من (ب ع د) مثنى بُعْد بمعنى استاع المدي، والهلاك.
من (ب ع د) مثنى بُعْد بمعنى استاع المدي، والهلاك.
بعد: البُعْدُ: خلاف القُرْب.
بَعُد الرجل، بالضم، وبَعِد، بالكسر، بُعْداً وبَعَداً، فهو بعيد
وبُعادٌ؛ هم سيبويه، أَي تباعد، وجمعهما بُعَداءُ، وافق الذين يقولون فَعيل
الذين يقولون فُعال لأَنهما أُختان، وقد قيل بُعُدٌ؛ وينشد قول النابغة:
فتِلْكَ تُبْلِغُني النُّعْمانَ أَنَّ له
فَضْلاً على الناسِ، في الأَدْنى وفي البُعُدِ
وفي الصحاح: وفي البَعَد، بالتحريك، جمع باعِدٍ مثل خادم وخَدَم،
وأَبْعده غيره وباعَدَه وبَعَّده تبعيداً؛ وقول امرئ القيس:
قَعَدْتُ له وصُحْبَتي بَيْنَ ضارِجٍ،
وبَيْنَ العُذَيْبِ بُعْدَ ما مُتَأَمَّلِ
إِنما أَراد: يا بُعْدَ مُتَأَمَّل، يتأَسف بذلك؛ ومثله قول أَبي
العيال:....... رَزيَّةَ قَوْمِهِ
لم يأْخُذوا ثَمَناً ولم يَهَبُوا
(* قوله «رزية قومه إلخ» كذا في نسخة المؤلف بحذف أول البيت).
أَراد: يا رزية قومه، ثم فسر الرزية ما هي فقال: لم يأْخذوا ثمناً ولم
يهبوا. وقيل: أَرادَ بَعُدَ مُتَأَمَّلي. وقوله عز وجل، في سورة السجدة:
أُولئك يُنادَوْنَ من مكان بعيد؛ قال ابن عباس: سأَلوا الردّ حين لا ردّ؛
وقيل: من مكان بعيد، من الآخرة إِلى الدنيا؛ وقال مجاهد: أَراد من مكان
بعيد من قلوبهم يبعد عنها ما يتلى عليهم لأَنهم إِذا لم يعوا فَهُمْ
بمنزلة من كان في غاية البعد، وقوله تعالى: ويقذفون بالغيب من مكان بعيد؛ قال
قولهم: ساحر كاهن شاعر. وتقول: هذه القرية بعيد وهذه القرية قريب لا يراد
به النعت ولكن يراد بهما الاسم، والدليل على أَنهما اسمان قولك: قريبُه
قريبٌ وبَعيدُه بَعيدٌ؛ قال الفراءُ: العرب إِذا قالت دارك منا بعيدٌ أَو
قريب، أَو قالوا فلانة منا قريب أَو بعيد، ذكَّروا القريب والبعيد لأَن
المعنى هي في مكان قريب أَو بعيد، فجعل القريب والبعيد خلفاً من المكان؛
قال الله عز وجل: وما هي من الظالمين ببعيد؛ وقال: وما يدريك لعل الساعة
تكون قريباً؛ وقال: إن رحمة الله قريب من المحسنين؛ قال: ولو أُنثتا
وثنيتا على بعدت منك فهي بعيدة وقربت فهي قريبة كان صواباً. قال: ومن قال
قريب وبعيد وذكَّرهما لم يثنّ قريباً وبعيداً، فقال: هما منك قريب وهما منك
بعيد؛ قال: ومن أَنثهما فقال هي منك قريبة وبعيدة ثنى وجمع فقال قريبات
وبعيدات؛ وأَنشد:
عَشِيَّةَ لا عَفْراءُ منكَ قَريبةٌ
فَتَدْنو، ولا عَفْراءُ مِنكَ بَعيدٌ
وما أَنت منا ببعيد، وما أَنتم منا ببعيد، يستوي فيه الواحد والجمع؛
وكذلك ما أَنت منا بِبَعَدٍ وما أَنتم منا بِبَعَدٍ أَي بعيد. قال: وإِذا
أَردت بالقريب والبعيد قرابة النسب أَنثت لا غير، لم تختلف العرب فيها.
وقال الزجاج في قول الله عز وجل: إِن رحمة الله قريب من المحسنين؛ إِنما قيل
قريب لأَن الرحمة والغفران والعفو في معنى واحد، وكذلك كل تأْنيث ليس
بحقيقي؛ قال وقال الأَخفش: جائز أَن تكون الرحمة ههنا بمعنى المطر؛ قال
وقال بعضهم: يعني الفراءُ هذا ذُكِّرَ ليفصل بين القريب من القُرب والقَريب
من القرابة؛ قال: وهذا غلط، كلُّ ما قَرُب في مكان أَو نَسَبٍ فهو جارٍ
على ما يصيبه من التذكير والتأْنيث؛ وبيننا بُعْدَةٌ من الأَرض والقرابة؛
قال الأَعشى:
بأَنْ لا تُبَغِّ الوُدَّ منْ مُتَباعِدٍ،
ولا تَنْأَ منْ ذِي بُعْدَةٍ إِنْ تَقَرَّبا
وفي الدعاءِ: بُعْداً له نصبوه على إِضمار الفعل غير المستعمل إِظهاره
أَي أَبعده الله. وبُعْدٌ باعد: على المبالغة وإِن دعوت به فالمختار
النصب؛ وقوله:
مَدّاً بأَعْناقِ المَطِيِّ مَدَّا،
حتى تُوافي المَوْسِمَ الأَبْعَدَّا
فإِنه أَراد الأَبعد فوقف فشدّد، ثم أَجراه في الوصل مجراه في الوقف،
وهو مما يجوز في الشعر؛ كقوله:
ضَخْماً يحبُّ الخُلُقَ الأَضْخَمَّا
وقال الليث: يقال هو أَبْعَد وأَبْعَدُونَ وأَقرب وأَقربون وأَباعد
وأَقارب؛ وأَنشد:
منَ الناسِ مَنْ يَغْشى الأَباعِدَ نَفْعُه،
ويشْقى به، حتى المَماتِ، أَقارِبُهْ
فإِنْ يَكُ خَيراً، فالبَعيدُ يَنالُهُ،
وإِنْ يَكُ شَرّاً، فابنُ عَمِّكَ صاحِبُهْ
والبُعْدانُ، جمع بعيد، مثل رغيف ورغفان. ويقال: فلان من قُرْبانِ
الأَمير ومن بُعْدانِه؛ قال أَبو زيد: يقال للرجل إِذا لم تكن من قُرْبان
الأَمير فكن من بُعْدانِه؛ يقول: إِذا لم تكن ممن يقترب منه فتَباعَدْ عنه لا
يصيبك شره. وفي حديث مهاجري الحبشة: وجئنا إِلى أَرض البُعَداءِ؛ قال
ابن الأَثير: هم الأَجانب الذين لا قرابة بيننا وبينهم، واحدهم بعيد. وقال
النضر في قولهم هلك الأَبْعَد قال: يعني صاحبَهُ، وهكذا يقال إِذا كنى عن
اسمه. ويقال للمرأَة: هلكت البُعْدى؛ قال الأَزهري: هذا مثل قولهم فلا
مَرْحباً بالآخر إِذا كنى عن صاحبه وهو يذُمُّه. وقال: أَبعد الله الآخر،
قال: ولا يقال للأُنثى منه شيء. وقولهم: كبَّ الله الأَبْعَدَ لِفيه أَي
أَلقاه لوجهه؛ والأَبْعَدُ: الخائنُ. والأَباعد: خلاف الأَقارب؛ وهو غير
بَعِيدٍ منك وغير بَعَدٍ.
وباعده مُباعَدَة وبِعاداً وباعدالله ما بينهما وبَعَّد؛ ويُقرأُ:
ربَّنا باعِدْ بين أَسفارِنا، وبَعِّدْ؛ قال الطرمَّاح:
تُباعِدُ مِنَّا مَن نُحِبُّ اجْتِماعَهُ،
وتَجْمَعُ مِنَّا بين أَهل الضَّغائِنِ
ورجل مِبْعَدٌ: بعيد الأَسفار؛ قال كثَّير عزة:
مُناقِلَةً عُرْضَ الفَيافي شِمِلَّةً،
مَطِيَّةَ قَذَّافٍ على الهَوْلِ مِبْعَدِ
وقال الفراءُ في قوله عز وجل، مخبراً عن قوم سبا: ربنا باعد بين
أَسفارنا؛ قال: قرأَه العوام باعد، ويقرأُ على الخبر: ربُّنا باعَدَ بين
أَسفارنا، وبَعَّدَ. وبَعِّدْ جزم؛ وقرئَ: ربَّنا بَعُدَ بَيْنَ أَسفارنا،
وبَيْنَ أَسفارنا؛ قال الزجاج: من قرأَ باعِدْ وبَعِّدْ فمعناهما واحد، وهو
على جهة المسأَلة ويكون المعنى أَنهم سئموا الراحة وبطروا النعمة، كما قال
قوم موسى: ادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأَرض (الآية)؛ ومن قرأَ:
بَعُدَ بينُ أَسفارنا؛ فالمعنى ما يتَّصِلُ بسفرنا؛ ومن قرأَ بالنصب: بَعُدَ
بينَ أَسفارنا؛ فالمعنى بَعُدَ ما بَيْنَ أَسفارنا وبَعُدَ سيرنا بين
أَسفارنا؛ قال الأَزهري: قرأَ أَبو عمرو وابن كثير: بَعَّد، بغير أَلف،
وقرأَ يعقوب الحضرمي: ربُّنا باعَدَ، بالنصب على الخبر، وقرأَ نافع وعاصم
والكسائي وحمزة: باعِدْ، بالأَلف، على الدعاءِ؛ قال سيبويه: وقالوا بُعْدَك
يُحَذِّرُهُ شيئاً من خَلْفه.
وبَعِدَ بَعَداً وبَعُد: هلك أَو اغترب، فهو باعد.
والبُعْد: الهلاك؛ قال تعالى: أَلا بُعْداً لمدين كما بَعِدَت ثمود؛
وقال مالك
بن الريب المازني:
يَقولونَ لا تَبْعُدْ، وَهُمْ يَدْفِنونَني،
وأَينَ مكانُ البُعْدِ إِلا مكانِيا؟
وهو من البُعْدِ. وقرأَ الكسائي والناس: كما بَعِدَت، وكان أَبو عبد
الرحمن السُّلمي يقرؤها بَعُدَت، يجعل الهلاك والبُعْدَ سواء وهما قريبان من
السواء، إِلا أَن العرب بعضهم يقول بَعُدَ وبعضهم يقول بَعِدَ مثل
سَحُقَ وسَحِقَ؛ ومن الناس من يقول بَعُد في المكان وبَعِدَ في الهلاك، وقال
يونس: العرب تقول بَعِدَ الرجل وبَعُدَ إِذا تباعد في غير سبّ؛ ويقال في
السب: بَعِدَ وسَحِقَ لا غير.
والبِعاد: المباعدة؛ قال ابن شميل: راود رجل من العرب أَعرابية فأَبت
إِلا أَن يجعل لها شيئاً، فجعل لها درهمين فلما خالطها جعلت تقول: غَمْزاً
ودِرْهماكَ لَكَ، فإِن لم تَغْمِزْ فَبُعْدٌ لكَ؛ رفعت البعد، يضرب مثلاً
للرجل تراه يعمل العمل الشديد. والبُعْدُ والبِعادُ: اللعن، منه أَيضاً.
وأَبْعَدَه الله: نَحَّاه عن الخير وأَبعده. تقول: أَبعده الله أَي لا
يُرْثَى له فيما يَزِلُّ به، وكذلك بُعْداً له وسُحْقاً ونَصَبَ بُعْداً
على المصدر ولم يجعله اسماً. وتميم ترفع فتقول: بُعْدٌ له وسُحْقٌ،
كقولك: غلامٌ له وفرسٌ. وفي حديث شهادة الأَعضاء يوم القيامة فيقول: بُعْداً
لكَ وسُحقاً أَي هلاكاً؛ ويجوز أَن يكون من البُعْد ضد القرب. وفي الحديث:
أَن رجلاً جاء فقال إِن الأَبْعَدَ قد زَنَى، معناه المتباعد عن الخير
والعصمة.
وجَلَسْتُ بَعيدَةً منك وبعيداً منك؛ يعني مكاناً بعيداً؛ وربما قالوا:
هي بَعِيدٌ منك أَي مكانها؛ وفي التنزيل: وما هي من الظالمين ببعيد.
وأَما بَعيدَةُ العهد، فبالهاء؛ ومَنْزل بَعَدٌ بَعيِدٌ.
وتَنَحَّ غيرَ بَعِيد أَي كن قريباً، وغيرَ باعدٍ أَي صاغرٍ. يقال:
انْطَلِقْ يا فلانُ غيرُ باعِدٍ أَي لا ذهبت؛ الكسائي: تَنَحَّ غيرَ باعِدٍ
أَي غير صاغرٍ؛ وقول النابغة الذبياني:
فَضْلاَ على الناسِ في الأَدْنَى وفي البُعُدِ
قال أَبو نصر: في القريب والبعيد؛ ورواه ابن الأَعرابي: في الأَدنى وفي
البُعُد، قال: بعيد وبُعُد. والبَعَد، بالتحريك: جمع باعد مثل خادم
وخَدَم. ويقال: إِنه لغير أَبْعَدَ إِذا ذمَّه أَي لا خير فيه، ولا له بُعْدٌ:
مَذْهَبٌ؛ وقول صخر الغيّ:
المُوعِدِينا في أَن نُقَتِّلَهُمْ،
أَفْنَاءَ فَهْمٍ، وبَيْنَنا بُعَدُ
أَ أَنَّ أَفناء فهم ضروب منهم. بُعَد جَمع بُعْدةٍ. وقال الأَصمعي:
أَتانا فلان من بُعْدةٍ أَي من أَرض بَعيدة. ويقال: إِنه لذو بُعْدة أَي لذو
رأْي وحزم. يقال ذلك للرجل إِذا كان نافذ الرأْي ذا غَوْر وذا بُعْدِ
رأْي.
وما عنده أَبْعَدُ أَي طائل؛ قال رجل لابنه: إِن غدوتَ على المِرْبَدِ
رَبِحْتَ عنا أَو رجعت بغير أَبْعَدَ أَي بغير منفعة.
وذو البُعْدة: الذي يُبْعِد في المُعاداة؛ وأَنشد ابن الأَعرابي لرؤبة:
يَكْفِيكَ عِنْدَ الشِّدَّةِ اليَبِيسَا،
ويَعْتَلِي ذَا البُعْدَةِ النُّحُوسا
وبَعْدُ: ضدّ قبل، يبنى مفرداً ويعرب مضافاً؛ قال الليث: بعد كلمة دالة
على الشيء الأَخير، تقول: هذا بَعْدَ هذا، منصوب. وحكى سيبويه أَنهم
يقولون من بَعْدٍ فينكرونه، وافعل هذا بَعْداً. قال الجوهري: بعد نقيض قبل،
وهما اسمان يكونان ظرفين إِذا أُضيفا، وأَصلهما الإِضافة، فمتى حذفت
المضاف إِليه لعلم المخاطب بَنَيْتَهما على الضم ليعلم أَنه مبني إِذ كان الضم
لا يدخلهما إِعراباً، لأَنهما لا يصلح وقوعهما موقع الفاعل ولا موقع
المبتدإِ ولا الخبر؛ وقوله تعالى: لله الأَمر من قبلُ ومن بعدُ أَي من قبل
الأَشياء وبعدها؛ أَصلهما هنا الخفض ولكن بنيا على الضم لأَنهما غايتان،
فإِذا لم يكونا غاية فهما نصب لأَنهما صفة؛ ومعنى غاية أَي أَن الكلمة
حذفت منها الإِضافة وجعلت غاية الكلمة ما بقي بعد الحذف، وإِنما بنيتا على
الضم لأَن إِعرابهما في الإضافة النصب والخفض، تقول رأَيته قبلك ومن قبلك،
ولا يرفعان لأَنهما لا يحدَّث عنهما، استعملا ظرفين فلما عدلا عن بابهما
حركا بغير الحركتين اللتين كانتا له يدخلان بحق الإِعراب، فأَما وجوبُ
بنائهما وذهاب إِعرابهما فلأَنهما عرَّفا من غير جهة التعريف، لأَنه حذف
منهما ما أُضيفتا إِليه، والمعنى: لله الأَمر من قبل أَن تغلب الروم ومن
بعد ما غلبت. وحكى الأَزهري عن الفراء قال: القراءة بالرفع بلا نون
لأَنهما في المعنى تراد بهما الإِضافة إِلى شيء لا محالة، فلما أَدَّتا غير
معنى ما أُضيفتا إِليه وُسِمَتا بالرفع وهما في موضع جر، ليكون الرفع دليلاً
على ما سقط، وكذلك ما أَشبههما؛ كقوله:
إِنْ يَأْتِ مِنْ تَحْتُ أَجِيْهِ من عَلُ
وقال الآخر:
إِذا أَنا لم أُومَنْ عَلَيْكَ، ولم يكنْ
لِقَاؤُك الاّ من وَرَاءُ ورَاءُ
فَرَفَعَ إِذ جعله غاية ولم يذكر بعده الذي أُضيف إِليه؛ قال الفراء:
وإِن نويت أَن تظهر ما أُضيف إِليه وأَظهرته فقلت: لله الأَمر من قبلِ ومن
بعدِ، جاز كأَنك أَظهرت المخفوض الذي أَضفت إِليه قبل وبعد؛ قال ابن
سيده: ويقرأُ لله الأَمر من قبلٍ ومن بعدٍ يجعلونهما نكرتين، المعنى: لله
الأَمر من تقدُّمٍ وتأَخُّرٍ، والأَوّل أَجود. وحكى الكسائي: لله الأَمر من
قبلِ ومن بعدِ، بالكسر بلا تنوين؛ قال الفراء: تركه على ما كان يكون عليه
في الإِضافة، واحتج بقول الأَوّل:
بَيْنَ ذِراعَيْ وَجَبْهَةِ الأَسَدِ
قال: وهذا ليس كذلك لأَن المعنى بين ذراعي الأَسد وجبهته، وقد ذكر أَحد
المضاف إِليهما، ولو كان: لله الأَمر من قبل ومن بعد كذا، لجاز على هذا
وكان المعنى من قبل كذا ومن بعد كذا؛ وقوله:
ونحن قتلنا الأُسْدَ أُسْدَ خَفِيَّةٍ،
فما شربوا بَعْدٌ على لَذَّةٍ خَمْرا
إِنما أَراد بعدُ فنوّن ضرورة؛ ورواه بعضهم بعدُ على احتمال الكف؛ قال
اللحياني وقال بعضهم: ما هو بالذي لا بُعْدَ له، وما هو بالذي لا قبل له،
قال أَبو حاتم: وقالوا قبل وبعد من الأَضداد، وقال في قوله عز وجل:
والأَرض بعد ذلك دحاها، أَي قبل ذلك. قال الأَزهري: والذي قاله أَبو حاتم عمن
قاله خطأٌ؛ قبلُ وبعدُ كل واحد منهما نقيض صاحبه فلا يكون أَحدهما بمعنى
الآخر، وهو كلام فاسد. وأَما قول الله عز وجل: والأَرض بعد ذلك دحاها؛
فإِن السائل يسأَل عنه فيقول: كيف قال بعد ذلك قوله تعالى: قل أَئنكم
لتكفرون بالذي خلق الأَرض في يومين؛ فلما فرغ من ذكر الأَرض وما خلق فيها قال:
ثم استوى إلى السماء، وثم لا يكون إِلا بعد الأَول الذي ذكر قبله، ولم
يختلف المفسرون أَن خلق الأَرض سبق خلق السماء، والجواب فيما سأَل عنه
السائل أَن الدَّحو غير الخلق، وإِنما هو البسط، والخلق هو إِلانشاءُ
الأَول، فالله عز وجل، خلق الأَرض أَولاً غير مدحوّة، ثم خلق السماء، ثم دحا
الأَرض أَي بسطها، قال: والآيات فيها متفقة ولا تناقض بحمد الله فيها عند
من يفهمها، وإِنما أَتى الملحد الطاعن فيما شاكلها من الآيات من جهة
غباوته وغلظ فهمه وقلة علمه بكلام العرب.
وقولهم في الخطابة: أَما بعدُ؛ إِنما يريدون أَما بعد دعائي لك، فإِذا
قلت أَما بعدَ فإِنك لا تضيفه إِلى شيء ولكنك تجعله غاية نقيضاً لقبل؛ وفي
حديث زيد بن أَرقم: أَن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، خطبهم فقال:
أَما بعدُ؛ تقدير الكلام: أَما بعدُ حمد الله فكذا وكذا. وزعموا أَن داود،
عليه السلام، أَول من قالها؛ ويقال: هي فصل الخطاب ولذلك قال جل وعز:
وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب؛ وزعم ثعلب أَن أَول من قالها كعب بن لؤي.
أَبو عبيد: يقال لقيته بُعَيْداتِ بَيْنٍ إِذا لقيته بعد حين؛ وقيل:
بُعَيْداتِ بَيْنٍ أَي بُعَيد فراق، وذلك إِذا كان الرجل يمسك عن إِتيان
صاحبه الزمانَ، ثم يأْتيه ثم يمسك عنه نحوَ ذلك أَيضاً، ثم يأْتيه؛ قال: وهو
من ظروف الزمان التي لا تتمكن ولا تستعمل إلا ظرفاً؛ وأَنشد شمر:
وأَشْعَثَ مُنْقَدّ القيمصِ، دعَوْتُه
بُعَيْداتِ بَيْنٍ، لا هِدانٍ ولا نِكْسِ
ويقال: إِنها لتضحك بُعَيْداتِ بَيْنٍ أَي بين المرَّة ثم المرة في
الحين.
وفي حديث النبي، صلى الله عليه وسلم: أَنه كان إِذا أَراد البراز أَبعد،
وفي آخر: يَتَبَعَّدُ؛ وفي آخر: أَنه، صلى الله عليه وسلم، كان يُبْعِدُ
في المذهب أَي الذهاب عند قضاء حاجته؛ معناه إِمعانه في ذهابه إِلى
الخلاء. وأَبعد فلان في الأَرض إِذا أَمعن فيها. وفي حديث قتل أَبي جهل: هَلْ
أَبْعَدُ من رجل قتلتموه؟ قال ابن الأَثير: كذا جاء في سنن أَبي داود
معناها أَنهى وأَبلغ، لأَن الشيء المتناهي في نوعه يقال قد أَبعد فيه، وهذا
أَمر بعيد لا يقع مثله لعظمه، والمعنى: أَنك استعظمت شأْني واستبعدت
قتلي فهل هو أَبعد من رجل قتله قومه؛ قال: والروايات الصحيحة أَعمد،
بالميم.
ثني: ثَنَى الشيءَ ثَنْياً: ردَّ بعضه على بعض، وقد تَثَنَّى وانْثَنَى.
وأَثْناؤُه ومَثانِيه: قُواه وطاقاته، واحدها ثِنْي ومَثْناة ومِثْناة؛
عن ثعلب. وأَثْناء الحَيَّة: مَطاوِيها إِذا تَحَوَّتْ. وثِنْي الحيّة:
انْثناؤُها، وهو أَيضاً ما تَعَوَّج منها إِذا تثنت، والجمع أَثْناء؛
واستعارة غيلان الرَّبَعِي لليل فقال:
حتى إِذا شَقَّ بَهِيمَ الظَّلْماءْ،
وساقَ لَيْلاً مُرْجَحِنَّ الأَثْناءْ
وهو على القول الآخر اسم. وفي صفة سيدنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم:
ليسَ بالطويل المُتَثَنّي؛ هو الذاهب طولاً، وأَكثر ما يستعمل في طويل
لا عَرْض له. وأَثْناء الوادِي: مَعاطِفُه وأَجْراعُه. والثِّنْي من
الوادي والجبل: مُنْقَطَعُه. ومَثاني الوادي ومَحانِيهِ: مَعاطِفُه. وتَثَنَّى
في مِشيته. والثِّنْي: واحد أَثْناء الشيء أَي تضاعيفه؛ تقول: أَنفذت
كذا ثِنْيَ كتابي أَي في طَيّه. وفي حديث عائشة تصف أَباها، رضي الله
عنهما: فأَخذ بطَرَفَيْه ورَبَّقَ لكُمْ أَثْناءَه أَي ما انْثَنَى منه،
واحدها ثِنْيٌ، وهي معاطف الثوب وتضاعيفه. وفي حديث أَبي هريرة: كان يَثْنِيه
عليه أَثْناءً من سَعَتِه، يعني ثوبه. وثَنَيْت الشيء ثَنْياً: عطفته.
وثَناه أَي كَفَّه. ويقال: جاء ثانياً من عِنانه. وثَنَيْته أَيضاً:
صَرَفته عن حاجته، وكذلك إِذا صرت له ثانياً. وثَنَّيْته تَثْنِية أَي جعلته
اثنين. وأَثْناءُ الوِشاح: ما انْثنَى منه؛ ومنه قوله:
تَعَرُّض أَثْناء الوِشاح المُفَصَّل
(* البيت لامرئ القيس من معلقته).
وقوله:
فإِن عُدَّ من مَجْدٍ قديمٍ لِمَعْشَر،
فَقَوْمي بهم تُثْنَى هُناك الأَصابع
يعني أَنهم الخيار المعدودون؛ عن ابن الأَعرابي، لأَن الخيار لا يكثرون.
وشاة ثانِيَةٌ بَيِّنة الثِّنْي: تَثْني عنقها لغير علة. وثَنَى رجله عن
دابته: ضمها إِلى فخذه فنزل، ويقال للرجل إِذا نزل عن دابته. الليث:
إِذا أَراد الرجل وجهاً فصرفته عن وجهه قلت ثَنَيْته ثَنْياً. ويقال: فلان
لا يُثْنى عن قِرْنِه ولا عن وجْهه، قال: وإِذا فعل الرجل أَمراً ثم ضم
إِليه أَمراً آخر قيل ثَنَّى بالأَمر الثاني يُثَنِّي تَثْنِية. وفي حديث
الدعاء: من قال عقيب الصلاة وهو ثانٍ رِجْلَه أَي عاطفٌ رجله في التشهد
قبل أَن ينهَض. وفي حديث آخر: من قال قبل أَن يَثْنيَ رِجْلَه؛ قال ابن
الأَثير: وهذا ضد الأَول في اللفظ ومثله في المعنى، لأَنه أَراد قبل أَن
يصرف رجله عن حالتها التي هي عليها في التشهد. وفي التنزيل العزيز: أَلا
إِنهم يَثْنُون صُدورَهم؛ قال الفراء: نزلت في بعض من كان يلقى النبي، صلى
الله عليه وسلم، بما يحب ويَنْطَوِي له على العداوة والبُغْض، فذلك
الثَّنْيُ الإِخْفاءُ؛ وقال الزجاج: يَثْنُون صدورهم أَي يسرّون عداوة النبي،
صلى الله عليه وسلم؛ وقال غيره: يَثْنُون صدورهم يُجِنُّون ويَطْوُون ما
فيها ويسترونه استخفاء من الله بذلك. وروي عن ابن عباس أَنه قرأَ: أَلا
إِنَّهم تَثْنَوْني صدورهم، قال: وهو في العربية تَنْثَني، وهو من الفِعل
افعَوْعَلْت. قال أَبو منصور: وأَصله من ثَنَيت الشيء إِذا حَنَيْته
وعَطَفته وطويته. وانْثَنى أَي انْعطف، وكذلك اثْنَوْنَى على افْعَوْعَل.
واثْنَوْنَى صدره على البغضاء أَي انحنى وانطوى. وكل شيء عطفته فقد ثنيته.
قال: وسمعت أَعرابيّاً يقول لراعي إِبل أَوردها الماءَ جملة فناداه: أَلا
واثْنِ وُجوهَها عن الماء ثم أَرْسِل مِنْها رِسْلاً رِسْلاً أَي قطيعاً،
وأَراد بقوله اثْنِ وُجوهها أَي اصرف وجوهها عن الماء كيلا تزدحم على
الحوض فتهدمه. ويقال للفارس إِذا ثَنَى عنق دابته عند شدَّة حُضْرِه: جاء
ثانيَ العِنان. ويقال للفرس نفسه: جاء سابقاً ثانياً إِذا جاء وقد ثَنَى
عنقه نَشاطاً لأَنه إِذا أَعيا مدّ عنقه، وإِذا لم يجئ ولم يَجْهَد وجاء
سيرُه عَفْواً غير مجهود ثَنى عنقه؛ ومنه قوله:
ومَن يَفْخَرْ بمثل أَبي وجَدِّي،
يَجِئْ قبل السوابق، وهْو ثاني
أَي يجئ كالفرس السابق الذي قد ثَنى عنقه، ويجوز أَن يجعله كالفارس
الذي سبق فرسُه الخيل وهو مع ذلك قد ثَنى من عنقه.
والاثْنان: ضعف الواحد. فأَما قوله تعالى: وقال الله لا تتخذوا إِلَهين
اثنَين، فمن التطوّع المُشامِ للتوكيد، وذلك أَنه قد غَنِيَ بقوله
إِلَهَيْن عن اثنين، وإِنما فائدته التوكيد والتشديد؛ ونظيره قوله تعالى:
ومَنَاة الثالثةَ الأُخرى؛ أَكد بقولة الأُخرى، وقوله تعالى: فإِذا نُفخ في
الصور نفخةٌ واحدةٌ، فقد علم بقوله نفخة أَنها واحدة فأَكد بقوله واحدة،
والمؤنث الثِّنْتان، تاؤه مبدلة من ياء، ويدل على أَنه من الياء أَنه من
ثنيت لأَن الاثنين قد ثني أَحدهما إِلى صاحبه، وأَصله ثَنَيٌ، يدلّك على
ذلك جمعهم إِياه على أَثْناء بمنزلة أَبناء وآخاءٍ، فنقلوه من فَعَلٍ إِلى
فِعْلٍ كما فعلوا ذلك في بنت، وليس في الكلام تاء مبدلة من الياء في غير
افتعل إِلا ما حكاه سيبويه من قولهم أَسْنَتُوا، وما حكاه أَبو علي من
قولهم ثِنْتان، وقوله تعالى: فإِن كانتا اثْنَتين فلهما الثلثان؛ إِنما
الفائدة في قوله اثنتين بعد قوله كانتا تجردهما من معنى الصغر والكبر، وإِلا
فقد علم أَن الأَلف في كانتا وغيرها من الأَفعال علامة التثنية. ويقال:
فلان ثاني اثْنَين أَي هو أَحدهما، مضاف، ولا يقال هو ثانٍ اثْنَين،
بالتنوين، وقد تقدم مشبعاً في ترجمة ثلث. وقولهم: هذا ثاني اثْنَين أَي هو
أَحد اثنين، وكذلك ثالثُ ثلاثةٍ مضاف إِلى العشرة، ولا يُنَوَّن، فإِن
اختلفا فأَنت بالخيار، إِن شئت أَضفت، وإِن شئت نوّنت وقلت هذا ثاني واحد
وثانٍ واحداً، المعنى هذا ثَنَّى واحداً، وكذلك ثالثُ اثنين وثالثٌ اثنين،
والعدد منصوب ما بين أَحد عشر إِلى تسعة عشر في الرفع والنصب والخفض إِلا
اثني عشر فإِنك تعربه على هجاءين. قال ابن بري عند قول الجوهري والعدد
منصوب ما بين أَحد عشر إِلى تسعة عشر، قال: صوابه أَن يقول والعدد مفتوح،
قال: وتقول للمؤنث اثنتان، وإِن شئت ثنتان لأَن الأَلف إِنما اجتلبت لسكون
الثاء فلما تحركت سقطت. ولو سمي رجل باثْنين أَو باثْنَي عشر لقلت في
النسبة إِليه ثَنَوِيٌّ في قول من قال في ابْنٍ بَنَوِيٌّ، واثْنِيٌّ في
قول من قال ابْنِيٌّ؛ وأَما قول الشاعر:
كأَنَّ خُصْيَيْه مِنَ التَّدَلْدُلِ
ظَرْفُ عجوزٍ فيه ثِنْتا حَنْظَلِ
أَراد أَن يقول: فيه حنظلتان، فأَخرج الاثنين مخرج سائر الأَعداد
للضرورة وأَضافه إِلى ما بعده، وأَراد ثنتان من حنظل كما يقال ثلاثة دراهم
وأَربعة دراهم، وكان حقه في الأَصل أَن يقول اثنا دراهم واثنتا نسوة، إِلاَّ
أَنهم اقتصروا بقولهم درهمان وامرأَتان عن إِضافتهما إِلى ما بعدهما.
وروى شمر بإِسناد له يبلغ عوف بن مالك أَنه سأَل النبي، صلى الله عليه وسلم،
عن الإِمارة فقال: أَوَّلها مَلامة وثِناؤُها نَدامة وثِلاثُها عذابٌ
يومَ القيامة إِلاَّ مَنْ عَدَل؛ قال شمر: ثِناؤها أَي ثانيها، وثِلاثها
أَي ثالثها. قال: وأَما ثُناءُ وثُلاثُ فمصروفان عن ثلاثة ثلاثة واثنين
اثنين، وكذلك رُباعُ ومَثْنَى؛ وأَنشد:
ولقد قَتَلْتُكُمُ ثُناءَ ومَوْحَداً،
وتركتُ مُرَّةَ مثلَ أَمْسِ الدَّابِرِ
وقال آخر:
أُحاد ومَثْنَى أَضْعَفَتْها صَواهِلُه
الليث: اثنان اسمان لا يفردان قرينان، لا يقال لأَحدهما اثْنٌ كما أَن
الثلاثة أَسماء مقترنة لا تفرق، ويقال في التأْنيث اثْنَتان ولا يفردان،
والأَلف في اثنين أَلف وصل، وربما قالوا اثْنتان كما قالوا هي ابنة فلان
وهي بنته، والأَلف في الابنة أَلف وصل لا تظهر في اللفظ، والأَصل فيهما
ثَنَيٌ، والأَلف في اثنتين أَلف وصل أَيضاً، فإِذا كانت هذه الأَلف مقطوعة
في الشعر فهو شاذ كما قال قيس بن الخَطِيم:
إِذا جاوَزَ الإِثْنَيْن سِرٌّ، فإِنه
بِنثٍّ وتَكْثيرِ الوُشاةِ قَمِينُ
غيره: واثنان من عدد المذكر، واثنتان للمؤنث، وفي المؤَنث لغة أُخرى
ثنتان بحذف الأَلف، ولو جاز أَن يفرد لكان واحده اثن مثل ابن وابنة وأَلفه
أَلف وصل، وقد قطعها الشاعر على التوهم فقال:
أَلا لا أَرى إِثْنَيْنِ أَحْسنَ شِيمةً،
على حدثانِ الدهرِ، مني ومنْ جُمْل
والثَّنْي: ضَمُّ واحد إِلى واحد، والثِّنْيُ الاسم، ويقال: ثِنْيُ
الثوب لما كُفَّ من أَطرافه، وأَصل الثَّنْي الكَفّ. وثَنَّى الشيءَ: جعله
اثنين، واثَّنَى افتعل منه، أَصله اثْتنَى فقلبت الثاء تاء لأَن التاء آخت
الثاء في الهمس ثم أُدغمت فيها؛ قال:
بَدا بِأَبي ثم اتَّنى بأَبي أَبي،
وثَلَّثَ بالأَدْنَيْنَ ثَقْف المَحالب
(* قوله «ثقف المحالب» هو هكذا بالأصل).
هذا هو المشهور في الاستعمال والقويّ في القياس، ومنهم من يقلب تاء
افتعل ثاء فيجعلها من لفظ الفاء قبلها فيقول اثَّنى واثَّرَدَ واثَّأَرَ، كما
قال بعضهم في ادَّكر اذَّكر وفي اصْطَلحوا اصَّلحوا. وهذا ثاني هذا أَي
الذي شفعه. ولا يقال ثَنَيْته إِلاَّ أَن أَبا زيد قال: هو واحد فاثْنِه
أَي كن له ثانياً. وحكى ابن الأَعرابي أَيضاً: فلان لا يَثْني ولا
يَثْلِثُ أَي هو رجل كبير فإِذا أَراد النُّهوض لم يقدر في مرة ولا مرتين ولا
في الثالثة. وشَرِبْتُ اثْنَا القَدَح وشرِبت اثْنَيْ هذا القَدَح أَي
اثنين مِثلَه، وكذلك شربت اثْنَيْ مُدِّ البصرة، واثنين بِمدّه البصرة.
وثَنَّيتُ الشيء: جعلته اثنين. وجاء القوم مَثْنى مَثْنى أَي اثنين اثنين.
وجاء القوم مَثْنى وثُلاثَ غير مصروفات لما تقدم في ث ل ث، وكذلك النسوة
وسائر الأَنواع، أَي اثنين اثنين وثنتين ثنتين. وفي حديث الصلاة صلاة
الليل: مَثْنى مَثْنى أَي ركعتان ركعتان بتشهد وتسليم، فهي ثُنائِِية لا
رُباعية. ومَثْنَى: معدول من اثنين اثنين؛ وقوله أَنشده ابن الأَعرابي:
فما حَلَبَتْ إِلاَّ الثَّلاثة والثُّنَى،
ولا قَيَّلَتْ إِلاَّ قريباً مَقالُها
قال: أَراد بالثلاثة الثلاثة من الآنية، وبالثُّنَى الاثنين؛ وقول كثير
عزة:
ذكرتَ عَطاياه، وليْستْ بحُجَّة
عليكَ، ولكن حُجَّةٌ لك فَاثْنِني
قيل في تفسيره: أَعطني مرة ثانية ولم أَره في غير هذا الشعر.
والاثْنانِ: من أَيام الأُسبوع لأَن الأَول عندهم الأَحد، والجمع
أَثْناء، وحكى مطرز عن ثعلب أَثانين، ويومُ الاثْنين لا يُثَنى ولا يجمع لأَنه
مثنّىً، فإِن أَحببت أَن تجمعه كأَنه صفة الواحد، وفي نسخة كأَن لَفْظَه
مبنيٌّ للواحد، قلت أَثانِين، قال ابن بري: أَثانين ليس بمسموع وإِنما هو
من قول الفراء وقِياسِه، قال: وهو بعيد في القياس؛ قال: والمسموع في جمع
الاثنين أَثناء على ما حكاه سيبويه، قال: وحكى السيرافي وغيره عن العرب
أن فلاناً ليصوم الأَثْناء وبعضهم يقول ليصوم الثُّنِيَّ على فُعول مثل
ثُدِيٍّ، وحكى سيبويه عن بعض العرب اليوم الثِّنَى، قال: وأَما قولهم
اليومُ الاثْنانِ، فإِنما هو اسم اليوم، وإِنما أَوقعته العرب على قولك
اليومُ يومان واليومُ خمسةَ عشرَ من الشهر، ولا يُثَنَّى، والذين قالوا
اثْنَيْ جعلوا به على الاثْن، وإِن لم يُتَكلم به، وهو بمنزلة الثلاثاء
والأربعاء يعني أَنه صار اسماً غالباً؛ قال اللحياني: وقد قالوا في الشعر يوم
اثنين بغير لام؛ وأَنشد لأَبي صخر الهذلي:
أَرائحٌ أَنت يومَ اثنينِ أَمْ غادي،
ولمْ تُسَلِّمْ على رَيْحانَةِ الوادي؟
قال: وكان أَبو زياد يقول مَضى الاثْنانِ بما فيه، فيوحِّد ويذكِّر،
وكذا يَفْعل في سائر أَيام الأُسبوع كلها، وكان يؤنِّث الجمعة، وكان أَبو
الجَرَّاح يقول: مضى السبت بما فيه، ومضى الأَحد بما فيه، ومضى الاثْنانِ
بما فيهما، ومضى الثلاثاء بما فيهن، ومضى الأربعاء بما فيهن، ومضى الخميس
بما فيهن، ومضت الجمعة بما فيها، كان يخرجها مُخْرج العدد؛ قال ابن جني:
اللام في الاثنين غير زائدة وإِن لم تكن الاثنان صفة؛ قال أَبو العباس:
إِنما أَجازوا دخول اللام عليه لأَن فيه تقدير الوصف، أَلا ترى أَن معناه
اليوم الثاني؟ وكذلك أَيضاً اللام في الأَحد والثلاثاء والأَربعاء ونحوها
لأَن تقديرها الواحد والثاني والثالث والرابع والخامس والجامع والسابت،
والسبت القطع، وقيل: إِنما سمي بذلك لأَن الله عز وجل خلق السموات
والأَرض في ستة أَيام أَولها الأَحد وآخرها الجمعة، فأَصبحت يوم السبت منسبتة
أَي قد تمت وانقطع العمل فيها، وقيل: سمي بذلك لأَن اليهود كانوا ينقطعون
فيه عن تصرفهم، ففي كلا القولين معنى الصفة موجود. وحكى ثعلب عن ابن
الأَعرابي: لا تكن اثْنَويّاً أَي ممن يصوم الاثنين وحده.
وقوله عز وجل: ولقد آتيناك سبعاً من المثاني والقرآن العظيم؛ المثاني من
القرآن: ما ثُنِّيَ مرة بعد مرة، وقيل: فاتحة الكتاب، وهي سبع آيات، قيل
لها مَثَانٍ لأَنها يُثْنى بها في كل ركعة من ركعات الصلاة وتعاد في كل
ركعة؛ قال أَبو الهيثم: سميت آيات الحمد مثاني، واحدتها مَثْناة، وهي سبع
آيات؛ وقال ثعلب: لأَنها تثنى مع كل سورة؛ قال الشاعر:
الحمد لله الذي عافاني،
وكلَّ خيرٍ صالحٍ أَعطاني،
رَبِّ مَثاني الآيِ والقرآن
وورد في الحديث في ذكر الفاتحة: هي السبع المثاني، وقيل: المثاني سُوَر
أَوَّلها البقرة وآخرها براءة، وقيل: ما كان دون المِئِين؛ قال ابن بري:
كأَن المِئِين جعلت مبادِيَ والتي تليها مَثاني، وقيل: هي القرآن كله؛
ويدل على ذلك قول حسان بن ثابت:
مَنْ للقَوافي بعدَ حَسَّانَ وابْنِه؟
ومَنْ للمثاني بعدَ زَيْدِ بنِ ثابتِ؟
قال: ويجوز أَن يكون، والله أَعلم، من المثاني مما أُثْني به على الله
تبارك وتقدَّس لأَن فيها حمد الله وتوحيدَه وذكر مُلْكه يومَ الدين،
المعنى؛ ولقد آتَيناك سبع آيات من جملة الآيات التي يُثْنَى بها على الله عز
وجل وآتيناك القرآن العظيم؛ وقال الفراء في قوله عز وجل: اللهُ نَزَّلَ
أَحسَن الحديث كتاباً مُتشابهاً مَثانيَ؛ أَي مكرراً أَي كُرِّرَ فيه
الثوابُ والعقابُ؛ وقال أَبو عبيد: المَثاني من كتاب الله ثلاثة أَشياء،
سَمَّى اللهُ عز وجل القرآن كله مثانيَ في قوله عز وجل: الله نزل أَحسن الحديث
كتاباً متشابهاً مَثاني؛ وسَمَّى فاتحةَ الكتاب مثاني في قوله عز وجل:
ولقد آتيناك سبعاً من المثاني والقرآن العظيم؛ قال: وسمي القرآن مَثاني
لأَن الأَنْباء والقِصَصَ ثُنِّيَتْ فيه، ويسمى جميع القرآن مَثانيَ أَيضاً
لاقتران آية الرحمة بآية العذاب. قال الأَزهري: قرأْت بخط شَمِرٍ قال
روى محمد بن طلحة بن مُصَرِّف عن أَصحاب عبد الله أَن المثاني ست وعشرون
سورة وهي: سورة الحج، والقصص، والنمل، والنور، والأَنفال، ومريم،
والعنكبوت، والروم، ويس، والفرقان، والحجر، والرعد، وسبأ، والملائكة، وإِبراهيم،
وص، ومحمد، ولقمان، والغُرَف، والمؤمن، والزُّخرف، والسجدة، والأَحقاف،
والجاثِيَة، والدخان، فهذه هي المثاني عند أَصحاب عبد الله، وهكذا وجدتها
في النسخ التي نقلت منها خمساً وعشرين، والظاهر أَن السادسة والعشرين هي
سورة الفاتحة، فإِما أَن أَسقطها النساخ وإِمّا أَن يكون غَنيَ عن ذكرها
بما قدَّمه من ذلك وإِما أَن يكون غير ذلك؛ وقال أَبو الهيثم: المَثاني
من سور القرآن كل سورة دون الطُّوَلِ ودون المِئِين وفوق المُفَصَّلِ؛
رُوِيَ ذلك عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ثم عن ابن مسعود وعثمان وابن
عباس، قال: والمفصل يلي المثاني، والمثاني ما دُونَ المِئِين، وإِنما قيل
لِمَا ولِيَ المِئِينَ من السُّوَر مثانٍ لأَن المئين كأَنها مَبادٍ
وهذه مثانٍ، وأَما قول عبد الله بن عمرو: من أَشراط الساعة أَن توضَعَ
الأَخْيار وتُرْفَعَ الأَشْرارُ وأَن يُقْرَأَ فيهم بالمَثناةِ على رؤوس
الناسِ ليس أَحَدٌ يُغَيّرُها، قيل: وما المَثْناة؟ قال: ما اسْتُكْتِبَ من
غير كتاب الله كأَنه جعل ما اسْتُكتب من كتاب الله مَبْدَأً وهذا مَثْنىً؛
قال أَبو عبيدة: سأَلتُ رجلاً من أَهل العِلم بالكُتُبِ الأُوَلِ قد
عرَفها وقرأَها عن المَثْناة فقال إِن الأَحْبار والرُّهْبان من بني إِسرائيل
من بعد موسى وضعوا كتاباً فيما بينهم على ما أَرادوا من غير كتاب الله
فهو المَثْناة؛ قال أَبو عبيد: وإِنما كره عبد الله الأَخْذَ عن أَهل
الكتاب، وقد كانت عنده كتب وقعت إِليه يوم اليَرْمُوكِ منهم، فأَظنه قال هذا
لمعرفته بما فيها، ولم يُرِدِ النَّهْيَ عن حديث رسول الله، صلى الله
عليه وسلم، وسُنَّتِه وكيف يَنْهَى عن ذلك وهو من أَكثر الصحابة حديثاً عنه؟
وفي الصحاح في تفسير المَثْناةِ قال: هي التي تُسَمَّى بالفارسية
دُوبَيْني، وهو الغِناءُ؛ قال: وأَبو عبيدة يذهب في تأْويله إِلى غير هذا.
والمَثاني من أَوْتارِ العُود: الذي بعد الأَوّل، واحدها مَثْنىً.
اللحياني: التَّثْنِيَةُ أَن يَفُوزَ قِدْحُ رجل منهم فيَنجُو ويَغْنَم
فيَطْلُبَ إِليهم أَن يُعِيدُوه على خِطارٍ، والأَول أَقْيَسُ
(* قوله
«والأول أقيس إلخ» أي من معاني المثناة في الحديث). وأَقْرَبُ إِلى
الاشتقاق، وقيل: هو ما اسْتُكْتِبَ من غير كتاب الله.
ومَثْنى الأَيادِي: أَن يُعِيدَ معروفَه مرتين أَو ثلاثاً، وقيل: هو أَن
يأْخذَ القِسْمَ مرةً بعد مرة، وقيل: هو الأَنْصِباءُ التي كانت
تُفْصَلُ من الجَزُور، وفي التهذيب: من جزور المَيْسِر، فكان الرجلُ الجَوادُ
يَشْرِيها فَيُطْعِمُها الأَبْرامَ، وهم الذين لا يَيْسِرون؛ هذا قول أَبي
عبيد: وقال أَبو عمرو: مَثْنَى الأَيادِي أَن يَأْخُذَ القِسْمَ مرة بعد
مرة؛ قال النابغة:
يُنْبِيك ذُو عِرْضِهمْ عَنِّي وعالِمُهُمْ،
وليس جاهلُ أَمْر مِثْلَ مَنْ عَلِمَا
إِني أُتَمِّمُ أَيْسارِي وأَمْنَحُهُمْ
مَثْنَى الأَيادِي، وأَكْسُو الجَفْنَة الأُدُما
والمَثْنَى: زِمامُ الناقة؛ قال الشاعر:
تُلاعِبُ مَثْنَى حَضْرَمِيٍّ، كأَنَّهُ
تَعَمُّجُ شَيْطانٍ بذِي خِرْوَعٍ قَفْرِ
والثِّنْيُ من النوق: التي وضعت بطنين، وثِنْيُها ولدها، وكذلك المرأَة،
ولا يقال ثِلْثٌ ولا فوقَ ذلك. وناقة ثِنْيٌ إِذا ولدت اثنين، وفي
التهذيب: إِذا ولدت بطنين، وقيل: إِذا ولدت بطناً واحداً، والأَول أَقيس،
وجمعها ثُناءٌ؛ عن سيبويه، جعله كظِئْرٍ وظُؤارٍ؛ واستعاره لبيد للمرأَة
فقال:لياليَ تحتَ الخِدْرِ ثِنْي مُصِيفَة
من الأُدْم، تَرْتادُ الشُّرُوج القَوابِلا
والجمع أَثْناء؛ قال:
قامَ إِلى حَمْراءَ مِنْ أَثْنائِها
قال أَبو رِياش: ولا يقال بعد هذا شيء مشتقّاً؛ التهذيب: وولدها الثاني
ثِنْيُها؛ قال أَبو منصور: والذي سمعته من العرب يقولون للناقة إِذا ولدت
أَول ولد تلده فهي بِكْر، وَوَلَدها أَيضاً بِكْرُها، فإِذا ولدت الولد
الثاني فهي ثِنْيٌ، وولدها الثاني ثِنْيها، قال: وهذا هو الصحيح. وقال في
شرح بيت لبيد: قال أَبو الهيثم المُصِيفة التي تلد ولداً وقد أَسنَّت،
والرجل كذلك مُصِيف وولده صَيْفِيّ، وأَرْبَعَ الرجلُ وولده رِبْعِيُّون.
والثَّواني: القُرون التي بعد الأَوائل.
والثِّنَى، بالكسر والقصر: الأَمر يعاد مرتين وأَن يفعل الشيءَ مرتين.
قال ابن بري: ويقال ثِنىً وثُنىً وطِوىً وطُوىً وقوم عِداً وعُداً ومكان
سِوىً وسُوىً. والثِّنَى في الصّدَقة: أَن تؤخذ في العام مرتين. ويروى عن
النبي، صلى الله عليه وسلم، أَنه قال: لا ثِنَى في الصدقة، مقصور، يعني
لا تؤخذ الصدقة في السنة مرتين؛ وقال الأَصمعي والكسائي، وأَنشد أَحدهما
لكعب بن زهير وكانت امرأَته لامته في بَكْرٍ نحره:
أَفي جَنْبِ بَكْرٍ قَطَّعَتْني مَلامَةً؟
لَعَمْري لَقَدْ كانَتْ مَلامَتُها ثِنَى
أَي ليس بأَوّل لومِها فقد فعلته قبل هذا، وهذا ثِنىً بعده، قال ابن
بري: ومثله قول عديّ بن زيد:
أَعاذِلُ، إِنَّ اللَّوْمَ، في غير كُنْهِهِ،
عَليَّ ثِنىً من غَيِّكِ المُتَرَدِّد
قال أَبو سعيد: لسنا ننكر أَن الثِّنَى إِعادة الشيء مرة بعد مرة ولكنه
ليس وجهَ الكلام ولا معنى الحديث، ومعناه أَن يتصدق الرجل على آخر بصدقة
ثم يبدو له فيريد أَن يستردَّها، فيقال لا ثِنَى في الصدقة أَي لا رجوع
فيها، فيقول المُتَصَدِّقُ بها عليه ليس لك عليَّ عُصْرَةُ الوالد أَي ليس
لك رجوع كرجوع الوالد فيما يُعطي وَلَده؛ قال ابن الأَثير: وقوله في
الصدقة أَي في أَخذ الصدقة، فحذف المضاف، قال: ويجوز أَن تكون الصدقة بمعنى
التصديق، وهو أَخذ الصدقة كالزكاة والذكاة بمعنى التزكية والتذكية، فلا
يحتاج إِلى حذف مضاف. والثِّنَى: هو أَن تؤخذ ناقتان في الصدقة مكان
واحدة.والمَثْناة والمِثْناة: حبل من صوف أَو شعر، وقيل: هو الحبل من أَيّ شيء
كان. وقال ابن الأَعرابي: المَثْناة، بالفتح، الحبل.
الجوهري: الثِّنَاية حبل من شعر أَو صوف؛ قال الراجز:
أَنا سُحَيْمٌ، ومَعِي مِدرايَهْ
أَعْدَدْتُها لِفَتْكِ ذِي الدوايَهْ،
والحَجَرَ الأَخْشَنَ والثِّنايَهْ
قال: وأَما الثِّناءُ، ممدود، فعقال البعير ونحو ذلك من حبل مَثْنيٍّ،
وكل واحد من ثِنْيَيْه فهو ثِناءٌ لو أُفرد؛ قال ابن بري: إِنما لم يفرد
له واحد لأَنه حبل واحد تشدّ بأَحد طرفيه اليد وبالطرف الآخر الأُخرى،
فهما كالواحد. وعقلت البعير بِثنايَيْن، غير مهموز، لأَنه لا واحد له إِذا
عقلت يديه جميعاً بحبل أَو بطرفي حبل، وإِنما لم يهمز لأَنه لفظ جاء
مُثَنّىً لا يفرد واحده فيقال ثِناء، فتركت الياء على الأَصل كما قالوا في
مِذْرَوَيْن، لأَن أَصل الهمزة في ثِنَاءٍ لو أُفْرد ياءٌ، لأَنه من ثنيت،
ولو أُفرد واحده لقيل ثناءان كما تقول كساءان ورداءان. وفي حديث عمرو بن
دينار قال: رأَيت ابن عمر ينحر بدنته وهي باركة مَثْنِيَّة بِثِنايَيْن،
يعني معقولة بِعِقالين، ويسمى ذلك الحبل الثِّنايَة؛ قال ابن الأَثير:
وإِنما لم يقولوا ثناءَيْن، بالهمز، حملاً على نظائره لأَنه حبل واحد يشد
بأَحد طرفيه يد، وبطرفه الثاني أُخرى، فهما كالواحد، وإِن جاء بلفظ اثنين
فلا يفرد له واحد؛ قال سيبويه: سأَلت الخليل عن الثِّنايَيْن فقال: هو
بمنزلة النهاية لأَن الزيادة في آخره لا تفارقه فأَشبهت الهاء، ومن ثم قالوا
مذروان، فجاؤوا به على الأَصل لأَن الزيادة فيه لا تفارقه. قال سيبويه:
وسأَلت الخليل، رحمه الله، عن قولهم عَقَلْته بِثِنايَيْن وهِنايَيْن
لِمَ لم يهمزوا؟ فقال: تركوا ذلك حيث لم يُفْرد الواحدُ. وقال ابن جني: لو
كانت ياء التثنية إِعراباً أَو دليل إِعراب لوجب أَن تقلب الياء التي بعد
الأَلف همزة فيقال عقلته بِثِناءَيْن، وذلك لأَنها ياء وقعت طرفاً بعد
أَلف زائدة فجرى مجرى ياء رِداءٍ ورِماءٍ وظِباءٍ. وعَقَلْتُه بِثِنْيَيْنِ
إِذا عَقَلْت يداً واحدة بعُقْدتين. الأَصمعي: يقال عَقَلْتُ البعيرَ
بثِنَايَيْنِ، يُظهرون الياء بعد الأَلف وهي المدة التي كانت فيها، ولو مدّ
مادٌّ لكان صواباً كقولك كساء وكساوان وكساءان. قال: وواحد
الثِّنَايَيْنِ ثِناءٌ مثل كساء ممدود. قال أَبو منصور: أَغفل الليث العلة في
الثِّنايَين وأَجاز ما لم يجزه النحويون؛ قال أَبو منصور عند قول الخليل تركوا
الهمزة في الثِّنَايَيْن حيث لم يفردوا الواحد، قال: هذا خلاف ما ذكره
الليث في كتابه لأَنه أَجاز أَن يقال لواحد الثِّنَايَيْن ثِناء، والخليل
يقول لم يهمزوا الثِّنايَيْنِ لأَنهم لا يفردون الواحد منهما، وروى هذا شمر
لسيبويه. وقال شمر: قال أَبو زيد يقال عقلت البعير بثِنايَيْن إِذا عقلت
يديه بطرفي حبل، قال: وعقلته بثِنْيَيْنِ إِذا عقله يداً واحدة بعقدتين.
قال شمر: وقال الفراء لم يهمزوا ثِنَايَيْن لأَن واحده لا يفرد؛ قال
أَبو منصور: والبصريون والكوفيون اتفقوا على ترك الهمز في الثنايين وعلى أَن
لا يفردوا الواحد. قال أَبو منصور: والحبل يقال له الثِّنَايةُ، قال:
وإِنما قالوا ثِنايَيْن ولم يقولوا ثِنايتَيْنِ لأَنه حبل واحد يُشَدُّ
بأَحد طرفيه يَدُ البعير وبالطرف الآخر اليدُ الأُخْرى، فيقال ثَنَيْتُ
البعير بثِنايَيْنِ كأَنَّ الثِّنايَيْن كالواحد وإِن جاء بلفظ اثنين ولا
يفرد له واحد، ومثله المِذْرَوانِ طرفا الأَلْيَتَيْنِ، جعل واحداً، ولو
كانا اثنين لقيل مِذْرَيان، وأَما العِقَالُ الواحدُ فإِنه لا يقال له
ثِنايَةٌ، وإِنما الثِّناية الحبل الطويل؛ ومنه قول زهير يصف السَّانيةَ
وشدَّ قِتْبِها عليها:
تَمْطُو الرِّشاءَ، فَتُجْرِي في ثِنايَتها،
من المَحالَةِ، ثَقْباً رائداً قَلِقاً
والثِّنَاية ههنا: حبل يشد طرفاه في قِتْب السانية ويشد طرف الرِّشاء في
مَثْناته، وكذلك الحبل إِذا عقل بطرفيه يد البعير ثِنايةٌ أَيضاً. وقال
ابن السكيت: في ثِنَايتها أَي في حبلها، معناه وعليها ثنايتها. وقال أَبو
سعيد: الثِّنَاية عود يجمع به طرفا المِيلين من فوق المَحَالة ومن تحتها
أُخرى مثلها، قال: والمَحَالة والبَكَرَة تدور بين الثّنَايتين. وثِنْيا
الحبل: طرفاه، واحدهما ثِنْيٌ. وثِنْيُ الحبل ما ثَنَيْتَ؛ وقال طرفة:
لَعَمْرُك، إِنَّ الموتَ ما أَخْطَأَ الفَتَى
لَكالطِّوَلِ المُرْخى، وثِنْياه في اليد
يعني الفتى لا بُدَّ له من الموت وإِن أُنْسِئ في أَجله، كما أَن
الدابة وإِن طُوّل له طِوَلُه وأُرْخِي له فيه حتى يَرُود في مَرتَعه ويجيء
ويذهب فإِنه غير منفلت لإِحراز طرف الطِّوَل إِياه، وأَراد بِثِنْييه الطرف
المَثْنِيَّ في رُسْغه، فلما انثنى جعله ثِنْيين لأَنه عقد بعقدتين،
وقيل في تفسير قول طرفة: يقول إِن الموت، وإِن أَخطأَ الفتى، فإِن مصيره
إِليه كما أَن الفرس، وإِن أُرْخِي له طِوَلُه، فإِن مصيره إِلى أَن يَثْنيه
صاحبه إِذ طرفه بيده. ويقال: رَبَّق فلان أَثناء الحبل إِذا جعل وسطه
أَرْباقاً أَي نُشَقاً للشاء يُنْشَق في أَعناق البَهْمِ.
والثِّنَى من الرجال: بعد السَّيِّد، وهو الثُّنْيان؛ قال أَوس بن
مَغْراء:
تَرَى ثِنانا إِذا ما جاء بَدْأَهُمُ،
وبَدْؤُهُمْ إِن أَتانا كان ثُنْيانا
ورواه الترمذي: ثُنْيانُنا إِن أَتاهم؛ يقول: الثاني منَّا في الرياسة
يكون في غيرنا سابقاً في السُّودد، والكامل في السُّودد من غيرنا ثِنىً في
السودد عندنا لفضلنا على غيرنا. والثُّنْيان، بالضم: الذي يكون دون
السيد في المرتبة، والجمع ثِنْيةٌ؛ قال الأَعشى:
طَوِيلُ اليدَيْنِ رَهْطُه غيرُ ثِنْيةٍ،
أَشَمُّ كَرِيمٌ جارُه لا يُرَهَّقُ
وفلان ثِنْية أَهل بيته أَي أَرذلهم. أَبو عبيد: يقال للذي يجيء ثانياً
في السُّودد ولا يجيء أَولاً ثُنىً، مقصور، وثُنْيانٌ وثِنْيٌ، كل ذلك
يقال. وفي حديث الحديبية: يكون لهم بَدْءُ الفُجور وثِناه أَي أَوَّله
وآخره.
والثَّنِيّة: واحدة الثَّنايا من السِّن. المحكم: الثَّنِيّة من
الأَضراس أولُ ما في الفم. غيره: وثَنايا الإنسان في فمه الأربعُ التي في مقدم
فيه: ثِنْتانِ من فوق، وثِنْتانِ من أَسفل. ابن سيده: وللإنسان والخُفِّ
والسَّبُع ثَنِيّتان من فوقُ وثَنِيّتان من أَسفلَ. والثَّنِيُّ من الإبل:
الذي يُلْقي ثَنِيَّته، وذلك في السادسة، ومن الغنم الداخل في السنة
الثالثة، تَيْساً كان أَو كَبْشاً. التهذيب: البعير إذا استكمل الخامسة وطعن
السادسة فهو ثَنِيّ، وهو أَدنى ما يجوز من سنِّ الإبل في الأَضاحي،
وكذلك من البقر والمِعْزى
(* قوله «وكذلك من البقر والمعزى» كذا بالأصل، وكتب
عليه بالهامش: كذا وجدت أ هـ. وهو مخالف لما في القاموس والمصباح
والصحاح ولما سيأتي له عن النهاية)، فأما الضأن فيجوز منها الجَذَعُ في
الأَضاحي، وإنما سمي البعير ثَنِيّاً لأَنه أَلقى ثَنيَّته. الجوهري: الثَّنِيّ
الذي يُلْقِي ثَنِيَّته، ويكون ذلك في الظِّلْف والحافر في السنة
الثالثة، وفي الخُفّ في السنة السادسة. وقيل لابْنةِ الخُسِّ: هل يُلْقِحُ
الثَّنِيُّ؟ فقالت: وإلْقاحُه أَنِيٌّ أَي بَطِيءٌ، والأُنْثى ثَنِيَّةٌ،
والجمع ثَنِيّاتٌ، والجمع من ذلك كله ثِناء وثُناء وثُنْيانٌ. وحكى سيبويه
ثُن. قال ابن الأَعرابي: ليس قبل الثَّنيّ اسم يسمى ولا بعد البازل اسم
يسمى. وأَثْنَى البعيرُ: صار ثَنِيّاً، وقيل: كل ما سقطت ثَنِيّته من غير
الإنسان ثَنيٌّ، والظبي ثَنِيٌّ بعد الإجذاع ولا يزال كذلك حتى يموت.
وأَثْنى أَي أَلْقى ثَنِيّته. وفي حديث الأضحية: أَنه أمر بالثَّنِيَّة من
المَعَز؛ قال ابن الأَثير: الثَّنِيّة من الغنم ما دخل في السنة الثالثة،
ومن البقر كذلك، ومن الإبل في السادسة، والذكر ثَنِيٌّ، وعلى مذهب أَحمد بن
حنبل ما دخل من المَعَز في الثانية، ومن البقر في الثالثة. ابن
الأَعرابي: في الفرس إذا استَتمَّ الثالثة ودخل في الرابعة ثَنِيٌّ، فإذا أَثْنَى
أَلقى رواضعه، فيقال أَثْنَى وأدْرَم للإثناء، قال: وإذا أَثْنَى سقطت
رواضعه ونبت مكانها سِنٌّ، فنبات تلك السن هو الإثناء، ثم يسقط الذي يليه
عند إرباعه. والثَّنِيُّ من الغنم: الذي استكمل الثانية ودخل في الثالثة،
ثم ثَنِيٌّ
في السنة الثالثة مثل الشاة سواءً. والثَّنِيّة: طريق العقبة؛ ومنه
قولهم: فلان طَلاَّع الثَّنايا إذا كان سامياً لمعالمي الأُمور كما يقال
طَلاَّ أَنْجُدٍ، والثَّنِيّة: الطريقة في الجبل كالنَّقْب، وقيل: هي
العَقَبة، وقيل: هي الجبل نفسه. ومَثاني الدابة: ركبتاه ومَرْفقاه؛ قال امرؤ
القيس:
ويَخْدِي على صُمٍّ صِلابٍ مَلاطِسٍ،
شَديداتِ عَقْدٍ لَيِّناتِ مَثاني
أَي ليست بجاسِيَة. أَبو عمرو: الثَّنايا العِقاب. قال أَبو منصور:
والعِقاب جبال طِوالٌ بعَرْضِ الطريق، فالطريق تأخذ فيها، وكل عَقَبة مسلوكة
ثَنِيَّةٌ، وجمعها ثَنايا، وهي المَدارِج أَيضاً؛ ومنه قول عبد الله ذي
البِجادَيْن المُزَني:
تَعَرَّضِي مَدارِجاً، وَسُومِي،
تعَرُّضَ الجَوْزاء للنُّجوم
يخاطب ناقة سيدنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وكان دليله بركوبه،
والتعرّض فيها: أن يَتَيامَن الساندُ فيها مرَّة ويَتَياسَر أخرى ليكون
أَيسر عليه. وفي الحديث: مَنْ يَصْعَدْ ثَنِيّة المُرارِ حُطَّ عنه ما حُطَّ
عن بني إسرائيل؛ الثَّنِيّة في الجبل: كالعقبة فيه، وقيل: هي الطريق
العالي فيه، وقيل: أَعلى المَسِيل في رأْسه، والمُرار، بالضم: موضع بين مكة
والمدينة من طريق الحُدَيْبية، وبعضهم يقوله بالفتح، وإنما حَثَّهم على
صعودها لأَنها عَقَبة شاقَّة، وصلوا إليها ليلاً حين أَرادوا مكة سنة
الحديبية فرغَّبهم في صعودها، والذي حُطَّ عن بني إسرائيل هو ذنوبهم من قوله
تعالى: وقولوا حِطَّةٌ نغفر لكم خطاياكم؛ وفي خطبة الحجَّاج:
أَنا ابنُ جَلا وطَلاَّع الثَّنايا
هي جمع ثَنِيّة، أَراد أَنه جَلْدٌ يرتكب الأُمور العظام.
والثَّناءُ: ما تصف به الإنسانَ من مَدْح أَو ذم، وخص بعضهم به المدح،
وقد أثْنَيْتُ عليه؛ وقول أبي المُثلَّم الهذلي:
يا صَخْرُ، أَو كنت تُثْني أَنَّ سَيْفَكَ مَشْـ
قُوقُ الخُشَيْبةِ، لا نابٍ ولا عَصِلُ
معناه تمتدح وتفتخر، فحذف وأَوصل. ويقال للرجل الذي يُبْدَأُ بذكره في
مَسْعاةٍ أو مَحْمَدة أَو عِلْمٍ: فلان به تُثْنَى الخناصر أَي تُحْنَى في
أَوَّل من يُعَدّ ويُذْكر، وأَثْنَى عليه خيراً، والاسم الثَّناء.
المظفر: الثَّناءُ، ممدود، تَعَمُّدُك لتُثْنيَ على إنسان بحسَن أَو قبيح. وقد
طار ثَناءُ فلان أَي ذهب في الناس، والفعل أَثْنَى فلان
(* قوله «والفعل
أثنى فلان» كذا بالأصل ولعل هنا سقطاً من الناسخ وأصل الكلام: والفعل
أثنى فلان إلخ). على الله تعالى ثم على المخلوق يثني إثناء أَو ثناء يستعمل
في القبيح من الذكر في المخلوقين وضده. ابن الأَعرابي: يقال أَثْنَى إذا
قال خيراً أَو شرّاً، وأَنْثَنَى إذا اغتاب.
وثِناء الدار: فِناؤها. قال ابن جني: ثِناء الدار وفِناؤها أَصْلانِ
لأَن الثِّناء مِن ثَنَى يَثْني، لأَن هناك تَنْثَني عن الانبساط لمجيء
آخرها واستقصاء حدودها، وفِناؤها مِنْ فَنِيَ يَفْنَى لأَنك إذا تناهيت إلى
أَقصى حدودها فَنِيَتْ. قال ابن سيده: فإن قلت هلا جعلت إجماعهم على
أَفْنِيَة، بالفاء، دلالة على أَن الثاء في ثِناء بدل من فاء فناء، كما زعمت
أَن فاء جَدَف بدل من ثاء جَدَث لإجماعهم على أَجْداث بالثاء، فالفرق
بينهما وجودنا لِثِناء من الاشتقاق ما وجدناه لِفِناء، أَلا ترى أَن الفعل
يتصرف منهما جميعاً؟ ولَسْنا نعلم لِجَدَفٍ بالفاء تَصَرُّفَ جَدَثٍ، فلذلك
قضينا بأَن الفاء بدل من الثاء، وجعله أَبو عبيد في المبدل.
واسْتَثْنَيْتُ الشيءَ من الشيء: حاشَيْتُه. والثَّنِيَّة: ما اسْتُثْني. وروي عن
كعب أَنه قال: الشُّهداء ثَنِيَّةُ الله في الأَرض، يعني مَن اسْتَثْناه من
الصَّعْقة الأُولى، تأوَّل قول الله تعالى: ونفخ في الصور فصَعِق من في
السموات ومن في الأَرض إلا من شاء الله؛ فالذين استَثْناهم الله عند كعب
من الصَّعْق الشهداء لأَنهم أَحياء عند ربهم يُرْزَقون فَرِحِين بما
آتاهم الله من فضله، فإذا نُفِخ في الصور وصَعِقَ الخَلْقُ عند النفخة
الأُولى لم يُصْعَقوا، فكأَنهم مُسْتَثْنَوْنَ من الصَّعِقين، وهذا معنى كلام
كعب، وهذا الحديث يرويه إبراهيم النخعي أَيضاً. والثَّنِيَّة: النخلة
المستثناة من المُساوَمَة.
وحَلْفةٌ غير ذات مَثْنَوِيَّة أَي غير مُحَلَّلة. يقال: حَلَف فلان
يميناً ليس فيها ثُنْيا ولا ثَنْوَى
(* قوله «ليس فيها ثنيا ولا ثنوى» أي
بالضم مع الياء والفتح مع الواو كما في الصحاح والمصباح وضبط في القاموس
بالضم، وقال شارحه: كالرجعى). ولا ثَنِيَّة ولا مَثْنَوِيَّةٌ
ولا استثناء، كله واحد، وأصل هذا كله من الثَّنْي والكَفِّ والرَّدّ
لأَن الحالف إذا قال والله لا أَفعل كذا وكذا إلا أَن يشاء الله غَيْرَه فقد
رَدَّ ما قاله بمشيئة الله غيره. والثَّنْوة: الاستثناء. والثُّنْيانُ،
بالضم: الإسم من الاستثناء، وكذلك الثَّنْوَى، بالفتح. والثُّنيا
والثُّنْوى: ما استثنيته، قلبت ياؤه واواً للتصريف وتعويض الواو من كثرة دخول
الياء عليها، والفرقِ أَيضاً بين الإسم والصفة. والثُّنْيا المنهي عنها في
البيع: أَن يستثنى منه شيء مجهول فيفسد البيع، وذلك إذا باع جزوراً بثمن
معلوم واستثنى رأْسه وأَطرافه، فإن البيع فاسد. وفي الحديث: نهى عن
الثُّنْيا إلا أَن تُعْلَمَ؛ قال ابن الأَثير: هي أَن يستثنى في عقد البيع شيء
مجهول فيفسده، وقيل: هو أَن يباع شيء جزافاً فلا يجوز أَن يستثنى منه
شيء قلَّ أَو كثر، قال: وتكون الثُّنْيا في المزارعة أَن يُسْتثنى بعد
النصف أَو الثلث كيل معلوم. وفي الحديث: من أَعتق أو طلَّق ثم استثنى فله
ثُنْياءُ أَي من شرط في ذلك شرطاً أَو علقه على شيء فله ما شرط أَو استثنى
منه، مثل أَن يقول طلقتها ثلاثاً إلا واحدة أَو أَعتقتهم إلا فلاناً،
والثُّنْيا من الجَزور: الرأْس والقوائم، سميت ثُنْيا لأَن البائع في
الجاهلية كان يستثنيها إذا باع الجزور فسميت للاستثناء الثُّنْيا. وفي الحديث:
كان لرجل ناقة نجيبة فمرضت فباعها من رجل واشترط ثُنْياها؛ أَراد قوائمها
ورأْسها؛ وناقة مذكَّرة الثُّنْيا؛ وقوله أَنشده ثعلب:
مذَكَّرة الثُّنْيا مُسانَدة القَرَى،
جُمالِيَّة تَخْتبُّ ثم تُنِيبُ
فسره فقال: يصف الناقة أَنها غليظة القوائم كأَنها قوائم الجمل لغلظها.
مذكَّرة الثُّنْيا: يعني أَن رأْسها وقوائمها تشبه خَلْق الذِّكارة، لم
يزد على هذا شيئاً. والثَّنِيَّة: كالثُّنْيا. ومضى ثِنْيٌ من الليل أَي
ساعة؛ حكى عن ثعلب: والثُنون
(* قوله «والثنون إلخ» هكذا في الأصل): الجمع
العظيم.
زمح: الزُّمَّحُ من الرجال: الضعيفُ، وقيل: القصير الدميم، وقيل:
اللئيم. والزُّمَّحُ والزَّوْمَحُ من الرجال:الأَسودُ القبيحُ الشَّرِيرُ؛
وأَنشد شمر:
ولم تَكُ شِهْدارةَ الأَــبْعَدين،
ولا زُمَّحَ الأَقْرَبين الشَّرِيرا
وقيل: الزُّمَّحُ القصير السَّمْجُ الخِلْقَة السَّيِّءُ الأَدَمُّ
المَشْؤُوم.
والزِّمَحْنُ والزِّمَحْنةُ: السيِّءُ الخُلْق.
والزَّامِحُ: الدُّمَّلُ، اسمٌ كالكاهِلِ والغارِبِ، لأَنَّا لم نجد له
فِعْلاً.
والزُّمَّاحُ: طين يجعل على رأْس خشبة يرمى بها الطير، وأَنكرها بعضهم
وقال: إِنما هو الجُمَّاحُ. والزُّمَّاحُ: طائر كان يَقِفُ بالمدينة في
الجاهلية على أُطُمٍ فيقول شيئاً، وقيل: كان يسقط في بعض مَرابِدِ المدينة
فيأْكل تَمْره، فَرَمَوْه فقتلوه فلم يأْكل أَحد من لحمه إِلا مات؛ قال:
أَعَلى العَهدِ أَصْبَحَتْ أُمُّ عَمْرِو،
ليتَ شِعْرِي أَم غالها الزُّمَّاحُ؟
الأَزهري: الزُّمَّاحُ طائر كانت الأَعراب تقول إِنه يأْخذ الصبي من
مَهْدِه.
وزَمَّحَ الرجلُ إِذا قتل الزُّمَّاحَ، وهو هذا الطائر الذي يأْخذ
الصبي.
وزع: الوَزْعُ: كَفُّ النفْسِ عن هَواها. وزَعَه وبه يَزَعُ ويَزِعُ
وزْعاً: كفَّه فاتَّزَعَ هو أَي كَفَّ، وكذلك ورِعْتُه. والوازِعُ في
الحرْبِ: المُوَكَّلُ بالصُّفُوفِ يَزَعُ من تقدَّم منهم بغير أَمره. ويقال:
وزَعْتُ الجَيْشَ إِذا حَبَسْتَ أَوَّلَهم على آخرهم. وفي الحديث: أَن
إِبليس رأَى جبريلَ، عليه السلام، يوم بَدْرٍ يَزَعُ الملائكةَ أَي
يُرتِّبُهم ويُسَوِّيهِم ويَصُفُّهم للحربِ فكأَنه يَكُفُّهم عن التفَرُّقِ
والانْتِشارِ. وفي حديث أَبي بكر، رضي الله عنه: أَنّ المُغِيرَةَ رَجُلٌ
وازِعٌ؛ يريد أَنه صالح للتقدّم على الجيش وتدبيرِ أَمرهم وترتيبهم في قتالهم.
وفي التنزيل: فهم يُوزَعُونَ، أَي يُحْبَسُ أَوّلُهم على آخِرهم، وقيل:
يُكَفُّونَ. وفي الحديث: مَن يَزَعُ السلطانُ أَكثرُ ممن يَزَعُ القرآنُ؛
معناه أَنّ مَن يَكُفُّ عن ارتِكابِ العَظائِم مَخافةَ السلطانِ أَكثرُ
ممن تَكُفُّه مخافةُ القرآنِ واللهِ تعالى، فمن يكفُّه السلطانُ عن
المعاصي أَكثر ممن يكفه القرآنُ بالأَمْرِ والنهيِ والإِنذار؛ وقول خصيب
الضَّمْرِيّ:
لما رأَيتُ بَني عَمْرٍو وَيازِعَهُم،
أَيْقَنْتُ أَنِّي لهم في هذه قَوَدُ
أَراد وازِعَهم فقلب الواو ياء طلباً للخفة وأَيضاً فتَنَكَّبَ الجمع
بين واوين: واو العطف وياء الفاعل
(* قوله« وياء الفاعل» كذا بالأصل،) وقال
السكري: لغتهم جعل الواو ياء؛ قال النابغة:
على حِينَ عاتَبْتُ المَشِيبَ على الصِّبا،
وقلتُ: أَلَمّا أَصْحُ، والشَّيبُ وازِعُف
وفي حديث الحَسَنِ لما وَليَ القضاءَ قال: لا بد للناس من وَزَعةٍ أَي
أَعْوانٍ يَكُفُّونهم عن التعدي والشرِّ والفَسادِ، وفي رواية: من وازِعٍ
أَي من سلطانٍ يَكُفُّهم ويَزَعُ بعضَهم عن بعضهم، يعين السلطانَ
وأَصحابَه. وفي حديث جابر: أَردت أَن أَكْشِفَ عن وجْهِ أَبي لمّا قُتِلَ
والنبيُّ، صلى الله عليه وسلم، ينظر إِلي فلا يَزَعُني أَي لا يَزْجُرُني ولا
يَنْهاني. ووازِعٌ وابنُ وازِعٍ، كلاهما: الكلب لأَنه يَزَعُ الذئب عن
الغنم أَي يكُفُّه. والوازِعُ: الحابِسُ العسكرِ المُوَكَّلُ بالصفوفِ
يتقدَّم الصف فيصلحه ويقدِّم ويؤَخر، والجمع وزَعةٌ ووُزّاعٌ. وفي حديث أَبي
بكر، رضي الله عنه، وقد شُكِيَ إِليه بعضُ عُمّالِه لِيَقْتَصَّ منه فقال:
أَنا أُقِيدُ من وزَعةِ اللهِ، وهو جمع وازِعٍ، أَراد أُقِيدُ من الذين
يكفَّونَ الناسَ عن الإِقْدام على الشر. وفي رواية: أَن عمر قال لأَبي
بكر أَقِصَّ هذا من هذا بأَنْفِه، فقال: أَنا لا أُقِصُّ من وزَعَةِ الله،
فأَمْسَكَ.
والوَزِيعُ: اسم للجمْعِ كالغَزيِّ. وأَوْزَعْتُه بالشيء: أَغْرَيْتُه
فأُوزِعَ به، فهو مُوزَعٌ به أَي مُغْرًى به؛ ومنه قول النابغة:
فَهابَ ضُمْرانُ منه، حيثُ يُوزِعُه
طَعْنَ المُعارِكِ عند المَحْجِرِ النَّجُدِ
أَي يُغْرِيه. وفاعل يُوزِعُه مضمر يعود على صاحبه أَي يُغْرِيه صاحبُه،
وطَعْنَ منصوب بهابَ، والنَّجُدُ نعت المُعارِكِ ومعناه الشجاعُ، وإِن
جعلته نعتاً للمَحْجِر فهو من النَّجَدِ وهو العَرَقُ، والاسم والمصدرُ
جميعاً الوَزُوعُ، بالفتح. وفي الحديث: أَنه كان مُوزَعاً بالسِّواكِ أَي
مُولَعاً به. وقد أُوزِعَ بالشيء يُوزَعُ إِذا اعتادَه وأَكثر منه
وأُلْهِمَ. والوَزُوعُ: الوَلُوعُ؛ وقد أُوزِعَ به وَزُوعاً: وقد أُوزِعَ به
وَزُوعاً: كأُولِعَ به وُلُوعاً. وحكى اللحياني: إِنه لَوَلُوعٌ وَزُوعٌ،
قال: وهو من الإتباع. وأَوْزَعَه الشيءَ: أَلْهَمه إِياه. وفي التنزيل:
ربِّ أَوْزِعْني أَن أَشكر نِعْمَتَكَ التي أَنْعَمْتَ عليّ؛ ومعنى
أَوْزِعْني أَلْهِمْني وأَولِعْني به، وتأْويلُه في اللغة كُفَّني عن الأَشياء
إلا عن شكر نعمتك، وكُفَّني عما يُباعِدُني عنك. وحكى اللحياني:
لِتُوزَعْ بتقوى الله أَي لِتُلْهَمْ بتقوى الله؛ قال ابن سيده: هذا نص لفظه
وعندي أَن معنى قولهم لِتُوزَعْ بتقوى الله من الوَزُوع الذي هو الوُلُوعُ،
وذلك لأَنه لا يقال في الإلهام أَوْزَعْتُه بالشيء، إِنما يقال
أَوْزَعْتُه الشيءَ. وقد أَوْزَعَه الله إِذا أَلْهَمَه. واسْتَوْزَعٌتُ الله شُكره
فأَوْزَعَني أَي اسْتَلْهَمْتُه فأَلْهَمَني. ويقال: قد أَوْزَعْتُه
بالشيء إِيزاعاً إِذا أَغْرَيته، وإِنه لمُوزَعٌ بكذا وكذا أَي مُغْرًى به،
والاسم الوَزُوعُ. وأُوزِعْتُ الشيءَ: مثل أُلهِمْتُه وأُولِعْتُ به.
والتوْزِيعُ: القِسْمَةُ والتَّفْرِيقُ. ووَزَّعَ الشيء: قَسَّمه
وفَرَّقه. وتوزعوه فيما بينهم أَي تَقَسَّموه،يقال: وزَّعْنا الجَزُورَ فيما
بيننا. وفي حديث الضحايا: إلى غُنَيْمةٍ فَتَوَزَّعُوها أَي اقتسموها
بينهم. وفي الحديث: أَنه حَلَقَ شعَره في الحج ووَزَّعَه بين الناس أَي
فَرَّقه وقسَمه بينهم، وَزَّعه يُوَزِّعُه تَوزِيعاً، ومن هذا أُخِذَ
الأَوزاعُ، وهم الفِرَقُ من الناس، يقال أَتَيْتُهم وهم أَوْزاعٌ أَي
مُتَفَرِّقُون. وفي حديث عمر: أَنه خرج ليلة في شهر رمضان والناسُ أَوْزاعٌ أَي يصلون
متفرقين غير مجتمعين على إِمام واحد، أَراد أَنهم كانوا يتنفلون فيه بعد
العشاء متفرقين؛ وفي شعر حسان:
بضَرْبٍ كإِيزاعِ المَخاصِ مُشاشَه
جعل الإِيزاعَ موضع التَّوْزِيعِ وهو التَفْريقُ، وأَراد بالمُشاشِ ههنا
البَوْلَ، وقيل: هو بالغين المعجمة وهو بمعناه. وبها أَوزاعٌ من الناس
وأَوْباشٌ أَي فِرَقٌ وجماعات، وقيل: هم الضُّرُوب المتفرَّقون، ولا واحد
لأَوزاع؛ قال الشاعر يمدح رجلاً:
أَحْلَلْت بيتَك بالجَمِيعِ، وبعضُهم
مُتَفَرِّقٌ لِيَحِلَّ بالأَوْزاعِ
الأَوْزاعُ ههنا: بيوت منْتَبِذةٌ عن مُجْتَمَعِ الناسِ. وأَوْزَعَ
بينهما: فرَّقَ وأَصْلَحَ. والمتَّزِعُ: الشديدُ النفْسِ؛ وقول خصيب يذكر
قُرْبَه من عَدُوٍّ له:
لمّا عَرَفْتُ بَني عَمْرٍو ويازِعَهُمْ،
أَيْقَنْتُ أَنِّي لهُمْ في هذه قَوَدُ
قال: يازِعُهم لغتهم يريدون وازِعَهم في هذه الوقعة أَي سَيَسْتَقِيدُون
منا.
وأَوْزَعَتِ الناقةُ ببولها أَي رَمَتْ به رَمْياً وقطَّعَتْه، قال
الأصمعي: ولا يكون ذلك إِلاَّ إِذا ضربها الفحل؛ قال ابن بري: وقع هذا الحرف
في بعض النسخ مصحَّفاً، والصواب أَوْزَغَتْ، بالغين معجمة، قال: وكذلك
ذكره الجوهري في فصل وزَغَ.
والأَوْزاعُ: بطن من همْدانَ منهم الأَوْزاعِيُّ. والأَوْزاعُ: بطون من
حِمْيَر، سموا بهذا لأَنهم تفرَّقوا. ووَزُوعُ: اسم امرأَة. وفي حديث قيس
بن عاصم: لا يُوزَعُ رجل عن جمل يَخْطِمُه
(* قوله «يخطمه» تقدم في ورع:
يختطمه، والمؤلف في المحلين تابع للنهاية.) أَي لا يُكَفُّ ولا يُمْنع؛
هكذا ذكره أَبو موسى في الواو مع الزاي، وذكره الهروي في الواو مع الراء،
وقد تقدّم.
طول: الطُّولُ: نقيض القِصَر في الناس وغيرهِم من الحيوان والمَوات.
ويقال للشيء الطَّويلِ: طالَ يَطُولُ طُولاً، فهو طَويلٌ وطُوالٌ. قال
النحويون: أَصْلُ طالَ فَعُلَ استدلالاً بالاسم منه إِذا جاء على فَعِيل نحو
طَويل، حَمْلاً على شَرُفَ فهو شَرِيف وكَرُمَ فهو كَريم، وجَمْعُهُما
طِوال؛ قال سيبويه: صَحَّت الواو في طِوال لصِحَّتها في طَويل، فصار طِوال
من طَويل كجِوار من جاوَرْت، قال: ووافَقَ الذين قالوا فَعِيل الذين قالوا
فُعال لأَنهما أُخْتان فجَمَعوه جَمْعه، وحكى اللُّغويون طِيال، ولا
يوجبه القياس لأَن الواو قد صَحَّت في الواحد فحكمها أَن تصح في الجمع؛ قال
ابن جني لم تقلب إِلا في بيت شاذ وهو قوله:
تَبَيَّنَ لي أَنَّ القَماءةَ ذِلَّةٌ،
وأَنَّ أَعِزَّاء الرجالِ طِيالُها
والأُنثى طَويلةٌ وطُوالةٌ، والجمع كالجمع، ولا يمتنع شيء من ذلك من
التسليم. ويقال للرجل إِذا كان أَهْوَج الطُّول طُوَال وطُوَّال، وامرأَة
طُوالة وطُوَّالة. الكسائي في باب المُغالَبة: طاوَلَني فَطُلْتُه من
الطُّول والطَّوْل جميعاً. وقال سيبويه: يقال طُلْتُ على فَعُلْتُ لأَنك تقول
طَويل وطُوال كما قُلْتَ قَبُحَ وقَبيح، قال: ولا يكون طُلْته كما لا
يكون فَعُلْتُه في شيء؛ قال المازني: طُلْتُ فعُلْتُ أَصْلٌ واعْتَلَّت من
فعُلْت غيرَ مُحَوَّلة، الدليلُ على ذلك طَوِيلٌ وطُوال؛ قال: وأَما
طاوَلْته فطُلْتُه فهي مُحَوَّلة كما حُوِّلَت قُلْتُ، وفاعلها طائلٌ، لا يقال
فيه طَويلٌ كما لا يقال في قائل قَويل، قال: ولم يؤْخذ هذا إِلا عن
الثِّقات؛ قال: وقُلْتُ مُحَوَّلةٌ من فَعَلْت إِلى فَعُلْت كما أَن بِعْتُ
مُحَوَّلة من فَعَلْت إِلى فَعِلْت وكانت فعِلْتُ أَولى بها لأَن الكسرة
من الياء، كما كان فَعُلْت أَولى بقُلْت لأَن الضمة من الواو؛ وطالَ
الشيءُ طُولاً وأَطَلْته إِطالةً. والسَّبْع الطُّوَلُ من سُور القرآن: سَبْعُ
سُوَر وهي سورة البقرة وسورة آل عمران والنساء والمائدة والأَنعام
والأَعراف، فهذه ست سور متوالياتٌ واختلفوا في السابعة، فمنهم من قال السابعة
الأَنفال وبراءَة وعدّهما سورة واحدة، ومنهم من جعل السابعة سورة يونس؛
والطُّوَل: جمع طُولى، يقال هي السّورة الطُّولى وهُنَّ الطُّوَل؛ قال ابن
بري: ومنه قرأْت السَّبْع الطُّوَل؛ وقال الشاعر:
سَكَّنْته، بعدَما طارَتْ نَعامتُه،
بسورة الطُّورِ، لمَّا فاتَني الطُّوَلُ
وفي الحديث: أُوتِيتُ السَّبْعَ الطُّوَل؛ هي بالضم جمع الطُّولى، وهذا
البناء يلزمه الأَلف واللام أَو الإِضافة. وفي حديث أُمِّ سَلَمَة: أَنه
كان يقرأَ في المغرب بطُولى الطُّولَيَيْن، هي تثنية الطُّولى
ومُذَكَّرُها الأَطْوَل، أَي أَنه كان يقرأُ فيها بأَطْول السورتين الطويلتين،
تَعْني الأَنعام والأَعراف. والطويل من الشِّعْر: جنس من العَرُوض، وهي كلمة
مُوَلَّدة، سمي بذلك لأَنه أَطْوَلُ الشِّعْر كُلِّه، وذلك أَن أَصله
ثمانية وأَربعون حرفاً، وأَكثر حروف الشعر من غير دائرته اثنان وأَربعون
حرفاً، ولأَن أَوتاده مبتدأ بها، فالطُّول لمتقدم أَجزائه لازم أَبداً، لأَن
أَول أَجزائه أَوتاد والزوائد أَبداً يتقدم أَسبابَها ما أَوَّلُه
وَتِدٌ. والطُّوال، بالضم: المُفْرِط الطُّول؛ وأَنشد ابن بري قول
طُفَيل:طُوال السَّاعِدَيْن يَهُزُّ لَدْناً،
يَلُوحُ سِنانُه مِثْلَ الشِّهاب
قال: ولا يُكَسَّر
(* قوله «قال ولا يكسر إلخ» هكذا في الأصل، وعبارة
القاموس وشرحه: والطوال، كرمان، المفرط الطول، ولا يكسر، انما يجمع جمع
السلامة اهـ. وبهذا يعلم ما لعله سقط هنا، فقد تقدم في صدر المادة أَن
طوالاً كغراب يجمع على طوال بالكسر).
إِنما يُجْمع جمع السلامة. وطاوَلَني فَطُلْتُه أَي كنت أَشَدَّ طُولاً
منه؛ قال:
إِنَّ الفَرَزْدَقَ صَخْرَةٌ عادِيَّةٌ
طالَتْ، فَلَيْسَ تَنالُها الأَوْعال
وطالَ فلان فلاناً أَي فاقه في الطُّول؛ وأَنشد:
تَخُطُّ بِقَرْنَيْها بَرِيرَ أَراكةٍ،
وتَعْطُو بِظِلْفَيْها، إِذا الغُصْنُ طالها
أَي طاوَلَها فلم تَنَلْه. والأَطْوَل: نقيضُ الأَقْصر، وتأْنيث
الأَطْوَل الطُّولى، وجمعها الطُّوَل.
الجوهري: الطُّوَال، بالضم، الطَّوِيلُ. يقال طَوِيلٌ وطُوَالٌ، فإِذا
أَفرَط في الطُّول قيل طُوّال، بالتشديد. والطِّوال، بالكسر: جمع طَويل،
والطَّوَالُ، بالفتح: من قولك لا أُكَلِّمه طَوَالَ الدَّهْر وطُولَ
الدَّهْر بمعنى. ويقال: قَلانِسُ طِيَالٌ وطِوَالٌ بمعنى. والرِّجال
الأَطاوِل: جمع الأَطْوَل، والطُّولىَ تأْنيث الأَطْوَل، والجمع الطُّوَل مثل
الكُبْرَى والكُبَر.
وأَطَالَتِ المرأَةُ إِذا وَلَدَتْ طِوَالاً. وفي الحديث: إِن القَصِيرة
قد تُطِيل. الجوهري: والطُّولُ خِلاف العَرْض. وطالَ الشيءُ أَي امتدَّ،
قال: وطُلْتُ أَصله طَوُلْتُ بضم الواو لأَنك تقول طَويل، فنقلت الضمة
إِلى الطاء وسقطت الواو لاجتماع الساكنين، قال: ولا يجوز أَن تقول منه
طُلْتُه، وأَما قولك طَاولَني فطُلْتُه فإِنما تَعْني بذلك كنت أَطْولَ منه
من الطُّول والطَّوْل جميعاً. وفي الحديث: أَن النبي، صلى الله عليه
وسلم، ما مَشَى مع طِوَالٍ إِلا طالَهُم، فهذ من الطُّول؛ قال ابن بري: وعلى
ذلك قول سُبَيح بن رِياح الزِّنْجي، ويقال رياح بن سبيح، حين غَضِبَ لما
قال جَرِيرٌ في الفَرَزْدَق:
لا تَطْلُبَنَّ خُؤُولةً في تَغْلِبٍ،
فالزِّنْجُ أَكْرَمُ منهمُ أَخْوَالا
فقال سبيح أَو رياح لما سَمِع هذا البيت:
الزِّنْجُ لو لاقَيْتَهم في صَفِّهِمْ،
لاقَيْتَ، ثمَّ، جَحَاجِحاً أَبْطَالاً
ما بالُ كَلْبِ بَني كُلَيْبٍ سَبَّنا،
أَنْ لم يُوازِنْ حاجِباً وعِقَالا؟
إِنَّ الفَرَزْدَق صَخْرَةٌ عادِيَّةٌ
طالَتْ، فليس تَنالُها الأَوْعالا
(* قوله «الاوعالا» تقدم إيراده قريباً الأوعال بالرفع).
وقالت الخنساء:
وما بَلَغَتْ كَفُّ امرئٍ مُتَناوِلٍ،
من المَجْدِ، إِلاَّ والذي نِلْتَ أَطْوَلُ
وفي حديث استسقاء عمر، رضي الله عنه: فطالَ العَباسُ عمرَ أَي غَلَبَه
في طُولِ القامة، وكان عمر طَويلاً من الرجال، وكان العباس أَشدَّ طُولاً
منه. وروي أَن امرأَة قالت: رأَيت عَبّاساً يطوف بالبيت كأَنه فُسْطاطٌ
أَبيض، وكانت رأَت عَلِيَّ بن عبد الله بن العباس وقد فَرَعَ الناسَ كأَنه
راكب مع مُشَاةٍ فقالت: مَنْ هذا؟ فأُعْلِمَتْ فقالت: إِنّ الناسَ
ليَرْذُلون، وكان رأْس علي بن عبد الله إِلى مَنْكِب أَبيه عبد الله، ورأْسُ
عبد الله إِلى مَنْكِب العباس، ورأْسُ العباس إِلى مَنْكِب عبد
المُطَّلِب. وأَطَلْتُ الشيءَ وأَطْوَلْت على النقصان والتمام بمعنى. المحكم:
وأَطال الشيءَ وطَوَّلَه وأَطْوَلَه جعله طَويلاً، وكأَن الذين قالوا ذلك
إِنما أَرادوا أَن ينبهوا على أَصل الباب، قال فلا يقاس هذا إِنما يأْتي
للتنبيه على الأَصل؛ وأَنشد سيبويه:
صَدَدْتِ فأَطْوَلْتِ الصُّدودَ، وقَلَّما
وِصالٌ، على طُولِ الصُّدود، يَدُومُ
وكلُّ ما امتدَّ من زَمَن أَو لَزِمَ من هِمٍّ ونحوِه فقد طالَ، كقولك
طالَ الهَمُّ وطال الليلُ. وقالوا: إِنَّ الليل طَويلٌ فلا يَطُلْ إِلاَّ
بخير؛ عن اللحياني. قال: ومعناه الدُّعاء. وأَطال الله طِيلَتَه أَي
عُمْرَه. وطالَ طِوَلُك وطِيَلُك أَي عُمْرك، ويقال غَيْبتك؛ قال
القطامي:إِنّا مُحَيُّوكَ فاسْلَمْ أَيُّها الطَّلَلُ،
وإِن بَلِيتَ، وإِن طالَتْ بك الطِّوَلُ
يروى الطِّيَل جمع طِيلة، والطِّوَل جمع طِوَلة، فاعْتَلَّ الطِّيَل
وانقلبت ياؤه واواً لاعتلالها في الواحد، فأَما طِوَلة وطِوَل فمن باب
عِنَبة وعِنَب.
وطالَ طُوَلُك، بضم الطاء وفتح الواو، وطالَ طَوَالُك، بالفتح،
وطِيَالُك، بالكسر؛ كل ذلك حكاه الجوهري عن ابن السكيت. وجملٌ أَطْوَلُ إِذا
طالتْ شَفَتُه العُليا. قال ابن سيده: والطَّوَل طُولٌ في مِشْفَر البعير
الأَعلى على الأَسفل، بعير أَطْوَل وبه طَوَلٌ. والمُطاوَلة في الأَمر: هو
التطويل والتَّطاوُلُ في مَعْنًى هو الاسْتِطالة على الناس إِذا هو رَفَع
رأْسَه ورأَى أَنّ له عليهم فَضْلاً في القَدْر؛ قال: وهو في معنى آخر
أَن يقوم قائماً ثم يَتَطاوَل في قيامه ثم يَرْفَع رأْسَه ويَمُدّ قوامَه
للنظر إِلى الشيء. وطاوَلْته في الأَمر أَي ماطَلْته. وطَوَّل له
تَطْويلاً أَي أَمْهَله. واسْتَطالَ عليه أَي تَطَاوَلَ، يقال: اسْتَطالوا عليهم
أَي قَتَلوا منهم أَكثرَ مما كانوا قَتَلوا، قال: وقد يكون اسْتَطالَ
بمعنى طالَ، وتَطاوَلْت بمعنى تَطالَلْت. وفي الحديث: إِن هذين الحَيَّين من
الأَوس والخَزْرَج كانا يتَطاوَلانِ على رسول الله،صلى الله عليه وسلم،
تَطاوُلَ الفَحْلَين أَي يَسْتَطِيلانِ على عَدُوِّه ويتباريانِ في ذلك
ليكون كل واحد منهما أَبلغ في نصرته من صاحبه، فشُبِّه ذلك التَّباري
والتغالُب بتَطاوُلِ الفحلين على الإِبل، يَذُبُّ كلُّ واحد منهما الفُحولَ
عن إِبله ليظهر أَيُّهما أَكثرُ ذَبًّا. وفي حديث عثمان: فتَفَرَّق الناسُ
فِرَقاً ثلاثاً، فصامِتٌ صَمْتُه أَنْفَذُ من طَوْلِ غيره، ويروى من
صَوْل غيره، أَي إِمْساكُه أَشدُّ من تَطاوُل غيره. ويقال: طالَ عليه
واستطالَ وتَطاوَلَ إِذا علاه وتَرَفَّع عليه. وفي الحديث: أَرْبى الرِّبا
الاستطالةُ في عِرْضِ الناس أَي اسْتِحْقارُهم والتَّرَفُّعُ عليهم
والوَقِيعةُ فيهم.
وتَطاوَلَ: تمدَّدَ إِلى الشيء ينظر نحوه؛ قال:
تَطاوَلْتُ كي يَبدو الحَصِيرُ فما بَدَا
لِعَيْني، ويا لَيْتَ الحَصِيرَ بَدا لِيا
واسْتَطالَ الشَّقُّ في الحائط: امتدَّ وارتفع؛ حكاه ثعلب، وهو
كاسْتَطار.
والطِّوَلُ: الحَبْلُ الطويلُ جدًّا؛ قال طرفة:
لَعَمْرُكَ إِنَّ الموتَ، ما أَخْطَأَ الفَتَى،
لَكَالطِّوَلِ المُرْخَى، وثِنْياهُ باليَدِ
والطِّوَلُ والطِّيَلُ والطَّويلة والتِّطْوَلُ، كُلُّه: حَبْلٌ طويل
تُشَدُّ به قائمةُ الدابة، وقيل: هو الحبل تُشَدُّ به ويُمْسِك صاحبُه
بطَرَفه ويُرْسِلها تَرْعى؛ قال مُزاحِم:
وسَلْهَبةٍ قَوْداءَ قُلِّصَ لَحْمُها،
كسِعْلاةِ بِيدٍ في خِلالٍ وتِطْوَل
وقد طَوَّلَ لها. والطِّوَل: الحبل الذي يُطَوَّل للدابة فترعى فيه،
وكانت العرب تتكلم به
(* قوله «وكانت العرب تتكلم به» كذا في الأصل، وعبارة
التهذيب: وقال الليث الطويلة اسم حبل يشد به قائمة الدابة ثم ترسل في
المرعى، وكانت العرب تتكلم به اهـ) ؛ يقال: طَوِّل لفرسك يا فلان أَي أَرْخِ
له حَبْلَه في مَرْعاه. الجوهري: طَوِّلْ فرَسك أَي أَرْخِ طَويلتَه في
المَرْعى؛ قال أَبو منصور: لم أَسمع الطَّويلةَ بهذا المعنى من العرب
ورأيتهم يُسَمُّونه الطِّوَل فلم نسمعه إِلاَّ بكسر الأَول وفتح الثاني.
غيره: يقال أَرْخ للفَرَس من طِوَلِه، وهو الحَبْل الذي يُطَوَّل للدابة
فترعى فيه، وأَنشد بيت طرفة: لَكَالطِّوَل المُرْخَى؛ قال: وهي الطَّويلة
أَيضاً، وقوله: ما أَخْطَأَ الفَتَى أَي في إِخطائه الفَتى؛ وقد شَدَّد
الراجزُ الطِّوَلَّ للضرورة فقال مَنْظور بن مَرْثَد الأَسَدي:
تَعَرَّضَتْ لي بمَكَانٍ حِلِّ،
تَعَرُّضاً لم تَأْلُ عن قَتْلِلِّي،
تَعَرُّضَ المُهْرَة في الطِّوَلِّ
ويروى: عن قَتْلاً لي، على الحكاية، أَي عن قَوْلِها قَتْلاً له؛ قال
الجوهري: وقد يفعلون مثل ذلك في الشِّعر كثيراً ويزيدون في الحرف من بعض
حروفه؛ قال ذُهْل بن قريع، ويقال قارب بن سالم المُرِّي:
كأَنَّ مَجْرَى دَمْعِها المُسْتَنِّ
قُطْنُنَّةً من أَجْوَدِ القُطْنُنِّ
وأَنشده غيره:
قُطُنَّةٌ من أَجْوَدِ القُطُنِّ
قال ابن بري: وهذا هو صواب إِنشاده. وفي الحديث: ورجُلٌ طَوَّل لها في
مَرْجٍ فقَطَعَتْ طِوَلها، وفي آخر: فأَطالَ لها فقَطَعَتْ طِيَلَها؛
الطِّوَلُ والطِّيَلُ، بالكسر: هو الحبل الطويل يُشَدُّ أَحد طَرَفيه في
وَتِدٍ أَو غيره والآخر في يد الفرس ليَدُور فيه ويرعى ولا يذهب لوجهه.
وطَوَّلَ وأَطالَ بمعنىً أَي شَدَّها في الحبل؛ ومنه الحديث: لِطِوَل الفَرَس
حمًى أَي لصاحب الفرس أَن يَحْمِي الموضع الذي يَدُور فيه فرسُه المشدودُ
في الطِّوَل إِذا كان مُباحاً لا مالك له. وفي الحديث: لا حِمى إِلاَّ
في ثلاث: طِوَلِ الفرس، وثَلَّةِ البئرِ، وحَلْقةِ القوم؛ قوله لا حِمى
يعني إِذا نزل رجل في عسكر على موضع له أَن يمنع غيرَه طَوِلَ فرسه، وكذلك
إِذا حَفَر بئراً له أَن يمنع غيرَه مقدارَ ما يكون حَرِيماً له.
ومَطَاوِلُ الخيل: أَرسانُها، واحدها مِطْوَلٌ. والطِّوَلُ: التمادي في الأَمر
والتراخي. يقال: طالَ طِوَلُك وطِيَلُك وطِيلُك وطُولُك، ساكنة الياء
والواو؛ عن كراع، إِذا طال مُكْثُه وتمادِيه في أَمر أَو تَرَاخِيه عنه؛ قال
طفيل:
أَتانا فلم نَدْفَعْه، إِذ جاء طارِقاً،
وقلنا له: قد طالَ طُولُك فانْزِلِ
أَي أَمرُك الذي أَنت فيه من طُول السفر ومُكابدة السير، ويروى: قد طال
طِيلُك؛ وأَنشد ابن بري:
أَما تَعْرِف الأَطلالَ قد طالَ طِيلُها
والطَّوَالُ: مَدَى الدهرِ؛ يقال: لا آتِيك طَوَال الدَّهْر.
والطَّوْل والطائل والطائلة: الفَضْل والقُدْرة والغى والسَّعَة
والعُلُوُّ؛ قال أَبو ذؤَيب:
ويَأْشِبُني فيها الذينَ يَلُونَها،
ولو عَلِموا لم يَأْشِبُوني بطائل
وأَنشد ثعلب في صفة ذئب:
وإِن أَغارَ فلم يَحْلُلْ بطائلةٍ،
في لَيْلةٍ من جُمَيْر ساوَرَ الفُطُما
(* قوله «وإن أغار إلخ» سبق إنشاده في ترجمة جمر:
وإن أطاف ولم يظفر بطائلة * في ظلمة ابن جمير ساوَر
الفطما)
كذا أَنشده جُمَيْر على لفظ التصغير، وقد تَطَوَّل عليهم. وفي التنزيل
العزيز: ومَنْ لم يَسْتَطِعْ منكم طَوْلاً (الآية)؛ قال الزجاج: معناه من
لم يقدر منكم على مَهْرِ الحُرَّة، قال: والطَّوْلُ القدرة على المَهْر.
وقوله عز وجل: ذي الطَّوْل لا إِله إِلا هو؛ أَي ذي القُدْرة، وقيل:
الطَّوْل الغِنى، والطَّوْلُ الفَضْل، يقال: لفلان على فلان طَوْلٌ أَي
فَضْلٌ. ويقال: إِنه لَيَتَطَوَّل على الناس بفضله وخيره. والطَّوْل، بالفتح:
المَنُّ، يقال منه: طالَ عليه وتَطوَّلَ عليه إِذا امْتَنَّ عليه. وفي
الحديث: اللهمَّ بك أُحاوِل وبك أُطاوِل، مُفاعَلة من الطَّوْل، بالفتح،
وهو الفَضْلُ والعُلُوُّ على الأَعداء؛ ومنه الحديث: تَطَاوَلَ عليهم
الرَّبُّ بفضله أَي تَطَوَّل، وهو من باب طارَقْتَ النَّعْلَ في إِطلاقها على
الواحد؛ ومنه الحديث: قال لأَزواجه أَوَّلُكُنَّ لحُوقاً بي
أَطْوَلُكُنَّ يداً، فاجْتَمَعْن يتَطاوَلْنَ فطالَتْهُنَّ سَوْدةُ فماتت زينبُ
أَوَّلَهنَّ؛ أَراد أَمَدُّكُنَّ يداً بالعطاء من الطَّوْل فظَنَنَّه من
الطُّول، وكانت زينب تَعْمَل بيدها وتتصدق؛ قال أَبو منصور: والتَّطَوُّل عند
العرب محمود يوضع موضع المَحاسِن، والتطاوُلُ مذموم، وكذلك الاستطالة
يوضَعانِ موضع التكبر. ابن سيده: التَّطاوُلُ والاسْتِطالة التَّفَضُّل
ورَفْعُ النفس، واشتقاق الطائل من الطُّول. ويقال للشيء الخَسِيس الدُّون: هو
بطائل الذَّكَرُ والأُنثى في ذلك سواءٌ؛ وأَنشد:
لقد كَلَّفوني خُطَّة غيرَ طائل
الجوهري: هذا أَمر لا طائلَ فيه إِذا لم يكن فيه غَنَاءٌ ومَزِيّة، يقال
ذلك في التذكير والتأْنيث. ولم يَحْلَ منه بِطائلٍ: لا يُتَكَلَّم به
إِلاَّ في الجَحْد. وفي الحديث: أَنه ذكر رجلاً من أَصحابه قُبِضَ فكُفِّن
في كَفَنٍ غير طائلٍ أَي غير رَفيعٍ ولا نفيس، وأَصل الطائل النفع
والفائدة. وفي حديث ابن مسعود في قتل أَبي جهل: ضَرَبْته بسيف غير طائل أَي غير
ماضٍ ولا قاطع كأَنه كان سيفاً دُوناً بين السيوف. والطَّوائل: الأَوتار
والذُّحُول، واحدتها طائلة؛ يقال: فلان يَطْلُب بني فلان بطائلةٍ أَي
بوَتْرٍ كأَن له فيهم ثأْراً فهو يطلبه بِدَمِ قتيله. وبيْنَهم طائلةٌ أَي
عداوة وتِرَةٌ؛ وقول ذي الرمة يصف ناقته:
مَوَّارة الضَّبعِ مِثلُ الحَيْدِ حارِكُها،
كأَنَّها طالةٌ في دَفِّها بَلَق
قال: الطَّالة الأَتان؛ قال أَبو منصور: ولا أَعرفه فلينظر في شعر ذي
الرمة.
والطُّوَّل، بالتشديد: طائر. وطَيِّلَةُ الرِّيح: نَيِّحتُها.
وطُوالة: موضع، وقيل بئر؛ قال الشَّمَّاخ:
كِلا يَوْمَيْ طُوالةَ وَصْلُ أَرْوى
ظَنُونٌ آنَ مُطَّرَحُ الظَّنُون
قال أَبو منصور: ورأَيت بالصَّمَّان روضة واسعة يقال لها الطَّوِيلة،
وكان عَرْضُها قدرَ مِيلٍ في طُول ثلاثة أَميال، وفيها مَساكٌ لماء السماء
إِذا امتلأَ شَرِبوا منه الشهرَ والشهرين؛ وقال في موضع آخر: تكون ثلاثة
أَميال في مثلها؛ وأَنشد:
عادَ قَلْبي من الطَّوِيلة عِيدُ
وبَنُو الأَطْوَل: بطن.
شهدر: الشِّهْدارة، بدال غير معجمة: الرجل القصير؛ وأَنشد الفراء فيه:
ولم تَكُ شِهْدارَةَ الأَــبْعَدِينَ،
ولا زُمَّحَ الأَقْرَبِينَ الشَّرِيرَا
ورجل شِهْدارة أَي فاحش، بالدال والذال جميعاً.
قبح: القُبْحُ: ضد الحُسْنِ يكون في الصورة؛ والفعل قَبُحَ يَقْبُح
قُبْحاً وقُبُوحاً وقُباحاً وقَباحةً وقُبوحة، وهو قبيح، والجمع قِباحٌ
وقَباحَى والأُنْثَى قَبيحة، والجمع قَبائِحُ وقِباحٌ؛ قال الأَزهري: هو نقيض
الحُسْنِ، عامّ في كل شيء.
وفي الحديث: لا تُقَبِّحُوا الوَجْهَ؛ معناه: لا تقولوا إِنه قبيح فإِن
الله مصوّره وقد أَحسن كل شيء خَلَقَه؛ وقيل: أَي لا تقولوا قَبَح اللهُ
وَجْه فلان.
وفي الحديث: أَقْبَحُ الأَسماء حَربٌ ومُرَّة؛ هو من ذلك، وإِنما كان
أَقبحها لأَن الحرب مما يُتَفَاءل بها وتكره لما فيها من القتل والشرّ
والأَذى، وأَما مُرَّة فَلأَنه من المَرارة، وهو كريه بغيض إِلى الطِّباع،
أَو لأَنه كنية إِبليس، لعنه الله، وكنيته أَبو مرة. وقَبَّحهُ الله:
صيَّره قَبيحاً؛ قال الحُطَيئة:
أَرى لك وَجْهاً قَبَّح اللهُ شَخْصَه
فَقُبِّحَ من وَجْهٍ، وقُبِّحَ حاملُهْ
وأَقْبَح فلان: أَتى بقبيح.
واسْتَقْبَحه: رآه قبيحاً. والاسْتِقْباح: ضد الاستحسان.
وحكى اللحياني: اقْبُحْ إِن كنتَ قابِحاً؛ وإِنه لقَبيح وما هو بقابِح
فوق ما قَبُحَ، قال: وكذلك يفعلون في هذه الحروف إِذا أَرادوا افْعَلْ ذاك
إِن كنتَ تريد أَن تفعل.
وقالوا: قُبْحاً له وشُقْحاً وقَبْحاً له وشَقْحاً، الأَخيرة إِتباع.
أَبو زيد: قَبَحَ اللهُ فلاناً قَبْحاً وقبوحاً أَي أَقصاه وباعده عن كل
خير كقُبُوح الكلب والخِنزير.
وفي النوادر: المُقَابَحةُ والمُكابَحَة المُشَاتمة. وفي التنزيل: ويومَ
القِيَامة هم من المَقْبُوحين أَي من المُــبْعَدِين عن كل خير؛ وأَنشد
الأَزهري للجَعْدِيّ:
ولَيْسَت بشَوْهاءَ مَقْبُوحةٍ،
تُوافي الدِّيارَ بِوجْهٍ غَبِرْ
قال أُسَيْدٌ: المَقْبُوح الذي يُرَدُّ ويُخْسَأُ. والمَنْبُوحُ: الذي
يُضْرَبُ له مَثَلُ الكلب. وروي عن عَمَّار أَنه قال لرجل نال بحضرته من
عائشة، رضي الله عنها: اسْكُتْ مَقْبُوحاً مَشْقُوحاً مَنبوحاً؛ أَراد هذا
المعنى؛ أَبو عمرو: قَبَحتُ له وجهَه، مُخففة، والمعنى قلت له: قَبَحه
الله وهو من قوله تعالى: ويومَ القيامة هم من المَقْبوحين، أَي من
المُــبْعَدين الملعونين، وهو من القَبْح وهو الإِبعاد.
وقَبَّحَ له وجهَه: أَنْكَرَ عليه ما عمل؛ وقَبَّح عليه فعله تَقْبيحاً؛
وفي حديث أُمّ زَرْع: فعنده أَقولُ فلا أُقَبَّح أَي لا يَرُدُّ عليّ
قولي لميله إِليَّ وكرامتي عليه؛ يقال: قَبَّحْتُ فلاناً إِذا قلت له
قَبَحه الله، من القَبْحِ، وهو الإِبعاد؛ وفي حديث أَبي هريرة: إِن مُنِع
قَبَّحَ وكَلَحَ أَي قال له قَبَحَ الله وجهك والعرب تقول: قَبَحَه اللهُ
وأُمًّا زَمَعَتْ به أَي أَبعده الله وأَبعد والدته.
الأَزهري: القَبِيح طَرَفُ عَظْمِ المِرْفَقِ، والإِبرة عُظَيْم آخر
رأْسه كبير وبقيته دقيق مُلَزَّز بالقبيح؛ وقال غيره: القَبيح طَرَفُ عظم
العَضُدِ مما يلي المِرْفَق بين القبيح وبين إِبرة الذراع
(* قوله «بين
القبيح وبين ابرة الذراع» هكذا بالأصل ولعله بين المرفق وبين ابرة الذراع.)،
وإِبرة الذراع من عندها يَذرَعُ الذراع، وطَرَفُ عظم العضد الذي يلي
المَنْكِبَ يُسمَّى الحَسَنَ لكثرة لحمه؛ والأَسفلُ القَبِيحَ؛ وقال الفراء:
أَسلفُ العَضُدِ القبيحُ وأَعلاها الحسَنُ؛ وقيل: رأْس العضد الذي يلي
الذراع، وهو أَقل العِظام مُشاشاً ومُخًّا؛ وقيل: القَبِيحان الطَرَفانِ
الدقيقان اللذان في رؤُوس الذراعين، ويقال لطرف الذراع الإِبرة؛ وقيل:
القبيحان مُلْتَقَى الساقين والفخذين؛ قال أَبو النجم:
حيث تُلاقي الإِبْرَةُ القَبيحا
ويقال له أَيضاً: القَباحُ
(* قوله «ويقال له أَيضاً القباح» كسحاب كما
في القاموس.)؛ وقال أَبو عبيد: يقال لعظم الساعد مما يلي النِّصْفَ منه
إِلى المِرْفَق: كَِسْرُ قَبيح؛ قال:
ولو كنتَ عَيْراً، كنتَ عَيْرَ مَذَلَّةٍ،
ولو كنتش كَِسْراً، كنتَ كَِسْرَ قبيحِ
وإِنما هجاه بذلك لأَنه أَقل العِظام مُشاشاً، وهو أَسرعُ العِظام
انكساراً، وهو لا ينجبر أَبداً، وقوله: كسر قبيح هو من إِضافة الشيء إِلى نفسه
لأَن ذلك العظم يقال له كسر.
الأَزهري: يقال قَبَحَ فلانٌ بَثْرَةً خرجت بوجهه، وذلك إِذا فَضَخَها
ليُخْرج قَيْحَها، وكل شيء كسرته فقد قَبَحْته. ابن الأَعرابي: يقال قد
اسْتَكْمَتَ العُرُّ فاقْبَحْهُ، والعُرُّ: البَثْرة، واسْتِكْماتُه:
اقترابه للانفقاء.
والقُبَّاحُ: الدُّبُّ
(* قوله «والقباح الدب» بوزن رمان كما في
القاموس.) الهَرِمُ.
والمَقابِحُ: ما يُسْتَقْبَح من الأَخلاق، والمَمادِحُ: ما يُسْتَحْسَنُ
منها.
خسأ: الخاسِئُ من الكِلاب والخَنازِير والشياطين: البعِيدُ الذي لا يُتْرَكُ أَن يَدْنُوَ من الإِنسانِ. والخاسِئُ: الـمَطْرُود.
وخَسَأَ الكلبَ يَخْسَؤُه خَسْأً وخُسُوءاً، فَخَسَأَ وانْخَسَأَ: طَرَدَه. قال:
كالكَلْبِ إِنْ قِيلَ له اخْسَإِ انْخَسَأْ
أَي إِنْ طَرَدْتَه انْطَرَدَ.
الليث: خَسَأْتُ الكلبَ أَي زَجَرْتَه فقلتَ له اخْسَأْ، ويقال:
خَسَأْتُه فَخَسَأَ أَي أَبْعَدْتُه فَبَعُد.
وفي الحديث: فَخَسَأْتُ الكلبَ أَي طَرَدْتُه وأَبْعَدْتُه. والخاسِئُ:
الـمُبْعَدُ، ويكون الخاسِئُ بمعنى الصاغِرِ القَمِئِ. وخسَأَ الكلبُ
بنَفْسِه يَخْسَأُ خُسوءاً، يَتعدَّى ولا يتعدّى؛ ويقال: اخْسَأْ اليك
واخْسَأْ عنِّي. وقال الزجاج في قوله عز وجل: قال اخْسَؤوا فيها ولا تُكَلِّمُونِ: معناه تَباعُدُ سَخَطٍ. وقال اللّه تعالى لليهود: كُونوا
قِرَدةً خاسِئين أَي مَدْحُورِين. وقال الزجاج: مُــبْعَدِين. وقال ابن أَبي إِسحق لبُكَيْرِ بن حبيب: ما أَلحَن في شيء. فقال: لا تَفْعَلْ. فقال: فخُذْ عليَّ كَلِمةً. فقال: هذه واحدة، قل كَلِمهْ؛ ومرَّت به سِنَّوْرةٌ فقال لها: اخْسَيْ. فقال له: أَخْطَأْتَ انما هو: اخْسَئِي. وقال أَبو مهدية: اخْسَأْنانِّ عني. قال الأَصمعي: أَظنه يعني الشياطين.
وخَسَأَ بصَرُه يَخْسَأُ خَسْأً وخُسُوءاً إِذا سَدِرَ وكَلَّ وأَعيا.
وفي التنزيل: «يَنْقَلِبْ اليكَ البَصَرُ خاسِئاً، وهُو حَسِير» وقال
الزجاج: خاسِئاً، أَي صاغِراً، منصوب على الحال.
وتخاسَأَ القومُ بالحجارة: تَرامَوْا بها. وكانت بينهم مُخاسأَةُ.
غول: غاله الشيءُ غَوْلاً واغْتاله: أَهلكه وأَخذه من حيث لم يَدْر. والغُول: المنيّة. واغْتاله: قَتَله غِيلة، والأَصل الواو. الأَصمعي وغيره: قَتل فلان فلاناً غِيلة أَي في اغْتيال وخُفْية، وقيل: هو أَن يخدَع الإِنسان حتى يصير إِلى مكان قد استخفى له فيه مَن يقتله؛ قال ذلك أَبو عبيد. وقال ابن السكيت: يقال غاله يَغُوله إِذا اغْتاله، وكل ما أَهلك الإِنسان فهو غُول، وقالوا: الغضب غُول الحلم أَي أَنه يُهْلكه ويَغْتاله ويذهب به. ويقال: أَيَّةُ غُول أَغْوَل من الغضب. وغالتْ فلاناً غُول أَي هَلَكَةٌ، وقيل: لم يُدْر أَين صَقَع. ابن الأَعرابي: وغال الشيءُ زيداً إِذا ذهب به يَغُوله. والغُول: كل شيء ذهب بالعقل. الليث: غاله الموت أَي أَهلكه؛ وقول الشاعر أَنشده أَبو زيد:
غَنِينَا وأَغْنانا غنانا، وغالَنا
مآكل، عَمَّا عندكم، ومَشاربُ
يقال: غالنا حَبَسنا. يقال: ما غالك عنا أَي ما حبَسك عنا. الأَزهري: أَبو عبيد الدواهي وهي الدَّغاوِل، والغُول الداهية. وأَتَى غُوْلاً غائلة أَي أَمراً منكَراً داهياً. والغَوائل: الدواهي. وغائِلة الحوض: ما انخرق منه وانثقب فذهب بالماء؛ قال الفرزدق:
يا قيسُ، إِنكمُ وجدْتم حَوْضَكم
غالَ القِرَى بمُثَلَّمٍ مَفْجور
ذهبتْ غَوائِلُه بما أَفْرَغْتُمُ،
بِرِشاء ضَيِّقة الفُروع قَصِير
وتَغَوَّل الأَمرُ: تناكر وتَشابه.
والغُول، بالضم: السِّعْلاة، والجمع أَغْوال وغِيلان.
والتَّغَوُّل: التَّلَوُّن، يقال: تَغَوَّلت المرأَة إِذا تلوّنت؛ قال
ذو الرمة:
إِذا ذاتُ أَهْوال ثَكُولٌ تَغَوَّلت
بها الرُّبْدُ فَوْضى، والنَّعام السَّوارِحُ
وتَغَوَّلت الغُول: تخيلت وتلوّنت؛ قال جرير:
فَيَوْماً يُوافِيني الهَوى غير ماضِيٍ،
ويوماً ترى منهنّ غُولاً تَغَوَّلُ
(* قوله «غير ماضيٍ» هكذا في الأصل وفي ديوان جرير: فيوماً بجارين الهوى
غير ماصِباً، وربما كان في الروايتين تحريف).
قال ابن سيده: هكذا أَنشده سيبويه، ويروى: فيوماً يُجارِيني الهَوى،
ويروى: يوافِيني الهوى دون ماضي. وكلّ ما اغتال الإِنسانَ فأَهلكه فهو غُول.
وتَغَوَّلتهم الغُول: تُوِّهوا. وفي حديث النبي، صلى الله عليه وسلم:
عليكم بالدُّلْجة فإِن الأَرض تطوى بالليل، وإِذا تَغَوَّلت لكم الغِيلان
فبادروا بالأَذان ولا تنزلوا على جوادِّ الطريق ولا تصلّوا عليها فإِنها
مأْوى الحيات والسباع أَي ادفعوا شرّها بذكر الله، وهذا يدل على أَنه لم
يرد بنفيها عدمَها، وفي الحديث: ان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال:
لا عَدْوى ولا هامَة ولا صَفَر ولا غُولَ؛ كانت العرب تقول إِن الغِيلان
في الفَلَوات تَراءَى للناس، فتَغَوَّلُ تَغَوّلاً أَي تلوّن تلوّناً
فتضلهم عن الطريق وتُهلكهم، وقال: هي من مَردة الجن والشياطين، وذكرها في
أَشعارهم فاشٍ فأَبطل النبي، صلى الله عليه وسلم، ما قالوا؛ قال الأَزهري:
والعرب تسمي الحيّات أَغْوالاً؛ قال ابن الأَثير: قوله لا غُولَ ولا
صَفَر، قال: الغُول أَحد الغِيلان وهي جنس من الشياطين والجن، كانت العرب تزعم
أَن الغُول في الفَلاة تتراءَى للناس فتَتَغَوّل تغوّلاً أَي تتلوَّن
تلوّناً في صُوَر شتَّى وتَغُولهم أَي تضلهم عن الطريق وتهلكهم، فنفاه
النبي، صلى الله عليه وسلم، وأَبطله؛ وقيل: قوله لا غُولَ ليس نفياً لعين
الغُول ووُجوده، وإِنما فيه إِبطال زعم العرب في تلوّنه بالصُّوَر المختلفة
واغْتياله، فيكون المعنيّ بقوله لا غُولَ أَنها لا تستطيع أَن تُضل
أَحداً، ويشهد له الحديث الآخر: لا غُولَ ولكن السَّعالي؛ السَّعالي: سحرة
الجن، أَي ولكن في الجن سحرة لهم تلبيس وتخييل. وفي حديث أَبي أَيوب: كان لي
تمرٌ في سَهْوَةٍ فكانت الغُول تجيء فتأْخذ. والغُول: الحيَّة، والجمع
أَغْوال؛ قال امرؤ القيس:
ومَسْنونةٍ زُرقٍ كأَنْياب أَغْوال
قال أَبو حاتم: يريد أَن يكبر بذلك ويعظُم؛ ومنه قوله تعالى: كأَنه رؤوس
الشياطين؛ وقريش لم تَرَ رأْس شيطان قط، إِنما أَراد تعظيم ذلك في
صدورهم، وقيل: أَراد امرؤ القيس بالأَغْوال الشياطين، وقيل: أَراد الحيّات،
والذي هو أَصح في تفسير قوله لا غُول ما قال عمر، رضي الله عنه: إِن أَحداً
لا يستطيع أَن يتحوّل عن صورته التي خلق عليها، ولكن لهم سحرَة كسحرتكم،
فإِذا أَنتم رأَيتم ذلك فأَذِّنوا؛ أَراد أَنها تخيّل وذلك سحر منها.
ابن شميل: الغُول شيطان يأْكل الناس. وقال غيره: كل ما اغْتالك من جنّ أَو
شيطان أَو سُبع فهو غُول، وفي الصحاح: كل ما اغْتال الإِنسان فأَهلكه فهو
غُول. وذكرت الغِيلان عند عمر، رضي الله عنه، فقال: إِذا رآها أَحدكن
فليؤذِّن فإِنه لا يتحوّل عن خلقه الذي خلق له. ويقال: غالَتْه غُول إِذا
وقع في مهلكه. والغَوْل: بُعْد المَفازة لأَنه يَغْتال من يمرّ به؛
وقال:به تَمَطَّتْ غَوْلَ كلِّ مِيلَه،
بِنا حَراجِيجُ المَهارى النُّفَّهِ
المِيلَهُ: أَرض تُوَلّه الإِنسان أَي تحيِّره، وقيل: لأَنها تَغْتال
سير القوم. وقال اللحياني: غَوْل الأَرض أَن يسير فيها فلا تنقطع. وأَرض
غَيِلة: بعيدة الغَوْل، عنه أَيضاً. وفلاة تَغَوَّل أَي ليست بيِّنة الطرق
فهي تُضَلِّل أَهلَها، وتَغَوُّلها اشتِباهُها وتلوُّنها. والغَوْل:
بُعْد الأَرض، وأَغْوالها أَطرافُها، وإِنما سمي غَوْلاً لأَنها تَغُول
السَّابِلَة أَي تقذِف بهم وتُسقطهم وتبعِدهم. ابن شميل: يقال ما أَبعد غَوْل
هذه الأَرض أَي ما أَبعد ذَرْعها، وإِنها لبعيدة الغَوْل. وقد تَغَوَّلت
الأَرض بفلان أَي أَهلكته وضلّلته. وقد غالَتْهم تلك الأَرض إِذا هلكوا
فيها؛ قال ذو الرمة:
ورُبّ مَفازةٍ قُذُف جَمُوحٍ،
تَغُول مُنَحِّبَ القَرَبِ اغْتِيالا
وهذه أَرض تَغْتال المَشْيَ أَي لا يَسْتَبين فيها المشي من بُعْدها
وسعتها؛ قال العجاج:
وبَلْدَةٍ بعيدةِ النِّياطِ،
مَجْهولةٍ تَغْتالُ خَطْوَ الخاطي
ابن خالويه: أَرض ذات غَوْل بعيدة وإِن كانت في مَرْأَى العين قريبة.
وامرأَة ذات غَوْل أَي طويلة تَغُول الثياب فتقصُر عنها. والغَوْل: ما
انهبط من الأَرض؛ وبه فسر قول لبيد:
عَفَتِ الديارُ مَحَلّها، فمُقامُها،
بِمِنًى تأَبَّدَ غَوْلُها فَرِجامُها
وقيل: إِن غَوْلها ورِجامها في هذا البيت موضعان. والغَوْل: التُّراب
الكثير؛ ومنه قول لبيد يصف ثوراً يَحْفِر رملاً في أَصل أَرْطاةٍ:
ويَبْري عِصِيّاً دونها مُتْلَئِبَّةً،
يَرى دُونَها غَوْلاً، من الرَّمْلِ، غائِلا
ويقال للصَّقْر وغيره: لا يغتاله الشبع؛ قال زهير يصف صَقْراً:
من مَرْقَبٍ في ذُرى خَلقاء راسِيةٍ،
حُجْن المَخالِبِ لا يَغْتاله الشِّبَعُ
أَي لا يذهب بقُوّته الشبع، أَراد صقراً حُجْناً مخالبُه ثم أَدخل عليه
الأَلف واللام. والغَوْل: الصُّداع، وقيل السُّكر، وبه فسر قوله تعالى:
لا فيها غَوْل ولا هم عنها يُنْزَفون؛ أَي ليس فيها غائلة الصُّداع لأَنه
تعالى قال في موضع آخر: لا يصدَّعون عنها ولا يُنْزِفون. وقال أَبو
عبيدة: الغَوْل أَن تَغْتال عقولَهم؛ وأَنشد:
وما زالت الخمر تَغْتالُنا،
وتذهَبُ بالأَوَّلِ الأَوَّلِ
أَي توصِّل إِلينا شرًّا وتُعْدمنا عقولَنا. التهذيب: معنى الغَوْل يقول
ليس فيها غيلة، وغائلة وغَوْل سواء. وقال محمد بن سلام: لا تَغُول
عقولهم ولا يسكَرون. وقال أَبو الهيثم: غالَتِ الخمر فلاناً إِذا شربها فذهبت
بعقله أَو بصحة بدنه، وسميت الغُول التي تَغُول في الفَلوات غُولاً بما
توصِّله من الشرِّ إِلى الناس، ويقال: سميت غُولاً لتلوُّنها، والله
أَعلم. وقوله في حديث عهدة المَماليك: لا داء ولا خِبْثَةَ ولا غائِلة؛
الغائلة فيه أَن يكون مسروقاً، فإِذا ظهر واستحقه مالكه غال مال مشتريه الذي
أَدَّاه في ثمنه أَي أَتلفه وأَهلكه. يقال: غاله يَغُوله واغْتاله أَي
أَذهبه وأَهلكه، ويروى بالراء، وهو مذكور في موضعه. وفي حديث بن ذي يَزَن:
ويَبْغُون له الغَوائل أَي المهالك، جمع غائلة. والغَوْل: المشقَّة.
والغَوْل: الخيانة. ويروى حديث عهدة المماليك: ولا تَغْيِيب؛ قال ابن شميل:
يكتب الرجل العُهود فيقول أَبيعُك على أَنه ليس لك تَغْيِيب ولا داء ولا
غائلة ولا خِبْثة؛ قال: والتَّغْيِيب أَن لا يَبِيعه ضالَّة ولا لُقَطة ولا
مُزَعْزَعاً، قال: وباعني مُغَيَّباً من المال أَي ما زال يَخْبَؤُه
ويغيِّبه حتى رَماني به أَي باعَنِيه؛ قال: والخِبْثة الضالَّة أَو السَّرقة،
والغائلة المغيَّبة أَو المسروقة، وقال غيره: الداء العَيْب الباطن الذي
لم يُطْلِع البائعُ المشتري عليه، والخِبْثة في الرَّقيق أَن لا يكون
طيِّب الأَصل كأَنه حرُّ الأَصل لا يحل ملكه لأَمانٍ سبق له أَو حرِّية
وجبت له، والغائلة أَن يكون مسروقاً، فإِذا استُحِق غال مال مشتريه الذي
أَدَّاه في ثمنه؛ قال محمد بن المكرم: قوله الخِبْثة في الرَّقيق أَن لا
يكون طيب الأَصل كأَنه حرّ الأَصل فيه تسمُّح في اللفظ، وهو إِذا كان حرّ
الأَصل كان طيِّب الأَصل، وكان له في الكلام متَّسع لو عدَل عن هذا.
والمُغاوَلة: المُبادرة في الشيء. والمُغاوَلة: المُبادَأَة؛ قال جرير
يذكر رجلاً أَغارت عليه الخيل:
عايَنْتُ مُشْعِلةَ الرِّعالِ، كأَنها
طيرٌ تُغاوِلُ في شَمَامَ وُكُورَا
قال ابن بري: البيت للأَخطل لا لجرير. ويقال: كنت أُغاوِل حاجة لي أَي
أُبادِرُها. وفي حديث عَمّار: أَنه أَوْجَز في الصلاة وقال إِني كنت
أُغاوِلُ حاجةً لي. وقال أَبو عمرو: المُغاوَلة المُبادَرة في السير وغيره،
قال: وأَصل هذا من الغَوْل، بالفتح، وهو البعد. يقال: هوَّن الله عليك
غَوْل هذا الطريق. والغَوْل أَيضاً من الشيء يَغُولك: يذهب بك. وفي حديث
الإِفْك: بعدما نزلوا مُغاوِلين أَي مُــبْعِدين في السَّير. وفي حديث قيس بن
عاصم: كنت أُغاوِلُهم في الجاهلية أَي أُبادِرهم بالغارة والشرّ، من غاله
إِذا أَهلكه، ويروى بالراء وقد تقدم. وفي حديث طهفة: بأَرض غائِلة
النَّطاة أَي تَغُول ساكنها ببعدها؛ وقول أُمية بن أَبي عائذ يصف حماراً
وأُتُناً:
إِذا غَرْبَة عَمَّهنَّ ارْتَفَعْـ
ـنَ أَرضاً، ويَغْتالُها باغْتِيال
قال السكري: يَغْتال جريَها بِجَريٍ من عنده.
والمِغْوَل: حديدة تجعل في السوط فيكون لها غِلافاً، وقيل: هو سيف دقيق
له قَفاً يكون غمده كالسَّوْط؛ ومنه قول أَبي كبير:
أَخرجت منها سِلْعَة مهزولة،
عَجْفاء يَبْرُق نابُها كالمِغْوَل
أَبو عبيد: المِغْول سوط في جوفه سيف، وقال غيره: سمي مِغْوَلاً لأَن
صاحبه يَغْتال به عدوَّه أَي يهلكه من حيث لا يحتسبه، وجمعه مَغاوِل. وفي
حديث أُم سليم: رآها رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وبيدها مِغْوَل فقال:
ما هذا؟ قالت: أَبْعَج به بطون الكفَّار؛ المِغوَل، بالكسر: شبه سيف
قصير يشتمل به الرجل تحت ثيابه، وقيل: هو حديدة دقيقة لها حدٌّ ماضٍ وقَفاً،
وقيل: هو سوط في جوفه سيف دقيق يشدُّه الفاتِك على وسَطه ليَغْتال به
الناس. وفي حديث خَوَّات: انتزعت مِغْولاً فوَجَأْت به كبده. وفي حديث
الفيل حين أَتى مكة: فضربوه بالمِغْوَل على رأْسه. والمِغْوَل: كالمِشْمَل
إِلا أَنه أَطول منه وأَدقّ. وقال أَبو حنيفة: المِغْوَل نَصْل طويل قليل
العَرْض غليظ المَتْن، فوصف العرض الذي هو كمِّية بالقلة التي لا يوصف بها
إِلا الكيفية. والغَوْل: جماعة الطَّلْح لا يشاركه شيء.
والغُولُ: ساحرة الجن، والجمع غِيلان. وقال أَبو الوفاء الأَعرابيُّ:
الغُول الذكَر من الجن، فسئل عن الأُنثى فقال: هي السِّعْلاة. والغَوْلان،
بالفتح: ضرب من الحَمْض. قال أَبو حنيفة: الغَوْلان حَمْض كالأُشنان شبيه
بالعُنْظُوان إِلا أَنه أَدقُّ منه وهو مرعى؛ قال ذو الرمة:
حَنِينُ اللِّقاح الخُور حرَّق ناره
بغَوْلان حَوْضَى، فوق أَكْبادها العِشْر
والغُولُ وغُوَيْلٌ والغَوْلان، كلها: مواضع. ومِغْوَل: اسم رجل.