Current Dictionary: All Dictionaries

Search results for: إل

الهداية

الهداية:
[في الانكليزية] Way of salvation ،straight way ،conversion
[ في الفرنسية] Chemin du salut ،voie droite ،conversion
بالكسر هي عند الأشاعرة الدلالة على طريق يوصل إلــى المطلوب ونقض بقوله تعالى إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إذ الدلالة بهذا المعنى عام لجميع المؤمنين والكافرين، لأنّه عليه الصلاة والسلام بيّن طريق الإسلام لجميعهم، فلا يصحّ نفيها عنه عليه الصلاة والسلام. وأجيب بأنّ الهداية منها ما لا تنفى عن أحد بوجه ومنها ما تنفى عن بعض دون بعض، ومن هذا الوجه قوله تعالى إِنَّكَ لا تَهْدِي فإنّه عنى نفي الهداية التي هي التوفيق وإدخال الجنّة لا نفي الهداية التي هي الدعاء إلــى الإسلام، ويؤيّده ما قال المحقّق البيضاوي في تفسيره هداية الله تعالى تتنوع أنواعا لا يحصيها عدد لكنها تنحصر في أجناس مترتّبة. الأول إفاضة القوى التي بها يتمكّن المرء من الاهتداء إلــى مصالحه كالقوة العقلية والحواس الظاهرة والباطنة. والثاني نصب الدّلائل الفارقة بين الحقّ والباطل والصلاح والفساد، وإلــيه أشار تعالى بقوله وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ. وقال وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى. والثالث الهداية بإرسال الرّسل وإنزال الكتب وإياها عنى بقوله تعالى وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا وقوله إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُالذي مصدره هدى فإنّه يجيء لازما بمعنى الاهتداء وهو وجدان ما يوصل إلــى المطلوب، ويقابلها الضلالة وهي فقدان ما يوصل إلــى المطلوب، ومتعديا بمعنى الهداية وأمّا الهداية فهو متعدّ لا غير، كذا في بعض حواشي شرح المطالع.
الهداية: دلالة بلطف إلــى ما يوصل إلــى المطلوب وقيل سلوك طريق يوصل إلــى المطلوب. وقيل: سلوك طريق توصل إلــى المطلوب.

طلسم

طلسم: طَلْسَمَ الرجلُ: كَرَّه وجْهَه وقَطَّبَه، وكذلك طَلْمَسَ

وطَرْمَسَ.

طلسم

Q. 1 طَلْسَمَ He (a man) made his face to be displeasing, or odious; (M, L, TA;) he contracted it; or made it austere, or morose: and so طَرْمَسَ, and طَلْمَسَ, (L, TA,) and طَرْسَمَ. (TA in art. طلمس.) b2: And He (a man) bent down his head; or lowered his eyes, looking towards the ground; or was, or became, silent; syn. أَطْرَقَ: and so طَرْسَمَ. (S in art. طرسم; and TA.) b3: [And, accord. to Golius, He receded, or drew back, from fight; followed by عَنْ: (one of the significations assigned in the K to طَرْسَمَ:) he mentions this as on the authority of J: perhaps he found it in a copy of the S in art. طرمس (in which الطَّرْمَسَةُ is expl. as meaning الاِنْقِبَاضُ and النُّكُوصُ), or in some other art. of that work in which I do not remember to have seen it.

A2: Also He sculptured, engraved, or inscribed, a thing with talismanic devices or characters. and He charmed, or guarded, or preserved, by means of a talisman. See what follows.]

طِلَسْمٌ, or, accord. to MF, طِلَّسْمٌ, [also written طَلِسْمٌ, and طِلِسْمٌ, and طِلِّسْمٌ, and طَلْسَمٌ, and طَلْسِمٌ, and طِلْسَمٌ,] said by MF to be a Pers\., or foreign, word; [perhaps from a late usage of the Greek τέλεσμα;] but [SM says] in my opinion it is Arabic; a name for A concealed secret; [i. e. a mystery: hence our word talisman: accord. to common modern usage, it signifies mystical devices or characters, astrological or of some other magical kind: and a seal, an image, or some other thing, upon which such devices, or characters, are engraved or inscribed; contrived for the purpose of preserving from enchantment or from a particular accident or from a variety of evils, or to protect a treasure with which it is deposited, or (generally by its being rubbed) to procure the presence and services of a Jinnee, &c.:] pl. طَلَاسِمُ (TA) [and طِلَسْمَاتٌ or طِلَّسْمَاتٌ &c.].
طلسم: طلسميّ: نسبة إلــى طلسم (بوشر).
طلع طَلَع: مضارعه عند العامة يطلع بفتح اللام وليس يطلُع بضم اللام كما في اللغة الفصحى (فوك، الكالا، بوشر) بمعنى: جاء بالقرب من ويقال: طلع عليه والمصدر طَلْعَة أيضاً (معجم الطرائف).
طلع الضوء: بدا وظهر، واصبح اليوم (بوشر).
طلع إلــى: علا وصعد، ويقال: طلع إلــى شجرة، وطلع إلــى فوق (بوشر).
طلع على الوادي: عالية الوادي، عالية النهر، مجرى النهر الفوقاني (الكالا).
اطْلَع: في مصطلح البحرية بمعنى اتجه إلــى عرض البحر (المجلة الآسيوية 1841، 1: 589) طلع خُلْقُه: غضب، اغتاظ (بوشر).
طلع إلــى: ذهب إلــى، اتجه نحو (ألف ليلة 1: 9) طلع إلــى البرّ: ارسي (بوشر).
طلع إلــى برّا: خرج (بوشر) طلع إلــى الصيد: ذهب إلــى الصيد (معجم ابي الفداء. طلع: يتعدى بالباء، يقال: طلع به إلــى أي قادة إلــى (ألف ليلة 1: 10) وفي (1: 87) منها: طلع بي القَصْرَ، غير أن في طبعة برسل (1: 223): طلع بي إلــى وسط القصر.
طلع من: خرج من (الوافدي ص154).
مثل: دخل من الباب. ففي ألف ليلة (1: 86) اطلع من المكان الذي جئت منه.
طلع: انبثق، تدفق، يقال: طلع السائل (بوشر).
طلع: فقس، فرّخ، خرج من البيضة (بوشر) طلع إلــى مقابلته: قابله (بوشر).
طلع له: صار له، يقال مثلاً: طلع له اسم أوصيت أي ذاع اسمه واشتهروا ستأمنه الناس (بوشر).
طلع له صيت: أصبح ذا صيت حسن أو سيئ (بوشر).
طلع له زبدة: طثر، علاه الزبد (بوشر).
طلع له وبر: تّزغب، وظهر وبره (بوشر).
طلع لكل واحد عشرة قروش: كانت حصة كل واحد عشرة قروش (بوشر).
طلع الحساب سوا: كان الحساب صحيحاً (بوشر) طلع على خاطره: كان على ذوقه وحسن موقعه عنده، واستحسنه (بوشر).
طلع ضدّاً: تحزب وتعصب عليه (بوشر).
طلع له من خلاف: عارضه وكذبه فيما يقول وقاومه وناوأه (بوشر).
طلع: نجح افلح ففي ألف ليلة (برسل 11: 382): طلع أي نجح وفي طبعة ماكن (4709): قد عملت هذه العملة وطلعت بيدك. ويقال أيضاً: طلع راس أي نجح وافلح (بوشر).
طلع معه الشيء: انتهى من عمل الشيء.
طلع من يده الشيء: استطاع عمله (بوشر) طلع: من مصطلح اللعب بمعنى تحدى الصندوق أي وضع مالا ضد صاحب الصندوق في لعب القمار (ألكالا) طلع في بدع: تميز تفردب، امتاز ن، صار غريباً (بوشر) طلعت روحه: أسلم الروح، لفظ أنفاسه الأخيرة وكذلك فقد صبره، عيل صبره (بوشر).
يطلع في الروح: محتضر، مشرف على الموت (بوشر).
طلع ضامة: أوصل البيدق إلــى آخر المنازل في لعبة الداما (بوشر).
طلع من غرضه: تحزب له ونصره (بوشر) طلَّع (بالتشديد): رفع، أعلى، (الكالا) ابن جبير).
طلَّع البَلْغَة: رفع جوانب حذائه ليمشي بسهولة ويسر (دوماس حياة العرب ص230 - 231).
طلَّع: رفع، علّى (همبرت ص129، هلو).
طلَّع عينه على: طمح إلــى، استجلى، حدّق إلــى (بوشر).
طلَّع على سرّ: نفذ إلــى سرّ، وقف على سرّ (بوشر).
طلَّع: صعد (رولاند) وهو يذكر طلَّع بهذا المعنى بينما يدل الفعل طلع عليه.
طلَّع روحه: أغضبه وأسخطه بالقول (بوشر) طلَّع: أخرج، انتزع (بوشر، هماكر، الواقدي ص154 في التعليقات وفي ألف ليلة (1: 85): أطلعك من تحت الأرض ومع ذلك يمكن أن يكون هذا الفعل اطلع الذي يدل على نفس هذا المعنى.
طلَّع: فرّغ السفينة، انزل من السفينة (همبرت ص131).
طلَّع: عند العامة نظر (محيط المحيط) ويقال طلَّع في أي نظر إلــى (بوشر).
طلَّع على: عند العامة فتش (محيط المحيط).
طلَّع للوَشْك: وتَّر، ادخل وتر القوس في فرضة السهم (الكالا) وقد وجدت هذا الفعل تليه كلمة قوس في ألف ليلة (برسل 9: 225) ففيها: فقام عليّ وطلع قوس عمادي وقعد على باب صيوان الخواجا. غير أن سياق الحكاية لا ينبئني بمعنى هذا.
طلَّع: صلي بندقية (هلو، دوماس حياة العرب ص166) طالَع: بمعنى تأمّل في وأدام النظر، وقد تلي (عن) هذا الفعل أحياناً فيكون معناه عندئذ لكي يكشف ففي القزويني (2: 374) طالع الأفلاك عن سرّ البروج والدرج. وارى أن السيد دي غويه قد اخطأ حين فسر هذا الفعل باللاتينية في معجم مسلم بما معناه: يكشف ويظهر ويُرى. وأرى أن المعنى في المثالين اللذين نقلهما هو تأمل وأدام النظر وهو المعنى المألوف لهذا الفعل كما جاء في بيت من الشعر ذكره المقري (2: 10).
طالع: قرأ أو بالأحرى درس. ففي طرائف دي ساسي (1: 144): مطالعة العلم وقد علق فريتاج وهو مصيب إنه يقال أيضاً طالع على بهذا المعنى ففي كتاب ابن صاحب الصلاة (ص76 ق): مطالعة على كتب التواريخ.
طالع خُاَقَه: أغضبه وأثار سخطه وأحنقه (بوشر).
طالعَ: أخرج وانتزع الشيء من موضعه الضيق (بوشر).
طالعَ كلمة من فمه: انتزع منه القول (بوشر).
طالع اسمه أوصيته: ذاع اسمه واشتهر واستأمنه الناس (بوشر).
أطلع: اطلع بائِقَةً: قال عنه أشياء مؤلمة ومكدرة ومهنية، قال عنه شراً. أخبار ص26 أطلع اسمه اوصيته اذاع اسمه وجعله شهيراً (بوشر).
اطلع له صيتاً جعله رائجاً (بوشر).
اطلع فلاناً على: اعلمه به وأظهره له (بوشر).
وكذلك في معجم لين. ومنه قيل يُطْلَع عليه بمعنى يبلَّغ، ممكن تبليغه ممكن الاطلاع عليه (بوشر).
اطلع: أخرج وهذا المعنى ذكره هماكر في تعليقته القيمة على الواقدي ص153 - 154 التي أثبتت فيها أن هذا الفعل مرادف للفعل أخرج. وفريتاج الذي نقل هذه التعليقة قد أحسن حين لم يبدلها بكلمتي أبان وأظهر اللتين فسر بهما كلمة اطلع. وهذا صحيح من حيث أصل الكلمة، غير أن الاستعمال هو الحكم المطلق على معاني الكلمات، وقد ذكرنا فيما تقدم أن بوشر قد ترجم طلَّع بما معناه أخرج. وكذلك جاء في طرائف كوسج (ص81) ففيها: اطلع السيفَ يلمع من علائقه.
تطَّلع: راقب، ترصد، كان على برج الإنذار (فوك) وفيه تطلع على (الكالا).
تطلَّع: فتش، لاحظ، ففي رحلة ابن جبير (ص39): خرج السلطان المذكور على سبيل التطلع خارج بلده. وفي قلائد العقيان (ص55) ركب السلطان ليتطلع بعض أقطاره.
تطلَّع: راقب، ناظر. ففي رحلة ابن جبير (ص48): والسلطان يتطلع هذه الأحوال كلها بالبحث والسؤال.
تطلَّع إلــى: غمز، أرسل الغمزات. ويقال: تطلع على وتطلَّع في معنى نظر إلــى (بوشر).
تطلّع إلــى: رغب في، تاق إلــى (انظر لين) (المقري 1: 231)، وفي قلائد العقبان (ص192): (وقد غلبوه إلــى المسير معهم وألزموه مجتمعهم فخرج وهو مكره، لا يتطلع إلــى ذلك ولا يشره) (المقدمة 2: 177).
تطلّع: صعد، ارتقى، (فوك).
تطلّع: في كليلة ودمنة (ص179) انظرها في تطلّع.
اطلّع: تجهز باللوازم (كوسج طرائف ص91).
اطَّلع على: نظر إلــى، ويستعمل مجازاً بمعنى أدرك فهم (بوشر).
اطَّلع على سر: اكتشف سراً (بوشر).
اطَّلع على: تعرف على المواضع وتحقق منها (بوشر) استطلع: انتظر، ترقب، ارتقب، (ابن جبير ص32، 77) استطلع على: عرف، علم، درى (فوك).
طَلْع: لبّ البرز (بوشر).
طلع النبات: لقاح الزهر، غلاف يشبه الكرز ينفتح عن حب منضود فيه مادة إخصاب النبات (بوشر).
طَلْعَة= طَلْع (دي ساسي عبد اللطيف ص75) = (ابن البيطار 1: 167).
طلعة النهار: فجر، سحر، مطلع الفجر (بوشر).
طَلْعَة: مطلع، صعود، مرتقى (الكالا) طَلْعَة: منحدر يقوم مقام الدرج (بوشر).
طَلْعَة: مخرج، منفذ صعب (بوشر).
طلعة خُلْق: نزوة، فورة، حدة الخلق، (بوشر).
طَلُوع أو هو طُلوع بالضم: عند العامة خرّاج عظيم في البدن، ويجمع على طلوعات (محيط المحيط).
طُلُوع: مطلع، مرتقى، مصعد، (بوشر).
طَلسيع، طليعة: من يبعث قدام الجيش ليطلع طِلَع العدو، ومن يعس ويطوف ليلاً (أبو الوليد ص218 رقم 4، ص616 رقم 68).
طلاعة؟: تقال في الكلام عن النظام الذي يرتب فيه الجيش ليتهيأ للمعركة. ففي الملل (ص53 ق): فكان في القلب مع الأمير تاشفين المرابطون وأصحاب الطلائع.
طَلِيَعة. طليعةُ (طلائعُ) بَلْج انظرها في طالع.
طَلِيعة: اسم قطعة أضيفت على قطع الشطرنج المألوفة في لعبة الشطرنج الكبرى وهما طليعتان (حياة تيمور 2: 798) وانظر بلاند في جريدة للجمعية الآسيوية الملكية (13: 12) وفان درلند في تاريخ الشطرنج (1: 111).
طالع وطوالع وطَلَعَة أو طالعَة: تطلق على كتاب الجند الذين يصلون إلــى بلد.
ففي تاريخ البربر (1: 126): وما كان منهم (البربر) لأول الفتح في محاربة الطوالع من المسلمين (وانظر (1: 636، 640) وهم طوالع الفتح (تاريخ البربر 1: 153: 160، 626) وهم طوالع هشام بأرض المغرب الذين يبعثهم الخليفة هشام إلــى المغرب (تاريخ البربر 1: 126) وتطلق أيضاً على بني هلال الذين غزوا أفريقية في القرن الخامس الهجري (تاريخ البربر 1: 26ب، 626) والكتائب الشامية التي جاءت إلــى الأندلس بقيادة بلج، وهم عرب الفتح الثاني كما نقول تسمى طالعة بلج (ابن جبير ص2) والطالعة البلجية (الخطيب ص7 و) والطالعة الثانية من الشاميين (ابن الغوطية ص8 ق) وطوالع بلج (المقري: 1: 147)، (عباد 1: 220) وطلعة بلج (عباد 1: 220) (وهذا صواب الكلمة بدل طاعة)، (2: 158) وطلائع بلج في تاريخ البربر (1: 151) وتاريخ بني الأغلب (ص12) والمقري (1: 147).
طْليعةْ بالمعنى الذي ذكره لين نجدها في كليلة ودمنة (ص182) ففيه: ونبث العيون ونرسل الجواسيس ونرسل الطوالع بيننا وبين عدّونا فنعلم هل يريد صلحنا أم لا.
طليعة، وتجمع على طوالع وطَلاّع: الرجل الذي يعس ويطوف ليلاً فوق الحصن (فقوك).
طالِع: طلع أو كفري الطلع وهو قشره.
ففي شيرب (ديال ص198): تبنى قرابي بالطالع والبردي أنت تبني الأكواخ والاخصاص بذلك.
طالِع: خزان ماء للتوزيع، ففي محيط المحيط: والطالع عند المولدين بناء يجعل للماء يصعد إلــى أعلاه ثم يتوزع على ما يجاوره من الأماكن.
طالِعَة وجمعها طوالع: فرقة من الجيش يختلف عددها قلة وكثرة ويبلغ عددها غالباً 1500 أو 2000 رجل تبعث في ربيع كل سنة لتكون حامية تحرس موضعاً على الحدود وتعود في الخريف (معجم البلاذري).
طوالع: حرّاس، خفراء، (الكالا)، كرتاس ص94).
طالِعَة: برج يطوف عليه العسس (ألكالا، المقري 2: 714).
طالِعَة: رسالة تبعث بها السلطة إلــى عمالها تأمرهم فيها بالقبض على هارب وتذكر فيها اسمه وعلاماته الفارقة (ألف ليلة برسل 10: 411، 412) وفي هاتين العبارتين نجد الجمع طالعات، وفي طبعة ماكن طوالع في العبارة الثانية ومكاتيب في العبارة الأولى.
يا طالعة يا نازلة: أرجوحة، وهي خشبة توضع على موضع مرتفع يترجح عليها شخصان يركب كل واحد على طرف منها (محيط المحيط) في مادة زحلق.
تَطْلِيَعة: غمزة، لمحة (بوشر).
مطلَع ومَطْلِع بفتح اللام وكسرها = طالع: ففي كتاب أين صاحب الصلاة (ص42 ق): وخدمته في ذلك المطالع السعيدة من بروج النجوم.
مَطَّلَع: سلّم يطلع عليه (محيط المحيط، المقري 1: 369، ابن جبير ص154).
مَطْلَع: مقعد، كرسي (فوك) وفيه: ( sedibile = مقعد، كرسي).
مَطْلَع: برج الإنذار، موضع المراقبة (فوك). مَطْلَع: موقع، محل مدينة، يقال: مدينة حصينة المطلع (الادريسي الباب الخامس الفصل الخامس) وهذا في مخطوطة ب، وفي مخطوطة ا: حسنة.
مَطْلَع القصيدة عند الشعراء أول بيت منها لو أول شطر من البيت الأول (المقري1: 539، محيط المحيط) وبعضهم يقول إنه الجزء الأول من الشطر الثاني، أي التفعيلة الأولى منه. وبداية التفعيلة الأولى من الشطر الثاني. وبداية القصيدة (فريتاج الشعر العربي ص 533) انظر في مادة مقطع.
وتستعمل هذه الكلمة للطلالة على الشطر الأول من الموشح (المقري 1: 627) غير أن المطلع يطلق عادة في القصائد ذات المقاطع المتعددة على مبدأ القصيد الذي يتكون من عدة اشطر، من أربعة اشطر، (المقري 1: 21، 314) أو ستة اشطر (نفس المصدر ص580) بينما يطلق اسم دور على المقاطع الأخرى. وهذا واضح في طبعة بولاق للمقري فقد أشير فيها إلــى المطلع والدور. المَطْلَع عند أهل لبنان القطعة من منظوماتهم التي يسمونها بالمُعَنَّى (محيط المحيط) ويترجمها السيد ويتسشتاين في زيشر (22: 106) إلــى الألمانية ب ( kehrvers der strophenlieder) وهو يكتبها مُطِلع ولعل هذا نطق أهل الشام غير إنه نطق سيئ.
مَطْلَع: مبدأ الكلام. ويقال: مطلع الكلام أي فاتحه الخطاب واستهلاله ومقدمته (بوشر).
مَطْلَع: بدء، ابتداء (بوشر)
مطلوع: خبز يخبز على الطابق (دوماس حياة العرب ص253) وفي شكوري (ص192 و): وأما خبز الطابق وهو عندنا المعروف بالمطلوع فأخف من خبز التنوّر لا سيما متى رُقق وكان مختمراً.
مُطالِع: مجدٌ في الدرس، مجتهد (بوشر).
مُطالِع: طالب العلم، دارس (بوشر) مُطَالعَة: إبلاغ رسمي، تبليغ رسمي (ابن خلكان 10: 84، الفخري ص330، 347).
طلف طلفة: زائدة فطرية، غدة، برزة. (ابن العوام 2: 572)
ط ل س م

وطَلْسَمَ الرَّجُلُ كَرَّه وَجْهَه ولَيْلَةٌ طِلْمِسَاءُ كطِرْمِسَاء
(طلسم)
أطرق وَعَبس والساحر وَنَحْوه كتب طلسما وَالشَّيْء عمل لَهُ طلسما وَمن كَلَام الصُّوفِيَّة سر مطلسم وحجاب مطلسم وَذَات مطلسم غامض

طلسم


طَلْسَمَ
a. Looked down; assumed an austere look.
b. Traced magic lines.

طَلْسَم
طِلْسِمa. see infra.

طِلَسْم طِلَّسْم (pl.
طَلَاْسِمُ)
a. Talisman, charm.

طُلَاطِلَة
a. Misfortune; incurable sickness; death.
b. Uvula.
طلسم

طَلْسَمَ الرَّجلُ: كَرَّهَ وَجْهَه وقَطَّبَه، وَكَذَلِكَ: طَرْمَسَ وطَلْمَسَ، كَمَا فِي اللِّسان.
وطَلْسمَ الرَّجلُ: أَطْرقَ، مثل طَرْسَم، نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ فِي (ط ر س م) استِطْراداً وأَهملَه هُنَا.
والطِّلَسْمُ، كَسِبَطْر، وشَدَّدَ شَيخُنا اللاَّمَ، وَقَالَ: إنَّه أَعْجَمِيّ، وعِنْدي أَنَّه عَرَبيّ: اسمٌ للسِّرِّ المَكْتُومِ، وَقد كَثُرَ استِعْمَالُ الصُّوفِيَّةِ فِي كَلاَمهم فَيَقُولُون: سِرٌّ مُطَلْسَمٌ، وحِجَابٌ مُطَلْسَمٌ، وذَاتٌ مُطَلْسَمٌ، والجَمْعُ: طَلاسِمُ.
طلسم
طلسمَ يطلسم، طلسمةً، فهو مُطلسِم
• طَلْسَمَ الساحرُ ونحوُه: قرأ أو كتب شيئًا غامضًا ومبهمًا. 

طِلَسْم [مفرد]: ج طِلَسْمات وطَلاسِم:
1 - لغز، شيء غامض ومبهم "طلاسم غريبة- طِلَسْم عجيب" ° فكَّ طلاسمَ الشَّيء: وضَّحه وفسَّره وكشف أسراره.
2 - خطوط وأعداد يزعم كاتبها أنه يربط بها روحانيات الكواكب العلوية بالطبائع السفليّة لجلب محبوب أو دفع أذى. 

طِلَّسْم [مفرد]: ج طِلَّسْمات وطَلاسِم:
1 - طِلَسْم، لغز، شيء غامض ومبهم "طلاسم غريبة- طِلَّسم عجيب" ° فكَّ طلاسمَ الشَّيء: وضَّحه وفسَّره وكشف أسراره.
2 - خطوط وأعداد يزعم كاتبها أنه يربط بها روحانيّات الكواكب
 العلوية بالطبائع السفليّة لجلب محبوب أو دفع أذى. 

إِفْرِيقِيَّة

إِفْرِيقِيَّة:
بكسر الهمزة: وهو اسم لبلاد واسعة ومملكة كبيرة قبالة جزيرة صقلية، وينتهي آخرها إلــى قبالة جزيرة الأندلس، والجزيرتان في شماليها، فصقلية منحرفة إلــى الشرق والأندلس منحرفة عنها إلــى جهة المغرب. وسميت إفريقية بإفريقيس بن أبرهة ابن الرائش، وقال أبو المنذر هشام بن محمد: هو إفريقيس بن صيفي بن سبأ بن يشجب بن يعرب ابن قحطان وهو الذي اختطّها، وذكروا أنه لما غزا المغرب انتهى إلــى موضع واسع رحيب كثير الماء، فأمر أن تبنى هناك مدينة فبنيت وسمّاها إفريقية، اشتقّ اسمها من اسمه ثم نقل إلــيها الناس ثم نسبت تلك الولاية بأسرها إلــى هذه المدينة، ثم انصرف إلــى اليمن، فقال بعض أصحابه:
سرنا إلــى المغرب، في جحفل، ... بكلّ قرم أريحيّ همام
نسري مع افريقيس، ذاك الذي ... ساد بعزّ الملك أولاد سام
نخوض، بالفرسان، في مأقط ... يكثر فيه ضرب أيد وهام
فأضحت البربر في مقعص، ... نحوسهم بالمشرفيّ الحسام
في موقف، يبقى لنا ذكره ... ما غرّدت، في الأيك، ورق الحمام
وذكر أبو عبد الله القضاعي أن إفريقية سمّيت بفارق ابن بيصر بن حام بن نوح، عليه السلام، وأن أخاه مصر لما حاز لنفسه مصر حاز فارق إفريقية، وقد ذكرت ذلك متّسقا في أخبار مصر، قالوا: فلما اختطّ المسلمون القيروان خربت إفريقية وبقي اسمها على الصّقع جميعه، وقال أبو الريحان البيروتي إن أهل مصر يسمّون ما عن أيمانهم إذا استقبلوا الجنوب بلاد المغرب، ولذلك سمّيت بلاد إفريقية وما وراءها بلاد المغرب يعني أنها فرقت بين مصر والمغرب فسميت إفريقية لا أنها مسماة باسم عامرها، وحدّ إفريقية من طرابلس الغرب من جهة برقة والإسكندرية إلــى بجاية، وقيل: إلــى مليانة، فتكون مسافة طولها نحو شهرين ونصف، وقال أبو عبيد البكري الأندلسي: حدّ إفريقية طولها من برقة شرقا إلــى طنجة الخضراء غربا، وعرضها من البحر إلــى الرمال التي في أول بلاد السودان، وهي جبال ورمال عظيمة متصلة من الشرق إلــى الغرب، وفيه يصاد الفنك الجيد، وحدث رواة السير ان عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، كتب إلــى عمرو بن العاص: لا تدخل إفريقية فإنها مفرّقة لأهلها غير متجمعة، ماؤها قاس ما شربه أحد من العالمين إلــا قست قلوبهم، فلما افتتحت في أيام عثمان، رضي الله عنه، وشربوا ماءها قست قلوبهم فرجعوا إلــى خليفتهم عثمان فقتلوه. وأما فتحها فذكر أحمد بن يحيى بن جابر أن عثمان بن عفّان، رضي الله عنه، ولّى عبد الله بن سعد بن أبي سرح مصر وأمره بفتح إفريقية، وأمدّه عثمان بجيش فيه معبد بن العباس بن عبد المطّلب، ومروان بن الحكم بن أبي العاص، وأخوه الحارث بن الحكم، وعبيد الله بن عمر، وعبد الرحمن بن أبي بكر، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وعبد الله بن الزبير ابن العوّام، والمسور بن مخرمة بن نوفل بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب، وعبد الرحمن بن زيد بن الخطّاب، وعبد الله وعاصم ابنا عمر بن الخطاب، وبسر بن أبي ارطاة العامري، وأبو ذؤيب الهذلي الشاعر، وذلك في سنة 29 وقيل: سنة 28، وقيل: 27، ففتحها عنوة وقتل بطريقها، وكان يملك ما بين أطرابلس إلــى طنجة، وغنموا واستاقوا من السبي والمواشي ما قدروا عليه، فصالحهم عظماء إفريقية على ثلاثمائة قنطار من الذهب على أن يكفّ عنهم ويخرج من بلادهم، فقبل ذلك منهم، وقيل: إنه صالحهم على ألف ألف وخمسمائة ألف وعشرين ألف دينار، وهذا يدلّ على أن القنطار الواحد ثمانية آلاف وأربعمائة دينار، ورجع ابن أبي سرح إلــى مصر ولم يولّ على إفريقية أحدا، فلما قتل عثمان، رضي الله عنه، عزل عليّ، رضي الله عنه، ابن أبي سرح عن مصر وولّى محمد بن أبي حذيفة بن عتبة بن ربيعة مصر، فلم يوجّه إلــيها أحدا، فلما ولي معاوية بن أبي سفيان، وولى معاوية بن حديج السّكوني مصر، بعث في سنة 50 عقبة بن نافع بن عبد القيس بن لقيط الفهري، فغزاها وملكها المسلمون فاستقرّوا بها، واختطّ مدينة القيروان، كما نذكره في القيروان إن شاء الله تعالى، ولم تزل بعد ذلك في أيدي المسلمين، فوليها بعد عقبة بن نافع زهير بن قيس البلوي في سنة 69، فقتله الروم في أيام عبد الملك فوليها حسّان بن النعمان الغسّاني فعزل عنها، ووليها موسى بن نصير في أيام الوليد بن عبد الملك، ثم وليها محمد بن يزيد مولى قريش في أيام سليمان بن عبد الملك سنة 99، ثم وليها إسماعيل بن عبد الملك ابن عبد الله بن أبي المهاجر مولى بني مخزوم من قبل عمر بن عبد العزيز، ثم وليها يزيد بن أبي مسلم مولى الحجّاج من قبل يزيد بن عبد الملك، ثم عزله وولّى بشر بن صفوان في أول سنة 103، ثم وليها عبيدة بن عبد الرحمن السلمي ابن أخي أبي الأعور السلمي، فقدمها في سنة 110 من قبل هشام بن عبد الملك، ثم عزله هشام وولّى مكانه عبيد الله بن الحبحاب مولى بني سلول، ثم عزله هشام في سنة 123 وولى كلثوم ابن عياض القشيري فقتله البربر، فولّى هشام حنظلة ابن صفوان الكلبي في سنة 124، ثم قام عبد الرحمن ابن حبيب بن أبي عبيدة بن عقبة بن نافع الفهري وأخرج حنظلة عن إفريقية عنوة ووليها، وأثر بها آثارا حسنة، وغزا صقلية، وكان الأمر قد انتهى إلــى مروان بن محمد فبعث إلــيه بعهده وأقرّه على أمره، وزالت دولة بني أميّة وعبد الرحمن أمير، وكتب إلــى السفاح بطاعته، فلما ولي المنصور خلع طاعته، ثم قتله أخوه الياس بن حبيب غيلة في منزله وقام مقامه، ثم قتل الياس وولي حبيب بن عبد الرحمن فقتل، ثم تغلّب الخوارج حتى ولّى المنصور محمد.
ابن الأشعث الخزاعي فقدمها سنة 144، فجرت بينه وبين الخوارج حروب ففارقها ورجع إلــى المنصور، فولّى المنصور الأغلب بن سالم بن عقال بن خفاجة بن عبد الله بن عبّاد بن محرّث، وقيل: محارب بن سعد ابن حرام بن سعد بن مالك بن سعد بن زيد مناة بن تميم، فقدمها في جمادى الآخرة سنة 148، وجرت له حروب قتل في آخرها في شعبان سنة 150، وبلغ المنصور فولّى مكانه عمرو بن حفص بن عثمان بن قبيصة بن أبي صفرة أخا المهلّب المعروف بهزارمرد، فقدمها في صفر سنة 151، وكانت بينه وبين البربر وقائع قاتل فيها حتى قتل في منتصف ذي الحجة سنة 154، فولّاها المنصور يزيد بن حاتم بن قبيصة بن المهلّب فصلحت البلاد بقدومه، ولم يزل عليها حتى مات المنصور والمهدي والهادي، ثم مات يزيد بن حاتم بالقيروان سنة 170 في أيام الرشيد، واستخلف ابنه داود بن يزيد بن حاتم، ثم ولّى الرشيد روح بن حاتم أخا يزيد، فقدمها وساسها أحسن سياسة حتى مات بالقيروان سنة 174، فولّى الرشيد نصر بن حبيب المهلّبي، ثم عزله وولّى الفضل بن روح بن حاتم، فقدمها في المحرم سنة 177، فقتله الخوارج سنة 178، فكانت عدّة من ولي من آل المهلّب ستة نفر في ثمان وعشرين سنة، ثم ولّى الرشيد هرثمة بن أعين فقدمها في سنة 179، ثم استعفى من ولايتها فأعفاه، وولّى محمد بن مقاتل العكّي فلم يستقم بها أمره فإنه أخرج منها، وولّى ابراهيم ابن الأغلب التميمي المقدم ذكره، فأقام بها إلــى أن مات في شوال سنة 196، وولي ابنه عبد الله بن إبراهيم ومات بها ثم ولي أخوه زيادة الله بن إبراهيم في سنة 201 في أول أيام المأمون، ومات في رجب سنة 223، ثم ولي أخوه أبو عقال الأغلب بن ابراهيم، ثم مات سنة 226، فولي ابنه محمد بن الأغلب إلــى أن مات في محرم سنة 242، فولي ابنه أبو القاسم إبراهيم بن محمد حتى مات في ذي القعدة سنة 249، فولي ابنه زيادة الله بن إبراهيم إلــى أن مات سنة 250، فولي ابن أخيه محمد بن أحمد إلــى أن مات سنة 261، فولي أخوه إبراهيم بن أحمد، وكان حسن السيرة شهما، فأقام واليا ثمانيا وعشرين سنة ثم مات في ذي القعدة سنة 289، فولي ابنه عبد الله بن إبراهيم بن أحمد فقتله ثلاثة من عبيده الصقالبة، فولي ابنه أبو نصر زيادة الله بن عبد الله بن إبراهيم، فدخل ابو عبد الله الشيعي فهرب منه إلــى مصر، وهو آخرهم، في سنة 296، فكانت مدّة ولاية بني الأغلب على إفريقية مائة واثنتي عشرة سنة، وولي منهم أحد عشر ملكا، ثم انتقلت الدولة إلــى بني عبيد الله العلوية، فوليها منهم المهدي والقائم والمنصور والمعز حتى ملك مصر، وانتقل إلــيها في سنة 362، واستمرت الخطبة لهم بإفريقية إلــى سنة 407، ثم وليها بعد خروج المعز عنها يوسف الملقب بلكّين ابن زيري بن مناد الصّنهاجي باستخلاف المعز إلــى أن مات في ذي الحجة سنة 373، ووليها ابنه المنصور إلــى أن مات في شهر ربيع الأول سنة 386، ووليها ابنه باديس إلــى أن مات في سلخ ذي القعدة سنة 406، ووليها ابنه المعز بن باديس وهو الذي أزال خطبة المصريين عن إفريقية، وخطب للقائم بالله وجاءته الخلعة من بغداد، وكاشف المستنصر الذي بمصر بخلع الطاعة، وذلك في سنة 435، وقتل من كان بإفريقية من شيعتهم فسلّط اليازوري وزير المستنصر العرب على إفريقية حتى خرّبوها، ومات المعزّ في سنة 453، وقد ملك سبعا وأربعين سنة، ووليها ابنه تميم ابن المعز إلــى أن مات في رجب سنة 501، ووليها ابنه يحيى بن تميم حتى مات سنة 509، ووليها ابنه عليّ بن يحيى إلــى أن مات سنة 515، ووليها ابنه الحسن بن عليّ، وفي أيامه أنفذ رجار صاحب صقلية من ملك المهدية فخرج الحسن منها ولحق بعبد المؤمن ابن عليّ، وملك الأفرنج بلاد إفريقية، وذلك في سنة 543، وانتقضت دولتهم، وقد ولي منهم تسعة ملوك في مائة سنة وإحدى وثمانين سنة، وملك الأفرنج إفريقية اثنتي عشرة سنة حتى قدمها عبد المؤمن فاستنقذها منهم في يوم عاشوراء سنة 555، وولّى عليها أبا عبد الله محمد بن فرج أحد أصحابه، ورتّب معه الحسن بن عليّ بن يحيى بن تميم وأقطعه قريتين ورجع إلــى المغرب، وهي الآن بيد الولاة من قبل ولده، فهذا كاف من إفريقية وأمرها. وقد خرج منها من العلماء والأئمة والأدباء ما لا يحصى عددهم، منهم: أبو خالد عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي قاضيها، وهو أول مولود ولد في الإسلام بإفريقية، سمع أباه وأبا عبد الرحمن الحبكي وبكر ابن سوادة، روى عنه سفيان الثوري وعبد الله بن لهيعة وعبد الله بن وهب وغيرهم، تكلّموا فيه، قدم على أبي جعفر المنصور ببغداد، قال: كنت أطلب العلم مع أبي جعفر أمير المؤمنين قبل الخلافة فأدخلني يوما منزله فقدّم إلــيّ طعاما ومريقة من حبوب ليس فيها لحم، ثم قدّم إلــيّ زبيبا، ثم قال:
يا جارية عندك حلواء؟ قالت: لا، قال: ولا التمر؟
قالت: ولا التمر، فاستلقى ثم قرأ هذه الآية: عسى ربّكم أن يهلك عدوّكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون، قال: فلما ولي المنصور الخلافة أرسل إلــيّ فقدمت عليه فدخلت، والربيع قائم على رأسه، فاستدناني وقال: يا عبد الرحمن بلغني أنك كنت تفد إلــى بني أمية؟ قلت: أجل، قال: فكيف رأيت سلطاني من سلطانهم وكيف ما مررت به من أعمالنا حتى وصلت إلــينا؟ قال: فقلت يا أمير المؤمنين رأيت أعمالا سيّئة وظلما فاشيا، وو الله يا أمير المؤمنين ما رأيت في سلطانهم شيئا من الجور والظّلم إلّــا ورأيته في سلطانك، وكنت ظننته لبعد البلاد منك، فجعلت كلّما دنوت كان الأمر أعظم، أتذكر يا أمير المؤمنين يوم أدخلتني منزلك فقدّمت إلــيّ طعاما ومريقة من حبوب لم يكن فيها لحم ثم قدّمت زبيبا، ثم قلت: يا جارية عندك حلواء؟
قالت: لا، قلت: ولا التمر؟ قالت: ولا التمر، فاستلقيت ثم تلوت: عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون؟ فقد والله أهلك عدوّك واستخلفك في الأرض، ما تعمل؟
قال: فنكّس رأسه طويلا ثم رفع رأسه إلــيّ وقال: كيف لي بالرجال؟ قلت: أليس عمر بن عبد العزيز كان يقول: إن الوالي بمنزلة السّوق يجلب إلــيها ما ينفق فيها، فإن كان برّا أتوه ببرّهم وإن كان فاجرا أتوه بفجورهم؟ فأطرق طويلا، فأومأ إلــيّ الربيع أن أخرج، فخرجت وما عدت إلــيه، وتوفي عبد الرحمن سنة 156، وينسب إلــيها أيضا سحنون بن سعيد الإفريقي من فقهاء أصحاب مالك، جالس مالكا مدة وقدم بمذهبه إلــى إفريقية فأظهره فيها، وتوفي سنة 240، وقيل:
سنة 241.

القسمة

القسمة:
[في الانكليزية] Allotment ،division ،part ،lot
[ في الفرنسية] Repartition ،division ،part ،lot
بالكسر والسكون اسم من الأقسام وليست مصدر قسم القسام المال بين الشركاء فإنّ مصدره القسم بالفتح. وأمّا القسم بالكسر فمعناه النصيب. وعند الفقهاء هي عبارة عن تعيين الحقّ الشائع أي المشترك، والحقّ أعمّ من المنافع والأعيان المنقولة كالحيوان وغير المنقولة كالعقار والعرض، فيتناول قسمة الأعيان وقسمة المنافع المسمّاة بالمهاباة ولا تعري القسمة مطلقا عن معنى إفراز هو أخذ عين حقّه ومعنى مبادلة هو أخذ عوض عنه، إذ ما من جزء معيّن إلّــا وهو مشتمل على النصيبين، فكأنّ ما يأخذه كلّ واحد منهما بعضه ملكه ولم يستفد من صاحبه فكان إفرازا، والبعض كان لصاحبه فصار عوضا له عمّا في يد صاحبه فكان مبادلة، وهذا معنى قولهم القسمة جمع النصيب الشائع في معيّن لكن جعل الغالب في المثلي أي المكيل والموزون والعددي المتقارب الإفراز لعدم التفاوت، وجعل الغالب في غير المثلي المبادلة للتفاوت فيأخذ كلّ شريك حصته بغيبة صاحبه في المثلي لا في غير المثلي. ثم ركن القسمة فعل يحصل به التمييز والإفراز كالوزن والكيل والعدد والذّرع، وشرطها أن لا يفوت المنفعة بالقسمة، فإن كانت يفوت بها المنفعة لا يقسم جبرا كالبئر والحمام وسببها طلب الشركاء أو بعضهم الانتفاع بملكه وحكمها تعيين نصيب كلّ واحد منهم حتى لا يكون لكلّ واحد منهم تعلّق بنصيب صاحبه، هكذا في البرجندي والدّرر ومجمع البركات. ويطلق القسمة عندهم أيضا على النوائب مطلقا، وقيل على النوائب الموظفة، وقيل غير ذلك. وأمّا المحاسبون فقالوا قسمة عدد على عدد تحصيل عدد ثالث إذا ضرب في العدد الثاني عاد العدد الأول ويسمّى العدد الأول مقسوما والثاني مقسوما عليه والثالث خارج القسمة. فإذا أردنا قسمة عشرة على خمسة مثلا طلبنا عددا إذا ضربناه في الخمسة حصل عشرة فوجدناه اثنين فهو خارج القسمة، والعدد الأول أي العشرة المقسوم والثاني أي الخمسة المقسوم عليه. ثم القسمة إما قسمة الصّحاح على الصّحاح أو الكسور أو قسمة الكسور على الكسور أو الصّحاح، وطرق أعمال تلك الأقسام مع البراهين تطلب من شرحنا على ضابط قواعد الحساب وتسمّى بالتقسيم أيضا. والقسمة المنحطّة عند المنجّمين من المحاسبين عبارة عن ضرب الخارج من قسمة جنس على جنس على ما مرّ في لفظ الضرب. وحاصله أن ينحطّ المقسوم عليه بمرتبة القسمة: كما أنّه في كتاب البرجندي الذي هو شرح على زيج ألغ بيك يقول: إن يقولوا: هذا العدد إن يقسم على ذلك العدد المنحط فالمراد أنّ المقسوم عليه يصير منحطا بمرتبة واحدة انتهى. اعلم أنّ موضع التسيير لحدّ كلّ كوكب الذي يصل فإنّه يسمّى درجة القسمة، ويقولون لصاحب الحدّ لتلك الدرجة القاسم. وأمّا الحكماء والمتكلّمون فقالوا القسمة وتسمّى بالتقسيم أيضا، أمّا قسمة الكلّ إلــى الأجزاء وهي تجزئة الكلّ وتحليله إلــيها وإمّا قسمة الكلّي إلــى جزئياته وهي ضمّ قيود متخالفة إلــيه ليحصل بانضمام كلّ قيد إلــيه أي إلــى ذلك الكلّي مفهوم يسمّى ذلك المفهوم المقيد قسما بكسر القاف بالنسبة إلــى هذا الكلّي، كما يسمّى هذا الكلّي مقسما ومقسوما، ومورد القسمة بالنسبة إلــى ذلك المفهوم المقيد، وكما يسمّى كلّ قسم بالنسبة إلــى قسم آخر قسيما على وزن فعيل. ثم إنّ قسمة الكلّ إلــى الأجزاء إمّا أن يوجب الانفصال في الخارج أو لا. فالأولى هي القسمة الخارجية وتسمّى أيضا بالقسمة الانفكاكية والفكّية والفعلية وهي الفصل والفكّ، سواء كان بالقطع وتسمّى قطعية أو بالكسر وتسمّى كسرية.
والفرق بينهما أنّ القطع يحتاج إلــى آلة توجب الانفصال بالنفوذ فيه والكسر لا يحتاج إلــيها أي إلــى تلك الآلة. والثانية أعني القسمة التي لا توجب انفصالا في الخارج هي القسمة الذهنية وتسمّى أيضا بالقسمة الفرضية والقسمة الوهمية وهي فرض شيء غير شيء، وربّما يفرّق بينهما بأنّ الفرضية ما يكون بفرض العقل كليا والوهمية ما هو بحسب التوهّم جزئيا، فللفرضية معنيان أحدهما أعمّ من الآخر. ثم الفرضية بالمعنى الأعم أي المقابلة للخارجية إمّا أن يكون بمجرّد الفرض من غير سبب حامل عليه أو يكون بسبب حامل عليه كاختلاف عرضين قارين أي متقررين في محليهما لا بالقياس إلــى غيره كالسواد والبياض في الجسم الأبلق، أو غير قارين أي غير متقررين في محليهما باعتبار نفسه بل بالإضافة إلــى غيره كمماستين أو محاذاتين. وتوهّم البعض أنّ القسمة الواقعة بسبب اختلاف عرضين من القسمة الخارجية لأنّ محلّ السواد يجب أن يكون مغايرا لمحلّ البياض في الخارج، وكذا ما بين وما يحاذي من جسم جسما يجب أن يغاير بما بين أو بما يحاذي منه جسما آخر. وقال القسمة منحصرة في ثلاثة أقسام لأنّها إمّا مؤدّية إلــى الافتراق وهي الفكية أو لا، وحينئذ إمّا أن تكون موجبة للانفصال في الخارج وهي التي باختلاف عرضين أو في الذهن وهي الوهمية. والحقّ أنّ اختلاف الأعراض لا يوجب انفصالا في الخارج لأنّ الجسم إذا كان متصلا واحدا في نفسه ثم وقع ضوء على بعضه أو لاقاه جسم آخر أو حاذاه فإنّا نعلم ضرورة أنّه لا يصير بذلك جزءين منفصلا أحدهما عن الآخر في الخارج حتى إذا زال عنه تلك الأعراض عاد إلــى الحالة الأولى فصار متصلا واحدا، بل هذا الاختلاف باعث للوهم على فرض الأجزاء، وحينئذ يقال الانفصال إمّا في الخارج كما بالقطع والكسر وإمّا في الوهم، فإمّا بتوسّط أمر باعث كما باختلاف الأعراض أو لا بتوسّط كما بالوهم والفرض، فيظهر أنّ القسمة اثنتان انفكاكية وهي قسمة خارجية منقسمة إلــى قسميها، وغير انفكاكية وهي قسمة ذهنية وتسمّى وهمية وفرضية أيضا، وتنقسم إلــى القسمين المذكورين، هذا هو الضبط. وقد يفرّق بين الفرضية والوهمية بما مرّ ويجعل ما باختلاف الأعراض قسيما للوهمية المجرّدة، وإن كان قسما من الوهمية بالمعنى الأعم فحينئذ وجه الانحصار في الثلاثة أن يقال الانفصال إمّا في الخارج وهي الفكية وإمّا في الوهم والذهن، فإمّا بتوسّط أمر باعث وهي التي باختلاف الأعراض أو لا وهي المسماة بالوهمية المحضة، فظهر أنّ الوهمية والفرضية يطلقان على المعنى الأخصّ، فالتقسيم ثلاثة وعلى المعنى الأعم فالقسمة ثنائية.
اعلم أنّ القسمة الوهمية من خواصّ الكم وعروضه للجسم وسائر الأعراض بواسطة اقتران الكمية والقسمة الفكية لا يقبله الكمّ المتصل.
ثم اعلم أنّ قسمة الكلّي إلــى جزئياته نوعان حقيقية واعتبارية لأنّ القيود المتخالفة المنضمّة إلــيه إن كانت متباينة تسمّى قسمة حقيقية كقسمة العدد إلــى الزوج والفرد وإن كانت متغايرة تسمّى قسمة اعتبارية كتقسيم الإنسان إلــى الضاحك والكاتب، والمقسم أبدا يكون مفهوما كلّيا صادقا على جميع أفراده، والأقسام تكون مفهومات كلّية، كلّ منها صادق على بعض أفراد المقسم. فقسمة المفهوم الذي هو المقسم إلــى المفهومات التي هي الأقسام مستلزمة لقسمة أفراد المفهوم الأول إلــى أفراد المفهومات الأخرى. وما قيل من أنّ قسم الشيء قد يكون أعمّ منه فكلام ظاهري وليس بتحقيقي بخلاف الترديد فإنّه لا يقتضي ذلك، إذ الفرق بين التقسيم والترديد إنّما هو بوجود القدر المشترك في التقسيم دون الترديد.
تنبيه
في الچغميني كلّ قسمة ترد على كلّ كلّي فورودها بالحقيقة إنّما يكون على أفراده إذ معناه بالحقيقة أنّ أفراده بعضها كذلك وبعضها كذلك، فالقسمة في الحقيقة عبارة عن قسمة الكلّ إلــى أجزائه التي تحليله وتجزئته إلــيها دون الكلّي إلــى جزئياته وضمّ قيود متخالفة ليحصل بانضمام كلّ قيد قسم إذ هي في اللغة تنبئ عن التجزئة، وهي في الأولى دون الثانية، لكنهم يستعملون الثانية أكثر حتى قال العلامة التفتازاني إنّ التقسيم إنّما يكون للمفهوم لئلّا يلزم تقسيم الشيء إلــى نفسه وإلــى مباينه. ويؤيّده ما قال المولوي عبد الحكيم في حاشية القطبي إنّ كلّ تقسيم بالنظر إلــى مفهوم القسمة قسمة الكلّي إلــى الجزئيات، وبالنظر إلــى الحاصل من القسمة قسمة الكلّ إلــى الأجزاء.
تقسيم آخر
لقسمة الكلّي إلــى جزئياته قال مرزا زاهد في شرح حاشية المواقف في مقصد أنّ الوجود مشترك: التقسيم يتصوّر على أربعة أوجه: الأول أن يلاحظ المقسم والأقسام على التفصيل كما ينقسم الوجود إلــى وجود الواجب والممكن، ووجود الممكن إلــى وجود الجوهر والعرض.
والثاني أن يلاحظ المقسم والأقسام على الاجتماع كما يقسم وجود كلّ نوع إلــى وجودات أفراده. والثالث أن يلاحظ الأقسام على الاجمال دون المقسم كما يقسم الوجود إلــى وجودات الأشخاص ووجود الجوهر والعرض إلــى وجودات أنواعهما. والرابع عكس الثالث كما يقسم وجود كلّ نوع إلــى وجود الصنف والشخص انتهى. اعلم أنّ القسمة العقلية قد تطلق على مقابل الاستقرائية التي تحصل بالاستقراء وقد تطلق على مقابل اللفظية التي تتوقّف على الوضع والعلم به، والاشتراك المعنوي واجب في العقلية دون اللفظية كما في تقسيم العين فإنّه موقوف على الوضع والعلم به، ويختلف بحسب اختلاف اللغات ولا يمكن فيه الحصر العقلي. وقيل التقسيم في مثل العين أيضا يستدعي الاشتراك المعنوي فإنّه متناول باعتبار تأويله بالمسمّى بلفظ العين إذ لولا ذلك لكان ترديدا.
القسمة: الأولية: أن يكون الاختلاف بين الأقسام بالذات، كانقسام الحيوان إلــى الفرس والحمار.

المستثنى منه

المستثنى منه:
[في الانكليزية] Word followed by an exception or a subtraction
[ في الفرنسية] Mot suivi d'une exception ou d'une soustraction
هو المذكور قبل إلّــا وأخواتها المخالف لما بعده أي المستثنى نفيا وإثباتا ويسمّيه المحاسبون في باب الجبر والمقابلة بالزائد. فإذا قلنا جاءني القوم إلّــا زيدا فالقوم مستثنى منه وزيد مستثنى. وإذا قلنا عندي مائة الّا مال فالمائة مستثنى منه وزائد والمال مستثنى وناقص. ثم إن كان المستثنى من جنس المستثنى منه فالاستثناء متّصل نحو: جاءني القوم إلّــا زيدا. وإن لم يكن من جنس المستثنى منه فالاستثناء منقطع ويسمّى منفصلا أيضا نحو جاءني القوم إلّــا حمارا. ومن قال بالاشتراك اللفظي أو المجاز عرّف الاستثناء المنفصل بما دلّ على مخالفته بــإلّــا غير الصفة أو إحدى أخواتها من غير إخراج، والمتصل بما دلّ على مخالفته بــإلّــا غير الصفة أو إحدى أخواتها مع إخراج، فحينئذ لا يمكن الجمع بينهما بحدّ واحد لأنّ مفهومه حينئذ حقيقتان مختلفتان. فإن قيل ربّما تجتمع الحقائق المختلفة في حدّ كأنواع الحيوان. قلنا ذلك عند اتحاد مفهوم مشترك بينهما والتقدير هاهنا تعدّد المفهوم. ثم المراد بالإخراج المنع عن الدخول مجازا، ولا ضير في ذلك، فإنّ تعريفات القوم مشحونة بالمجاز وذلك لأنّه إن اعتبر الإخراج في حقّ الحكم فالبعض المستثنى غير داخل فلا إخراج حقيقة، وإن اعتبر في حقّ تناول اللفظ إيّاه وانفهامه منه فلأنّ التناول بعد باق. وللتحرّز عن المجاز عرّف الاستثناء المتصل صاحب التوضيح بأنّه المنع من دخول بعض ما تناوله صدر الكلام في حكمه أي في حكم صدر الكلام بــإلّــا وأخواتها. وقال الغزالي الاستثناء المتّصل هو قول ذو صيغ مخصوصة محصورة دالّ على أنّ المذكور به لم يرد بالقول الأول، ثم ذكر أنّ القول احتراز عن التخصيص لأنّه قد لا يكون بقول بل بفعل أو قرينة أو دليل عقلي، وإذا كان بقول فلا ينحصر صيغه، فلهذا احترز بصيغ مخصوصة عن مثل رأيت المؤمنين ولم ار زيدا، إذ المراد من الصّيغ أدوات الاستثناء وحينئذ لا يرد ما قيل من أنّه يرد على طرده الشرط والصّفة بمثل الذي والغاية كما كرّم بني تميم إن دخلوا داري أو الذين دخلوا داري أو الداخلين في داري أو إلــى أن يدخلوا، والمراد ذو إحدى صيغ مخصوصة، فلا يرد على عكسه قام القوم إلّــا زيدا فإنّه ليس بذي صيغ بل ذو صيغة واحدة. وأجيب أيضا بأنّ هذا مندفع لظهور المراد وهو أنّ جنس الاستثناء ذو صيغ وكلّ الاستثناء ذو صيغة والمناقشة في مثله لا يحسن كلّ الحسن. وبقوله دالّ خرج المنقطع لأنّه لم يتناول المذكور حتى يفيد عموم إرادته.
وقيل هذا الحدّ لأدوات الاستثناء كأنّه قال أدوات الاستثناء كلمات ذو صيغ. ووجه تقييد الصّفة بمثل الذي أنّ الذي يذكر بعده شيء هو الصّلة كأدوات الاستثناء يذكر بعدها المستثنى وهذا خبط عظيم. وقيل في الأحكام الاستثناء المتّصل لفظ متصل بجملة لا يستقلّ بنفسه دالّ على أنّ مدلوله غير مراد مما اتصل به ليس بشرط ولا صفة ولا غاية. واحترز بالمتّصل عن المنفصل من لفظ أو عقل أو غيرهما. وبقوله لا يستقلّ عن اللفظ المتصل المستقل مثل قام القوم ولم يقم زيد. وبقوله دالّ عن المتصلات الغير المخصصة. وبقوله ليس بشرط الخ عن تلك الثلاث. ويرد على طرده قام القوم لا زيد وما قام القوم بل زيد أو لكن زيد، وعلى عكسه ما جاء إلّــا زيد بعدم الاتصال بالجملة بناء على أنّ زيدا فاعل. وقيل النقل ليس بصحيح فإنّ المذكور في الأحكام أنّه لفظ متصل بجملة لا يستقلّ بنفسه دالّ على أنّ مدلوله غير مراد مما اتصل به بحرف إلّــا أو إحدى أخواته ليس بشرط ولا صفة ولا غاية.
فاللفظ احتراز عن غير اللفظ من الدلالات المخصوصة الحسّية أو العقلية أو العرفية.
وبالمتصل عن الدلائل المنفصلة. وبقوله لا يستقلّ من مثل قام القوم ولم يقم زيد وبقوله دالّ عن الصيغ المهملة. وبقوله على أنّ مدلوله عن الأسماء المؤكّدة والنعتية نحو جاءني القوم العلماء كلّهم. وبحرف إلّــا وأخواتها عن مثل قام القوم دون زيد أو لا زيد. وفوائد باقي القيود ظاهرة. ومثل ما جاء إلّــا زيد في تقدير ما جاء أحد إلــا زيد، فإنّ مذهب الجمهور أنّ المفرّغ استثناء متصل ليس بفاعل ولا مفعول حقيقة ولذا جاز ما جاء إلّــا هند وامتنع ما جاء هند بدون تأنيث الفعل. وذهب بعضهم إلــى أنّ الفاعل مضمر وإلّــا زيد بدل.

تنبيه:

قال المحقّق التفتازاني في حاشية العضدي: الاستثناء قد يقال بمعنى المصدر أعنى الإخراج أو المخالفة وبمعنى المستثنى وهو المخرج والمذكور بعد إلّــا من غير إخراج وبمعنى اللفظ الدالّ على ذلك كالشرط والصفة.
فإذا قلنا جاءني القوم إلّــا زيدا فالاستثناء يطلق على إخراج زيد المخرج وعلى لفظ زيد المذكور بعد إلــا وعلى مجموع إلّــا زيد، وبهذه الاعتبارات اختلفت العبارات في تفسير الاستثناء، ويجب حمل كلّ تفسير على ما يناسبه من المعاني الأربعة. فمن عرّف الاستثناء بما دلّ على مخالفة الخ فقد أراد به المعنى الأخير.
ومن عرّفه بأنّه لفظ متصل بجملة الخ فالظاهر منه أنّه أراد به المستثنى انتهى كلامه. أقول ومن عرّفه بالمنع من الدخول الخ فقد أراد به المعنى المصدري. ومن عرّفه بقول ذو صيغ الخ فقد أراد به مجموع إلّــا زيدا أي المعنى الأخير أيضا.
فائدة:
قيل لا يكون المنقطع إلّــا بعد إلّــا وغير وبيد مضافا إلــى أنّ مشددة.

موسوعة كشاف اصطلاحات الفنون والعلوم ج 2 1530 فائدة: ..... ص: 1530

ل لا يكون المنقطع إلّــا بعد إلّــا وغير وبيد مضافا إلــى أنّ مشددة.
فائدة:
لا بدّ لصحة الاستثناء المنقطع من مخالفة بوجه من الوجوه. وقد يكون بأن ينفي من المستثنى الحكم الذي ثبت للمستثنى منه نحو جاءني القوم إلّــا حمارا، فقد نفينا المجيء من الحمار بعد ما أثبتناه للقوم. وقد يكون بأن يكون المستثنى نفسه حكما آخر مخالفا للمستثنى منه بوجه مثل ما زاد إلّــا ما نقص، وما نفع إلّــا ما ضرر. فما الأولى نافية والثانية مصدرية والمعنى ما زاد لكن النقصان فعله أو لكن النقصان شأنه وأمره على ما قدره السيرافي.
فالنقصان هو المستثنى حكم مخالف للزيادة وهي المستثنى منه. وكذا الحال في ما نفع إلّــا ما ضرر، وليس المعنى ما زاد شيئا غير النقصان على أن يكون فاعل زاد مبهما ومفعوله محذوفا على ما قيل لأنّه حينئذ يكون متصلا مفرّغا لا منقطعا، ولا يقال ما جاءني زيد إلّــا أنّ الجوهر الفرد حقّ إذ لا مخالفة بينهما بأحد الوجهين.
فائدة:

قال أهل العربية: الاستثناء من الإثبات نفي ومن النفي إثبات. فلو قال له عليّ عشرة إلّــا تسعة إلّــا ثمانية وجبت تسعة إذ المعنى إلّــا تسعة لا يلزمني إلّــا ثمانية يلزمني، فيلزم الثمانية والواحد الباقي من العشرة. والطريق فيه وفي نظائره أن يجمع كلّما هو إثبات وكلّما هو نفي ويسقط المنفي من المثبت فيكون الباقي هو الواجب. ثم إن كان المذكور أوّلا شفعا فالإشفاع مثبته أو وترا فعكسه كذا في شرح المنهاج وبه قال الشافعي. وقال الحنفية إنّه ليس كذلك بل هو تكلّم بالباقي بعد الثنيا وتوضيح ذلك يطلب من العضدي والتوضيح وحواشيهما.
فائدة:
اختلف علماء الأصول في كيفية دلالة الاستثناء على المقصود على ثلاثة أقوال. الأول أنّ العشرة في قولنا عندي عشرة إلّــا ثلاثة مجاز عن السبعة أعني أطلق العشرة على السبعة مجازا وإلّــا ثلاثة قرينة. والثاني أنّ المراد بعشرة معناها أي عشرة أفراد فيتناول السبعة والثلاثة معا ثم أخرج منها ثلاثة ثم أسند الحكم إلــى العشرة المخرج منها ثلاثة وهو سبعة، فلم يقع الإسناد إلّــا على سبعة. والثالث أنّ المجموع أعني عشرة إلّــا ثلاثة هو موضوع بإزاء سبعة حتى كأنّها وضع لها اسمان مفرد وهو سبعة ومركّب وهو عشرة إلّــا ثلاثة. والتفصيل في كتب الأصول.
أعلم أنّ الاستثناء إن تضمّن ضربا من المحاسن يصير من المحسّنات البديعية كقوله تعالى فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّــا خَمْسِينَ عاماً فإن إخبار هذه المدة بهذه الصيغة تمهيد بعذر نوح في دعائه على قومه بدعوة أهلكتهم عن آخرهم، إذ لو قيل فلبث فيهم تسعمائة وخمسين عاما لم يكن فيه من التهويل ما في الأول، لأنّ لفظ الألف في الأول أول ما يطرق السمع فيشتغل بها عن سماع بقية الكلام، وإذا جاء الاستثناء لم يبق له بعد ما تقدّمه وقع يزيل ما حصل عنده من ذكر الألف كذا في الإتقان.

التّشبيه

التّشبيه:
[في الانكليزية] Simile
[ في الفرنسية] Comparaison
لغة الدلالة على مشاركة أمر لأمر آخر.
وظاهر هذا شامل لنحو قولنا قاتل زيد عمروا، وجاءني زيد وعمرو وما أشبه ذلك، مع أنها ليست من التشبيه. وأجيب بأنّ المدلول المطابقي في هذه الأمثلة: ثبوت المسند لكل من الأمرين ويلزمه مشاركتهما في المسند. فالمتكلّم إن قصد المعنى المطابقي فلم يدل على المشاركة، إذ المتبادر من إسناد الأفعال إلــى ذوي الاختيار ما صدر بالقصد فلم يندرج في التفسير المذكور، وإن قصد المعنى الالتزامي فقد دلّ على المشاركة فهو داخل في التشبيه. وما وقع في عبارة أئمة التصريف أنّ باب فاعل وتفاعل للمشاركة والتشارك فمسامحة، والمراد أنّه يلزمهما.
فمنشأ الاعتراض إما ظاهر عبارة أئمة التصريف أو عدم الفرق بين ثبوت حكم لشيء وبين مشاركة أحدهما لآخر، أو الغفلة عن اعتبار القصد فيما يسند إلــى ذوي الاختيار. والتحقيق أنّ هذه الأمثلة على تقدير قصد المشاركة فيهما تدلّ على التشابه، وفرق بين التشابه والتشبيه كما ستعرف.
وعند أهل البيان هو الدلالة على مشاركة أمر لأمر آخر في معنى لا على وجه الاستعارة التحقيقية والاستعارة بالكناية والتجريد. وكثيرا ما يطلق في اصطلاحهم على الكلام الدّال على المشاركة المذكورة أيضا. فالأمر الأول هو المشبّه على صيغة اسم المفعول والثاني هو المشبّه به، والمعنى هو وجه التشبيه، والمتكلّم هو المشبّه على صيغة اسم الفاعل. قيل وينبغي أن يزاد فيه قولنا بالكاف ونحوه ليخرج عنه نحو قاتل زيد عمروا وجاءني زيد وعمرو. وفيه أنّه ليس تشبيها كما عرفت، فدخل في هذا التفسير ما يسمّى تشبيها بلا خلاف وهو ما ذكرت فيه أداة التشبيه نحو: زيد كالأسد أو كالأسد بحذف زيد لقيام قرينة. وما يسمّى تشبيها على القول المختار وهو ما حذفت فيه أداة التشبيه وجعل المشبّه به خبرا عن المشبّه أو في حكم الخبر سواء كان مع ذكر المشبّه أو مع حذفه، فالأول كقولنا زيد أسد والثاني كقوله تعالى: صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ أي هم صمّ بكم عمي، فإن المحققين على أنّه يسمّى تشبيها بليغا لا استعارة.
ثم إنّ هذا التعريف عرف به الخطيب على ما هو مذهبه فإنّ مذهبه أنّ الاستعارة مشتركة لفظا بين الاستعارة التحقيقية والاستعارة بالكناية. ولذا لم يقل لا على وجه الاستعارة مع كونه أخصر، إذ لا يصح إرادة المعنيين من المشترك في إطلاق واحد ولم يذكر الاستعارة التخييلية لأنها عنده، وكذا عند السلف إثبات لوازم المشبّه به للمشبّه بطريق المجاز العقلي، وليست فيه دلالة على مشاركة أمر لأمر فهي خارجة بقوله الدلالة على مشاركة أمر لأمر، بل لم يدخل في التفسير حتى يحتاج إلــى إخراجه بقيد. وأمّا على مذهب السّكّاكي وهو أنّ الاستعارة مشتركة معنى بين الكلّ والتخييلية استعارة اللفظ لمفهوم شبه المحقق فيجب الاكتفاء بقوله ما لم يكن على وجه الاستعارة، لأن في التقييد تطويلا وكذا عند السلف فإنّ لفظ الاستعارة عندهم مشترك معنى بين التحقيقية والمكنية. وقوله والتجريد أي لا على وجه التجريد ليخرج تشبيه يتضمنه التجريد وهو التجريد الذي لم يكن تجريد الشيء عن نفسه لأنه حينئذ لا تشبيه نحو لَهُمْ فِيها دارُ الْخُلْدِ فإنّه لا نزاع أن دار الانتزاع دار الخلد من جهنّم وهي عين دار الخلد لا مشبّه به، بخلاف لقيت من زيد أسدا فإنّه لتجريد أسد من زيد وأسد مشبّه به لزيد لا عينه، ففيه تشبيه مضمر في النفس. فمن احترز به عن نحو قولهم لهم فيها دار الخلد فلم يجرد عقله عن غواشي الوهم، وكأن حبالة الوهم فيه تعريف التجريد بالانتزاع من أمر ذي صفة الخ. ثم إنّهم زعموا أنّ إخراج التجريد من التشبيه مخالفة من الخطيب مع المفتاح حيث صرّح بجعل التجريد من التشبيه. وفيه ما ستعرفه في خاتمة لفظ الاستعارة.
فائدة.
إذا أريد الجمع بين شيئين في أمر مركّبا كان أو مفردا حسيّا كان أو عقليا واحدا كان أو متعددا، فالأحسن أن يسمّى تشابها لا تشبيها ويجوز التشبيه أيضا، وذلك تارة يكون في المتساويين في وجه الشّبه، وتارة يكون في المتفاوتين من غير قصد إفادة التفاوت. قال الشاعر:
رقّ الزجاج ورقّت الخمر فتشابها وتشاكل الأمر فكأنّه خمر ولا قدح. وكأنّها قدح ولا خمر
فائدة
أركان التشبيه أربعة. طرفاه يعني المشبّه والمشبّه به وأداته كالكاف وكأنّ ومثل وشبه ونحوها ووجهه وهو ما يشتركان فيه تحقيقا أو تخييلا، أي وجه التشبيه ما يشترك الطرفان فيه بحكم التشبيه فيؤول المعنى إلــى ما دلّ على اشتراكهما فيه، فلا يرد نحو ما أشبهه بالأسد للجبان لأنّ الشجاعة ليست مشتركة بينهما مع أنّها وجه التشبيه للدلالة على مشاركتهما فيها ولا يلزم أن يكون من وجوه التشبيه في زيد كالأسد الوجود والجسمية والحيوانية. ويتجه أنه يلزم أن يكون الطرفان قبل الدلالة على الاشتراك فيه طرفين إلّــا أن يتجوّز، وأخرج التعريف مخرج من قتل قتيلا. وفي قولنا تحقيقا أو تخييلا إشارة إلــى أنّ وجه الشبه لا يجب أن يكون من أوصاف الشيء في نفسه من غير اعتبار معتبر. والمراد بالتخييل هو أن لا يوجد في أحد الطّرفين أو كليهما إلّــا على سبيل التخييل والتأويل.
فائدة:
الغرض من التشبيه في الأغلب يعود إلــى المشبّه لبيان إمكان وجوده أو لبيان حاله بأنّه على أيّ وصف من الأوصاف كما في تشبيه ثوب بآخر في السّواد، أو لبيان مقدار حاله كما في تشبيه الثوب بالغراب في شدّة السواد، أو لبيان تقريرها أي تقرير حال المشبّه في نفس السامع وتقوية شأنه كما في تشبيه من لا يحصل من سعيه على طائل بمن يرقم على الماء. وهذه الأغراض الأربعة تقتضي أنّ يكون وجه الشّبه في المشبّه به أتمّ وهو به أشهر، أو لبيان تزيينه في عين السامع كما في تشبيه وجه أسود بمقلة الظبي، أو لبيان تشويهه أي تقبيحه كما في تشبيه وجه مجدور بسلحة- البراز- جامدة قد نقرتها الديكة، أو لبيان استطرافه أي عدّ المشبّه طريفا حديثا كما في تشبيه فحم فيه جمر. قال الشاعر:
كأنما الفحم والجمار به بحر من المسك موجه الذهب أي لإبراز المشبّه في صورة الممتنع عادة.
وله أي للاستطراف وجه آخر غير الإبراز في صورة الممتنع عادة وهو أن يكون المشبّه به نادر الحضور في الذهن، إمّا مطلقا كما في المثال المذكور وإمّا عند حضور المشبّه كما في قوله في البنفسج:
ولازورديّة تزهو بزرقتها بين الرياض على حمر اليواقيت كأنّها فوق قامات ضعفن بها أوائل النار في أطراف كبريت فإنّ صورة اتصال النّار بأطراف الكبريت لا تندر كندرة بحر من المسك موجه الذهب، لكن تندر عند حضور صورة البنفسج. وقد يعود الغرض إلــى المشبّه به وهو ضربان: الضرب الأول إيهام أنّه أتمّ في وجه التشبيه من المشبّه وذلك في التشبيه المقلوب، وهو أن يجعل الناقص في وجه الشّبه مشبّها به قصدا إلــى ادّعاء أنه زائد في وجه الشّبه كقوله:
بدأ الصّباح كأنّ غرّته وجه الخليفة حين يمتدح فإنّه قصد إيهام أنّ وجه الخليفة أتمّ من الصباح في الوضوح والضياء.

قال في الأطول: ولا يخفى أنّه يجوز أن يكون التشبيه المقلوب مبنيا على تسليم أنّه أتم من المشبّه إذا كان بينك وبين مخاطبك نزاع في ذلك وأنت جاريت معه، وأنه يصحّ التشبيه المقلوب في تشبيه التزيين والتشويه والاستطراف لا دعاء أنّ الزينة في المشبّه به أتم أو القبح أكثر، أو ادّعاء أنّ المشبّه أندر وأخفى. ولا يظهر اختصاصه بصورة الحاق الناقص بالكامل.
والضرب الثاني بيان الاهتمام به أي بالمشبه به كتشبيه الجائع وجها كالبدر في الإشراق والاستدارة بالرغيف، ويسمّى هذا النوع من الغرض إظهار المطلوب.

قال في الأطول: ويمكن تربيع قسمة الغرض ويجعل ثالث الأقسام أن يعود الغرض إلــى ثالث وهو تحصيل العناق أي الاتصال بين صورتين متباعدتين غاية التباعد، فإنّه أمر مستطرف مرغوب للطباع جدا. ورابعها أن يعود الغرض إلــى المشبّه والمشبّه به جميعا، وهو جعلهما مستطرفين بجميعهما لأنّ كلا من المتباعدين مستطرف إذا تعانقا.
[التقسيم]
التقسيم الأول
وللتشبيه تقسيمات باعتبارات. الأول باعتبار الطرفين إلــى أربعة أقسام لأنّهما إمّا حسّيان نحو كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ أو عقليان نحو ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً. كذا مثّل في البرهان، وكأنه ظنّ أنّ التشبيه واقع في القسوة وهو غير ظاهر بل هو واقع بين القلوب والحجارة، فمثاله العلم والحياة. أو مختلفان بأن يكون المشبّه عقليا والمشبّه به حسّيا كالمنيّة والسبع أو بالعكس مثل العطر وخلق رجل كريم، ولم يقع هذا القسم في القرآن، بل قيل إنّ تشبيه المحسوس بالمعقول غير جائز لأنّ العلوم العقلية مستفادة من الحواس ومنتهية إلــيها. ولذا قيل من فقد حسّا فقد علما، يعنى العلم المستفاد من ذلك الحسّ. وإذا كان المحسوس أصلا للمعقول فتشبيهه به يكون جعلا للفرع أصلا والأصل فرعا، وهو غير جائز.
والمراد بالحسيّ المدرك هو أو مادته بالحسّ أي بإحدى الحواس الخمس الظاهرة، فدخل فيه الخيالي، وبالعقلي ما عدا ذلك وهو ما لا يكون هو ولا مادته مدركا بإحدى الحواس الظاهرة فدخل فيه الوهمي الذي لا يكون للحسّ مدخل فيه لكونه غير منتزع منه، بخلاف الخيالي فإنّه منتزع منه، وكذا دخل الوجدانيات كاللذة والألم. وأيضا التشبيه باعتبار الطرفين إمّا تشبيه مفرد بمفرد ويسمّى بالتشبيه المفرق والمفردان إمّا مقيدان بأن يكون للمقيد بهما مدخل في التشبيه كقولهم لمن لا يحصل من سعيه على طائل هو كالراقم على الماء، فإنّ المشبّه به هو الراقم المقيّد بكون رقمه على الماء لأنّ وجه الشبه فيه التسوية بين الفعل وعدمه وهو موقوف على اعتبار هذين القيدين. ثم إنّ القيد يشتمل الصلة والمفعول ولا يخصّ بالإضافة والوصف كما هو المشهور. ومن القيود الحال أو غير مقيدين كتشبيه الخد بالورد أو مختلفان في التقييد وعدمه كقوله والشمس كالمرآة في كفّ الأشل. فإن المشبّه وهو الشمس غير مقيد والمشبّه به وهو المرآة مقيّد بكونها في كفّ الأشل وعكسه، أي تشبيه المرآة في كفّ الأشل بالشمس فيما يكون المشبّه مقيدا والمشبّه به غير مقيد. وإما تشبيه مركّب بمركّب وحينئذ يجب أن يكون كلّ من المشبّه والمشبّه به هيئة حاصلة من عدة أمور وهو قد يكون بحيث يحسن تشبيه كل جزء من أجزاء أحد الطرفين بما يقابله من الطرف الآخر كقوله:
كأن أجرام النجوم لوامعا درر نثرن على بساط أزرق فإنّ تشبيه النجوم بالدّرر وتشبيه السماء ببساط أزرق تشبيه حسن، وقد لا يكون بهذه الحيثية كقوله:
فكأنما المريخ والمشتري قدامه في شامخ الرفعة منصرف بالليل عن دعوة قد أسرجت قدّامه شمعة فإنه لا يصح تشبيه المريخ بالمنصرف بالليل عن دعوة. وقد يكون بحيث لا يمكن أن يعتبر لكل جزء من أجزاء الطرفين ما يقابله من الطرف الآخر إلّــا بعد تكلّف، نحو مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً. الآية فإنّ الصحيح أنّ هذين التشبيهين من التشبيهات المركّبة التي لا يتكلّف لواحد واحد شيء يقدر تشبيهه به فإن جعلتها من المفرقة فلا بد من تكلّف وهو أن يقال في الأول شبّه المنافق بالمستوقد نارا وإظهاره الإيمان بالإضاءة وانقطاع انتفاعه بانطفاء النار، وفي الثاني شبّه دين الإسلام بالصيّب وما يتعلّق به من شبه الكفر بالظلمات وما فيه من الوعد والوعيد بالبرق والرعد، وما يصيب الكفرة من الإفزاع والبلايا والفتن من جهة أهل الإسلام بالصواعق. وإمّا تشبيه مفرد بمركّب كتشبيه الشاة الجبلي بحمار أبتر مشقوق الشفة والحوافر نابت على رأسه شجرتا غضا.
والفرق بين المفرد المقيّد وبين المركّب يحتاج إلــى تأمّل، فإنّ المشبّه به في قولنا هو كالراقم على الماء إنّما هو الراقم بشرط أن يكون رقمه على الماء، وفي الشاة الجبلي هو المجموع المركّب من الأمور المتعددة بل الهيئة الحاصلة منها. وإمّا تشبيه مركّب بمفرد. وأيضا التشبيه باعتبار الطرفين إن تعدد طرفاه فإمّا ملفوف وهو أن يؤتى على طريق العطف أو غيره بالمشبّهات أو لا، ثمّ بالمشبّه بها [كذلك،] أو بالعكس كقولنا كالشمس والقمر زيد وعمرو، وقولنا كالقمرين زيد وعمرو إذا أريد تشبيه أحدهما بالشمس والآخر بالقمر، أو مفروق وهو أن يؤتى بمشبّه ومشبّه به ثم آخر وآخر كقوله: النشر مسك والوجوه دنانير. ولا يخفى أنّ الملفوف والمفروق لا يخصّ بالطرف بل يجري في الوجه أيضا. وإن تعدّد طرفه الأول يعني المشبّه يسمى تشبيه التسوية لأنه سوّى بين المشبهين كقوله.
صدغ الحبيب وحالي كلاهما كالليالي. ثغوره في صفاء ودمعي كاللآلئ وإن تعدّد طرفه الثاني أعني المشبه به فتشبيه الجمع لأنّه يجمع للمشبّه وجوه تشبيه أو يجمع له أمور مشبهات كقوله:
كإنّما تبسم عن لؤلؤ. منضّد أو برد أو أقاح وقيل شعر آخر مشتملا على عدة تشبيهات وهو:
نفسي الفداء لثغر راق مبسمه وزانه شنب ناهيك من شنب.
يفتر عن لؤلؤ رطب وعن برد وعن أقاح وعن طلع وعن حبب هكذا في مقامات الحريري
التقسيم الثاني
باعتبار الأداة إلــى مؤكد وهو ما حذفت أداته نحو زيد أسد ومرسل وهو بخلافه. وفي جعل زيد في جواب من قال من يشبه الشمس تشبيها مؤكدا نظر، لأن حذف الأداة على هذا الوجه لا يشعر بأنّ المشبّه عين المشبّه به.
فالوجه أن يفرّق بين الحذف والتقدير ويجعل الحذف كناية عن الترك بالكلية بحيث لا تكون مقدّرة في نظم الكلام. ويجعل الكلام خلوا عنها مشعرا بأنّ المشبّه عين المشبّه به في الواقع بحسب الظاهر. فعلى هذا قوله تعالى وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ إذا كان تقديره مثل مرّ السّحاب بالقرينة، فتشبيه مرسل، وبدعوى أن مرور الجبال عين مرّ السحاب تشبيه مؤكّد فاعرفه، فإنّه من المواهب. فالمرسل ما قصد أداته لفظا أو تقديرا لعدم تقييده بالتأكيد المستفاد من إجراء المشبّه به على المشبه. فإن قلت إنّ زيدا كالأسد مشتمل على تأكيد التشبيه فكيف يجعل مرسلا؟ قلت اعتبر في المؤكد والمرسل التأكيد بالنظر إلــى نفس أركان التشبيه مع قطع النظر عما هو خارج عما يفيد التشبيه.
التقسيم الثالث
باعتبار الوجه. فالوجه إمّا غير خارج عن حقيقة الطرفين سواء كان نفس الحقيقة أو نوعا أو جنسا أو فصلا، وسواء كان حسيا مدركا بالحس أو عقليا، وإمّا خارج عن حقيقتهما.
ولا يخفى أنّ تشبيه الإنسان بالفرس في الحيوانية لا في الحيوان كما هو دأب أرباب اللسان. وكون الشيء حيوانا ليس جنسا فكأنّه أريد بالوجه الداخل ما يوجد بالنظر إلــى الداخل. ثم الخارج لا بدّ أن يكون صفة، أي معنى قائما بالطرفين لأنّ الخارج الذي ليس كذلك غير صالح لكونه وجه شبه. والصفة إمّا حقيقية أي موجودة في الطرفين لا بالقياس إلــى الشيء سواء كانت حسّية أي مدركة بالحسّ أو عقلية وإمّا إضافية. وأيضا باعتبار الوجه وجه التشبيه إمّا واحد وهو ما لا جزء له، وإمّا بمنزلة الواحد لكونه مركبا من متعدّد، إمّا تركيبا حقيقيا بأن يكون وجه التشبيه حقيقة ملتئمة من متعدّد، أو تركيبا اعتباريا بأن يكون هيئة منتزعة انتزعها العقل من متعدّد، وإمّا متعدّد بأن يقصد [فيه] بالتشبيه تشريك الطرفين في كلّ واحد من متعدّد، بخلاف المركّب من وجه الشبه، فإنّ القصد فيه إلــى تشريكهما في مجموع الأمور أو في الهيئة المنتزعة عنها. هذا ثمّ الظاهر أن يخصّ التركيب في هذا العرف بالمركّب الاعتباري ويجعل المركب الحقيقي داخلا في الواحد إذ ليس المراد بتركيب المشبّه أو المشبّه به أن يكون حقيقته مركبة من أجزاء مختلفة، ضرورة أنّ الطرفين في قولنا زيد كالأسد مفردان لا مركبان، وكذا في وجه الشّبه ضرورة أنّ وجه الشبه في قولنا: زيد كعمرو في الإنسانيّة واحد لا منزّل منزلة الواحد، بل المراد بالتركيب أن تقصد إلــى عدة أشياء مختلفة أو إلــى عدة أوصاف لشيء واحد فتنتزع منها هيئة وتجعلها مشبّها ومشبّها به، أو وجه تشبيه. ولذلك ترى صاحب المفتاح يصرّح في تشبيه المركّب بالمركّب بأنّ كلّا من المشبّه والمشبّه به هيئة منتزعة.
اعلم أنّه لا يخفى أنّ هذا التقسيم يجري في الطرفين، فإنّ المشبّه أو المشبّه به قد يكون واحدا وقد يكون بمنزلة الواحد وقد يكون متعددا. فالقول بأنّ تعدّد الطرف يوجب تعدّد التشبيه عرفا دون تعدّد وجه الشّبه لو تمّ لتمّ وجه التخصيص.
واعلم أيضا أنّ كلّا من الواحد وما هو بمنزلته إمّا حسّي أو عقلي، والمتعدّد إمّا حسّي أو عقلي أو مختلف، أي بعضه حسّي وبعضه عقلي، والحسّي وكذا المختلف طرفاه حسّيان لا غير، والعقلي أعمّ. وبالجملة فوجه الشبه إمّا واحد أو مركّب أو متعدّد، وكل من الأولين إمّا حسّي أو عقلي، والأخير إمّا حسّي أو عقلي أو مختلف، فصارت سبعة أقسام، وكل منه إمّا طرفاه حسّيان أو عقليان وإمّا المشبّه حسّي والمشبّه به عقلي أو بالعكس، فتصير ثمانية وعشرين، لكن بوجوب كون طرفي الحسّي حسّيين يسقط اثنا عشر ويبقى ستة عشر. هذا ما قالوا. والحق أن يقسم ما هو بمنزلة الواحد أيضا ثلاثيا، كتقسيم المتعدّد. فعلى هذا يبلغ الأقسام إلــى اثنين وثلاثين والباقي بعد الإسقاط سبعة عشر، كما يشهد به التأمّل هكذا في الأطول. وأيضا باعتبار الوجه إمّا تمثيل أو غير تمثيل، والتمثيل تشبيه وجه منتزع من متعدّد وغير التمثيل بخلافه.
وأيضا باعتبار الوجه إمّا مفصّل أو مجمل، فالمفصّل ما ذكر وجهه وهو على قسمين: أحدهما أن يكون المذكور حقيقة وجه الشبه نحو زيد كالأسد في الشجاعة. وثانيهما أن يكون المذكور أمرا مستلزما له كقولهم الكلام الفصيح هو كالعسل في الحلاوة، فإنّ الجامع فيه هو لازم الحلاوة وهو ميل الطّبع لأنه المشترك بين الكلام والعسل. والمجمل ما لم يذكر وجهه فمنه ظاهر يفهم وجهه كلّ أحد ممن له مدخل في ذلك نحو زيد كالأسد، ومنه خفي لا يدرك وجهه إلّــا الخاصة سواء أدركه بالبداهة أو بالتأمّل، كقولك هم كالحلقة المفرغة لا يدرى أين طرفاها، أي هم متناسبون في الشرف كالحلقة المفرغة متناسبة في الأجزاء صورة. ولا يخفى أنّ المراد بالخفي الخفي في حدّ ذاته، فلا يخرجه عن الخفاء عروض ما يوجب ظهوره كما في هذا المثال. فإنّ وصف الحلقة بالمفرغة يظهر وجه الشّبه فلا اختصاص لهذا التقسيم بالمجمل، بل يجري في المفصل أيضا كأنّهم خصّوا به للتنبيه على أنّه مع خفاء التشبيه فيه يحذف الوجه. وأيضا من المجمل ما لم يذكر فيه وصف أحد الطرفين أي وصف يذكر له من حيث أنّه طرف وهو وصف يشعر بوجه الشّبه، فلا يخرج منه زيد الفاضل أسد لأنّ زيدا لا يثبت له الفضل من حيث أنّه كالأسد. ومنه ما ذكر فيه وصف المشبّه به فقط كقولك هم كالحلقة المفرغة إلــخ، فإنّ وصف الحلقة بالمفرغة مشعر بوجه الشّبه. ومنه ما ذكر فيه وصف المشبّه فقط وكأنّهم لم يذكروا هذا القسم لعدم الظّفر به في كلامهم. ومنه ما ذكر فيه وصفهما أي وصف المشبّه والمشبّه به كليهما نحو فلان كثير المواهب أعرضت عنه أو لم تعرض كالغيث فإنّه يصيبك جئته أو لم تجئ. وهذان الوصفان مشعران بوجه الشّبه أي الإفاضة [في] حالتي الطلب وعدمه وحالتي الإقبال والإعراض.
اعلم أنّه لا يخفى جريان هذا التقسيم في المفصل وكأنّهم لم يتعرّضوا له لأنه لم يوجد إذ لا معنى لإيراد ما يشعر بالوجه مع ذكره، أو لأنّ ذكره في المجمل لدفع توهّم أنه ليس التقسيم مجملا مع ما يشعر بالوجه، ولا داعي لذكره في المفصل. وأيضا باعتبار الوجه إمّا قريب مبتذل وهو التشبيه الذي ينتقل فيه من المشبّه إلــى المشبّه به من غير تدقيق نظر لظهور وجهه في بادئ الرأي. ولا ينتقض التعريف بتشبيه يكون المشبّه به لازما ذهنيا للمشبّه مع خفاء وجهه، لأنّه ليس انتقالا لظهور وجهه في بادئ الرأي. وقولنا لظهور وجهه قيد للتعريف. وتحقيقه أن يكون [المشبّه] بحيث إذا نظر العقل فيه ظهر المفهوم الكلّي الذي يشترك بينه وبين المشبّه به من غير تدقيق نظر، والتفت النفس إلــى المشبّه به من غير توقف.
ولم يكتف بما ظهر وجهه في بادئ الرأي لأنه يتبادر منه الظهور بعد التشبيه وإحضار الطرفين وهو لا يكفي في الابتذال، بل لا بدّ أن يكون الانتقال من المشبّه إلــى المشبّه به لظهور وجهه بمجرد ملاحظة المشبّه كتشبيه الشمس بالمرآة المجلوّة في الاستدارة والاستنارة، فإنّ وجه الشبه فيه لكونه تفصيليا ظاهر. وإمّا غريب بعيد وهو ما لا ينتقل فيه من المشبّه إلــى المشبّه به لظهور وجهه في بادئ الرأي، سواء انتقل فيه من المشبّه إلــى المشبّه به من بادئ الرأي لكون المشبّه به لازما ذهنيا، لا لظهور وجهه، أولا ينتقل منه إلــيه كذلك أصلا كقوله والشمس كالمرآة في كفّ الأشل. وكلما كان تركيب وجه التشبيه خياليا كان أو عقليا من أمور أكثر كان التشبيه أبعد لكون تفاصيله أكثر كقوله تعالى إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ الآية. وقد يتصرف في التشبيه القريب بما يجعله غريبا نحو قول الشاعر
عزماته مثل النجوم ثواقبا لو لم يكن للثاقبات أفول أي غروب. وهذا التشبيه يسمّى بالتشبيه المشروط، وهو التشبيه الذي يقيّد فيه المشبّه أو المشبّه به أو كلاهما بشرط وجودي أو عدمي أو مختلف يدلّ عليه بصريح اللفظ كما في البيت السابق، أو بسياق الكلام نحو هو بدر يسكن الأرض، فإنّه في قوة ولو كان البدر يسكن الأرض، وهذه القبّة فلك ساكن أي لو كان الفلك ساكنا.
التقسيم الرابع
باعتبار الغرض فالتشبيه بهذا الاعتبار إمّا مقبول وهو الوافي بإفادة الغرض كأن يكون المشبّه به أعرف الطرفين بوجه الشّبه في بيان الحال أو أتمّهما فيه، أي في وجه الشبه في إلــحاق الناقص بالكامل، أو كأن يكون مسلّم الحكم فيه، أي في وجه الشبه معروفا عند المخاطب في بيان الإمكان أو التزيين أو التشويه، وإمّا مردود وهو بخلافه، أي ما يكون قاصرا عن إفادة الغرض وقد سبق في بيان الغرض. ثم التسمية بالمقبول والمردود بالنظر إلــى وجه الشّبه فقط مجرد اصطلاح، وإلّــا فكلما انتفى شرط من شرائط التشبيه باعتبار الوجه أو الطرف فمردود، لكن بعد الاصطلاح على جعل فائت شرط الوجه أو الطرف مقبولا لإفادة الغرض لا يقال الوفاء بالغرض لا يوجد بدون اجتماع شرائط التشبيه مطلقا. هذا كله خلاصة ما في الأطول والمطول.
فائدة:
القاعدة في المدح تشبيه الادنى بالأعلى وفي الذم تشبيه الأعلى بالأدنى لأن المدح مقام الأعلى والأدنى طارئ عليه [والذم بالعكس،] فيقال في المدح فصّ كالياقوت وفي الذمّ ياقوت كالزجاج، وكذا في السلب، ومنه قوله تعالى يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ أي في النزول لا في العلوّ، وقوله تعالى أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ أي في سوء الحال، أي لا نجعلهم كذلك. نعم أورد على ذلك مثل نوره كمشكاة فإنّه شبّه فيه الأعلى بالأدنى لا في مقام السلب، وأجيب بأنه للتقريب إلــى أذهان المخاطبين، إذ لا أعلى من نوره، فيشبّه به كذا في الاتقان. أقول هكذا أورد في تشبيه الصلاة على نبينا وآله صلى الله عليه وعليهم وسلّم بالصلاة على إبراهيم وآله بأن الصلاة على نبينا أكمل وأعلى لقوله تعالى إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ولقوله تعالى هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ الآية. ولأنّ نبينا عليه الصلاة والسلام سيد المرسلين بالإجماع لا خلاف فيه لأحد من المؤمنين، فالصلاة عليه أشرف وأكمل وأعلى بلا ريب فيلزم تشبيه الأعلى بغير الأعلى. وأجيب عن ذلك بوجوه:
أوّلها أنّ إبراهيم على نبيّنا وعليه الصلاة والسلام دعا لنبينا حيث قال رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ الآية وقال النبي صلى الله عليه وسلم (أنا دعوة إبراهيم) الحديث، فلما وجب للخليل على الحبيب حق دعائه قضى الله تعالى عنه حقّه بأن أجرى ذكره على ألسنة أمته إلــى يوم القيمة. وثانيها أنّ إبراهيم سأل ربه بقوله وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ يعني ابق لي ثناء حسنا في أمة محمد عليه الصلاة والسلام، فأجابه الله تعالى إلــيه وقرن ذكره بذكر حبيبه إبقاء للثناء الحسن عليه في أمته. وثالثها أنّ إبراهيم أبو الملّة لقوله تعالى مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ الآية ولقوله تعالى قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً الآية، وغيرها من الآيات. ونبينا عليه السلام كان أبا الرحمة لقوله تعالى النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ الآية فلمّا وجب لكل واحد منهما عليهما السلام حقّ الأبوة وحقّ الرحمة قرن بين ذكريهما في باب الصلاة والثناء. ورابعها أنّ إبراهيم كان منادي الشريعة في الحجّ وكان نبينا عليه السلام منادي الدين لقوله تعالى رَبَّنا إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِياً يُنادِي لِلْإِيمانِ الآية، فجمع بينهما في الصلاة. وخامسها أنّ الشّهرة والظهور في المشبّه به كاف للتشبيه، ولا يشترط كون المشبّه به أكمل وأتمّ في وجه التشبيه. وكان أهل مكّة يدينون ملة إبراهيم على زعمهم وكان أكثرهم من أولاد إسماعيل وإسماعيل بن إبراهيم، وكان إبراهيم مشهورا عندهم وكذلك عند اليهود والنصارى لأنهم من أولاد إسحاق وهو ابن إبراهيم أيضا، فكلّهم ينسبون إلــى إبراهيم عليهم السلام. وسادسها بعد تسليم الاشتراط المذكور يكفي أن يكون المشبّه به أتم وأكمل ممن سبق أو من غيره، ولا يشترط كونه أتمّ من المشبّه كما في قوله تعالى اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ الآية. هكذا في التفسير الكبير وشرح المشكاة ومدارج النبوة.

اعلم أنّه في جامع الصنائع يقول: إنّ التشبيه ينقسم إلــى قسمين: الأول: مرعي، يعني أنّ المشبّه والمشبّه به كلاهما من الأعيان، أي الموجودات كما في تشبيه السالفة بالليل والشفة بالسكر. والثاني: غير مرعي: وهو أن يكون المشبّه به ليس من الموجودات، ولكن من الممكن أن يكون كما في تشبيه العمود المدبّب الرأس «ويشعل في الحرب» بالجبل وكانون النار «المصنوع من النحاس» كأنّه بحر من الذهب.

ثم إنّ التشبيه على أنواع: أحدها: التشبيه المطلق، وهو الذي ذكرت فيه أداة التّشبيه وهي في اللسان العربي: الكاف، وكأنّ، ومثل، ونحو ذلك وفي الفارسية: چون «مثل» «ومانند» «مثل» و «گوئي» «كأنك تقول» وما أشبه ذلك. مثال التشبيه المطلق:
عيناك قاهرة كالنار وجودك جار كالماء وطبعك صاف كالنسيم وحلمك ثابت كالطين (الأرض) الثاني: تشبيه مشروط بأنّ يكون شيء يشبه شيئا آخر ومتوقّف على شرط مثاله: إنّي اسمّي قامتك الجميلة سروا ولكن بشرط أن يكون للسّرو غنج ودلال. حينما تخطرون في الحديقة لا يبلغ الورد إلــى مستوى رائحتكم ولكن السّرو يستطيع مصارعة قامتكم لو كان غير مقيّد.

الثالث: التشبيه بالعكس: وهو أن يشبّه شيء بشيء في وصف.
ثم يعود فيشبّه المشبّه به في صفة بالمشبّه مثاله:
لقد أضاء سطح الأرض من لمعان الحديد في حوافر خيله حتى بدت كالفلك.
وصار الفلك من غبار جيشه كالأرض مملوءا بالعجاج. مثال آخر:
كرة الأرض من بهاء طلعتك تسامي الفلك في سمّوه والفلك الدوار من غبار حصانك اتخذ الأرض شعارا الرابع: تشبيه الإضمار وهو إيراد شيئين يمكن التشبيه بهما دون ذكر التشبيه، ثم ذكر ألفاظ تجعل السامع يظنّ أنّ المراد هو شيء آخر. وهنا يقع الإيهام والغموض بأنّ المراد هو التشبيه.

ومثاله: إن تحركي سالفك فسأملأ الدنيا هياجا.

أجل: فالمجنون يزيد هيجانه إذا حرّك أحد قيوده.

الخامس: التشبيه بالكناية. أي أن يشبّه شيء بشيء دون ذكر اسمه صراحة، يعني يكنّى عن المشبّه به ولا ذكر للمشبّه أو المشبّه به في الكلام، ولكنه يفهم من السّياق، ومثاله: نزلت من النرجس (قطرات) من اللؤلؤ وسقّت الورد وهزّت العنّاب بحبات من البرد الذي يبهج النفس (الروح).

السادس: تشبيه التفضيل وهو أن يشبّه شيئا بآخر ثم يرجع عن ذلك فيشبّه المشبّه به بالمشبّه مع تفضيل المشبّه ومثاله: أنت كالقمر ولكن أي قمر إنّه متكلّم. أنت كالسّرو ولكن سرو مغناج.

السابع: تشبيه التّسوية: أن يشبّه شيء بشيء آخر يساويه في الصفة انتهى. ويقول في مجمع الصنائع: إنّ تشبيه التسوية حسب ما هو مشهور هو أن يعمد الشاعر إلــى صفة من صفاته صفة مماثلة من أوصاف محبوبه فيشبههما بشيء آخر. وأمّا الطريق غير المشهور فهو أن يشبّه الشاعر شيئين بشيء واحد. ومثال هذين النوعين في بيت من الشعر العربي وهما: صدغ الحبيب وحالي كلاهما كالليالي ثغوره في صفاء ودمعي كاللآلي والتشبيه عند أهل التصوّف عبارة عن صورة الجمال، لأنّ الجمال الــإلــهي له معان وهي الأسماء والأوصاف الــإلــهية، وله صورة وهي تجليّات تلك المعاني فيما يقع عليه من المحسوس أو المعقول. فالمحسوس كما في قوله عليه السلام «رأيت ربي صورة شاب أمرد». والمعقول كقوله تعالى «أنا عند ظنّ عبدي بي فليظن بي ما شاء» وهذه الصورة هي المراد بالتشبيه، وهو في ظهوره بصور جماله باق على ما استحقه من تنزيه. فكما أعطيت الجناب الــإلــهي حقّه من التنزيه فكذلك أعطه من التشبيه الــإلــهي حقّه.
واعلم أنّ التشبيه في حقّ الله تعالى حكم بخلاف التنزيه، فإنه في حقّه أمر عيني ولا يدركه إلّــا الكمّل. وأمّا من سوههم من العارفين فإنما يدرك ما قلنا إيمانا وتقليدا لما تقضيه صور حسنه وجماله، إذ كل صورة من صور الموجودات هي صورة حسنه، فإن شهدت الصورة على الوجه التشبيهي ولم تشهد شيئا من التنزيه فقد أشهدك الحق حسنه من وجه واحد، وإن أشهدك الصورة التشبيهية وتعلّقت فيها التنزيه الــإلــهي فقد أشهدك الحقّ جماله وجماله من وجهي التشبيه والتنزيه فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ. واعلم أنّ للحق تشبيهين: تشبيه ذاتي وهو ما عليك من صور الموجودات المحسوسة أو ما يشبه المحسوسة في الخيال، وتشبيه وصفي وهو ما عليه صور المعاني الأسمائية المنتزعة عما يشبه المحسوس.
وهذه الصورة تتعقل في الذهن ولا تتكيف في الحسّ، فمتى تكيفت التحقت بالتشبيه الذاتي، لأن التكيّف من كمال التشبيه والكمال بالذات أولى فبقي التشبيه الوصفي، وهو ما لا يمكن التكيّف فيه بنوع من الأنواع ولا حين يضرب المثل. ألا ترى الحقّ سبحانه كيف ضرب المثل عن نوره بالمشكاة والمصباح والزجاجة وكأنّ الإنسان صورة هذا التشبيه الذاتي، لأن المراد بالمشكاة صدره والزجاجة قلبه وبالمصباح سرّه وبالشجرة المباركة الإيمان بالغيب، وهو ظهور الحقّ في صورة الخلق، لأن معنى الحق غيب في صورة شهادة الخلق، والإيمان به هو الإيمان بالغيب. والمراد بالزيتونية الحقيقة المطلقة التي لا تقول بأنها من كلّ الوجوه حقّ، ولا بأنها من كل الوجوه خلق، فكانت الشجرة الإيمانية لا شرقية، فنذهب إلــى التنزيه المطلق بحيث ينفى التشبيه، ولا غربية فنقول بالتشبيه المطلق حتى ينفى التنزيه، فهي تعصر بين قشر التشبيه ولبّ التنزيه، وحينئذ يكاد زيتها يضيئ الذي هو يغيبها فترتفع ظلمة الزيت بنوره ولو لم تمسسه نار المعاينة الذي هو نور عياني، وهو نور التشبيه على نور الإيمان، وهو نور التنزيه يهدي الله لنوره من يشاء. فكان هذا التشبيه ذاتيا، وهو وإن كان ظاهرا بنوع من ضرب المثل فذلك المثل أحد صور حسنه.
فكلّ مثل ظهر فيه الممثّل به فإنّ المثل أحد صور الممثّل به لظهوره به، كذا في الإنسان الكامل.

مَكَّةُ

مَكَّةُ:
بيت الله الحرام، قال بطليموس: طولها من جهة المغرب ثمان وسبعون درجة، وعرضها ثلاث وعشرون درجة، وقيل إحدى وعشرون، تحت نقطة السرطان، طالعها الثريّا، بيت حياتها الثور، وهي في الإقليم الثاني، أما اشتقاقها ففيه أقوال، قال أبو بكر بن الأنباري: سميت مكة لأنها تمكّ الجبّارين أي تذهب نخوتهم، ويقال إنما سميت مكة لازدحام الناس بها من قولهم: قد امتكّ الفصيل ضرع أمّه إذا مصه مصّا شديدا، وسميت بكة لازدحام الناس بها، قاله أبو عبيدة وأنشد:
إذا الشريب أخذته أكّه ... فخلّه حتى يبكّ بكّه
ويقال: مكة اسم المدينة وبكة اسم البيت، وقال آخرون: مكة هي بكة والميم بدل من الباء كما قالوا:
ما هذا بضربة لازب ولازم، وقال أبو القاسم: هذا الذي ذكره أبو بكر في مكة وفيها أقوال أخر نذكرها لك، قال الشرقيّ بن القطاميّ: إنما سميت مكة لأن العرب في الجاهلية كانت تقول لا يتم حجّنا حتى نأتي مكان الكعبة فنمكّ فيه أي نصفر صفير المكّاء حول الكعبة، وكانوا يصفرون ويصفقون بأيديهم إذا طافوا بها، والمكّاء، بتشديد الكاف: طائر يأوي الرياض، قال أعرابيّ ورد الحضر فرأى مكّاء يصيح فحنّ إلــى بلاده فقال:
ألا أيّها المكّاء ما لك ههنا ... ألاء ولا شيح فأين تبيض
فاصعد إلــى أرض المكاكي واجتنب ... قرى الشام لا تصبح وأنت مريض
والمكاء، بتخفيف الكاف والمد: الصفير، فكأنهم كانوا يحكون صوت المكّاء، ولو كان الصفير هو الغرض لم يكن مخفّفا، وقال قوم: سميت مكة لأنها بين جبلين مرتفعين عليها وهي في هبطة بمنزلة المكّوك، والمكوك عربيّ أو معرب قد تكلمت به العرب وجاء في أشعار الفصحاء، قال الأعشى:
والمكاكيّ والصّحاف من الف ... ضّة والضامرات تحت الرحال
قال وأما قولهم: إنما سميت مكة لازدحام الناس فيها من قولهم: قد امتكّ الفصيل ما في ضرع أمه إذا مصّه مصّا شديدا فغلط في التأويل لا يشبّه مص الفصيل الناقة بازدحام الناس وإنما هما قولان: يقال سميت مكة لازدحام الناس فيها، ويقال أيضا: سميت مكة لأنها عبّدت الناس فيها فيأتونها من جميع الأطراف من قولهم: امتكّ الفصيل أخلاف الناقة إذا جذب جميع ما فيها جذبا شديدا فلم يبق فيها شيئا، وهذا قول أهل اللغة، وقال آخرون: سميت مكة لأنها لا يفجر بها أحد إلــا بكّت عنقه فكان يصبح وقد التوت عنقه، وقال الشرقيّ: روي أن بكة اسم القرية ومكة مغزى بذي طوى لا يراه أحد ممن مرّ من أهل الشام والعراق واليمن والبصرة وإنما هي أبيات في أسفل ثنية ذي طوى، وقال آخرون: بكة موضع البيت وما حول البيت مكة، قال: وهذه خمسة أقوال في مكة غير ما ذكره ابن الأنباري، وقال عبيد الله الفقير إلــيه: ووجدت أنا أنها سمّيت مكة من مك الثدي أي مصه لقلة مائها لأنهم كانوا يمتكون الماء أي يستخرجونه، وقيل: إنها تمك الذنوب أي تذهب بها كما يمك الفصيل ضرع أمه فلا يبقي فيه شيئا، وقيل: سميت مكة لأنها تمك من ظلم أي تنقصه، وينشد قول بعضهم:
يا مكة الفاجر مكي مكّا، ... ولا تمكّي مذحجا وعكّا
وروي عن مغيرة بن إبراهيم قال: بكة موضع البيت وموضع القرية مكة، وقيل: إنما سميت بكة لأن الأقدام تبك بعضها بعضا، وعن يحيى بن أبي أنيسة قال: بكة موضع البيت ومكة هو الحرم كله، وقال زيد بن أسلم: بكة الكعبة والمسجد ومكة ذو طوى وهو بطن الوادي الذي ذكره الله تعالى في سورة الفتح، ولها أسماء غير ذلك، وهي: مكة وبكة والنسّاسة وأم رحم وأم القرى ومعاد والحاطمة لأنها تحطم من استخفّ بها، وسمّي البيت العتيق لأنه عتق من الجبابرة، والرأس لأنها مثل رأس الإنسان، والحرم وصلاح والبلد الأمين والعرش والقادس لأنها تقدس من الذنوب أي تطهر، والمقدسة والناسّة والباسّة، بالباء الموحدة، لأنها تبسّ أي تحطم الملحدين وقيل تخرجهم، وكوثى باسم بقعة كانت منزل بني عبد الدار، والمذهب في قول بشر بن أبي خازم:
وما ضمّ جياد المصلّى ومذهب
وسماها الله تعالى أم القرى فقال: لتنذر أم القرى ومن حولها، وسماها الله تعالى البلد الأمين في قوله تعالى: والتين والزيتون وطور سينين وهذا البلد الأمين، وقال تعالى: لا أقسم بهذا البلد وأنت حلّ بهذا البلد، وقال تعالى: وليطّوّفوا بالبيت العتيق، وقال تعالى: جَعَلَ الله الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ قِياماً لِلنَّاسِ، 5: 97 وقال تعالى على لسان إبراهيم، عليه السّلام:
رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ، 14: 35 وقال تعالى أيضا على لسان إبراهيم، عليه السلام: رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ من ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي
زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ 14: 37 (الآية) ، ولما خرج رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، من مكة وقف على الحزورة قال: إني لأعلم أنك أحبّ البلاد إلــيّ وأنك أحب أرض الله إلــى الله ولولا أن المشركين أخرجوني منك ما خرجت، وقالت عائشة، رضي الله عنها: لولا الهجرة لسكنت مكة فإني لم أر السماء بمكان أقرب إلــى الأرض منها بمكة ولم يطمئن قلبي ببلد قط ما اطمأن بمكة ولم أر القمر بمكان أحسن منه بمكة، وقال ابن أم مكتوم وهو آخذ بزمام ناقة رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، وهو يطوف:
يا حبّذا مكة من وادي، ... أرض بها أهلي وعوّادي
أرض بها ترسخ أوتادي، ... أرض بها أمشي بلا هادي
ولما قدم رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، المدينة هو وأبو بكر وبلال فكان أبو بكر إذا أخذته الحمّى يقول:
كلّ امرئ مصبّح في أهله، ... والموت أدنى من شراك نعله
وكان بلال إذا انقشعت عنه رفع عقيرته وقال:
ألا ليت شعري هل أبيتنّ ليلة ... بفخّ وعندي إذخر وجليل؟
وهل أردن يوما مياه مجنّة، ... وهل يبدون لي شامة وطفيل؟
اللهم العن شيبة بن ربيعة وعتبة بن ربيعة وأمية بن خلف كما أخرجونا من مكة! ووقف رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، عام الفتح على جمرة العقبة وقال:
والله إنك لخير أرض الله وإنك لأحب أرض الله إلــيّ ولو لم أخرج ما خرجت، إنها لم تحلّ لأحد كان قبلي ولا تحلّ لأحد كان بعدي وما أحلّت لي إلــا ساعة من نهار ثم هي حرام لا يعضد شجرها ولا يحتش خلالها ولا تلتقط ضالتها إلــا لمنشد، فقال رجل:
يا رسول الله إلــا الإذخر فإنه لبيوتنا وقبورنا، فقال، صلّى الله عليه وسلّم: إلــا الإذخر، وقال، صلى الله عليه وسلم: من صبر على حرّ مكة ساعة تباعدت عنه جهنم مسيرة مائة عام وتقربت منه الجنة مائتي عام، ووجد على حجر فيها كتاب فيه: أنا الله رب بكة الحرام وضعتها يوم وضعت الشمس والقمر وحففتها بسبعة أملاك حنفاء لا تزال أخشابها مبارك لأهلها في الحمإ والماء، ومن فضائله أنه من دخله كان آمنا ومن أحدث في غيره من البلدان حدثا ثم لجأ إلــيه فهو آمن إذا دخله فإذا خرج منه أقيمت عليه الحدود، ومن أحدث فيه حدثا أخذ بحدثه، وقوله تعالى: وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولا، وقوله: لتنذر أم القرى ومن حولها، دليل على فضلها على سائر البلاد، ومن شرفها أنها كانت لقاحا لا تدين لدين الملوك ولم يؤدّ أهلها إتاوة ولا ملكها ملك قط من سائر البلدان، تحج إلــيها ملوك حمير وكندة وغسان ولخم فيدينون للحمس من قريش ويرون تعظيمهم والاقتداء بآثارهم مفروضا وشرفا عندهم عظيما، وكان أهله آمنين يغزون الناس ولا يغزون ويسبون ولا يسبون ولم تسب قرشيّة قط فتوطأ قهرا ولا يجال عليها السّهام، وقد ذكر عزهم وفضلهم الشعراء فقال بعضهم:
أبوا دين الملوك فهم لقاح ... إذا هيجوا إلــى حرب أجابوا
وقال الزّبر قان بن بدر لرجل من بني عوف كان قد هجا أبا جهل وتناول قريشا:
أتدري من هجوت أبا حبيب ... سليل خضارم سكنوا البطاحا
أزاد الركب تذكر أم هشاما ... وبيت الله والبلد اللّقاحا؟
وقال حرب بن أميّة ودعا الحضرميّ إلــى نزول مكة وكان الحضرمي قد حالف بني نفاثة وهم حلفاء حرب ابن أميّة وأراد الحضرمي أن ينزل خارجا من الحرم وكان يكنّى أبا مطر فقال حرب:
أبا مطر هلمّ إلــى الصلاح ... فيكفيك الندامى من قريش
وتنزل بلدة عزّت قديما، ... وتأمن أن يزورك ربّ جيش
فتأمن وسطهم وتعيش فيهم، ... أبا مطر هديت، بخير عيش
ألا ترى كيف يؤمّنه إذا كان بمكة؟ ومما زاد في فضلها وفضل أهلها ومباينتهم العرب أنهم كانوا حلفاء متألفين ومتمسكين بكثير من شريعة إبراهيم، عليه السلام، ولم يكونوا كالأعراب الأجلاف ولا كمن لا يوقره دين ولا يزينه أدب، وكانوا يختنون أولادهم ويحجون البيت ويقيمون المناسك ويكفنون موتاهم ويغتسلون من الجنابة، وتبرأوا من الهربذة وتباعدوا في المناكح من البنت وبنت البنت والأخت وبنت الأخت غيرة وبعدا من المجوسية، ونزل القرآن بتوكيد صنيعهم وحسن اختيارهم، وكانوا يتزوجون بالصداق والشهود ويطلّقون ثلاثا ولذلك قال عبد الله بن عباس وقد سأله رجل عن طلاق العرب فقال: كان الرجل يطلق امرأته تطليقة ثم هو أحق بها فإن طلّقها ثنتين فهو أحق بها أيضا فإن طلقها ثلاثا فلا سبيل له إلــيها، ولذلك قال الأعشى:
أيا جارتي بيني فإنك طالقه، ... كذاك أمور الناس غاد وطارقه
وبيني فقد فارقت غير ذميمة، ... وموموقة منّا كما أنت وامقه
وبيني فإنّ البين خير من العصا ... وأن لا تري لي فوق رأسك بارقه
ومما زاد في شرفهم أنهم كانوا يتزوجون في أي القبائل شاءوا ولا شرط عليهم في ذلك ولا يزوجون أحدا حتى يشرطوا عليه بأن يكون متحمسا على دينهم يرون أن ذلك لا يحلّ لهم ولا يجوز لشرفهم حتى يدين لهم وينتقل إلــيهم، والتّحمّس: التشدّد في الدين، ورجل أحمس أي شجاع، فحمّسوا خزاعة ودانت لهم إذ كانت في الحرم وحمّسوا كنانة وجديلة قيس وهم فهم وعدوان ابنا عمرو بن قيس بن عيلان وثقيفا لأنهم سكنوا الحرم وعامر بن صعصعة وإن لم يكونوا من ساكني الحرم فإن أمّهم قرشية وهي مجد بنت تيم بن مرّة، وكان من سنّة الحمس أن لا يخرجوا أيام الموسم إلــى عرفات إنما يقفون بالمزدلفة، وكانوا لا يسلأون ولا يأقطون ولا يرتبطون عنزا ولا بقرة ولا يغزلون صوفا ولا وبرا ولا يدخلون بيتا من الشّعر والمدر وإنما يكتنّون بالقباب الحمر في الأشهر الحرم ثم فرضوا على العرب قاطبة أن يطرحوا أزواد الحلّ إذا دخلوا الحرم وأن يخلّوا ثياب الحل ويستبدلوها بثياب الحرم إما شرى وإما عارية وإما هبة فإن وجدوا ذلك وإلــا طافوا بالبيت عرايا وفرضوا على نساء العرب مثل ذلك إلــا أن المرأة كانت تطوف في درع مفرّج المقاديم والمآخير، قالت امرأة وهي تطوف بالبيت:
اليوم يبدو بعضه أو كلّه، ... وما بدا منه فلا أحلّه
أخثم مثل القعب باد ظلّه ... كأنّ حمّى خيبر تملّه
وكلفوا العرب أن تفيض من مزدلفة وقد كانت تفيض من عرفة أيام كان الملك في جرهم وخزاعة وصدرا من أيام قريش، فلولا أنهم أمنع حيّ من العرب لما أقرّتهم العرب على هذا العزّ والإمارة مع نخوة العرب في إبائها كما أجلى قصيّ خزاعة وخزاعة جرهما، فلم تكن عيشتهم عيشة العرب، يهتبدون الهبيد ويأكلون الحشرات وهم الذين هشموا الثريد حتى قال فيهم الشاعر:
عمرو العلى هشم الثريد لقومه، ... ورجال مكة مسنتون عجاف
حتى سمي هاشما، وهذا عبد الله بن جدعان التيمي يطعم الرّغو والعسل والسمن ولبّ البرّ حتى قال فيه أمية بن أبي الصّلت:
له داع بمكة مشمعلّ، ... وآخر فوق دارته ينادي
إلــى ردح من الشّيزى ملاء ... لباب البرّ يلبك بالشّهاد
وأول من عمل الحريرة سويد بن هرميّ، ولذلك قال الشاعر لبني مخزوم:
وعلمتم أكل الحرير وأنتم ... أعلى عداة الدهر جدّ صلاب
والحريرة: أن تنصب القدر بلحم يقطّع صغارا على ماء كثير فإذا نضج ذرّ عليه الدقيق فإن لم يكن لحم فهو عصيدة وقيل غير ذلك، وفضائل قريش كثيرة وليس كتابي بصددها، ولقد بلغ من تعظيم العرب لمكة أنهم كانوا يحجّون البيت ويعتمرون ويطوفون فإذا أرادوا الانصراف أخذ الرجل منهم حجرا من حجارة الحرم فنحته على صورة أصنام البيت فيحفى به في طريقه ويجعله قبلة ويطوفون حوله ويتمسحون به ويصلّون له تشبيها له بأصنام البيت، وأفضى بهم الأمر بعد طول المدة أنهم كانوا يأخذون الحجر من الحرم فيعبدونه فذلك كان أصل عبادة العرب للحجارة في منازلهم شغفا منهم بأصنام الحرم، وقد ذكرت كثيرا من فضائلها في ترجمة الحرم والكعبة فأغنى عن الإعادة، وأما رؤساء مكة فقد ذكرناهم في كتابنا المبدإ والمآل وأعيد ذكرهم ههنا لأن هذا الموضع مفتقر إلــى ذلك، قال أهل الإتقان من أهل السير: إن إبراهيم الخليل لما حمل ابنه إسماعيل، عليهما السلام، إلــى مكة، كما ذكرنا في باب الكعبة من هذا الكتاب، جاءت جرهم وقطوراء وهما قبيلتان من اليمن وهما ابنا عمّ وهما جرهم بن عامر بن سبإ بن يقطن بن عامر بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح، عليه السّلام، وقطوراء، فرأيا بلدا ذا ماء وشجر فنزلا ونكح إسماعيل في جرهم، فلما توفي ولي البيت بعده نابت بن إسماعيل وهو أكبر ولده ثم ولي بعده مضاض بن عمرو الجرهمي خال ولد إسماعيل ما شاء الله أن يليه ثم تنافست جرهم وقطوراء في الملك وتداعوا للحرب فخرجت جرهم من قعيقعان وهي أعلى مكة وعليهم مضاض ابن عمرو، وخرجت قطوراء من أجياد وهي أسفل مكة وعليهم السّميدع، فالتقوا بفاضح واقتتلوا قتالا شديدا فقتل السميدع وانهزمت قطوراء فسمي الموضع فاضحا لأن قطوراء افتضحت فيه، وسميت أجياد أجيادا لما كان معهم من جياد الخيل، وسميت فعيقعان لقعقعة السلاح، ثم تداعوا إلــى الصلح واجتمعوا في الشعب وطبخوا القدور فسمي المطابخ، قالوا: ونشر الله ولد إسماعيل فكثروا وربلوا ثم انتشروا في البلاد لا يناوئون قوما إلــا ظهروا عليهم بدينهم، ثم إن جرهما
بغوا بمكة فاستحلّوا حراما من الحرمة فظلموا من دخلها وأكلوا مال الكعبة وكانت مكة تسمى النّسّاسة لا تقرّ ظلما ولا بغيا ولا يبغي فيها أحد على أحد إلــا أخرجته فكان بنو بكر بن عبد مناة بن كنانة بن غسان وخزاعة حلولا حول مكة فآذنوهم بالقتال فاقتتلوا فجعل الحارث بن عمرو بن مضاض الأصغر يقول:
لا همّ إنّ جرهما عبادك، ... الناس طرف وهم تلادك
فغلبتهم خزاعة على مكة ونفتهم عنها، ففي ذلك يقول عمرو بن الحارث بن عمرو بن مضاض الأصغر:
كأن لم يكن بين الحجون إلــى الصفا ... أنيس ولم يسمر بمكة سامر
ولم يتربّع واسطا فجنوبه ... إلــى السرّ من وادي الأراكة حاضر
بلى، نحن كنّا أهلها فأبادنا ... صروف الليالي والجدود العواثر
وأبدلنا ربي بها دار غربة ... بها الجوع باد والعدوّ المحاصر
وكنّا ولاة البيت من بعد نابت ... نطوف بباب البيت والخير ظاهر
فأخرجنا منها المليك بقدرة، ... كذلك ما بالناس تجري المقادر
فصرنا أحاديثا وكنا بغبطة، ... كذلك عضّتنا السنون الغوابر
وبدّلنا كعب بها دار غربة ... بها الذئب يعوي والعدوّ المكاثر
فسحّت دموع العين تجري لبلدة ... بها حرم أمن وفيها المشاعر
ثم وليت خزاعة البيت ثلاثمائة سنة يتوارثون ذلك كابرا عن كابر حتى كان آخرهم حليل بن حبشيّة بن سلول بن كعب بن عمرو بن ربيعة وهو خزاعة بن حارثة بن عمرو مزيقياء الخزاعي وقريش إذ ذاك هم صريح ولد إسماعيل حلول وصرم وبيوتات متفرقة حوالي الحرم إلــى أن أدرك قصيّ بن كلاب بن مرّة وتزوّج حبّى بنت حليل بن حبشية وولدت بنيه الأربعة وكثر ولده وعظم شرفه ثم هلك حليل بن حبشيّة وأوصى إلــى ابنه المحترش أن يكون خازنا للبيت وأشرك معه غبشان الملكاني وكان إذا غاب أحجب هذا حتى هلك الملكاني، فيقال إن قصيّا سقى المحترش الخمر وخدعه حتى اشترى البيت منه بدنّ خمر وأشهد عليه وأخرجه من البيت وتملّك حجابته وصار ربّ الحكم فيه، فقصيّ أول من أصاب الملك من قريش بعد ولد إسماعيل وذلك في أيام المنذر ابن النعمان على الحيرة والملك لبهرام جور في الفرس، فجعل قصي مكة أرباعا وبنى بها دار النّدوة فلا تزوّج امرأة إلــا في دار الندوة ولا يعقد لواء ولا يعذر غلام ولا تدرّع جارية إلــا فيها، وسميت الندوة لأنهم كانوا ينتدون فيها للخير والشر فكانت قريش تؤدّي الرفادة إلــى قصي وهو خرج يخرجونه من أموالهم يترافدون فيه فيصنع طعاما وشرابا للحاج أيام الموسم، وكانت قبيلة من جرهم اسمها صوفة بقيت بمكة تلي الإجازة بالناس من عرفة مدة، وفيهم يقول الشاعر:
ولا يريمون في التعريف موقعهم ... حتى يقال أجيزوا آل صوفانا
ثم أخذتها منهم خزاعة وأجازوا مدة ثم غلبهم عليها بنو عدوان بن عمرو بن قيس بن عيلان وصارت إلــى رجل منهم يقال له أبو سيّارة أحد بني سعد بن وابش ابن زيد بن عدوان، وله يقول الراجز:
خلّوا السبيل عن أبي سيّاره ... وعن مواليه بني فزاره
حتى يجيز سالما حماره ... مستقبل الكعبة يدعو جاره
وكانت صورة الإجازة أن يتقدمّهم أبو سيّارة على حماره ثم يخطبهم فيقول: اللهمّ أصلح بين نسائنا وعاد بين رعائنا واجعل المال في سمحائنا، وأوفوا بعهدكم وأكرموا جاركم واقروا ضيفكم، ثم يقول: أشرق ثبير كيما نغير، ثم ينفذ ويتبعه الناس، فلما قوي أمر قصيّ أتى أبا سيّارة وقومه فمنعه من الإجازة وقاتلهم عليها فهزمهم فصار إلــى قصيّ البيت والرفادة والسقاية والندوة واللواء، فلما كبر قصيّ ورقّ عظمه جعل الأمر في ذلك كله إلــى ابنه عبد الدار لأنه أكبر ولده وهلك قصيّ وبقيت قريش على ذلك زمانا، ثم إن عبد مناف رأى في نفسه وولده من النباهة والفضل ما دلّهم على أنهم أحق من عبد الدار بالأمر، فأجمعوا على أخذ ما بأيديهم وهمّوا بالقتال فمشى الأكابر بينهم وتداعوا إلــى الصلح على أن يكون لعبد مناف السقاية والرفادة وأن تكون الحجابة واللواء والندوة لبني عبد الدار، وتعاقدوا على ذلك حلفا مؤكّدا لا ينقضونه ما بلّ بحر صوفة، فأخرجت بنو عبد مناف ومن تابعهم من قريش وهم بنو الحارث بن فهر وأسد بن عبد العزّى وزهرة بن كلاب وتيم بن مرّة جفنة مملوءة طيبا وغمسوا فيها أيديهم ومسحوا بها الكعبة توكيدا على أنفسهم فسمّوا المطيبين، وأخرجت بنو عبد الدار ومن تابعهم وهم مخزوم بن يقظة وجمح وسهم وعدي بن كعب جفنة مملوءة دما وغمسوا فيها أيديهم ومسحوا بها الكعبة فسمّوا الأحلاف ولعقة الدم ولم يل الخلافة منهم غير عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، والباقون من المطيّبين فلم يزالوا على ذلك حتى جاء الإسلام وقريش على ذلك حتى فتح النبي، صلّى الله عليه وسلّم، مكة في سنة ثمان للهجرة فأقرّ المفتاح في يد عثمان بن طلحة بن أبي طلحة بن عبد العزى ابن عثمان بن عبد الدار وكان النبي، صلّى الله عليه وسلّم، أخذ المفاتيح منه عام الفتح فأنزلت: إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلــى أهلها، فاستدعاه ورد المفاتيح إلــيه وأقر السقاية في يد العباس فهي في أيديهم إلــى الآن، وهذا هو كاف من هذا البحث، وأما صفتها، يعني مكة، فهي مدينة في واد والجبال مشرفة عليها من جميع النواحي محيطة حول الكعبة، وبناؤها من حجارة سود وبيض ملس وعلوها آجرّ كثيرة الأجنحة من خشب الساج وهي طبقات لطيفة مبيّضة، حارّة في الصيف إلــا أن ليلها طيّب وقد رفع الله عن أهلها مؤونة الاستدفاء وأراحهم من كلف الاصطلاء، وكل ما نزل عن المسجد الحرام يسمونه المسفلة وما ارتفع عنه يسمونه المعلاة، وعرضها سعة الوادي، والمسجد في ثلثي البلد إلــى المسفلة والكعبة في وسط المسجد، وليس بمكة ماء جار ومياهها من السماء، وليست لهم آبار يشربون منها وأطيبها بئر زمزم ولا يمكن الإدمان على شربها، وليس بجميع مكة شجر مثمر إلــا شجر البادية فإذا جزت الحرم فهناك عيون وآبار وحوائط كثيرة وأودية ذات خضر ومزارع ونخيل وأما الحرم فليس به شجر مثمر إلــا نخيل يسيرة متفرقة، وأما المسافات فمن الكوفة إلــى مكة سبع وعشرون مرحلة وكذلك من البصرة إلــيها ونقصان يومين، ومن دمشق إلــى مكة شهر، ومن عدن إلــى مكة شهر، وله طريقان أحدهما على ساحل البحر وهو أبعد والآخر يأخذ على طريق صنعاء وصعدة ونجران والطائف حتى ينتهي إلــى مكة، ولها طريق آخر على البوادي وتهامة وهو أقرب من الطريقين المذكورين أولا على أنها على أحياء العرب في بواديها ومخالفها لا يسلكها إلــا الخواصّ منهم، وأما أهل حضرموت ومهرة فإنهم يقطعون عرض بلادهم حتى يتصلوا بالجادّة التي بين عدن ومكة، والمسافة بينهم إلــى الأمصار بهذه الجادة من نحو الشهر إلــى الخمسين يوما، وأما طريق عمان إلــى مكة فهو مثل طريق دمشق صعب السلوك من البوادي والبراري القفر القليلة السكان وإنما طريقهم في البحر إلــى جدّة فإن سلكوا على السواحل من مهرة وحضرموت إلــى عدن بعد عليهم وقلّ ما يسلكونه، وكذلك ما بين عمان والبحرين فطريق شاقّ يصعب سلوكه لتمانع العرب فيما بينهم فيه.

علم الإلهي

علم الــإلــهي
هو علم يبحث فيه عن الحوادث من حيث هي موجودات.
وموضوعه الوجود من حيث هو.
وغايته تحصيل الاعتقادات الحقة والتصورات المطابقة لتحصيل السعادة الأبدية والسيادة السرمدية كذا في: مفتاح السعادة.
وفي كشاف اصطلاحات الفنون: هو علم بأحوال ما يفتقر في الوجودين أي الخارجي والذهني إلــى المادة.
ويسمى أيضا بالعلم الأعلى وبالفلسفة الأولى وبالعلم الكلي وبما بعد الطبيعة وبما قبل الطبيعة
والبحث فيه عن الكميات المتصلة والكيفيات المحسوسة والمختصة بالكميات وأمثالها مما يفتقر إلــى المادة في الوجود الخارجي استطرادي وكذا البحث عن الصورة مع أن الصورة تحتاج إلــى المادة في التشكل كذا في العلمي وفي الصدر أمن الحكمية النظرية ما يتعلق بأمور غير مادية مستغنية القوام في نحوي الوجود العيني والذهني عن اشتراط المادة كالــإلــه الحق والعقول الفعالة والأقسام الأولية للموجود كالواجب والممكن والواحد والكثير والعلة والمعلول والكلي والجزئي وغير ذلك فإن خالط شيء منها المواد الجسمانية فلا يكون على سبيل الافتقار والوجوب.
وسموا هذا القسم: العلم الأعلى فمنه العلم الكلي المشتمل على تقاسيم الوجود المسمى بالفلسفة الأولى ومنه الــإلــهي الذي هو فن من المفارقات.
وموضوع هذين الفنين: أعم الأشياء وهو الموجود المطلق من حيث هو. انتهى.
وأصول الــإلــهي خمسة:
الأول: الأمور العامة.
الثاني: إثبات الواجب وما يليق به.
الثالث: إثبات الجواهر الروحانية.
الرابع: بيان ارتباط الأمور الأرضية بالقوى السماوية.
الخامس: بيان نظام الممكنات.
وفروعه قسمان:
الأول: البحث عن كيفية الوحي وصيرورة العقل محسوسا ومنه تعريف الــإلــهيات ومنه الروح الأمين.
الثاني: العلم بالمعاد الروحاني. انتهى.
وقال صاحب: إرشاد القاصد: يعبر عنه بالــإلــهي لاشتماله على علم الربوبية.
وبالعلم الكلي لعمومه وشموله لكليات الموجودات.
وبعلم ما بعد الطبيعة لتجرد موضوعه عن المواد ولواحقها.
قال: وأجزاؤه الأصلية خمسة: الأول: النظر في الأمور العامة مثل الوجود والماهية والوجوب والإمكان والقدم والحدوث والوحدة والكثرة.
والثاني: النظر في مبادئ العلوم كلها وتبيين مقدماتها ومراتبها. والثالث: النظر في إثبات وجود الــإلــه ووجوبه والدلالة على وحدته وصفاته.
والرابع: النظر في إثبات الجواهر المجردة من العقول والنفوس والملائكة والجن والشياطين وحقائقها وأحوالها.
والخامس: النظر في أحوال النفوس البشرية بعد مفارقتها وحال المعاد.
ولما اشتدت الحاجة إلــيه اختلفت الطرق.
فمن الطالبين: من رام إدراكه بالبحث والنظر وهؤلاء زمرة الحكماء الباحثين ورئيسهم أرسطو وهذا الطريق أنفع للتعلم لو وفى بجملة المطالب وقامت عليها براهين يقينية وهيهات.
ومنهم: من سلك طريق تصفية النفس بالرياضة وأكثرهم يصل إلــى أمور ذوقية يكشفها له العيان ويجل أن توصف بلسان ومنهم: ابتدأ أمره بالبحث والنظر وانتهى إلــى التجريد وتصفية النفس فجمع بين الفضيلتين وينسب مثال هذا الحال إلــى سقراط وأفلاطون والسهروردي والبيهقي. انتهى.
وقال أبو الخير: وهذا العلم هو المقصد الأقصى والمطلب الأعلى لكن لمن وقف على حقائقه واستقام في الإطلاع على دقائقه لأن حظي به فقد فاز فوزا عظيما ومن زلت فيه قدمه أو طغى به قلمه فقد ضل ضلالا بعيدا وخسر خسرانا مبينا إذ الباطل يشاكل الحق في مأخذه والوهم يعارض العقل في دلائله جل جناب الحق عن أن يكون شريعة الكل وارد أو يطلع على سرائر قدسه إلــا واحد بعد واحد وقلما يوجد إنسان يصفو عقله عن كدر الأوهام ويخلص فهمه عن مهاوي الإيهام ويستسلم لما قرره الأعلام.
واعلم أن من النظر رتبة تناظر طريق التصفية ويقرب حدها من حدها وهو طريق الذوق ويسمونه الحكمة الذوقية.
وممن وصل إلــى هذه الرتبة في السلف السهروردي وكتاب: حكمة الإشراق له صادر عن هذا المقام برمز أخفى من أن يعلم وفي المتأخرين: الفاضل الكامل مولانا شمس الدين الفناري في بلاد الروم ومولانا جلال الدين الدواني في بلاد العجم ورئيس هؤلاء الشيخ صدر الدين القونوي والعلامة قطب الدين الشيرازي. انتهى. ملخصا أو سيأتي تمام التفصيل في الحكمة عند تحقيق الأقسام إن شاء الله العزيز العلام.
واعلم أن منبع العلوم الحكمية النظرية وأستاذ الكل فيها إدريس عليه السلام آتاه الله الحكمة والنبوة وأنزل عليه ثلاثين صحيفة وعلم النجوم. وأفهمه عدد السنين والحساب وعلمه الألسنة حتى تكلم الناس في زمنه باثنين وتسعين لسانا ولد بمصر وسموه هرمس الهرامس وباليونانية أرمس بمعنى عطارد وعرب بهرمس واسمه الأصلي هنوخ وعرب أخنوخ وسماه الله تعالى في كتابه العربي المبين إدريس لكثرة دراسة كتاب الله تعالى.
وقيل: إن معلمه غوثاديمون أو أغثاذيمون المصري وتفسيره السعيد الجد قيل: وهو شيث عليه السلام.
ثم إن إدريس عرف الناس صفة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - بأنه يكون بريئا عن المذمات والآفات كلها كاملا في الفضائل الممدوحات لا يقصر عما يسأل عنه مما في الأرض والسماء ومما فيه دواء وشفاء وأنه يكون مستجاب الدعوة في كل ما يطلبه ويكون مذهبه ودينه ما يصلح به العالم.
وكانت قبلة إدريس جهة الجنوب على خط نصف النهار كان رجلا تام الخلقة حسن الوجه أجلح كث اللحية مليح الشمائل والتخاطيط تام الباع عريض المنكبين ضخم العظام قليل اللحم براق العين أكحلها متأنيا في كلامه كثير الصمت وإذا اغتاظ أخذ يحرك سبابته إذا تكلم وكانت مدة مقامه في الأرض اثنتين وثمانين سنة ثم دفعه الله مكانا عليا.
وهو أول من خاط الثياب وحكم بالنجوم وأنذر بالطوفان وأول من بنى الهياكل ومجد الله فيها وأول من نظر في الطب وأول من ألف القصائد والأشعار وهو الذي بنى أهرام بمصر وصور فيها جميع العلوم والصناعات وآلاتها خشية أن يذهب رسمها بالطوفان.
واعلم أيضا أن من أساتذة الحكمة الحكيم أفلاطون أحد الأساطين الخمسة للحكمة من يونان كبير القدر مقبول القول البليغ في مقاصده.
أخذ عن فيثاغورس وشارك مع سقراط في الأخذ عنه وصنف في الحكمة كتبا لكن اختار فيها الرمز والإغلاق وكان يعلم تلاميذه وهو ماش ولهذا سموا المشائين وفوض الدرس في آخر عمره إلــى أرشد أصحابه وانقطع هو للعبادة وعاش ثمانين سنة وولد في مدينة أنيس ولازم سقراط خمسين سنة وكان عمره إذ ذاك عشرون سنة وتزوج امرأتين وكانت نفسه في التعليم مباركة تخرج بها علماء اشتهروا من بعده.
ومن جملة أساتذة الحكمة أرسطاطاليس تلميذ أفلاطون لازم خدمته مدة عشرين سنة وكان أفلاطون يؤثر على غيره ويسميه العقل وهو خاتم حكماءهم وسيد علمائهم وأول من استخرج المنطق وله كتب شريفة في الفلسفة وكان معلم الإسكندر بن فيلقوس وبآدابه وسياسته عمل هو فظهر الخير وفاض العدل وبه انقمع الشرك في بلاد اليونانيين.
ومعنى أرسطاطاليس محب الحكمة أو الفاضل الكامل عاش سبعا وستين سنة ومصنفاته تنيف على ثمانين وكان أبيض أجلح حسن القامة عظيم العظام صغير العينين والفم عريض الصدر كث اللحية أشهل العينين أقنى الأنف يسرع في مشيته ناظرا في الكتب دائما يقف عند كل كلمة ويطيل الإطراق عند السؤال قليل الجواب ينتقل في أوقات النهار في الفيافي ونحو الأنهار محبا لاستماع الألحان والاجتماع بأهل الرياضة وأصحاب الجدل منصفا في نفسه إذا خصم ويعرف بموضع الإصابة والخطأ معتدلا في الملابس والمآكل مات وله ثمان وتسعين سنة ثم إنه تخلف عن خدمة الملوك وبنى موضع التعليم وأقبل على العناية بمصالح الناس.
وكان جليل القدر كثير التلاميذ من الملوك وأبناءهم وكان أهل مدينة أسطا إذا أشكل عليهم أمر يجتمعون إلــى قبره حتى يفتح لهم ويزعمون أن قبره يصحح فكرهم ويذكي عقولهم واستيفاء أخباره لا يمكن إلــا في مجلد.
ومن جملة أساتذة الحكمة الفارابي وهو أبو نصر محمد بن محمد كان ذكيا حكيما مشهورا صاحب التصانيف في المنطق والمحكمة وغيرهما من العلوم وهو أكبر فلاسفة الإسلاميين لم يكن فيهم من بلغ رتبته في فنونه وتخرج ابن سينا في كتبه وبعلومه انتفع في تصانيفه كان رجلا تركيا تنقلت به الأسفار إلــى أن وصل بغداد وهو يعرف كثيرا من اللغات غير العربي ثم تعلمه وأتقنه.
ثم اشتغل بالحكمة فقرأ على أبي بشر - متى بن يونس الحكيم - من شرح كتاب أرسطو في المنطق سبعين سفرا وكان هو شيخا كبيرا له صيت عظيم يجتمعون في حلقته كل يوم المئون من المنطقيين ثم أخذ طرفا من المنطق من أبي حنا ابن خيلان الحكيم النصراني بمدينة حران ثم نقل إلــى بغداد وقرأ بها علوم الفلسفة وتمهر في كتب أرسطو جميعها يقال وجد كتاب النفس لأرسطو عليه مكتوب بخط الفار أبي: إني قرأت هذا الكتاب مائتي مرة وقال: قرأت السماع الطبعي لأرسطو أربعين مرة ومع ذلك إني محتاج إلــى معاودته وكان يقول: لو أدركت أرسطو لكنت أكبر تلامذته.
ثم سافر إلــى دمشق ثم إلــى مصر ثم عاد إلــى دمشق فأحسن إلــيه سلطانها1 سيف الدولة بن حمدان وأجرى عليه كل يوم أربعة دراهم لأنه كان أزهد الناس في الدنيا لا يحتفل بأمر مكتسب ولا مسكن لذلك أقتصر على أربعة دراهم وكان منفردا بنفسه لا يكون إلــا في مجتمع ماء أو مشبك رياض ويؤلف كتبه هناك وكان أكثر تصانيفه في الرقاع ولم يصنف في الكراريس إلــا قليلا فلذلك كانت أكثر تصانيفه فصولا وتعليقات وبعضها ناقصا.
يحكى أن الآلات المسماة بالقونون من تركيبه.
توفي سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة بدمشق وقد ناهز ثمانين سنة.
وعدد مصنفاته من الكتب والرسالة سبعون كلها نافعة سيما كتابان في العلم الــإلــهي والمدني لا نظير لهما.
أحدهما: المعروف بالسياسة المدنية.
والأخرى: بالسيرة الفاضلة وصنف كتابا شريفا في إحصاء العلوم والتعريف بأغراضها لم يسبق إلــيه أحد ولا ذهب أحد مذهبه ولا يستغني عنه أحد من طلاب العلم وكذا كتابه في أغراض أفلاطون وأرسطو أطلع فيه على أسرار العلوم وثمارها علما علما وبين كيفية التدرج من بعضها إلــيها بعض شيئا فشيئا ثم بدأ بفلسفة أرسطو ووصف أغراضه في تواليفه المنطقية والطبيعية فلا أعلم كتابا أجدى على طلب الفلسفة منه.
وفاراب: إحدى مدن الترك فيما وراء النهر. ومن جملة أساطين الحكمة: أبو علي حسين بن عبد الله بن سينا الحكيم المشهور وكان أبوه من بلخ ثم انتقل منها إلــى بخارا وكان من العمال الكفاة وتولى العمل بقرية من بخارا يقال لها هرمين ثم انتقلوا إلــى بخارا وانتقل الرئيس بعد ذلك في البلاد وأشتغل بالعلوم وحصل الفنون ولما بلغ عشر سنين من عمره أتقن علم القرآن العزيز والأدب وحفظ أشياء من أصول الدين وحساب الهندسة والجبر والمقابلة ثم قرأ كتاب: إيساغوجي علي أبي عبد الله النابلي وأحكم عليه ظواهر المنطق: لأنه لم يكن يعرف دقائقها ثم حل هو نفسه دقائق غفل عنها الأوائل وأحكم عليه إقليدس والمجسطي وفاقه أضعافا كثيرة.
وكان مع ذلك يختلف في الفقه إلــى إسماعيل الزاهد يقرأ ويبحث ويناظرهم ثم اشتغل بتحصيل الطبعي والــإلــهي وغير ذلك وفتح الله عليه أبواب العلوم ثم فاق في علم الطب الأوائل والأواخر في أقل مدة وأصبح عديم القرين فقيد المثيل.
وقرأ عليه فضلاء هذا الفن أنواعه والمعالجات المقتبسة من التجربة وسنه إذ ذاك نحو ستة عشر وفي مدة اشتغاله لم ينم ليلة واحدة بكمالها ولم يشتغل في النهار بشيء سوى العلم والمطالعة وكان إذا أشكلت عليه مسئلة توضأ وقصد المسجد الجامع وصلى ودعا الله عز وجل أن يسهلها عليه ويفتح مغلقها له فتح الله - تبارك وتعالى – مشكلاتها.
ثم اتصل بخدمة نوح بن نصر الساماني صاحب خراسان بسبب الطب ودخل إلــى خزانة كتبه واطلع على كتب لم تقرع آذان الزمان بمثلها وحصل نخب فوائدها وتحلى بنفائس فرائدها.
ويحكى عنه أنه لم يطلع على مسئلة إلــى آخر عمره إلــا وكان يعرفها وكان في ثمانية عشر سنين من سنه حتى حكي عنه أنه قال: كل ما علمته في ذلك الوقت فهو كما علمته الآن لم أزد عليه إلــى اليوم وهذا أمر عظيم لا يكاد يقبله العقل لولا عرف حد ذكائه.
ثم تنقلت به الأحوال بأمور يطول شرحها حتى استوزر ثم عزل وحبس وبعد هذه الأحوال كلها مرض ثم صلح ثم دخل إلــى أن ضعف جدا ثم اغتسل وتاب1 وتصدق بما معه على الفقراء ورد المظالم على من عرفه وأعتق مماليكه وجعل يختم في كل ثلاثة أيام ختمة ثم مات يوم الجمعة من رمضان سنة ثمان وعشرين وأربعمائة بهمذان وكانت ولادته سنة سبعين وثلاثمائة في شهر صفر وقيل: توفي بأصبهان وفضائله كثيرة شهيرة وكان نادرة عصره في علمه وذكائه وتصانيفه.
وعدة مؤلفاته ثمانية وستون على الأشهر وقيل: يقارب مائة مصنف ما بين مطول ومختصر. ورسائله بديعة منها: رسالة حي بن يقظان و: رسالة سلامان و: إبسال و: رسالة الطب و: قصيدة الورقاء يرمز بها عن النفس الناطقة.
ومن جملة أساطين الحكمة الإمام فخر الدين الرازي وممن نحا نحو ابن سينا والرازي:
نصير الدين الطوسي وهو محمد بن محمد سلطان الحكماء المدققين وقدوتهم في زمانه جامع علوم المتقدمين والمتأخرين.
ولد يوم السبت حادي عشر جمادى الأولى سنة سبع وتسعين وخمسمائة توفي آخر نهار الاثنين ثامن عشر ذي الحجة وقت مغيب الشمس سنة اثنتين وسبعين وستمائة ودفن بالمشهد الكاظمي.
وكان آية في التدقيق والتحقيق وحل المواضع المشكلة سيما: لطف التحرير الذي لم يلتفت إلــيه المتقدمون بل التفتوا إلــى جانب المعنى فقط ثم إن الفاضل الشريف قلده في أمر التحرير والتقرير كما يظهر ذلك بالنظر في تصانيفهما.
وكان1 غاليا في التشيع كما يفصح عنه المقصد السادس من التجريد إلــا أن الشيخ أكمل الدين قال: في أواخر شرحه للتجريد سمعت شيخي العلامة قطب الدين الشيرازي قال: كان الناس مختلفين في أن هذا الكتاب يعني التجريد لخواجه نصير الدين أولا فسأل عن ذلك ابنه خواجه أصيل الدين فقال: كان والدي وضعه إلــى باب الإمامة وتوفي فكمله ابن المطهر الحلي وكان من الشيعة وهو زائغ زيغا عظيما فعلى هذه الرواية يكون بريئا عن نقيصة التشيع إلــا أن المشهور عند الجمهور خلاف.
وبمن يلي هؤلاء في معرفة الحكمة الشيخ شهاب الدين السهروردي بل فاق كثيرا في الحكمة الذوقية.
وممن خرط في سلكهم الشيخ قطب دن الشيرازي والشيخ قطب الدين الرازي وسعد الدين التفتازاني والسيد الشريف الجرجاني ثم الجلال الدواني.
قال الأرنيقي: بعد ما ذكر في: مدينة العلوم ومن فضلاء بلادنا مولانا مصلح الدين مصطفى الشهير بخواجه زاده ومصلح الدين مصطفى الشهير بالقسطلاني لكن هؤلاء السبعة قد فاقوا على أكثر المتقدمين في الحديث والتفسير والأصول والفروع إلــا أن الإمام فخر الدين الرازي فإنه تمهر فيها مع مشاركته لهؤلاء في علوم الحكمة بأقسامها وإن اتقانه أقوى من إتقانهم. انتهى
قلت: وفي قوله فاق على أكثر المتقدمين إلــى آخره نظرا لأن العلم المجرد بالحديث والتفسير لا يكفي في صحة الاعتقاد والعمل حتى يستعملها على وجههما ويقول بمقتضاهما ويحقق فحواهما وأنى لهم التناوش من مكان بعيد.
والفخر الرازي أكثر كلاما من هؤلاء في علوم التفسير ولكن قال أهل التحقيق في حق كتابه: مفاتيح الغيب فيه كل شيء إلــا التفسير وقد بحث في تفسيره هذا عن كل شيء لم يغادر صغيرة ولا كبيرة إلــا أحصاها وقد أخطأ في مواضع مما يتعلق بفهم القرآن الكريم ويقال: إنه لم يكمل تفسيره بل كمله بعض من جاء بعده والخطأ منه وقد أصاب في مواضع منها: رد التقليد واثبات الاتباع. والله أعلم.
ثم قال في: مدينة العلوم: إن الكتب المؤلفة في العلم الــإلــهي لما لم يخل عن الرياضي والطبعي أيضا أحببنا أن نذكره بعد الفراغ عن الكل - اللهم إلــا نادرا -: كالمباحث المشرقية للإمام فخر الدين الرازي وأمثاله ولا تظن أن العلوم الحكمية مخالفة للعلوم الشرعية مطلقا بل الخلاف في مسائل يسيرة وبعضها مخالف في مسائل قليلة ظاهرا لكن إن حقق يصافح أحدهما الآخر ويعانقه. انتهى.
قال في: كشف الظنون ثم اعلم أن البحث والنظر في هذا العلم لا يخلو إما: أن يكون على طريق النظر أو: على طريق الذوق فالأول: إما على قانون فلاسفة المشائين فالمتكفل له كتب الحكمة أو على قانون المتكلمين فالمتكفل حينئذ كتب الكلام لأفاضل المتأخرين والثاني: إما على قانون فلاسفة الإشراقين فالمتكفل له حكمة الإشراق ونحوه أو على قانون الصوفية واصطلاحهم فكتب التصوف.
وقد علم موضوع هذا الفن ومطالبه فلا تغفل فإن هذا التنبيه والتعليم مما فات عن أصحاب الموضوعات - وفوق كل ذي علم عليم.
وعبارة ابن خلدون في: تاريخه هكذا.
قال: علم الــإلــهيات: هو علم ينظر في الوجود المطلق.
فأولا: في الأمور العامة للجسمانيات والروحانيات من الماهيات والوحدة والكثرة والوجوب والإمكان وغير ذلك.
ثم ينظر في مبادئ الموجودات وأنها روحانيات.
ثم في كيفية صدور الموجودات عنها ومراتبها.
ثم في أحوال النفس بعد مفارقة الأجسام وعودها إلــى المبدأ.
وهو عندهم: علم شريف يزعمون أنه يوقفهم على معرفة الوجود على ما هو عليه وإن ذلك عين السعادة في زعمهم وسيأتي الرد عليهم وهو تال للطبيعيات في ترتيبهم ولذلك يسمونه: علم ما وراء الطبيعة وكتب المعلم الأول فيه موجود بين أيدي الناس ولخصه ابن سينا في كتاب: الشفاء والنجاة وكذلك لخصها ابن رشد من حكماء الأندلس.
ولما وضع المتأخرون في علوم القوم ودونوا فيها رد عليهم الغزالي ما رد منها ثم خلط المتأخرون من المتكلمين مسائل علم الكلام بمسائل الفلسفة لعروضها في مباحثهم وتشابه موضوع علم الكلام بموضوع الــإلــهيات ومسائله بمسائلها فصارت كأنها فن واحد ثم غيروا ترتيب الحكماء في مسائل الطبيعيات والــإلــهيات وخلطوهما فنا واحدا قدموا الكلام في الأمور العامة ثم أتبعوه بالجسمانيات وتوابعها إلــى آخر العلم كما فعله الإمام ابن الخطيب في: المباحث المشرقية وجميع من بعده من علماء الكلام وصار علم الكلام مختلطا بمسائل الحكمة وكتبه محشوة بها كان الغرض من موضوعهما ومسائلهما واحد والتبس ذلك على الناس وهي غير صواب لأن مسائل علم الكلام إنما هي عقائد ملتقاة من الشريعة كما نقلها السلف من غير رجوع فيها إلــى العقل ولا تعويل عليه بمعنى أنها لا تثبت إلــا به فإن العقل معزول عن الشرع وأنظاره وما تحدث فيه المتكلمون من إقامة الحجج فليس بحثا عن الحق فيها فالتعليل بالدليل بعد أن لم يكن معلوما هو شأن الفلسفة بل إنما هو التماس حجة عقلية تعضد عقائد الإيمان ومذاهب السلف فيها وتدفع شبه أهل البدع عنها الذين زعموا أن مداركهم فيها عقلية وذلك بعد أن تفرض صحيحة بالأدلة النقلية كما تلقاها السلف واعتقدوها وكثيرا ما بين المقامين من التفاوت في ذلك مدارك صاحب الشريعة أوسع لاتساع نطاقها عن مدارك الأنظار العقلية فهي فوقها ومحيطة بها لاستمدادها من الأنوار الــإلــهية فلا تدخل تحت قانون النظر الضعيف والمدارك المحاط بها فإذا هدانا الشارع إلــى مدرك فينبغي أن نقدمه على مداركنا ونثق به دونها ولا ننظر في تصحيحه بمدارك العقل ولو عارضه نعتمد ما أمرنا به اعتقادا وعلما ونسكت عما لم نفهم من ذلك ونفوضه إلــى الشارع ونعزل العقل عنه.
والمتكلمون إنما دعاهم إلــى ذلك كلام أهل الــإلــحاد في معارضات العقائد السلفية بالبدع النظرية فاحتاجوا إلــى الرد عليهم من جنس معارضاتهم واستدعى ذلك الحجج النظرية والبطلان فليس من موضوع علم الكلام ولا من جنس أنظار المتكلمين فاعلم ذلك لتميز به بين الفنين فإنهما مختلطان عند المتأخرين في الوضع والتأليف والحق مغايرة كل منه لصاحبه بالموضوع والمسائل وإنما جاء الالتباس من اتحاد المطالب عند الاستدلال وصار احتجاج أهل الكلام كأنه إنشاء لطلب الاعتداد بالدليل وليس كذلك بل إنما هو رد على الملحدين
والمطلوب مفروض الصدق معلومه وكذا جاء المتأخرين من غلاة المتصوفة المتكلمين بالمواجد أيضا فخلطوا مسائل الفنين بفنهم وجعلوا الكلام واحدا فيه كلها مثل كلامهم في النبوات والاتحاد والحلول والوحدة وغير ذلك.
والمدارك في هذه الفنون الثلاثة متغايرة مختلفة وأبعدها من جنس الفنون والعلوم مدارك المتصوفة لأنهم يدعون فيها الوجدان ويفرون عن الدليل والوجدان بعيد عن المدارك العلمية وأبحاثها وتوابعها كما بيناه ونبينه - والله يهدي من يشاء إلــى صراط مستقيم -. انتهى كلامه.

المناسبة

المناسبة:
[في الانكليزية] Convenience ،agreement ،harmony
[ في الفرنسية] Convenance ،accord ،harmonie
هي عند المتكلّمين والحكماء هي الاتحاد في النسبة وتسمّى تناسبا أيضا كزيد وعمرو إذا تشاركا في بنوّة بكر كذا في شرح المواقف وشرح حكمة العين في أقسام الوحدة. وعند أهل البديع وتسمّى أيضا بالتناسب والتوفيق والايتلاف والتلفيق ومراعاة النظير جمع أمر وما يناسبه لا بالتضاد. وبهذا القيد يخرج الطباق فإنّ فيه المناسبة بالتضاد وهي أن يكون كلّ واحد من الأمرين مقابلا للآخر، وذلك قد يكون بالجمع بين أمرين نحو الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ وقد يكون بالجمع بين أمور ثلاثة كقول البحتري:
كالقسيّ المعطفات بل الأسهم مبرية بل الأوتار جمع بين القوس والسّهم والوتر. وقد يكون بين أربعة كقول البعض للمهدي الوزير أيها الوزير إسماعيلي الوعد شعيبي التوفيق يوسفي العفو ومحمّدي الخلق، وقد يكون بين أكثر منه، ومنها أي من مراعاة النظير ما يسمّيه بعضهم تشابه الأطراف وهو أن يختم الكلام بما يناسب ابتداءه في المعنى. والتناسب قد يكون ظاهرا نحو لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ فإنّ اللطيف يناسب كونه غير مدرك بالأبصار والخبير يناسب كونه مدركا للأبصار لأنّ المدرك للشيء يكون خبيرا به، وقد يكون خفيا نحو إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ فإنّ قوله تعالى وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ يوهم أنّ الفاصلة الغفور الرحيم، لكن يعرف بعد التأمّل أنّ الواجب هو العزيز الحكيم، لأنّه لا يغفر لمن يستحقّ العذاب إلّــا من ليس فوقه أحد يرد عليه حكمه فهو العزيز أي الغالب. ثم وجب أن يوصف بالحكيم على سبيل الاحتراس لئلّا يتوهّم أنّه خارج عن الحكمة لأنّ الحكيم من يضع الشيء في محله أي إن تغفر لهم مع استحقاقهم العذاب فلا اعتراض عليك لأحد في ذلك، والحكمة فيما فعلته. ويلحق بالتناسب أن يجمع بين معنيين غير متناسبين بلفظين يكون لهما معنيان متناسبان، وإن لم يكونا مقصودين هاهنا نحو الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ، وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ أي ينقادان لله تعالى.
فالمراد بالنجم النبات الذي ينجم أي يظهر من الأرض مما لا ساق له كالبقول وهو بهذا المعنى لا يناسب الشمس والقمر، لكنه قد يكون بمعنى الكوكب وهو مناسب لهما، ولهذا يسمّى مثل ذلك إيهام التناسب والنجم بالنسبة إلــى الشّجر من التناسب حقيقة، هكذا يستفاد من المطول وحواشيه. ويقول في جامع الصنائع: إنّ الفرق بين التناسب الذي يسمّى مراعاة النظير وبين رعاية التناسب هو: أن يقول ما يقول بالنسبة، على سبيل العموم وذلك في الأسماء الذاتية والصّفات والأفعال والحروف ومثاله ما ترجمته:
شفتك اللمياء طافت في العالم وأجرت الدّماء هذه الطرفة فحينا فوق السّوالف تنعقد وحينا تتقلّب على العين ففي هذا البيت مراعاة التناسب بين الارتباط فوق السّوالف والتقلّب على العين، وهو لازم أيضا، لأنّك لو قلت: التقلّب على السوالف فإنّ المعنى يحصل ولكنّ التركيب لا تناسب فيه.
وفي التناسب أكثر ما يكون استعمال أسماء الذوات، وذلك لأنّه عبارة عن الجمع بين أمر وآخر يناسبه وليس مضادا له. مثاله ما ترجمته:
لو استطاع الفرقدان لوضعا الرأس تحت قدمك يدري هذا الكلام من أحضره من الفرقدين ففي هذا البيت كلمة رأس وقدم وفرق هي أسماء ذوات. انتهى. وأما عند الأصوليين ففي أصول الحنفية أنّ المناسبة هي الملائمة وهي موافقة الوصف أي العلّة للحكم بأن يصحّ إضافة الحكم إلــيه ولا يكون نائبا عنه، كإضافة ثبوت الفرقة في إسلام أحد الزوجين إلــى آباء الآخر لأنّه يناسبه لا إلــى وصف الإسلام لأنّه ناب عنه، لأنّ الإسلام عرف عاصما للحقوق لا قاطعا لها، وكذا المحظور يصلح سببا للعقوبة والمباح سببا للعبادة لا العكس لعدم الملائمة، وهذا معنى قولهم الملائمة أن يكون الوصف على وفق ما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم وعن السلف فإنّهم كانوا يعلّلون بأوصاف مناسبة وملائمة للأحكام غير نائبة عنها، ويقابلها الطّرد، أعني وجود الحكم عند وجود الوصف من غير اشتراط ملائمة وتأثير، أو وجوده عند وجوده وعدمه عند عدمه على اختلاف الرأيين.
والشافعية يجعلون المناسبة أعمّ من الملائمة ويقسمون المناسب إلــى ملائم وغير ملائم، وفسّرها الآمدي بأنّها وصف ظاهر منضبط يحصل عقلا من ترتّب الحكم عليه ما يصلح أن يكون مقصودا للعقلاء من حصول مصلحة أو دفع مضرة أو مجموعهما، وذلك إمّا في الدنيا كالمعاملات أو في الأخرى كإيجاب الطاعات وتحريم المعاصي، وفيه أخذ المناسبة بمعنى المناسب تجوّزا. والتحقيق أن يقال إنّ المناسبة كون الوصف ظاهرا إلــى آخره، واحترز بالظاهر عن الوصف الخفي وبالمنضبط عن غير المنضبط وهو المضطرب، وبقوله عقلا عن الشبه، وبقوله ما يصلح أن يكون مقصودا عن الوصف المستبقي في السير وعن الوصف المدار في الدوران وغيرهما من الأوصاف التي لا يكون اعتبارها لترتّب ما يصلح كونه مقصودا عليه.
وفسّر المقصود بما يكون مقصودا للعقلاء من حصول مصلحة واندفاع مفسدة لئلّا يتوهّم أنّ المراد ما يكون مقصودا من شرعية الحكم فيلزم الدور. فمن فسّره بما يكون مقصودا للشارع من شرع الحكم نفيا كان أو إثباتا سواء كان المقصود جلب منفعة للعبد أو دفع مفسدة عنه فقد لزمه الدّور لأنّ ذلك إنّما يعرف بكونه مناسبا، فلو عرف كونه مناسبا بذلك كان دورا والمصلحة اللذة وطريقها والمفسدة الألم وطريقه مثاله القتل العمد العدوان فإنّه وصف مناسب لوجوب القصاص، لأنّه يلزم من ترتّب وجوب القصاص على القتل حصول ما هو مقصود من شرعية القصاص وهو بقاء النفوس على ما يشير إلــيه قوله تعالى وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ.
ثم إن كان الوصف الذي يحصل من ترتّب الحكم عليه المقصود خفيا أو غير منضبط لم يعتبر لأنّه لم يعلم فكيف يعلم به الحكم فالطريق حينئذ أن يعتبر وصف ظاهر منضبط يلازم ذلك الوصف الحكم فيوجد بوجوده ويعدم بعدمه، سواء كانت الملازمة عقلية أو لا، فيجعل ذلك الوصف الظاهر معرّفا للحكم مثلا وصف العمدية في القتل العمد العدوان خفي، لأنّ القصد وعدمه أمر نفسي لا يدرك شيء منه فيتعلّق القصاص بما يلازم العمدية من أفعال مخصوصة يقتضي في العرف عليها بكونها عمدا كاستعمال الجارح في القتل. وقال القاضي الإمام أبو زيد: المناسب ما لو عرض على العقول تلقته بالقبول أي إذا عرض على العقل أنّ هذا الحكم إنّما يشرع لأجل هذه المصلحة يكون ذلك الحكم موصلا إلــى تلك المصلحة عقلا أو تكون تلك المصلحة أمرا مقصودا عقلا، وهذا قريب من تفسير الآمدي لأنّ تلقّي العقول بالقبول في قوة ما يصلح مقصودا للعقلاء من ترتّب الحكم عليه، إلّــا أنّه لم يصرّح بالظهور والانضباط ولعدم التصريح المذكور ولعدم كونه صالحا إلّــا للناظر دون المناظر، إذ ربّما يقول الخصم هذا مما لا يتلقاه عقلي بالقبول فلا يكون مناسبا عندي، عدل عنه الآمدي، وبه يقول أبو زيد فإنّه قائل بامتناع التمسّك بالمناسبة في مقام المناظرة، وإن لم يمتنع في مقام النظر لأنّ العاقل لا يكابر نفسه فيما يقتضي به عقله. قيل هذا يرد على الآمدي أيضا لأنّه ذكر قيد العقل، فللمناظر أن يمنع بأنّه لا يصلح في عقلي. وقيل المناسب ما يجلب نفعا ويدفع ضررا وهو قريب مما ذكره الإمام في المحصول أنّه الوصف الذي يقضي إلــى ما يجلب للإنسان نفعا أو يدفع عنه ضررا. والفرق بينهما أنّ المناسب على هذا القول نفس الجالب.
وعلى ما ذكره الإمام المفضي إلــى الجالب.
وقال الغزالي المراد بالمناسب ما هو على منهاج المصالح بحيث إذا أضيف إلــيه الحكم انتظم كالإسكار لحرمة الخمر فإنّه المناسب لأنّه يزيل العقل هو ملاك التكليف، بخلاف كونها مائعا يقذف بالزّبد ويحفظ في الدّنّ، فإنّ ذلك لا يناسب. واعلم أنّ هذه التعاريف إنّما هي على قول من يجعل الأحكام الثابتة بالنصوص متعلّقة بالحكم والمصالح، ومن يأبى عنه يقول المناسب هو الملائم لأفعال العقلاء في العادات.
اعلم أنّ المناسبة كما يطلق على ما مرّ من كون الوصف ظاهرا منضبطا إلــى آخره كذلك يطلق على معنى أخصّ من ذلك وهو تعيين العلّة في الأصل بمجرّد إبداء مناسبة بينها وبين الحكم من ذات الأصل لا بنصّ ولا غيره، أي كون الوصف بحيث تتعيّن علّيته إلــى آخره، نصّ على ذلك المحقّق التفتازاني في حاشية العضدي.

وقال في التلويح: المذكور في أصول الشافعية أنّ المناسب هو المخيّل ومعناه تعيين العلّة في الأصل إلــى آخره، وهذا على المسامحة، حيث عرّف المناسب بتعريف المناسبة، وإلّــا فالتحقيق أنّ المناسب هو الوصف الذي يتعين علّيته إلــى آخره. فقولنا بمجرّد إبداء المناسبة أي إظهار المناسبة بينها وبين الحكم، والمراد المناسبة بالمعنى اللغوي لئلّا يلزم الدور، وبهذا خرج الطّرد إذ ليس فيه مناسبة والسّبر والتقسيم إذ لا يعتبر فيه المناسبة أيضا. وبقولنا من ذات الأصل خرج الشّبه لأنّ مناسبته إنّما هي بالتّبع.
وقولنا لا بنصّ ولا غيره يخرج إثبات العلّة بهما فإنّه ليس بمناسبة. مثاله الإسكار لتحريم الخمر فإنّ النظر في نفس المسكر وحكمه ووصفه يعلم منه كون الإسكار مناسبا لشرع التحريم صيانة للعقل الشريف عن الزوال، ويسمّى بالإحالة أيضا لأنّه بالنظر إلــيه يحال أي يظن أنّه علّة، ويسمّى تخريج المناط أيضا لأنّه إبداء مناط الحكم أي علّيته وهو من أحد مسالك إثبات العلّة. وإنّما كان هذا المعنى أخصّ لأنّه هو معنى المناسب المرسل. ولذا قال في التلويح:

قال الإمام الغزالي: من المصالح ما يشهد الشرع باعتباره هي أصل في القياس وحجة، ومنها ما يشهد ببطلانه وهو باطل، ومنها ما لم يشهد له بالاعتبار ولا بالإبطال، وهذا في محل النّظر. وإذا أطلقنا المعنى المخيل والمناسب في باب القياس أردنا به هذا الجنس.

التقسيم:
للمناسب تقسيمات باعتبارات. الأول باعتبار إفضائه إلــى المقصود ينقسم إلــى خمسة أقسام. الأول أن يحصل المقصود منه يقينا كالبيع للحل. الثاني أن يحصل ظنّا كالقصاص للانزجار فإنّ الممتنعين أكثر من المقدمين، وهذان مما لا ينكرهما أحد. الثالث أن يكون حصوله وعدم حصوله متساويين كحدّ الخمر للزجر فإنّ عدد الممتنع والمقدم متقاربان. الرابع أن يكون نفي الحصول أرجح من الحصول كنكاح الآيسة لتحصيل غرض التّناسل، فإنّ عدد من لا ينتسل منهن أكثر من عدد من ينتسل، وهذان قد أنكروا، والمختار الجواز. الخامس أن يكون المقصود فائتا بالكلّية مثاله جعل النكاح مظنّة لحصول النطفة في الرّحم فرتّب عليه إلــحاق الولد بالأب، فإذا تزوّج مشرقي مغربية وقد علم عدم تلاقيهما فاتفق الجمهور على أنّه لا يعتبر، وخالف في ذلك الحنفية نظرا إلــى ظاهر العلّة. وقيل لم ينقل أحد من الحنفية في كتبهم جواز التعليل بوصف مع تيقّن الخلوّ عن المقصود، وهذا المثال من قبيل ما يكون المقصود غالب الحصول في صور الجنس، وفي مثله يجوز التعليل اتفاقا، ولا يشترط حصول المقصود في كلّ فرد. والثاني باعتبار نفس المقصود فنقول المقاصد ضربان: ضروري وهو أيضا ينقسم إلــى قسمين ضروري في أصله وهو أعلى المقاصد كالمقاصد الخمسة التي روعيت في كلّ صلة: حفظ الدين والنفس والعقل والنسل والمال. فالدين كقتل الكافر المضل وعقوبة الداعي إلــى البدع. والنفس كالقصاص.
والنسل كالحدّ على الزنا. والمال كعقوبة السارق والمحارب أي قاطع الطريق. ومكمل للضروري كتحريم قليل الخمر مع أنّه لا يزيل العقل الذي هو المقصود للتتميم والتكميل لأنّ قليله يدعو إلــى كثيره بما يورث النفس من الطرب المطلوب زيادته بزيادة سببه إلــى أن يسكر. وغير ضروري وهو ينقسم إلــى حاجي وغير حاجي، والحاج أيضا ينقسم إلــى قسمين حاجي في نفسه ومكمّل للحاجي. مثال الحاجي في نفسه البيع والإجارة ونحوها كالفرض فإنّ المعاوضة وإن ظنّت أنّها ضرورية، لكن كلّ واحد منها ليس بحيث لو لم يشرع لأدّى إلــى فوات شيء من الضروريات الخمس. واعلم أنّ هذه ليست في مرتبة واحدة، فإنّ الحاجة تشتدّ وتضعف، وبعضها آكد من بعض. وقد يكون بعضها ضروريا في بعض الصور كالإجارة في تربية الطفل الذي لا أمّ له ترضعه، وكشراء المطعوم والملبوس فإنّه ضروري من قبيل حفظ النفس. ولذلك لم يخل عنه شريعة؛ وإنّما أطلقنا الحاجي عليها بالاعتبار الأغلب. ومثال المكمّل للحاجي وجوب رعاية مهر المثل والكفاءة في الصغيرة، فإنّ أصل المقصود من شرع النكاح وإن كان حاصلا بدونهما، لكنه أشدّ إفضاء إلــى دوام النكاح، وهي من مكمّلات مقصود النكاح، وغير الحاجي وهو ما لا حاجة إلــيه لكن فيه تحسين وتزيين كسلب العبد أهلية الشهادة. وإن كان ذا دين وعدالة لانحطاط رتبته عن الحرّ فلا يليق به المناصب الشريفة.
والثالث اعتبار الشارع إلــى مؤثّر ملائم وغريب ومرسل لأنّه إمّا معتبر شرعا أو لا. فالمعتبر إمّا أن يثبت اعتباره بنصّ أو إجماع وهو المؤثّر أوّلا، بل يترتّب الحكم على وفقه بأن يثبت الحكم معه في المحل، فذلك لا يخلو إمّا أن يثبت بنصّ أو إجماع اعتبار عينه في جنس الحكم أو جنسه في عين الحكم أو جنسه في جنس الحكم أو لا. فإن ثبت فهو الملائم وتسمّيه الحنفية بالملائم المعدّل، وإن لم يثبت فهو الغريب. وأما غير المعتبر لا بنصّ ولا بإجماع ولا يترتّب الحكم على وفقه فهو المرسل. فإن قلت كيف يتصوّر اعتبار العين في الجنس أو الجنس في العين أو الجنس في الجنس فيما لم يعتبر شرعا؟ وهل هذا إلّــا تهافت؟ قلت معنى الاعتبار شرعا عند الإطلاق هو اعتبار عين الوصف في عين الحكم في موضع آخر، وعلى هذا فلا إشكال. وبالجملة فالمؤثّر وصف مناسب ثبت بنصّ أو إجماع اعتبار عينه في عين الحكم كإحياء الأرض بالنسبة إلــى تملّكها فإنّه يثبت تأثيره بالنصّ وهو قوله عليه السلام: (من أحيى أرضا ميتة فهي له)، وكالصغر بالنسبة إلــى ولاية المال فإنّه اعتبر عين الصغر في عين الولاية بالمال بالإجماع. والملائم هو المناسب الذي لم يثبت اعتباره بنصّ أو إجماع بل بترتّب الحكم على وفقه فقط ومع ذلك يثبت بنصّ أو إجماع اعتبار عينه في جنس الحكم أو جنسه في عين الحكم أو جنسه في جنس الحكم. فمثال تأثير العين في الجنس ما يقال ثبت للأب ولاية النكاح على الصغيرة كما يثبت له عليها ولاية المال بجامع الصّغر، فالوصف الصّغر وهو أمر واحد ليس بجنس والحكم الولاية وهو جنس تحته نوعان من التصرّف وهما ولاية النكاح وولاية المال، وعين الصّغر معتبر في جنس الولاية بالإجماع، لأنّ الإجماع على اعتباره في ولاية المال إجماع على اعتباره في جنس الولاية، بخلاف اعتباره في عين ولاية النكاح فإنّه إنّما يثبت بمجرّد ترتّب الحكم على وفقه حيث يثبت الولاية في الجملة، وإن وقع الاختلاف في أنّه للصّغر أو للبكارة أو لهما جميعا. ومثال تأثير الجنس في العين ما يقال الجمع جائز في الحضر مع المطر قياسا على السّفر بجامع الحرج، فالحكم رخصة وهو واحد والوصف الحرج وهو جنس بجمع الحاصل بالسّفر وبالمطر وهما نوعان مختلفان، وقد اعتبر جنس الحرج في عين رخصة الجمع للنصّ والإجماع على اعتبار حرج السفر ولو في الحج فيها. وأمّا اعتبار عين الحرج فليس إلّــا بمجرّد ترتّب الحكم على وفقه إذ لا نصّ ولا إجماع على علّية نفس حرج السّفر. ومثال تأثير الجنس في الجنس أن يقال يجب القصاص في القتل بالمثقل قياسا على القتل بالمحدد لجامع كونها جناية عمد عدوان، فالحكم أيضا مطلق وهو القصاص وهو جنس بجمع القصاص في النفس وفي الأطراف وفي المال، وقد اعتبر جنس الجناية في جنس القصاص في النفس لا بالنصّ أو الإجماع بل يترتّب الحكم على وفقه ليكون من الملائم دون المؤثّر، ووجهه أن لا نصّ ولا إجماع على أنّ العلّة ذلك وحده أو مع قيد كونه بالمحدّد. والغريب هو ما ثبت اعتبار عينه في عين الحكم بمجرّد ترتّب الحكم على وفقه لكن لم يثبت بنصّ أو إجماع اعتبار عينه في جنس الحكم أو جنسه في عين الحكم أو جنسه في جنس الحكم. مثاله أن يقال يحرّم النبيذ قياسا على الخمر بجامع الإسكار على تقدير عدم فرض النصّ بالتعليل فيه لأنّ الإسكار مناسب للتحريم حفظا للعقل، وعلم أنّ الشارع لم يعتبر عينه في جنس التحريم ولا جنسه في عين التحريم ولا جنسه في جنس التحريم. فلو لم يدلّ النّصّ وهو قوله (كلّ مسكر حرام) بالإيماء على اعتبار عينه لكان غريبا. والمرسل هو ما لم يثبت اعتبار عينه في عين الحكم أصلا وبعبارة أخرى ما لم يعتبر شرعا لا بنصّ ولا إجماع ولا بترتّب الحكم على وفقه، وهو ينقسم إلــى ما علم إلــغاؤه وإلــى ما لم يعلم إلــغاؤه.
والثاني أي ما لا يعلم إلــغاؤه ينقسم إلــى ملائم قد علم اعتبار عينه في جنس الحكم أو جنسه في عين الحكم أو جنسه في جنس الحكم، وإلــى ما لا يعلم منه ذلك وهو الغريب. فإن كان غريبا أو علم إلــغاؤه فمردود اتفاقا، وإن كان ملائما فقد قيل بقبوله، والمختار أنّه مردود. وقد شرط الغزالي في قبوله شروطا ثلاثة: أن تكون ضرورية لا حاجية وقطعية لا ظنّية وكلّية لا جزئية. أمّا الأوّلان أي المؤثّر والملائم فمقبولان وفاقا، فكلّ واحد من الملائم والغريب له معنيان هو بأحدهما من الأقسام الأوّلية للمناسب، وبالآخر من أقسام المرسل، فأقسام المرسل ثلاثة ما علم إلــغاؤه والملائم والغريب. ومثال ما علم إلــغاؤه إيجاب صيام شهرين قبل العجز عن الإعتاق في كفّارة الظّهار بالنسبة إلــى من يسهل عليه الإعتاق دون الصيام فإنّه مناسب تحصيلا لمقصود الزجر لكن علم عدم اعتبار الشارع له فلا يجوز. ثم اعتبار العين في العين أو في الجنس أو اعتبار الجنس في العين أو في الجنس بحسب أفراده أو تركيبه الثنائي أو الثلاثي أو الرباعي، والنّظر في أنّ الجنس قريب أو بعيد أو متوسط وأنّ ثبوت ذلك بالنّصّ أو الإجماع أو بمجرّد ترتّب الحكم على وفقه يفضي إلــى أقسام كثيرة وإيراد أمثلة متعددة، وقد أشير إلــى نبذ منها في التلويح. هذا وقال الآمدي أنّ من القياس مؤثّرا يكون علّته منصوصة أو مجمعا عليها أو أثر عين الوصف في عين الحكم أو في جنسه أو جنسه في عين الحكم أو أثر جنس الوصف في جنس الحكم، ويناسب هذا الاصطلاح ما وقع في التوضيح من أنّ المراد بالملائمة اعتبار الشارع جنس هذا الوصف في جنس هذا الحكم، إلّــا أنّه خصّ الجنس بكونه أخصّ من كونه متضمّنا لمصلحة اعتبرها الشارع كمصلحة حفظ النفس مثلا.
فالمراد أن يكون أخصّ من مصلحة حفظ النفس، وكذا من مصلحة حفظ الدين إلــى غير ذلك، ولا يكفي كونه أخصّ من المتضمن لمصلحة ما لأنّ المتضمّن لمصلحة حفظ النفس أخصّ من المتضمّن لمصلحة ما، وليس بملائم.
وقال الآمدي أيضا الملائم ما أثّر عين الوصف في عين الحكم كما أثّر جنس الوصف في جنس الحكم. هذا كله خلاصة ما في العضدي والتوضيح وغيرهما.

الوصف

الوصف: ما دل على الذات باعتبار معنى هو المقصود من جوهر حروفه، أي يدل على الذات بصفة كأحمر، فإنه بجوهر حروفه يدل على معنى مقصود وهو الحمرة. فالوصف والصفة مصدران: والمتكلمون فرقوا بينهما فقالوا: الوصف يقوم بالواصف، والصفة بالموصوف. كذا قرره ابن الكمال. وقال الراغب: الوصف ذكر الشيء بحليته، والصفة التي عليها الشيء من حليته ونعته. والوصف قد يكون حقا وباطلا.
الوصف:
[في الانكليزية] Description ،cause ،consequence ،quality
[ في الفرنسية] Description ،cause ،consequence ،qualite
بالفتح وسكون الصاد المهملة يطلق على معان. منها علّة القياس فإنّ الأصوليين يطلقون الوصف على العلّة كثيرا ومنه الوصف المناسب كما مرّ. وفي نور الأنوار شرح المنار وقد يسمّى المعنى الجامع الوصف مطلقا في عرف الأصوليين سواء كان وصفا أو حكما أو اسما.
ومنها ما هو مصطلح الفقهاء وهو مقابل الأصل في الدرر شرح الغرر في كتاب البيوع وكتاب الإيمان: الوصف في اصطلاح الفقهاء ما يكون تابعا لشيء غير منفصل عنه إذا حصل فيه يزيده حسنا وإن كان في نفسه جوهرا كذراع من ثوب وبناء من دار فإنّ ثوبا هو عشرة أذرع ويساوي عشرة دراهم إذا انتقص منه ذراع لا يساوي تسعة دراهم، بخلاف المكيلات والعدديات فإنّ بعضها منها يسمّى قدرا واصلا ولا يفيد انضمامه إلــى بعض آخر كمالا للمجموع فإنّ حنطة هي عشرة أقفزة إذا ساوت عشرة دراهم كانت التسعة منها تساوي تسعة، وقد اختلفوا في تفسير الأصل والوصف والكلّ راجع إلــى ما ذكرنا انتهى. وفي البرجندي قال المصنف المراد بالوصف الأمر الذي إذا قام بالمحل يوجب في ذلك المحل حسنا أو قبحا، فالكمية المحضة ليست بوصف بل أصل لأنّ الكمية عبارة عن كثرة الأجزاء وقلّتها والشيء إنّما يوجد بالأجزاء والوصف لا بد أن يكون مؤخّرا عن وجود ذلك الشيء والكمية تختلف بها الكيفية كالذراع في الثوب فإنّه أمر يختلف به حسن المزيد عليه، فالثوب يكفي جبّة ولا يكفي الأقصر لها فزيادة الذراع يزيده حسنا فيصير كالأوصاف الزائدة.
وقيل إنّ ما يتعيب بالتبعيض والتنقيص فالزيادة والنقصان فيه وصف، وما لا يتعيب بهما فالزيادة والنقصان فيه أصل. وقيل الوصف ما لوجوده تأثير في تقويم غيره ولعدمه تأثير في نقصان غيره والأصل ما لا يكون كذلك، وقيل إنّ ما لا ينتقص الباقي بفواته فهو أصل وما ينتقص الباقي بفواته فهو وصف، وكلّ من هذه الوجوه الثلاثة أظهر ممّا ذكره كما لا يخفى.
وذكر في شرح الطحاوي أنّ الأوصاف ما يدخل في البيع من غير ذكر كالبناء والأشجار في الأرض والأطراف في الحيوان والجودة في الكيلي انتهى. ثم الأوصاف لا يقابلها شيء من الثمن إلّــا إذا صارت مقصودة بالتناول حقيقة أو حكما. أمّا حقيقة فكما إذا باع عبدا فقطع البائع يده قبل القبض يسقط نصف الثمن لأنّه صار مقصودا بالقطع. وأمّا حكما فبأن يكون امتناع الردّ بحقّ البائع كما إذا تعيب المبيع عند المشتري أو بحقّ الشارع كما إذا زاد المبيع بأن كان ثوبا فخاطه ثم وجد به عيبا، فالوصف صار مقصودا بأحد هذين يأخذ قسطا من الثمن كذا في الكفاية. ومنها ما يحمل على الشيء سواء كان عين حقيقته أو داخلا فيها أو خارجا عنها، فالاتصاف بمعنى الحمل لا بمعنى القيام والعروض كما في المعنى الآتي وهو لا يقتضي إلّــا التغاير في المفهوم. ومنها ما يكون خارجا عن الشيء قائما به وبعبارة أخرى الصفة ما يكون قائما بالشيء والقيام العروض كذا في شرح المواقف. قال أحمد جند في حاشية الخيالي في تعريف العلم الصفة هو الأمر الغير القائم بالذات أو القائم بالمحل أي الموضوع أو الأمر القائم بالغير، والتفسير الأخير لا يجري في صفات الله تعالى عند الأشاعرة القائلين بكونها لا عين ولا غير انتهى.
اعلم أنّ قيام الصفة بالموصوف له معنيان فقيل معناه أن يكون تحيّزا لصفة تبعا لتحيّز الموصوف، يعني أنّ هناك تحيّزا واحدا قائما بالمتحيّز بالذات وينسب إلــى المتحيّز بالتبع باعتبار أنّ له نوع علاقة بالمتحيّز بالذات كالوصف بحال المتعلّق لا أنّ هناك تحيّزا واحدا بالشخص يقوم بهما بالتّبع، ولا أنّ هناك تحيّزين أحدهما مسبّب الآخر فافهم، فإنّه زلّ فيه الأقدام. وقيل معناه الاختصاص الناعت وهو أن يختصّ شيء بآخر اختصاصا يصير به ذلك الشيء نعتا للآخر والآخر منعوتا به فيسمّى الأول حالا والثاني محلا له كاختصاص السواد بالجسم لا كاختصاص الماء بالكوز، والمراد بالاختصاص هو الارتباط ونسبة النعت إلــيه مجازي لكونه سببا له، وهذا القول هو المختار لعمومه لأوصاف البارى فإنّها قائمة به من غير شائبة تحيّز في ذاته وصفاته، هكذا ذكر المولوي عبد الحكيم في حاشية شرح المواقف. وفي قوله لأوصاف الباري إشارة إلــى ترادف الوصف والصفة. ومنها العرضي أي الخارج عن الشيء المحمول عليه ويقابله الذات بمعنى الجزء كما عرفت. قال في الأجد حاشية شرح التجريد في بحث استناد القديم إلــى الذات صفة الشيء على قسمين أحدهما ما يكون قائما به غير محمول عليه مواطأة كالكتابة بالقياس إلــى زيد، والثاني ما يكون محمولا عليه بالمواطأة ولا يكون ذاتيا له كالكاتب بالقياس إلــيه، وهذا القسم من الصفات لما كانت محمولة على موصوفاتها بالمواطأة كانت عينها ومتحدة بعضها من وجه، وإن كانت مغايرة لها من وجه آخر وهو صحّة الحمل، ومن ثمّ قيل صحّة الحمل الإيجابي في القضايا الخارجية تقتضي اتحاد الطرفين في الخارج وتغايرهما في الذهن.
اعلم أنّ من ذهب إلــى أنّ صفاته تعالى ليست زائدة على ذاته قد حصر صفاته في القسم الثاني ونفى القسم الأول من الصفات عنه تعالى فإنّه عين العالم مثلا، لا بأنّ العلم صفة قائمة به تعالى، كما أنّ زيدا عين العالم لعمرو بأنّ علمه لعمرو صفة قائمة به بل بأنّ علمه تعالى نفس ذاته كما أنّ زيدا عين العالم بذاته فإنّ علمه بذاته نفس ذاته فاعرف ذلك انتهى. وربّما يخصّ القسم الأول باسم الصفة والوصف والقسم الثاني باسم الاسم كما يستفاد من أكثر إطلاقات الصوفية، ومما وقع في كتب الفقه في كتاب الإيمان من أنّ القسم يصحّ وباسم من أسمائه تعالى كالرحمن والرحيم، وبصفة يحلف بها عرفا من صفاته تعالى كعزّة الله وجلالته وكبريائه وعظمته وقدرته. قال في فتح القدير المراد بالصفة في هذا المقام اسم المعنى الذي لا يتضمّن ذاتا ولا يحمل عليها بهو هو كالعزة والكبرياء والعظمة، بخلاف العظيم وهي أعمّ من أن يكون صفة فعلية أو ذاتية، والصفة الذاتية ما يوصف بها سبحانه ولا يوصف بأضدادها كالقدرة والجلال والكمال والكبرياء والعظمة والعزة، والصفة الفعلية ما يصحّ أن يوصف بها وبأضدادها كالرحمة والرضى لوصفه سبحانه بالسخط والغضب انتهى. ثم الظاهر أنّ المراد بما قال في الأجد من أنّ صفة الشيء على قسمين أنّ ما يطلق عليه لفظ الصفة على قسمين كما في تقسيم العلّة إلــى سبعة أقسام فتأمّل.

التقسيم:
الصفة بمعنى الخارج القائم بالشيء قالوا هي على قسمين ثبوتية وهي ما لا يكون السّلب معتبرا في مفهومها وسلبية وهي ما يكون السّلب معتبرا في مفهومها، فالصفة أعمّ من العرض لاختصاصه بالموجود دون الصفة. ثم الصفة الثبوتية عند الأشاعرة تنقسم إلــى قسمين: نفسية وهي التي تدلّ على الذات دون معنى زائد عليها ككونها جوهرا أو موجودا أو شيئا أو ذاتا، والمراد بالذات ما يقابل المعنى أي ما يكون قائما بنفسه، والحاصل أنّ الصفة النفسية صفة تدلّ على الذات لكونها مأخوذة من نفس الذات ولا تدلّ على أمر قائم بالذات زائد عليه في الخارج وإن كان مغايرا له في المفهوم فلا يتوهّم أنّه كيف لا يكون دالا على معنى زائد على الذات مع كونها صفة، وبهذا ظهر أنّ الصفات السلبية لا تكون نفسية لأنّه يستلزم أن يكون الذات غير السلوب في الخارج، وبعبارة أخرى هي ما لا يحتاج في وصف الذات به إلــى تعقّل أمر زائد عليها أي لا يحتاج في توصيف الذات به إلــى ملاحظة أمر زائد عليها في الخارج بل يكون مجرّد الذات كافيا في انتزاعها منه ووصفه بها، وبهذا المعنى أيضا لا يجوز أن يكون السلوب صفات نفسية لاحتياجها إلــى ملاحظة معنى يلاحظ السلب إلــيه وتسمّى بصفات الأجناس أيضا. ومعنوية وهي التي تدلّ على معنى زائد على الذات أي تدلّ على أمر غير قائم بذاته زائد على الذات في الخارج والسلوب لا تدلّ على قيام معنى بالذات بل على سلبه كالتحيّز والحدوث، فإنّ التحيّز وهو الحصول في المكان زائد على ذات الجوهر وكذا الحدوث وهو كون الموجود مسبوقا بالعدم زائدا على ذات الحادث، وقد يقال بعبارة أخرى هي ما يحتاج في وصف الذات به إلــى تعقّل أمر زائد عليها، هذا على رأي نفاة الأحوال. وبعض أصحابنا كالقاضي وأتباعه القائلين بالحال لم يفسّروا المعنوية والنفسية بما مرّ فإنّ الحال صفة قائمة بموجود فيكون دالا على معنى زائد على الذات فلا يصحّ كونه صفة نفسية بذلك المعنى مع كون بعض أفراده منها كالجوهرية واللونية، بل فسّروا النفسية بما لا يصحّ توهّم ارتفاعه عن الذات مع بقائها أي لا يكون توهّم الارتفاع صحيحا مطابقا للواقع، ولذا لم يفسّر بما لا يتوهّم الخ، فإنّ التوهّم ممكن بل واقع لكن خلاف ما في نفس الأمر كالأمثلة المذكورة، فإنّ كون الجوهر جوهرا أو ذاتا وشيئا ومتحيّزا وحادثا أحوال زائدة على ذات الجوهر عندهم ولا يمكن تصوّر انتفائها مع بقاء الذات. والمعنوية بما يقابلها وهي ما يصحّ توهّم ارتفاعه عن الذات مع بقائها، وهؤلاء قد قسّموا الصفة المعنوية إلــى معلّلة كالعالمية والقادرية ونحوهما وإلــى معلّلة كالعالمية والقادرية ونحوهما وإلــى غير معلّلة كالعلم والقدرة وشبههما، ومن أنكر الأحوال منّا أنكر الصفات المعلّلة، وقال لا معنى لكونه عالما قادرا سوى قيام العلم والقدرة بذاته. وأما عند المعتزلة فالصفة الثبوتية أربعة أقسام: الأول النفسية. قال الجبائي وأتباعه منهم هي أخصّ وصف النفس وهي التي يقع بها التماثل بين المتماثلين والتخالف بين المتخالفين كالسوادية والبياضية، فالنفسية لا بدّ أن تكون مأخوذة من تمام الماهية لا غير إذ المأخوذ من الجنس أعمّ منه صدقا والمأخوذ من الفصل القريب أعمّ منه مفهوما، وإن كان مساويا له صدقا كالناطقية والإنسانية، ولم يجوّزوا اجتماع صفتي النفس في ذات واحدة ولم يجعلوا اللونية مثلا صفة نفسية للسواد والبياض لامتناع أن يكون لشيء واحد ماهيتان. وقال الأكثرون منهم هي الصفة اللازمة للذات فجوّزوا اجتماع صفتي النفس في ذات واحدة لأنّ الصفات اللازمة لشيء واحد متعدّدة ككون السواد سوادا أو لونا وعرضا، وكون الرّبّ تعالى عالما قادرا فإنّه لازم لذاته.
واتفقوا على أنّ النفسية يتصف بها الموجود والمعدوم مطلقا. الثاني الصفة المعنوية فقال بعضهم هي الصفة المعلّلة بمعنى زائد على ذات الموصوف ككون الواحد منا عالما قادرا بخلاف عالمية الواجب تعالى وقادريته فإنّها غير معلّلة عندهم بمعنى زائد على ذات الموصوف بل هما من الصفات النفسية. وقيل هي الصفة الجائزة أي غير اللازمة الثبوت لموصوفها. الثالث الصفة الحاصلة بالفاعل وهي عندهم الحدوث، وليست هذه الصفة نفسية إذ لا تثبت حال العدم ولا معنوية لأنّها لا تعلّل بصفة. الرابع الصفة التابعة للحدوث وهي التي لا تحقّق لها حالة العدم ولا يتصف بها الممكن إلّــا بعد وجوده.
فالقيد الأول احتراز عن الصفة النفسية والحدوث، والقيد الثاني أي قولهم لا يتصف الخ احتراز عن الوجود ولا تأثير للفاعل فيها أصلا، وهي منقسمة إلــى أقسام: فمنها ما هي واجبة أي يجب حصولها لموصوفها عند حدوثه كالتحيّز وقبول الأعراض للجوهر وكالحلول في المحل والتضاد للأعراض وكإيجاب العلّة لمعلولها وقبح القبيح. ومنها ما هي ممكنة أي غير واجبة الحصول لموصوفها عند حدوثه وهي إمّا تابعة للإرادة ككون الفعل طاعة أو معصية، فإنّ الفعل قد يوجد غير متصف لشيء من ذلك إذا لم يكن هناك قصد وإرادة، وإمّا غير تابعة لها ككون العلم ضروريا فإنّه صفة تابعة لحدوث العلم، ولذا لا يتصف علم الباري بالضرورة والكسب وليست واجبة له لتفاوت العلم بالنظرية والضرورية بالنسبة إلــى الأشخاص وليست أيضا تابعة للقصد والإرادة. هذا والحاصل أنّ للمعتزلة تقسيمين: الأول الصفة الثبوتية إمّا أن يكون أخصّ صفات النفس وهي الصفة النفسية أو لا، فهي إمّا أن تكون معلّلة بمعنى زائد على الذات فهي المعلّلة والمعنوية أو لا تكون معلّلة كالعلم والقدرة منّا والعالمية والقادرية للواجب تعالى، فعلى هذا يتحقّق الواسطة بين النفسية والمعنوية أو يقال الصفة الثبوتية إمّا لازمة للذات وهي النفسية أو لا وهي المعنوية، وعلى هذا لا واسطة بينهما. والتقسيم الثاني الصفة إمّا أن تكون حاصلة بتأثير الفاعل وهي الحدوث أو تابعة لها من غير تأثير متجدّد فيها، سواء كانت معلّلة بمعنى زائد أو لا والصفات النفسية خارجة عن القسمين. وأيضا الصفات على الإطلاق نفسية كانت أو لا موجودة كانت أو لا عند المعتزلة إمّا عائدة إلــى الجملة أي البنية المركّبة من عدة أمور أو إلــى التفصيل إلــى كلّ واحد من متعدّد بلا اعتبار تركيب بينها، والقسم الأول الحياة وما يتبعها من القدرة والعلم الإرادة والكراهة وغيرها لأن الحياة مشروطة بالبنية المركّبة من جواهر فردة لكونها اعتدال المزاج أو تابعة له والبواقي مشروطة بها، فهذا القسم مختصّ بالجواهر إذ لا يتصور حلول الحياة في الأعراض المركّبة. والقسم الثاني إمّا للجواهر أو للأعراض، فللجواهر أربعة أوصاف: الأول الصفة الحاصلة للجوهر حالتي العدم والوجود وهي الجوهرية التي هي من صفات الأجناس والثاني الصفة الحاصلة من الفاعل وهو الوجود إذ الفاعل لا تأثير له في الذوات لثبوتها أزلا، ولا في كون الجواهر جوهرا لأنّ الماهيات غير مجعولة، بل في جعل الجوهر موجودا أي متصفا بصفة الوجود.
والثالث ما يتبع وجود الجوهر وهو التحيّز المسمّى بالكون فإنّه صفة صادرة عن صفة الجوهرية بشرط الوجود. والرابع المعلّلة بالتحيّز بشرط الوجود وهو الحصول في الحيّز أي اختصاص الجوهر بالجوهر المسمّى بالكائنية المعلّلة بالكون. وللأعراض الأنواع الثلاثة:
الأول أعني الوصف الحاصل حالتي الوجود والعدم وهو العرضية، وما بالفاعل وهو الوجود، والصفة التابعة للوجود وهو الحصول في المحل. وقال بعضهم الذوات في العدم معرّاة عن جميع الصفات ولا يحصل الصفات إلّــا حال الوجود. ومنهم من قال الجوهرية نفس التحيّز، فابن عياش ينفيهما حال العدم وأبو يعقوب الشّحّام يثبتهما فيه مع إثبات الحصول في الحيّز، وأبو عبد الله البصري يثبتهما دون الحصول في الحيّز، والبصري يختصّ من بينهم بإثبات العدم صفة. واتفق من عداه على أنّ المعدوم ليس له بكونه معدوما صفة. ثم جميع القائلين منهم بأنّ المعدومات ثابتة ومتصفة بالصفات اتفقوا على أنّه بعد العلم بأنّ للعالم صانعا قادرا عالما حيّا يحتاج إلــى إثباته بالدليل لجواز اتصاف المعدوم بتلك الصفات عندهم.
وقال الإمام الرازي إنّه جهالة وسفسطة. وأيضا صفة الشيء على ثلاثة أقسام: الأول حقيقية محضة وهي ما تكون متقرّرة في الموصوف غير مقتضية لإضافته إلــى غيره كالسّواد والبياض والشّكل والحسّ للجسم. الثاني حقيقية ذات إضافة وهي ما تكون متقرّرة في الموصوف غير مقتضية لإضافته إلــى غيره، وهذا القسم ينقسم إلــى ما لا يتغيّر بتغيّر المضاف إلــيه مثل القدرة على تحريك جسم ما فإنّها صفة متقرّرة في الموصوف بها يلحقها إضافة إلــى أمر كلّي من تحريك جسم ما لزوما أوّليا ذاتيا، وإلــى الجزئيّات التي تقع تحت ذلك الكلّي كالحجارة والشجرة والفرس لزوما ثانيا غير ذاتي، بل بسبب ذلك الكلّي، والأمر الكلّي الذي يتعلّق به الصفة لا يمكن أن يتغيّر وإن تغيّرت الجزئيات بتغيّر الإضافات الجزئية العرضية المتعلّقة بها.
فلمّا لم يتغيّر ذلك الأمر الكلّي الذي هو متعلّق الصفة أولا لم تتغيّر الصفة. مثلا القادر على تحريك زيد لا يصير غير قادر في ذاته عند انعدام زيد، ولكن تتغيّر الإضافة فإنّه حينئذ ليس قادرا على تحريك زيد وإن كان قادرا في ذاته، وإلــى ما يتغيّر بتغيّر المضاف إلــيه كالعلم فإنّه صفة متقرّرة في العالم مقتضية لإضافته إلــى معلومه المعيّن ويتغيّر بتغيّر المعلوم فإنّ العالم بكون زيد في الدار يتغيّر علمه بخروجه عن الدار وذلك لأنّ العلم يستلزم إضافته إلــى معلومه المعيّن حتى إنّ العلم المضاف إلــى معنى كلّي لم يكف في ذلك بأن يكون علما لجزئي، بل يكون العلم بالنتيجة علما مستأنفا يلزمه إضافة مستأنفة وهيئة للنفس متجدّدة لها إضافة متجدّدة مخصوصة غير العلم بالمقدّمة وغير هيئة تحقّقها، ليس مثل القدرة التي هي هيئة واحدة لها إضافات شيء، مثاله العلم بأنّ الحيوان جسم لا يقتضي العلم بكون الإنسان جسما ما لم يقترن إلــى ذلك علم آخر، وهو العلم بكون الإنسان حيوانا. فإذن العلم بكون الإنسان جسما علم مستأنف له إضافة مستأنفة وهيئة جديدة للنفس لها إضافة جديدة غير العلم بكون الحيوان جسما وغير هيئة تحقّق ذلك العلم، ويلزم من ذلك أن يختلف حال الموصوف بالصفة التي تكون من هذا الصنف باختلاف حال الإضافات المتعلّقة بها لا في الإضافة فقط بل في نفس تلك الصفة. الثالث إضافية محضة مثل كونه يمينا أو شمالا وهي ما لا تكون متقرّرة في الموصوف وتكون مقتضية لإضافته إلــى غيره وفي عدادها الصفات السلبية، فما ليس محلا للتغيّر كالباري تعالى لم يجز أن يعرض تغيّر بحسب القسم الأول، ولا بحسب أحد شقّي القسم الثاني، وهو الذي لا يتغيّر بتغيّر الإضافة. وأمّا بحسب الشقّ الآخر منه وبحسب القسم الثالث فقد يجوز، فالواجب الوجود يجب أن يكون علمه بالجزئيات علما زمانيا فلا يدخل الآن والماضي والمستقبل، هذا عند الحكماء.
وأمّا عند الأشاعرة ففي القسم الثاني لا يجوز التغيّر ويجوز في تعلّقه، فنفس العلم والقدرة والإرادة قديمة غير متغيّرة، وتعلّقاتها حادثة متغيّرة، والكرّامية جوّزوا تغيّر صفاته تعالى مطلقا، هذا كله خلاصة ما في شرح شرح المواقف وشرح الطوالع وشرح الإشارات.
ومنها ما هو مصطلح أهل العربية، والصفة في اصطلاحهم يطلق على معان. الأول النعت وهو تابع يدلّ على معنى في متبوعه مطلقا وقد سبق. الثاني الوصف المشتق ويقابله الاسم، وقد يطلق الصفة المعنوية عليه لكن هذا الإطلاق قليل، هكذا ذكر السّيّد السّند في حاشية المطول وهو ما دلّ على ذات مبهمة باعتبار معنى هو المقصود، والمراد بما اللفظ وبهذا المعنى يستعمله النحاة في باب منع الصرف على ما صرّح به السّيّد الشريف في حاشية المطول في باب القصر تدلّ على تعيين الذات أصلا، فإنّ معنى قائم شيء ما أو ذات ما له القيام، ولذا فسّرت أيضا بما دلّ على ذات مبهمة غاية الإبهام باعتبار معنى هو المقصود، فلا يرد على التعريف اسم الزمان والمكان والآلة فإنّها وإن دلّت على ذات باعتبار معنى هو المقصود لكن الذات المعتبرة فيها لها تعيّن المكانية والزمانية والآلية، فإنّ قولك مقام معناه مكان فيه القيام لا شيء ما أو ذات ما فيه القيام، كذا قالوا. ولا يبعد أن يقال المعنى ما قام بالغير والمتبادر منه أن يقوم بالذات المذكورة فامتازت الصفة بهذا الوجه أيضا من هؤلاء الأسماء وفيه نظر إذ يجوز أن يكون ما وضع له اسم المكان ذات يفعل فيها وكذا اسم الزمان، ويكون ما وضع له اسم الآلة ذات يفعل بها، وكأنّه لهذا صرّحوا بأنّ تعريف الصفة هذا غير صحيح لانتقاضه بهؤلاء الأسماء كذا في الأطول في بحث الاستعارة التبعية.
وقيل المعنى هو المقصود الأصلي في الصفات وفي تلك الأسماء المقصود الأصلي هو الذات فلا نقض في التعريف، وفيه بحث لأنّا لا نسلّم أنّ المقصود الأصلي في الصفات هو المعنى بل الأمر بالعكس إذ نفس المعنى يستفاد من نفس تركيب ض ر ب، فالصوغ إلــى صيغة فاعل مثلا إنّما يكون للدلالة على ذات يقوم ذلك الوصف به، هكذا في بعض حواشي المطول في بحث القصر. وقيل المراد قيام معنى به أو وقوعه عليه فتخرج هؤلاء الأسماء فإنّ المضرب مثلا لا يدلّ على قيام الضرب بالزمان والمكان ولا وقوعه عليهما بل على وقوعه فيهما، وعلى هذا القياس اسم الآلة. وقوله هو المقصود احتراز عن رجل فإنّه يدلّ على الذات باعتبار معنى به هو البلوغ والذكور، ولكن ذلك المعنى ليس مقصودا بالدلالة فإنّ المقصود هو الموصوف بخلاف ضارب مثلا فإنّه يدلّ على ذات باعتبار معنى هو المقصود بالدلالة عليه وهو اتصافه بصفة الضرب، فالمقصود بالدلالة في نحو رجل هو الموصوف لا الاتصاف، وفي الضارب هو الاتصاف دون الموصوف، هكذا في بعض حواشي الإرشاد في بحث غير المنصرف. وقال مولانا عصام الدين في حاشية الفوائد الضيائية في بحث اسم التفضيل: أسماء الزمان والمكان والآلة لم توضع لزمان أو مكان أو آلة موصوفا بل لزمان أو مكان أو آلة مضافا انتهى. فمعنى المقتل مكان القتل أو زمانه لا مكان أو زمان يقتل فيه، وإلّــا لزم أن يكون فيه ضمير راجع إلــى المكان أو الزمان، وكذا الحال في الآلة فإنّ معنى المقتل آلة القتل لا آلة يقتل بها وهذا الفرق أظهر، فإنّ أهل اللغة إنّما يفسّرون معانيها بالإضافة غالبا لا بالتوصيف. ولا شكّ أنّ اسم الفاعل ونحوه لا يمكن تفسيره إلّــا بالتوصيف، فعلم من هذا أنّها ليست موضوعة لزمان أو مكان أو آلة موصوفا بل مضافا، فلهذا لم يحكم بكونها أوصافا، والنسبة بين المعنيين العموم من وجه لتصادقهما في نحو جاءني رجل عالم وصدق النعت بدون الوصف المشتق في نحو جاءني هذا الرجل والعكس في نحو زيد عالم.
وفي غاية التحقيق الوصف في الاصطلاح يطلق على معنيين: أحدهما كونه تابعا يدلّ على معنى في متبوعه، وثانيهما كونه دالّا على ذات باعتبار معنى هو المقصود انتهى. ولا شكّ أنّ الوصف بكلا المعنيين ليس إلّــا اللفظ الدالّ لا كونه دالّا، ففي العبارة مسامحة إشارة إلــى أنّ المعتبر في التسمية بالوصف ليس محض اللفظ بل اللفظ بوصف كونه دالّا. وفي الفوائد الضيائية الوصف المعتبر في باب منع الصرف هو بمعنى كون الاسم دالّا على ذات مبهمة مأخوذة مع بعض صفاتها والدلالة أعمّ سواء كانت بحسب أصل الوضع أو بحسب الاستعمال كما في أربع في مررت بنسوة أربع انتهى. وهذا المعنى شامل للنعت والوصف المشتق لكنه يخرج عنه أيضا أسماء الزمان والمكان والآلة، فإنّ هذه الأمور وإن دلّت على الذات لكن لم تدلّ على بعض صفة تلك الذات على ما ذكره المولوي عصام الدين. الثالث الصفة المعنوية وهي تطلق على معنى قائم بالغير والمراد بالمعنى مقابل اللفظ كما هو الظاهر، فبينها وبين النعت تباين، وكذا بينها وبين الوصف المشتقّ. وقد يراد بالمعنى نفس اللفظ تسامحا تسمية للدّال باسم المدلول أو على حذف المضاف أي دالّ معنى، فعلى هذا بينهما عموم من وجه لتصادقهما في أعجبني هذا العلم وصدق المعنوية بدون النعت في نحو العلم حسن، والعكس في نحو مررت بهذا الرجل وبينها وبين الوصف المشتق التباين، وهذا هو المراد بالصفة في قولهم: القصر نوعان قصر الصفة على الموصوف وقصر الموصوف على الصفة. وقد تطلق على معنى أخصّ من هذا كما عرفت في تقسيم الصفة. وقد تطلق على ما تجريه على الغير وتجعل الغير فردا له وذلك بجعله حالا أو خبرا أو نعتا. وأمّا ما قال المحقّق التفتازاني من أنّ المراد بها في القول المذكور الوصف المشتق فبعيد إذ لم يشتهر وصفها بالمعنوية ولا يصحّ في كثير من موارد القصر إلّــا بتكلّف أو تعسّف، هكذا يستفاد من الأطول وحواشي المطول. قال في الإنسان الكامل: الصفة عند علماء العربية على نوعين صفة فضائلية وهي التي تتعلّق بذات الإنسان كالحياة وفاضلية وهي التي تتعلّق به وبخارج عنه كالكرم وأمثال ذلك انتهى. والصفة في هذا التقسيم بمعنى ما يقوم بالغير. اعلم أنّ الوصف والصفة في هذه المعاني الثلاثة مترادفان، قال مولانا عبد الحكيم في حاشية الفوائد الضيائية في بحث غير المنصرف: الوصف يقال بمعنى النعت وبمعنى الأمر القائم بالغير وبمعنى ما يقابل الاسم انتهى. وفي المطول والأطول صرّح بأنّ الصفة تطلق على هذه المعاني الثلاثة فعلم أنّ بينهما ترادفا.

علم الميزان

علم الميزان
ويسمى علم المنطق تقدم وإنما سمي بالميزان إذ به توزن الحجج والبراهين.
وكان أبو علي يسميه: خادم العلوم إذ ليس مقصودا بنفسه بل هو وسيلة إلــى العلوم فهو كخادم لها.
وأبو نصر يسميه: رئيس العلوم لنفاذ حكمه فيها فيكون رئيسا حاكما عليها وإنما سمي بالمنطق لأن النطق يطلق على اللفظ وعلى إدراك الكليات وعلى النفس الناطقة.
ولما كان هذا الفن يقوي الأول ويسلك بالثاني مسلك السداد ويحصل بسببه كمالات الثالث اشتق له اسم منه وهو المنطق.
وهو: علم بقوانين تفيد معرفة طرق الانتقال من المعلومات إلــى المجهولات وشرائطها بحيث لا يعرض الغلط في الفكر.
والمعلومات: تتناول الضرورية والنظرية.
والمجهولات: تتناول التصورية والتصديقية وهذا أولى مما ذكره صاحب الكشف تفيد معرفة طرق الانتقال من الضروريات إلــى النظريات لأنه يوهم بالانتقال الذاتي علم ما يتبادر من العبارة والمراد الأعم من أن يكون بالذات أو بالواسطة.
وأما احترازاته: فقد ذكرها صاحب كشاف اصطلاحات الفنون وليس إيرادها ههنا من غرضنا في هذا الكتاب.
والمنطق من العلوم الآلية لأن المقصود منه تحصيل المجهول من المعلوم ولذا قيل: الغرض من تدوينه العلوم الحكمية فهو في نفسه غير مقصود ولذا قيل المنطق آلة قانونية تعصم مراعاتها الذهن عن الخطأ في الفكر.
وموضوعه: التصورات والتصديقات أي: المعلومات التصورية والتصديقية لأن بحث المنطقي عن أعراضها الذاتية فإنه يبحث عن التصورات من حيث إنها توصل إلــى تصور مجهول إيصالا قريبا أي بلا واسطة كالحد والرسم أو إيصالا بعيدا ككونها كلية وجزئية وذاتية وعرضية ونحوها فإن مجرد أمر من هذه الأمور لا يوصل إلــى التصور ما لم ينضم إلــيه آخر يحصل منها حد أو رسم.
ويبحث عن التصديقات من حيث أنها توصل إلــى تصديق مجهول إيصالا قريبا كالقياس والاستقراء والتمثيل أو بعيد ككونها قضية وعكس قضية ونقيضها فإنها ما لم تنضم إلــيه ضميمة لا توصل إلــى التصديق.
ويبحث عن التصورات من حيث أنها توصل إلــى التصديق إيصالا أبعد ككونها موضوعات ومحمولات ولا خفاء في أن إيصال التصورات والتصديقات إلــى المطالب قريبا أو بعيدا من العوارض الذاتية لها فتكون هي موضوع المنطق.
وذهب أهل التحقيق إلــى أن موضوعه المعقولات الثانية لا من حيث إنها ما هي في أنفسها ولا من حيث أنها موجودة في الذهن فإن ذلك وظيفة فلسفية بل من حيث أنها توصل إلــى المجهول أو يكون لها نفع في الإيصال.
فإن المفهوم الكلي إذا وجد في الذهن وقيس إلــى ما تحته من الجزئيات فباعتبار دخوله في ماهياتها يعرض له الذاتية وباعتبار خروجه عنها العرضية وباعتبار كونه نفس ماهياتها النوعية وما عرض له الذاتية جنس باعتبار اختلاف أفراده وفصل باعتبار آخر وكذلك ما عرض له العرضية إما خاصة أو عرض عام باعتبارين مختلفين.
وإذا ركبت الذاتيات والعرضيات إما منفردة أو مختلطة على وجوه مختلفة عرض لذلك المركب الحدية والرسمية ولا شك أن هذه المعاني أعني كون المفهوم الكلي ذاتيا أو عرضيا أو نوعا ونحو ذلك ليست من الموجودات الخارجية بل هي مما يعرض للطبائع الكلية إذا وجدت في الأذهان وكذا الحال في كون القضية حملية أو شرطية وكون الحجة قياسا أو استقراء أو تمثيلا فإنها بأسرها عوارض تعرض لطبائع النسب الجزئية في الأذهان إما وحدها أو مأخوذة مع غيرها فهي أي المعقولات الثانية موضوع المنطق.
ويبحث المنطقي عن المعقولات الثالثة وما بعدها من المراتب فإنها عوارض ذاتية للمعقولات الثانية فقط.
فالقضية مثلا معقول ثان يبحث عن انقسامها وتناقضها وانعكاسها وإنتاجها إذا ركبت بعضها مع بعض فالانعكاس والإنتاج والانقسام والتناقض معقولات واقعة في الدرجة الثالثة من التعقل وإذا حكم على أحد الأقسام أو أحد المتناقضين مثلا في المباحث المنطقية بشيء كان ذلك الشيء في الدرجة الرابعة من التعقل وعلى هذا القياس.
وقيل: موضوعه الألفاظ من حيث أنها تدل على المعاني وهو ليس بصحيح لأن نظر المنطقي ليس إلــا في المعاني ورعاية جانب اللفظ إنما هي بالعرض.
والغرض من المنطق: التمييز بين الصدق والكذب في الأقوال والخير والشر في الأفعال والحق والباطل في الاعتقادات.
ومنفعته: القدرة على تحصيل العلوم النظرية والعملية.
وأما شرفه: فهو أن بعضه فرض وهو البرهان لأنه لتكميل الذات وبعضه نقل وهو ماسوى البرهان من أقسام القياس، لأنه للخطاب مع الغير ومن أتقن المنطق فهو على درجة من سائر العلوم، ومن طلب العلوم الغير المتسقة وهي ما لا يؤمن فيها من الغلط ولا يعلم المنطق، فهو كحاطب ليل وكرامد العين لا يقدر على النظر إلــى الضوء لا البخل من الموجد بل لنقصان في الأستعداد والصواب الذي يصدر من غير المنطقي كرمي من غير رام، وقد يندر للمنطقي خطأ في النوافل دون المهمات لكنه يمكنه استدراكه بعرضه على القوانين المنطقية. ومرتبته في القراءة أن يقرأ بعد تهذيب الأخلاق وتقويم الفكر ببعض العلوم الرياضية مع الهندسة والحساب.
وأما الأول: فلما قال أبقراط: البدن ليس بنقي كلما غذوته إنما يزيد شرا ووبالا ألا ترى أن الذين لم يهذبوا أخلاقهم إذا شرعوا في المنطق سلكوا منهج الضلال وانخرطوا في سلك الجهال وأنفوا أن يكونوا مع الجماعة ويتقلدوا ذل الطاعة فجعلوا الأعمال الطاهرة والأقوال الظاهرة من البدائع التي وردت بها الشرائع وقر آذانهم والحق تحت أقدامهم وأما الثاني: فلتستأنس طبائعهم إلــى البرهان كذا في شرح إشراق الحكمة ومؤلف المنطق ومدونه أرسطو انتهى. ما في كشاف اصطلاحات الفنون.
ولشيخنا الإمام العلامة قاضي القضاة محمد بن علي الشوكاني رسالة في هذا الباب سماه أمنية المتشوق في حكم المنطق قال فيها:
الخلاصة في ذلك أنه ذهب إلــى لزوم تعلم المنطق الغزالي وجماعة.
وذهب إلــى تكريهه قوم.
وقال بإباحته جمع جم وصرح بتحريمه جماعة.
قال السيوطي في الحاوي: المنطق هو: فن خبيث مذموم يحرم الاشتغال به مبني بعض ما فيه على القول بالهيولي الذي هو كفر يجر إلــى الفلسفة والزندقة. وليس له ثمرة دينية أصلا بل ولا دنيوية نص على جميع ما ذكرته أئمة الدين وعلماء الشريعة.
فأول من نص على ذلك الإمام الشافعي ونص عليه من أصحابه إمام المحرمين والغزالي في آخر أمره وابن الصباغ صاحب الشامل وابن القشيري ونصر المقدسي والعماد بن يونس وحفيده والسلفي وابن بندار وابن عساكر وابن الأثير وابن الصلاح وابن دقيق العيد والبرهان الجعبري وأبو حيان والشرف الدمياطي والذهبي والطيبي والملوي والأسنوي والأذرعي والولي العراقي والشرف المقري قال: وأفتى به شيخنا قاضي القضاة شرف الدين المناوي.
ونص عليه من أئمة المالكية ابن أبي زيد صاحب الرسالة والقاضي أبو بكر بن العربي وأبو بكر الطرطوسي وأبو الوليد الباجي وأبو طالب المكي صاحب قوت القلوب وأبو الحسن بن الحصار وأبو عامر بن الربيع وأبو الحسن بن حبيب وأبو حبيب المالقي وابن المنير وابن رشد وابن أبي حمزة وعامة أهل المغرب.
ونص عليه من الأئمة الحنفية: أبو سعيد السيرافي والسراج القزويني وألف في ذمه كتابا سماه نصيحة المسلم المشفق لمن ابتلى بعلم المنطق.
ونصل عليه من أئمة الحنابلة: ابن الجوزي وسعد الدين الحارثي والتقي ابن تيمية وألف في ذمه ونقض قواعده مجلدا كبيرا اسمه نصيحة ذوي الإيمان في الرد على منطق اليونان انتهى كلامه.
ومن عرف معنى الهيولي الذي جعله سببا لتحريم هذا الفن لابتناء بعضه عليه. علم أن السيوطي رحمه الله تعالى في هذا الفن ناقة ولا جمل ورجل ولا حمل فهو معذور. وقد قال بقول هؤلاء جماعة من أهل البيت وابن حزم الظاهري قال في الجوهرة: وقد فرط الغزالي وأفرط. وأما تفريطه: فكونه زعم أنه لا حاجة إلــى علم الكلام.
وأما إفراطه: فلأنه شرط للمجتهد ما لم يشترط أحد من علماء الإسلام معرفة صناعة المنطق ولهذا قال المهدي في أوائل البحر: وأما المنطق فالمحققون لا يعدونه لإمكان البرهان دونه يعني لا يعدونه من علوم الاجتهاد.
وفي منهاج القرشي: أن الفلاسفة وضعوا علم المنطق خديعة وتوصلا إلــى إبطال مسائل التوحيد لأنهم جعلوا قياس الغائب على الشاهد ظنيا وجميع مسائل التوحيد مبنية عليه فتوصلوا بهذا إلــى أن الكلام في إثبات الصانع وصفاته ظني لا يمكن العلم به وتوصلا إلــى إبطال مسائل العدل لأنهم جعلوا الحكم بقبح المظلم والكذب ونحو ذلك والحكم بحسن العدل ووجوب رد الوديعة وشكر المنعم ونحو ذلك أمورا مشهورات مسلمات ليس فيها إلــا ظن ضعيف فلا يحكم الإنسان بقبح الظلم إلــا لرقة قلبه أو الحمية أو لمحبة التعاون على المعاش ونحو ذلك
فتوصلوا بذلك إلــى إبطال العدل والوعيد والشرائع وتكلفوا للتوصل إلــى هذه الخديعة فنا من أدق الفنون والبراهين الحاصلة عن أشكالهم نوع واحد من أنواع العلوم وهو إلــحاق التفصيل بالجملة وهو أقل العلوم كلفة وإن لم يكن ضروريا كمن يعلم أن كل ظلم قبيح ثم يعلم في وقت معين أنه ظلم فإنه يعلم أن هذا المعين قبيح إلــحاقا للتفصيل بالجملة ولا يحتاج إلــى إيراد مقدمتين في شكل مخصوص انتهى.
قال القاضي علي بن عبد الله بن رادع: ولقد عرفت صحة ما ذكره في المنهاج بسماعي لمعظم كتب المنطق كالرسالة الشمسية وشرحها وغيرهما ووجدت ما يذكرونه في أشكالهم لا فائدة فيه إلــى آخر ما قال في شرحه للأثمار ولقد عجبت من قول هذا القاضي حيث قال: بسماعي لمعظم كتب المنطق ثم تكلم بعد ذلك بكلام يشعر بعدم معرفته لأول بحث من مباحث الرسالة الشمسية وكثيرا من يظن أنه قد عرف علم المنطق وهو لا يعرفه لأنه علم دقيق لا يفتح هذه الإشكالات الباردة.
قال ابن رادع في شرح الأثمار: روي عن المؤلف أيده الله أنه قال: إن العلماء المتقدمين كانوا إذا اطلعوا على شيء من ألفاظ الفلاسفة في أي كلام يرد عليهم اكتفوا في رده وإبطاله بكون فيه شيء من عبارة الفلاسفة ولم يتشاغلوا ببيان بطلانه وإن كثيرا من العلماء المتقدمين وكثيرا من المتأخرين نهوا عن الخوض فيه أشد النهي.
وصنف الشيخ جلال الدين السيوطي كتابا سماه القول المشرق في تحريم الاشتغال بالمنطق ولم يشتغل من اشتغل من المتأخرين إلــا لما كثر التعبير بقواعده من المخالفين واستعانوا بالخوض فيه على تيسير الرد عليهم بالطريق التي سلكوها وكان الأولى السلوك في طريقة المتقدمين لأن قواعد التعبير بعبارة المنطق كثيرة الغلط وخارجة عن عبارة الكتاب والسنة واللسان العربي مع أنه مفسدة في كل من الأديان وقد روي أن بعض الخلفاء العباسيين لما طلب الفلاسفة ترجم علم المنطق باللغة العربية شاور كبيرا لهم فقال: ترجموه لهم فإن علمنا هذا لا يدخل في دين إلــا أفسده.
قال المؤلف رحمه الله: وقد وجد ذلك الكلام صحيحا فإن كثيراً من المتعمقين في علم المنطق من المسلمين قد مال في كثير من الأصول إلــى ما يفكر به قطعاً.
وأما غير المسلمين من أهل الكتاب فقد تفلسف أكثرهم ولهذا إن كل من خرج عن الأصول الشرعية والعقلية لا يعتمد غيره مثل الباطنية والصوفية وغيرهم انتهى.
وقال جماعة من العلماء: القول الفصل فيه أنه كالسيف يجاهد به شخص في سبيل الله ويقطع به آخر الطريق.
قال الإمام يحيى بن حمزة: إن كان الإطلاع عليه لقصد حل شبهة ونقضها جاز ذلك بل هو الواجب على علماء الإسلام.
وإن كان لغرض غير ذلك كالاقتفاء لآثارهم والتدين بدينهم فهو الكفر والفرية التي لا شبهة فيها ولا مرية وفي هذا القدر من أقوال العلماء كفاية وإن كان المجال يتسع لأضعاف أضعاف ذلك وليس مرادنا إلــا الإشارة إلــى الاختلاف في هذا العلم.
وأما ما هو الحق من هذه الأقوال فاعلم أنه لا يشك من له مسكة في صحة أطراف ثلاثة نذكرها هاهنا نجعلها كالمقدمة لما نرجحه.
الطرف الأول: إن علم المنطق علم كفري واضعه الحكيم أرسطاطاليس اليوناني وليس من العلوم الإسلامية بإجماع المسلمين والمنكر لهذا منكر للضرورة وليس للمشتهرين بمعرفته المكبين على تحقيق مطالبه من المسلمين كالفارابي وابن سينا ومن نحا نحوهم إلــا التفهم لدقائقه والتعريف بحقائقه ولهذا قال الفارابي وهو أعلم المسلمين بهذا الفن لما قال له قائل: أيما أعلم أنت أم أرسطاطايس؟ فقال: لو أدركته لكنت من أكبر تلامذته.
الطرف الثاني: إن المتأخرين من علماء الإسلام ولا سيما أئمة الأصول والبيان والنحو والكلام والجدل من أهل البيت وغيرهم قد استكثروا من استعمال القواعد المنطقية في مؤلفاتهم في هذه الفنون وغيرها وبالغ المحقق ابن الإمام الحسين بن القاسم في شرح غاية السول فقال:
وهاهنا أبحاث يحتاج إلــيها.
أما الأول: فلان هذا العلم لما كان علما بكيفية الاستنباط وطريقة الاستدلال عن دلائل وكان المنطق علما بكيفية مطلق الاستدلال والاستنباط شارك المنطق وشابهه من هذه الجهة حتى كأنه جزئي من جزئيات المنطق وفرع من فروعه ولا ريب في أن إتقان الأصل وتدبره أدخل لإتقان الفرع والتبصر فيه انتهى بلفظه.
فانظر كيف جعل علم الأصول جزئيا من جزئيات المنطق وجعله فرعاً والمنطق أصلاً.
وعلى الجملة فاستعمال المتأخرين لفن المنطق في كتبهم معلوم لكل باحث ومن أنكر هذا بحث أي كتاب شاء من الكتب المتداولة بين الطلبة التي هي مدارس أهل العصر في هذه العلوم فإنه يجد معرفة ذلك متعسرة إن لم تكن متعذرة بدون علم المنطق خصوصا علم الأصول. فإنها قد جرت عادة مؤلفيه باستفتاح كتبهم بهذا العلم كابن الحاجب في مختصر المنتهى وشرحه وابن الإمام في غاية السول وشرحها وغيرهما دع عنك المطولات والمتوسطات هذه المختصرات التي هي مدرس المبتدئ في زماننا كالمعيار للإمام المهدي وشروحه والكافل لابن بهران وشروحه قد اشتمل كل واحد منها على مباحث من هذا العلم لا يعرفها إلــا أربابه ومن ادعى معرفتها بدون هذا العلم فهو يعرف كذب نفسه.
الطرف الثالث: إن كتب المنطق التي يدرسها طلبة العلوم في زماننا كرسالة إيساغوجي للأبهري وشروحها التهذيب للسعد وشروحه والرسالة الشمسية وشروحها وما يشابه هذه الكتب قد هذبها أئمة الإسلام تهذيبا صفت به عن كدورات أقوال المتقدمين فلا ترى فيها إلــا مباحث نفيسة ولطائف شريفة تستعين بها على دقائق العلوم وتحل بها إيجازات المائلين إلــى تدقيق العبارات فإن حرمت نفسك معرفتها فلاحظ لك بين أرباب التحقيق ولا صحة لنظرك بين أهل التدقيق فاصطبر على ما تسمعه من وصفك بالبلة والبلادة وقلة الفطنة وقصور الباع.
فإن قلت: السلف أعظم قدوة وفي التشبه بهم فضيلة قلت: لا أشك في قولك ولكنه قد حال بينك وبينهم مئات من السنين وكيف لك بواحدة من أهل القرن الأول والثاني أو الثالث تأخذ عنه المعارف الصافية عن كدر المنطق هيهات هيهات حال بينك وبينهم عصور ودهور فليس في زمانك رجل يسبح في لجج مقدمات علم الكتاب والسنة إلــا وعلم المنطق من أول محفوظاته ولا كتاب من على علماء الإسلام فنون هذه المقدمات إلــا وقد اشتمل على أبحاث منه فأنت بخير النظرين:
أما الجهل بالعلوم التي لا سبيل إلــى معرفة الكتاب والسنة إلــا بها.
أو الدخول فيما دخل فيه أبناء عصرك والكون في أعدادهم ولا أقول لك: لا سبيل لك إلــى كتب المتقدمين التي لم تشب بهذا لعلم بل ربما وجده منها ما يكفيك عن كتب المتأخرين ولكنك لا تجد أحدا من أبناء عصرك تأخذها عنه بسنده المتصل بطريق السماع كما تجد كتب المتأخرين كذلك ولا أقول لك أيضا: إن علم الكتاب والسنة متوقف لذاته على معرفة علم المنطق فإن دين الله أيسر من أن يستعان على معرفته بعلم كفري ولكن معرفة علم الأصول والبيان والنحو والكلام على التمام والكمال متوقفة على معرفته في عصرنا لما أخبرناك به ومعرفة كتاب الله وسنة نبيه متوقفة على معرفتها على نزاع والمتوقف على المتوقف متوقف.
وسبب التوقف بهذه الواسطة محبة المتأخرين للتدقيق والإغراب في العبارات واستعمال قواعد المناطقة واصطلاحاتهم وليتهم لم يفعلوه فإنه قد تسبب عن ذلك بعد الوصول إلــى المطلوب على طالبه وطول المسافة وكثرة المشقة حتى إن طالب الكتاب والسنة بما لا يبلغ حد الكفاءة لقراءتهما إلــا بعد تفويت أعوام عديدة ومعاناة معارف شديد فيذهب في تحصيل الآلات معظم مدة الرغبة واشتغال القريحة وجودة الذكاء فيقطعه ذلك عن الوصول إلــى المطلوب وقد يصل إلــيهما بذهن كليل وفهم عليل فيأخذ منه بأنزر نصيب وأحقر حظ وهذا هو السبب الأعظم في إهمال علمي الكتاب والسنة في المتأخرين لأنهم قد أذهبوا رواء الطلب وبهاء الرغبة في غيرهما ولو أنفقوا فيهما بعض ما أنفقوا في آلاتهما لوجدت فيهم الحفاظ المهرة والأئمة الكملة1 والله المستعان. وحاصل البحث: أنه لم يأت من قال بتحريم علم المنطق بحجة مرضية إلــا قوله أنه علم كفري ونحن نسلم ذلك ولكنا نقول: قد صار في هذه الأعصار بذلك السبب من أهم آلات العلوم حلال أو حرام بل يتوقف كثير من المعارف عليه فاشتغل به اشتغالك بفن من فنون الآلات ولا تعبأ بتشغيبات المتقدمين وبتشنيعات المقصرين وعليك بمختصرات الفن كالتهذيب والشمسية واحذر من مطولاته المستخرجة على قواعد اليونان كشفاء ابن سينا وما يشابهه من كتبه وكتاب الشفاء والإشارات وما يليهما من المطولات والمتوسطات التي خلط فيها أهلها المنطق بالحكمة اليونانية والفلسفة الكفرية يضل أكثر المشتغلين بها ويبعدهم عن الصراط السوي والهدي النبوي الذي أمرنا باتباعه بنصوص الكتاب والسنة والله تعالى أعلم بالصواب.

ردد

(ردد) - قَولُه تَبارَك وتَعالَى: {وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا} .
: أي نَرجِع للكُفْر. يقال ذلك لكل من جاء لِينْفُذَ فسُدَّ سَبِيلُه، ويقال: لكُلِّ مَنْ لم يَظْفَر بِمَا يُرِيد أيضا، ويقال: رَدَدْتُه على عَقِبِه،
: أي خَيَّبْته، والارْتِداد عن الشَّىءِ: الرُّجوع عنه، ومنه رِدَّة الكُفْر.
- في حَدِيث القِيامَة: "يقال: إنَّهم لم يَزالُوا مُرتَدِّين على أَعقابِهم"
: أي مُتَخلِّفين عن بَعضِ الواجبات، ولم يُرِد رِدَّة الكُفْر، ولهذا قَيَّده بأَعقابِهِم، لأنه لم يرتَدَّ أَحدٌ من الصَّحابَة، وإنّما ارتَدَّ قَومٌ من جُفاةِ الأعراب.
- قوله: "لا تَردُّوا السَّائِلَ ولو بظِلفْ" . وفي رِوَايَة: "رُدُّوا السَّائِلَ ولو بِظِلْف" .
ومعناها: شَىْءٌ واحِد وليس يُضَادّ أَحدُهما الآخر: أي لا تَردُّوهم بلا شَىْء واصرِفوهم ولو بِظِلْفٍ.
- في حديث الزُّبَيْر، رَضِى الله عنه: "أنَّه وَقَف دَاراً على المَرْدُودَة من بَناتِه" .
قال الأَصَمَعىُّ: هي المُطَلَّقة، فأما التي مات زَوجُها فيقال لها: فَاقِد، ويَشْهد لِقَوْلِ الأصمَعِىّ حَدِيثُه حين ذَكَر الصَّدقَة فقال: "ابْنَتُك مردُودَةٌ إلــيك لَيس لها كاسِبٌ غَيرك"، ولأنَّ التي مات زَوجُها ربما أَصابَها من المِيراثِ ما تَحصُل منه مسكَناً وغير ذلك.
فأما المُطَلَّقة فإذا سَرَّحَها زَوجُها فلا مَسْكَنَ لها في الغَالِب، لأَنَّ الِإنسانَ في العادة إذا جَهَّزَ بِنتاً أَعطىَ غَيرَها من الأولاد بقدر ما جَهَّزَها به، فإذا رَجَعَت كان قد أَحرزَ إخوَتُها أَنْصِبَاءهم فلا يَكُون لها شَىْء.
وفي حَدِيث عُمَر بن عبد العزيز: "لا رِدِّيدَى في الصَّدَقَة"
: أي لا ثِنْىَ فيها، ونَحْوُهُ في المَصَادر: قِتِّيتَى ونِمِّيمَى. وفي حديث أبى إدريس الخَوْلانى قال لمعاوِيةَ: "إن كان دَاوَى مرضاها، وردَّ أُولَاها على أُخْراها".
: أي إذا تقدَّمتِ أَوائِلُها، وتباعَدَت عن الأَواخِر لم يَدَعْها تَتَفَرَّق، ولكن يَحْبِس المُتَقدَّمةَ حتى تَصِل إلــيها المُتَأخِّرةُ.
(ردد) : الرَّاذَّةُ: خَشَبَةٌ تَعَرَّضُ بين النَّبْعَيْن مُقَدَّمَ العَجَلة.
(ر د د) : (رَدَّ) عَلَيْهِ الشَّيْءَ رَدًّا وَمَرَدًّا وَرَدَّ الْبَابَ أَصْفَقَهُ وَأَطْبَقَهُ وَبَابٌ مَرْدُودٌ مُطْبَقٌ غَيْرُ مَفْتُوحٍ وَسَيَجِيءُ فِي (غ ل) وَالرِّدِّيدِيّ أَبْلَغُ مِنْ الرَّدِّ وَدِرْهَمٌ رَدٌّ زَيْفٌ غَيْرُ رَائِجٍ (وَمِنْهُ) «مَنْ أَدْخَلَ فِي دِينِنَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ» أَيْ مَرْدُودٌ وَيُرَدُّ عَلَيْهِمْ فِي (كف) .
ر د د : رَدَدْتُ الشَّيْءَ رَدَّا مَنَعْتُهُ فَهُوَ مَرْدُودٌ وَقَدْ يُوصَفُ بِالْمَصْدَرِ فَيُقَالُ فَهُوَ رَدٌّ وَرَدَدْتُ عَلَيْهِ قَوْلَهُ وَرَدَدْتُ إلَــيْهِ جَوَابَهُ أَيْ رَجَعْتُ وَأَرْسَلْتُ وَمِنْهُ رَدَدْتُ عَلَيْهِ الْوَدِيعَةَ وَرَدَدْتُهُ إلَــى مَنْزِلِهِ فَارْتَدَّ إلَــيْهِ وَتَرَدَّدْتُ إلَــى فُلَانٍ رَجَعْتُ إلَــيْهِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى وَتَرَادَّ الْقَوْمُ الْبَيْعَ رَدُّوهُ وَقَوْلُ الْغَزَالِيِّ إلَّــا أَنْ يَجْتَمِعَ مُتَرَادَّانِ مَأْخُوذٌ مِنْ هَذَا كَأَنَّ الْمَاءَ يَرُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا إذَا كَانَ رَاكِدًا وَارْتَدَّ الشَّخْصُ رَدَّ نَفْسَهُ إلَــى الْكُفْرِ وَالِاسْمُ الرِّدَّةُ. 
ر د د: (رَدَّهُ) عَنْ وَجْهِهِ يَرُدُّهُ (رَدًّا) وَ (رِدَّةً) بِالْكَسْرِ وَ (مَرْدُودًا) وَ (مَرَدًّا) صَرَفَهُ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى. {فَلَا مَرَدَّ لَهُ} [الرعد: 11] . وَ (رَدَّ) عَلَيْهِ الشَّيْءَ إِذَا لَمْ يَقْبَلْهُ وَكَذَا إِذَا خَطَّأَهُ. وَ (رَدَّهُ) إِلَــى مَنْزِلِهِ وَ (رَدَّ) إِلَــيْهِ جَوَابًا رَجَعَ. وَشَيْءٌ (رَدٌّ) أَيْ رَدِيءٌ وَ (رَدَّدَهُ تَرْدِيدًا) وَ (تَرْدَادًا) بِفَتْحِ التَّاءِ (فَتَرَدَّدَ) . وَ (الِارْتِدَادُ) الرُّجُوعُ وَمِنْهُ (الْمُرْتَدُّ) وَ (الرِّدَّةُ) بِالْكَسْرِ اسْمٌ مِنْهُ أَيِ الِارْتِدَادُ. وَ (اسْتَرَدَّهُ) الشَّيْءَ سَأَلَهُ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَيْهِ. وَ (الرِّدِّيدَى) مَقْصُورٌ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَالدَّالِ وَتَشْدِيدِهَا الرَّدُّ وَفِي الْحَدِيثِ: «لَا رِدِّيدَى فِي الصَّدَقَةِ» وَ (رَادَّهُ) الشَّيْءَ أَيْ رَدَّهُ عَلَيْهِ، وَهُمَا يَتَرَادَّانِ الْبَيْعَ مِنَ الرَّدِّ وَالْفَسْخِ. وَهَذَا الْأَمْرُ (أَرَدُّ) عَلَيْهِ أَيْ أَنْفَعُ. وَهَذَا أَمْرٌ لَا (رَادَّةَ) لَهُ أَيْ لَا فَائِدَةَ لَهُ وَلَا رُجُوعَ. 

ردد


رَدَّ(n. ac. رَدّ
رِدَّة
مَرْدَد
مَرْدُوْد )
a. [acc. & 'An], Made to go or come back, sent or turned back from;
kept off from.
b. [acc. & Ila], Brought, sent back, returned to; converted to;
returned ( an answer ) to, replied to.
c. [acc. & 'Ala], Refused, denied.
d. Refuted.
e. ['Ala], Profited, benefited, advantaged.
f. Rendered, made to become.

رَدَّدَa. Repulsed, repelled, drove away, cast off;
rejected.
b. Repeated, went over again; reverted to.
c. Made to go to & fro; confused, perplexed.

رَاْدَدَa. Returned, restored, gave back to.
b. Opposed, resisted, withstood.

تَرَدَّدَa. Was repulsed, repelled, sent back.
b. [Ila], Returned, repaired to again & again;
frequented, haunted.
c. [Fī], Turned over, revolved in ( his mind );
hesitated.
تَرَاْدَدَa. Turned back, returned, retired.
b. Refuted; rebutted.
c. Repudiated.

إِرْتَدَدَ
a. [Ila], Returned to; was brought back to; was restored to;
was converted to.
b. ['An], Turned back, went away from; apostatized from.
c. ['Ala], Retraced ( his steps ).
إِسْتَرْدَدَa. Demanded back, reclaimed; called upon to
restore.
b. Took back; recalled; revoked.

رَدّ
(pl.
رُدُوْد)
a. Obstacle, hindrance; impediment.
b. Refusal; repulse.
c. Reply; refutation.
d. Return, restitution; restoration.
e. Return, profit.
f. Bad, worthless; rejected; disallowed.

رَدَّةa. Defect, deformity.

رِدَّةa. Return.
b. Repetition; refrain, burden ( of a song );
echo.
c. Apostasy.

رُدُدa. Abjects; wretches.

مَرْدَدَةa. see 21t
رَاْدِدَةa. Profit, utility, advantage, benefit.

رَدَاْد
رِدَاْدa. Repulsion; aversion.

رَدَّاْدَةa. Wailing-woman.

رَاْدُوْدَةa. Latch, catch ( of a door ).
N. P.
رَدڤدَa. Closed, shut.
b. Returned; rejected.

N. Ac.
تَرَدَّدَa. Hesitation, vacillation.

N. P.
إِرْتَدَدَa. Convert; pervert, apostate, renegade.
ردد وَقَالَ أَبُو عبيد: فِي حَدِيث النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَنه قَالَ لسراقة ابْن جُعشم: أَلا أدُلّك على أفضل الصَّدَقَة ابْنَتك مَرْدُودَة عَلَيْك لَيْسَ لَهَا كاسب غَيْرك. قَالَ الْأَصْمَعِي: الْمَرْدُودَة الْمُطلقَة قَالَ أَبُو عبيد: وَإِمَّا هَذَا كِنَايَة عَن الطَّلَاق وَكَذَلِكَ حَدِيث الزبير رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: إِن الزبير جعل دوره صَدَقَة قَالَ: وللمردودة من بَنَاته أَن تسكن غير مضرَّة وَلَا مُضَر بهَا فَإِن استغنت بِزَوْج فَلَا شَيْء لَهَا. وَأما الْمَرْأَة الرَّاجِع فَإِنَّهَا الَّتِي مَاتَ عَنْهَا زَوجهَا فَرَجَعت إِلَــى أَهلهَا وَفِي حَدِيث الزبير من الْفِقْه أَن الرجل يَجْعَل الدَّار وَالْأَرْض وَقفا على قوم وَيشْتَرط أَن يزِيد فيهم من شَاءَ وَينْقص مِنْهُم من شَاءَ فَيجوز لَهُ ذَلِك وَإِنَّمَا جَازَ هَذَا فِي الْوَقْف خَاصَّة دون الصَّدَقَة الْمَاضِيَة لِأَن حكمهمَا مُخْتَلف أَلا ترى أَن الْوَقْف قد يجوز أَن لَا يُخرجهُ صَاحبه 49 / ب من يَده وَأَن الصَّدَقَة لَا تكون / مَاضِيَة حَتَّى تخرج من يَد صَاحبهَا فِي قَول بَعضهم. وَقَالَ أَبُو عبيد فِي حَدِيث النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام: فِي العُمْرَي والرَقبي إِنَّهَا لمن اعْمِرها وَلمن أُرْقِبها ولورثتهما من بعدهمَا.
ر د د

رد السائل، وردّه عن حاجته. ورد عليه الهبة. ورد عليه قوله. ورد إلــيه جواباً. وهذا مردود قولك ورديده كقولك مرجوعه. وارتدّ عن سفره وعن دينه، وهو من أهل الردة. وارتدّ هبته: ارتجعها، سمعته منهم سماعاً واسعاً، ومنه قوله:

فيا بطحاء مكة خبّريني ... أما ترتدني تلك البقاع

وليس لأمر الله مردود أي ردّ. قالت أم الحسين ترثي أخاها:

ضاقت بي الأرض وانقضّت مخارمها ... حتى تخاشعت الأعلام والبيد

وقائلين تعزّى عن تذكره ... والصبر ليس لأمر الله مردود

واسترده الشيء: سأله أن يردّه عليه. وردد القول: كرّره، ولا خير في القول المردد. ورادّه القول راجعه إياه، وترادّا القول. ورادّه البيع: قايله، وترادّا. وتراد الماء: ارتد عن مجراه الحاجز. وتردد في الجواب. وتعثر لسانه. وهو يتردد بالغدوات إلــى مجالس العلم ويختلف إلــيها.

ومن المجاز: امرأة مردودة: مطلقة لأنه يردّها إلــى بيت أبويها. وما يرد عليك هذا أي ما ينفعك. قال عمرو:

ما إ جزعت ولا هلم ... ت ولا يرد بكاي رندا

وهذا أر لا رادة فيه: لا فائدة. وضيعة كثيرة الردّ والمرد وهو الريع. ورجل مردد: حائر بائر شديد الحيرة. وطمّ شعره بالمردودة وهي الموسى لأنها ترد في نصابها. قال يزيد من الطثرية:

أقول لثور وهو يحلق لمتّى ... بعقفاء مردود عليها نصابها

وفي ذقنه ردة: تقاعس. وهي جميلة ولكن في وجهها ردة وهي بعض القبح. ولا تعطني من ردود الدراهم وهي التي لا تروج، وهذا درهم رد. وسمعت ردة الصدى وهي ما يرد عليك من الصوت.
[ر د د] الرَّدُّ: صَرْفُ الشَّيءِ وَرَجْعُه، رَدَّه يَرُدُّه رَداً وتَرْدَاداً، وهو بِناءٌ لِلتَّكْثِيرِ، قَالَ سِيَبَوْيَه: هذا بابُ ما تُكَثِّرُ فيه المَصْدَرَ من فَعَلْتُ فَتُلْحِقُ الزَّوائِدَ، وتَبِنيِه بِناءً آخَرَ، كما أَنَّكَ قُلْتَ في فَعَلْتُ: فَعَّلْتُ حِينَ كَثَّرْتَ الفِعْلَ، ثُمَّ ذَكَرَ المصادِرَ الَّتِي جاءَتْ على التَّفْعالِ، كالتَّرْدادِ، والتَّلْعابِ، والتَّهْذَارِ، والتَّصْفاقِ، والتَّقْتالِ، والتَّسْيارِ، وأَخَوَاتِها، قَالَ: وليْسَ شَيْءٌ من هذا مَصْدَرَ فَعَّلْتُ، ولكنْ لََّما أَرَدْتَ التَّكْثيرَ بَنْيْتَ المَصْدَرَ على هذا، كما بَنَيْتَ فَعَلْتُ على فَعَّلْتُ. والمَردُّ كالرَّد. وارْتَدَّه كرَدَّه، قَالَ مُلِيحٌ.

(بعزْمٍ كوَقْعِ السَّيفِ لا يُسْتَقِلُّه ... ضَعِيفٌ ولا يَرْتَدُّه الدَّهْرَ عاذِلُ)

وفي التَّنْزِيلِ: {من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله} [الشورى: 47] . قَالَ ثَعلَبٌ: يَعْنِي يَوْمَ القِيامِةِ؛ لأَنَّه شَيْءٌ لا يُرَدُّ. وشَيءٌ رَدِيدٌ: مَرْدُودٌ، قَالَ:

(فَتًي لم تَلِدْه بنْتُ عَمٍّ قَرْيبَةٌ ... فَيَضوَى وقَدْ يَضْوَى رِدِيِدُ الغَرائِبِ)

وقَدْ ارْتَدَّ، وارَتْدَّ عنه: تَحَّولَ. وفي التَّنْزِيلِ: {من يرتد منكم عن دينه} [المائدة: 54] . والاسْمُ: الرِّدَّةُ، ومنه الرَّدِّةُ عَنِ الإسلامِ، أي: الرُّجوعُ عنه. واسترد الشيء وارتده: طلب رده عليه، قال كثيرُ عزة

(وما صُحْبَتي عَبدَ العَزِيزِ ومِدْحَتِي ... بعارِيَّةٍ يَرْتَدُّها من يَعِيرُها)

والاسْمُ: الرَّدادُ، والرَِّدادُ، قَالَ الأَخْطَلُ:

(وما كُلُّ مَغْبونٍ ولو سَلْفَ صَفْقُه ... يُراجِعُ ما قَدْ فاتَه بِرَدادِ ... )

يُرْوَى بالوَجْهِينِ جَميِعاً. ورُدُودُ الدَّراهِم: ما رُدَّ، واحِدُها رَدٌّ، وكُلُّ ما رُدَّ بعدَ أَخْذِه: رَدٌّ. والرِّدُّ: ما كانَ عِماداً للشَّيْءِ، يَدْفَعُه ويَرُدُّه، قَالَ:

(يا رَبِّ أَدْعوكَ إلــهاً فَرْداً ... )

(فكُنْ لنا مِنَ البَلايا رِداَّ ... ) أي مَعْقِلاً يَرُدُّ عنه البلاءَ. والرَِّدُّ: الكَهْفُ، عن كُراع. وقَوْلُه تَعالَى: {فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِداً} [القصص: 34] ، فِيمَنْ قَرأَ به، يَجوزُ أن يكونَ من الاعتمادِ، ومِنَ الكَهْفِ، وأن يكونَ على اعْتِقادِ التَّثْقِيلِ في الوَقْفِ بعد تَخْفِيفِ الهَمْزَةِ. والمُرْدُودَةُ: المُطَلَّقَةُ، وكُلُّه من الرَّدِّ. وفي حَديثِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، أَنَّه قَالَ لِسُراقَةَ بن [مالكِ ابن] جَعْشُمٍ: ((أَلا أَدُلُّكَ على أَفْضَلِ الصَّدَقَهِ، ابْنَتُكُ مُرْدُودَةٌ عليكَ ليسَ لها كاسِبٌ غَيْرَكَ)) . تَرَدَّدَ وتَرادَّ: تراجَعَ. وما فيه رِدِّيدَى، أَي: احْتِباسٌ ولا تَرْدادٌ. ورَجُلٌ مَتَرَدِّدٌ: مَجْتَمعٌ قَصِيرٌ، ليس بِسَبْطِ الخَلْقِ. وعُضْو رِدِيدٌ: مُكَتَنِزٌ مَجْتَمِعٌ، قَالَ أبو خِراشٍ:

(تَخَاطًَؤُهُ الحُتوفُ فَهُوَّ جَوِنٌ ... كِنازُ اللَّحمِ فائِلُه رَدِيدُ)

والرَّدَدُ، والرِّدِّةُ: أَن تَشْرَبَ الإبلُ الماءَ عَلَلاً، فَتَرتَدَّ الأَلبانُ في ضُرُوعِها. وكُلُّ حامِلٍ دَنَتْ وِلادَتُها، فعظُمَ بَطْنُها وَضَرْعُها: مُرِدٌّ. والرِّدَّةُ: أن يُشْرِقَ ضَرْعُ النَّاقَةِ، ويَقَعَ فيه اللَّبَنُ، وقَدْ أَردَّتْ، وهي مُرِدٌّ. وأَرَدَّتِ النَّاقَةُ: بَركَتْ على نَدًى، فَوَرِمَ ضَرْعُها وحَياؤُها، وقِيلَ: هو وَرَمُ الحَياءِ من الضَّبَعَةَ، وقِيلَ: أَرَدَّتِ الناقَةُ وهي مُرِدٌّ: وَرَمَتْ أَرْفاغُها وحياؤُها من شُرْبِ الماءِ. والرَّدَدُ، والرِّدَّةُ: وَرَمٌ يُصِيبُها في أَخْلافِها، وقِيلَ: هو وَرَمُها من الحَفْلٍ، قَالَ أبو النَّجْمِ:

(تَمْشِي من الرِّدَّةِ مَشْيَ الحُفَّلِ ... )

وأَرَدَّ الرجُلُ: انْتَفَخَ غَضَباً، حَكَاها صاحِبُ الأَلْفاظِ، قَالَ أبُو الحَسَنِ: وفي بَعْضٍ النُّسَخِ ارْبَدَّ. والرِّدَّةُ: البَقِيَّةُ، قَالَ أبو صَخْرٍ الهُذَلِيُّ: (إَِذا لم يكُنْ بَيْنَ الحَبِيبَيْنِ رِدَّةٌ ... سِوَى ذِكْرِ شَيءِ قد مَضَى دَرَسَ الذِّكْرُ)

والرِّدَّةُ: تَقاعُسٌ في الذَّقَنِ إذا كانَ في الوَجْهِ بعضُ القَباحَةِ، ويَعْتَرِيه شيءٌ من جَمالِ. وقَالَ ابنُ دُرَيْدٍ: في وَجْهِه رَدَّةٌ، أي: قُبْحٌ. وفيه رِدَّةٌ، أي: عَيْبٌ. وأَرَدَّ البَحْرُ: كَثُرَتْ أَمواجُه وهاجَ. وردَّاد: اسْمٌ، ورُئِيَ رَجُلٌ يومَ الكُلابِ يَشُدُّ على قَوْمٍ، ويَقُولُ: أنا أَبُو شَدَّاد، ثم يَرُدُّ عليهم، ويَقُولُ: أنا أبو رَدَّادِ. ورجُلٌ مِرَدٌّ: كَثِيرُ الرَّدِّ والكَرِّ، قَالَ أبو ذُؤَيْبٍ:

(مِرَدٌّ قد نَرى ما كانَ منه ... ولكِنْ إنَّما يُدْعَى النَّجِيبُ)
[ردد] في صفته صلى الله عليه وسلم: ليس بالطويل البائن ولا القصير "المتردد" أي المتناهي في القصر أنه تردد بعض خلقه وتداخلت أجزاؤه. وفيه: من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو "رد" أي مردود عليه، قال: أمر رد، إذ كان مخالفًا لما عليه السنة. وفيه: ألا أدلك على أفضل الصدقة ابنتك "مردودة" عليك ليس لها كاسب أي التي تطلق وترد إلــى بيت أبيها، يريد أدلك على أفضل أهل الصدقة. ط: أو يريد صدقة ابنتك في حال ردها عليك وليس لها كاسب غيرك، وهما حالان. غ: أما من مات عنها زوجها فهي راجعة. ش: و"رُدت" الشمس، قيل: ردت له صبيحة الإسراء وفي الخندق. وح: "فاردد" عليه الشمس شرقها، ذكره ابن الجوزي في الموضوعات، وشرقها بالنصب ظرفن والرد إما على أدراجها أو بطيء حركتها. وقوله: طلعت بعد ما غربت، يؤيد الأول. وح: "ترد" بها ألفتي أي تجمع ما ألفته من الأهل والمال والوطن، والأليف الصاحب. نه ومنه ح الزبير في دار وقفها: و"للمردودة" من بناته أن تسكنها، لأن المطلقة لا مسكن لها على زوجها. وفيه: "ردوا" السائل ولو بظلف محرق، أي أعطوه ولو لفا، ولم يرد رد الحرمان والمنع، نحو سلم فليه أي أجاب، وفي أخر: "لا تردوا" السائل ولو بظلف، أي لا تردوه رد حرمان بلا شيء ولو أنه ظلف. وفيه: إن كان داوي مرضاها و"رد" أولاها على أخراها، أي إذا تقدمت أوائلها وتباعدت عن الأواخر لم يدعها تتفرق ولكن يحبس المتقدمة حتى تصل إلــيها المتأخرة. وفي ح الحوض: لم يزالوا "مرتدين" على أعقابهم، أي متخلفين عن بعض الواجبات لا عنثلاث تسليمات: تسليمة للخروج من الصلاة تلقاء وجهه يتيامن يسيرا، وتسليمة على الإمام، وتسليمة على من في اليسار، ونتحاب نتفاعل من المحبة. وح: ما "ترددت" في شيء ترددي عن قبض نفس. التردد وسائر صفات المخلوقين كالغضب والحياء والمكر إذا أسند إلــيه تعالى يراد منتهاه وغايته، أي ما توقفت توقف المتردد في أمر. ج: فإن ذلك "يرد" ما في نفسه، وفي مسلم "برد" ما فيه، من البرودة، أي يبرد ما تحركت له نفسه من شهوة الجماع. ف: ""فارتدا" على اثارهما" افتعلا من الرد الرجوع. ش: لا يخلق على كثرة "الرد" أي ثرة تكراره على ألسنة التالين وأذان السامعين أي لا يزول رونقه ولذة قراءته وسماعه بها.

ردد: الرد: صرف الشيء ورَجْعُه. والرَّدُّ: مصدر رددت الشيء. ورَدَّهُ

عن وجهه يَرُدُّه رَدّاً ومَرَدّاً وتَرْداداً: صرفه، وهو بناء للتكثير؛

قال ابن سيده: قال سيبويه هذا باب ما يكثر فيه المصدر من فَعَلْتُ فتلحق

الزائد وتبنيه بناء آخر، كما أَنك قلت في فَعَلْتُ فَعَّلْتُ حين كثرت

الفعل، ثم ذكر المصادر التي جاءت على التَّفْعال كالترداد والتلعاب والتهذار

والتصفاق والتقتال والتسيار وأَخوانها؛ قال: وليس شيء من هذا مصدر

أَفعلت، ولكن لما أَردتَ التكثير بنيت المصدر على هذا كما بنيت فَعَلْتُ على

فَعَّلْتُ. والمَرَدُّ: كالردّ. وارْتَدَّه: كَرَدَّه؛ قال مليح:

بَعَزْمٍ كوَقْعِ السيف لا يستقله

ضعيفٌ، ولا يَرْتَدُّه، الدهرَ، عاذِلُ

وردَّه عن الأَمر ولَدَّه أَي صرفه عنه برفق.

وأَمر الله لا مردَّ له، وفي التنزيل العزيز: فلا مردَّ له؛ وفيه: يوم

لا مردَّ له؛ قال ثعلب: يعني يوم القيامة لأَنه شيءٌ لا يُرَدُّ.

وفي حديث عائشة: من عمل عملاً ليس عليه أَمرنا فهو رَدٌّ أَي مردودٌ

عليه. يقال: أَمْدٌ رَدٌّ إذا كان مخالفاً لما عليه السنَّة، وهو مصدر وصف

به.

وشيءٌ رَدِيدٌ: مَرْدودٌ؛ قال:

فَتىً لم تَلِدْهُ بِنتُ عَمٍّ قريبةٌ

فَيَضْوَى، وقد يَضْوَى رَدَيِدُ الغَرائب

وقد ارتدَّ وارتدَّ عنه: تحوّل. وفي التنزيل: من يرتدد منكم عن دينه؛

والاسم الرِّدّة، ومنه الردَّة عن الإِسلام أَي الرجوع عنه. وارتدَّ فلان

عن دينه إِذا كفر بعد إِسلامه. وردَّ عليه الشيء إِذا لم يقبله، وكذلك

إِذا خَطَّأَه. وتقول: رَدَّه إِلــى منزله ورَدَّ إِلــيه جواباً أَي رجع.

والرِّدّة، بالكسر: مصدر قولك ردَّه يَرُدُّه رَدّاً ورِدَّة. والرِّدَّةُ:

الاسم من الارتداد. وفي حديث القيامة والحوض فيقال: إِنهم لم يزالوا

مُرْتَدِّين على أَعقابهم أَي متخلفين عن بعض الواجبات. قال: ولم يُرِدْ

رِدَّةَ الكفر ولهذا قيده بأَعقابهم لأَنه لم يَرْتَدَّ أَحد من الصحابة بعده،

إِنما ارتد قوم من جُفاة الأَعراب.

واسَتَردَّ الشيءَ وارْتَدَّه: طلب رَدَّه، عليه؛ قال كثير عزة:

وما صُحْبَتي عبدَ العزيز ومِدْحتي

بِعارِيَّةٍ، يَرتدُّها مَن يُعِيرُها

والاسم: الرَّداد والرِّداد؛ قال الأَخطل:

وما كلُّ مَغْبونٍ، ولو سَلْفَ صَفْقَةٍ،

يُراجِعُ ما قد فاته بِرَدادِ

ويروى بالوجهين جميعاً، ورُدُود الدارهم: ما رُدَّ، واحدها رِدُّ، وهو

ما زِيفَ فَرُدَّ على ناقده بعدما أُخذ منه، وكل ما رُدَّ بغير أَخذ:

رَدٌّ.

والرِّدُّ: ما كان عماداً للشيء يدفعه ويَرُدُّه؛ قال:

يا رب أَدعوك إِلــهاً فَرْداً،

فكن له من البلايا رِدَّا

أَي مَعْقِلاً يُردُّ عنه البلاء. والرِّدُّ: الكهف؛ عن كراع. وقوله

تعالى: فأَرسله معي رِدّاً يصدّقني؛ فيمن قرأَ به يجوز أَن يكون من الاعتماد

ومن الكهف، وأَن يكون على اعتقاد التثقيل في الوقف بعد تحفيف الهمز.

ويقال: وهب هبة ثم ارتدَّها أَي استردَّها. وفي الحديث: أَسأَلك إِيماناً لا

يَرْتَدُّ أَي لا يرجع. والمردودة: المطلقة وكله من الرَّدّ. وفي حديث

النبي، صلى الله عليه وسلم، أَنه قال لسراقة بن جُعْشُمٍ: أَلا أَدلك على

أَفضل الصدقة؟ ابنتك مردودة عليك ليس لها كاسب غيرك؛ أَراد أَنها مطلقة

من زوجها فترد إِلــى بيت أَبيها فأَنفق عليها، وأَراد: أَلا أَدلك على

أَفضل أَهل الصدقة؟ فحذف المضاف. وفي حديث الزبير في دارٍ له وقفها فكتب:

وللمردودة من بناتي أَن تسكنها؛ لأَن المطلقة لا مسكن لها على زوجها. وقال

أَبو عمرو: الرُّدَّى المرأَة المردودة المطلقة. والمردودة: المُوسَى

لأَنها ترد في نصابها. والمردود: الردّ، وهو مصدر مثل المحلوف والمعقول؛ قال

الشاعر:

لا يَعْدَمُ السائلون الخيرَ أَفْعَلُه،

إِمَّا نَوالاً، وإِمَّا حُسْنَ مَرْدودِ

وقوله في الحديث: رُدُّوا السائل ولو بِظِلْفٍ مُحْرَقٍ أَي أَعطوه ولو

ظلفاً محرقاً. ولم يُرِدْ رَدَّ الحِرْمان والمنع كقولك سَلَّم فردَّ

عليه أَي أَجابه. وفي حديث آخر: لا تردوا السائل ولو بِظِلفٍ أَي لا تردّوه

ردَّ حرمات بلا شيء ولو أَنه ظلف؛ وقول عروة بن الورد:

وزَوَّد خيراً مالكاً، إِنَّ مالكاً

له رَدَّةٌ فينا، إِذا القوم زُهَّدُ

قال شمر: الرَّدَّةُ العَطْفَة عليهم والرغبة فيهم. وردَّده ترديداً

وتَرْداداً فتردد. ورجل مُردِّدٌ: حائر بائر. وفي حديث الفتن: ويكون عند

ذلكم القتال رَدَّةٌ شديدة، وهو بالفتح، أَي عطفة قوية. وبحر مُرِدٌّ أَي

كثير الموج. ورجل مُرِدٌّ أَي شَبِق. والارتداد: الرجوع، ومنه المُرْتَدّ.

واستردَّه الشيء: سأَله أَن يَرُدَّه عليه.

والرِّدِّيدَى: الرد. وتَرَدَّدَ وتَرادَّ: تراجع. وما فيه رِدِّيدَى

أَي احتباس ولا تَرْداد. وروي عن عمر بن عبدالعزيز أَنه قال: لا رِدِّيدَى

في الصدقة؛ يقول لا تردّ، المعنى أَن الصدقة لا تؤْخذ في السنة مرتين

لقوله، عليه السلام: لا ثِنى في الصدقة. أَبو عبيد: الرِّدِّيدَى من الردِّ

في الشيء. ورِدِّيدَى، بالكسر والتشديد والقصر: مصدر من رد يرد

كالقَتِّيت والخِصِّيصى.

والرِّدُّ: الظهر والحَمُولة من الإِبل؛ قال أَبو منصور: سميت رِدّاً

لأَنها تُردُّ من مرتعها إِلــى الدار يوم الظعن؛ قال زهير:

رَدَّ القِيانُ جِمالَ الحيِّ، فاحتُمِلوا

إِلــى الظَّهيرَةِ، أَمرٌ بينهم لَبِكُ

ورادَّه الشيءَ أَي رده عليه. وهما يتَرادَّان البيعَ: من الرد والفسخ.

وهذا الأَمر أَرَدُّ عليه أَي أَنفع له. وهذا الأَمر لا رادَّة له أَي لا

فائدة له ولا رجوع. وفي حديث أَبي إِدريسَ الخولاني: قال لمعاوية إِن

كان دَاوَى مَرْضاها ورَدَّ أُولادها على أُخْراها أَي إِذا تقدمت أَوائلها

وتباعدت عن الأَواخر، لم يَدَعْها تتفرق، ولكن يحبس المتقدمة حتى تصل

إِلــيها المتأَخرة. ورجلٌ مُتردِّد: مجتمع قصير ليس بِسَبْطِ الخَلْقِ. وفي

صفته، صلى الله عليه وسلم: ليس بالطويل البائن ولا القصير المتردِّد أَي

المتناهي في القصر، كأَنه تردد بعض خْلَقه على بعض وتداخلت أَجزاؤُه.

وعُضْو رِدِّيدٌ: مكتز مجتمع، قال أبو خراش:

مكتنز الحُتُوفُ فَهُوَّ جَوْنٌ،

كِنازُ اللحْمِ، فائلُهُ رَدِيدُ

والرَّدَد والرِّدَّة: أَن تشرب الإِبل الماء عَلَلاً فترتد الأَلبان في

ضروعها. وكل حامل دنت ولادتها فعظم بطنها وضرعها: مُرِدّ. والرِّدَّة:

أَن يُشْرِقَ ضرع الناقة ويقع فيه اللبن، وقد أَردّتْ. الكسائي: ناقة

مُرْمِدٌ على مثال مُكرِم، ومُرِدٌّ مثال مُقِل إِذا أَشْرَقَ ضرعها ووقع فيه

اللبن. وأَردّت الناقة: بركت على نَدًى فَورِم ضرعها وحياؤها، وقيل: هو

ورم الحياء من الضَّبَعَة، وقيل: أَرَدَّتِ الناقة وهي مُردّ وَرمت

أَرفاغها وحياؤها من شرب الماء. والرَّدَدُ والرَّدَّة: ورم يصيبها في

أَخلافها، وقيل: ورمها من الحَفْل. الجوهري: الرِّدَّة امتلاء الضرع من اللبن

قبل النتاج؛ عن الأَصمعي؛ وأَنشد لأَبي النجم:

تَمْشِي من الرِّدَّة مَشْيَ الحِفَّل،

مَشْيَ الرَّوايا بالمَزادِ المُثْقِل

ويروى بالمزاد الأَثقل، وتقول منه: أَردَّتِ الشاة وغيرها، فهي مُرِدّ

إِذا أَضرعت. وناقة مُرِدٌّ إِذا شربت الماء فورم ضرعها وحياؤها من كثرة

الشرب. يقال: نوق مَرادُّ، وكذلك الجمال إِذا أَكثرت من الماء فثقلت. ورجل

مُرِدٌّ إِذا طالت عُزْبَتُه فترادّ الماء في ظهره. ويقال: بحر مُرِدٌّ

أَي كثير الماء؛ قال الشاعر:

ركِبَ البحر إِلــى البحرِ، إِلــى

غَمَراتِ الموتِ ذي المَوْجِ المُرِدّ

وأَردّ البحر: كثرت أَمواجه وهاج. وجاء فلان مُرِدَّ الوجه أَي غضبانَ.

وأَرَدَّ الرجلُ: انتفخ غضباً، حكاه صاحب الأَلفاظ؛ قال أَبو الحسن: وفي

بعض النسخ اربَدَّ. والرِّدَّة: البقية؛ قال أَبو صخر الهذلي:

إِذا لم يكن بين الحَبِيبَيْنِ رِدَّةٌ،

سِوىِ ذكر شيء قد مَضى، دَرَسَ الذِّكر

والرَّدَّة: تَقاعُس في الذقن إِذا كان في الوجه بعض القباحة ويعتريه

شيء من جمال؛ وقال ابن دريد:

في وجهه قبح وفيه رَدَّة

أَي عيب. وشيء رَدٌّ أَي رديء. ابن الأَعرابي: يقال للإِنسان إِذا كان

فيه عيب: فيه نَظْرة ورَدَّة وخَبْلَة؛ وقال أَبو ليلى: في فلان رَدَّة

أَي يرتد البصر عنه من قبحه؛ قال: وفيه نَظْرَة أَي قبح. الليث: يقال

للمرأَة إِذا اعتراها شيء من خبال وفي وجهها شيء من قباحة: هي جميلة ولكن في

وجهها بعض الرَّدَّة. وفي لسانه رَدٌّ أَي حُبسة. وفي وجهه رَدَّة أَي قبح

مع شيء من الجمال.

ابن الأَعرابي: الرُّدُدُ القباح من الناس. يقال: في وجهه ردَّة، وهو

رادّ.

ورَدَّادٌ: اسم رجل، وقيل: اسم رجل كان مُجَبِّراً نسب إِلــيهَ

المُجَبِّرون، فكل مُجَبِّر يقال له ردَّاد. ورُؤيَ رجل يوم الكُلاب يَشُدُّ على

قوم ويقول: أَنا أَبو شدَّاد، ثم يردّ عليهم ويقول: أَنا أَبو رَدَّاد.

ورجل مِرَدٌّ: كثير الردّ والكرّ؛ قال أَبو ذؤَيب:

مِرَدٌّ قد نَرى ما كان منه،

ولكن إِنما يُدْعى النجيب

ردد
ردَّ/ ردَّ على رَدَدْتُ، يَرُدّ، ارْدُدْ/ رُدَّ، رَدًّا، فهو رادّ، والمفعول مَرْدود وردّ
• ردَّ قاصدَه: منَعه وصرَفه "ردَّ سائلاً" ° لا يردّ يد لامس: لا منعةَ له، ضعيف، لا أحد يحميه.
• ردَّ البابَ: أغلقه دون إحكام? ردَّ طرفَه/ ردَّ بصرَه: غضّه وأغلق عينيه حياءً.
• ردَّ كلامَه: رفضه "ردّ شهادتَه/ التهمةَ- كلامه مردود"? ردَّ عليه قولَه: راجعه فيه- ردَّ فلانًا: خطّأه- كلامٌ لا يردّ: لا رجعة فيه- لا يُرَدُّ له قَوْلٌ: نافذ الرَّأي.
• ردَّ الهجومَ: صدَّه? ردَّ عن فلان: دافع عنه.
• ردَّ الشَّيءَ:
1 - غيَّره وحوَّله من صفة إلــى أخرى، وهو هنا ينصب مفعولين "فردَّ شعورَهُنّ السُّودَ بِيضًا ... وردَّ وجوهَهنَّ البِيضَ سُودا".
2 - أرجعه وأعاده إلــى صاحبه "ردَّ الأمانةَ- ردّ الكتاب إلــى مكانه/ لمكانه- {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا} - {فَرَدَدْنَاهُ إِلَــى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلاَ تَحْزَنَ} " ° ردَّ زيارتَه: بادله زيارة بزيارة- ردَّ عليه هديّته: لم يقبلها- رُدَّ فلانٌ إلــى ربِّه: بُعِثَ- ردَّ كيدَه إلــى نحره: قابله بمثل أذاه وشرّه، أعاد الشرّ إلــى فاعله، عامله بالمثل- ردَّ له الصَّاع صاعَيْن: كافأه بضِعْف شرِّه- ردَّ موقفها إلــى خجلها- ردَّه إلــى منزله/ ردَّه لمنزله- ردَّه على عَقِبيه/ ردَّه على عَقِبِه: أرجعه إلــى ما كان عليه خائبًا.
• ردَّ السلامَ: قابل التحيّة بالتحيّة " {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} ".
• ردَّ الزَّوجُ مطلَّقتَه: أعادها إلــى عصمته " {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} ".
• ردَّ إلــيه التَّصرفَ/ ردَّ إلــيه الحكمَ: فوّضه فيه " {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَــى الرَّسُولِ وَــإِلَــى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُم} ".
• ردَّ الظَّالمَ عن ظُلمه: زجَره ومنعَه من التمادي فيه "ردّ صاحبَه عن الضّلال- {وَرَدَّ اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمِْ} ".
• ردَّ يدَه في فمِه/ ردَّ يديه إلــى فيه: عضّها من الغيظ " {فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ} ".
• ردَّ عليه بكذا: أجابه "ردَّ عليه بالإيجاب/ بالقبول- ردَّ على من يناديه"? ما ردّ بسوداء ولا بيضاء: لم يردّ بكلمة قبيحة ولا حسنة.
• ردَّ على أمرٍ: أعطى حُجَجًا وبراهين مضادّة "ردَّ على اعتراضات/ حُجّة- ردّ على قول فلان". 

ارتدَّ/ ارتدَّ عن يرتدّ، ارتدِدْ/ ارتَدَّ، ارتِدادًا، فهو مُرتَدّ، والمفعول مُرتَدٌّ عنه
• ارتدَّ الشَّيءُ: رجَع وعاد "ارتدّ بصرُه- ارتدّ إلــيه صوابُه- ارتدّ من سفره- {فَارْتَدَّا عَلَى ءَاثَارِهِمَا قَصَصًا} - {فَارْتَدَّ بَصِيرًا}: عاد بصيرًا بعد العمى".
• ارتَدَّ فلانٌ: انسحب ورجع ° ارتدّ إلــى الوراء: رجع إلــى الخلف- ارتدَّ على عَقِبَيْه/ ارتدَّ على دُبُره: رجع منسحبًا من حيث أتى.
• ارتدَّ عن دينه: كفَر بعد إسلامه، تركه ورجع عنه " {مَنْ
 يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} - {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ} ". 

استردَّ يستردّ، استرْدِدْ/ استرِدَّ، استردادًا، فهو مسترِدّ، والمفعول مسترَدّ
• استردَّ الشَّيءَ: استرجعه وطلب إعادتَه "استردَّ حرِّيَّتَه/ صحّته- يجب أن نعمل لاسترداد أرضنا السليبة- استردَّ نشاطه بعد المرض" ° استردَّ أنفاسَه: استراح بعد تعب. 

تردَّدَ/ تردَّدَ إلــى/ تردَّدَ على/ تردَّدَ في يتردَّد، تردُّدًا، فهو مُتردِّد، والمفعول مُتردَّدٌ إلــيه
• تردَّدَ الصَّوتُ: مُطاوع ردَّدَ: ترجّع، تكرّر "كأنّي أسمع صوتًا يتردّد في أعماقي".
• تردَّد إلــى مجالس العلم/ تردَّد على مجالس العلم: داوم الذّهاب إلــيها وجاء المرَّة بعد الأخرى "تردَّد على الطبيب- متردِّد على منزل فُلان- تردّد إلــى/ على المكتبة".
• تردَّد على الألسنة: كان محلّ مناقشة وأَخْذ ورَدّ، كثُر ذِكْره "تردَّد اسمُه على الشفاه".
• تردَّد في الأمر: شكَّ فيه فلم يُثبتْه، لم يَحسِمْه، تحيَّر "تردَّد في اتخاذ موقف- متردِّد في قراراته- إذا كنت ذا رأي فكن ذا عزيمة ... فإن فساد الرأي أن تتردَّدا- {وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ} " ° بدون تردُّد.
• تردَّد في الجواب: تلعثم وتعثّر لسانُه. 

رادَّ يرادّ، رادِدْ/ رادَّ، مُرادَّةً، فهو مُرادّ، والمفعول مُرادّ
• رادَّ المشتري البائعَ السِّلعةَ: طلَب منه فسخَ البيع، ردّها عليه.
• رادَّه في الكلام: راجعه فيه "رادَّه في قراره- لم يجرؤ الابن على مرادّة أبيه وهو يوبِّخه". 

ردَّدَ يُردِّد، ترديدًا، فهو مُردِّد، والمفعول مُردَّد
• ردَّد القولَ ونحوَه: كرَّره وأعاده "ردَّدت الأمُّ دعاءَها لولدها- ردَّد نظره بين كذا وكذا". 

ارتداد [مفرد]:
1 - مصدر ارتدَّ/ ارتدَّ عن ° ارتدادُ الموج: حركة تراجع مياه البحر عند الشَّاطئ بعد انكسار الموجة.
2 - (حي) عودة أو ارتداد الخلايا إلــى شكل غير ناضج أو أقل تميُّزًا، كما يحدث في معظم الأورام الخبيثة.
• الارتداد الدَّورانيّ للخلف: دوران سريع يعيق أو يصُدّ أو يعكس حركة خطّ سير الجسم خاصّة الكرة.
• ارتداد وراثيّ: (حي) مُجمل القُدرات الوراثيّة في عِرقٍ بشريّ.
• ارتداد سكَّانيّ: (جغ) عمليَّة الهجرة من المدن إلــى الريف، وقد تميَّز بها سكَّان كثير من المجتمعات الرأسماليّة المتقدِّمة، وهي اتجاه معاكس لنموذج الهجرة الذي شاع في القرون القديمة في كثير من الحالات. 

ارتداديَّة [مفرد]:
1 - اسم مؤنَّث منسوب إلــى ارتداد: "تتعرّض بعض البلاد لحركات ارتداديّة غير مبرّرة- بعد أن اقترب من الشفاء تعرّض لانتكاسة نفسية ارتداديّة- بعد انتهاء الزلزال بساعات حدثت عدّة هزّات ارتداديّة".
2 - مصدر صناعيّ من ارتداد: طريقة في التفكير تنتقل من النتائج النهائيَّة إلــى المبادئ أو المسلَّمات الأوليَّة "تنم آراؤه عن ارتداديّة في التفكير". 

استرداد [مفرد]: مصدر استردَّ.
• دعوى الاسترداد: (قن) دعوى يقيمها من نُزعت حيازته طالبا ردّها إلــيه. 

تَرْداد [مفرد]:
1 - تكرار وإعادة "هو لا يكفّ عن تَرْداد تلك المقولة".
2 - (فز) استمرار دويّ الصوت بعد انقطاع مصدره عن الاهتزاز، ويحدث بفعل انعكاسات عن جدران المكان. 

تردُّد [مفرد]: ج تردُّدات (لغير المصدر):
1 - مصدر تردَّدَ/ تردَّدَ إلــى/ تردَّدَ على/ تردَّدَ في.
2 - (فز) عدد الذَّبذبات التي يتذبذبها متحرك حركة توافقيَّة بسيطة في وحدة الزمن "تيار ذو تردُّد عالٍ".
• تردُّد عالٍ: (فز) تردد لاسلكيّ يقع بين 30و 300 ميجاهيرتز.
• تردُّد فوق العالي: (فز) نطاق من الذبذبات أو الأطوال الموجيّة بين 300و 3000 ميجاهيرتز.
 • تردُّدات سمعيَّة: (فز) ما يمكن سمعه من الأصوات بالأذن، وتقع ذبذباتها بين 30و 15000 هرتز (دورة/ ثانية).
• عرض النِّطاق التَّردُّدي: (فز) الاختلاف الرقميّ بين التردد الأعلى والأدنى لمدى أو نطاق ترددي إلــكترومغنطيسي، وخاصة نطاقًا محدَّدًا من الترددات اللاسلكيّة. 

ترديد [مفرد]: مصدر ردَّدَ.
• ترديد الألفاظ: (نف) التقليد المتكرِّر لكلام الآخرين ويظهر أحيانًا بين الأفراد المصابين بالفصام. 

تَرديدة [مفرد]:
1 - اسم مرَّة من ردَّدَ.
2 - لازمة، جزءٌ يتكرَّر في الأغنية أو القصيدة. 

رادّة [مفرد]: فائدة "أمر لا رادّة له". 

رَدّ [مفرد]: ج رُدود (لغير المصدر):
1 - مصدر ردَّ/ ردَّ على ° أخذٌ وردٌّ: مناقشة مستفيضة- حقُّ الرَّدّ: أحقية المناقشة- ردًّا على كذا: بالإشارة إلــى كذا- ردُّ الفعل: نتيجة حتميّة وتصرّف لا إراديّ.
2 - إجابة، ما يُجاب به "جاء ردُّه إيجابيًا" ° ردّ سريع وحاسم: جواب مفحم/ مسكت.
3 - رَيْعٌ "هذه مزرعة كثيرة الردّ".
4 - صفة ثابتة للمفعول من ردَّ/ ردَّ على: شيء مرفوض أو مردود "كلامك رَدٌّ".
5 - (فق) أمرٌ يخالف السنة "مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ [حديث] ".
• ردُّ الدَّعوى: (قن) إبطال الدَّعوى إذا عجز المدَّعي عن إثباتها أو تقديم أدلة كافية.
• ردّ المدَّعي: (قن) الردّ الذي يجيب به المدّعي على مذكرة المدّعى عليه الجوابيّة.
• ردُّ الاعتبار: (قن) إعادة التَّقدير والاحترام بعد صدور قرارٍ أو حُكْمٍ بالإدانة، أو ردُّ الكرامة وإعادة الحقوق المدنية وإلــغاء العقوبة.
• ردُّ الفعل: (نف) نمط سلوكيّ يكون دالاًّ على اختلال عقليّ أو على نوع شخصيَّة. 

ردَّاد [مفرد]:
1 - صيغة مبالغة من ردَّ/ ردَّ على.
2 - جهاز يوضع أمام غشاء مكبِّر الصوت لنشر الأمواج الصوتيَّة. 

رَدَّة [مفرد]:
1 - اسم مرَّة من ردَّ/ ردَّ على.
2 - نخالة الدقيق.
3 - رجوع وعودة "لنا في هذا الموضوع رَدّة". 

رِدَّة [مفرد]:
1 - اسم هيئة من ردَّ/ ردَّ على.
2 - (فق) رجوع إلــى الكفر بعد الإسلام.
3 - صدى الصوت "سمعت رِدَّة صوتي".
• حروب الرِّدة: الحروب التي خاضها أبو بكر بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، حين رجع بعض العرب إلــى الكفر أو عطّلوا الفرائض عام 11هـ/ 632م وانتهى الأمر بأن أفاءت إلــى الإسلام قبائل عبس وذبيان وحنيفة وبكر وتميم. 

مَرَدّ [مفرد]: ج مَرادُّ: مصدر ميميّ من ردَّ/ ردَّ على: مرْجِع "مردُّ هذا المرض إلــى إهمالك في الغذاء- {وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَــى اللهِ} " ° لا مردَّ له: لا رجوع فيه.
• مَرَدُّ القميص: فتحتُه من كلا جانبيه. 

مُرَدِّد [مفرد]:
1 - اسم فاعل من ردَّدَ.
2 - (فز) جهاز لتوليد التيار الكهربيّ المتردِّد. 

مردود [مفرد]: اسم مفعول من ردَّ/ ردَّ على.
• الحديث المردود: (حد) حديث يرويه راوٍ ضعيف يناقض حديثًا يرويه ثقة. 

مردودة [مفرد]:
1 - صيغة المؤنَّث لمفعول ردَّ/ ردَّ على ° القبعة المردودة: قبّعة مرفوعة الحافة إلــى أعلى في موضعين أو ثلاثة خاصة المرفوعة في ثلاثة مواضع.
2 - مُطلَّقة، لأنها تعود إلــى بيت أبويها. 
[ردد] رَدّهُ عن وجهه يَرُدُّهُ رَدَّاً ومَرَدًّا: صَرَفه. وقال الله تعالى:

(فَلا مَرَدَّ له) *. ورَدَّ عليه الشئ، إذا لم يقبله، وكذلك إذا خَطَّأه . وتقول: رَدَّهُ إلــى منزله. ورَدَّ إلــيه جواباً: أي رجع. والمَرْدُودة: المطلَّقة. والمردودة: الموسى، لأنها تُرَدُّ في نِصَابِها. والمردود: الرَدُّ، وهو مصدر، مثل المحلوف والمعقول. قال الشاعر : لا يَعْدَمُ السائِلونَ الخيرَ أفعَلُه * إمّا نوالا وإما حسن مردود - وشئ رد، أي ردئ. وفى لسانه رَدٌّ، أي حُبْسَةٌ. وفي وجهه ردة، أي قبح مع شئ من الجمال. ورَدَّدَهُ تَرديداً وتَرْداداً فتردَّدَ. ورجل مُرَدَّدٌ: حائرٌ بائِرٌ. والارتِدادُ: الرجوع، ومنه المُرْتَدُّ. واستردَّهُ الشئ: سأله أن يرده عليه. والرِدِّيدي: الردّ. وفي الحديث: " لا رديدى في الصدقة ". وراده الشئ: أي رَدَّه عليه. وهما يَتَرادَّانِ البيعَ، من الرَدِّ والفَسْخ. وهذا الأمرُ أَرَدُّ عليه، أي أَنْفَعُ له. وهذا أمرٌ لا رادَّةَ له: أي لا فائدة له ولا رُجوع. والرِدَّةُ بالكسر: مصدر قولك رَدَّهُ يَرُدُّهُ رَدَّاً ورِدَّةً. والرِدَّةُ: الاسم من الارتداد. والرِدَّةُ: امتلاء الضَرْع من اللبن قبل النتاج، عن الاصمعي. وأنشد لابي النجم: تمشى من الردة مشى الحفل * مشى الروايا بالمزاد الاثقل - قال: وتقول منه: أردت الشاةُ وغيرها فهي مُرِدٌّ، إذا أَضْرَعَتْ. وجاء فلانٌ مُرِدَّ الوَجْهِ، أي غَضْبانَ. ورَجُلٌ مُرِدٌّ: أي شَبِقٌ. وبَحْرٌ مُرِدٌّ: أي كثير الموج.
ردد
: (رَدَّهُ) عَن وَجْهه يَرُدُّه (رَدًّا وَمَرَدًّا) ، كِلَاهُمَا من المصادر القياسيّة، (ومَرْدُوداً) ، من المصادر الْوَارِدَة على مَفْعول، كمَحْلوفٍ ومَعقولٍ، (ورِدِّيدَي) ، بالسكر مشدَّداً كَخِصِّيصَى، وخِلِّفَى، يُبنَى للْمُبَالَغَة: (صَرَفَهُ) وَرَجَعَه، وَيُقَال رَدَّه عَن الأَمر ولَدَّه، أَي صَرَفَه عَنهُ برِفْق.
وأَمرُ اللهِ لَا مَرَدَّ لَهُ. وَفِي التَّنْزِيل: {فَلاَ مَرَدَّ لَهُ} (الرَّعْد: 11) وَفِيه {يَوْمٌ لاَّ مَرَدَّ لَهُ} (الرّوم: 43) قَالَ ثَعْلَب: يَعْنِي يَوْمَ القِيَامةِ، لأَنه شيْءٌ لَا يُرَدُّ.
وَفِي حَدِيث عَائِشَة. (مَن عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنا فهوَ رَدٌّ) أَي معْدُودُ عَلَيْهِ، يُقَال أَمْرٌ رَدٌّ، إِذا كَانَ مُخَالفاً لما عَليه السُّنَّة، وَهُوَ مَصْدرٌ وُصِفَ بِهِ.
ورُوِيَ عَن عُمَرَ بن عبدِ العَزِيز أَنه قَالَ: (لارِدِّيدَي فِي الصَّدَقَة) أَي لَا تُؤْخَذُ فِي السَّنَةِ مَرَّتينِ، والاسمُ) رَدَادٌ، ورِدَادٌ، (كسَحَاب وكِتَابٍ) ، وَبِهِمَا جَميعاً رُوِيَ قولُ الأَخطَلِ:
وَمَا كُلُّ مَغْبُونٍ وَلَو سَلْفَ صَفْقُهُ
برَاجعِ مَا قَدْ فاتَهُ بِرَدَادِ (و) رَدَّ (عَلَيْهِ) الشيءَ، إِذا (لَمْ يَقْبَلُهُ، و) كذالك إِذا (خَطأَهُ) .
وَنقل شيخُنا عَن جماعةٍ من أَهلِ الاشتقاقِ والتصرِيفِ أَن ردَّ يَتَعَدَّى إِلــى المفعولِ الثَّانِي بــإِلــى، عِنْد إِرادةِ الْإِكْرَام، وبِعَلَى، للإِهانة، واستدلُّوا بِنَحْوِ قَوْله تَعَالَى: {فَرَدَدْنَاهُ إِلَــى أُمّهِ} (الْقَصَص: 13) و {يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ} (آل عمرَان: 149) وَنَقله الجَلالُ السُّيُوطِيُّ وَسَلَّمه، فتأَمَّله، فإِن الاستقراءَ رُبّما يُنافِيه.
(و) من الْمجَاز: أَيضاً: امرأَةٌ مَرْدُودةٌ، وَهِي: (المُطَلَّقَةُ، كالرُّدى، كالحُمَّى) ، الأَخيرةُ عَن أَبي عَمْرٍ و.
وَفِي حَدِيث الزُّبَيْرِ، فِي دارٍ لَهُ وَقَفَهَا فكَتَب. (ولِلْمَرْدُودةِ من بَنَاتِهِ أَن تَسْكُنَها) . لأَن المُطَلَّقَةَ لَا مَسْكَنَ لَهَا على زوْجها.
(والرَّدُّ) ، بِالْفَتْح: الشيءُ (الرَّدِيءُ) وَهُوَ مجَاز، ودِرْهَمٌ رَدٌّ: لَا يَرُوجُ، ورُدُودُ الدَّراهِمِ، واحدُهَا: رَ، وَهُوَ مازِيفَ فرُدَّ علَى ناقِدِه، بعدَما أُخِذ مِنْهُ. وكلُّ مَا رُدَّ بعدَ أَخْذٍ: رَدٌّ.
(و) الرَّدُّ (فِي اللِّسَانِ: الحُبْسَةُ) وعَدَمُ الانطلاقِ.
(و) الرِّدُّ، (بِالْكَسْرِ: عِمَادُ الشَّيءِ) الَّذِي يدفَعُه ويَرُدّه، قَالَ:
يَا ربِّ أَدعوكَ إِلــهاً فَرْدَا
فكُنْ لَهُ من البَلايَا رِدَّا
أَي مَعْقِلا يَرُدُّ عَنهُ البَلاءَ.
وقولهُ تَعَالَى: {رِدْءاً يُصَدّقُنِى} (الْقَصَص: 34) فيمَنْ قَرَأَ بِه يجوز أَن يكون من الاعتمادِ، وأَن يكون على اعتقادِ التَّثْقِيل فِي الوَقْفِ، بعد تخفِيفِ الهمزةِ.
(و) يُقَال: فِي لِسَانه رَدَّةٌ، أَي حُبْسَة، وَفِي وَجْهِهِ رَدَّة، (الرَّدَّةُ) بِالْفَتْح: (القُبْحُ) مَعَ شيْءٍ من الجَمالِ، يُقَال: فِي وَجْهِهِ رَدَّةٌ، وَهُوَ رَادٌّ، وَقَالَ ابْن دُرَيد:
فِي وَجْهِهِ قُبْحٌ وفيهِ رَدَّة
أَي عَيْبٌ.
وَقَالَ أَبو ليلَى: فِي فُلان رَدَّة، أَي يَرْتَدُّ البَصَرُ عَنهُ فِي قُبْحِه، قَالَ: وَفِيه نَظْرةٌ، أَي قُبْحٌ.
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَالُ للمرأَةِ إِذا اعْتَراها شيءٌ من خَبَالٍ، وَفِي وَجُهِهَا شيءٌ من قَباحَةٍ: هِيَ جَمِيلَةٌ، وَلَكِن فِي وَجْهِها بَعْضُ الرَّدَّة، وَهُوَ مجازٌ.
(و) الرِّدَّةُ، (بِالْكَسْرِ: الاسمُ مِنَ الارْتِدادِ) وَقد ارْتَدَّ، وارتَدَّ عَنهُ: تَحوَّلَ، وَمِنْه الرِّدّة عَن الإِسلامِ، أَي الرجوعُ عَنهُ، وارتَدَّ فُلانٌ عَن دِينِه، إِذَا كَفَرَ بعد إِسلامِهِ.
(و) فِي الصّحاح: الرِّدّة: (امْتِلاءُ الضَّرْعِ من اللَّبَنِ قَبْلَ النِّتَاجِ) ، عَن الأَصمعيّ، وأَنْشَدَ لأَبي النَّجْم:
تَمْشِي من الرِّدَّةِ مَشْيَ الحُفَّلِ
مَشْيَ الرَّوَايَا بالمَزَادِ المُثْقِلِ
وَفِي اللِّسَان: الرِّدَّة: أَي يُشْرِقَ ضَرْعُ النَّاقَةِ، ويَقَعَ فِيهِ اللَّبَنُ. وَقد أَرَدَّتُ.
(و) الرِّدَّة: (تَقَاعسٌ فِي الذَّقَنِ) إِذا كَانَ فِي الوَجْه بعْضُ القباحَة، ويعتريه شيءٌ من الجَمَال، وَهُوَ مَجاز.
(و) مِنَ المَجَازِ أَيضاً: سَمِعت رِدَّةَ الصَّدَى، وَهُوَ مَا يَرُدُّ عَلَيْك من (صَدَى الجَبَلِ) أَي صَوْته.
(و) الرِّدَّة والرَّدَدُ: (أَن تَشْرَب الإِبِلُ) الماءَ (عَلَلاً) فتَرْتَدَّ الأَلبانُ فِي ضُروعها.
(والتَّرْدادُ) بِالْفَتْح: بناءٌ للتَّكثير، قَالَ ابْن سَيّده، قَالَ سِيبَوَيْهٍ هاذا بابُ مَا يُكَثَّر فِيهِ المَصْدَر من فَعَلْتُ فتُلْحِقُ الزّائدَ وتبنيه بِنَاء آخَر، كَمَا أَنّك قلتَ فِي فَعَلْتُ: فَعَّلْتُ، حِين كثَّرْتَ الفِعْلَ. ثمَّ ذَكَر المصادِرَ الَّتِي جاءَتْ على التَّفْعَال: كالتَّرْدادِ، والتَّلْعَاب، والتَّهْذارِ، والتَّصْفاق، والتَّقْتال، والتَّسْيَار، وأَخواتِها، قَالَ: وَلَيْسَ شيءٌ من هاذا مَصْدَرَ أَفْعَلْت، ولاكن لَمَّا أَرَدْتَ التكثير بَنيتَ المَصدرَ على هاذا، كَمَا بَنَيْتَ فَعَلْتُ على فَعَّلْتُ. انْتهى.
وأَما (التَّرْدِيدُ) فإِنه قياسٌ من رَدَّدَه، كَمَا صَرَّحَ بِهِ غيرُ واحدٍ. وَيُقَال: ردَّدَه تَرْدِيداً وتَرْداداً فَهُوَ مُرَدَّدٌ، ورجلٌ مُرَدَّدٌ.
(والمُرَدَّدُ) ، كمُعَظَّم؛ (الحائِر البائِرُ) ، وَهُوَ مَجاز) والارْتِدادُ: الرُّجُوعُ) ، وَمِنْه المُرْتَدُّ، (ورادَّهُ الشيْءَ) ، أَي (رَدَّهُ عَلَيْهِ) ، ورادَّه القَوْلَ: رَاجَعه، وهما يَتَرادَّانِ البَيْعَ، من الرَّدِّ والفَسْخ.
(وهاذا) الأَمْرُ (أعرَدُّ) عَلَيْهِ، أَي (أَنْفَعُ) لَهُ.
(و) هاذا الأَمرُ (لَا رَادَّةَ فِيهِ) ، أَي (لَا فائِدَةَ) لَهُ، وَمَا يَرُدُّك هاذا: مَا ينفَعُكَ. وَهُوَ مَجاز، (كلَا عَدَّةَ) ، ضَبْطَه الصَّاغَانِي، بضمّ الْمِيم وَكسر الراءِ.
(والمُرِدُّ) ، على صِيغَة اسْم الفاعِل (الشَّبِقُ. و) البَحْرُ المُرِدّ: (المَوَّاجُ) ، أَي كثيرُ الماءِ، قَالَ الشَّاعِر:
رَكِبَ البَحْرَ إِلــى البَحْرِ إِلــى
غَمَرَاتِ المَوْتِ ذِي المَوْج المُرِدّ.
وأَرَدَّ البَحْرُ: كَثُرَتْ أَمواجُه وهَاجَ.
(و) المُرِدُّ: (الغَضْبانُ) ، يُقَال جاءَ فلانٌ مُرِدَّ الوجْهِ، أَي غَضبانَ. وأَرَدَّ الرجُلُ: انتفخَ غَضَباً، حَكَاهَا صاحِبُ (الأَلفَاظ) قَالَ أَبو الْحسن: وَفِي بعض النّسخ: ارْبَدَّ.
(و) المُرِدّ: الرجل (الطَّوِيلُ العُزُوبةِ. أَو) الطَّوِيلُ (الغُرْبَة) ، فترادَّ الماءُ فِي ظَهْره، قَالَ الصاغانيُّ: والأَول أَصحّ، لأَنه يترادُّ الماءُ فِي ظَهْرِه، (كالمَزْدُودِ) .
(و) المُرِدُّ (نَاقةٌ انتَفَخَ ضَرْعُها وعياؤُها لبُروكها على نَدًى) ، وَقد أَردَّت، وكلّ حاملٍ دَنَتْ وِلادتُها فعَظُمَ بطْنُها وضَرْعها: مُرِدٌّ. وَقَالَ الكسائيّ: ناقةٌ مُرْمِدٌ، على مِثَال مُكرِم، ومُرِدٌّ، مِثَال مُقِلَ، إِذا أَشرقَ ضَرْعُها، ووقَع فِيهِ اللَّبَنُ. وَقد تقدّم. وَقيل هُوَ وَرَمُ الحياءِ من الضَّبَعَة، وَقيل: أَردَّت النّاقَةُ هِيَ مُرِدٌّ: وَرِمَتْ أَرفاغُها وحَياؤُهَا من شرْب الماءِ.
(و) المُرِدّ: (شَاةٌ أَضْرعَتْ) ، وَقد أَردَّتْ.
(و) ناقةٌ مُرِدٌّ، وَكَذَا (جَمَلٌ) مُرِدٌّ، إِذا (أَكْثَرَ من شرْب الماءِ فثَقُلَ، ج مَرَادُّ) ، نُوقٌ مَرادُّ، وجِمَالٌ مَرادُّ.
(و) عَن ابْن الإِعرابيّ (الرُّدُود، كعُنُقٍ: القِباحُ من النَّاس) جَمْع رَدَ. وَقد تقدّم.
(و) الرَّديدُ، (كأَمير) : الشيءُ المَردود، قَالَ:
فَتًى لم تَلدْهُ بنْتُ عَمَ قَريبةٌ
فيَضْوَى وَقد يَضْوَى رَديدُ الغَرَائب
والرَّدِيدُ: الجَفْلُ من (السَّحاب هُرِيقَ ماؤُهُ.
(واستَرَدَّهُ) الشيءَ: (طَلَبَهُ وسأَلَه رَدَّهُ) ، أَي أَن يَرُدَّه عَلَيْهِ. كارتَدَّه.
(وَرَدَّاذٌ) ، ككَتَّانٍ: (اسمُ مُجَبِّرٍ، م) ، أَي معروفٌ (يُنسَب إِلــيه) المُجَبِّرون، (فَيُقَال لكُلِّ مُجَبِّرٍ رَدَّادِيٌّ) ، لذالك.
ورُئِي رَجلٌ يومَ الكُلَابِ يَشُدُّ على قَوْمٍ وَيَقُول: أَنا أَبو شَدَّادٍ. ثمَّ يَرُدُّ عَلَيْهِم وَيَقُول: أَنا أَبو رَدَّادٍ.
(والرَّادَّةُ: خَشَبَةٌ قد مُقَدَّمِ العَجَلَة تُعَرَّضُ بَيْنَ النَّبْعَيْنِ) .
وَمِمَّا يسْتَدرك عَلَيْهِ:
ارتَدَّ الشيءَ: رَدَّه، قَالَ مُلَيح:
بعَزْمٍ كَوَقْعِ السَّيْفِ لَا يَسْتَقِلُّهُ
ضَعِيفٌ وَلَا يَرْتَدُّهُ الدَّهْرَ عاذِلُ
وارتَدَّ عَن هِبَتِهِ: ارتَجَعها، قَالَ الزمخشريُّ: كَذَا سمعته عَن الْعَرَب، وأَنشد:
فيا بَطْحاءَ مَكَّةَ خبِّرِنِي
أَمَّا تَرْتَدُّنِي تِلْك البِقاعُ
ورَدَّ إِلــيه جَواباً: رَجَعَ، وارتَدَّ الشيءَ: طلَبَ رَدَّه عَلَيْهِ، قَالَ كُثَيِّرُ عَزَّةَ:
وَمَا صُحْبَتِي عَبْدَ العَزيزِ ومِدْحَتِي
بعارِيَّةٍ يَرْتَدُّهَا مَن يُعِيرُهَا
وهاذا مردُودُ القولِ، وَرديدُه.
ورَدَّدَ القولَ كَرَّرِ.
وَلَا خَيْرَ فِي قولٍ مَرْدُود، ومُرَدَّد.
ورادَّه القَوْلَ: رَاجعَه.
وتَرادَّا القَوْلَ.
ورادَّه البَيْعَ: قَايَلَه.
وتَرادَّ الماءُ: ارتَدَّ عَن مَجرَاه لحاجزٍ.
والرِّدُّ، بِالْكَسْرِ: الكَهْف، عَن كُراع. وَبِه فَسَّر بعضُهم قولَه تَعَالَى: {فَأَرْسِلْهِ مَعِىَ رِدْءاً} (الْقَصَص: 34) .
وَفِي الحَدِيث. (رُدُّوا السَّائِلَ وَلَو بِظِلْفٍ مُحْرَقٍ) . أَي أَعطوه، وَلم يُرِدْ رَدَّ الحِرْمَانِ والمنْع، كَقَوْلِك: سَلَّمَ فَرَدَّ عَلَيْهِ، أَي أَجابه. وَفِي حَدِيث آخَرَ: (لَا تَرُدُّوا السَّائِلَ وَلَو بِظِلْف) أَي لَا تَرُدُّوه رَدَّ حِرْمَانٍ بِلَا شيءٍ، وَلَو أَنه ظِلْفٌ.
وَقَول عُرْوَةَ بن الوَرْد:
وزَوَّدَ خَيْراً مالِكاً إِنَّ مَالِكًا
لَهُ رَدَّةٌ فِينا إِذا العَمُّ زَهَّدُوا
قَالَ شَمِرٌ: الرَّدَّة: العَطْفة عَلَيْهِم، والرَّغْبَة فيهم.
وَفِي حَدِيث الفِتن: (وَيكون عِنْد ذالِكُم القِتَالِ رَدَّةٌ شَدِيدَةٌ) . وَهُوَ بِالْفَتْح، أَي عَطْفَة قَويَّة.
وتَردَّدَ وتَرادَّ، تَرَاجَعَ.
وتَردَّدَ فِي الْجَواب: تَعثَّرَ لسانُه.
وَهُوَ يَتَرَدَّدُ بالغَدَوَات إِلــى مَجَالس العِلْم، ويَخْتَلِفُ إِلــيها. والرِّدُّ، بِالْكَسْرِ: الحَمُولَةُ من الإِبل. قَالَ أَبو مَنْصُور: سُمِّيَت رِدًّا لأَنها تُرَدُّ من مَرْتَعِها إِلــى الدّار يَوْم الظَّعْن.
ورجُلٌ مُتَرَدِّدٌ: مُجْتَمِعٌ قصير لَيْسَ بَسبْطِ الخَلْقِ. وَفِي صفته صلّى الله عليْه وسلْم: (لَيْسَ بالطَّوِيلِ البائِنِ وَلَا القَصير المُتَرَدِّدِ) أَي المتناهِي فِي القِصَرِ، كأَنَّه تَرَدَّدَ بَعْضُ خَلْقِه على بَعْض وتدَاخَلَتْ أَجزاؤُه.
وعُضْوٌ رَدِيدٌ: مُكْتَنِزٌ مُجتمِعٌ، قَالَ أَبو خِراش:
تَخاطَفُه الحُتُفُ فهُوَّ جَوْنٌ
كِنَازُ اللَّحْمِ فائِلُهُ رَدِيدُ
والرِّدَّة: البَقِيَّة، قَالَ أَبو صَخْر الهُذَليّ:
إِذا لم يَكُنْ بَين الحَبِيبَيْنِ رِدَّةٌ
سِوَى ذِكْره شَيْءٍ قد مَضَى دَرَس الذِّكْرُ
ومَرْدودٌ: فرسُ زِيادٍ أَخِي مُحرِّق الغسّانيّ.
والرَّوْدَدُ، كجَوْهرٍ: العاطِفُ، قَالَ رُؤبةُ:
وإِنْ رَأَيْنَا الحِجَجَ الرَّوادِدَا
قَوَاصِراً بالعُمْرِ أَو مَوادِدَا
أَورده الصاغانيُّ فِي تركيب: رَود. ورجلٌ مِرَدٌّ، بِالْكَسْرِ: كثيرُ الرَّدِّ والكَرِّ، قَالَ أَبو ذُؤَيْب:
مِرَدٌّ قد نَرَى مَا كَانَ منهُ
ولَكنْ إِنمَا يُدْعَى النَّجِيبُ
وَفِي الْمِصْبَاح: تَردَّدْت إِلــيه: رَجَعْتُ مرَّة بعدَ أُخرَى.
وَمن الْمجَاز: ضَيْعَةٌ كثيرةُ المَرَدِّ والرَّدّ، أَي الرَّيْع.
والرَّدَّادُ بنُ قَيسِ بن مُعَاويَة بن حَزْنٍ: بَطْنٌ.
وأَبُو الرَّدّاد عَمْرُو بن بِشْرٍ القَيسيّ، عَن بُرْد بن سِنانِ.
ومحمّد بن عبد الرَّحْمَن بن رَدَّاد، عَن يَحيى بن سَعيد الأَنصاريّ، ضعيفٌ.
وهِلالُ بن رَدّادٍ الكِنَانيّ عَن الزُّهْرِيّ وابنُه مُحَمَّد، سمع أَباه.
ومحمّد بن الخَضِرِ بن رَدَّاد الدِّمشقيّ، عَن عليّ بن خَشرمٍ، وأَبو الرَّدَّاد عبدُ الله بن عبد السَّلَام المصريّ المُؤذّن، صَاحب المِقْيَاس. وَفِي ولدِه أَمرُ المقْيَاس إِلــى الْآن.
وَمُحَمّد بنُ طَرخان بن رَدَّاد المَقْدسيّ، من شُيوخ مَنْصُور بن يسلم.

موازنات

موازنات
أقصد بعقد هذه الموازنات أن نتبين الدقة القرآنية في تصوير المعنى تصويرا ينقل إلــى النفس الفكرة نقلا أمينا، ولكنى لا أريد أن أعقد كل ما يمكن من الموازنات، فذلك ما لم يتيسر لى القيام به إلــى اليوم، فضلا عن أنه فوق طاقتى، وكل ما أريده الآن هو عرض ما أمكننى من هذه الموازنات، راجيا أن أوفق إلــى الإكثار منها، بقدر ما أستطيعه في قابل الطبعات إن شاء الله.
1 - قال تعالى: وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (يس 39).
وقال ابن المعتز:
ولاح ضوء هلال كاد يفضحنا ... مثل القلامة قد قدّت من الظفر
وقال أيضا:
انظر إلــيه كزورق من فضة ... قد أثقلته حمولة من عنبر
وقال أيضا:
انظر إلــى حسن هلال بدا ... يهتك من أنواره الحندسا
كمنجل قد صيغ من فضة ... يحصد من زهر الدجى نرجسا
وقال السرىّ الرفاء:
وكأن الهلال نون لجين ... غرّقت في صحيفة زرقاء
وقال أيضا:
ولاح لنا الهلال كشطر طوق ... على لبّات زرقاء اللباس
تتحدث هذه النصوص كلها عن الهلال، ولكى ندرك الفرق في القيمة بين هذه النصوص بعضها وبعض، نتبين معنى كل نص منها، لنرى أيها أدق وأوفى:
أما الآية الكريمة فإنها تتحدث عن تلك التنقلات التى تحدث للقمر بقدرة الله، فبينا هو وليد، إذا به ينمو رويدا رويدا، حتى يصبح بدرا مكتملا، ثم يعود أدراجه، وينقص قليلا قليلا، حتى يعود كعود الكباسة القديم، دقيقا معوجا لا يكاد يرى، ولا يؤبه له، بعد أن كان ملء البصر، وملء الفؤاد، وأنت بذلك ترى أن التشبيه الذى جاء في الآية كان له نصيب في أداء المعنى، ولم يجئ بعد أن استوفى المعنى تمامه، وكان دقيقا أتم دقة، فى أداء المعنى وتصويره كاملا.
أما بيت ابن المعتز الأول، فإن التشبيه الذى أورده لا دخل له أصلا في الفكرة التى يريد نقلها إلــى قارئه، فإن كون الهلال مثل قلامة الظفر لا دخل له في أنه كاد يفضحهم، بل على العكس يقلل من شأن الفكرة ويضعفها، فإن هذا الهلال الضئيل الذى يشبه قلامة الظفر، خليق به ألا يكون له أثر ما في تبديد ظلمة الليل المتكاثفة، وخليق به ألا يفضحهم ولا يبين عن مكانهم، وبذلك ترى أن الصلة ليست وثيقة بين شطرى البيت، ولا بين التشبيه والفكرة التى جاء من أجلها.
وفي بيته الثانى سبق أن بينا وجوه النقص فيه ، وتحدثنا عن أن نفاسة المشبّه به لا ترفع من شأن التشبيه، ولا تستر ما فيه من ضعف، وذكرنا أن انتزاع الصورة من
الخيال لا يزيد المشبه وضوحا، ولا يمنحه قوة.
أما بيته الثالث فضعيف متهالك، لم يصور الهلال كما تراه العين، ولا كما تحس به النفس، ففضلا عن غفلة ابن المعتز عما يبعثه الهلال الجديد من آمال جديدة في النفس، ووقوفه عند حد التصوير البصرى لم يوفق في هذا التصوير، فإن الهلال في نظر العين هادئ ساكن، والمنجل في يد الحاصد متحرك في سرعة، فكيف نتخيل الهلال منجلا يحصد، وهو لم يتحرك، ثم ما الصلة بين زهر الدجى وبين النرجس، وكيف يحصد الهلال هذا الزهر، والزهر باق في مكانه لا ينمحى ولا يزول، والعهد بما يحصد أن يتخلى عن مكانه. ومن ذلك ترى نقص التشبيه وقصوره.
واقتصر السّرى الرفاء على التصوير البصرى أيضا ثمّ فاتته الدقة عند ما جعل هذه النون من اللجين غريقة في صحيفة زرقاء، فصور لنفسك أى قدر هذه التى تشبه بها السماء، وتأمل أهناك سبب يدعو إلــى جعل هذه النون غريقة في تلك القدر الضخمة؟! فالغريق يعلو، ويهبط، ويبدو، ويختفى، مما لا تراه العين في الهلال الهادى المطمئن.
وانظر، أتجد في بيته الثانى تشبيها زادك شعورا بالهلال عند ما جعله نصف طوق فضلا عن عدم دقته؟! وتأمل أى صلة تربط بين السماء ولبة فتاة تلبس ثيابا زرقاء؟!. وبذلك العرض الموجز تتبين الفرق بين تشبيه القرآن الدقيق المصور وبين تلك التشبيهات الضعيفة العرجاء.
2 - وأطال القدماء في الموازنة بين قوله تعالى: وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ (البقرة 179). وقولهم: «القتل أنفى للقتل». قالوا: وفضله عليه من وجوه:
أولها: أن الآية الكريمة أقل حروفا من كلامهم.
وثانيها: النص على المطلوب وهو ثبوت الحياة، بخلاف قولهم لأنه إنما يدل على المطلوب باللزوم، من جهة أن نفى القتل يستلزم ثبوت الحياة.
وثالثها: أن تنكير حياة يفيد تعظيما لمنعهم عما كانوا عليه من قتل جماعة بواحد.
ورابعها: اطراده، بخلاف قولهم، فإن القتل ينفى القتل إذا كان على وجه القصاص المشروع، وقد يكون أدعى للقتل، كما إذا وقع ظلما، كقتلهم غير القاتل، وظاهر العبارة يحتمل المعنيين بخلاف القصاص.
وخامسها: أن فيه تكريرا غيره أبلغ منه، ومتى كان التكرير كذلك فهو مقصر عن أقصى طبقات البلاغة.
وسادسها: استغناؤه عما ذكره أكثر من حذفه، وهو (من) بعد أفعل التفضيل الواقع خبرا.
وسابعها: أن القصاص سبب للموت الذى هو ضد الحياة، فما في الآية ملحق بالطباق.
وثامنها: سلامة الآية الكريمة من لفظ القتل المشعر بالوحشة، وتاسعها ظهور العدل في كلمة القصاص.
3 - وتحدث الشعراء عن الصبح، فقال السرى الرفاء:
انظر إلــى الليل، كيف تصدعه ... راية صبح مبيضة العذب
كراهب جن للهوى طربا ... فشق جلبابه من الطرب
وقال الشريف الرضى:
وكأنما أولى الصباح وقد بدا ... فوق الطويلع راكب متلثم
وأذاع بالظلماء فتق واضح ... كالطعنة النجلاء يتبعها دم
وقال أيضا:
وليلة خضتها على عجل ... وصبحها بالظلام معتصم تطلع الفجر من جوانبها ... وانفلتت من عقالها الظلم
وقال أيضا:
والصبح قد أخذت أنامل كفه ... فى كل جيب للظلام مزرر
فكأنما في الغرب راكب أدهم ... يحتثه في الشرق راكب أشقر
وليس كل ذلك الشعر بباعث إلــى نفسك الشعور بما في الصبح من يقظة وحياة، كما يبعثه إلــى نفسك تلك الكلمة القرآنية المختارة: وَالصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ (التكوير 18).
فإنها تحمل إلــيك معنى الحياة التى دبت في الكون بعد طول هجوعه، واليقظة التى شملته بعد رقاد وهمود، ويصور لك الوجود، وقد بدأ يفتح عينيه وينهض من سبات، أما هذه الأبيات من الشعر فإنها وقفت تتلمس لهذه الظاهرة الكونية شبيها بصريا، وقد أخفقت جميعها في هذا التصوير البصرى، فشعر السرى الرفاء تلمس للصبح مثيلا، فوجد في الراية ذات العذبات البيض شبيها له، ولا شىء يجمع بين المشبه والمشبه به سوى هذا اللون الأبيض، أما الإحساس النفسى فلا دخل له في الربط بين هذين الطرفين، ثم جعل السرى الليل راهبا، ولا ندرى كيف يدفع الهوى راهبا إلــى الجنون وهو راهب، وليت شعرى ما الذى يبدو من الراهب إذا شق ثوبه؟! وإذا كان الراهب أسود اللون فهل يبدو تحت جلبابه سوى السواد، وشق الثوب من مجنون إنما يكون في سرعة لا تمثل ضوء الصباح الزاحف في بطء.
أما شعر الشريف الرضى الأول فقد أجهدت ذهنى في أن أربط صلة بين الصبح والراكب المتلثم، فلم أجد رابطا ذا قيمة يصل بينهما، ولماذا اختار الشاعر الراكب دون الماشى؟ وما لون هذا الراكب؟ وعلى أى شىء يركب؟ وهل الصبح كمتلثم يظل متلثما، ثم يبدى صفحة وجهه دفعة واحدة؟ وما الصورة التى ترتسم في ذهنك لهذا الصبح المتلثم الراكب؟ وهل هيئة الصبح تشبه هيئة راكب متلثم؟ وفيم؟
كل هذه أسئلة تخرج منها بوهن الصلة بين الصبح وهذه الصورة التى يرسمها الشاعر، وفي البيت الثانى يصور لك هذا الصبح، وما فيه من جمال وروعة، تبعث فى النفس حب الجمال لهذه الطبيعة الباسمة المشرقة- صورة دامية بشعة، تثير فى النفس الخوف والألم والنفور، صورة طعنة نجلاء يقطر منها الدم، وسبب ذلك إغفال الجانب النفسى الشعورى من الشاعر عند التشبيه، والوقوف عند حد اللون الذى يربط لون الصبح بتلك الآلة الحادة الطاعنة، وذلك الضوء الأحمر الحى تزجيه الشمس بين يديها، ولون قطرات الدماء، ألا ما أعظم الفرق بين الشعورين! وما أقوى أن يتنافرا، حتى لا يجمع بينهما رباط! وأخطأ الشريف الرضى التوفيق أيضا عند ما وصف الصبح يسفر بعد ظلام الليل، وإن كانت هذه الصورة في بعض نواحيها أضوأ من صاحبتها، عند ما قال:
«تطلع الصبح من جوانبها»، ففي هذا التصوير نوع من الحياة، ولكنه بعيد كل البعد عن أن يصور حياة تكون كما صورتها الآية الكريمة، أما باقى الصورة التى ترسمها الأبيات فقد أخطأت في رسم هذه الظاهرة الطبيعية، فإن الشعر يصور لك أن الصبح لم يلبث أن أطل من الأفق، حتى مضى الليل مسرعا يهرول في جريه، كأنما قد أسفر الصبح ومضى الليل بين غمضة عين وانتباهتها، وذلك تصوير غير دقيق، لأن الليل ينحسر قليلا قليلا عن الصبح، حتى يتم أسفاره، كما أن النهار ينحسر قليلا قليلا، تاركا الكون لظلام الليل، وعبر القرآن عن ذلك في قوله سبحانه: وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ (يس 37). فاستخدم كلمة السلخ لتوحى بما ذكرناه.
وعاد في شعره الثالث إلــى الراكب، لا يلمح من جمال الصبح وبهجته سوى لونه، ونقدنا لهذا الشعر هو ما سبق أن أوضحناه.
4 - ووصف الرسول كتاب الله، كما وصف الله كتابه في القرآن، فقال النبى:
«إن أحسن الحديث كتاب الله، قد أفلح من زينة الله في قلبه، وأدخله في الإسلام بعد الكفر، واختاره على ما سواه من أحاديث الناس، إنه أصدق الحديث وأبلغه » وقال تعالى: اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلــى ذِكْرِ اللَّهِ ذلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ (الزمر 23). وأنت ترى الفرق واضحا بين قوة الكلامين، والمنهجين، والاتجاهين.
5 - وصاغ أبو بكر جملة على مثال الجملة القرآنية، فقال من خطبة له:
«واعلموا أن أكيس الكيس التقى » على مثال قوله تعالى: وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى (البقرة 197)، ولا ريب أن النص القرآنى، يصور تلك الرحلة التى ينتقل فيها الإنسان من الحياة الدنيا إلــى الآخرة، وهى رحلة تنتهى بحياة خالدة يحتاج المرء فيها إلــى زاد يعيش عليه، فتصوير التقوى بأنها خير زاد يوحى بذلك كله، كما يوحى بالحاجة إلــيها، كما يحتاج المسافر إلــى ما يتزود به في غربته، ولم تزد جملة أبى بكر على أن وصفت التقوى بأنها أحكم ما يتصف به العقلاء، فلم توح الجملة إلــى النفس بما أوحت به جملة القرآن. 6 - ومن كتاب أرسله أبو عبيدة ومعاذ بن جبل إلــى عمر بن الخطاب: «إنّا نحذرك يوما تعنو فيه الوجوه وتجب فيه القلوب »، وقد وصف القرآن هذا اليوم، فقال: رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقامِ الصَّلاةِ وَإِيتاءِ الزَّكاةِ يَخافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصارُ (النور 37)، وكلمة «التقلب» فى الآية أشد دلالة على ما يصيب القلوب من الفزع والاضطراب في ذلك اليوم، من الوجيب، فضلا عما فى النص القرآنى من خلوصه من تكرير «فيه» الواردة في الرسالة.
7 - وعند ما يتأثر الشاعر القرآن، يبدو الفرق واضحا بين الأصل والتقليد، وأصغ إلــى حسان يقول:
وهل يستوى ضلال قوم تسفهوا ... عمى، وهداة يهتدون بمهتد
أخذه من قوله سبحانه: قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ وَالنُّورُ (الرعد 16). فأنت ترى حسان يوازن بين ضلّال وهداة، وليس الفرق بينهما من الوضوح والقوة كالفرق بين الأعمى والبصير، والظلمات والنور، فالفرق هنا واضح ملموس، يشعر به الناس جميعا، حتى إذا اطمأنت النفس إلــى هذا الفرق، وآمنت بأن هناك بونا شاسعا بينهما، انتقلت من ذلك إلــى تبين مدى ما بين الضال والمهتدى من فرق بعيد.
8 - وقال حسان أيضا في رثاء رسول الله:
عزيز عليه أن يحيدوا عن الهدى ... حريص على أن يستقيموا ويهتدوا
أخذه من قوله تعالى: عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (التوبة 128). وقوة الآية القرآنية تبدو في إظهار نتيجة الحيد عن الهدى، وهى الهلاك والعذاب، وفي ذلك من التخويف لهم ما فيه، فهو يبرز هذه النتيجة كأنها حقيقة واقعة، تؤلم الرسول، وتثقل عليه، وتبدو هذه القوة أيضا في تعميم الحرص، فهو حريص على هدايتهم، حريص على خيرهم، حريص على أن يظفروا فى الآخرة بالثواب والنعيم المقيم، وكل ذلك وأكثر منه يفهم من قوله: «حريص عليكم»، أما حسان فقد خصص ولم يطلق.
9 - وقال حسان في غزوة بدر:
سرنا وساروا إلــى بدر لحينهم ... لو يعلمون يقين العلم ما ساروا
دلاهمو بغرور، ثم أسلمهم ... إن الخبيث لمن ولاه غرار
وقال: إنى لكم جار، فأوردهم ... شر الموارد، فيه الخزى والعار ثم التقينا، فولوا عن سراتهم ... من منجدين، ومنهم فرقة غاروا
يستوحى ذلك من قوله تعالى: وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ وَقالَ لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ وَقالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقابِ (الأنفال 48). وتأمل التصوير القوى البارع في القرآن لتزيين الشيطان أعمال الكافرين لهم، فإن القرآن قد نقل ذلك الحديث الذى أوحى به الشيطان إلــى أوليائه وكيف ملأ قلبهم بالغرور، وهنا يجمل حسان، بينما يفصل القرآن، وفي هذا التفصيل سر الحياة، تلك الحياة التى ترينا الشيطان ناكصا على عقبيه، عند ما تراءت الفئتان، يبرأ من هؤلاء الذين غرهم بخداعه، وأسلمهم إلــى الموت بكذبه وإيهامه، وهذه الحياة هى التى تنقص شعر حسان.
10 - وتأمل الفرق في الأسلوب، عند ما حور النابغة الجعدى أسلوب القرآن قليلا، فقال:
الحمد لله، لا شريك له ... من لم يقلها فنفسه ظلما
المولج الليل في النهار، وفي اللي ... ل نهارا، يفرج الظلما
فقد حور قوله سبحانه: يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ (الحج 61). فحذف المولج، وتقديم في الليل، وتنكير نهارا، والمجيء بجملة «يفرج الظلما»، كل ذلك أضعف أسلوب الشاعر، وباعد بينه وبين الأسلوب القوى للقرآن.
11 - وخذ قول الشاعر:
فإنك لا تدرى بأية بلدة ... تمت، ولا ما يحدث الله في غد
المستمد من قوله تعالى: وَما تَدْرِي نَفْسٌ ماذا تَكْسِبُ غَداً وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ (لقمان 34)، تر التعميم في الآية الكريمة أكسبها فخامة وقوة، والتعبير بتكسب فيه تصريح بعجز النفس عن أن تعرف ما تعمله هى نفسها في الغد، وذلك ما لا تجده عند الشاعر الذى عمم فيما يحدثه الله في غد، ولم يكن لهذا التعميم ما للتخصيص من قوة التعجيز.
12 - وهذا الشعر الذى ينسب إلــى حمزة في غزوة بدر، يتحدث عن الكفار:
أولئك قوم قتلوا في ضلالهم ... وخلوا لواء غير محتضر النصر
لواء ضلال قاد إبليس أهله ... فخاس بهم، إن الخبيث إلــى غدر
فقال لهم إذ عاين الأمر واضحا: ... برئت إلــيكم، ما بى اليوم من صبر
فإنى أرى ما لا ترون، وإننى ... أخاف عقاب الله، والله ذو قسر
فقدمهم للحين، حتى تورطوا ... وكان بما لم يخبر القوم ذا خبر وهو يستوحى كحسان قوله تعالى: وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ ... (الأنفال 48) فأى فرق شاسع بين الأسلوبين وبين التصويرين، فالأسلوب في الشعر متهاو ضعيف، بينما هو في الآية قوى رائع، يصور الشيطان وقد ملأ أفئدتهم إعجابا بأعمالهم، فاغتروا بها، وتكاد تستمع إلــى وسوسته، وهو يؤكد لهم أنه لا غالب لهم اليوم من الناس ما دام جارا لهم، وتتخيله موليا الأدبار بعد أن تراءت الفئتان، وبدت أمام عينيه الهزيمة، فيسلم قومه إلــى القتل، ويفر غادرا بهم، ويرن فى أذنك براءته منهم، معللا ذلك بأنه يرى ما لا يرون، وبأنه يخاف الله، وفي ذلك التصوير من التهكم بهم ما فيه.
أما الشعر فبيّن الضعف، يصف اللواء بأنه غير محتضر النصر. وقوله: إذ عاين الأمر واضحا، ليس بأسلوب شعرى. والفرق قوى بين: والله شديد العقاب، وقوله:
والله ذو قسر، وأنت ترى أنه برغم أن المعنى قد أوضحه القرآن، لم يستطع الشاعر أن ينهض إلــى مستوى رفيع.
... وللباقلانى منهج في الموازنة، يبين به فضل كتاب الله، هو «أن تنظر أولا في نظم القرآن، ثم في شىء من كلام النبى صلّى الله عليه وسلم، فتعرف الفصل بين النظمين، والفرق بين الكلامين، فإن تبين لك الفصل، ووقعت على جلية الأمر، وحقيقة الفرق، فقد أدركت الغرض، وصادفت المقصد، وإن لم تفهم الفرق، ولم تقع على الفصل، فلا بدّ لك من التقليد، وعلمت أنك من جملة العامة، وأن سبيلك سبيل من هو خارج عن أهل اللسان »، ثم أورد الباقلانى بعض خطب الرسول وكتبه، وعلق عليها بقوله: «ولا أطول عليك، وأقتصر على ما ألقيته إلــيك، فإن كان لك في الصنعة خطر ... فما أحسب أن يشتبه عليك الفرق بين براعة القرآن، وبين ما نسخناه لك من كلام الرسول صلّى الله عليه وسلم في خطبه ورسائله، وما عساك تسمعه من كلامه، ويتساقط إلــيك من ألفاظه، وأقدر أنك ترى بين الكلامين بونا بعيدا، وأمدا مديدا، وميدانا واسعا، ومكانا شاسعا  ... ».
«فإذا أردت زيادة في التبيين ... فتأمل (هداك الله) ما ننسخه لك من خطب الصحابة والبلغاء، لتعلم أن نسجها ونسج ما نقلنا من خطب النبى صلّى الله عليه وسلم واحد وسبكها سبك غير مختلف، وإنما يقع بين كلامه وكلام غيره ما يقع من التفاوت بين كلام الفصيحين، وبين شعر الشاعرين ... فإذا عرفت أن جميع كلام الآدمى منهاج، ولجملته طريق، وتبينت ما يمكن فيه من التفاوت- نظرت إلــى نظم القرآن نظرة أخرى، وتأملته مرة ثانية، فترى بعد موقعه وعالى محله وموضعه  ... » ثم يورد بعض خطب البلغاء وكتبهم، ويقول: «تأمل ذلك وسائر ما هو مسطر من الأخبار المأثورة عن السلف وأهل البيان واللسن، والفصاحة والفطن ... فسيقع لك الفضل بين كلام الناس وبين كلام رب العالمين، وتعلم أن نظم القرآن يخالف نظم كلام الآدميين ... فإن خيل إلــيك، أو شبه عليك، وظننت أنه يحتاج أن يوازن بين نظم الشعر والقرآن، لأن الشعر أفصح من الخطب، وأبرع من الرسائل وأدق مسلكا من جميع أصناف المحاورات ... فتأمل ما نرتبه ينكشف لك الحق: إذا أردنا تحقيق ما ضمناه لك فمن سبيلنا أن نعمد إلــى قصيدة متفق على كبر محلها وصحة نظمها، وجودة بلاغتها ومعانيها، وإجماعهم على إبداع صاحبها فيها، مع كونه من الموصوفين بالتقدم في الصناعة، والمعروفين بالحذق في البراعة، فنقفك على مواضع خللها، وعلى تفاوت نظمها، وعلى اختلاف فصولها، وعلى كثرة فضولها، وعلى شدة تعسفها، وبعض تكلفها، وما تجمع من كلام رفيع يقرن بينه، وبين كلام وضيع، وبين لفظ سوقى يقرن بلفظ ملوكى  ... » ثم عرض تطبيقا على منهجه معلقة امرئ القيس، وأخذ يبين ما فيها من مجال النقص، ووجوه العيب، ثم قال: «وقد بينا لك أن هذه القصيدة ونظائرها تتفاوت في أبياتها تفاوتا بينا في الجودة والرداءة، والسلاسة والانعقاد، والسلامة والانحلال، والتمكن والتسهل، والاسترسال والتوحش والاستكراه، وله شركاء في نظائرها، ومنازعون فى محاسنها، ومعارضون في بدائعها، ولا سواء كلام ينحت من الصخر تارة، ويذوب تارة، ويتلون تلون الحرباء، ويختلف اختلاف الأهواء، ويكثر في تصرفه اضطرابه، وتتقاذف به أسبابه، وبين قول يجرى في سبكه على نظام، وفي رصفه على منهاج، وفي وضعه على حد، وفي صفائه على باب، وفي بهجته ورونقه على طريق، مختلفه مؤتلف، ومؤتلفه متحد، ومتباعده متقارب وشارده مطيع، ومطيعه شارد، وهو على متصرفاته واحد، لا يستصعب في حال، ولا يتعقد في شأن ».
ذلك هو منهج الباقلانى في الموازنات.
... وإن مجال الموازنات لمتسع بين القرآن والشعر عند ما يكون الموضوع واحدا، فقد تحدث القرآن والشعر عن كثير من الغزوات ولم يستطع الشعر برغم تقليده في كثير من الأحيان للقرآن أن يصل إلــى السمو القرآنى، وأن يتناول شتى الأغراض التى تنتظم شئون الجماعة الإسلامية، فى حين أن الشعر الذى تحدث عن هذه الغزوات ضعيف في جملته لا يخرج عن أغراض الشعر المعروفة يومئذ من مدح أو هجاء أو فخر أو رثاء. 

مَيّافارِقِين

مَيّافارِقِين:
بفتح أوله، وتشديد ثانيه ثم فاء، وبعد الألف راء، وقاف مكسورة، وياء، ونون، قال بعض الشعراء:
فإن يك في كيل اليمامة عسرة ... فما كيل ميّافارقين بأعسرا
وقال كثيّر:
مشاهد لم يعف التنائي قديمها، ... وأخرى بميّافارقين فموزن
ميّافارقين: أشهر مدينة بديار بكر، قالوا: سميت بميّا بنت لأنها أول من بناها، وفارقين هو الخلاف
بالفارسية يقال له بارجين، لأنها كانت أحسنت خندقها فسميت بذلك، وقيل: ما بني منها منها بالحجارة فهو بناء أنوشروان بن قباذ وما بني بالآجرّ فهو بناء أبرويز، قال بطليموس: مدينة ميّافارقين طولها أربع وسبعون درجة وأربعون دقيقة، وعرضها سبع وثلاثون درجة وثلاثون دقيقة، داخلة في الإقليم الخامس، طالعها الجبهة، بيت حياتها ثلاث درج من العقرب، لها شركة في السماك الشامي وحرب في قلب الأسد تحت أربع عشرة درجة من السرطان، يقابلها مثلها من الجدي، بيت ملكها مثلها من الحمل، رابعها مثلها من الميزان، وقال صاحب الزيج: طول ميافارقين سبع وخمسون درجة ونصف وربع، وعرضها ثمان وثلاثون درجة، والذي يعتمد عليه أنها من أبنية الروم لأنها في بلادهم، وقد ذكر في ابتداء عمارتها أنه كان في موضع بعضها اليوم قرية عظيمة وكان بها بيعة من عهد المسيح وبقي منها حائط إلــى وقتنا هذا، قالوا:
وكان رئيس هذه الولاية رجلا يقال له ليوطا فتزوج بنت رئيس الجبل الذي هناك يسكنه في زماننا الأكراد الشامية وكانت تسمّى مريم فولدت له ثلاثة بنين كان اثنان منهم في خدمة الملك ثيودسيوس اليوناني الذي دار ملكه برومية الكبرى وبقي الأصغر وهو مرّوثا فاشتغل بالعلوم حتى فاق أهل عصره فلما مات أبوه جلس في مكانه في رياسة هذه البلاد وأطاعه أهلها، وكان ملك الروم مقيما بدار ملكه برومية وكان تحت حكمه إلــى آخر بلاد ديار بكر والجزيرة، وكان ملك الفرس حينئذ سابور ذو الأكتاف، وكان بينه وبين ملك الروم ثيودسيوس منازعة وحروب مشهورة، وكان ثيودسيوس قد تزوّج امرأة يقال لها هيلانة من أهل الرّها فأولدها قسطنطين الذي بنى مدينة قسطنطينية ثم مات ثيودسيوس فملّكوا هيلانة إلــى أن كبر ابنها قسطنطين فاستولى على الملك برومية الكبرى ثم اختار موضع قسطنطينية فعمّرها هناك وصارت دار ملك الروم، وبقي مرّوثا بن ليوطا المقدم ذكره مقيما بديار بكر مطاعا في أهلها وكان له همة في عمارة الأديرة والكنائس فبنى منها شيئا كثيرا فأكثر ما يوجد من ذلك قديم البناء فهو من إنشائه، وكان ربّ ماشية، وكان الفرس مجاوريه فكانوا يغيرون عليه ويأخذون مواشيه فعمد إلــى أرض ميافارقين فقطع جميع ما كان حولها من الشوك والشجر وجعله سياجا على غنمه من اللصوص الذين يسرقون أمواله، فيقال إنه كان لملك الفرس بنت لها منه منزلة عظيمة فمرضت مرضا أشرفت منه على الهلاك وعجز عن إصلاحها أطباء الفرس فأشار عليه بعض أصحابه باستدعاء مرّوثا لمعالجتها، فأرسل إلــى قسطنطين ملك الروم يسأله ذلك، فأنفذه إلــيه ووصل إلــى المدائن وعالج المرأة فوجدت العافية، فسرّ سابور بذلك وقال لمرّوثا:
سل حاجتك، فسأله الصلح والهدنة، فأجاب إلــيه وكتب بينه وبين قسطنطين عهدا بالهدنة مدّة حياتهما، فلما أراد مرّوثا الرجوع عاود سابور في ذكر حاجة أخرى فقال: إنك قتلت خلقا كثيرا من النصارى وأحب أن تعطيني جميع ما عندك في بلادك من عظام الرهبان والنصارى الذين قتلهم أصحابك، فرتب معه الملك من سار في بلاده ليستخرج له ما أحبّ من ذلك بعد البحث حتى جمع منه شيئا كثيرا فأخذه معه إلــى بلده ودفنها في الموضع الذي اختاره من دياره ومضى إلــى قسطنطين وعرّفه ما صنع بالهدنة، فسرّ به وقال له: سل حاجتك، فقال: أحب أن يساعدني الملك في بناء موضع في ذلك الدّوار الذي جعلته لغنمي ويعاونني بجاهه وماله، فكتب إلــى كل من يجاوره بمساعدته بالمال والنفس ورجع مرّوثا إلــى دياره فساعده من حوله
حتى أدار عوضا من الشوك حائطا كالسور وعمل فيه طاقات كثيرة سدّها بالشوك ثم سأل الملك أن يأذن له أن يبني في جانب حائطه حصنا يأمن به غائلة العدوّ الذي يطرق بلاده، فأذن له في ذلك، فبنى البرج المعروف ببرج الملك وبنى البيعة على رأس التلّ وكتب اسم الملك على أبنيته، ووشى به قوم إلــى الملك قسطنطين وزعموا أنه فعل ما فعل للعصيان، فسيّر الملك رجلا وقال له: انظر فإن كان بناؤه بيعة وكتب اسمي على ما بناه فدعه بحاله وإلّــا فانقض جميع ما بناه وعد، فلما رأى اسم الملك على السور رجع وأخبر قسطنطين بذلك فأقره على بنائه وأعجبه ما صنع من كتابة اسم الملك على ما جدّده وأنفذ إلــى جميع من في تلك الديار من عماله بمساعدة مرّوثا على بناء مدينة بحيث بنى حائطه وأطلق يده في الأموال فعمرها وجعل في كل طاقة من تلك الطيقان التي ذكرنا أنه سدّها بالشوك عظام رجل من شهداء النصارى الذين قدم بهم من عند سابور فسميت المدينة مدورصالا، ومعناه بالعربية مدينة الشهداء، فعرّبت على تطاول الأيام حتى صارت ميّافارقين، هكذا ذكروه وإن كان بين اللفظتين تباين وتباعد، وحصّنها مروثا وأحكمها، فيقال إنها إلــى وقتنا هذا وهو سنة 620 لم تؤخذ عنوة قط، وآمد بالقرب منها وهي أحصن منها وأحسن قد أخذت بالسيف مرارا، قالوا:
وأمر الملك قسطنطين وزراءه الثلاثة فبنى كل واحد منهم برجا من أبرجتها فبنى أحدهم برج الرومية والبيعة بالعقبة، وبنى الآخر برج الراوية المعروف الآن ببرج علي بن وهب وبيعة كانت تحت التلّ وهي الآن خراب وأثرها باق مقابل حمّام النجارين، وبنى الثالث برج باب الربضّ والبيعة المدورة وكتب على أبراجها اسم الملك وأمه هيلانة وجعل لها ثمانية أبواب، منها:
باب أرزن ويعرف بباب الخنازير ثم تسير شرقا إلــى باب قلونج وهو بين برج الطبّالين وبين برج المرآة ومكتوب عليه اسم الملك وأمه، وإنما سمي برج المرآة لأنه كان عليه بين البرجين مرآة عظيمة يشرق نورها إذا طلعت الشمس على ما حولها من الجبال وأثرها باق إلــى الآن وبعض الضباب الحديد باق إلــى الآن، ثم عمل بعد ذلك باب الشهوة وهو من برج الملك ثم تسير من جانب الشمال إلــى أن تصل إلــى البرج الذي فيه الموسوم بشاهد الحمّى، وهناك باب آخر وهو من الربض إلــى المدينة ومقابل أرزن القبلي نصبا، ثم تسير إلــى الجانب الشمالي وكان هناك باب الربض بين البرجين، ثم تنزل في الغرب إلــى القبلة وهناك باب يسمى باب الفرح والغم لصورتين هناك منقوشتين على الحجارة، فصورة الفرح رجل يلعب بيديه وصورة الغمّ رجل قائم على رأسه صخرة جماد، فلذلك لا يبيت أحد في ميافارقين مغموما إلــا النادر، والآن يسمى هذا الباب باب القصر العتيق الذي بناه بنو حمدان، ثم تسير إلــى نحو القبلة إلــى أسفل العقبة وهناك باب عند مخرج الماء، وفي جانب القبلي في السور الكبير باب فتحه سيف الدولة من القصر العتيق وسماه باب الميدان وكان يخرج في الفصيل إلــى باب الفرح والغم وليس مقابله في الفصيل باب، وفي برج علي بن وهب في الركن الغربي القبلي في أعلاه صليب منقور كبير يقال إنه مقابل البيت المقدس وعلى بيعة قمامة في البيت المقدس صليب مثل هذا مقابله، ويقال إن صانعهما واحد، وقيل إنه كان مدة عمارتها حتى كملت ثماني عشرة سنة، فإن صح هذا فهو إحدى العجائب لأن مثل تلك العمارة لا يمكن استتمام مثلها إلــا في أضعاف هذه السنين، وقيل إنه ابتدئ بعمارتها بعد المسيح بثلاثمائة سنة وكان ذلك لستمائة
وثلاث وعشرين سنة من تاريخ الإسكندر اليوناني، وقيل إن أول عمارتها في أيام بطرس الملك في أيام يعقوب النبي، عليه السّلام، وقيل إن مرّوثا بنى في المدينة ديرا عظيما على اسم بطرس وبولس اللذين هما في البيعة الكبرى وهو باق إلــى زماننا هذا في المحلة المعروفة بزقاق اليهود قرب كنيسة اليهود وفيها جرن من رخام أسود فيه منطقة زجاج فيها من دم يوشع بن نون وهو شفاء من كل داء وإذا طلي به على البرص أزاله، يقال إن مروثا جاء به معه من رومية الكبرى عند عوده من عند الملك، وما زالت ميافارقين بأيدي الروم إلــى أيام قباذ بن فيروز ملك الفرس فإنه غزا ديار بكر وربيعة وافتتحها وسبى أهلها ونقلهم إلــى بلاده وبنى لهم مدينة بين فارس والأهواز فأسكنهم فيها وجعل اسمها أبزقباذ، وقيل هي أرّجان ويقال لها الاستان الأعلى أيضا، ثم ملك بعده ابنه أنوشروان بن قباذ ثم هرمز بن أنوشروان ثم أبرويز بن هرمز وكان أبرويز مشتغلا بلذاته غافلا عن مملكته فخرج هرقل ملك الروم صاحب عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، فافتتح هذه البلاد وأعادها إلــى مملكة الروم وملكها بأسرها ثماني سنين آخرها سنة ثماني عشرة للهجرة، وبعد أن فتحت الشام وجاء طاعون عمواس ومات أبو عبيدة بن الجرّاح أنفذ عمر، رضي الله عنه، عياض بن غنم بجيش كثيف إلــى أرض الجزيرة فجعل يفتحها موضعا موضعا، ووجدت بعض من يتعاطى علم السير قد ذكر في كتاب صنفه أن خالد بن الوليد والأشتر النخعي سارا إلــى ميافارقين في جيش كثيف فنازلاها فيقال إنها فتحت عنوة، وقيل صلحا على خمسين ألف دينار على كل محتلم أربعة دنانير، وقيل دينارين وقفيز حنطة ومدّ زيت ومدّ خل ومدّ عسل وأن يضاف كل من اجتاز بها من المسلمين ثلاثة أيام، وجعل للمسلمين بها محلة وقرر أخذ العشر من أموالهم، وكان ذلك بعد أخذ آمد، قال: وكان المسلمون لما نزلوا عليها نزلوا بمرج هناك على عين ماء فنصبوا رماحهم هناك بالمرج فسمي ذلك الموضع عين البيضة إلــى الآن، وإياها عنى المتنبي في قوله يصف جيشا:
ولما عرضْتَ الجيش كان بهاؤه ... على الفارس المرخى الذؤابة منهم
حواليه بحر للتجافيف مائج، ... يسير به طود من الخيل أيهم
تساوت به الأقطار حتى كأنه ... يجمّع أشتات الجبال وينظم
وأدّبها طول القتال وطرفه ... يشير إلــيها من بعيد فتفهم
تجاوبه فعلا وما تسمع الوحى، ... ويسمعها لحظا وما يتكلّم
تجانف عن ذات اليمين كأنها ... ترقّ لميّافارقين وترحم
ولو زحمتها بالمناكب زحمة ... درت أيّ سوريها الضعيف المهدّم

الدّلالة

الدّلالة:
[في الانكليزية] Semantic
[ في الفرنسية] Semantique
بالفتح هي على ما اصطلح عليه أهل الميزان والأصول والعربية والمناظرة أن يكون الشيء بحالة يلزم من العلم به العلم بشيء آخر هكذا ذكر الچلپي في حاشية الخيالي في بحث خبر الرسول، والشيء الأوّل يسمّى دالا والشيء الآخر يسمّى مدلولا. والمراد بالشيئين ما يعمّ اللفظ وغيره فتتصور أربع صور. الأولى كون كلّ من الدّال والمدلول لفظا كأسماء الأفعال الموضوعة لألفاظ الأفعال على رأي. والثانية كون الدّال لفظا والمدلول غير لفظ كزيد الدّال على الشخص الإنساني. والثالثة عكس الثانية كالخطوط الدّالة على الألفاظ. والرابعة كون كلّ منهما غير لفظ كالعقود الدّالة على الأعداد.
والمراد بالعلمين الإدراك المطلق الشامل للتصوّر والتصديق اليقيني وغيره فتتصور أربع صور أخرى. الأولى أن يلزم من تصوّر الدال تصوّر المدلول. الثانية أن يلزم من التصديق به التصديق بالمدلول. الثالثة أن يلزم من تصوّره التصديق بالمدلول. الرابعة عكس الثالثة.
والمراد بالشيء الآخر ما يغاير الشيء الأول بالذات كما في الأمثلة السابقة أو بالاعتبار كما في النار والدّخان، فإنّ كلا منهما دال على الآخر ومدلول له. واللزوم إن أريد به اللزوم في الجملة يصير هذا التعريف تعريفا على مذهب أهل العربية والأصول فإنّهم يكتفون باللزوم في الجملة، ولا يعتبرون اللزوم الكلّي فيرجع محصّل التعريف عندهم إلــى أنّ الدّلالة كون الشيء بحالة يلزم أي يحصل من العلم به العلم بشيء آخر ولو في وقت. وما قيل إنّ الدلالة عندهم كون الشيء بحيث يعلم منه شيء آخر، فالمراد منه كونه بحيث يحصل من العلم به العلم بشيء آخر في الجملة لأنّه المتبادر من علم شيء من شيء عرفا، فلا يتوجّه أنّه لا يصدق على دلالة أصلا، إذ لا يحصل العلم بالمدلول من نفس الدال، بل من العلم به. وإن أريد به اللزوم الكلّي بمعنى امتناع انفكاك العلم بالشيء الثاني من العلم بالشيء الأول في جميع أوقات تحقّق العلم بالشيء الأول وعلى جميع الأوضاع الممكنة الاجتماع معه يصير تعريفا على مذهب أهل الميزان، إذ المعتبر عندهم هو الدلالة الكلّية الدائمة والمعتبر فيه اللزوم بالمعنى المذكور.
وبالجملة أهل الميزان والأصول وغيرهم متفقون في هذا التفسير وإن اختلفوا في معناه، وهذا مراد الفاضل الچلپي.

فإن قيل: قوله يلزم صفة لقوله حالة وليس فيه عائد يعود إلــى الحالة مع أنّ الصفة إذا كانت جملة يلزم فيها من عائد إلــى الموصوف، والقول بالتقدير تكلّف. قلنا: العائد لا يجب أن يكون ضميرا بل كون الجملة مفسّرة للموصوف يكفي عائدا إذ المقصود هو الربط وبه يحصل ذلك.
وأورد على تعريف المنطقيين أنّه لا يكاد يوجد دال يستلزم العلم به العلم بشيء آخر بل هو مخيّل في نفسه. وأجيب بأنّ المراد اللزوم بعد العلم بالعلاقة أي بوجه الدلالة أعني الوضع واقتضاء الطبع والعليّة والمعلولية، أو بوجه القرينة كما في دلالة اللفظ على المعنى المجازي، إلّــا أنّه ترك ذكر هذا القيد لشهرة الأمر فيما بينهم، ولكون هذا القيد معتبرا عندهم. قال صاحب الأطول: الصحيح عندهم أن يقال الدلالة كون الشيء بحيث يلزم من العلم به العلم بشيء آخر عند العلم بالعلاقة، وحينئذ لا بدّ من حمل العلم على الالتفات والتوجّه قصدا حتى لا يلزم تحصيل الحاصل وفهم المفهوم فيما إذا كان المدلول معلوما عند العلم بالدال. ولا يرد أنّ بعض المدلولات قد يكون ملتفتا إلــيه عند الالتفات إلــى الدال، فلا يتحقّق اللزوم الكلّي في الالتفات أيضا وإلّــا لزم التفات الملتفت، لأنّا لا نسلّم ذلك لامتناع الالتفات إلــى شيئين في زمان واحد. وهاهنا أبحاث تركناها مخافة الإطناب، فإن شئت الوقوف عليها فارجع إلــى كتب المنطق.
التقسيم
الدلالة تنقسم أولا إلــى اللفظية وغير اللفظية، لأنّ الدال إن كان لفظا فالدلالة لفظية، وإن كان غير اللفظ فالدلالة غير لفظية. وكل واحدة من اللفظية وغير اللفظية تنقسم إلــى عقلية وطبيعية ووضعية. وحصر غير اللفظية في الوضعية والعقلية على ما وقع من السّيد السّند ليس على ما ينبغي، كيف وأمثلة الطبعية الغير اللفظية كدلالة قوّة حركة النبض على قوة المزاج وضعفها على ضعفه، وأمثالها كنار على علم هذا هو المشهور. ويمكن تقسيم الدلالة أولا إلــى الطبيعية والعقلية والوضعية، ثم يقسم كل منهما إلــى اللفظية وغير اللفظية، هكذا ذكر الصادق الحلوائي في حاشية الطيبي. فالدلالة العقلية هي دلالة يجد العقل بين الدال والمدلول علاقة ذاتية ينتقل لأجلها منه إلــيه. والمراد بالعلاقة الذاتية استلزام تحقّق الدال في نفس الأمر تحقّق المدلول فيها مطلقا سواء كان استلزام المعلول للعلة كاستلزام الدّخان للنار أو العكس كاستلزام النار للحرارة أو استلزام أحد المعلولين للآخر كاستلزام الدخان الحرارة، فإنّ كليهما معلولان للنار. وتطلق العقلية أيضا على الدلالة الالتزامية وعلى التضمنية أيضا كما سيجيء. والدلالة الطبيعية دلالة يجد العقل بين الدال والمدلول علاقة طبيعية ينتقل لأجلها منه إلــيه. والمراد من العلاقة الطبيعية إحداث طبيعة من الطبائع سواء كانت طبيعة اللافظ أو طبيعة المعنى أو طبيعة غيرها عروض الدّال عند عروض المدلول كدلالة أح أح على السعال وأصوات البهائم عند دعاء بعضها بعضا، وصوت استغاثة العصفور عند القبض عليه، فإنّ الطبيعة تنبعث بإحداث تلك الدوال عند عروض تلك المعاني، فالرابطة بين الدّال والمدلول هاهنا هو الطبع، هكذا في الحاشية الجلالية وحاشية لأبي الفتح. وفي شرح المطالع الدلالة الطبيعية اللفظية هي ما يكون بحسب مقتضى الطبع. قال السّيد الشريف في حاشيته أراد به طبع اللافظ فإنّه يقتضي تلفظه بذلك اللفظ عند عروض المعنى له. ويحتمل أن يراد به طبع معنى اللفظ لأنّه يقتضي التلفظ به. وأن يراد به طبع السامع فإنّ طبعه يتأدّى إلــى فهم ذلك المعنى عند سماع اللفظ لا لأجل العلم بالوضع.
قال المولوي عبد الحكيم الطبع والطبيعة والطّباع بالكسر في اللغة السّجيّة التي جبل عليها الإنسان. وفي الاصطلاح يطلق على مبدأ الآثار المختصّة بالشيء سواء كان بشعور أو لا؛ وعلى الحقيقة فإن أريد طبع اللافظ فالمراد به المعنى الأوّل فإن صورته النوعية أو نفسه يقتضي التلفّظ به عند عروض المعنى. وإن أريد طبع معنى اللفظ أي مدلوله فالمراد به المعنى الثاني. وإن أريد طبع السامع فالمراد به مبدأ الإدراك أي النفس الناطقة أو العقل انتهى.
ثم اعلم أنّه لا يقدح في الدلالة الطبيعية وجود دلالة عقلية مستندة إلــى علاقة عقلية لجواز اجتماع الدلالتين باعتبار العلاقتين، بل ربّما يجتمع الدلالات الثلاث باعتبار العلاقات الثلاث كما إذا وضع لفظ أح أح للسعال، بل نقول كل علاقة طبيعية تستلزم علاقة عقلية، لأنّ إحداث الطبيعة عروض الدال عند عروض المدلول إنّما يكون علاقة للدلالة الطبيعية باعتبار استلزم تحقّق الدّال تحقّق المدلول على وجه خاص، لكن الدلالة المستندة إلــى استلزام الدّال للمدلول بحسب نفس الأمر مطلقا مع قطع النظر عن خصوص المادة دلالة عقلية والدلالة المستندة إلــى الاستلزام المخصوص بحسب مادة الطبيعة طبيعية فلا إشكال. نعم يتّجه على ما ذكروه في العلاقة الطبيعية من إحداث الطبيعية عروض الدّال عند عروض المدلول أنّه إنما يدلّ على استلزام المدلول للدّال وهو غير كاف في الدلالة عندهم، لجواز أن يكون اللازم أعمّ، بل لا بدّ من استلزام الدال للمدلول وإلّــا لكان مطلق لفظ أح أح مثلا دالا على السعال أينما وقع وكيف وقع وهو باطل، بل الدّال عليه هو ذلك اللفظ بشرط وقوعه على وجه مخصوص يستلزم السعال. اللهم إلّــا أن يقال المراد عند عروض المدلول فقط أي حصول الدال الذي هو على وجه إحداث الطبيعة عند حصول المدلول فقط. وحاصله استلزام الدّال للمدلول بطريق مخصوص وفيه بعد لا يخفى.
قيل حصر الدلالة الطبيعية في اللفظية كما اختاره السّيد الشّريف منقوض بدلالة الحمرة على الخجل والصفرة على الوجل وحركة النبض على المزاج المخصوص منها. قال المولوي عبد الحكيم ولعلّ السّيد الشريف أراد أن تحقّقها للّفظ قطعي، فإنّ لفظة أح لا تصدر عن الوجع، وكذا الأصوات الصادرة عن الحيوانات عند دعاء بعضها بعضا لا تصدر عن الحالات العارضة لها، بل إنّما تصدر عن طبيعتها بخلاف ما عدا اللفظ فإنّه يجوز أن تكون تلك العوارض منبعثة عن الطبيعة بواسطة الكيفيات النفسانية والمزاج المخصوص فتكون الدلالة طبيعية ويجوز أن تكون آثار النفس تلك الكيفيات والمزاج المخصوص فلا يكون للطبيعة مدخل في تلك الدلالة فتكون عقلية.
قال الصادق الحلوائي في حاشية الطيبي وقد يقال الظاهر أنّ تسمية الدّال بمدخلية الطبع طبعية على قياس أخويها لا طبيعية. ويجاب بأنّ الطّبع مخفف الطبيعة، فروعي في النسبة حال الأصل.
والدلالة الوضعية دلالة يجد العقل بين الدّال والمدلول علاقة الوضع ينتقل لأجلها منه إلــيه. والحاصل أنّها دلالة يكون للوضع مدخل فيها على ما ذكروا فتكون دلالة التضمّن والالتزام وضعية، وكذا دلالة المركّب ضرورة أنّ لأوضاع مفرداته دخلا في دلالته، ودلالة اللفظ على المعنى المجازي داخلة في الوضعية لأنها مطابقة عند أهل العربية، لأنّ اللفظ مع القرينة موضوع للمعنى المجازي بالوضع النوعي كما صرّحوا به. وأمّا عند المنطقيين فإن تحقّق اللزوم بينهما بحيث يمتنع الانفكاك فهي مطابقة وإلّــا فلا دلالة على ما صرّح به السّيد الشريف في حاشية شرح المطالع. والمبحوث عنها في العلوم هي الدلالة الوضعية اللفظية، وهي عند أهل العربية والأصول كون اللفظ بحيث إذا أطلق فهم المعنى منه للعلم بالوضع. وعند المنطقيين كونه بحيث كلّما أطلق فهم المعنى للعلم بالوضع.
وتعريفها بفهم المعنى من اللفظ عند إطلاقه بالنسبة إلــى من هو عالم بالوضع ليس كما ينبغي لأنّ الفهم صفة السامع والدلالة صفة اللفظ فلا يصدق التعريف على دلالة ما.
وأجيب بأنّا لا نسلّم أنّه ليس صفة اللفظ، فإنّ معنى فهم السامع المعنى من اللفظ انفهمامه منه هو معنى كون اللفظ بحيث يفهم منه المعنى.
غاية ما في الباب أنّ الدلالة مفردة يصحّ أن يشتقّ منه صفة تحمل على اللفظ كالدال. وفهم المعنى من اللفظ وانفهمامه منه مركّب لا يمكن اشتقاقه منه إلّــا برابط مثل أن يقال اللفظ منفهم منه المعنى. ألا ترى إلــى صحة قولنا اللفظ متّصف بانفهام المعنى منه كما أنّه متّصف بالدلالة نعم كون اللفظ بحيث يفهم منه المعنى أوضح في المقصود، فاختياره أحسن وأولى.
وأجيب أيضا بأنّ هاهنا أمورا أربعة الأول اللفظ. والثاني المعنى. والثالث الوضع وهو إضافة بينهما أي جعل اللفظ بإزاء المعنى عل معنى أنّ المخترع قال إذا أطلق هذا اللفظ فافهموا هذا المعنى. والرابع إضافة ثانية بينهما عارضة لهما بعد عروض الإضافة الأولى وهي الدلالة. فإذا نسبت إلــى اللفظ قيل إنّه دال على معنى كون اللفظ بحيث يفهم منه المعنى العالم بالوضع عند إطلاقه، وإذا نسبت إلــى المعنى قيل إنّه مدلول هذا اللفظ بمعنى كون المعنى منفهما عند إطلاقه، وكلا المعنيين لازمان لهذه الإضافة فأمكن تعريفها بأيّهما كان. بقي أنّ الدلالة ليست كون اللفظ بحيث يفهم منه المعنى عند الإطلاق، بل كونه بحيث يفهم منه المعنى العالم بالوضع عند حضور اللفظ عنده سواء كان بسماعه أو بمشاهدة الخطّ الدال عليه أن يتذكّره. فالصحيح الأخصر أن يقال هي فهم العالم بالوضع المعنى من اللفظ.
تقسيم
الدلالة الوضعية في الأطول مطلق الدلالة الوضعية إمّا على تمام ما وضع له وتسمّى دلالة المطابقة بالإضافة وبالدلالة المطابقية بالتوصيف أيضا كدلالة الإنسان على مجموع الحيوان الناطق. وإمّا على جزئه أي جزء ما وضع له وتسمّى دلالة التضمّن بالإضافة وبالدلالة التضمّنية بالتوصيف أيضا كدلالة الإنسان على الحيوان أو الناطق. وإمّا على خارج عنه أي عمّا وضع له وتسمّى دلالة الالتزام والدلالة الالتزامية أيضا كدلالة الإنسان على الضاحك، إلّــا أنّهم خصّوا هذا التقسيم بدلالة اللفظ الموضوع لأنّ الدلالة الوضعية الغير اللفظية على الجزء أو الخارج في مقام الإفادة غير مقصودة في العادة لأنّه لا يستعمل الخط ولا العقد ولا الإشارة في جزء المعنى ولا لازمه، وكذا دلالة الخط على أجزاء الخط موضوعة بإزاء جزء ما وضع له الكل لا محالة. ولفظ التمام إنّما ذكر لأنّ العادة أن يذكر التمام في مقابلة الجزء حتى كأنّه لا تحسن المقابلة بدونه. وهذه الأسماء على اصطلاح أهل الميزان.
وأمّا أهل البيان فيسمون الأولى أي ما هو على تمام ما وضع له دلالة وضعية لأنّ منشأه الوضع فقط ويسمّون الأخريين دلالة عقلية.
فالدلالة العقلية عندهم هي الدلالة على غير ما وضع اللفظ له وإنّما سمّيتا بها لأنّه انضمّ فيهما إلــى الوضع أمران عقليان، وهما توقّف فهم الكلّ على الجزء وامتناع انفكاك فهم الملزوم عن اللازم. فالدلالة الوضعية لها معنيان، أحدهما أعمّ مطلقا من المعنى الآخر والدلالة العقلية لها معنيان متباينان.
وصاحب مختصر الأصول قد خالف التقسيم المشهور فقسّم الدلالة اللفظية الوضعية إلــى قسمين: لفظية وهي أن ينتقل الذهن من اللفظ إلــى المعنى وهي دلالة واحدة، لكن ربّما تضمّن المعنى الواحد جزءين فيفهم منه الجزءان، وهو بعينه فهم الكلّ، فالدلالة على الكلّ لا تغاير الدلالة على الجزءين ذاتا، بل بالاعتبار والإضافة، فهي بالنسبة إلــى كمال معناها تسمّى دلالة مطابقية وإلــى جزئه تسمّى دلالة تضمنية وغير لفظية وتسمّى عقلية بأن ينتقل الذهن من اللفظ إلــى معناه ومن معناه إلــى معنى آخر، وهذا يسمّى دلالة التزام. وإن شئت توضيح هذا فارجع إلــى العضدي وحواشيه.
ثم قال صاحب الأطول ويرد على التقسيم أنّ اللفظ قد يراد به نفسه كما يقال زيد علم، وحينئذ يصدق على دلالته على نفسه دلالة اللفظ على تمام ما وضع له، وعلى دلالته على جزئه دلالته على جزء ما وضع له، وعلى دلالته على لازمه دلالته على خارجه عنه مع أنّها لا تسمّى مطابقة ولا تضمنا ولا التزاما.
والجواب أنّ من قال بوضع اللفظ لنفسه جعل ذلك الوضع ضمنيا، والمتبادر من إطلاقه الوضع القصدي، ومن لم يقل بدلالة اللفظ على نفسه ولا باستعماله [فيه] ووضعه له وهو التحقيق، وإن كان الأكثرون على خلافه فلا إشكال [على قوله]. وهاهنا سؤال مشهور وهو أنّ تعريف كلّ من الدلالات الثلاث ينتقض بالآخر إذ يجوز أن يكون اللفظ مشتركا بين الكلّ والجزء وبين الملزوم واللازم.
وأجيب أنّ قيد الحيثية معتبر أي من حيث إنّه تمام ما وضع له أو جزؤه أو لازمه. وهذا وإن يدفع الخلل في الحدّ لكنّه يختلّ به ما اشتهر فيما بينهم أنّ تقسيم الدلالة الوضعية إلــى الأقسام الثلاث تقسيم عقلي، يجزم العقل بمجرّد ملاحظة مفهوم القسمة بالانحصار ولا يجوز قسما آخر. كيف ودلالة اللفظ الموضوع لمجموع المتضايفين على أحدهما بواسطة أنّه لازم جزء آخر ليست دلالة على الجزء من حيث إنّه جزء، بل من حيث إنّه لازم جزء آخر، فلا يكون تضمنا ولا التزاما لأنّه ليس بخارج، فخرجت القسمة عن أن تكون عقلية بل عن الصحّة لانتفاء الحصر [والضبط بوجه ما] ويختل أيضا [بيان] اشتراط اللزوم الذهني لأنّ اعتبار اللزوم في مفهومه يجعل هذا الاشتراط لغوا محضا.

فإن قلت: المعتبر في مفهومه مطلق اللزوم والبيان لاشتراط اللزوم الذهني. قلت: يجب أن يعتبر في المفهوم اللزوم الذهني لأنّ مطلق اللزوم لا يصلح أن يكون سببا لدلالة اللفظ على الخارج، وإلّــا لكان اللازم الخارجي مدلولا. قال ونحن نقول دلالة اللفظ باعتبار كل وضع للفظ على انفراده، أمّا على تمام ما وضع له أو على جزئه أو على الخارج عنه إذ المعنى الوضعي باعتبار الوضع الواحد لا يمكن أن يكون إلّــا أحدها. فالحصر عقلي والتعريفات تامّة والاشتراط مفيد، فهذا مراد القوم في مقام التقسيم، ولم يتنبّه المتأخّرون فظنّوا التعريفات مختلّة فأصلحوها بزيادة قيود وأخلّوا إخلالا كثيرا.
فائدة:
المنطقيون اشترطوا في دلالة الالتزام اللزوم الذهني المفسّر بكون المسمّى بحيث يستلزم الخارج بالنسبة إلــى جميع الأذهان وبالنسبة إلــى جميع الأزمان لاشتراطهم اللزوم الكلّي في الدلالة كما سبق. وأهل العربية والأصول وكثير من متأخري المنطقيين والإمام الرازي لم يشترطوا ذلك. فالمعتبر عندهم مطلق اللزوم ذهنيا كان أو خارجيا لاكتفائهم باللزوم في الجملة في الدلالة.
فائدة:
دلالة الالتزام مهجورة في العلوم.
والتحقيق أنّ اللفظ إذا استعمل في المدلول الالتزامي فإن لم يكن هناك قرينة صارفة عن [إرادة] المدلول المطابقي دالّة على المراد لم يصح إذ السابق إلــى الفهم هو المدلول المطابقي. أمّا إذا قامت قرينة معيّنة للمراد فلا خفاء في جوازه. غايته التجوّز لكنه مستفيض شائع في العلوم حتى إنّ أئمة المنطقيين صرّحوا بتجويزه في التعريفات. نعم إنها مهجورة في جواب ما هو اصطلاحا بمعنى أنّه لا يجوز أن يذكر فيه ما يدلّ على المسئول عنه أو على أجزائه بالالتزام، كما لا يجوز ذكر ما دلالته على المسئول عنه بالتضمّن لاحتمال انتقال الذهن إلــى غيره أو غير أجزائه فلا تتعيّن الماهية المطلوبة وأجزاؤها، بل الواجب أن يذكر ما يدلّ على المسئول عنه مطابقة وعلى أجزائه إمّا بالمطابقة أو التضمن. فالالتزام مهجور كلّا وبعضا، والمطابقة معتبرة كلّا وبعضا، والتضمّن مهجور كلّا معتبر بعضا كذا في شرح المطالع.
فائدة: قيل الدلالة لا تتوقّف على الإرادة لأنّا قاطعون بأنّا إذا سمعنا اللفظ وكنّا عالمين بالوضع نتعقّل معناه سواء أراده اللافظ أولا، ولا نعني بالدلالة سوى هذا. والحق التوقّف لأنّ دلالة اللفظ الوضعية، إنّما هي بتذكّر الوضع، وبعد تذكّر الوضع يصير المعنى مفهوما لتوقّف التذكّر عليه فلا معنى لفهمه إلّــا فهمه من حيث إنّه مراد المتكلّم والتفات النفس إلــيه بهذا الوجه. نعم الإرادة التي هي شرط أعمّ من الإرادة بحسب نفس الأمر، ومن الإرادة بحسب الظاهر، فظهر أنّ الدلالة تتوقّف على الإرادة مطلقا مطابقة كانت أو تضمنا أو التزاما، وجعل المطابقة مخصوصة به تصرّف من القاصر بسوء فهمه كذا في الأطول.
وبالجملة فأهل العربية يشترطون القصد في الدلالة فما يفهم من غير قصد من المتكلّم لا يكون مدلولا للفظ عندهم، فإنّ الدلالة عندهم هي فهم المراد لا فهم المعنى مطلقا، بخلاف المنطقيين، فإنّها عندهم فهم المعنى مطلقا سواء أراده المتكلّم أولا. وقيل ليس المراد أنّ القصد معتبر عندهم في أصل الدلالة حتى يتوجّه أنّ الدلالة ليست إلّــا فهم المعنى من اللفظ، بل إنّها غير معتبرة إذا لم يقارن القصد، فكأنّه لا يكون مدلولا عندهم.
فعلى هذا يصير النزاع لفظيّا في اعتبار الإرادة في الدلالة وعدم اعتبارها، هكذا في حواشى المختصر في بيان مرجع البلاغة في المقدّمة.

نَجْرَانُ

نَجْرَانُ:
بالفتح ثم السكون، وآخره نون، والنجران في كلامهم: خشبة يدور عليها رتاج الباب، وأنشدوا:
وصيت الباب في النجران حتى ... تركت الباب ليس له صرير
وقال ابن الأعرابي: يقال لأنف الباب الرتاج ولد رونده النّجاف والنجران ولمترسه المفتاح، قال ابن دريد: نجران الباب الخشبة التي يدور عليها، ونجران في عدة مواضع، منها: نجران في مخاليف اليمن من ناحية مكة، قالوا: سمي بنجران بن زيدان بن سبإ بن يشجب بن يعرب بن قحطان لأنه كان أول من عمرها ونزلها وهو المرعف وإنما صار إلــى نجران لأنه رأى رؤيا فهالته فخرج رائدا حتى انتهى إلــى واد فنزل به فسمي نجران به، كذا ذكره في كتاب الكلبي بخط صحيح زيدان بن سبإ، وفي كتاب غيره زيد، روى ذلك الزيادي عن الشرقي، وأما سبب دخول أهلها في دين النصرانية قال ابن إسحاق: حدثني المغيرة بن لبيد مولى الأخنس عن وهب بن منبه اليماني أنه حدثهم أن موقع ذلك الدين بنجران كان أن رجلا من بقايا أهل دين عيسى يقال له فيميون، بالفاء ويروى بالقاف، وكان رجلا صالحا مجتهدا في العبادة مجاب الدعوة وكان سائحا ينزل بالقرى فإذا عرف بقرية خرج منها إلــى أخرى، وكان لا يأكل إلّــا من كسب يديه، وكان بنّاء يعمل في الطين، وكان يعظّم الأحد فلا يعمل فيه شيئا فيخرج إلــى فلاة من الأرض فيصلي بها حتى يمسي، ففطن لشأنه رجل من أهل قرية بالشام كان يعمل فيها فيميون عمله، وكان ذلك الرجل اسمه صالح فأحبه صالح حبّا شديدا فكان يتبعه حيث ذهب ولا يفطن له فيميون حتى خرج مرة في يوم الأحد إلــى فلاة من الأرض كما كان يصنع وقد اتبعه صالح فجلس منه منظر العين مستخفيا منه، فقام فيميون يصلي فإذا قد أقبل نحوه تنّين، وهو الحية العظيمة، فلما رآها فيميون دعا عليها فماتت ورآها صالح ولم يدر ما أصابها فخاف عليه فصرخ: يا فيميون التنين قد أقبل نحوك! فلم يلتفت إلــيه وأقبل على صلاته حتى فرغ منها فخرج إلــيه صالح وقال: يا فيميون يعلم الله أنني ما أحببت شيئا قط مثل حبك وقد أحببت صحبتك والكينونة معك حيث كنت، فقال: ما شئت، أمري كما ترى فإن علمت أنك تقوى عليه فنعم، فلزمه صالح، وقد كان أهل القرية يفطنون لشأنه، وكان إذا جاءه العبد وبه ضرّ دعا له فشفي، وكان إذا دعي لمنزل أحد لم يأته، وكان لرجل من أهل تلك القرية ولد ضرير فقال لفيميون: إن لي عملا فانطلق معي إلــى منزلي، فانطلق معه فلما حصل في بيته رفع الرجل الثوب عن الصبيّ وقال له: يا فيميون عبد من عباد الله أصابه ما ترى فادع الله له! فدعا الله فقام الصبيّ ليس به بأس، فعرف فيميون أنه عرف فخرج من القرية واتبعه صالح حتى وطئا بعض أراضي العرب فعدوا عليهما فاختطفهما سيّارة من العرب فخرجوا بهما حتى باعوهما بنجران، وكان أهل نجران يومئذ على دين العرب يعبدون نخلة لهم عظيمة بين أظهرهم لها عيد في كل سنة فإذا كان ذلك العيد علّقوا عليها كلّ ثوب حسن وجدوه وحليّ النساء، فخرجوا إلــيها يوما وعكفوا عليها يوما، فابتاع فيميون رجل من أشرافهم وابتاع صالحا آخر، فكان فيميون إذا قام بالليل في بيت له أسكنه إياه سيّده استسرج له البيت نورا حتى يصبح
من غير مصباح، فأعجب سيّده ما رأى منه فسأله عن دينه فأخبره به وقال له فيميون: إنما أنتم على باطل وهذه الشجرة لا تضرّ ولا تنفع ولو دعوت عليها إلــهي الذي أعبده لأهلكها وهو الله وحده لا شريك له، فقال له سيّده: افعل فإنك إن فعلت هذا دخلنا في دينك وتركنا ما نحن عليه، فقام فيميون وتطهّر وصلّى ركعتين ثم دعا الله تعالى عليها فأرسل الله ريحا فجعفتها من أصلها فألقتها فعند ذلك اتبعه أهل نجران فحملهم على الشريعة من دين عيسى بن مريم ثم دخلت عليهم الأحداث التي دخلت على غيرهم من أهل دينهم بكلّ أرض فمن هناك كانت النصرانية بنجران من أرض العرب.
قال ابن إسحاق: فهذا حديث وهب بن منبّه عن أهل نجران، قال: وحدّثني يزيد بن زياد عن محمد ابن كعب القرظي وحدثني أيضا بعض أهل نجران أن أهل نجران كانوا أهل شرك يعبدون الأصنام وكان في قرية من قراها قريبا من نجران، ونجران القرية العظيمة التي إلــيها إجماع تلك البلاد، كان عندهم ساحر يعلّم غلمان أهل نجران السحر، فلما نزلها فيميون ولم يسموه لي باسمه الذي سماه به ابن منبه إنما قالوا رجل نزلها وابتنى خيمة بين نجران وبين القرية التي بها الساحر، فجعل أهل نجران يرسلون أولادهم إلــى ذلك الساحر يعلّمهم السحر فبعث الثامر ابنه عبد الله مع غلمان أهل نجران فكان ابن الثامر إذا مر بتلك الخيمة أعجبه ما يرى من صلاته وعبادته فجعل يجلس إلــيه ويسمع منه حتى أسلم وعبد الله تعالى وحده وجعل يسأله عن شرائع الإسلام حتى فقه فيه فسأله عن الاسم الأعظم فكتمه إياه وقال: إنك لن تحمله، أخشى ضعفك عنه، والثامر أبو عبد الله لا يظنّ إلــا أن ابنه يختلف إلــى الساحر كما يختلف الغلمان، فلما رأى عبد الله أن صاحبه قد ضنّ به عنه عمد إلــى قداح فجمعها ثم لم يبق لله تعالى اسما يعلمه إلــا كتب كل واحد في قدح فلما أحصاها أوقد نارا وجعل يقذفها فيها قدحا قدحا حتى مرّ بالاسم الأعظم فقذفه فيها بقدحه فوثب القدح حتى خرج منها ولم تضرّه النار شيئا، فأتى صاحبه فأخبره أنه قد علم الاسم الأعظم وهو كذا، فقال: كيف علمته؟ فأخبره بما صنع، فقال: يا ابن أخي قد أصبته فأمسك على نفسك وما أظنّ أن تفعل، وجعل عبد الله بن الثامر إذا دخل نجران لم يلق أحدا به ضرّ إلــا قال له: يا عبد الله أتوحّد الله وتدخل في ديني فأدعو الله فيعافيك؟
فيقول: نعم، فيدعو الله فيشفى حتى لم يبق بنجران أحد به ضرّ إلــا أتاه فاتبعه على أمره ودعا له فعوفي، فرفع أمره إلــى ملك نجران فأحضره وقال له:
أفسدت عليّ أهل قريتي وخالفت ديني ودين آبائي، لأمثّلنّ بك! فقال: لا تقدر على ذلك، فجعل يرسل به إلــى الجبل الطويل فيطرح من رأسه فيقع على الأرض ويقوم وليس به بأس، وجعل يبعث به إلــى مياه بنجران بحور لا يقع فيها شيء إلــا هلك فيلقى فيها فيخرج ليس به بأس، فلما غلبه قال عبد الله بن الثامر، لا تقدر على قتلي حتى توحّد الله فتؤمن بما آمنت به فإنك إن فعلت ذلك سلّطت عليّ فتقتلني، قال: فوحّد الله ذلك الملك وشهد شهادة عبد الله بن الثامر ثم ضربه بعصا كانت في يده فشجّه شجّة غير كبيرة فقتله، قال عبيد الله الفقير إلــيه: فاختلفوا ههنا، ففي حديث رواه الترمذي من طريق ابن أبي ليلى عن النبي، صلّى الله عليه وسلّم، على غير هذا السياق وإن قاربه في المعنى، فقال: إن الملك لما رمى الغلام في رأسه وضع الغلام يده على صدغه ثم مات، فقال أهل نجران: لقد علم هذا الغلام علما ما علمه
أحد فإنّا نؤمن بربّ هذا الغلام، قال: فقيل الملك أجزعت أن خالفك ثلاثة؟ فهذا العالم كلهم قد خالفوك! قال: فخدّ أخدودا ثم ألقى فيه الحطب والنار ثم جمع الناس وقال: من رجع عن دينه تركناه ومن لم يرجع ألقيناه في هذه النار، فجعل يلقيهم في ذلك الأخدود، فذلك قوله تعالى: قتل أصحاب الأخدود النار ذات الوقود، حتى بلغ إلــى:
العزيز الحميد، وأما الغلام فإنه دفن وذكر أنه أخرج في زمن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، وإصبعه على صدغه كما وضعها حين قتل، روى هذا الحديث الترمذي عن محمود بن غيلان عن عبد الرزاق ابن معمر، ورواه مسلم عن هدّاب بن خالد عن حماد بن سلمة ثم اتفقا، عن سالم عن ابن أبي ليلى عن صهيب عن النبي، صلّى الله عليه وسلّم، وفي حديث ابن إسحاق: إن الملك لما قتل الغلام هلك مكانه واجتمع أهل نجران على دين عبد الله بن الثامر وهو النصرانية وكان على ما جاء به عيسى، عليه السّلام، من الإنجيل وحكمه، ثم أصابهم ما أصاب أهل دينهم من الأحداث، فمن هنالك أصل النصرانية بنجران، قال: فسار إلــيهم ذو نواس بجنوده فدعاهم إلــى اليهودية وخيّرهم بين ذلك والقتل فاختاروا القتل، فخدّ لهم الأخدود فحرق من حرق في النار وقتل من قتل بالسيف ومثّل بهم حتى قتل منهم قريبا من عشرين ألفا، ففي ذي نواس وجنوده أنزل الله تعالى: قتل أصحاب الأخدود النار ذات الوقود، إلــى آخر الآية، قال عبيد الله الفقير إلــيه: خبر الترمذي ومسلم أعجب إلــيّ من خبر ابن إسحاق لأن في خبر ابن إسحاق أن الذي قتل النصارى ذو نواس وكان يهوديّا صحيح الدين اتبع اليهودية بآيات رآها، كما ذكرناه في امام من هذا الكتاب، من الحبرين اللذين صحباه من المدينة ودين عيسى إنما جاء مؤيدا ومسددا للعمل بالتوراة فيكون القاتل والمقتول من أهل التوحيد والله قد ذمّ المحرق والقاتل لأصحاب الأخدود فبعد إذا ما ذكره ابن إسحاق وليس لقائل أن يقول إن ذا نواس بدّل أو غيّر دين موسى، عليه السلام، لأن الأخبار غير شاهدة بصحة ذلك، وأما خبر الترمذي أن الملك كان كافرا وأصحاب الأخدود مؤمنين فصحّ إذا، والله أعلم، وفتح نجران في زمن النبي، صلّى الله عليه وسلّم، في سنة عشر صلحا على الفيء وعلى أن يقاسموا العشر ونصف العشر، وفيها يقول الأعشى:
وكعبة نجران حتم علي ... ك حتى تناخي بأبوابها
نزور يزيدا وعبد المسيح ... وقيسا هم خير أربابها
وشاهدنا الورد والياسمي ... ن والمسمعات بقصّابها
وبربطنا دائم معمل، ... فأيّ الثلاثة أزرى بها؟
وكعبة نجران هذه يقال بيعة بناها بنو عبد المدان بن الدّيّان الحارثي على بناء الكعبة وعظموها مضاهاة للكعبة وسموها كعبة نجران وكان فيها أساقفة معتمّون وهم الذين جاءوا إلــى النبي، صلّى الله عليه وسلّم، ودعاهم إلــى المباهلة، وذكر هشام بن الكلبي أنها كانت قبّة من أدم من ثلاثمائة جلد، كان إذا جاءها الخائف أمن أو طالب حاجة قضيت أو مسترفد أرفد، وكان لعظمها عندهم يسمّونها كعبة نجران، وكانت على نهر بنجران، وكانت لعبد المسيح بن دارس بن عدي بن معقل، وكان يستغلّ
من ذلك النهر عشرة آلاف دينار وكانت القبّة تستغرقها، ثم كان أول من سكن نجران من بني الحارث بن كعب بن عمرو بن علة بن جلد بن مالك بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد ابن كهلان يزيد بن عبد المدان، وذلك أن عبد المسيح زوّجه ابنته دهيمة فولدت له عبد الله بن يزيد ومات عبد الله بن يزيد فانتقل ماله إلــى يزيد فكان أول حارثيّ حلّ في نجران، وكان من أمر المباهلة ما ليس ذكره من شرط كتابي ذا وقد ذكرته في غيره، وقد روي عن النبي، صلّى الله عليه وسلّم، أنه قال: القرى المحفوظة أربع: مكة والمدينة وإيلياء ونجران، وما من ليلة إلــا وينزل على نجران سبعون ألف ملك يسلمون على أصحاب الأخدود ولا يرجعون إلــيها بعد هذا أبدا، قال أبو عبيد في كتاب الأموال: حدثني يزيد عن حجاج عن ابن الزبير عن جابر قال: قال رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، لأخرجنّ اليهود والنصارى عن جزيرة العرب حتى لا أدع فيها إلــا مسلما، قال:
فأخرجهم عمر، رضي الله عنه، قال: وإنما أجاز عمر إخراج أهل نجران وهم أهل صلح بحديث روي عن النبي، صلّى الله عليه وسلّم، فيهم خاصة عن أبي عبيدة بن الجرّاح، رضي الله عنه، عن النبي، صلّى الله عليه وسلّم، أنه كان آخر ما تكلم به أنه قال: أخرجوا اليهود من الحجاز وأخرجوا أهل نجران من جزيرة العرب، وعن سالم بن أبي الجعد قال: جاء أهل نجران إلــى عليّ، رضي الله عنه، فقالوا:
شفاعتك بلسانك وكتابتك بيدك، أخرجنا عمر من أرضنا فردّها إلــينا صنيعة، فقال: يا ويلكم إن كان عمر رشيد الأمر فلا أغيّر شيئا صنعه! فكان الأعمش يقول: لو كان في نفسه عليه شيء لاغتنم هذا.
ونجران أيضا: موضع على يومين من الكوفة فيما بينها وبين واسط على الطريق، يقال إن نصارى نجران لما أخرجوا سكنوا هذا الموضع وسمّي باسم بلدهم، وقال عبيد الله بن موسى بن جار بن الهذيل الحارثي يرثي عليّ بن أبي طالب ويذكر أنه حمل نعشه في هذا الموضع فقال:
بكيت عليّا جهد عيني فلم أجد ... على الجهد بعد الجهد ما أستزيدها
فما أمسكت مكنون دمعي وما شفت ... حزينا ولا تسلى فيرجى رقودها
وقد حمل النّعش ابن قيس ورهطه ... بنجران والأعيان تبكي شهودها
على خير من يبكى ويفجع فقده، ... ويضربن بالأيدي عليه خدودها
ووفد على النبي، صلّى الله عليه وسلّم، وفد نجران وفيهم السيّد واسمه وهب والعاقب واسمه عبد المسيح والأسقف وهو أبو حارثة، وأراد رسول الله، صلى الله عليه وسلّم، مباهلتهم فامتنعوا وصالحوا النبي، صلّى الله عليه وسلّم، فكتب لهم كتابا، فلما ولي أبو بكر، رضي الله عنه، أنفذ ذلك لهم، فلما ولي عمر، رضي الله عنه، أجلاهم واشترى منهم أموالهم، فقال أبو حسّان الزيادي: انتقل أهل نجران إلــى قرية تدعى نهر ابان من أرض الهجر المنقطع من كورة البهقباذ من طساسيج الكوفة وكانت هذه القرية من الضواحي وكان كسرى أقطعها امرأة يقال لها ابان وكان زوجها من أوراد المملكة يقال له باني وكان قد احتفر نهر الضيعة لزوجته وسماه نهر ابان ثم ظهر عليها الإسلام وكان أولادها يعملون في تلك الأرض، فلما أجلى عمر، رضي الله عنه، أهل نجران نزلوا
قرية من حمراء ديلم يرتادون موضعا فاجتاز بهم رجل من المجوس يقال له فيروز فرغب في النصرانية فتنصر ثم أتى بهم حتى غلبوا على القرية وأخرجوا أهلها عنها وابتنوا كنيسة دعوها الأكيراح، فشخصوا إلــى عمر فتظلّموا منهم فكتب إلــى المغيرة في أمرهم فرجع الجواب وقد مات عمر، رضي الله عنه، فانصرف النجرانيون إلــى نهر ابان واستقروا به، ثم شخص العجم إلــى عثمان، رضي الله عنه، فكتب في أمرهم إلــى الوليد بن عتبة فألفوه وقد أخرجه أهل الكوفة فانصرف النجرانيون إلــى قريتهم وكثر أهلها وغلبوا عليها.
ونجران أيضا: موضع بالبحرين فيما قيل. ونجران أيضا: موضع بحوران من نواحي دمشق وهي بيعة عظيمة عامرة حسنة مبنية على العمد الرخام منمّقة بالفسيفساء وهو موضع مبارك ينذر له المسلمون والنصارى، ولنذور هذا الموضع قوم يدورون في البلدان ينادون من نذر نذر نجران المبارك، وهم ركاب الخيل، وللسلطان عليهم قطيعة وافرة يؤدّونها إلــيه في كل عام، وقيل: هي قرية أصحاب الأخدود باليمن، ينسب إلــيها يزيد بن عبد الله بن أبي يزيد النجراني يكنى أبا عبد الله من أهل دمشق من نجران التي بحوران، روى عن الحسين بن ذكوان والقاسم بن أبي عبد الرحمن ومسحر السكسكي، روى عنه يحيى بن حمزة وسويد ابن عبد العزيز وصدقة بن عبد الله وأيوب بن حسّان وهشام بن الغاز، وقال أبو الفضل المقدسي النجراني:
والنجراني الأول منسوب إلــى نجران هجر وفيهم كثرة، قال عبيد الله الفقير إلــيه: هذا قول فيه نظر فإن نجران هجر مجهول والمنسوب إلــيه معدوم، وقال أبو الفضل: والثاني نجران اليمن، منهم: عبيد الله ابن العباس بن الربيع النجراني، حدث عن محمد بن إبراهيم البيلماني، روى عنه محمد بن بكر بن خالد النيسابوري ونسبه إلــى نجران اليمن وقال: سمعت منه بعرفات، وقال الحازمي: وممن ينسب إلــى نجران بشر بن رافع النجراني أبو الأسباط اليماني، حدث عنه حاتم بن إسماعيل وعبد الرزاق، وينسب إلــى نجران اليمن أيضا أبو عبد الملك محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري يقال له النجراني لأنه ولد بها في حياة رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، سنة عشر وولّاه الأنصار أمرهم يوم الحرّة فقتل بها سنة 63، روى عنه ابنه أبو بكر، وقد أكثرت الشعراء من ذكر نجران في أشعارها، قال اعرابيّ:
إن تكونوا قد غبتم وحضرنا، ... ونزلنا أرضا بها الأسواق
واضعا في سراة نجران رحلي، ... ناعما غير أنني مشتاق
وقال عطارد بن قرّان أحد اللصوص وكان قد أخذ وحبس بنجران:
يطول عليّ الليل حتى أملّه ... فأجلس والنهديّ عندي جالس
كلانا به كبلان يرسف فيهما، ... ومستحكم الأقفال أسمر يابس
له حلقات فيه سمر يحبها ال ... عناة كما حبّ الظماء الخوامس
إذا ما ابن صبّاح أرنّت كبوله ... لهنّ على ساقيّ وهنا وساوس
تذكّرت هل لي من حميم يهمّه ... بنجران كبلاي اللذان أمارس
فأما بنو عبد المدان فإنهم ... وإني من خير الحصين ليائس
روى نمر من أهل نجران أنكم ... عبيد العصا لو صبّحتكم فوارس

المجاز العقلي

المجاز العقلي:
[في الانكليزية] Metaphor
[ في الفرنسية] Metaphore
ويسمّى أيضا مجازا حكميا ومجازا في الإسناد وإسنادا مجازيا ومجاز الإسناد ومجازا في الإثبات والمجاز في التركيب، والمجاز في الجملة على ما قال الخطيب هو إسناد الفعل أو معناه إلــى ملابس له غير ما هو له بتأوّل أي غير الملابس الذي ذلك الفعل أو معناه، يعني غير الفاعل فيما بني للفاعل وغير المفعول به فيما بني للمفعول. ولا يخفى أنّ غير ما هو له يتبادر منه غير ما هو له في نفس الأمر. وبقوله يتأوّل يصير أعمّ من غير ما هو له في نفس الأمر ومن غير ما هو له في اعتقاد المتكلّم في الواقع أو في الظاهر، ويتقيد باعتقاد المتكلّم في الظاهر فهو بمنزلة أن يقال غير ما هو له في اعتقاد المتكلّم في الظاهر. فخرج بقيد التأوّل ما يطابق الاعتقاد فقط كقول الجاهل أنبت الربيع البقل.
وخرج الكواذب مطلقا. وخرج قول المعتزلي المخفي مذهبه خلق الله الأفعال كلّها. والتأوّل طلب ما يئول إلــيه الشيء، والمراد به هاهنا نصب القرينة الصارفة للإسناد عن أن يكون إلــى ما جعل له إلــى ما هو حقيقة الأمر لا بمعنى أن يفهم لأجلها الإسناد إلــى ما هو له بعينه، فإنّه قلّما يحضر السامع بما هو له، بل بمعنى أن يفهم ما هو حقيقة، مثلا يفهم من صام نهاري أنّه وقع الصوم البالغ فيه في النهار أو صام صائم في النهار جدا حتى خيّل أنّ النهار صائم. وفي بنى الأمير المدينة أنه صار الأمير سببا بحيث خيّل إلــيك أنّه بان. ولا ينتقض التعريف بمثل إنّما هي إقبال لأنّه ليس داخلا في التعريف عنده بل هو واسطة كما مرّ. وأمّا الكتاب الحكيم والأسلوب الحكيم والضّلال البعيد والعذاب الأليم فإن أريد بها وصف الشيء بوصف صاحبه فليس بمجاز ولو أريد بها وصف الشيء لكونه ملابس ما هو له في التلبّس بالمسند لكونه مكانا للمسند أو سببا له فيكون المآل الحكيم في كتابه وأسلوبه والأليم في عذابه والبعيد في ضلاله كان مجازا داخلا في التعريف. ومقتضى تعريفات القوم أن لا يكون مكر الليل وإنبات الربيع وجري الأنهار وأجريت النهر مجازات، وقد شاع إطلاق المجاز العقلي عليها، فإمّا أن يجعل الإطلاق على سبيل التشبيه وإمّا أن يتكلّف في التعريف، وصناعة التعريف تأبى الثاني.

تنبيه:
اعلم أنّ للفعل وما في معناه ملابسات بالفتح أي متعلّقات ومعمولات تلابس الفاعل والمفعول به والمفعول المطلق والزمان والمكان والمفعول له والمفعول معه والحال والتمييز ونحوها، فإسناد الفعل إلــى الفاعل الحقيقي إذا كان مبنيا له حقيقة وإلــى غيره مجاز، وإسناده إلــى المفعول به الحقيقي إذا كان مبنيا له حقيقة وإلــى غيره للملابسة مجاز. والإسناد للملابسة أن تكون الملابسة الداعية إلــى وضع الملابس موضع ما هو له مشاركة مع ما هو له في كونهما ملابسين للفعل. وفائدة قيد للملابسة إخراج الإسناد إلــى غير ما هو له من غير ذلك الداعي عن أن يكون مجازا فإنّه غلط وتحريف يخرج به الكلام عن الاستقامة فلا يلتفت إلــيه، فلا بدّ من اعتبار هذا في تعريف المجاز بأن يقال: المراد إسناد الفعل أو معناه إلــى ملابس له من حيث هو ملابس له ليكون التعريف مانعا. واعلم أيضا أنّ إسناد الفعل المعلوم إلــى المفعول معه وله والحال والتمييز والمستثنى جائز لكونه إسنادا إلــى الفاعل. وإسناد الفعل المجهول إلــى المصدر والزمان والمكان جائز.
ولا يجوز إسناده إلــى المفعول معه والمفعول له بتقدير اللام والمفعول الثاني من باب علمت والثالث من باب أعلمت. ولبعض المتأخّرين هاهنا بحث شريف وهو أنّه كيف يكون جلس الدار وسير سير شديد وسير الليل مجازا، وليس لنا مجلوس ومسير ينزل الدار والسير الشديد ويلحق به. وأمّا الأفعال المتعدّية فينبغي أن يفصل ويقال [له] ضرب الدار إن قصد به كونها مضروبة فمجاز وإن قصد كونها مضروبا فيها فحقيقة، وكذا في ضرب ضرب شديد وضرب التأديب. هذا وقال صاحب الأطول:
ونحن نقول كون إسناد الفعل المبني للمفعول إلــى غير المفعول به مجازا مبني على أنّ وضع ذلك الفعل لإفادة إيقاعه على ما أسند إلــيه، فحينئذ إذا صحّ جلس الدار يشبه تعلّق الظرفية بتعلّق المفعول [به] ووضعه مقامه وإبرازه في صورته تنبيها على قوته، فإنّ أقوى تعلّقات الفعل بعد التعلّق بالفاعل تعلّقه بالمفعول به.
ولا يجب أن يكون هناك مفعول به محقّق بل يكفي توهّمه وتخيّله، فضرب الدار لا معنى له إلّــا جعله مضروبا ولا يتأتّى فيه تفصيل. نعم يشكل الأمر في نحو ضرب في الدار وضرب للتأديب فإنّه لا يظهر جعل الدار مضروبة مع وجود في بل يتعيّن جعلها مضروبا فيها، ولا يظهر جعل التأديب إلّــا مضروبا له فلا تجوّز فيهما بل هما حقيقتان، هذا إذا جعل نحو في الدار ظرفا ونحو للتأديب مفعولا له كما هو مذهب ابن الحاجب. وأمّا لو جعل مفعولا به بواسطة حرف الجرّ كما هو المشهور بين الجمهور فلا إشكال، هذا كله خلاصة ما في الأطول.

التقسيم:
المجاز العقلي أربعة أنواع لأنّ طرفيها إمّا حقيقيان نحو أنبت الربيع البقل أو مجازيان نحو فما ربحت تجارتهم أي ما ربحوا فيها، وإطلاق الربح في التجارة هاهنا مجاز، أو أحد طرفيه حقيقي فقط. أمّا الأول أو الثاني كقوله تعالى:
أَمْ أَنْزَلْنا عَلَيْهِمْ سُلْطاناً أي برهانا، وقوله تعالى: فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ فاسم الأم لهاوية مجاز أي كما أنّ الأم كافلة لولدها وملجأ له كذلك النار للكفار كافلة ومأوى. وبالجملة فالمجاز العقلي لا يخرج الظرف عما هو عليه من الحقيقة والمجاز، ولا خفاء في وقوعه في القرآن كما عرفت وإن أنكره البعض. ثم هو غير مختصّ بالخبر بل يجري في الإنشاء أيضا نحو يا هامان ابن لي صرحا كذا في الأطول والاتقان. وهذا التقسيم يجري في الحقيقة العقلية أيضا كما صرّح السّيّد السّند في حاشية المطول.
فائدة:
لا بدّ في المجاز العقلي من الصرف عن الظاهر بتأويل إمّا في المعنى أو في اللفظ، أمّا المسند أو المسند إلــيه أو في الهيئة التركيبية الدالة على الإسناد. الأول أن لا مجاز في المعنى بحسب الوضع أصلا لا في المفرد ولا في المركّب بل بحسب العقل بأن أسند الفعل إلــى غير ما يقتضي العقل إسناده إلــيه تشبيها له بالفاعل الحقيقي، وهذا التشبيه ليس هو التشبيه الذي يفاد بالكاف ونحوها، بل هي عبارة عن جهة راعوها في إعطاء الربيع حكم القادر المختار كما قالوا: شبّه كلمة ما بليس فرفع بها الاسم ونصب الخبر، فلا يتوهّم أن يكون هناك حينئذ مجاز وضعي علاقته المشابهة بل عقلي، وهذا قول الشيخ عبد القاهر والإمام الرازي وجميع علماء البيان. الثاني أنّ المسند مجاز عن المعنى الذي يصحّ إسناده إلــى المسند إلــيه المذكور وهو قول الشيخ ابن الحاجب. الثالث أنّ المسند إلــيه استعارة بالكناية عما يصحّ الإسناد إلــيه حقيقة وإسناد الإنبات إلــيه قرينة لهذه الاستعارة وهو قول السّكاكي. الرابع أنّه لا مجاز في شيء من المفردات بل في التركيب فإنّه شبّه التلبّس الغير الفاعلي بالتلبّس الفاعلي فاستعمل فيه اللفظ الموضوع لإفادة التلبّس الفاعلي، فيكون استعارة تمثيلية كما في أراك تقدّم رجلا وتؤخّر أخرى، وهذا ليس قولا لعبد القاهر ولا لغيره من علماء البيان وليس ببعيد.
وقد سها عضد الملّة والدين هاهنا فجعل المذهب الأول منسوبا إلــى الإمام الرازي والرابع منسوبا إلــى عبد القاهر. ثم الحقّ أنّ الكلّ تصرّفات عقلية ولا حجر فيها، فالكلّ ممكن والنظر إلــى قصد المتكلّم، هكذا حقّق المحقّق التفتازاني في حاشية العضدي، فإن شئت الزيادة فارجع إلــيه.
فائدة:
اختلف في الحقيقة والمجاز العقليين، فقال الخطيب: المسمّى بهما على ما ذكر صاحب المفتاح هو الكلام وهو الموافق بظاهر كلام عبد القاهر في مواضع من دلائل الإعجاز.
وقول جار الله وغيره أنّه الإسناد وهو ظاهر، ولذا اخترناه في تعريف الحقيقة والمجاز إذ نسبة الإسناد إلــى العقل لذاته، ونسبة الكلام إلــيه بواسطته فهو أحقّ بالتسمية بالعقلي. ووجه نسبة الإسناد إلــى العقل أنّ كون الإسناد في أنبت الله البقل إلــى ما هو له، وفي أنبت الربيع البقل إلــى غير ما هو له مما يدرك بالعقل من دون مدخلية اللغة لأنّ هذا الإسناد ممّا يتحقّق في نفس المتكلّم قبل التعبير وهو إسناد إلــى ما هو له أو إلــى غير ما هو له قبل التعبير ولا يجعله التعبير شيئا منهما، فالإسناد ثابت في محلّه أو متجاوز إيّاه بعمل العقل. بخلاف المجاز اللغوي مثلا فإنّه تجاوز محلّه لأنّ الواضع جعل محلّه غير هذا المعنى، ولهذا يصير أنبت الربيع البقل من الموحّد مجازا وعن الدّهري حقيقة لتفاوت عمل عقلهما لا لتفاوت الوضع عندهما كذا في الأطول. وإن شئت التعريف على مذهب صاحب المفتاح فقل الحقيقة العقلية مركّب أسند فيه الفعل أو معناه إلــى ما هو له عند المتكلّم في الظاهر. والمجاز العقلي مركّب أسند فيه الفعل أو معناه إلــى غير ما هو له عند المتكلّم بتأوّل. وبالنظر إلــى هذا ذكر في التلويح أنّ الحقيقة العقلية جملة أسند فيها الفعل إلــى ما هو فاعل عند المتكلّم، والمجاز العقلي جملة أسند فيها الفعل إلــى غير ما هو فاعل عند المتكلّم لملابسة بين الفعل وذلك الغير.
المجاز العقلي: ويسمى مجازا حكميا، ومجازا في الإثبات، واسنادا مجازيا: وهو إسناد الفعل أو معناه إلــى ملابس له غير ما هو له أي غير الملابس الذي ذلك الفعل أو معناه له يعني غير الفاعل فيما بني للفاعل، وغير المفعول فيما بني للمفعول.

حول وحيل

حول وحيل: حال: بمعنى تغير وتحول من حال إلــى حال ويقال في المثل: المال مال والحال حال بمعنى فقدت مالي وتغير حالي (ألف ليلة 1: 16) ويقال أيضا: مالي قد مال وحالي قد حال (ألف ليلة 3: 8، 11،12) كما يقال أيضا: حال حالي وقلَّ مالي (قصة عنتر مخطوطة 1541 ص15 ق) ويقال: حال الحال: تغيرت صروف دهره وفارقه الحظ (أخبار ص101).
وحال: انقلب على وجهه وهرب من العدو (أخبار ص89، 90).
وقولهم حال عليه الحول لا يعني في رحلة ابن جبير (ص85) مضت عليه سنة فقط، بل أنه قديم أيضا، مقابل جديد.
وحال عن: منع من (أخبار ص121).
وقولهم: وكانت عجوزا قد حالت عن عهده معناه فيما يظهر وكانت من كبر السن بحيث لم يستطيع ان يتزوجها (معجم البلاذري).
وحال ومصدره حؤولة: حَوِل، صار أحول العين (فوك).
حَوَّل (بالتشديد): نقل الغرس من موضعه إلــى موضع آخر (ابن العوام 1: 68، 152، 199، 200).
حَوّل: قلب بطانة الثوب وجعلها ظهارة له (الكالا) ويقال أيضا: حوَّل على البطانة (الكالا).
وحوَّل: قلب الأعلى وجعله الأسفل (ألكالا). وحوَّل: ترجم، نقل من لغة أو عن لغة إلــى لغة أخرى (معجم بدرون، معجم البلاذري).
وحوَّل: في الكلام عن الشيخ وتلميذه نقله من فصل إلــى فصل آخر. ففي رياض النفوس (ص22 و): حُدِّثت عنه أن ابنه دخل عليه وقد انصرف من المكتب فسأله عن سورته فقال الصبيُّ حوَّلني المعلم من سورة الحمد فقال له أقرأها فقرأها فقال له تَهَجِّها قال فتهجَّاها فقال له ارفع ذلك المقعد فرفعه فإذا تحته دنانير كثيرة.
وحوَّل: نقل بالعجلة (بوشر).
وحوَّل: غير مجرى الماء (بوشر).
وحوَّل: اختلس، سل، نشل (بوشر).
وحوَّل: عن الفرس: ترجّل (بوشر، محيط المحيط).
وحوَّل: تخلَّى، سلَّم، تنزَّل عن، ونقل ملكه وحقوقه إلــى شخص آخر، تنازل عنها شرعا (بوشر).
وحوَّل على: أعطاه حوالة على غيره.
وحوَّله على: أعطاه حوالة أي صكا يقبضه من آخر (بوشر).
وجاء في كتاب الفخري (ص192) حوَّل عليه فهو يقول: ولما فرغتْ حاسَبَ القُوَّاد بما كان حُوِّل عليهم لعمارتها.
وحوَّل عن: حاد عن، تجنَّب (بوشر).
حوَّل الأحمال: حطَّها وأنزلها (بوشر).
حوَّل القرية: دار، حال إلــى: توجَّه إلــى جهة أخرى. انتقل من جهة إلــى أخرى وأدار المركب وهي من مصطلح البحرية (بوشر).
حوَّل ماله إلــى: جعل شخصا وريثه بعد الوارث أو عند عدم وجود وارث (بوشر).
حَوَّل َ وَجْهَه: انتقل إلــى صفوف العدو (معجم بدرون).
حَوَّل يَدَه إلــى السف: وضع يده على السيف (أخبار ص75).
حَيَّل: غَيَّر (ابن بطوطة 3: 361).
وحَيَّل: ابتدع، اخترع، انشأ، اختلق (ألكالا).
وحَيَّل على فلان: احتال عليه وخدعه (فوك، بركهارت نوبية ص409).
حاوَل: نظر في الأمر وتدبر عواقبه (تاريخ البربر 1: 406).
وحاول الأمر: وجد الوسيلة إلــيه، وأراد إدراكه وإنجازه. وجد الحيلة إلــيه (ابن بطوطة 1: 179، 427) في تاريخ البربر (ص649) يحاول أسباب الملك أي يأمل أن يجد الوسائل ليصبح ملكاً.
وفي ترجمة ابن خلدون لنفسه (ص225 و): أطلقني إلــيهم في محاولة انصرافه عنهم (كرتاس ص193).
وحاول: سعى في، اجتهد، بذل جهده ويقال: حاول على. ففي تاريخ البربر (1: 615) حاول على ملكها أي اجتهد في الاستيلاء على المدينة. وفي ترجمة ابن خلدون لنفسه (ص224 ق): أوْكد عليَّ في المحاولة على استخلاصه بما أمكن أي أكَّد على أن أبذل كل جهدي لإنقاذ أخيه (أبو حمُّو ص162) في أماري (ص385): استمرت المحاولة في قتال الحصن وقد ترجمها روسو بما معناه: وقد بذلت كل الجهود الممكنة للاستيلاء على الحصن. وانظر (ص 386، كرتاس ص91) ومن هذا يقال: ملكها بأيسر محاولة أي استولى عليها بأيسر جهد (المقري 1: 132).
ويقال: حاول في، ففي تاريخ البربر (2: 131): حاول الاستيلاء على العمالات (كرتاس ص172).
وفي معجم فوك: حاول في وحاول على: اجتهد، سعى في.
وحاول: سعى في عقد الصلح. ففي كتاب الخطيب (ص64 ق): وقد بعثه ابن حمدين رسولا إلــى ملك قسطالة لمحاولة الصلح بينه وبين ابن حمدين.
وحاول: سعى في خداعه، وفي معجم بوشر: خادع، وخدع بالحيلة، خاتل، احتال ووارب، راوغ، واستخدم الحيلة. وأدغل في وغش، وغالط، وضلَّل. فعند ابن حمَّو (ص157): ((فوجدناه على ما تفرسنا فيه من المكيدة والطمع، والمحاولة والخدع)). (ص158، 160، 161، 162).
وحاول فلانا: رغب في صداقته (معجم الأدريسي، المقري 3: 50).
وحاول فلانا: سعى في أذاه، أضمر له شرا (معجم الأدريسي ص291، 388)، المقري 1: 658).
وحاول: سعى في استمالته. ففي تاريخ البربر (2: 216): بعث مولاه لمحاربة العرب في التخلي عن أبي حَمَّو ولم يفهم دي سلان (3: 486) هذه العبارة.
وحاول: باغت المدينة، وأوقع فيها بغتة (تاريخ البربر 2: 335).
وحاول: ارتاد، يقال مثلا: حاول بلداً بمعنى ارتاده (بيان 1، تعليقة 109).
ومحاولة: موهبة المعرفة والاختيار (دي سلان، المقدمة 3: 329).
وحاول: مارس حرفة (عبد الواحد ص228).
وحاول: هيأ وأعد، يقال مثلا: حاول إطعام والطبيخ (البكري ص186) في كتاب ابن عبد الملك (ص162 و): فلما كان في بعض الطريق أخرجوا حوتا وأخذوا يحاولون أمر الغداء. وعند شكوري (ص186 و): وقعت تهمة لبعض الناس في خادمه في بعض ما تحاوله من الطبيخ (المقدمة 2: 235).
وحاول: حصل على، يقال مثلا: حاول أسباب العيش (ملر ص47).
وحاول: أحاط، أحدق، (هلو).
وحاول: راغ، تخلص بمهارة، فرّض، انفلت، انهزم، هرب (بوشر).
وحاول: أفرط في التدقيق، وبذل كل جهد في بحث دائب يتطلب الدقة (بوشر).
وحاول: دفع ضريبة الكمرك أو المكس عينا. هذا فيما يظهر (أماري ديب ص107) وانظر تعليقات (ص416): وفي مخطوطة كوبنهاجن المجهولة الهوية (ص104): أن أهل جنوا يأتون إلــى سيتا في رسم محاولات (محاولة) تجاراتهم منهم في ديوانها وربضها في عدد كثير.
وحاول الشيء (متعديا إلــى مفعولين): حوَّله وبدله (معجم بدرون، عباد 2: 173).
وحاول على فلان: عمل إكراما ورعاية له. (دي سلان تاريخ البربر 1: 340).
وحاول على: أخذ حذره، واحترس واحتاط (المقدمة 2: 280).
وحاول على: اعتمد على، استند، ففي المقدمة (ص209): الظن والتخمين الذي يحاول عليه العرَّافون.
حايَلَ: لاطف، تَمَّلق، داهن، خادع (بوشر).
وحايل عليه: داهنه وتملَّقه (بوشر).
أحال: حَوّل، قلب، غَيَّر (بوشر، البكري ص138).
وأحال: أزال اللون، نَصَّل (فوك).
وأحال: كافح أعراض المرض (ملر، نصوص من ابن لخطيب وابن خاتمة 1863، 2: 3، 9).
وأحال: أرجع، ردّ، أعاد. ويقال: أحاله على شخص آخر (بوشر، المقري 2: 139، 506، 547).
وأحال: نسب الخطأ وعزاه إلــى آخر، ويقال أحال عليه (المقري 1: 407، الفخري ص73).
وأحال عليه: استند إلــيه. ففي أماري ديب (ص19): وأحالوا عليه في إنهاء رغباتهم.
وأحاله على فلان: أعطاه حوالة عليه (بوشر، فاندنبرج ص124 رقم 1) ومُحال من يملك الحوالة ومُحيل من يعطي الحوالة. ففي كليلة ودمنة (ص281) أحال عليهم أصحاب المركب بالباقي. أي أعطاه حوالة على أصحاب المركب لكي يستلم ما بقي له من دين (دي ساسي) وانظر ابن بطوطة (3: 436).
وأحال: حوَّل حق المدين إلــى شخص آخر (ابن بطوطة 3: 441): أحالوا السيف على جميعهم: أقبلوا بالسيف على جميعهم أي قتلوهم بالسيف واحدا بعد آخر. (أماري ص378، تصحيحات فليشر). وانظر في معجم لين: أحال عليه بالسوط.
وأحال: فصَّل، فرَّق، قطَّع.
ومعنى هذا الفعل أحال غير واضح لدي في عبارة كتاب العقود (ص8) وهي: وثيقة الحولة أحال فلان بن فلان مع فلان بجميع الأمانة التي له عليه أن يدفعها إلــيه من غير مطل ولا تأخير ورضى الحال والتحميل.
تحوَّل. نشوف كيف يتحول المر. أي نرى أي مجرى يتخذ هذا الأمر (بوشر).
وتحوَّل هذا يستعمل في الكلام عن البضائع التي يخرجونها من المركب لكي تنقل بعد ذلك براً أو الأشخاص الذين يتركون المركب لكي يستمروا بالسفر براً. (معجم الادريسي).
وتحوَّل: ارتحل، سافر (عباد 2: 162، 3: 222، ابن حيان ص95 ق، 98 ق). وتحوَّل عن: ابتعد عن، فارق، تاريخ البربر (1: 438) وتحوَّ من أو عن: انحرف عن العادة والمألوف (معجم الأدريسي).
وتحوَّل على: ركب دابة أخرى (المقري 3: 36).
تحيَّل: نقل (عبد الواحد ص224).
تحاول: فوك في مادة باللاتينية معناها اجتهد. وسعى.
تحايَل: احتال، وطلب الشيء بالحيلة، وحاول، بذل جهده، اجتهد.
وتحايل عليه: داهنه وتملَّقه، وكايدده، وراوغه.
وتحايل عليه، بذل وسعه وطاقته. واجتهد في. وسعى له.
وتحايل لنفسه: احتال، وصرف ذهنه وفطنته للحصول على وسائل النجاح (بوشر).
احتال: بمعنى دبر حيلة وأدار حيلة، ودس عليه، لا يقال احتال عليه بل يقال أيضاً احتال له (معجم البلاذري، كليلة ودمنة ص10، 229).
واحتال له: سعى في الحصول على وسائله (معجم البلاذري) ويقال أيضا: احتالوا لسيوفهم أي بذلوا وسعهم لإخفاء سيوفهم (معجم البلاذري).
احتال على، احتال على قتله: دبَّر حيلة لقتله (بوشر).
احتال في: وجد حيلة أو وسيلة له (ابن بطوطة 124 رقم 1).
احْتَوَل: ذكرت في معجم فوك في مادة باللاتينية معناها أناب عنه وقام مقامه.
واحتولت الحيوانات: ماتت (فوك).
واتَّحل على واتَّحِل ب: حوَّل، أبدل (فوك) وهو يذكر أيضاً هنا كلمة أحال واستحال.
استحال: زال لونه، نصل (فوك).
واستحال عليه: غيَّر رأيه فيه بمعنى أصبح عدوا له فعند ابن حيان (ص67 ق): استحال الغسّنيون عليهم وأنفوا من استطالتهم أي تحولوا أعداء لحلفائهم الأولين وأرى الآن أن هذا الفعل يدل على نفس هذا المعنى في كتاب البيان (1: 240).
واستحال على: ذكرت في معجم فوك في مادة باللاتينية معناها: أناب عنه وقام مقامه.
حال: أن كلمة أحوال تعني عند المعتزلة وعند بعض فرق الأشعرية الكليات (دي ساسي المقدمة 3: 158 رقم 1).
وحال: مرادف مال أي دراهم. والجمع أحوال: ثراء، غنى (رسالة إلــى فليشر ص222).
من لا حال له: من لا معاش له (ابن بطوطة 4: 273).
وحال ويجمع على حالات وأحوال: وجد، شطح، انجذاب، الروح (ابن جبير ص286، المقدمة (1: 201،2: 164، ابن بطوطة 3: 211) وفي النويري مصر (ص113 ق): فعند ذلك حصل للشيخ أبي سعيد حال أخرجه عن عقله.
وحال: جوّ الهواء (بوشر، بربرية).
حال طيب: جو صاح (همبرت ص163 الجزائر) حال: داء عظيم (محيط المحيط). حال: رحم: حضن. حسب ما يقول دي سلان في المقدمة (المقدمة 3: 222) غير أن مقارنتها بما جاء في (1: 15) يجعلني أشك في صحة هذا المعنى.
حالَ مضافا إلــى اسم بعده: حين، عند يقال مثلا: حال رواحه قال لي أي حين أو عند انصرافه قال لي (بوشر) وحال وقوفهم (رتجرز ص154) وانظر ويجز (ص154).
سلَّمْتُ إلــيها حالها: سمحت لها أن تفعل ما تشاء (ألف ليلة 1: 50).
تكلم حالا: أسهب في الكلام ارتجالا من غير استعداد.
وترجم حالاً: ترجم بسهولة بلا استعداد (بوشر).
تغيَّرت أحواله: تَغيّر وجهه، أصفر أو أحمرَّ (بوشر).
حالا بعد حال: قليلا قليلاً. رويداً رويدا تدريجاً، بالتدريج، شُوَيَّة شُوَيَّة (الثعالبي، لطائف ص50).
حالما: على اثر ما. عندما (بوشر).
أش حال: كم (بوشر بربرية) باش حال: بكم، عند السؤال عن ثمن الشيء، تعبير بربري (بوشر).
راح إلــى حال سبيله: مضى في سبيله، ولم يزل سائراً (بوشر) ويقال: اذهب إلــى حال سبيلك (فريتاج مختارات ص52).
بحال، بحيث، بحسبما وهي بربرية (بوشر).
على حال: أحيانا، بعض الأحيان، تارة، طوراً (ابن العوام 1: 39).
والحال: في الحقيقة في الواقع، فالعامة تقول مثلا: إن كان رجل صالح والحال هو كذا، أي إن كان رجلا صالحا وهو في الواقع كذلك (بوشر) وتعني أيضا: مع ذلك، لكن، غير أن. فالعامة تقول يشبهوا بعضهم في الظاهر والحال بينهم فرق بعيد أي أنهم يشبهون بعضهم في الظاهر غير أن بينهم فرق بعيد (بوشر).
ماله حال يقوم: ليس له قدرة على القيام (بوشر).
في حاله: صامت، مطرق، هادئ، ويقال: قعد في حاله جلس صامتا أو مطرقا (بوشر).
في حال المل (العمل؟): في حال التلبس بالفعل. عند عمله. عند فعله (بوشر).
في ساعة الحال: لساعته. لوقته. حالا، على الفور (بوشر، كوسج مختارات ص90).
ما بقي له حال: لم تبق له قدرة (بوشر).
عرض حال: رقيم، عريضة، طلب مقدم إلــى الرئيس (بوشر).
لسان الحال: إشارة، رمز (بوشر).
مشى الحال: تأخر الوقت (بربرية) وما زال الحال لم يتأخر الوقت (بربرية) (بوشر).
كيف (إيش) حالك: كيف صحتك؟، ما في حاله شيء: ليس في صحة جيدة (بربرية) (بوشر).
حَوْل، سنة كاملة من الحول إلــى الحول: مدة سنة كاملة (ألف ليلة 1: 49).
من كل حول: من كل جهة، فعند ابن بشكوال مخطوطة الأسكوريال في ترجمة احمد بن سعيد بن كوثر الطزليدي: مجلس قد فرش ببسط الصوف مبطنّات والحيطان باللبود من كل حول. إن السيد سيمونه الذي أرسل إلــيَّ هذه العبارة قد أكد لي أن هذا هو صواب الكلمة.
وحول في علم التاريخ: برهة خمس عشرة سنة (الجريدة الآسيوية 1845، 2: 318) وانظر ص329، جريجور ص42).
وحول: حدعة، مخاتلة، غش (رولاند).
وحول مضافة إلــى اسم بعدها: بالقرب منه.
بازاء ففي تاريخ تونس (ص83): فدفنوها حول سيدي أحمد سقا , وفي (ص 84) منه: ودفن بزاويته حول حوانيت الفار. وفي (ص88) منه: وتبعه إلــى الحضرة وهزمه ثانياً حولها. وفي (ص89) منه: وكانت وقعة بين المسمين والكُفَّار حول باب البنات.
حيْل: انظره في مادة حيل.
حالة: وجد، شطح، انجذاب الروح (دي ساسي طرائف 1: 156، المقدمة 2: 372) ويراجع (1: 373، 374).
حالات: أهواء، بدوات (بوشر)
حولة: لم يتضح لي معناها أنظر عبارة كتاب العقود في مادة أحال.
وحَوْلَة: منحنى، منعطف الطريق. ففي مساحة الراضي في القرن السادس عشر وما معناه ((حولة هويكار منعطف الطريق الذي سار فيه هويكار)).
حِيلة: مكر، خدعة، وقد جمعت في معجم بوشر على حُيَل.
وحِيلة: طريقة، كيفية، شكل (ألف ليلة 1: 87) وفي حيان بسام (ص1: 30 ق): وأن جندها لا تخالفه بحيلة.
حالاتي: حُوَّل، قلَّب، متقلب، متلون، غريب الأطوار (بوشر).
حَوْلِيّ: سنوي، (بوشر).
رَسْمٌ حولي: أثر دارس تقريبا (معجم الإدريسي).
حولي: خروف (دومب ص 64) والكلمة فيما يقول جاكسون (ص184) بربرية.
وحولي في أفريقية: غطاء من الصوف الطويل، وهو مرادف لبرَّكان وحَيْك (دفريمري مذكرات ص155، ريشاردسن سنترال 2: 152، ريشاردسن صحارى 1: 51، 433، 2: 126، زيشر 12: 182، الجريدة الآسيوية 1861، 2: 370).
وفي القسطنطينية يطلقون اسم حولي وحاولي أو هاولي. وهو مشتق من هاو، على قطعة من نسيج ذي خمل في أحد وجهيها تمسح بها الأيدي (زيشر 4: 392) ولا أدري إن كانت هذه الكلمة الأفريقية مشتقة من الكلمة التركية حاو هذه. أو إنها مأخوذة من كلمة حولي بمعنى ضأن.
حَيَليّ: ممالق، مدار، كثير التمليق (بوشر).
حَيَال: الستارة التي تقسم الخيمة قسمين (دوماس حياة العرب ص303، عادات ص61).
حِيَال: وتجمع على حيالات: حيلة، مكر، دهاء، مداجاة، مداراة، مكيدة (الكالا).
بحيال: بتقانة، بمهارة (الكالا).
وحيالة وتجمع على حيالات: آلة للبناء (ألكالا). وحيالة وتجمع على حيالات: زلاج، كلاب لفتح الأبواب (الكالا).
وحياة وتجمع على حيالات: آلة تشد بها أوتار الأقواس (ألكالا).
حيول: ذو حيلة، ذو مكر (باين سميث 1878).
وحيول: نمام، ناقل الحديث، (باين سميث 1520).
حَوَالَة = حَوَال: تغيَّر، تحول، (معجم مسلم) وفي كتاب محمد بن الحارث (ص350): ما رأيت أحدا من عقلاء إخوانه يلومه في حوالة ولا يعذله في تغيّر.
وحوالة: صك يحوله به المال إلــى جهة أخرى (هلو، بوشر) وأمر بدفع مبلغ (بوشر، فاننبرج ص124 رقم 1) وتفويض وتوكيل يعطي لشخص لاستلام مبلغ من آخر (بوشر). ويقال أيضا: ورقة حوالة (بوشر) ففي ألف ليلة (1: 292): أعطاه ورقة حوالة على أي أعطاه ورقة يدفع بها مبلغ. سفتجة (بوشر).
وأعطاه حوالة ب: أعطاه توكيلا بالدفع (بوشر).
وحوالة ثانية ماكنة: تفويض جديد على مال يطمأن إلــيه (بوشر).
وحوالة: مفوض له، حامل تفويض، حامل توكيل (بوشر).
وحوالة: عمولة، جعالة (بوشر).
وحوالة: وكيل تعينه الحكومة لقضاء بعض الشؤون الخاصة (بوشر).
وحوالة: حارس يحفظ البيوت والعمارات التي تستولي عليها الحكومة (بوشر).
وحوالة: حارس الأموال عند المدين (بوشر، محيط المحيط).
حوالة الحوالات: العرض الذي يستلمه المرسلون إلــى القرى ليخبروا المكلفين بما عليهم دفعة من الضرائب (صفة مصر 11: 499، 12: 60).
وحوالة: حصن، قلعة (رتجرز ص130، 131) حوالة الأسواق: تغير وتقلب أسعار السوق (المقدمة 2: 84، 99، 247، 248، 249، 274، 277، 301) وفيها: حوالة السوق من الرخص إلــى الغلاء (2: 297).
صاحب الحوالة: عامل يومي (فوك) وحامل الحوالة أي المحال له (فوك).
حوالي: إزاء، جوار، ضواحي المدينة وأطرافها، بالقرب من (بوشر).
اسم الله حوَالَيْك: اسم الله مطيف بك أي اسم الله يحفظك (ألف ليلة 1: 841) انظر ترجمة لين (1: 327 رقم 65).
حَوَالِيّ الأموال، حارس الأموال عند المدين (محيط المحيط).
حائل: رسم حائل: اثر دارس (معجم الدريسي).
حائل: ناقة لم تحمل ونخلة لم تحمل (بوشر). حائل النار: حاجز النار (بوشر).
حائلة: صوف مرت عليه سنتان أو ثلاث سنوات (هوست ص 272).
إحالة: إشارة إلــى حادثة تاريخية ذكرت في قصيدة (معجم بدرون).
أحول: ذو الحَول وهو اختلاف محور العينين (الكالا) والأعور الذي له عين واحدة (ألكالا) والأعمى (هلو).
أحْيَلُ: مفصل ومقطع (؟) (رولاند) والكلمة فيه أحِيل.
تَحْوِلَة: وتجمع على تحاوِل: حقل، قطعة أرض (فوك).
وتحولة: رفرف البيت يحمي الجدران من المطر (الكالا).
تَحَوَّلِيّ: نابض، مطاط، راجع إلــى حاله بعد التمدد. وقوة تحولية: مرونة، قوة يرجع بها الشيء المتمدد إلــى حاله. قوة نابضة (بوشر).
تحويل: تبدل دين بدين آخر (كرتاس ص223).
تحويل المواد: تحوّل أو حيْد الداء عن عضو (بوشر).
وتحويل: تحميل المركبة. وأجرة المركبة (بوشر).
وتحويل: نقل النقود من حساب لآخر. وهو من مصطلح البنوك (بوشر).
تحويل بوليصة: إذن التحويل، ونقل الكمبيالة أو السفتجة (بوشر).
وتحويل: وسيلة للهرب من الخطر (كرتاس ص191).
وتحويل = حَوَل: اختلاف محور العينين (معجم مسلم، ألكالا).
تَحْوِيلِيّ: دواء يزيل الأخلاط (بوشر).
محَال. محال القانون: ساحب الأوتار (صفة مصر 13: 309).
مُحالة: مُحال، مستحيل (بوشر).
مُحَاليّ: محال، مستحيل (ابن جبير ص298).
مثحْوِل، اثر محول: اثر دارس (معجم الأدريسي).
مُحِيل، أثر محيل: أثر دارس (معجم الأدريسي).
مُحَوّل: دواء يزيل الأخلاط (بوشر).
مُحَوَّلة: حلالة الغزل، مردن (فوك).
مُحَيَّل: مصنوع بفن (ألكالا).
مُحَيَّل: صناعي، مصنوع (الكالا).
ومُحَيَّل: أريب، بارع، حاذق (الكالا). ويوصف به المهندس المعمار خاصة (ألكالا).
ومُحَيَّل: مهندس (ألكالا).
ومُحَيَّل: ماهر في صناعة، محترف (ألكالا).
مُحَاوَل: دقيق، لطيف، ناعم (بوشر).
ومُحَوَل: بعكس ميل الشعر (ألكالا).
محاول بَفَوْق: مرتفع البطن (ألكالا) وراجع معجم فكتور.
مُحَاوَلة: وداد، محبة، مودة (معجم الإدريسي).
ومُحَاوَلة: عاقل، مدرك، ذو تمييز، حكيم، عادل، منصف (ألكالا).
ومحاولة: بإنصاف، بصواب، كما ينبغي (ألكالا). المحاولات أو سلع المحاولات: السلع التي تباع لحساب الحكومة (أماري ديب ص108) وراجع تعليقات (ص416 رقم 0).

التّاريخ

التّاريخ:
[في الانكليزية] History ،chronology
[ في الفرنسية] L'histoire chronologie ،annales
في اللغة تعريف الوقت. فقيل هو قلب التأخير. وقيل هو بمعنى الغاية، يقال: فلان تاريخ قومه أي ينتهي إلــيه شرفهم. فمعنى قولهم فعلت في تاريخ كذا فعلت في وقت الشيء الذي ينتهي إلــيه. وقيل وهو ليس بعربي، فإنّه مصدر المؤرّخ، وهو معرب ماه روز. وأمّا في اصطلاح المنجّمين وغيرهم فهو تعيين يوم ظهر فيه أمر شائع من ملّة أو دولة أو حدث فيه هائل كزلزلة وطوفان ينسب إلــيه، أي إلــى ذلك اليوم ما يراد تعيين وقته في مستأنف الزمان أو في متقدمه. وقد يطلق على نفس ذلك اليوم وعلى المدّة الواقعة بين ذلك اليوم والوقت المفروض، كذا في شرح التذكرة. والبلغاء يطلقونه على اللفظ الدّال بحساب الجمل بحسب حروفه المكتوبة على تعيين ذلك اليوم، على ما في مجمع الصنائع، حيث قال: التاريخ عند البلغاء: هو أن يعمد الشاعر إلــى أن يجمع حروفا لواقعة أو أمر في كلمة، أو مصراعا بحساب الجمل موافقا للتاريخ الهجري، فتكون الكلمة أو المصراع بحسب مقدار حروفها بحساب الجمل هي تاريخ لتلك الواقعة، وأحسن أنواع التاريخ أن يكون الكلام مناسبا للموضوع كما في المثل التالي: فقد بنى ابراهيم خان مسجدا في بلاد البنغال وضع أحدهم تاريخا لذلك بهذا المصراع: «بناى كعبه ثاني نهاد ابراهيم» أي وضع ابراهيم بناء الكعبة الثانية انتهى.
اعلم أن التواريخ بحسب اصطلاح كلّ قوم مختلفة. فمنها تاريخ الهجرة [ويسمى بالتاريخ الهجري أيضا] وهو أوّل المحرّم من السنة التي وقع فيها هجرة النبي صلى الله عليه وسلم من مكّة إلــى المدينة. وشهور هذا التاريخ معروفة مأخوذة من رؤية الهلال، ولا يزيد شهر على ثلاثين يوما ولا ينتقص من تسعة وعشرين يوما. ويمكن أن يجيء أربعة أشهر ثلاثين يوما على التّوالي، لا أزيد منها، وأن يجيء ثلاثة أشهر تسعة وعشرين يوما على التّوالي لا أزيد منها. وسنوهم وشهورهم قمرية حقيقة، وكلّ سنة فهو اثنا عشر شهرا. والمنجّمون يأخذون للمحرّم ثلاثين يوما وللصّفر تسعة وعشرين يوما وهكذا إلــى الآخر، فسنوهم وشهورهم قمرية اصطلاحية. ويجيء تفصيله في لفظ السّنة.
وسبب وضع التاريخ الهجري أنه كتب أبو موسى الأشعري إلــى عمر رضي الله تعالى عنه أنّا قد قرأنا صكّا من الكتب التي تأتينا من قبل أمير المؤمنين، رضي الله تعالى عنه، وكان محلّه شعبان، فما ندري أيّ الشعبانين هو الماضي أو الآتي، فجمع أعيان الصّحابة واستشارهم فيما تضبط به الأوقات، وكان فيهم ملك أهواز اسمه الهرمزان وقد أسلم على يده حين أسر، فقال: إنّ لنا حسابا نسمّيه ماه روز، أي حساب الشهور والأعوام، وشرح كيفية استعماله، فأمر عمر بوضع التاريخ. فأشار بعض اليهود إلــى تاريخ الروم فلم يقبله لما فيه من الطول. وبعضهم إلــى تاريخ الفرس فردّه لعدم استناده إلــى مبدأ معيّن، فإنهم كانوا يجدّدونه كلّما قام ملك ويطرحون ما قبله، فاستقرّ رأيهم على تعيين يوم من أيامه عليه الصلاة والسلام لذلك. ولم يصلح وقت المبعث لكونه غير معلوم ولا وقت الولادة للاختلاف فيه. فقيل إنّه قد ولد ليلة الثاني أو الثامن أو الثالث عشر من ربيع الآخر سنة أربعين أو اثنتين وأربعين أو ثلاثة وأربعين من ملك نوشيروان، ولا وقت الوفاة لتنفّر الطبع عنه. فجعل مبدأ الهجرة من مكّة إلــى المدينة إذ بها ظهرت دولة الإسلام. وكانت الهجرة يوم الثلاثاء لثمان خلون من ربيع الأوّل، وأوّل تلك السنة يوم الخميس من المحرّم بحسب الأمر الأوسط، وكان اتفاقهم على هذا سنة سبع عشرة من الهجرة.
ومنها تاريخ الروم ويسمّى أيضا بالتاريخ [الرومي] الإسكندري، ومبدؤه يوم الاثنين بعد مضي اثنتي عشرة سنة شمسية من وفاة ذي القرنين اسكندر بن فيلقوس الرومي الذي استولى على الأقاليم السبعة. وقيل بعد مضي ست سنين من جلوسه. وقيل مبدؤه أوّل ملكه.
وقيل أوّل ملك سولوقس وهو الذي أمر ببناء أنطاكية وملك الشام والعراق وبعض الهند والصين، ونسب بعده إلــى اسكندر واشتهر باسمه إلــى الآن. وقيل مبدؤه مقدّم على مبدأ الهجري بثلاثمائة وأربعين ألفا وسبعمائة يوم. وذكر كوشيار في زيجه الجامع أنّ هذا التاريخ هو تاريخ السريانيين، وليس بينهم وبين الروم خلاف إلّــا في أسماء الشهور وفي أوّل شهور السنة، فإنه عند الروم كانون الثاني باسم رومي على الترتيب. وأسماء الشهور في لسان السريانيين على الترتيب هي هذه: تشرين الأول تشرين الآخر كانون الأول كانون الآخر شباط آذار نيسان أيار حزيران تموز آب أيلول. والمشهور أنّ هذه الأسماء بلسان الروم وأن مبدأ سنتهم أوّل تشرين الأول ووقته قريب من توسّط الشمس الميزان على التقديم والتأخير. والسنة الشمسية يأخذون كسرها ربعا تامّا بلا زيادة ونقصان. وأيام أربعة أشهر منها وهي تشرين الآخر ونيسان وحزيران وأيلول ثلاثون ثلاثون، وشباط ثمانية وعشرون، والبواقي أحد وثلاثون أحد وثلاثون. ويزيدون يوم الكبيسة في أربع سنين مرة في آخر شباط فيصير تسعة وعشرين.
وقيل في آخر كانون الأول ويسمّون تلك السنة سنة الكبيسة فسنوهم [وشهورهم] شمسية اصطلاحية. ومنها تاريخ القبط المحدث.

وأسماء شهوره هذه: توت بابه هثور كيهك طوبه أمشير برمهات برموزه بشنشد بونه ابيب مسري.
وأيام سنتهم كأيام سنة الروم، إلّــا أنّ أيام شهورهم ثلاثون ثلاثون، والخمسة المسترقة تزاد في آخر الشهر الأخير وهو مسري، والكبيسة ملحقة بآخر السنة. وأوّل سنتهم وهو التاسع والعشرون من شهر آب الرومي، إلّــا أن يكون في سنة الروم كبيسة فإنّه حينئذ يكون أول السنة هو الثلاثون منه. ومبدأ هذا التاريخ حين استولى دقيانوس ملك الروم على القبط، وهو مؤخّر عن مبدأ تاريخ الروم بمائتين وسبعة عشر ألف يوم ومأتين وأحد وتسعين يوما. وأوله كان يوم الجمعة وعلى هذا التاريخ يعتمد أهل مصر وإسكندرية.
ومنها تاريخ الفرس، ويسمّى تاريخا يزدجرديا وقديما أيضا. اعلم أنّ أهل الفرس كانوا يأخذون كسر السنة الشمسية أيضا ربعا تاما كالروم. وأول وضعه كان في زمن جمشيد. ثم كانوا يجدّدون التاريخ في زمان كلّ سلطان عظيم لهم. وأيام شهورهم ثلاثون ثلاثون. وأسماء شهورهم هذه: فروردين ماه أرديبهشتماه خرداد ماه تير ماه مرداد ماه شهريور ماه مهر ماه آبان ماه آذر ماه ديماه بهمن ماه اسفندارمذماه. لكن يقيّد جميعها بالقديم بأن يقال فروردين ماه القديم الخ. وهذه الأسماء بعينها أسماء شهور التاريخ الجلالي، إلّــا أنّها تقيّد بالجلالي. ثم إنّهم كانوا يزيدون في كل مائة وعشرين سنة شهرا فتصير شهور السنة ثلاثة عشر ويسمّونه باسم الشهر الذي ألحق به، وينقلون الشهر الزائد من شهر إلــى شهر، حتى إذا تكرّر فروردين في سنة تكرّر ارديبهشت بعد مائة وعشرين سنة وهكذا إلــى أن تصل النوبة إلــى اسفندارمذ، وذلك في ألف وأربعمائة وأربعين سنة، وتسمّى دور الكبيسة، ويزيدون الخمسة المسترقة في سنة الكبيسة في آخر الشهر الزائد، فيصير خمسة وثلاثون يوما. وفي السنين الأخرى يزيدونها في آخر الشهر الذي وافق اسمه اسم هذا الشهر. فإذا تمّت مائة وعشرون سنة أخرى ووقعت كبيسة أخرى وصار اسم الشهر الزائد موافقا لاسم شهر آخر يزيدونها على آخر هذا الشهر وهكذا. وكان مبدأ السنة أبدا هو الشهر الذي يكون بعد الخمسة. ولمّا جدّدوا التاريخ ليزدجرد كان قد مضى تسعمائة وستون سنة من دور الكبيس، وانتهى الشهر الزائد إلــى آبانماه والمسترقة كانت في آخره. ثم لمّا ذهبت دولة الفرس على يده في زمن عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه، حيث انهزم من العرب عند محاربتهم إيّاه ولم يقم مقامه من يجدّد له التاريخ، اشتهر هذا التاريخ به من بين سائر ملوك الفرس، وبقيت الخمسة تابعة لآبانماه من غير نقل ولا كبس. وكان كذلك إلــى سنة ثلاثمائة وخمس وسبعين يزدجردية، وقد تمّ الدّور حينئذ، وحلّت الشمس أوّل الحمل في أوّل فروردين ماه، فنقلت الخمسة بفارس إلــى آخر اسفندارمذماه، وتركت في بعض النواحي إلــى آخر آبانماه، لأنهم كانوا يظنون أنّ ذلك دين المجوسية، لا يجوز أنّ يبدّل ويغير. ولمّا خلا هذا التاريخ عن الكسور حينئذ، صار استعمال المنجّمين له أكثر من غيره. وأوّل هذا التاريخ يوم الثلاثاء أوّل يوم من تلك السنة فيها يزدجرد، وهو مؤخّر عن مبدأ الهجري بثلاثة آلاف وستمائة وأربعة وعشرين يوما.
ومنها التاريخ الملكي ويسمّى بالتاريخ الجلالي أيضا وهو تاريخ وضعه ثمانية من الحكماء لمّا أمرهم جلال الدين ملك شاه السلجوقي بافتتاح التّقويم من بلوغ مركز الشمس أوّل الحمل. وكانت سنو التواريخ المشهورة غير مطابقة لذلك، فوضعوا هذا التاريخ ليكون انتقال الشمس أوّل الحمل أبدا أوّل يوم من سنتهم. وأسماء شهورهم هي أسماء الشهور اليزدجردية، إلّــا أنها تقيّد بالجلالي. وأوّل أيام هذا التاريخ كان يوم الجمعة، وكان في وقت وضعه قد اتّفق نزول الشمس أوّل الحمل في الثّامن عشر من فروردين ماه القديم، فهم جعلوه أوّل فروردين ماه الجلالي، وجعلوا الأيام الثمانية عشر كبيسة.
ومن هذا تسمعهم يقولون إنّ مبدأ التاريخ الملكي هو الكبيسة الملك شاهية، وهو متأخّر عن مبدأ التاريخ اليزدجردي بمائة وثلاثة وستين ألف يوم ومائة وثلاثة وسبعين يوما.
ومنها التاريخ الإيلخاني وهو كالتاريخ الملكي مبدأ وشهورا بلا تفاوت. وكان ابتدءوه في سنة أربع وعشرين ومأتين من التاريخ الملكي وكان أوّل هذا التاريخ يوم الاثنين.
ومنها تاريخ القبط القديم وهو تاريخ بخت نصّر الأول من ملوك بابل. وأيّام سنة هذا التاريخ ثلاثمائة وخمسة وستون يوما بلا كسر.

وأسماء شهوره هذه: توت فاوفي اتور خوافي طوبى ما خير فامينوث فرموت باخون باويتي ابيفي ماسوري. وأيام كل شهر ثلاثون.
والخمسة المسترقة تلحق بالشهر الأخير. وأوّل هذا التاريخ كان يوم الأربعاء من أول جلوس بخت نصر. ومبدؤه مقدّم على مبدأ تاريخ الروم بمائة وتسعة وخمسين ألف يوم ومائتي يوم ويومين. وعلى هذا التاريخ وضع بطلميوس أوساط الكواكب في المجسطي.
ومنها تاريخ اليهود وسنوه [كسني تاريخ الروم كما يفهم من زيج إيلخاني،] شمسية حقيقية وشهوره قمرية. وأسماء شهورهم هي هذه: تسري مرخشوان كسليو طيبث شفط آذر نيسن ايرسيون تموز أب أيلول. وسبب وضعه أنّ موسى عليه السلام لمّا نجا من فرعون وقومه وغرقوا، استبشر بذلك اليوم وأمر بتعظيمه وجعله عيدا. وكان ذلك في ليلة الخميس خامس عشر شهر نيسن، وقد طلع القمر مع غروب الشمس في ذلك الوقت، وكان القمر في الميزان والشمس في الحمل، وكانوا يفركون سنبل الحنطة بأيديهم. وذلك يكون في المصر بقرب أوائل الحمل. فاحتاجوا إلــى استعمال السّنة الشمسية والشهور القمرية وكبس بعض السنين بشهر زائد لئلّا يتغير وقت عبادتهم.
وسمّوا سنة الكبيسة عبّورا وغير الكبيسة بسيطة، وكبسوا تسع عشرة سنة بسبعة أشهر قمرية على ترتيب بهزيجوج كبائس. لكنّ العرب كانوا يزيدون الشهر الزائد على جميع السنة، واليهود أبدا يكرّرون الشهر السادس وهو آذر، فيصير في السنة آذران، آذر الكبس فيعدونه زائدا وبعده آذر الأصل ويعدّونه من أصل السنة وبعدهما نيسن.
وأول سنتهم يكون متردّدا بين أواخر آب وأيلول من سنة الروم. وأمّا الشهور فبعضهم يأخذونها من رؤية الأهلّة ولا يلتفتون إلــى التفاوت الواقع في الأقاليم كالمسلمين، وكان في زمن موسى عليه السلام كذلك. وبعضهم يأخذون بعض الشهور ثلاثين وبعضها تسعة وعشرين، على ترتيب أهل الحساب حتى لا يتغيّر ابتداء الشهور في جميع العالم. فالشهور تكون قمرية وسطية.
لكنهم يجعلون كلا من البسيطة والكبيسة ناقصة ومعتدلة وكاملة. فالبسيطة الناقصة شنجه يوما. والمعتدلة شند. والكاملة شنه. والكبيسة الناقصة شفد يوما. والمعتدلة شدد. والكاملة شنه. فأيام كل من تشري وشفط ونيسن وسيون واوب ثلاثون. وكذا أيام آذر الكبس. وأيام كل من طيبث وآذر الأصل وأير وتموز وأيلول تسعة وعشرون. وأيام مرخشوان في السنة المعتدلة تسعة وعشرون. وأيام كسليو فيها ثلاثون.
وأيامها في السنة الزائدة ثلاثون ثلاثون، وفي الناقصة تسعة وعشرون تسعة وعشرون.
والحاصل أنهم رتّبوا الشهور في السنة البسيطة إلــى آخرها وفي السنة الكبيسة إلــى الشهر الزائد كترتيب الشهور العربية، أعني جعل الشهر الأول ثلاثين والثاني تسعة وعشرين، وعلى هذا إلــى آخر السنة البسيطة. وأمّا في الكبيسة فيتغيّر ترتيب شهرين فقط وهما الخامس والسادس المكبوس، فإنّ كلّ واحد منهما ثلاثون يوما.
وفي السنة الناقصة من البسيطة والكبيسة يكون كلّ من الشهرين الثاني والثالث تسعة وعشرين يوما. وفي الكاملة كلّ واحد منهما يكون ثلاثين يوما. ويشترطون أن يكون أوّل أيام السنة أحد أيام السبت والاثنين والثلاثاء والخميس لا غير، وأن يكون الخامس عشر من نيسن الذي هو عندهم هو الأحد أو الثلاثاء أو الخميس أو السبت لا غير، ويكون حينئذ الشمس في الحمل والقمر في الميزان، وهو إمّا يوم الاستقبال أو اليوم الذي قبله أو بعده. وقد تزحفان إلــى أوائل الثور والعقرب بسبب الكبس وهو نادر.
ويجعلون مبدأ تاريخهم من هبوط آدم عليه السلام، ويزعمون أنّ بين هبوطه وزمان موسى عليه السلام أي زمان خروج بني إسرائيل من مصر وهو زمان غرق فرعون ألفين وأربعمائة وثمان وأربعين سنة، وبين موسى وإسكندر ألف سنة أخرى.
ومنها تاريخ الترك وسنوه أيضا شمسية حقيقية. ويقسمون اليوم بليلته اثنى عشر قسما، كل قسم يسمى چاغا وكل چاغ يقسم ثمانية أقسام يسمّى كل قسم ركها لها. وأيضا يقسمون اليوم بليلته بعشرة آلاف قسم، يسمّى كل قسم منها فنكا. والسنة الشمسية بحسب أرصادهم ثلاثمائة وخمسة وستون يوما وألفان وأربعمائة وستة وثلاثون فنكا. ويقسمون السنة بأربعة وعشرين قسما متساوية خمسة عشر يوما وألفان ومائة وأربعة وثمانون فنكا وخمسة أسداس فنك. ومبدأ السنة يكون عند وصول الشمس إلــى الدرجة السادسة عشر من الدّلو.
وكذا مبادئ الفصول الباقية تكون في أواسط البروج الباقية. وأما شهورهم فتكون قمرية حقيقية، ومبدأ كل منها الاجتماع الحقيقي.

وأسماء الشهور هذه: آرلم آي ايكندي آي جونج آي دونج آي بيشخ آي اليتخ آي شكيسح آي طوفتج آي لوترنج آي ان پيرنج آي چغشاباط آي، ويقع في كل شهر من الشهور القمرية قسم زوج من أقسام السنة يكون عدده ضعف عدد ذلك الشهر. فإن لم يقع في شهر قسم زوج وهو ممكن، لأن مجموع قسمين أعظم من شهر واحد، فذلك الشهر يكون زائدا ويسمّى بلغتهم شون آي. وإنما يزيدون هذا الشهر ليكون مبدأ الشهر الأول أبدا في حوالي مبدأ السنة، وهذا الشهر هو الكبيسة. وترتيب سني الكبائس عندهم كترتيبها عند العرب، أعني أنهم يكبسون أحد عشر شهرا في كلّ ثلاثين سنة قمرية على ترتيب بهزيجوج أدوط، لكن لا يقع شهر الكبيس في موضع معيّن من السنة، بل يقع في كل موضع منها. وعدد أيام الشهر عندهم إما ثلاثون أو تسعة وعشرون. ولا يقع أكثر من ثلاثة أشهر متوالية تاما، ولا أكثر من شهرين متواليين ناقصا. وإذا أسقط من السنين الناقصة اليزدجردية ستمائة واثنان وثلاثون، وطرح من الباقي ثلاثون ثلاثون إلــى أنّ يبقى ثلاثون أو أقل منه، فإن وافقت إحدى السنين المذكورة للكبيس فكبيسة وإلّــا فلا. وأمّا أنّ هذا الشهر يكون بعد أيّ شهر من شهور السنة فذلك إنّما يعرف بالاستقراء وحساب الاجتماعات. واعلم أنّ لهم أدوارا. الأول منها يعرف بالدور العشري ومدته عشر سنين، لكل سنة منها اسم بلغتهم، والثاني يعرف بالدور الاثنا عشري ومدّته اثنتا عشرة سنة، وكل سنة منها تنسب إلــى حيوان بلغتهم، وهذا الدور هو المشهور فيما بين الأمم. والثالث الدور الستوني ومدته ستون سنة وهو مركب من الدورين الأولين، فإنه ستة أدوار عشرية وخمسة أدوار اثنا عشرية. وأول هذا الدور يكون أول العشري وأول الاثنا عشري جميعا.
وبهذه الأدوار الثلاثة يعدون الأيام أيضا كما يعدّون السنين بها. ولهم دور آخر يسمّى بالدور الرابع والدور الاختياري يعدّون به الأيام فقط ومدته اثنا عشر يوما، وهو مثل أيام الأسابيع عندهم، وكل يوم منه ينسب إلــى لون من الألوان، ويسمّى باسم ذلك اللون بلغتهم.
وبعض هذه الأيام عندهم منحوس وقريب منه.
وبعضها مسعود وقريب منه، وفي الاختيارات يعتمدون على ذلك. وإذا بلغ هذا الدور إلــى أول قسم فرد من أقسام السنة يكرّر يوم هذا الدور أعني يعد اللازم الأول من هذا القسم واليوم الذي قبله في هذا الدور واحدا. ولكل قسم من أقسام السنة وكذا لكل يوم من أيام الأدوار الأربعة اسم بلغتهم وتفصيل ذلك يطلب من كتب العمل. ويجعلون مبدأ تاريخهم ابتداء خلق العالم، وقد انقضت بزعمهم في سنة ستين وثمانمائة يزدجردية من ابتداء خلق العالم ثمانية آلاف وثمانمائة وثلاثة وستون قرنا وتسعة آلاف وتسعمائة وخمس وستون سنة، ويزعمون أنّ مدة بقاء العالم ثلاثمائة ألف قرن، كل قرن عشرة آلاف سنة. هذا كله خلاصة ما في شرح التذكرة وغيره. وإن شئت زيادة التوضيح فارجع إلــى الزيجات.

الحكم

(الحكم) الْعلم والتفقه وَالْحكمَة يُقَال الصمت حكم وَالْقَضَاء

(الحكم) من أَسمَاء الله تَعَالَى وَالْحَاكِم وَفِي التَّنْزِيل الْعَزِيز {أفغير الله أَبْتَغِي حكما} وَمن يخْتَار للفصل بَين المتنازعين وَفِي التَّنْزِيل الْعَزِيز {وَإِن خِفْتُمْ شقَاق بَينهمَا فَابْعَثُوا حكما من أَهله وَحكما من أَهلهَا} وَيُقَال رجل حكم مسن وهم حِكْمَة
الحكم: بِضَم الْحَاء وَسُكُون الْكَاف أثر الشَّيْء الْمُتَرَتب عَلَيْهِ. وَفِي الْعرف إِسْنَاد أَمر إِلَــى أَمر آخر إِيجَابا أَو سلبا. فَخرج بِهَذَا مَا لَيْسَ بِحكم كالنسبة التقييدية. وَفِي اللُّغَة تَوْجِيه الْكَلَام نَحْو الْغَيْر للإفهام ثمَّ نقل إِلَــى مَا يَقع بِهِ الْخطاب. وَلِهَذَا قَالُوا إِن مُرَاد الْأُصُولِيِّينَ بخطاب الله تَعَالَى هُوَ الْكَلَام اللدني.

وَالْحكم المصطلح عِنْد الْأُصُولِيِّينَ: هُوَ أثر حكم الله الْقَدِيم فَإِن إِيجَاب الله تَعَالَى قديم وَالْوُجُوب حكمه وأثره. وَالتَّفْصِيل فِي كتب الْأُصُول وَفِي التَّلْوِيح أَن إِطْلَاق الحكم على خطاب الشَّارِع وعَلى أَثَره وعَلى الْأَثر الْمُتَرَتب على الْعُقُود والفسوخ بالاشتراك اللَّفْظِيّ. ومرادهم بالمحكوم عَلَيْهِ من وَقع الْخطاب لَهُ وبالمحكوم بِهِ مَا تعلق بِهِ الْخطاب كَمَا يُقَال حكم الْأَمِير على زيد بِكَذَا.
وَيعلم من التَّوْضِيح فِي بَاب الحكم أَن مورد الْقِسْمَة الحكم بِمَعْنى الْإِسْنَاد أَي إِسْنَاد الشَّارِع أمرا إِلَــى أَمر فِيمَا لَهُ تعلق بِفعل الْمُكَلف من حَيْثُ هُوَ مُكَلّف صَرِيحًا كالنص أَو دلَالَة كالإجماع وَالْقِيَاس. فَفِي جعل الْوُجُوب وَالْملك وَنَحْو ذَلِك أقساما للْحكم بِهَذَا الْمَعْنى تسَامح ظَاهر.

وَفِي اصْطِلَاح الْمَعْقُول: يُطلق على أَرْبَعَة معَان: الأول: الْمَحْكُوم بِهِ. وَالثَّانِي: النِّسْبَة الإيجابية أَو السلبية. وَالثَّالِث: التَّصْدِيق أَي إذعان أَن النِّسْبَة وَاقعَة أَو لَيست بواقعة. وَالرَّابِع: الْقَضِيَّة من حَيْثُ إِنَّهَا مُشْتَمِلَة على الرابط بَين الْمَعْنيين. وَتَحْقِيق أَن الحكم فِي الْقَضِيَّة الشّرطِيَّة إِمَّا فِي الْجَزَاء أَو بَين الشَّرْط وَالْجَزَاء فِي الْقَضِيَّة الشّرطِيَّة بِمَا لَا مزِيد عَلَيْهِ فَإِن أردْت الِاطِّلَاع عَلَيْهِ فَارْجِع إِلَــيْهَا.
وَاعْلَم أَن الحكم بِمَعْنى التَّصْدِيق هُوَ الإذعان كَمَا مر. ثمَّ مُتَعَلق الإذعان عِنْد الْمُتَقَدِّمين من الْحُكَمَاء هُوَ النِّسْبَة الَّتِي هِيَ جُزْء أخير من الْقَضِيَّة الَّتِي هِيَ من قبيل الْمَعْلُوم عِنْدهم - وَعند الْمُتَأَخِّرين مِنْهُم مُتَعَلق الإذعان هُوَ وُقُوع النِّسْبَة أَو لَا وُقُوعهَا الَّذِي هُوَ جُزْء أخير من الْقَضِيَّة فللقضية عِنْد الْمُتَقَدِّمين ثَلَاثَة أَجزَاء. وَعند الْمُتَأَخِّرين أَرْبَعَة كَمَا سَيَجِيءُ مفصلا فِي النِّسْبَة الْحكمِيَّة إِن شَاءَ الله تَعَالَى - وَالْحكم هُوَ إِدْرَاك أَن النِّسْبَة وَاقعَة أَو لَيست بواقعة. والإدراك إِمَّا من مقولة الانفعال أَو الكيف فَالْحكم كَذَلِك وَانْظُر فِي الْإِدْرَاك حَتَّى يزِيد لَك الْإِدْرَاك.
وَاعْلَم أَن الإِمَام الرَّازِيّ مُتَرَدّد فِي كَون الحكم إدراكا أَو فعلا وَلم يذهب إِلَــى تركيب التَّصْدِيق مَعَ فعلية الحكم كَمَا هُوَ الْمَشْهُور. نعم أَنه ذهب إِلَــى تركيب التَّصْدِيق وَلِهَذَا قَالَ أفضل الْمُتَأَخِّرين مَوْلَانَا عبد الْحَكِيم رَحمَه الله فِي حَوَاشِيه على حَوَاشِي السَّيِّد السَّنَد الشريف الشريف قدس سره على شرح الشمسية قَوْله إِذا أردْت تقسيمه على مَذْهَب الإِمَام أَي على القَوْل بالتركيب فَلَا يرد أَن الإِمَام لَا يَقُول بِكَوْن الحكم إدراكا مَعَ أَنه قد نقل الْبَعْض أَن الإِمَام مُتَرَدّد فِي كَون الحكم إدراكا أَو فعلا. وَفِي حصر التَّقْسِيم على هذَيْن الْوَجْهَيْنِ إِشَارَة إِلَــى بطلَان القَوْل بتركيب التَّصْدِيق مَعَ فعلية الحكم كَمَا هُوَ الْمَشْهُور من الإِمَام انْتهى.

فَالْحكم: الَّذِي هُوَ جُزْء التَّصْدِيق عِنْد الإِمَام هُوَ الْإِدْرَاك الْمَذْكُور لَا غير. وَيُؤَيِّدهُ أَن الحكم حكمان حكم هُوَ مَعْلُوم بِمَعْنى وُقُوع النِّسْبَة أَو لَا وُقُوعهَا وَهُوَ جُزْء أخير للقضية المعقولة وَحكم هُوَ علم بِمَعْنى إِدْرَاكه وَهُوَ تَصْدِيق عِنْد الْحُكَمَاء وَشَرطه فِي مَذْهَب مستحدث وَشطر أخير وتصور عِنْد الإِمَام لكنه إذعاني فيكتسب من الْحجَّة نظرا إِلَــى الْجُزْء الْأَعْظَم من المبادئ فَلَا يُنَافِيهِ اكتسابه من الْمُعَرّف نظرا إِلَــى جُزْء إذعاني فَافْهَم واحفظ فَإِنَّهُ من الْجَوَاهِر المكنونة. وَعند الأصولين الحكم خطاب الله تَعَالَى الْمُتَعَلّق بِأَفْعَال الْمُكَلّفين باقتضاء الْفِعْل أَو التّرْك أَو بالتخير فِي الْفِعْل وَالتّرْك. والاقتضاء الطّلب وَهُوَ إِمَّا طلب الْفِعْل جَازِمًا كالإيجاب. أَو غير جازم كالندب. أَو طلب التّرْك جَازِمًا كالتحريم. أَو غير جازم كالكراهة التحريمية -. وَالْمرَاد بالتخيير الْإِبَاحَة - وَفِي التَّوْضِيح وَقد زَاد الْبَعْض أَو الْوَضع ليدْخل الحكم بالسببية والشرطية وَنَحْوهمَا.

اعْلَم أَن الْخطاب نَوْعَانِ: إِمَّا تكليفي وَهُوَ الْمُتَعَلّق بِأَفْعَال المتكلفين بالاقتضاء أَو التَّخْيِير وَإِمَّا وضعي وَهُوَ الْخطاب بِالْوَضْعِ بِأَن يكون هَذَا سَبَب ذَلِك أَو شطر ذَلِك كالدلوك سَبَب لصَلَاة الظّهْر وَالطَّهَارَة شَرط لَهَا - فَلَمَّا ذكر أحد النَّوْعَيْنِ وَهُوَ التكليفي وَجب ذكر النَّوْع الآخر وَهُوَ الوضعي وَالْبَعْض لم يذكر الوضعي لِأَنَّهُ دَاخل فِي الِاقْتِضَاء أَو التَّخْيِير لِأَن الْمَعْنى من كَون الدلوك سَببا للصَّلَاة أَنه إِذا وجد الدلوك وَجَبت الصَّلَاة حِينَئِذٍ وَالْوُجُوب من بَاب الِاقْتِضَاء لَكِن الْحق هُوَ الأول لِأَن الْمَفْهُوم من الحكم الوضعي تعلق شَيْء بِشَيْء آخر وَالْمَفْهُوم من الحكم التكليفي لَيْسَ هَذَا وَلُزُوم أَحدهمَا للْآخر فِي صُورَة لَا يدل على اتحادهما انْتهى.
الحكم:
[في الانكليزية] Verdict ،judgement ،gouvernment ،power
[ في الفرنسية] Verdict ،jugement ،gouvernement ،pouvoir
بالضم وسكون الكاف يطلق بالاشتراك أو الحقيقة والمجاز على معان. منها إسناد أمر إلــى آخر إيجابا أو سلبا. وهذا المعنى عرفي، وحاصله أنّ الحكم نفس النسبة الخبرية التي إدراكها تصديق إيجابية كانت أو سلبية، وقد يعبّر عن هذا المعنى بوقوع النسبة ولا وقوعها، وقد يعبّر عنه بقولنا إنّ النسبة واقعة أو ليست بواقعة، وهذا المعنى من المعلومات فليس بتصوّر ولا تصديق لأنهما نوعان مندرجان تحت العلم. فالإسناد بمعنى مطلق النسبة والإيجاب الوقوع. والسلب اللاوقوع. واحترز بهما عمّا سوى النسبة الخبرية. وتوضيحه أنّه قد حقّق أنّ الواقع بين زيد والقائم هو الوقوع نفسه أو اللاوقوع كذلك، وليس هناك نسبة أخرى مورد الإيجاب والسلب، وأنّه قد يتصوّر هذه النسبة في نفسها من غير اعتبار حصولها أو لا حصولها في نفس الأمر، بل باعتبار أنّها تعلّق بين الطرفين تعلّق الثبوت أو الانتفاء، وتسمّى نسبة حكمية، ومورد الإيجاب والسلب ونسبة ثبوتية أيضا نسبة العام إلــى الخاص أعني الثبوت لأنّه المتصوّر أولا، وقد تسمّى سلبية أيضا إذا اعتبر انتفاء الثبوت. وقد يتصوّر باعتبار حصولها أو لا حصولها في نفس الأمر، فإن تردّد فهو الشك وإن أذعن بحصولها أو لا حصولها فهو التصديق. فالنسبة الثبوتية تتعلّق بها علوم ثلاثة اثنان تصوّريان أحدهما لا يحتمل النقيض وهو تصوّرها في نفسها من غير اعتبار حصولها ولا حصولها. وثانيهما يحتمله. والثالث تصديقي فقد ظهر أنّ المعنى المذكور للحكم ليس أمرا مغايرا للوقوع واللاوقوع. وأنّ معنى قولنا نسبة أمر بأمر وإسناد أمر إلــى أمر تعلّق أمر بأمر وقوعا كان أو لا وقوعا إن كان الإيجاب والسلب بمعنى الوقوع واللاوقوع، وإن أريد بالإيجاب والسّلب إدراك أنّ النسبة واقعة أو ليست بواقعة. فمعناه تعلّق أمر بأمر سواء كان موردا للإيجاب أو موردا للسلب، فإنّ الإيجاب والسّلب يطلق على كلا هذين المعنيين، كما صرّح بذلك المحقق التفتازاني في حاشية العضدي. وأنّ معنى قولنا إدراك أنّ النسبة واقعة أو ليست بواقعة ادراك أنّ النسبة الثبوتية واقعة في نفس الأمر أو ليست بواقعة فيها. ثم هذا التقرير على مذهب من يقول إنّ الحكم ليس من مقولة الفعل. وأما من يقول بأنّ الحكم من مقولة الفعل كالإمام الرازي والمتأخرين من المنطقيين فالمناسب عندهم في تفسير الحكم بإسناد أمر إلــى آخر إيجابا أو سلبا أن يقال إنّ الإسناد لغة بمعنى تكيه دادن چيزي به چيزى،- إضافة شيء إلــى شيء- وفي العرف ضم أمر إلــى آخر، بحيث يفيد فائدة تامّة. وقد يطلق بمعنى مطلق النسبة. فعلى الأول قولنا إيجابا أو سلبا بيان لنوعه، وعلى الثاني يفيد لإخراج ما سوى النسبة الخبرية، والإيجاب لازم كردن والسلب ربودن كما في الصراح. وبالجملة فالمناسب على هذا أن يفسّر الإسناد والإيجاب والسلب بمعان منبئة عن كون الحكم فعلا. ولا يراد بالضم وبالنسبة التعلّق بين الطرفين وبالإيجاب والسلب الوقوع [فعلا] واللاوقوع، إذ لو أريد ذلك لم يبق الحكم فعلا، وعلى هذا القياس قولنا الحكم هو الإيجاب والسّلب أو الإيقاع والانتزاع أو النفي والإثبات فإنها مفسّرة بالمعاني اللغوية المنبئة عن كون الحكم فعلا.
فالحكم على هذا إمّا جزء من التصديق كما ذهب إلــيه الإمام أو شرط له كما هو مذهب المتأخرين من المنطقيين، ويجيء في لفظ التصديق زيادة تحقيق لهذا.
ومنها نفس النسبة الحكمية على ما صرّح به الچلپي في حاشية الخيالي بعد التصريح بالمعنى الأول. وهذا المعنى إنّما يكون مغايرا للأول عند المتأخرين الذاهبين إلــى أنّ أجزاء القضية أربعة: المحكوم عليه وبه ونسبة تقييدية مسمّاة بالنسبة الحكمية ووقوع تلك النسبة أولا وقوعها الذي إدراكه هو المسمّى بالتصديق.
وأما عند المتقدمين الذاهبين إلــى أنّ أجزاء القضية ثلاثة: المحكوم عليه وبه والنسبة التامة الخبرية التي إدراكها تصديق فلا يكون مغايرا للمعنى الأول، لما عرفت من أنّ النسبة الحكمية ليست أمرا مغايرا للنسبة الخبرية.
ومنها إدراك تلك النسبة الحكمية
ومنها إدراك وقوع النسبة أولا وقوعها المسمّى بالتصديق، وهذا مصطلح المنطقيين والحكماء وقد صرّح بكلا هذين المعنيين الچلپي أيضا في حاشية الخيالي. والتغاير بين هذين المعنيين أيضا إنما يتصوّر على مذهب المتأخرين. قالوا الفرق بين إدراك النسبة الحكمية وإدراك وقوعها أولا وقوعها المسمّى بالحكم هو أنّه ربّما يحصل إدراك النسبة الحكمية بدون الحكم، فإنّ المتشكّك في النسبة الحكمية متردّد بين وقوعها ولا وقوعها، فقد حصل له إدراك النسبة قطعا ولم يحصل له إدراك الوقوع واللاوقوع المسمّى بالحكم فهما متغايران قطعا. وأجيب بأنّ التردّد لا يتقوم حقيقة ما لم يتعلّق بالوقوع أو اللاوقوع فالمدرك في الصورتين واحد والتفاوت في الإدراك بأنّه إذعاني أو تردّدي. وبالجملة فيتعلّق بهذا المدرك علمان علم تصوّري من حيث إنّه نسبة بينهما وعلم تصديقي باعتبار مطابقته للنسبة التي بينهما في نفس الأمر، وعدم مطابقته إياها على ما مرّت الإشارة إلــيه في المعنى الأول. وأما على مذهب القدماء فلا فرق بين العبارتين إلّــا بالتعبير. فمعنى قولنا إدراك النسبة وإدراك الوقوع واللاوقوع على مذهبهم واحد إذ ليس نسبة سوى الوقوع واللاوقوع، وهي النسبة التامة الخبرية. وأمّا النسبة التقييدية الحكمية المغايرة لها فممّا لا ثبوت له كما عرفت. فعلى هذا إضافة الوقوع واللاوقوع إلــى النسبة بيانية. لكنّ هذا الإدراك نوعان: إذعاني وهو المسمّى عندهم بالحكم المرادف للتصديق وغير إذعاني وتسميته بالحكم عندهم محتمل غير معلوم، ويؤيد هذا ما ذكر السيّد السّند والمولوي عبد الحكيم في حواشي شرح الشمسية. وحاصله أنّ معنى قولنا إدراك وقوع النسبة أولا وقوعها ليس أن يدرك معنى الوقوع أو اللاوقوع مضافا إلــى النسبة، فإنّ إدراكهما بهذا المعنى ليس حكما بل هو إدراك مركّب تقييدي من قبيل الإضافة، بل معناه أن يدرك أنّ النسبة واقعة ويسمّى هذا الإدراك حكما إيجابيا، أو أن يدرك أنّ النسبة ليست بواقعة ويسمّى هذا الإدراك حكما سلبيا، أعني معناه أن يدرك أنّ النسبة المدركة بين الطرفين أي المحكوم عليه والمحكوم به واقعة بينهما في حدّ ذاتها مع قطع النظر عن إدراكنا إيّاها أو ليست بواقعة كذلك، وهو الإذعان بمطابقة النسبة الذهنية لما في نفس الأمر أو في الخارج، أعني للنسبة مع قطع النظر عن إدراك المدرك بل من حيث إنها مستفادة من البداهة أو الحسّ أو النظر. فمآل قولنا إنّ النسبة واقعة أو ليست بواقعة.
وقولنا إنّها مطابقة واحدة والمراد به الحالة الإجمالية التي يقال لها الإذعان والتسليم المعبّر عنه بالفارسية بگرويدن لا إدراك هذه القضية، فإنّه تصوّر تعلّق بما يتعلّق به التصديق يوجد في صورة التخييل والوهم ضرورة أنّ المدرك في جانب الوهم هو الوقوع واللاوقوع، إلّــا أنّها ليست على وجه الإذعان والتسليم فظهر فساد ما توهّمه البعض من أنّ الشكّ والوهم من أنواع التصديق، ولا التفصيل المستفاد من ظاهر اللفظ لأنّه خلاف الوجدان، ولاستلزامه ترتّب تصديقات غير متناهية. فقد ظهر أنّ الحكم إدراك متعلّق بالنسبة التامة الخبرية فإنّها لمّا كانت مشعرة بنسبة خارجية كان إدراكها على وجهين من حيث إنّها متعلّقة بالطرفين رابطة بينهما كما في صورة الشكّ مثلا. ومن حيث إنّها كذلك في نفس الأمر كما في صورة الإذعان. وهذا هو الحكم والتصديق.
وإنما قيل كون الحكم بمعنى إدراك وقوع النسبة أولا وقوعها يشعر بأنّ المراد بالنسبة النسبة الحكمية لا النسبة التامة الخبرية لأنّ الحكم على تقدير كونها تامة هو إدراك نفسها ليس بشيء عند التحقيق، وإنّ أجزاء القضية ثلاثة المحكوم عليه وبه والنسبة التامة الخبرية وهي نسبة واحدة هي اتحاد المحمول بالموضوع، أو عدم اتحاده به، وهو الحقّ عند المحققين، لا كما ذهب إلــيه المتأخرون من أنّ أجزاءها أربعة: المحكوم عليه وبه والنسبة الحكمية ووقوعها أولا وقوعها وأنّ الاختلاف بين التصوّر والتصديق بحسب الذات والمتعلّق، فإنّ التصوّر لا يتعلّق عندهم به التصديق، فالتصديق عندهم إدراك متعلّق بوقوع النسبة أولا وقوعها والتصوّر إدراك متعلّق بغير ذلك. والحق عند المحققين أنّ التصوّر يتعلّق بما يتعلّق به التصديق أيضا، فلا امتياز بين التصور والتصديق إلّــا بحسب الذات واللوازم كاحتمال الصدق والكذب دون المتعلق.
واعلم أنّه ذكر السّيد الشريف أنّه يجوز أن يفسّر الحكم بالتصديق فقط وأن يفسّر بالتصديق والتكذيب، وهذا بناء على أنّ إذعان أنّ النسبة ليست بواقعة إذعان بأنّ النسبة السلبية واقعة.
فعلى هذا يجوز أن يعرف الحكم بإدراك الوقوع فقط وأن يعرف بإدراك الوقوع واللاوقوع معا.
التقسيم
الحكم سواء أخذ بمعنى التصديق أو بمعنى النسبة الخبرية ينقسم إلــى شرعي وغير شرعي. فالشرعي ما يؤخذ من الشرع بشرط أن لا يخالف القطعيات بالنسبة إلــى فهم الآخذ سواء كان مما يتوقف على الشرع بأن لا يدرك لولا خطاب الشارع كوجوب الصلاة، أو لم يكن كوجوده تعالى وتوحيده، وهو ينقسم إلــى ما لا يتعلّق بكيفية عمل ويسمّى أصليا واعتقاديا وإلــى ما يتعلّق بها ويسمّى عمليا وفرعيا، وغير الشرعي ما لا يؤخذ من الشرع كالأحكام العقلية المأخوذة من مجرّد العقل، والاصطلاحية المأخوذة من الاصطلاح. وأكثر ما ذكرنا هو خلاصة ما ذكره المولوي عبد الحكيم في حاشية الخيالي في الخطبة وحاشية شرح الشمسية.
ومنها المحكوم عليه.
ومنها المحكوم به. قال الچلپي في حاشية المطول في بحث التأكيد: إطلاق الحكم على المحكوم به متعارف عند النحاة كإطلاقه على المحكوم عليه انتهى. وهكذا ذكر السيّد الشريف في حاشية المطول.
ومنها نفس القضية على ما ذكر الچلپي أيضا في حاشية الخيالي، وهذا كما يطلق التصديق على القضية.
ومنها القضاء كما يجيء في لفظ الديانة.

وما ذكره الغزالي حيث قال: الحكم والقضاء والقدر: هو توجّه الأسباب لجانب المسبّبات هو الحكم المطلق. وهو سبحانه وتعالى مسبب لجميع الأسباب المجمل منه والمفصّل، وعن الحكم يتفرع القضاء والقدر. فإذن: التدبير الــإلــهي هو أصل لوضع الأسباب لكي تتوجه نحو مسبّبات وهو الحكم الــإلــهي. وقيام الأسباب الكلية وظهورها مثل الأرض والسّماء والكواكب والحركات المتناسبة لها وغير ذلك مما لا يتغيّر ولا يتبدّل حتى يحين وقتها فذلك هو القضاء. ثم توجّه الأسباب هذه للأحوال والحركات المتناسبة والمحدودة والمقدّرة لجانب الأسباب، وحددت ذلك لحظة بلحظة فهو القدر.

إذن فالحكم: هو التدبير الأزلي كله وأمره كلمح البصر. والقضاء: وضع كلّ الأسباب الكلية الدائمة.

والقدر: هو توجيه هذه الأسباب الكلية لمسبباتها المعدودة بعدد معين فلا تزيد ولا تنقص. وكذا ذكر المولوي عبد الحق المحدّث في ترجمة المشكاة في باب الإيمان بالقدر.
ومنها خطاب الله تعالى المتعلّق بأفعال المكلّفين. هكذا نقل عن الأشعري. وهذا المعنى مصطلحات الأصوليين.
والخطاب في اللغة توجيه الكلام نحو الغير ثم نقل إلــى الكلام الذي يقع به التخاطب، وبإضافته إلــى الله تعالى خرج خطاب من سواه إذ لا حكم إلّــا حكمه ووجوب طاعة النبي عليه السلام وأولي الأمر والسيّد إنّما هو بإيجاب الله تعالى إياها. والمراد بالخطاب هاهنا ليس المعنى اللغوي، اللهم إلّــا أن يراد بالحكم المعنى المصدري، بل المراد به المعنى المنقول من الكلام المذكور لكن لا مطلقا بل الكلام النفسي، لأنّ اللفظي ليس بحكم بل دال عليه سواء أريد بالكلام الذي يقع به التخاطب الكلام الذي من شأنه التخاطب فيكون الكلام خطابا به أزليا كما هو رأي الأشعري من قدم الحكم والخطاب بناء على أزلية تعلّقات الكلام وتنوعه في الأزل أمرا أو نهيا أو غيرهما، أو أريد به معناه الظاهر المتبادر أي الكلام الذي يقع به التخاطب بالفعل، وهو الكلام الذي قصد منه إفهام من هو متهيئ لفهمه كما ذهب إلــيه ابن القطّان من أنّ الحكم والخطاب حادثان بناء على حدوث تعلّقات الكلام وعدم تنوّعه في الأزل، وهذا معنى ما قال إنّ الحكم والخطاب حادثان بل جميع أقسام الكلام مع قدمه فهو لا يسمّى الكلام في الأزل خطابا. ومعنى تعلقه بأفعال المكلّفين تعلّقه بفعل من أفعالهم لا بجميع أفعالهم على ما يوهم إضافة الجمع من الاستغراق، وإلّــا لم يوجد حكم أصلا إذ لا خطاب يتعلّق بجميع الأفعال فيشمل خواص النبي صلى الله عليه وآله وسلم أيضا كإباحة ما فوق الأربع من النساء.
لا يقال إذا كان المراد بالخطاب الكلام النفسي ولا شكّ أنّه صفة واحدة فيتحقّق خطاب واحد متعلّق بجميع الأفعال لأنّا نقول الكلام وإن كانت صفة واحدة لكن ليس خطابا إلّــا باعتبار تعلّقه، وهو متعدّد بحسب المتعلّقات، فلا يكون خطاب واحد متعلقا بالجميع، وخرج بقوله المتعلّق بأفعال المكلّفين الخطابات المتعلّقة بأحوال ذاته وصفاته وتنزيهاته وغير ذلك ممّا ليس بفعل المكلّف كالقصص. واعترض على الحدّ بأنه غير مانع إذ يدخل فيه القصص المبينة لأفعال المكلّفين وأحوالهم والأخبار المتعلّقة بأعمالهم كقوله تعالى: وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ مع أنّها ليست أحكاما.
وأجيب بأنّ الحيثية معتبرة في الحدود، فالمعنى الحكم خطاب الله متعلّق بفعل المكلّفين من حيث هو فعل المكلّف وليس تعلّق الخطاب بالأفعال في صور النقض من حيث إنّها أفعال المكلّفين هذا لكن اعتبار حيثية التكليف فيما يتعلّق به خطاب الإباحة بل الندب والكراهة موضع تأمّل. ولذا أراد البعض في الحدّ قولنا بالاقتضاء أو التخيير للاحتراز عن الأمور المذكورة وكلمة أو لتقسيم المحدود دون الحدّ.
ومعنى الاقتضاء الطلب. وهو إمّا طلب الفعل مع المنع عن الترك وهو الإيجاب، أو طلب الترك مع المنع عن الفعل وهو التحريم، أو طلب الفعل بدون المنع عن الترك وهو الندب، أو طلب الترك بدون المنع عن الفعل وهو الكراهة. ومعنى التخيير عدم طلب الفعل والترك وهو الإباحة.
إن قيل إذا كان الخطاب متعلّقا بأفعال المكلّفين في الأزل كما هو رأي الأشعري يلزم طلب الفعل والترك من المعدوم وهو سفه. قلت السفه إنّما هو طلب الفعل أو الترك عن المعدوم حال عدمه. وأمّا طلبه منه على تقدير وجوده فلا، كما إذا قدّر الرجل ابنا فأمره بطلب العلم حين الوجود لكن بقي أنّه يلزم خروج الخطاب الوضعي من الحدّ، مع أنّه حكم فإنّ الخطاب نوعان: تكليفي وهو المتعلّق بأفعال المكلفين بالاقتضاء، والتخيير، ووضعي وهو الخطاب باختصاص شيء بشيء وذلك على ثلاثة أقسام:
سببي كالخطاب بأنّ هذا سبب لذلك كالدلوك للصلاة، وشرطي كالخطاب بأنّ هذا شرط لذلك كالطهارة للصلاة، ومانعي أي هذا مانع لذلك كالنجاسة للصلاة. فأجاب البعض عنه بأنّ خطاب الوضع ليس بحكم، وإن جعلها غيرنا حكما إذ لا مشاحة في الاصطلاح ولو سلّم أنّه حكم فلا نسلّم خروجه عن الحدّ إذ المراد من الاقتضاء والتخيير أعمّ من التصريحي والضمني، والخطاب الوضعي من قبيل الضمني إذ معنى سببية الدلوك وجوب الصلاة عند الدلوك.
ومعنى شرطية الطهارة وجوبها في الصلاة أو حرمة الصلاة بدونها. ومعنى مانعية النجاسة حرمة الصلاة معها أو وجوب إزالتها حالة الصلاة، وكذا في جميع الأسباب والشروط والموانع. وبعضهم زاد قيدا في التعريف ليشتمله، فقال بالاقتضاء أو التخيير أو الوضع، أي وضع الشارع وجعله. فإن قلت الحكم يتناول القياس المحتمل للخطأ فكيف ينسب إلــى الله تعالى؟ قلت الحاكم في المسألة الاجتهادية هو الله تعالى إلّــا أنه لم يحكم إلّــا بالصواب.
فالحكم المنسوب إلــيه هو الحق الذي لا يحوم حوله الباطل، وما وقع من الخطأ للمجتهد فليس بحكم حقيقة بل ظاهرا وهو معذور في ذلك.
قال صدر الشريعة بعضهم عرّف الحكم الشرعي بهذا التعريف المذكور، فإذا كان هذا التعريف للحكم فمعنى الشرعي ما يتوقّف على الشرع فيكون قيدا مخرجا لوجوب الإيمان ونحوه. وإذا كان تعريفا للحكم الشرعي فمعنى الشرعي ما ورد به خطاب الشارع لا ما يتوقّف على الشرع، وإلّــا لكان الحدّ أعمّ من المحدود لتناوله مثل وجوب الإيمان. ومعنى الحكم في قولنا الحكم الشرعي على هذا إسناد أمر إلــى آخر، وإلّــا لزم تكرار قيد الشرعي. وقال الآمدي الحكم خطاب الشارع لفائدة شرعية. قيل إن فسّر الآمدي الفائدة الشرعية بمتعلّق الحكم فدور، ولو سلّم أن لا دور فلا دليل عليه في اللفظ. وإن فسّرها بما لا تكون حسّية ولا عقلية على ما يشعر به كلامه حيث قال: هذا القيد احتراز عن خطابه بما لا يفيد فائدة شرعية كالإخبار عن المحسوسات والمعقولات، وردّ على طرد الحدّ إخبار الشارع بالمغيبات كقوله تعالى: وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فزيد قيد يختصّ به ليخرج ما أورد عليه إذ لا تحصل تلك الفائدة إلّــا بالاطلاع على الخطاب لأنّ فائدة الإخبار عن المغيّبات قد يطّلع عليها لا من خطاب الشرع، إذ لكل خبر مدلول خارجي قد يعلم وقوعه بطريق آخر كالإحساس في المحسوسات والضرورة، والاستدلال في المعقولات والــإلــهام، مثلا في المغيبات فإن للخبر لفظا ومعنى ثابتا في نفس المتكلم يدلّ عليه اللفظ فيرتسم في نفس السامع، هو مفهوم الطرفين والحكم، ومتعلقا لذلك المعنى هو النسبة المتحققة في نفس الأمر بين الطرفين يشعر اللفظ بوقوعه في الخارج. لكن الإشعار بوقوعه لا يستلزم وقوعه بل قد يكون واقعا فيكون الخبر صادقا وقد لا يكون فيكون كاذبا، بخلاف الحكم بالمعنى المذكور فإنّه إنشاء والإنشاء له لفظ ومعنى يدلّ عليه لكن ليس لمعناه متعلّق يقصد الإشعار والإعلام به، بل إنّما يقصد به الإشعار بنفس ذلك المعنى الثابت في النفس كالطّلب مثلا في الإنشاءات الطلبية.
ومثل هذا المعنى لا يعلم إلّــا باللفظ توقيفا، أي بطريق جعل السامع واقفا على ثبوته في النفس، فيختصّ بالخطاب الدال عليه. فمثل قوله تعالى كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ إن قصد به الإعلام بنسبة واقعة سابقة كان خبرا فلا يكون حكما بالمعنى المذكور، وإن قصد به الإعلام بالطلب القائم بالنفس كان إنشاء فيكون حكما. قيل هاهنا دور إذ معرفة الخطاب المفيدة فائدة مختصّة به موقوفة على تصوّر الفائدة المختصّة ضرورة توقّف الكلام على تصوّر أجزائه، وهي متوقّفة على الخطاب فيلزم الدور. قيل جوابه أنّ المتوقّف على الخطاب حصول الفائدة، وما توقّف عليه الخطاب تصوّرها وحصول الشيء غير تصوّره فلا دور. قيل لا حاجة إلــى زيادة القيد بل الحدّ مطّرد ومنعكس لا غبار عليه وذلك بأن تفسّر الفائدة الشرعية بتحصيل ما هو حصولها بخطاب الشارع دون ما هو حاصل في نفسه ولو في المستقبل، ورد به خطاب الشرع أم لا، لكنه يعلم بخطابه كالمغيّبات، فإنّ الإخبار عنها لا يحصلها بل يفيد العلم بها.
لكن بقي بعد شيء وهو أنّ مثل قوله تعالى فَنِعْمَ الْماهِدُونَ ونِعْمَ الْعَبْدُ يدخل في الحدّ وليس بحكم.
ومنها الأثر الثابت بالشيء كما وقع في الهادية حاشية الكافية في بحث المعرب. وفي العارفية حاشية شرح الوقاية في بيان الوضوء كون الحكم بمعنى الأثر الثابت بالشيء إنما هو من أوضاع الفقهاء واصطلاحات المتأخرين انتهى. وفي التوضيح يطلقون الحكم على ما ثبت بالخطاب كالوجوب والحرمة مجازا بطريق إطلاق اسم المصدر على المفعول كالخلق على المخلوق. لكن لما شاع فيه صار منقولا اصطلاحيا وهو حقيقة اصطلاحية انتهى.
وحاصل هذا أنّ الحكم عند الفقهاء هو أثر خطاب الشارع.
ومنها الأثر المترتّب على العقود والفسوخ كملك الرقبة أو المتعة أو المنفعة المترتّب على فعل المكلّف وهو الشراء. وفي التلويح في باب الحكم إطلاق الحكم في الشرع على خطاب الشارع وعلى الأثر المترتّب على العقود والفسوخ إنّما هو بطريق الاشتراك انتهى. فعلم من هذا أنّ إطلاق الحكم على الأثر الثابت بالشيء ليس من أوضاع الفقهاء كما ذكره صاحب العارفية، اللهم إلّــا أن يراد بالشيء خطاب الشارع أو العقود والفسوخ. نعم إطلاقه بهذا المعنى شائع في عرفهم وعرف غيرهم.
قال المولوي عصام الدين في حاشية الفوائد الضيائية: تفسير الحكم بالأثر المترتّب على الشيء مما أتى به أقوام بعد أقوام وإن لم أعثر على مأخذه في أفانين الكلام انتهى.
ومنها الخاصة كما وقع في الحاشية الهندية في بحث المعرب. قال في الهادية هذا من قبيل ذكر اللازم وإرادة الملزوم لأنّ حكم الشيء أي أثره لا يكون إلّــا مختصا به ضرورة استحالة توارد المؤثّرين على أثر واحد.
تقسيم
ما يطلق عليه لفظ الحكم شرعا على ما اختاره صدر الشريعة في التوضيح هو ما حاصله أنّ الحكم إمّا حكم بتعلّق شيء بشيء أو لا. فإن لم يكن فالحكم إمّا صفة لفعل المكلّف أو أثر له. فإن كان أثرا كالملك فلا بحث هاهنا عنه، وإن كان صفة فالمعتبر فيه اعتبارا أوليا إمّا المقاصد الدنيوية أو الأخروية.
فالأول ينقسم الفعل بالنظر إلــيه تارة إلــى صحيح وباطل وفاسد وتارة إلــى منعقد وغير منعقد، وتارة إلــى نافذ وغير نافذ، وتارة إلــى لازم وغير لازم، والثاني إمّا أصلي أو غير أصلي.
فالأصلي إمّا أن يكون الفعل أولى من الترك أو الترك أولى من الفعل، أو لا يكون أحدهما أولى. فالأوّل إن كان مع منع الترك بدليل قطعي ففرض أو بظني فواجب، وإلّــا فإن كان الفعل طريقة مسلوكة في الدين فسنة، وإلّــا فندب. والثاني إن كان مع منع الفعل فحرام وإلّــا فمكروه. والثالث مباح وغير الأصلي رخصة. وإن كان حكما بتعلّق شيء بشيء فالمتعلّق إن كان داخلا فركن، وإلّــا فإن كان مؤثّرا فيه فعلّة، وإلّــا فإن كان موصلا إلــيه في الجملة فسبب، وإلّــا فإن توقّف الشيء عليه فشرط، وإلّــا فعلامة. وإنّما قلنا هذا تقسيم ما يطلق عليه لفظ الحكم شرعا إذ لو أريد بالحكم خطاب الشارع أو أثره لا يشمل الحكم نحو الملك لأنّ الملك إنّما ثبت بفعل المكلّف لا الخطاب. فالمقصود هاهنا بيان أقسام ما يطلق عليه لفظ الحكم في الشرع. فإنّ التحقيق أنّ إطلاق الحكم على خطاب الشرع وعلى أثره وعلى الأثر المترتّب على العقود والفسوخ إنّما هو بطريق الاشتراك، هكذا ذكر في التلويح في باب الحكم. ومثل هذا تقسيمهم العلّة إلــى سبعة أقسام كما يجيء في محله.
اعلم أنّ أفعال المكلّف اثنا عشر قسما لأنّ ما يأتي به المكلّف إن تساوى فعله وتركه فمباح، وإلّــا فإن كان فعله أولى فمع المنع عن الترك واجب وبدونه مندوب. وإن كان تركه أولى فمع المنع عن الفعل بدليل قطعي حرام وبدليل ظنّي مكروه كراهة التحريم، وبدون المنع عن الفعل مكروه كراهة التنزيه، هذا على رأي محمد. وأمّا على رأيهما فهو أنّ ما يكون تركه أولى من فعله فهو مع المنع عن الفعل حرام، وبدونه مكروه كراهة التنزيه إن كان إلــى الحلّ أقرب، بمعنى أنّه لا يعاقب فاعله لكن يثاب تاركه أدنى ثواب، ومكروه كراهة التحريم إن كان إلــى الحرام أقرب، بمعنى أنّ فاعله يستحق محذورا دون العقوبة بالنار. ثم المراد بالواجب ما يشمل الفرض أيضا لأنّ استعماله بهذا المعنى شائع عندهم كقولهم الزكاة واجبة والحج واجب، بخلاف إطلاق الحرام على المكروه تحريما فإنه ليس بشائع. والمراد بالمندوب ما يشمل السّنة الغير المؤكّدة والنفل.
وأمّا السّنة المؤكّدة فهي داخلة في الواجب على الأصح، فصارت الأقسام ستة، ولكلّ منها طرفان، فعل أي الإيقاع، وترك أي عدم الفعل، فيصير اثنا عشر قسما، هكذا في التلويح وحواشيه.
خاتمة
قد عرفت أنّ الحكم عند الأصوليين هو نفس خطاب الله تعالى. فالإيجاب هو نفس معنى قوله افعل وهو قائم بذاته سبحانه، وليس للفعل من الإيجاب المتعلّق به صفة حقيقية قائمة به تسمّى وجوبا. فإنّ القول لفظيا كان أو نفسيا ليس لمتعلّقه منه صفة حقيقية، أي لا يحصل لما يتعلّق به القول بسبب تعلّقه به صفة موجودة لأنّ القول يتعلّق بالمعدوم كما يتعلّق بالموجود. فلو اقتضى تعلّقه تلك الصفة لكان المعدوم متصفا بصفة حقيقية، وهو أي معنى قوله افعل إذ أنسب إلــى الحاكم تعالى لقيامه به يسمّى إيجابا، وإذا نسب إلــى ما فيه الحكم وهو الفعل لتعلّقه به يسمّى وجوبا، فالإيجاب والوجوب متّحدان بالذات لأنّهما ذلك المعنى القائم بذاته تعالى المتعلّق بالفعل مختلفان بالاعتبار لأنّه باعتبار القيام إيجاب وباعتبار التعلّق وجوب، وكذا الحال في التحريم والحرمة وترتّب الوجوب على الإيجاب بأن يقال أوجب الفعل، فوجب مبني على التغاير الاعتباري، فلا ينافي الاتّحاد الذاتي. وهذا كما قيل التعليم والتعلّم واحد بالذات واثنان بالاعتبار لأنّ شيئا واحدا وهو إسباق ما إلــى اكتساب مجهول بمعلوم يسمّى بالقياس إلــى الذي يحصل فيه تعلّما، وبالقياس إلــى الذي يحصل منه تعليما، كالتّحرّك والتّحريك. فلذلك الاتحاد ترى الأصوليين يجعلون أقسام الحكم الوجوب والحرمة تارة والإيجاب والتحريم أخرى ومرة الوجوب والتحريم. قيل ما ذكرتم إنما يدلّ على أنّ الفعل من حيث تعلّق به القول لم يتصف بصفة حقيقية يسمّى وجوبا، لكن لم لا يجوز أن يكون صفة اعتبارية هي المسمّاة بالوجوب، أعني كونه حيث تعلّق به الإيجاب، بل هذا هو الظاهر، فيكون كلّ من الموجب والواجب متصفا بما هو قائم به. ولا شكّ أنّ القائم بالفعل ما ذكرناه لا نفس القول، وإن كانت هناك نسبة قيام باعتبار التعلّق. ولو ثبت أنّ الوجوب صفة حقيقية لتمّ المراد إذ ليس هناك صفة حقيقية سوى ما ذكر إلّــا أنّ الكلام في ذلك.
واعلم أنّ النزاع لفظي إذ لا شكّ في خطاب نفساني قائم بذاته تعالى متعلّق بالفعل يسمّى إيجابا مثلا، وفي أنّ الفعل بحيث يتعلّق به ذلك الخطاب الإيجابي يسمّى وجوبا. فلفظ الوجوب إن أطلق على ذلك الخطاب من حيث تعلقه بالفعل كان الأمر على ما سبق، ولا يلزم المسامحة في وصف الفعل حينئذ بالوجوب، وإن أطلق على كون الفعل تعلّق به ذلك الخطاب لم يتحدا بالذات، وتلزم المسامحة في عباراتهم حيث أطلق أحدهما على الآخر. هذا كله خلاصة ما في العضدي وحواشيه. 
Learn Quranic Arabic from scratch with our innovative book! (written by the creator of this website)
Available in both paperback and Kindle formats.