Current Dictionary: All Dictionaries

Search results for: التزام

مَفْهُوم الْمُخَالفَة

مَفْهُوم الْمُخَالفَة: مَا يفهم من الْكَلَام بطرِيق الِــالْتِزَام وَقيل هُوَ أَن يثبت الحكم فِي الْمَسْكُوت على خلاف مَا ثَبت فِي الْمَنْطُوق - وَفِي التَّحْقِيق شرح الْأُصُول الحسامي وَاعْلَم أَن عَامَّة الْأُصُولِيِّينَ لَيْسَ من أَصْحَاب الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى قسموا دلَالَة اللَّفْظ إِلَى مَنْطُوق وَمَفْهُوم وَقَالُوا دلَالَة الْمَنْطُوق مَا دلّ عَلَيْهِ اللَّفْظ فِي مَحل النُّطْق وَجعلُوا مَا سميناه عبارَة وَإِشَارَة واقتضاء من هَذَا الْقَبِيل - وَقَالُوا دلَالَة الْمَفْهُوم مَا دلّ عَلَيْهِ اللَّفْظ لَا فِي مَحل النُّطْق. ثمَّ قسموا الْمَفْهُوم. إِلَى مَفْهُوم مُوَافقَة وَهُوَ أَن يكون الْمَسْكُوت عَنهُ فِي الحكم مُوَافقا للمنطوق ويسمونه فحوى مُوَافق الْخطاب ولحن الْخطاب أَيْضا وَهُوَ الَّذِي سميناه دلَالَة النَّصْر. وَإِلَى مَفْهُوم مُخَالفَة وَهُوَ أَن يكون الْمَسْكُوت عَنهُ مُخَالفا للمنطوق بِهِ فِي الحكم ويسمونه دَلِيل الْخطاب وَهُوَ الْمعبر عندنَا بتخصيص الشَّيْء بِالذكر. الْمُفَسّر: هُوَ الْكَلَام الَّذِي ازْدَادَ وضوحه على وضوح النَّص على وَجه لَا يبْقى فِيهِ احْتِمَال التَّخْصِيص إِن كَانَ عَاما وَاحْتِمَال التَّأْوِيل إِن كَانَ خَاصّا. وَفِيه إِشَارَة إِلَى أَن النَّص يحْتَمل التَّخْصِيص والتأويل كَالظَّاهِرِ. وَإِن ازْدَادَ وضوحه على الظَّاهِر. وَإِنَّمَا سمي مُفَسرًا لِأَنَّهُ مُشْتَقّ من التَّفْسِير الَّذِي هُوَ الانكشاف. وَلما لم يبْق فِي ذَلِك الْكَلَام احْتِمَال قريب وَلَا بعيد صَار مُفَسرًا منكشفا خَالِيا عَن الْإِبْهَام نَحْو قَوْله تَعَالَى: {فَسجدَ الْمَلَائِكَة كلهم أَجْمَعُونَ} . فَإِن قَوْله تَعَالَى: {فَسجدَ الْمَلَائِكَة} ظَاهر فِي سُجُود جَمِيع الْمَلَائِكَة يحْتَمل التَّخْصِيص وَإِرَادَة الْبَعْض كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَإِذ قَالَت الْمَلَائِكَة يَا مَرْيَم} أَي جِبْرَائِيل. فبقوله تَعَالَى: {كلهم} انْقَطع ذَلِك الِاحْتِمَال وَصَارَ نصا لازدياد وضوحه على الأول لكنه يحْتَمل التَّأْوِيل وَالْحمل على التَّفَرُّق. فبقوله أَجْمَعُونَ انْقَطع ذَلِك الِاحْتِمَال وَصَارَ مُفَسرًا لانْقِطَاع الِاحْتِمَال عَن اللَّفْظ بِالْكُلِّيَّةِ - فَإِن قيل النَّص يُفِيد الْعلم الْقطعِي فَكيف يحْتَمل التَّخْصِيص والتأويل - قُلْنَا النَّص يحتملهما احْتِمَالا غير ناش عَن دَلِيل بل احْتِمَاله لَهما احْتِمَال عَقْلِي وَهُوَ لَا يقْدَح فِي إفادته الْعلم الْقطعِي.
وَاعْلَم أَن الْمُفَسّر يحْتَمل النّسخ - فَإِن قيل قَوْله تَعَالَى: {فَسجدَ الْمَلَائِكَة} لَا يحْتَمل النّسخ لِأَنَّهُ من جملَة الْأَخْبَار وَالْأَخْبَار بأسرها غير قَابِلَة للنسخ وَإِنَّمَا الْقَابِل لَهُ الْأَوَامِر والنواهي فَلَا يصلح مِثَالا للمفسر. قُلْنَا المُرَاد بالْخبر الْمَعْنى الْقَائِم بِصِيغَة الْخَبَر - فَالْمُرَاد بقَوْلهمْ إِن الْأَخْبَار بأسرها لَا تحْتَمل النّسخ أَن مَعَانِيهَا لَا تحتمله لِأَنَّهَا لَو احتملته لَأَدَّى إِلَى كذب الْمخبر أَو غلطه وَهُوَ مُسْتَحِيل على الله تَعَالَى - فإمَّا اللَّفْظ فَيجْرِي فِيهِ النّسخ وَإِن كَانَ مَعْنَاهُ محكما فَإِنَّهُ يجوز أَن لَا يتَعَلَّق بِهِ جَوَاز الصَّلَاة وَحُرْمَة الْقِرَاءَة على الْجنب وَهُوَ المُرَاد من نسخ اللَّفْظ.

النّذر

(النّذر) مَا يقدمهُ الْمَرْء لرَبه أَو يُوجِبهُ على نَفسه من صَدَقَة أَو عبَادَة أَو نَحْوهمَا (ج) نذور
النّذر: إِيجَاب مَا وَجب من جنسه لله تَعَالَى بِعَيْنِه حَتَّى لَا يجب اتِّبَاع الْجِنَازَة بِالنذرِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِب من جنسه. وَلَا الْوضُوء لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِب بِعَيْنِه بل وَاجِب للصَّلَاة. وَقَالَ السَّيِّد السَّنَد شرِيف الْعلمَاء قدس سره النّذر إِيجَاب عين الْفِعْل الْمُبَاح على نَفسه تَعْظِيمًا لله تَعَالَى.
النّذر:
[في الانكليزية] Vow
[ في الفرنسية] Voeu
بالفتح وسكون الذال المعجمة هو لغة الوعد بخير أو شرّ. وشرعا الوعد بخير، وحدّه بعضهم بأنّه التزام قربة غير لازمة بأصل الشرع، وهو ضربان: نذر لجاج بفتح اللام وهو كأن يقول إن كلمته فلله عليّ صوم أو عتق وهو ما أخرج مخرج اليمين، سمّي لجاجا لوقوعه حال الغضب واللّجاج؛ ونذر تبرّر بأن يلتزم قربة إن حدثت نعمة أو ذهبت نقمة كأن يقول إن شفي مريضي فلله علي كذا، أو يقول فعليّ كذا يسمّى تبرّرا لأنّه طلب البرّ والتّقرّب إلى الله تعالى، وهو قسمان، معلّق وسمّاه الرافعي وغيره نذر مجازاة، وغير معلّق كذا في شرح المنهاج فتاوى الشافعية. وقال الإمام الرازي في التفسير الكبير في تفسير قوله تعالى: وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ الآية، النّذر ما التزمه الإنسان بإيجابه على نفسه. يقال نذر ينذر، وأصله من الخوف لأنّ الإنسان إنّما يفقد على نفسه خوف التقصير في الأمر المهم عنده.
ونذرت القوم أنذارا بالتخويف. وفي الشريعة على ضربين: مفسّر وغير مفسّر. فالمفسر أن يقول نذرت لله عليّ عتق رقبة ولله عليّ حجّ، فههنا يلزم الوفاء به ولا يجزيه غيره. وغير المفسّر أن يقول نذرت لله على أن لا أفعل كذا ثم يفعله، أو يقول لله عليّ نذر من غير تسميته فيلزم فيه كفارة يمين لقوله عليه الصلاة والسلام: «من نذر نذرا وسمّى فعليه ما سمّى، ومن نذر نذرا ولم يسمّ فعليه كفارة يمين» انتهى. وفي جامع الرموز في فصل الاعتكاف النّذر إيجاب على النفس مما ليس عليها بالقول ولو اكتفى بالقلب لم يلزمه. وفي البحر الرائق وحواشي الهداية ما حاصله أنّ الأصل أنّ النّذر لا يصحّ إلّا بشروط: منها أن يكون الواجب من جنسه شرعا فلم يصح النّذر بعيادة المريض وتشييع الجنازة. ومنها أن يكون مقصودا لا وسيلة فلم يصح النّذر بالوضوء وسجدة التلاوة والاغتسال ودخول المسجد ومسّ المصحف والأذان وبناء الرباطات والمساجد وغير ذلك لأنّها قربات غير مقصودة. ومنها أن لا يكون واجبا في الحال وثاني الحال فلم يصح بصلاة الظهر وغيرها من المفروضات. ومنها أن لا يكون مستحيل الكون، فلو نذر صوم أمس أو اعتكاف شهر مضى لم يصح نذره به. ومنها أن لا يكون النّذر بمعصية فإنّه يحرم عليه الوفاء به ولا بمباح فلا يلزم الوفاء بنذر مباح من أكل وشرب ولبس وجماع وطلاق. ومنها أن يكون لله تعالى لا للمخلوق فلم يصح إذا قال لبعض الصلحاء يا سيدي فلان إن ردّ غائبي أو عوفي مريضي أو قضيت حاجتي فلك من الطعام أو الذهب كذا فإنّه باطل لكونه نذرا للمخلوق، اللهم إلّا إن قال يا الله إني نذرت لك إن شفيت مريضي أو رددت غائبي وقضيت حاجتي أن أطعم الفقراء الذين بباب الإمام الشافعي أو الإمام أبي الليث ونحو ذلك مما يكون فيه نفع للفقراء والنذر لله تعالى، ومصرف النذر هو الفقير. فما يوجد من الدراهم والشمع والزيت وغيرها وينقل إلى قبور الأولياء تقربا إليهم فحرام بإجماع المسلمين ما لم يقصدوا بصرفها إلى الفقراء الأحياء قولا واحدا.

الْيَمين

(الْيَمين) ضد الْيَسَار للجهة والجارحة وَالْبركَة وَالْقُوَّة وَالْقسم (مُؤَنّثَة) (ج) أَيمن وأيمان وأيامن
الْيَمين: دست راست وَقُوَّة وتوانائي. - وَفِي الشَّرْع تَقْوِيَة أحد طرفِي الْخَبَر بالمقسم بِهِ وَجمعه الْإِيمَان. وَفِي مجمع الْحَوَاشِي الْيَمين تَقْوِيَة مَا عزم عَلَيْهِ من تَحْصِيل فعل أَو امْتِنَاعه عَنهُ بِذكر اسْم الله تَعَالَى سَوَاء كَانَ ذَلِك وَاجِبا أَو مُبَاحا أَو حَرَامًا انْتهى.
ثمَّ الْيَمين بِاللَّه ثَلَاثَة أَقسَام - غموس - ولغو - ومنعقد. إِنَّه إِن حلف على إِثْبَات أَمر مَاض كذبا عمدا فَهُوَ غموس وجزاءه الْإِثْم والغموس هَا هُنَا هُوَ الدُّخُول فِي النَّار. - وَإِن حلف على ذَلِك الْإِثْبَات ظنا فَهُوَ لَغْو لَا فَائِدَة فِيهِ وَلَا إِثْم - وَإِن حلف على أَمر آتٍ فِي الْمُسْتَقْبل مُنْعَقد - وَفِيه كَفَّارَة فَقَط وَلَو مكْرها أَو مجبورا أَو نَاسِيا أَو حنث كَذَلِك - ثمَّ تطلق الْأَيْمَان على التعليقات أَيْضا لِأَن فِيهَا أَيْضا تَقْوِيَة أحد طرفِي الْخَبَر بِالشّرطِ أَو لِأَنَّهَا أَيْمَان التزامــا وَلذَا قَالُوا الشَّرْط فِي مثل إِن فعلت كَذَا فعبده حر أَو امْرَأَته طَالِق للْيَمِين على تَحْقِيق نقيض مَضْمُون الشَّرْط -. فَإِن كَانَ الشَّرْط مثبتا مثل إِن ضربت رجلا فَكَذَا فَهُوَ يَمِين للْمَنْع بِمَنْزِلَة قَوْلك وَالله لَا أضْرب رجلا. وَإِن كَانَ منفيا مثل إِن لم أضْرب رجلا فَكَذَا فَهُوَ يَمِين للْحَمْل بِمَنْزِلَة قَوْلك وَالله لَأَضرِبَن رجلا. وَالْحَاصِل أَن الْيَمين فِي الْإِثْبَات للْمَنْع - وَفِي النَّفْي للْحَمْل. فَمَعْنَى إِن ضربت رجلا فَعَبْدي حر وَالله لَا أضْرب رجلا. وَمعنى إِن لم أضْرب رجلا فَعَبْدي حر وَالله أضْرب رجلا. وَشرط الْبر فِي الأول أَن لَا يضْرب أحدا من الرِّجَال - وَفِي الثَّانِي ضرب أحد من الرِّجَال.
وَاعْلَم أَن بَين أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَمَالك رَحِمهم الله تَعَالَى اخْتِلَاف فِي أَلْفَاظ الْأَيْمَان وَالْأَصْل أَن الْأَلْفَاظ المستعملة فِي الْأَيْمَان مَبْنِيَّة على الْعرف عندنَا. وَعند الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى تبتنى على الْحَقِيقَة. وَعند مَالك رَحمَه الله تَعَالَى تبتنى على كلم الْقُرْآن.
ثمَّ اعْلَم أَن الْيَمين على نَوْعَيْنِ شَرْعِي وعرفي أما الْيَمين الشَّرْعِيّ فَهُوَ الَّذِي يُوجب الْإِثْم وَالْكَفَّارَة وَهُوَ لَا يجوز إِلَّا بِاللَّه تَعَالَى وكفارته تَحْرِير رَقَبَة فَإِن لم يجد فإطعام عشرَة مَسَاكِين أَو كسوتهم وَإِن لم يسْتَطع فَصِيَام ثَلَاثَة أَيَّام مُتَوَالِيَة. وَأما الْيَمين الْعرفِيّ فَهُوَ مَا اعتاده النَّاس من الْقسم بالعمر والبقاء والقدم وَغير ذَلِك لتأكيد الحكم وَهَذِه الْكَلِمَات بِمَنْزِلَة الْحُرُوف الْمُؤَكّدَة فاليمين الْعرفِيّ بِغَيْر اسْم الله تَعَالَى جَائِز لَيْسَ بمنهي عَنهُ.

الأربعة الأحرف

الأربعة الأحرف:
[في الانكليزية] Four letters poetry
[ في الفرنسية] Poesie de quatre lettres
هي عند بعض البلغاء أن يلتزم بإيرادها الكاتب أو الشاعر في كلامه، وهي عبارة عن الدال والهاء والألف والنون، وأن لا يورد سواها. وهذا النوع من الــالتزام من اختراع الشاعر الفارسي أمير خسرو دهلوي، وقد ذكر ذلك في كتاب إعجاز خسروي.

الإسلام

الإسلام: أحْينا عَلَيه يا حَيُّ- هو الخضوعُ والانقيادُ لما أخبر به سيدنا الرسُول محمد - صلى الله عليه وسلم - قاله السيد.
الإسلام: في "الدر المختار" هو تصديق سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - في جميع ما جاء عن الله تعالى مما علم مجيئه ضرورة أي بداهة.
الإسلام:
[في الانكليزية] Islam
[ في الفرنسية] L'Islam
هو لغة الطاعة والانقياد، ويطلق في الشرع على الانقياد إلى الأعمال الظاهرة، كما بين ذلك النبيّ صلى الله عليه وسلم بقوله: «الإسلام أن تشهد أن لا إله إلّا الله وأن محمدا رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتى الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت».
وحاصل ذلك أن الإسلام شرعا هو الأعمال الظاهرة من التلفظ بكلمتي الشهادة والإتيان بالواجبات والانتهاء عن المنهيات. وعلى هذا المعنى، هو يغاير الإيمان وينفك عنه، إذ قد يوجد التصديق مع انقياد الباطن بدون الأعمال، وقد يطلق على الأعمال المشروعة، ومنه قوله تعالى: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ وخبر أحمد: «أيّ الإسلام أفضل؟ قال:
الإيمان»، وخبر ابن ماجة «قلت ما الإسلام قال تشهد أن لا إله إلّا الله وتشهد أنّ محمدا رسول الله وتؤمن بالأقدار كلها خيرها وشرها حلوها ومرّها»، وعلى هذا هو يغاير الإيمان ولا ينفك عنه، أي عن الإيمان لاشتراطه لصحتها وهي لا تشترط لصحته خلافا للمعتزلة.
وأما الإسلام المأخوذ بالمعنى اللغوي الذي قد يستعمله به أهل الشرع أيضا فبينه وبين الإيمان تلازم في المفهوم، فلا يوجد شرعا إيمان بلا إسلام ولا عكسه وهو الظاهر.
وقيل بينهما ترادف لأن الإسلام هو الخضوع والانقياد للأحكام بمعنى قبولها والإذعان بها، وذلك حقيقة التصديق، فيترادفان. فالإسلام يطلق على ثلاثة معان والإيمان أيضا يطلق شرعا على كلّ من تلك المعاني الثلاثة، وإذا تقرر ذلك فحيث ورد ما يدلّ على تغايرهما كما في قوله تعالى قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا الآية، وكما في بعض الأحاديث، فهو باعتبار أصل مفهوميهما، فإنّ الإيمان عبارة عن تصديق قلبي، والإسلام عبارة عن طاعة وانقياد ظاهر كما صرّح بذلك في شروح صحيح البخاري.
فصحّ ما قاله ابن عباس وغيره في تفسير هذه الآية أنهم لم يكونوا منافقين بل كان إيمانهم ضعيفا، ويدل عليه قوله تعالى: وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ الآية، الدالّ على أن معهم من الإيمان ما يقبل به أعمالهم، وحينئذ يؤخذ من الآية أنه يجوز نفي الإيمان عن ناقصه. ومما يصرح به قوله عليه الصلاة والسلام: «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن» وفيه قولان لأهل السنة، أحدهما هذا، والثاني لا ينفى عنه اسم الإيمان من أصله ولا يطلق عليه مؤمن لإيهامه كمال إيمانه، بل يقيّد فيقال: مؤمن ناقص الإيمان، وهذا بخلاف اسم الإسلام فإنه لا ينتفي بانتفاء ركن من أركانه ولا بانتفاء جميعها ما عدا الشهادتين. وكأنّ الفرق أنّ نفيه يتبادر منه إثبات الكفر مبادرة ظاهرة بخلاف نفي الإيمان. وحيث ورد ما يدلّ على اتحادهما كقوله تعالى فَأَخْرَجْنا مَنْ كانَ فِيها مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فهو باعتبار تلازم المفهومين أو ترادفهما. ومن هاهنا قال كثيرون إنهما على وزان الفقير والمسكين، فإذا أفرد أحدهما دخل فيه الآخر ودلّ بانفراده على ما يدل عليه الآخر بانفراده، وإن قرن بينهما تغايرا كما في خبر أحمد «الإسلام علانية والإيمان في القلب»، وحيث فسّر الإيمان بالأعمال فهو باعتبار إطلاقه على متعلقاته لما تقرر أنه تصديق بأمور مخصوصة، ومنه: وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ، واتفقوا على أنّ المراد به هنا الصلاة ومنه حديث وفد عبد القيس: «هل تدرون ما الإيمان شهادة أن لا إله إلّا الله وأنّ محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وأن تؤدوا خمسا من المغنم» ففسّر فيه الإيمان بما فسر في حديث جبرائيل الإسلام، فاستفيد منهما إطلاق الإيمان والإسلام على الأعمال شرعا باعتبار أنها متعلقة مفهوميهما المتلازمين وهما التصديق والانقياد، فتأمّل ذلك حق التأمّل لتندفع به عنك الشكوك الواردة هاهنا. وممّا أطلق فيه الإيمان على الأعمال المشروعة ما روي «الإيمان اعتقاد بالقلب وإقرار باللسان وعمل بالأركان». هذا كله خلاصة ما ذكر ابن الحجر في شرح الأربعين للنووي في شرح الحديث الثاني.
الإسلام:
[في الانكليزية] Name ،noun
[ في الفرنسية] Nom
بالكسر والضمّ لغة بمعنى اللفظ الدال على الشيء كما في قوله: وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها، كذا ذكر المولوي عصام الدين في حاشية الفوائد الضيائية. وحاصله أنه يطلق لغة على مقابل المهمل، كما صرّح به في باب منع الصرف. وفي شرح المقاصد: الاسم هو اللفظ المفرد الموضوع للمعنى وهو يعم جميع أنواع الكلمة، والمسمّى هو المعنى الذي وضع الاسم بإزائه، والتسمية هو وضع الاسم للمعنى. وقد يراد به ذكر الشيء باسمه، يقال سمّى زيدا ولم يسم عمروا، ولا خفاء في تغاير الأمور الثلاثة، انتهى. وفي جامع الرموز في جواز اليمين باسم الله تعالى: الاسم عرفا لفظ دال على الذات والصفة معا كالرحمن والرحيم، والله اسم دال على ذات الواجب فهو اسم للذات انتهى. وفي كشف اللغات: الاسم بالكسر والضم، هو بالفارسية: نام، وفي اصطلاح أهل السلوك:
ليس لفظا يدلّ على شيء بالوضع، بل هو اسم الذّات للمسمّى باعتبار الصّفة. والصّفة إمّا وجودية كالعليم والقدير أو عدميّة كالقدوس والسّلام يقول الشاعر:

العارفون الذين يعرفون علمنا يقولون: الصفة والذات هي الاسم انتهى.
اعلم أنه قد اشتهر الخلاف في أنّ الاسم هل هو نفس المسمّى أو غيره، ولا يشكّ عاقل في أنه ليس النزاع في لفظ ف ر س أنه هل هو نفس الحيوان المخصوص أو غيره فإن هذا ممّا لا يشتبه على أحد، بل النزاع في مدلول الاسم أهو الذات من حيث هي هي أم هو الذات باعتبار أمر صادق عليه عارض له ينبئ عنه؛ فلذلك قال الأشعري قد يكون الاسم أي مدلوله عين المسمّى أي ذاته من حيث هي نحو الله، فإنه اسم علم للذات من غير اعتبار معنى فيه، وقد يكون غيره نحو الخالق والرازق ممّا يدلّ على نسبة إلى غيره. ولا شك أنّ تلك النسبة غيره وقد يكون لا هو ولا غيره كالعليم والقدير ممّا يدلّ على صفة حقيقية قائمة بذاته، فإنّ تلك الصفة لا هو ولا غيره عنده فهكذا الذات المأخوذة معها.

قال الآمدي: اتفق العقلاء على المغايرة بين التسمية والمسمّى، وذهب أكثر أصحابنا إلى أن التسمية هي نفس الأقوال الدالة، وإنّ الاسم هو نفس المدلول، ثم اختلف هؤلاء، فذهب ابن فورك وغيره إلى أن كل اسم فهو المسمّى بعينه. فقولك: الله دالّ على اسم هو المسمّى، وكذلك قولك عالم وخالق فإنه يدلّ على ذات الربّ الموصوف بكونه عالما وخالقا. وقال بعضهم من الأسماء ما هو عين كالموجود والذات ومنها ما هو غير كالخالق، فإنّ المسمّى ذاته، والاسم هو نفس الخلق وخلقه غير ذاته، ومنها ما ليس عينا ولا غيرا كالعالم فإن المسمّى ذاته والاسم علمه الذي ليس عين ذاته ولا غيرها. وتوضيح ذلك أنهم لم يريدوا بالتسمية اللفظ وبالاسم مدلوله كما يريدون بالوصف قول الواصف وبالصفة مدلوله، ثم إنّ ابن فورك ومن يوافقه اعتبروا المدلول المطابقي وأرادوا بالمسمّى ما وضع الاسم بإزائه، فأطلقوا القول بأن الاسم نفس المسمّى. والبعض أراد بالمسمّى ما يطلق عليه الاسم، وأخذ المدلول أعمّ من المطابقي واعتبر في أسماء الصفات المعاني المقصودة، فزعم أنّ مدلول الخالق الخلق وأنه غير ذات الخالق بناء على ما تقرّر من أنّ صفات الأفعال غير الموصوف، وأن الصفات التي لا عينه ولا غيره هي التي يمتنع انفكاكها عن موصوفها. ثم إنّ الأشعري أراد بالمسمّى ما يطلق عليه الاسم، أعني الذات، وأعتبر المدلول المطابقي وحكم بغيرية هذا المدلول أو بكونه لا هو ولا غيره باعتبار المدلول التضمني. وذهب المعتزلة إلى أنّ الاسم هو التسمية ووافقهم على ذلك بعض المتأخرين من أصحابنا. وذهب الأستاذ أبو نصر بن أيوب إلى أنّ لفظ الاسم مشترك بين التسمية والمسمّى، فيطلق على كل منهما ويفهم المقصود بحسب القرائن. ولا يخفى عليك أن النزاع على قول أبي نصر في لفظ اس م، وأنها تطلق على الألفاظ فيكون الاسم عين التسمية بالمعنى المذكور، أي القول الدال لا بمعنى فعل الواضع وهو وضع الاسم للمعنى، أو تطلق على مدلولاتها فيكون عين المسمّى، وكلا الاستعمالين ثابت، كما في قولك:

الأسماء والأفعال والحروف، وقوله تعالى:
تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ أي مسمّاه، وقول لبيد: اسم السلام عليكما. وقال الإمام الرازي:
المشهور عن أصحابنا أن الاسم هو المسمّى، وعن المعتزلة أنه التسمية، وعن الغزالي أنه مغاير لهما لأن النسبة وطرفيها مغايرة قطعا، والناس قد طوّلوا في هذه المسألة، وهو عندي فضول لأن الاسم هو اللفظ المخصوص والمسمّى ما وضع ذلك اللفظ بإزائه، فنقول:
الاسم قد يكون غير المسمّى، فإنّ لفظ الجدار مغاير لحقيقة الجدار وقد يكون عينه، فإن لفظ الاسم اسم للفظ دال على معنى مجرّد عن الزمان، ومن جملة تلك الألفاظ لفظ الاسم، فيكون لفظ الاسم اسما لنفسه فاتّحد هاهنا الاسم والمسمّى. قال: فهذا ما عندي، هذا كله خلاصة ما في شرح المواقف والچلپي وما في تعليقات جدّي رحمة الله عليه.
التقسيم
اعلم أنّ الاسم الذي يطلق على الشيء إمّا أن يؤخذ من الذات بأن يكون المسمّى به ذات الشيء وحقيقته من حيث هي، أو من جزئها، أو من وصفها الخارجي، أو من الفعل الصادر عنه؛ ثم أنظر أيّها يمكن في حق الله تعالى، فالمأخوذ من الوصف الخارجي الداخل في مفهوم الاسم فجائز في حقه تعالى، سواء كان الوصف حقيقيا كالعليم، أو إضافيا كالماجد بمعنى العالي، أو سلبيا كالقدوس، وكذا المأخوذ من الفعل كالخالق. وأما المأخوذ من الجزء كالجسم للإنسان فمحال لانتفاء التركيب في ذاته، فلا يتصوّر له جزء حتى يطلق عليه اسمه. أمّا المأخوذ من الذات فمن ذهب إلى جواز تعقّل ذاته جوّز أن يكون له اسم بإزاء حقيقته المخصوصة، ومن ذهب إلى امتناع تعقّلها لم يجوّز لأن وضع الاسم لمعنى فرع تعقله ووسيلة إلى تفهيمه، فإذا لم يمكن أن يعقل ويفهم فلا يتصوّر اسم بإزائه. وفيه بحث لأن الخلاف في تعقّل كنه ذاته ووضع الاسم لا يتوقف عليه إذ يجوز أن يعقل ذاتا ما بوجه ما، ويوضع الاسم لخصوصية ويقصد تفهيمها باعتبار ما لا بكنهها، ويكون ذلك الوجه مصحّحا للوضع وخارجا عن مفهوم الاسم، كما في لفظ الله، فإنه اسم علم له موضوع لذاته من غير اعتبار معنى فيه، كذا في شرح المواقف.
وفي شرح القصيدة الفارضية في علم التصوف: الأسماء تنقسم باعتبار الذات والصفات والأفعال إلى الذاتية، كالله والصفاتية كالعليم والأفعالية كالخالق، وتنحصر باعتبار الأنس والهيبة عند مطالعتها في الجمالية كاللطيف والجلالية كالقهار. والصفات تنقسم باعتبار استقلال الذات بها إلى ذاتية وهي سبعة:
العلم والحياة والإرادة والقدرة والسمع والبصر والكلام، وباعتبار تعلّقها بالخلق إلى أفعالية، وهي ما عدا السبعة ولكل مخلوق سوى الإنسان حظ من بعض الأسماء دون الكلّ كحظ الملائكة من اسم السبّوح والقدّوس. ولذا قالوا نحن نسبّح بحمدك ونقدس لك، وحظّ الشيطان من اسم الجبار والمتكبر، ولذلك عصى واستكبر واختص الإنسان بالحظ من جميعها ولذلك أطاع تارة وعصى أخرى وقوله تعالى وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها أي ركّب في فطرته من كل اسم من أسمائه لطيفة وهيّأه بتلك اللطائف للتحقّق بكل الأسماء الجلالية والجمالية، وعبّر عنهما بيديه فقال للإبليس ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَ وكلّ ما سواه مخلوق بيد واحدة لأنه إمّا مظهر صفة الجمال كملائكة الرحمة أو الجلال كملائكة العذاب. وعلامة المتحقق باسم من أسماء الله أن يجد معناه في نفسه كالمتحقق باسم الحق علامته أن لا يتغيّر بشيء، كما لم يتغير الحلاج عند قتله تصديقا لتحققه بهذا الاسم انتهى. وفي الإنسان الكامل قال المحققون أسماء الله تعالى على قسمين يعني الأسماء التي تفيد في نفسها وصفا فهي عند النحاة أسماء لغوية: القسم الأول هي الذاتية كالأحد والواحد والفرد والصمد والعظيم والحيّ والعزيز والكبير والمتعال وأشباه ذلك. القسم الثاني هي الصفاتية كالعليم والقادر ولو كانت من الأسماء النفسية وكالمعطي والخلّاق ولو كانت من الأفعالية، انتهى.

فائدة:
اعلم أنّ تسميته تعالى بالأسماء توقيفية، أي يتوقف إطلاقها على الإذن فيه وليس الكلام في أسماء الأعلام الموضوعة في اللغات، إنما النزاع في الأسماء المأخوذة من الصفات والأفعال، فذهب المعتزلة والكرّامية إلى أنها إذ ادلّ العقل على اتصافه تعالى بصفة وجودية أو سلبية جاز أن يطلق عليه اسم يدلّ على اتصافه بها، سواء ورد بذلك الإطلاق إذن شرعي أو لا، وكذا الحال في الأفعال. وقال القاضي أبو بكر من أصحابنا كلّ لفظ دلّ على معنى ثابت لله تعالى جاز إطلاقه عليه بلا توقيف إذا لم يكن إطلاقه موهما لما لا يليق بكبريائه، ولذا لم يجز أن يطلق عليه لفظ العارف، لأن المعرفة قد يراد بها علم تسبقه غفلة، وكذا لفظ الفقيه والعاقل والفطن والطبيب ونحو ذلك. وقد يقال لا بدّ مع نفي ذلك الإيهام من الإشعار بالتعظيم حتى يصحّ الإطلاق بلا توقيف. وذهب الشيخ ومتابعوه إلى أنه لا بدّ من التوقيف وهو المختار، وذلك للاحتياط فلا يجوز الاكتفاء في عدم إيهام الباطل بمبلغ إدراكنا، بل لا بدّ من الاستناد إلى إذن الشرع. فإن قلت من الأوصاف ما يمتنع إطلاقه عليه تعالى مع ورود الشرع بها كالماكر المستهزئ وغيرهما. أجيب بأنه لا يكفي في الإذن مجرّد وقوعها في الكتاب أو السنّة بحسب اقتضاء المقام وسياق الكلام، بل يجب أن يخلو عن نوع تعظيم ورعاية أدب، كذا في شرح المواقف وحواشيه.
والاسم عند أهل الجفر يطلق على سطر التكسير ويسمّى أيضا بالزّمام والحصّة والبرج، كذا في بعض الرسائل. وعند المنطقيين يطلق على لفظ مفرد يصح أن يخبر به وحده عن شيء، ويقابله الكلمة والأداة، ويجيء في لفظ المفرد. وعند النحاة يطلق على خمسة معان:

على ما في المنتخب حيث قال: اسم بالكسر والضم هو السّمة والعلامة على الشيء. وفي اصطلاح النحاة: يطلق الاسم على خمسة أشياء:
1 - الاسم، العلم، مقابل اللّقب والكنية.
2 - كلمة لا تحمل معنى وصفيا، وهي بهذا تقابل الصفة.
3 - كلمة لا تحمل معنى ظرفيا، وهي بهذا تقابل الظرف.
4 - كلمة تحمل معنى حاصل المصدر، وتستعمل كالمصدر.
5 - كلمة بدون إضافة كلمة أخرى إليها تدلّ على معنى ولا تدلّ على أيّ زمان من أزمنة الفعل من الماضي والمضارع والاستقبال، وهي بهذا الاصطلاح تقابل اصطلاح الفعل والحرف.
انتهى.
أما المعنى الأول فيجيء تحقيقه في لفظ العلم، ويطلق أيضا مرادفا للعلم كما يجيء هناك أيضا. وأما المعنى الثاني فقد صرّح به في شروح الكافية في باب منع الصرف في بحث الألف والنون المزيدتين. وأما المعنى الثالث فقد صرّحوا به أيضا هناك، وأيضا وقع في الضوء الظروف بعضها لازم الظرفية فيكون منصوبا أبدا نحو: عند وسوى، وبعضها يستعمل اسما وظرفا كالجهات الستّ، انتهى. وفي العباب ويستعمل إذا اسما صريحا مجرّدا عن معنى الظرفية أيضا، ويصير اسما مرفوع المحل بالابتداء أو مجروره أو منصوبه لا بالظرفية، نحو: إذا يقوم زيد إذا يقعد عمر، أي وقت قيام زيد وقت قعود عمر، فإذا هنا مبتدأ وخبر، انتهى.
فالاسم حينئذ مقابل للظرف بمعنى المفعول فيه. وأما المعنى الرابع فقد ذكر في تيسير القاري شرح صحيح البخاري في باب الاحتكار قال الاحتكار: هو شراء الغلّة في أوان الرّخص، لتباع فيما بعد عند غلائها. والحكرة هي اسم من فعل الاحتكار. وأيضا في جامع الرموز: الشبهة اسم من الاشتباه. وفي الصراح شبهة پوشيدگى كار. الخطأ في ستر العمل.
ثم أقول قال في بحر المعاني في تفسير قوله تعالى: فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ، الوقود بفتح الواو اسم لما يوقد به النار وهو الحصب وبالضم مصدر بمعنى الالتهاب انتهى. وهكذا في البيضاوي، وهذا صريح في أن الاسم قد يستعمل بمعنى الاسم الذي لا يكون مصدرا، سواء كان بمعنى الحاصل بالمصدر أو لم يكن إذ لا خفاء في عدم كون الوقود هاهنا بمعنى الحاصل بالمصدر، فينتقض الحصر في المعاني الخمسة حينئذ لخروج هذا المعنى من الحصر. وأما المعنى الخامس فشائع وتحقيقه أنهم قالوا الكلمة ثلاثة أقسام، لأنها إمّا أن تستقل بالمفهومية أو لا.
الثاني الحرف، والأول إمّا أن تدلّ بهيئتها على أحد الأزمنة الثلاثة أو لا. الثاني الاسم والأول الفعل، فالاسم ما دلّ على معنى في نفسه غير مقترن بأحد الأزمنة الثلاثة، والفعل ما دلّ على معنى في نفسه مقترن بأحد الأزمنة الثلاثة، والحرف ما دلّ على معنى في غيره. والضمير في قولهم في نفسه في كلا التعريفين إمّا راجع إلى ما، والمعنى ما دلّ على معنى كائن في نفس ما دلّ أي الكلمة؛ والمراد بكون المعنى في نفس الكلمة دلالتها عليه من غير حاجة إلى ضمّ كلمة أخرى إليها لاستقلاله بالمفهومية، وإما راجع إلى المعنى وحينئذ يكون المراد بكون المعنى في نفسه استقلاله بالمفهومية وعدم احتياجه في الانفهام إلى كلمة أخرى، فمرجع التوجيهين إلى أمر واحد وهو استقلال الكلمة بالمفهومية أي بمفهومية المعنى منه، وكذا الحال في قولهم في غيره في تعريف الحرف يعني أن الضمير إمّا عائد إلى ما، فيكون المعنى:
الحرف ما دلّ على معنى كائن في غير ما دلّ أي الكلمة لا في نفسه وحاصله أنه لا يدل بنفسه بل بانضمام كلمة أخرى إليها. وإمّا إلى المعنى فيكون المعنى: الحرف ما دلّ على معنى في غيره لا في نفسه بمعنى أنه غير تام في نفسه، أي لا يحصل ذلك المعنى من اللّفظ إلّا بانضمام شيء إليه، فمرجع هذين التوجهين إلى أمر واحد أيضا، وهو أن لا يستقل بالمفهومية.
ثم المعنى قد يكون إفراديا هو مدلول اللّفظ بانفراده وقد يكون تركيبيا يحصل منه عند التركيب فيضاف أيضا إلى اللّفظ، وإن كان معنى اللّفظ عند الإطلاق هو الإفرادي، ويشترك الاسم والفعل والحرف في أن معانيها التركيبية لا تحصل إلّا بذكر ما يتعلّق به من أجزاء الكلام، ككون الاسم فاعلا وكون الفعل مسندا مثلا مشروط بذكر متعلّقه، بخلاف الحرف، فإنّ معناه الإفرادي أيضا لا يحصل بدون ذكر المتعلق.
وتحقيق ذلك أن نسبة البصيرة إلى مدركاتها كنسبة البصر إلى مبصراته. وأنت إذا نظرت في المرآة وشاهدت صورة فيها فلك، هناك حالتان: إحداهما أن تكون متوجها إلى تلك الصورة مشاهدا إياها قصدا جاعلا للمرآة حينئذ آلة في مشاهدتها، ولا شك أن المرآة حينئذ مبصرة في هذه الحالة لكنها ليست بحيث تقدر بإبصارها على هذا الوجه أن تحكم عليها وتلتفت إلى أحوالها. والثانية أن تتوجّه إلى المرآة نفسها وتلاحظها قصدا فتكون صالحة لأن تحكم عليها، وحينئذ تكون الصورة مشاهدة تبعا غير ملتفت إليها، فظهر أن في المبصرات ما يكون تارة مبصرا بالذات وأخرى آلة لإبصار الغير، واستوضح ذلك من قولك قام زيد.
ونسبة القيام إلى زيد إذ لا شك أنك مدرك فيهما نسبة القيام إلى زيد، إلّا أنها في الأول مدركة من حيث أنها حالة بين زيد والقيام وآلة لتعرف حالهما فكأنها مرآة تشاهدهما بها مرتبطا أحدهما بالآخر، ولهذا لا يمكنك أن تحكم عليها أو بها ما دامت مدركة على هذا الوجه.
وفي الثاني مدركة بالقصد ملحوظة في ذاتها بحيث يمكنك أن تحكم عليها وبها؛ فعلى الوجه الأول معنى غير مستقل بالمفهومية، وعلى الثاني معنى مستقل بها. وكما يحتاج إلى التعبير عن المعاني الملحوظة بالذات المستقلة بالمفهومية يحتاج إلى التعبير عن المعاني الملحوظة بالغير التي لا تستقل بالمفهومية.
إذا تمهّد هذا فاعلم أنّ الابتداء مثلا معنى هو حالة لغيره ومتعلّق به، فإذا لاحظه العقل قصدا وبالذات كان معنى مستقلا بنفسه ملحوظا في ذاته صالحا لأن يحكم عليه وبه، ويلزمه إدراك متعلّقه إجمالا وتبعا، وهو بهذا الاعتبار مدلول لفظ الابتداء، ولك بعد ملاحظته على هذا الوجه أن تقيده بمتعلق مخصوص، فتقول مثلا ابتداء سير البصرة ولا يخرجه ذلك عن الاستقلال وصلاحية الحكم عليه وبه وعلى هذا القياس الأسماء اللازمة الإضافة كذو وأولو وفوق وتحت، وإذا لاحظه العقل من حيث هو حالة بين السير والبصرة وجعله آلة لتعرف حالهما كان معنى غير مستقل بنفسه، ولا يصلح أن يكون محكوما عليه ولا محكوما به، وهو بهذا الاعتبار مدلول لفظ من. وهذا معنى ما قيل إنّ الحرف وضع باعتبار معنى عام وهو نوع من النسبة كالابتداء مثلا لكل ابتداء مخصوص معيّن النسبة لا تتعين إلّا بالمنسوب إليه، فما لم يذكر متعلق الحرف لا يتحصّل فرد من ذلك النوع هو مدلول الحرف، لا في العقل، وهو الظاهر، ولا في الخارج لأنّ مدلول الحرف فرد مخصوص من ذلك النوع، أعني ما هو آلة لملاحظة طرفيه ولا شك أنّ تحقق هذا الفرد في الخارج يتوقف على ذكر المتعلق. وما قيل الحرف ما يوجد معناه في غيره وأنّه لا يدلّ على معنى باعتباره في نفسه بل باعتباره في متعلقه، فقد اتضح أنّ ذكر المتعلق للحرف إنما وجب ليتحصّل معناه في الذهن إذ لا يمكن إدراكه إلّا بإدراك متعلقه إذ هو آلة لملاحظته فعدم استقلال الحرف بالمفهومية إنّما هو لقصور ونقصان في معناه، لا لما قيل من أنّ الواضع اشترط في دلالته على معناه الإفرادي ذكر متعلقه، إذ لا طائل تحته لأنّ هذا القائل إن اعترف بأنّ معاني الحروف هي النسب المخصوصة على الوجه الذي قررناه، فلا معنى لاشتراط الواضع حينئذ، لأن ذكر المتعلق أمر ضروري إذ لا يعقل معنى الحرف إلّا به، وإن زعم أنّ معنى لفظة من هو معنى الابتداء بعينه إلّا أنّ الواضع اشترط في دلالة من عليه ذكر المتعلّق ولم يشترط ذلك في دلالة لفظ الابتداء عليه، فصارت لفظة من ناقصة الدلالة على معناها غير مستقلة بالمفهومية لنقصان فيها؛ فزعمه هذا باطل. أمّا أولا فلأنّ هذا الاشتراط لا يتصوّر له فائدة أصلا بخلاف اشتراط القرينة في الدلالة على المعنى المجازي. وأمّا ثانيا فلأنّ الدليل على هذا الاشتراط ليس نصّ الواضع عليه كما توهّم لأنّ في تلك الدعوى خروجا عن الإنصاف، بل هو التزام ذكر المتعلّق في الاستعمال على ما يشهد به الاستقراء، وذلك مشترك بين الحروف والأسماء اللازمة الإضافة.
والجواب عن ذلك بأنّ ذكر المتعلق في الحرف لتتميم الدلالة وفي تلك الأسماء لتحصيل الغاية، مثلا كلمة ذو موضوعة بمعنى الصاحب ويفهم منها هذا المعنى عند الإطلاق، لكنها إنّما وضعت له ليتوصّل بها إلى جعل أسماء الأجناس صفة للمعارف أو للنكرات، فتحصيل هذه الغاية هو الذي أوجب ذكر متعلّقها، فلو لم يذكر لم تحصل الغاية عند إطلاقه بدون ذكر متعلّقه تحكّم بحت. وأمّا ثالثا فلأنّه يلزم حينئذ أن يكون معنى من مستقلا في نفسه صالحا لأن يحكم عليه وبه، إلّا أنّه لا ينفهم منها وحدها، فإذا ضمّ إليها ما يتمّ دلالتها وجب أن يصحّ الحكم عليه وبه وذلك مما لا يقول به من له أدنى معرفة باللغة وأحوالها.
وقيل الحرف ما دلّ على معنى ثابت في لفظ غيره، فاللام في قولنا الرجل مثلا يدل بنفسه على التعريف الذي في الرجل. وفيه بحث لأنّه إن أريد بثبوت معنى الحرف في لفظ غيره أنّ معناه مفهوم بواسطة لفظ الغير أي بذكر متعلّقه، فهذا بعينه ما قرّرناه سابقا، وإن أريد به أنه يشترط في انفهام المعنى منه لفظ الغير بحسب الوضع ففيه ما مرّ، وإن أريد به أنّ معناه قائم بلفظ الغير فهو ظاهر البطلان، وكذا إن أريد به قيامه بمعنى غيره قياما حقيقيا، ولأنه يلزم حينئذ أن يكون مثل السّواد وغيره من الأعراض حروفا لدلالتها على معان قائمة بمعاني ألفاظ غيرها، وإن أريد به تعلقه بمعنى الغير لزم أن يكون لفظ الاستفهام وما يشبهه من الألفاظ الدّالة على معان متعلّقة بمعاني غيرها حروفا، وكلّ ذلك فاسد.
وقيل الحرف ليس له معنى في نفسه بل هو علاقة لحصول معنى في لفظ آخر، وإنّ في قولك في الدار علامة لحصول معنى الظرفية في الدار، ومن في قولك خرجت من البصرة علامة لحصول معنى الابتداء في البصرة، وعلى هذا فقس سائر الحروف وهذا ظاهر البطلان.
ثمّ الاسم والفعل يشتركان في كونهما مستقلين بالمفهومية، إلّا أنهما يفترقان في أنّ الاسم يصلح لأن يقع مسندا ومسندا إليه، والفعل لا يقع إلّا مسندا، فإنّ الفعل ما عدا الأفعال الناقصة كضرب مثلا يدلّ على معنى في نفسه مستقل بالمفهومية وهو الحدث، وعلى معنى غير مستقل هو النسبة الحكمية الملحوظة من حيث أنها حالة بين طرفيها وآلة لتعرف حالهما مرتبطا أحدهما بالآخر. ولما كانت هذه النسبة التي هي جزء مدلول الفعل لا تتحصل إلّا بالفاعل وجب ذكره، كما وجب ذكر متعلّق الحرف، فكما أنّ لفظة من موضوعة وضعا عاما لكل ابتداء معين بخصوصه، كذلك لفظة ضرب موضوعة وضعا عاما لكل نسبة للحدث الذي دلّت عليه إلى فاعل بخصوصها، إلّا أن الحرف لمّا لم يدل إلّا على معنى غير مستقل بالمفهومية لم يقع محكوما عليه ولا محكوما به إذ لا بدّ في كل منهما أن يكون ملحوظا بالذات ليتمكن من اعتبار النسبة بينه وبين غيره، واحتاج إلى ذكر المتعلق رعاية لمحاذات الأفعال بالصور الذهنية، والفعل لمّا اعتبر فيه [الحدث] وضمّ إليه انتسابه إلى غيره نسبة تامة من حيث أنها حالة بينهما وجب ذكر الفاعل لتلك المحاذاة، ووجب أيضا أن يكون مسندا باعتبار الحدث إذ قد اعتبر ذلك في مفهومه وضعا ولا يمكن جعل ذلك الحدث مسندا إليه لأنه على خلاف وضعه. وأمّا مجموع معناه المركّب من الحدث والنسبة المخصوصة فهو غير مستقلّ بالمفهومية فلا يصلح أن يقع محكوما به فضلا عن أن يقع محكوما عليه كما يشهده التأمّل الصادق.
وأمّا الاسم فلما كان موضوعا لمعنى مستقل ولم تعتبر معه نسبة تامة لا على أنه منسوب إلى غيره ولا بالعكس صحّ الحكم عليه وبه.
فإن قلت كما أنّ الفعل يدل على حدث ونسبة إلى فاعل على ما قررته كذلك اسم الفاعل يدلّ على حدث ونسبة إلى ذات، فلم يصح كون اسم الفاعل محكوما عليه دون الفعل؟. قلت لأنّ المعتبر في اسم الفاعل ذات ما من حيث نسب إليه الحدث، فالذات المبهمة ملحوظة بالذات، وكذلك الحدث. وأمّا النسبة فهي ملحوظة لا بالذات، إلّا أنها تقييدية غير تامة ولا مقصودة أصلية من العبارة تقيدت بها الذات المبهمة وصار المجموع كشيء واحد، فجاز أن يلاحظ فيه تارة جانب الذات أصالة فيجعل محكوما عليه وتارة جانب الوصف أي الحدث أصالة فيجعل محكوما به. وأمّا النسبة التي فيه فلا تصلح للحكم عليها ولا بها، لا وحدها ولا مع غيرها، لعدم استقلالها، والمعتبر في الفعل نسبة تامة تقتضي انفرادها مع طرفيها من غيرها وعدم ارتباطها به، وتلك النسبة هي المقصودة الأصلية من العبارة فلا يتصور أن يجري في الفعل ما جرى في اسم الفاعل، بل يتعيّن له وقوعه مسندا باعتبار جزء معناه الذي هو الحدث.
فإن قلت قد حكموا بأنّ الجملة الفعلية في: زيد قام أبوه محكوما بها. قلت في هذا الكلام يتصور حكمان: أحدهما الحكم بأن أبا زيد قائم، والثاني أن زيدا قائم الأب، ولا شكّ أن هذين الحكمين ليسا بمفهومين منه صريحا بل أحدهما مقصود والآخر تبع، فإن قصد الأول لم يكن زيد بحسب المعنى محكوما عليه بل هو قيد يتعين به المحكوم عليه، وإن قصد الثاني كما هو الظاهر فلا حكم صريحا بين القيام والأب، بل الأب قيد للمسند الذي هو القيام، إذ به يتم مسندا إلى زيد. ألا ترى أنك لو قلت: قام أبو زيد وأوقعت النسبة بينهما لم يرتبط بغيره أصلا، فلو كان معنى قام أبوه ذلك القيام لم يرتبط بزيد قطعا فلم يقع خبرا، ومن ثمّ تسمع النحاة يقولون قام أبوه جملة وليس بكلام، وذلك لتجريده عن إيقاع النسبة بين طرفيه بقرينة ذكر زيد مقدما، وإيراد ضميره فإنها دالة على الارتباط الذي يستحيل وجوده مع الإيقاع، وهذا الذي ذكر من التحقيق هو المستفاد من حواشي العضدي، ومما ذكره السيّد الشّريف في حاشية المطول في بحث الاستعارة التبعية.
ثم إنه لما عرف اشتراك الاسم والفعل في الاستقلال بالمفهومية فلا بد من مميّز بينهما فزيد قيد عدم الاقتران بأحد الأزمنة الثلاثة في حدّ الاسم احترازا عن الفعل، ولا يخرج من الحدّ لفظ أمس وغد والصبوح والغبوق ونحو ذلك، لأنّ معانيها الزمان لا شيء آخر يقترن بالزمان كما في الفعل. ثم المراد بعدم الاقتران أن يكون بحسب الوضع الأول فدخل فيه أسماء الأفعال لأنها جميعا إما منقولة عن المصادر الأصلية سواء كان النقل صريحا نحو رويد فإنه قد يستعمل مصدرا أيضا، أو غير صريح نحو هيهات فإنه وإن لم يستعمل مصدرا إلّا أنّه على وزن قوقاة مصدر قوقى، أو عن المصادر التي كانت في الأصل أصواتا نحو صه، أو عن الظرف، أو الجار والمجرور نحو أمامك زيد وعليك زيد، فليس شيء منها دالة على أحد الأزمنة الثلاثة بحسب الوضع الأول. وخرج عنه الأفعال المنسلخة عن الزمان وهي الأفعال الجوامد كنعم وبئس وعسى وكاد لاقتران معناها بالزمان بحسب الوضع الأول، وكذا الأفعال المنسلخة عن الحدث كالأفعال الناقصة لأنها تامّات في أصل الوضع منسلخات عن الحدث، كما صرح به بعض المحققين في الفوائد الغياثية. وخرج عنه المضارع أيضا فإنه بتقدير الاشتراك بين الحال والاستقبال لا يدلّ إلّا على زمان واحد، فإنّ تعدد الوضع معتبر في المشترك ويعلم من هذا فوائد القيود في تعريف الفعل.

التّشديد

التّشديد:
[في الانكليزية] Digression ،doubling of a letter
[ في الفرنسية] Digression ،doublement dune lettre
كالتصريف في العرف اسم للكيفية العارضة للحرف بالإدغام ويقابله التخفيف. وعند أهل البديع هو التضمين ويسمّى أيضا بالإعنات والــالتزام ولزوم ما لا يلزم.

التّنبيه

التّنبيه:
[في الانكليزية] Exhortation ،pleonasm
[ في الفرنسية] Exhortation ،pleonasme
بالباء الموحدة مصدر من باب التفعيل يطلق في عرف العلماء على معان. منها ما يجيء في لفظ المحاباة في ناقص. ومنها بيان الشيء قصدا بعد سبقه ضمنا على وجه لو توجّه إليه السامع الفطن بكليته لعرفه، لكن لكونه ضمنيا ربما يغفل عنه كذا في الأطول في أول فن المعاني. والفرق بينه وبين التذنيب مع اشتراكهما في أنّ كلا منهما يتعلّق بالمباحث المتقدمة أنّ ما ذكر في حيزه بحيث لو تأمّل المتأمّل في المباحث المتقدمة لفهمه بخلاف التذنيب، كذا في الچلپي حاشية المطول. ومنها بيان البديهي كما في الأطول أيضا هناك. ويؤيد هذا ما وقع في الشريفية أنّ الدليل هو المركّب من قضيتين للتأدي إلى مجهول نظري وإن ذكر لإزالة خفاء البديهي يسمّى تنبيها انتهى. وقال في المحاكمات: الإشارة حكم يحتاج إثباته إلى دليل وبرهان، والتنبيه حكم لا يحتاج إثباته إلى دليل بل يكفي في إثباته وبيانه إمّا مجرد ملاحظة أطرافه أو التمثيل المزيل للخفاء في نفس الحكم البديهي، أو النظر السهل في الفصل السابق على ذلك الحكم بأن تذكر مقدمات ذلك الحكم في ذلك الفصل. ومنها الإنشاء، قال ابن الحاجب في مختصر الأصول غير الخبر يسمّى إنشاء وتنبيها ويندرج فيه الأمر والنهي والتمنّي والترجّي والقسم والنداء والاستفهام. والمنطقيون يقسّمون غير الخبر إلى ما يدلّ على الطلب لذاته إمّا للفهم وهو الاستفهام وإمّا لغيره وهو الامر والنهي وإلى غيره ويخصون التنبيه والإنشاء بالأخير منهما، ويعدون منه التمنّي والترجّي والقسم والنداء. وبعضهم يعد التمني والنداء من الطلب انتهى. وقال المحقق التفتازاني في حاشيته: تسمية جميع أقسام غير الخبر بالتنبيه غير متعارف، وكذا ما نسب إلى المنطقيين من تخصيص الإنشاء بما لا يدل على الطلب بما لم نجده في كلامهم انتهى. وفي بديع الميزان غير الخبر إن لم يدل على طلب الفعل دلالة صيغية فهو تنبيه، أي إعلام على ما في ضميره ويندرج فيه التمنّي والترجّي والنداء والقسم والاستفهام وألفاظ العقود وفعلا المدح والذمّ والتعجب اصطلاحا، ولا مناقشة فيه. ودلالة النداء على طلب الإقبال والاستفهام على طلب الإعلام التزامــيتان فلا يخرجان من التنبيه، هكذا في شرح المطالع وغيرهما. ومنهم من عدّ التمني والنداء والاستفهام من أقسام الطلب على ما ذكر السيد الشريف. ومنها الإيماء وهو عند الأصوليين من أقسام المنطوق الغير الصريح وهو الاقتران بحكم لو لم يكن هو أو نظيره للتعليل لكان بعيدا جدا أي اقتران الملفوظ الذي هو مقصود المتكلّم بحكم، أي بوصف لو لم يكن ذلك الحكم أي الوصف أو نظيره لتعليل ذلك المقصود لكان اقترانه به بعيدا، فيحمل على التعليل لدفع الاستبعاد. ويرجع إلى هذا ما قال معناه اقتران نصّ الشارع كقوله اعتق رقبة في المثال الآتي بحكم كقول الأعرابي واقعت أهلي في نهار رمضان، لو لم يكن ذلك الحكم أو نظيره للتعليل، أي علّة لقول الشارع، وحكمه كان بعيدا جدا من الشارع الإتيان بمثله.
ويحتمل أن يكون معناه أنّ اقتران الوصف المدعى كونه علّة لحكم من الشارع لو لم يكن ذلك الوصف أو نظيره علّة لحكم الشارع كان بعيدا من الشارع الإتيان بذلك الحكم. مثال كون العين للتعليل ما قال الأعرابي هلكت وأهلكت فقال النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم «ماذا صنعت؟ قال: واقعت أهلي في نهار رمضان. فقال أعتق رقبة» الحديث فإنه يدل على أنّ الوقاع علة للاعتاق، فإنّ غرض الأعرابي بيان حكم الوقاع، وذكر الحكم جواب له ليحصل غرضه لئلّا يلزم إخلاء السؤال عن الجواب وتأخير البيان عن وقت الحاجة فيكون السؤال مقدرا في الجواب كأنه قال: واقعت فكفّر. ولا شك أن الفاء للتعليل، فيحمل عليه.
والاحتمال البعيد عدم قصد الجواب كما يقول العبد: طلعت الشمس فيقول السّيد اسقني ماء، فإنّ ذلك وإن بعد لكنه ليس بممتنع.
واعلم أن مثل ذلك إذا أخذ عنه بعض الأوصاف وعلل بالباقي سمّي تنقيح المناط.
مثاله في قصة الأعرابي أن يقال كونه أعرابيا لا مدخل له في العلّة، إذ الهندي أيضا كذلك، وكذا كون المحل أهلا فإن الزنا أيضا أجدر به، أو يقال وكونه وقاعا لا مدخل له فبقي كونه إفسادا للصوم فهو العلة. ومثال كون النظير للتعليل قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم «وقد سألته الخثعمية أنّ أبي أدركته الوفاة وعليه فريضة الحج فإن حججت عنه أينفعه ذلك فقال صلى الله عليه وآله وسلم: أرأيت لو كان على أبيك دين فقضيته كان ينفعه ذلك قالت نعم قال فدين الله أحق بأن يقضى». سألته الخثعمية عن دين الله فذكر نظيره وهو دين الآدمي. فنبّه على التعليل به أي كونه علّة للنفع وإلّا لزم العبث، ففهم منه أن نظيره في المسئول عنه وهو دين الله كذلك علّة بمثل ذلك الحكم وهو النفع.
واعلم أنّ مثل هذا يسميه الأصوليون تنبيها على أصل القياس، وفيه كما ترى تنبيه على أصل القياس وعلى علّة الحكم فيه وعلى صحة إلحاق الفرع بها.
اعلم أنّ من مراتب الإيماء أن يذكر الشارع مع الحكم وصفا مناسبا له مثل قوله «لا يقضي القاضي وهو غضبان»، فإن فيه إيماء إلى أنّ الغضب علّة عدم جواز الحكم لأنه مشوش للمنظر وموجب للاضطراب، ومثل أكرم العلماء وأهن الجهّال. هذا إذا ذكر الوصف والحكم كلاهما فإنه إيماء بالاتفاق فإن ذكر أحدهما فقط مثل أن يذكر الوصف صريحا والحكم مستنبط نحو وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ فإن حل البيع وصف له قد ذكر فعلم منه حكمه وهو الصحة، أو أن يذكر الحكم والوصف مستنبط، وذلك كثير منه نحو حرمت الخمر فقد اختلف في أنه هل يكون إيماء، فهو على مذاهب. أحدها كلاهما إيماء. والثاني ليس شيء منهما إيماء. والثالث الأول وهو ذكر الوصف إيماء دون الثاني وهو ذكر الحكم، والنزاع لفظي مبني على تفسير الإيماء والأول مبني على أنّ الإيماء اقتران الحكم والوصف سواء كانا مذكورين أو أحدهما مذكورا والآخر مقدرا. والثاني مبني على أنه لا بدّ من ذكرهما إذ به يتحقق الاقتران. والثالث مبني على أن إثبات مستلزم الشيء يقتضي إثباته والعلّة كالحلّ يستلزم المعلول كالصحة، فيلزم بمثابة المذكور، فيتحقّق الاقتران واللازم حيث ليس إثباته إثباتا لملزومه بخلاف ذلك فلا يكون الملزوم في حكم المذكور، فلا يتحقق الاقتران. هكذا ذكر في العضدي وحاشيته للمحقق التفتازاني في مباحث القياس.

الْوَلِيّ

الْوَلِيّ: بِفَتْح الأول وَسُكُون الثَّانِي الْقرب. وَمِنْه الْوَلِيّ على وزن فعيل وَهُوَ الْقَرِيب. وَجَاء الْوَلِيّ بِمَعْنى الحري أَي اللَّائِق وَبِمَعْنى الْمُجيب. فِي جَامع الزمور الْوَلِيّ لُغَة الْمَالِك وَشرعا وَارِث مُكَلّف كَمَا فِي الْمُحِيط. وَفِي الْفِقْه فِي بَاب النِّكَاح الْوَلِيّ من لَهُ ولَايَة التَّزْوِيج. فِي كنز الدقائق الْوَلِيّ الْعصبَة بترتيب الْإِرْث أَي التَّرْتِيب فِي الْعَصَبَات فِي ولَايَة الْإِنْكَاح كالترتيب فِي الْإِرْث فالأبعد مَحْجُوب بالأقرب. فأقرب الْأَوْلِيَاء الابْن للمجنونة. ثمَّ ابْن الابْن وَإِن سفل. ثمَّ الْأَب - ثمَّ الْجد أَب الْأَب وَإِن علا - ثمَّ الْأَخ لأَب وَأم - ثمَّ الْأَخ لأَب - ثمَّ ابْن الْأَخ لأَب وَأم - ثمَّ ابْن الْأَخ لأَب - ثمَّ الْعم لأَب وَأم - ثمَّ الْعم لأَب - ثمَّ ابْن الْعم لأَب وَأم - ثمَّ ابْن الْعم لأَب - ثمَّ الْمُعْتق بِالْكَسْرِ - وَإِن لم يكن عصبَة فالولاية للْأُم - ثمَّ للْأُخْت لأَب وَأم - ثمَّ لأَب - ثمَّ لولد الْأُم - ثمَّ لِذَوي الْأَرْحَام - ثمَّ للْحَاكِم أَي القَاضِي.
وَالْوَلِيّ عِنْد أَرْبَاب السلوك قدس الله تَعَالَى أسرارهم هُوَ الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى وَصِفَاته المواظب على الطَّاعَات المجتنب عَن الْمعاصِي المعرض عَن الانهماك فِي اللَّذَّات والشهوات وكرامته ظُهُور أَمر خارق للْعَادَة من قبله غير مُقَارن لدعوى النُّبُوَّة.
وَبِهَذَا يمتاز عَن المعجزة وبمقارنته الِاعْتِقَاد وَالْعَمَل الصَّالح والتزام مُتَابَعَته النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام عَن الاستدراج وَعَن مؤكدات تَكْذِيب الْكَذَّابين.
(الْوَلِيّ) كل من ولي أمرا أَو قَامَ بِهِ والنصير والمحب وَالصديق ذكرا (وَقد يؤنث بِالتَّاءِ) والحليف والصهر وَالْجَار والعقيد وَالتَّابِع وَالْمُعتق والمطيع يُقَال الْمُؤمن ولي الله والمطر يسْقط بعد الْمَطَر و (ولي الْعَهْد) وَارِث الْملك و (ولي الْمَرْأَة) من يَلِي عقد النِّكَاح عَلَيْهَا وَلَا يَدعهَا تستبد بِعقد النِّكَاح من دونه و (ولي الْيَتِيم) الَّذِي يَلِي أمره وَيقوم بكفايته و (فِي الاقتصاد السياسي) من يتَحَمَّل مخاطر الإنتاج فَلهُ الْغنم وَعَلِيهِ الْغرم (مج)(ج) أَوْلِيَاء و (ج) الْوَلِيّ بِمَعْنى الْمَطَر بعد الْمَطَر أولية

الورع

الورع: تجنب الشبهات خوف الوقوع في محرم. وقيل ترك ما يريبك ونفي ما يعيبك. والأخذ بالأوثق، وحمل النفس على الأشق. وقيل: النظر في المطعم واللباس، وترك ما به بأس. وقيل تجنب الشبهات ومراقبة الخطرات. 
الورع:
[في الانكليزية] Piety ،devoutness
[ في الفرنسية] Piete ،devotion
بفتح الواو والراء هو عند السّالكين ترك المحظورات كما أنّ التقوى ترك الشّبهات كذا في مجمع السلوك. وقيل بعكس ذلك. وقيل هما أي الورع والتقوى بمعنى واحد كما في ترجمة المشكاة في الفصل الثالث من كتاب العلم في شرح الحديث السابع. وفي خلاصة السلوك الورع حدّه عند السّالكين هو الخروج من كلّ شبهة ومحاسبة في كلّ لحظة. وقيل الورع الكفّ عن كلّ الإباحات. وقيل الورع خلاصة أحوال المتّقين وفضيلتها قال النبي عليه السلام: (الورع الذي يدع الصغيرة مخافة أن يقع في الكبيرة). قال يحيى: الورع على وجهين: في الظاهر وهو أن لا يتحرّك لسانك إلّا بالله وفي الباطن وهو أن لا يدخل فيك سوى الله. وقال عبد الله: الورع تصفية القلوب وحفظ اللسان وترك ما لا يعنيك من الأمور. وفي البرجندي للورع مراتب أدناها الاجتناب عمّا نهى الله تعالى عنه، وأعلاها الاجتناب عمّا يشغله عن ذكر الله. وقد يفرّق بينه وبين الزهد بأنّ الورع ترك الشبهات والزهد ترك ما زاد على الحاجة انتهى. وفي مجمع السلوك جاء أيضا: اعلم بأنّ صاحب الورع إن كان صاحب قلب فإنّه يستفتي قلبه في ترك الأمور المشتبهة، ولا يعمل بفتوى المفتين، وإن لم يكن من أصحاب القلوب فإنّه يعمل بفتوى المفتين وذلك هو ورعه. واعلم بأنّ الورع ومعناه ترك المحظور أن ينقسم إلى أربعة أقسام: ورع العدول، وورع الصالحين، وورع المتقين، وورع الصدّيقين. والــالتزام به باعتبار حال ومقام كلّ شخص، فترك المحظور بنسبة كلّ شخص هو الورع.

فورع العدول: هو اجتناب الأشياء التي يفتي بتحريمها ومرتكبها ساقط العدالة ويعدّ عاصيا.

وورع الصالحين: هو اجتناب ما يحتمل كونه حراما، ولكنّ المفتي قد يفتي بناء على الظاهر بحلّه ويرخّص بأكله. ولكنّ الامتناع عمّا لا يوجد فيه احتمال الحرمة فهو من قبيل الوسوسة لا الورع. ومثال الأمر المشتبه كصيد يصيبه أحدهم ولكنّه لا يهتدي إليه، ثم يعثر عليه شخص آخر. فالاختيار أنّه ليس بحرام ولكنّ ترك ذلك هو من الورع لمقام الصالحين. لماذا؟
لأنّه يحتمل موته بسبب السقوط أو علّة أخرى وليس بسبب الإصابة. ومثال الوسوسة: هو أن يجتنب أحدهم الصيد لاحتمال أن يكون الصيد مملوكا لإنسان.

وأمّا ورع الأتقياء: فهو اجتناب ما لا حرمة فيه ولا شبهة في حلّه، لكن يخشى أن يؤدّي به إلى الحرام. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يبلغ العبد درجة المتقين حتى يدع ما لا بأس به مخافة ما به بأس). كما فعل أحد الأتقياء في تجارته فكان لا يأخذ حقّه إلّا بأنقص منه بحبة وكان يعطي الحقّ بزيادة حبّة حتى يقاوم الحرص في نفسه.
وورع الصدّيقين هو اجتناب كلّ ما ليس بحرام وغير مشتبه وما لا يؤدّي إلى حرام.
ولكن يجتنب كلّ ما كان ليس لله وليس فيه نية القوة على الطاعة. انتهى. وقد سبق ما يتعلّق بهذا في لفظ الحلال.

الْآبِق

الْآبِق: من الآباق وَهُوَ الْهَرَب والتمرد على المحق وَفِي الشَّرْع الْمَمْلُوك الَّذِي يفر عَن مَالِكه قصدا سَوَاء كَانَ قِنَا أَو مُدبرا أَو أم الْوَلَد وَأَخذه أحب من تَركه وَأخذ الضال قيل أَيْضا كَذَلِك وَقيل تَركه أولى والضال هُوَ الَّذِي ضل الطَّرِيق إِلَى منزل مَالِكه. فِي كنز الدقائق وَمن رده مُدَّة سفر فَلهُ أَرْبَعُونَ درهما وَلَو قِيمَته أقل مِنْهُ أَي من أَرْبَعِينَ وَمن رده لأَقل مِنْهَا فبحسابه انْتهى وَمن أنْفق على الْآبِق بِغَيْر إِذن القَاضِي يكون مُتَبَرعا. آدَاب القَاضِي: هِيَ الْتِزَامــه لما ندب إِلَيْهِ الشَّرْع من بسط الْعدْل وَرفع الظُّلم وَترك الْميل.

الإشارة

الإشارة: هو تعيين الشيء بالحسّ.
الإشارة: التلويح بشيء يفهم منه النطق، فهي ترادف النطق في فهم المعنى.
الإشارة:
* عند الجمهور: تكون الإشارة روما وإشماما.
* عند البصريين: بمعنى (الإشمام)، بحيث لا يظهر للحركة أثر في النطق.
* عند الكوفيين: بمعنى (الروم)، وهو النطق ببعض الحركة.
الإشارة:
[في الانكليزية] Indication
[ في الفرنسية] Indication

معناه بديهي وهي قسمان: إشارة عقلية وإشارة حسّية. وللإشارة ثلاثة معان: الأول المعنى المصدري الذي هو فعل، أي تعيين الشيء بالحسّ. الثاني المعنى الحاصل بالمصدر وهو الامتداد الموهوم الآخذ من المشير المنتهي إلى المشار إليه، وهذا الامتداد قد يكون امتدادا خطّيا، فكأنّ نقطة خرجت من المشير وتحركت نحو المشار إليه فرسمت خطّا انطبق طرفه على نقطة من المشار إليه، وقد يكون امتدادا سطحيّا ينطبق الخط الذي هو طرفه على ذلك الخط المشار إليه، فكأنّ خطّا خرج من المشير فرسم سطحا انطبق طرفه على خطّ المشار إليه، وقد يكون امتدادا جسميا ينطبق السطح الذي هو طرفه على السطح من الجسم المشار إليه فكأنّ سطحا خرج من المشير فرسم جسما انطبق طرفه على سطح المشار إليه. الثالث تعيين الشيء بالحسّ بأنه هنا أو هناك أو هذه بعد اشتراكها في أنها لا تقتضي كون المشار إليه بالذات محسوسا بالذات. وتفترق بأن الأول والثاني لا يجب أن يتعلّقا أولا بالجوهر بل ربما يتعلقان أولا بالعرض وثانيا بالجوهر لأنهما لا يتعلقان بالمشار إليه أولا، إلّا بأن يتوجّه المشير إليه أولا، فكلّ من الجوهر والعرض يقبل ذلك التوجه وكذا ما هو تابع له. والثالث يجب أن يتعلّق أولا بالجوهر وثانيا بالعرض فإنه وإن كان تابعا لتوجّه المشير لكن التوجّه بأن المشار إليه هنا أو هناك لا يتعلّق أولا إلّا بما له مكان بالذات، هكذا ذكر مرزا زاهد في حاشية شرح المواقف في مقدمة الأمور العامة.
وقد تطلق على حكم يحتاج إثباته إلى دليل وبرهان كما وقع في المحاكمات، ويقابله التنبيه بمعنى ما لا يحتاج إثباته إلى دليل.
والإشارة عند الأصوليين دلالة اللفظ على المعنى من غير سياق الكلام له، ويسمّى بفحوى الخطاب أيضا، نحو: وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ففي قوله تعالى له إشارة إلى أن النسب يثبت بالأب، وهي من أقسام مفهوم الموافقة كما يجيء هناك، وفي لفظ النصّ أيضا. وأهل البديع فسّروها بالإتيان بكلام قليل ذي معان جمّة، وهذا هو إيجاز القصر بعينه، لكن فرق بينهما ابن أبي الأصبع بأن الإيجاز [له] دلالة مطابقية، ودلالة الإشارة إمّا تضمّن أو التزام، فعلم منه أنه أراد بها ما تقدّم من أقسام المفهوم، أي أراد بها الإشارة المسمّاة بفحوى الخطاب، هكذا يستفاد من الإتقان في نوع المنطوق والمفهوم ونوع الإيجاز. وعلم الإشارة قد سبق في المقدمة. ثم الإشارة إذا لم تقابل بالصريح كثيرا ما يستعمل في المعنى الأعم الشامل للصريح، كما في چلپي المطول في تعريف علم المعاني. فعلى هذا يقال أشار إلى كذا في بيان علم السلوك، وإن كان المشار إليه مصرّحا به فيما سبق وأسماء الإشارة.

الإسناد

الإسناد
انظر: الأسانيد.
الإسناد: نسبة أحد الجزأين إلى الآخر هبه أفاد المخاطب ما يصح السكوت عليه أم لا.
الإسناد:
[في الانكليزية] Attribution ،cross reference
[ في الفرنسية] Attribution ،renvoi
عند أهل النظر والمحدّثين ستعرف في لفظ السند. وعند أهل العربية يطلق على معنيين:
أحدهما نسبة إحدى الكلمتين إلى الأخرى أي ضمّها إليها وتعلّقها [بها] فالمنسوب يسمّى مسندا والمنسوب إليه مسندا إليه، وهذا فيما سوى المركبات التقييدية شائع. وأما فيها فالمستفاد من إطلاقاتهم أن المنسوب يسمّى مضافا أو صفة؛ والمنسوب إليه يسمّى مضافا إليه أو موصوفا.
قال المولوي عبد الحكيم في حاشية حاشية الفوائد الضيائية ما حاصله: إن الشائع في عرفهم أن النسبة عبارة عن الثبوت والانتفاء، وهي صفة مدلول الكلمة، فإضافتها إلى الكلمة إمّا بحذف المضاف أي نسبة مدلول إحدى الكلمتين إلى مدلول الأخرى أو بحمل النسبة على المعنى اللغوي. فعلى الأول يكون إطلاق المسند والمسند إليه على الالفاظ مجازا تسمية للدالّ بوصف المدلول، وعلى الثاني حقيقة. ثم المراد بالاسناد والنسبة والضم الحاصل بالمصدر المبني للمفعول وهي الحالة التي بين الكلمتين أو مدلولهما ولذا عبّر عنه الرّضي بالرابط بين الكلمتين، والمراد بالكلمة هاهنا أعم من الحقيقية ملفوظة كانت أو مقدرة، ومن الحكمية. والكلمة الحكمية ما يصحّ وقوع المفرد موقعه فدخل فيه إسناد الجمل التي لها محل من الإعراب، وكذا الإسناد الشرطي إذ الإسناد في الشرطية عندهم في الجزاء، والشرط قيد له. نعم يخرج الإسناد الشرطي على ما حققه السيّد السّند والمنطقيون من أن مدلول الشرطية تعليق حصول الجزاء بحصول الشرط، لا الإخبار بوقوع الجزاء وقت وقوع الشرط، إذ ليس المسند إليه والمسند فيهما كلمة حقيقة وهو ظاهر، ولا حكما إذ المقصود حينئذ تعليق الحكم بالحكم فتكون النسبة في كلّ واحد منهما ملحوظة تفصيلا، لا بدّ فيها من ملاحظة المسند إليه والمسند قصدا لا إجمالا، فلا يصح التعبير عنهما بالمفرد، انتهى. فالموافق لمذهبهم هو أن يقال: الإسناد ضمّ كلمة أو ما يجري مجراها إلى الأخرى، أو ضمّ إحدى الجملتين إلى الأخرى.
تنبيه
قال صاحب الأطول في بحث المسند في قوله: وأما تقييد الفعل بالشرط الخ، الكلام التّام هو الجزاء والشرط قيد له إما لمسنده نحو إن جئتني أكرمك، أي اكرمك على تقدير مجيئك، وإمّا لمجموعه نحو: إن كان زيد أبا عمرو فأنا أخ له، فإنّ التقييد ليس للفعل ولا لشبهه بل للنسبة. وهذا هو المنطبق بجعل الإسناد إليه من خواص الاسم ولحصر الكلام في المركّب من اسمين أو فعل واسم فقد رجع الشرطيات عندهم إلى الحمليات إلّا أنه يخالف ما ذهب إليه الميزانيون من أنّ كلّا من الشرط والجزاء خرج عن التمام بدخول أداة الشرط على الجملتين، والجزاء محكوم به والشرط محكوم عليه والنسبة المحكوم بها بينهما ليس من نسبتي الشرط [والجزاء]. قال السيّد السّند ليس كون الشرط قيدا للجزاء إلّا ما ذكره السكّاكي.

وفي كلام النحاة برمّتهم حيث قالوا: كلم المجازاة تدل على سببية الأول ومسبّبية الثاني إشارة إلى أنّ المقصود هو الارتباط بين الشرط والجزاء، فينبغي أن تحفظ هذه الإشارة وتجعل مذهب عامتهم ما يوافق الميزانيين، وكيف لا ولو كان الحكم في الجزاء لكان كثير من الشرطيات المقبولة في العرف كواذب، وهو ما لا يتحقق شرطه فيكون قولك إن جئتني أكرمك كاذبا إذا لم يجيء المخاطب مع أنه لا يكذبه العرف، وذلك لأن انتفاء قيد الحكم يوجب كذبه. وفيه أنه لا يخص كلام السكّاكي لأن حصر الكلام في القسمين المذكورين يقتضيه اقتضاء بيّنا وجعل الإسناد إليه من خواص الاسم ظاهر فيه، ولا يلزم كذب القضايا المذكورة لأنه يجوز أن يكون المراد بالجزاء في قولك إن جئتني أكرمك، أني بحيث أكرمك على تقدير مجيئك. وفي قولك إن كان زيد حمارا فهو حيوان أنه كائن بحيث يكون حيوانا على تقدير الحمارية. وفي قولك إن كان الآن طلوع الشمس كان النهار موجودا أنه يكون النهار بحيث يتصف بالوجود على تقدير طلوع الشمس الآن وعلى هذا القياس. وإشارة قولهم كلم المجازاة تدلّ الخ إلى أنّ المقصود هو الارتباط بينهما غير سديدة، بل هو كقولهم: في للظرفية، أي لظرفية مجرورها لغيره وله نظائر لا تحصى، ولم يقصد بشيء أن المقصود الارتباط بينهما.
فإن قلت إذا دار الأمر بين ما قاله الميزانيون وبين ما قاله النحاة فهل يعتبر كل منهما مسلكا لأهل البلاغة أو يجعل الراجح مسلكا وأيّهما أرجح؟
قلت الأرجح تقليل المسلك تسهيلا على أهل الخطاب والاصطلاح، ولعلّ الأرجح ما اختاره النحاة لئلا يخرج الجزاء عن مقتضاه كما خرج الشرط، إذ مقتضى التركيب أن يكون كلاما تاما، وأيضا هو أقرب إلى الضبط إذ فيه تقليل أقسام الكلام، ولو اعتبره الميزانيون لاستغنوا عن كثير من مباحث القضايا والأقيسة فكن حافظا لهذه المباحث الشريفة.
التقسيم
الإسناد بهذا المعنى إمّا أصلي ويسمّى بالتام أيضا وإمّا غير أصلي ويسمّى بغير التّام أيضا. فالإسناد الأصلي هو أن يكون اللفظ موضوعا له ويكون هو مفهوما منه بالذات لا بالعرض، وغير الأصلي بخلافه. فقولنا ضرب زيد مثلا موضوع لإفادة نسبة الضرب إلى زيد وهي المفهومة منه بالذات والتعرّض للطرفين إنما هو لضرورة توقّف النسبة عليهما. وقولنا غلام زيد موضوع لإفادة الذات والتعرّض للنسبة إنما هو للتبعية، وكذا الحال في إسناد المركبات التوصيفية وإسناد الصفات إلى فاعلها فإنها موضوعة لذات باعتبار النسبة، والمفهوم منها بالذات هو الذات باعتبار النسبة، والنسبة إنما تفهم بالعرض. ولا شك أن اللفظ إنما وضع لإفادة ما يفهم منه بالذات لا ما يفهم منه بالعرض، وتلوح لك حقيقة ذلك بالتأمّل في المركّبات التامّة إنشائية كانت أو خبرية، وفي غيرها من المركبات التقييدية وما في معناها.
هذا خلاصة ما حققه السيّد الشريف في حاشية العضدي في تعريف الجملة في مبادئ اللغة.
ومن الاسناد الغير الأصلي إسناد المصدر إلى فاعله ولذا لا يكون المصدر مع فاعله كلاما ولا جملة كما يجيء في لفظ الكلام. ومنه إسناد اسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبّهة واسم التفضيل والظرف أيضا على ما قالوا.
والإسناد الأصلي هو إسناد الفعل أو ما هو فعل في صورة الاسم كالصفة الواقعة بعد حرف النفي أو الاستفهام، كذا في الأطول في باب المسند إليه في بحث التقوى.
اعلم أنّ المراد بالإسناد الواقع في حدّ الفاعل هو هذا المعنى صرّح به في غاية التحقيق حيث قال: المراد بالإسناد في حدّ الفاعل أعم من أن يكون أصليا أو لا، مقصودا لذاته أو لا. وثانيهما الإسناد الأصلي فالإسناد الغير الأصلي على هذا لا يسمّى إسنادا. وعرّف بأنه نسبة إحدى الكلمتين حقيقة أو حكما إلى الأخرى بحيث تفيد المخاطب فائدة تامة، أي من شأنه أن يقصد به إفادة المخاطب فائدة يصحّ السكوت عليها، أي لو سكت المتكلّم لم يكن لأهل العرف مجال تخطئته. ونسبته إلى القصور في باب الإفادة وإن كان بعد محتاجا إلى شيء كالمفعول به والزمان والمكان ونحوها، فدخل في الحدّ إسناد الجملة الواقعة خبرا أو صفة أو صلة ونحوها؛ فإن تلك الجمل بسبب وقوعها موقع المفرد وإن كانت غير مفيدة فائدة تامة، لكن من شأنها أن يقصد بها الإفادة إذا لم تكن واقعة في مواقع المفرد. وكذا دخل إسناد الجملة التي علم مضمونها المخاطب، كقولنا:
السماء فوقنا، فإنها وإن لم تكن مفيدة باعتبار العلم بمضمونها، لكنّها مفيدة عند عدم العلم به. فالإسناد الأصلي على نوعين: أحدهما ما هو مقصود لذاته بأن يلتفت إلى النسبة قصدا بأن يلاحظ المسند والمسند إليه مفصّلا، كما في قولنا: زيد قائم، وأ قائم الزيدان. وثانيهما ما هو غير مقصود لذاته بأن لا يلتفت إلى النسبة قصدا بل إلى مجموع المسند والمسند إليه من حيث هو مجموع كإسناد جملة قائمة مقام المفرد، والواقعة صلة، ونحو ذلك. ويتضح ذلك في لفظ القضية. فبقيد الإفادة خرج الاسناد الغير الأصلي. ولما كانت الإفادة غير مقيدة بشيء يشتمل الحدّ الاسناد الخبري وهو النسبة الحاكية عن نسبة خارجية. والإسناد الانشائي وهو ما لا يكون كذلك. وعرّف الإسناد الخبري بأنه ضمّ كلمة أو ما يجري مجراها كالمركّبات التقييدية وما في معناها إلى الأخرى بحيث يفيد أن مفهوم إحداهما ثابت لمفهوم الأخرى أو منفي عنه، فإنّ مفاد الخبر هو الوقوع واللاوقوع لا الحكم بهما، وهذا أوفق بإطلاق المسند والمسند إليه على اللفظ على ما هو اصطلاحهم، فهو أولى من تعريف المفتاح بأنه الحكم بمفهوم لمفهوم بأنه ثابت له أو منفي عنه؛ لكن صاحب المفتاح أراد التنبيه على أنّ هذا الاطلاق على ضرب من المسامحة وتنزيل الدالّ منزلة المدلول لشدّة الاتصال بينهما.
وتعريفه المنطبق على مذهب الميزانيين هو أنه ضمّ كلمة أو ما يجري مجراها إلى الأخرى، أو ضم إحدى الجملتين بحيث يفيد الحكم بأن مفهوم إحداهما ثابت لمفهوم الأخرى، أو عنده، أو مناف لمفهوم الأخرى، أو ينفي ذلك كذا في الأطول.

فائدة:
قيل في نحو: زيد عرف، ثلاثة أسانيد مترتبة في التقديم والتأخير، أولها إسناد عرف إلى زيد بطريق القصد وامتناع إسناد الفعل إلى المبتدأ قبل عود الضمير ممنوع. وثانيها إسناده إلى ضمير زيد. وثالثها إسناده إلى زيد بطريق الــالتزام بواسطة أن عود الضمير إلى زيد يستدعي صرف الإسناد إليه مرة ثانية. أما وجه تقديم الأول على الثاني فلأنّ الإسناد نسبة لا تتحقق قبل تحقق الطرفين وبعد تحققهما لا تتوقف على شيء آخر. ولا شك أن ضمير الفاعل إنما يكون بعد الفعل والمبتدأ قبله. فكلّ ما يتحقق الفعل أسند إلى زيد لتحقق الطرفين.
ثم إذا تحقّق الضمير انعقد بينهما الحكم. وأما وجه تقديم الثاني على الثالث فظاهر كذا في المطول في آخر باب المسند.

فائدة:
المسند فعلي وسببي فالمسند الفعلي كما ذكر في المفتاح ما يكون مفهومه محكوما بثبوته للمسند إليه أو بالانتفاء عنه بخلاف السببي، فإن: زيد ضرب حكم فيه بثبوت الضرب لزيد، وزيد ما ضرب حكم فيه بنفي الضرب عنه، بخلاف زيد ضرب أبوه فإنه لم يحكم فيه بثبوت ضرب أبوه لزيد بل بثبوت أمر يدلّك عليه ذلك المذكور، وهو كائن بحيث ضرب أبوه؛ فالمسند السببي سمّي مسندا لأنه دال على المسند الحقيقي، والمسند السببي ما أسند فيه شيء إلى ما هو متعلّق المسند إليه، وصار ذلك سببا لإسناد أمر حاصل بالقياس إليه إلى المسند إليه، نحو: زيد أبوه منطلق، فإن أبوه منطلق أسند فيه شيء إلى متعلق زيد، وصار ذلك سببا لإسناد كون زيد بحيث ينطلق أبوه إليه. وعلى هذا يلزم أن يكون منطلق أبوه في: زيد منطلق أبوه مسندا سببيا، ولا يكون نحو: زيد مررت به، وزيد كسرت سرج فرس غلامه فعليا ولا سببيا. هذا هو مختار صاحب الاطول. وذكر الفاضل في شرح المفتاح أن المسند في: زيد منطلق أبوه فعلي بخلافه في: زيد أبوه منطلق؛ فإنّ في المثال الأول اسم الفاعل مع فاعله ليس بجملة، فالمحكوم به في زيد منطلق أبوه هو المفرد، بخلاف زيد أبوه منطلق، وهذا خبط ظاهر لأن اللازم مما ذكر أن لا يكون منطلق مع أبوه جملة، ولم يلزم منه أن يكون المسند هو منطلق وحده. وقال صاحب التلخيص: والمراد بالسببي نحو زيد أبوه منطلق، وقال في المطول لم يفسّر المصنف له لإشكاله وتعسّر ضبطه، وكان الأولى أن يمثل بالجملة الفعلية أيضا نحو: زيد انطلق أبوه. ويمكن أن يفسر بأنه جملة علقت على المبتدأ بعائد بشرط أن لا يكون ذلك العائد مسندا إليه في تلك الجملة، فخرج نحو: زيد منطلق أبوه، لأنه مفرد، ونحو: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ لأن تعليقها على المبتدأ ليس بعائد، ونحو: زيد قائم، وزيد هو قائم، لأن العائد مسند إليه، ودخل فيه نحو:
زيد أبوه قائم، وزيد ما قام أبوه، وزيد مررت به، وزيد ضرب عمرا في داره، وزيد كسرت سرج فرس غلامه، وزيد ضربته، ونحو قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا لأنّ المبتدأ أعم من أن يكون قبل دخول العوامل أو بعدها، والعائد أعم من الضمير وغيره. فعلى هذا، المسند السببي هو مجموع الجملة التي وقعت خبر مبتدأ. وهاهنا بحث طويل الذيل وتحقيق شريف لصاحب الأطول تركناه حذرا من الاطناب.
اعلم أنّ الاسناد في الحديث أن يقول المحدّث: حدّثنا فلان عن فلان عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم، وهو يسمّى بعلم أصول الحديث أيضا وقد سبق في المقدمة.

الإيجاز

الإيجاز: أداء المقصود بأقل من العبارة المتعارفة.
الإيجاز: أَدَاء الْمَقْصُود بِأَقَلّ من الْعبارَة المتعارفة ويقابله الْأَطْنَاب.
الإيجاز:
[في الانكليزية] Concision
[ في الفرنسية] Concision
بالجيم هو عند أهل المعاني مقابل الإطناب وقد سبق تعريفه هناك. ويرادف الإيجاز الاختصار كما يؤخذ من كلام السكّاكي في المفتاح. وقيل الفرق بين الإيجاز والاختصار عند السكّاكي هو أن الإيجاز ما يكون بالنسبة إلى المتعارف، والاختصار ما يكون بالنسبة إلى مقتضى المقام، وهو وهم، لأنّ السكّاكي قد صرّح بإطلاق الاختصار على كون الكلام أقل من المتعارف، كذا في المطول. وقال بعضهم:
الاختصار خاص بحذف الجمل فقط بخلاف الإيجاز. قال الشيخ بهاء الدين وليس بشيء كذا في الإتقان.

ثم الإيجاز قسمان: إيجاز قصر وهو ما ليس بسبب حذف، وإيجاز حذف وهو ما كان بسبب حذف. وفي الإتقان فالأول أي إيجاز القصر هو الوجير بلفظه. قال الشيخ بهاء الدين:
الكلام القليل إن كان بعضا من كلام أطول منه فهو إيجاز حذف، وإن كان كلاما يعطي معنى أطول منه فهو إيجاز قصر. وقال بعضهم إيجاز القصر هو تكثير المعنى بتقليل اللفظ. وقال آخر: هو أن يكون اللفظ بالنسبة إلى المعنى أقل من القدر المعهود عادة. وسبب حسنه أنّه يدلّ على التمكين في الفصاحة. ولهذا قال صلّى الله عليه وآله وسلّم «أوتيت جوامع الكلم».

وقال الطيبي: الإيجاز الخالي من الحذف ثلاثة أقسام: أحدها إيجاز القصر، وهو أن يقصر اللفظ على معناه كقوله تعالى إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ إلى قوله تعالى وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ جمع في أحرف العنوان والكتاب والحاجة.
وقيل في وصف بليغ كانت ألفاظه قوالب معناه.
قلت وهذا رأي من يدخل المساواة في الإيجاز.
وثانيها إيجاز التقدير وهو أن يقدّر معنى زائد على المنطوق ويسمّى بالتضييق أيضا، وبه سمّاه بدر الدين بن مالك في المصباح لأنه نقص من الكلام ما صار لفظه أضيق من قدر معناه نحو فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ أي خطاياه غفرت فهي له لا عليه ونحو هُدىً لِلْمُتَّقِينَ أي للضالين الصائرين بعد الضلال إلى التقوى. وثالثها الإيجاز الجامع وهو أن يحتوي اللفظ على معان متعددة نحو إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ الآية، فإنّ العدل هو الصراط المستقيم المتوسط بين طرفي الإفراط والتفريط المؤتى به إلى جميع الواجبات في الاعتقاد والأخلاق والعبودية، والإحسان هو الإخلاص في واجبات العبودية لتفسيره في الحديث بقوله «أن تعبد الله كأنك تراه» أي تعبده مخلصا في نيّتك، واقفا في الخضوع، وإيتاء ذي القربى هو الزيادة على الواجب من النوافل. هذا في الأوامر، وأما في النواهي فبالفحشاء الإشارة إلى القوة الشهوانية، وبالمنكر إلى الإفراط الحاصل من آثار الغضبية، أو كل محرّم شرعا، وبالبغي إلى الاستعلاء الفائض عن الوهمية. قلت ولهذا قال ابن مسعود: ما في القرآن آية أجمع للخير والشرّ من هذه الآية.
ومن بديع الإيجاز قوله تعالى قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ إلى آخرها، فإنه نهاية التنزيه وقد تضمن الردّ على نحو أربعين فرقة، كما أفرد ذلك بالتصنيف بهاء الدين بن شدّاد.
تنبيهات

الأول: ذكر قدامة من أنواع البديع الإشارة وفسرها بالإتيان بكلام قليل ذي معان جمّة، وهذا هو إيجاز القصر بعينه. لكن فرّق بينهما ابن أبي الإصبع بأن الإيجاز دلالته مطابقة، ودلالة الإشارة إمّا تضمّن أو التزام؛ فعلم أنّ المراد بها هي إشارة النص.

الثاني: ذكر القاضي أبو بكر في إعجاز القرآن أنّ من الإيجاز نوعا يسمّى التضمين، وهو حصول معنى في لفظ من غير ذكر له باسم هي عبارة عنه.

الثالث: ذكر ابن الأثير أنّ من أنواع إيجاز القصر باب الحصر سواء كان بإلّا أو بإنّما أو غيرهما من أدواته لأن الجملة فيها نائبة مناب جملتين، وباب العطف لأن حرف العطف وضع للإغناء عن إعادة العامل، وباب النائب عن الفاعل لأنه دلّ على الفاعل بإعطائه حكمه، وعلى المفعول بوضعه، وباب الضمير لأنه وضع للاستغناء به عن الظاهر اختصارا، وباب علمت أنّك قائم لأنه متحمل لاسم واحد سادّ مسدّ المفعول الثاني من غير حذف، ومنها باب التنازع إذا لم يقدّر على رأي الفراء، ومنها طرح المفعول اقتصارا على جعل المتعدّي كاللازم. ومنها جميع أدوات الاستفهام والشرط، فإنّ كم مالك يغني عن قولك أهو عشرون أم ثلاثون. ومنها الألفاظ الملازمة للعموم كأحد. ومنها التثنية والجمع فإنه يغني عن تكرير المفرد وأقيم الحرف فيهما مقامه اختصارا. ومما يصلح أن يعد من أنواعه المسمّى بالاتساع من أنواع البديع، انتهى ما في الاتقان. وتحقيق إيجاز الحذف سيأتي في لفظ الحذف.

البدعة

البدعة: الفعلة المخالفة للسنة. وفي الحديث: "كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار" . لكن قد يكون منها ما ليس بمكروه فيسمى بدعة مباحة وهو ما شهد لجنسه أصل في الشرع أو اقتضته مصلحة تندفع بها مفسدة.
البدعة:
[في الانكليزية] Heresy
[ في الفرنسية] Heresie
بالكسر في اللغة ما كان مخترعا على غير مثال سابق، ومنه بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أي موجدها على غير مثال سبق. قال الشافعي رحمه الله تعالى: ما أحدث وخالف كتابا أو سنّة أو إجماعا أو أثرا فهو البدعة الضّالة، وما أحدث من الخير ولم يخالف شيئا من ذلك فهو البدعة المحمودة. والحاصل أنّ البدعة الحسنة هي ما وافق شيئا ممّا مرّ، ولم يلزم من فعله محذور شرعي، وأنّ البدعة السّيئة هي ما خالف شيئا من ذلك صريحا أو التزامــا. وبالجملة فهي منقسمة إلى الأحكام الخمسة.
فمن البدع الواجبة على الكفاية الاشتغال بالعلوم العربية المتوقّف عليها فهم الكتاب والسنّة كالنحو والصرف والمعاني والبيان واللغة، بخلاف العروض والقوافي ونحوهما، وبالجرح والتعديل وتمييز صحيح الأحاديث عن سقيمها، وتدوين نحو الفقه وأصوله وآلاته، والردّ على نحو القدرية والجبرية والمجسمة، لأنّ حفظ الشريعة فرض كفاية، ولا يتأتى إلّا بذلك. ومحلّ بسطه كتب أصول الدين.
ومن البدع المحرّمة مذاهب سائر أهل البدع المخالفة لما عليه أهل السنّة والجماعة.
ومن المندوبة إحداث نحو الرباطات والمدارس.
ومن المكروهة زخرفة المساجد وتزويق المصاحف. ومن المباحة التوسّع في لذيذ المآكل والمشارب والملابس.
وفي الشرع ما أحدث على خلاف أمر الشارع ودليله الخاص أو العام، هكذا يستفاد من فتح المبين شرح الأربعين للنووي في شرح الحديث الخامس والحديث الثامن والعشرين.

وفي شرح النخبة وشرحه: البدعة شرعا هي اعتقاد ما أحدث على خلاف المعروف عن النبي صلى الله عليه وسلم لا بمعاندة، بل بنوع شبهة. وفي إشارة إلى أنه لا يكون له أصل في الشرع أيضا، بل مجرد إحداث بلا مناسبة شرعية أخذا من قوله صلى الله عليه وسلم «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردّ» حيث قيده بقوله ما ليس منه. وإنما قيل لا بمعاندة لأنّ ما يكون بمعاندة فهو كفر.
والشبهة ما يشبه الثابت وليس بثابت كأدلة المبتدعين.
وقد فصّل الشيخ عبد الحق الدهلوي في شرح المشكاة في باب الاعتصام بالكتاب والسنة فقال: اعلم بأنّ كلّ ما ظهر بعد النبي صلى الله عليه وسلم فهو بدعة. وكلّ ما وافق الأصول والقواعد أو القياس فتلك البدعة الحسنة. وما لم يوافق ذلك فهو البدعة السّيئة والضلالة. ومفتاح «كل بدعة ضلالة» محمول على هذا.
هذا وإنّ بعض البدع واجبة شرعا مثل تعلّم وتعليم الصّرف والنحو واللغة التي بها تعرف الآيات والأحاديث. وحفظ غريب الكتاب والسنة يصير ممكنا، وبقية الأشياء التي يتوقّف عليها حفظ الدين والأمّة.
وثمّة بدع مستحسنة ومستحبّة مثل بناء الرّباط والمدارس وأمثال ذلك؛ وبعض البدع مكروهة مثل تزيين المساجد بالنقوش والمصاحف على حدّ قول بعضهم. وبعض البدع مباحة مثل الرفاهية في المطاعم اللذيذة والملابس الفاخرة بشروط منها أن تكون حلالا وأن لا تدعو إلى الطغيان والتكبّر والمفاخرة، وكذلك المباحثات التي لم تكن في عصره صلى الله عليه وسلم.
وبعض البدع حرام كما هي حال مذاهب أهل البدع والأهواء المخالفة للسّنة والجماعة، وما فعله الخلفاء الراشدون وإن لم يكن موجودا في عصره صلى الله عليه وسلم فهو بدعة ولكن من قسم البدعة الحسنة، بل هو في الحقيقة سنّة لأنّ النبي صلى الله عليه وسلم حضّ على التمسك بسنته وسنّة الخلفاء الراشدين من بعده رضي الله عنهم.

الذّمّة

الذّمّة:
[في الانكليزية] Obligation ،guarantee ،debt
[ في الفرنسية] Obligation ،garantie ،caution ،dette
بالكسر قال بعض الفقهاء إنّ الذّمة أمر لا معنى له، بل هي من مخترعات الفقهاء يعبّرون عن وجوب الحكم على المكلّف بثبوته في ذمّته، وهذا القول ليس بصحيح إذ في المغرب أنّ الذمّة في اللغة العهد ويعبّر بالأمان والضّمان، ويسمّى محلّ التزام الذمّة بها في قولهم ثبت في ذمتي كذا أي على نفسي. فالذمة في قول الفقهاء يراد به نفس المكلف. وذكر القاضي الإمام أبو زيد أنّ الذمّة شرعا وصف يصير به الإنسان أهلا لما له ولما عليه، فإنّ الله تعالى لمّا خلق الإنسان محلا للأمانة أكرمه بالعقل والذمة حتى صار أهلا لوجوب الحقوق له وعليه، وثبت له حقوق العصمة والحرّية والمالكية، كما إذا عاهدنا الكفار وأعطيناهم الذّمّة ثبت لهم وعليهم حقوق المسلمين في الدنيا، وهذا هو العهد الذي جرى بين الله تعالى وعباده يوم الميثاق. ثم هذا الوصف غير العقل، إذ العقل لمجرّد فهم الخطاب فإنّ الله تعالى عند إخراج الذّرية يوم الميثاق جعلهم عقلاء، وإلّا لم يجز الخطاب والسؤال ولا الإشهاد عليهم بالجواب، ولو كان العقل كافيا للإيجاب لم يحتج إلى الإشهاد والسؤال والجواب، فعلم أنّ الإيجاب لأمر ثبت بالسؤال والجواب والإشهاد وهو العهد المعبّر عنه بالذّمّة. فلو فرض ثبوت العقل بدون الذّمّة لم يثبت الوجوب له وعليه. والحاصل أنّ هذا الوصف بمنزلة السّبب لكون الإنسان أهلا للوجوب له وعليه، والعقل بمنزلة الشّرط.
ومعنى قولهم وجب ذلك في ذمّته الوجوب على نفسه باعتبار ذلك الوصف، فلما كان الوجوب متعلقا به جعلوه بمنزلة ظرف يستقر فيه الوجوب دلالة على كمال التعلّق وإشارة إلى أنّ هذا الوجوب إنّما هو باعتبار العهد والميثاق الماضي، كما يقال وجب في العهد والمروءة أن يكون كذا وكذا. وأمّا على ما ذكره فخر الإسلام من أنّ المراد بالذّمة في الشرع نفس ورقبة لها ذمّة وعهد، فمعنى هذا القول أنّه وجب على نفسه باعتبار كونها محلا لذلك العهد. فالرّقبة تفسير للنفس، والعهد تفسير للذّمة، وهذا في التحقيق من تسمية المحل باسم الحال، والمقصود واضح. هذا كله خلاصة ما في التلويح وحاشيته للفاضل الچلپي والبرجندي في باب الكفالة. 

الأدب

الأدب: رياضة النفس ومحاسن الأخلاق ويقع على كل رياضة محمودة يتخرج بها الانسان في فضيلة من الفضائل.
الأدَب: قال السيد: "الأدَب عبارةٌ عن معرفة ما يحترز به عن جميع أنواع الخطأ". وقال في العناية: "الأدب اسم يقع على كل رياضة محمودة يتخرج بها الإنسان في فضيلة من الفضائل". قال أبو زيد: "ويجوز أن يعرف بأنه مَلَكَةٌ تعصم من قامت به عما يَشينه". وفي "فتح القدير": "الأدب الخصالُ الحميدة". وفي "القاموس": "الأدَب محرَّكةً الظَرْف وحسنُ التناول".
الأدب:
[في الانكليزية] Literature ،good manners
[ في الفرنسية] Litterature ،bonnes manieres
بفتح الأول والدّال المهملة وهو بالفارسية العلم والثقافة والرعاية والتعجّب والطريقة المقبولة والصالحة ورعاية حدّ كل شيء، كما في كشف اللغات. وهو أيضا علم من علوم العربية يتعلّق بالفصاحة والبلاغة. كذا ذكر الشيخ عبد الحق المحدّث في رسالة حلية النبي صلى الله عليه وسلم. وفي الجواهر: الأدب حسن الأحوال في القيام والقعود وحسن الأخلاق واجتماع الخصال الحميدة انتهى. وفي العناية الأدب اسم يقع على كلّ رياضة محمودة فيخرج بها الإنسان إلى فضيلة من الفضائل. وقال أبو زيد ويجوز أن يعرّف بأنه ملكة تعصم من قامت به عمّا يشينه. وفي فتح القدير الأدب الخصال الحميدة. والمراد بالأدب في قول الفقهاء كتاب أدب القاضي أي ما ينبغي للقاضي أن يفعله لا ما عليه انتهى. والأولى التعبير بالملكة لأنها الصفة الراسخة للنفس، فما لم يكن كذلك لا يكون أدبا كما لا يخفى، كذا في البحر الرائق شرح الكنز في كتاب القضاء.
والفرق بينه وبين التعليم أن التأديب يتعلّق بالمرادات والتعليم بالشرعيّات، أي الأول عرفي والثاني شرعي، والأول دنيوي والثاني ديني، كما في الكرماني شرح صحيح البخاري في باب تعليم الرجل. وفي التلويح في بحث الأمر التأديب قريب من النّدب إلّا أنّ النّدب لثواب الآخرة والتأديب لتهذيب الأخلاق وإصلاح العادات انتهى.
وقد يطلقه الفقهاء على المندوب في جامع الرموز وما وراء ما ذكر من الفرائض والواجبات في الحجّ سنن تاركها مسيء وآداب تاركها غير مسيء وقد يطلقونه على السّنة في جامع الرموز في بيان العمرة وما سوى ذلك سنن وآداب تاركها مسيء. وفي البزازية في كتاب الصلاة في الفصل الثاني الأدب ما فعله الشارع مرة وتركه أخرى، والسنة ما واظب عليه الشارع، والواجب ما شرع لإكمال الفرض والسنة لإكمال الواجب والأدب لإكمال السنة انتهى كلامه.
وقيل الأدب عند أهل الشرع الورع وعند أهل الحكمة صيانة النفس. وحكي أنّ حاتم الأصم قدّم رجله اليسرى عند دخوله المسجد فتغيّر لونه وخرج مذعورا وقدّم رجله اليمنى، فقيل ما ذلك فقال: لو تركت أدبا من آداب الدين خفت أن يسلبني الله جميع ما أعطاني.
وقال حكيم الأدب مجالسة الخلق على بساط الصدق ومطابقة الحقائق. وقال أهل التحقيق الأدب الخروج من صدق الاختيار والتضرّع على بساط الافتقار كذا في خلاصة السلوك. وقيل ليس الأدب في كسب الأعمال التّعبدية ولا السعي في طلب الحق، بل التواضع إلى حدّ التراب، وما عدا ذلك فقلّة أدب.
وفي تعريفات الجرجاني الأدب عبارة عن معرفة ما يحترز به عن جميع أنواع الخطأ، وأدب القاضي وهو التزامــه لما ندب إليه الشرع من بسط العدل ورفع الظلم وترك الميل انتهى.
وآداب البحث يجيء في ذكر علم المناظرة.

الجعل

الجعل: بالفتح، إظهار أمر عن سبب وتصيير. والجعل بالضم، والجعالة بتثليث الجيم، والجعيلة ما يجعل للانسان على عمله، وهو أعم من الأجر والثواب. وشرعا التزام مال معلوم في مقابلة عمل معلوم لا على وجه الإجازة.
الجعل:
[في الانكليزية] Creation ،production
[ في الفرنسية] Creation ،production
بالفتح وسكون العين المهملة في اللغة بمعنى كردن على ما في الصّراح. وهو عند الحكماء على قسمين: جعل بسيط، وهو جعل الشيء وأثره نفس ذلك الشيء، فلا يستدعي إلّا أمرا واحدا، ولا يكون بحسبه إلّا مجعولا فقط.
وحاصله إخراج شيء من العدم إلى الوجود.
وقد أشير إليه في القرآن وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ. وجعل مركّب وهو جعل الشيء شيئا، وأثره مفاد الهيئة التركيبية الحملية، أعني اتصاف الماهية بالوجود من حيث إنّه غير مستقل بالمفهومية ومرآة لملاحظة الطرفين، وهو يتوسّط بين الشيئين فيستدعي مجعولا ومجعولا إليه.
فالإشراقيون ذهبوا إلى الأول فقالوا الفاعل يجعل نفس الماهية. والمشّائيون إلى الثاني أي الجعل المؤلّف، وقالوا الفاعل يجعل الماهية موجودة، كذا ذكر ميرزا زاهد في حاشية شرح المواقف في الأمور العامة في مقصد الماهية مجعولة أم لا. واستدل على حقية الجعل البسيط بوجوه. منها أنّه يجب الانتهاء إلى جعل بسيط متعلق بالوجود أو الاتصاف به إذ كل ما يفرض أنّه مجعول فهو أيضا في نفسه ماهية فيحتاج إلى الجعل وهلمّ جرّا. ومنها أنّ الوجود أمر اعتباري وكذا وجود الاتصاف. وأثر الجعل كما هو الظاهر أمر عيني. ومنها أنّ مصداق حمل الوجود في الواجب تعالى الحقيقة من حيث هي، وفي الممكن الماهية من حيث إسنادها إلى الجاعل، فإذا فرض استغناؤها في نفسها عنه يصدق حمل الوجود عليها في مرتبة ذاتها، فلا يكون الممكن ممكنا. واستدل على حقيّة الجعل المؤلّف بوجهين. الأول أنّ توسّط الجعل بين الماهية ونفسها غير معقول، ولا يخفى أنه مبني على عدم تصوير الجعل البسيط، فإنّ الجعل المتوسط المتخلل بين الشيء ونفسه هو الجعل المؤلّف لا الجعل البسيط. والثاني أنّ علّة الاحتياج في الممكن هي الإمكان وهو كيفية نسبة الوجود إلى الماهية، فيكون المجعول الماهية باعتبار الوجود لا الماهية من حيث هي. ولا يخفى أنّ الإمكان علّة لاحتياج الماهية باعتبار الوجود لا لاحتياجها مطلقا، فلا يلزم رفع احتياجها من حيث هي. كيف ولها في كل مرتبة احتياج مع أنّ ما هو علّة الاحتياج هو الإمكان بمعنى مصداق الجعل وهو نفس الممكن، هكذا في حواشي السلّم. وإن شئت الزيادة على هذا فارجع إلى حواشى الزاهدية على شرح المواقف.

الإقرار

الإقرار: في الشرع: إخبار بحق الآخر عليه ويقال له: مِقر، ولذلك مُقَرُّ له، وللحق مقر به.
الإقرار: إظهار الــالتزام بما خفي أمره، قاله الحرالي. وقال غيره: لغة: إثبات الشيء ويكون بالقلب أو اللسان، وشرعا، إخبار بحق لآخر عليه.
الإقرار:
[في الانكليزية] Confession
[ في الفرنسية] Aveu
بالراء مأخوذ من القرار بمعنى الثبات، وهو في الشرع إخبار بحق لآخر عليه. فقولنا إخبار أي إعلام بالقول، فإذا أشار ولم يقل شيئا لم يكن إقرارا، ويدخل فيه ما إذا كتب إلى الغائب. أمّا بعد فله عليّ كذا، فإنه كالقول شرعا. وقولنا بحق أي بما يثبت من عين أو غيره، لكن لا يستعمل إلّا في حق المالية، فيخرج عنه ما دخل من حق التعزير ونحوه.
وقولنا لآخر عليه أي لغير المخبر على المخبر، ويحترز به عن الإنكار والدعوى والشهادة ولا ينقض على ما ظن بإقرار الوكيل والولي ونحوهما لنيابتهم مناب المنويات شرعا هكذا في جامع الرموز.

الأداء

الأداء: الإتيان بالشيء لميقاته ذكره الحرالي، وقال الراغب: لغة: دفع ما يحق دفعه، وعرفا فعل ما دخل وقته قبل خروجه.
الأداء الكامل: ما يؤديه الإنسان على الوجه الذي أُمر به كأداء المُدْرِكْ للإمام.
الأداء:
* " تأدية القُرَّاء القراءة إلينا بالنقل عمَّن قبلهم ". * ما جاء صحيحاً مستفاضاً متلقى بالقبول كمراتب المد الزائدة على القدر المشترك، وهذا وأمثاله ملحق بالقراءة المتواترة حكماً.
الأداء:
[في الانكليزية] Practice ،execution
[ في الفرنسية] Pratique ،execution

هو والقضاء: بحسب اللغة يطلقان على الإتيان بالمؤقّتات كأداء الصلاة الفريضة وقضائها، وبغير المؤقتات كأداء الزكاة والأمانة وقضاء الحقوق والحج للإتيان به ثانيا بعد فساد الأول ونحو ذلك. وأما بحسب اصطلاح الفقهاء فهما أي الأداء والقضاء عند أصحاب الشافعي رحمه الله تعالى يختصّان بالعبادات المؤقتة. ولا يتصوّر الأداء إلّا فيما يتصوّر فيه القضاء وأما ما لا يتصور فيه القضاء، كصلاة العيد والجمعة فلا يطلقون الأداء فيه. وهما والإعادة أقسام للفعل الذي تعلّق به الحكم فتكون أقساما للحكم أيضا. لكن ثانيا وبالعرض فيقال الحكم إمّا متعلّق بأداء أو قضاء أو إعادة ولهذا قالوا الأداء ما فعل في وقته المقدّر له شرعا أولا. واختيار فعل على وجب ليتناول النوافل المؤقتة. وقيد في وقته للاحتراز عمّا فعل قبل الوقت أو بعده.
وقيد المقدّر له للاحتراز عمّا لم يقدّر له وقت كالنوافل المطلقة والنذور المطلقة والأذكار القلبية إذ لا أداء لها ولا قضاء ولا إعادة، بخلاف الحجّ فإنّ وقته مقدّر معيّن لكنه غير محدود فيوصف بالأداء لا بالقضاء لوقوعه دائما فيما قدّر له شرعا أولا. وإطلاق القضاء على الحج الذي يستدرك به حجّ فاسد من قبيل المجاز من حيث المشابهة مع المقضي في الاستدراك. وقيد شرعا للتحقيق دون الاحتراز عمّا قيل وهو المقدّر له لا شرعا كالشهر الذي عيّنه الإمام لزكاته، والوقت الذي عيّنه المكلّف لصلاته لأن إيتاء الزكاة في ذلك الشهر وأداء الصلاة في ذلك الوقت أداء قطعا. اللهم إلّا أن يقال المراد أنه ليس أداء من حيث وقوعه في ذلك الوقت، بل في الوقت الذي قدّره الشارع كما في الحجّ، حتى لو لم يكن الوقت مقدّرا شرعا لم يكن أداء كالنوافل المطلقة والنذور المطلقة. وقولهم أولا متعلّق بفعل واحترز به عن الإعادة فإن الظاهر من كلام المتقدمين والمتأخرين أنّ الإعادة قسيم للأداء والقضاء.
وذهب بعض المحققين إلى أنها قسم من الأداء، وأن قولهم أولا متعلّق بالمقدّر احتراز عن القضاء فإنه واقع في وقته المقدّر له شرعا ثانيا حيث قال عليه الصلاة والسلام «فليصلها إذا ذكرها فإن ذلك وقتها» فقضاء صلاة النائم والناسي عند التذكّر قد فعل في وقتها المقدّر لها ثانيا لا أولا. ولا يرد أنّ القضاء موسّع وقته العمر فلا يتقدّر بزمان التذكّر لأنه لا يدّعي انحصار الوقت فيه، بل المراد أن زمان التذكّر وما بعده زمان قد قدّر له ثانيا. فإن قلت فالنوافل لها على هذا وقت مقدّر أولا هو وقت العمر، كما أن لقضاء الظهر وقتا مقدّرا ثانيا هو بقية العمر. قلت البقية قدّرت وقتا له بالحديث المذكور إذا حمل على أن ذلك وما بعده وقت له. وأما أنّ العمر وقت للنوافل فمن قضية العقل لا من الشرع. والقضاء ما فعل بعد وقت الأداء استدراكا لما سبق له وجوب مطلقا.
فبقولهم بعد وقت الأداء خرج الأداء والإعادة في وقته. وبقولهم استدراكا خرجت إعادة الصلاة المؤداة في وقتها خارج وقتها، فإنها ليست قضاء ولا أداء ولا إعادة اصطلاحا وإن كانت إعادة لغة. وبقولهم لما سبق له وجوب خرج النوافل. وقولهم مطلقا تنبيه على أنه لا يشترط في كون الفعل قضاء الوجوب على المكلّف بل المعتبر مطلق الوجوب، فدخل فيه قضاء النائم والحائض إذ لا وجوب عليهما عند المحقّقين منهم، وإن وجد السبب لوجود المانع، كيف وجواز الترك مجمع عليه وهو ينافي الوجوب. وأمّا عند أبي حنيفة فالنوم لا يسقط نفس الوجوب بل وجوب الأداء، والحيض وكذا النفاس لا يسقطان نفس الوجوب بل وجوب الأداء إلّا أنه ثبت بالنصّ أن الطهارة عنهما للصلاة فحينئذ لا حاجة إلى قيد مطلقا.
وبالجملة فالفعل إذا كان مؤقّتا من جهة الشرع لا يجوز تقديمه لا بكلّه ولا ببعضه على وقت أدائه، فإن فعل في وقته فأداء وإعادة وإن فعل بعد وقته فإن وجد في الوقت سبب وجوبه سواء ثبت الوجوب معه أو تخلّف عنه لمانع فهو قضاء، وإن لم يوجد في الوقت سبب وجوبه لم يكن أداء ولا قضاء ولا إعادة. فإن قلت إذا وقعت ركعة من الصلاة في وقتها وباقيها خارجة عنه فهل هي أداء أو قضاء. قلنا ما وقعت في الوقت أداء والباقي قضاء في حكم الأداء تبعا وكذا الحال فيما إذا وقع في الوقت أقل من ركعة. والإعادة ما فعل في وقت الأداء ثانيا لخلل في الأول، وقيل لعذر كما يجيء في محله. وعند الحنفية من أقسام المأمور به مؤقّتا كان أو غير مؤقّت فالأداء تسليم عين ما ثبت بالأمر إلى مستحقّه، فإنّ أداء الواجب إنما يسمّى تسليما إذا سلم إلى مستحقّه والقضاء تسليم مثل ما وجب بالأمر. والمراد بما ثبت بالأمر ما علم ثبوته بالأمر لا ما ثبت وجوبه، إذ الوجوب إنما هو بالسبب، وحينئذ يصحّ تسليم عين ما ثبت، مع أنّ الواجب وصف في الذمّة لا يقبل التصرّف من العبد، فلا يمكن أداء عينه، وذلك لأن الممتنع تسليم عين ما وجب بالسبب وثبت في الذمة لا تسليم عين ما علم ثبوته بالأمر كفعل الصلاة في وقتها وإيتاء ربع العشر.
وبالجملة فالعينية والمثلية بالقياس إلى ما علم من الأمر لا ما ثبت بالسبب في الذمّة فلا حاجة إلى ما يقال إنّ الشرع شغل الذمّة بالواجب ثم أمر بتفريغها، فأخذ ما يحصل به فراغ الذمّة حكم ذلك الواجب كأنه عينه. ثم الثابت بالأمر أعم من أن يكون ثبوته بصريح الأمر نحو وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ أو بما هو في معناه نحو وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ.
ومعنى تسليم العين أو المثل في الأفعال والأعراض إيجادها والإتيان بها، كأنّ العبادة حقّ الله تعالى، فالعبد يؤدّيها ويسلّمها إليه تعالى. ولم يعتبر التقييد بالوقت ليعمّ أداء الزكاة والأمانات والمنذورات والكفارات.
واختيار ثبت على وجب ليعمّ أداء النفل. قيل هذا خلاف ما عليه الفقهاء من أنّ النفل لا يطلق عليه الأداء إلّا بطريق التوسّع، نعم موافق لقول من جعل الأمر حقيقة في الإيجاب والندب. واختيار وجب في حدّ القضاء بناء على كون المتروك مضمونا والنفل لا يضمن بالترك. وأما إذا شرع فيه فأفسده فقد صار بالشروع واجبا فيقضى، والمراد بالواجب ما يشتمل الفرض أيضا. ولا بدّ من تقييد مثل الواجب بأن يكون من عند من وجب عليه كما قيده به البعض، وقال إسقاط الواجب بمثل من عند المأمور وهو حقه هو القضاء احترازا عن صرف دراهم الغير إلى دينه، فإنه لا يكون قضاء، وللمالك أن يستردّها من ربّ الدّين.
وكذا إذا نوى أن يكون ظهر يومه قضاء من ظهر أمسه أو عصره قضاء من ظهره لا يصحّ مع قوّة المماثلة بخلاف صرف النفل إلى الفرض مع أن المماثلة فيه أدنى. وإنّما صحّ صرف النفل إلى الفرض لأن النفل خالص حقّ العبد وهو قادر على فعله، فإذا صرفه إلى القضاء جاز.
فإن قيل يدخل في تعريف الأداء الإتيان بالمباح الذي ورد به الأمر كالاصطياد بعد الإحلال، ولا يسمّى أداء إذ ليس في العرف إطلاق الأداء عليه. قلت المباح ليس بمأمور به عند المحققين، فالثّابت بالأمر لا يكون إلّا واجبا أو مندوبا، لكن عند من قال بأنه مأمور به فينبغي أن يسمّى أداء كما ذكر صاحب الكشف.
واعلم أنه قد يطلق كل من الأداء والقضاء على الآخر مجازا شرعيا لتباين المعنيين مع اشتراكهما في تسليم الشيء إلى من يستحقه وفي إسقاط الواجب، كقوله تعالى: فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ أي أدّيتم. وكقوله تعالى: فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ أي أدّيت صلاة الجمعة، وكقولك نويت أداء ظهر أمس. وأما بحسب اللغة فقد ذكروا أنّ القضاء حقيقة في تسليم العين والمثل وأنّ الأداء مجاز في تسليم المثل.
واعلم أيضا أنهم لم يذكروا الإعادة في هذا التقسيم لأنها داخلة في الأداء والقضاء على ما يجيء في محلها.
والأداء ينقسم إلى أداء محض وهو ما لا يكون فيه شبه من القضاء بوجه من الوجوه من حيث تغيّر الوقت ولا من حيث التزامــه، وإلى أداء يشبه القضاء. والأول أي الأداء المحض ينقسم إلى كامل وهو ما يؤدّى على الوجه الذي شرع عليه كالصلاة بجماعة وردّ عين المغصوب، وقاصر وهو بخلافه كالصلاة منفردا فإنه أداء على خلاف ما شرع عليه، فإن الصلاة لم تشرع إلّا بجماعة لأن جبرائيل عليه السلام علّم الرسول عليه السلام الصلاة أوّلا بجماعة في يومين، وكرد المغصوب مشغولا بالجناية أو بالدّين بأن غصب عبدا فارغا ثم لحقه الدّين في الجناية في يد الغاصب. والأداء الذي يشبه القضاء كإتمام الصلاة من اللاحق فإنه أداء من حيث بقاء الوقت شبيه بالقضاء من حيث أنه لم يؤدّ كما التزم، فإنه التزم الأداء مع الإمام.
والقضاء أيضا ينقسم إلى قضاء محض وهو ما لا يكون فيه معنى الأداء أصلا لا حقيقة ولا حكما، وقضاء في معنى الأداء وهو بخلافه. والأول ينقسم إلى القضاء بمثل معقول وإلى القضاء بمثل غير معقول. والمراد بالمثل المعقول أن يدرك مماثلته بالعقل مع قطع النّظر عن الشرع، وبغير المعقول أن لا يدرك مماثلته إلّا شرعا. والمثل المعقول ينقسم إلى المثل الكامل كقضاء الفائتة بجماعة وإلى القاصر كقضائها بالانفراد. والقضاء الغير المحض كما إذا أدرك الإمام في العيد راكعا كبّر في ركوعه فإنه وإن فات موضعه وليس لتكبيرات العيد قضاء إذ ليس لها مثل، لكن للركوع شبها بالقيام لبقاء الاستواء في النصف الأسفل فيكون شبيها بالأداء، فصارت الأقسام سبعة. ثم جميع هذه الأقسام توجد في حقوق الله وفي حقوق العباد فكانت الأقسام أربعة عشر. هذا كلّه خلاصة ما في العضدي وحواشيه والتلويح وكشف البزدوي. ثم الأداء عند القرّاء يطلق على أخذ القرآن عن المشايخ كما يجيء في لفظ التلاوة.
Learn Quranic Arabic from scratch with our innovative book! (written by the creator of this website)
Available in both paperback and Kindle formats.