Permalink (الرابط القصير إلى هذا الباب): http://arabiclexicon.hawramani.com/?p=33908#ed235f
الِاعْتِكَــاف: من العكوف وَهُوَ الْحَبْس وَالْإِقَامَة. وَشرعا هُوَ لبث فِي مَسْجِد مَعَ الصَّوْم وَالنِّيَّة. وَالْمعْنَى اللّغَوِيّ مَوْجُود فِيهِ مَعَ زِيَادَة. وَفِي كنز الدقائق سنّ لبث فِي مَسْجِد جمَاعَة بِصَوْم وَنِيَّة. وَعَن أبي حنيفَة رَحمَه الله أَنه لَا يَصح إِلَّا فِي مَسْجِد يُصَلِّي فِيهِ الْخمس. وَعنهُ أَن الْوَاجِب لَا يجوز فِي غير مَسْجِد الْجَمَاعَة وَالنَّفْل فِيهِ يجوز فِيهِ. وَعنهُ أَن كل مَسْجِد بِهِ إِمَام ومؤذن مَعْلُوم وَيُصلي فِيهِ الْخمس بِالْجَمَاعَة فَإِنَّهُ يعْتَكف فِيهِ. وَأفضل مَا يكون فِي الْمَسْجِد الْحَرَام ثمَّ فِي مَسْجِد النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ثمَّ فِي بَيت الْمُقَدّس ثمَّ فِي الْجَامِع ثمَّ فِي كل مَسْجِد أَهله أَكثر. قَالَ الشَّيْخ هُوَ سنة. وَقَالَ الْقَدُورِيّ مُسْتَحبّ. وَقَالَ صَاحب الْهِدَايَة وَالصَّحِيح أَنه سنة مُؤَكدَة. وَالصَّحِيح التَّفْصِيل فَإِن كَانَ منذورا تَعْلِيقا أَو تنحيزا فَوَاجِب. وَفِي الْعشْرَة الْأَوَاخِر من رَمَضَان سنة، وَفِي غَيره من الْأَزْمِنَة مُسْتَحبّ وَأَقل الِاعْتِكَــاف النَّفْل سَاعَة فَهُوَ على ثَلَاثَة أَقسَام.
وَأما شُرُوطه فالنية فَلَا يجوز بِلَا نِيَّة - وَمَسْجِد جمَاعَة - وَالصَّوْم وَهُوَ شَرط فِي الِاعْتِكَــاف الْوَاجِب وَلَيْسَ بِشَرْط فِي التَّطَوُّع - وَالْإِسْلَام - وَالْعقل - وَالطَّهَارَة عَن الْجَنَابَة وَالْحيض وَالنّفاس - وَلَا يشْتَرط الْبلُوغ - والذكورة - وَالْحريَّة - وَإِنَّمَا قُلْنَا إِن أقل الِاعْتِكَــاف النَّفْل سَاعَة لما فِي التَّبْيِين وَلَيْسَ لأَقل الِاعْتِكَــاف التَّطَوُّع تَقْدِير على الظَّاهِر حَتَّى لَو دخل الْمَسْجِد وَنوى الِاعْتِكَــاف إِلَى أَن يخرج مِنْهُ صَحَّ وَله آدَاب - ومفسدات فِي كتب الْفِقْه. وَاعْلَم أَنه لَو قَالَ لله عَليّ أَن أعتكف رَمَضَان أَو أعتكف هَذَا الشَّهْر مُشِيرا إِلَى رَمَضَان فصَام وَلم يعْتَكف لزمَه قَضَاء الِاعْتِكَــاف شهرا مُتَتَابِعًا بِصَوْم مُبْتَدأ وَلَا يجوز أَن يَقْضِيه فِي رَمَضَان آخر مكتفيا بصومه خلــافًــا فالزفر رَحمَه الله وَالدَّلِيل فِي التَّلْوِيح.
وَاعْلَم أَنه رُوِيَ أَن بعض الصَّحَابَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم كَانُوا يخرجُون من الْمَسْجِد حَالَة الِاعْتِكَــاف ويباشرون مَعَ أهلهم ثمَّ يرجعُونَ إِلَيْهِ فَنزلت {وَلَا تباشروهن وَأَنْتُم عاكفون فِي الْمَسَاجِد} - وَفِي الْكَشَّــاف فِيهِ دَلِيل على أَن الِاعْتِكَــاف لَا يكون إِلَّا فِي الْمَسْجِد تمّ كَلَامه - أَقُول كَيفَ جعل جَار الله عدم الدَّلِيل دَلِيلا لِأَن التَّخْصِيص يَجْعَل الْمَخْصُوص عَاما كَمَا تَقول لَا تصلوا وَأَنْتُم نائمون فِي الْمَسْجِد فَكيف يفهم مِنْهُ أَن النّوم لَا يكون إِلَّا فِيهِ. وَقَالَ القَاضِي الْبَيْضَاوِيّ رَحمَه الله فِيهِ دَلِيل على أَن الِاعْتِكَــاف يكون فِي الْمَسْجِد بِدُونِ أَدَاة الْحصْر. فَإِن مَا أَرَادَ صَاحب الْكَشَّــاف فَعَلَيهِ مَا عَلَيْهِ. وَإِن أَرَادَ نفس الْجَوَاز فِيهِ فَلَا حَاجَة إِلَّا الِاسْتِدْلَال لِأَن الْأُمَم كَــافَّــة لَا يخالفون لَهُ بل الْخلــاف فِي أَن الِاعْتِكَــاف هَل يشْتَرط لَهُ الْمَسْجِد أم يجوز فِي غَيره من الْأَمْكِنَة، وَقد تصدى الْفَاضِل المدقق عِصَام الدّين فِي حَاشِيَته على الْبَيْضَاوِيّ بجوابه بتكلف لَا يَسعهُ الْمَسَاجِد فَلِذَا تركتهَا على حَاله.