَقِرةٌ: تشرب من عُقْرِ الحوض. وعُقْرُِ البئر: حيث تقع
أَيدي الواردة إِذا شربت، والجمع أَعْقارٌ. وعُقْرُ النار وعُقُرها: أَصلها
الذي تأَجَّجُ منه، وقيل: معظمها ومجتمعها ووسطها؛ قال الهذلي يصف
النصال:وبِيض كالسلاجِم مُرْهَفات،
كأَنَّ ظُباتِها عُقُرٌ بَعِيج
الكاف زائدة. أَراد بيض سَلاجِم أَي طِوَا لٌ.
والعُقْر: الجمر. والجمرة: عُقْرة. وبَعِيجٌ بمعنى مبعوج أَي بُعِج
بِعُودٍ يُثارُ به فشُقَّ عُقْرُ النار وفُتِح؛ قال ابن بري: هذا البيت
أَورده الجوهري وقال: قال الهذلي يصف السيوف، والبيت لعمرو ابن الداخل يصف
سهاماً، وأَراد بالبِيضِ سِهاماً، والمَعْنِيُّ بها النصالُ. والظُّبَةُ:
حدُّ النصل. وعُقْرُ كلِّ شيء: أَصله. وعُقْرُ الدار: أَصلُها، وقيل:
وسطها، وهو مَحلّة للقوم. وفي الحديث: ما غُزِيَ قومٌ في عُقعرِ دارهم إلاَّ
ذَلُّوا؛ عقْر الدار؛ بالفتح والضم: أَصلُها؛ ومنه الحديث: عُقْرُ دارِ
الإِسلام الشامُ أَي أَصله وموضعه، كأَنه أَشار به إِلى وقت الفِتَن أَي
يكون الشأْم يومئذٍ آمِناً منها وأَهلُ الإِسلام به أَسْلَمُ. قال
الأَصمعي: عُقْرُ الدار أَصلُها في لغة الحجاز، فأَما أَهل نجد فيقولون عَقْر،
ومنه قيل: العَقَارُ وهو المنزل والأَرض والضِّيَاع. قال الأَزهري: وقد خلط
الليث في تفسير عُقْر الدار وعُقْر الحوض وخالف فيه الأئمة، فلذلك
أَضربت عن ذكر ما قاله صفحاً. ويقال: عُقِرَت رَكِيّتُهم إِذا هُدِمت. وقالوا:
البُهْمَى عُقْرُ الكلإِ. وعُقَارُ الكلإِ أَي خيارُ ما يُرْعى من نبات
الأَرض ويُعْتَمَد عليه بمنزلة الدار. وهذا البيت عُقْرُ القصيدة أَي
أَحسنُ أَبياتها. وهذه الأَبيات عُقارُ هذه القصيدة أَي خيارُها؛ قال ابن
الأَعرابي: أَنشدني أَبو مَحْضة قصيدة وأَنشدني منها أَبياتاً فقال: هذه
الأَبيات عُقَارُ هذه القصيدة أَي خِيارُها.
وتَعَقَّرَ شحمُ الناقة إِذا اكْتَنَزَ كلُّ موضعٍ منها شَحْماً.
والعَقْرُ: فَرْجُ ما بين كل شيئين، وخص بعضهم به ما بين قوائم المائدة.
قال الخليل: سمعت أَعرابيّاً من أَهل الصَّمّان يقول: كل فُرْجة تكون
بين شيئين فهي عَقْرٌ وعُقْر، لغتان، ووضَعَ يديه على قائمتي المائدة ونحن
نتغدَّى، فقال: ما بنيهما عُقْر.
والعَقْرُ والعَقارُ: المنزل والضَّيْعةُ؛ يقال: ما له دارٌ ولا عَقارٌ،
وخص بعضهم بالعَقار النخلَ. يقال للنخل خاصة من بين المال: عَقارٌ. وفي
الحديث: مَن باع داراً أَو عَقاراً؛ قال: العَقارُ، بالفتح، الضَّيْعة
والنخل والأَرض ونحو ذلك. والمُعْقِرُ: الرجلُ الكثير العَقار، وقد
أَعْقَر. قالت أُم سلمة لعائشة، رضي الله عنها، عند خروجها إِلى البصرة: سَكَّنَ
الله عُقَيْراكِ فلا تُصْحِريها أَي أَسكَنَكِ الله بَيْتَك وعقَارَك
وسَتَرَكِ فيه فلا تُبْرِزيه؛ قال ابن الأَثير: هو اسم مصغَّر مشتق من
عُقْرِ الدار، وقال القتيبي: لم أَسمع بعُقَيْرى إِلاَّ في هذا الحديث؛ قال
الزمخشري: كأَنها تصغير العَقْرى على فَعْلى، من عَقِرَ إِذا بقي مكانه لا
يتقدم ولا يتأَخر فزعاً أَو أَسَفاً أَو خجلاً، وأَصله من عَقَرْت به
إِذا أَطَلْتَ حَبْسَه، كأَنك عَقَرْت راحلته فبقي لا يقدر على البَراحِ،
وأَرادت بها نفسها أَي سكِّني نفْسَك التي حقُّها أَن تلزم مكانها ولا
تَبْرُز إِلى الصحراء، من قوله تعالى: وقَرْنَ في بُيوتِكُنّ ولا تَبَرَّجْن
تَبرُّجَ الجاهلية الأُولى. وعَقَار البيت: متاعُه ونَضَدُه الذي لا
يُبْتَذلُ إِلاَّ في الأَعْيادِ والحقوق الكبار؛ وبيت حَسَنُ الأَهَرةِ
والظَّهَرةِ والعَقارِ، وقيل: عَقارُ المتاع خيارُه وهو نحو ذلك لأَنه لا
يبسط في الأَعْيادِ والحُقوقِ الكبار إِلاَّ خيارُه، وقيل: عَقارُه متاعه
ونَضَدُه إِذا كان حسناً كبيراً. وفي الحديث: بعث رسولُ الله، صلى الله
عليه وسلم، عُيَيْنَةَ بن بدر حين أَسلم الناس ودَجا الإِسلام فهجَمَ على
بني علي بن جُنْدب بذات الشُّقُوق، فأَغارُوا عليهم وأَخذوا أَموالهم حتى
أَحْضَرُوها المدينةَ عند نبي الله، فقالت وفُودُ بني العَنْبرِ: أُخِذْنا
يا رسولُ الله، مُسْلِمين غير مشركين حين خَضْرَمْنا النَّعَمَ، فردّ
النبي، صلى الله عليه وسلم، عليهم ذَرارِيَّهم وعَقَار بُيوتهم؛ قال
الحربيّ: ردّ رسولُ الله، صلى الله عليه وسلم، ذَرارِيَّهمْ لأَنه لم يَرَ أَن
يَسْبِيهَم إِلاَّ على أَمر صحيح ووجدهم مُقِرّين بالإِسلام، وأَراد
بعَقارِ بيوتهم أَراضِيهَم، ومنهم مَنْ غلّط مَنْ فسّر عَقارَ بيوتهم
بأَراضيهم، وقال: أَراد أَمْتِعةَ بيوتهم من الثياب والأَدوات. وعَقارُ كل شيء:
خياره. ويقال: في البيت عَقارٌ حسنٌ أَي متاع وأَداة.
وفي الحديث: خيرُ المال العُقْرُ، قال: هو بالضم، أَصل كل شيء، وبالفتح
أَيضاً، وقيل: أَراد أَصل مالٍ له نماءٌ؛ ومنه قيل للبُهْمَى: عُقْرُ
الدار أَي خيرُ ما رَعَت الإِبل؛ وأَما قول طفيل يصف هوادج الظعائن:
عَقَارٌ تَظَلُّ الطَّيرُ تَخْطِفُ زَهْوَه
وعالَيْن أَعْلاقاً على كل مُفْأَم
فإِنَّ الأَصمعي رفع العين من قوله عُقار، وقال: هو متاع البيت، وأَبو
زيد وابن الأَعرابي رَوياه بالفتح، وقد مر ذلك في حديث عيينة بن بدر. وفي
الصحاح والعُقارُ ضَرْبٌ من الثياب أَحمر؛ قال طفيل: عقار تظل الطير
(وأَورد البيت).
ابن الأَعرابي: عُقارُ الكلإِ البُهْمى؛ كلُّ دار لا يكون فيها يُهْمى
فلا خير في رعيها إِلاَّ أَن يكون فيها طَرِيفة، وهي النَّصِيّ
والصَّلِّيان. وقال مرة: العُقارُ جميع اليبيس. ويقال: عُقِرَ كلأُ هذه الأَرض إذا
أُكِلَ. وقد أَعْقَرْتُكَ كلأَ موضعِ كذا فاعْقِرْه أَي كُلْه. وفي
الحديث: أَنه أَقطع حُصَيْنَ بن مُشَمّت ناحية كذا واشترط عليه أَن لا
يَعْقِرَ مرعاها أَي لا يَقْطعَ شجرها.
وعاقَرَ الشيءَ مُعاقرةً وعِقاراً: لَزِمَه. والعُقَارُ: الخمر، سميت
بذلك لأَنها عاقَرت العَقل وعاقَرت الدَّنّ أَي لَزِمَتْه؛ يقال: عاقَرَه
إِذا لازَمَه وداوم عليه. وأَصله من عُقْر الحوض. والمُعاقَرةُ: الإِدمان.
والمُعاقَرة: إِدْمانُ شرب الخمر. ومُعاقَرةُ الخمر: إِدْمانُ شربها.
وفي الحديث: لا تُعاقرُوا أَي لا تُدْمِنُوا شرب الخمر. وفي الحديث: لا
يدخل الجنةَ مُعاقر خَمْرٍ؛ هو الذي يُدْمِنُ شربها، قيل: هو مأْخوذ من
عُقْر الحوض لأَن الواردة تلازمه، وقيل: سميت عُقَاراً لأَن أَصحابها
يُعاقِرُونها أَي يلازمونها، وقيل: هي التي تَعْقِرُ شارِبَها، وقيل: هي التي لا
تَلْبَثُ أَن تُسكر.، ابن الأَنباري: فلان يُعاقِرُ النبيذَ أَي
يُداوِمهُ، وأَصله مِنْ عُقْر الحوض، وهو أَصله والموضع الذي تقوم فيه الشاربة،
لأَن شاربها يلازمها مُلازمةَ الإِبل الواردةِ عُقْرَ الحوض حتى تَرْوى.
قال أَبو سعيد: مُعاقَرةُ الشراب مُغالبَتُه؛ يقول: أَنا أَقوى على شربه،
فيغالبه فيغلبه، فهذه المُعاقَرةُ.
وعَقِرَ الرجلُ عَقَراً: فجِئَه الرَّوْعُ فدَهشَ فلم يقدر أَن يتقدم
أَو يتأَخر. وفي حديث عمر، رضي الله عنه: أَن النبي، صلى الله عليه وسلم،
لمَّا مات قرأَ أَبو بكر: رضي الله عنه، حين صَعِدَ إِلى مِنْبره فخطب:
إِنّكَ ميَّتٌ وإِنهم مَيَّتون؛ قال: فعَقِرْت حتى خَرَرتْ إِلى الأَرض؛
وفي المحكم: فعَقِرْت حتى ما أَقْدِرُ على الكلام، وفي النهاية: فَعقِرْت
وأَنا قائم حتى وقعت إلى الأَرض؛ قال أَبو عبيد: يقال عَقِر وبَعِل وهو
مثل الدَّهَشِ، وعَقِرْت أَي دَهِشْت. قال ابن الأَثير: العَقَرُ، بفتحتين،
أَن تُسْلِمَ الرجلَ قَوائِمُه إِلى الخوف فلا يقدر أَن يمشي من الفَرَق
والدَّهَش، وفي الصحاح؛ فلا يستطيع أَن يقاتل. وأَعْقَرَه غيرُه:
أَدْهَشَه. وفي حديث العباس: أَنه عَقِرَ في مجلسه حين أُخْبِر أَن محمداً
قُتِل. وفي حديث ابن عباس: فلما رأَوا النبي، صلى الله عليه وسلم، سَقَطَتْ
أَذْقانُهم على صدورهم وعَقِرُوا في مجالسهم. وظَبْيٌ عَقِيرٌ: دَهِشٌ؛
وروي بعضهم بيت المُنَخَّل اليشكري:
فلَثَمتُها فتنَفَّسَت،
كتنَفُّسِ الظَّبْيِ العَقِيرْ
والعَقْرُ والعُقْر: القَصْرُ؛ الأَخيرة عن كراع، وقيل: القصر المتهدم
بعضه على بعض، وقيل: البنَاء المرتفع. قال الأَزهري: والعَقْرُ القصر الذي
يكون مُعْتَمداً لأَهل القرية؛ قال لبيد بن ربيعة يصف ناقته:
كعَقْر الهاجِرِيّ، إِذا ابْتَناه
بأَشْباهٍ حُذِينَ على مثال
(* قوله: «إِذا ابتناه كذا في الأَصل وياقوت. وفي الصحاح وشارح القاموس
إِذا بناه).
وقيل: العَقْرُ القصر على أَي حال كان. والعَقْرُ: غيْمٌ في عَرْض
السماء. والعَقْرُ: السحاب الأَبيض، وقيل: كل أَبيض عَقْرٌ. قال الليث:
العَقْر غيم ينشأُ من قِبَل العين فيُغَشِّي عين الشمس وما حواليها، وقال
بعضهم: العَقْرُ غيم ينشأَ في عرض السماء ثم يَقْصِد على حِيَالِه من غير أَن
تُبْصِرَه إِذا مرّ بك ولكن تسمع رعده من بعيد؛ وأَنشد لحميد بن ثور يصف
ناقته:
وإِذا احْزَ أَلَّتْ في المُناخِ رأَيْتَها
كالعَقْرِ، أَفْرَدَها العَماءُ المُمْطِرُ
وقال بعضهم: العَقْرُ في هذا البيت القصرُ، أَفرده العماء فلم يُظلِّلْه
وأَضاء لِعَينِ الناظر لإِشراق نُورِ الشمس عليه من خَلَلِ السحاب. وقال
بعضهم: العَقْر القطعة من الغمام، ولكلٍّ مقال لأَن قِطَعَ السحاب
تشبَّه بالقصور. والعَقِيرُ: البَرْق، عن كراع.
والعَقّار والعِقّيرُ: ما يُتَداوى به من النبات والشجر. قال الأَزهري:
العَقاقِير الأَدْوية التي يُسْتَمْشى بها. قال أَبو الهيثم: العَقّارُ
والعَقاقِرُ كل نبت ينبت مما فيه شفاءٌ، قال: ولا يُسمى شيء من العَقاقِير
فُوهاً، يعني جميع أَفواه الطيب، إِلا ما يُشَمُّ وله رائحة.
قال الجوهري: والعَقاقِيرُ أُصول الأَدْوِية.
والعُقّارُ: عُشْبة ترتفع قدر نصف القامة وثمرُه كالبنادق وهو مُمِضٌّ
البتَّة لا يأْكله شيء، حتى إِنك ترى الكلب إِذا لابَسَه يَعْوي، ويسمى
عُقّار ناعِمَةَ؛ وناعِمةُ: امرأَة طبخته رجاء أَن يذهب الطبخ بِغائِلته
فأَكلته فقتلها.
والعَقْر وعَقاراء والعَقاراء، كلها: مواضع؛ قال حميد ابن ثور يصف
الخمر:رَكُودُ الحُمَيّا طَلّةٌ شابَ ماءَها،
بها من عَقاراءِ الكُرومِ، ربِيبُ
أَراد من كُرومِ عَقاراء، فقدّم وأَخّر؛ قال شمر: ويروى لها من عُقارات
الخمور، قال: والعُقارات الخمور. رَبيب: مَن يَرُبُّها فيَمْلِكُها. قال:
والعَقْر موضع بعينه؛ قال الشاعر:
كَرِهْتُ العَقْرِ، عَقْرَ بني شُلَيْلٍ،
إِذا هَبَّتْ لِقارِبها الرِّياح
والعُقُور، مثل السُّدُوس، والعُقَير والعَقْر أَيضاً: مواضع؛ قال:
ومِنَّا حَبِيبُ العَقِر حين يَلُفُّهم،
كما لَفَّ صِرْدانَ الصَّرِيمة أَخْطَبُ
قال: والعُقَيْر قرية على شاطئ البحر بحذاء هجر.
والعَقْر: موضع ببابل قتل به يزيد بن المهلب يوم العَقْر.
والمُعاقَرةُ: المُنافرةُ والسِّبابُ والهِجاء والمُلاعنة، وبه سمَّى
أَبو عبيد كتاب المُعاقرات.
ومُعَقِّر: اسم شاعر، وهو مُعَقِّر بن حمار البارِقيِّ حليف بني نمير.
قال: وقد سمر مُعَقِّراً وعَقّاراً وعُقْرانَ.
حنق: الحَنَقُ: شدّة الاغْتياظِ؛ قال:
ولَّى جَمِيعاً يُنادي ظِلَّه طَلَقاً،
ثم انْثَنى مَرِساً قد آدَه الحَنَقُ
أَي أَثْقَلَه الغضَبُ. حَنِقَ عليه، بالكسر، يَحْنَقُ حَنَقاً
وحَنِقاً، فهو حَنِقٌ وحَنِيقٌ؛ قال:
وبعضُهُم على بعضٍ حَنِيقُ
وقد أَحْنَقه. والحنَقُ: الغيْظُ، والجمع حِناقٌ مثل جبَل وجِبال. وفي
حديث عمر: لا يَصْلُح هذا الأَمْرُ إِلا لمن لا يُحْنِقُ على جِرَّتِه أَي
لا يَحْقِدُ على رَعِيَّتِه؛ والحَنَقُ: الغيظُ، والجِرَّةُ: ما يُخرجه
البعير من جوفه ويَمْضَغُه. والإِحْناقُ: لُحوقُ البطن والتِصاقُه، وأَصل
ذلك أَن البعير يَقْذِف بجِرّته، وإِنما وُضع موضع الكَظم من حيث أَنّ
الاجْترار يَنْفُخ البطن والكظمُ بخلافه، فيقال: ما يُحْنِق فلان على
جِرْة وما يَكْظِم على جِرة إِذا لم يَنطو على حِقد ودَغَل؛ قال ابن
الأَعرابي: ولا يقال للرّاعي جِرّة، وجاء عمر بهذا الحديث فضربه مثلاً؛ ومنه حديث
أَبي جهل: إِنَّ محمداً نزل يَثْرِبَ وهو حَنِقٌ عليكم؛ وأَحْنقَه غيره،
فهو مُحْنَقٌ؛ قالت قُتَيلةُ بنت النضّر بن الحرث
(* قوله «بنت النضر»
في النهاية: أخته اهـ. والخلاف في كتب السير معروف):
ما كان ضَرَّك لو مَنَنْتَ، ورُبَّما
مَنَّ الفَتَى، وهو المَغِيظُ المُحْنَقُ
وأَحْنقَ الرَّجل إِذا حقَدَ حِقْداً لا يَنْحلُّ. قال ابن بري: وقد جاء
حَنِيق بمعنى مُحْنَق؛ قال المُفضَّل النكري:
تَلاقَيْنا بغِينةِ ذِي طُرَيْفٍ،
وبعضُهُم على بعض حنيقُ
والإِحْناقُ: لزُوقُ البَطْنِ بالصُّلْب؛ قال لبيد:
بطَلِيح أَسْفارٍ تَركْنَ بَقِيّة
منها، فأَحنَقَ صُلْبُها وسَنامُها
والمُحْنِقُ: القليل اللحم، واللاحِقُ مثله. أَبو الهيثم: المُحنق
الضامر؛ وأنشد:
قد قالَتِ الأَنْساعُ للبطْنِ الْحَقي
قِدْماً، فآضَتْ كالفَنِيقِ المُحْنِقِ
وأَحْنقَ
الزَّرْع، فهو مُحْنق إِذا انتشَرَ سَفى سُنْبِله بعدما يُقَنْبِِع؛
وقال الأَصمعي في قول ذي الرمة يصف الرّكاب في السَّفَر:
مَحانِيق تَضْحَى، وهي عُوجٌ كأَنَّها
حوز* . . . . مُستأْجَرات نَوائحُ
(* قوله «لحوز» كذا بالأصل على هذه الصورة مع بياض بعده، ولم نجد هذا
البيت في ديوان ذي الرمة)
قال: والمَحانِيقُ الإِبل الضُّمَّر. الأَزهري عن ابن الأَعرابي:
الحُنُقُ السِّمانُ
من الإِبل. وأَحْنقَ إِذا سَمِن فجاء بشحم كثير؛ قال الأَزهري: وهذا من
الأَضداد. وأَحْنَقَ سَنام البعير أَي ضَمُر ودَقَّ. ابن سيده:
المُحْنِقُ من الإِبل الضامِر من هِياجٍ أَو غَرْثٍ، وحمار مُحنْقِ: ضَمُر من كثرة
الضَّراب؛ ومنه قول الراجز:
كأَنَّني ضَمَّنْتُ هِقْلاً عَوْهَقا
أَقْتادَ رَحْلي، أَو كُدُوراً مُحْنِقا
وإِبل مَحانِيقُ: كأنهم توهَّموا واحده مِحْناقاً؛ قال ذو الرُّمة:
مَحانيق يَنْفُضْنَ الخِدامَ كأَنَّها
نَعامٌ، وحاديِهنَّ بالخَرْقِ صادِحُ
أَي رافع صوتَه بالــتطْريب، وقيل: الإِحْناق لكل شيء من الخُفّ والحافر.
والمُحْنِق أَيضاً من الحمير: الضامر اللاَّحِقُ البطن بالظهر لشدة
الغَيرة؛ وفي ترجمة عقم قال خُفافٌ:
وخَيْل تَهادَى لا هَوادةَ بينها،
شَهِدْتُ بمدلوكِ المَعاقِم مُحْنِقِ
المُحنِق: الضامر.
غنا: في أَسْماء الله عز وجل: الغَنِيُّ. ابن الأثير: هو الذي لا
يَحْتاجُ إلى أَحدٍ في شيءٍ وكلُّ أَحَدٍ مُحْتاجٌ إليه، وهذا هو الغِنى
المُطْلَق ولا يُشارِك الله تعالى فيه غيرُهُ. ومن أَسمائه المُغْني، سبحانه
وتعالى، وهو الذي يُغني من يشاءُ من عِباده. ابن سيده: الغنى، مقصورٌ، ضدُّ
الفَقْر، فإذا فُتِح مُدَّ؛ فأَما قوله:
سَيُغْنِيني الذي أَغْناكَ عني،
فلا فَقْرٌ يدوُمُ ولا غِناءٌ
فإنه: يُروى بالفتح والكسر، فمن رواه بالكسر أَراد مصدَرَ غانَيْت، ومن
رواه بالفتح أَراد الغِنى نَفْسه؛ قال أَبو اسحق: إنما وَجْهُه ولا
غَناء لأَن الغَناء غيرُ خارجٍ عن معنى الغِنى؛ قال: وكذلك أَنشده من يُوثَقُ
بعِلْمِه. وفي الحديث: خيرُ الصَّدَقَةِ ما أَبْقَتْ غِنًى، وفي رواية:
ما كان عن ظَهْرِ غِنًى أَي ما فَضَل عن قُوت العيال وكِفايتِهِمْ، فإذا
أَعْطَيْتَها غَيْرَك أَبْقَيْتَ بعدَها لكَ ولهُم غِنًى، وكانت عن
اسْتِغْناءٍ منكَ ،ومِنْهُم عَنْها، وقيل: خيرُ الصَّدَقَة ما أَغْنَيْتَ به
مَن أَعْطَيْته عن المسأَلة؛ قال: ظاهر هذا الكلامِ أَنه ما أَغْنى عن
المَسْأَلة في وقْتِه أَو يَوْمِه، وأَما أَخْذُه على الإطلاق ففيه مَشقَّة
للعَجْزِ عن ذلك. وفي حديث الخيل: رجلٌ رَبَطها تَغَنِّياً وتَعَفُّفًا
أَي اسْتَغْناءً بها عن الطَّلب من الناس.
وفي حديث الجُمعة: مَن اسْتَغْنى بلَهْوٍ أَو تِجارةٍ اسْتَغْنى الله
عنه، واللهُ غَنِيٌّ حَمِيد، أَي اطَّرَحَه اللهُ ورَمَى به من عَيْنه
فِعْلَ من اسْتَغْنى عن الشيء فلم يَلْتَفِتْ إليه، وقيل: جَزاهُ جَزاءَ
اسْتِغْنائه عنها كقوله تعالى: نَسُوا الله فنَسِيَهُم. وقد غَنِيَ به عنه
غُنْية وأَغْناه الله. وقد غَنِيَ غِنىً واسْتَغْنى واغْتَنى وتَغَانَى
وتَغَنَّى فهو غَنِيٌّ. وفي الحديث: ليس مِنَّا مَنْ لم يَتَغَنَّ بالقرآنِ؛
قال أَبو عبيد: كان سفيانُ بنُ عُيَيْنة يقول ليسَ مِنَّا مَنْ لم
يَسْتَغنِ بالقرآن عن غيرِه ولم يَذْهَبْ به إلى الصوت؛ قال أَبو عبيد: وهذا
جائزٌ فاش في كلام العرب، ويقول: تَغَنَّيْت تَغَنِّياً بمعنى
اسْتَغْنَيْت وتَغانَيْتُ تَغانِياً أَيضاً؛ قال الأعشى:
وكُنْتُ امْرَأً زَمَناً بالعِراق،
عَفِيفَ المُناخِ طَويلَ التَّغَنْ
يريد الاسْتِغْناءَ، وقيل: أَرادَ مَنْ لم يَجْهَر بالقراءة. قال
الأزهري: وأَما الحديث الآخر ما أُذِنَ الله لشيءٍ كأَذَنِه لنَبيٍّ يَتَغَنَّى
بالقرآنِ يَجْهَرُ به، قال: فإنَّ عبدَ الملِك أَخْبرني عن الربيع عن
الشافعي أَنه قال معناه تَحْسِينُ القِراءةِ وتَرْقِيقُها، قال: ومما
يُحَقّقُ ذلك الحديثُ الآخرُ زَيِّنُوا القرآن بأصواتكم، قال: ونحوَ ذلك قال
أبو عبيد؛ وقال أَبو العباس: الذي حَصَّلْناه من حُفَّاظ اللغة في قوله،
صلى الله عليه وسلم: كأَذَنِه لِنَبيٍّ يَتَغَنَّى بالقرآنِ، أَنه على
مَعْنَيَيْنِ: على الاستغناء، وعلى الــتَّطْرِيبِ؛ قال الأزهري: فمن ذهَب به
إلى الاستغناء فهو من الغِنى، مقصورٌ، ومن ذهَب به إلى الــتَّطْرِيبِ فهو
من الغِناء الصَّوْتِ، ممدودٌ. الأصمعي في المقصور والممدود: الغِنى من
المال مقصورٌ، ومن السِّماعِ ممدود، وكلُّ مَنْ رَفَع صوتَه ووَالاهُ
فصَوْتُه عند العرب غِناءٌ. والغَناءُ، بالفتح: النَّفْعُ. والغِناء، بالكسر:
من السَّماع. والغِنَى، مقصورٌ: اليَسارُ. قال ابن الأعرابي: كانت العرب
تتَغَنَّى بالرُّكْبانيِّ،
(*قوله «الركباني» في هامش نسخة من النهاية:
هو نشيد بالمد والتمطيط يعني ليس منا من لم يضع القرآن موضع الركباني في
اللهج به والطرب عليه.)
إذا رَكِبَت الإبلَ، وإذا جَلَست في الأفْنِية وعلى أَكثر أَحوالها،
فلمَّا نَزَلَ القرآنُ أَحبَّ النبيُّ، صلى الله عليه وسلم، أَن يكون
هِجِّيرَاهُم بالقرآن مكانَ التَّغَنِّي بالرُّكْبانيِّ، وأَوْلُ مَن قرَأَ
بالأَلحانِ عُبَيْدُ اللهِ بنُ أبي بَكْرة، فَوَرِثَه عنه عَبَيْدُ الله بنُ
عُمر، ولذلك يقال قرأْتُ العُمَرِيَّ، وأَخَذ ذلك عنه سعيدٌ العَلاَّفُ
الإباضيُّ. وفي حديث عائشة، رضي الله عنها: وعندي جارِيتان تُغَنِّيانِ
بغِناءِ بُعاثَ أَي تُنْشِدانِ الأشعارَ التي قيلَتْ يومَ بُعاث، وهو
حربٌ كانت بين الأنصار، ولم تُرِدِ الغِناء المعروفَ بين أَهلِ اللَّهْوِ
واللَّعِبِ، وقد رَخَّصَ عمر، رضي الله عنه، في غناءِ الأعرابِ وهو صوتٌ
كالحُداءِ.
واسْتَغْنَى اللهَ: سأَله أَن يُغْنِيهَ؛ عن الهَجَري، قال: وفي الدعاء
اللهمَّ إني أَسْتَغْنِيكَ عن كلِّ حازِمٍ، وأَسْتَعِينُك على كلِّ
ظالِمٍ. وأَغْناهُ اللهُ وغَنَّاه، وقيل: غَنَّاه في الدعاء وأَغْناه في
الخبر، والاسم من الاستغناء عن الشيء الغُنْيَة والغُنْوة والغِنْية
والغُنْيانُ.
وتَغانُوا أَي استغنى بعضهم عن بعض؛ قال المُغيرة ابن حَبْناء
التَّميمي.كِلانا غَنِيٌّ عن أَخِيه حَياتَه،
ونَحْنُ إذا مُتْنا أَشَدُّ تَغانِيَا
واستغنى الرجلُ: أَصابَ غِنًى. أَبو عبيد: أَغْنَى اللهُ الرجلَ حتى
غَنِيَ غِنًى أَي صار له مالٌ، وأًقناه اللهُ حتى قَنِيَ قِنًى وهو أَن
يَصيرَ له قِنيةٌ من المال. قال الله عز وجل: وأَنّهُ هو أَغْنَى وأَقْنى.
وفي حديث عمر، رضي الله عنه، أَنَّ غُلاماً لأَناسٍ فُقِراء قَطَع أُذُنَ
غُلامٍ لأَغْنِياءَ، فأَتَى أَهلُه النبي، صلى الله عليه وسلم، فلم
يَجْعَلْ عليه شيئاً. قال ابن الأثير: قال الخطَّابي كانَ الغلامُ الجاني
حُرًّا وكانت جِنايتُه خَطَأَ وكانت عاقِلَتُه فقراءَ فلا شيء عليهم
لفَقْرِهم. قال: ويُشْبِه أَن يكون الغلامُ المَجْنيّ عليه حُرًّا أَيضاً، لأنه
لو كان عبداً لم يكن لاعتذارِ أَهلِ الجاني بالفَقْرِ معنًى، لأن العاقلة
لا تَحْمِلُ عبداً كما لا تحْمِلُ عَمْداً ولا اعترافاً، فأمّا المَمْلوك
إذا جنَى على عَبْدٍ أو حُرٍّ فجنايَتُه في رَقَبَتِه، وللفُقهاء في
اسْتِيفائها منه خلافٌ؛ وقول أبي المُثَلّم:
لَعَمْرُكَ والمَنايا غالِياتٌ، * وما تُغْني التَّمِيماتُ الحِمامَا
(* قوله «غاليات» هو هكذا في المحكم بالمثناة.)
أراد من الحِمامِ، فحذَفَ وعَدَّى. قال ابن سيده: فأَما ما أُثِرَ من
أَنه قيلَ لابْنةِ الخُسِّ ما مِائةٌ من الضأْنِ فقالت غِني، فرُوِي أَن
بعضَهم قال: الغِنَى اسمُ المِائةِ من الغَنمِ، قال: وهذا غيرُ معروفٍ في
موضوعِ اللغةِ، وإنما أَرادَتْ أَن ذلك العدَدَ غِنًى لمالِكِه كما قيل
لها عند ذلك وما مِائةٌ من الإبلِ فقالت مُنى، فقيل لها: وما مِائة من
الخيل؟ فقالت: لا تُرَى؛ فمُنى ولا تُرَى ليسا باسمَين للمائة من الإبلِ
والمِائةِ من الخَيْلِ، وكتَسْمِية أبي النَّجْم في بعضِ شعْره الحِرْباء
بالشقِيِّ، وليس الشَّقِيُّ باسمٍ للحِرْباء، وإنما سمَّاه به
لمكابَدَتِه للشمسِ واستِقبالِه لها، وهذا النحوُ كثيرٌ. والغَنِيُّ والغاني: ذُو
الوَفْرِ؛ أَنشد ابن الأعرابي لعَقِيل بن عُلَّفة قال:
أَرى المالَ يَغْشَى ذا الوُصُومِ فلا تُرى،
ويُدْعى من الأشرافِ مَن كان غانِيا
وقال طرفة:
وإن كنتَ عنها غانياً فاغْنَ وازْدَدِ
ورجل غانٍ عن كذا أَي مُسْتَغْنٍ، وقد غَنِيَ عنه. وما لَك عنه غِنًى
ولا غُنْيَةٌ ولا غُنْيانٌ ولا مَغْنًى أَي ما لك عنهُ بُدٌّ. ويقال: ما
يُغْني عنك هذا أي
ما يُجْزِئُ عنك وما يَنْفَعُك. وقال في معتل الألف: عنه غُنْوَةٌ أَي
غِنًى؛ حكاه اللحياني عن الكسائي، والمعروف غُنية. والغانيَةُ من
النساء: التي غَنِيَتْ بالزَّوْج؛ وقال جميل:
أُحبُّ الأيامى: إذْ بُثَيْنَةُ أَيِّمٌ،
وأَحْبَبْتُ لمَّا أَن غَنِيتِ الغَوانيا
وغَنِيَت المرأةُ بزَوْجِها غُنْياناً أَي اسْتَغْنَتْ، قال قَيْسُ بنُ
الخَطيم:
أَجَدَّ بعَمْرة غُنْيانُها،
فتَهْجُرَ أَمْ شانُنا شانُها؟
والغانِيَةُ من النساء: الشابَّة المُتَزَوّجة، وجمعُها غَوانٍ؛ وأَنشد
ابن بري لنُصَيْب:
فهَل تَعُودَنْ لَيالينا بذي سَلمٍ،
كما بَدَأْنَ، وأَيّامي بها الأُوَلُ
أَيّامُ لَيلى كعابٌ غيرُ غانِيَةٍ،
وأَنتَ أَمْرَدُ معروفٌ لَك الغَزَلُ
والغانية: التي غَنِيَتْ بحُسْنِها وجمالها عن الحَلْي، وقيل: هي التي
تُطْلَب ولا تَطْلُب، وقيل: هي التي غَنِيَتْ ببَيْتِ أَبَويْها ولم
يَقَعْ عليها سِباءٌ. قال ابن سيده: وهذه أَعْزَبُها؛ وهي عن ابن جني، وقيل:
هي الشابَّة العَفيفة، كان لها زَوْجٌ أَو لم يكُنْ. الفراء: الأَغْناءُ
إملاكاتُ العَرائسِ. وقال ابن الأعرابي: الغِنى التَّزْويجُ، والعَرَبُ
تقول: الغِنى حِصْنُ العَزَب أَي التَّزْويجُ. أَبو عبيدة: الغَواني
ذواتُ الأزْواج؛ وأَنشد:
أَزْمانُ ليلى كعابٌ غيرُ غانِيَةٍ
وقال ابن السكيت عن عمارة: الغَواني الشَّوابُّ اللَّواتي يُعْجِبْنَ
الرجالَ ويُعْجِبُهُنَّ الشُّبَّانُ. وقال غيره: الغانية الجاريَةُ
الحَسْناءُ، ذاتَ زوْج كانت أَو غيرَ ذاتِ زَوْج، سميِّتْ غانِيَة لأنها
غَنِيَتْ بحُسْنِها عن الزينَة. وقال ابن شميل: كلُّ امْرأَة غانِيَةٌ، وجمعها
الغَواني؛ وأَما قول ابنِ قيس الرُّقَيَّات:
لا بارَكَ اللهُ في الغَوانِي، هَلْ
يُصْبِحْنَ إلاَّ لَهُنَّ مُطَّلَب؟
فإنما حرَّك الياءَ بالكَسْرة للضَّرُُورة ورَدَّه إلى أَصْله، وجائزٌ
في الشعر أَن يُرَدَّ الشيءُ إلى أَصْله
وأَخُو الغَوَانِ متى يَشأْ يَصْرِمْنَهُ،
ويَعُدْنَ أَعْداءً بُعَيْدَ ودادِ
إنما أَراد الغَواني، فحذَف الياء تشبيهاً لِلام المَعْرفة بالتنوين من
حيث كانت هذه الأشياءُ من خَواصِّ الأَسماء، فحذَفَ الياءَ لأَجل اللام
كما تحذِفها لأجل التنوين؛ وقول المثَقّب العَبْدي:
هَلْ عندَ غانٍ لفُؤادٍ صَدِ،
مِنْ نَهْلَةٍ في اليَوْمِ أَوْ في غَدِ؟
إنما أَراد غانِيَةِ فذَكّرَ على إرادة الشخص، وقد غَنِيَتْ غِنًى.
وأَغْنى عنه غَناء فلانٍ ومَغْناه ومَغْناتَه ومُغْناهُ ومُغْناتَه:
نابَ عنه وأَجْزَأَ عنه مُجْزَأَه. والغَناءُ، بالفتح: النَّفْعُ.
والغَناءُ، بفتح الغين ممدودٌ: الإجْزاءُ والكفايَة. يقال: رَجُلٌ مُغْنٍ أَي
مُجْزئٌ كافٍ؛ قال ابن بري: الغَناءُ مصدرُ أَغْنى عنْكَ أَي كَفاكَ على
حَذْفِ الزّوائد مثل قوله:
وبعْدَ عَطائِك المائَةَ الرِّتاعا
وفي حديث عثمان: أَنّ عَلِيًّا ، رضي الله عنهُما، بَعث إليه بصَحيفة
فقال للرّسول أَغْنِها عَنَّا أَي اصْرفْها وكُفَّها، كقوله تعالى: لكلِّ
امْرِئٍ منهم يومئذ شأْنٌ يُغْنِيه؛ أَي يَكُفُّه ويَكْفِيه. يقال:
أَغْنِ عَني شَرَّكَ أَي اصْرِفْه وكُفَّهُ؛ ومنه قوله تعالى: لَنْ يُغْنُوا
عَنْكَ من الله شيئاً؛ وحديث ابن مسعود: وأَنا لا أُغْني لو كانت
مَنَعَة أَي لو كان مَعِي مَنْ يَمْنَعُني لكَفَيْت شَرَّهم وصَرَفْتُهم. وما
فيه غَناءُ ذلك أَي إقامَتُه والاضْطلاعُ به .
غرد: الغَرَدُ، بالتحريك: الــتَّطْرِيبُ في الصوت والغِناء.والتَّغَرُّدُ
والتغريدُ: صوت معه بَحَحٌ؛ وقد جمعهما امرؤ القيس في قوله يصف حماراً:
يُغَرِّدُ بالأَسْحارِ في كلِّ سُدْفَةٍ،
تَغَرُّدَ مِرِّيحِ النَّدامى المُطرِّبِ
قال الليث: كل صائت طَرَّبَ في الصَّوْت غَرِدٌ، والفعل غَرَّدَ
يُغَرِّدُ تَغْرِيداً. الأَصمعي: التغريد الصَّوْتُ. وغَرِدَ الطائر، فهو
غَرِدٌ، والتغريد مثله؛ قال سويد بن كراع العكلي:
إِذا عَرَضَتْ داوِيَّةٌ مُدْلَهِمَّةٌ،
وغَرَّدَ حاديها، فَرَيْنَ بها فَلْقا
وغَرَّدَ الإِنسانُ: رفع صوتَه وطَرَّبَ، وكذلك الحَمامةُ والمُكَّاءُ
والدِّيكُ والذُّبابُ. وحكى الهجري: سمعت قُمْرِيّاً فأَغْرَدَني أَي
أَطْرَبَني بتغريده، وقيل: كل مُصَوِّتٍ مُطَرِّبٍ بصوتِه مُغَرِّدٌ
وغِرِّيدٌ وغَريدٌ وغَرِدٌ وغِرْدٌ، فَغَرِدٌ على النسب؛ قال ابن سيده: وغِرْدٌ
أُراهُ متغيراً منه؛ وقول مليح الهذلي:
سُدْساً وبُزْلاً إِذا ما قامَ راحِلُها،
تَحَصَّنَتْ بِشَباً، أَطْرافُه غَرِدُ
وحَّدَ غَرِداً وإِن كان خبراً عن الأَطراف حملاً على المعنى كأَنه كلُّ
طَرَف منها غَرِد؛ فأَما قول الهذلي:
يُغَرِّدُ رَكْباً فَوْقَ حُوصٍ سَواهِمٍ،
بها كلُّ مُنْجابِ القَمِيصِ شَمَرْدَل
ففيه دلالة على أَن يُغَرِّدُ يتعدى كتعدي يُغَنِّي، وقد يجوز أَن يكون
على حذف الجر وإِيصال الفعل؛ وقوله:
لا أَشْتَهِي لَبَنَ البعيرِ، وعِندنَا
غَرِدُ الزجاجةِ واكِفُ المِعْصارِ
معناه: وعندنا نبيذ يحمل صاحبه على أَن يتغنى إِذا شربه. وتَغَرَّدَ
كَغَرَّدَ؛ قال النابغة الجعدي:
تَعالَوْا نُحالِفْ صامِتاً ومُزاحِماً
عليهم نِصاراً، وما تَغَرَّدَ راكِبُ
واستَغْرَدَ الرَّوْضُ الذُّبابَ: دعاه بنَعْمَتِه إِلى أَن يُغَنِّيَ
فَيُغَرِّدَ؛ قال أَبو نخيلة:
واستَغْرَدَ الروضُ الذبابَ الأَزْرَقا
وغَرَّدَت القَوْسُ: صَوَّتَتْ؛ عن أَبي حنيفة.
والغِرْدُ، بالكسر، والغَرْدُ، بالفتح، والغِرْدَةُ والغَرْدَةُ
والغَرَدَةُ والغَرادَةُ: ضرب من الكَمْأَةِ، وقيل: هي الصغار منها، وقيل: هي
الرديئةُ منها، والجمع غِرَدَةٌ وغِرادٌ، وجمع الغَرادةِ غَرادٌ، وهي
المَغاريدُ، واحدها مُغْرود؛ قال:
يَحُجُّ مأُمُومَةً في قَعْرِها لَجَفٌ،
فاسْتُ الطَّبِيبِ قَذاها كالمَغارِيدِ
قال أَبو عمرو: الغَرادُ الكَمْأَةُ، واحدتها غَرادَةٌ، وهي أَيضاً
الغِرادَةُ، واحدتها غَرَدَةٌ
(* قوله «وهي أَيضاً الغرادة واحدتها غردة» كذا
في الأصل بهذا الضبط.) وقال أَبو عبيد: هي المُغْرُودةُ فرد ذلك عليه؛
وقيل: إِنما هو المُغْرُودُ، ورواه الأَصمعي المَغْرودُ من الكمأَة، بفتح
الميم؛ وقال أَبو الهيثم: الغَرَدُ والمُغْرُودُ، بضم الميم، الكمأَة وهو
مُفعول نادر؛ وأَنشد:
لو كنْتُمُ صُوفاً لكنْتُمْ قَرَدا،
أَو كنْتُمُ لَحْماً لكنتُمْ غَرَدا
قال الفراء: ليس في كلام العرب مُفْعُولٌ، مضموم الميم، إِلا مُغْرُودٌ
لضرب من الكمأَة، ومُغْفُورٌ واحد المَغافِر، وهو شيء ينضحه العُرفُطُ
حلو كالناطف. ويقال: مُغْثُورٌ ومُنْخُورٌ للمُنْخُرِ ومُعْلُوقٌ لواحد
المعاليق. والجمع المَغاريدُ.
والمَغْرُوداءُ: الأَرض الكثيرةُ المغاريدِ.
هود: الهَوْدُ: التَّوْبَةُ، هادَ يَهُودُ هوْداً وتَهَوَّد: تابَ ورجع
إِلى الحق، فهو هائدٌ. وقومٌ هُودٌ: مِثْلُ حائِكٍ وحُوكٍ وبازِلٍ
وبُزْلٍ؛ قال أَعرابي:
إِنِّي امرُؤٌ مِنْ مَدْحِهِ هائِد
وفي التنزيل العزيز: إِنَّا هُدْنا إِليك؛ أَي تُبْنا إِليك، وهو قول
مجاهد وسعيد بن جبير وإِبراهيم. قال ابن سيده: عدّاه بإِلى لأَن فيه معنى
رجعنا، وقيل: معناه تبنا إِليك ورجعنا وقَرُبْنا من المغفرة؛ وكذلك قوله
تعالى: فتُوبوا إِلى بارِئِكم؛ وقال تعالى: إِن الذين آمنوا والذين هادوا؛
وقال زهير:
سِوَى رُبَعٍ لم يَأْتِ فيها مَخافةً،
ولا رَهَقاً مِنْ عابِدٍ مُتَهَوِّد
قال: المُتَهَوِّد المُتَقَرِّبُ. شمر: المُتَهَوِّدُ المُتَوَصِّلُ
بِهَوادةٍ إِليه؛ قال: قاله ابن الأَعرابي. والتَّهَوُّدُ: التوبةُ والعمل
الصالح.
والهَوادَةُ: الحُرْمَةُ والسبب. ابن الأَعرابي: هادَ إِذا رجَع من خير
إِلى شرّ أَو من شرّ إِلى خير، وهادَ إِذا عقل. ويَهُودُ: اسم للقبيلة؛
قال:
أُولئِكَ أَوْلى مِنْ يَهُودَ بِمِدْحةٍ،
إِذا أَنتَ يَوْماً قُلْتَها لم تُؤنَّب
وقيل: إِنما اسم هذه القبيلة يَهُوذ فعرب بقلب الذال دالاً؛ قال ابن
سيده: وليس هذا بقويّ. وقالوا اليهود فأَدخلوا الأَلف واللام فيها على
إِرادة النسب يريدون اليهوديين. وقوله تعالى: وعلى الذين هادُوا حَرَّمْنا
كلَّ ذي ظُفُر؛ معناه دخلوا في اليهودية. وقال الفراء في قوله تعالى: وقالوا
لَنْ يَدْخُلَ الجنةَ إِلا من كان هُوداً أَو نصارى؛ قال: يريد يَهُوداً
فحذف الياء الزائدة ورجع إِلى الفعل من اليهودية، وفي قراءة أُبيّ: إِلا
من كان يهوديّاً أَو نصرانيّاً؛ قال: وقد يجوز أَن يجعل هُوداً جمعاً
واحده هائِدٌ مثل حائل وعائط من النُّوق، والجمع حُول وعُوط، وجمع اليهوديّ
يَهُود، كما يقال في المجوسيّ مَجُوس وفي العجمي والعربيّ عجم وعرب.
والهُودُ: اليَهُود، هادُوا يَهُودُون هَوْداً. وسميت اليهود اشتقاقاً من
هادُوا أَي تابوا، وأَرادوا باليَهُودِ اليَهُودِيِّينَ ولكنهم حذفوا ياء
الإِضافة كما قالوا زِنْجِيٌّ وزنْج، وإِنما عُرِّف على هذا الحد فجُمِع
على قياس شعيرة وشعير، ثم عُرّف الجمع بالأَلِف واللام، ولولا ذلك لم يجز
دخول الأَلِف واللام عليه لأَنه معرفة مؤنث فجرى في كلامهم مجرى القبيلة
ولم يجعل كالحيّ؛ وأَنشد علي بن سليمان النحوي:
فَرَّتْ يَهُودُ وأَسْلَمَتْ جِيرانَها،
صَمِّي، لِما فَعَلَتْ يَهُودُ، صَمامِ
قال ابن برِّيّ: البيت للأَسود بن يعفر. قال يعقوب: معنى صَمِّي اخْرسي
يا داهيةُ، وصَمامِ اسم الداهيةِ علم مثل قَطامِ وحَذامِ أَي صَمِّي يا
صَمامِ؛ ومنهم من يقول: الضمير في صمي يعود على الأُذن أَي صَمِّي يا
أُذُن لما فعلتْ يَهُود. وصَمامِ اسم للفعل مثل نَزالِ وليس بنداء.
وهَوَّدَ الرجلَ: حَوّلَه إِلى ملة يَهُودَ. قال سيبويه: وفي الحديث:
كلُّ مَوْلُود يُولَدُ على الفِطْرَةِ حتى يكون أَبواه يُهَوِّدانِه أَو
يُنَصِّرانِه، معناه أَنهما يعلمانه دين اليهودية والنصارى ويُدْخِلانه
فيه. والتَّهْوِيدُ: أَن يُصَيَّرَ الإِنسانُ يَهُوديًّا. وهادَ وتَهَوَّد
إِذا صار يهوديّاً.
والهَوادةُ: اللِّينُ وما يُرْجَى به الصلاحُ بين القوم. وفي الحديث: لا
تأْخُذُه في الله هَوادةٌ أَي لا يَسْكُنُ عند حد الله ولا يُحابي فيه
أَحداً. والهَوادةُ: السُّكونُ والرُّخْصة والمحاباة. وفي حديث عمر، رضي
الله عنه، أُتِيَ بِشاربٍ فقال: لأَبْعَثَنَّكَ إِلى رجل لا تأْخُذُه فيك
هَوادةٌ. والتَّهْوِيدُ والتَّهْوادُ والتَّهَوُّدُ: الإِبْطاءُ في
السَّيْر واللِّينُ والتَّرَفُّقُ. والتَّهْوِيدُ: المشيُ الرُّوَيْدُ مثل
الدَّبيب ونحوه، وأَصله من الهَوادةِ. والتَّهْوِيدُ: السَّيْرُ الرَّفِيقُ.
وفي حديث عِمْران بن حُصين أَنه أَوْصَى عند موتِه: إِذا مُتُّ
فَخَرَجْتُمْ بي، فأَسْرِعُوا المَشْيَ ولا تُهَوِّدُوا كما تُهَوِّدُ اليهودُ
والنصارى. وفي حديث ابن مسعود: إِذا كنتَ في الجَدْبِ فأَسْرِعِ السَّيْرَ
ولا تُهَوِّد أَي لا تَفْتُرْ. قال: وكذلك التَّهْوِيدُ في المَنْطِقِ
وهو الساكِنُ؛ يقال: غِناءٌ مُهَوِّد؛ وقال الراعي يصف ناقة:
وخُود منَ اللاَّئي تَسَمَّعْنَ، بالضُّحى،
قَرِيضَ الرُّدافَى بالغِناءِ المُهَوِّدِ
قال: وخُود الواو أَصلية ليست بواو العطف، وهو من وَخَدَ يخد إِذا
أَسرعَ. أَبو مالك: وهَوّدَ الرجلُ إِذا سكَن. وهَوَّدَ إِذا غَنَّى. وهَوَّدَ
إِذا اعتَمد على السير؛ وأَنشد:
سَيْراً يُراخِي مُنَّةَ الجَلِيدِ
ذا قُحَمٍ، وليس بالتَّهْوِيدِ
أَي ليس بالسَّيْر اللَّيِّن. والتهوِيدُ أَيضاً: النومُ. وتَهْوِيدُ
الشراب: إِسكارُه. وهَوَّدَه الشرابُ إِذا فَتَّرَه فأَنامَه؛ وقال
الأَخطل:ودافَعَ عَني يومَ جِلَّقَ غَمْزُه،
وصَمَّاءُ تُنْسِيني الشرابَ المُهَوِّدا
والهَوادَةُ: الصُّلْحُ والمَيْلُ. والتهوِيدُ والتَّهْوادُ: الصوتُ
الضعيفُ اللَّيِّنُ الفاتِرُ. والتهوِيدُ: هَدْهَدةُ الريحِ في الرمل ولِينُ
صوتها فيه. والتَّهْوِيدُ: تَجاوُبُ الجنِّ لِلِينِ أَصواتِها
وضَعْفِها؛ قال الراعي:
يُجاوِبُ البومَ تَهْوِيدُ العَزِيفِ به،
كما يَحِنُّ لِغَيْثٍ جِلَّةٌ خُورُ
وقال ابن جَبَلَةَ: التهوِيدُ الترجيعُ بالصوت في لِين. والهَوادةُ:
الرُّخْصة، وهو من ذلك لأَن الأَخذ بها أَلْيَنُ من الأَخذ بالشدّة.
والمُهاوَدةُ: المُوادَعَةُ. والمُهاوَدةُ: المُصالَحَةُ والمُمايَلةُ.
والمُهَوِّدُ: المُطْرِبُ المُلْهِي؛ عن ابن الأَعرابي. والهَوَدَةُ،
بالتحريك: أَصل السنامِ. شمر: الهَوَدةُ مجتَمَعُ السَّنامِ وقَحَدَتُه،
والجمع هَوَدٌ؛ وقال:
كُومٌ عليها هَوَدٌ أَنضادُ
وتسكن الواو فيقال هَوْدةٌ.
وهُودٌ: اسم النبي، صلى الله على نبينا محمد وعليه وسلم، ينصرف، تقول:
هذه هُودٌ إِذا أَردْتَ سورة هُودٍ، وإِن جعلت هُوداً اسم السورة لم
تصرفه، وكذلك نُوحٌ ونُونٌ، والله أَعلم.
نغم: النَّغْمةُ: جَرْسُ الكلمة وحُسْن الصوت في القراءة وغيرها، وهو
حسَنُ النَّغْمةِ، والجمع نَغْمٌ؛ قال ساعدة بن جُؤَيَة:
وَلو انَّها ضَحِكت فتُسمِعَ نَغْمَها
رَعِشَ المَفاصِلِ، صُلْبُه مُتَحنِّبُ
وكذلك نَغَمٌ. قال ابن سيده: هذا قول اللغويين، قال: وعندي أَن النَّغَم
اسمٌ للجمع كما حكاه سيبويه من أَن حَلَقاً وفَلَكاً اسمٌ لجمع حَلْقةٍ
وفَلْكةٍ لا جمعٌ لهما، وقد يكون نَغَمٌ متحركاً من نَغْمٍ. وقد تنَغَّم
بالغِناء ونحوه. وإنه لَيَتَنَغَّم بشيء ويتَنسَّمُ بشيء ويَنسِمُ بشيء
أي يتكلم به. والنَّغَم: الكلام الخفيّ. والنَّغْمةُ: الكلام الحسن، وقيل:
هو الكلام الخفيّ، نَغَم يَنْغَم ويَنْغِم؛ قال: وأُرى الضمةَ لغةً،
نَغْماً. وسكت فلان فما نَغَم بحرف وما تنَغَّم مثله، وما نَغَم بكلمة.
ونغَم في الشراب: شَرب منه قليلاً كنَغَب؛ حكاه أَبو حنيفة، وقد يكون بدلاً.
والنُّغْمةُ: كالنُّغْبة؛ عنه أيضاً.
زجل: الزَّجْل: الرَّمْي بالشيء تأْخذه بيدك فتَرْمِي به. زَجَلَ الشيءَ
يَزْجُله وزَجَلَ به زَجْلاً: رماه ودَفَعه. وزَجَلْت به: رَمَيت؛ قال:
بِتْنَا وباتت رِياحُ الغَوْرِ تَزْجُله،
حتى إِذا هَمَّ أُولاه بإِنجاد
والمصدر عن ثعلب. يقال: لَعَن الله أُمًّا زَجَلَت به. وزجَلَت الناقة
بما في بطنها زَجْلاً: رمت به كزَحَرَتْ به زَحْراً، وهو مذكور في موضعه.
وزَجَلَت به زَجْلاً: دَفَعَته. وفي حديث عبد الله ابن سَلام: فأَخَذَ
بيدي فزَجَل بي أَي رماني ودَفَع بي.
والزَّاجَل، بفتح الجيم يُهْمز ولا يهمز: ماء الفحل. وقد زَجَل الماءَ
في رَحِمِها يَزْجُله زَجْلاً، وخَصَّ أَبو عبيدة به مَنِيَّ الظَّليم؛
وأَنشد لابن أَحمر:
وما بَيْضاتُ ذي لِبَدٍ هِجَفٍّ،
سُقِينَ بزاجَلٍ حتى رَوِينا
قال الأَزهري: سمعتها بفتح الجيم بغير همز والهمز لغة؛ قال أَبو سعيد:
وكان أَصحابنا يقولون الزَّاجَلُ ماء الظَّلِيم؛ قال: وأَخبرني من سمع
العرب تقول إِن الزَّجَل ههنا مُزَاجَلة النَّعامة والهَيْقِ في اييام
حِضَانهما، وهو التقليب، لأَنها إِن لم تُزَاجِلْ مَذِر البَيْضُ فهي
تُقَلِّبه ليَسْلَم من المعذَر، وقيل: الزاجَلُ ما يَسِيل من دُبُر الظَّليم
أَيام تحضينه بيضَه. قال أَبو حنيفة: الزاجَل وَسْمٌ يكون في الأَعناق؛
قال:إِنَّ أَحَقَّ إِبِلٍ أَن تُؤْكَلْ
حَمْضِيَّةٌ جاءت عليها الزَّاجَلْ
قال ابن سيده: قياس هذا الشعر أَن يكون فيه الزأْجل مهموزاً. التهذيب:
الزَّاجَل سِمَةٌ يُوسَم بها أَعناق الإِبل.
والزَّجْل: إِرسال الحَمَام الهادي من مَزٍّجَل بعيد، وقد زَجَل به
يَزْجُل. وزَجَل الحَمَام يَزْجُلها زَجْلاً: أَرسلها على بُعْد، وهي حَمَام
الزَّاجِل والزَّجَّال؛ عن الفارسي. وزَجَله بالرُّمْح يَزْجُلُهُ
زَجْلاً: زَجَّه، وقيل رَماه.
والمِزْجَلُ: السِّنان، وقيل: هو رمح صغير. والمِزْجَل: المِزْراق.
والمِزْجال، شبه المِزْراق: وهو النَّيْزَك يُرْمَى به، وقد زَجَلَهُ زَجْلاً
بالمِزْجال؛ قال أَبو النجم:
ورَمَى بالصَّخْر زَجْلاً زاجِلا
(* قوله «ورمى بالصخر» في التهذيب: وترتمي).
أَي رَمْياً شديداً. وفي الحديث: أَنه أَخذ الحربة لأُبيِّ ابن خَلَف
فزَجَلَهُ بها أَي رماه بها فقتله. والزَّاجِل والزاجَل: الحَلْقة من
الخَشَبة تكون مع المُكاري في الحِزام. ابن سيده: الزَّاجَل الحَلْقة في زُجِّ
الرُّمْحِ. والزَّاجَل: خَشَبة تُعْطَف وهي رَطْبة حتى تصير كالحَلْقة
ثم تُجَفَّف فتجعل في أَطراف الحُزُم والحِبال، وقيل: هو العود الذي يكون
في طَرَف الحبل الذي تُشَدُّ به القِرْبة؛ قاله أَبو عبيد بفتح الجيم،
وجمعه زَواجِل؛ قال الأَعشى:
فَهَانَ عليه أَن تَجِفَّ وِطابُكم،
إِذا ثُنِيَتْ فيما لَدَيه الزَّواجِل
(* قوله «أن تجف» هكذا في التهذيب بالجيم، وفي بعض نسخ الصحاح بالخاء
المعجمة).
والزَّجَل، بالتحريك: اللَّعِب والجَلَبة ورَفْع الصوت، وخُص به الــتطريب
(* قوله «وخص به الــتطريب» عبارة المحكم: وخص بعضهم به إلخ) ؛ وأَنشد
سيبويه:
له زَجَلٌ كأَنْهُ صوتُ حادٍ،
إِذا طَلَب الوَسِيقةَ، أَو زَمِير
وقد زَجِلَ زَجَلاً، فهو زَجِلٌ وزَاجِلٌ، وربما أُوقِع الزاجل على
الغِناء؛ قال:
وهو يُغَنِّيها غِناءً زاجِلا
والزَّجَلُ: رَفْع الصوت الطَّرِب؛ وقال:
يا لَيْتَنا كُنَّا حَمَامَيْ زاجِل
وفي حديث الملائكة: لهم زَجَلٌ بالتسبيح أَي صوتٌ رفيع عالٍ. وسَحاب ذو
زَجَل أَي ذو رَعْد. وغيث زَجِلٌ: لرعده صوت. ونَبْت زَجِلٌ: صَوَّتت فيه
الريح؛ قال الأَعشى:
كما استعانَ بِرِيحٍ عِشْرِقٌ زَجِلٌ
والزَّجْلة: صوت الناس؛ أَنشد ابن الأَعرابي:
شديدة أَزِّ الآخِرَيْنِ كأَنَّها،
إِذا ابْتَدَّها العِلْجانِ، زَجْلةُ قافِل
شَبَّه حَفِيف شَخْبها بحَفيف الزَّجْلة من الناس. والزُّجّلة، بالضم:
الجماعةُ من الناس، وقيل: هي القطعة من كل شيء، وجمعها زُجَل؛ قال لبيد:
كحَزيق الحَبَشِيّين الزُّجَل
(* قوله «كحزيق» هو جمع حزيقة بمعنى القطعة من الشيء كما في القاموس).
الفراء: الزِّئْجِيل والزُّؤاجل الضعيف من الرجال، وقد تقدم. ابن
الأَعرابي: الزَّاجِل الرامي، والزاجل قائد العسكر. ابن السكيت: الزُّجْلة
البِلَّة من الشيء الهُنَيْهة
(* قوله «الهنيهة» هكذا في التهذيب بدون عاطف،
وفي القاموس: والهنيهة بالواو، قال شارحه: ونص كتاب المعاني لابن السكيت
بغير واو) منه. يقال: زُجْلة من ماء أَو بَرَد، قال: والزُّجْلة الجِلْدة
التي بين العينين؛ وأَنشد:
كأَنَّ زُجْلةَ صَوْبٍ صابَ من بَرَدٍ،
شُنَّت شَآبِيبُه من رائحٍ لَجِب
نَواصِحٌ بَيْنَ حَمَّاوَيْن أَحْصَنَتا
مُمَنَّعاً، كهُمَام الثَّلْج بالضَّرَب
(* قوله «نواصح إلخ» في التكملة والتهذيب: أَراد بالنواصح الثنايا
البيض، وبالحماوين الشفتين، والضرب العسل).
وقال في الخماسي في سجنجل: والسَّجَنْجَل المِرآة، وقال بعضهم:
زَجَنْجَل، وقيل: هي روميَّة دخلت في كلام العرب.
زين: الزَّيْنُ: خلافُ الشَّيْن، وجمعه أَزْيانٌ؛ قال حميد بن ثور:
تَصِيدُ الجَلِيسَ
بأَزْيَانِها ودَلٍّ أَجابتْ عليه الرُّقَى
زانه زَيْناً وأَزَانه وأَزْيَنَه، على الأَصل، وتَزَيَّنَ هو وازْدانَ
بمعنًى، وهو افتعل من الزِّينةِ إلاَّ أَن التاء لمَّا لانَ مخرجها ولم
توافق الزاي لشدتها، أَبدلوا منها دالاً، فهو مُزْدانٌ، وإن أَدغمت قلت
مُزّان، وتصغير مُزْدان مُزَيَّنٌ، مثل مُخَيَّر تصغير مُختار، ومُزَيِّين
إن عَوَّضْتَ كما تقول في الجمع مَزَاينُ ومَزَايِين، وفي حديث خُزَيمة:
ما منعني أَن لا أَكون مُزْداناً بإعلانك أَي مُتَزَيِّناً بإعلان أَمرك،
وهو مُفْتَعَلٌ من الزينة، فأَبدل التاء دالاً لأَجل الزاي. قال
الأَزهري: سمعت صبيّاً من بني عُقَيلٍ يقول لآخر: وجهي زَيْنٌ ووجهك شَيْنٌ؛
أَراد أَنه صبيح الوجه وأَن الآخر قبيحه، قال: والتقدير وجهي ذو زَيْنٍ
ووجهك ذو شَيْنٍ، فنعتهما بالمصدر كما يقال رجل صَوْمٌ وعَدْل أَي ذو عدل.
ويقال: زانه الحُسْنُ يَزِينه زَيْناً. قال محمد بن حبيب: قالت أَعرابية
لابن الأَعرابي إنك تَزُونُنا إذا طلعت كأَنك هلال في غير سمان، قال:
تَزُونُنا وتَزِينُنا واحدٌ، وزانَه وزَيَّنَه بمعنى؛ وقال المجنون:
فيا رَبِّ، إذ صَيَّرْتَ ليلَى لِيَ الهَوَى،
فزِنِّي لِعَيْنَيْها كما زِنْتَها لِيَا
وفي حديث شُرَيح: أَنه كان يُجِيزُ من الزِّينة ويَرُدُّ من الكذب؛ يريد
تَزْيين السلعة للبيع من غير تدليس ولا كذب في نسبتها أَو في صفتها.
ورجل مُزَيَّن أَي مُقَذَّذُ الشعر، والحَجَّامُ مُزَيِّن؛ وقول ابن
عَبْدَلٍ الشاعر:
أَجِئْتَ على بَغْلٍ تَزُفُّكَ تِسْعَةٌ،
كأَنك دِيكٌ مائِلُ الزَّيْنِ أَعْوَرُ؟
يعني عُرْفه. وتَزَيَّنَتِ الأَرضُ بالنبات وازَّيَّنَتْ وازْدانتِ
ازْدِياناً وتَزَيَّنت وازْيَنَّتْ وازْيَأَنَّتْ وأَزْيَنَتْ أَي حَسُنَتْ
وبَهُجَتْ، وقد قرأَ الأَعرج بهذه الأَخيرة. وقالوا: إذا طلعت الجَبْهة
تزينت النخلة. التهذيب: الزِّينة اسم جامع لكل شيء يُتَزَيَّن به.
والزِّينَةُ: ما يتزين به. ويومُ الزِّينةِ: العيدُ. وتقول: أَزْيَنَتِ الأَرضُ
بعُشبها وازَّيَّنَتْ مثله، وأَصله تَزَيَّنَت، فسكنت التاء وأُدغمت في
الزاي واجتلبت الأَلف ليصح الابتداء. وفي حديث الاستسقاء قال: اللهم أَنزل
علينا في أَرضنا زِينتَها أَي نباتَها الذي يُزَيّنها. وفي الحديث:
زَيِّنُوا القرآن بأَصواتكم؛ ابن الأَثير: قيل هو مقلوب أَي زينوا أَصواتكم
بالقرآن، والمعنى الهَجُوا بقراءته وتزَيَّنُوا به، وليس ذلك على تطريب
القول والتحزين كقوله: ليس منا من لم يَتَغَنَّ بالقرآن أَي يَلْهَجْ
بتلاوته كما يَلْهَج سائر الناس بالغِناء والطَّرب، قال هكذا قال الهَرَوِيّ
والخَطَّابي ومن تَقَدَّمهما، وقال آخرون: لا حاجة إلى القلب، وإنما معناه
الحث على الترتيل الذي أَمر به في قوله تعالى: ورَتِّلِ القرآنَ ترتيلاً؛
فكأَنَّ الزِّينَة للمُرَتِّل لا للقرآن، كما يقال: ويل للشعر من رواية
السَّوْءِ، فهو راجع إلى الراوي لا للشعر، فكأَنه تنبيه للمقصر في
الرواية على ما يعاب عليه من اللحن والتصحيف وسوء الأَداء وحث لغيره على التوقي
من ذلك، فكذلك قوله: زينوا القرآن بأَصواتكم، يدل على ما يُزَيّنُ من
الترتيل والتدبر ومراعاة الإعراب، وقيل: أَراد بالقرآن القراءة، وهو مصدر
قرأَ يقرأُ قراءة وقُرْآناً أَي زينوا قراءتكم القرآن بأَصواتكم، قال:
ويشهد لصحة هذا وأَن القلب لا وجه له حديث أَبي موسى: أَن النبي، صلى الله
عليه وسلم، اسْتَمع إلى قراءته فقال: لقد أُوتِيت مِزْماراً من مزامير آل
داود، فقال: لو علمتُ أَنك تسمع لحَبَّرْتُه لك تحبيراً أَي حسَّنت
قراءته وزينتها، ويؤيد ذلك تأْييداً لا شبهة فيه حديث ابن عباس: أَن رسول
الله، صلى الله عليه وسلم، قال: لكل شيء حِلْيَةٌ وحِلْيَةُ القرآن حُسْنُ
الصوت. والزِّيْنَةُ والزُّونَة: اسم جامع لما تُزُيِّنَ به، قلبت الكسرة
ضمة فانقلبت الياء واواً. وقوله عز وجل: ولا يُبْدِينَ زِينَتَهن إلا ما
ظهر منها؛ معناه لا يبدين الزينة الباطنة كالمِخْنقة والخَلْخال
والدُّمْلُج والسِّوار والذي يظهر هو الثياب والوجه. وقوله عز وجل: فخرج على قومه
في زينته؛ قال الزجاج: جاء في التفسير أَنه خرج هو وأَصحابه وعليهم وعلى
الخيل الأُرْجُوَانُ، وقيل: كان عليهم وعلى خيلهم الدِّيباجُ الأَحمر.
وامرأَة زَائنٌ: مُتَزَيِّنَة. والزُّونُ: موضع تجمع فيه الأَصنام
وتُنْصَبُ وتُزَيَّنُ. والزُّونُ: كل شيء يتخذ رَبّاً ويعبد من دون الله عز وجل
لأَنه يُزَيَّنُ، والله أَعلم.
دعا: قال الله تعالى: وادْعوا شُهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين؛
قال أَبو إسحق: يقول ادْعوا من اسْتَدعَيتُم طاعتَه ورجَوْتم مَعونتَه في
الإتيان بسورة مثله، وقال الفراء: وادعوا شهداءكم من دون الله، يقول:
آلِهَتَكم، يقول اسْتَغِيثوا بهم، وهو كقولك للرجل إذا لَقِيتَ العدوّ
خالياً فادْعُ المسلمين، ومعناه استغث بالمسلمين، فالدعاء ههنا بمعنى
الاستغاثة، وقد يكون الدُّعاءُ عِبادةً: إم الذين تَدْعون من دون الله عِبادٌ
أَمثالُكم، وقوله بعد ذلك: فادْعُوهم فلْيَسْتجيبوا لكم، يقول: ادعوهم في
النوازل التي تنزل بكم إن كانوا آلهة كما تقولون يُجيبوا دعاءكم، فإن
دَعَوْتُموهم فلم يُجيبوكم فأَنتم كاذبون أَنهم آلهةٌ. وقال أَبو إسحق في
قوله: أُجِيبُ دعوة الدَّاعِ إذا دَعانِ؛ معنى الدعاء لله على ثلاثة أَوجه:
فضربٌ منها توحيدهُ والثناءُ عليه كقولك: يا اللهُ لا إله إلا أَنت،
وكقولك: ربَّنا لكَ الحمدُ، إذا قُلْتَه فقدَ دعَوْته بقولك ربَّنا، ثم
أَتيتَ بالثناء والتوحيد، ومثله قوله: وقال ربُّكم ادعوني أَسْتَجِبْ لكم
إنَّ الذين يَسْتَكبرون عن عِبادتي؛ فهذا ضَرْبٌ من الدعاء، والضرب الثاني
مسأَلة الله العفوَ والرحمة وما يُقَرِّب منه كقولك: اللهم اغفر لنا،
والضرب الثالث مسأَلة الحَظِّ من الدنيا كقولك: اللهم ارزقني مالاً وولداً،
وإنما سمي هذا جميعه دعاء لأَن الإنسان يُصَدّر في هذه الأَشياء بقوله
يا الله يا ربّ يا رحمنُ، فلذلك سُمِّي دعاءً. وفي حديث عرَفة: أَكثر
دُعائي ودعاء الأَنبياء قَبْلي بعَرفات لا إله إلا اللهُ وحدهَ لا شريك
له، له المُلكُ وله الحمدُ وهو على كل شيء قدير، وإنما سمي التهليلُ
والتحميدُ والتمجيدُ دعاءً لأَنه بمنزلته في استِيجاب ثوابِ الله وجزائه
كالحديث الآخر: إذا شَغَلَ عَبْدي ثناؤه عليَّ عن مسأَلتي أَعْطَيْتُه
أَفْضَلَ ما أُعْطِي السائِلين، وأَما قوله عز وجل: فما كان دَعْواهُمْ إذ
جاءَهم بأْسُنا إلا أَن قالوا إنا كنا ظالمين؛ المعنى أَنهم لم يَحْصُلوا
مما كانوا ينْتَحِلونه من المذْهب والدِّينِ وما يَدَّعونه إلا على
الاعْتِرافِ بأَنهم كانوا ظالمين؛ هذا قول أَبي إسحق.
قال: والدَّعْوَى اسمٌ لما يَدَّعيه، والدَّعْوى تَصْلُح أَن تكون في
معنى الدُّعاء، لو قلت اللهم أَشْرِكْنا في صالحِ دُعاءِ المُسْلمين أَو
دَعْوَى المسلمين جاز؛ حكى ذلك سيبويه؛ وأَنشد:
قالت ودَعْواها كثِيرٌ صَخَبُهْ
وأَما قوله تعالى: وآخِرُ دَعْواهم أَنِ الحمدُ لله ربّ العالمين؛ يعني
أَنَّ دُعاءَ أَهلِ الجَنَّة تَنْزيهُ اللهِ وتَعْظِيمُه، وهو قوله:
دَعْواهم فيها سُبْحانكَ اللهمَّ، ثم قال: وآخرُ دَعْواهم أَن الحمدُ لله ربّ
العالمين؛ أَخبرَ أَنهم يبْتَدِئُون دُعاءَهم بتَعْظيم الله وتَنزيهه
ويَخْتِمُونه بشُكْره والثناء عليه، فجَعل تنزيهه دعاءً وتحميدَهُ دعاءً،
والدَّعوى هنا معناها الدُّعاء. وروي عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أَنه
قال: الدُّعاءُ هو العِبادَة، ثم قرأَ: وقال ربُّكم ادْعوني أَسْتَجِبْ
لكم إنَّ الذين يسْتَكْبرون عن عِبادتي؛ وقال مجاهد في قوله: واصْبِرْ
نفْسَكَ مع الذين يَدْعُون رَبَّهم بالغَداةِ والعَشِيّ، قال: يُصَلُّونَ
الصَّلَواتِ الخمسَ، ورُوِي مثل ذلك عن سعيد بن المسيب في قوله: لن
نَدْعُوَ من دونه إلهاً؛ أَي لن نَعْبُد إلهاً دُونَه. وقال الله عز وجل:
أَتَدْعُون بَعْلاً؛ أَي أَتَعْبُدون رَبّاً سِوَى الله، وقال: ولا تَدْعُ معَ
اللهِ إلهاً آخرَ؛ أَي لا تَعْبُدْ. والدُّعاءُ: الرَّغْبَةُ إلى الله
عز وجل، دَعاهُ دُعاءً ودَعْوَى؛ حكاه سيبويه في المصادر التي آخرها أَلف
التأْنيث؛ وأَنشد لبُشَيْر بن النِّكْثِ:
وَلَّت ودَعْواها شَديدٌ صَخَبُهْ
ذكَّرَ على معنى الدعاء. وفي الحديث: لولا دَعْوَةُ أَخِينا سُلْيمانَ
لأَصْبَحَ مُوثَقاً يَلْعَبُ به وِلْدانُ أَهلِ المدينة؛ يعني الشَّيْطان
الذي عَرَضَ له في صلاته، وأَراد بدَعْوَةِ سُلْىمانَ، عليه السلام،
قوله: وهَبْ لي مُلْكاً لا ينبغي لأَحَدٍ من بَعْدي، ومن جملة مُلكه تسخير
الشياطين وانقِيادُهم له؛ ومنه الحديث: سأُخْبِرُكم بأَوَّل أَمري
دَعْوةُ أَبي إبراهيم وبِشارةُ عِيسى؛ دَعْوةُ إبراهيم، عليه السلام، قولهُ
تعالى: رَبَّنا وابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً منهم يَتْلُو عليهم آياتِكَ؛
وبِشارَةُ عيسى، عليه السلام، قوله تعالى: ومُبَشِّراً برَسُولٍ يأْتي من
بَعْدي اسْمهُ أَحْمَدُ.وفي حديث معاذ، رضي الله عنه، لما أَصابَهُ الطاعون
قال: ليْسَ بِرِجْزٍ ولا طاعونٍ ولكنه رَحْمةُ رَبِّكم ودَْوَةُ
نبِيِّكُم، صلى الله عليه وسلم؛ أَراد قوله: اللهم اجعَلْ فَناءَ أُمَّتي
بالطَّعْن والطاعونِ، وفي هذا الحديث نَظَر، وذلك أَنه قال لما أَصابَهُ
الطاعون فأَثبَتَ أَنه طاعونٌ، ثم قال: ليسَ برِجْزٍ ولا طاعونٍ فنَفَى أَنه
طاعونٌ، ثم فسَّر قوله ولكنَّه رحمةٌ من ربِّكم ودَعوةُ نبِيِّكم فقال
أَراد قوله: اللهم اجعَلْ فَناءَ أُمَّتي بالطَّعْن والطاعون، وهذا فيه
قَلَق. ويقال: دَعَوْت الله له بخَيْرٍ وعَليْه بِشَرٍّ. والدَّعوة: المَرَّة
الواحدةَ من الدُّعاء؛ ومنه الحديث: فإن دَعْوتَهم تُحِيطُ من ورائهم
أَي تحُوطُهم وتكْنُفُهم وتَحْفَظُهم؛ يريد أهلَ السُّنّة دون البِدْعة.
والدعاءُ: واحد الأَدْعية، وأَصله دُعاو لأنه من دَعَوْت، إلا أن الواو
لمَّا جاءت بعد الأَلف هُمِزتْ. وتقول للمرأَة: أَنتِ تَدْعِينَ، وفيه لغة
ثانية: أَنت تَدْعُوِينَ، وفيه لغة ثالثة: أَنتِ تَدْعُينَ، بإشمام
العين الضمة، والجماعة أَنْتُنِّ تَدْعُونَ مثل الرجال سواءً؛ قال ابن بري:
قوله في اللغة الثانية أَنتِ تَدْعُوِينَ لغة غير معروفة.
والدَّعَّاءةُ: الأَنْمُلَةُ يُدْعى بها كقولهم السِّبَّابة كأنها هي
التي تَدْعُو، كما أَن السبابة هي التي كأَنها تَسُبُّ. وقوله تعالى: له
دَعْوةُ الحقّ؛ قال الزجاج: جاء في التفسير أَنها شهادة أَن لاإله إلا
الله، وجائزٌ أَن تكون، والله أََعلم، دعوةُ الحقِّ أَنه مَن دَعا الله
مُوَحِّداً اسْتُجيب له دعاؤه. وفي كتابه، صلى الله عليه وسلم، إلى
هِرَقْلَ: أَدْعُوكَ بِدِعايةِ الإسْلام أَي بِدَعْوَتِه، وهي كلمة
الشهادة التي يُدْعى إليها أَهلُ المِلَلِ الكافرة، وفي رواية: بداعيةِ
الإسْلامِ، وهو مصدر بمعنى الدَّعْوةِ كالعافية والعاقبة. ومنه حديث عُمَيْر
بن أَفْصى: ليس في الخْيلِ داعِيةٌ لِعاملٍ أَي لا دَعْوى لعاملِ الزكاة
فيها ولا حَقَّ يَدْعُو إلى قضائه لأَنها لا تَجب فيها الزكاة. ودَعا
الرجلَ دَعْواً ودُعاءً: ناداه، والاسم الدعْوة. ودَعَوْت فلاناً أَي صِحْت
به واسْتَدْعَيْته. فأَما قوله تعالى: يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّه أَقْرَبُ
من نَفْعِه؛ فإن أَبا إسحق ذهب إلى أَن يَدْعُو بمنزلة يقول، ولَمَنْ
مرفوعٌ بالابتداء ومعناه يقولُ لَمَنْ ضَرُّه أَقربُ من نَفْعه إلهٌ وربٌّ؛
وكذلك قول عنترة:
يَدْعُونَ عَنْتَرَ، والرِّماحُ كأَنها
أَشْطانُ بئرٍ في لَبانِ الأَدْهَمِ
معناه يقولون: يا عَنْتَر، فدلَّت يَدْعُون عليها. وهو مِنِّي
دَعْوَةَ الرجلِ ودَعْوةُ الرجُلِ، أَي قدرُ ما بيني وبينه، ذلك يُنْصَبُ على
أَنه ظرف ويُرفع على أَنه اسمٌ. ولبني فلانٍ الدَّعْوةُ على قومِهم أَي
يُبْدأُ بهم في الدعاء إلى أَعْطِياتِهم، وقد انتهت الدَّعْوة إلى بني
فلانٍ. وكان عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، يُقدِّمُ الناسَ في
أَعطِياتِهِم على سابِقتِهم، فإذا انتهت الدَّعْوة إليه كَبَّر أَي النداءُ
والتسميةُ وأَن يقال دونكَ يا أَميرَ المؤمنين.
وتَداعى القومُ: دعا بعضُهم بعضاً حتى يَجتمعوا؛ عن اللحياني، وهو
التَّداعي. والتَّداعي والادِّعاءُ: الاعْتِزاء في الحرب، وهو أَن يقول أنا
فلانُ بنُ فلان، لأنهم يَتداعَوْن بأَسمائهم.
وفي الحديث: ما بالُ دَعْوى الجاهلية؟ هو قولُهم: يا لَفُلانٍ، كانوا
يَدْعُون بعضُهم بعضاً عند الأَمر الحادث الشديد. ومنه حديث زيدِ بنِ
أَرْقَمَ: فقال قومٌ يا للأَنْصارِ وقال قومٌ: يا للْمُهاجِرين فقال،
عليه السلام: دَعُوها فإنها مُنْتِنةٌ.
وقولهم: ما بالدَّارِ دُعْوِيٌّ، بالضم، أَي أَحد. قال الكسائي: هو مِنْ
دَعَوْت أَي ليس فيها من يَدعُو لا يُتكَلَّمُ به إلاَّ مع الجَحْد؛
وقول العجاج:
إنِّي لا أَسْعى إلى داعِيَّهْ
مشددة الياء، والهاءُ للعِمادِ مثل الذي في سُلْطانِيَهْ ومالِيَهْ؛
وبعد هذا البيت:
إلا ارْتِعاصاً كارْتِعاص الحَيَّهْ
ودَعاه إلى الأَمِير: ساقَه. وقوله تعالى: وداعِياً إلى الله بإذْنهِ
وسِراجاً مُنيراً؛ معناه داعياً إلى توحيد الله وما يُقَرِّبُ منه، ودعاهُ
الماءُ والكَلأُ كذلك على المَثَل. والعربُ تقول: دعانا غَيْثٌ وقع
ببَلدٍ فأَمْرَعَ أَي كان ذلك سبباً لانْتِجاعنا إيَّاه؛ ومنه قول ذي
الرمة:تَدْعُو أَنْفَهُ الرِّيَبُ
والدُّعاةُ: قومٌ يَدْعُونَ إلى بيعة هُدىً أَو ضلالة، واحدُهم داعٍ.
ورجل داعِيةٌ إذا كان يَدْعُو الناس إلى بِدْعة أَو دينٍ، أُدْخِلَت
الهاءُ فيه للمبالغة. والنبي، صلى الله عليه وسلم، داعي الله تعالى، وكذلك
المُؤَذِّنُ. وفي التهذيب: المُؤَذِّنُ داعي الله والنبيّ، صلى الله عليه
وسلم، داعي الأُمَّةِ إلى توحيدِ الله وطاعتهِ. قال الله عز وجل مخبراً عن
الجنّ الذين اسْتَمعوا القرآن: وولَّوْا إلى قومهم مُنْذِرِين قالوا يا
قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللهِ. ويقال لكلّ من مات دُعِيَ فأَجاب.
ويقال: دعاني إلى الإحسان إليك إحسانُك إليّ. وفي الحديث: الخلافة في
قُرَيْشٍ والحُكْمُ في الأَنْصارِ والدَّعْوة في الحَبَشة؛ أَرادَ بالدعوة
الأَذانَ جَعله فيهم تفضيلاً لمؤذِّنِهِ بلالٍ. والداعية: صرِيخُ الخيل في
الحروب لدعائه مَنْ يَسْتَصْرِخُه. يقال: أَجِيبُوا داعيةَ الخيل. وداعية
اللِّبَنِ: ما يُترك في الضَّرْع ليَدْعُو ما بعده. ودَعَّى في
الضَّرْعِ: أَبْقى فيه داعيةَ اللَّبنِ. وفي الحديث: أَنه أَمر ضِرارَ بنَ
الأَزْوَر أَن يَحْلُبَ ناقةً وقال له دَعْ داعِيَ اللبنِ لا تُجهِده أي أَبْق
في الضرع قليلاً من اللبن ولا تستوعبه كله، فإن الذي تبقيه فيه يَدْعُو ما
وراءه من اللبن فيُنْزله، وإذا استُقْصِيَ كلُّ ما في الضرع أَبطأَ
دَرُّه على حالبه؛ قال الأَزهري: ومعناه عندي دَعْ ما يكون سَبباً لنزول
الدِّرَّة، وذلك أَن الحالبَ إذا ترك في الضرع لأَوْلادِ الحلائبِ لُبَيْنةً
تَرضَعُها طابت أَنفُسُها فكان أَسرَع لإفاقتِها. ودعا الميتَ: نَدَبه
كأَنه ناداه. والتَّدَعِّي: تَطْريبُ النائحة في نِياحتِها على مَيِّتِها
إذا نَدَبَتْ؛ عن اللحياني. والنادبةُ تَدْعُو الميّت إذا نَدَبَتْه،
والحمامة تَدْعو إذا ناحَتْ؛ وقول بِشْرٍ:
أَجَبْنا بَني سَعْد بن ضَبَّة إذْ دَعَوْا،
وللهِ مَوْلى دَعْوَةٍ لا يُجِيبُها
يريد: لله وليُّ دَعْوةٍ يُجيب إليها ثم يُدْعى فلا يُجيب؛ وقال
النابغة فجعَل صوتَ القطا دعاءً:
تَدْعُو قَطاً، وبه تُدْعى إذا نُسِبَتْ،
يا صِدْقَها حين تَدْعُوها فتَنْتَسِب
أَي صوْتُها قَطاً وهي قَطا، ومعنى تدعو تُصوْت قَطَا قَطَا. ويقال: ما
الذي دعاك إلى هذا الأَمْرِ أَي ما الذي جَرَّكَ إليه واضْطَرَّك. وفي
الحديث: لو دُعِيتُ إلى ما دُعُِيَ إليه يوسفُ، عليه السلام، لأَجَبْتُ؛
يريد حي دُعِيَ للخروج من الحَبْسِ فلم يَخْرُجْ وقال: ارْجِعْ إلى ربّك
فاسْأَلْه؛ يصفه، صلى الله عليه وسلم، بالصبر والثبات أَي لو كنت مكانه
لخرجت ولم أَلْبَث. قال ابن الأَثير: وهذا من جنس تواضعه في قوله لا
تُفَضِّلوني على يونُسَ بنِ مَتَّى. وفي الحديث: أَنه سَمِع رجُلاً يقول في
المَسجِدِ من دَعا إلى الجَمَلِ الأَحمر فقال لا وجَدْتَ؛ يريد مَنْ وجَدَه
فدَعا إليه صاحِبَه، وإنما دعا عليه لأَنه نهى أَن تُنْشَدَ الضالَّةُ في
المسجد. وقال الكلبي في قوله عز وجل: ادْعُ لنا ربَّك يُبَيِّن لنا ما
لَوْنُها، قال: سَلْ لنا رَبّك. والدَّعْوة والدِّعْوة والمَدْعاة
والمدْعاةُ: ما دَعَوتَ إليه من طعام وشراب، الكسر في الدِّعْوة
(* قوله «الكسر
في الدعوة إلخ» قال في التكملة: وقال قطرب الدعوة بالضم في الطعام
خاصة). لعَدِي بن الرِّباب وسائر العرب يفتحون، وخص اللحياني بالدَّعْوة
الوليمة. قال الجوهري: كُنا في مَدْعاةِ فلان وهو مصدر يريدون الدُّعاءَ إلى
الطعام. وقول الله عز وجل: والله يَدْعُو إلى دار السلام ويَهْدي مَنْ
يشاء إلى صراط مستقيم؛ دارُ السلامِ هي الجَنَّة، والسلام هو الله، ويجوز
أَن تكون الجنة دار السلام أَي دار السلامة والبقاء، ودعاءُ اللهِ
خَلْقَه إليها كما يَدْعُو الرجلُ الناسَ إلى مَدْعاةٍ أَي إلى مَأْدُبَةٍ
يتَّخِذُها وطعامٍ يدعو الناسَ إليه.
وفي الحديث: أَنه، صلى الله عليه وسلم، قال إذا دُعيَ أَحَدُكم إلى
طعام فلْيُجِبْ فإن كان مُفْطِراً فلْيَأْكُلْ وإن كان صائماً فلْيُصَلِّ.
وفي العُرْسِ دَعْوة أَيضاً. وهو في مَدْعاتِهِم: كما تقول في عُرْسِهِم.
وفلان يَدَّعي بكَرَم فِعالهِ أَي يُخْبِر عن نفسه بذلك. والمَداعي: نحو
المَساعي والمكارمِ، يقال: إنه لذُو مَداعٍ ومَساعٍ. وفلان في خير ما
ادَّعَى أَي ما تَمَنَّى. وفي التنزيل: ولهم ما يَدَّعُون؛ معناه ما
يتَمَنَّوْنَ وهو راجع إلى معنى الدُّعاء أَي ما يَدَّعِيه أَهلُ الجنة يأْتيهم.
وتقول العرب: ادَّعِ عليَّ ما شئتَ. وقال اليزيدي: يقا لي في هذا الأَمر
دَعْوى ودَعاوَى ودَعاوةٌ ودِعاوةٌ؛ وأَنشد:
تأْبَى قُضاعَةُ أَنْ تَرْضى دِعاوَتَكم
وابْنا نِزارٍ، فأَنْتُمْ بَيْضَةُ البَلَدِ
قال: والنصب في دَعاوة أَجْوَدُ. وقال الكسائي: يقال لي فيهم دِعْوة أَي
قَرابة وإخاءٌ. وادَّعَيْتُ على فلان كذا، والاسم الدَّعْوى. ودعاهُ
اللهُ بما يَكْرَه: أَنْزَلَه به؛ قال:
دَعاكَ اللهُ من قَيْسٍ بأَفْعَى،
إذا نامَ العُيونُ سَرَتْ عَلَيْكا
(* وفي الأساس: دعاك الله من رجلٍ إلخ).
القَيْسُ هنا من أَسماء الذَّكَر. ودَواعي الدَّهْرِ: صُرُوفُه. وقوله
تعالى في ذِكْرِ لَظَى، نعوذ بالله منها: تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ
وتَوَلَّى؛ من ذلك أَي تَفْعل بهم الأَفاعيل المَكْرُوهَة، وقيل: هو من الدعاء
الذي هو النداء، وليس بقَوِيّ. وروى الأَزهري عن المفسرين: تدعو الكافر
باسمه والمنافق باسمه، وقيل: ليست كالدعاءِ تَعالَ، ولكن دَعْوَتها إياهم ما
تَفْعَل بهم من الأَفاعيل المكروهة، وقال محمد بن يزيد: تَدْعُو من
أَدبر وتوَلَّى أَي تُعَذِّبُ، وقال ثعلب: تُنادي من أَدْبر وتوَلَّى.
ودَعَوْته بزيدٍ ودَعَوْتُه إياهُ: سَمَّيته به، تَعَدَّى الفعلُ بعد إسقاط
الحرف؛ قال ابن أَحمرَ الباهلي:
أَهْوَى لها مِشْقَصاً جَشْراً فشَبْرَقَها،
وكنتُ أَدْعُو قَذَاها الإثْمِدَ القَرِدا
أَي أُسَمِّيه، وأَراد أَهْوَى لما بِمِشْقَصٍ فحذف الحرف وأَوصل. وقوله
عز وجل: أَنْ دَعَوْا للرحمن وَلَداً؛ أَي جعَلوا، وأَنشد بيت ابن أَحمر
أَيضاً وقال أَي كنت أَجعل وأُسَمِّي؛ ومثله قول الشاعر:
أَلا رُبَّ مَن تَدْعُو نَصِيحاً، وإنْ تَغِبْ
تَجِدْهُ بغَيْبٍ غيرَ مُنْتَصِحِ الصَّدْرِ
وادَّعيت الشيءَ: زَعَمْتُهِ لي حَقّاً كان أَو باطلاً. وقول الله عز
وجل في سورة المُلْك: وقيل هذا الذي كُنْتُم به تَدَّعُون؛ قرأَ أَبو عمرو
تَدَّعُون، مثقلة، وفسره الحسن تَكْذبون من قولك تَدَّعي الباطل
وتَدَّعي ما لا يكون، تأْويله في اللغة هذا الذي كنتم من أَجله تَدَّعُونَ
الأَباطيلَ والأَكاذيبَ، وقال الفراء: يجوز أَن يكون تَدَّعُون بمعنى
تَدْعُون، ومن قرأَ تَدْعُون، مخففة، فهو من دَعَوْت أَدْعُو، والمعنى هذا الذي
كنتم به تستعجلون وتَدْعُون الله بتَعْجيله، يعني قولهم: اللهم إن كان
هذا هوالحَقَّ من عندك فأَمْطِر علينا حجارةً من السماء، قال: ويجوز أَن
يكون تَدَّعُون في الآية تَفْتَعِلُونَ من الدعاء وتَفْتَعِلون من
الدَّعْوَى، والاسم الدَّعْوى والدِّعْوة، قال الليث: دَعا يَدْعُو دَعْوَةً
ودُعاءً وادَّعَى يَدَّعي ادِّعاءً ودَعْوَى. وفي نسبه دَعْوة أَي دَعْوَى.
والدِّعْوة، بكسر الدال: ادِّعاءُ الوَلدِ الدَّعِيِّ غير أَبيه. يقال:
دَعِيٌّ بيِّنُ الدِّعْوة والدِّعاوَة. وقال ابن شميل: الدَّعْوة في
الطعام والدِّعْوة في النسب. ابن الأَعرابي: المدَّعَى المُتَّهَمُ في نسبَه،
وهو الدَّعِيُّ. والدَّعِيُّ أَيضاً: المُتَبَنَّى الذي تَبَنَّاه رجلٌ
فدعاه ابنَه ونسبُه إلى غيره، وكان النبي، صلى الله عليه وسلم، تَبَنَّى
زيدَ بنَ حارثةَ فأَمَرَ اللهُ عز وجل أَن يُنْسَب الناسُ إلى آبائهم
وأَن لا يُنْسَبُوا إلى مَن تَبَنَّاهم فقال: ادْعُوهم لآبائهم هو
أَقْسَطُ عند الله فإن لم تَعْلَموا آباءَهم فإخوانُكم في الدِّينِ
ومَوالِيكمْ، وقال: وما جعلَ أَدْعِياءَكم أَبْناءَكم ذلِكم قَوْلُكمْ بأَفْواهِكم.
أَبو عمرو عن أَبيه: والداعي المُعَذِّب، دَعاهُ الله أَي عَذَّبَه
الله. والدَّعِيُّ: المنسوب إلى غير أَبيه. وإنه لَبَيِّنُ الدَّعْوَة
والدِّعْوةِ، الفتح لعَدِيِّ بن الرِّباب، وسائرُ العرب تَكْسِرُها بخلاف ما
تقدم في الطعام. وحكى اللحياني: إنه لبيِّنُ الدَّعاوة والدِّعاوة. وفي
الحديث: لا دِعْوة في الإسلام؛ الدِّعْوة في النسب، بالكسر: وهو أَن
ينْتَسب الإنسان إلى غير أََبيه وعشيرته، وقد كانوا يفعلونه فنهى عنه وجعَل
الوَلَدَ للفراش. وفي الحديث: ليس من رجل ادَّعَى إلى غير أَبيه وهو
يَعْلمه إلا كَفَر، وفي حديث آخر: فالجَنَّة عليه حرام، وفي حديث آخر: فعليه
لعنة الله، وقد تكرَّرَت الأَحاديث في ذلك، والادِّعاءُ إلى غيرِ الأَبِ مع
العِلْم به حرام، فمن اعتقد إباحة ذلك فقد كفر لمخالفته الإجماع، ومن لم
يعتقد إباحته ففي معنى كفره وجهان: أَحدهما أَنه قدأَشبه فعلُه فعلَ
الكفار، والثاني أَنه كافر بنعمة الله والإسلام عليه؛ وكذلك الحديث الآخر:
فليس منا أَي إن اعْتَقَد جوازَه خرج من الإسلام، وإن لم يعتقده فالمعنى
لم يَتَخَلَّق بأَخلاقنا؛ ومنه حديث علي بن الحسين: المُسْتَلاطُ لا
يَرِثُ ويُدْعَى له ويُدْعَى به؛ المُسْتَلاطُ المُسْتَلْحَق في النسب،
ويُدَعى له أَي يُنْسَبُ إليه فيقال: فلان بن فلان، ويُدْعَى به أَي يُكَنَّى
فيقال: هو أَبو فلان، وهو مع ذلك لا يرث لأَنه ليس بولد حقيقي.
والدَّعْوة: الحِلْفُ، وفي التهذيب: الدَّعوةُ الحِلْف. يقال: دَعْوة بني فلان
في بني فلان.
وتَداعَى البناءُ والحائط للخَراب إذا تكسَّر وآذَنَ بانْهِدامٍ.
وداعَيْناها عليهم من جَوانِبِها: هَدَمْناها عليهم. وتَداعَى الكثيب من الرمل
إذا هِيلَ فانْهالَ. وفي الحديث: كَمَثَلِ الجَسدَ إذا اشْتَكَى بعضهُ
تَداعَى سائرهُ بالسَّهَر والحُمَّى كأَن بعضه دعا بعضاً من قولهم
تَداعَت الحيطان أَي تساقطت أَو كادت، وتَداعَى عليه العدوّ من كل جانب:
أَقْبَلَ، من ذلك. وتَداعَت القبائلُ على بني فلان إذا تأَلَّبوا ودعا بعضهم
بعضاً إلى التَّناصُر عليهم. وفي الحديث: تَداعَتْ عليكم الأُمَم أَي
اجتمعوا ودعا بعضهم بعضاً. وفي حديث ثَوْبانَ: يُوشكُ أَن تَداعَى عليكم
الأُمَمُ كما تَداعَى الأَكَلَةُ على قَصْعَتِها. وتَداعَتْ إبلُ فلان فهي
مُتدَاعِيةٌ إذا تَحَطَّمت هُزالاً؛ وقال ذو الرمة:
تَباعَدْتَ مِنِّي أَن رأَيتَ حَمُولَتي
تَداعَتْ، وأَن أَحْنَى عليكَ قَطِيعُ
والتَّداعِي في الثوب إذا أَخْلَقَ، وفي الدار إذا تصدَّع من نواحيها،
والبرقُ يَتَداعَى في جوانب الغَيْم؛ قال ابن أَحمر:
ولا بَيْضاءَ في نَضَدٍ تَداعَى
ببَرْقٍ في عَوارِضَ قد شَرِينا
ويقال: تَداعَت السحابةُ بالبرق والرَّعْد من كل جانب إذا أَرْعَدَت
وبَرَقَت من كل جهة. قال أَبو عَدْنان: كلُّ شيء في الأَرض إذا احتاجَ إلى
شيء فقد دَعا به. ويقال للرجل إذا أَخْلَقَت ثيابُه: قد دعَتْ ثِيابُكَ
أَي احْتَجْتَ إلى أَن تَلْبَسَ غيرها من الثياب. وقال الأَخفش: يقال لو
دُعينا إلى أَمر لانْدَعَينا مثل قولك بَعَثْتُه فانْبَعَثَ، وروى
الجوهريّ هذا الحرف عن الأَخفش، قال: سمعت من العرب من يقول لو دَعَوْنا
لانْدَعَيْنا أَي لأَجَبْنا كما تقول لو بَعَثُونا لانْبَعَثْنا؛ حكاها عنه
أَبو بكر ابن السَّرَّاج. والتَّداعي: التَّحاجِي. وداعاهُ: حاجاهُ
وفاطَنَه.
والأُدْعِيَّةُ والأُدْعُوّةُ: ما يَتَداعَوْنَ به. سيبويه: صَحَّت
الواو في أُدْعُوّة لأَنه ليس هناك ما يَقْلِبُها، ومن قال أُدْعِيَّة
فلخِفَّةِ الياء على حَدِّ مَسْنِيَّة، والأُدْعِيَّة مِثْل الأُحْجِيَّة.
والمُداعاة: المُحاجاة. يقال: بينهم أُدْعِيَّة يَتَداعَوْنَ بها
وأُحْجِيَّة يَتَحاجَوْنَ بها، وهي الأُلْقِيَّة أَيضاً، وهي مِثْلُ الأُغْلُوطات
حتى الأَلْغازُ من الشعر أُدْعِيَّة مثل قول الشاعر:
أُداعِيكَ ما مُسْتَحْقَباتٌ مع السُّرَى
حِسانٌ، وما آثارُها بحِسانِ
أَي أُحاجِيكَ، وأَراد بالمُسْتَحْقَباتِ السُّيوفَ، وقد دَاعَيْتُه
أُدَاعِيهِ؛ وقال آخر يصف القَلَم:
حاجَيْتُك يا خَنْسا
ءُ، في جِنْسٍ من الشِّعْرِ
وفيما طُولُه شِبْرٌ،
وقد يُوفِي على الشِّبْرِ
له في رَأْسِهِ شَقٌّ
نَطُوفٌ، ماؤُه يَجْرِي
أَبِيِني، لَمْ أَقُلْ هُجْراً
ورَبِّ البَيْتِ والحِجْرِ