[في الانكليزية] Persistance
[ في الفرنسية] Persistance
الإقامة على الذنب والعزم على فعل مثله كذا في الجرجاني.
صرر: الصِّرُّ، بالكسر، والصِّرَّةُ: شدَّة البَرْدِ، وقيل: هو البَرْد
عامَّة؛ حكِيَتِ الأَخيرة عن ثعلب. وقال الليث: الصِّرُّ البرد الذي يضرب
النَّبات ويحسِّنه. وفي الحديث: أَنه نهى عما قتله الصِّرُّ من الجراد
أَي البَرْد. ورِيحٌ وصَرْصَرٌ: شديدة البَرْدِ، وقيل: شديدة الصَّوْت.
الزجاج في قوله تعالى: بِريحٍ صَرْصَرٍ؛ قال: الصِّرُّ والصِّرَّة شدة
البرد، قال: وصَرْصَرٌ متكرر فيها الراء، كما يقال: قَلْقَلْتُ الشيء
وأَقْلَلْتُه إِذا رفعته من مكانه، وليس فيه دليل تكرير، وكذلك صَرْصَرَ وصَرَّ
وصَلْصَلَ وصَلَّ، إِذا سمعت صوْت الصَّرِيرِ غير مُكَرَّرٍ قلت: صَرَّ
وصَلَّ، فإِذا أَردت أَن الصوت تَكَرَّر قلت: قد صَلْصَلَ وصَرْصَرَ. قال
الأَزهري: وقوله: بِريح صَرْصر؛ أَي شديد البَرْد جدّاً. وقال ابن
السكيت: ريح صَرْصَرٌ فيه قولان: يقال أَصلها صَرَّرٌ من الصِّرّ، وهو البَرْد،
فأَبدلوا مكان الراءِ الوسطى فاء الفعل، كما قالوا تَجَفْجَفَ الثوبُ
وكَبْكَبُوا، وأَصله تجفَّف وكَبَّبُوا؛ ويقال هو من صَرير الباب ومن
الصَّرَّة، وهي الضَّجَّة، قال عز وجل: فَأَقْبَلَتِ امرأَتُه في صَرَّةٍ؛ قال
المفسرون: في ضَجَّة وصَيْحَة؛ وقال امرؤ القيس:
جَوَاحِرُها في صَرَّة لم تَزَيَّلِ
فقيل: في صَرَّة في جماعة لم تتفرَّق، يعني في تفسير البيت. وقال ابن
الأَنباري في قوله تعالى: كَمَثَلِ رِيحٍ فيها صِرٌّ، قال: فيها ثلاثة
أَقوال: أَحدها فيها صِرٌّ أَي بَرْد، والثاني فيها تَصْوِيت وحَرَكة، وروي
عن ابن عباس قول آخر فيها صِرٌّ، قال: فيها نار.
وصُرَّ النباتُ: أَصابه الصِّرُّ. وصَرَّ يَصِرُّ صَرّاً وصَرِيراً
وصَرْصَرَ: صوَّت وصاح اشدَّ الصياح. وقوله تعالى: فأَقبلتِ امرأَتُه في
صَرَّة فصَكَّتْ وَجْهَها؛ قال الزجاج: الصَّرَّة أَشدُّ الصياح تكون في
الطائر والإِنسان وغيرهما؛ قال جرير يَرْثِي ابنه سَوادَة:
قَالُوا: نَصِيبكَ من أَجْرٍ، فقلت لهم:
من لِلْعَرِينِ إِذا فارَقْتُ أَشْبالي؟
فارَقْتَني حِينَ كَفَّ الدهرُ من بَصَرِي،
وحين صِرْتُ كعَظْم الرِّمَّة البالي
ذاكُمْ سَوادَةُ يَجْلُو مُقْلَتَيْ لَحِمٍ،
بازٍ يُصَرْصِرُ فَوْقَ المَرْقَبِ العالي
وجاء في صَرَّةٍ، وجاء يَصْطَرُّ. قال ثعلب: قيل لامرأَة: أَيُّ النساء
أَبغض إِليك؟ فقالت: التي إِنْ صَخِبَتْ صَرْصَرَتْ. وصَرَّ صِمَاخُهُ
صَرِيراً: صَوَّت من العَطَش. وصَرَصَرَ الطائرُ: صَوَّت؛ وخصَّ بعضهم به
البازِيَ والصَّقْر. وفي حديث جعفر ابن محمد: اطَّلَعَ عليَّ ابن الحسين
وأَنا أَنْتِفُ صَرّاً؛ هو عُصْفُور أَو طائر في قدِّه أَصْفَرُ اللَّوْن،
سمِّي بصوْته. يقال: صَرَّ العُصْفُور يَصِرُّ إِذا صاح. وصَرَّ
الجُنْدُب يَصِرُّ صَرِيراً وصَرَّ الباب يَصِرُّ. وكل صوت شِبْهُ ذلك، فهو
صَرِيرٌ إِذا امتدَّ، فإِذا كان فيه تخفيف وترجِيع في إِعادَة ضُوعِف، كقولك
صَرْصَرَ الأَخَطَبُ صَرْصَرَةً، كأَنهم قَدَّرُوا في صوْت الجُنْدُب
المَدّ، وفي صَوْت الأَخْطَب التَّرْجِيع فَحكَوْه على ذلك، وكذلك الصَّقْر
والبازي؛ وأَنشد الأَصمعي بَيْتَ جرير يَرْثِي ابنه سَوادَة:
بازٍ يُصَرْصِرُ فَوْقَ المَرْقَبِ العالي
ابن السكِّيت: صَرَّ المَحْمِلُ يَصِرُّ صَرِيراً ، والصَّقرُ
يُصَرْصِرُ صَرْصَرَةً؛ وصرَّت أُذُنِي صَريراً إذا سمعت لها دَوِيّاً. وصَرَّ
القلمُ والباب يَصِرُّ صَرِيراً أَي صوَّت. وفي الحديث: أَنه كان يخطُب إِلى
حِذْعٍ ثم اتَّخَذ المِنْبَرَ فاضْطَرَّت السَّارِية؛ أَي صوَّتت
وحنَّت، وهو افْتَعَلَتْ من الصَّرِير، فقُلِبت التَّاء طاءً لأَجل
الصاد.ودِرْهَمٌ صَرِّيٌّ وصِرِّيٌّ: له صوْت وصَرِيرٌ إِذا نُقِرَ، وكذلك
الدِّينار، وخصَّ بعضهم به الجَحْدَ ولم يستعمله فيما سواه. ابن الأَعرابي:
ما لفلان صِرُّ أَي ما عنده درْهم ولا دينار، يقال ذلك في النَّفْي خاصة.
وقال خالد بن جَنبَة: يقال للدِّرْهم صَرِّيٌّ، وما ترك صَرِّياً إِلاَّ
قَبَضه، ولم يثنِّه ولم يجمعه.
والصَّرِّةُ: الضَّجَّة والصَّيْحَةُ. والصَّرُّ: الصِّياح والجَلَبة.
والصَّرَّة: الجماعة. والصَّرَّة: الشِّدة من الكْرب والحرْب وغيرهما؛ وقد
فسر قول امرئ القيس:
فأَلْحَقَنَا بالهَادِياتِ، ودُونَهُ
جَواحِرُها، في صَرَّةٍ لم تَزَيَّلِ
فُسِّرَ بالجماعة وبالشدَّة من الكرْب، وقيل في تفسيره: يحتمل الوجوه
الثلاثة المتقدِّمة قبله. وصَرَّة القَيْظِ: شدَّته وشدَّةُ حَرِّه.
والصَّرَّة: العَطْفة. والصَّارَّة: العَطَشُ، وجمعه صَرَائِرُ نادر؛ قال ذو
الرمة:
فانْصاعَت الحُقْبُ لم تَقْصَعْ صَرائِرَها،
وقد نَشَحْنَ، فلا ريٌّ ولا هِيمُ
ابن الأَعرابي: صَرِّ يَصِرُّ إِذا عَطِشَ وصَرَّ يَصُرُّ إِذا جَمَعَ.
ويقال: قَصَعَ الحِمار صارَّته إِذا شرب الماء فذهَب عَطَشه، وجمعُها
صَرائِر،
(* قوله: «وجمعها صرائر» عبارة الصحاح: قال أَبو عمرو وجمعها صرائر
إلخ وبه يتضح قوله بعد: وعيب ذلك على أَبي عمرو). وأَنشد بيت ذي الرمة
أَيضاً: «لم تَقْصَعْ صَرائِرَها» قال: وعِيب ذلك على أَبي عمرو، وقيل:
إِنما الصَّرائرُ جمع صَرِيرة، قال: وأَما الصَّارَّةُ فجمعها صَوارّ.
والصِّرار: الخيط الذي تُشَدُّ به التَّوادِي على أَطراف الناقة
وتُذَيَّرُ الأَطباءُ بالبَعَر الرَّطْب لئلاَّ يُؤَثِّرَ الصِّرارُ فيها.
الجوهري: وصَرَرْتُ الناقة شددت عليها الصِّرار، وهو خيط يُشَدُّ فوق الخِلْف
لِئلاَّ يرضعَها ولدها. وفي الحديث: لا يَحِلُّ لرجل يُؤمن بالله واليوم
الآخر أَن يَحُلَّ صِرَارَ ناقةٍ بغير إِذْنِ صاحبها فإِنه خاتَمُ
أَهْلِها. قال ابن الأَثير: من عادة العرب أَن تَصُرَّ ضُرُوعَ الحَلُوبات إِذا
أَرسلوها إِلى المَرْعَى سارِحَة، ويسمُّون ذلك الرِّباطَ صِراراً،
فإِذا راحَتْ عَشِيّاً حُلَّت تلك الأَصِرَّة وحُلِبَتْ، فهي مَصْرُورة
ومُصَرَّرة؛ ومنه حديث مالك بن نُوَيْرَةَ حين جَمَعَ بَنُو يَرْبُوَع
صَدَقاتهم ليُوَجِّهوا بها إِلى أَبي بكر، رضي
الله عنه، فمنعَهم من ذلك وقال:
وقُلْتُ: خُذُوها هذِه صَدَقاتكُمْ
مُصَرَّرَة أَخلافها لم تُحَرَّدِ
سأَجْعَلُ نفسي دُونَ ما تَحْذَرُونه،
وأَرْهَنُكُمْ يَوْماً بما قُلْتُهُ يَدِي
قال: وعلى هذا المعنى تأَوَّلُوا قولَ الشافعي فيما ذَهب إِليه من
أَمْرِ المُصَرَّاة. وصَرَّ الناقة يَصُرُّها صَرّاً وصَرَّ بها: شدَّ
ضَرْعَها. والصِّرارُ: ما يُشدُّ به، والجمع أَصِرَّة؛ قال:
إِذا اللَّقاح غَدَتْ مُلْقًى أَصِرَّتُها،
ولا كَريمَ من الوِلْدانِ مَصْبُوحُ
ورَدَّ جازِرُهُمْ حَرْفاً مُصَرَّمَةً،
في الرأْس منها وفي الأَصْلاد تَمْلِيحُ
ورواية سيبويه في ذلك:
ورَدْ جازِرُهُمْ حَرْفاً مُصَرَّمة،
ولا كريمَ من الوِلْدَان مَصْبُوح
والصَّرَّةُ: الشاة المُضَرَّاة. والمُصَرَّاة: المُحَفَّلَة على تحويل
التضعيف. وناقةٌ مُصِرَّةٌ: لا تَدِرُّ؛ قال أُسامة الهذلي:
أَقرَّتْ على حُولٍ عَسُوس مُصِرَّة،
ورَاهَقَ أَخْلافَ السَّدِيسِ بُزُِولُها
والصُّرَّة: شَرَجْ الدَّراهم والدنانير، وقد صَرَّها صَرّاً. غيره:
الصُّرَّة صُرَّة الدراهم وغيرها معروفة. وصَرَرْت الصُّرَّة: شددتها. وفي
الحديث: أَنه قال لجبريل، عليه السلام: تأْتِيني وأَنت صارٌّ بين
عَيْنَيْك؛ أَي مُقَبِّض جامعٌ بينهما كما يفعل الحَزِين. وأَصل الصَّرِّ: الجمع
والشدُّ. وفي حديث عمران بن حصين: تَكاد تَنْصَرُّ من المِلْءِ، كأَنه من
صَرَرْته إِذا شَدَدْته؛ قال ابن الأَثير: كذا جاء في بعض الطرق،
والمعروف تنضرج أَي تنشقُّ. وفي الحديث: أَنه قال لِخَصْمَيْنِ تقدَّما إِليه:
أَخرِجا ما تُصَرّرانه من الكلام، أَي ما تُجَمِّعانِه في صُدُوركما.
وكلُّ شيء جمعته، فقد، صَرَرْته؛ ومنه قيل للأَسير: مَصْرُور لأَن يَدَيْه
جُمِعتَا إِلى عُنقه؛ ولمَّا بعث عبدالله بن عامر إِلى ابن عمر بأَسيرِ قد
جُمعت يداه إِلى عُنقه لِيَقْتُلَه قال: أَمَّا وهو مَصْرُورٌ فَلا.
وصَرَّ الفرسُ والحمار بأُذُنِه يَصُرُّ صَرّاً وصَرَّها وأَصَرَّ بها:
سَوَّاها ونَصَبها لِلاستماع. ابن السكيت: يقال صَرَّ الفرس أُذنيه ضَمَّها
إِلى رأْسه، فإِذا لم يُوقِعوا قالوا: أَصَرَّ الفرس، بالأَلف، وذلك إِذا
جمع أُذنيه وعزم على الشَّدِّ؛ وفي حديث سَطِيح:
أَزْرَقُ مُهْمَى النَّابِ صَرَّارُ الأُذُنْ
صَرَّ أُذُنه وصَرَّرها أَي نَصَبها وسوَّاها؛ وجاءت الخيلُ مُصِرَّة
آذانها إِذا جَدَّت في السير. ابن شميل: أَصَرَّ الزرعُ إِصراراً إِذا
خَرَج أَطراف السَّفاءِ قبل أَن يخلُص سنبله، فإِذا خَلُص سُنْبُلُه قيل: قد
أَسْبَل؛ وقال قي موضع آخر: يكون الزرع صَرَراً حين يَلْتَوي الورَق
ويَيْبَس طرَف السُّنْبُل، وإِن لم يخرُج فيه القَمْح. والصَّرَر: السُّنْبُل
بعدما يُقَصِّب وقبل أَن يظهر؛ وقال أَبو حنيفة: هو السُّنْبُل ما لم
يخرج فيه القمح، واحدته صَرَرَة، وقد أَصَرَّ. وأَصَرَّ يعْدُو إِذا أَسرع
بعض الإِسراع، ورواه أَبو عبيد أَضَرَّ، بالضاد، وزعم الطوسي أَنه تصحيف.
وأَصَرَّ على الأَمر: عَزَم.
وهو مني صِرِّي وأَصِرِّي وصِرَّي وأَصِرَّي وصُرَّي وصُرَّى أَي
عَزِيمة وجِدُّ. وقال أَبو زيد: إِنها مِنِّي لأَصِرِّي أَي لحَقِيقَة؛ وأَنشد
أَبو مالك:
قد عَلِمَتْ ذاتُ الثَّنايا الغُرِّ،
أَن النَّدَى مِنْ شِيمَتي أَصِرِّي
أَي حَقِيقة. وقال أَبو السَّمَّال الأَسَدِي حين ضلَّت ناقته: اللهم
إِن لم تردَّها عَلَيَّ فلم أُصَلِّ لك صلاةً، فوجَدَها عن قريب فقال:
عَلِمَ الله أَنها مِنِّي صِرَّى أَي عَزْم عليه. وقال ابن السكيت: إِنها
عَزِيمة مَحْتُومة، قال: وهي مشتقة من أَصْرَرْت على الشيء إِذا أَقمتَ
ودُمْت عليه؛ ومنه قوله تعالى: ولم يُصِرُّوا على ما فَعَلُوا وهم
يَعْلَمُون. وقال أَبو الهيثم: أَصِرَّى أَي اعْزِمِي، كأَنه يُخاطِب نفسَه، من
قولك: أَصَرَّ على فعله يُصِرُّ إِصْراراً إِذا عَزَم على أَن يمضي فيه ولا
يرجِع. وفي الصحاح: قال أَبو سَمَّال الأَسَدِي وقد ضَلَّت ناقتُه:
أَيْمُنُكَ لَئِنْ لم تَرُدَّها عَلَيَّ لا عَبَدْتُك فأَصاب ناقتَه وقد
تعلَّق زِمامُها بِعَوْسَجَةٍ فأَحذها وقال: عَلِمَ رَبِّي أَنَّها مِنِّي
صِرَّي. وقد يقال: كانت هذه الفَعْلَة مِنِّي أَصِرِّي أَي عَزِيمة، ثم
جعلت الياء أَلفاً، كما قالوا: بأَبي أَنت، وبأَبا أَنت؛ وكذلك صِرِّي
وصِرِّي على أَن يُحذف الأَلفُ من إِصِرِّي لا على أَنها لغة صَرَرْتُ على
الشيء وأَصْرَرْتُ. وقال الفراء: الأَصل في قولهم كانت مِنِّي صِرِّي
وأَصِرِّي أَي أَمر، فلما أَرادوا أَن يُغَيِّرُوه عن مذهب الفعل حَوَّلُوا
ياءه أَلفاً فقالوا: صِرَّى وأَصِرَّى، كما قالوا: نُهِيَ عن قِيَلٍَ
وقَالٍَ، وقال: أُخْرِجَتا من نِيَّةِ الفعل إِلى الأَسماء. قال: وسمعت العرب
تقول أَعْيَيْتَني من شُبَّ إِلى دُبَّ، ويخفض فيقال: من شُبٍّ إِلى
دُبٍّ؛ ومعناه فَعَل ذلك مُذْ كان صغيراً إِلى أَنْ دَبَّ كبيراً وأَصَرَّ على
الذنب لم يُقْلِعْ عنه. وفي الحديث: ما أَصَرَّ من استغفر. أَصرَّ على
الشيء يَصِرُّ إِصْراراً إِذا لزمه ودَاوَمه وثبت عليه، وأَكثر ما يستعمل
في الشرِّ والذنوب، يعني من أَتبع الذنب الاستغفار فليس بِمُصِرٍّ عليه
وإِن تكرَّر منه. وفي الحديث: ويلٌ لِلْمُصِرِّين الذين يُصِرُّون على ما
فعلوه وهعم يعلمون. وصخرة صَرَّاء: مَلْساء.
ورجلٌ صَرُورٌ وصَرُورَة: لم يَحُجَّ قَطُّ، وهو المعروف في الكلام،
وأَصله من الصَّرِّ الحبسِ والمنعِ، وقد قالوا في الكلام في هذا المعنى:
صَرُويٌّ وصَارُورِيُّ، فإِذا قلت ذلك ثَنَّيت وجمعت وأَنَّثْت؛ وقال ابن
الأَعرابي: كل ذلك من أَوله إِلى آخره مثنَّى مجموع، كانت فيه ياء النسب
أَو لم تكن، وقيل: رجل صَارُورَة وصارُورٌ لم يَحُجَّ، وقيل: لم يتزوَّج،
الواحد والجمع في ذلك سواء، وكذلك المؤنث.
والصَّرُورة في شعر النَّابِغة: الذي لم يأْت النساء كأَنه أَصَرَّ على
تركهنَّ. وفي الحديث: لا صَرُورَة في الإسلام. وقال اللحياني: رجل
صَرُورَة لا يقال إِلا بالهاء؛ قال ابن جني: رجل صَرُورَة وامرأَة صرورة، ليست
الهاء لتأْنيث الموصوف بما هي فيه قد لحقت لإِعْلام السامع أَن هذا
الموصوف بما هي فيه وإنما بلغ الغاية والنهاية، فجعل تأْنيث الصفة أَمارَةً
لما أُريد من تأْنيث الغاية والمبالغة. قال الفراء عن بعض العرب: قال رأَيت
أَقواماً صَرَاراً، بالفتح، واحدُهم صَرَارَة، وقال بعضهم: قوم
صَوَارِيرُ جمع صَارُورَة، وقال ومن قال صَرُورِيُّ وصَارُورِيٌّ ثنَّى وجمع
وأَنَّث، وفسَّر أَبو عبيد قوله، صلى الله عليه وسلم: لا صَرُوْرَة في
الإِسلام؛ بأَنه التَّبَتُّل وتَرْكَ النكاح، فجعله اسماً للحَدَثِ؛ يقول: ليس
ينبغي لأَحد أَن يقول لا أَتزوج، يقول: هذا ليس من أَخلاق المسلمين وهذا
فعل الرُّهبْان؛ وهو معروف في كلام العرب؛ ومنه قول النابغة:
لَوْ أَنَّها عَرَضَتْ لأَشْمَطَ راهِبٍ،
عَبَدَ الإِلهَ، صَرُورَةٍ مُتَعَبِّدِ
يعني الراهب الذي قد ترك النساء. وقال ابن الأَثير في تفسير هذا الحديث:
وقيل أَراد من قَتَل في الحرم قُتِلَ، ولا يقبَل منه أَن يقول: إِني
صَرُورَة ما حَجَجْت ولا عرفت حُرْمة الحَرَم. قال: وكان الرجل في الجاهلية
إِذا أَحدث حَدَثاً ولَجَأَ إِلى الكعبة لم يُهَجْ، فكان إِذا لِقيَه
وليُّ الدَّمِ في الحَرَمِ قيل له: هو صَرُورةٌ ولا تَهِجْه.
وحافرٌ مَصْرُورٌ ومُصْطَرٌّ: ضَيِّق مُتَقَبِّض. والأَرَحُّ:
العَرِيضُ، وكلاهما عيب؛ وأَنشد:
لا رَحَحٌ فيه ولا اصْطِرارُ
وقال أَبو عبيد: اصْطَرَّ الحافِرُ اصْطِراراً إِذا كان فاحِشَ
الضِّيقِ؛ وأَنشد لأَبي النجم العجلي:
بِكلِّ وَأْبِ للحَصَى رَضَّاحِ،
لَيْسَ بِمُصْطَرٍّ ولا فِرْشاحِ
أَي بكل حافِرٍ وأْبٍ مُقَعَّبٍ يَحْفِرُ الحَصَى لقوَّته ليس بضَيِّق
وهو المُصْطَرُّ، ولا بِفِرْشاحٍ وهو الواسع الزائد على المعروف.
والصَّارَّةُ: الحاجةُ. قال أَبو عبيد: لَنا قِبَلَه صارَّةٌ، وجمعها
صَوارُّ، وهي الحاجة.
وشرب حتى ملأَ مصارَّه أَي أَمْعاءَه؛ حكاه أَبو حنيفة عن ابن الأَعرابي
ولم يفسره بأَكثر من ذلك.
والصَّرارةُ: نهر يأْخذ من الفُراتِ. والصَّرارِيُّ: المَلاَّحُ؛ قال
القطامي:
في ذي جُلُولٍ يِقَضِّي المَوْتَ صاحِبُه،
إِذا الصَّرارِيُّ مِنْ أَهْوالِه ارْتَسَما
أَي كَبَّرَ، والجمع صرارِيُّونَ ولا يُكَسَّرُ؛ قال العجاج:
جَذْبَ الصَّرارِيِّينَ بالكُرُورِ
ويقال للمَلاَّح: الصَّارِي مثل القاضِي، وسنذكره في المعتلّ. قال ابن
بري: كان حَقُّ صرارِيّ أَن يذكر في فصل صَري المعتلّ اللام لأَن الواحد
عندهم صارٍ، وجمعه صُرّاء وجمع صُرّاءٍ صَرارِيُّ؛ قال: وقد ذكر الجوهري
في فصل صري أَنّ الصارِيّ المَلاَّحُ، وجمعه صُرّاءٌ. قال ابن دريد: ويقال
للملاح صارٍ، والجمع صُرّاء، وكان أَبو علي يقول: صُرّاءٌ واحد مثل
حُسَّانٍ للحَسَنِ، وجمعه صَرارِيُّ؛ واحتج بقول الفرزدق:
أَشارِبُ خَمْرةٍ، وخَدينُ زِيرٍ،
وصُرّاءٌ، لفَسْوَتِه بُخَار؟
قال: ولا حجة لأَبي عليّ في هذا البيت لأَن الصَّرَارِيّ الذي هو عنده
جمع بدليل قول المسيب بن عَلَس يصف غائصاً أَصاب درة، وهو:
وتَرَى الصَّرارِي يَسْجُدُونَ لها،
ويَضُمُّها بَيَدَيْهِ للنَّحْرِ
وقد استعمله الفرزدق للواحد فقال:
تَرَى الصَّرارِيَّ والأَمْواجُ تَضْرِبُه،
لَوْ يَسْتَطِيعُ إِلى بَرِّيّةٍ عَبَرا
وكذلك قول خلف بن جميل الطهوي:
تَرَى الصَّرارِيَّ في غَبْرَاءَ مُظْلِمةٍ
تَعْلُوه طَوْراً، ويَعْلُو فَوْقَها تِيَرَا
قال: ولهذا السبب جعل الجوهري الصَّرارِيَّ واحداً لما رآه في أَشعاره
العرب يخبر عنه كما يخبر عن الواحد الذي هو الصَّارِي، فظن أَن الياء فيه
للنسبة كلأَنه منسوب إِلى صَرارٍ مثل حَواريّ منسوب إِلى حوارٍ،
وحَوارِيُّ الرجل: خاصَّتُه، وهو واحد لا جَمْعٌ، ويدلك على أَنَّ الجوهري لَحَظَ
هذا المعنى كونُه جعله في فصل صرر، فلو لم تكن الياء للنسب عنده لم
يدخله في هذا الفصل، قال: وصواب إِنشاد بيت العجاج: جَذْبُ برفع الباء لأَنه
فاعل لفعل في بيت قبله، وهو
لأْياً يُثانِيهِ، عَنِ الحُؤُورِ،
جَذْبُ الصَّرارِيِّينَ بالكُرُورِ
اللأْيُ: البُطْءُ، أَي بَعْدَ بُطْءٍ أَي يَثْني هذا القُرْقُورَ عن
الحُؤُور جَذْبُ المَلاَّحينَ بالكُرُورِ، والكُرورُ جمع كَرٍّ، وهو حبْلُ
السَّفِينة الذي يكون في الشَّراعِ قال: وقال ابن حمزة: واحدها كُرّ بضم
الكاف لا غير.
والصَّرُّ: الدَّلْوُ تَسْتَرْخِي فَتُصَرُّ أَي تُشَدّ وتْسْمَع
بالمِسْمَعِ، وهي عروة في داخل الدلو بإِزائها عروة أُخرى؛ وأَنشد في
ذلك:إِنْ كانتِ آمَّا امَّصَرَتْ فَصُرَّها،
إِنَّ امِّصارَ الدَّلْوِ لا يَضُرُّها
والصَّرَّةُ: تَقْطِيبُ الوَجْهِ من الكَراهة.
والصِّرارُ: الأَماكِنُ المرْتَفِعَةُ لا يعلوها الماء.
وصِرارٌ: اسم جبل؛ وقال جرير:
إِنَّ الفَرَزْدَقَ لا يُزايِلُ لُؤْمَه،
حتى يَزُولَ عَنِ الطَّرِيقِ صِرارُ
وفي الحديث: حتى أَتينا صِراراً؛ قال ابن الأَثير: هي بئر قديمة على
ثلاثة أَميال من المدينة من طريق العِراقِ، وقيل: موضع.
ويقال: صارَّه على الشيء أَكرهه.
والصَّرَّةُ، بفتح الصاد: خرزة تُؤَخِّذُ بها النساءُ الرجالَ؛ هذه عن
اللحياني.
وصَرَّرَتِ الناقةُ: تقدَّمتْ؛ عن أَبي ليلى؛ قال ذو الرمة:
إِذا ما تأَرَّتنا المَراسِيلُ، صَرَّرَتْ
أَبُوض النَّسَا قَوَّادة أَيْنُقَ الرَّكْبِ
(* قوله: «تأرتنا المراسيلُ» هكذا في الأصل).
وصِرِّينُ: موضع؛ قال الأَخطل:
إِلى هاجِسٍ مِنْ آل ظَمْياءَ، والتي
أَتى دُونها بابٌ بِصِرِّين مُقْفَلُ
والصَّرْصَرُ والصُّرْصُرُ والصُّرْصُور مثل الجُرْجور: وهي العِظام من
الإِبل. والصُّرْصُورُ: البُخْتِيُّ من الإِبل أَو ولده، والسين لغة. ابن
الأَعرابي: الصُّرْصُور الفَحْل النَّجِيب من الإِبل. ويقال للسَّفِينة:
القُرْقور والصُّرْصور.
والصَّرْصَرانِيَّة من الإِبل: التي بين البَخاتيِّ والعِراب، وقيل: هي
الفَوالِجُ. والصَّرْصَرانُ: إِبِل نَبَطِيَّة يقال لها
الصَّرْصَرانِيَّات. الجوهري: الصَّرْصَرانِيُّ واحدُ الصَّرْصَرانِيَّات، وهي الإِل بين
البَخاتيّ والعِراب. والصَّرْصَرانُ والصَّرْصَرانيُّ: ضرب من سَمَك
البحر أَمْلَس الجِلْد ضَخْم؛ وأَنشد:
مَرَّتْ كظَهْرِ الصَّرْصَرانِ الأَدْخَنِ
والصَّرْصَرُ: دُوَيْبَّة تحت الأَرض تَصِرُّ أَيام الربيع. وصَرَّار
الليل: الجُدْجُدُ، وهو أَكبرُ من الجنْدُب، وبعض العرب يُسَمِّيه
الصَّدَى. وصَرْصَر: اسم نهر بالعراق. والصَّراصِرَةُ: نَبَطُ الشام.
التهذيب في النوادر: كَمْهَلْتُ المالَ كَمْهَلَة وحَبْكَرتُه حَبْكَرَة
ودَبْكَلْتُه دَبْكَلَةً وحَبْحَبْتُه وزَمْزَمْتُه زَمْزَمَةً
وصَرْصرتُه وكَرْكَرْتُه إِذا جمعتَه ورَدَدْت أَطراف ما انتَشَرَ منه، وكذلك
كَبْكَبْتُه.
كبر: الكَبير في صفة الله تعالى: العظيم الجليل والمُتَكَبِّر الذي
تَكَبَّر عن ظلم عباده، والكِبْرِياء عَظَمَة الله، جاءتْ على فِعْلِياء؛ قال
ابن الأَثير: في أَسماء الله تعالى المتكبر والكبير أَي العظيم ذو
الكبرياء، وقيل: المتعالي عن صفات الخلق، وقيل: المتكبر على عُتاةِ خَلْقه،
والتاء فيه للتفرّد والتَّخَصُّصِ لا تاء التَّعاطِي والتَّكَلُّف.
والكِبْرِياء: العَظَمة والملك، وقيل: هي عبارة عن كمال الذات وكمال
الوجود ولا يوصف بها إلا الله تعالى، وقد تكرر ذكرهما في الحديث، وهما من
الكِبْرِ، بالكسر، وهو العظمة.
ويقال كَبُرَ بالضم يَكْبُرُ أَي عَظُمَ، فهو كبير. ابن سيده: الكِبَرُ
نقيض الصِّغَرِ، كَبُرَ كِبَراً وكُبْراً فهو كبير وكُبَار وكُبَّار،
بالتشديد إذا أَفرط، والأُنثى بالهاء، والجمع كِبارٌ وكُبَّارونَ. واستعمل
أَبو حنيفة الكِبَرَ في البُسْر ونحوه من التمر، ويقال: علاه المَكْبَِرُ،
والاسم الكَبْرَةُ، بالفتح، وكَبُرَ بالضم يَكْبُر أَي عظم. وقال مجاهد
في قوله تعالى: قال كَبِيرُهم أَلم تعلموا أَن أَباكم؛ أَي أَعْلَمُهم
لأَنه كان رئيسهم وأَما أَكبرهم في السِّنِّ فَرُوبِيلُ والرئيسُ كان
شَمْعُونَ؛ قال الكسائي في روايته: كَبيرهم يَهُوذا. وقوله تعالى: إنه لكبيركم
الذي علَّمكم السِّحْرَ؛ أَي مُعَلِّمكم ورئيسكم. والصبي بالحجاز إِذا
جاء من عند مُعَلِّمه قال: جئت من عند كَبيري. واسْتَكْبَر الشيءَ: رآه
كبيراً وعَظُمَ عنده؛ عن ابن جني. والمَكْبُوراء: الكِبَارُ. ويقال: سادُوك
كابِراً عن كابِرٍ أَي كبيراً عن كبير، ووَرِثُوا المَجْدَ كابِراً عن
كابِرٍ، وأَكْبَرَ أَكْبَرَ. وفي حديث الأَقْرَعِ والأَبْرَصِ: ورِثْتُه
كابِراً عن كابِرٍ أَي ورثته عن آبائي وأَجدادي كبيراً عن كبير في العز
والشرف. التهذيب: ويقال ورثوا المجد كابراً عن كابر أَي عظيماً وكبيراً عن
كبير. وأَكْبَرْتُ الشيءَ أَي استعظمته. الليث: المُلوك الأَكابِرُ جماعة
الأَكْبَرِ ولا تجوز النَّكِرَةُ فلا تقول مُلوك أَكابِرُ ولا رجالٌ
أَكابِرُ لأَنه ليس بنعت إِنما هو تعجب. وكَبَّرَ الأَمْرَ: جعله كبيراً،
واسْتَكْبَرَه: رآه كبيراً؛ وأَما قوله تعالى: فلما رَأَيْنَه
أَكْبَرْنَه؛فأَكثر المفسرين يقولون: أَعظَمْنَه. وروي عن مجاهد أَنه قال: أَكبرنه
حِضْنَ وليس ذلك بالمعروف في اللغة؛ وأَنشد بعضهم:
نَأْتي النساءَ على أَطْهارِهِنّ، ولا
نأْتي النساءَ إِذا أَكْبَرْنَ إِكْباراً
قال أَبو منصور: وإِن صحت هذه اللفظة في اللغة بمعنى الحيض فلها
مَخْرَجٌ حَسَنٌ، وذلك أَن المرأَة أَوَّلَ ما تحيض فقد خرجت من حَدِّ الصِّغَرِ
إِلى حد الكِبَر، فقيل لها: أَكْبَرَتْ أَي حاضت فدخلت في حد الكِبَر
المُوجِبِ عليها الأَمْرَ والنهي. وروي عن أَبي الهيثم أَنه قال: سأَلت
رجلاً من طَيِّء فقلت: يا أَخا طيء، أَلك زوجة؟ قال: لا والله ما تزوّجت وقد
وُعِدْتُ في ابنة عم لي، قلت: وما سِنُّها؟ قال: قد أَكْبَرَتْ أَو
كَبِرَت، قلت: ما أَكْبَرَتْ؟ قال: حاضت. قال أَبو منصور: فلغة الطائي تصحح
أَن إِكْبارَ المرأَة أَول حيضها إِلا أَن هاء الكناية في قوله تعالى
أَكْبَرْنَهُ تنفي هذا المعنى، فالصحيح أَنهن لما رأَين يوسف راعَهُنَّ
جَمالُه فأَعظمنه. وروى الأَزهري بسنده عن ابن عباس في قوله تعالى: فلما
رأَينه أَكبرنه، قال: حِضْنَ؛ قال أَبو منصور: فإِن صحت الرواية عن ابن عباس
سلمنا له وجعلنا الهاء في قوله أَكبرنه هاء وقفة لا هاء كناية، والله
أَعلم بما أَراد. واسْتِكْبارُ الكفار: أَن لا يقولوا لا إِله إِلاَّ اللهُ؛
ومنه قوله: إِنهم كانوا إِذا قيل لهم لا إِله إِلا الله يستكبرون؛ وهذا
هو الكِبْرُ الذي قال النبي، صلى الله عليه وسلم: إِن من كان في قلبه
مِثْقالُ ذَرَّة من كِبْرٍ لم يدخل الجنة، قال: يعني به الشرك، والله أَعلم،
لا أَن يتكبر الإِنسان على مخلوق مثله وهو مؤمن بريه. والاستكبار:
الامتناع عن قبول الحق مُعاندة وتَكَبُّراً. ابن بُزُرْجٍ: يقال هذه الجارية من
كُبْرَى بناتِ فلان ومن صُغْرَى بناته، يريدون من صِغارِ بناته، ويقولون
من وُسْطى بنات فلان يريدون من أَوساط بنات فلان، فأَما قولهم: الله
أَكبر، فإِن بعضهم يجعله بمعنى كَبِير، وحمله سيبويه على الحذف أَي أَكبر من
كل شيء، كما تقول: أَنت أَفضلُ، تريد: من غيرك.
وكَبَّرَ: قال: الله أَكبر. والتكبير: التعظيم. وفي حديث الأَذان: الله
أَكبر. التهذيب: وأَما قول المصلي الله أَكبر وكذلك قول المؤذن ففيه
قولان: أَحدهما أَن معناه الله كبير فوضع أَفعل موضع فَعِيل كقوله تعالى: وهو
أَهْوَنُ عليه؛ أَي هو هَيِّنٌ عليه؛ ومثله قول مَعْنِ بن أَوس:
لَعَمْرُكَ ما أَدْرِي وإِني لأَوْجَلُ
معناه إِني وَجِل، والقول الآخر ان فيه ضميراً، المعنى الله أَكْبَرُ
كَبيرٍ، وكذلك الله الأَعَزُّ أَي أَعَزُّ عَزيز؛ قال الفرزدق:
إِن الذي سَمَكَ السماءَ بَنَى لنا
بيتاً، دَعائِمُه أَعَزُّ وأَطْوَلُ
أَي عزيزة طويلة، وقيل: معناه الله أَكبر من كل شيء أَي أَعظم، فحذف
لوضوح معناه، وأَكبر خبر، والأَخبار لا ينكر حذفها، وقيل: معناه الله أَكبر
من أن يُعْرف كُنْه كبريائه وعظمته، وإِنما قُدِّرَ له ذلك وأُوّلَ لأَن
أَفعل فعل يلزمه الأَلف واللام أَو الإِضافة كالأَكْبَر وأَكْبَر
القَوْمِ، والراء في أَكبر في الأَذان والصلاة ساكنة لا تضم للوقف، فإِذا وُصِلَ
بكلام ضُمَّ. وفي الحديث: كان إِذا افتتح الصلاة قال: الله أَكبر
كبيراً، كبيراً منصوب بإِضمار فعل كأَنه قال أُكَبِّرُ كَبيراً، وقيل: هو منصوب
على القطع من اسم الله. وروى الأَزهري عن ابن جُبَيْر ابن مُطْعِم عن
أَبيه: أَنه رأَى النبي، صلى الله عليه وسلم، يصلي قال: فكَبَّرَ وقال:
الله أَكبر كبيراً، ثلاث مرات، ثم ذكر الحديث بطوله؛ قال أَبو منصور: نصب
كبيراً لأَنه أَقامه مقام المصدر لأَن معنى قوله الله أَكْبَرُ أَُكَبِّرُ
اللهَ كَبيراً بمعنى تَكْبِيراً، يدل على ذلك ما روي عن الحسن: أَن نبي
الله، صلى الله عليه وسلم، كان إِذا قام إِلى صلاته من الليل قال: لا إِله
إِلا الله، الله أَكبر كبيراً، ثلاث مرات، فقوله كبيراً بمعنى تكبيراً
فأَقام الاسم مقام المصدر الحقيقي، وقوله: الحمد لله كثيراً أَي أَحْمَدُ
الله حَمْداً كثيراً.
والكِبَرُ: في السن؛ وكَبِرَ الرجلُ والدابةُ يَكْبَرُ كِبَراً
ومَكْبِراً، بكسر الباء، فهو كبير: طعن في السن؛ وقد عَلَتْه كَبْرَةٌ ومَكْبُرة
ومَكْبِرَة ومَكْبَرٌ وعلاه الكِبَرُ إِذا أَسَنَّ. والكِبَرُ: مصدر
الكبِيرِ في السِّنِّ من الناس والدواب. ويقال للسيف والنَّصْلِ العتيقِ الذي
قَدُمَ: عَلَتْهُ كَبْرَة؛ ومنه قوله:
سَلاجِمُ يَثْرِبَ اللاتي عَلَتْها،
بِيَثْرِبَ، كَبْرَةُ بعد المُرونِ
ابن سيده: ويقال للنصل العتيق الذي قد علاه صَدَأٌ فأَفسده: علته
كَبْرَةٌ. وحكى ابن الأَعرابي: ما كَبَرَني
(* قوله« ما كبرني إلخ» بابه نصر
كما في القاموس.) إِلا بسنة أَي ما زاد عَلَيَّ إِلا ذلك. الكسائي: هو
عِجْزَةُ وَلَدِ أَبويه آخِرُهم وكذلك كِبْرَةُ ولد أَبويه أَي أَكبرهم. وفي
الصحاح: كِبْرَةُ ولد أَبويه إِذا كان آخرهم، يستوي فيه الواحد والجمع،
والمذكر والمؤنث في ذلك سواء، فإِذا كان أَقعدَهم في النسب قيل: هو
أَكْبَرُ قومه وإِكْبِرَّةُ قومه، بوزن إِفْعِلَّة، والمرأَة في ذلك كالرجل.
قال أَبو منصور: معنى قول الكسائي وكذلك كِبْرَةُ ولد أَبويه ليس معناه
أَنه مثل عِجْزَة أَي أَنه آخرهم، ولكن معناه أَن لفظه كلفظه، وأَنه للمذكر
والمؤنث سواء، وكِبْرَة ضِدُّ عِجْزَة لأَن كِبْرة بمعنى الأَكْبَر
كالصِّغْرَة بمعنى الأَصْغَر، فافهم. وروى الإِيادي عن شمر قال: هذا كبْرَة
ولد أَبويه للذكر والأُنثى، وهو آخر ولد الرجل، ثم قال: كِبْرَة ولد أَبيه
بمعنى عِجْزة. وفي المؤلف للكسائي: فلان عِجْزَةُ ولَدِ أَبيه آخرهم،
وكذلك كِبْرَة ولد أَبيه، قال الأَزهري: ذهب شمر إِلى أَن كِبْرَة معناه
عِجْزَة وإِنما جعله الكسائي مثله في اللفظ لا في المعنى. أَبو زيد: يقال هو
صِغْرَةُ ولد أَبيه وكِبْرَتُهم أَي أَكبرهم، وفلان كِبْرَةُ القوم
وصِغْرَةُ القوم إِذا كان أَصْغَرَهم وأَكبرهم. الصحاح: وقولهم هو كُبْرُ
قومه، بالضم، أَي هو أَقْعَدُهم في النسب. وفي الحديث: الوَلاءُ للكُبْرِ،
وهو أَن يموت الرجل ويترك ابناً وابن ابن، فالولاء للابن دون ابن الابن.
وقال ابن الأَثير في قوله الولاء للكُبْر أَي أَكْبَرِ ذرية الرجل مثل أَن
يموت عن ابنين فيرثان الولاء، ثم يموت احد الابنين عن أَولاد فلا يرثون
نصيب أَبيهما من الولاء، وإِنما يكون لعمهم وهو الابن الآخر. يقال: فلان
كُبْر قومه بالضم إِذا كان أَقعدَهم في النسب، وهو أَن ينتسب إِلى جده
الأَكبر بآباء أَقل عدداً من باقي عشيرته. وفي حديث العباس: إِنه كان
كُبْرَ قومه لأَنه لم يبق من بني هاشم أَقرب منه إِليه في حياته. وفي حديث
القسامة: الكُبْرَ الكُبْرَ أَي لِيَبْدَإِ الأَكْبَرُ بالكلام أَو قَدِّموا
الأَكْبَر إِرْشاداً إِلى الأَدب في تقديم الأَسَنِّ، ويروى: كَبِّر
الكُبْرَ أَي قَدِّمِ الأَكبر. وفي الحديث: أَن رجلاً مات ولم يكن له وارث
فقال: ادْفعوا ماله إِلى أَكْبَرِ خُزاعة أَي كبيرهم وهو أَقربهم إِلى
الجد الأَعلى. وفي حديث الدفن: ويجعل الأَكْبَرُ مما يلي القبلة أَي
الأَفضل، فإِن استووا فالأَسن. وفي حديث ابن الزبير وهدمه الكعبة: فلما أَبرَزَ
عن رَبَضه دعا بكُبْرِه فنظروا إِليه أَي بمشايخه وكُبَرائه، والكُبْرُ
ههنا: جمع الأَكْبَرِ كأَحْمَر وحُمْر. وفلان إِكْبِرَّة قومه، بالكسر
والراء مشددة، أَي كُبْرُ قومه، ويستوي فيه الواحد والجمع والمؤنث. ابن
سيده: وكُبْرُ وَلَدِ الرجل أَكْبَرُهم من الذكور، ومنه قولهم: الولاء
للكُبْر. وكِبْرَتُهم وإِكبِرَّتُهم: ككُبرهم. الأَزهري: ويقال فلان كُبُرُّ
ولد أَبيه وكُبُرَّةُ ولد أَبيه، الراء مشددة، هكذا قيده أَبو اليثم بخطه.
وكُبْرُ القوم وإِكْبِرَّتُهم: أَقعدهم بالنسب، والمرأَة في ذلك كالرجل،
وقال كراع: لا يوجد في الكلام على إِفْعِلٍّ إِكْبِرٌّ.
وكَبُرَ الأَمْرُ كِبَراً وكَبارَةً: عَظُمَ. وكلُّ ما جَسُمَ، فقد
كَبُرَ. وفي التنزيل العزيز: قُلْ كُونُوا حجارَةً أَو حديداً أَو خلقاً مما
يَكْبُر في صدوركم؛ معناه كونوا أَشد ما يكون في أَنفسكم فإِني أُمِيتكم
وأُبْلِيكم. وقوله عز وجل: وإِن كانت لَكَبيرةً إِلا على الذين هَدَى
اللهُ؛ يعني وإِن كان اتباعُ هذه القبلة يعني قبلة بيت المقدس إِلاَّ
فَعْلَة كبيرة؛ المعنى أَنها كبيرة على غير المخلصين، فأَما من أَخلص فليست
بكبيرة عليه. التهذيب: إِذا أَردت عِظَمَ الشيء قلت: كَبُرَ يَكْبُرُ
كِبَراً، كما لو قلت: عَظُمَ يَعظُم عِظَماً. وتقول: كَبُرَ الأَمْرُ يَكْبُر
كَبارَةً. وكُِبْرُ الشيء أَيضاً: معظمه. ابن سيده: والكِبْرُ معظم الشيء،
بالكسر، وقوله تعالى: والذي تولى كِبْرَه منهم له عذاب عظيم؛ قال ثعلب:
يعني معظم الإِفك؛ قال الفراء: اجتمع القراء على كسر الكاف وقرأَها
حُمَيْدٌ الأَعرج وحده كُبْرَه، وهو وجه جيد في النحو لأن العرب تقول: فلان
تولى عُظْمَ الأَمر، يريدون أَكثره؛ وقال ابن اليزيدي: أَظنها لغة؛ قال
أَبو منصور: قاسَ الفراء الكُبْرَ على العُظْمِ وكلام العرب على غيره. ابن
السكيت: كِبْرُ الشيء مُعْظَمُه، بالكسر؛ وأَنشد قول قَيْسِ بن
الخَطِيمِ:تَنامُ عن كِبْرِ شأْنِها، فإِذا
قامَتْ رُوَيْداً، تَكادُ تَنْغَرِفُ
وورد ذلك في حديث الإِفك: وهو الذي تَوَلَّى كِبْرَه أَي معظمه، وقيل:
الكِبر الإِثم وهو من الكبيرة كالخِطْءِ من الخَطيئة. وفي الحديث أَيضاً:
إِن حسان كان ممن كَبَّر عليها. ومن أَمثالهم: كِبْرُ سِياسَةِ الناس في
المال. قال: والكِبْرُ من التَّكَبُّرِ أَيضاً، فأَما الكُبْرُ، بالضم،
فهو أَكْبَرُ ولد الرجل. ابن سيده: والكِبْرُ الإِثم الكبير وما وعد الله
عليه النار. والكِبْرَةُ: كالكِبْرِ، التأْنيث على المبالغة.
وفي التنزيل العزيز: الذين يَجْتَنِبُون كبائرَ الإِثم والفَواحشَ.وفي
الأَحاديث ذكر الكبائر في غير موضع، واحدتها كبيرة، وهي الفَعْلةُ
القبيحةُ من الذنوب المَنْهِيِّ عنها شرعاً، العظيم أَمرها كالقتل والزنا
والفرار من الزحف وغير ذلك، وهي من الصفات الغالبة. وفي الحديث عن ابن عباس:
أَن رجلاً سأَله عن الكبائر: أَسَبْعٌ هي ففقال: هي من السبعمائة أَقْرَبُ
إِلا أَنه لا كبيرة مع استغفار ولا صغيرة مع إِصرار. وروى مَسْرُوقٌ قال:
سُئِلَ عبد الله عن الكبائر فقال: ما بين فاتحة النساء إِلى رأْس
الثلثين.
ويقال: رجل كَبِير وكُبارٌ وكُبَّارٌ؛ قال الله عز وجل: ومَكَرُوا
مَكْراً كُبَّاراً. وقوله في الحديث في عذاب القبر: إِنهما ليعذبان وما
يُعَذَّبان في كَبير أَي ليس في أَمر كان يَكْبُر عليهما ويشق فعله لو أَراداه،
لا أَنه في نفسه غير كبير، وكيف لا يكون كبيراً وهما يعذبان فيهف وفي
الحديث: لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال حبة خردل من كِبر؛ قال ابن
الأَثير: يعني كِبْرَ الكفر والشرك كقوله تعالى: إِن الذين يستكبرون عن عبادتي
سيدخلون جهنم داخرين؛ أَلا تَرى أَنه قابله في نقيضه بالإِيمان فقال: ولا
يَدْخُلُ النارَ من في قلبه مثل ذلك من الإِيمان؛ أَراد دخول تأْبيد؛
وقيل: إِذا دَخَلَ الجنةَ نُزِعَ ما في قلبه من الكِبر كقوله تعالى: ونزعنا
ما في صدورهم من غِلٍّ؛ ومنه الحديث: ولكنّ الكِبْرَ مَن بَطِرَ الحَقَّ؛
هذا على الحذف، أَي ولكنّ ذا الكبر مَن بَطِرَ، أَو ولكنَّ الكِبْرَ
كِبْرُ من بَطِر، كقوله تعالى: ولكنَّ البِرَّ من اتقى. وفي الحديث: أَعُوذ
بك من سُوءِ الكِبر؛ يروى بسكون الباء وفتحها، فالسكون من هذا المعنى،
والفتح بمعنى الهَرَم والخَرَفِ. والكِبْرُ: الرفعة في الشرف. ابن
الأَنباري: الكِبْرِياء الملك في قوله تعالى: وتكون لكما الكبرياء في الأَرض؛ أَي
الملك. ابن سيده: الكِبْر، بالكسر، والكبرياء العظمة والتجبر؛ قال كراع:
ولا نظير له إِلا السِّيمِياءُ العَلامةُ، والجِرْبِياءُ الريحُ التي
بين الصَّبا والجَنُوب، قال: فأَما الكِيمياء فكلمة أَحسبها أَعجمية. وقد
تَكَبَّر واستكْبَر وتَكابَر وقيل تَكَبَّرَ: من الكِبْر، وتَكابَر: من
السِّنّ. والتكَبُّر والاستِكبار: التَّعظّم. وقوله تعالى: سأَصْرِفُ عن
آياتيَ الذين يَتَكَبَّرون في الأَرض بغير الحق؛ قال الزجاج: أَي أَجْعَلُ
جزاءَهم الإِضلال عن هداية آياتي؛ قال: ومعى يتكبرون أَي أَنهم يَرَوْنَ
أَنهم أَفضل الخلق وأَن لهم من الحق ما ليس لغيرهم، وهذه الصفة لا تكون
إِلا لله خاصة لأَن الله، سبحانه وتعالى، هو الذي له القدرة والفضل الذي
ليس لأَحد مثله، وذلك الذي يستحق أَن يقال له المُتَكَبِّر، وليس لأَحد
أَن يتكبر لأَن الناس في الحقوق سواء، فليس لأَحد ما ليس لغيره فالله
المتكبر، وأَعْلَم اللهُ أَن هؤلاء يتكبرون في الأَرض بغير الحق أَي هؤلاء هذه
صفتهم؛ وروي عن ابن العباس أَنه قال في قوله يتكبرون في الأَرض بغير
الحق: من الكِبَر لا من الكِبْرِ أَي يتفضلون ويَرَوْنَ أَنهم أَفضل الخلق.
وقوله تعالى: لَخَلْقُ السموات والأَرض أَكبر من خلق الناس؛ أَي أَعجب.
أَبو عمرو: الكابِرُ السيدُ، والكابِرُ الجَدُّ الأَكْبَرُ. والإِكْبِرُ
والأَكْبَرُ: شيء كأَنه خبيص يابس فيه بعض اللين ليس بشمع ولا عسل وليس
بشديد الحلاوة ولا عذب، تجيء النحل به كما تجيء بالشمع.
والكُبْرى: تأْنيث الأَكْبَر والجمع الكُبَرُ، وجمع الأَكْبَرِ
الأَكابِرُ والأَكْبَرُون، قال: ولا يقال كُبْرٌْ لأَن ههذ البنية جعلت للصفة
خاصة مثل الأَحمر والأَسود، وأَنت لا تصف بأَكبر كما تصف بأَحمر، لا تقول
هذا رجل أَكبر حتى تصله بمن أَو تدخل عليه الأَلف واللام. وفي الحديث:
يَوْم الحَجِّ الأَكْبَرِ، قيل: هو يوم النحر، وقيل: يوم عرفة، وإِنما سمي
الحج الأَكبر لأَنهم يسمون العمرة الحج الأَصغر. وفي حديث أَبي هريرة:
سَجَدَ أَحدُ الأَكْبَرَيْنِ في: إِذا السماءُ انشَقَّتْ؛ أَراد الشيخين أَبا
بكر وعمر. وفي حديث مازِنٍ: بُعِثَ نبيّ من مُضَر بدين الله الكُبَر،
جمع الكبرى؛ ومنه قوله تعالى: إِنها لإِحدى الكُبَرِ، وفي الكلام مضاف
محذوف تقديره بشرائع دين الله الكُبَرِ. وقوله في الحديث: لا تُكابِرُوا
الصلاةَ بمثلها من التسبيح في مقام واحد كأَنه أَراد لا تغالبوها أَي خففوا
في التسبيح بعد التسليم، وقيل: لا يكن التسبيح الذي في الصلاة أَكثر منها
ولتكن الصلاة زائدة عليه. شمر: يقال أَتاني فلان أَكْبَرَ النهار وشَبابَ
النهار أَي حين ارتفع النهار، قال الأَعشى:
ساعةً أَكْبَرَ النهارُ، كما شدَّ
مُحِيلٌ لَبُونَه إِعْتاما
يقول: قتلناهم أَول النهار في ساعة قَدْرَ ما يَشُدّ المُحِيلُ أَخْلافَ
إِبله لئلا يَرْضَعَها الفُصْلانُ. وأَكْبَر الصبيُّ أَي تَغَوَّطَ، وهو
كناية.
والكِبْرِيتُ: معروف، وقولهم أَعَزُّ من الكبريت الأَحمر، إِنما هو
كقولهم: أَعَزُّ من بَيْضِ الأَنُوقِ. ويقال: ذَهَبٌ كِبْرِيتٌ أَي خالص؛ قال
رُؤْبَةُ ابنُ العَجَّاج بن رؤبة:
هل يَنْفَعَنّي كذبٌ سِخْتِيتُ،
أَو فِضَّةٌ أَو ذَهَبٌ كِبْرِيتُ؟
والكَبَرُ: الأَصَفُ، فارسي معرب. والكَبَرُ: نبات له شوك. والكَبَرُ:
طبل له وجه واحد. وفي حديث عبد الله بن زيد صاحب الأَذان: أَنه أَخَذَ
عوداً في منامه ليتخذ منه كَبَراً؛ رواه شمر في كتابه قال: الكبر بفتحتين
الطبلُ فيما بَلَغَنا، وقيل: هو الطبل ذو الرأْسين، وقيل: الطبل الذي له
وجه واحد. وفي حديث عطاء: سئل عن التعويذ يعلق على الحائط، فقال: إِن كان
في كَبَرٍ فلا بأْس أَي في طبل صغير، وفي رواية: إِن كان في قَصَبَةٍ،
وجمعه كِبارٌ مثل جَمَلٍ وجِمالٍ.
والأَكابِرُ: إَحياء من بكر بن وائل، وهم شَيْبانُ وعامر وطلحة من بني
تَيْم الله بن ثعلبة بن عُكابَة أَصابتهم سنة فانْتَجَعُوا بلادَ تَميم
وضَبَّةَ ونزلوا على بَدْرِ بن حمراء الضبي فأَجارهم ووفى لهم، فقال بَدْرٌ
في ذلك:
وَفَيْتُ وفاءً لم يَرَ الناسُ مِثْلَهُ
بتِعشارَ، إِذ تَحْبو إِليَّ الأَكابِرُ
والكُِبْرُ في الرِّفْعةِ والشَّرَف؛ قال المَرَّارُ:
ولِيَ الأَعْظَمُ من سُلاَّفِها،
ولِيَ الهامَةُ فيها والكُبُرْ
وذُو كِبار: رجل. وإِكْبِرَةُ وأَكْبَرَةُ: من بلاد بني أَسد؛ قال
المَرَّارُ الفَقْعَسيّ:
فما شَهِدَتْ كَوادِسُ إِذْ رَحَلْنا،
ولا عَتَبَتْ بأَكْبَرَةَ الوُعُولُ
عمد: العَمْدُ: ضدّ الخطإِ في القتل وسائر الجنايات. وقد تَعَمَّده
وتعمِد له وعَمَده يعْمِده عَمْداً وعَمَدَ إِليه وله يَعْمَّد عمداً
وتعمَّده واعتَمَده: قصده، والعمد المصدر منه. قال الأَزهري: القتل على ثلاثة
أَوجه: قتل الخطإِ المحْضِ وهو أَن يرمي الرجل بحجر يريد تنحيته عن موضعه
ولا يقصد به أَحداً فيصيب إِنساناً فيقلته، ففيه الدية على عاقلة الرامي
أَخماساً من الإِبل وهي عشرون ابنة مَخاض، وعشرون ابنة لَبُون، وعشرون ابن
لبون، وعشرون حِقَّة وعشرون جَذَعة؛ وأَما شبه العمد فهو أَن يضرب
الإِنسان بعمود لا يقتل مثله أَو بحجر لا يكاد يموت من أَصابه فيموت منه فيه
الدية مغلظة؛ وكذلك العمد المحض فيه ثلاثون حقة وثلاثون جذعة وأَربعون ما
بين ثَنِيَّةٍ إِلى بازِلِ عامِها كلها خَلِفَةٌ؛ فأَما شبه العمد فالدية
على عاقلة القائل، وأَما العمد المحض فهو في مال القاتل. وفعلت ذلك
عَمْداً على عَيْن وعَمْدَ عَيْنٍ أَي بِجدٍّ ويقين؛ قال خفاف بن ندبة:
إِنْ تَكُ خيلي قد أُصِيبَ صَميمُها.
فعَمْداً على عَيْنٍ تَيَمَّمْتُ مالِكا
وعَمَد الحائط يَعْمِدُه عَمْداً: دعَمَه؛ والعمود الذي تحامل الثِّقْلُ
عليه من فوق كالسقف يُعْمَدُ بالأَساطينِ المنصوبة. وعَمَد الشيءَ
يَعْمِدُه عمداً: أَقامه. والعِمادُ: ما أُقِيمَ به. وعمدتُ الشيءَ فانعَمَد
أَي أَقمته بِعِمادٍ يَعْتَمِدُ عليه. والعِمادُ: الأَبنية الرفيعة، يذكر
ويؤَنث، الواحدة عِمادة؛ قال الشاعر:
ونَحْنُ، إِذا عِمادُ الحَيِّ خَرَّتْ
على الأَحَفاضِ، نَمْنَعُ مَنْ يَلِينا
وقوله تعالى: إِرَمَ ذاتِ العِماد؛ قيل: معناه أَي ذات الطُّولِ، وقيل
أَي ذات البناءِ الرفيع؛ وقيل أَي ذات البناءِ الرفيع المُعْمَدِ، وجمعه
عُمُدٌ والعَمَدُ اسم للجمع. وقال الفراء: ذاتِ العِماد إِنهم كانوا أَهل
عَمَدٍ ينتقلون إِلى الكَلإِ حيث كان ثم يرجعون إِلى منازلهم؛ وقال
الليث: يقال لأَصحاب الأَخبِيَة الذين لا ينزلون غيرها هم أَهل عَمود وأَهل
عِماد. المبرد: رجل طويلُ العِماد إِذا كان مُعْمَداً أَي طويلاً. وفلان
طويلُ العِماد إِذا كان منزله مُعْلَماً لزائريه. وفي حديث أُم زرع: زوجي
رفيعُ العِمادِ؛ أَرادت عِمادَ بيتِ شرفه، والعرب تضع البيت موضع الشرف في
النسب والحسب. والعِمادُ والعَمُود: الخشبة التي يقوم عليها البيت.
وأَعمَدَ الشيءَ: جعل تحته عَمَداً.
والعَمِيدُ: المريض لا يستطيع الجلوس من مرضه حتى يُعْمَدَ من جوانبه
بالوَسائد أَي يُقامَ. وفي حديث الحسن وذكر طالب العلم: وأَعْمَدَتاه
رِجْلاه أَي صَيَّرَتاه عَمِيداً، وهو المريض الذي لا يستطيع أَن يثبت على
المكان حتى يُعْمَدَ من جوانبه لطول اعتماده في القيام عليها، وقوله:
أَعمدتاه رجلاه، على لغة من قال أَكلوني البراغيثُ، وهي لغة طيء.
وقد عَمَدَه المرضُ يَعْمِدُه: فَدَحَه؛ عن ابن الأَعرابي؛ ومنه اشتق
القلبُ العَمِيدُ. يَعْمِدُه: يسقطه ويَفْدَحُه ويَشْتَدُّ عليه. قال: ودخل
أَعرابي على بعض العرب وهو مريض فقال له: كيف تَجدُك؟ فقال: أَما الذي
يَعْمِدُني فَحُصْرٌ وأُسْرٌ. ويقال للمريض مَعمود، ويقال له: ما
يَعْمِدُكَ؟ أَي يُوجِعُك. وعَمَده المرض أَي أَضناه؛ قال الشاعر:
أَلا مَنْ لِهَمٍّ آخِرَ الليل عامِدِ
معناه: موجع. روى ثعلب أن ابن الأَعرابي أَنشده لسماك العامليّ:
كما أَبَداً ليلةٌ واحِدَه
وقال: ما مَعْرِفَةٌ فنصب أَبداً على خروجه من المعرفة كان جائزاً
(*
قوله «وقال ما معرفة إلى قوله كان جائزاً» كذا بالأصل).
قال الأَزهري: وقوله ليلة عامدة أَي مُمْرضة موجعة.
واعْتَمَد على الشيء: توكّأَ. والعُمْدَةُ: ما يُعتَمَدُ عليه.
واعْتَمَدْتُ على الشيء: اتكأْتُ عليه. واعتمدت عليه في كذا أَي اتَّكَلْتُ عليه.
والعمود: العصا؛ قال أَبو كبير الهذلي:
يَهْدي العَمُودُ له الطريقَ إِذا هُمُ
ظَعَنُوا، ويَعْمِدُ للطريق الأَسْهَلِ
واعْتَمَد عليه في الأَمر: تَوَرَّك على المثل. والاعتماد: اسم لكل سبب
زاحفته، وإِنما سمي بذلك لأَنك إِنما تُزاحِفُ الأَسباب لاعْتِمادها على
الأَوْتاد. والعَمود: الخشبة القائمة في وسط الخِباء، والجمع أَعْمِدَة
وعُمُدٌ، والعَمَدُ اسم للجمع. ويقال: كل خباء مُعَمَّدٌ؛ وقيل: كل خباء
كان طويلاً في الأَرض يُضْرَبُ على أَعمدة كثيرة فيقال لأَهْلِه: عليكم
بأَهْل ذلك العمود، ولا يقال: أَهل العَمَد؛ وأَنشد:
وما أَهْلُ العَمُودِ لنا بأَهْلٍ،
ولا النَّعَمُ المُسامُ لنا بمالِ
وقال في قول النابغة:
يَبْنُونَ تَدْمُرَ بالصُّفَّاح والعَمَدِ
قال: العمد أَساطين الرخام. وأَما قوله تعالى: إِنها عليهم مؤصدة في
عَمَدٍ مُمَدَّدة؛ قرئت في عُمُدٍ، وهو جمع عِمادً وعَمَد، وعُمعد كما قالوا
إِهابٌ وأَهَبٌ وَأُهُبٌ ومعناه أَنها في عمد من النار؛ نسب الأَزهري
هذا القول إِلى الزجاج، وقال: وقال الفراء: العَمَد والعُمُد جميعاً جمعان
للعمود مثل أَديمٍ وأَدَمٍ وأُدُمٍ وقَضيم وقَضَمٍ وقُضُمٍ. وقوله تعالى:
خلق السموات بغير عمد ترونها؛ قال الزجاج: قيل في تفسيره إِنها بعمد لا
ترونها أَي لا ترون تلك العمد، وقيل خلقها بغير عمد وكذلك ترونها؛ قال:
والمعنى في التفسير يؤول إِلى شيء واحد، ويكون تأْويل بغير عمد ترونها
التأْويل الذي فسر بعمد لا ترونها، وتكون العمد قدرته التي يمسك بها السموات
والأَرض؛ وقال الفراء: فيه قولان: أَحدهما أَنه خلقها مرفوعة بلا عمد
ولا يحتاجون مع الرؤية إِلى خبر، والقول الثاني انه خلقها بعمد لا ترون تلك
العمد؛ وقيل: العمد التي لا ترى قدرته، وقال الليث: معناه أَنكم لا ترون
العمد ولها عمد، واحتج بأَن عمدها جبل قاف المحيط بالدنيا والسماء مثل
القبة، أَطرافها على قاف من زبرجدة خضراء، ويقال: إِن خضرة السماء من ذلك
الجبل فيصير يوم القيامة ناراً تحشر الناس إِلى المحشر.
وعَمُودُ الأُذُنِ: ما استدار فوق الشحمة وهو قِوامُ الأُذن التي تثبت
عليه ومعظمها. وعمود اللسان: وسَطُه طولاً، وعمودُ القلب كذلك، وقيل: هو
عرق يسقيه، وكذلك عمود الكَبِد. ويقال للوَتِينِ: عَمُودُ السَّحْر، وقيل:
عمود الكبد عرقان ضخمان جَنَابَتَي السُّرة يميناً وشمالاً. ويقال: إِن
فلاناً لخارج عموده من كبده من الجوع. والعمودُ: الوَتِينُ. وفي حديث عمر
بن الخطاب، رضي الله عنه، في الجالِبِ قال: يأْتي به أَحدهم على عمود
بَطْنِه؛ قال أَبو عمرو: عمود بطنه ظهره لأَنه يمسك البطن ويقوِّيه فصار
كالعمود له؛ وقال أَبو عبيد: عندي أَنه كنى بعمود بطنه عن المشقة والتعب
أَي أَنه يأْتي به على تعب ومشقة، وإِن لم يكن على ظهره إِنما هو مثل،
والجالب الذي يجلب المتاع إِلى البلاد؛ يقولُ: يُتْرَكُ وبَيْعَه لا يتعرض له
حتى يبيع سلعته كما شاء، فإِنه قد احتمل المشقة والتعب في اجتلابه وقاسى
السفر والنصَب. والعمودُ: عِرْقٌ من أُذُن الرُّهَابَةِ إِلى السَّحْرِ.
وقال الليث: عمود البطن شبه عِرْق ممدود من لَدُنِ الرُّهَابَةِ إِلى
دُوَيْنِ السّرّة في وسطه يشق من بطن الشاة. ودائرة العمود في الفرس: التي
في مواضع القلادة، والعرب تستحبها. وعمود الأَمر: قِوامُه الذي لا يستقيم
لا به. وعمود السِّنانِ: ما تَوَسَّط شَفْرتَيْهِ من غيره الناتئ في
وسطه. وقال النضر: عمود السيف الشَّطِيبَةُ التي في وسط متنه إِلى أَسفله،
وربما كان للسيف ثلاثة أَعمدة في ظهره وهي الشُّطَبُ والشَّطائِبُ.
وعمودُ الصُّبْحِ: ما تبلج من ضوئه وهو المُسْتَظهِرُ منه، وسطع عمودُ الصبح
على التشبيه بذلك. وعمودُ النَّوَى: ما استقامت عليه السَّيَّارَةُ من
بيته على المثل. وعمود الإِعْصارِ: ما يَسْطَعُ منه في السماء أَو يستطيل
على وجه الأَرض.
وعَمِيدُ الأَمرِ: قِوامُه. والعميدُ: السَّيِّدُ المُعْتَمَدُ عليه في
الأُمور أَو المعمود إِليه؛ قال:
إِذا ما رأَتْ شَمْساً عَبُ الشَّمْسِ، شَمَّرَتْ
إِلى رَمْلِها، والجُلْهُمِيُّ عَمِيدُها
والجمع عُمَداءُ، وكذلك العُمْدَةُ، الواحد والاثنان والجمع والمذكر
والمؤنث فيه سواء. ويقال للقوم: أَنتم عُمْدَتُنا الذين يُعْتَمد عليهم.
وعَمِيدُ القوم وعَمُودُهم: سيدهم. وفلان عُمْدَةُ قومه إِذا كانوا يعتمدونه
فيما يَحْزُبُهم، وكذلك هو عُمْدتنا. والعَمِيدُ: سيد القوم؛ ومنه قول
الأَعشى:
حتى يَصِيرَ عَمِيدُ القومِ مُتَّكِئاً،
يَدْفَعُ بالرَّاح عنه نِسْوَةٌ عُجُلُ
ويقال: استقامَ القومُ على عمود رأْيهم أَي على الوجه الذي يعتمدون
عليه.واعتمد فلان ليلته إِذا ركبها يسري فيها؛ واعتمد فلان فلاناً في حاجته
واعتمد عليه.
والعَمِيدُ: الشديد الحزن. يقال: ما عَمَدَكَ؟ أَي ما أَحْزَنَك.
والعَمِيدُ والمَعْمُودُ: المشعوف عِشْقاً، وقيل: الذي بلغ به الحب مَبْلَغاً.
وقَلبٌ عَمِيدٌ: هدّه العشق وكسره. وعَمِيدُ الوجعِ: مكانه. وعَمِدَ
البعَيرُ عَمَداً، فهو عَمِدٌ والأُنثى بالهاء: وَرِمَ سنَامُه من عَضِّ
القَتَب والحِلْس وانْشدَخَ؛ قال لبيد يصف مطراً أَسال الأَودية:
فَبَاتَ السَّيْلُ يَرْكَبُ جانِبَيْهِ،
مِنَ البَقَّارِ، كالعَمِدِ الثَّقَالِ
قال الأَصمعي: يعني أَن السيل يركب جانبيه سحابٌ كالعَمِد أَي أَحاط به
سحاب من نواحيه بالمطر، وقيل: هو أَن يكون السنام وارياً فَيُحْمَلَ عليه
ثِقْلٌ فيكسره فيموت فيه شحمه فلا يستوي، وقيل: هو أَن يَرِمَ ظهر
البعير مع الغُدَّةِ، وقيل: هو أَن ينشدخ السَّنَامُ انشداخاً، وذلك أَن
يُرْكَب وعليه شحم كثير.
والعَمِدُ: البعير الذي قد فَسَدَ سَنَامُه. قال: ومنه قيل رجل عَمِيدٌ
ومَعْمُودٌ أَي بلغ الحب منه، شُبه بالسنام الذي انشدخ انشداخاً. وعَمِدَ
البعيرُ إِذا انفضح داخلُ سَنَامِه من الركوب وظاهره صحيح، فهو بعير
عَمِدٌ.
وفي حديث عمر: أَنّ نادبته قالت: واعُمراه أَقام الأَودَ وشفى
العَمَدَ. العمد، بالتحريك: ورَمٌ ودَبَرٌ يكون في الظهر، أَرادت به أَنه أَحسن
السياسة؛ ومنه حديث عليّ: لله بلاء فلان فلقد قَوَّم الأَوَدَ ودَاوَى
العَمَدَ؛ وفي حديثه الآخر: كم أُدارِيكم كما تُدارَى البِكارُ العَمِدَةُ؟
البِكار جمع بَكْر وهو الفَتيُّ من الإِبل، والعَمِدَةُ من العَمَدِ:
الورَمِ والدَّبَرِ، وقيل: العَمِدَةُ التي كسرها ثقل حملها. والعِمْدَةُ:
الموضع الذي ينتفخ من سنام البعير وغاربه. وقال النضر: عَمهدَتْ
أَلْيَتَاهُ من الركوب، وهو أَن تَرِمَا وتَخْلَجَا. وعَمدْتُ الرَّجُلَ أَعْمِدُه
عَمْداً إِذا
(* قوله «أعمده عمداً إذا إلخ» كذا ضبط بالأَصل ومقتضى
صنيع القاموس أنه من باب كتب.) ضربته بالعمود. وعَمَدْتُه إِذا ضربت عمود
بطنه. وعَمدَ الخُراجُ عَمَداً إِذا عُصرَ قبل أَن يَنْضَجَ فَوَرِمَ ولم
تخرج بيضته، وهو الجرح العَمِدُ. وعَمِدَ الثَّرى يَعْمَدُ عَمَداً:
بَلَّلَه المطر، فهو عَمِدٌ، تقَبَّضَ وتَجَعَّدَ ونَدِيَ وتراكب بعضه على
بعض، فإِذا قبضت منه على شيء تَعَقَّدَ واجتمع من نُدُوَّته؛ قال الراعي يصف
بقرة وحشية:
حتى غَدَتْ في بياضِ الصُّبْحِ طَيِّبَةً،
رِيحَ المَباءَةِ تَخْدِي، والثَّرَى عَمِدُ
أَراد طيبة ريِحِ المباءَةِ، فلما نَوَّنَ طيبةً نَصعبَ ريح المباءة.
أَبو زيد: عَمِدَتِ الأَرضُ عَمَداً إِذا رسخ فيها المطر إِلى الثرى حتى
إِذ قَبَضْتَ عليه في كفك تَعَقَّدَ وجَعُدَ. ويقال: إَن فلاناً لعَمِدُ
الثَّرَى أَي كثير المعروف.
وعَمَّدْتُ السيلَ تَعْميداً إِذا سَدَدْتَ وَجْهَ جَريته حتى يجتمع في
موضع بتراب أَو حجارة.
والعمودُ: قضِيبُ الحديد.
وأَعْمَدُ: بمعنى أَعْجَبُ، وقيل: أَعْمَدُ بمعنى أَغْضبُ من قولهم
عَمِدَ عليه إِذا غَضِبَ؛ وقيل: معناه أَتَوَجَّعُ وأَشتكي من قولهم عَمعدَني
الأَمرُ فَعَمِدْتُ أَي أَوجعني فَوَجِعتُ.
الغَنَويُّ: العَمَدُ والضَّمَدُ والغَضَبُ؛ قال الأَزهري: وهو العَمَدُ
والأَمَدُ أَيضاً. وعَمِدَ عليه: غَضب كَعَبِدَ؛ حكاه يعقوب في المبدل.
ومن كلامهم: أَعْمَدُ من كَيلِ مُحِقٍّ أَي هل زاد على هذا. وروي عن أَبي
عبيد مُحِّقَ، بالتشديد. قال الأَزهري: ورأَيت في كتاب قديم مسموع من
كَيْلٍ مُحِقَ، بالتخفيف، من المَحْقِ، وفُسِّر هل زاد على مكيال نُقِصَ
كَيْلُه أَي طُفِّفَ. قال: وحسبت أَن الصواب هذا؛ قال ابن بري: ومنه قول
الراجز:
فاكْتَلْ أُصَيَّاعَكَ مِنْهُ وانْطَلِقْ،
وَيْحَكَ هَلْ أَعْمَدُ مِن كَيْلٍ مُحِقْ
وقال: معناه هل أَزيد على أَن مُحِقَ كَيْلي؟ وفي حديث ابن مسعود: أَنه
أَتى أَبا جهل يوم بدر وهو صريع، فوضع رجله على مُذَمَّرِهِ لِيُجْهِزَ
عليه، فقال له أَبو جهل: أَعْمَدُ من سيد قتله قومه أَي أَعْجَبُ؛ قال
أَبو عبيد: معناه هل زاد على سيد قتله قومه، هل كان إِلا هذا؟ أَي أَن هذا
ليس بعار، ومراده بذلك أَن يهوّن على نفسه ما حل به من الهلاك، وأَنه ليس
بعار عليه أَن يقتله قومه؛ وقال شمر: هذا استفهام أَي أَعجب من رجل قتله
قومه؛ قال الأَزهري: كأَن الأَصل أَأَعْمَدُ من سيد فخففت إِحدى
الهمزتين؛ وقال ابن مَيَّادة ونسبه الأَزهري لابن مقبل:
تُقَدَّمُ قَيْسٌ كلَّ يومِ كَرِيهَةٍ،
ويُثْنى عليها في الرَّخاءِ ذُنوبُها
وأَعْمَدُ مِنْ قومٍ كفَاهُمْ أَخوهُمُ
صِدامَ الأَعادِي، حيثُ فُلَّتْ نُيُوبُها
يقول: هل زدنا على أَن كَفَينَا إخوتنا.
والمُعْمَدُ والعُمُدُّ والعُمُدَّات والعُمَدَّانيُّ: الشابُّ الممتلئ
شباباً، وقيل هو الضخم الطويل، والأُنثى من كل ذلك بالهاء، والجمع
العُمَدَّانِيُّونَ. وامرأَة عُمُدَانِيَّة: ذاتُ جسم وعَبَالَةٍ. ابن
الأَعرابي: العَمودُ والعِمادُ والعُمْدَةُ والعُمْدانُ رئيس العسكر وهو
الزُّوَيْرُ.
ويقال لرِجْلَي الظليم: عَمودانِ. وعَمُودانُ: اسم موضع؛ قال حاتم
الطائي:
بَكَيْتَ، وما يُبْكِيكَ مِنْ دِمْنَةٍ قَفْرِ،
بِسُقفٍ إِلى وادي عَمُودانَ فالغَمْرِ؟
ابن بُزُرج: يقال: جَلِسَ به وعَرِسَ به وعَمِدَ به ولَزِبَ به إِذا
لَزِمَه. ابن المظفر: عُمْدانُ اسم جبل أَو موضع؛ قال الأَزهري: أُراه أَراد
غُمْدان، بالغين، فصحَّفه وهو حصن في رأْس جبل باليمن معروف وكان لآل ذي
يزن؛ قال الأَزهري: وهذا تصحيف كتصحيفه يوم بُعاث وهو من مشاهير أيام
العرب أَخرجه في الغين وصحفه.
رهص: الرَّهْصُ: أَن يُصِيبَ الحجرُ حافراً أَو مَنْسِماً فيَذْوَى
باطنُه، تقول: رَهَصه الحجرُ وقد رُهِصَت الدَّابة رَهْصاً ورَهِصَت
وأَرْهَصَه اللّه، والاسم الرَّهْصةُ. الصحاح: والرَّهْصةُ أَن يَذْوَى باطِنُ
حافِر الدَّابة من حجر تَطؤُه مثل الوَقْرة؛ قال الطرماح:
يُساقطُها تَتْرَى بكل خَمِيلة،
كبَزْغِ البِيَطْرِ الثَّقفِ رَهْص الكَوادِنِ
والثَّقْفُ: الحاذِقُ. والكَوادِنُ: البَراذِين. وفي الحديث: أَنه، صلّى
اللّه عليه وسلّم، احْتَجَمَ وهو مُحْرِمٌ من رَهْصةٍ أَصابَتْه. قال
ابن الأَثير: أَصلُ الرَّهْصِ أَن يُصِيبَ باطنَ حافر الدابة شيءٌ يُوهِنُه
أَو يُنْزِلُ فيه الماءَ من الإِعْياءَ، وأَصل الرَّهْصِ شدَّةُ
العَصْر؛ ومنه الحديث: فرَمَيْنا الصيدَ حتى رَهَصْناه أَي أَوْهَنَّاه؛ ومنه
حديث مكحول: أَنه كان يَرْقِي من الرَّهْصةِ: اللهم أَنت الواقي وأَنت
الباقي وأَنت الشافي.
والرَّواهِصُ: الصخورُ المُتراصِفةُ الثابتة. ورَهِصَت الدابةُ، بالكسر،
رَهْصاً وأَرْهَصَها اللّهُ: مثل وَقِرَت وأَوْقَرَها اللّه، ولم يَقُلْ
(* قوله «ولم يقل» أي الكسائي فان العبارة منقولة عنه كما في الصحاح.)
رُهِصَت، فهي مَرْهوصة ورَهِيصٌ، ودابة رَهِيصٌ ورَهِيصةٌ: مَرْهوصة،
والجمع رَهْصَى. والرَّواهِصُ من الحجارة: التي تَرْهُصُ الدابة إِذا
وطِئَتْها، وقيل: هي الثابتة المُلْتزِقةُ المُتراصِفةُ، واحدتُها راهِصةٌ.
والرَّهْصُ: شدة العصر. أَبو زيد: رَهِصَت الدابةُ ووَقِرَت من الرَّهْصة
والوَقْرةِ. قال ثعلب: رَهِصَت الدابة أَفصح من رُهِصَت؛ وقال شمر في قول
النمر بن تولب في صفة جمل:
شَدِيد وَهْصٍ قَليل الرَّهْصِ مُعْتَدل،
بصَفْحَتَيه من الأَنْساع أَنْدابُ
قال: الوَهْصُ الوطءُ والرَّهْصُ الغَمزُ والعِثَار.
ورَهَصَه في الأَمر رَهْصاً: لامَه: وقيل: اسْتَعْجَلَه. ورَهَصَنِي
فلان في أَمر فلان أَي لامَنِي، ورَهَصَني في الأَمر أَي استعجلني فيه، وقد
أَرْهَصَ اللّه فلاناً للخَير أَي جعله مَعْدِناً للخير ومَأْتىً. ويقال:
رَهَصَنِي فلانٌ بِحَقِّه أَي أَخَذني أَخْذاً شديداً. ابن شميل: يقال
رَهَصَه بِدَينِه رَهْصاً ولم يُعَتِّمْه أَي أَخذه به أَخذاً شديداً على
عُسرة ويُسْرة فذلك الرَّهْص. وقال آخر: ما زلت أُراهصُ غَريمي مذُ اليوم
أَي أَرْصدُهُ. ورَهَصت الحائطَ بما يُقيمه إِذا مالَ. قال أَبو الدقيش:
للفرس عرْقان في خَيْشومِه وهما الناهقان، وإِذا رَهَصَهُما مَرِضَ
لهما. ورُهِصَ الحائطُ: دُعِمَ. والرِّهْص، بالكسر: أَسْفلُ عرق في الحائط.
والرِّهْصُ: الطِّين الذي يُجْعل بعضُه على بعض فيُبْنى به، قال ابن دريد:
لا أَدري ما صِحَّتُه غير أَنهم قد تكلموا به. والرِّهَّاص: الذي يعمل
الرِّهْصَ. والمَرْهَصةُ، بالفتح: الدرجةُ والمرتبة. والمَراهِصُ:
الدَّرَجُ؛ قال الأَعشى:
رَمَى بك في أُخراهمُ تَرْكُكَ العُلى،
وفُضِّل أَقوامٌ عليك مراهِصَا
وقال الأَعشى أَيضاً في الرواهص:
فعَضَّ حَديدَ الأَرضِ، إِن كُنْتَ ساخِطاً،
بِفِيكَ وأَحْجارَ الكُلابِ الرَّواهِصا
والإِرْهاصُ: الإِثْبات، واستعمله أَبو حنيفة في المطر فقال: وأَما
الفَرْغُ المُقدّم فإِنّ نَوْءَه من الأَنواءِ المشهورة المذكورةِ المحمودة
النافعة لأَنه إِرْهاصٌ للْوَسْمِيّ. قال ابن سيده: وعندي أَنه يُرِيد
أَنه مُقدِّمة له وإِيذانٌ به. والإِرْهاصُ على الذَّنب: الــإِصْرارُ عليه.
وفي الحديث: وإِنّ ذنْبَه لم يكن عن إِرْهاصٍ أَي عن إِصْرارٍ وإِرْصادٍ،
وأَصله من الرَّهْصِ، وهو تأْسِيسُ البُنْيانِ.
والأَسَدُ الرَّهِيصُ: من فُرْسان العرب معروف.
حرج: الحِرْجُ والحَرَجُ: الإِثمُ. والحارجُ: الآثم؛ قال ابن سيده:
أُراه على النسب، لأَنه لا فعل له. والحَرَجُ والحَرِجُ والمُتَحَرِّجُ:
الكافُّ عن الإِثم. وقولهم: رجل مُتَحَرِّجٌ، كقولهم: رجلٌ مُتَأَثِّمٌ
ومُتَحَوِّبٌ ومُتَحَنِّثٌ، يُلْقِي الحَرَجَ والحِنْثَ والحُوبَ والإِثم عن
نفسه. ورجلٌ مُتَلَوِّمٌ إِذا تربص بالأَمر يريد القاء الملامة عن نفسه؛
قال الأَزهري: وهذه حروف جاءَت معانيها مخالفة لأَلفاظها؛ وقال: قال ذلك
أَحمد بن يحيى.
وأَحْرَجَه أَي آثمه. وتَحَرَّجَ: تأَثَّم. والتحريج: التضييق؛ وفي
الحديث: حَدِّثوا عن بني إِسرائيل ولا حَرَجَ. قال ابن الأَثير: الحَرَجُ في
الأَصل الضيق، ويمقع على الإِثم والحرام؛ وقيل: الحَرَجُ أَضْيَقُ
الضِّيقِ؛ فمعناه أَي لا بأْس ولا إِثم عليكم أَن تحدّثوا عنهم ما سمعتم، وإِن
استحال أَن يكون في هذه الأُمة مثل ما روي أَن ثيابهم كانت تطول، وأَن
النار كانت تنزل من السماء فتأْكل القُرْبانَ وغير ذلك، لا أَن تَتَحَدَّثَ
عنهم بالكذب. ويشهد لهذا التأْويل ما جاء في بعض رواياته فإِن فيهم
العجائب؛ وقيل: معناه أَن الحديث عنهم إِذا أَديته على ما سمعته، حقّاً كان
أَو باطلاً، لم يكن عليك إِثم لطول العهد ووقوع الفَتْرَةِ، بخلاف الحديث
عن النبي، صلى الله عليه وسلم، لأَنه إِنما يكون بعد العلم بصحة روايته
وعدالة رواته؛ وقيل: معناه أَن الحديث عنهم ليس على الوجوب لأَن قوله،
عليه السلام، في أَوّل الحديث: بَلِّغُوا عَنِّي؛ على الوجوب، ثم أَتبعه
بقوله: وحدِّثوا عن بني إِسرائيل ولا حرج عليكم إِن لم تحدِّثوا عنهم. قال:
ومن أَحاديث الحرج قوله، عليه السلام، في قتل الحيات: فَلْيُحَرِّجْ
عليها؛ هو أَن يقول لها: أَنت في حَرَجٍ أَي في ضيق، إِن عُدْتِ إِلينا فلا
تلومينا أَن نُضَيِّقَ عليك بالتَّتَبُّع والطرد والقتل. قال: ومنها حديث
اليتامى: تَحَرَّجُوا أَن يأْكلوا معهم؛ أَي ضَيَّقُوا على أَنفسهم.
وتَحَرَّجَ فلانٌ إِذا فعل فعلاً يَتحَرَّجُ به، مِن الحَرَج، الإِثم والضيق؛
ومنه الحديث: اللَّهم إِني أُحَرِّجُ حَقَّ الضعيفَين: اليتيم والمرأَة
أَي أُضيقه وأُحرمه على مَن ظلمهما؛ وفي حديث ابن عباس في صلاة الجمعة:
كَرِهَ أَن يُحْرِجَهم أَي يوقعهم في الحَرَج. قال ابن الأَثير: وورد
الحَرَجُ في أَحاديث كثيرة وكلها راجعة إِلى هذا المعنى. ورجلٌ حَرَجٌ
وحَرِجٌ: ضَيِّق الصَّدْرِ؛ وأَنشد:
لا حَرِجُ الصَّدْرِ ولا عَنِيفُ
والحَرَجُ: الضِّيق.
وحَرِجَ صدره يَحْرَجُ حَرَجاً: ضاق فلم ينشرح لخير، فهو حَرِجٌ
وحَرَجٌ، فمن قال حَرِج، ثَنَّى وجَمَعَ، ومَن قال حَرَجٌ أَفرد، لأَنه
مصدر.وقوله تعالى: يَجْعَلْ صَدْرَه ضَيِّقاً حَرَجاً وحَرِجاً؛ قال الفراء:
قرأَها ابن عباس
(* قوله «قرأها ابن عباس إلخ» كذا بالأصل.) وعمر، رضي
الله عنهما، حَرَجاً، وقرأَها الناس حَرِجاً؛ قال: والحَرَجُ فيما فسر ابن
عباس هو الموضع الكثير الشجر الذي لا يصل إِليه الراعيةُ؛ قال: وكذلك صدر
الكافر لا يصل إِليه الحكمةُ؛ قال: وهو في كسره ونصبه بمنزلة الوَحَدِ
والوَحِدِ، والفَرَدِ والفَرِدِ، والدَّنَفِ والدَّنِفِ. وقال الزجاج:
الحَرَجُ في اللغة أَضْيَقُ الضِّيقِ، ومعناه أَنه ضَيِّقٌ جدًّا. قال: ومَن
قال رجل حَرَجُ الصدر فمعناه ذو حَرَجٍ في صدره، ومن قال حَرِجٌ جعلَهُ
فاعِلاً؛ وكذلك رجل دَنَفٌ ذو دَنَفٍ، ودَنِفٌ نَعْتٌ؛ الجوهري: ومكان
حَرَجٌ وحَرِجٌ أَي مكان ضيق كثير الشجر. والحَرِجُ: الذي لا يكاد يَبْرَح
القتالَ؛ قال:
مِنَّا الزُّوَينُ الحَرِجُ المُقَاتِلُ
والحَرِجُ: الذي لا ينهزم كأَنه يَضِيقُ عليه العُذْرُ في الانهزام.
والحَرِجُ: الذي يهاب أَن يتقدَّم على الأَمر، وهذا ضيق أَيضاً.
وحَرِجَ إِليه: لَجَأَ عن ضِيقٍ. وأَحْرَجَه إِليه: أَلْجَأَهُ وضَيَّق
عليه. وحَرَّجَ فلانٌ على فلانٍ إِذا ضَيَّقَ عليه، وأَحْرَجْتُ فلاناً:
صيرته إِلى الحَرَجِ، وهو الضيق، وأَحْرَجْتُهُ: أَلْجَأْتُهُ إِلى
مَضِيقٍ، وكذلك أَحْجَرْتُهُ وأَحْرَدْتُهُ، بمعنىً واحدٍ؛ ويقال: أَحْرَجَني
إِلى كذا وكذا فَحَرِجْتُ إِليه أَي انضممتُ. وأَحْرَجَ الكلبَ
والسَّبُعَ: أَلجَأَهُ إِلى مَضِيقٍ فَحَمَلَ عليه. وحَرِجَ الغُبارُ، فهو حَرِجٌ:
ثار في موضع ضَيِّقٍ، فانضم إِلى حائط أَو سَنَدٍ؛ قال:
وغَارَةٍ يَحْرَجُ القَتامُ لَها،
يَهْلِكُ فيها المُناجِدُ البَطَلُ
قال الأَزهري: قال الليث: يقال للغبار الساطع المنضم إِلى حائط أَو
سَنَدٍ قد حَرِجَ إِليه؛ وقال لبيد:
حَرِجاً إِلى أَعْلامِهِنَّ قَتَامُها
ومكانٌ حَرِجٌ وحَرِيجٌ؛ قال:
ومَا أَبْهَمَتْ، فَهُوَ حَجٌّ حَرِيجْ
وحَرِجَتْ عينُه تحْرَجُ حَرَجاً أَي حَارَتْ؛ قال ذو الرمة:
تَزْدَادُ لِلْعَيْنِ إِبْهاجاً إِذا سَفَرَتْ،
وتَحْرَجُ العَيْنُ فيها حينَ تَنْتَقِبُ
وقيل: معْناه أَنها لا تنصرف ولا تَطْرِفُ من شدة النظر.
الأَزهري: الحَرَجُ أَن ينظر الرجل فلا يستطيع أَن يتحرك من مكانه
فَرَقاً وغيظاً. وحَرِجَ عليه السُّحورُ إِذا أَصبح قبل أَن يتسحر، فحرم عليه
لضيق وقته. وحَرِجَتِ الصلاةُ على المرأَة حَرَجاً: حرمت، وهو من الضيق
لأَن الشيء إِذا حرم فقد ضاق. وحَرِجَ عليَّ ظُلْمُكَ حَرَجاً أَي حرم.
ويقال: أَحْرَجَ امرأَته بطلقة أَي حَرَّمَها؛ ويقال: أَكَسَعَهَا
بالمُحْرِجَات؟ يريد بثلاث تطليقات.
الأَزهري: وقرأَ ابن عباس، رضي الله عنهما: وحَرْثٌ حِرْجٌ أَي حرام؛
وقرأَ الناس: وحَرْثٌ حِجْرٌ. الجوهري: والحِرْجُ لغةٌ في الحَرَجِ، وهو
الإِثم؛ قال: حكاه يونس.
والحَرَجَةُ: الغَيْضَةُ لضيقها؛ وقيل: الشجر الملتف، وهي أَيضاً الشجرة
تكون بين الأَشجار لا تصل إِليها الآكِلَةُ، وهي ما رَعَى من المال.
والجمع من كل ذلك: حَرَجٌ وأَحْرَاجٌ وحَرَجَاتٌ؛ قال الشاعر:
أَيا حَرَجَاتِ الحَيِّ، حِينَ تَحَمَّلُوا،
بذِي سَلَمٍ، لا جَادَكُنَّ ربِيعُ
وحِرَاجٌ؛ قال رؤبة:
عَاذَا بِكُمْ مِنْ سَنَةٍ مِسْحَاجِ،
شَهْبَاءَ تُلْقِي وَرَقَ الحِراجِ
وهي المَحاريجُ. وقيل: الحَرَجَةُ تكون من السَّمُرِ والطَّلْحِ
والعَوسَجِ والسَّلَمِ والسَّدْرِ؛ وقيل: هو ما اجتمع من السدر والزيتون وسائر
الشجر؛ وقيل: هي موضع من الغيضة تلتف فيه شجرات قدر رمية حجر؛ قال أَبو
زيد: سمِّيت بذلك لالتفافها وضيق المسلك فيها. وقال الجوهري: الحَرَجَةُ
مُجْتَمَعُ شجر. قال الأَزهري: قال أَبو الهيثم: الحِراجُ غِياضٌ من شجر
السلَم ملتفةٌ، لا يقدر أَحدٌ أَن يَنْفُذَ فيها؛ قال العجاج:
عَاينَ حَيًّا كالحِرَاجِ نَعَمُهْ،
يَكُونُ أَقْصَة شَلِّهِ مُحْرَنْجِمُهْ
وفي حديث حنين: حتى تركوه في حَرَجَةٍ؛ الحَرَجَة، بالفتح والتحريك:
مجتمع شجر ملتف كالغيضة. وفي حديث معاذ بن عمرو: نظرتُ إِلى أَبي جهلٍ في
مثل الحَرَجَةِ. والحديث الآخر: إِنَّ مَوْضِعَ البيت كان في حَرَجَةٍ
وعِضَاه.
وحِراجُ الظلماء: ما كَثُفَ والتفَّ؛ قال ابن ميادة:
أَلا طَرَقَتْنا أُمُّ أَوْسٍ، ودُونَها
حِراجٌ مِنَ الظَّلْماءِ، يَعْشَى غُرابُها؟
خص الغرابَ لحدّة البصر، يقول: فإِذا لم يبصر فيها الغرابُ مع حدّة بصره
فما ظنك بغيره؟ والحَرَجَةُ: الجماعة من الإِبل، قال ابن سيده:
والحَرَجَةُ مائة من الإِبل. وركب الحَرَجَةَ أَي الطريق؛ وقيل: معظمه، وقد حكيت
بجيمين.
والحَرَجُ: سرير يحمل عليه المريض أَو الميت؛ وقيل: هو خشب يُشدُّ بعضه
إِلى بعض؛ قال امرؤُ القيس:
فَإِمَّا تَرَيْني في رِحَالَةِ جَابِرٍ
على حَرَجٍ، كالقَرِّ تَخْفِقُ أَكْفاني
ابن بري: أَراد بالرِّحالة الخَشَبَ الذي يحمل عليه في مرضه، وأَراد
بالأَكفان ثيابه التي عليه لأَنه قدَّر أَنها ثيابه التي يدفن فيها.
وخَفْقُها ضَرْبُ الريح لها. وأَراد بجابر جابرَ بنَ حُنَيٍّ التَغْلَبيَّ، وكان
معه في بلاد الروم، فلما اشتدّت علَّته صنع له من الخشب شيئاً كالقَرِّ
يحمل فيه؛ والقَرُّ: مَرْكب من مراكب الرجال بين الرحل والسرج. قال: كذا
ذكره أَبو عبيد، وقال غيره: هو الهودج. الجوهري: الحَرَجُ خشبٌ يُشدُّ
بعضه إِلى بعض تحمل فيه الموتى، وربما وضع فوق نعش النساء. قال الأَزهري:
وحَرَجُ النعشِ شَجَارٌ من خشب جعل فوق نعش الميت، وهو سريره. قال
الأَزهري: وأَما قول عنترة يصف ظَليماً وقُلُصَة:
يَتْبَعْنَ قُلَّةَ رَأْسِهِ، وكَأَنَّهُ
حَرَجٌ على نَعْشٍ لَهُنَّ مُخَيَّمِ
هذا يصف نعامة يتبعها رِئالُها، وهو يبسط جناحيه ويجعلها تحته. قال ابن
سيده: والحَرَجُ مَرْكَبٌ للنساء والرجال ليس له رأْس. والحَرَجُ
والحِرْجُ: الشَّحَصُ. والحَرَجُ من الإِبل: التي لا تُركب ولا يضربها الفحل
ليكون أَسمن لها إِنما هي مُعَدَّةٌ؛ قال لبيد:
حَرَجٌ في مِرْفَقَيْها كالفَتَلْ
قال الأَزهري: هذا قول الليث، وهو مدخول. والحَرَجُ والحُرْجُوجُ:
الناقة الجسيمة الطويلة على وجه الأَرض؛ وقيل: الشديدة، وقيل: هي الضامرة،
وجمعها حَراجِيجُ. وأَجاز بعضهم: ناقة حُرْجُجٌ، بمعنى الحُرْجُوجِ، وأَصل
الحُرْجُوجِ حُرْجُجٌ، وأَصل الحُرْجُجِ حُرْجٌ، بالضم. وفي الحديث:
قَدِمَ وَفْدُ مَذْحِجَ على حَرَاجِيجَ، جميع حُرْجُوجٍ وحُرْجِيجٍ، وهي
الناقة الطويلة؛ وقيل الضامرة، وقيل: الحُرْجُوجُ الوَقَّادَةُ الحادَّة
القلب؛ قال:
أَذَاكَ ولَمْ تَرْحَلْ إِلى أَهْلِ مَسْجِدٍ،
بِرَحْلِيَ، حُرْجُوجٌ عليها النَّمَارِقُ
والحُرْجُوجُ: الريح الباردة الشديدة؛ قال ذو الرمة:
أَنْقَاءُ سارِيَةٍ حَلَّتْ عَزَالِيَها،
مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ، رِيحٌ غيرُ حُرْجُوجِ
وحَرَجَ الرَّجُلُ أَنْيابَهُ يَحْرُجُها حَرْجاً: حَكَّ بعضَها إِلى
بعض من الحَرَدِ؛ قال الشاعر:
ويوْمٌ تُحْرَجُ الأَضْرَاسُ فيهِ
لأَبْطالِ الكُمَاةِ، به أُوَامُ
والحِرْجُ، بكسر الحاء: القطعة من اللحم، وقيل: هي نصيب الكلب من الصيد
وهو ما أَشبه الأَطرافَ من الرأْس والكُراعِ والبَطْن، والكلابُ تطمع
فيها. قال الأَزهري: الحِرْجُ ما يُلقى للكلب من صيده، والجمع أَحْرَاجٌ؛
قال جَحْدرٌ يصف الأَسد:
وتَقَدُّمِي لِلَّيْثِ أَمْشِي نحْوَهُ،
حَتَّى أُكَابِرَهُ على الأَحْرَاجِ
وقال الطرماح:
يَبْتَدِرْنَ الأَحْراجَ كالثَّوْلِ، والحِرْ
جُ لِرَبِّ الكِلابِ يَصْطَفِدُهْ
يَصْطَفِدُه أَي يَدَّخِرُه ويجعله صَفَداً لنَفْسِهِ ويختاره؛ شبَّه
الكلاب في سرعتها بالزنابير، وهي الثَّوْلُ. وقال الأَصمعي: أَحْرِجْ
لِكلبكَ من صَيْدِه فإِنه أَدْعَى إِلى الصَّيْدِ. وقال المفضل: الحِرْجُ
حِبَالٌ تُنصب للسبع؛ قال الشاعر:
وشَرُّ النَّدامَى مَن تَبِيتُ ثيابُهُ
مُجَفَّفَةً، كأَنَّها حِرْجُ حابِلِ
والحِرْجُ: الوَدَعَةُ، والجمع أَحْرَاجٌ وحِراجٌ؛ وقول الهذلي:
أَلم تَقْتُلوا الحِرْجَينِ، إِذ أَعْرَضَا لكمْ
يَمُرَّان بالأَيْدِي اللِّحاءَ المُضَفَّرَا؟
إِنما عَنَى بالحِرْجَينِ رجلين أَبيضين كالوَدَعَةِ، فإِما أَن يكون
البياضُ لَوْنَهما، وإِما أَن يكون كَنَى بذلك عن شرفهما، وكان هذان
الرجلان قد قَشَرَا لحاءَ شجر الكعبة ليتخفَّرا بذلك. والمضفر: المقتول
كالضفيرة. والحِرْجُ: قلادة الكلب، والجمع أَحْرَاجٌ وحِرَجَةٌ؛ قال:
بِنَواشِطٍ غُضْفٍ يُقَلِّدُها الأَ
حْرَاجَ، فَوْقَ مُتُونِها لُمَعُ
الأَزهري: ويقال ثلاثة أَحْرِجَةٍ، وكَلْبٌ مُحَرَّجٌ، وكِلاب
مُحَرَّجَةٌ أَي مُقَلَّدَةٌ؛ وأَنشد في ترجمة عضرس:
مَحَرَّجَةٌ حُصٌّ كَأَنَّ عُيُونها،
إِذا أَيَّهَ القَنَّاصُ بالصَّيْدِ، عَضْرَسُ
(* قوله «إِذا أَيه» كذا بالأَصل بهذا الضبط بمعنى صاح، وفي شرح القاموس
والصحاح إِذا أَذن، والضمير في عيونها يعود على الكلاب، وتحرفت في شرح
القاموس بعيونه.)
مُحَرَّجَةٌ: مُقَلَّدَةٌ بالأَحْرَاج، جمع حِرْجٍ للوَدَعةِ. وحُصٌّ:
قد انْحَصَّ شَعَرُها، وقال الأَصمعي في قوله:
طاوي الحَشَا قَصُرَتْ عنه مُحَرَّجَةٌ
قال: مُحَرَّجَةٌ: في أَعناقها حِرْجٌ، وهو الوَدَعُ. والوَدَعُ: خرز
يعلق في أَعناقها.
الأَزهري: والحِرْجُ القلادة لكل حيوان. قال: والحِرْجُ: الثياب التي
تُبسط على حبل لِتَجَفَّ، وجمعها حِراجٌ في جميعها. والحِرْجُ: جماعة
الغنم، عن كراع، وجمعه أَحْرَاجٌ.
والحُرْجُ: موضعٌ معروف.
جبر: الجَبَّارُ: الله عز اسمه القاهر خلقه على ما أَراد من أَمر ونهي.
ابن الأَنباري: الجبار في صفة الله عز وجل الذي لا يُنالُ، ومنه جَبَّارُ
النخل. الفرّاء: لم أَسمع فَعَّالاً من أَفعل إِلا في حرفين وهو جَبَّار
من أَجْبَرْتُ، ودَرَّاك من أَدركْتُ، قال الأَزهري: جعل جَبَّاراً في
صفة الله تعالى أَو في صفة العباد من الإِجْبار وهو القهر والإِكراه لا من
جَبَرَ. ابن الأَثير: ويقال جَبَرَ الخلقَ وأَجْبَرَهُمْ، وأَجْبَرَ
أَكْثَرُ، وقيل: الجَبَّار العالي فوق خلقه، وفَعَّال من أَبنية المبالغة،
ومنه قولهم: نخلة جَبَّارة، وهي العظيمة التي تفوت يد المتناول. وفي حديث
أَبي هريرة: يا أَمَةَ الجَبَّار إِنما أَضافها إِلى الجبار دون باقي
أَسماء الله تعالى لاختصاص الحال التي كانت عليها من إِظهار العِطْرِ
والبَخُورِ والتباهي والتبختر في المشي. وفي الحديث في ذكر النار: حتى يضع
الجَبَّار فيها قَدَمَهُ؛ قال ابن الأَثير: المشهور في تأْويله أَن المراد
بالجبار الله تعالى، ويشهد له قوله في الحديث الآخر: حتى يضع فيها رب
العزة قدمه؛ والمراد بالقدم أَهل النار الذين قدَّمهم الله لها من شرار خلقه
كما أَن المؤمنين قَدَمُه الذين قدَّمهم إِلى الجنة، وقيل: أَراد بالجبار
ههنا المتمرد العاتي، ويشهد له قوله في الحديث الآخر: إِن النار قالت:
وُكّلْتُ بثلاثة: بمن جعل مع الله إِلهاً آخر، وبكل جَبَّار عنيد،
وبالمصوِّرين. والجَبَّارُ: المتكبر الذي لا يرى لأَحد عليه حقّاً. يقال:
جَبَّارٌ بَيِّنُ الجَبَرِيَّة والجِبِرِيَّة، بكسر الجيم والباء،
والجَبْرِيَّةِ والجَبْرُوَّةِ والجَبَرُوَّةِ والجُبُرُوتِ والجَبَرُوتِ
والجُبُّورَةِ والجَبُّورَة، مثل الفَرُّوجة، والجِبْرِياءُ والتَّجْبَارُ: هو بمعنى
الكِبْرِ؛ وأَنشد الأحمر لمُغَلِّسِ بن لَقِيطٍ الأَسَدِيّ يعاتب رجلاً
كان والياً على أُوضَاخ:
فإِنك إِنْ عادَيْتَني غَضِبِ الحصى
عَلَيْكَ، وذُو الجَبُّورَةِ المُتَغَطْرفُ
يقول: إِن عاديتني غضب عليك الخليقة وما هو في العدد كالحصى. والمتغطرف:
المتكبر. ويروى المتغترف، بالتاء، وهو بمعناه.
وتَجَبَّرَ الرجل: تكبر. وفي الحديث: سبحان ذي الجَبَرُوت والمَلَكُوت؛
هو فَعَلُوتٌ من الجَبْر والقَهْرِ. وفي الحديث الآخر: ثم يكون مُلْكٌ
وجَبَرُوتٌ أَي عُتُوٌّ وقَهْرٌ. اللحياني: الجَبَّار المتكبر عن عبادة
الله تعالى؛ ومنه قوله تعالى: ولم يكن جَبَّاراً عَصِيّاً؛ وكذلك قول عيسى،
على نبينا وعليه الصلاة والسلام: ولم يجعلني جباراً شقيّاً؛ أَي متكبراً
عن عبادة الله تعالى. وفي الحديث: أَن النبي، صلى الله عليه وسلم، حضرته
امرأَة فأَمرها بأَمر فَتَأَبَّتْ، فقال النبي، صلى الله عليه وسلم:
دَعُوها فإِنها جَبَّارَة أَي عاتية متكبرة. والجِبِّيرُ، مثال الفِسِّيق:
الشديد التَّجَبُّرِ. والجَبَّارُ من الملوك: العاتي، وقيل: كُلُّ عاتٍ
جَبَّارٌ وجِبِّيرٌ. وقَلْبٌ جَبَّارٌ: لا تدخله الرحمة. وقَلْبٌ جَبَّارٌ:
ذو كبر لا يقبل موعظة. ورجل جَبَّار: مُسَلَّط قاهر. قال الله عز وجل:
وما أَنتَ عليهم بِجَبَّارٍ؛ أَي بِمُسَلَّطٍ فَتَقْهَرَهم على الإِسلام.
والجَبَّارُ: الذي يَقْتُلُ على الغَضَبِ. والجَبَّارُ: القَتَّال في غير
حق. وفي التنزيل العزيز: وإِذا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ؛ وكذلك
قول الرجل لموسى في التنزيل العزيز: إِن تُرِيدُ إِلا أَن تكونَ
جَبَّاراً في الأَرض؛ أَي قتَّالاً في غير الحق، وكله راجع إِلى معنى التكبر.
والجَبَّارُ: العظيمُ القَوِيُّ الطويلُ؛ عن اللحياني: قال الله تعالى: إِن
فيها قوماً جَبَّارِينَ؛ قال اللحياني: أَراد الطُّولَ والقوّة
والعِظَمَ؛ قال الأَزهري: كأَنه ذهب به إِلى الجَبَّار من النخيل وهو الطويل الذي
فات يَدَ المُتَناول. ويقال: رجل جَبَّار إِذا كان طويلاً عظيماً
قويّاً، تشبيهاً بالجَبَّارِ من النخل. الجوهري: الجَبَّارُ من النخل ما طال
وفات اليد؛ قال الأَعشى:
طَرِيقٌ وجَبَّارٌ رِواءٌ أُصُولُه،
عليه أَبابِيلٌ من الطَّيْرِ تَنْعَبُ
ونخلة جَبَّارَة أَي عظيمة سمينة. وفي الحديث: كَثافَةُ جلد الكافر
أَربعون ذراعاً بذراع الجَبَّار؛ أَراد به ههنا الطويل، وقيل: الملك، كما
يقال بذراع الملك، قال القتيبي: وأَحسبه مَلِكاً من ملوك الأَعاجم كان تام
الذراع. ابن سيده: ونخلة جَبَّارة فَتِيَّة قد بلغت غاية الطول وحملت،
والجمع جَبَّار؛ قال:
فاخِراتٌ ضُلُوعها في ذُراها،
وأَنَاضَ العَيْدانُ والجَبَّارُ
وحكى السيرافي: نخلة جَبَّارٌ، بغير هاء. قال أَبو حنيفة: الجَبَّارُ
الذي قد ارتقي فيه ولم يسقط كَرْمُه، قال: وهو أَفْتَى النخل
وأَكْرَمُه.قال ابن سيده: والجَبْرُ المَلِكُ، قال: ولا أَعرف مم اشتق إِلا أَن ابن
جني قال: سمي بذلك لأَنه يَجْبُر بِجُوده، وليس بِقَوِيٍّ؛ قال ابن
أَحمر:
اسْلَمْ بِراوُوقٍ حُيِيتَ به،
وانْعمْ صَباحاً أَيُّها الجَبْرُ
قال: ولم يسمع بالجَبْرِ المَلِكِ إِلا في شعر ابن أَحمر؛ قال: حكى ذلك
ابن جني قال: وله في شعر ابن أَحمر نظائر كلها مذكور في مواضعه. التهذيب:
أَبو عمرو: يقال لِلْمَلِك جَبْرٌ. قال: والجَبْرُ الشُّجاعُ وإِن لم
يكن مَلِكاً. وقال أَبو عمرو: الجَبْرُ الرجل؛ وأَنشد قول ابن أَحمر:
وانْعمْ صَباحاً أَيُّها الجَبْرُ
أَي أَيها الرجل. والجَبْرُ: العَبْدُ؛ عن كراع. وروي عن ابن عباس في
جبريل وميكائيل: كقولك عبدالله وعبد الرحمن؛ الأَصمعي: معنى إِيل هو
الربوبية فأُضيف جبر وميكا إِليه؛ قال أَبو عبيد: فكأَنَّ معناه عبد إِيل، رجل
إِيل. ويقال: جبر عبد، وإِيل هو الله. الجوهري: جَبْرَئيل اسم، يقال هو
جبر أُضيف إِلى إِيل؛ وفيه لغات: جَبْرَئِيلُ مثال جَبْرَعِيل، يهمز ولا
يهمز؛ وأَنشد الأَخفش لكعب ابن مالك:
شَهِدْنا فما تَلْقى لنا من كَتِيبَةٍ،
يَدَ الدَّهرِ، إِلا جَبْرَئِيلٌ أَمامُها
قال ابن بري: ورفع أَمامها على الإِتباع بنقله من الظروف إِلى الأَسماء؛
وكذلك البيت الذي لحسان شاهداً على جبريل بالكسر وحذف الهمزة فإِنه قال:
ويقال جِبريل، بالكسر؛ قال حسان:
وجِبْرِيلٌ رسولُ اللهِ فِينا،
ورُوحُ القُدْسِ ليسَ له كِفاءٌ
وجَبْرَئِل، مقصور: مثال جَبْرَعِلٍ وجَبْرِين وجِبْرِين، بالنون.
والجَبْرُ: خلاف الكسر، جَبَر العظم والفقير واليتيم يَجْبُرُه جَبْراً
وجُبُوراً وجِبَارَةٍ؛ عن اللحياني. وجَبَّرَهُ فَجَبر يَجْبُرُ جَبْراً
وجُبُوراً وانْجَبَرَ واجْتَبَر وتَجَبَّرَ. ويقال: جَبَّرْتُ الكَسِير
أُجَبِّره تَجْبيراً وجَبَرْتُه جَبْراً؛ وأَنشد:
لها رِجْلٌ مجَبَّرَةٌ تَخُبُّ،
وأُخْرَى ما يُسَتِّرُها وجاحُ
ويقال: جَبَرْتُ العظم جَبْراً وجَبَرَ العظمُ بنفسه جُبُوراً أَي
انجَبَر؛ وقد جمع العجاج بين المتعدي واللازم فقال:
قد جَبَر الدِّينَ الإِلهُ فَجَبَرْ
واجْتَبَر العظم: مثل انْجَبَر؛ يقال: جَبَرَ اللهُ فلاناً فاجْتَبَر
أَي سدّ مفاقره؛ قال عمرو بن كلثوم:
مَنْ عالَ مِنَّا بَعدَها فلا اجْتَبَرْ،
ولا سَقَى الماءَ، ولا راءَ الشَّجَرْ
معنى عال جار ومال؛ ومنه قوله تعالى: ذلك أدنى أَن لا تعولوا؛ أَي لا
تجوروا وتميلوا. وفي حديث الدعاء: واجْبُرْني واهدني أَي أَغنني؛ من جَبَرَ
الله مصيبته أَي رَدَّ عليه ما ذهب منه أَو عَوَّضَه عنه، وأَصله من
جَبْرِ الكسر.
وقِدْرٌ إِجْبارٌ: ضدّ قولهم قِدْرٌ إِكْسارٌ كأَنهم جعلوا كل جزء منه
جابراً في نفسه، أَو أَرادوا جمع قِدْرٍ جَبْرٍ وإِن لم يصرحوا بذلك، كما
قالوا قِدْرٌ كَسْرٌ؛ حكاها اللحياني.
والجَبائر: العيدان التي تشدّها على العظم لتَجْبُرَه بها على استواء،
واحدتها جِبارَة وجَبِيرةٌ. والمُجَبِّرُ: الذي يَجْبُر العظام
المكسورة.والجِبارَةُ والجَبيرَة: اليارَقَةُ، وقال في حرف القاف: اليارَقُ
الجَبِيرَةُ والجِبارَةُ والجبيرة أَيضاً: العيدان التي تجبر بها العظام. وفي
حديث عليّ، كرّم الله تعالى وجهه: وجَبَّار القلوب على فِطِراتِها؛ هو من
جبر العظم المكسور كأَنه أَقام القلوب وأَثبتها على ما فطرها عليه من
معرفته والإِقرار به شقيها وسعيدها. قال القتيبي: لم أَجعله من أَجْبَرْتُ
لأَن أَفعل لا يقال فيه فَعَّال، قال: يكون من اللغة الأُخْرَى. يقال:
جَبَرْت وأَجْبَرَتُ بمعنى قهرت. وفي حديث خسف جيش البَيْدَاء: فيهم
المُسْتَبْصِرُ والمَجْبُور وابن السبيل؛ وهذا من جَبَرْتُ لا أَجْبَرْتُ. أَبو
عبيد: الجَبائر الأَسْوِرَة من الذهب والفضة، واحدتها جِبَارة
وجَبِيرَةٌ؛ وقال الأَعشى:
فَأَرَتْكَ كَفّاً في الخِضَا
بِ ومِعصماً، مِثْلَ الجِبَارَهْ
وجَبَرَ الله الدين جَبْراً فَجَبَر جُبُوراً؛ حكاها اللحياني، وأَنشد
قول العجاج:
قَدْ جَبَرَ الدِّينَ الإِلهُ فجبَرْ
والجَبْرُ أَن تُغْنِيَ الرجلَ من الفقر أَو تَجْبُرَ عظمَه من الكسر.
أَبو الهيثم: جَبَرْتُ فاقةَ الرجل إِذا أَغنيته. ابن سيده: وجَبَرَ
الرجلَ أَحسن إِليه. قال الفارسي: جَبَرَه أَغناه بعد فقر، وهذه أَليق
العبارتين. وقد استَجْبَرَ واجْتَبَرَ وأَصابته مصيبة لا يَجْتَبِرُها أَي لا
مَجْبَرَ منها.
وتَجَبَّرَ النبتُ والشجر: اخْضَرَّ وأَوْرَقَ وظهرت فيه المَشْرَةُ وهو
يابس، وأَنشد اللحياني لامرئ القيس:
ويأْكُلْنَ من قوٍّ لَعَاعاً وَرِبَّةً،
تَجَبَّرَ بعدَ الأَكْلِ، فَهْوَ نَمِيصُ
قوّ: موضع. واللعاع: الرقيق من النبات في أَوّل ما ينبت. والرِّبَّةُ:
ضَرْبٌ من النبات. والنَّمِيصُ: النبات حين طلع ورقة؛ وقيل: معنى هذا
البيت أَنه عاد نابتاً مخضرّاً بعدما كان رعي، يعني الرَّوْضَ. وتَجَبَّرَ
النبت أَي نبت بعد الأَكل. وتَجَبَّر النبت والشجر إِذا نبت في يابسه
الرَّطْبُ. وتَجَبَّرَ الكَلأُ أُكل ثم صلح قليلاً بعد الأَكل. قال: ويقال
للمريض: يوماً تراه مُتَجَبِّراً ويوماً تَيْأَسُ منه؛ معنى قوله متجبراً
أَي صالح الحال. وتَجَبَّرَ الرجُل مالاً: أَصابه، وقيل: عاد إِليه ما ذهب
منه؛ وحكى اللحياني: تَجَبَّرَ الرجُل، في هذا المعنى، فلم يُعَدِّه.
التهذيب: تَجَبَّر فلان إِذا عاد إِليه من ماله بعضُ ما ذهب.
والعرب تسمي الخُبْزَ جابِراً، وكنيته أَيضاً أَبو جابر. ابن سيده:
وجابرُ بنُ حَبَّة اسم للخبز معرفة؛ وكل ذلك من الجَبْرِ الذي هو ضد
الكسر.وجابِرَةُ: اسم مدينة النبي، صلى الله عليه وسلم، كأَنها جَبَرَتِ
الإِيمانَ. وسمي النبي، صلى الله عليه وسلم، المدينة بعدة أَسماء: منها
الجابِرَةُ والمَجْبُورَةُ. وجَبَرَ الرجلَ على الأَمر يَجْبُرُه جَبْراً
وجُبُوراً وأَجْبَرَه: أَكرهه، والأَخيرة أَعلى. وقال اللحياني: جَبَرَه لغة
تميم وحدها؛ قال: وعامّة العرب يقولون: أَجْبَرَهُ. والجَبْرُ: تثبيت وقوع
القضاء والقدر. والإِجْبارُ في الحكم، يقال: أَجْبَرَ القاضي الرجلَ على
الحكم إِذا أَكرهه عليه.
أَبو الهيثم: والجَبْرِيَّةُ الذين يقولون أَجْبَرَ اللهُ العبادَ على
الذنوب أَي أَكرههم، ومعاذ الله أَن يُكره أَحداً على معصيته ولكنه علم
ما العبادُ. وأَجْبَرْتُهُ: نسبته إلى الجَبْرِ، كما يقال أَكفرته: نسبته
إِلى الكُفْرِ. اللحياني: أَجْبَرْتُ فلاناً على كذا فهو مُجْبَرٌ، وهو
كلام عامّة العرب، أَي أَكرهته عليه. وتميم تقول: جَبَرْتُه على الأَمر
أَجْبرُهُ جَبْراً وجُبُوراً؛ قال الأَزهري: وهي لغة معروفة. وكان الشافعي
يقول: جَبَرَ السلطانُ، وهو حجازي فصيح. وقيل للجَبْرِيَّةِ جَبْرِيَّةٌ
لأَنهم نسبوا إِلى القول بالجَبْرِ، فهما لغتان جيدتان: جَبَرْتُه
وأَجْبَرْته، غير أَن النحويين استحبوا أَن يجعلوا جَبَرْتُ لجَبْرِ العظم بعد
كسره وجَبْرِ الفقير بعد فاقته، وأَن يكون الإِجْبارُ مقصوراً على
الإِكْراه، ولذلك جعل الفراء الجَبَّارَ من أَجْبَرْتُ لا من جَبَرْتُ، قال:
وجائز أَن يكون الجَبَّارُ في صفة الله تعالى من جَبْرِه الفَقْرَ
بالغِنَى، وهو تبارك وتعالى جابر كل كسير وفقير، وهو جابِرُ دِينِه الذي ارتضاه،
كما قال العجاج:
قد جَبَرَ الدينَ الإِلهُ فَجَبَرْ
والجَبْرُ: خلافُ القَدَرِ. والجبرية، بالتحريك: خلاف القَدَرِيَّة،
وهو كلام مولَّد.
وحربٌ جُبَارٌ: لا قَوَدَ فيها ولا دِيَةَ. والجُبَارُ من الدَّمِ:
الهَدَرُ. وفي الحديث: المَعْدِنُ جُبَارٌ والبِئْرُ جُبَارٌ والعَجْماءُ
جُبَارٌ؛ قال:
حَتَمَ الدَّهْرُ علينا أَنَّهُ
ظَلَفٌ، ما زال منَّا، وجُبَار
وقال تَأَبَّط شَرّاً:
بِهِ من نَجاءِ الصَّيْفِ بِيضٌ أَقَرَّها
جُبَارٌ، لِصُمِّ الصَّخْرِ فيه قَراقِرُ
جُبَارٌ يعني سيلاً. كُلُّ ما أَهْلَكَ وأَفْسَدَ: جُبَارٌ. التهذيب:
والجُبارُ الهَدَرُ. يقال: ذهب دَمُه جُبَاراً. ومعنى الأَحاديث: أَن تنفلت
البهيمة العجماء فتصيب في انفلاتها إِنساناً أَو شيئاً فجرحها هدَر،
وكذلك البئر العادِيَّة يسقط فيها إِنسان فَيَهْلِكُ فَدَمُه هَدَرٌ،
والمَعْدِن إِذا انهارَ على حافره فقتله فدمه هدر. وفي الصحاح: إِذا انهار على
من يعمل فيه فهلك لم يؤخذ به مُستَأْجرُه. وفي الحديث: السائمةُ جُبَار؛
أَي الدابة المرسَلة في رعيها.
ونارُ إِجْبِيرَ، غير مصروف: نار الحُباحِبِ؛ حكاه أَبو علي عن أَبي
عمرو الشيباني. وجُبَارٌ: اسم يوم الثلاثاء في الجاهلية من أَسمائهم
القديمة؛ قال:
أُرَجِّي أَنْ أَعِيشَ، وأَنَّ يَوْمِي
بِأَوَّلَ أَو بِأَهْوَنَ أَو جُبَارِ
أَو التَّالي دُبارِ، فإِنْ يَفُتْني،
فمُؤنِس أَو عَرُوبةَ أَو شِيَارِ
الفراء عن المُفَضَّل: الجُبَارُ يوم الثلاثاء. والجَبَارُ: فِناءُ
الجَبَّان. والجِبَارُ: الملوك، وقد تقدّمَ بذراعِ الجَبَّار. قيل:
الجَبَّارُ المَلِكُ واحدهم جَبْرٌ. والجَبَابِرَةُ: الملوك، وهذا كما يقال هو كذا
وكذا ذراعاً بذراع الملك، وأَحسبه ملكاً من ملوك العجم ينسب إِليه
الذراع.
وجَبْرٌ وجابِرٌ وجُبَيْرٌ وجُبَيْرَةُ وجَبِيرَةُ: أَسماء، وحكى ابن
الأَعرابي: جِنْبَارٌ من الجَبْرِ؛ قال ابن سيده: هذا نص لفظه فلا أَدري من
أَيِّ جَبْرٍ عَنَى، أَمن الجَبْرِ الذي هو ضدّ الكسر وما في طريقه أَم
من الجَبْرِ الذي هو خلاف القَدَرِ؟ قال: وكذلك لا أَدري ما جِنْبَارٌ،
أَوَصْفٌ أَم عَلَم أَم نوع أَم شخص؟ ولولا أَنه قال جِنْبَارٌ، من
الجَبْرِ لأَلحقته بالرباعي ولقلت: إِنها لغة في الجِنبَّارِ الذي هو فرخ
الحُبَارَى أَو مخفف عنه، ولكن قوله من الجَبْرِ تصريحٌ بأَنه ثلاثي، والله
أَعلم.
غلط: الغَلَطُ: أَن تَعْيا بالشيء فلا تَعْرِفَ وجه الصواب فيه، وقد
غَلِطَ في الأمر يَغْلَطُ غَلَطاً وأَغْلَطَه غيره، والعرب تقول: غَلِطَ في
مَنْطِقِه، وغَلِتَ في الحِساب غَلَطاً وغَلَتاً، وبعضهم يجعلُهما لغتين
بمعنىً. قال: والغَلَطُ في الحِساب وكلِّ شيءٍ، والغَلَتُ لا يكون إِلا
في الحساب. قال ابن سيده: ورأَيت ابن جني قد جمعَه على غِلاطٍ، قال: ولا
أَدْري وجْهَ ذلك. وقال الليث: الغَلَطُ كل شيءٍ يَعْيا الإِنسان عن جهة
صوابه من غير تعمد. وقد غالَطَه مُغالَطةً.
والمَغْلَطةُ والأُغْلُوطةُ: الكلام الذي يُغْلَطُ فيه ويُغالَطُ به؛
ومنه قولهم: حَدَّثْتُه حديثاً ليس بالأَغالِيطِ. والتغْلِيطُ: أَن تقول
للرجل غَلِطْتَ. والمَغْلَطةُ والأُغْلُوطةُ: ما يُغالَطُ به من المسائل،
والجمع الأَغالِيطُ. وفي الحديث: أَنه، صلّى اللّه عليه وسلّم، نَهى عن
الغَلُوطاتِ، وفي رواية الأُغْلُوطاتِ؛ قال الهرويّ: الغَلُوطاتُ تُركت
منها الهمزة كما تقول جاء لَحْمَرُ بترك الهمزة، قال: وقد غَلِطَ مَن قال
إِنها جمع غَلُوطةٍ، وقال الخطابي: يقال مسأَلة غَلُوطٌ إِذا كان يُغْلَطُ
فيها كما يقال شاة حَلُوبٌ وفرَس رَكُوب، فإِذا جعلتها اسماً زِدْتَ فيها
الهاء فقلت غَلُوطة كما يقال حَلوبة ورَكوبة، وأَراد المسائل التي
يُغالَطُ بها العلماء ليَزِلُّوا فيَهِيجَ بذلك شَرٌّ وفِتنة، وإِنما نهَى
عنها لأَنها غير نافعة في الدِّين ولا تكاد تكون إِلا فيما لا يقع، ومثله
قول ابن مسعود: أَنْذَرْتُكم صِعابَ المَنْطِق؛ يريد المسائلَ الدَّقيقةَ
الغامِضةَ. فأَما الأُغْلُوطاتُ فهي جمع أُغْلوطة أُفْعولة من الغَلَط
كالأُحْدُوثةِ والأُعْجُوبةِ.
سبق: السَّبْق: القُدْمةُ في الجَرْي وفي كل شيء؛ تقول: له في كل أمر
سُبْقةٌ وسابِقةٌ وسَبْقٌ، والجمع الأَسْباق والسَّوابِقُ. والسَّبْقُ:
مصدر سَبَقَ. وقد سَبَقَه يَسْبُقُه ويَسْبِقُه سَبْقاً: تقدَّمه. وفي
الحديث: أنا سابِقُ العرب، يعني إلى الإسلام، وصُهَيْبٌ سابقُ الرُّوم،
وبِلالٌ سابقُ الحبَشة، وسلْمانُ سابقُ الفُرْس؛ وسابَقْتُه فسَبَقْتُه.
واسْتَبَقْنا في العَدْوِ أي تَسابَقْنا. وقوله تعالى: ثم أوْرَثْنا الكتابَ
الذين اصطَفَيْنا مِنْ عبادِنا فمنهم ظالم لِنَفْسِه ومنهم مُقْتصد ومنهم
سابِقٌ بالخيرات بإذن الله؛ رُوِيَ فيه عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أنه
قال: سابِقُنا سابِقٌ، ومقْتصِدُنا ناجٍ، وظالِمُنا مغفورٌ له، فدلَّك
ذلك على أن المؤمنين مغفور لمقْتَصدهم وللظالم لنفسه منهم. ويقال: له
سابِقةٌ في هذا الأَمر إذا سَبَق الناسَ إليه. وقوله تعالى: سَبْقاً؛ قال
الزجاج: هي الخيل، وقيل السابقات أرواح المؤمنين تخرج بسهولة، وقيل:
السابقات النجوم، وقيل: الملائكة تَسْبِق الشياطين بالوحي إلى الأَنبياء، عليهم
الصلاة والسلام، وفي التهذيب: تَسْبِق الجنَّ باستماع الوحي. ولا
يَسْبِقونه بالقول: لا يقولون بغير علم حتى يُعَلِّمهم؛ وسابَقَه مُسابَقَةً
وسِباقاً. وسِبْقك: الذي يُسابِقُك، وهم سِبْقي وأسْباقي. التهذيب: العرب
تقول للذي يَسْبِقُ من الخيل سابِقٌ وسَبُوق، وإذا كان يُسْبَق فهو
مُسَبَّق؛ قال الفرزدق:
من المُحْرِزينَ المَجْدَ يومَ رِهانِه،
سَبُوقٌ إلى الغاياتِ غير مُسَبَّق
وسَبَقَت الخيلُ وسابَقْتُ بينها إذا أرسلتها وعليها فُرْسانُها لتنظر
أيّها يَسْبِق. والسُّبَّق من النخل: المبَكِّرة بالحمل. والسَّبْق
والسابِقةُ: القُدْمة.
وأسْبَقَ القومُ إلى الأَمر وتَسابَقوا: بادروا. والسَّبَق، بالتحريك:
الخطَرُ الذي بوضع بين أهل السِّباق، وفي التهذيب: الذي يوضع في النِّضال
والرِّهان في الخيل، فمن سعبَق أخذه، والجمع أسباق. واسْتَبَق القومُ
وتَسابَقخوا: تَخاطَرُوا. وتَسابَقُوا: تناضلوا. ويقال: سَبَّق إذا أخذ
السَّبَق، وسَبَّقَ إذا أعطى السَّبَق، وهذا من الأضداد، وهو نادر، وفي
الحديث: أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: لا سبَق إلا في خُفٍّ أو نَصْل أو
حافر، فالخفّ للإبل، والحافر للخيل، والنصال للرَّمْي. والسَّبَق، بفتح
الباء: ما يجعل من المال رَهْناً على المُسابَقةِ، وبالسكون: مصدر
سَبَقْت أسْبِق؛ المعنى لا يحل أخذ المال بالمُسابَقةِ إلا في هذه الثلاثة، وقد
ألحق بها الفقهاء ما كان يمعناها وله تفصيل في كتب الفقه. وفي حديث آخر:
مَنْ أدْخَلَ فَرَساً بين فَرَسَيْنِ فإن كان يْؤْمَنُ أن يُسْبَق فلا
خير فيه، وإن كان لا يؤمَن أن يُسْبَعق فلا بأْس به. قال أبو عبيد: الأَصل
أن يَسْبِقَ الرجلُ صاحبَه بشيء مسمى على أنه إن سَبَق فلا شيء له، وإن
سَبَقه صاحبُه أخذ الرهن، فهذا هو الحلال لأن الرهن من أحدهما دون الآخر،
فإن جعل كل واحد منهما لصاحبه رهناً أيّهما سَبَق أخذه فهو القِمارُ
المنهي عنه، فإن أرادا تحليل ذلك جعلا معهما فَرَساً ثالثاً لرجل سواهما،
وتكون فرسه كُفُؤاً لفرسَيْهما، ويسمى المُحَلِّلَ والدَّخِيلَ، فيضع
الرجلان الأَوّلان رَهْنَيْنِ منهما ولا يضع الثالث شيئاً، ثم يُرْسِلون
الأَفْراسَ الثلاثة، فإن سبق أحدُ الأَوّلين أخذ رَهْنَه ورَهْنَ صاحبه فكان
طَيِّباً له، وإن سَبَقَ الدخيلُ أخذ الرَّهْنَيْنِ جميعاً، وإن سُبِق هو
لم يغرم شيئاً، فهذا معنى الحديث. وفي الحديث: أنه أمَرَ بإجراء الخيل
وسَبَّقَها ثلاثة أعْذُقٍ من ثلاث نخلات؛ سَبَّقَها: بمعنى أعطى السَّبَق،
وقد يكون بمعنى أخذ، وهو من الأَضداد، ويكون مخففاً وهو المال المُعَيّن.
وقوله تعالى: إنَّا ذهبنا نِسْتَبِق؛ قيل: معناه نتَناضَل، وقيل: هو
نفتعل من السَّبْق. واسْتَبقا البابَ: يعني تَسابَقا إليه مثل قولك اقتتلا
بمعنى تَقاتلا؛ ومنه قوله تعالى: فاسْتَبِقُوا الخيرات؛ أي بادِرُوا
إليها؛ وقوله: فاسْتَبَقُوا الصراطَ؛ أي جاوَزُوه وتركوه حتى ضلّوا؛ وهم لها
سَابِقون، أي إليها سابِقون كما قال تعالى: بأنَّ رَبَّكَ أوْحى لها، أي
إليها. الأَزهري: جاء الاسْتباق في كتاب الله تعالى بثلاثة معان مختلفة:
أحدها قوله عز وجل: إنَّا ذَهَبْنا نَسْتَبِق، قال المفسرون: معناه
نَنْتَضل في الرمي، وقوله عز وجل: واسْتَبَقا البابَ؛ معناه ابْتَدَرا البابَ
يجتهد كل واحد منهما أن يَسْبِقَ صاحبه، فإن سَبَقَها يوسفُ فتح البابَ
وخرج ولم يُجِبْها إلى ما طلبته منه، وإن سَبَقَتْ زَلِيخا أغْلَقَت الباب
دونه لتُراوِدَه عن نفسه، والمعنى الثالث في قوله تعالى: ولو نشاء
لَطَمَسْنا على أعْيُنِهم فاسْتَبَقوا الصراطَ فأَنَّى يُبْصِرون؛ معناه فجازوا
الصراط وخَلّفوه، وهذا الاسْتباق في هذه الآية من واحد والوجهان
الأَولان من اثنين، لأن هذا بمعنى سَبَقُوا والأَوّلان بمعنى المُسابَقة. وقوله:
اسْتَقِيموا فقد سَبَقْتُم سَبْقاً بَعيداً؛ يروى بفتح السين وضمها على
ما لم يسم فاعله، والأَول أولى لقوله بعده: وإن أخَذْتم يميناً وشمالاً
فقد ضلَلْتم. وفي حديث الخوارج: سَبَقَ الفَرْثَ والدَّمَ أي مرَّ سريعاً
في الرمِيّة وخرج منها لم يَعْلَقْ منها بشيء من فَرْثِها ودَمِها
لسرعته؛ شبَّه خروجَهم من الدِّين ولم يَعْلَقوا بشيء منه به. وسَبَقَ على
قومِه: علاهم كَرَماً. وسِبَاقا البازي: قيْداه، وفي المحكم: والسِّبَاقانِ
قَيْدانِ في رِجْل الجارح من الطير من سير أو غيره. وسَبَّقْت الطَّير إذا
جعلت السِّبَاقَيْنِ في رجليه.
غرر: غرّه يغُرُّه غَرًّا وغُروراً وغِرّة؛ الأَخيرة عن اللحياني، فهو
مَغرور وغرير: خدعه وأَطعمه بالباطل؛ قال:
إِن امْرَأً غَرّه منكن واحدةٌ،
بَعْدِي وبعدَكِ في الدنيا، لمغرور
أَراد لمغرور جدًّا أَو لمغرور جِدَّ مغرورٍ وحَقَّ مغرورٍ، ولولا ذلك
لم يكن في الكلام فائدة لأَنه قد علم أَن كل من غُرّ فهو مَغْرور، فأَيُّ
فائدة في قوله لمغرور، إِنما هو على ما فسر. واغْتَرَّ هو: قَبِلَ
الغُرورَ. وأَنا غَرَرٌ منك، أَي مغرور وأَنا غَرِيرُك من هذا أَي أَنا الذي
غَرَّك منه أَي لم يكن الأَمر على ما تُحِبّ. وفي الحديث: المؤمِنُ غِرٌّ
كريم أَي ليس بذي نُكْر، فهو ينْخَدِع لانقياده ولِينِه، وهو ضد الخَبّ.
يقال: فتى غِرٌّ، وفتاة غِرٌّ، وقد غَرِرْتَ تَغَرُّ غَرارةً؛ يريد أَن
المؤمن المحمودَ منْ طَبْعُه الغَرارةُ وقلةُ الفطنة للشرّ وتركُ البحث
عنه، وليس ذلك منه جهلاً، ولكنه كَرَمٌ وحسن خُلُق؛ ومنه حديث الجنة:
يَدْخُلُني غِرّةُ الناس أَي البُلْه الذين لم يُجَرِّبوا الأُمور فهم قليلو
الشرِّ منقادون، فإِنَ منْ آثرَ الخمولَ وإِصلاحَ نفسه والتزوُّدَ لمعاده
ونَبَذَ أُمور الدنيا فليس غِرًّا فيما قَصَد له ولا مذموماً بنوع من
الذم؛ وقول طرفة:
أَبا مُنْذِرٍ، كانت غُروراً صَحِيفتي،
ولم أُعْطِكم، في الطَّوْعِ، مالي ولا عِرْضِي
إِنما أَراد: ذات غُرورٍ لا تكون إِلا على ذلك. قاله ابن سيده قال: لأَن
الغُرور عرض والصحيفة جوهر والجوهر لا يكون عرضاً.
والغَرورُ: ما غَرّك من إِنسان وشيطان وغيرهما؛ وخص يعقوب به الشيطان.
وقوله تعالى: ولا يغُرَّنَّكم بالله الغَرور؛ قيل: الغَرور الشيطان، قال
الزجاج: ويجوز الغُرور، بضم الغين، وقال في تفسيره: الغُرور الأَباطيل،
ويجوز أَن يكون الغُرور جمع غارٍّ مثل شاهد وشُهود وقاعد وقُعود، والغُرور،
بالضم: ما اغْتُرَّ به من متاع الدنيا. وفي التنزيل العزيز: لا
تَغُرَّنَّكم الحياةُ الدنيا؛ يقول: لا تَغُرَّنَّكم الدنيا فإِن كان لكم حظ فيها
يَنْقُص من دينكم فلا تُؤْثِروا ذلك الحظّ ولا يغرَّنَّكم بالله الغَرُور.
والغَرُور: الشيطان يَغُرُّ الناس بالوعد الكاذب والتَّمْنِية. وقال
الأَصمعي: الغُرور الذي يَغُرُّك. والغُرور، بالضم: الأَباطيل، كأَنها جمع
غَرٍّ مصدر غَرَرْتُه غَرًّا، قال: وهو أَحسن من أَن يجعل غَرَرْت غُروراً
لأَن المتعدي من الأَفعال لا تكاد تقع مصادرها على فُعول إِلا شاذّاً، وقد
قال الفراء: غَرَرْتُه غُروراً، قال: وقوله: ولا يَغُرّنّكم بالله
الغَرور، يريد به زينة الأَشياء في الدنيا. والغَرُور: الدنيا، صفة غالبة. أَبو
إِسحق في قوله تعالى: يا أَيها الإِنسان ما غَرَّكَ بربِّك الكريم؛ أَي
ما خدَعَك وسوَّل لك حتى أَضَعْتَ ما وجب عليك؛ وقال غيره: ما غرّك أَي ما
خدعك بربِّك وحملك على معصِيته والأَمْنِ من عقابه فزيَّن لك المعاصي
والأَمانيَّ الكاذبة فارتكبت الكبائر، ولم تَخَفْه وأَمِنْت عذابه، وهذا
توبيخ وتبكيت للعبد الذي يأْمَنُ مكرَ ولا يخافه؛ وقال الأَصمعي: ما
غَرَّك بفلان أَي كيف اجترأْت عليه. ومَنْ غَرَّك مِنْ فلان ومَنْ غَرَّك
بفلان أَي من أَوْطأَك منه عَشْوةً في أَمر فلان؛ وأَنشد أَبو الهيثم:
أَغَرَّ هشاماً، من أَخيه ابن أُمِّه،
قَوادِمُ ضَأْنٍ يَسَّرَت ورَبيعُ
قال: يريد أَجْسَرَه على فراق أَخيه لأُمِّه كثرةُ غنمِه وأَلبانِها،
قال: والقوادم والأَواخر في الأَخْلاف لا تكون في ضروع الضأْن لأَن للضأْن
والمعز خِلْفَيْنِ مُتحاذِيَينِ وما له أَربعة أَخلاف غيرهما،
والقادِمان: الخِلْفان اللذان يَليان البطن والآخِران اللذان يليان الذَّنَب فصيّره
مثلاً للضأْن، ثم قال: أَغرّ هشاماً لضأْن
(*قوله« لضأْن» هكذا بالأصل
ولعله قوادم لضأن) .له يَسَّرت وظن أَنه قد استغنى عن أَخيه وقال أَبو
عبيد: الغَرير المَغْرور. وفي حديث سارِق أَبي بكر، رضي اللَّه عنه:
عَجِبْتُ مِن غِرّتِه بالله عز وجل أَي اغترارِه.
والغَرارة من الغِرِّ، والغِرّة من الغارّ، والتَّغرّة من التَّغْرير،
والغارّ: الغافل. التهذيب: وفي حديث عمر، رضي اللَّه عنه: أَيّما رجل
بايعَ آخَرَ على مشورة
(* قوله « على مشورة» هو هكذا في الأصل، ولعله على غير
مشورة. وفي النهاية بايع آخر فانه لا يؤمر إلخ) . فإِنه لا يُؤَمَّرُ
واحدٌ منهما تَغرَّةَ أَن يُقْتَلا؛ التَّغرَّة مصدر غَرَرْته إِذا أَلقيته
في الغَرَر وهو من التَّغْرير كالتَّعِلّة من التعليل؛ قال ابن الأَثير:
وفي الكلام مضاف محذوف تقديره خوف تَغرَّةٍ في أَن يُقْتَلا أَي خوف
وقوعهما في القتل فحَذَف المضافَ الذي هو الخوف وأَقام المضاف إِليه الذي هو
ثَغِرّة مقامه، وانتصب على أَنه مفعول له، ويجوز أَن يكون قوله أَن
يُقْتَلا بدلاً من تَغِرّة، ويكون المضاف محذوفاً كالأَول، ومن أَضاف ثَغِرّة
إِلى أَن يُقْتَلا فمعناه خوف تَغِرَّةِ قَتْلِهما؛ ومعنى الحديث: أَن
البيعة حقها أَن تقع صادرة عن المَشُورة والاتفاقِ، فإِذا اسْتبدَّ رجلان
دون الجماعة فبايَع أَحدُهما الآخرَ، فذلك تَظاهُرٌ منهما بشَقّ العصا
واطِّراح الجماعة، فإِن عُقدَ لأَحد بيعةٌ فلا يكون المعقودُ له واحداً
منهما، وليْكونا معزولين من الطائفة التي تتفق على تمييز الإِمام منها،
لأَنه لو عُقِد لواحد منهما وقد ارتكبا تلك الفَعْلة الشنيعة التي أَحْفَظَت
الجماعة من التهاوُن بهم والاستغناء عن رأْيهم، لم يُؤْمَن أَن يُقْتلا؛
هذا قول ابن الأَثير، وهو مختصر قول الأَزهري، فإِنه يقول: لا يُبايع
الرجل إِلا بعد مشاورة الملإِ من أَشراف الناس واتفاقهم، ثم قال: ومن بايع
رجلاً عن غير اتفاق من الملإِ لم يؤمَّرْ واحدٌ منهما تَغرّةً بمكر
المؤمَّر منهما، لئلا يُقْتَلا أَو أَحدهما، ونَصب تَغِرّة لأَنه مفعول له وإِن
شئت مفعول من أَجله؛ وقوله: أَن يقتلا أَي حِذارَ أَن يقتلا وكراهةَ أَن
يقتلا؛ قال الأَزهري: وما علمت أَحداً فسر من حديث عمر، رضي الله عنه، ما
فسرته، فافهمه.
والغَرِير: الكفيل. وأَنا غَرِير فلان أَي كفيله. وأَنا غَرِيرُك من
فلان أَي أُحذِّرُكَه، وقال أَبو نصر في كتاب الأَجناس: أَي لن يأْتيك منه
ما تَغْتَرُّ به، كأَنه قال: أَنا القيم لك بذلك. قال أَبو منصور: كأَنه
قال أَنا الكفيل لك بذلك؛ وأَنشد الأَصمعي في الغَرِير الكفيل رواه ثعلب
عن أَبي نصر عنه قال:
أَنت لخيرِ أُمّةٍ مُجيرُها،
وأَنت مما ساءها غَرِيرُها
أَبو زيد في كتاب الأَمثال قال: ومن أَمثالهم في الخِبْرة ولعلم: أَنا
غَرِيرُك من هذا الأَمر أَي اغْترَّني فسلني منه على غِرّةٍ أَي أَني عالم
به، فمتى سأَلتني عنه أَخبرتك به من غير استعداد لذلك ولا روِيّة فيه.
وقال الأَصمعي في هذا المثل: معناه أَنك لستَ بمغرور مني لكنِّي أَنا
المَغْرور، وذلك أَنه بلغني خبرٌ كان باطلاً فأَخْبَرْتُك به، ولم يكن على ما
قلتُ لك وإِنما أَدَّيت ما سمعتُ. وقال أَبو زيد: سمعت أَعرابيا يقول
لآخر: أَنا غريرك مِن تقولَ ذلك، يقول من أَن تقول ذلك، قال: ومعناه
اغْترَّني فسَلْني عن خبره فإِني عالم به أُخبرك عن أمره على الحق والصدق. قال:
الغُرور الباطل؛ وما اغْتَرَرْتَ به من شيء، فهو غَرُور. وغَرَّرَ بنفسه
ومالِه تَغْريراً وتَغِرّةً: عرَّضهما للهَلَكةِ من غير أَن يَعْرِف،
والاسم الغَرَرُ، والغَرَرُ الخَطَرُ. ونهى رسول اللَّه ،صلى الله عليه
وسلم، عن بيع الغَرَرِ
وهو مثل بيع السمك في الماء والطير في الهواء. والتَّغْرير: حمل النفس
على الغَرَرِ، وقد غرَّرَ بنفسه تَغْرِيراً وتَغِرّة كما يقال حَلَّل
تَحْلِيلاً وتَحِلَّة وعَلّل تَعِْليلاً وتَعِلّة، وقيل: بَيْعُ الغَررِ
المنهيُّ عنه ما كان له ظاهرٌ يَغُرُّ المشتري وباطنٌ مجهول، يقال: إِياك
وبيعَ الغَرَرِ؛ قال: بيع الغَرَر أَن يكون على غير عُهْدة ولا ثِقَة. قال
الأَزهري: ويدخل في بيع الغَرَرِ البُيوعُ المجهولة التي لا يُحيط
بكُنْهِها المتبايِعان حتى تكون معلومة. وفي حديث مطرف: إِن لي نفساً واحدة
وإِني أَكْرهُ أَن أُغَرِّرَ بها أَي أَحملها على غير ثقة، قال: وبه سمي
الشيطان غَرُوراً لأَنه يحمل الإِنسان على مَحابِّه ووراءَ ذلك ما يَسوءه،
كفانا الله فتنته. وفي حديث الدعاء: وتَعاطِي ما نهيت عنه تَغْريراً أَي
مُخاطرةً وغفلة عن عاقِبة أَمره. وفي الحديث: لأَنْ أَغْتَرَّ بهذه الآية ولا
أُقاتلَ أَحَبُّ إِليّ مِنْ أَن أَغْتَرَّ بهذه الأية؛ يريد قوله تعالى:
فقاتِلُوا التي تبغي حتى تَفيءَ إلى أَمر الله، وقوله: ومَنْ يَقْتَلْ
مؤمناً مُتَعَمِّداً؛ المعنى أَن أُخاطِرَ بتركي مقتضى الأَمر بالأُولى
أَحَبُّ إِليّ مِن أَن أُخاطِرَ بالدخول تحت الآية الأُخرى.
والغُرَّة، بالضم: بياض في الجبهة، وفي الصحاح: في جبهة الفرس؛ فرس
أَغَرُّ وغَرّاء، وقيل: الأَغَرُّ من الخيل الذي غُرّتُه أَكبر من الدرهم،
وقد وَسَطَت جبهَته ولم تُصِب واحدة من العينين ولم تَمِلْ على واحد من
الخدّينِ ولم تَسِلْ سُفْلاً، وهي أَفشى من القُرْحة، والقُرْحة قدر الدرهم
فما دونه؛ وقال بعضهم: بل يقال للأَغَرّ أَغَرُّ أَقْرَح لأَنك إِذا قلت
أَغَرُّ فلا بد من أَن تَصِف الغُرَّة بالطول والعِرَض والصِّغَر
والعِظَم والدّقّة، وكلهن غُرَر، فالغرّة جامعة لهن لأَنه يقال أَغرُّ أَقْرَح،
وأَغَرُّ مُشَمْرَخُ الغُرّة، وأَغَرُّ شادخُ الغُرّة، فالأَغَرُّ ليس
بضرب واحد بل هو جنس جامع لأَنواع من قُرْحة وشِمْراخ ونحوهما. وغُرّةُ
الفرسِ: البياضُ الذي يكون في وجهه، فإن كانت مُدَوَّرة فهي وَتِيرة، وإن
كانت طويلة فهي شادِخةٌ. قال ابن سيده: وعندي أَن الغُرّة نفس القَدْر الذي
يَشْغَله البياض من الوجه لا أَنه البياض. والغُرْغُرة، بالضم: غُرَّة
الفرس. ورجل غُرغُرة أَيضاً: شريف. ويقال بِمَ غُرّرَ فرسُك؟ فيقول صاحبه:
بشادِخةٍ أَو بوَتِيرةٍ أَو بِيَعْسوبٍ. ابن الأَعرابي: فرس أَغَرُّ،
وبه غَرَرٌ، وقد غَرّ يَغَرُّ غَرَراً، وجمل أَغَرُّ وفيه غَرَرٌ وغُرور.
والأَغَرُّ: الأَبيض من كل شيء. وقد غَرَّ وجهُه يَغَرُّ، بالفتح، غَرَراً
وغُرّةً وغَرارةً: صار ذا غُرّة أَو ابيضَّ؛ عن ابن الأَعرابي، وفكَّ
مرةً الإِدغام ليُري أَن غَرَّ فَعِل فقال غَرِرْتَ غُرّة، فأَنت أَغَرُّ.
قال ابن سيده: وعندي أَن غُرّة ليس بمصدر كما ذهب إِليه ابن الأَعرابي
ههنا، وإِنما هو اسم وإِنما كان حكمه أَن يقول غَرِرْت غَرَراً، قال: على
أَني لا أُشاحُّ ابنَ الأَعرابي في مثل هذا. وفي حديث عليّ، كرم الله تعالى
وجهه: اقْتُلوا الكلبَ الأَسْودَ ذا الغُرّتين؛ الغُرّتان: النُّكْتتان
البَيْضاوانِ فوق عينيه. ورجل أَغَرُّ: كريم الأَفعال واضحها، وهو على
المثل. ورجل أَغَرُّ الوجه إذا كان أَبيض الوجه من قوم غُرٍّ وغُرّان؛ قال
امرؤ القيس يمدح قوماً:
ثِيابُ بني عَوْفٍ طَهارَى نَقِيّةٌ،
وأَوجُهُهم بِيضُ المَسافِر غُرّانُ
وقال أَيضاً:
أُولئكَ قَوْمي بَهالِيلُ غُرّ
قال ابن بري: المشهور في بيت امرئ القيس:
وأَوجُههم عند المَشاهِد غُرّانُ
أَي إذا اجتمعوا لِغُرْم حَمالةٍ أَو لإِدارة حَرْب وجدتَ وجوههم
مستبشرة غير منكرة، لأَن اللئيم يَحْمَرُّ وجهه عندها يسائله السائل، والكريم
لا يتغيّر وجهُه عن لونه قال: وهذا المعنى هو الذي أَراده من روى بيض
المسافر. وقوله: ثياب بني عوف طهارَى، يريد بثيابهم قلوبهم؛ ومنه قوله تعالى:
وثِيابَك فطَهِّرْ. وفي الحديث: غُرٌّ محجلون من آثارِ الوُضوء؛
الغُرُّ: جمع الأَغَرّ من الغُرّة بياضِ الوجه، يريد بياضَ وجوههم الوُضوء يوم
القيامة؛ وقول أُمّ خالد الخَثْعَمِيّة:
ليَشْرَبَ جَحْوَشٌ ، ويَشِيمهُ
بِعَيْني قُطامِيٍّ أَغَرّ شآمي
يجوز أَن تعني قطاميًّا أَبيض، وإِن كان القطامي قلما يوصف بالأَغَرّ،
وقد يجوز أَن تعني عنُقَه فيكون كالأَغَرّ بين الرجال، والأَغَرُّ من
الرجال: الذي أَخَذت اللحيَةُ جميعَ وجهه إِلا قليلاً كأَنه غُرّة؛ قال عبيد
بن الأَبرص:
ولقد تُزانُ بك المَجا
لِسُ، لا أَغَرّ ولا عُلاكزْ
(* قوله «ولا علاكز» هكذا هو في الأصل فلعله علاكد، بالدال بلد الزاي) .
وغُرّة الشيء: أَوله وأَكرمُه. وفي الحديث: ما أَجدُ لما فَعَل هذا في
غُرَّةِ الإِسلام مَثَلاً إِلا غنماً وَرَدَتْ فرُمِيَ أَوّلُها فنَفَر
آخِرُها؛ وغُرّة الإِسلام: أَوَّلُه. وغُرَّة كل شيء: أَوله. والغُرَرُ:
ثلاث ليال من أَول كل شهر. وغُرّةُ الشهر: ليلةُ استهلال القمر لبياض
أَولها، وقيل: غُرّةُ الهلال طَلْعَتُه، وكل ذلك من البياض. يقال: كتبت
غُرّةَ شهر كذا. ويقال لثلاث ليال من الشهر: الغُرَر والغُرُّ، وكل ذلك
لبياضها وطلوع القمر في أَولها، وقد يقال ذلك للأَيام. قال أَبو عبيد: قال غير
واحد ولا اثنين: يقال لثلاث ليال من أَول الشهر: ثلاث غُرَر، والواحدة
غُرّة، وقال أَبو الهيثم: سُمِّين غُرَراً واحدتها غُرّة تشبيهاً بغُرّة
الفرس في جبهته لأَن البياض فيه أَول شيء فيه، وكذلك بياض الهلال في هذه
الليالي أَول شيء فيها. وفي الحديث: في صوم الأَيام الغُرِّ؛ أَي البيض
الليالي بالقمر. قال الأَزهري: وأَما اللَّيالي الغُرّ التي أَمر النبي،صلى
الله عليه وسلم ، بصومها فهي ليلة ثلاثَ عَشْرةَ وأَربعَ عَشْرةَ وخمسَ
عَشْرةَ، ويقال لها البيض، وأَمر النبي، صلى الله عليه وسلم، بصومها
لأَنه خصها بالفضل؛ وفي قول الأَزهري: الليالي الغُرّ التي أَمر النبي، صلى
الله عليه وسلم، بصومها نَقْدٌ وكان حقُّه أَن يقول بصوم أَيامها فإِن
الصيام إِنما هو للأَيام لا لليالي، ويوم أَغَرُّ: شديد الحرّ؛ ومنه قولهم:
هاجرة غَرّاء ووَدِيقة غَرّاء؛ ومنه قول الشاعر:
أَغَرّ كلون المِلْحِ ضاحِي تُرابه،
إذا اسْتَوْدَقَت حِزانُه وضياهِبُه
(* قوله «وضياهبه» هو جمع ضيهب كصيقل، وهو كل قف أو حزن أو موضع من
الجبل تحمى عليه الشمس حتى يشوى عليه اللحم. لكن الذي في الاساس: سباسبه، وهي
جمع سبسب بمعنى المفازة) .
قال وأنشد أَبو بكر:
مِنْ سَمُومٍ كأَنّها لَفحُ نارٍ،
شَعْشَعَتْها ظَهيرةٌ غَرّاء
ويقال: وَدِيقة غَرّاء شديدة الحرّ؛ قال:
وهاجرة غَرّاء قاسَيْتُ حَرّها
إليك، وجَفْنُ العينِ بالماء سابحُ
(* قوله «بالماء» رواية الاساس: في الماء) .
الأَصمعي: ظَهِيرة غَرّاء أَي هي بيضاء من شدّة حر الشمس، كما يقال
هاجرة شَهْباء. وغُرّة الأَسنان: بياضُها. وغَرَّرَ الغلامُ: طلع أَوّلُ
أَسنانه كأَنه أَظهر غُرّةَ أَسنانِه أَي بياضها. وقيل: هو إذا طلعت أُولى
أَسنانه ورأَيت غُرّتَها، وهي أُولى أَسنانه. ويقال: غَرَّرَت ثَنِيَّنا
الغلام إذا طلعتا أَول ما يطلعُ لظهور بياضهما، والأَغَرُّ: الأَبيض، وقوم
غُرّان. وتقول: هذا غُرّة من غُرَرِ المتاع، وغُرّةُ المتاع خيارُه
ورأْسه، وفلان غُرّةٌ من غُرَرِ قومه أَي شريف من أَشرافهم. ورجل أَغَرُّ:
شريف، والجمع غُرُّ وغُرَّان؛ وأَنشد بيت امرئ القيس:
وأَوْجُهُهم عند المشاهد غُرّان
وهو غرة قومِه أَي سّيدهُم، وهم غُرَرُ قومهم. وغُرّةُ النبات: رأْسه.
وتَسَرُّعُ الكَرْمِ إلى بُسُوقِه: غُرّتُه؛ وغُرّةُ الكرم: سُرْعةُ
بُسوقه. وغُرّةُ الرجل: وجهُه، وقيل: طلعته ووجهه. وكل شيء بدا لك من ضوء أَو
صُبْح، فقد بدت لك غُرّته. ووَجْهٌ غريرٌ: حسن، وجمعه غُرّان؛ والغِرُّ
والغرِيرُ: الشابُّ الذي لا تجربة له، والجمع أَغِرّاء وأَغِرّة والأُنثى
غِرٌّ وغِرّة وغَريرة؛ وقد غَرِرْتَ غَرارَةٌ، ورجل غِرٌّ، بالكسر،
وٌغرير أَي غير مجرّب؛ وقد غَرّ يَغِرُّ، بالكسر، غرارة، والاسم الغِرّة.
الليث: الغِرُّ كالغِمْر والمصدر الغَرارة،وجارية غِرّة. وفي الحديث:
المؤمنُ غِرٌّ كَريم الكافرُ خَبٌّ لَئِيم؛ معناه أَنه ليس بذي نَكراء،
فالغِرُّ الذي لا يَفْطَن للشرّ ويغفلُ عنه، والخَبُّ ضد الغِرّ، وهو الخَدّاع
المُفْسِد، ويَجْمَع الغِرَّ أَغْرارٌ، وجمع الغَرِير أَغرّاء. وفي الحديث
ظبيان: إنّ ملوك حِمْير مَلَكُوا مَعاقِلَ الأَرض وقرَارَها ورؤوسَ
المُلوكِ وغِرارَها. الغِرار والأَغْرارُ جمع الغِرّ. وفي حديث ابن عمر: إنّك
ما أَخَذْتَها بَيْضاءَ غَرِيرة؛ هي الشابة الحديثة التي لم تجرِّب
الأُمور. أَبو عبيد: الغِرّة الجارية الحديثة السِّنِّ التي لم تجرِّب
الأُمور ولم تكن تعلم ما يعلم النساء من الحُبِّ، وهي أَيضاً غِرٌّ، بغير هاء؛
قال الشاعر:
إن الفَتَاةَ صَغِيرةٌ
غِرٌّ، فلا يُسْرَى بها
الكسائي: رجل غِرٌّ وامرأَة غِرٌّ بيِّنة الغَرارة، بالفتح، من قوم
أَغِرّاء؛ قال: ويقال من الإنسان الغِرّ: غَرَرْت يا رجل تَغِرُّ غَرارة، ومن
الغارّ وهو الغافل اغْتَرَرْت. ابن الأَعرابي: يقال غَرَرْت بَعْدي
تَغُِ غَرارَة فأَت غِرُّ والجارية غِرٌّ إذا تَصابَى. أَبو عبيد: الغَريرُ
المَغْرور والغَرارة من الغِرّة والغِرَّة من الغارّ والغَرارةُ والغِرّة
واحدٌ؛ الغارّ: الغافل والغِرَّة الغفلة، وقد اغْتَرّ، والاسم منهما
الغِرة. وفي المثل: الغِرَّة تَجْلُب الدِّرَّة أَي الغفلة تجلب الرزق، حكاه
ابن الأَعرابي. ويقال: كان ذلك في غَرارتي وحَداثتي أَي في غِرّتي.
واغْتَرّه أَي أَتاه على غِرّة منه. واغْترَّ بالشيء: خُدِع به. وعيش غَرِيرٌ:
أَبْله يُفَزِّع أَهله. والغَريِر الخُلُق: الحسن. يقال للرجل إِذا
شاخَ: أَدْبَرَ غَريرهُ وأَقْبَل هَريرُه أَي قد ساء خلُقه.
والغِرارُ: حدُّ الرمح والسيف والسهم. وقال أَبو حنيفة: الغِراران
ناحيتا المِعْبلة خاصة. غيره: والغِراران شَفْرتا السيف وكل شيء له حدٌّ،
فحدُّه غِرارُه، والجمع أَغِرّة، وغَرُّ السيف حدّه؛ ،منه قول هِجْرِس بن
كليب حين رأَى قاتِلَ أَبيه: أَما وسَيْفِي وغَرَّيْه أَي وحَدّيه. ولَبِثَ
فلان غِرارَ شهر أَي مكث مقدارَ شهر. ويقال: لَبِث اليومُ غِرارَ شهر أَي
مِثالَ شهر أَي طُول شهر، والغِرارُ: النوم القليل، وقيل: هوالقليل من
النوم وغيره. وروى الأَوزاعي عن الزهري أَنه قال: كانوا لا يَرَون
بغرار النَّوْم بأْساً حتى لا يَنْقض الوضوءَ أَي لا ينقض قليلُ النوم الوضوء.
قال الأَصمعي: غِرارُ النوم قلّتُه؛ قال الفرزدق في مرثية الحجاج:
إن الرَّزِيّة من ثَقيفٍ هالكٌ
تَرَك العُيونَ ، فنَوْمُهُن غِرارُ
أَي قليل. وفي حديث النبي، صلى الله عليه وسلم: لا غِرار في صلاة ولا
تسليم؛ أَي لا نقصان. قال أَبو عبيد: الغرارُ في الصلاة النقصان في ركوعها
وسجودها وطُهورها وهو أَن لا يُتِمَّ ركوعها وسجودها. قال أَبو عبيد:
فمعنى الحديث لا غِرار في صلاة أَي لا يُنْقَص من ركوعها ولا من سجودها ولا
أَركانها، كقول سَلْمان: الصلاة مكيال فمن وَفَّى وُفِّيَ له، ومن طَفّفَ
فقد علمتم ما قال الله في المُطَفِّفِين؛ قال: وأَما الغِرَارُ في التسليم
فنراه أَن يقول له: السَّلام عليكم، فَيَرُدُّ عليه الآخر: وعليكم، ولا
يقول وعليكم السلام؛ هذا من التهذيب. قال ابن سيده: وأَما الغِرارُ في
التّسليم فنراه أَن يقول سَلامٌ عليكَ أَو يَرُدَّ فيقول وعليك ولا يقول
وعليكم، وقيل: لا غِرَارَ في الصلاة ولا تَسليم فيها أَي لا قليل من النوم
في الصلاة ولا تسليم أَي لا يُسَلِّم المصلّي ولا يَسَلَّم عليه؛ قال
ابن الأَثير: ويروى بالنصب والجر، فمن جرّه كان معطوفاً على الصلاة، ومن
نصبه كان معطوفاً على الغِرار، ويكون المعنى: لا نَقْصَ ولا تسليمَ في صلاة
لأَن الكلام في الصلاة بغير كلامها لا يجوز ؛ وفي حديث آخر: تُغارُّ
التحيّةُ أَي يُنْقَص السلامُ. وأَتانا على غِرارٍ أَي على عجلة. ولقيته
غِراراً أَي على عجلة، وأَصله القلَّةُ في الرَّوِية للعجلة. وما أَقمت عنده
إلا غِراراً أَي قليلاً. التهذيب: ويقال اغْتَرَرْتُه واسْتَغْرَرْتُه
أَي أَتيته على غِرّة أَي على غفلة، والغِرار: نُقصانُ لبن الناقة، وفي
لبنها غِرارٌ؛ ومنه غِرارُ النومِ: قِلّتُه. قال أَبو بكر في قولهم: غَرَّ
فلانٌ فلاناً: قال بعضهم عرَّضه للهلَكة والبَوارِ، من قولهم: ناقة
مُغارٌّ إذا ذهب لبنها لحَدث أَو لعلَّة. ويقال: غَرَّ فلان فلاناً معناه
نَقَصه، من الغِرار وهو النقصان. ويقال:: معنى قولهم غَرَّ فلان فلاناً
فعل به ما يشبه القتلَ والذبح بِغرار الشّفْرة، وغارَّت الناقةُ بلبنها
تُغارُّ غِراراً، وهي مُغارٌّ: قلّ لبنها؛ ومنهم من قال ذلك عند كراهيتها
للولد وإنكارها الحالِبَ. الأَزهري: غِرارُ الناقةِ أَنْ تُمْرَى فَتَدِرّ
فإن لم يُبادَرْ دَرُّها رفَعَت دَرَّها ثم لم تَدِرّ حتى تُفِيق.
الأَصمعي: من أَمثالهم في تعَجُّلِ الشيء قبل أوانِه قولهم: سَبَقَ درَّتُه
غِرارَه، ومثله سَبَقَ سَيْلُه مَطرَه. ابن السكيت: غارَّت الناقةُ غراراً
إِذا دَرَّت، ثم نفرت فرجعت الدِّرَة؛ يقال: ناقة مُغارٌّ، بالضم، ونُوق
مَغارُّ يا هذا، بفتح الميم، غير مصروف. ويقال في التحية: لا تُغارَّ أَي
لا تَنْقُصْ، ولكن قُلْ كما يُقال لك أَو رُدَّ، وهو أَن تمرَّ بجماعة
فتخصَّ واحداً. ولِسُوقنا غِرارٌ إذا لم يكن لمتاعها نَفاقٌ؛ كله على
المثل. وغارَّت السوقُ تُغارُّ غِراراً: كسَدَت، ودَرَّت دَرَّةً: نفَقَت؛
وقول أَبي خراش
(*: قوله «وقول أبي خراش إلخ» في شرح القاموس ما نصه: هكذا
ذكره صاحب اللسان هنا، والصواب ذكره في العين المهملة) :
فغارَرت شيئاً والدَّرِيسُ ، كأَنّما
يُزَعْزِعُه وَعْكٌ من المُومِ مُرْدِمُ
قيل: معنى غارَرْت تَلَبَّثت، وقيل: تنبهت ووَلَدَت ثلاثةً على غِرارٍ
واحدٍ أَي بعضُهم في إثْر بعض ليس بينهم جارية. الأَصمعي: الغِرارُ
الطريقة. يقال: رميت ثلاثة أَسْهُم على غِرار واحد أَي على مَجْرًى واحد. وبنى
القومُ بيوتهم على غِرارِ واحدٍ. والغِرارُ: المثالُ الذي يَضْرَب عليه
النصالُ لتصلح. يقال: ضرَبَ نِصالَه على غِرارٍ واحد؛ قال الهُذَلي يصف
نصلاً:
سَديد العَيْر لم يَدْحَضْ عليه الـ
ـغِرارُ، فقِدْحُه زَعِلٌ دَرُوجُ
قوله سديد ، بالسين، أَي مستقيم. قال ابن بري: البيت لعمرو بن الداخل،
وقوله سَدِيد العَيْر أَي قاصِد. والعَير: الناتئ في وسط النصل. ولم
يَدْحَضْ أَي لم يَزْلَقْ عليه الغِرارُ، وهو المثال الذي يضرب عليه النصل
فجاء مثل المثال. وزَعِلٌ: نَشِيط. ودَرُوجٌ: ذاهِبٌ في الأرض.
والغِرارةُ: الجُوالِق، واحدة الغَرائِر؛ قال الشاعر:
كأَنّه غرارةٌ مَلأَى حَثَى
الجوهري: الغِرارةُ واحدة الغَرائِر التي للتّبْن، قال: وأَظنّه معرباً.
الأَصمعي: الغِرارُ أَيضاً غرارُ الحَمامِ فرْخَه إذا زَقّه، وقد
غرَّتْه تَغُرُّه غَرًّا وغِراراً. قال: وغارَّ القُمْرِيُّ أَُنْثاه غِراراً
إذا زقَّها. وغَرَّ الطائرُ فَرْخَه يَغُرُّه غِراراً أَي زقَّه. وفي حديث
معاوية قال: كان النبي، صلى الله عليه وسلم، يَغُرُّ عليًّا بالعلم أَي
يُلْقِمُه إِيّاه. يقال: غَرَّ الطائرُ فَرْخَه أَي زقَّه. وفي حديث علي،
عليه السلام: مَنْ يَطِع اللّه يَغُرّه كما يغُرُّهُ الغُرابُ بُجَّه
أَي فَرْخَه. وفي حديث ابن عمر وذكر الحسن والحسين، رضوان اللّه عليهم
أَجمعين، فقال: إِنما كانا يُغَرّان العِلْمَ غَرًّا، والغَرُّ: اسمُ ما
زقَّتْه به، وجمعه غُرورٌ؛ قال عوف بن ذروة فاستعمله في سير الإِبل:
إِذا احْتَسَى، يومَ هَجِير هائِفِ،
غُرورَ عِيدِيّاتها الخَوانِفِ
يعني أَنه أَجهدها فكأَنه احتَسَى تلك الغُرورَ. ويقال: غُرَّ فلانٌ من
العِلْمِ ما لم يُغَرَّ غيرهُ أَي زُقَّ وعُلِّم. وغُرَّ عليه الماءُ
وقُرَّ عليه الماء أَي صُبَّ عليه. وغُرَّ في حوضك أَي صُبَّ فيه. وغَرَّرَ
السقاء إِذا ملأَه؛ قال حميد:
وغَرَّرَه حتى اسْتَدارَ كأَنَّه،
على الفَرْو ، عُلْفوفٌ من التُّرْكِ راقِدُ
يريد مَسْك شاةٍ بُسِطَ تحت الوَطْب. التهذيب: وغَرَرْتُ الأَساقِيَ
ملأْتها؛ قال الراجز:
فَظِلْتَ تَسْقي الماءَ في قِلاتِ،
في قُصُبٍ يُغَرُّ في وأْباتِ،
غَرَّكَ في المِرارِ مُعْصَماتِ
القُصْبُ: الأَمْعاءُ . والوَأْباتُ: الواسعات. قال الأَزهري: سمعت
أَعرابيًّا يقول لآخر غُرَّ في سِقائك وذلك إِذا وضعه في الماء وملأَه بيده
يدفع الماء في فيه دفعاً بكفه ولا يستفيق حتى يملأَه.
الأَزهري: الغُرّ طَيْرٌ سُود بيضُ الرؤوس من طير الماء، الواحدة
غَرَّاء، ذكراً كان أَو أُنثى. قال ابن سيده: الغُرُّ ضرب من طير الماء، ووصفه
كما وصفناه. والغُرَّةُ: العبد أَو الأَمة كأَنه عُبِّر عن الجسم كله
بالغُرَّة؛ وقال الراجز:
كلُّ قَتىلٍ في كُلَيْبٍ غُرَّه،
حتى ينال القَتْلَ آلُ مُرَّه
يقول: كلُّهم ليسوا يكفء لكليب إِنما هم بمنزلة العبيد والإِماء إن
قَتَلْتُهُمْ حتى أَقتل آل مُرَّة فإِنهم الأَكفاء حينئذ. وفي حديث عمر، رضي
الله عنه: أَنه قَضَى في ولد المَغْرور بغُرَّة؛ هو الرجل يتزوج امرأَة
على أَنها حرة فتظهر مملوكة فيَغْرَم الزوجُ لمولى الأَمة غُرَّةً، عبداً
أو أَمة، ويرجع بها على من غَرَّه ويكون ولدُه حرًّا. وقال أَبو سعيد:
الغُرَّة عند العرب أَنْفَسُ شيء يُمْلك وأَفْضلُه، والفرس غُرَّةُ مال
الرجل، والعبد غرَّةُ ماله، والبعير النجيب غُرَّةُ مالِهِ، والأَمة
الفارِهَةُ من غُرَّة المال. وفي حديث النبي، صلى الله عليه وسلم، أَن حَمَلَ بن
مالك قال له: إِني كنت بين جاريتين لي فَضَرَبتْ إِحداهما الأُخرى
بِمِسْطَحٍ فأَلقت جَنِيناً ميتاً وماتت، فقَضَى رسول الله، صلى الله عليه وسلم
بديَةِ المقتولة على عاقلة القاتلة، وجَعَلَ في الجَنِين غُرَّةً،
عبداً أَو أَمة. وأَصل الغُرَّة البياض الذي يكون في وجه الفرس وكأَنه
عُبّر عن الجسم كله بالغُرَّة. قال أَبو منصور: ولم يقصد النبي،صلى الله
عليه وسلم ، في جعله في الجنين غُرَّةً إِلا جنساً واحداً من أَجناس
الحيوان بِعينه فقال: عبداً أَو أَمة. وغُرَّةُ المال: أَفضله. وغُرَّةُ
القوم: سيدهم. وروي عن أَبي عمرو بن العلاء أَنه قال في تفسير الغُرّة الجنين،
قال: الغٌرّة عَبْدٌ أَبيض أَو أَمَةٌ بيضاء. وفي التهذيب: لا تكون إِلا
بيضَ الرقيق. قال ابن الأَثير: ولا يُقْبَل في الدية عبدٌ أَسود ولا
جاريةٌ سوداء. قال: وليس ذلك شرطاً عند الفقهاء، وإنما الغُرَّة عندهم ما
بلغ ثمنُها عُشْر الدية من العبيد والإِماء. التهذيب وتفسير الفقهاء: إن
الغرة من العبيد الذي يكون ثمنُه عُشْرَ الدية. قال: وإنما تجب الغُرّة في
الجنين إِذا سقط ميّتاً، فإِن سقط حيًّا ثم مات ففيه الدية كاملة. وقد
جاء في بعض روايات الحديث: بغُرّة عبد أَو أَمة أَو فَرَسٍ أَو بَغْلٍ،
وقيل: إِن الفرس والبَغْل غلط من الراوي. وفي حديث ذي الجَوْشَن: ما كُنْتُ
لأَقْضِيَه اليوم بغٌرّة؛ سمّي الفرس في هذا الحديث غُرّة؛ وأَكثرُ ما
يطلق على العبد والأَمة، ويجوز أَن يكون أَراد بالغُرّة النِّفِسَ من كل
شيء، فيكون التقدير ما كنت لأَقْضِيَه بالشيء النفيس المرغوب فيه. وفي
الحديث :إِيّاكم ومُشارّةَ الناس فإِنها تَدْفِنُ الغُرّةَ وتُظْهِرُ
العُرّةَ؛ الغُرّة ههنا: الحَسَنُ والعملُ الصالح، شبهه بغُرّة الفرس. وكلُّ
شيء تُرْفَع قيمتُه، فهو غُرّة. وقوله في الحديث: عَليْكُم بالأَبْكارِ
فإِنّهُنّ أَغَرُّ غُرَّةً، يحتمل أَن يكون من غُرَّة البياض وصفاء اللون،
ويحتمل أَن يكون من حسن الخلُق والعِشْرةِ؛ ويؤيده الحديث الآخر:
عَلَيْكمُ بالأَبْكار فإِنّهُنّ أَغَرُّ أَخْلاقاً، أَي إِنهن أَبْعَدُ من فطْنةِ
الشرّ ومعرفتِه من الغِرّة الغفْلة.
وكلُّ كَسْرٍ مُتَثَنٍّ في ثوب أَو جِلْدٍ: غَرُّ؛ قال:
قد رَجَعَ المُلْك لمُسْتَقَرّه
ولانَ جِلْدُ الأَرضِ بعد غَرّه
وجمعه غُرور؛ قال أَبو النجم:
حتى إذا ما طَار منْ خَبِيرِها،
عن جُدَدٍ صُفْرٍ، وعن غُرورِها
الواحد غَرُّ، بالفتح؛ ومنه قولهم: طَوَيْت الثوبَ على غَرِّه أَي على
كَسْرِه الأَول. قال الأَصمعي: حدثني رجل عن رؤبة أَنه عُرِضَ عليه ثوبٌ
فنظر إليه وقَلَّبَه ثم قال: اطْوِه على« غَرَّه. والغُرورُ في الفخذين:
كالأخادِيد بين الخصائل. وغُرورُ القدم: خطوط ما تَثَنَّى منها. وغَرُّ
الظهر: ثَنِيُّ المَتْنِ؛ قال:
كأَنَّ غَرَّ مَتْنِه ، إِذ تَجْنُبُهْ،
سَيْرُ صَناعٍ في خَرِيرٍ تَكْلُبُهْ
قال الليث: الغَرُّ الكَسْرُ في الجلد من السِّمَن، والغَرُّ تكسُّر
الجلد، وجمعه غُرور، وكذلك غُضونُ الجلْد غُرور. الأَصمعي: الغُرورُ
مَكاسِرُ الجلد. وفي حديث عائشة تصِفُ أَباها، رضي الله عنهما، فقالت: رَدَّ
نَشْرَ الإِسلام على غَرِّه أَي طَيِّه وكَسْرِه. يقال: اطْوِ الثَّوْبَ على
غَرِّه الأَول كما كان مَطْوياًّ؛ أَرادت تَدْبيرَه أَمرَ الردة ومُقابَلة
دَائِها. وغُرورُ الذراعين: الأَثْناءُ التي بين حِبالِهما. والغَرُّ:
الشَّقُّ في الأَرض. والغَرُّ: نَهْرٌ دقيق في الأَرض، وقال ابن الأعرابي:
هو النهر، ولم يُعَيِّن الدَّقِيقَ ولا غيره؛ وأَنشد:
سَقِيّة غَرٍّ في الحِجال دَمُوج
هكذا في المحكم؛ وأَورده الأَزهري، قال: وأَنشدني ابن الأَعرابي في صفة
جارية:
سقيّة غَرٍّ في الحِجال دَمُوج
وقال: يعني أَنها تُخْدَمُ ولا تَخْدُمُ. ابن الأَعرابي: الغَرُّ النهر
الصغير، وجمعه غُرور، والغُرور: شَرَكُ الطريق، كلُّ طُرْقة منها
غُرٌّ؛ ومن هذا قيل: اطْوِ الكتابَ والثوبَ على غَرّه وخِنْثِه أَي على
كَسْره؛ وقال ابن السكيت في تفسير قوله:
كأَنّ غَرَّ مَتْنِهِ إِذ تَجْنُبُهْ
غَرُّ المتن: طريقه. يقولُ دُكَيْن: طريقتُه تَبْرُق كأَنها سَيْرٌ في
خَرِيز، والكَلبُ: أَن يُبَقَّى السَّيْرُ في القربة تُخْرَز فتُدْخِل
الجاريةُ يدها وتجعل معها عقبة أو شعرة فتدخلها من تحت السير ثم تخرق خرقاً
بالإِشْفَى فتخرج رأْس الشعرة منه، فإِذا خرج رأْسها جَذَبَتْها
فاسْتَخْرَجَت السَّيْرَ. وقال أَبو حنيفة: الغَرّانِ خَطّانِ يكونان في أَصل
العَيْر من جانبيه؛ قال ابن مقروم وذكر صائداً:
فأَرْسَلَ نافِذَ الغَرَّيْن حَشْراً،
فخيَّبه من الوَتَرِ انْقِطاعُ
والغرّاء: نبت لا ينبت إِلاّ في الأَجارِع وسُهولةِ الأَرض ووَرَقُها
تافِةٌ وعودها كذلك يُشْبِه عودَ القَضْب إلاّ أَنه أُطَيْلِس، وهي شجرة
صدق وزهرتها شديدة البياض طيبة الريح؛ قال أَبو حنيفة: يُحبّها المال كله
وتَطِيب عليها أَلْبانُها. قال: والغُرَيْراء كالغَرّاء، قال ابي سيده:
وإِنما ذكرنا الغُرَيْراء لأَن العرب تستعمله مصغراً كثيراً.
والغِرْغِرُ: من عشب الربيع، وهو محمود، ولا ينبت إِلا في الجبل له ورق
نحو ورق الخُزامى وزهرته خضراء؛ قال الراعي:
كأَن القَتُودَ على قارِحٍ،
أَطاع الرَّبِيعَ له الغِرْغِرُ
أراد: أَطاع زمن الربيع، واحدته غِرْغِرة. والغِرْغِر، بالكسر: دَجاج
الحبشة وتكون مُصِلّةً لاغتذائها بالعَذِرة والأَقْذار، أَو الدجاجُ
البرّي، الواحدة غِرْغرة؛ وأَنشد أَبو عمرو:
أَلُفُّهُمُ بالسَّيفِ من كلِّ جانبٍ،
كما لَفَّت العِقْبانُ حِجْلى وغِرغِرا
حِجْلى: جمع الحَجَلِ، وذكر الأَزهري قوماً أَبادهم الله فجعل عِنَبَهم
الأَراك ورُمَّانَهم المَظَّ ودَجاجَهم الغِرْغِرَ.
والغَرْغَرَةُ والتَّغَرْغُر بالماء في الحَلْقِ: أَن يتردد فيه ولا
يُسيغه. والغَرُورُ: ما يُتَغَرْغَرُ به من الأَدْوية، مثل قولهم لَعُوق
ولَدُود وسَعُوط. وغَرْغَر فلانٌ بالدواء وتَغَرْغَرَ غَرْغَرةً
وتَغَرْغُراً. وتَغَرْغَرَت عيناه: تردَّد فيهما الدمع. وغَرَّ وغَرْغَرَ: جادَ
بنفسه عند الموت. والغَرْغَرَةُ: تردُّد الروح في الحلق. والغَرْغَرَةُ: صوتٌ
معه بَجَحٌ. وغَرْغَرَ اللحمُ على النار إِذا صَلَيْتَه فسمعت له
نشِيشاً؛ قال الكميت:
ومَرْضُوفة لم تُؤْنِ في الطَّبْخِ طاهِياً،
عَجِلْتُ إلى مُحْوَرِّها حين غَرْغَرا
والغَرْغَرة: صوت القدر إذا غَلَتْ، وقد غَرْغَرت؛ قال عنترة:
إِذ لا تَزالُ لكم مُغَرْغِرة
تَغْلي، وأَعْلى لَوْنِها صَهْرُ
أَي حارٌّ فوضع المصدر موضع الاسم، وكأَنه قال: أَعْلى لونِها لونُ
صَهْر. والغَرْغَرةُ: كَسْرُ قصبة الأَنف وكَسْرُ رأْس القارورة؛
وأَنشد:وخَضْراء في وكرَيْنِ غَرْغَرْت رأْسها
لأُبْلِيَ إن فارَقْتُ في صاحِبي عُذْرا
والغُرْغُرةُ: الحَوْصلة؛ وحكاها كراع بالفتح؛ أَبو زيد: هي الحوصلة
والغُرْغُرة والغُراوي
(* قوله «والغراوي» هو هكذا في الأصل) .والزاورة.
وملأْت غَراغِرَك أَي جَوْفَك. وغَرْغَرَه بالسكين: ذبحه. وغَرْغَرَه
بالسّنان: طعنه في حلقه. والغَرْغَرةُ: حكاية صوت الراعي ونحوه. يقال: الراعي
يُغَرْغِرُ بصوته أَي يردِّده في حلقه؛ ويَتَغَرْ غَرُصوته في حلقه أَي
يتردد.
وغَرٌّ: موضع؛ قال هميان بن قحافة:
أَقْبَلْتُ أَمْشِي، وبِغَرٍّ كُورِي،
وكان غَرٌّ مَنْزِلَ الغرور
والغَرُّ: موضع بالبادية؛ قال:
فالغَرّ تَرْعاه فَجَنْبَي جَفَرَهْ
والغَرّاء: فرس طريف بن تميم، صفة غالبة. والأَغَرُّ: فرس ضُبَيْعة بن
الحرث. والغَرّاء: فرسٌ بعينها. والغَرّاء: موضع؛ قال معن بن أَوس:
سَرَتْ من قُرَى الغَرّاء حتى اهْتَدَتْ لنا،
ودُوني خَراتيّ الطَّوِيّ فيَثْقُب
(* قوله« خراتي» هكذا في الأصل ولعله حزابي.)
وفي حبال الرمل المعترض في طريق مكة حبلان يقال لهما: الأَغَرَّان؛ قال
الراجز:
وقد قَطَعْنا الرَّمْلَ غير حَبْلَيْن:
حَبْلَي زَرُودٍ ونَقا الأَغَرَّيْن
والغُرَيْرُ: فحل من الإِبل، وهو ترخيم تصغير أَغَرّ. كقولك في أَحْمَد
حُمَيد، والإِبل الغُرَيْريّة منسوبة إِليه؛ قال ذو الرمة:
حَراجيج مما ذَمَّرَتْ في نتاجِها،
بناحية الشّحْرِ الغُرَيْر وشَدْقَم
يعني أَنها من نتاج هذين الفحلين، وجعل الغرير وشدقماً اسمين للقبيلتين؛
وقول الفرزدق يصف نساء:
عَفَتْ بعد أَتْرابِ الخَلِيط، وقد نَرَى
بها بُدَّناً حُوراً حِسانَ المَدامِع
إِذا ما أَتاهُنَّ الحَبِيبُ رَشَفْنَه،
رشِيفَ الغُرَيْريّاتِ ماءَ الوَقائِع
والوَقائعُ: المَناقعُ، وهي الأَماكن التي يستنقع فيها الماء، وقيل في
رَشْفِ الغُرَيْرِيّات إِنها نوق منسوبات إِلى فحل؛ قال الكميت:
غُرَيْريّة الأَنْساب أَو شَدْقَمِيَّة،
يَصِلْن إِلى البِيد الفَدافِد فَدْفدا
وفي الحديث: أَنه قاتَلَ مُحَارِبَ خَصَفَة فرأَوْا من المسلمين غِرَّةً
فصلَّى صلاةَ الخوف؛ الغِرَّةُ: الغَفْلة، أَي كانوا غافلين عن حِفْظِ
مقامِهم وما هم فيه من مُقابلة العَدُوِّ؛ ومنه الحديث: أَنه أَغارَ على
بنِي المُصْطَلِق وهم غارُّون؛ أَي غافلون. وفي حديث عمر: كتب إِلى أَبي
عُبَيدة، رضي الله عنهما، أَن لا يُمْضِيَ أَمْرَ الله تعالى إِلا بَعِيدَ
الغِرّة حَصِيف العُقْدة أَي من بعد حفظه لغفلة المسلمين. وفي حديث عمر، رضي
الله عنه: لا تطْرُقُوا النساء ولا تَغْتَرّوهُنّ أَي لا تدخلوا إِليهن
على غِرّة. يقال: اغْتَرَرْت الرجل إِذا طلبت غِرّتَه أَي غفلته. ابن
الأَثير: وفي حديث حاطب: كُنْتُ غَرِيراً فيهم أَي مُلْصَقاً مُلازماً لهم؛
قال: قال بعض المتأَخرين هكذا الرواية والصواب: كنت غَرِيًّا أَي
مُلْصَقاً. يقال: غَرِيَ فلانٌ بالشيء إِذا لزمه؛ ومنه الغِراء الذي يُلْصَقُ به.
قال: وذكره الهروي في العين المهملة: كنت عَرِيراً، قال: وهذا تصحيف منه؛
قال ابن الأَثير: أَما الهروي فلم يصحف ولا شرح إِلا الصحيح، فإِن
الأَزهري والجوهري والخطابي والزمخشري ذكروا هذه اللفظة بالعين المهملة في
تصانيفهم وشرحوها بالغريب وكفاك بواحد منهم حجة للهروي فيما روى وشرح، والله
تعالى أَعلم. وغَرْغَرْتُ رأْسَ القارورة إِذا استخرجْتَ صِمامَها، وقد
تقدم في العين المهملة.
بكت: بَكَتَه يَبْكُتُه بَكْتاً، وبَكَّتَه: ضَرَبه بالسيف والعصا
ونحوهما. والتَّبْكِيتُ: كالتَّقْرِيعِ والتَّعْنِيفِ. الليث: بَكَّته بالعصا
تَبْكِيتاً، وبالسيف ونحوه؛ وقال غيره: بَكَّتَه تَبْكِيتاً إِذا
قَرَّعَه بالعَذْل تَقْريعاً. وفي الحديث: أَنه أُتِيَ بِشَارِبٍ، فقال:
بَكِّتُوه؛ التَّبْكِيتُ: التَّقْرِيعُ والتَّوْبيخُ، يقال له: يا فاسق، أَما
اسْتَحَيْتَ؟ أَما اتَّقَيْتَ اللَّهَ؟ قال الهَرَوِيّ: ويكون باليد
وبالعصا ونحوه.
وبَكَتَه بالحُجَّة أَي غَلَبه. وبَكَتَه يَبْكُتُه بَكْتاً، وبَكَّتَه:
كلاهما استقبله بما يَكْرَه.
الأَصمعي: التَّبْكِيتُ والبَلْغُ أَن يَسْتَقْبِلَ الرجلَ بما يَكْرَه.
وقيل في تفسير قوله تعالى: وإِذا المُوْءُودةُ سُئِلَتْ بأَيِّ ذَنْبٍ
قُتِلَتْ؟ تُسْأَلُ تَبْكِيتاً لوائِدِها.
حفر: حَفَرَ الشيءَ يَحْفِرُه حَفْراً واحْتَفَرَهُ: نَقَّاهُ كما
تُحْفَرُ الأَرض بالحديدة، واسم المُحْتَفَرِ الحُفْرَةُ. واسْتَحْفَرَ
النَّهْرُ: حانَ له أَن يُحْفَرَ. والحَفُيرَةُ والحَفَرُ والحَفِيرُ: البئر
المُوَسَّعَةُ فوق قدرها، والحَفَرُ، بالتحريك: التراب المُخْرَجُ من الشيء
المَحْفُور، وهو مثل الهَدَمِ، ويقال: هو المكان الذي حُفِرَ؛ وقال
الشاعر:
قالوا: انْتَهَيْنا، وهذا الخَنْدَقُ الحَفَرُ
والجمع من كل ذلك أَحْفارٌ، وأَحافِيرُ جمع الجمع؛ أَنشد ابن الأَعرابي:
جُوبَ لها من جَبلٍ هِرْشَمِّ،
مُسْقَى الأَحافِيرِ ثَبِيتِ الأُمِّ
وقد تكون الأَحافير جمعَ حَفِيرٍ كقَطِيعٍ وأَقاطيعَ. وفي الأَحاديث:
ذِكْرُ حَفَرِ أَبي موسى، وهو بفتح الحاء والفاء، وهي رَكايا احْتَفَرها
على جادَّةِ الطريق من البَصْرَةِ إِلى مكة، وفيه ذكر الحَفِيرة، بفتح
الحاء وكسر الفاء، نهر بالأُردنِّ نزل عنده النعمان بنُ بَشِير، وأَما بضم
الحاء وفتح الفاء فمنزل بين ذي الحُلَيْفَةِ ومِلْكٍ يَسْلُكُه الحاجُّ.
والمِحْفَرُ والمِحْفَرَةُ والمِحْفَارُ: المِسْحاةُ ونحوها مما يحتفر
به، ورَكِيَّةٌ حَفِيرَةٌ، وحَفَرٌ بديعٌ، وجمع الحَفَرِ أَحفار؛ وأَتى
يَرْبُوعاً مُقَصِّعاً أَو مُرَهَّطاً فَحَفَرَهُ وحَفَرَ عنه
واحْتَفَرَهُ.الأَزهري: قال أَبو حاتم: يقال حافِرٌ مُحافِرَةٌ، وفلان أَرْوَغُ من
يَرْبُوعٍ مُحافِرٍ، وذلك أَن يَحْفِرَ في لُغْزٍ من أَلْغازِهِ فيذهبَ
سُفْلاً ويَحْفِر الإِنسانُ حتى يعيا فلا يقدر عليه ويشتبه عليه الجُحْرُ
فلا يعرفه من غيره فيدعه، فإِذا فعل اليَرْبُوعُ ذلك قيل لمن يطلبه؛ دَعْهُ
فقد حافَرَ فلا يقدر عليه أَحد؛ ويقال إِنه إِذا حافَرَ وأَبى أَن
يَحْفِرَ الترابَ ولا يَنْبُثَه ولا يُذَرِّي وَجْهَ جُحْرِه يقال: قد جَثا
فترى الجُحْرَ مملوءًا تراباً مستوياً مع ما سواه إِذا جَثا، ويسمى ذلك
الجاثِياءَ، ممدوداً؛ يقال: ما أَشدَّ اشتباهَ جَاثِيائِه. وقال ابن شميل:
رجل مُحافِرٌ ليس له شيء؛ وأَنشد:
مُحافِرُ العَيْشِ أَتَى جِوارِي،
ليس له، مما أَفاءَ الشَّارِي،
غَيْرُ مُدًى وبُرْمَةٍ أَعْشَارِ
وكانت سُورَةُ براءة تسمى الحافِرَةَ، وذلك أَنها حَفَرَتْ عن قلوب
المنافقين، وذلك أَنه لما فرض القتال تبين المنافق من غيره ومن يوالي
المؤمنين ممن يوالي أَعداءَهم.
والحَفْرُ والحَفَرُ: سُلاقٌ في أُصول الأَسْنانِ، وقيل: هي صُفْرة تعلو
الأَسنان. الأَزهري: الحَفْرُ والحَفَرُ، جَزْمٌ وفَتْحٌ لغتان، وهو ما
يَلْزَقُ بالأَسنان من ظاهر وباطن، نقول: حَفَرَتْ أَسنانُه تَحْفِرُ
حَفْراً. ويقال: في أَسنانه حَفْرٌ، وبنو أَسد تقول: في أَسنانه حَفَرٌ،
بالتحريك؛ وقد حَفَرَتْ تَحْفِرُ حَفْراً، مثال كَسَرَ يَكْسِرُ كَسْراً:
فسدت أُصولها؛ ويقال أَيضاً: حَفِرَتْ مثال تَعِبَ تَعَباً، قال: وهي
أَرادأُ اللغتين؛ وسئل شمر عن الحَفَرِ في الأَسنان فقال: هو أَن يَحْفِرَ
القَلَحُ أُصولَ الأَسنان بين اللِّثَةِ وأَصلِ السِّنِّ من ظاهر وباطن،
يُلِحُّ على العظم حتى ينقشر العظم إِن لم يُدْرَكْ سَرِيعاً. ويقال: أَخذ
فَمَهُ حَفَرٌ وحَفْرٌ. ويقال: أَصبح فَمُ فلان مَحْفُوراً، وقد حُفِرَ
فُوه، وحَفَرَ يَحْفِرُ حَفْراً، وحَفِرَ حَفَراً فيهما. وأَحْفَرَ الصبي:
سقطت له الثَّنِيَّتانِ العُلْيَيان والسُّفْلَيانِ، فإِذا سقطت
رَواضِعُه قيل: حَفَرَتْ. وأَحْفَرَ المُهْرَ للإِثْناء والإِرْباعِ والقُروحِ:
سقطت ثناياه لذلك. وأَفَرَّتِ الإِبل للإِثناء إِذا ذهبت رَواضِعُها وطلع
غيرها. وقال أَبو عبيدة في كتاب الخيل: يقال أَحْفَرَ المُهْرُ
إِحْفاراً، فهو مُحْفِرٌ، قال: وإِحْفارُهُ أَن تتحرك الثَّنِيَّتانِ
السُّفْلَيانِ والعُلْيَيانِ من رواضعه، فإِذا تحركن قالوا: قد أَحْفَرَتْ ثنايا
رواضعه فسقطن؛ قال: وأَوَّل ما يَحْفِرُ فيما بين ثلاثين شهراً أَدنى ذلك
إِلى ثلاثة أَعوام ثم يسقطن فيقع عليها اسم الإِبداء، ثم تُبْدِي فيخرج له
ثنيتان سفليان وثنيتان علييان مكان ثناياه الرواضع اللواتي سقطن بعد ثلاثة
أَعوام، فهو مُبْدٍ؛ قال: ثم يُثْنِي فلا يزال ثَنِيّاً حتى يُحْفِرَ
إِحْفاراً، وإِحْفارُه أَن تحرَّك له الرَّباعِيَتانِ السفليان والرباعيتان
العلييان من رواضعه، وإِذا تحركن قيل: قد أَحْفَرَتْ رَباعِياتُ رواضعه،
فيسقطن أَول ما يُحْفِرْنَ في استيفائه أَربعة أَعوام ثم يقع عليها اسم
الإِبداء، ثم لا يزال رَباعِياً حتى يُحْفِرَ للقروح وهو أَن يتحرَّك
قارحاه وذلك إِذا استوفى خمسة أَعوام؛ ثم يقع عليه اسم الإِبداء على ما
وصفناه ثم هو قارح. ابن الأَعرابي: إِذا استتم المهر سنتين فهو جَذَغٌ ثم
إِذا استتم الثالثة فهو ثنيّ، فإِذا أَثنى أَلقى رواضعه فيقال: أَثنى
وأَدْرَمَ للإِثناء؛ ثم هو رَباع إِذا استتم الرابعة من السنين يقال: أَهْضَمَ
للإِرباع، وإِذا دخل في الخامسة فهو قارح؛ قال الأَزهري: وصوابه إِذا
استتم الخامسة فيكون موافقاً لقول أَبي عبيدة قال: وكأَنه سقط شيء.
وأَحْفَرَ المُهْرُ للإِثْنَاءِ والإِرْباعِ والقُروحِ إِذا ذهبت رواضعه وطلع
غيرها.
والْتَقَى القومُ فاقتتلوا عند الحافِرَةِ أَي عند أَوَّل ما
الْتَقَوْا. والعرب تقول: أَتيت فلاناً ثم رجعتُ على حافِرَتِي أَي طريقي الذي
أَصْعَدْتُ فيه خاصةً فإِن رجع على غيره لم يقل ذلك؛ وفي التهذيب: أَي
رَجَعْتُ من حيثُ جئتُ. ورجع على حافرته أَي الطريق الذي جاء منه. والحافِرَةُ:
الخلقة الأُولى. وفي التنزيل العزيز: أَئِنَّا لَمَرْدُودونَ في
الحافِرَةِ؛ أَي في أَول أَمرنا؛ وأَنشد ابن الأَعرابي:
أَحافِرَةً على صَلَعٍ وشَيْبٍ؟
مَعاذَ اللهِ من سَفَهٍ وعارِ
يقول: أَأَرجع إِلى ما كنت عليه في شبابي وأَمري الأَول من الغَزَلِ
والصِّبَا بعدما شِبْتُ وصَلِعْتُ؟ والحافرة: العَوْدَةُ في الشيء حتى
يُرَدَّ آخِره على أَوّله. وفي الحديث: إِن هذا الأَمر لا يُترك على حاله حتى
يُرَدَّ على حافِرَتِه؛ أَي على أَوّل تأْسيسه. وفي حديث سُراقَةَ قال:
يا رسول الله، أَرأَيتَ أَعمالنا التي نَعْمَلُ؟ أَمُؤَاخَذُونَ بها عند
الحافِرَةِ خَيْرٌ فَخَيْرٌ أَو شَرٌّ فَشَرٌّ أَو شيء سبقت به المقادير
وجَفَّت به الأَقلام؟ وقال الفراء في قوله تعالى: في الحافرة: معناه أَئنا
لمردودون إِلى أَمرنا الأَوّل أَي الحياة. وقال ابن الأَعرابي: في
الحافرة، أَي في الدنيا كما كنا؛ وقيل معنى قوله أَئنا لمردودون في الحافرة
أَي في الخلق الأَول بعدما نموت. وقالوا في المثل: النَّقْدُ عند
الحافِرَةِ والحافِرِ أَي عند أَول كلمة؛ وفي التهذيب: معناه إِذا قال قد بعتُك
رجعتَ عليه بالثمن، وهما في المعنى واحد؛ قال: وبعضهم يقول النَّقْدُ عند
الحافِرِ يريد حافر الفرس، وكأَنَّ هذا المثل جرى في الخيل، وقيل:
الحافِرَةُ الأَرضُ التي تُحْفَرُ فيها قبورهم فسماها الحافرة والمعنى يريد
المحفورة كما قال ماء دافق يريد مدفوق؛ وروى الأَزهري عن أَبي العباس أَنه
قال: هذه كلمة كانوا يتكلمون بها عند السَّبْقِ، قال: والحافرة الأَرض
المحفورة، يقال أَوَّل ما يقع حافر الفرس على الحافرة فقد وجب النَّقْدُ يعني
في الرِّهانِ أَي كما يسبق فيقع حافره؛ يقول: هاتِ النِّقْدَ؛ وقال
الليث: النَّقْدُ عند الحافر معناه إِذا اشتريته لن تبرح حتى تَنْقُدَ. وفي
حديث أُبيّ قال: سأَلت النبي، صلى الله عليه وسلم، عن التوبة النصوح، قال:
هو الندم على الذنب حين يَفْرُطُ منك وتستغفر الله بندامتك عندَ
الحافِرِ لا تعود إِليه أَبداً؛ قيل: كانوا لنفاسة الفرس عندهم ونفاستهم بها لا
يبيعونها إِلا بالنقد، فقالوا: النقد عند الحافر أَي عند بيع ذات الحافر
وصيروه مثلاً، ومن قال عند الحافرة فإِنه لما جعل الحافرة في معنى الدابة
نفسها وكثر استعماله من غير ذكر الذات، أُلحقت به علامة التأْنيث
إِشعاراً بتسمية الذات بها أَو هي فاعلة من الحَفْرِ، لأَن الفرس بشدّة
دَوْسِها تَحْفِرُ الأَرض؛ قال: هذا هو الأَصل ثم كثر حتى استعمل في كل أَوَّلية
فقيل: رجع إِلى حافِرِه وحافِرَته، وفعل كذا عند الحافِرَة والحافِرِ،
والمعنى يتخير الندامة والاستغفار عند مواقعة الذنب من غير تأْخير لأَن
التأْخير من الــإِصرار، والباء في بندامته بمعنى مع أَو للاستعانة أَي تطلب
مغفرة الله بأَن تندم، والواو في وتستغفر للحال أَو للعطف على معنى
الندم. والحافِرُ من الدواب يكون للخيل والبغال والحمير: اسم كالكاهل والغارب،
والجمع حَوافِرُ؛ قال:
أَوْلَى فَأَوْلَى يا امْرَأَ القَيْسِ، بعدما
خَصَفْنَ بآثار المَطِيِّ الحَوافِرَا
أَراد: خصفن بالحوافر آثار المطيّ، يعني آثار أَخفافه فحذف الباء
الموحدة من الحوافر وزاد أُخرى عوضاً منها في آثار المطيّ، هذا على قول من لم
يعتقد القلب، وهو أَمثل، فما وجدت مندوحة عن القلب لم ترتكبه؛ ومن هان قال
بعضهم معنى قولهم النَّقْدُ عند الحافِر أَن الخيل كانت أَعز ما يباع
فكانوا لا يُبارِحُونَ مَنِ اشتراها حتى يَنْقُدَ البائِعَ، وليس ذلك
بقويّ. ويقولون للقَدَمِ حافراً إِذا أَرادوا تقبيحها؛ قال:
أَعُوذُ باللهِ من غُولٍ مُغَوِّلَةٍ
كأَنَّ حافِرَها في... ظُنْبوُبِ
(* كذا بياض بالأصل).
الجوهري: الحافِرُ واحد حَوَافِر الدابة وقد استعاره الشاعر في القدم؛
قال جُبَيْها الأَسدي يصف ضيفاً طارقاً أَسرع إِليه:
فأَبْصَرَ نارِي، وهْيَ شَقْرَاءُ، أُوقِدَتْ
بِلَيْلٍ فَلاَحَتْ للعُيونِ النَّواظِرِ
فما رَقَدَ الوِلْدانُ، حتى رَأَيْتُه
على البَكْرِ يَمْرِيه بساقٍ وحافِرِ
ومعنى يمريه يستخرج ما عنده من الجَرْيِ.
والحُفْرَةُ: واحدة الحُفَرِ. والحُفْرَةُ: ما يُحْفَرُ في الأَرض.
والحَفَرُ: اسم المكان الذي حُفِر كَخَنْدَقٍ أَو بئر.
والحَفْرُ: الهُزال؛ عن كراع. وحَفَرَ الغَرَزُ العَنْزَ يَحْفِرُها
حَفْراً: أَهْزَلَها.
وهذا غيث لا يَحْفِرهُ أَحد لا يعلم أَحد أَين أَقصاه، والحِفْرَى، مثال
الشِّعْرَى: نَبْتٌ، وقيل: هو شجر يَنْبُتُ في الرمل لا يزال أَخضر، وهو
من نبات الربيع، وقال أَبو حنيفة: الحِفْرَى ذاتُ ورَقٍ وشَوْكٍ صغارٍ
لا تكون إِلاَّ في الأَرض الغليظة ولها زهيرة بيضاء، وهي تكون مثلَ
جُثَّةِ الحمامة؛ قال أَبو النجم في وصفها:
يَظَلُّ حِفْراهُ، من التَّهَدُّلِ،
في رَوْضِ ذَفْراءَ ورُعْلٍ مُخْجِلِ
الواحدة من كل ذلك حِفْراةٌ، وناسٌ من أَهل اليمن يسمون الخشبة ذات
الأَصابع التي يُذَرَّى بها الكُدْسُ المَدُوسُ ويُنَقَّى بها البُرُّ من
التِّبْنِ: الحِفراةَ ابن الأَعرابي: أَحْفَرَ الرجلُ إِذا رعَت إِبله
الحِفْرَى، وهو نبت؛ قال الأَزهري: وهو من أَردإِ المراعي. قال: وأَحْفَرَ
إِذا عمل بالحِفْراةِ، وهي الرَّفْشُ الذي يذرَّى به الحنطة وهي الخشبة
المُصْمَتَةُ الرأْس، فأَما المُفَرَّج فهو العَضْمُ، بالضاد، والمِعْزَقَةَ؛
قال: والمِعْزَقَةُ في غير هذا: المَرُّ؛ قال: والرَّفْشُ في غير هذا:
الأَكلُ الكثيرُ. ويقال: حَفَرْتُ ثرَى فلان إِذا فتشت عن أَمره ووقفت
عليه، وقال ابن الأَعرابي: حَفَرَ إِذا جامع، وحَفِرَ إِذا فَسَد.
والحَفِيرُ: القبر.
وحَفَرَهُ حَفْراً: هَزَلَهُ؛ يقال: ما حامل إِلاء والحَمْلُ يَحْفِرُها
إِلاَّ الناقةَ فإِنها تَسْمَنُ عليه.
وحُفْرَةُ وحُفَيْرَةُ، وحُفَيْرٌ، وحَفَرٌ، ويقالان بالأَلف واللام:
مواضع، وكذلك أَحْفارٌ والأَحْفارُ؛ قال الفرزدق:
فيا ليتَ داري بالمدينةِ أَصبَحَتْ
بأَحْفارِ فَلْجٍ، أَو بِسيفِ الكَواظِمِ
وقال ابن جني: أَراد الحَفَرَ وكاظمة فجمعهما ضرورة. الأَزهري: حَفْرٌ
وحَفِيرَةُ اسما موضعين ذكرهما الشعراء القدماء. قال الأَزهري:
والأَحْفارُ المعروفة في بلاد العرب ثلاثة: فمنها حَفَرُ أَبي موسى، وهي وركايا
احتفرها أَبو موسى الأَشعري على جادَّة البصرة، قال: وقد نزلت بها واستقيت
من ركاياها وهي ما بين ماوِيَّةَ والمَنْجَشانِيَّاتِ، وركايا الحَفَرِ
مستوية بعيدة الرِّشاءِ عذبة الماء؛ ومنها حَفَرُ ضَبَّةَ، وهي ركايا
بناحية الشَّواجِنِ بعيدة القَعْرِ عذبة الماء؛ ومنها حَفَرُ سَعْدِو بن زيد
مَناةَ بن تميم، وهي بحذاء العَرَمَةِ وراء الدَّهْناءِ يُسْتَقَى منها
بالسَّانِيَةِ عند جبل من جبال الدهناء يقال له جبل الحاضر.
حرد: الحَرْدُ: الجِد والقصد. حَرَدَ يَحْرِد، بالكسر، حَرْداً: قصد.
وفي التنزيل: وغدوا على حرد قادرين؛ والحَرْدُ: المنع، وقد فسرت الآية على
هذا، وحَرَّد الشيءَ: منعه؛ قال:
كأَن فِداءها، إِذا حَرَّدوُه
أَطافوا حولَه. سلَكٌ يتيم
ويروى: جَرَّدوه أَي نقوه من التبن. ابن الأَعرابي: الحَرْدُ: القصد،
والحَرْدُ: المنع، والحَرْدُ الغيظ والغضب، قال: ويجوز أَن يكون هذا كله
معنى قوله: وغدوا على حرد قادرين؛ قال: وروي في بعض التفسير أَن قريتهم كان
اسمها حَرْدَ؛ وقال الفراء: وغدوا على حرد، يريد على حَدٍّ وقُدْرة في
أَنفسهم. وتقول للرجل: قد أَقبلتُ قِبَلَكَ وقصدت قصدك وحَرَدْتُ
حَرْدَكَ؛ قال وأَنشدت:
وجاء سيْل كان من أَمر آللهْ،
يَحْرِدُ حَرْدَ الجَنَّةِ المُغِلَّهْ
يريد: يقصد قصدها. قال وقال غيره: وغدوا على حرد قادرين، قال: منعوا وهم
قادرون أَي واجدون، نصب قادرين على الحال. وقال الأَزهري في كتاب الليث:
وغدوا على حرد، قال: على جدّ من أَمرهم، قال: وهكذا وجدته مقيداً
والصواب على حَدٍّ أَي على منع؛ قال: هكذا قاله الفراء.
ورجل حَرْدانُ: متنحٍّ معتزل، وحَرِدٌ من قوم حِرادٍ وحَريدٌ من قوم
حُرَداءَ. وامرأَة حَريدَةٌ، ولم يقولوا حَرْدَى. وحيّ حَريد: منفرد معتزل
من جماعة القبيلة ولا يخالطهم في ارتحاله وحلوله، إِما من عزتهم وإِما من
ذلتهم وقلتهم. وقالوا: كل قليل في كثير: حَريدٌ؛ قال جرير:
نَبني على سَنَنِ العَدُوِّ بيوتنا،
لا نستجير، ولا نَحُلُّ حَريدٍا
يعني إِنَّا لا ننزل في قوم من ضعف وذلة لما نحن عليه من القوة والكثرة.
وقد حَرَدَ يَحْرِدُ حُروداً، الصحاح: حَرَدَ يَحْرِدُ حُروداً أَي تنحى
وتحوّل عن قومه ونزل منفرداً لم يخالطهم؛ قال الأَعشى يصف رجلاً شديد
الغيرة على امرأَته، فهو يبعد بها إِذا تزل الحيُّ قريباً من ناحيته:
إِذا نزل الحيُّ حَلَّ الجَحِيشُ
حَرِيدَ المَحَلِّ، غَويّاً غَيُورا
والجَحِيش: المتنحي عن الناس أَيضاً. وقد حَرَدَ يَحْرِدُ حُروداً إِذا
ترك قومه وتحوّل عنهم.
وفي حديث صعصعة: فرفع لي بيت حَريدٌ أَي منتبذ متنح عن الناس، من قولهم:
تحرّد الجمل إِذا تنحى عن الإِبل فلم يبرك، وهو حريد فريد. وكَوْكَبٌ
حريدٌ: طلع منفرداً، وفي الصحاح: معتزل عن الكواكب، والفعل كالفعل والمصدر
كالمصدر؛ قال ذو الرمة:
يعتسفان الليلَ ذا السُّدودِ،
أَمّاً بكل كوكب حَرِيدِ
ورجل حَريد: فَريد وحيدٌ.
والمُنحَرِد: المنفرد، في لغة هذيل؛ قال أَبو ذؤيب:
كأَنه كوكب في الجوّ منحرد
ورواه أَبو عمرو بالجيم وفسره منفرد، وقال: هو سهيل؛ ومنه التحريد في
الشعر ولذلك عُدَّ عيباً لأَنه بُعْدٌ وخلاف للنظير، وحَمرِدَ عليه
حَرْداً: كلاهما غضب؛ قال ابن سيده: فأَما سيبويه فقال حَرِدَ حَرْداً.
ورجل حَرِدٌ وحارد: غضبان. الأَزهري: الحِرْدُ جَزْمٌ، والحَرَدُ لغتان.
يقال: حَرِدَ الرجل، فهو حَرِدٌ إِذا اغتاظ فتحرش بالذي غاظه وهَمَّ به،
فهو حارد؛ وأَنشد:
أُسودُ شَرًى لاقتْ أُسُودَ خَفِيَّةٍ،
تَساقَيْن سُمّاً، كلُّهُنَّ حَوارِدُ
قال أَبو العباس، وقال أَبو زيد والأَصمعي وأَبو عبيدة: الذي سمعنا من
العرب الفصحاء في الغضب حَرِدَ يَحْرَدُ حَرَداً، بتحريك الراء؛ قال أَبو
العباس: وسأَلت ابن الأَعرابي عنها فقال: صحيحة، إِلا أَن المفضَّل أَخبر
أَن من العرب من يقول حَرِدَ حَرَداً وحَرْداً، والتسكين أَكثر والأُخرى
فصيحة؛ قال: وقلما يلحن الناس في اللغة. الجوهري: الحَرَدُ الغضب؛ وقال
أَبو نصر أَحمد بن حاتم صاحب الأَصمعي: هو مخفف؛ وأَنشد للأَعرج المغني:
إِذا جياد الخيل جاءت تَرْدِي،
مملوءةً من غَضَبٍ وحَرْدِ
وقال الآخر:
يَلُوكُ من حَرْدٍ عليَّ الأُرَّمَا
قال ابن السكيت: وقد يحرك فيقال منه حَرِدَ، بالكسر، فهو حارد
وحَرْدَانُ؛ ومنه قيل: أَسد حارد وليوث حوارد؛ قال ابن بري: الذي ذكره سيبويه
حَرِدَ يَحْرَدُ حَرْداً، بسكون الراء، إِذا غضب. قال: وكذلك ذكره الأَصمعي
وابن دريد وعلي بن حمزة؛ قال: وشاهده قول الأَشهب بن رميلة:
أُسُودُ شرًى لاقتْ أُسُودَ خَفِيَّةٍ،
تَسَاقَوْا على حَرْدٍ دِماءَ الأَساوِدِ
وحارَدَتِ الإِبل حِراداً أَي انقطعت أَلبانها أَو قلَّت؛ أَنشد ثعلب:
سَيَرْوِي عقيلاً رجْلُ ظَبْيٍ وعُلْبةٌ،
تَمَطَّتْ به، مَصْلُوبَةٌ لم تُحارِدِ
مصلوبة: موسومة. وناقة مُحارِدٌ ومُحارِدَة:
بَيِّنَةُ الحِرادِ؛ واستعاره بعضهم للنساء فقال:
وبِتْنَ على الأَعْضادِ مُرْتَفِقاتِها؛
وحارَدْنَ إِلاَّ مَا شَرِبْنَ الحَمائما
يقول: انقطعت أَلبانهنّ إِلا أَن يشربن الحميم وهو الماء يُسَخِّنَّه
فيشربنه، وإِنما يُسَخِّنَّه لأَنهنّ إِذا شربنه بارداً على غير مأْكول
عَقَر أَجوافهن. وناقة مُحارِدٌ، بغير هاء: شديدة الحِراد؛ وقال الكميت:
وحَارَدَتِ النُّكْدُ الجِلادُ، ولم يكن،
لعُقْبَةِ قِدرِ المُسْتَعيرينَ، مُعْقِبُ
النكد: التي ماتت أَولادها. والجلاد: الغلاظ الجلود، القصار الشعور،
الشداد الفصوص، وهي أَقوى وأَصبر وأَقل لبناً من الخُورِ، والخُورُ أَغزر
وأَضعف. والحارد: القليلة اللَّبن من النُّوق. والحَرُودُ من النوق:
القليلة الدرِّ. وحاردت السنة: قلّ ماؤها ومطرها، وقد استعير في الآنية إِذا
نَفِدَ شرابها؛ قال:
ولنا باطيةٌ مملوءةٌ،
جَونَةٌ يتعها بِرْزِينُها
فإِذا ما حارَدَتْ أَو بَكَأَتْ،
فُتّ عن حاجِبِ أُخرى طهينُها
البرزي: إِناء يتخذ من قشر طَلْعِ الفُحَّالِ يشرب به. والحَرَدُ: داء
في القوائم إِذا مشى البعيرُ نفَض قوائمه فضرب بهن الأَرض كثيراً؛ وقيل:
هو داء يأْخذ الإِبل من العِقالِ في اليدين دون الرجلين. بعير أَحْرَدُ
وقد حَرِدَ حَرَداً، بالتحريك لا غير؛ وبعير أَحْرَدُ: يخبط بيديه إِذا
مِشى خلفه؛ وقيل: الحَرَدُ أَن ييبس عَصَبُ احدى اليدين من العِقال وهو
فصيل، فإِذا مَشى ضرب بهما صدرَه؛ وقيل: الأَحْرَدُ الذي إِذا مشى رفع قوائمه
رفعاً شديداً ووضعها مكانها من شدة قَطافَتِه، يكون في الدواب وغيرها،
والحَرَدُ مصدره. الأَزهري: الحَرَدُ في البعير حادث ليس بخلقة. وقال ابن
شميل: الحَرَدُ أَن تنقطع عَصَبَةُ ذراع البعير فَتَسترخي يده فلا يزال
يخفق بها أَبداً، وإِنما تنقطع العصبة من ظاهر الذراع فتراها إِذا مشى
البعير كأَنها تَمُدُّ مَدّاً من شدة ارتفاعها من الأَرض ورخاوتها،
والحَرَدُ ابنما يكون في اليد، والأَحْرَدُ يُلَقِّفُ؛ قال: وتلقيقه شدّة رفعه
يده كأَنما يَمُدّ مدّاً كما يَمُدُّ دَقَّاقُ الأَرز خشبته التي يدُق بها،
فذلك التلقيف. يقال: جمل أَحْرَدُ وناقة حَرْداءُ؛ وأَنشد:
إِذا ما دُعيتمْ لِلطِّعانِ أَجَبْتُمُ،
كما لَقَّفَتْ زُبٌّ شآمِيَةٌ حُرْدُ
الجوهري: بعير أَحرد وناقة حرداء، وذلك أَن يسترخي عصب إِحدى يديه من
عِقال أَو يكون خلقة حتى كأَنه ينفضها إِذا مشى؛ قال الأَعشى:
وأَذْرَتْ برجليها النَّفيَّ، وراجَعَتْ
يَداها خِنافاً لَيِّناً غيرَ أَحْردِ
ورجل أَحرد إِذا ثقلت عليه الدرع فلم يستطع الانبساطَ في المشي، وقد
حَرِدَ حَرَداً؛ وأَنشد الأَزهري:
إِذا ما مشى في درعه غيرَ أَحْرَدِ
والمُحَرَّدُ من كل شيء: المُعَوَّجُ. وتَحْرِيد الشيء: تعويجه كهيئة
الطاق. وحَبْلٌ مُحَرَّد إِذا ضُفِرَ فصارت له حروف لاعوجاجه. وحَرَّدَ
حبله: أَدرج فَتْلَه فجاء مستديراً، حكاه أَبو حنيفة. وقال مرة: حبل حَرِدٌ
من الحَرَدِ غير مُستوي القُوَى. قال الأَزهري: سمعت العرب تقول للحبل
إِذا اشتدت غارةُ قُواه حتى تتعقد وتتراكب: جاء بحبل فيه حُرُودٌ، وقد حرّد
حبله.
والحُرْدِيُّ والحُرْدِيَّةُ: حياصة الحظيرة التي تُشَدُّ على حائط
القصب عَرْضاً؛ قال ابن دريد: هي نبطية وقد حَرَّده تحريداً، والجمع
الحَراديُّ. الأَزهري: حَرَّدَ الرجُلُ إِذا أَوى إِلى كوخ. ابن الأَعرابي: يقال
لخشب السقف الرَّوافِدُ، ويقال لما يلقى عليها من أَطيان القصب
حَرادِيُّ. وغُرْفَةٌ مُحَرَّدَةٌ: فيها حراديّ القصب عَرْضاً. وبيت مُحَزّد:
مسنَّم، وهو الذي يقال له بالفارسية كُوخ، والحُرْدِيُّ من القصب، نَبَطِيٌّ
معرَّب، ولا يقال الهُرْدِيُّ. وحَرِدَ الوَتَرُ حَرَداً، فهو حَرِدٌ
إِذا كان بعضُ قُواه أَطولَ من بعض.
والمُحَرَّدُ من الأَوتار: الحَصَدُ الذي يظهر بعض قواه على بعض وهو
المُعَجَّرُ.
والحِرْدُ: قطعة من السَّنام؛ قال الأَزهري: لم أَسمع بهذا لغير الليث
وهو خطأٌ إِنما الحِرْدُ المعى.
حكى الزهري: أَن بَريداً من بعض الملوك جاء يسأَله عن رجل معه ما مع
المرأَة كيف يُوَرَّثُ؟ قال: من حيث يخرج الماء الدافق؛ فقال في ذلك
قائلهم:ومُهِمَّةٍ أَعيا القضاةَ قضاؤها،
تَذَرُ الفقيهَ يَشُكُّ مِثلَ الجاهل
عَجَّلْتَ قبل حنيذها بِشِوائها،
وقطعتَ مُحْرَدَها بِحُكْمٍ فاصل
المحرَدُ: المُقَطَّعُ. يقال: حردت من سَنام البعير حَرْداً إِذا قطعت
منه قطعة؛ أَراد أَنك عجلت الفتوى فيها ولم تستأْن في الجواب، فشبهه برجل
نزل به ضيف فعجل قراه بما قطع له من كَبِد الذبيحة ولحمها، ولم يحبسه على
الحنيذ والشواء؛ وتعجيل القرى عندهم محمود وصاحبه ممدوح.
والحِرْدُ، بالكسر: مَبْعَرُ البعير والناقة، والجمع حُرود. وأَحرادُ
الإِبل: أَمعاؤها، وخليق أَن يكون واحدها حِرْداً لواحد الحُرود التي هي
مباعرها لأَن المباعر والأَمعاء متقاربة؛ وأَنشد ابن الأَعرابي:
ثم غَدَتْ تَنْبِضُ أَحرادُها،
إِنْ مُتَغَنَّاةً وإِنْ حادِيَهْ
تنبض: تضطرب. متغناة: متغنية وهذا كقولهم الناصاة في الناصية، والقاراة
في القارية. الأَصمعي: الحُرود مباعر الإِبل، واحدها حِرْدٌ وحِرْدَة،
بكسر الحاء. قال شمر وقال ابن الأَعرابي: الحُرود الأَمعاء؛ قال وأَقرأَنا
لابن الرِّقَاع:
بُنِيَتْ على كَرِشٍ، كأَنَّ حُرودَها
مُقُطٌ مُطَوَّاةٌ، أُمِرَّ قُواها
ورجل حُرْدِيٌّ: واسع الأَمعاء. وقال يونس: سمعت أَعرابيّاً يسأَل يقول:
مَن يتصدّق على المسكين الحَرِد؟ أَي المحتاج.
وتحرّد الأَديمُ: أَلقى ما عليه من الشعر.
وقَطاً حُرْدٌ: سِراعٌ؛ قال الأَزهري: هذا خطأٌ والقطا الحُرْدُ القصارُ
الأَرجل وهي موصوفة بذلك؛ قال: ومن هذا قيل للبخيل أَحْرَدُ اليدين أَي
فيهما انقباض عن العطاء؛ قال: ومن هذا قول من قال في قوله تعالى: وغدوا
على حَرْدٍ قادرين، أَي على منع وبخل. والحَريد: السمك المُقَدَّد؛ عن
كراع.
وأَحراد، بفتح الهمزة وسكون الحاء ودال مهملة: بئر قديمة بمكة لها ذكر
في الحديث. أَبو عبيدة: حرداء، على فعلاء ممدودة، بنو نهشل بن الحرث لقب
لقبوا به: ومنه قول الفرزدق:
لَعَمْرُ أَبيك الخيْرِ، ما زَعْمُ نَهْشَل
وأَحْرادها، أَن قد مُنُوا بِعَسِير
(* قوله «لعمر أبيك إلخ» كذا بالأصل
والذي في شرح القاموس:
لعمر أبيك الخير ما زعم نهشل * عليّ ولا حردانها بكبير
وقد علمت يوم القبيبات نهشل * وأحرادها أن قد منوا
بعسير)
فجمعهم على الأَحراد كما ترى.