Current Dictionary: All Dictionaries

Search results for: آثر

سري

سري
عن الفارسية من سر بمعنى رأس ورئيس ونهاية وذروة.

سري


سَرِيَ(n. ac. سَرَاوَة [] )
سَرُوَ(n. ac. سَرْي)
a. Was generour manly, high-souled.

سَرَّيَa. Threw, pulled off (clothes).
تَسَرَّيَa. Was generous &c.

إِسْتَرَيَa. Chose, took the best of.

سَرْوa. Glory, distinction, fame.
b. Cypress.

سَرْوَة []
a. Cypress.
b. see 2t
سُِرْوَة [سِرْيَة], (pl.
سِرَآء [] )
a. Small arrow.

سَرَاة [] (pl.
سَرَوَات)
a. Back; middle.

سَرِىّ [] (pl.
سَرَيسُرًى []
سُرَوَآء []
أَسْرِيَآء [] )
a. Generous, manly, high-souled.

سَرِيَّة [] (pl.
سَرَايَا)
a. fem. of
سَرِيّ
سُرِّيَّة
a. see سَرَّ
سُرْيِيَّة
س ر ي : سَرَيْتُ اللَّيْلَ وَسَرَيْتُ بِهِ سَرْيًا وَالِاسْمُ السِّرَايَةُ إذَا قَطَعْتَهُ بِالسَّيْرِ وَأَسْرَيْتُ بِالْأَلِفِ لُغَةٌ حِجَازِيَّةٌ وَيُسْتَعْمَلَانِ مُتَعَدِّيَيْنِ بِالْبَاءِ إلَى مَفْعُولٍ فَيُقَالُ سَرَيْتُ بِزَيْدٍ وَأَسْرَيْتُ بِهِ وَالسُّرْيَةُ بِضَمِّ السِّينِ وَفَتْحِهَا أَخَصُّ يُقَالُ سَرَيْنَا سُرْيَةً مِنْ اللَّيْلِ وَسَرْيَةً وَالْجَمْعُ السُّرَى مِثْلُ: مُدْيَةٍ وَمُدًى قَالَ أَبُو زَيْدٍ وَيَكُونُ السُّرَى أَوَّلَ اللَّيْلِ وَأَوْسَطَهُ وَآخِرَهُ وَقَدْ اسْتَعْمَلَتْ الْعَرَبُ سَرَى فِي الْمَعَانِي تَشْبِيهًا لَهَا بِالْأَجْسَامِ مَجَازًا وَاتِّسَاعًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ} [الفجر: 4] وَالْمَعْنَى إذَا يَمْضِي وَقَالَ الْبَغَوِيّ إذَا سَارَ وَذَهَبَ وَقَالَ جَرِيرٌ
سَرَتْ الْهُمُومُ فَبِتْنَ غَيْرَ نِيَامِ ... وَأَخُو الْهُمُومِ يَرُومُ كُلَّ مَرَامِ
وَقَالَ الْفَارَابِيُّ سَرَى فِيهِ السُّمُّ وَالْخَمْرُ وَنَحْوُهُمَا وَقَالَ السَّرَقُسْطِيّ سَرَى عِرْقُ السُّوءِ فِي الْإِنْسَانِ وَزَادَ ابْنُ الْقَطَّاعِ عَلَى ذَلِكَ وَسَرَى عَلَيْهِ الْهَمُّ أَتَاهُ لَيْلًا وَسَرَى هَمُّهُ ذَهَبَ وَإِسْنَادُ الْفِعْلِ إلَى الْمَعَانِي كَثِيرٌ فِي كَلَامِهِمْ نَحْوُ طَافَ الْخَيَالُ وَذَهَبَ الْهَمُّ وَأَخَذَهُ الْكَسَلُ وَالنَّشَاطُ وَعَدَاكَ اللَّوْمُ وَقَوْلُ الْفُقَهَاءِ سَرَى الْجُرْحُ إلَى النَّفْسِ مَعْنَاهُ دَامَ أَلَمُهُ حَتَّى حَدَثَ مِنْهُ الْمَوْتُ وَقَطَعَ كَفَّهُ فَسَرَى إلَى سَاعِدِهِ أَيْ تَعَدَّى أَثَرُ الْجُرْحِ وَسَرَى التَّحْرِيمُ وَسَرَى الْعِتْقُ بِمَعْنَى التَّعْدِيَةِ وَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ جَارِيَةٌ عَلَى أَلْسِنَةِ الْفُقَهَاءِ وَلَيْسَ لَهَا ذِكْرٌ فِي الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ لَكِنَّهَا مُوَافِقَةٌ لِمَا تَقَدَّمَ.

وَالسَّرِيَّةُ قِطْعَةٌ مِنْ الْجَيْشِ فَعِيلَةٌ بِمَعْنَى فَاعِلَةٍ لِأَنَّهَا تَسْرِي فِي خُفْيَةٍ وَالْجَمْعُ سَرَايَا وَسَرِيَّاتٌ مِثْلُ: عَطِيَّةٍ وَعَطَايَا وَعَطِيَّاتٍ وَالسَّرِيُّ الْجَدْوَلُ وَهُوَ النَّهْرُ الصَّغِيرُ وَالْجَمْعُ سُرْيَانٌ مِثْلُ: رَغِيفٍ وَرُغْفَانٍ وَالسَّرِيُّ الرَّئِيسُ وَالْجَمْعُ سَرَاةٌ وَهُوَ جَمْعٌ عَزِيزٌ لَا يَكَادُ يُوجَدُ لَهُ نَظِيرٌ لِأَنَّهُ
لَا يُجْمَعُ فَعِيلٌ عَلَى فَعَلَةٍ وَجَمْعُ السُّرَاةِ سَرَوَاتٌ.

وَالسَّرَاةُ وِزَانُ الْحَصَاةِ جَبَلٌ أَوَّلُهُ قَرِيبٌ مِنْ عَرَفَاتٍ وَيَمْتَدُّ إلَى حَدِّ نَجْرَانِ الْيَمَنِ وَسَرِيُّ الْمَالِ خِيَارُهُ وَسَرَاتُهُ مِثْلُهُ وَسَرَاةُ الطَّرِيقِ وَسَطُهُ وَمُعْظَمُهُ

وَالسَّارِيَةُ السَّحَابَةُ تَأْتِي لَيْلًا وَهِيَ اسْمُ فَاعِلٍ وَالسَّارِيَةُ الْأُسْطُوَانَةُ وَالْجَمْعُ سَوَارٍ مِثْلُ: جَارِيَةٍ وَجَوَارٍ. 
السين والراء والياء س ر ي

السُّرَي سَيْرُ الليلِ عامَّتِه يذكَّرُ ويُؤَنَّثُ ولم يعرف اللِّحيانيُّ إلا التأنيثَ وقول لَبِيدٍ

(قُلْتُ هَجِّدْنا فَقَد طال السُّرَي ... وقَدَرْنَا إنْ جَنَى الدَّهْرُ غَفَلْ)

فقد يكون على لغة من ذكَّر وقد يجوز أن يريد طالَت السُّرَي فحذف علامةَ التأنيثِ لأنه ليس بمُؤَنَّثٍ حقيقيٍّ وقد سَرَى سُرًى وسَرْيَةً وسُرْيةً فهو سارٍ قال

(أَتُوْا نارِي فَقُلْتُ مَنُونَ قالوا ... سُرَاةُ الجِنِّ قُلْتُ عِمُوا ظلاما)

وأسْرَي وفي المثل ذَهَبُوا إسْراءَ قُنْفُذَةٍ وذلك أن القُنْفَذَ يسري لَيْلَهُ كُلَّه لا يَنَامُ قال حَسّان

(أَسْرَتْ إليكَ ولم تَكُنْ تُسْرِي ... )

واسْتَرَى كأَسْرَى قال الهُذَلِيُّ

(وخَفُّوا فأمّا الجامِلُ الجَوْنُ فاسْتَرَى ... بِلَيْلٍ وأما الحَيُّ بعدُ فاصْبَحُوا)

وأنشد ابن الأعرابيِّ قَوْلَ كُثَيِّر

(أَرُوحُ وأَغْدُو من هَواكِ وأَسْتَرِي ... وفي النَّفْسِ مما قد عَلِمْتِ علاقِمُ)

وقد سَرَى به وأسْرَى به وأَسْراه والسارِيةُ السحابةُ التي بين الغادِية والرَّائِحة وقال اللحيانيُّ السارِيةُ المَطْرَةُ التي تكون باللَّيْلِ وقوله

(رأيتُكَ تَغْشَى السارِيان ولم تكن ... لتَرْكَبَ إلا ذا الرَّسُوم المُوقَّعَا)

قيل يعني بالسَّارِيات الحُمُرَ لأنها لا تَقرُّ باللَّيْلِ وتَغْشَى أي تَرْكب هذا قَوْل ابن الأَعْرابيِّ وعندي أنه عنى بغِشْيانِها نِكَاحَها لأن البَيْتَ للفَرَزْدَق يَهْجُو جَرِيراً وكان يَعِيبُه بذلك واسْتعارَ بَعْضُهم السُّرَي للدَّواهِي والحُرُوب والهُمُوم فقال في صِفَةِ الحَرْبِ أَنْشَده ثَعْلَب للحارثِ بن وَعْلَة

(ولكنها تَسْرِي إذا نام أهلُها ... فَتَأتِي على ما لَيْس يَخْطُر في الوَهْمِ)

والسَّرِيَّةُ ما بين خَمْسة أَنْفُسٍ إلى ثلثمائة وقيل هي من الخَيْل نحوُ أربْعَمائَةٍ وإنما قَضَيْنا على لامها ألفاً لما قَدَّمْنا من كَوْنِها لاماً وسَرَى عِرْقُ الشَّجَرةِ دَبَّ تَحْتَ الأرض والسارِيةُ الأسطوانة والسِّرْيَةُ نَصْلٌ صَغِيرٌ قَصِيرٌ مُدَوّرٌ مُدَمْلَكٌ لا عَرْض له وقد تكون هذه الياء واواً لأنهم قد قالوا السِّرْوة فقَلَبُوها ياءً لقُرْبها من الكَسْرة وسَرَى متاعَه يَسرِيه ألقاه على ظَهْر دابَّتِه وسَرَى عَنِّي الثَّوْبَ سَرْياً كَشَفَهُ والواوُ أَعْلَى والسَّرِيُّ النَّهْرُ عن ثعلب وقيل الجَدْوَلُ وقيل النَّهْرُ الصغير يَجْرِي إلى النَّخْل والجمع أَسْرِيَةٌ وسُرْيانٌ حكاه سِيبَوَيْهِ وقوله تعالى {قد جعل ربك تحتك سريا} مريم 24 روى عن الحَسَن أنه كان يقول سَرِيّا من الرِّجَالِ يَعْنِي عيسى عليه السلام فقيل له إن من العَرَب من يُسَمِّي النَّهْرَ سَرِيّا فَرَجَع إلى هذا القَوْل والسَّراءُ شَجَرٌ واحدته سَراءة قال ابنُ مُقْبِل

(رآها فُؤادِي أُمَّ خِشْفٍ خَلاَلَهَا ... بقُورِ الوِرَاقَيْنِ السَّراءُ المُصَنِّفُ)

وقال أبو حَنِيفة وتُتَّخَذُ القِسِيُّ من السَّراءِ وهو من عُتْقِ العيدان وشَجَرِ الجِبالِ قال لَبِيدٌ

(تَشِينُ صِحَاحَ البِيدِ كلَّ عَشِيَّةٍ ... بعُودِ السَّرَاء عِنْدَ بابٍ مُحَجَّبِ)

يقول إنهم حَضَرُوا باب المَلِكِ وهم مُتَنَكِّبو قِسِيِّهِم فتَفَاخَرُوا فكُلَّما ذكر منهم رجلٌ مَأْثُرةً خَطَّ لها في الأَرْض خَطّا فأيُّهُم وُجِدَ أكْثَرَ خُطوطاً كان أكثرَ مــآثِرَ فذلك شَيْنُهم صحاح البِيدِ والسَّراةُ جَبَلٌ بناحِية الطَّائِف والسريريات بَنَاتُ عبد الله بن أبي بَكْر بن كُلاَب وإيَّاهُم عَنَى لَبِيدٌ بقوله

(وحَيَّ السَّوَاري لن أَقْول لِجَمْعِهِم ... على النّأْي إلا أنْ يُحَيَّا ويَسْلَمَا)

وإنما قَضَيْنَا بأنّ هذا من الياء لكَوْنِها لاماً
سري
سرَى1/ سرَى بـ/ سرَى على يَسري، اسْرِ، سَرْيًا وسُرًى وسِرايةً، فهو سارٍ، والمفعول مَسْريٌّ (للمتعدِّي)
• سرَى اللَّيلُ: مضى وذهب "سرَى الهمُّ- سرى الدواءُ في البدن- {وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ} ".
• سرَى اللَّيلَ/ سرَى باللَّيلِ: سار فيه، قطعه بالسَّيْر " {سُبْحَانَ الَّذِي سَرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً} [ق] ".
• سرَى بالشَّخص ليلاً: جعله يسير فيه.
• سَرى عليه الهمُّ: أتاه ليلاً. 

سرَى2 يَسري، اسْرِ، سَرْيًا وسَرَيانًا، فهو سارٍ
• سرَى الشَّيءُ:
1 - دام، دبَّ، انتشر وفشا "سرَى السُّمُّ في عروقه- سرت القشعريرةُ في جسده- سرَى الوباءُ في البلاد" ° سرَى الجرحُ إلى النَّفْس: أثّر فيها حتّى هلكت- سرَى عرقُ الشّجرة: دبّ تحت الأرض.
2 - صار نافذًا "سرَى عرفٌ أو قانون- هذه الأوامر تسري على الجميع" ° ساري المفعول: قانونيّ، مُلزِم- هذا يَسري على الماضي: له مفعول رجعيّ. 

أسرى/ أسرى بـ يُسرِي، أَسْرِ، إسراءً، فهو مُسْرٍ، والمفعول مُسْرًى
• أسرى اللَّيلَ/ أسرى باللَّيل: سرَى، سار فيه أو قطعه بالسَّيْر "يُسري المسافرون باللَّيل ويرتاحون في النَّهار" ° أسرِ وقَمَرٌ لك: معناه اغتنم طلوعَ القمر وسرْ في ضوئه، ويُضرب في انتهاز الفرصة السَّانحة.
• أسرى بالشَّخص: سار به ليلاً " {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى} - {فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلاً إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ} ". 

إسْراء [مفرد]: مصدر أسرى/ أسرى بـ.
• الإسراء:
1 - انتقال النَّبيّ محمد صلَّى الله عليه وسلَّم ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى "حدثت معجزة الإسراء والمعراج في شهر رجب".
2 - اسم سورة من سور القرآن الكريم، وهي السُّورة رقم 17 في ترتيب المصحف، مكِّيَّة، عدد آياتها إحدى عشرة ومائة آية. 

سارِية [مفرد]: ج ساريات وسوارٍ:
1 - صيغة المؤنَّث لفاعل سرَى1/ سرَى بـ/ سرَى على وسرَى2 ° الأمراض السَّارية: الأمراض المُعْدية- لائحة سارية: لائحة داخليّة تعتبر نافذة المفعول ما لم يتم تعديلها أو إلغاؤها.
2 - عمود ينصب في وسط السفينة يعلَّق عليه الشَّراع "حبل السَّارية: حبل لبَسْط شراع السَّفينة".
3 - عمود يُرفع عليه العَلَم "رفعنا السَّواري تحت العَلَم ... نُباهي به ويُباهي بنا".
4 - سحابة. 

سِرايَة [مفرد]: مصدر سرَى1/ سرَى بـ/ سرَى على. 

سُرًى [مفرد]:
1 - مصدر سرَى1/ سرَى بـ/ سرَى على.
2 - سَيْر عامّة الليل (يُذكّر ويؤنّث) "عند الصباح يحمَد القوم السُّرى [مثل]: يُضرب في تقدير المجهود الذي يؤدّي إلى تحقيق الغاية" ° ابن السُّرَى: المسافر ليلاً. 

سَرْي [مفرد]: مصدر سرَى1/ سرَى بـ/ سرَى على وسرَى2. 

سَرَيان [مفرد]: مصدر سرَى2. 

سَرِيّ [مفرد]: ج أسْرية وسُرْيان: جدول، نهر صغير " {فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلاَّ تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا} ". 

سَرِيّة [مفرد]: ج سَرِيّات وسَرايا: (سك) فرقة من الجيش تضمّ عددًا من الفصائل "سرّية مشاة- هجمت السَّرِيَّة على أحد حصون العَدُوّ" ° سريَّة الخيل: نحو أربعمائةَ منها. 

مَسْرًى [مفرد]: ج مسارٍ:
1 - مصدر ميميّ من سرَى1/ سرَى بـ/ سرَى على وسرَى2.
2 - خطّ سير "كان مَسْرَى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى" ° خَطّ المسرى: خطّ مسير القذائف منذ انطلاقها حتى بلوغها الهدف.
3 - مكان السَّرْي، والسَّرْي هو المُضيّ والذَّهاب أو السَّيْر أو الدّبيب "مَسْرَى التّيّار الكهربائيّ". 

مُسْرًى [مفرد]: اسم مفعول من أسرى/ أسرى بـ. 
سري
: (ى ( {السُّرَى، كالهُدَى: سَيْرُ عامَّةِ اللّيْلِ) لَا بَعْضه، كَمَا تَوهَّمه الفناري، قالَهُ شيْخُنا.
وَفِي المِصْباح: قالَ أَبو زيْدٍ: ويكونُ أَوَّلَ الليْلِ وأَوْسَطه وآخِرَه.
وَالَّذِي فِي المُحْكم: سَيْرُ اللّيْل عامَّةً.
وبالتَّأَمُّل يَظْهَرُ أَنَّ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الفناري ليسَ بوَهْم.
يُؤَنَّثُ (ويُذَكَّرُ) ، وَلم يَعْرفِ اللّحْيانيّ إلاَّ التَّأْنيث، شاهِدُ التَّذْكير قَوْلُ لبيدٍ:
قلتُ هَجِّدْنا فقد طالَ السُّرَى
وقَدَرْنا إِن خَنَى الدَّهْر غَفَلْقال ابنُ سِيدَه ويجوزُ أَن يُزيدَ طالَتِ السُّرَى فحذَفَ علامَةَ التَّأْنِيثِ لأنَّه ليسَ بمُؤَنَّثٍ حَقِيقيَ.
(} سَرَى) فلانٌ ( {يَسْرِي} سُرًى {ومَسْرًى} وسَرْيَةً، ويُضَمُّ) .
قالَ الفيومي: والفتْحُ أَخَصّ.
وَفِي الصِّحاح: يقالُ: {سَرَيْنا} سَرْيةً واحِدَةً، والاسمُ {السُّرْيَةُ، بالضمِّ،} والسُّرَى.
( {وسِرايَةً) ، وقيلَ: هُوَ اسمٌ أَيْضاً، والمَصْدرُ} سَرْى؛ كَمَا فِي المِصْباحِ.
وَفِي الصِّحاحِ: {السِّرايَةُ: سُرَى الليْلِ، وَهُوَ مَصْدرٌ، ويَقلُّ فِي المَصادِرِ أَن تجيءَ على هَذَا البِناءِ لأنَّه مِن أَبْنِيةِ الجَمْعِ، يدلُّ على صحَّةِ ذلكَ أَنَّ بعضَ العَرَبِ يُؤنَّثَ} السُّرَى والهُدَى، وهم بَنُو أَسَدٍ، توهُّماً أنَّهما جَمْعُ. . سُرْيَةٍ وهُدْيَةٍ.
( {وأَسْرَى) } إسْراءً، كِلاهُما بمعْنىً، وبالأَلِفِ لُغَةُ الحِجاز، وجاءَ القُرْآن بهما جَمِيعاً:! فَأسر بأَهْلِكَ بقطعٍ مِن الليْلِ، والليْلُ إِذا {يَسْرِ، سُبْحان الَّذِي} أَسْرَى؛ قالَ حسَّانُ بنُ ثابتٍ:
حَيِّ النَّضِيرَةَ رَبَّةَ الخِدْرِ
{أَسَرَتْ إليكَ وَلم تكُنْ} تُسْرِي ( {واسْتَرَى) :} كأسْرَى؛ قالَ الهُذَليُّ:
وخَفُّوا فأَمَّا الحابِلُ الجَوْنُ {فاسْتَرى
بلَيلٍ وأَمَّا الحَيُّ بعدُ فأَصْبَحُواوقالَ كثيِّرٌ:
أَرُوحُ وأَغْدُو من هَواكِ} وأَسْتَرِي
وَفِي النَّفْسِ مِمَّا قَدْ عَمِلْتِ عَلاقِمُ ( {وسَرَى بِهِ} وأَسْراهُ و) أَسْرى (بِهِ) : أَي يُسْتَعْملان مُتعدِّيَيْن بالباءِ إِلَى مَفْعول.
(و) أَمَّا قوْلُه تَعَالَى: {سُبْحان الَّذِي ( {أَسْرَى بعَبْدِه لَيْلاً) } ، وَإِن كانَ} السُّرَى لَا يكونُ إلاَّ لَيْلاً أنَّه (تَأْكِيدٌ) كقَوْلِهم: {سِرْتُ أَمْسِ نَهَارا والبارِحَة لَيْلًا؛ كَمَا فِي الصِّحاحِ.
(أَو مَعْنَاهُ: سَيَّرَه) ؛ كَمَا فِي التَّهْذِيبِ.
وقالَ عَلَم الدِّيْن السَّخاوِي فِي تَفْسيرِه: إنَّما قالَ لَيْلًا والإِسْراءُ لَا يكونُ إلاَّ باللَّيْل، لأنَّ المدَّةَ الَّتِي} أَسْرى بِهِ فِيهَا لَا تُقْطَعُ فِي أَقَل مِن أَرْبَعِين يَوْماً فقُطِعَتْ بِهِ فِي لَيْلٍ واحِدٍ؛ فكانَ المَعْنى سُبحان الَّذِي {أَسْرَى بعَبْدِه فِي لَيْلٍ واحِدٍ من كَذَا وَكَذَا، وَهُوَ مَوْضِعُ التَّعجُّبِ، وإنَّما عَدَلَ عَن لَيْلةٍ إِلَى لَيْلٍ لأنَّهم إِذا قَالُوا} سَرَى لَيْلَةً كانَ ذلكَ فِي الغالِبِ لاسْتِيعابِ اللّيْلة {بالسُّرَى، فقيلَ لَيْلاً أَي فِي لَيْلٍ، انتَهى نقلَهُ عبدُ القادِرِ البَغْدادِي فِي حاِشَيَةِ الْكَعْبِيَّة.
وجَعَلَهُ الرَّاغبُ مِن السّراةِ وَهِي الأَرْضُ الواسِعَةُ، وأَصْلُه من الواوِ،} أَسْرَى مِثْلُ أَجْبَل وأَتْهَم، أَي ذَهَبَ بِهِ فِي! سَراةٍ مِن الأرْضِ وَهُوَ غَرِيبٌ. ( {والسَّرَّاءُ، كشَدَّادٍ: الكثيرُ} السُّرَى) باللّيْل؛ نقلَهُ الأزْهريُّ.
( {والسَّارِيَةُ: السَّحابُ} يَسْرِي لَيْلاً) ؛ قالَ النابَغَةُ:
{سَرَتْ عَلَيْهِ من الجَوْزاءِ} سارِيَةٌ
تُزْجِي الشّمالُ عَلَيْهِ جامِدَ البَرَدوقيلَ: هِيَ السَّحابَةُ الَّتِي بينَ الغادِيَةِ والرَّائِحَة.
وقالَ اللَّحْيانيُّ: هِيَ المَطْرَة الَّتِي تكونُ باللَّيْل؛ وقالَ كعبٌ:
تَنْفي الرَّياحُ القَذَى عَنهُ وأَفْرَطَه
من صَوْبِ {ساريةٍ بيضٌ يَعالِيلُ (ج} سَوارٍ.
(و) {السَّارِيَةُ: (الأُسطُوانَةُ) ؛ زادَ صاحِبُ البارِع: من حَجَرٍ أَو آجُرَ، والجَمْعُ} السَّوارِي.
(و) {السَّارِيَةُ: (د بطَبَرِسْتانَ) ، ويُعْرَفُ} بسارِيَةِ مَازَنْدَرَان، (مِنْهُ: بُنْدَارُ بنُ الخَليلِ) الزاهدُ ( {السَّرَوِيُّ) ، بالتَحْرِيكِ، رَوَى عَن مُسْلم بنِ إبراهيمَ، وَعنهُ أحمدُ بنُ سعيدِ بنِ عُثْمان الثَّقفيِّ.
(} وسارِيَةُ بنُ زُنَيمِ) بنِ عَمْروِ بنِ عبدِ اللَّهِ بنِ جابِرِ بنِ محميةَ بنِ عبدِ بنِ عدِيِّ بنِ الديلِ الخلجيُّ الكِنانيُّ (الَّذِي نادَاهُ عُمَرُ، رضِي الله عَنهُ على المِنْبَرِ، وسارِيَةُ بنَهاوَنْدَ) فقالَ: يَا! سارِيَة: الجَبَلِ الجَبَل، فسَمِعَ صَوْتَهُ وكانَ يُقاتِلُ العَدُوَّ فانْحازَ بهم إِلَى الجَبَل فسَلِم مِن مَكِيدتِهم، وَهَذِه الكَرامَةُ ذَكَرَها غيرُ واحِدٍ من أَصْحابِ السِّيَرِ، وَقد ذَكَرَه ابنُ سَعْدٍ وأَبو مُوسَى وَلم يَذْكُر مَا يدلُّ لَهُ على صُحْبتِه، لكنَّه أَدْرَك، وذكَرَه ابنُ حبَّانِ فِي ثِقاتِ التابِعين قالَ: رَوَى عَن أَنَسٍ وعنَه أَبو حزَرَةَ يَعْقوبُ بنُ مجاهِدٍ، (وكانَ أَشَدَّ النَّاسِ حَصْراً) ، هَكَذَا فِي النسخِ، أَي مَحْصوراً، أَو هُوَ بالضَّادِ المُعْجمة أَي عَدْواً وَهُوَ الظاهِرُ.
وفاتَهُ:
سارِيَةُ بنُ أَوْفَى: لَهُ وِفادَةٌ، ويقالُ عَقَدَ لَهُ النَّبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على {سرِّيَةٍ.
(و) سارِيَةُ (بنُ عَمْرٍ والحَنَفِيُّ صاحِبُ خالِدِ بنِ الوَليدِ) ، رضِي اللَّهُ عَنهُ، قَالَ لَهُ: إِن كانَتْ لكَ فِي أَهْلِ اليَمامَةِ حاجَةٌ فاسْتَبْق هَذَا، يَعْنِي مَجاعَة بن مرارَةٍ.
(و) سارِيَةُ (بنُ مَسْلَمَةَ بنِ عُبَيْدِ) بن ثَعْلَبَةَ بنِ يَرْبُوعِ بن ثَعْلبَةَ بن الدولِ (الحَنَفيُّ أَيْضاً) ، كِلاهُما مِن حنيفَةَ، ومِن ولدِ الأخيرِ خُلَيْدُ بنُ عبدِ اللَّهِ بنِ زهيرِ بنِ سارِيَةَ وَلِيَ خُرَاسان، قالَهُ ابنُ الكَلْبي.
وَفِي التّابِعِين: سارِيَةُ بنُ عبدِ اللَّهِ رَوَى عَن ابنِ مَسْعودٍ، وَعنهُ سالِمُ بنُ أَبي الجَعْد.
(} والسَّرِيَّةُ) ، كغَنِيَّةٍ: قِطْعَةٌ مِن الجَيْشِ، فَعِيلَةٌ بمعْنَى فاعِلَةٍ، لأنَّها تَسْري فِي خُفْيَةٍ لَيْلاً لئَلاَّ يَنْذَر بهم العَدُوُّ فيَحْذروا، وَهِي (مِنْ خَمْسةِ أَنْفُسٍ إِلَى ثَلَثمِائَةٍ، أَو) هِيَ مِن الخَيْل نَحْو (أَرْبعمائَةٍ) .
وَفِي النِّهايَةِ يَبْلغُ أَقْصاها أَرْبعمائَة، والجَمْعُ {السَّرايا} والسَّرِيات.
فِي الصَّحاحِ: يقالُ: خَيْرُ {السَّرايا أَرْبُعمائةِ رجُلٍ.
وَفِي فَتْح البارِي:} السَّرِيَّةُ مِن مِائَةٍ إِلَى خَمْسمائةٍ فَمَا زادَ فَمنْسِر، كمَجْلِسٍ، فَإِن زادَ على ثَمانمِائةٍ فجَيْش، فَإِن زادَ على أَرْبعةِ آلافٍ فجيْش جَرَّار.
وَفِي النَّهايةِ: قيلَ: سَرِيَّة لأنَّهم يكونونَ خُلاصَة العَسْكرِ وخِيارَهم مِن الشيءِ! السَّرِيّ وَهُوَ النَّفِيس، وقَوْل مَنْ قالَ لأنَّهم يُنَفِّذُونَ سرّاً وخُفْيَة، ليسَ بالوَجْه لأنَّ لامَ السّر راو، وَهَذِه ياءٌ فتأَمَّل.
( {وسَرَّى) قائِدُ الجيْشِ سَريَّةً (} تَسْرِيَةً: جَرَّدَها) إِلَى العَدُوِّ لَيْلاً (و) {السَّرِيَّةُ: (نَصْلٌ صَغيرٌ) قَصِيرٌ (مُدَوَّرٌ) مُدَمْلَك لَا عَرْضَ لَهُ، وَقد يكونُ تَحْتَ الأرضِ.
ثمَّ إنَّ سِياقَ المصنِّف ظاهِرٌ أنَّه من مَعَاني} السَّرِيَّةِ، كغَنِيَّة، لِكَوْنِه مَعْطوفاً على مَا قَبْلَه، وَهُوَ غَلَطٌ، والصَّوابُ فِيهِ السِّرْية، بالكَسْر، وتَخْفيفِ الياءِ، كَمَا هُوَ نَصُّ المُحْكَم، لأنَّه بَعْد مَا ذَكَرَه قالَ: وَقد تكونُ هَذِه الياءُ واواً لأنَّهم قَالُوا السِّرْوة فقَلَبُوها يَاء لقُرْبها مِن الكَسْرةِ.
وَفِي التكملة: وقالَ الأصْمعيُّ: السِّرْيةُ، بالكَسْرِ، مِن النِّصالِ، لُغَةٌ فِي السِّرْوةِ، فتأَمَّل فإنَّ فِي عِبارَةِ المصنِّفِ سَقْطاً.
( {وسَرَى عِرْق الشَّجَر) } يَسْرِي {سَرْياً: إِذا (دَبَّ تَحْتَ الأرضِ) ؛ نقلَهُ ابنُ سِيدَه والأزْهريُّ.
(و) } سَرَى (متاعَهُ) {يَسْرِيه} سَرْياً: (أَلْقاهُ على ظَهْرِ دابَّتِه) ؛ نقلَهُ ابنُ سِيدَه.
(و) {السَّرِيُّ، (كغَنِيَ: نَهْرٌ) ، قالَهُ ثَعْلَب.
وقيلَ: هُوَ الجَدْولُ؛ قالَهُ ابنُ عبَّاس، وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ اللُّغَةِ وفَسَّرُوه بأنَّه: (نَهْرٌ (صَغيرٌ يَجْرِي إِلَى النَّخْلِ) ؛ قالَ لبيدٌ يَصِف نَخْلاً على نَهْر:
سُحُقٌ يُمَتِّعُها الصّفا} وسَرِيُّهُ
عُمٌّ نَواعِمُ بَيْنهُنَّ كُرومُوبه فُسِّر قوْلُه تَعَالَى: {قد جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ {سَرِيّاً} .
(ج} أَسْرِيَةٌ {وسُرْيانٌ) ، كرَغِيفٍ وأَرْغِفَةٍ ورُغْفان.
قالَ الجوهرِيُّ: وَلم يُسْمَع فِيهِ} بأَسْرِياءَ.
(والَّزاهِدُ السَّقَطِيُّ) ، محرَّكةً: هُوَ السَّرِيُّ بنُ الْمُغلس (م) مَعْروفٌ صحِبَ أَبا مَحْفوظ مَعْروف بن فَيْرُوز الكَرْخيّ، وَعنهُ ابنُ أُخْتِه الجُنَيْد البَغْدادِيّ؛ (وجماعَةٌ) آخَرُون مِنْهُم: {السَّريُّ بنُ سَهْل عَن ابْن عليَّة؛} والسَّريُّ بنُ عبدِ اللَّهِ السّلَميُّ؛ والسَّريُّ بنُ عبد الحميد وغيرُهم.
(وغَنْمُ بنُ {سُرَيَ، كسُمَيَ، فِي) نَسَبِ (الخَزْرَجِ، وَمن ذُرِّيَّتِه: طَلْحَةُ بنُ البَراءِ الصَّحابيُّ) ، وسهيلُ بنُ رافِعٍ صاحِبُ الصَّاع، رضِيَ الله عَنْهُمَا، من ولدِ سُرَيِّ بن سَلَمَة ابنِ أنيفٍ.
(وَفِي بَني حنيفَةَ سُرَيٌّ أَيْضاً) ، وَهُوَ سُرَيُّ بنُ سَلمةَ بنِ عبيدٍ، ومِن ذُرِّيَّتِه: البَعِيثُ الشاعِرُ فِي زَمَنِ الفَرَزْدق.
وفاتَهُ:
} سُرَيُّ بنُ كَعْبٍ الأزْديُّ رَوَى عَنهُ الثَّوْري.
(و) {السَّراءُ، (كسَماءٍ: شَجَرٌ) تُتَّخَذُ مِنْهُ القِسِيُّ، (واحِدَتُه بهاءٍ) ؛ وأَنْشَدَ الجوهريُّ لزهيرٍ يَصِفُ وحْشاً:
ثلاثٌ كأَقْواسِ} السَّراءِ وناشِطٌ
قد انحَصَّ من لَسِّ الغَمِير جحافِلُهْ ( {والسَّراةُ: أَعْلى كلِّ شيءٍ) ، وَمِنْه} سَراةُ النهارِ أَعْلاهُ؛ وَكَذَا سَراةُ الجَبَلِ.
ووَقَعَ فِي نسخِ الصِّحاحِ: سَراةُ النهارِ وَسَطُه، ونَبَّهوا أَنَّ الصَّوابَ فِيهِ أَعْلاهُ.
( {وسَراةُ مُضافَةً إِلَى) عدَّةِ قَبائِل ومَواضِع فَمِنْهَا:} سَراةُ (بَجيلَةَ وزَهْرانَ وعَنْزٍ) ، بفَتْحٍ فسكونٍ، (والحِجْرِ) ، بالكسْرِ؛ (و) سَراةُ (بَني القَرْنِ) ، بالفتْحِ، (و) سَراةُ (بَني شَبانَةَ، و) سَراةُ (المَعافِرِ وفيهَا قُرًى وجِبالٌ) ومِياهٌ؛ (و) سَراةُ (الكُراعِ وفيهَا قُرًى أَيْضاً، و) سَراةُ (بَني سَيْفٍ، و) سَراةُ (خَتْلانَ) ؛ بفتْحِ الخاءِ المعْجمةِ وسكونِ المُثَنَّاةِ الفَوْقِيَّة؛ (و) سَراةُ (أَلْهانَ؛ و) سَراةُ (المَصانِع، و) سَراةُ (قُدُمٍ) ، بضمَّتَيْن؛ (و) سَراةُ (هَتُومٍ) ، كصَبُورٍ؛ (و) سَراةُ (الطَّائِفِ وَهَذِه غَوْرُها مكَّةُ ونَجْدُها دِيارُ هَوازِنَ، مَواضِعُ م) مَعْروفَة.
قالَ الفيومي: السَّراةُ جَبَلٌ أَوَّلَهُ قَرِيبٌ مِن عَرَفات ويَمْتدُّ إِلَى حَدِّ نَجْران اليَمَنِ، والنِّسْبَةُ إِلَى السَّراةِ {سَروِيٌّ بالفتْحِ، وَهُوَ جَبَلُ الأزْدِ.
وضَبَطَه الرشاطيُّ بالتَّحريكِ فِي النِّسْبَةِ.
وقالَ ابنُ السّمعانيُّ: لَا أَدْرِي هَل كانَ فيهم عَالم أم لَا.
وذَكَرَ الرشاطيُّ حدِيثَ ابنِ عُمَر المَوْقُوف: اجْتَمَعَ أَرْبَع رَهْط سَرْويَّ ونَجْديّ وشامِيّ وحِجازيّ، فذَكَر الحِكَايَة؛ قالَهُ الحافِظُ.
قُلْتُ: وَكَثِيرًا مَا يَذْكُر الدّينورِي فِي كتابِ النَّباتِ عَن} السَّرويِّين، أَي مِن أَهْلِ السَّراةِ.
( {وأَسْرَى: صارَ إِلَى السَّراةِ) ، كأَنْجَدَ وأَتْهَمَ.
(} وسِرْيَا، بالكسْرِ: ة بالبَصْرَةِ) .
وقالَ نَصْر: صقْعٌ بسَوادِ العِراقِ قُرْبَ بَغْدادَ وقُرىً وأَنهارٌ مِن طسوج دوريا.
قالَ الصَّاغانيُّ: يُضْرَبُ ببقِّها المَثَلُ.
(وسِرْياقُوسُ) ، بالكْسرِ وضمِّ القافِ: (ة بمِصْرَ) بالشرقيَّةِ على مَقْرُبَةٍ، وَبهَا خانقاه مَشْهورٌ.
ثمَّ إنَّ صَنِيعَ المصنِّفِ يَقْتضي أنَّها مُركَّبَةٌ مِن سْرْيا وقُوس، وَالَّذِي فِي كتبِ التَّوارِيخ والخُطَطِ أنَّها مُركَّبة مِن سِرْ أَمْر مِن سارَ يَسِيرُ وقَوس، بالفتْحِ، وعَلى كلِّ حالٍ المُناسِبُ ذِكْرها فِي بابِ السِّيْن وفَصْلها.
(والسُّرَيَّةُ، كَسُمَيَّة: ة بالشَّامِ) .
قالَ نَصْر: هِيَ مِن أَغْوارِ الشَّامِ.
( {والسَّارِي: ع.
(و) أَيْضاً: (الأَسَدُ} كالمُسارِي {والمُسْتَرِي) لسَيْرِه لَيْلاً.
وممَّا يُسْتدركُ عَلَيْهِ:} السُّراةُ، بالضمِّ: جَمْعُ {السَّارِي، وهُم الَّذين} يَسْرونَ بالليْلِ؛ وَمِنْه قَوْل الشاعِرِ:
أَتَوْا نارِي فقُلْتُ مَنُونَ؟ قَالُوا
{سَرَاةُ الجِنِّ قلتُ عِمُوا ظَلامَاويُرْوَى بفتْحِ السِّيْن أَيْضاً.
وَفِي أَمْثالِهم:} أَسْرى من قُنْفُذٍ، وذَهَبُوا إسْراءَ قُنْفُذٍ، وذلكَ لأنَّ القُنْفُذَ {يَسْرِي ليلَهُ كُلَّه لَا يَنامُ.
} وسَرَى {يَسْرِي: إِذا مَضَى؛ وَمِنْه قَوْلُه تَعَالَى: {والليْلُ إِذا} يَسْرِ} ، حذفَ الْيَاء لأنَّها رأْسُ آيَةٍ؛ وقيلَ: مَعْناه إِذا {سرى فِيهِ كَمَا قَالُوا لَيْلٌ نائِمٌ أَي يُنامُ فِيهِ، فَإِذا عَزَمَ الأَمْرُ أَي عُزِمَ عَلَيْهِ.
} والسارِياتُ: حُمُرُ الوَحْشِ لأنَّها تَرْعى لَيْلًا وتَنَفَّش، وَمِنْه قَوْلُ الفَرَزْدَق يَهْجُو جَرِيرًا:
رأَيتُكَ تَغْشَى {السارِياتِ وَلم تكنْ
لتَرْكَبَ إلاَّ ذَا الوشوم المُوَقَّعاوعَنَى بِغِشْيانِها نِكاحَها، وَكَانَ يعيبُه بذلكَ.
} وسَرَى عنِّي الثوبَ سَرْياً: كَشَفَهُ؛ والواوُ أَعْلى، كَمَا فِي المُحْكَم.
وَفِي التَّهْذيبِ: {سَرَيْتُ الثوبَ} وسَرَّيتُه: نَضَوْتَه.
{والسُّوَيْرِيَّات: بَنُو عبدِ اللَّهِ بنِ أَبي بَكْرِ بنِ كلابٍ، ويقالُ لَهُم} السَّوارِي أَيْضاً، وإيَّاهم عَنَى لبيدٌ بقَوْله:
وحَيَّ! السَّوارِي لَنْ أَقُولَ بجَمْعِهم
على النَّأْي إلاَّ أَن يُحَيَّى ويُسْلَماقالَ ابنُ سِيدَه: وإنَّما قَضَيْتُ بأنَّ هَذَا مِن الياءِ لأنَّها لامٌ. {وسَرَّى العَرَق عَن بَدَنِه} تَسْريَةً: نَضَحَهُ، قَالَ:
يَنْضَحْنَ ماءَ البَدَنِ {المُسَرَّى وَفِي المِصْباح: قد اسْتَعْملتِ العَرَبُ} سرى فِي المعانِي تَشْبيهاً لَهَا بالأَجْسامِ مجَازًا واتِّساعاً، فَمِنْهُ قَوْلُه تَعَالَى: {واللَّيلُ إِذا يَسْرِ} ، وَقد تقدَّمَ ذِكْرُه.
وقالَ الفارابي: سَرَى فِيهِ السّمُّ والخَمْرُ ونَحْوهما.
وقالَ السَّرقسْطِي: سَرى عرق السّوء فِي الإِنْسانِ. وزادَ ابنُ القطَّاع: سرى عَلَيْهِ الهَمُّ أَتاهُ لَيْلاً. {وسَرَى هَمُّه ذَهَبَ؛ وإسْنادُ الفِعْل إِلَى المعانِي كثيرٌ فِي كَلامِهم.
وقَوْل الفُقهاءِ:} سَرى الجُرْحُ إِلَى النَّفْسِ: أَي دامَ أَلَمُه حَتَّى حَدَثَ مِنْهُ المَوْتُ. وقطعَ كَفّه {فسرى إِلَى ساعِدِه: أَي تعدَّى أَثَر الجُرْح.} وسرى التَّحْريم وسرى العتْق بمعْنَى التَّعْديَّةِ. وَهَذِه الأَلْفاظُ جارِيَةٌ على أَلْسنةِ الفُقهاءِ، وليسَ لَهَا ذِكْر فِي الكُتُبِ المَشْهورَةِ لكنَّها مُوافِقَة لمَا تقدَّمَ، انتَهى.
وَفِي المُحْكَم: واسْتَعارَ بعضُهم السُّرَى {للدَّواهِي والحُرُوبِ والهُمُومِ؛ قالَ الحرِثُ بنُ وعلَةَ فِي صفةِ الحَارْبِ:
ولكنَّها} تَسْري إِذا نامَ أَهْلُها
فتأْتي على مَا ليسَ يَخْطُر فِي الوَهْمِقُلْتُ: وَفِي هَذَا المَعْنى أَنْشَدَنا صاحِبُنا الفَقِيهُ أَبو محمدٍ عبدُ الغنِيّ بنُ محمدٍ الأنْصارِي:
يَا رَاقِد الليْل انْتَبه
إنَّ الخُطُوبَ لَهَا {سُرى ثِقَة الفَتى بزَمانِه
ثِقَة مُحلَّلةُ العُرَى والغالِبُ على مَصادِرِ مَا ذُكِر} السّرايَة {والسَّرَيان.
} والسارِيَةُ: جَبَلٌ بفارِسَ.
وأَيْضاً: القَوْمُ! يسرون بالليْلِ؛ نقَلَهُ الرَّاغبُ. {والمُتَسَرِّي: الَّذِي يَخْرُجُ فِي} السّرِيَّةِ، نقلَهُ ابنُ الْأَثِير.
وجاءَ صَبيحَةَ {سارِيَةٍ: أَي لَيْلةٍ فِيهَا مَطَر.
} وسُرِّي عَنهُ: كُشِفَ وأزِيل، والتّشْديدُ للمُبالَغَة.
{والسِّرْيةُ، بالكسْرِ: دُودَةُ الجَرادِ؛ نقلَهُ الجوهرِيُّ.
ويقالُ: سارَ} بالسَّرِيَّة، إِذا سارَ بالسِّيَرةِ النَّفِيسَة؛ عَن ابنِ الأَثيرِ وَهُوَ مجازٌ.
{وسِرْيا، بالكْسر: قَرْيةٌ من شرقية مِصْر من حُقُوق المورية.
وابنُ إسْرائِيل: شاعِرٌ مَعْروفٌ، هُوَ نجْمُ الدَيْن أَبُو المعَالِي محمدُ بنُ سوارِ بنِ إسْرائيل بنِ الخضرِ بنِ إسرائِيل بنِ محمدِ بنِ عليِّ بنِ الحَسَنِ بنِ الحُسَيْنِ الشَّيْبانيُّ الدِّمَشْقيُّ ولدَ سَنَة 603، سَمِعَ مِنَ الكِنْدي والشَّهاب السَّهْروردِي، وَعنهُ ابنُ مسدى، تُوفي سَنَة 677.
} والسَّراةُ: مدينَةٌ بأَذَرْبيجان، بهَا قوْمٌ مِن كِنْدَةَ، عَن نَصْر.
{والسّرا، مَقْصوراً: أَحَدُ أَبوابِ هَراةَ، وَمِنْه دَخَلَ يَعْقوبُ ابنُ مالِكِ.

سري


سَرَى(n. ac. سَرْيَة
سُرْيَةسُرًى مَسْرًى [] سَرَيَاْن)
a. Travelled, journeyed by night.
b. Spread, extended; circulated (blood).
c. [Bi], Made to journey by night.
سَرَّيَa. Dispatched; detached ( troops & c. ).
b. ['An], Delivered, freed from.
أَسْرَيَa. see I (a) (c).
إِسْتَرَيَa. see I (a)
سَرْيَة []
a. Night-journey; nighttravelling.

سِرْيَِة []
a. Newly hatched locust.

سُرِْيَة [سُرْيَة], (pl.
سُراى [ ])
a. Night-journey.

مَسْرًى [] (pl.
مَسَارٍ [] )
a. see 3t
سَارِي []
a. [art.], The Lion.
سَارِيَة [] (pl.
سَوَارٍ [] )
a. Night-clouds.
b. Pillar, column.
c. Mast.

سَرَآء []
a. Wood of which bows are made.

سَرَايَة [] ( pl.
reg. )
a. Castle; palace.

سَرِىّ [] (pl.
أَسْرِيَة []
سُرْيَان [] )
a. Rivulet, streamlet, rill.

سَرِيَّة [] (pl.
سَرَايَا)
a. Detachment, squadron.
b. Round lance-head.

سَرَيَان []
a. see 3t
سَرَيَاْنِيّa. Pervasive.

سَرَايَا
a. see 22t
السُّرْيَانِيَّة
a. Syriac.

لذي

لذي


لَذِيَ(n. ac. لَذًى [ ])
a. [Bi], Applied himself to.
أَلَّذِي (pl.
أَلَّذِيْن
a. sometimes

اللَّذُوْن )
a. [ Rel. prom. ], Who, that; which.

أَلَّذَانِ [
du. ]
a. see supra.
_ast; لَزَّ(n. ac. لَذْي
لَذَي
لَذَاْي) [acc. & Bi], Bound, fastened to; joined to.
b. Fastened; barred (door).
c. Thrust, pierced.
d. [acc.
& IIa ], Compelled
to.
e.(n. ac. لَذْي), Clung to.
f. [Bi], Importuned.
g. ['Ala] [ coll. ], Wearied.

لَذَّيَa. Made strong.

لَاْذَيَa. Associated with.

أَلْذَيَa. see I (a)
إِلْتَذَيَ
a. [Bi], Became joined, coupled to.
لَذَيa. Straitness, distress.
b. Strait, difficult (life).
c. see 23 (a)
مِلْذَيa. Persistent, pertinacious; contentious.

لِذَاْيa. Bar ( of a door ).
b. Manager ( of cattle ).
c. see 20
N. P.
لَذَّيَa. Well-knit, sturdy.

كَزّ لَزّ
a. Tenacious.

لَِزّ شَرٍّ
لِزَاز شَرٍّ
لَزِيْر شَرٍّ
a. Prone to evil, inclined to mischief.
ل ذ ي: (الَّذِي) اسْمٌ مُبْهَمٌ لِلْمُذَكَّرِ وَهُوَ مَبْنِيٌّ مَعْرِفَةٌ وَلَا يَتِمُّ إِلَّا بِصِلَةٍ وَأَصْلُهُ لَذِي فَأُدْخِلُ عَلَيْهِ الْأَلِفُ وَاللَّامُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُنْزَعَا مِنْهُ. وَفِيهِ أَرْبَعُ لُغَاتٍ: الَّذِي وَاللَّذِ بِكَسْرِ الذَّالِ وَ (اللَّذْ) بِسُكُونِهَا وَ (الَّذِيُّ) بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَفِي تَثْنِيَتِهِ ثَلَاثُ لُغَاتٍ اللَّذَّانِ وَاللَّذَا بِحَذْفِ النُّونِ وَاللَّذَانِّ بِتَشْدِيدِ النُّونِ. وَفِي جَمْعِهِ لُغَتَانِ: الَّذِينَ فِي الرَّفْعِ وَالنَّصْبِ وَالْجَرِّ وَالَّذِي بِحَذْفِ النُّونِ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: فِي الرَّفْعِ اللَّذُونَ. وَتَصْغِيرُ الَّذِي (اللَّذَيَّا) بِالْفَتْحِ وَالتَّشْدِيدِ. 
[ل ذ ي] الَّذِي من الأَسْماءِ المَوْصُولَة صِيغَتْ ليُتَوَصَّلَ بها إِلى وَصْفِ المَعارِفِ بالجُمَلِ وفيه لُغاتٌ الَّذِي والَّذِ بكسر الذال والَّذْ بإسكانها والَّذِيُّ قالَ

(ولَيْسَ المالُ فاعْلَمْه بمالٍ ... مِن الأَقْوامِ إِلا لِلَّذِيِّ)

(يُرِيدُ به العَلاءَ ويَمْتَهِنْه ... لأقْرَبِ أَقْرَبِيهِ ولِلقَصِيُّ)

والتثنية اللَّذانِّ بتشديد النون واللَّذانِ النُّونُ عِوَضٌ من ياءِ الَّذِي واللَّذا فَعلاَ ذلكَ قالَ

(أَبَنِي كُلَيْبٍ إِنَّ عَمَّىَّ اللَّذَا ... قَتَلا المُلُوكَ وفَكَّكا الأَغْلاَل)

قالَ سِيبَوَيْهِ أَرادَ اللَّذانِ فحَذَفَ النُّون ضَرُورَةً قالَ ابنُ جِنِّي الأَسماءُ المَوْصُولَةُ نحو الَّذِي والَّتِي لا يَصِحُّ تَثْنِيَةُ شَيْءٍ مِنْها من قِبلِ أَنَّ التَّثْنِيَةَ لا تَلحَقُ إِلا النَّكِرةَ فما لا يَجُوزُ تَنْكِيرُه فهو بأَلا تَصِحَّ تَثْنِيَتُه أَجْدَرُ والأَسماءُ المَوْصُولَةُ لا يَصِحُّ أن تُنَكَّرَ فلا يَجُوز أن يُثَنَّى شَيْءٌ منها أَلا تَراها بعد التَّثْنِيَةِ على حَدٍّ ما كانَتْ عليهِ قَبْلَ التَّثْنِيَةِ وذلِكَ قولُك ضَرَبْتُ اللَّذَيْنِ قامَا إِنما يَتَعرفانِ بالصِّلَةِ كما يَتَعَرَّفُ بها الواحِدُ في قولكَ ضَربْتُ الَّذِي قامَ والأمرُ في هذه الأَشياءِ بعد التَّثْنِيَة هو الأمرُ فِيها قبلَ التَّثْنِية وهذه أَسماءٌ لا تُنَكَّرُ أبدًا لأَنَّها كناياتٌ وجارِيَةٌ مَجْرَى المُضْمَرَة فإِنَّما هي أَسماءٌ مَوْضُوعَة للتًّثْنِيةِ وليس كذلك سائِرُ الأَسماءِ المُثَنّاةِ نحو زَيْدٍ وعَمْرٍ وأَلا تَرَى أن تَعْرِيفَ زَيْدٍ وعَمْرٍ وإِنَّما هُو بالوَضْعِ والعَلَمِيَّة فإِذا ثَنَّيْتَهُما تَنَكَّرا فقُلْتَ رأيتُ زَيْدَيْن كَرِيمَيْنِ وعِنْدِي عَمْرانِ عاقِلانِ فإن آثَرْــتَ التَّعْرِيفَ بالإضافَةِ أو باللامِ قلتَ الزَّيْدان والعَمْرانِ وزَيْداكَ وعَمْراكَ فقد تَعَرَّفا بعدَ التَّثْنِيَةِ من غيرِ وَجْهٍ تَعَرُّفِهما قَبْلَها وَلِحقا بالأَجْناسِ وفارقَا ما كانَا عليه من تَعْرِيفِ العَلَمِيَّةِ والوَضْعِ فإِذا صَحَّ ذلك فَيَنْبَغِي أَن يُعْلَمَ أَنَّ اللَّذانِ واللَّتانِ وما أَشْبَهَهُما إِنَّما هِي أَسماءٌ مَوْضوعَةٌ للتَّثْنِيةِ مُخْتَرعةٌ لها وليست تَثْنِيَةَ الواحِدِ على حَدِّ زَيْدٍ وزيدان إِلا أَنَّها صِيغَتْ على صُورَةِ ما هُوَ مثنى عَلى الحَقِيقةِ فقيل اللذَّانِ واللَّتانِ واللَّذَيْنِ واللَّتَيْنِ لِئلا تَخْتَلِفَ التَّثْنِيَةُ وذلِك أَنَّهم يُحافُظونَ عليها ما لا يُحافِظُونَ على الجَمْعِ وقد تَقَدَّمَ القَوْلُ في هذا كُلِّه في الذّالِ والياءِ وفي الجَمِيع هم الَّذِينَ فَعَلُوا ذاك والَّذُونَ فَعَلُوا ذاك هُذَلِيَّةٌ والذِي فَعَلَ ذاك والَّذُو فعلَ ذاك وأكْثَرُ هذه عن اللِّحْيانِيِّ وأَنْشَد في الَّذِي يَعْنِي به الجَمِيعَ للأشْهَبِ بن رُمَيْلَةَ

(وإِنَّ الَّذِي حانَتْ بفَلْجٍ دماؤُهُمْ ... هُمُ القَوْمُ كُلُّ القَوْمِ يا أُمَّ خالِدِ)

وقِيلَ إِنَّما أرادَ الَّذِين فحَذَفَ النُّونَ تَخْفِيفًا وتَصْغِيرُها اللُّذَيّا واللَّذَبّا وإِذا سَمَّيْتَ بِها قُلْتَ لَذٍ ومَنْ قالَ الحَارِث والعَبّاس أَثْبَتَ الصِّلَةَ في التَّسْمِيَة مع اللاَّم فقال هو الَّذي فَعَلَ والأَلِفُ واللامُ في الَّذِي زائدةٌ وكذلكَ في التَّثْنِيةِ والجَمْعِ وإِنَّما هُنَّ مُتَعَرِّفاتٌ بصِلاتِهِنَّ وهُما لازِمتَانِ لا يُمْكِنُ حَذْفُهُما فرُبَّ زائدٍ يَلْزَمُ فلا يَجُوزُ حَذْفُه ويَدُلُّ على زِيادَتِهما وجُودَكَ أَسماءً مَوْصُولَةٌ مثلَها مُعرّاة من الأَلفِ واللاّمِ وهي مع ذلكَ مَعْرِفةٌ وتلكَ الأَسْماءُ مَنْ ومَا وأَيّ في نَحْوِ قولِك ضَرَبْتُ مَنْ عِندَكَ وأَكَلْتُ ما أَطْعَمْتَنِي ولأَضْرِبَنَّ أَيُّهم قامَ فَتَعَرُّفُ هذه الأَسماءِ التي هي أَخَواتُ الَّذِي والَّتِي بغير لامٍ وحُصُولُ ذلك لَها بما تَبِعَها من صلاتِها دُونَ اللامِ يَدُلُّ عَلى أن الَّذِي إِنما تَعَرُّفُه بصِلَتِه دُونَ اللاَّمِ الَّتِي هي فيه وأَنَّ اللامَ فيه زائدة

بنو

بنو

1 بَنَا, aor. ـُ see art. بنى.

اِبْنٌ, held by some to be originally بَنَوٌ: see art. بنى.

بُنُوَّةٌ: see art. بنى.

بَنَوِيٌّ: see art. بنى.
ب ن و : الِابْنُ هَمْزَتُهُ وَصْلٌ وَأَصْلُهُ بَنُو (1) وَسَيَأْتِي.

وَالْآبُنُوسُ (2) بِضَمِّ الْبَاءِ خَشَبٌ مَعْرُوفٌ وَهُوَ مُعَرَّبٌ وَيُجْلَبُ مِنْ الْهِنْدِ وَاسْمُهُ بِالْعَرَبِيَّةِ سَأْسَمٍ (3) بِهَمْزَةٍ وِزَانُ جَعْفَرٍ والْأَبْنُسُ بِحَذْفِ الْوَاوِ لُغَةٌ فِيهِ. 
بنو: البُنُوَّةُ: مَصْدَرُ الابْنِ، تَبَنَّيْتُهُ: ادَّعَيْتُ بُنُوَّتَه، والنِّسْبَةُ إلى الأبنَاءِ: بَنَوِيٌّ وأبْنَاوِيٌّ. وابْنٌ: تَأْنِيْثُه ابْنَةٌ، وهُمُ البَنُوْنَ والبَنَاتُ. وبُنِّيَ فلانٌ عَمْراً تَبْنِيَةً: أي جُعِلَ ابْنَه. وأُبَيْنِيٌّ: تَصْغِيْرُ بَنِيْنَ.
ويُقال للصُّبْحِ: ابْنُ ذُكَاءَ.
وللعَرَبِ في الابْنِ والبَنَاتِ كَلاَمٌ كَثِيْرٌ قد فُرِّقَ في أبْوَابِ الكِتَابِ.
[ب ن و] بَنَا في الشَّرَفِ يَبْنُو وعلى هذا تُؤُوِّل قولُ الحُطَيئَة

(أولئِك قومُ إنْ بَنَوْا أحسَنوا البُنَا ... )

قالوا إِنَهُ جَمعُ بُنْوَةٍِ أو بِنْوَةٍ قال الأصمعِيُّ أنشدت أعرابيّا هذا البيتَ

... أحسنوا البنا ... )

فقال لي أَيْ بُنَا أَحسَنُوا البُنَا أرادَ بالأَوّل أَيْ بُنَيَّ والابن الوَلَدُ ولامُهُ في الأصل مُنقَلبةٌ عَنْ واوٍ عند بعضهم كأنّهُ مِن هذا والأُنثى ابنَةٌ وبِنْتٌ الأَخيرَةُ على غيرِ بناءِ مُذَكّرِهَا ولامُ بنِتٍ وَاوٌ والتاءُ بَدلٌ منها قال ابنُ جنيٍّ أصلُهَا بَنَوَةٌ وَوَزْنُها فَعَلٌ فألحَقَتها التاءُ المبدلةُ مِن لامها بِوَزن حِلْسٍ فقالوا بِنْتٌ وليست التاءُ فيها بعلامَةِ تأنيثٍ كما ظَنَّ مَنْ لا خِبْرَةَ لَهُ بهذا الشأن وذلك لسكون مَا قَبلَها وهذا مَذهبُ سيبويهِ وهو الصحيحُ وقد نصّ عليه في باب ما لا ينصرفُ فقال لو سَمَّيتَ بها رجلاً لصرْفتَها معرفةً ولو كانت للتأنيثِ لمَا انصرف الاسمُ على أن سيبويه قد تسمَّح في بعض ألفاظِه في الكتاب فقال في بِنْتٍ هي علامة تأنيثٍ وإنّما ذلك تَجوُّز منه في اللفظ لأنّه أرسلَهُ غُفْلاً وقد قَيَّدهُ وعَلَّلَهُ في باب ما لا ينصرفُ والأخذ بقوله المعلَّلِ أَقْوَى منَ الأخذ بقوله الغُفْلِ المُرْسَلِ ووجْهُ تَجَوُّزه أنَّهُ لمَّا كانتْ التاءُ لا تبدلُ من الواو فيها إلا مع المُؤَنَّث صارَتْ كأنها علامَةُ تأنيثٍ وأَعني بالصيغَة فيها بِناءَهَا على فِعْلٍ وأصلُهَا فَعَلٌ بدلالة تكسيرِهم إِيّاه على أفْعَالٍ وإبدالُ الواوِ فيها لازمٌ لأنّه عَمَلٌ اختُصّ بهِ المُؤَنثُ ويدلُّ أيضًا على ذلك إقامَتُهم إياهُ مُقامَ العلامة الصريحة وتَعَاقُبُهَا فيها على الكلمة الواحدَةِ وذلك نحو ابنَةٍ وبنتٍ فالصيغة في بِنْتٍ قائِمَةٌ مَقَامَ الهاءِ في ابنَةٍ فكما أنّ الهاءَ علامةُ تأنيثٍ فكذلك صيغةُ بِنْتٍ علامةُ تأنيثها وليس بنتٌ مِن ابنَةٍ كَصَعْبٍ مِن صَعْبةٍ إنّما نظيرُ صَعْبَةٍ مِن صَعْبٍ ابنةُ مِن ابنٍ ولا دِلالة لك في البُنّوَّةِ على أنّ الذاهبَ من بنتٍ واوٌ لكِنْ إبدالُ التاءِ من حرف العلةِ يدل على أنَّهُ منَ الواو لأنّ إبدالَ التاءِ مِنَ الواوِ أضعَافُ إبدالِهَا منَ الياءِ والنسبُ إلى بنتٍ بَنَوِيٌّ فأَمّا قولُ يُونُسَ بِنْتِيٌّ وأخْتِيٌّ فمردودٌ عند سيبويه وقد أُنعمَ تَعْلِيلُهُ في غيرِ مَوضعٍ وقوله تعالى {هؤلاء بناتي هُنَّ أطْهَرُ لكم} هود 78 كَنَّى ببناتِهِ عن نسائِهم ونِسِاءُ أُمَّة كُلِّ نَبِيٍّ بمَنزِلَةِ بناتِه وأزوَاجُهُ بمنزلةِ أمهاتهم هذا قول الزجّاجِ قال سيبويه وقالوا ابنَمٌ فزادوا الميمَ كما زِيدتْ في فُسْحُمٍ ودِلقِمٍ وكأَنَّها في ابنَمٍ أَمْثَلُ قليلاً لأنّ الاسمَ محذُوفُ اللامِ فكأنها عِوضٌ منها وليس في فُسحُمٍ ونحوِه حَذْفٌ فأمّا قول رُؤبة

(بُكَاءَ ثَكْلَى فَقَدَتْ حَميمَا ... )

(فَهْيَ تُرَثِّي بأَبَا وابنَامَا ... )

فإنّما أَرادَ وابنيْ ما لكن حَكَى نُدْبتَها واحتمل الجمع بينَ الياءِ والألف هاهُنَا لأنه أرادَ الحكاية كأنّ النادبَةَ آثَرتْ وابنا على ابنِي لأنّ الألفَ هَاهُنَا أَمْنَعُ نَدْبًا وأَمَدُّ لِلصَّوتِ إذْ في الألف من ذلك ما ليس في الياءِ ولذلك قالَتْ بأَبَا ولَمْ تقُلُ بأَبِي والحكايَةُ قد يُحتَملُ فيها مَا لا يُحتَملُ في غيرِها ألا ترى أنّهُم قد قالوا مَنْ زيدًا في جواب مَنْ قال رأيتُ زَيْدًا ومَنْ زيْدٍ في جواب مَنْ قال مَرَرْتُ بزيدٍ ويُرْوَى فَهْيَ تنادي بأبي وابني ما فإذا كان ذلك فَهُو على وَجْهه وما في كلِّ ذلكَ زائدةٌ وَجَمْعُ الابنِ أبناءٌ وقالوا في تصغيرِه أُبَيْنُونَ وجَمْعُ البنت بَنَاتٌ وبناتُ الليلِ الهمُومُ أنشد ثعلَبٌ

(تَظلُّ بناتُ الليلِ حَوْليَ عُكَّفًا ... عُكُوفَ البواكي بَيْنَهُنَّ قَتيلُ)

وقول أميَّةَ بن أبي عائذٍ الهُذَلِيِّ

(فَسَبَتْ بناتِ القلبِ فَهْيَ دَهائِنٌ ... بحِبالِها كالطيرِ في الأقفاصِ)

إنّما عنى ببناتِه طوَائِفَهُ وأبناءُ فارسَ قومٌ مِن أولادِهم ارتُهنُوا باليَمن والنسبُ إليهم أبْنَاوِيٌّ والاسم من كل ذلك البُنُوّةُ وللأَبِ والابن والبنْت أَشْيَاءُ كثيرةٌ يُضَافُ إليها قد جمعتها وتقصَّيْتُها في الكتابِ المُخصَّصِ وتَبَنَّاهُ اتخذه ابنًا وقال الزجّاجُ تَبَنَّى به يريد تَبنَّاهُ وقولُه أنشده ابنُ الأعرابِي

(يَا سَعْدُ يا بنَ عَمَلي يا سَعْدُ ... )

أرادَ يا مَنْ يَعمَلُ عَمَلي أو مثلَ عَمَلي قال والعرب تقول الرفق بُنَيُّ الحِلم أي مثلُهُ وقد تقدّمَ جميعُ ذلكَ في الياءِ

ويو

[وي و] وَاوٌ حَرْفُ هِجاءٍ وهِيَ مُؤَلَّفَةٌ مِنْ وَاوٍ وَيَاءٍ وَوَاوٍ وهِيَ حَرْفٌ مَجْهورٌ يكُونُ أَصْلاً وزَائِدًا وبَدَلاً فالأَصْلُ نَحْوُ وَرَلٍ وسَوْطٍ وَدَلْوٍ وتُبْدَلُ من ثَلاثَةِ أحرفٍ وهي الهَمْزَةُ والأَلِفُ والياءُ فَأَمَّا إبْدالُها من الهَمْزةِ فَعَلى ثَلاثَةِ أَضْرُبٍ أَحَدُها أَنْ تكونَ الهَمْزَةُ أَصْلاً والآخَرُ أَنْ تكونَ بَدلاً والآخَرُ أَنْ تكونَ زائِدةً أَمَّا إِبْدَالُها مِنْها وهِيَ أَصْلٌ فَأَنْ تكونَ الهَمْزَةُ مَفْتُوحَةً وقَبْلَها ضَمَّةٌ فمتى آثَرْــتَ تَخْفِيفَ الهَمْزَةِ قَلَبْتَها واوًا وذلكَ قَوْلُكَ في جُؤَنٍ جُوَنٌ وفي تَخْفِيفِ هُوَ يَضْرِبُ أَباكَ هُوَ يَضْرِبُ وَبَاكَ فَالوَاوُ هنا مُخْلَصَةٌ وليسَ فيها شَيءٌ من بَقِيَّةِ الهَمْزَةِ وأَمَّا إبْدَالُ الواوِ مِنَ الهَمْزةِ المُبْدَلَةِ فَقَوْلُهُمْ في يَمْلِكُ أَحَدَ عَشَرَ هو يَمْلِكُ وَحَدَ عَشَرَ وَفِي يَضْرِبُ أَنَاةً يَضْرِبُ وَنَاةً وذلك أنَّ الهَمْزَةَ في أَحَدٍ وأَناةٍ بَدَلٌ مِنْ وَاوٍ وقَدْ أُبْدِلَتْ الوَاوُ مِنْ هَمْزَةِ التَّأْنيثِ المُبْدَلَةِ من الأَلِفِ في نَحْوِ حَمْراوانِ وصَحْراواتٍ وصَفْراوِيٍّ وأما إِبْدَالُها من الهمزةِ الزَّائدَةِ فَقَوْلُكَ في تَخْفيفِ هذا غُلامُ أَحْمَدَ هذا غُلامُ وَحْمَدَ وهُوَ يُكْرِمُ أَصْرَمَ وهُوَ يُكْرِمُ وَصْرَمَ وأَمَّا إبْدالُ الواوِ مِنَ الأَلِفِ الأَصْلِيَّةِ فَقَوْلُكَ في تَثْنِيَةِ إلى ولَدَى وإِذَا أسماءِ رجالٍ إِلَوَانِ ولَدَوانِ وإِذَوانِ وتَحْقِيرُها وُوَيَّةٌ ويُقالُ واوٌ مُوأْوأَةٌ هَمزُوها كَراهَةَ اتِّصالِ الوَاواتِ والياءات وقد قالوا مُوَأْوَأةٌ هذا قَوْلُ صاحبِ العَيْنِ وقَدْ خَرَجَتْ وَاوٌ بدليلِ التَّصْريفِ إلى أن في الكلام مِثْلَ وَعَوْتُ الذي نفاه سيبويه لأَنَّ ألِفَ وَاوٍ لا تكونُ إِلا مُنْقَلِبَةٌ كما أَنَّ كُلَّ أَلِفٍ على هذه الصُّورَةِ لا تَكُونُ إِلا كَذلِكَ وإذا كانت مُنقَلِبَةٌ فلا تخلو من أَنْ تكونَ عَنِ الواوِ أَوْ عَنِ الياءِ إِذْ لا هَمْزَ هُنَا فلا تَكونُ عَن الواوِ لأَنَّهُ إِنْ كانَ كذلكَ كانتْ حُروفُ الكَلِمَةِ واحِدَةً ولا نَعْلمُ ذلكَ في الكلامِ البَتَّةَ إِلا بَبَّهْ وما عُرِّبَ كالكَكِّ فإذا بَطَلَ انقِلابُها عَنِ الوَاوِ ثَبَتَ أَنَّهُ عَنِ الياءِ فَخَرَجَ إلى بابِ وَعَوْتُ عَلى الشُّذُوذِ وحكى ثَعْلَبٌ وَوَّيْتُ وَاوًا حَسَنَةً عَمِلْتُها فإنّ صَحَّ هذا جاز أَنْ تكونَ الكَلِمةُ من وَاوْ وَاوْ يَا وجازَ أَنْ تكونَ من واوْ واوْ واوْ فكانَ الحكمُ على هذا وَوَّوْتُ غَيْرَ أَنَّ مُجاورَةَ الثَّلاثَةِ قَلَبَتِ الوَاوَ الأخيرةَ ياءًا وحَمَلَها أَبو الحَسنِ الأَخْفَشُ على أَنَّها مُنْقَلِبَةٌ مِنْ واوٍ واسْتَدَلَّ على ذلكَ بتَفْخِيمِ العرِب إيَّاها وأَنَّهُ لَمْ يَسْمَعِ الإِمالَةَ فيها فَقَضى لِذلكَ بأنَّها مِنَ الواوِ وجَعَلَ حُروفَ الكَلِمَةِ كلَّها واواتٍ قال ابْنُ جنيٍّ ورَأَيْتُ أبا عَلِيٍّ يُنْكِرُ هذا القَوْلَ ويَذهبُ إلى أَنَّ الأَلِفَ فيها مُنْقَلِبةٌ عَنْ ياءٍ واعْتَمَدَ في ذَلِكَ على أَنَّهُ إِنْ جَعَلَها مِنَ الواوِ كانت العَيْنُ والفاءُ واللامُ كُلُّها لَفْظًا واحدًا قالَ أبو عليٍّ وهو غَيْرُ مَوْجودٍ قالَ ابنُ جِنيٍّ فَعَدَلَ إلى القَضَاءِ بِأَنَّها مِنْ ياءٍ ولَسْتُ أرى بما أنكره أبو عَلِيٍّ على أبي الحسنِ بَأْسًا وذلِكَ أَنَّ أبا عَلِيٍّ وإِنْ كانَ كَرِهَ ذلِكَ لِئَلاَّ تَصيرَ حُروفُها كُلُّها واواتٍ فإنَّه إذا قَضَى بأَنَّ الألِفَ مِنْ ياءٍ لِتَخْتَلِفَ الحروفُ فَقَد حَصَلَ بعدَ ذلكَ معه لَفْظٌ لا نَظِيرَ لَهُ أَلا تَرى أَنَّهُ لَيْسَ في الكَلامِ حَرْفٌ فاؤُهُ وَاوٌ ولامُهُ وَاوٌ إِلا قَوْلُنا وَاوٌ فإِذا كانَ قضاؤُه بأنَّ الأَلِفَ مِنْ ياءٍ لا يُخْرِجُهُ مِنْ أَنْ يكونَ الحرفُ فَذّا نادرًا لا نَظِيرَ لَهُ فَقَضَاؤُهُ بأَنَّ العينَ وَاوٌ أيضًا ليْسَ بِمُنْكَرٍ ويُعَضِّدُ ذلكَ أيضًا شَيْئَانِ أَحَدُهُما ما وَصَّى به سيبَوَيْه مِنْ أَنَّ الأَلِفَ إذا كانتْ في مَوْضِعِ العَيْنِ فَأَنْ تكونَ مُنْقَلِبَةً عَنِ الواوِ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تكونَ مُنْقَلِبَةً عنِ الياءِ والآخر ما حكاه أبو الحَسَنِ من أَنَّه لم يَسْمَعْ عَنْهم فيها الإِمَالَةَ وهذا أَيْضًا يؤكِّدُ أنها مِنَ الواوِ قالَ ولأبي عَلِيٍّ أَنْ يقولَ مُنْتَصِرًا لكون الألفِ مُنْقَلِبَةً عن ياء إنَّ الذي ذَهَبْتُ أنا إليهِ أَسْوَغُ وأَقَلُّ فُحْشًا مَمَّا ذَهَبَ إِلَيْهِ أبو الحَسَنِ وذلِكَ أَنِّي وإِنْ قَضَيْتُ بأَنَّ الفَاءَ واللامَ وَاوَانِ وكان هذا مِمَّا لا نَظِير له فإنِّي قَدْ رَأَيْتُ العرب جَعَلتِ الفاءَ واللامَ مِن لَفْظٍ واحِدٍ كثيرًا وذلِكَ نَحْوُ سَلِسَ وقَلِقَ وجَرِجَ ودَعْدٍ وفِيْفٍ فَهَذا وإِنْ لم يَكُنْ فيهِ واوٌ فإنَّا وَجَدْنا ياءَهُ ولامَهُ مِنْ لَفْظٍ واحدٍ وقالوا أيضًا في الياءِ التي هي أخت الواو يَدَيْتُ إِلَيهِ يَدًا ولَمْ نَرَهُمْ جَعلُوا الفاءَ والعَيْنَ واللامَ جَميعًا مِنْ مَوْضِعٍ واحِدٍ لا مِنْ وَاوٍ ولا مِنْ غيرها قال فَقَدْ دَخَلَ أبو الحَسنِ مَعِي في أَنِ اعْتَرفَ بأنَّ الفاء واللامَ وَاوانِ إذ لم يَجِدْ بُدّا مِنَ الاعْترافِ بذلكَ كما أَجِدُهُ أنا ثُمَّ إِنَّهُ زادَ عَلى ما ذَهَبْنَا إليهِ جَميعًا شيئًا لا نَظِيرَ له في حَرْفٍ مِنَ الكلامِ الْبَتَّةَ وهو جَعْلُه الفاءَ والعَيْنَ واللامَ مِنْ مَوْضِعٍ واحدٍ فأمَّا ما أَنْشَدَهُ أبو عَليٍّ مِنْ قولِ هندٍ بنْتِ أبي سفيانَ تُرَقِّصُ ابنها عبد اللهِ بنَ الحارثِ

(لأُنْكِحَنَّ بَبَّهْ ... )

(جَارِيَةً خِدَبَّهْ ... )

فإنَّما بَبَّهُ حِكايَةُ الصَّوْتِ الذي كانت تُرَقِّصُه عليهِ وليسَ باسمٍ وإنَّما هَوَ كَقَبْ لصَوْتِ وَقْعِ السَّيْفِ وطيخْ للضَّحِكِ وَدَدِدْ لصَوْتِ الشَّيءِ يَتَدَحْرَجُ فإنَّما هذه أصْوَاتٌ لَيْسَتْ تُوزَنُ ولا تُمَثَّلُ بالفِعْلِ بِمَنْزِلَةِ صَهْ ومَهْ ونَحْوِهما قال ابنُ جِنيٍّ فَلأَجْلِ مَا ذَكَرْناهُ من الاحْتِجَاجِ لمذْهَبِ أبي عليٍّ تَعادَلَ عندنا المَذْهَبَانِ أَوْ قَرُبا مِنَ التَّعادُلِ ولو جَمَعْتَ واوًا عَلَى أَفْعالِ لقُلْتَ في قَوْلِ مَنْ جَعَلَ أَلِفَها مُنقَلِبَةً من واوٍ أَوَّاءٌ وأَصْلُها أَوَّاوٌ فلمَّا وَقَعَتِ الوَاوُ طَرَفًا بَعْدَ أَلفٍ زائِدَةٍ قُلِبَتْ أَلِفًا ثُمَّ قُلِبَتْ تِلكَ الأَلِفُ هَمْزَةً كما قُلْنَا في أَبْنَاءٍ وأَسْماءٍ وأَعْداءٍ وإنْ جَمَعَهَا عَلَى أَفْعُلٍ قال في جَمْعِها أَوٍّ وأصْلُها أَوُّوٌ فلمَّا وَقَعَتِ الواوُ طَرَفًا مَضْمَومًا مَا قَبْلَها أَبْدَل مِنَ الضَّمَّةِ كَسْرَةً ومِنَ الواوِ ياءًا وقالَ أَوٍّ كَأَدْلٍ وأَحْقٍ ومَنْ كانَتْ أَلِفُ وَاوٍ عندَهُ من ياءٍ قال إذا جَمَعَها على أَفْعَالٍ أَيَّاهٌ وأَصْلُها عِنْدَهُ أَوْيَاوٌ فلمَّا اجْتَمَعَتِ الواوُ والياءُ وسَبَقَتِ الواوُ بالسُّكونِ قُلِبَتْ الواوُ ياءًا وأُدْغِمَتْ في الياءِ التي بَعْدَها فَصَارَتْ أيَّاءٌ كما ترى وإِنْ جَمَعَها على أَفْعُلٍ قال أَيٍّ وأَصْلُها أَوْيُوٌ فلمَّا اجتَمَعَتِ الواوُ والياءُ وسَبَقَتِ الواوُ بالسُّكونِ قُلِبَتِ الواوُ ياءًا وأُدْغِمَتِ الأُولى في الثَّانيةِ فصارَتْ أيُّوْ فلَمَّا وَقَعَتِ الواوُ طَرْفًا مَضْمُومًا ما قَبْلَها أُبْدِلَتْ من الضَّمَّةِ كسْرَةٌ ومن الواوِ ياءٌ على ما ذَكَرْناهُ الآنَ فصار التَّقْدِيرُ أَيِّيْ فَلمَّا اجْتَمَعتْ ثَلاثُ ياءاتٍ والوُسْطَى مِنْهُنَّ مَكْسورَةٌ حُذِفَتِ الياءُ الأخِيرَةُ كما حُذِفَتْ في تَحْقِيرِ أَحْوَى أُحَيٍّ وأَعْيا أُعَيٍّ فكذلك قُلْتَ أَنتَ أَيضًا أَيٍّ كأدْلٍ وحكى ثَعْلَبٌ أَيْضًا أَنَّ بَعْضَهُمْ يَقولُ أَوَّيْتُ واوًا حَسَنَةً يَجْعَلُ الواوَ الأُولَى هَمْزَةً لاجْتِمَاعَ الواواتِ قال ابن جِنيٍّ وتُبْدَلُ الواوُ مِنَ الباءِ في القَسَمِ لأَمْرَيْنِ أَحَدُهما مُضَارَعَتُها إيَّاها لَفْظًا والآخَرُ مُضَارَعَتُها إِيَّاها مَعْنًى أَمَّا اللَّفْظُ فَلأنَّ البَاءَ مِنَ الشَّفَةِ كما أنَّ الواوَ كذلكَ وأمَّا المعنى فَلأَنَّ الباءَ للإِلْصاقِ والواوَ للاجْتِمَاعِ والشَّيءُ إذا لاصَقَ الشَّيءَ فَقَدِ اجْتَمَعَ مَعَهُ تم جميع الديوان بحمد الله ومنه وافقَ الفَراغُ من نَسْخِهِ يومَ الأربعاء حَادِيَ عشر ذِي الحَجَّةِ سنةَ خَمْسٍ وسَبْعِينَ وسِتِّمائَةٍ على يدِ محمد بن زيد عفا اللهُ عنه الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ وصَلوَاتُه على سيِّدِ المرسَلينَ محمدٍ خاتمِ النًّبيينَ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ وسلامُه

لوو

ل و و

أكثرت من اللوّ.
(ل و و) : (اللَّوُّ) بَاطِنُ الشَّيْءِ وَمِنْهُ الْمَثَلُ: لَا يَعْرِفُ الْحَوَّ مِنْ اللَّوْ وَقَوْلُهُ لِأَنَّ الْمَوْجُودَ مِنْ الْحِنْطَةِ لَوُّهَا وَهُوَ مَا يَصِيرُ بِالطَّحْنِ دَقِيقًا وَهُوَ وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا نَادِرٌ غَرِيبٌ وَلَا آمَنُ أَنْ يَكُونَ الصَّوَابَ لُبُّهَا لِأَنِّي رَأَيْت فِي مُخْتَصَرِ شَرْحَيْ الْكَافِي (247 /) وَالْمَبْسُوطِ: " أَنَّ أَكْلَ الْحِنْطَةِ فِي الْعُرْفِ يُرَادُ بِهِ بَاطِنُ الْحِنْطَةِ وَهُوَ اللُّبُّ وَهُوَ يَصِيرُ بِالطَّحْنِ دَقِيقًا ".
لوو
: (و ( {لَوِيَ القِدْحُ والرَّمْلُ، كرَضِيَ) ، يَلْوَى (} لَوى) ، كَذَا فِي النسخِ، وَفِي كتابِ أبي عليَ: لَوَى وقالَ: يكْتَبُ بالياءِ، (فَهُوَ {لَوٍ) ، مَنْقُوصٌ: (اعْوَجَّ،} كالْتَوَى) فيهمَا، عَن أبي حنيفَةَ.
( {واللِّوَى، كإِلَى) :) الاسْمُ مِنْهُ، وَهُوَ (مَا} الْتَوَى من الرَّمْلِ) .
(وقالَ الجَوْهرِي: وَهُوَ الجَدَدُ بعْدَ الرَّمْلةِ؛ ونقلَه القالِي عَن الأصْمعي وأَنْشَدَ لامْرىءِ القَيْسِ:
بسقْطِ {اللِّوى بينَ الدَّخُولِ فحَوْمَلِ وَفِي التهذيبِ: اللِّوَى: مُنْقَطَعُ الرَّمْلةِ.
وَفِي الأساسِ: مُنْعَطَفُه.
(أَو مُسْتَرَقُّهُ) ؛) كَمَا فِي المُحْكم، (ج} ألْواءٌ، و) كَسَّرَه يَعْقُوب على ( {أَلْوِيَةٍ) فقالَ يَصِفُ الضِّمَخ: ينبتُ فِي أَلْوِيَةِ الرَّمْلِ ودَكادِكِه، وإِيَّاه تبِعَ الجَوْهرِي، فقالَ: وهما} لِوَيانِ، والجَمْعُ {الأَلْويةُ.
قالَ ابنُ سِيدَه: وفِعَل لَا يُجْمَع على أَفْعِلةٍ.
(} وأَلْوَيْنا: صِرْنا إِلَيْهِ) .) يقالُ: {أَلْوَيْتَم، أَي بَلَغْتُم لِوَى الرَّمْلِ.
(} ولِواءُ الحيَّةِ) ، كَذَا فِي النسخِ والصَّوابُ {لِوَى الحيَّة حِواؤُها، وَهُوَ (انْطِواؤُها) ، كَمَا هُوَ نَصُّ المُحْكم والقالِي؛ زادَ الأخيرُ:} والْتِواؤُها، قالَ: وَهُوَ اسْمٌ لَا مَصْدَر.
( {ولاوَتِ الحيَّةُ الحيَّةَ) } ملاواةً و ( {لِواءً:} الْتَوَتْ عَلَيْهَا.
( {وتَلَوَّى) الماءُ فِي مَجْراه: (انْعَطَفَ) وَلم يَجْرِ على الاسْتِقَامَةِ؛ (} كالْتَوَى.
(و) {تَلَوَّى (البَرْقُ فِي السَّحابِ: اضْطَرَبَ على غيرِ جِهَةٍ.
((وقَرْنٌ} أَلْوَى) :) أَي (مُعْوَجٌّ، ج {لُيٌّ، بالضَّمِّ) حَكَاها سِيْبَوَيْه، قالَ: وكذلكَ سَمِعْناها مِن العَرَبِ، قالَ: وَلم يَكْسِروا، وَإِن كانَ ذلكَ القِياس، وخالَفُوا بابَ بِيض لأنَّه لمَّا وَقَعَ الإدْغامَ فِي الحرْف ذهَبَ المدُّ وصارَ كأَنَّه حرْفٌ متحرِّكٌ، (والقِياسُ الكسرُ) لمجاوَرَتِها الْيَاء.
(} ولَواهُ) دَيْنَه و (بدَيْنِهِ {لَيّاً) بِالْفَتْح، (} ولِيًّا! ولِيَّاناً، بكسرهما) ، الَّذِي فِي المُحْكم بالكَسْر والفَتْح فيهمَا مَعًا، واقْتَصَرَ الجَوْهرِي على الفَتْح فِي لَيَّان وَهِي اللُّغَةُ المَشْهورَةُ؛ وعَجِيبٌ من المصنِّفِ كيفَ تَرَكَه مَعَ شُهْرتِهِ، وَمَا ذلكَ إلاَّ قُصُورٌ مِنْهُ؛ وحكَى ابنُ برِّي عَن أبي زَيدٍ قالَ: لِيّان، بِالْكَسْرِ، لُغَيَّةٌ؛ (مَطَلَهُ) ؛) وأَنْشَدَ الجَوْهرِي لذِي الرُّمَّة:
تُرِيدِينَ لَيَّاني وأَنْت مَلِيئَةٌ
وأُحْسِنُ يَا ذاتَ الوِشاحِ التَّقاضِياويُرْوَى: تُسِيئِينَ لَيَّاني، وَفِي التّهذيبِ: تُطِيلِينَ.
وَفِي الحديثِ: (لَيُّ الواجِدِ يُحِل عِرْضَه وعُقوبَتَه) ، وقالَ الأعْشى:
يَلْوِينَني دَيْني النَّهارَ وأَقْتَضِي
دَيْني إِذا وَقَدَ النُّعاسُ الرُّقَّدا (وأَلْوَى الرَّجُلُ: خَفَّ) ؛) كَذَا فِي النسخِ والصَّوابُ جَفَّ؛ (زَرْعُه) ، بِالْجِيم كَمَا هُوَ نَصّ التَّهْذيب.
(و) أَلْوى: (خاطَ لِواءَ الأميرِ) ؛) نقلَهُ الأزْهرِي.
وقيلَ: عَمِلَه ورَفَعَه؛ عَن ابنِ الأعْرابي؛ وَلَا يقالُ لَواهُ، كَذَا فِي المُحْكم.
(و) أَلْوى: (أَكْثَر التَّمَنِّي) ؛) نقلَه الأزْهرِي أَيْضاً؛ أَي إِذا أَكْثَر مِن حَرْف لَوْ فِي كَلامِه، وَهُوَ مِن حُرُوف التَّمنِّي.
(و) أَلْوَى: (أَكَلَ اللَّوِيَّةَ) ، كغَنِيَّةٍ، وَهُوَ مَا يدَّخِرُه الرَّجُل لنَفْسِه أَو للضَّيْف؛ كَمَا سَيَأْتي.
(و) أَلْوَى (بثَوْبِه) :) إِذا لَمَعَ و (أَشارَ) ؛) كَمَا فِي الصِّحاحِ؛ وبيدِهِ كذلكَ، كَمَا فِي الأساسِ.
وَفِي التهذيبِ: قيلَ: أَلْوَى بثَوْبِه الصَّريخُ والمرأَةُ بيدَيْها. (و) أَلْوَى (البَقْلُ) :) ذَبُلَ و (ذَوَى) وَجَفَّ.
(و) أَلْوَى (بحقِّه) :) إِذا (جَحَدَهُ إِيَّاه، كلَوَاه) حقَّه ليًّا؛ وَهَذِه عَن ابْن القطَّاع.
(و) أَلْوَى (بِهِ: ذَهَبَ) ؛) وَمِنْه الحديثُ: (أنَّ جِبريلَ، عَلَيْهِ السّلام، رَفَعَ أَرْضَ قَوْمِ لُوط ثمَّ أَلْوَى بهَا حَتَّى سَمِعَ أَهْلُ السَّمَاءِ ضُغاءَ كِلابِهم) أَي ذَهَبَ بهَا.
وَفِي الصِّحاح: أَلْوَى فلانٌ بحقِّي إِذا ذَهَبَ بِهِ.
(و) أَلْوَى (بِمَا فِي الإناءِ) من الشَّرابِ: (اسْتَأْثَرَ بِهِ وغَلَبَ على غيرِهِ) ؛) وَقد يقالُ ذلكَ فِي الطَّعام؛ وقولُ ساعِدَةَ الهُذَليّ:
سادٍ تَجَرَّمَ فِي البَضِيع ثَمانِياً
يُلْوِي بعَيْقاتِ البِحارِ ويُجْنَبُأَي يَشْرَب ماءَها فيذْهَب بِهِ.
(و) أَلْوَتْ (بِهِ العُقابُ) :) أَخَذَتْه و (طارَتْ بِهِ) ؛) وَفِي الأساس: ذَهَبَتْ.
وَفِي الصِّحاح: أَلْوَتْ بِهِ عَنْقاءُ مُغْرِبُ أَي ذَهَبَتْ بِهِ، وَفِي التَّهْذِيب: مثل أَيْهات أَلْوَتْ بِهِ العَنْقاءُ المُغْرِبُ كأنَّها داهِيَةٌ، لم يفسِّر الأصْمعي أَصْلَه.
(و) مِن المجازِ: أَلْوَى (بهم الدَّهْرُ) ، أَي (أَهْلَكَهُم) ؛) قالَ الشاعرُ:
أَصْبَحَ الدَّهْرُ وَقد أَلْوَى بهم
غَيْرَ تَقْوالِك من قيلٍ وقالِ (و) أَلْوَى (بكَلامِه: خالَفَ بِهِ عَن جِهَتِه) ؛) نقلَهُ ابنُ سِيدَه.
(واللَّوِيُّ كغَنِيَ: يَبِيسُ الكَلإ) والبَقْلِ، كَمَا فِي المُحْكم.
وَقَالَ الجَوْهري: هُوَ على فَعِيلٍ مَا ذَبُلَ من البَقْلِ.
(أَو) مَا كانَ مِنْهُ (بينَ الرَّطْبِ واليابسِ) ؛) عَن ابنِ سِيدَه.
(وَقد لَوِيَ) ، كرَضِيَ (لَوًى وأَلْوَى) صارَ لَوِيًّا؛ وتقدَّمَ أَلْوَى قرِيباً فَهُوَ تِكْرار.
(والأَلْوَى من الطَّريقِ: البَعِيدُ المَجْهولُ) ، وَقد لَوِيَ لَوًى.
(و) الأَلْوَى: (الشَّديدُ الخُصومَةِ الجَدِلُ) السَّلِيطُ الَّذِي يَلْتَوِي على خَصْمِه بالحجَّةِ وَلَا يُقِرُّ على شيءٍ واحِدٍ.
وَفِي المَثَلِ: لتَجِدَنَّ فلَانا أَلْوَى بَعِيدَ المُسْتَمَر؛ يُضْرَبُ فِي الرجُلِ الصَّعْبِ الخلقِ الشَّديدِ اللَّجاجَةِ؛ قالَ الشاعرُ:
وجَدْتَني أَلْوَى بَعِيدَ المُسْتَمَرّ
أَحْمِلُ مَا حُمِّلْتُ من خَيْرٍ وشَرّ (و) الأَلْوَى: (المُنْفَرِدُ المُعْتَزِلُ) عَن النَّاسِ؛ قَالَ الشَّاعرُ يصِفُ امْرأَةً:
حَصانٌ تُقْصِدُ الألْوَى
بعَيْنَيْها وبالجيدِ (وَهِي لَيَّاءُ) .) قالَ الأزْهرِي: ونِسْوةٌ لِيَّانٌ، وَإِن شِئْتَ بالتاءِ لَيَّاواتٍ، والرِّجالُ أَلْوُونَ، والتاءُ والنونُ فِي الجماعاتِ لَا يمتَنِعُ مِنْهُمَا شيءٌ من أَسْماءِ الرِّجالِ والنِّساءِ ونُعوتِهما، وَإِن فعل فَهُوَ لَوَى يَلْوِي لَوًى، وَلَكِن اسْتَغْنَوْا عَنهُ بقوْلِهم لَوَى رأْسَه.
(و) الألْوَى: (شَجَرَةٌ) تُنْبِت حِبالاً تَعَلَّقُ بالشَّجَرِ وتَلْتَوِي عَلَيْهَا، وَلها فِي أَطْرافِها ورقٌ مدوَّرٌ فِي طَرَفِه تَحْديدٌ؛ (كاللُّوَيِ، كسُمَيَ) ؛) كَذَا فِي المُحْكم.
(واللَّوِيَّةُ، كغَنِيَّةٍ: مَا خَبَأْتَهُ) لغيرِكَ من الطَّعامِ؛ قالَهُ الجَوْهرِي؛ وأَنْشَدَ:
قُلْتُ لذاتِ النُّقْبةِ النَّقِيَّهْ
قُومي فَغَدِّينا من اللَّوِيَّهْوفي التهذيبِ: مَا يدَّخِره الرَّجلُ لنفْسِه أَو للضَّيْفِ؛ قالَ:
آثَرْــت ضَيْفَكَ باللَّوِيَّة وَالَّذِي
كانتْ لَهُ ولِمِثْلِه الأَذْخارُوفي المُحْكم: اللَّويَّةُ: مَا خَبَأْتَهُ عَن غيرِكَ (وأَخْفَيْتَه) ؛) وقيلَ: هِيَ الشيءُ يُخْبَأُ للضَّيْفِ؛ وقيلَ: هِيَ مَا أَتْحَفَتْ بِهِ المرأَةُ زائِرَها أَوْ ضَيْفَها؛ والوَلِيَّةُ: لُغَةٌ فِيهَا مَقْلوبَةٌ؛ (ج لَوايَا) ووَلايَا يثْبتُ القَلْبُ فِي الجَمْعِ أَيْضاً؛ وأَنْشَدَ ابنُ سِيدَه:
الآكِلُونَ اللَّوايا دُونَ ضَيْفِهِم
والقِدْرُ مَخْبوءَةٌ مِنْهَا أَثافِيهاقالَ الأزْهرِي: وسَمِعْت كِلابيًّا يقولُ لقَعِيدةٍ لَهُ: أَينَ لَويَاكِ وحَواياكِ أَلا تُقَدِّمينَها إِلَيْنَا؟ أَرادَ: أَينَ مَا خَبَأْتِ من شَحْمةٍ وقَديدةٍ وشبهِهما من شيءٍ يُدَّخَر للحقوقِ.
(واللَّوَى) ، بِالْفَتْح مَقْصور: (وَجَعٌ) يكونُ (فِي المَعِدَةِ) ؛) وَفِي كتابِ القالِي: فِي الجَوْفِ؛ ومِثْلُه فِي الصِّحاح؛ زادَ القالِي: عَن تخمَةٍ، يُكْتَبُ بالياءِ.
(و) اللَّوَى: (اعْوِجاجٌ فِي الظَّهْرِ) .) يقالُ: فَرَسٌ بِهِ لَوًى، إِذا كانَ مُلْتَوِي الخلِقِ؛ وَهَذَا فَرَسٌ مَا بِهِ لَوًى وَلَا عَصَلٌ؛ وأَنْشَدَ القالِي للعجَّاج: شَدِيد جلز الصّلْب مَعْصُوب الشَّوَى
كالكَرِّ لَا شخبٍ وَلَا بِهِ لَوَى وَقد (لَوِيَ، كرَضِيَ، لَوًى) يُكْتَبُ بالياءِ، (فَهُوَ لَوٍ) ، مَنْقوصٌ، (فيهمَا) ، أَي فِي الوَجَعِ والاعْوِجاجِ. يقالُ: لَوِيَ الرجلُ ولَوِيَ الفَرَسُ.
(واللِّواءُ، بالمدِّ) أَي مَعَ الكسْرِ، وإنَّما أَطْلَقَه لشُهْرتِه؛ وأَنْشَدَ القالِي للَيْلى الأَخْيَلِيَّة:
حَتَّى إِذا رفعَ اللِّواء رأَيْته
تحْتَ اللِّواءِ على الخَميسِ زَعِيماوقال كعْبُ بنُ مالِكٍ:
إنَّا قَتَلْنا بقَتْلانا سُرَاتكم
أَهْل اللِّواءِ فَفِيمَ يكثُرُ القِيل؟ (واللِّوايُ) ، قالَ الجَوْهرِي: هِيَ لُغَةٌ لبعضِ العربِ؛ وأَنْشَدَ:
غَداةَ تَسايَلَتْ من كلِّ أَوْبٍ
كتائبُ عاقِدينَ لَهُم لِوايا (العَلَمُ) ؛) قالَ القالِي: هُوَ الَّذِي يُعْقَدُ للأميرِ؛ (ج أَلْوِيَةٌ) ، و (جج) جَمْعُ الجَمْع (أَلْوِياتٌ) ؛) وأَنْشَدَ ابنُ سِيدَه:
جُنْحُ النَّواصِي نحوُ أَلْوياتِها (وأَلْوَاهُ) :) عَمِلَه و (رَفَعَهُ) ، وَلَا يقالُ لَواهُ؛ كَمَا فِي المُحْكم.
(واللَّوَّاءُ، كشَدَّادٍ: طائِرٌ) ؛) نقلَهُ ابنُ سِيدَه، كأنَّه سُمِّي باسْمِ الصَّوْتِ.
(واللَّلاوِيا: نَبْتٌ) ؛) وَهُوَ فِي المُحْكم وكتابِ القالِي مَمْدودٌ، وَقَالا: ضَرْبٌ من النَّبْتِ.
(و) أَيْضاً: (مِيسَمٌ يُكْوَى بِهِ) ؛) عَن ابنِ سِيدَه.
وقالَ القالِي: هِيَ الكَاوِياءُ، وَقد تقدَّمَ.
(واللَّوَى: بمعْنَى اللاَّتِي) ، الَّتِي هِيَ (جَمْعُ الَّتِي) ، أَصْلُه اللَّواتِي، سَقَطَتْ مِنْهُ التاءُ والياءُ ثمَّ رُسِمَت بالياءِ، يقالُ: هنَّ اللَّوَى فَعَلْنَ؛ حَكَاهُ اللّحْياني؛ وأَنْشَدَ:
جَمَعْتُها من أَيْنُقٍ غِزارِ
مِنَ اللَّوَى شُرِّفْن بالصِّرارِوقد تقدَّم هَذَا للمصنِّفِ فِي الَّتِي.
(و) اللُّوَى، (بالضَّمِّ: الأباطِيلُ.
(و) قالَ الجَوْهرِي: (اللاَّؤُونَ) جَمْعُ الَّذِي مِن غيرِ لَفْظِه، وَفِيه ثلاثُ لُغاتٍ: اللاَّؤُونَ فِي الرَّفْع، واللاَّئِينَ فِي النَّصْبِ والخَفْض، (واللاَّؤُو) ، بِلَا نونٍ، قالَ ابْن جنِّي: حَذَفُوا النونَ تَخْفِيفاً؛ كُلُّه (بمعْنَى الذينَ) .) قالَ الجَوْهرِي: واللاّئِي، بإثْباتِ الياءِ، فِي كلِّ حالٍ يَسْتَوِي فِيهِ الرِّجالُ والنِّساءُ، وَلَا يُصَغَّرُ، لأنَّهم اسْتَغْنوا عَنهُ باللَّتِيَّاتِ للنِّساءِ، وباللَّذيُّون للرِّجالِ، وَقد تقدَّم ذلكَ.
(واللَّوَّةُ: الشَّرْهَةُ) ؛) كَذَا فِي النسخِ والصَّوابُ الشَّوْهَةُ بالواوِ، كَمَا هُوَ نصُّ التهذيبِ. وَفِي المُحْكم: السَّوْأَةُ. ويقالُ: هَذِه واللَّه الشَّوْهَةُ واللَّوْأَةُ واللَّوَّةُ، وَقد لَوَّأَ اللَّهُ بِهِ، بالهَمْزِ، أَي شَوَّهَ؛ قالَ الشاعرُ:
وَكنت أُرَجِّي بعد نَعْمانَ جَابِرا
فَلَوَّأَ بالعَيْنَين والوَجْه جابرُ (و) اللُّوَّةِ، (بالضَّمِّ: العُودُ) القماري الَّذِي (يُتَبَخَّرُ بِهِ) ، لُغَةٌ فِي الأَلُوَّةُ، فارِسيٌّ مُعَرَّبٌ، (كاللِّيَّةِ، بِالْكَسْرِ) ، قالَ ابنُ سِيدَه: وَهُوَ فارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ.
(واللَّيّاءُ، كشَدَّادٍ: الأرضُ البَعِيدَةُ عَن الماءِ) ؛) هَكَذَا ضَبَطَه القالِي فِي كتابِه وقالَ: هِيَ الأرضُ الَّتِي بَعُدَ ماؤُها، واشْتَدَّ السَّيْرُ فِيهَا؛ وأَنْشَدَ للعَجَّاج:
نازِحةُ المِياهِ والمُسْتافِلَيَّاءُ عَن مُلْتَمِسِ الإخْلاَفِ ذَات فيافٍ بَيْنها فَيافِ قالَ: وأَنْشَدْناه أَبو بكْرِ بْنُ الأنْبارِي، قالَ: المُسْتافُ الَّذِي ينْظرُ مَا بعْدَها، والإخْلاف: الاسْتِقاءُ، أَي هِيَ بَعِيدَةُ الماءِ فَلَا يَلْتَمِسُ بهَا الماءَ مَنْ يُريدُ اسْتِقاءَهُ.
(وغَلِطَ الجَوْهرِي فِي قَصْرِه وتَخْفِيفِه) ، ونَصّه فِي كتابِه: واللَّيّا، مَقْصورٌ: الأرضُ البَعِيدَةُ من الماءِ، فالقَصْر ضَبْطُه كَمَا تَرَى، وأمَّا التَّخْفيفُ والكَسْر فَهُوَ مِن ضَبْطِه بخطِّه فِي النسخِ الصَّحِيحةِ.
فقوْلُ شيْخنا: ليسَ فِي كَلامِه مَا يدلُّ على قَصْرٍ وتَخْفيفٍ، وكأنَّ نسْخَةَ المصنِّفِ مُحَرَّفةً فاعْتَمَدَ التَّحْريفَ على الاعْتِراضِ غَيْر مُتَّجه، فتأَمَّل.
(ولُوَيَّةُ، كسُمَيَّة: ع) بالغَوْرِ قُرْبَ مكَّةَ (دُونَ بُسْتانِ ابنِ عامِرٍ) فِي طرِيقِ حاجِّ الكُوفَةِ، وَكَانَ قَفْراً قِيًّا، فلمَّا حَجَّ الرَّشيدُ اسْتَحْسَنَ فَضاءَهُ فبَنَى فِيهِ وغَرَسَ فِي خيفِ الجَبَلِ وسمَّاهُ خيفُ السَّلام، قالَهُ نَصْر.
(ولِيَّةُ، بالكَسر) وتَشْديدِ التَّحْتِيَّةِ: (وادٍ لثقيفٍ) بالحِجازِ.
وَفِي المُحْكم: مَكانٌ بوادِي عُمَان.
(أَو جَبَلٌ بالطَّائِفِ أَعْلاهُ لثقيفٍ وأَسْفَلَه لنَصْرِ بنِ مُعاوِيَةَ) ، وفرَّقَ بَيْنهما الصَّاغاني فضَبَطَ الأوَّل بالتَّخْفيفِ، والثَّاني بالتَّشْديدِ.
(واللِّيَّةُ، أَيْضاً) بالتَّشْديدِ: (القَراباتُ) الأَدْنُونَ، وَقد جاءَ فِي الحديثِ هَكَذَا بالتَّشْديدِ فِي بعضِ رواياتِهِ، وَهُوَ مِن اللّيِّ كَأَن الرَّجُل يَلْوِيَهم على نَفْسِه ويُرْوَى بالتَّخْفِيفِ أَيْضاً؛ قالَهُ ابنُ الأثيرِ.
(وأَلْوَاءُ الوادِي: أَحْناؤُه) ، جَمْعُ لِوًى، بالكسْر. (و) كَذَا الألْواءُ (من البِلادِ نَواحِيها) جَمْعُ لِوًى أَيْضاً. (و) يقالُ: (بَعَثُوا بالسِّواءِ واللِّواءِ، مَكْسُورَتَيْنِ، أَي: بَعَثُوا يَسْتغيثونَ.
(واللِّوايَةُ، بِالْكَسْرِ: عَصاً تكونُ على فَمِ العِكْم) يُلْوَى بهَا عَلَيْهَا.
(وتَلاوَوْا عَلَيْهِ: اجْتَمَعُوا) ، تَفاعَلُوا مِن الليِّ، كأنَّهم لَوَى بعضُهم على بعضٍ.
(ولَوْلَيْتُ مُدْبِراً) :) أَي (وَلَّيْتُ.
(واللاَّتُ: صَنَمٌ لثقيفٍ) ، وَهِي صَخْرَةٌ بَيْضاءُ مُرَبَّعَة بَنَوا عَلَيْهَا بنية ويُذْكَر مَعَ العُزَّى، وَهِي اليَوْمِ تحْتَ مَنارَةِ مَسْجِدِ الطائِفِ؛ (فَعَلَةٌ) ، بالتَّحْريكِ، (من لَوَى) عَلَيْهِ، أَي عَطَفَ وأَقامَ؛ (عَن أَبي عليَ) الفارِسِيّ، قالَ: يدلُّكَ عَلَيْهِ قولُه تَعَالَى: {وانْطَلَقَ الملأُ مِنْهُم أَن امْشوا واصْبِرُوا على آلِهَتِكم} . (و) قد (ذُكِرَ فِي، وَفِي (ل ت ت) .
(وزَجُّ لاوَةَ: ع بناحِيَةِ ضَرِيَّةَ) .
(وممَّا يُسْتدركُ عَلَيْهِ:
تَلَوَّتِ الحَيَّةُ: انْطَوَتْ. وتَلَوَّى من الجُوعِ تَلَوِّي الحَيَّة.
وأَلْوَتِ الأرضُ: صارَ بَقْلُها لَوِيًّا.
ولَوى لَوِيةً والْتَوَاها: اتَّخَذَها.
وعُودٌ لَوٍ: أَي مُلْتَوٍ.
وحَكَى ثَعْلب: لَوِيتُ لاءً حَسَنَةً، أَي عَمِلْتها؛ ونقلَهُ اللّحْياني عَن الكِسائي، ومَدْلاءً لأنَّه قد صَيَّرها اسْماً، والاسْمُ لَا يكونُ على حَرْفَيْن وضعا، قالَ: وَإِذا نَسَبْتَ إِلَيْهَا قُلْت لَوَوِيٌّ.
وقَصِيدَةٌ لَوِوِيَّةٌ: قافِيَتُها لَا؛ قالَ الكِسائي: وَهَذِه لاءٌ ملوَّاةٌ أَي مَكْتُوبَةٌ. ولاوَى: اسْمُ رجُلٍ أَعْجَمِيَ؛ قيلَ: هُوَ مِن ولدِ يَعْقوب، عَلَيْهِ السّلام.
ولاَوَى فلَانا: خالَفَهُ.
ولاَوَيْتُ: قُلْتُ: لَا.
وقالَ: ابنُ الأعْرابي: لَوْلَيْت بِهَذَا المَعْنَى.
وكبشٌ أَلْوَى وشاةٌ لَيَّاءُ مِن شاءٍ لييين.
وألْوَى: عَطَفَ على مُسْتَغِيثٍ.
وألْوَتِ الحَرْبُ بالسَّوامِ: إِذا ذهَبَتْ بهَا وصاحِبُها يَنْظُر إِلَيْهَا؛ وَهُوَ مجازٌ.
والألْوَى: الكَثيرُ المَلاوِي؛ وأَيْضاً: الشَّديدُ الالْتِواء.
{ولَوَّوْا رُؤُوسَهم} : قُرِىءَ بشدَ وخفَ، والتَّشْديدُ للكثْرَةِ.
ولَوِيتُ عَن هَذَا الأمْرِ كرَضِيتُ: أَي التَوَيْت عَنهُ؛ قالَ:
إِذا الْتَوَى بِي الأمْرُ أَو لَوِيتُمِن أَيْنَ آتِي الأمرَ إِذا أُتِيتُ؟ ولُوَيُّ بنُ غالِبٍ، بِلَا هَمْزٍ، لُغَةُ العامَّة؛ نقلَهُ الأزْهرِي.
ولَوَى عَلَيْهِ الأمْرَ تَلْوِيَةً: عَرَضَهُ، كَمَا فِي التهذيبِ؛ وَفِي الأساسِ: عَوَّصَه عَلَيْهِ.
والْتَوَى عَلَيْهِ الأمْر: اعْتَاصَ.
والْتَوَتْ عليَّ حاجَتِي: تَعَسَّرَتْ.
ومُلْتَوَى الوادِي: مُنْحناهُ.
ويقالُ للرَّجلِ الشَّديدِ: مَا يُلْوَى ظَهْرُه، أَي لَا يَصْرعُه أَحَدٌ.
وَهُوَ يَلْوِي أَعْنَاقَ الرِّجالِ: أَي يَغْلبُهم فِي الجِدَالِ.
والمَلاوِي: الثَّنايَا المُلْتَوِيَةُ الَّتِي لاَ تَسْتَقِيمُ.
يقالُ: سَلَكُوا المَلاوِي. وملّوةُ، بتَشْديدِ اللامِ: مدينةٌ بالصَّعِيدِ.
والألْوِيَةُ: المَطارِدُ، وَهِي دونَ الأَعْلامِ والبُنود؛ نقلَهُ الجَوْهرِي.
ولِواءُ الحَمْدِ: ممَّا اخْتُصَّ بِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يومَ القِيامَةِ.
واللّواءُ: العلامَةُ؛ وَبِه فسِّرَ الحديثُ: (لكلِّ غادِرٍ لواءٌ يومَ القِيامَةِ) ، أَي علامَةٌ يُشْتَهَرُ بهَا.
ولَوَى عَنهُ عطفَه: إِذا ثَناهُ وأَعْرَضَ عَنهُ أَو تَأَخَّرَ، ويُشَدَّدُ.
واللّيُّ: التّشدُّدُ والصَّلابَةُ.
واللِّوَى، بِالْكَسْرِ: وادٍ فِي جَهَنَّم، أَعاذَنا اللَّهُ مِنْهُ.
واللِّوا، بِالْكَسْرِ مَقْصورٌ: لُغَةٌ فِي اللِّواءِ، بالمدِّ، وَقد جاءَ فِي شِعْر حسَّان: أَصْحابُ اللِّوا، أَيْضاً نقلَهُ الْخطابِيّ.
وقالَ يَعْقُوب: اللِّوى وريام: وادِيانِ لنَصْر وجشمٍ؛ وأَنْشَدَ للحقيق:
وَإِنِّي من بغضي مَسُولاء واللّوى وبطنِ رِيام مُحَجّلُ القيدِ نَازِعُولَوَى الرجُلُ لَوًى: اشْتَدَّ بُخْلُه.
وأَلْوَى بالحَجَرِ: رَمَى بِهِ.
واللِّوَى: مَوْضِعٌ بينَ ضريَّةَ والجديلَةِ على طرِيقِ حاجِّ البَصْرةِ.
واللَّوَّاءُ، كشدَّادٍ: عقبَةٌ بينَ مكَّةَ والطائِفِ؛ عَن نَصْر.
واللَّيَّاءُ، كشدَّادٍ: مَوْضِعٌ فِي شِعْرٍ، عَن نَصْر أَيْضاً.
وأَلْوَى الأميرُ لَهُ لِواءً: عَقَدَه.
واسْتَلْوَى بهم الدَّهْرُ: كألْوَى.
قالَ ابنُ برِّي: وَقد يَجِيءُ اللَّيَّانُ بمعْنَى الحَبْسِ وضِدّ التَّسْريح؛ وأَنْشَدَ:
يَلْقَى غَريمُكُم من غيرِ عُسْرَتِكُمْبالبَذْلِ مَطْلاً وبالتَّسْريحِ لَيَّانا وذَنَبٌ أَلْوَى: مَعْطوفٌ خَلْقَةً مثْلُ ذَنَبِ العَنزِ.
وجاءَ بالهَواءِ واللّواءِ: أَي بكلِّ شيءٍ، وسَيَأْتِي للمصنِّفِ فِي (هـ ي ا) .

لَواهُ

لَواهُ يَلْوِيه لَيًّا ولُوِيًّا، بالضم: فَتَلَه، وثَناهُ، فالْتَوَى وَتَلَوَّى، والمَرَّةُ: لَيَّةٌ
ج: لِوًى، والغُلامُ: بَلَغَ عِشرينَ،
وـ عن الأمرِ: تَثَاقَلَ،
كالْتَوَى،
وـ أمْرَهُ عَنِّي لَيًّا ولَيَّاناً: طَواهُ،
وـ عليه: عَطَفَ، أوِ انْتَظَرَ،
وـ برأسِه: أمالَ،
وـ الناقةُ بِذَنَبِها: حَرَّكَتْ،
كأَلْوَتْ فيهما،
وـ فلاناً على فلانٍ: آثَرَــهُ.

الرب

الرَّبُّ: هو المالك أصله التربية وهو إنشاء الشيء حالاً فحالاً إلى حد التمام. والربُّ مطلقاً لا يطلق إلى على الله سبحانه وتعالى، وعلى غيره بالإضافة نحو ربِّ الدار.
الرب
التحقيق اللغوي
مادة كلمة (الرب) : الراء والباء المضعَّفة
قال ابن فارس في (مقاييس اللغة) 2/381: - 382 مادة (رب) : "الراء والياء يدل على أصول، فالأول: إصلاح الشيء والقيام عليه، فالرب: المالك، والخالق، والصاحب، والرب: المصلح للشيء..
والأصل الآخر: لزوم الشيء والإقامة عليه، وهو مناسب للأصل الأول..،
والأصل الثالث: ضم الشيء للشيء وهو أيضاً مناسب لما قبله: ومتى أنعم النظر كان الباب كله قياساً واحداً.." اهـ، ومعناها الأصلي الأساسي: التربية، ثم تتشعب عنه معاني التصرف والتعهد والاستصلاح والإتمام والتكميل، ومن ذلك كله تنشأ في الكلمة معاني العلو والرئاسة والتملك والسيادة. ودونك أمثلة لاستعمال الكلمة في لغة العرب بتلك المعاني المختلفة: (1)
(1) التربية والتنشئة والإنماء:
يقولون (ربَّ الولد) أي ربّاه حتى أدرك فـ (الرّبيب) هو الصبي الذي تربيه و (الربيبة) الصبية. وكذلك تطلق الكلمتان على الطفل الذي يربى في بيت زوج أمه و (الربيبة) أيضاً الحاضنة ويقال (الرّابة) لامرأة الأب غير الأم، فإنها وإن لم تكن أم الولد، تقوم بتربيته وتنشئته. و (الراب) كذلك زوج الأم. (المربب) أو (المربى) هو الدواء الذي يختزن ويدّخر. و (رَبَّ يُربُّ ربَّاً) من باب نصر معناه الإضافة والزيادة والإتمام، فيقولون (ربَّ النعمة) : أي زاد في الإحسان وأمعن فيه.
(2) الجمع والحشد والتهيئة:
يقولون: (فلان يرب الناس) أي يجمعهم أو يجتمع عليه الناس، ويسمون مكان جمعهم (بالمرّبّ) و (التربُّب) هو الانضمام والتجمّع.
(3) التعهد والاستصلاح والرعاية والكفالة:
يقولون (رب ضيعة) أي تعهدّها وراقب أمرها. قال صفوان بن أمية لأبي سفيان: لأن يربني رجل من قريش أحب إلي من أن يربني رجل من هوازن، أي يكفلني ويجعلني تحت رعايته وعنايته. وقال علقمة بن عبدة:
وكنت امرءاً أفضت إليك ربابتي ... ... وقبلك ربتني فضيعت ربوب (2)
أي انتهى إليك الآن أمر ربابتي وكفالتي بعد أن رباني قبلك ربوب فلم يتعهدوني ولم يصلحوا شأني. ويقول الفرزدق:
كانوا كسالئة حمقاء إذ حقنت ... ... سلاءها في أديم غير مربوب (3) أي الأديم الذي لم يليّن ولم يدبغ. ويقال (فلان يربب صنعته عند فلان) أي يشتغل عنده بصناعته ويتمرن عليها ويكسب على يده المهارة فيها.
(4) العلاء والسيادة والرئاسة وتنفيذ الأمر والتصرف:
يقولون (قد ربّ فلان قومه) : أي ساسهم وجعلهم ينقادون له. و (ربيت القوم) أي حكمتهم وسدتهم، ويقول لبيد بن ربيعة:
وأهلكن يوماً رب كندة وابنه ... وربَّ معد بين خبث وعرعر (1)
والمراد برب كندة ههنا سيد كندة ورئيسهم. وفي هذا المعنى يقول النابغة الذبياني:
تخُبٌّ إلى لانعمان حتى تناله ... فدىً لك من ربٍ تليدي وطارفي (2)
(5) التملك:
قد جاء في الحديث أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً "أرب غنم أم رب ابل؟، أي أمالك غنم أنت أم مالك ابل؟ وفي هذا المعنى يقال لصاحب البيت (رب الدار) وصاحب الناقة: (رب الناقة) ومالك الضيعة: (رب الضيعة) وتأتي كلمة الرب بمعنى السيد أيضاً فتستعمل بمعنى ضد العبد أو الخادم.
هذا بيان ما يتشعب من كلمة (الرب) من المعاني. وقد أخطأوا لعمر الله حين حصروا هذه الكلمة في معنى المربي والمنشئ، ورددوا في تفسير (الربوبية) هذه الجملة (هو إنشاء الشيء حالاً فحالاً إلى حد التمام) . والحق أن ذلك إنما هو معنى واحد من معاني الكلمة المتعددة الواسعة. وبإنعام النظر في سعة هذه الكلمة واستعراض معانيها المتشعبة يتبين أن كلمة (الرب) مشتملة على جميع ما يأتي بيانه من المعاني:
المربي الكفيل بقضاء الحاجات، والقائم بأمر التربية والتنشئة.
الكفيل والرقيب، والمتكفل بالتعهد وإصلاح الحال.
السيد الرئيس الذي يكون في قومه كالقطب يجتمعون حوله. السيد المطاع، والرئيس وصاحب السلطة النافذ الحكم، والمعترف له بالعلاء والسيادة، والمالك لصلاحيات التصرف.
الملك والسيد.



استعمال كلمة (الرب) في القرآن
وقد جاءت كلمة (الرب) في القرآن بجميع ما ذكرناه آنفاً من معانيها. ففي بعض المواضع أريد بها معنى أو معنيان من تلك المعاني. وفي الأخرى أريد بها أكثر من ذلك. وفي الثالثة جاءت الكلمة مشتملة على المعاني الخمسة بأجمعها في آن واحد. وها نحن نبين ذلك بأمثلة من آي الذكر الحكيم.

بالمعنى الأول
(قال معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي) (1) (يوسف: 23)

بالمعنى الثاني وباشتراك شيء من تصور المعنى الأول.
(فإنهم عدوٌ لي إلا رب العالمين. الذي خلقني فهو يهدين والذي هو يطعمني ويسقين. وإذا مرضت فهو يشفين) (الشعراء: 77-80)
(وما بكم من نعمة فمن الله، ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون، ثم إذا كشف الضر عنكم إذا فريق منكم بربهم يشركون) (النحل: 53-54)
(قل أغير الله أبغي رباً وهو ربُّ كل شيء) (الأنعام: 164)
(ربُّ المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلاً) (المزمل: 9)

بالمعنى الثالث (هو ربكم وإليه ترجعون) (هود: 34)
(ثم إلى ربكم مرجعكم) (الزمر: 7)
(قل يجمع بيننا ربنا) (سبأ: 26)
(وما من دابةً في الأرض ولا طائرٍ يطير بجناحيه إلا أممٌ أمثالكم، ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم إلى ربّهم يُحشرون) (الأنعام: 38)
(ونفخ في الصور فإذا هم من الأجداث إلى ربّهم ينسلون) (يس: 51)

بالمعنى الرابع وباشتراك بعض تصور المعنى الثالث.
(اتّخذوا أحبارهم ورُهبانهم أرباباً من دون الله) (التوبة: 31)
(ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله) (آل عمران: 64)
والمراد بالأرباب في كلتا الآيتين الذين تتخذهم الأمم والطوائف هداتها ومرشديها على الإطلاق. فتذعن لأمرهم ونهيهم، وتتبع شرعهم وقانونهم، وتؤمن بما يحلون وما يحرمون بغير أن يكون قد أنزل الله تعالى به من سلطان، وتحسبهم فوق ذلك أحقاء بأن يأمروا وينهوا من عند أنفسهم.
(أما أحدكما فيسقي ربه خمراً) .. (وقال للذي ظنّ أنه ناجٍ منهما اذكرني عند ربك فأنساه الشيطان ذكر ربه) .. (فلما جاءه الرّسول قال ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطّعن أيديهنّ إنّ ربي بكيدهنّ عليم) (يوسف: 41، 42، 50)
قد كرر يوسف عليه السلام في خطابه لأهل مصر في هذه الآيات تسمية عزيز مصر بكلمة (ربهم) فذلك لأن أهل مصر بما كانوا يؤمنون بمكانته المركزية وبسلطته العليا، ويعتقدون أنه مالك الأمر والنهي، فقد كان هو ربهم في واقع الأمر، وبخلاف ذلك لم يُرد يوسف عليه السلام بكلمة (الرب) عندما تكلم بها بالنسبة لنفسه إلا الله تعالى فإنه لم يكن يعتقد فرعون، بل الله وحده المسيطر القاهر ومالك الأمر والنهي.

بالمعنى الخامس:
(فليعبدوا ربّ هذا البيت الذي أطعمهم من جوعٍ وآمنهم من خوفٍ) (قريش: 3-4)
(سبحان ربك ربِّ العزة عما يصفون) (الصافات: 180)
(فسبحان الله ربِّ العرش عما يصفون) (الأنبياء: 22)
(قل من ربُّ السماوات السبع وربُّ العرش العظيم) (المؤمنون: 86) (رب السماوات والأرض وما بينهما وربُّ المشارق) (الصافات: 5)
(وأنه هو رب الشِّعرى) (النجم: 49)



تصورات الأمم الضالة في باب الربوبية
ومما تقدم من شواهد آيات القرآن، تتجلى معاني كلمة (الرب) كالشمس ليس دونهما غمام. فالآن يجمل بنا أن ننظر ماذا كانت تصورات الأمم الضالة في باب الربوبية، ولماذا جاء القرآن ينقضها ويرفضها، وما الذي يدعو إليه القرآن الكريم؟ ولعل من الأجدر بنا في هذا الصدد أن نتناول كل أمة من الأمم الضالة التي ذكرها القرآن منفصلة بعضها عن بعض، فنبحث في عقائدها وأفكارها حتى يستبين الأمر ويخلص من كل لبس أو إبهام.

قوم نوح عليه السلام
إن أقدم أمة في التاريخ يذكرها القرآن هي أمة نوح عليه السلام، ويتضح مما جاء فيه عن هؤلاء القوم أنهم لم يكونوا جاحدين بوجود الله تعالى، فقد روى القرآن نفسه قولهم الآتي في ردّهم على دعوة نوح عليه السلام:
(ما هذا إلا بشرٌ مثلكم يريدُ أن يتفضل عليكم، ولو شاء الله لأنزل ملائكة) ... (المؤمنون: 24)
وكذلك لم يكونوا يجحدون كون الله تعالى خالق هذا العالم، وبكونه رباً بالمعنى الأول والثاني، فإنه لما قال لهم نوح عليه السلام
(هو ربكم وإليه ترجعون) (هود: 34)
و (استغفروا ربكم إنه، كان غفاراً) و (ألم تروا كيف خلق الله سبع سماوات طباقاً وجعل القمر فيهن نوراً وجعل الشمس سراجاً والله أنبتكم من الأرض نباتاً) (نوح: 10، 15، 16، 17)
لم يقم أحد منهم يرد على نوح قوله ويقول: ليس الله بربنا، أوليس الله بخالق الأرض والسماء ولا بخالقنا نحن، أو ليس هو الذي يقوم بتدبير الأمر في السماوات والأرض.
ثم إنهم لم يكونوا جاحدين أن الله إلهٌ لهم. ولذلك دعاهم نوح عليه السلام بقوله: (ما لكم من إله غيره) فإن القوم لو كانوا كافرين بألوهية الله تعالى، إذاً لكانت دعوة نوح إياهم غير تلك الدعوة وكان قوله عليه السلام حينئذ من مثل "يا قوم! اتخذوا الله إلهاً) . فالسؤال الذي يخالج نفس الباحث في هذا المقام هو: أي شيء كان إذاً موضوع النزاع بينهم وبين نبيهم نوح عليه السلام. وإننا إذاً أرسلنا النظر لأجل ذلك في آيات القرآن وتتبعناها، تبين لنا أنه لم يكن موضوع النزاع بين الجانبين إلا أمرين اثنين: أولهما أن نوحاً عليه السلام كان يقول لقومه: إن الله الذي هو رب العالمين والذي تؤمنون بأنه هو الذي قد خلقكم وخلق هذا العالم جميعاً، وهو الذي يقضي حاجاتكم، هو في الحقيقة إلهكم الواحد الأحد ولا إله إلا هو، وليس لأحد من دونه أن يقضي لكم الحاجات ويكشف عنكم الضر ويسمع دعواكم ويغيثكم، ومن ثم يجب عليكم ألا تعبدوا إلا إياه ولا تخضعوا إلا له وحده.
(يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره) (الأعراف: 59)
(ولكني رسولٌ من رب العالمين أبلغكم رسالات ربي) (الأعراف: 61-62)
وكان قومه بخلاف ذلك مصرين على قولهم بأن الله هو رب العالمين دون ريب. إلا أن هناك آلهة أخرى لها أيضاً بعض الدخل في تدبير نظام هذا العالم، وتتعلق بهم حاجاتنا، فلا بد أن نؤمن بهم كذلك آلهة لنا مع الله:
(وقالوا لا تذرنُّ آلهتكم ولا تذرنّ وداً ولا سواعاً ولا يغوث ويعوق ونسراً) (نوح: 23) وثانيهما أن القوم لم يكونوا يؤمنون بربوبية الله تعالى إلا من حيث إنه خالقهم، جميعاً ومالك الأرض والسماوات، ومدبر أمر هذا العالم، ولم يكونوا يقولون بأنه وحده هو الحقيق – كذلك- بأن يكون له الحكم والسلطة القاهرة في أمور الأخلاق والاجتماع والمدنية والسياسة وسائر شؤون الحياة الإنسانية، وبأنه وحده أيضاً هادي السبيل وواضع الشرع ومالك الأمر والنهي، وبأنه وحده يجب كذلك أن يتبع. بل كانوا قد اتخذوا رؤساءهم وأحبارهم أرباباً من دون اله في جميع تلك الشؤون. وكان يدعوهم نوح عليه السلام – بخلاف ذلك إلى ألا يجعلوا الربوبية يتقسمها أرباب متفرقة بل عليهم أن يتخذوا الله تعالى وحده رباً بجميع ما تشتمل عليه كلمة (الرب) من المعاني وأن يتبعوه ويطيعوه فيما يبلغهم من أوامر الله تعالى وشيعته نائباً عنهن فكان يقول لهم:
(إني لكم رسولٌ أمين. فاتقوا الله واطيعون) (الشعراء: 107- 108)

عاد قوم هود
ويذكر القرآن بعد قوم نوح عاداً قوم هود عليه السلام. ومعلوم أن هذه الأمة أيضاً لم تكن جاحدة بوجود الله تعالى، وكذلك لم تكن تكفر بكونه إلهاً. بل كانت تؤمن بربوبية الله تعالى بالمعاني التي كان يؤمن بها قوم نوح عليه السلام. أما النزاع بينها وبين نبيها هود عله السلام فلم يكن إلا حول الأمرين الاثنين اللذين كان حولهما نزاع بين نوح عليه السلام وقومه يدل على ذلك ما يأتي من النصوص القرآنية دلالة واضحة:
(وإلى عادٍ أخاهم هوداً، قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره) (الأعراف: 65)
(قالوا أجئتنا لنعبد الله وحده ونذر ما كان يعبد آباؤنا) (الأعراف: 70)
(قالوا لو شاء ربنا لأنزل ملائكةً) ... (فصلت: 11)
(وتلك عادٌ جحدوا بآيات ربهم وعصوا رسله واتبعوا أمرَ كل جبّارٍ عنيد) (هود: 59)

ثمود قوم صالح ويأتي بعد ذلك ثمود الذين كانوا أطغى الأمم وأعصاها بعد عاد وهذه الأمة أيضاً كان ضلالها كضلال قومي نوح وهود من حيث الأصل والمبدأ فما كانوا جاحدين بوجود الله تعالى ولا كافرين بكونه إلهاً ورباً للخلق أجمعين. وكذلك ما كانوا يستنكفون عن عبادته والخضوع بين يديه، بل الذي كانوا يجحدونه هو أن الله تعالى هو الإله الواحد، وأنه لا يستحق العبادة إلا هو، وأن الربوبية خاصة له دون غيره بجميع معانيها. فإنهم كانوا مصرين على إيمانهم بآلهة أخرى مع الله وعلى اعتقادهم أن أولئك يسمعون الدعاء، ويكشفون الضر ويقضون الحاجات، وكانوا يأبون إلا أن يتبعوا رؤساءهم وأحبارهم في حياتهم الخلقية والمدنية، ويستمدوا منهم بدلاً من الله تعالى شرعهم وقانون حياتهم. وهذا هو الذي أفضى بهم في آخر الأمر إلى أن يصبحوا أمة مفسدة، فأخذهم من الله عذاب أليم ويبين كل ذلك ما يأتي من آيات القرآن الحكيم.
(فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عادٍ وثمود إذ جاءتهم الرسل من بين أيديهم ومن خلفهم ألا تعبدوا إلا الله قالوا لو شاء ربنا لأنزل ملائكة فإنا بما أرسلتم به كافرون) (حم: السجدة 13-14)
(وإلى ثمود أخاهم صالحاً، قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره) (هود: 61)
(قالوا يا صالح قد كنت فينا مرجوّاً قبل هذا أتنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا)
(إذ قال لهم أخوهم صالحٌ ألا تتقون. إني لكم رسولٌ أمين. فاتقوا الله وأطيعون) (الشعراء: 151-144)
(ولا تطيعوا أمر المسرفين الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون) (الشعراء: 151-152)

قوم إبراهيم ونمورد ويتلو ثمود قوم إبراهيم عليه السلام. ومما يجعل أمر هذه الأمة أخطر وأجدر بالبحث، أن قد شاع خطأ بين الناس عن ملكها نمرود، أنه كان يكفر بالله تعالى ويدعي الألوهية. والحق أنه كان يؤمن بوجود الله تعالى ويعتقد بأنه خالق هذا العالم ومدبر أمره، ولم يكن يدعي الربوبية إلا بالمعنى الثالث والرابع والخامس. وكذلك قد فشا بين الناس خطأ أن قوم إبراهيم عليه السلام هؤلاء ما كانوا يعرفون الله ولا يؤمنون بألوهيته وربوبيته. إنما الواقع أن أمر هؤلاء القوم لم يكن يختلف في شيء عن أمر قوم نوح وعاد وثمود. فقد كانوا يؤمنون بالله ويعرفون أنه هو الرب وخالق الأرض والسماوات ومدبر أمر هذا العالم، وما كانوا يستنكفون عن عبادته كذلك. وأما غيّهم وضلالهم فهو أنهم كانوا يعتقدون أن الأجرام الفلكية شريكة مع الله في الربوبية بالمعنى الأول والثاني ولذلك كانوا يشركونها بالله تعالى في الألوهية. وأما الربوبية بالمعنى الثالث والرابع والخامس فكانوا قد جعلوها خاصة لملوكهم وجبابرتهم. وقد جاءت نصوص القرآن في ذلك من الوضوح والجلاء بحيث يتعجب المرء: كيف لم يدرك الناس هذه الحقيقة وقصروا عن فهمها؟. وهيا بنا ننظر قبل كل شيء في الحادث الذي حدث لإبراهيم – عليه السلام- عند أول ما بلغ الرشد؛ والذي يصف فيه القرآن كيفية سعي إبراهيم وراء الوصول إلى الحق:
(فلما جن عليه الليل رأى كوكباً، قال هذا ربي؛ فلما أفل، قال لا أحب الآفلين. فلما رأى القمر بازغاً، قال هذا ربي، فلما أفلَ قال لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين. فلما رأى الشمس بازغة، قال هذا ربي، هذا أكبر؛ فلما أفلت قال يا قوم إني بريءٌ مما تشركون. إني وجهتُ وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين) (الأنعام: 76-79)
فيتبين واضحاً من الآيات المخطوط تحتها أن المجتمع الذي نشأ فيه إبراهيم عليه السلام، كان يوجد عنده تصور فاطر السماوات والأرض وتصوُّر كونه رباً منفصلاً عن تصوّر ربوبية السيارات السماوية. ولا عجب في ذلك، فقد كان القوم من ذرية المسلمين الذين كانوا قد آمنوا بنوح عليه السلام، وكان الدين الإسلامي لم يزل يحيا وُيجدد فيمن داناهم في القرب والقرابة من أمم عاد وثمود، على أيدي الرسل الكرام الذين توالوا عليها كما قال عزّ وجل: (جاءتهم الرسل من بين أيديهم ومن خلفهم) . فعلى ذلك كان إبراهيم عليه السلام أخذ تصور كون الله رباً وفاطراً للسماوات والأرض عن بيئته التي نشأ فيها. وأما التساؤل الذي كان يخالج نفسه فهو عن مبلغ الحق والصحة فيما شاع بين قومه من تصوّر كون الشمس والقمر والسيارات الأخرى شريكة مع الله في نظام الربوبية حتى أشركوها بالله تعالى في العبادة (1) .فجدّ إبراهيم عليه السلام في البحث عن جوابه قبل أن يصطفيه الله تعالى للنبوة، حتى أصبح نظام طلوع السيارات السماوية وأفولها هادياً له إلى الحق الواقع وهو أنه لا رب إلا فاطر السماوات والأرض. ولأجل ذلك تراه يقول عند أفول القمر: لئن لم يهدني ربي لأخافنَّ أن أبقى عاجزاً عن الوصول إلى الحق وانخدع بهذه المظاهر التي لا يزال ينخدع بها ملايين من الناس من حولي. ثم لما اصطفاه الله تعالى لمنصب النبوة
أخذ في دعوة قومه إلى الله، فإنك ترى بالتأمل في الكلمات التي كان يعرض بها دعوته على قومه أن ما قلناه آنفاً يزداد وضوحاً وتبياناً:
(وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزّل به عليكم سلطاناً) (الأنعام – 81)
(وأعتزلكم وما تدعون من دون الله) (مريم – 48)
(قال بل ربكم رب السماوات والأرض الذي فطرهنّ) (الأنبياء – 56)
(قال أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئاً ولا يضركم) (الأنبياء – 66)
(إذ قال لأبيه وقومه ماذا تعبدون. أأفكاً آلهةً دون الله تريدون. فما ظنّكم بربِّ العالمين) (الصافات: 85- 87)
(إنّا بُرآءُ منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً حتى تؤمنوا بالله وحده) (الممتحنة: 4)
فيتجلى من جميع الأقوال لإبراهيم عليه السلام أنه ما كان يخاطب بها قوماً لا يعرفون الله تعالى ويجحدون بكونه إله الناس ورب العالمين أو أذهانهم خالية من كل ذلك، بل كان بين يديه قوم يشركون بالله تعالى آلهة أخرى في الربوبية بمعناها الأول والثاني وفي الألوهية. ولذلك لا ترى في القرآن الكريم قولاً واحداً لإبراهيم عليه السلام قد قصد به إقناع أمته بوجود الله تعالى وبكونه إلهاً ورباً للعالمين، بل الذي تراه يدعو أمته إليه في كل ما يقول هو أن الله سبحانه وتعالى هو وحده الرب والإله.
ثم لنستعرض أمر نمرود. فالذي جرى بينه وبين إبراهيم عليه السلام من الحوار، قصه القرآن في ما يأتي من الآيات:
(ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتاه الله الملك إذ قال إبراهيم ربي الذي يحيي ويميت قال أنا أحيي وأميت قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فات بها من المغرب فبهت الذي كفر) (البقرة – 258)
أنه ليتضح جلياً من هذا الحوار بين النبي وبين نمرود أنه لم يكن النزاع بينهما في وجود الله تعالى أو عدمه وإنما كان في أنه من ذا يعتقده إبراهيم عليه السلام رباً؟ كان نمرود من أمة كانت تؤمن بوجود لله تعالى، ثم لم يكن مصاباً بالجنون واختلال العقل حتى يقول هذا القول السخيف البين الحمق: "إني فاطر السماوات والأرض ومدبر سير الشمس والقمر" فالحق أنه لم تكن دعواه أنه هو الله ورب السماوات والأرض وغنما كانت أنه رب المملكة التي كان إبراهيم –عليه السلام- أحد أفراد رعيتها. ثم أنه لم يكن يدعي الربوبية لتلك المملكة بمعناها الأول والثاني، فإنه كان يعتقد بربوبية الشمس والقمر وسائر السيارات بهذين المعنيين، بل كان يدعي الربوبية لمملكته بالمعنى الثالث والرابع والخامس. وبعبارة أخرى كانت دعواه أنه مالك تلك المملكة، وأن جميع أهاليها عبيد له، وأن سلطته المركزية أساس لاجتماعهم، وأمره قانون حياتهم. وتدل كلمات (أن آتاه الله الملك) دلالة صريحة على أن دعواه للربوبية كان أساسها التبجح بالملكية. فلما بلغه أن قد ظهر بين رعيته رجل يقال له إبراهيم، لا يقول بربوبية الشمس والقمر ولا السيارات الأخرى في دائرة ما فوق الطبيعة، ولا هو يؤمن بربوبية صاحب العرش في دائرة السياسة والمدنية، استغرب الأمر جداً فدعا إبراهيم عليه السلام فسأله: من ذا الذي تعتقده رباً؟ فقال إبراهيم عليه السلام بادئ ذي بدء: "ربي الذي يحيي ويميت يقدر على إماتة الناس وإحيائهم! " فلم يدرك نمرود غور الأمر فحاول أن يبرهن على ربوبيته بقوله: "وأنا أيضاً أملك الموت والحياة، فأقتل من أشاء وأحقن دم من أريد! .." هنالك بين له إبراهيم عليه السلام أنه لا رب عنده إلا الله الذي لا رب سواه بجميع معاني الكلمة، وأنى يكون لأحد غيره شرك في الربوبية وهو لا سلطان له على الشمس في طلوعها وغروبها؟! وكان نمرود رجلاً فطناً، فما أن سمع من إبراهيم عليه السلام هذا الدليل القاطع
حتى تجلت له الحقيقة، وتفطن لأن دعواه للربوبية في ملكوت الله تعالى بين السموات والأرض إن هي إلا زعم باطل وادعاء فارغ فبهت ولم ينبس ببنت شفة. إلا انه قد كان بلغ منه حب الذات واتباع هوى النفس وإيثار مصالح العشيرة، مبلغاً لم يسمح له بأن ينزل عن ملكيته المستبدة ويئوب إلى طاعة الله ورسوله، مع أنه قد تبين له الحق والرشد. فعلى ذلك قد أعقب الله تعالى هذا الحوار بين النبي ونمرود بقوله: (والله لا يهدي القوم الظالمين) والمراد أن نمرود لما لم يرض أن يتخذ الطريق الذي كان ينبغي له أن يتخذه بعدما تبين له الحق، بل آثر أن يظلم الخلق ويظلم نفسه معهم، بالإصرار على ملكيته المستبدة الغاشمة لم يؤته الله تعالى نوراً من هدايته، ولم يكن من سنة الله أن يهدي إلى سبيل الرشد من كان لا يطلب الهداية من تلقاء نفسه.

قوم لوط عليه السلام
ويعقب قوم إبراهيم في القرآن قوم لوط، الذين بعث لهدايتهم وإصلاح فسادهم لوط بن أخي إبراهيم عليهما السلام -. ويدلنا القرآن الكريم أن هؤلاء أيضاً ما كانوا متنكرين لوجود الله تعالى ولا كانوا يجحدون بأنه هو الخالق والرب بالمعنى الأول والثاني. أما الذي كانوا يأبونه ولا يقبلونه فهو الاعتقاد بأن الله هو الرب المعنى الثالث والرابع والخامس، والإذعان لسلطة النبي من حيث كونه نائباً من عند الله أميناً. ذلك بأنهم كانوا يبتغون أن يكونوا أحراراً مطلقي الحرية يتبعون ما يشاؤون من أهوائهم ورغباتهم وتلك كانت جريمتهم الكبيرة التي ذاقوا من جرائها أليم العذاب. ويؤيد ذلك ما يأتي من النصوص القرآنية:
(إذ قال لهم أخوهم لوط ألا تتقون إني لكم رسولٌ أمينٌ. فاتقوا الله وأطيعون. وما أسألكم عليه من أجر إنْ أجري إلا على رب العالمين. أتأتون الذُّكران من العالمين. وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم بل أنتم قومٌ عادون) (الشعراء: 161 – 166) وبديهي أن مثل هذا القول لم يكن ليخاطب به إلا قوم لا يجدون بوجود الله تعالى وبكونه خالقاً ورباً لهذا العالم؟ فأنت ترى أنهم لا يجيبون لوطاً عليه السلام بقول من مثل: "ما الله؟ " من أين له أن يكون خالقاً للعالم؟ " أو "أنى له أن يكون ربنا ورب الخلق أجمعين؟ " بل تراهم يقولون:
(لئن لم تنته يا لوط لتكوننّ من المخرجين) (الشعراء: 167)
وقد ذكر القرآن الكريم هذا الحديث في موضع آخر بالكلمات الآتية:
(ولوطاً إذ قال لقومه إنكم لتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين. أإنكم لتأتون الرجال وتقطعون السبيل وتأتون في ناديكم المنكر فما كان جواب قومه إلا أن قالوا ائتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين) (العنكبوت: 28-29)
أفيجوز أن يكون هذا جواب قوم ينكرون وجود الله تعالى؟. لا والله ومن ذلك يتبين أن جريمتهم الحقيقية لم تكن إنكار ألوهية الله تعالى وربوبيته، بل كانت جريمتهم أنهم على إيمانهم بالله تعالى إلهاً ورباً فيما فوق العالم الطبيعي، كانوا يأبون أن يطيعوه ويتبعوا قانونه في شؤونه الخلقية والمدنية والاجتماعية، يمتنعون من أن يهتدوا بهدي نبيه لوط عليه السلام.

قوم شعيب عليه السلام ولنذكر في الكتاب بعد ذلك أهل مدين وأصحاب الأيكة الذين بعث إليهم شعيب عليه السلام. ومما نعرف عن أمرهم أنهم كانوا من ذرية إبراهيم عليه السلام. إذن لا حاجة إلى أن نبحث فيهم: هل كانوا يؤمنون بوجود الله تعالى وبكونه إلهاً ورباً أم لا؟ إنهم كانوا في حقيقة الأمر أمة نشأت على الإسلام في بداية أمرها، ثم أخذت بالفساد بما أصاب عقائدها من الانحلال وأعمالها من السوء. ويبدو مما جاء عنهم في القرآن كأن القوم كانوا بعد ذلك كله يدّعون لأنفسهم الإيمان، فإنك ترى شعيباً عليه السلام يكرر لهم القول: يا قوم اعملوا كذا وكذا إن كنتم مؤمنين وفي خطاب شعيب عليه السلام لقومه وأجوبة القوم له دلالة واضحة على أنهم كانوا قوماً يؤمنون بالله وينزلونه منزلة الرب والمعبود. ولكنهم كانوا قد تورطوا في نوعين من الضلال: أحدهما أنهم كانوا أصبحوا يعتقدون الألوهية والربوبية في آلهة أخرى مع الله تعالى، فلم تعد عبادتهم خالصة لوجه الله، والآخر أنهم كانوا يعتقدون أن ربوبية الله لا مدخل لها في شؤون الحياة الإنسانية من الأخلاق والاجتماع والاقتصاد والمدنية والسياسة، وعلى ذلك كانوا يزعمون أنهم مطلقوا العنان في حياتهم المدنية ولم أن يتصرفوا في شؤونهم كيف يشاؤون، ويصدق ذلك ما يأتي من الآيات:
(وإلى مدين أخاهم شعيباً، قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره قد جاءتكم بينةٌ من ربكم فأوفوا الكيل والميزان ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها ذلكم خيرٌ لكم إن كنتم مؤمنين) (الأعراف: 85)
(وإنْ كان طائفة منكم آمنوا بالذي أرسلتُ به وطائفةٌ لم يؤمنوا فاصبروا حتى يحكم الله بيننا وهو خيرُ الحاكمين) (الأعراف: 87) (ويا قوم أوفوا المكيال والميزان بالقسط ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين. بقية الله خيرٌ لكم إن كنتم مؤمنين وما أنا عليكم بحفيظ. قالوا يا شعيب أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاءُ إنكَ لأنت الحليم الرشيد) (هود: 85-87)
والعبارات الأخيرة المخطوط تحتها خصوصية الدلالة على ضلالهم الحقيقي في باب الربوبية والألوهية.

فرعون وآله
وهيا بنا ننظر الآن في قصة فرعون وآله، فمن قد شاع عنهم في الناس من الأخطاء والأكاذيب أكثر مما شاع فيهم عن نمرود وقومه. فالظن الشائع أن فرعون لم يكن منكراً لوجود الله تعالى فحسب، بل كان يدعي الألوهية لنفسه أيضاً. ومعناه أن قد بلغت منه السفاهة أنه كان يجاهر على رؤوس الناس بدعوى أنه فاطر السماوات والأرض، وكانت أمته من البله والحماقة أنها كانت تؤمن بدعواه تلك. والحق الواقع الذي يشهد به القرآن والتاريخ هو أن فرعون لم يكن يختلف ضلاله في باب الألوهية والربوبية عن ضلال نمرود، ولا كان يختلف ضلال آله عن ضلال قوم نمرود. وإنما الفرق بين هؤلاء وأولئك أنه قد كان نشأ في آل فرعون لبعض الأسباب السياسية عناد وتعصب وطني شديد على بني إسرائيل، فكانوا لمجرد هذا العناد يمتنعون من الإيمان بألوهية الله وربوبيته، وإن كانت قلوبهم تعترف بها شأن أكثر الملحدين الماديين في عصرنا هذا.
وبيان هذا الإجمال أنه لما استتبت ليوسف عليه السلام السلطة على مصر، استفرغ جهده في نشر الإسلام وتعاليمه بينهم. ورسم على أرضه من ذلك أثراً محكماً لم يقدر على محوه أحد إلى القرون. وأهل مصر وإن لم يكونوا إذ ذاك قد آمنوا بدين الله عن بكرة أبيهم، إلا أنه لا يمكن أن يكون قد بقي فيهم من لم يعرف وجود الله تعالى ولم يعلم أنه هو فاطر السماوات والأرض. وليس الأمر يقف عند هذا بل الحق أن كان تم للتعاليم الإسلامية من النفوذ والتأثير في كل مصري ما جعله – على الأقل – يعتقد بأن الله إله الآلهة رب الأرباب فيما فوق العالم الطبيعي ولم يبق في تلك الأرض من يكفر بألوهية الله تعالى. وأما الذين كانوا قد أقاموا على الكفر، فكانوا يجعلون مع الله شركاء في الألوهية والربوبية. وكانت تأثيرات الإسلام المختلفة هذه في نفوس أهل مصر باقية إلى الزمن الذي بعث فيه موسى عليه السلام (1) . والدليل على ذلك تلك الخطبة التي ألقاها أمير من الأقباط في مجلس فرعون. وذلك أن
فرعون حينما أبدى إرادته في قتل موسى عليه السلام، لم يصبر عليه هذا الأمير القبطي من أمراء مجلسه، وكان قد أسلم وأخفى إسلامه، ولم يلبث أن قام يخطب:
(أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم وإن يك كاذبا فعليه كذبه وإن يك صادقاً يصبكم بعض الذي يعدكم إن الله لا يهدي من هو مسرفٌ كذاب. يا قوم لكم الملك اليوم ظاهرين في الأرض فمن ينصرنا من بأس الله إن جاءنا) .
(يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب. مثل داب قوم نوحٍ وعادٍ وثمود والذين من بعدهم) .
(ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات فما زلتم في شك مما جاءكم به حتى إذا هلك قلتم لن يبعث الله من بعده رسولاً) .. (ويا قوم ما لي أدعوكم إلى النجاة وتدعونني إلى النار. تدعونني لكفر بالله وأشرك به ما ليس لي به علمٌ وأنا أدعوكم إلى العزيز الغفار) . (غافر – 28 – 31 – 34 – 41- 42)
وتشهد هذه الخطبة من أولها إلى آخرها بأنه لم يزل أثر شخصية النبي يوسف عليه السلام باقياً في نفوس القوم إلى ذلك الحين، وقد مضت على عهده قرون متعددة. وبفضل ما علمهم هذا النبي الجليل، لم يكونوا قد بلغوا من الجهالة ألا يعلموا شيئاً عن وجود الله تعالى، أو ألا يعرفوا أنه الرب والإله، وأن سيطرته وسلطته غالبة على قوى الطبية في هذا العالم، وأن غضبه مما يخاف ويتقى. ويتضح أيضاً من آخر هذه الخطبة أن أمة فرعون لم تكن تجحد بألوهية الله وربوبيته جحوداً باتاً، وإنما كان ضلالها كضلال الأمم الأخرى مما ذكرناه آنفاً – أي كانت هذه الأمة أيضاً تشرك بالله تعالى في صفتي الألوهية والربوبية وتجعل له فيهما أنداداً.
أما مثار الشبهة في أمر فرعون فهو سؤاله لموسى عليه السلام (وما رب العالمين) حينما سمع منه: (إنا رسول رب العالمين!) ثم قوله لصاحبه هامان: (ابن لي صرحاً لعلي أبلغ الأسباب أسباب السموات فأطلع إلى إله موسى) ووعيده لموسى عليه السلام: (لئن اتخذت إلهاً غيري لأجعلنك من المسجونين) ، وإعلانه لقومه: (أنا ربكم الأعلى) وقوله لملئه: (لا أعلم لكم من إله غيري) . – فمثل هذه الكلمات التي قالها فرعون قد خيلت إلى الناس أنه كان ينكر وجود الله تعالى وكان فارغ الذهن من تصور رب العالمين، ويزعم لنفسه أنه الإله الواحد، ولكن الواقع الحق أنه لم يكن يدعي ذلك كله إلا بدافع من العصبية الوطنية. وذلك أنه لم يكن الأمر في زمن النبي يوسف عليه السلام قد وقف على أن شاعت تعاليم الإسلام في ربوع مصر بفضل شخصيته القوية الجليلة، بل جاوز ذلك إلى أن تمكن لبني إسرائيل نفوذ بالغ في الأرض مصر تبعاً لما تهيأ ليوسف عليه السلام من السلطة والكلمة النافذة في حكومة مصر. فبقيت سلطة بني إسرائيل مخيمة على القطر المصري إلى ثلاثمائة سنة أو أربعمائة. ثم أخذ يخالج صدور المصريين من العواطف الوطنية والقومية ما جعلهم يتعصبون على بني إسرائيل، واشتد الأمر حتى الغوا سلطة الإسرائيليين ونفوذهم إلغاء. فتولى الأمر بعدهم الأسر المصرية الوطنية وتتابعت في الحكم. وهؤلاء الملوك الجدد لما أمسكوا زمام الأمر لم يقتصروا على إخضاع بني إسرائيل وكسر شوكتهم، بل تعدوه إلى أن حاولوا محو كل أثر من آثار العهد اليوسفي في مصر وإحياء تقاليد ديانتهم الجاهلية. فلما بعث إليهم في تلك الآونة موسى عليه السلام، خافوا على غلبتهم وسلطتهم أن تنتقل من أيديهم إلى أيدي بني إسرائيل مرة أخرى. فلم يكن يبعث فرعون إلا هذا العناد واللجاج على أن يسأل موسى عليه السلام ساخطاً متبرماً: وما رب العالمين؟ ومن يمكن أن يكون إلهاً غيري؟ وهو في الحقيقة لم يكن جاهلاً وجود رب العالمين. وتتضح هذه
الحقيقة كأوضح ما يكون مما جاء في القرآن الكريم من أحاديثه وأحاديث ملئه وخطب موسى عليه السلام. فيقول فرعون – مثلا – تأكيداً لقوله إن موسى عليه السلام ليس برسول الله.
(فلولا ألقي عليه أسورةٌ من ذهب أو جاء معه الملائكة مقترنين) (الزخرف: 53)
أفكان لرجل فارغ الذهن من وجود الله تعالى والملائكة أن يقول هذا القول وفي موضع آخر يقص القرآن الحوار الآتي بين فرعون وبين النبي موسى عليه السلام:
(فقال له فرعون إني لأظنك يا موسى مسحوراً. قال لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السماوات والأرض بصائر وإني لأظنك يا فرعون مبثوراً) (بني إسرائيل: 101-102)
وفي محل آخر يظهر الله تعالى ما في صدور قوم فرعون بقوله:
(فلما جاءتهم آياتنا مبصرةً قالوا هذا سحرٌ مبينٌ وجحدوا واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلواً) (النمل: 13-14)
ويصور لنا القرآن نادياً آخر جمع موسى عليه السلام وآل فرعون بهذه الآية:
(قال لهم موسى ويلكم لا تفتروا على الله كذباً فيسحتكم بعذابٍ وقد خاب من افترى. فتنازعوا أمرهم بينهم وأسروا النجوى قالوا إن هذان لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما بطريقتكم المثلى) (طه: 61-63)
والظاهر أنه لم يكن قام النزاع ونشأ الأخذ والرد بينهم وبين نبيهم موسى عليه السلام حين أنذرهم عذاب الله ونبههم على سوء مآل ما كانوا يفترون، إلا لأنهم قد كان في قلوبهم ولاشك بقية من أثر عظمة الله تعالى وجلاله وهيبته ولكن حاكمهم الوطنيين لما أنذروهم بخطر الانقلاب السياسي العظيم، وحذروهم عاقبة اتباعهم لموسى وهارون، وهي عودة غلبة الإسرائيليين على أبناء مصر، قست قلوبهم واتفقوا جميعاً على مقاومة النبيين. وبعد ما قد تبين لنا من هذه الحقيقة، من السهل علينا أن نبحث: ماذا كان مثار النزاع بين موسى عليه السلام وفرعون، وماذا كانت حقيقة ضلاله وضلال قومهن وبأي معاني كلمة (الرب) كان فرعون يدعي لنفسه الألوهية والربوبية. فتعال نتأمل لهذا الغرض ما يأتي من الآيات بالتدريج.
1- إن الذين كانوا يلحون من ملأ فرعون على حسم دعوة موسى عليه الصلاة والسلام واستئصالها من أرض مصر، يخاطبون فرعون لبعض المناسبات ويسألونه:
(أتذرُ موسى وقومه ليفسدوا في الأرض ويذركم وآلهتكَ) (الأعراف: 127)
وبخلاف ذلك يناديهم الذي كان قد آمن بموسى عليه السلام:
(تدعونني لأكفر بالله وأشرك به ما ليس لي به علمٌ) (المؤمن: 42)
فإذا نظرنا في هاتين الآيتين وأضفنا إليهما ما قد زودنا به التاريخ وآثار الأمم القديمة أخيراً من المعلومات عن أهالي مصر زمن فرعون، يتجلى لنا أن كلاً من فرعون وآله كانوا يشركون بالله تعالى في المعنى الأول والثاني لكلمة (الرب) ويجعلون معه شركاء من الأصنام ويعبدونها. والظاهر أن فرعون لو كان يدعي لنفسه الربوبية فيما فوق العالم الطبيعي، أي لو كان يدعي أنه هو الغالب المتصرف في نظام الأسباب في هذا العالم، وأنه لا إله ولا رب غيره في السماوات والأرض، ولم يعبد الآلهة الأخرى أبداً (1)
(2) أما كلمات فرعون هذه التي قد وردت في القرآن:
(يا أيها الملأ ما علمتُ لكم من إله غيري) (القصص: 38)
(لئن اتّخذت إلهاً غيري لأجعلنّك من المسجونين) (الشعراء: 29)
فليس المراد بذلك أن فرعون كان ينفي جميع ما سواه من الآلهة. وإنما كان غرضه الحقيقي من ذلك رد دعوة موسى عليها لسلام وإبطالها. ولما كان موسى عليه السلام – يدعو إلى إله لا تنحصر ربوبيته في دائرة ما فوق الطبيعة فحسب، بل هو كذلك مالك الأمر والنهي، وذو القوة والسلطة القاهرة بالمعاني السياسية والمدنية، قال فرعون لقومه: يا قوم لا أعلم لكم مثل ذلك الإله غيري، وتهدد موسى عليه السلام، أنه إن اتخذ من دونه إلهاً ليلقينّه في السجن.
ومما يعلم كذلك من هذه الآيات، وتؤيده شواهد التاريخ وآثار الأمم القديمة، أن فراعنة مصر لم يكونوا يدعون لأنفسهم مجرد الحاكمية المطلقة، بل كانوا يدعون كذلك نوعاً من القداسة والتنزه بانتسابهم إلى الآلهة والأصنام، حرصاً منهم على أن يتغلغل نفوذهم في نفوس الرعية ويستحكم استيلاؤهم على أرواحهم. ولم تكن الفراعنة منفردة بهذا الادعاء، بل الحق أن الأسر الملكية ما زالت في أكثر أقطار العالم تحاول الشركة – قليلاً أو كثيراً – في الألوهية والربوبية في دائرة ما فوق الطبيعة، علاوة على ما كانت تتولاه من الحاكمية السياسية، وما زالت لأجل ذلك تفرض على الرعية أن تقوم بين يديها بشيء من شعائر العبودية، على أن دعواهم تلك للألوهية السماوية لم تكن هي المقصودة بذاتها في الحقيقة، وإنما كانوا يتذرعون بها إلى تأثيل حاكميتهم السياسية. ومن ذلك نرى أنه ما زالت الأسر الملكية في مصر وغيرها من الأقطار الجاهلية تذهب ألوهيتها بذهاب سلطانها السياسي، وقد بقيت الألوهية تتبع العرش في تنقله من أيد إلى أخرى. (3) ولم تكن دعوى فرعون الأصلية الغالبة المتصرفة في نظام السنن الطبيعية، بل بالألوهية السياسية! فكان يزعم أنه الرب الأعلى لأرض مصر ومن فيها بالمعنى الثالث والرابع والخامس لكلمة (الرَّب) ويقول إني أنا مالك القطر المصري وما فيه من الغنى والثروة وأنا الحقيق بالحاكمية المطلقة فيه، وشخصيتي المركزية هي الأساس لمدينة مصر واجتماعها، وإذن لا يجرينَّ فيها إلاّ شريعتي وقانوني. وكان أساس دعوى فرعون بعبارة القرآن:
(ونادى فرعون في قومه قال يا قوم أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون) (الزخرف – 51)
وهذا الأساس نفسه هو الذي كانت تقوم عليه دعوى نمرود للربوبية.
و (حاجَّ إبراهيم في ربّه أن آتاه الله الملك) (البقرة: 258)
وهو كذلك الأساس الذي رفع عليه فرعون المعاصر ليوسف عليه السلام بنيان ربوبيته على أهل مملكته.
(4) أمّا دعوة موسى عليه السلام التي كانت سبب النزاع بينه وبين فرعون وآله، فهي في الحقيقة أنه لا إله ولا ربَّ بجميع معاني كلمة (الرب) إلا الله رب العالمين، وهو وحده الإله والرّب فيما فوق العالم الطبيعي، كما أنه هو الإله والرب بالمعاني السياسية والاجتماعية، لأجل ذلك يجب ألا نخلص العبادة إلا له، ولا نتبع في شؤون الحياة المختلفة إلا شرعه وقانونه، وانه – أي موسى عليه السلام – قد بعثه الله تعالى بالآيات البينات وسيُنزل الله تعالى أمره ونهيه لعباده بما يوحي إليه؛ لذلك يجب أن تكون أزمّة أمور عباده بيده، لا بيد فرعون. ومن هنا كان فرعون ورؤساء حكومته يُعلون أصواتهم المرّة بعد المرّة بأن موسى وهارون – عليهما السلام – قد جاءا يسلبان أرض مصر. وأرادا أن يذهبا بنظمنا الدينية والمدنية ليستبدلا بها ما يشاءان من النظم والقواعد.
(ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين. إلى فرعون وملئه فاتبعوا أمر فرعون وما أمر فرعون برشيد) (هود: 96-97) (ولقد فتنا قبلهم قوم فرعون وجاءهم رسولٌ كريم. أن أدُّوا إليَّ عبادَ الله إني لكم رسول أمين. وان لا تعلوا على الله إني آتيكم بسلطان مبين) (الدخان: 17-19)
(إنا أرسلنا إليكم رسولاً شاهداً عليكم كما أرسلنا إلى فرعون رسولاً فعصى فرعون الرسول فأذناه أخذاً وبيلاً) (المزملَّ: 15-16)
(قال فمن ربكما يا موسى. قال ربّنا الذي أعطى كل شيءٍ خلقه ثم هدى) (طه: 49-50)
(قال فرعون وما رب العالمين. قال رب السماوات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين. قال لمنّ حوله ألا تستمعون. قال ربكم ورب آبائكم الأولين. قال إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون. قال رب المشرق والمغرب وما بينهما إن كنتم تعقلون. قال لئن اتخذت إلهاً غيري لأجعلنّك من المسجونين) (الشعراء: 23-29)
(قال أجئتنا لتخرجنا من أرضنا بسحرك يا موسى) (طه: 57)
(وقال فرعون ذروني أقتل موسى وليدع ربّه إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد) (غافر: 26)
(قالوا إن هذان لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما ويذهبا بطريقتكم المثلى) ... (طه – 63)
وبإنعام النظر في هذه الآيات بالتدريج الذي قد سردناها به، يتجلى أن الضلال الذي تعاقبت فيه الأمم المختلفة من أقدم العصور، كان هو عينه قد غشت وادي النيل ظلماته، وأن الدعوة التي قام بها جميع الأنبياء منذ الأبد، كانت هي نفسها يدعو بها موسى وهارون عليهما السلام.

اليهود والنصارى وتطلع علينا بعد آل فرعون بنو إسرائيل والأمم الأخرى التي دانت باليهودية والنصرانية. وهؤلاء لا مجال للظن فيهم أن يكونوا منكرين لوجود إله العالم، أو يكونوا لا يعتقدون بألوهيته وربوبيّته فإن القرآن نفسه يشهد بكونهم أهل الكتاب. وأما السؤال الذي ينشأ في ذهن الباحث عن أمرهم فهو أنه ما هو على التحديد الخطأ في عقيدتهم ومنهج عملهم في باب الربوبية – الذي قد عدهم القرآن من أجله من القوم الضالين؟ والجواب المجمل على السؤال تجده في القرآن نفسه في آيته الكريمة:
(قل يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق ولا تتبعوا أهواء قومٍ قد ضلوا من قبلُ وأضلوا كثيراً وضلّوا عن سواء السبيل) (المائدة – 77)
فيعلم من هذه الآية أن ضلال اليهود والنصارى هو من حيث الأصل والأساس نفس الضلال الذي ارتطمت فيه الأمم المتقدمة، وتدلنا هذه الآية أيضاً أن ضلالهم هذا كان آتياً من غلوّهم في الدين. وها نحن نرى بعد ذلك كيف يفصل القرآن هذا الإجمال:
(وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله) (التوبة: 30)
(لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم. وقال المسيح يا بني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم) (المائدة – 72)
(لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة وما من إله إلا إله واحد) . (وإذ قال الله يا عيسى بن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق) (المائدة: 73، 116)
(ما كان لبشرٍ أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عباداً لي من دون الله ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلِّمون الكتاب وبما كنتم تدرسون. ولا يأمرَكم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أرباباً، أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون) (آل عمران: 79-80) فكان ضلال أهل الكتاب حسب ما تجل عليه هذه الآيات: أولاً أنهم بالغوا في تعظيم النفوس المقدسة كالأنبياء والأولياء والملائكة التي تستحق التكريم والتعظيم لمكانتها الدينية، فرفعوها من مكانتها الحقيقية إلى مقام الألوهية وجعلوها شركاء مع الله ودخلاء في تدبير أمر هذا العالم، ثم عبدوها واستغاثوا بها واعتقدوا أن لها نصيباً في الألوهية والربوبية الميمنتين على ما فوق العالم الطبيعي، وزعموا أنها تملك لهم المغفرة والإعانة والحفظ. وثانياً أنهم:
(اتّخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله) (التوبة – 31)
أي أن الذين لم تكن وظيفتهم في الدين سوى أن يعلموا الناس أحكام الشريعة الإلهية، ويزكوهم حسب مرضاة الله، تدرج بهم هؤلاء حتى أنزلوهم بحيث يحلون لهم ما يشاؤون ويحرمون عليهم ما يشاؤون، ويأمرونهم وينهونهم حسب ما تشاء أهواؤهم بدون سند من كتاب الله، ويسنون لهم من السنن ما تشتهي أنفسهم. كذلك وقع هؤلاء في نفس النوعين من الضلال الأساسي الخطير اللذين قد وقع فيهما قبلهم أمم نوح وإبراهيم وعاد وثمود وأهل مدين وغيرهم من الأمم، فأشركوا بالله الملائكة وعبادة المقربين – كما أشرك أولئك – في الربوبية المهيمنة على ما فوق العالم الطبيعي، وجعلوا الربوبية بمعانيها السياسية والمدنية – كما جعل أولئك – للإنسان بدلاً من الله رب السماوات. وراحوا يستمدون مبادئ المدنية والاجتماع والأخلاق والسياسة وأحكامها جميعاً من بني آدم، مستغنيين في ذلك عن السلطان المنزل من عند الله تعالى. وأفضى بهم الغي إلى أن قال فيهم القرآن:
(ألم تر إلى الذين أتوا نصيباً من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت) (النساء: 51)
(قل هل أنبئكم بشرٍ من ذلك مثوبة عند الله من لعنهُ الله وغضبَ عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت. أولئك شرٌّ مكاناً وأضل عن سواء السبيل) (المائدة: 60) (الجبتُ) كلمة جامعة شاملة لجميع أنواع الأوهام والخرافات من السحر والتمائم والشعوذة والتكهّن واستكشاف الغيب والتشاؤم والتفاؤل والتأثيرات الخارجة عن القوانين الطبيعية. والمراد من (الطاغوت) كل فرد أو طائفة أو إدارة تبغي وتتمرد على الله، وتجاوز حدود العبودية وتدعي لنفسها الألوهية والربوبية. فلما وقعت اليهود والنصارى في ما تقدم ذكره من النوعين من الضلال، كانت نتيجة أولها أن أخذت جميع أنواع الأوهام مأخذها من قلوبهم وعقولهم، وأما الثاني فاستدرجهم من عبادة العلماء والمشايخ والصوفية والزهاد إلى عبادة الجبابرة وطاعة الظالمين الذين كانوا قد بغوا على الله علانية!

المشركون العرب
هذا ولنبحث الآن في المشركين العرب الذين بعث فيهم خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم، والذين كانوا أول من خاطبهم القرآن، من أي نوع كان ضلالهم في باب الألوهية والربوبية، هل كانوا يجهلون الله رب العالمين، أو كانوا ينكرون وجوده، فبعث إليهم النبي صلى الله عليه وسلم ليبث في قلوبهم الإيمان بوجود الذات الإلهية! وهل كانوا لا يعتقدون الله عز وجل إلهاً للعالمين ورباً، فأنزل الله القرآن ليقنعهم بألوهيته وربوبيته؟ وهل كانوا يأبون عبادة الله والخضوع له؟ أو كانوا لا يعتقدونه سميع الدعاء وقاضي الحاجة؟ وهل كانوا يزعمون أن اللات والعزّى ومناة وهبل والآلهة الأخرى هي في الحقيقة فاطرة هذا الكون ومالكته والرازقة فيه والقائمة على تدبيره وإدارته؟ أو كانوا يؤمنون بأن آلهتهم تلك مرجع القانون ومصدر الهداية والإرشاد في شؤون المدنية والأخلاق؟ كل واحد من هذه الأسئلة إذا راجعنا فيه القرآن فإنه يجيب عليه بالنفي؛ ويبين لنا أن المشركين العرب لم يكونوا قائلين بوجود الله تعالى فحسب، بل كانوا يعتقدونه مع ذلك خالق هذا العالم كله – حتى آلهتهم – ومالكه وربه الأعلى، وكانوا يذعنون له بالألوهية والربوبية. وكان الله هو الجناب الأعلى الأرفع الذي كانوا يدعونه ويبتهلون إليه في مآل الأمر عندما يمسهم الضر أو تصيبهم المصائب، ثم كانوا لا يمتنعون عن عبادته والخضوع له، ولم تكن عقيدتهم في آلهتهم وأصنامهم أنها قد خلقتهم وخلقت هذا الكون، وترزقهم جميعاً، ولا أنها تهديهم وترشدهم في شؤون حياتهم الخلقية والمدنية، فالآيات الآتية تشهد بما تقول:
(قلن لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون. سيقولون لله، قل أفلا تذكرون. قل من رب السماوات السبع ورب العرش العظيم. سيقولن الله، قل أفلا تتقون. قل من بيده ملكوت كل شيءٍ وهو يجير ولا يجار عليه إن كنتم تعلمون. سيقولون لله، قل فأنى تسحرون، بل أتيناهم بالحق وإنهم لكاذبون) (المؤمنون: 84-90)
(هو الذي يسيركم في البر والبحر حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها جاءتها ريح عاصفٌ وجاءهم الموج من كل مكانٍ وظنوا أنهم أحيط بهم دعوا الله مخلصين له الدين لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين. فلما أنجاهم إذا هم يبغون في الأرض بغير الحق) (يونس: 22-23)
(وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه فلما نجاكم إلى البر أعرضتم وكان الإنسان كفوراً) (الإسراء: 67)
ويروي القرآن عقائدهم في آلهتهم بعبارتهم أنفسهم فيما يأتي:
(والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى) (الزمر: 3)
(ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله) (يونس: 18) ثم إنهم لم يكونوا يزعمون لآلهتهم شيئاً من مثل أنها تهديهم في شؤون حياتهم، فالله تعالى يأمر رسوله صلى الله لعيه وسلم في سورة يونس (قل هل من شركائكم من يهدي إلى الحق) الآية: 35 فيرميهم سؤاله هذا بالسكات، ولا يجيب أحد منهم عليه بنعم! عن اللات والعزى ومناة والآلهة الأخرى تهدينا سواء السبيل في العقيدة والعمل، وتعلمنا مبادئ العدالة والأمن والسلام في حياتنا الدنيا، وإننا نستمد من منبع علمها معرفة حقائق الكون الأساسية، فعند ذلك يقول الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم:
(قل الله يهدي للحق. أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يُهدى فمالكم كيف تحكمون) (يونس: 35)
ويبقى بعد هذه النصوص القرآنية أن نطلب جواب هذا السؤال: ماذا كان ضلالهم الحقيقي في باب الربوبية الذي بعث الله نبيه صلى الله عليه وسلم نرده إلى الصواب، وأنزل كتابه المجيد ليخرجهم من ظلماته إلى نور الهداية؟ وإذا تأملنا القرآن للتحقيق في هذه المسألة، نقف في عقائدهم وأعمالهم كذلك على النوعين من الضلال اللذين مازالا يلازمان الأمم الضالة منذ القدم.
فكانوا بجانب يشركون بالله آلهة وأرباباً من دونه في الألوهية والربوبية فيما فوق الطبيعة، ويعتقدون بأن الملائكة والنفوس الإنسانية المقدسة والسيارات السماوية – كل أولئك دخيلة بوجه من الوجوه في صلاحيات الحكم القائم فوق نظام العلل والأسباب. ولذلك لم يكونوا يرجعون إلى الله تعالى وحده في الدعاء والاستعانة وأداء شعائر العبودية، بل كانوا يرجعون كذلك في تلك الأمور كلها إلى آلهتهم المصنوعة الملفقة. وكانوا بجانب آخر يكادون لا يتصورون في باب الربوبية المدنية والسياسية أن الله تعالى هو الرب بهذه المعاني أيضاً. فكانوا قد اتخذوا أئمتهم الدينيين ورؤساءهم وكبراء عشائرهم أرباباً بتلك المعاني، ومنهم كانوا يتلقون القوانين لحياتهم.
أما النوع الأول من ضلالهم فيشهد به القرآن فيما يلي من الآيات: (ومن الناس من يعبد الله على حرفٍ فان أصابه خيرٌ اطمأن به وإن أصابته فتنةٌ انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة، ذلك هو الخسران المبين. يدعو من دون الله ما لا يضره وما لا ينفعه، ذلك هو الضلال البعيد يدعو لمن ضره أقرب من نفعه لبئس المولى ولبئس العشير) (الحج: 11-13) ...
(ويعبدون من دون الله مالا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله، قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السماوات ولا في (1) ، سبحانه وتعالى عما يشركون) (يونس: 18)
(قل أإنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أنداداً) (حم السجدة: 9)
(قل أتعبدون من دون الله مالا يملك لكم ضرّاً ولا نفعاً والله هو السميع العليم) (المائدة: 76)
(وإذا مسَّ الإنسان ضرٌ دعا ربه منيباً إليه ثم إذا خوّله نعمة منه نسي ما كان يدعو إليه من قبل وجعل لله أنداداً (2) ليضل عنه سبيله) (الزمر: 8)
(وما بكم من نعمة فمن الله ثم إذا مسّكم الضرّ فإليه تجأرون. ثم إذا كشف الضرّ عنكم إذا فريقٌ منكم بربهم يشركون. ليكفروا بما آتيناهم فتمتعوا فسوف تعلمون. ويجعلون لما لا يعلمون نصيباً (3) مما رزقناهم، تالله لتسئلنّ عما كنتم تفترون) (النحل: 53 –56)
وأما الآخر فشهادة القرآن ما يأتي:
(وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم ليردوهم وليلبسوا عليهم دينهم) (الأنعام: 137)
ومن الظاهر أنه ليس المراد بـ (شركاء) في هذه الآية: الآلهة والأصنام، بل المراد بهم أولئك القادة والزعماء الذين زينوا للعرب قتل أولادهم وجعلوه في أعينهم مكرمة. فأدخلوا تلك البدعة الشنعاء على دين إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام. وظاهر كذلك أن أولئك الزعماء لم يكن القوم قد اتخذوهم شركاء من حيث كانوا يعتقدون أن لهم السلطان فوق نظام الأسباب في هذا العالم، أو كانوا يعبدونهم ويدعونهم، بل كانوا قد جعلوهم شركاء مع الله في الألوهية والربوبية من حيث كانوا يسلمون بحقهم في أن يشرعوا لهم ما يشاؤون من النظم والقوانين لشؤونهم المدنية والاجتماعية، وأمورهم الخلقية والدينية.
(أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله) (الشورى: 21)
وسيأتي تفصيل معاني كلمة (الدين) في موضعه من هذه الرسالة، وهناك سنتبين سعة معاني هذه الآية وشمولها. على أنه يتضح في هذا المقام أن ما كان يتولاه أولئك الزعماء والرؤساء من وضع الحدود والقواعد التي هي بمثابة الدين بغير إذن من الله تعالى، وأن اعتقاد العرب بكونها مما يجب اتباعه والعمل به، كان هو عينه شركة مع الله من أولئك في ألوهيته وربوبيته، وإيماناً من هؤلاء بشركتهم تلك!

دعوة القرآن: أن هذا البحث الذي قد خضنا غماره في الصفحات السابقة بصدد تصورات الأمم الضالة وعقائدها، ليكشف القناع عن حقيقة أن جميع الأمم التي قد وصمها القرآن بالظلم والضلال وفساد العقيدة من لدن أعرق العصور في القدم إلى زمن نزول القرآن، لم تكن منها جاحدة بوجود الله تعالى ولا كانت تنكر كون الله رباً وإلهاً بالإطلاق. بل كان ضلالها الأصلي المشترك بين جميعها أنها كانت قد قسمت المعاني الخمسة لكلمة (الرب) التي قد حددناها في بداية هذا الباب – مستشهدين باللغة والقرآن – قسمين متباينين:
فأما المعاني التي تدل على أن (الرب) هو الكفيل بتربية الخلق وتعهده وقضاء حاجته وحفظه ورعايته بالطرق الخارجة عن النظام الطبيعي، فكانت لها عندهم دلالة أخرى مختلفة، وهم وإن كانوا لا يعتقدون إلا الله تعالى ربهم الأعلى بموجبها، إلا أنهم كانوا يشركون به في الربوبية الملائكة والجن والقوى الغيبية والنجوم والسيارات والأنبياء والأولياء والأئمة الروحانيين.
وأما المعنى الذي يدل على أن (الرب) هو مالك الأمر والنهي وصاحب السلطة العليا، ومصدر الهداية والإرشاد، ومرجع القانون والتشريع، وحاكم الدولة والمملكة وقطب الاجتماع والمدنية، فكانت له عندهم دلالة أخرى متباينة: وبموجب هذا المفهوم كانوا إما يعتقدون أن النفوس الإنسانية وحدهم رباً من دون الله، وإما يستسلمون لربوبية تلك النفوس في شؤون الأخلاق والمدنية والسياسة مع كونهم يؤمنون إيماناً نظرياً بأن الله هو الرب، هذا هو الضلال الذي مازالت تبعث لحسمه الرسل عليهم اللام من لدن فجر التاريخ، ولأجل ذلك بعث الله أخيراً محمداً صلى الله عليه وسلم. وكانت دعوتهم جميعاً أن الرب بجميع معاني الكلمة واحد ليس غير، وهو الله تقدست أسماؤه. والربوبية ما كانت لتقبل التجزئة ولم يكن جزء من أجزائها ليرجع إلى أحد من دون الله بوجه من الوجوه، وأن نظام هذا الكون مرتبط بأصله ومركزه وثيق الارتباط، قد خلفه الله الواحد الأحد، ويحكمه الفرد الصمد، ويملك كل السلطة والصلاحيات فيه الإله الفذّ الموحد! فلا يد لأحد غير الله في خلق هذا النظام ولا شريك مع الله في إدارته وتدبيره ولا قسيم له في ملكوته. وبما أن الله تعالى هو مالك السلطة المركزية، فإنه هو وحده ربكم في دائرة ما فوق الطبيعة، وربكم في شؤون المدنية والسياسة والأخلاق، ومعبودكم ووجهة ركوعكم وسجودكم، ومرجع دعائكم وعماد توكلكم، والمتكفل بقضاء حاجاتكم، وكذلك هو الملك، ومالك الملك، وهو الشارع والمقنن، وهو الآمر والناهي. وكل هاتين الدلالتين للربوبية اللتين قد فصلتم إحداهما عن الأخرى لجاهليتكم، هي في حقيقة الأمر قوام الألوهية وعمادها وخاصة إلهية الإله. لذلك لا يمكن فصل إحداهما عن الأخرى، كما لا يجوز أن يشرك مع الله أحد من خلقه باعتبار أيهما. وأما الأسلوب الذي يدعو به القرآن دعوته هذه فها هو ذا بعبارته:
(إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يغشي الليل والنهار يطلبه حثيثاً والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره، ألا له الخلق والأمر، تبارك الله رب العالمين) ... (الأعراف: 54)
(قل من يرزقكم من السماء والأرض، أمّن يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر فسيقولون الله، فقل أفلا تتقون. فذلكم الله ربكم الحق، فما بعد الحق إلا الضلال فأنى تصرفون) ... (يونس: 31-32)
(خلق السماوات والأرض بالحق يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى) .. (ذلكم الله ربكم له الملك لا إله إلا هو فأنى تصرفون) (الزمر: 5،6)
(الله الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصراً)
(ذلكم الله ربكم خالق كل شيء لا إله إلا هو فأنى تؤفكون) … (الله الذي جعل لكم الأرض قراراً والسماء بناءً وصوركم فأحسن صوركم ورزقكم من الطيبات، ذلكم الله ربكم فتبارك الله رب العالمين. هو الحي لا إله إلا هو فادعوه مخلصين له الدين) (غافر: 61، 62، 64، 65)
(والله خلقكم من تراب) … (يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وسخر الشمس والقمر كلٌ يجري لأجل مسمى، ذلكم الله ربكم له الملك والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير. إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم) (فاطر: 11 و 13-14)
(وله من في السماوات والأرض كل له قانتون) ..
(ضرب لكم مثلاً من أنفسكم هل لكم مما ملكت أيمانكم من شركاء فيما رزقناكم فأنتم فيه سواءٌ تخافونهم كخيفتكم أنفسكم كذلك نفصّل الآيات لقومٍ يعقلون. بل اتبع الذين ظلموا أهواءهم بغير علم) ..
(فأقم وجهك للدين حنيفاً فطرة الله التي فطر الناس عليها، لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكنّ أكثر الناس لا يعلمون) (الروم: 26 و 28 – 29،30) (وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسماوات مطوياتٌ بيمينه سبحانه وتعالى عما يُشركون) (الزمر: 67)
(فلله الحمد رب السماوات ورب الأرض رب العالمين. وله الكبرياءُ في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم) (الجاثية: 36-37)
(رب السماوات والأرض وما بينهما فاعبده واصطبر لعبادته هل تعلم له سميا) (مريم: 65)
(ولله غيب السماوات والأرض وإليه يرجع الأمر كله فاعبده وتوكل عليه) (هود: 123)
(رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلا) (المزمل: 9)
(إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون وتقطعوا أمرهم بينهم كل إلينا راجعون) (الأنبياء: 92-93)
(اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء) (الأعراف: 3)
(قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواءٍ بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله) (آل عمران: 64)
(قل أعوذ برب الناس. ملك الناس. إله الناس) (الناس: 1-3)
(فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً) (الكهف:110)
فبقراءة هذه الآيات بالترتيب الذي سردناها به، يتبين للقارئ أن القرآن يجعل (الربوبية) مترادفة مع الحاكمية والملكية (Sovereignty) ويصف لنا (الرب) بأنه الحاكم المطلق لهذا الكون ومالكه وآمره الوحيد لا شريك له.
وبهذا الاعتبار هو ربنا ورب العالم بأجمعه ومريبنا وقاضي حاجاتنا.
وبهذا الاعتبار هو كفيلنا وحافظنا ووكلينا.
وطاعته بهذا الاعتبار هي الأساس الفطري الصحيح الذي يقوم عليه بنيان حياتنا الاجتماعية على الوجه الصحيح المرضي، والصلة بشخصيته المركزية تسلك شتى الأفراد والجماعات في نظام الأمة.
وبهذا الاعتبار هو حري بأن نعبده نحن وجميع خلائفه، ونطيعه ونقنت له.
وبهذا الاعتبار هو مالكنا ومالك كل شيء وسيدنا وحاكمنا. لقد كان العرب والشعوب الجاهلية في كل زمان اخطأوا - ولا يزالون يخطئون إلى هذا اليوم - بأنهم وزعوا هذا المفهوم الجامع الشامل للربوبية على خمسة أنواع من الربوبية، ثم ذهب بهم الظن والوهم أن تلك الأنواع المختلفة للربوبية قد ترجع إلى ذوات مختلفة ونفوس شتى، بل ذهبوا إلى أنها راجعة إليها بالفعل. فجاء القرآن فأثبت باستدلاله القوي المقنع أنه لا مجال أبداً في هذا النظام المركزي لأن يكون أمر من أمور الربوبية راجعاً - في قليل أو كثير- إلى غير من بيده السلطة العليا، وأن مركزية هذا النظام نفسها هي الدليل البيّن على أن جميع أنواع الربوبية مختصة بالله الواحد الأحد الذي أعطى هذا النظام خلقه.
ولذلك فإن من يظن جزءاً من أجزاء الربوبية راجعاً إلى أحد من دون الله، أو يرجعه إليه، بأي وجه من الوجوه، وهو يعيش في هذا النظام، فإنه يحارب الحقيقة ويصدف عن المواقع ويبغي على الحق، وباقي بيديه إلى التهلكة والخسران بما يتعب نفسه في مقاومة الحق الواقع.
(الرب) اسْم الله تَعَالَى وَلَا يُقَال الرب فِي غير الله إِلَّا بِالْإِضَافَة وَالْمَالِك وَالسَّيِّد والمربي والقيم والمنعم وَالْمُدبر والمصلح (ج) أَرْبَاب وربوب

(الرب) عصارة التَّمْر المطبوخة وَمَا يطْبخ من التَّمْر وَالْعِنَب وَرب السّمن وَالزَّيْت ثفله الْأسود (ج) ربوب ورباب

الاستهجان

الاستهجان: الاستقباح وَقد يستهجن التَّصْرِيح بِشَيْء فَيتْرك ويختار الْكِنَايَة وَالرَّمْز إِلَيْهِ كَمَا حُكيَ عَن قَاضِي شُرَيْح أَن رجلا أقرّ عِنْده بِشَيْء ثمَّ رَجَعَ يُنكر فَقَالَ لَهُ شُرَيْح شهد عَلَيْك ابْن أُخْت خالتك آثر شُرَيْح التَّطْوِيل وَالرَّمْز على التَّصْرِيح بكذب الْمُنكر لاستقباح التَّصْرِيح بِهِ لكَون الْإِنْكَار بعد الْإِقْرَار إدخالا للعنق فِي ربقة الْكَذِب. وَالْإِقْرَار وَالْإِنْكَار إخْوَان وَابْن الْإِقْرَار الْمقر وَابْن الْإِنْكَار الْمُنكر وإنكار الْمُنكر بعد الْإِقْرَار شَاهد على كذبه بِنَفسِهِ وَشُرَيْح كَانَ قَاضِيا فِي خلَافَة أَمِير الْمُؤمنِينَ عمر بن الْخطاب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.

علم دراية الحديث

علم دراية الحديث
تقدم الكلام عليه في علم الحديث.
وقال الشيخ شمس الدين الأكفاني السخاوي: دراية الحديث علم تتعرف منه أنواع الرواية وأحكامها وشروط الرواية وأصناف المرويات واستخراج معانيها ويحتاج إلى ما يحتاج إليه علم التفسير من اللغة والنحو والتصريف والمعاني والبيان والبديع والأصول ويحتاج إلى تاريخ النقلة انتهى.
ولنا كتاب سميناه الحطة بذكر الصحاح الستة ذكرنا فيه جميع فروع علم الحديث.
وشرف هذا العلم وأحوال الأمهات الست وتراجم أصحابها فإن شئت الزيادة فارجع إليه.
وذكر في مدينة العلوم أن لفظ الصحيح في علم الحديث إذا أطلق يراد به عند المحدثين البخاري وإذا أطلق لفظ الصحيحين يراد به عندهم صحيح البخاري وصحيح مسلم.
وإذا أطلق لفظ الصحاح يراد به عندهم الصحيحان وصحيح ابن حبان وصحيح ابن خزيمة وصحيح ابن عوانة وصحيح مستدرك الحاكم وهذه هي الصحاح الستة انتهى. وفيه نظر واضح.
قال: ثم إن السنن إذا أطلقت يراد بها في اصطلاحهم سنن أبي داود وسنن الترمذي وسنن النسائي وسنن ابن ماجة القزويني وأما سنن غير هؤلاء فتذكر مقيدة كسنن الدارقطني وسنن البيهقي وإذا أطلق المسانيد يراد بها في اصطلاحهم مسندا للإمام أحمد بن حنبل ومسند أبي يعلى الموصلي ومسند الدارمي ومسند البزار.
ثم إن المعاجم إذا أطلقت يراد بها المعجم الكبير والأوسط والصغير الثلاثة للطبراني قال: ولما فرغنا عن ذكر الأقدمين من المحدثين اقتضى الرأي أن نورد ههنا بعضا من المتأخرين منهم وعند ذكر الصالحين تنزل الرحمة. ثم ذكر أبا سليمان الخطابي وابن الجوزي والنووي وأبا السعادات الجزري وأبا محمد حسين البغوي وابن الصلاح والحسن الصغاني اللاهوري الهندي وأكمل الدين البابرني شارح المشارق والقاضي عياض وذكر تراجمهم بالاختصار وكتابنا إتحاف النبلاء المتقين بإحياء مــآثر الفقهاء المحدثين قد قضى الوطر عن ذكر الكتب المؤلفة في علم الحديث وتراجم أكابر هذا العلم.

ألحف

(ألحف) السَّائِل ألح أَو شَمل بِالْمَسْأَلَة وَهُوَ مستغن عَنْهَا وَفِي التَّنْزِيل الْعَزِيز {لَا يسْأَلُون النَّاس إلحافا} وَفُلَان جر إزَاره على الأَرْض خُيَلَاء وبطرا وَمَشى فِي لحف الْجَبَل وَبِه أضرّ وَفُلَانًا اشْترى لَهُ لحافا وضيفه آثره وشاربه بَالغ فِي قصه وَفُلَانًا الثَّوْب ألبسهُ إِيَّاه

اللفيف من الدال

باب اللفيف


ما أوَّله الدّالُ
الدو: مَوْضِعٌ بالبادِيَةِ صَحْرَاءُ كالرّاحَةِ.
والدويةُ: المَفَازَةُ المَلْسَاءُ، وكذلك الدّاوِيَةُ. ورَجُل دَوي ودُوِّي: مَنْسُوْبٌ إلى الدو. وأرْض دَوِئةٌ: خالِيَةٌ.
وُيقال للحَمِيْرِ: بَنَاتُ الدَّو.
ودَوى الرجُلُ في البِلادِ: دارَ فيها وجاءَ وذَهَبَ. ودَوِيَ الرَّجُلُ يَدْوى دَوىً: وهو الذاء الباطِنُ، ورَجُلٌ دَو وامْرأة دَوِيَةٌ، ويقولونَ: دَوى في المَرأةِ والرجُلِ. والدوَاءُ: الشفَاءُ، داويتُه مُدَاوَاةً ودِوَاءً، وأدَأتَ يا فلان وأدْوَأتَ: أي في صَدْرِكَ الداءُ والغِش. والدوَاءُ: الأزْمُ. وصَنْعَةُ الفَرَسِ، داويتُه: أي صَنَعْتُه.
وأدْوَأته بكذا وأدَأتُه: أي اتَّهَمْتُه. والداءُ: اسْمُ كُلِّ مَرَضٍ ظاهِرٍ؛ حَتّى الحُمْقُ داءٌ. ورَجُلٌ داءٌ وامْرأةٌ داءَةٌ: ذَوَا داءٍ. وقد داءَ يَدَاءُ داءً. وبَرِئْتُ إليكَ من كُل داء تَدْءآه الإبِلُ. وشَفَةٌ داءَة. وداء دَوِي: شَدِيْدُ.
وداءُ الذئْبِ: الجُوْعُ. والدوى: الحُمْقُ. والضَنى أيضاً. والرجُلُ الأحْمَقُ أيضاً. والدَأيُ: جَمْعُ الدأيَةِ وهي فَقَارُ الكاهِلِ، والجَمِيْعُ الدأيَاتُ.
ويُقال للغُرَابِ: ابْنُ دَايَةٍ؛ لأنَّه يَحْضُنُ فِرَاخَه دُوْنَ دلأم. وقيل: لأنه يَقَعُ على دَأيَةِ البَعِيْرِ الدَّبِر فَيَنْقُرُها. وفي مَثَلٍ: " جاؤوا به غُرَيَبَ ابْنِ دَايَةٍ " للخَبَرِ الذي لا أصْلَ له. والدوَايَةُ: ما يَغْشَى الماءَ الرّاكِدَ واللَبَنَ الرّائِبَ، وُيقال: دِوَايَةٌ أيضاً. واللبَنُ داوٍ ومُدو. وماء دَوِي: مُتَغَيرٌ. وادَّويت: أكَلْتُ الدوَايَةَ. ودَاوَيت الفَرَسَ: سَقَيْته الدُّوَايَةَ. والدَّوى: اللَّبَنُ نَفْسُه. والدُّوَايَةُ - أيضاً -: ما يَبِسَ على الفَمِ من الريْقِ. والدأدَأةُ: صَوْتُ وَقْعِ الحِجَارَةِ في المَسِيْلِ. واللزُوْقُ بالأرْضِ.
وتَدَأدَأ الخَبَرُ: أبْطَأ وتَأخَّرَ. وتَدَأدَأ القَوْمُ: تَزَاحَمُوا. والدَّأدَاءُ: ما اسْتَوى من الأرْضِ. وثَلاثُ لَيَالٍ من آخِرِ الشهْرِ، وجَمْعُها دَءادِى. ولَيْلَة دَأدَأةٌ: وهي أشَدُّ اللَيَالِي ظُلْمَةً. وقيل: واحِدُ الدَءادِئ دُؤْدُؤَةٌ. وتَدَأدَأ الرجُلُ: إذا مالَ عن شَيْءٍ فَتَرَجَّحَ، يُقال: تَدَأدَأ. ودَأدَأتُه: حَرَّكْتُه. والدوْدَاةُ: أرْجُوْحَةُ الصّبْيَانِ، والجَميعُ الدَّوَادي. وطَرِيْقُ النَّعَمِ.
ومَوْضِعُ اخْتِلَافِ الناسِ والجُرَذِ. وأثَرُ النَّمْلِ. ودَوْدَاةُ القَوْمِ: ضَوْضَأتهم. والدَئْدَاءُ: ضَرْبٌ من العَدْوِ.
والدُوَادُ: الرَّجُلُ السَّرِيْعُ، وبه كُنِّيَ أبو دُوَادٍ. وهو - أيضاً -: صِغَارُ الدُّوْدِ، ومَثَلٌ: " أحْقَرُ من دُوَادَةٍ ". وفي الحَدِيثِ: " إنَّ المُؤَذنِيْنَ لا يَدَادُوْنَ " أي لا تَأكُلُهُمْ الديْدَانُ. ودادَ الطَعَامُ وأدَادَ ودَودَ. والددُ: اللهْو والتَعِبُ، يُقال: دَداً ودَدٌ ودَدٍ ودَدَن، وفي الحَدِيث: " ما أنَا من دَدٍ ولا دَدٌ مِني ". وهو - أيضاً -: الحِيْن من الدهْرِ. والدَوَاةُ: مَعْرُوفَةٌ، وجَمْعُها دُوِي ودَوىً، وثَلاثُ دَوَيَاتٍ. وقِشْرَةُ الحَنْظَلَةِ والعِنَبَةِ والبِطَيْخَةِ.
ويقولونَ: دَائَيْتُ بَيْنَ القَوْمِ: أي أصْلَحْتُ. ودَأيْتُ له أدْأى دَأياً: خَتَلْته، وحُكِيَ: الذَئْبُ يَدْأى للغَزَالِ.
والدّاوي من الطَّعَامِ والشرَابِ: الكَثِيْرُ. والمُدَوِّيةُ من العُشْبِ: الأرْضُ الوافِرَةُ الكَلإ لم يؤكل منها شَيْء. وادوَيت ما في الإنَاءِ ادِّوَاءً: إذا أخَذْتَه بأجْمَعِه. وأمْرٌ مُدَوٍّ: مُظْلِمٌ. والمُدَوي: السَّحَابُ المُرْتَجِسُ. ودَوّى الفَحْلُ تَدْوِيَةً: سَمِعْتَ لهَدِيْرِه دَوِّياً. وما بها دَوي: أي أحَدٌ، ودُوِّي: مِثْله، ودُوْوِي.


ما أوَّلُه الألِف
إدا يَأدُو أدْواً: خَتَلَ، وفي مَثَلٍ: " الذِّئْبُ يَأدُو للغَزَالِ يَأكُلُه ". والأدْوُ: الحَدْوُ والسوْقُ. ومَخْضُ السقَاءِ وتَحْرِيْكُه. والمَشْيُ السرِيْعُ.
والأوْدُ: مَصْدَرُ آدَ يَؤُوْدُ، أدْتُ العُوْدَ أؤُوْدُه فانْآدَ: أي عُجْتُه فانْعَاجَ. ومنه التأوُّدُ. والأوَدُ والأوْدَاءُ - بوَزْنِ أعْوَج وعَوْجَاءَ -. وآدَني: أثْقَلَني؛ يَؤُوْدُني. وتَأدّاه - أيضاً -: أثْقَلَه. وسَمِعْتُ أويدَ القَوْمِِ: أي أزِيْزَهم وحِسَّهم. وفلانٌ لا يَؤُوْدُني بخيْرٍ وبشَر: أي لا يُرِيْدُني. وأدْتُ عليه: عَطَفْت عليه.
وآدَ النَّهَارُ: رَجَعَ فَيْءُ العَشِيِّ. وقيل: ذَهَبَ. وأوِدَ الطَرِيْقُ: عَوِجَ، وآدَ: كذلك. وأوْدُ: مَوْضِع بالبادِيَةِ.
والأيْدُ والأدُ: القُوةُ، ورَجُلٌ آدٌ وقَوْم آدُوْنَ. والأيِّدُ: القَوِي. والتَّأيِيْدُ: مَصْدَرُ أيدْتُه، وأنا مُؤيد له: أي قَوِي عليه.
وآدَيْتُه: أي أعَنْتُه وساعَدْتُه. واسْتَأدَيْتُ عليه: اسْتَعْدَيْتُ. وإيَادُ كُلِّ شَيْءٍ: ما يَقْوى به من جانِبَيْهِ. وإيَادُ العَسْكَرِ: المَيْمَنَةُ والمَيْسَرَةُ.
وإيَادُ بنُ مَعَد: من اليَمَنِ.
والإيَادُ: كالهَدَفِ والأرْضِ المُرْتَفِعَةِ والجَبَلِ. وتَأيَّدْتُ عن كذا: سَكَتُّ عنه. وأذى فلانٌ ما عليه تَأدِيَةً وأدَاءً. وهو آدى للأمانة. فأما الأدَاةُ فألِفُها واوٌ، وجَمْعُها أدَوَاتٌ وأداً. ورَجُل مُؤْدٍ: عامِلُ أداةِ السلاَح.
والإدَاءُ في الرمْلِ: نَحْوُ الوادي الواسِعِ.
والإدَاوَةُ: مَطْهَرَةُ الماء والجَميعُ الأدَاوى. وأدَدُ: جَدُّ مَعَد بن عَدْنان. وأد بن طابِخَةَ: جَد تَمِيْمٍ. والإدُّ: الأمْرُ العَظِيْمُ. وأدتْ فلاناً داهِيَةٌ تَؤُده أدةً. وواحِدُ الإدَادِ: إدةٌ. وواحِدُ الإدَادِ: إد. وهو بإدَائِه: أي بإزَائه.
وسِقَاء أدِى: صَغِيْرٌ. ودَلْو أدِيَةٌ: لا يَسِيْلُ منها شَيْءٌ. وأدتِ الإبِلُ تَؤُدُّ أداً: إذا حَنتْ إلَى أوْطَانِهَا.
وهو بمِيْدَاءِ ذاكَ: أي بحِذَائِه. وقيل: مُنْتَهاه وقَدْرُه وجِهَتُه. والمِيْدَاءُ: مُجْتَمَعُ الطرِيْقِ؛ كالمِيْتَاءِ. وهم على أدِيةٍ من أمْرِهم: أي قَصْدٍ. وتَآدى القَوْمُ تَآدِياً: أي تَتَابَعُوا. وما يُؤادِيني: أي ما يُوَاتِيْني. وأخَذَ للأمْرِ أدِيهُ: أي أهْبَتَه، وهو من أدِيْتُ: أي تَهَيَّأتُ. وتَآدَيْتُ للصلاةِ: تَهَيأت لها؛ وكأنه أخْذُ الأدَاةِ لها، والأدِيُّ: المُسْتَعِد المُنْطَلِقُ الخفِيْفُ. وماء أدِي: أي قَلِيْلٌ. وأدَى السقَاءُ يَأدِي أدِياً: إذا خَثَرَ لِيَرُوْبَ. وأدَى اللبَنُ يَأدُوْ: خَرَجَ زُبْدُه؛ أدُواً. وأدَتِ الثمَرَةُ تَأدُو: وهو اليُنُوْعُ والنضْجُ.
والأدِيةُ من النسَاءِ: الربْعَةُ، وهُن أدِياتٌ. وقَطَعَ اللهُ أدَيْ فلانٍ وَيدَيْهِ: بمعنى. ورَجُل أدِي: رَفِيْقُ اليَدِ.
وأدَيات: اسْمُ مَوْضِع.


ما أولُهُ الواوُ
وَدَأته فَتَوَدأ: أي سَوْيتُه فَتَسَوى. واسْتَودَيتُ له بحَقه: أي اعْتَرَفْت وأقْرَرْتُ، وأصْلُه في الديَةِ. ووَدى فلان فلاناً: أدى دِيته. والاتدَاءُ: أخْذُ الديَةِ. وما أدرِي أين سكعَ وأين ودَأ: أي ذَهبَ. ووَدأته: دَفَنته.
وتَوَدأت عليه الأرض: اشتَمَلَتْ، وكذلك كُل شَيءٍ استَولَى على شيءٍ. والمُوَدأةُ: المَهْلَكَةُ. والداهِيَةُ. وتَوَدأ في البِلادِ: تَغَيبَ. ووَدِئَ خَبَرُه: انْقَطَعَ. والمَوْؤُوْدَةُ: الوَئيْدُ، وَأدَ يَئدُ وَأداً؛ وهو دَفْنُ البِنْتِ حَيةً.
والرَئيْدُ: دَوِي يُسْمعُ صَوْتُه من بَعِيْدٍ، وكذلك الوَأدُ. ورِز وَأد: شَدِيْدٌ. والوأدُ والوَئيْدُ: الثقلُ، ومنه المَوْؤوْدَةُ: أي أثْقِلَتْ بالترَاب. ومنه اتَّئِدْ: أي تَرَزنْ.
والتؤَدَة: التمَهل والتأني، يقال: اتئدْ وتَوَأدْ.
والمُوْدِي: الهالِكُ - لا يُهْمَزُ -، يُقال: أوْدى به المَوْتُ. واسْمُ الهَلاَكِ: الوَدى.
والتوْدِيَةُ: خُشَيْبَةٌ تُشَد على أطْبَاءِ الناقَةِ لئلا يَرْضها الفَصِيْلُ، وَدَيْتُ الناقَةَ بتَوْدِيَةٍ، وجَمْعُها تَوَادٍ.
والتَوْدِيَةُ من الرجَالِ: مِثْلُ الدِّرْحَايَةِ في القِصَرِ.
والوادي: كُلُ مَفْرَجٍ بَيْنَ جِبَالٍ أو إكَامٍ يكونُ مَسْلَكاً للسيْلِ، والجَميعُ الأوْدِيَةُ. وُيقال: أوْدَاةٌ؛ للأوْدِيَةِ. وفي مَثَلٍ: " حُلَّ بوَادِيْكَ " أي ضُيِّقَ عليك ونَزَلَ بكَ ماتَكْرَهُ. والوَدِي: فَسِيْلُ النَّخْلِ الذي يُقْلَعُ للغَرْسِ، الواحِدَةُ وَدِيَّةٌ، وجَمْعُه وَدَايَا. وُيقال للحِمَارِ إذا أنْعَظَ: وَدَى؛ فهو وادٍ، وأوْدَى: قَلِيْل. وقيل وَدَي: قَطَرَ. والوَدِيْ: الماءُ الذي يَخْرُجُ رَقِيْقاً أبْيَضَ على أثَرِ البَوْلِ، والوَدِيُ: لُغَةٌ فيه. والوَدْيُ - بوَزْنِ الرمْيَ -: مَصْدَرٌ.
والوَد: مَصْدَر المَوَدةِ، وهو الوِدَادُ والوُدُّ. والوَدَادَةُ: مَصْدَرُ وَدِدْتُ أوَد؛ من الأمْنِيَّةِ. ومن المَوَدةِ: يَوَد مَوَدةً. وهو وُدّكَ ووَدِيْدُكَ ووِدكَ. والأوُد: جَمْعُ الود، وهم الأصْدِقَاءُ أيضاً؛ واحِدُهم وِد. والوُدَدَاءُ: جَمْعُ الوَدِيْدِ. وإَّنه لَيَتَوَدَّدُ أنْ يكونَ ذاكَ: أي يَوَدُ. والوَدُ: الوَلَدُ، وتَصْغِيْرُه وُتَيْدٌ، وَدَدْتُ الوَدَّ أوُدُّهُ وَدّاً: إذا وَتَدْتَه. وصَنَمٌ كانَ لقَوْمِ نُوْحٍ - عليه السلَامُ -، وفيه ثَلاثُ لُغَاتٍ. وعَبْدُ وُد: مَعْرُوفٌ في قُرَيْشٍ.
والوَد: الذي في شَحْمَةِ الأذُنِ مما يَلي الصُّدْغَيْنِ. واسْمُ جَبَلٍ مَعْرُوْفٍ.


ما أوَلُه الياء
اليَدُ: الجَارِحَةُ؛ مَعْرُوفَة، وجَمْعُه أيْدٍ، ويُقال: يَدَاً - بوَزْنِ رَحَاً - وَيد - بوَزْنِ يَم -. والنَعْمَةُ السابِغَةُ، وجَمْعُها أيادٍ ويَدِي. ويُثَنَى يَدَيَانِ على الأصْلِ. وَيدُ الفَأسِ: نِصَابُها، والقَوْسِ: سِيَتُها. وَيدُ الدهْرِ: أي مَدى زَمَانِه. وأنصارُ الرَّجُلِ وجَمَاعَةُ قَوْمِه. وجاهُهُ وقَدْره. ويَدُ الشمَالِ: مِلْكُها. وهذه الضَّيْعَةُ في يَدي: أي مِلْكي. وَيدِيَ فلان من يَدِه: أي شَلتْ. ورَجُل مَيْدِي: مَقْطُوْعُ اليَدِ. وأيْدَيْت على فلانٍ يَداً بَيْضَاءَ: أي مِنةً. وهو ذُو مالٍ يَيْدي به وَيبُوْعُ: أي يَبْسطُ به يَدَيْه وباعَهُ.
و" ذَهَبَ القَوْمُ أيْدِي سَبَا " و " أيَادِي سَبَا: أي مُتَفَرِّقِيْنَ في كُل وجه.
والنَسْبَةُ إلى اليَدِ: يَدِي.
وثَوْبُ الصبَا يَدِي: أي واسِع، وقيل: جَدِيْد كأنما رُفِعَتْ عنه الأيْدِي ساعَتَئِذٍ، وقيل: بل الأيْدي تَتَعَاوَرُه. وتُجْمَعُ اليَدُ أيْدِيْنَ. ولا يَدَ لي بفلانٍ: أي لا طاقَةَ. وما لي به يَدَانِ. وقَوْلُه: يُوْدِي الكَرِيْمَ فَيَحْيى بَعْدَ إيْدَاءِ يُوْدِي: يَصْطَنِعُ يَداً من المَعْرُوْفِ، يُقال: أيْدى يُوْدِي وَيدى يَيْدي. ويادَيْتُه مُيَادَاةً: أي جازَيْته يَداً بيَدٍ.
فأما قَوْلُه: فإنكَ قد مَلأتَ يَداً وشاما يُرِيْدُ: اليَمَنَ. وأخَذَ بهم يَدَ البَحْرِ: أي طَرِيْقَه. ويقولونَ: ابْتَعتُها اليَدَيْنِ: أي بثَمَنَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ أرْخَص وأغْلى.
ولَقِيْتُه أولَ ذاتِ يَدَيْنِ أي أولَ شَيْءٍ. وخُذْه آثِرَ ذي يَدَيْنِ وذاتِ يدين.
وفي المَثَل: " لأنْتَ أضعفُ من يَدٍ في رَحِمٍ ".
و" سُقِطَ في يَدِه ": نَدِمَ.
وهو أطْوَلُ يَداً من فلانٍ: أي أسْخى منه. وَيدِي لمَنْ شاءَ أنْ يُخَاطِرَني. وألْقى يَداً في عَمَلِ كذا: إذا أخَذَ فيه فابْتَدَأ. وقَوْلُه عَز وجَلَّ: " حَتَّى يُعْطُوا الجزْيَةَ عن يَدٍ وهُمْ صاغِرُوْنَ " أي يُعْطُونَها كَمَلاً لا يَقْطَعُوْنَها. ورَجُلٌ يَدِي: رَفِيْقُ اليَدَيْنِ. وَيدُ القَمِيْصِ: كُمُّه. وقَوْلُه عَزوجَل: " فَرَدُّوا أيْدِيَهم في أفْوَاهِهم " أي عَضوا عليها غَيْظاً.
وَيدٌ وَيدَة: بمعنىً.
وهُمْ عَلَيَّ يَدٌ واحِدَةٌ: أي مُجْتَمِعُوْنَ.
وأعْطَى فلانٌ يَدَه وبِيَدِه: اسْتَسْلَمَ وذَلَّ.
وبايَعْتُه يَداً بِيَدٍ: أي نَقْداً.

اللفيف من اللام

بابُ اللَّفِيْف


ما أَوَّلُهُ اللاّم
لَوْ: حَرْفُ أُمْنِيَّةٍ. وتكونُ مَوْقُوْفَةً بَيْنَ نَفْيٍ وأُمْنِيَّةٍ. وتُجْعَلُ " لَوْ " مَكانَ " لَعَلَّ "؛ يقولون: لَوْ أنَّكَ مُرِيْبٌ: أي لَعَلَّكَ.
و" لا ": حَرْفٌ يُجْحَدُ ويُنفَى به. وتكونُ زائدةً. وهذه لاءٌ مَكْتُوْبَةٌ يَمُدُّوْنَها، وتَصْغِيْرُها لُيَيَّةٌ. ولَوَّيْتُ لاءً حَسَنَةً، ولاءٌ مُلَوّاةٌ. وقَوْلُهم: كَلاّ ولاَ: مَعْنَاه السُّرْعةُ. و " لا " يكُونُ بمعنى " لَمْ " نَحْو قَوْلِكَ: لا خَرَجَ زَيْدٌ: أي لم يَخْرُجْ زَيْدٌ.
و" لَنْ ": أصْلُه " لا أَنْ " وُصِلَتْ لكَثْرَتِها في الكلامِ.
و" لَوْلاَ " مَعْنَيَانِ: أحَدُهما " هَلاّ " والآخَرُ " لَوْ لَمْ يَكُنْ ". ووَقَعَ القَوْمُ في لَوْلاَءٍ شَدِيْدَةٍ: إذا تَلاَوَمُوا فقالوا: لَوْلاَ ولَوْلا.
و" لي ": حَرْفَانِ مُتَبَايِنَانِ قُرِنَا؛ واللاّمُ لاَمُ إضَافَةٍ.
و" لاتَ ": يُنْفى بها كما يُنْفَى ب " لا "؛ إلاَّ أنَّها لا تُوْقَعُ إلاَّ على الزَّمَانِ، كقَوْلِه عَزَّ وجَلَّ: " ولاتَ حِيْنَ مَنَاصٍ ".
واللَّوِيَّةُ: ما ذَخَرَتِ المَرْأَةُ من طَعَامِها مِمَّا يُؤْكَلُ في شِتَاءٍ أو غَيْرِه، والجَمِيْعُ اللَّوِيّاتُ واللَّوَايَا. ولَوَتِ المَرْأَةُ تَلْوِي لَيّاً ولَوِيّاً: ادَّخَرَتِ اللَّوِيَّةَ. وهي اللِّوَايَةُ أيضاً، وجَمْعُها لِوَايَاتٌ. وأَلْوَيْتُكَ على نَفْسي: إذا آثَرْــتَه.
واللَّوِيَّةُ أيضاً: البَقِيَّةُ من الشَّيْءِ.
واللأى بوَزْنِ اللَّعَا: الثَّوْرث الوَحْشِيُّ، والجَمِيْعُ الأَلأَءُ على وَزْنِ الأَلْعَاء.
والبَقَرَةُ: لأْيٌ بوَزْنِ لَعْيٍ.
والَّلأْوَاءُ: من شَدَائِدِ الدَّهْرِ، يُجْمَعُ على فُعْلاَوَاتٍ، وكذلك اللَّوْلاَءُ.
والَّلأْيُ بوَزْنِ اللَّعْيِ: البُطْءُ والالْتِوَاءُ في الأمْرِ، يقولونَ: بَعْدَ لأْيٍ: أي بَعْدَ جَهْدٍ ومَشَقَّةٍ.
وألأَى الرَّجُلُ: بمَعْنى أفْلَسَ، فهو مُلْءٍ.
وألأَتْ عليه بِضَاعَتُه: أي ضاقَ عليه عَيْشُه.
ولأَيْتُ أَلأى: أي لَبِثْتُ بوَزْنِ لَعَيْتُ أَلْعى.
واللُّؤْلُؤُ: مَعْرُوْفٌ، وصاحِبُه اللأّلُ. واللِّئَالَةُ: حِرْفَةُ اللأّلِ وصَنْعَتُه. ولَوْنٌ لُؤْلُؤَانٌ: يُشْبِهُ اللُّؤْلُؤَ. وقَوْلُه:
يُلاَلِيْنَ الدُّمُوْعَ على عَدِيٍّ
أي يُحْدِرْنَها كالّلألي.
واللُّؤْلُؤَةُ: البَقَرَةُ الوَحْشِيَّةُ.
ولأْلأَتِ النّارُ: لأْلأَ لَهِيْبُها. واللأْلاَءُ: النُّوْرُ.
وفي المَثَلِ: " لا أُكَلِّمُكَ ما لأْلأَتِ الفُوْرُ بأذْنَابِها " يَعْني النُّفَّرَ من الوَحْشِ إذا حَرَّكَتْ أذْنَابَها.
ويقولونَ للذَّكَرِ من الكَرَوَانِ اللَّيْلُ.
واللَّيْلُ: ضِدُّ النَّهَارِ، وظَلاَمُ اللَّيْلِ، وتَصْغِيْرُها لُيَيْلَةٌ. ولَيْلَةٌ لَيْلاَءُ ولَيْلٌ أَلْيَلُ وذُوْ لَيْلٍ: شَدِيْدُ الظُّلْمَةِ؛ واللَّيْلُ: الظُّلْمَةُ. وجَمْعُ اللَّيْلَةِ: لَيَائِلُ ولَيَالٍ على القَلْبِ، ويُجْمَعُ على اللُّيُوْلِ أيضاً. ورَجُلٌ لائلٌ: يَسِيْرُ باللِّيْلِ؛ ولَيْلِيٌّ. وعامَلْتُهُ مُلاَيَلَةً. وألْبَسَ لَيْلٌ لَيْلاً: أي رَكِبَ بَعْضُه بَعْضاً. وفي المَثَلِ: " لَيْسَ لِوِلْدَانِكَ لَيْلٌ فاغْتَمِدْ " أي ارْكَبْ لَيْلَتَكَ واجْعَلْها غِمْداً، و " اللَّيْلُ أَخْفَى للوَيْلِ "، ويقولونَ: لا تُخْلِفْني كما فَعَلْتَ لَيْلَةَ ذي لَيْلَةٍ؛ ولَيْلَةَ لَيْلَةٍ، واللِّصُّ ابْنُ اللَّيْلِ.
والْتَأَتْ علينا الحاجَةُ: أي الْتَوَتْ.
ولَوَى يَلْوي لَيّاً. ولَوَيْتُ الحَبْلَ والدَّيْنَ لَيّاناً. ولأَلْوِيَنَّ دَيْنَكَ مَلْوىً شَدِيْداً.
وامْرَأَةٌ لَوّاءُ العُنُقِ ولَيّاؤها.
والألْوَى: وَتَرُ القَوْسِ المَلْوِيّ طاقَاتُه.
والإِلْوَاءُ: أنْ تَرْفَعَ بشَيْءٍ فتُشِيْرَ به، ألْوى بثَوْبِه صَرِيْخاً.
وأَلْوَتِ المَرْأَةُ بيَدِها؛ والحَرْبُ بالسَّوَامِ: أي ذَهَبَتْ بها وصاحِبُها يَنْظُرُ إليها.
والإِلْوَاءُ: أنْ تُخَالِفَ بالكَلاَمِ عن جِهَتِه.
والرَّجُلُ الأَلْوَى: المُجْتَنِبُ المُعْتَزِلُ. والذي لا يُدْرَكُ ما وَرضاءَ ظَهْرِه، " إنَّه لأَلْوى بَعِيْدُ المُسْتَمَرِّ "، والأُنْثى لَيّاءُ ونِسْوَةٌ لِيّانٌ وإنْ شِئْتَ لَيّاوَاتٌ، وقد لَوِيَ يَلْوى لَوىً، وقيل: لَوّاءُ ولُوَّةٌ كحَوّاءَ وحُوَّةٍ.
ولَوَيْتُ عن الشَّيْءِ والْتَوَي. والأَلْوَى: المُلْتَوِي.
ولَوِيَتْ عَقِبُ الخُفِّ: اعْوَجَّتْ.
ولَوَّيْتُ عليه الأمْرَ: عَوَّصْته.
ولَوَيْتُ عليه مُخَفَّفٌ: انْتَظَرْتُه وأَقَمْتُ عليه؛ لَيّاً.
ولَوَّأْتُ به: أي عَذَّبْته.
ولَوّى اللهُ به: أي شَوَّهَه.
ولَوّى بوَجْهِه: أعْرَضَ.
ولَوَّأْتُ به الأرْضَ: ضَرَبْته.
واسْتَلْوى فلانٌ بكذا: ذَهَبَ.
واللَّوَى مَقْصُوْرٌ: داءٌ يَأْخُذُ في المَعِدَةِ، لَوِيَ يَلْوَى لَوىً.
واللِّوَاءُ مَمْدُوْدٌ: لِوَاءُ الوالي. وأَلْوَى الأَمِيْرُ له لِوَاءً: عَقَدَه له.
ولِوَى الرَّمْلِ مَقْصُوْرٌ: ما يَلِي الجَلَدَ، وما كانَ من نَوَاحِي الرَّمْلِ حَيْثُ يَنْقَطِعُ. وأَلْوى القَوْمُ فهم مُلْوُوْنَ: بَلَغُوا لِوَى الرَّمْلِ، وقد ألْوَيْتُم فانْزِلُوا. والأَلْوَاءُ والأَلْوِيَةُ: جَمْعُ لِوَى الرَّمْلِ.
وأَلْوَاءُ البِلاَدِ: نَوَاحِيْها. وألْوَاءُ الوادي: أحْنَاؤه.
واللِّوَى: اسْمُ وادٍ من أوْدِيَةِ بَنِي سُلَيْمٍ.
والمَلْوَاةُ: الثَّنِيَّةُ، وجَمْعُها مَلاَوٍ.
واللَّوِيُّ: اليابِسُ من البَقْلِ، أَلْوى البَقْلُ إلْوَاءً: صارَ لَوِيّاً. ولُوَيُّ بن غالِبٍ: أكْرَمُ قُرَيْشٍ.
ولاَوَى بن يَعْقُوْبَ النَّبِيّ عليهما السَّلاَمُ.
واللِّيَاءُ: شَيْءٌ أبْيَضُ شَدِيْدُ البَيَاضِ؛ يُؤْكَلُ؛ مِثْلُ الحِمّصِ، ويُقال للمَرْأَةِ البَيْضَاءِ: كأنَّها اللِّيَاءُ. وسَمَكَةٌ في البَحْرِ يُتَّخَذُ منها التِّرَسَةُ الجَيِّدَةُ.
ويقولونَ: بَعَثُوا إلينا بالهِيَاءِ واللِّيَاءِ؛ والسِّيَاءِ واللِّيَاءِ؛ والسِّوَاءِ واللِّوَاءِ: أي بَعَثُوا يَسْتَغِيْثُوْنَ. ويا لِيَاهُ: أي يا غَوْثَاه.
واللِّوَايَةُ في العِكْمِ: خَشَبَةٌ تُشَدُّ بالحَبْلِ إليه.
واللِّيَاءُ: الأرْضُ التي بَعُدَ ماؤها واشْتَدَّ السَّيْرُ فيها.
واللِّيَّةُ واللُّوَّةُ: لُغَتَانِ في الأَلُوَّةِ الذي هو العُوْدُ.
ولِيَّةُ الرَّجُلِ: مَنْ يَلِيْهِ من أهْلِه، ويُقال: لِئَةٌ بالهَمْزِ.
وأُمُّ لَيْلى: كُنْيَةُ الخَمْرِ. ولَيْلى: هي النَّشْوَةُ.


ما أوَّلُهُ الأَلِفُ
قَوْلُهم: إمَّا لا فافْعَلْ كذا: أي إنْ لم تَفْعَلْ ذاكَ فافْعَلْ ذا. والْقَ زَيْداً وإلاَّ فَلاَ: أي وإنْ لا تَلْقَ زَيْداً فَدَعْ.
و" أَلاَ " مَعْناه هَلاّ في حَالِ تَنْبِيْهٍ، وقد يُرْدَفُ ب " لا " أُخْرى فيُقال:
ألاَلاَ من سَبِيْلٍ إلى هِنْدِ
جَعَلَ " أَلاَ " تَنْبِيْهاً و " لا " نَفْياً.
و" أَلاّ ": اسْتِثْنَاءٌ. وإيْجَابٌ أيضاً.
و" إلى ": من حُرُوْفِ الصِّفَاتِ. وتكونُ بمَعْنى عَلى كَقَوْلِهم: جَزِعْتُ إليهم: أي عليهم. وقَوْلُه عَزَّ وجَلَّ: " هذا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيْمٌ " أي إلَيَّ. وتَرَكْتُ الطَّعَامَ من ذي إلَيْنا: أي من ذاتِ أنْفُسِنا. ونَفِذَ ما إلَيْه: أي ما عِنْدَه.
وما سَكِرْتُ ولا إلَيه: أي ولا قَارَبْتُه أيضاً.
والألاَءُ: شَجَرٌ وَرَقُه وحَمْلُه دِبَاغٌ؛ وهو شِتَاءً وصَيْفاً أخْضَرُ، والواحِدَةُ أَلاَءَةٌ. وأرْضٌ مَأْلأَةٌ. وأَدِيْمٌ مَأْلُوْءٌ: مَدْبُوْغٌ به؛ ومَأْلِيٌّ: مِثْلُه.
والإِلَى: النِّعْمَةُ، وجَمْعُه الإِلاَءُ والآلاَءُ.
والأَلاَءُ: الخِصَالُ الصّالِحَةُ، الواحِدُ إلىً وأَلىً. وكَيْفَ أَلاَءُ فَرَسِكَ: أي ما يُوْلِيْكَ من جِرَائِه وكِفَايَتِه.
والأَلْوُ: الضَّرْبُ واللَّطْمُ. والعَطِيَّةُ أيضاً.
وعُوْدُ أَلُوَّةٍ: أجْوَدُ ما يُتَبَخَّرُ به؛ وأُلُوَّةٌ: لُغَةٌ؛ وَلِيَّةٌ ولُوَّةٌ، وأَلاَوِيَةٌ: جَمْعُ أَلُوَّةٍ، وفي الحَدِيْثِ: " مَجَامِرُهم الأَلُوَّةُ " و " الأَلِيَّةُ " و " الأَلْوَةُ " و " الأُلْوَةُ ".
والأَلِيَّةُ: اليَمِيْنُ، والأَلْيَةُ: مِثلُها. وآلَيْتُ إيْلاءً وائْتَلَيْتُ ائْتِلاَءً، وتَأَلّى تَأَلِّياً، وهو بَرُّ المُؤْتَلى. والإِيْلاَءُ: أنْ يَحْلِفَ الرَّجُلُ باللهِ لا يَقْرَب امْرَأَتَه أرْبَعَةَ أشْهُرٍ.
وأَلَيْتُ عن حاجَتي وأَلَّيْتُ: أي تَمَكَّثْتُ عنها حَتّى تكادَ تَفُوْتُ.
وأَلَّيْتُ تَأْلِيَةً: أَبْطَأْتُ؛ مِثْلُ أَلَوْتُ.
والمُؤْتَلِي: المُطِيْقُ.
والمُوْلِي: المُعْوِزُ.
وما أَلَوْتُ عن الجَهْدِ في حاجَتِك. وما أَلَوْتُ نُصْحاً. ومنه الإِلِيُّ والأُلِيُّ والأُلُوُّ، ولا يَأْلُو أُلِيّاً ولا يَأْتَلي.
ولا آلُوْ كذا: أي لا أسْتَطِيْعُه. ومَثَلٌ: " فَلا تَأْلُ أنْ تَتَوَدَّدَ إلى النَّاسِ ". وفي الدُّعَاء عليه: " لا دَرَيْتَ ولا ائْتَلَيْتَ ".
وآلَى الرَّجُلُ: إذا تَمَكَّثَ في الأَمْرِ.
وآلَ عليه: أشْبَل وعَطَفَ.
والأَلُّ: الطَّرْدُ، آَلَّه يَؤُلُّه.
والإِلُّ: الرُّبُوْبِيَّةُ. وقُرْبى الرَّحِمِ. والأصْلُ الجَيِّدُ. والمَعْدِنُ. وجَمْعُ إلِّ القَرَابَةِ: أُلُوْلٌ، وهي الأَلاَلُ أيضاً، وتَأَلَّلْتُ إليه: أي تَوَسَّلْتُ.
والإِلُّ: جَبَلٌ بعَرَفَاتٍ؛ مَعْرِفَةٌ.
وهو الضَّلاَلُ ابْنُ الأَلاَلِ، وهو ابْنُ ضَالٍّ: مِثْلُه، وهو ضَالٌّ أَلٌّ.
والأَلِيْلُ: الشِّدَّةُ.
والأَلِيْلَةُ: ما يَجِدُ الإِنسانُ من وَجَعِ الحُمّى ونَحْوِها في جَسَدِه دُوْنَ الأنِيْنِ، يُقال: أَلَّ يَئِلُّ أَلِيْلاً.
والأَلَلُ والأَلِيْلُ: الصَّوْتُ.
وأَلَّ الرَّجُلُ في الدُّعَاءِ: جَأَرَ فيه، وفي الحَدِيْثِ: " عَجِبَ رَبُّكُم من أَلِّكُم وقُنُوْطِكُم ". وأَلِيْلُ الماءِ: صَلِيْلُه. والأَلاّلُ: الصَّلاّلُ.
وأَلَّ الرَّجُلُ في السَّيْرِ: إذا أسْرَعَ؛ يَؤُلُّ أَلاًّ. وفَرَسٌ مِئَلٌّ: سَرِيْعٌ.
وأَلَّ لَوْنُه: إذا صَفَا وبَرَقَ؛ يَؤُلُّ ويَئِلُّ.
وأَلَّ السَّيْفُ: رَقَّتْ حَدِيْدَتُه.
وفي أسْنَانِه أَلَلٌ بالأَلِفِ: أي قِصَرٌ.
وثَوْبٌ مَأْلُوْلٌ: إذا خِيْطَ خِيَاطَتَه الأُوْلى قَبْلَ الكَفِّ، وقد أَلَلْتُه أَؤُلُّه أَلاًّ والآلَةُ: أَدَاةُ الحَرْبِ من السِّلاَحِ وغَيْرِها. وسائرُ الأَدَوَاتِ: آلَةٌ.
والأَلَّةُ: خَشَبَةٌ يُبْنى عليها، وجَمْعُها أَلاّتٌ. والحَرْبَةُ؛ وجَمْعُها إلاَلٌ، والجِنْسُ الأَلُّ، وسُمِّيَتْ أَلَّةً لدِقَّتِها. وأَلَّه يَؤُلُّه: أي طَعَنَه بها، ومنه قَوْلُهم: " ما لَهُ أُلَّ وغُلَّ ".
والتَّأْلِيْلُ: تَحْرِيْفُكَ الشَّيْءَ كما تُحَرِّفُ رَأْسَ القَلَمِ، وهو مُؤَلَّلٌ.
وأُذُنٌ مُؤَلَّلَةٌ: مُحَدَّدَةٌ؛ ومَأْلُوْلَةٌ، أُلَّتْ أُذُنُه وأُلِّلَتْ.
وفُوْقٌ مُؤَلَّلٌ: صَغِيْرٌ.
وثَوْرٌ مُؤَلَّلٌ: في لَوْنِه شَيْءٌ من سَوَادٍ وسائرُه أبْيَضُ. وفي الظَّبْيِ أَلَلٌ وأُلَلٌ، وهو جَمْعُ أُلَّةٍ. والأَلَلُ: الجُدَّةُ من السَّوَادِ في البَيَاضِ.
ورَجُلٌ مُؤَلَّلُ الوَجْهِ: مَسْنُوْنُه.
والأَلَلُ والأَلَلاَنِ: وَجْهَا السِّكِّيْنِ وغَيْرِها حَتّى القَدَح. وكُلُّ شَيْءٍ عَرِيْضٍ: له أَلَلاَنِ، والجَمِيْعُ الإِلاَلُ. وهو أيضاً: أنْ يَقَعَ التَّسَرُّرُ بَيْنَ لَحْمَةِ تِحْلِئَةِ السِّقَاءِ وأَدَمَتِه فيَفْسُد، يُقال: أَلِلَ السِّقَاءُ يَأْلَلُ، وكذلك إذا تَخَرَّقَ. وسِقَاءٌ قد مَشى أَلَلاَه.
والمِئْلاَةُ: خِرْقَةٌ تكونُ مَعَ النّادِبَةِ في المَنَاحَةِ تَخْتَصِرُ بها، والجَمِيْعُ المَآلِي، وآلَتْ إيْلاَءً: اتَّخَذَتْ مِئْلاَةً.
والمُتَأَلِّيَةُ من النِّسَاءِ: المُسَلِّبَةُ التي لَبِسَتِ السِّلاَبَ والسَّوَادَ.
وأَيْلَةُ: اسْمُ بَلْدَةٍ.
وإيْلِيَاءُ: مَدِيْنَةُ بَيْتِ المَقْدِسِ.
وأَيْلُوْلُ: اسْمُ شَهْرٍ من شُهُوْرِ الرُّوْمِ.
وأَوَالُ: قَرْيَةٌ على شاطِىءِ البَحْرِ.
والأَيِّلُ: الذَّكَرُ من الأوْعَالِ، والجَمِيْعُ الأَيَايِلُ، وهو الإِيَّلُ والأُيَّلُ أيضاً، وسُمِّيَ بذاكَ لأنَّه يَؤُوْلُ إلى الجِبَالِ يَتَحَصَّنُ بها.
والأَيِّل: ألْبَانُ الأَيَايِلِ.
والإِيَالُ: وِعَاءٌ يُؤَالُ شَراباً ونَحْوَه، أُلْتُ الشَّرَابَ أَؤُوْلُ أوْلاً.
وآلَ الرَّجُلُ: فَرَّ ونَجَا، والآئِلُ: النّاجي.
ولا يَؤُوْلُ من فلانٍ شَيْءٌ: أي لَيْسَ له صَيُّوْرٌ.
وآلَ عن الشَّيْءِ: ارْتَدَّ عنه.
وآلَ عليه: أي أشْبَلَ وَعَطَفَ.
وآلَ اللَّبَنُ يَؤُوْلُ أَوْلاً وأُؤُوْلاً: إذا خَثَرَ، وكذلك البَوْلُ.
وآلَ لَحْمُ النّاقَةِ: ضَمُرَتْ وانْحَسَرَ لَحْمُها.
ورَدَدْتُه إلى إيْلَتِه: أي طَبِيْعَتِه وسُوْسِه.
وأُلْتُه: سُسْتُه. والإِيَالَةُ: السِّيَاسَةُ، آلَه يَؤُوْلُه، ومنه: آئِلُ مالٍ. وفي المَثَلِ: " أُلْنَا وإيْلَ عَلَيْنا "، وائْتَالَه ائْتِيَالاً: بمَعْنَاهُ.
وقد تكونُ الإِيْلَةُ: الأَقْرِبَاء الَّذِيْنَ يَؤُوْلُ إليهم في النَّسَبِ.
والمَوْئِلُ: المَلْجَأُ؛ مِنْ أُلْتُ، وكذلك المَآلُ.
وآلَ الشَّيْءُ: رَجَعَ، والأَوْلُ: المُرَاجَعَةُ. وأَوِّلِ الحُكْمَ: أي أَرْجِعْهُ إلى أَهْلِهِ، وفي الدُّعَاءِ: أَوَّلَ اللهُ عليكَ.
والآلُ: السَّرَابُ.
وآلُ الرَّجُلِ: قَرَابَتُه وأهْلُ بَيْتِه، وتَصْغِيْرُهُ: أُهَيْلٌ.
وآلُ البَعِيْرِ: ألْوَاحُه وما أشْرَفَ من أقْطَارِ جِسْمِهِ.
وآلُ الخَيْمَةِ: عَمَدُها، والجَبَلِ: أطْرَافُه ونَوَاحِيْه.
وقَوْلُه: يا لَبَكْرٍ: أي يا آلَ بَكْرٍ، وهذه لاَمُ الاسْتِغَاثَةِ.
وأَلِيَّةُ الرَّجُلِ الدُّنْيَا: آلُهُ الأَدْنوْنَ. ولِيْتُه: مَنْ يَلِيْه.
والآلَةُ: شَدِيْدَةق من شَدَائِدِ الدّهْرِ. والحَالَةُ، هو بآلَةِ سَوْءٍ. والطَّرِيْقَةُ. والنَّعْشُ للمَيِّتِ. وأَدَاةُ الصّانِعِ التي يَؤُوْلُ إليها ويَسُوْسُها.
والآيِلُ من النَّبَاتِ: حِيْنَ يُعْرَفُ كَثْرَتُه من قِلَّتِه، آلَ يَؤُوْلُ أُؤُوْلاً. وأَلْيَةُ الشّاةِ والإِنْسَانِ، وكَبْشٌ آلَى وأَلْيَانٌ، ونَعْجَةٌ أَلْيَانَةٌ وآلَى وأَلْيَاءُ. ورَجُلٌ أَلاّءٌ: يَبِيْعُ الأَلْيَةَ.
وأَلْيَةُ الخِنْصِرِ: اللَّحْمَةُ التي تَحْتَها.
وأَلْيَةُ الحافِرِ: مُؤَخَّرُه.
وامْرَأَةٌ أَلْيَانَةٌ؛ من نِسَاءٍ أَلاَءٍ وأَلْيَانَاتٍ.
وأَلْيَةُ الوادي: ذَنَبُه.
وأَلْيَةُ: مَاءٌ من مِيَاهِ بَني سُلَيْمٍ.
والأَوَائِلُ: من الأوَّلِ، ومنهم مَنْ يَقُوْلُ: أَوَّلُ: تَأْسِيْسُ بِنَائِه من هَمْزَةٍ وواوٍ ولامٍ، ومنهم من يقول: هو مِنْ وَاوَيْنِ بَعْدَهما لامٌ. والأَوَّلُ والأُوْلى: بمَنْزِلَةِ أفْعَلَ وفُعْلى، والجَمِيْعُ الأُوْلَيَاتُ. ورَأَيْتُه عاماً أَوَّلَ، ومَنْ نَوَّنَ حَمَلَه على النَّكِرَةِ. ولَقِيْتُه غَدَاةَ الأَوَّلِ، وأُوْلى ثَلاَثِ لَيَالٍ.
ونَاقَةٌ أَوَّلَةٌ وجَمَلٌ أَوَّلُ: إذا تَقَدَّمَ الإِبِلَ.
وافْعَلْ ذاكَ أوَّلَ ذي أَوِيْلٍ: أي أَوَّلاً.
وأَولَ الرَّجُلُ: صارَ أَوَّلاً.
والأَوَّلُ: اسْمُ يَوْمِ الأَحَدِ.
وفلانٌ أُوْلى بأُوْلى: أي قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ.
والأُلُّ: لُغَةٌ في اَوَّلِ.
والتَّأَوُّلُ والتَّأْوِيْلُ: تَفْسِيْرُ الكَلاَمِ الذي تَخْتَلِفُ مَعَانِيْه. وهو أيضاً: أَنْ تَنْظُرَ في وُجُوْهِ القَوْمِ أَيُّهُم تَنْتَقِرُ لأَمْرٍ، ومنه: تَأَوَّلْتُ في فلانٍ الأَجْرَ: إذا طَلَبْتَه وتَحَرَّيْتَه.
وقيل في قَوْلِ الأَعْشى:
ولكِنَّها كانَتْ تَأَوُّلُ حُبِّها
أي مَرْجِعُه وعاقِبَتُه.
والتَّأْوِيْلَةُ: بَقْلَةٌ طَيِّبَةُ الرِّيْحِ تَنْبُتُ في أَلْوِيَةِ الرَّمْلِ.
ويُقال من الإِيْلاَءِ: تَأَلّى وائْتَلَى: إذا حَلَفَ على أمْرِ غَيْبٍ.
وأُلَى: في لُغَةٍ يُقْصَرُ، وأهْلُ الحِجَازِ يَمُدُّوْنَ: أُلاَءِ. والهاءُ في أَوَّلِهِ زِيَادَةٌ إذا قال هَأُوْلئكَ في المُخَاطَبَةِ. ويَقُوْلُونَ: أُلاَلِكَ فَعَلُوا: بمَعْنى أُوْلَئِكَ. وهُمُ اللاّئِيْنَ فَعَلُوا ذاكَ واللاّؤُوْنَ: بمَعْنى الَّذِيْنَ.
وأَوْلَى: كَلِمَةُ تَلَهُّفٍ ووَعِيْدٍ.
وأُوْلُوْ، والمُؤَنَّثُ أُوْلاَتُ، والواحِدُ: ذُو.
ويقولونَ: " لا آتيْكَ أُلْوَةَ بنَ هُبَيْرَةَ " أي أَبَداً. وأُلْوَةُ: اسْمُ رَجُلٍ.


ما أَوَّلُه اليَاءُ
اليَلَلُ: قِصَرٌ في الأسْنَانِ والْتِزَاقُها مَعَ اخْتِلاَفِ نِبْتَةٍ، رَجُلٌ أَيَلُّ وامْرَأَةٌ يَلاّءُ، وقد يَلِلْتَ، وقَوْمٌ يُلٌّ.
وقُفٌّ أَيَلُّ: أي غَلِيْظٌ مُرْتَفِعٌ.
وحافِرٌ أَيَلُّ: قَصِيْرُ الُّنْبُكِ.
ويَلْيَلُ: اسْمُ جَبَلٍ، وقيل: مَوْضِعٌ، قال جَرِيْرٌ:
قَطَعَتْ حَبَائلَها بأعْلى يَلْيَلِ


ما أوَّلُه الوَاو
وَلِيَ الوالي يَلي وِلاَيَةً، ووَلَى الشَّيْءَ يَلِيْه: بمَعْنى وَلِيَه. والوِلاَيَةُ: مَصْدَرُ المَوْلى من فَوْقُ، والمُوَالاَةُ: اتِّخَاذُ المَوْلى. والوَلاَءُ: مَصْدَرُ المَوْلى من تَحْتُ. والوُلآءُ: القَوْمُ إذا كانوا يَداً واحِدَةً. وبَنُو فُلانٍ وَلاَءٌ على بَني فلانٍ: أي يَعْضُدُوْنَهُم، و " الوَلاَءُ للكُبْرِ ". وهُمْ وَلاَيَةٌ عَلَيَّ: أي مُتَوَالُوْنَ مُجْتَمِعُوْنَ. ويُقال للوُلاَةِ: الوُلَى.
والوَلِيُّ: وَلِيُّ اليَتِيْمِ ونَحْوِه. والأَوْلِيَةُ: جَمْعُ الوَلِيِّ؛ بمَنْزِلَةِ الأَوْلِيَاءِ.
والوَلاَيَا: المَوَالي، وكذلك المُوَالِيْنَ.
والمَوْلى: ابْنُ العَمِّ. وتكونُ بمَعْنى الأُوْلى؛ كقَوْلِه عَزَّ ذِكْرُه: " هِيَ مَوْلاَكُم " أي هيَ أَوْلى بكم.
والمَوْلَى: الوَلِيُّ، واللهُ تَعالى مَوْلاَه: أي وَلِيُّه.
والمُوَالاَةُ: أنْ تُوَالِيَ بَيْنَ رَمْيَتَيْنِ أو فِعْلَيْنِ مَهْما كانَ. وأَصَبْتُه بثَلاَثَةِ أسْهُمٍ وِلاَءً: على الوِلاَءِ.
والمُوَالاَةُ: التَّمْيِيْزُ والتَّفْرِيْقُ، وهو الوِلاَءُ أيضاً. ووَالى غَنَمَه: أي عَزَلَهُنَّ، وتَوَالى بَنُو فلانٍ عن بَني فلانٍ: أي عَزَلَ كُلُّ واحِدٍ منهم إبِلَه على حِدَةٍ.
والوَلِيُّ: المَطَرُ الذي يَلي الوَسْمِيَّ، وُلِيَتِ الأرْضُ وَلْياً فهي مَوْلِيَّةٌ.
والوَلِيَّةُ: الحِلْسُ، والجَمِيْعُ الوَلاَيا.
وقيل في قَوْلِ النَّمِرِ: عَنْ ذَاتِ أَوْلِيَةٍ
إنَّه عَنى سَنَاماً شَبَّهَه بالوَلِيَّةِ وهي البَرْذَعَةُ، وقيل: جَمْعُ وَلِيٍّ للأَوْلِيَاءِ، وقيل: أكَلَتْ وَلْياً من المَطَرِ.
والوَلاَيَا: القَبَائِلُ؛ كُلُّ قَبِيْلَةٍ: وَلِيَّةٌ.
ووَلّى الرَّجُلُ: إذا أَدْبَرَ، وتَوَلَّى: أجْمَعُ.
واسْتَوْلى على الشَّيْءِ: صارَ في يَدِه.
والوَلْيُ: القُرْبُ. وأَوْلَيْتُ أنْ أفْعَلَ كذا: أي دَنَوْتُ أنْ أفْعَلَه، وأَقْرَبْتُ: مِثْلُه.
وأَوْلَى له: أي قارَبَ الهَلاَكَ والمَكْرُوهَ؛ وهو وَعِيْدٌ. ويكونُ بمَعْنى اسْمٍ للتَّفْضِيْلِ: أي أدْنى لكَ وأقْرَبُ؛ من الوَلْيِ أيضاً، ومنه قَوْلُهم: شَطَّ وَلْيُ النَّوى.
والوَلْيُ: القَصْدُ، ومنه قيل للقَرَابَةِ: الوَلاَءُ والوَلاَيَةُ.
وهُمْ وَالِيَتُنا: أي جِيْرَانُنا الذين يَلُوْنَنا.
والوَيْلُ: حُلُوْلُ الشَّرِّ.
والوَيْلَةُ: الفَضِيْحَةُ والبَلِيَّةُ، والجَمِيْعُ الوَيْلاَتُ. ووَيَّلْتُ فلاناً: أكْثَرْت له من ذِكْرِ الوَيْلِ. وهما يَتَوَايَلاَنِ. ووَيْلٌ وائلٌ: كقَوْلِهِم شُغْلٌ شاغِلٌ، ويُنْصَبُ. وقيل: الوَيْلُ بابٌ من أبْوَابِ جَهَنَّمَ.
وتَوَيَّلَ فلانٌ: قال يا وَيْلاه. ووَلْوَلَتِ المرْأةُ: قالتْ يا وَيْلَها، وتَوَلْوَلَتْ: مِثْلُه.
وقيل: الوَلْوَلُ ذَكَرُ الهامِ، وسُمِّيَ بذلك لأنَّه يُوَلْوِلُ أبَداً.
وكانَ يُقال لسَيْف عَتّاب بنِ أَسِيْدٍ: وَلْوَلٌ.
والوَأْلُ: المَلْجَأُ، وكذلك المَوْئِلُ. ووَأَلْتُ إليه: لَجَأْتُ؛ أَئِلُ. والوَائلُ: اللاّجي. وائْتَأَلْتُ على فلانٍ: أي اعْتَمَدْتُ عليه.
والمُسْتَوْئِلُ من الحُمُرِ: الذي يَلْتَجِىءُ إلى حِرْزٍ، وكذلك اسْتَوْلَى.
وذَهَبَ وَأْلي إلى كذا: أي وَهْمِي.
والوَأْلَةُ: أبْعَارُ الغَنَمِ قد اخْتَلَطَتْ بأبْوَالِها في مَرَابِضِها. والمُوْئِلُ: المَكَانُ الكَثِيْرُ الوَأْلَةِ. وأَوْأَلَ المَكَانُ.
والمُوَاءَلَةُ: مُلاَوَذَةُ الطائرِ بشَيْءٍ مَخَافَةَ الصَّيْدِ.
وإلَةُ الرَّجُلِ بوَزْنِ صِلَةٍ: هم الذين يَئِلُ إليهم ويَئِلُوْنَ إليه، وهؤلاءِ إلَتُكَ: أي الذي يَرْأَبُ الصَّدْعَ والقَدَحَ. ويُصْلِحُ بَيْنَ النّاسِ، ووَأَلَ بَيْنَهم، ومنه وائلُ بنُ بَكْرٍ؛ وقيل: بَكْرُ بنُ وائلٍ.

الآلاء

الآلاء
أجمعوا على أنّ معناه: النعم، ولكنّ القرآن -وأشعار العرب- يأباه . والظاهر أن معناه: الفِعال العجيبة. فارسيته: كِرِشْمَه. و لما كان غالب فعاله تعالى الرحمة ظنوا أن الآلاء هي النعم .
والرواية عن ابن عباس رضي الله عنه حملتهم على هذا . ولكن السلف إذا سئلوا أجابوا حسب السؤال والمراد المخصوص في موضع مسؤول عنه .
وهذا الظن فتح لهم نفَذاً إلى تبديل معنى "إلى" في قوله تعالى:
{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} .
فقالوا: إن "إلى" واحد الآلاء . وليس في كلام العرب له مثال . ولكنهم زعموا أن الأعشى أراد هذا في قوله:
........................... ......... ولا يخون إلا
قال ابن دُرَيد (انظر لسان العرب تحت كلمة إلّ) . أما القرآن فقوله تعالى: {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى} بعد ذكر إهلاك الأقوام. وهكذا في سورة الرحمن .
وأما كلام العرب، فقال طرفة:
كَاملٍ يَحمِلُ آلاءَ الفتى ... نَبَهٍ سَيِّدِ سَاداتٍ خِضَمّ
وقالت مَيَّة بنت ضِرار ترثي أخاها: كَرِيمٍ ثناه وآلاؤُه ... وكافِي العشيرةِ ما غَالَها
وقال المهلهِل أخو كُلَيب يرثي أخاه كليباً:
الحزمُ والعزمُ كانا مِن طبائِعه ... ما كلُّ آلائِه يا قَومِ أُحْصِيها
وقال رَبِيعَة بن مَقروم أحد بني غَيظ بن السِّيد :
ولَولاَ فوارسُنا ما دَعَتْ ... بذَاتِ السُّلَيْمِ تَميمٌ تَمِيما
ومَا إنْ لأُوئبَهَا أَنْ أعُدَّم ... مَــآثِرَ قومِي وَلاَ أن ألُوما
وَلكنْ أُذَكِّرُ آلاءَنا ... حديثاً ومَا كانَ مِنَّا قَدِيما وقال الأجدَعُ الهَمْدَاني :
ورَضِيتُ آلاءَ الكُمَيتِ فَمَن يُبِعْ ... فَرَساً فليسَ جَوادُنا بِمُبَاعِ
قال الجوهري في هذا الشعر: "آلاؤُه: خِصالُه الجميلةُ" .
ولكنه لم يتثبت على هذا المعنى الذي هو أصله، فقال في مادة ألا: "والآلاء: النعم، واحدها: ألا بالفتح، وقد يكسر ويكتب بالياء، مثاله : مِعى وأمعاء".
فاتبع ما فهم المفسرون عن ابن عباس رضي الله عنه.
وقال فَضالةُ بن زيد العَدْواني، وهو من المعمرين :
وَفِي الْفَقْرِ ذُلٌّ لِلرِّقَابِ وَقَلَّمَا ... رَأَيتُ فَقِيراً غَيرَ نِكْسٍ مُذَمَّمِ
يُلاَمُ وَإنْ كانَ الصَّوَابُ بِكَفِّه ... ويُحْمَدُ آلاءُ الْبَخِيلِ الْمُدَرْهَمِ
أي يحمدون صفات البخيل وفعاله. وهذا البيت أوضح دلالة مما ذكرنا قبله على معنى "الآلاء".
وقال الحماسي (في المراثي، ولم يسمه أبو تمام):
إِذَا مَا امْرُؤٌ أَثْنَى بآلاءِ مَيِّتٍ ... فَلا يُبعِدِ اللهُ الْوَليدَ بنَ أدْهَمَا
فَما كانَ مِفْرَاحاً إذا الخيرُ مَسِّه ... وَلا كانَ مَنّاناً إذَا هُوَ أنعَما
ففسر ما أراد من "الآلاء" بذكر أنه لم يكن مفراحاً إذا مسّه الخير، ولا منَّاناً إذا أنعم.
وقالت الخنساء : فبَكِّي أخاكِ لآِلاَئِه ... إذا المَجْدُ ضَيَّعه السَّائِسُونَا

البلاغة والنظم

البلاغة والنظم:
لا تفضل الكلمة صاحبتها منفردة في قاموس اللغة، من حيث دلالة كل على معناه، فكلمة قال، لا تفضل تكلم، وكلمة رجل، لا ميزة لها على أسد، اللهم إلا من ناحية أن بعض الكلمات أسهل جريا على اللسان من بعض، وأخف نطقا، فتجد مثلا كلمة النفس أسلس من كلمة الجرشى، وكلمة مرتفعات أسلس من كلمة مستشزرات، وإلا من ناحية كثرة استعمال بعضها وغرابة البعض الآخر، فإذا ما نظمت الكلمة في جملة، صارت دالة على نصيبها من المعنى، وصار من حقنا أن نسأل: لم اختيرت هذه الكلمة دون تلك، ولم آثرنا صيغة على أخرى؟
وإن الأسلوب قد يروعك ويبهرك، فإذا أخذت مفرداته كل مفرد على حدة، فقد لا تجد فيه كبير روعة، ولا قوة أسر، ولكن عند ما انتظمت هذه المفردات في سلك فلاءمت ما قبلها، وارتبطت بما بعدها، واكتسبت جمالا وجلالا، وإن شئت فانظر قوله تعالى: وَقِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ وَيا سَماءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْماءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (هود 44). فإنك إذا أخذت كل كلمة على حدتها، من غير نظر إلى ما قامت به من أداء حظها المقسوم لها في معنى الجملة كلها، فقد لا تجد لها من التأثير ما تجده لها، وهى بين أخواتها تؤدى معناها.
وهنا يحق لنا أن نسأل عن فضل الكلمة في موضعها، ونتبين جمال اختيارها، وندرك ما لها من الميزة على صاحبتها، وإذا سلكنا هذا المسلك في الآية الكريمة رأينا الآية تصور ما حدث بعد الطوفان، من ابتلاع الأرض ماءها، ونقاء السماء بعد أن كانت تغطى بسحبها، واستواء السفينة على الجودى، وقد طهرت الأرض من رجس المشركين، فصور الله ذلك تصويرا حسيّا، يؤكد في نفسك استجابة هذه الطبيعة العظيمة وخضوعها لأمر الله، فهذا المطر المدرار ينهمل من السماء، وهذا الماء الطاغى يجتاح نواحى الأرض، وهذا الاضطراب فى أرجاء الكون، لم يلبث أن سكن واستقر، وعادت الطبيعة إلى هدوئها، عند ما تلقت أمر الله لها أن تسكن وتهدأ، ولكن لما كان هذا الأمر قد صدر إلى الكون من غير أن يسمعه من في الكون، أو يروا قائله، بنى الفعل للمجهول كما ترى، وأوثر في نداء الأرض يا دون الهمزة، لما يدعو اجتماعها مع همزة أرض إلى ثقل على اللسان في النطق بهما، وفضّلت كذلك على «أيا» لما في هذه من زيادة تنبيه ليست الأرض، وهى رهن أمر الله، فى حاجة إليه، وأوثر تنكير الأرض لما في ذلك من تصغير أمرها، فالمقام هنا يستدعى ذلك التصغير، ويستدعى الإسراع بتلبية الأمر، وذلك لا يكون مع التعريف المقتضى لإطالة الكلام بأيتها، وجاءت كلمة ابْلَعِي هنا مصورة لما يراد أن تصنعه الأرض بمائها، وهو أن تبتلعه في سرعة، فهى هنا أفضل من امتصى مثلا؛ لأنها لا تدل على الإسراع في التشرب، وفي إضافة الماء إليها ما يوحى بأنها جديرة بأن تمتص ماء هو ماؤها، فكأنها لم تكلف شططا من الأمر، وقل مثل ذلك في قوله:
وَيا سَماءُ أَقْلِعِي، ولاحظ هذا التناسق الموسيقى بين ابلعى وأقلعى، وبنى غِيضَ للمجهول، مصورا بذلك إحساس من شاهدوا هذا المنظر الطبيعى، فهم قد رأوا الماء يغيض والأمر يتم، وكأنما قد حدث ذلك من تلقاء نفسه، من غير أن يكون ثمة فاعل قد فعل، واختيرت كلمة استوت دون رست مثلا لما في كلمة استوى من الدلالة على الثبات المستقر، وبنى الفعل قِيلَ للمجهول إشارة إلى أن هذا القول قد صدر ممن لا يعد كثرة، حتى لكأن أرجاء الكون تردد هذا الدعاء، وجاءت كلمة بُعْداً دون (هلاكا) مثلا، إشارة إلى أن هلاك هؤلاء القوم الظالمين إنما قصد به إبعادهم عن الفساد في الأرض، والسخرية بمن آمن وعمل صالحا، وأوثر المجيء بالموصوف هنا؛ لأنه لا يراد الدعاء على الظالمين لاتصافهم بالظلم، وإنما يراد الدعاء على هؤلاء القوم بالبعد؛ لاتصافهم بالظلم، فالمقام هنا، مقام حديث عن قوم ظلموا أنفسهم، فاستحقوا لذلك أن
يتخلص منهم، وأحس في كلمة بعدا، دلالة على الراحة النفسية التى شعر بها من في الكون، بعد أن تخلصوا من هؤلاء القوم الظالمين، ولعل لاستخدام المصدر الذى يؤكد أن الفعل قد تم، أثرا في ذلك. أو لا ترى الآية قد صورت لك ما حدث بعد الطوفان أدق تصوير، فى عبارة موجزة، فها هى ذى الأرض تبتلع ماءها، وها هى ذى السحب في السماء تنقشع مقلعة، وها هو ذا الماء قد غاض، وعادت الطبيعة كما كانت، فاستقرت سفينة نوح ومن معه على الجودى، وتنفس الكون الصعداء، فقد طهر من القوم الظالمين.
وقد يتجمع الحسن حول حرف واحد في الآية، يثير في نفسك ألوانا من المعانى، لا تجدها إذا استبدلت به حرفا آخر، واستمع إلى قوله تعالى: وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ ما لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ كَذلِكَ كانُوا يُؤْفَكُونَ وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللَّهِ إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهذا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (الروم 55، 56). ألا تشعر بما حول هذه الفاء، من استفهامات تثيرها، فكأن الذين أوتوا العلم والإيمان يقولون لمنكرى البعث: ألا تزالون مصرين على إنكاره؟ وماذا أنتم فاعلون؟ وكيف تلقون ربّا أنكرتم لقاءه؟ وشبيه بهذا قول الشاعر، وقد تمثل به أبو بكر، حين أتاه كتاب خالد بالفتح وهزيمة الأعاجم:
تمنانا، ليلقانا بقوم ... تخال بياض لأمهم السرابا
فقد لاقيتنا فرأيت حربا ... عوانا، تمنع الشيخ الشرابا
فتأمل موضع الفاء في قوله: فقد لاقيتنا، أو لا ترى فيها معنى الاستخبار عما شاهده الأعداء منهم، عند ما لا قوهم، ومعنى الإخبار بأنهم أبلوا خير البلاء، وكانوا فى الحرب أبطالا مغاوير، وكذلك تأمل موضع الفاء في قول العباس بن الأحنف:
قالوا: خراسان أقصى ما يراد بنا ... ثم القفول، فقد جئنا خراسانا
أو لا ترى فيها معنى اللهفة على استنجاز الأمل، والشوق القاتل إلى العود إلى الوطن المفارق، والمطالبة بتنفيذ ما وعد به، قبل أن يبدأ رحلته.

التوكيد والتكرير

التوكيد والتكرير
التوكيد من أهم العوامل لبث الفكرة في نفوس الجماعات، وإقرارها في قلوبهم إقرارا، ينتهى إلى الإيمان بها، وقيمة التوكيد بدوام تكراره بالألفاظ عينها، ما أمكن ذلك، «فإذا تكرر الشيء رسخ في الأذهان رسوخا، تنتهى بقبوله حقيقة ناصعة» وللتكرار تأثير في عقول المستنيرين، وتأثيره أكبر في عقول الجماعات من باب أولى، والسبب في ذلك كون المكرر ينطبع في تجاويف الملكات اللاشعورية، التى تختمر فيها أسباب أفعال الإنسان، فإذا انقضى شطر من الزمن نسى الواحد منا صاحب التكرار، وانتهى بتصديق المكرر .
واستخدم القرآن التوكيد وسيلة لتثبيت المعنى في نفوس قارئيه، وإقراره في أفئدتهم، حتى يصبح عقيدة من عقائدهم.
وقد يكرر القرآن الجملة المؤكدة عدة مرات بألفاظها نفسها، علما منه بما لذلك.
من أثر في النفس، فتراه مثلا في سورة الشعراء يكرر الجملتين الآتيتين خمس مرات، من غير أن يغير من ألفاظهما حرفا، فقال على لسان بعض رسله: إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (الشعراء 107، 108 و 126 و 144 و 163 و 179).
وهى وإن كانت مقولة على ألسنة عدة رسل، توحى لتكررها بعبارة واحدة، بصدق هؤلاء الرسل وتثبيت التصديق بهم.
ويؤكد القرآن صفات الله، حتى يستقر الإيمان بها في النفوس، وذلك هو الأساس الذى ينبنى عليه الدين، فتسمعه يقول مكررا ومؤكدا في كثير مما يكرره:
إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (البقرة 20)، إِنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (البقرة 110)، إِنَّ اللَّهَ واسِعٌ عَلِيمٌ (البقرة 115)، إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (البقرة 153)، فَإِنَّ اللَّهَ شاكِرٌ عَلِيمٌ (البقرة 158)، إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (البقرة 173)، إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (البقرة 190)، إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (البقرة 195)، أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (البقرة 196)، أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (البقرة 209)، إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (البقرة 222)، إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (البقرة 181)، أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (البقرة 231)، أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (البقرة 267)، إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ (آل عمران 5)، إِنَّكَ جامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ (آل عمران 9)، إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ (الرعد 31)، فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (آل عمران 199)، إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ (آل عمران 37)، إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ (العنكبوت 6)، إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (آل عمران 119)، إِنَّ اللَّهَ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (الأنفال 47)، إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ (آل عمران 9).
فهذا التأكيد يقرر معانى هذه الصفات في النفس، وإذا تكررت هذه المعانى فى النفس انبثق منها العمل الصالح، المبنى على أساس من الإيمان المكين. وفي أحيان كثيرة يستغنى القرآن عن التوكيد بتكريرها في مواضع شتى، وهذا التكرير للصفات في المناسبات المختلفة مصدر توطيدها في النفس.
ويؤكد القرآن وعده ووعيده، فيكرر مؤكدا قوله: إن الله يحب المتقين، وإن الله مع المتقين، وفي مواضع شتى، وقوله: إن الله لا يحب الكافرين، وإن الله لا يهدى القوم الكافرين، وحينا يكتفى بالتكرير- كما قلنا- عن توكيد الجملة.
ويؤكد كل خبر هو مجال للشك أو الإنكار، وكلما توغل الخبر في ميدان الشك زادت ألوان المؤكدات، وتأمل لذلك قوله تعالى: وَإِذا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قالُوا إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلكِنْ لا يَشْعُرُونَ وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَما آمَنَ النَّاسُ قالُوا أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ وَلكِنْ لا يَعْلَمُونَ وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ (البقرة 11 - 14). أولا تراهم عند ما أنكروا الإفساد في الأرض والسفاهة، أكد اتصافهم بها بألا، وإن، وتعريف ركنى الجملة المؤذن بالقصر، وضمير الفصل. ولمّا كان إقرارهم للمؤمنين بالإيمان بألسنتهم مبعثا للشك في نفوس شياطينهم، دفعهم ذلك إلى تأكيدهم لهم الثبات على مبادئهم، وأنهم لا يبغون عنها حولا.
واقرأ قوله تعالى: وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جاءَهَا الْمُرْسَلُونَ إِذْ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُما فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ فَقالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ قالُوا ما أَنْتُمْ إِلَّا
بَشَرٌ مِثْلُنا وَما أَنْزَلَ الرَّحْمنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ قالُوا رَبُّنا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ
(يس 13 - 16). ألا ترى المرسلين قد أكدوا رسالتهم بإن، عند ما كذبهم أصحاب القرية، فلما لج هؤلاء في التكذيب، زادوا في تأكيد رسالتهم مؤكدا جديدا، هو اللام، وأشهدوا ربهم على صدق دعواهم. وللتوكيد أساليب كثيرة في القرآن الكريم، فمنها التوكيد المعنوى بكل وأجمع، كما في قوله تعالى: فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (الحجر 30). وفائدة هذا اللون من التوكيد رفع ما يتوهم من عدم الشمول، وإنى أرى هنا ما رآه الفراء من أن كلهم أفادت ذلك، وأجمعون أفادت اجتماعهم على السجود، وأنهم لم يسجدوا متفرقين.
ومنها التوكيد اللفظى، بأن يكرر السابق لفظه، اسما كان، أو فعلا، أو اسم فعل، أو حرفا، أو جملة، كما ترى ذلك في قوله تعالى: كَلَّا إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا (الفجر 21). وقوله: فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً (الطارق 17). وقوله سبحانه:
هَيْهاتَ هَيْهاتَ لِما تُوعَدُونَ (المؤمنون 36). وقوله: أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُراباً وَعِظاماً أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ (المؤمنون 35)، وقوله: فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (الشرح 5، 6)، وكثيرا ما تقترن الجملة الثانية بثم، كما في قوله تعالى: وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ ثُمَّ ما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ (الانفطار 17، 18).
ومنه تأكيد الضمير المنفصل بمثله، كما قال تعالى: الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (النمل 3). وتأكيد الضمير المتصل بالمنفصل، فى قوله سبحانه: قالُوا يا مُوسى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ (الأعراف 115)، وفي تأكيدهم ما يشعر بثقتهم بأنفسهم، وقوله تعالى: قُلْنا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى (طه 68). وفي ذلك تثبيت قلب موسى وبعث الطمأنينة إليه.
ومنه تأكيد الفعل بمصدره، ويكون ذلك في الأمور التى يتوهم فيها المجاز، فيأتى الفعل لرفع هذا التوهم، وتأمل ذلك في قوله تعالى: وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيماً (النساء 104)، فقد يطلق الكلام على الإيحاء، وينصرف الذهن إليه، فجاء المصدر لإزالة هذا التوهم.
وقوله تعالى: إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ لَواقِعٌ ما لَهُ مِنْ دافِعٍ يَوْمَ تَمُورُ السَّماءُ مَوْراً وَتَسِيرُ الْجِبالُ سَيْراً (الطور 7 - 10). أو لا ترى أن اضطراب السماء، وسير الجبال، مما قد تتردد النفس في قبوله، فجىء بالمصدر تأكيدا لوقوعه. وقد يؤكد الفعل بمصدر فعل آخر نيابة عن المصدر، كما في قوله تعالى: وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا (الجن 8). وفي ذلك دلالة على ما للتبتيل من أثر في استجلاب رضوان الله، فأمر به مؤكدا، ولعل السر فى العدول إلى هذا المصدر، هو المحافظة على النغمة الموسيقية للآية.
ومن ألوان التوكيد أن يكون في الجملة أداة من أدوات التوكيد، وهى إن، وأن، ولام الابتداء، والقسم، وألا الاستفتاحية، وهاء التنبيه، وكأن في تأكيد التشبيه، وضمير الشأن، وضمير الفصل، وقد، والسين، وسوف، والنونان في تأكيد الفعل، ودخول الأحرف الزائدة في الجملة، وتؤكد الجملة بذلك لتثبيت معناها وتوطيده في النفس، وكلما كان هذا المعنى مجالا للشك أو الإنكار، كان موضع التوكيد أنسب وأقوى، كما ذكرنا.
وقد يؤكد القرآن أمرا هو من البداهة بمكان، لأنه يرمى من وراء ذلك إلى هدف هام، تتبينه النفس عند ما تتدبر أمر هذا التوكيد، لترى ما موقعه، ولم كان، وتأمل قوله تعالى: ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذلِكَ لَمَيِّتُونَ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ تُبْعَثُونَ (المؤمنون 15، 16). فلما كان تماديهم في الضلال يصرفهم عن التفكير المستقيم، المؤدى إلى الإيمان، بالله ورسله، واليوم الآخر، وكانت هذه الغفلة تلفتهم عن التفكير في مصيرهم، فكأنهم مخلدون لا يصيبهم موت ولا فناء- أكد نزول الموت بهم تأكيدين ليفكروا فيه، وفيما يتطلبه نزوله بهم، من عمل صالح ينفعهم بعد هذا الموت.
وقد يكون تقوية التوكيد لقصد الترغيب، كما ترى ذلك في قوله تعالى: ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (البقرة 54)، فتأكيد هذه الصفة بأربعة تأكيدات، لترغيب العباد في التوبة، والرجوع إلى الله سبحانه.
تدخل إن في الكلام، ففضلا عن تأكيدها لمعنى الجملة، تربط ما بعدها بما قبلها. قال عبد القاهر: «هل شىء أبين في الفائدة، وأدل على أن ليس سواء دخولها وألا تدخل من أنك ترى الجملة إذا هى دخلت، ترتبط بما قبلها وتأتلف معه، وتتحد به، حتى كأن الكلامين قد أفرغا إفراغا واحدا وكأن أحدهم قد سبك فى الآخر، هذه هى الصورة، حتى إذا جئت إلى إن فأسقطتها، رأيت الثانى مبهما قد نبا عن الأول، وتجافى معناه عن معناه، ورأيته لا يتصل به، ولا يكون منه بسبيل، حتى تجىء بالفاء .. ثم لا ترى الفاء تعيد الجملتين إلى ما كانتا عليه من الألفة، وترد عليك الذى كنت تجد بإن من المعنى، وهذا الضرب كثير من التنزيل جدا، من ذلك قوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (الحج 1)، وقوله عز اسمه: يا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ إِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (لقمان 17)، وقوله سبحانه: خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ (التوبة 103)، ومن أبين ذلك قوله تعالى:
وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (هود 37). وقد يتكرر في الآية الواحدة، كقوله عز اسمه: وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا ما رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (يوسف 53)، وهى على الجملة من الكثرة، بحيث لا يدركها الإحصاء». وإنما تقع إن موضع الفاء، إذا كانت جملتها توضح ما قبلها، وتبين وجه الفائدة فيه، كتلك الآيات التى أوردها عبد القاهر، فقوله تعالى: إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (الحج 1). يبين سبب أمرهم بالتقوى في قوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ (الحج 1)، وكذلك إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ (التوبة 103). بيان للسبب في طلب الصلاة لهم من النبى، ولكن ذلك لا يطرد في كل موضع، بل هناك ما لا يحصى من الجمل التى لا تقتضى الفاء، كقوله تعالى: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقامٍ أَمِينٍ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (الدخان 51، 52). فقبله إِنَّ هذا ما كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ (الدخان 50)، ولو أنك قلت:
«إن هذا ما كنتم به تمترون، إن المتقين في جنات وعيون» لم يكن كلاما ، وقوله تعالى: لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَهُمْ فِيها لا يَسْمَعُونَ إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ (الأنبياء 100، 101). فلو أتينا مكان إن بالفاء لم تجد لها وجها، كما أنه لا يجوز المجيء بالفاء مكان إن في قوله سبحانه: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصارى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ (الحج 17).
وقوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا (الكهف 30).
لأن جملة إن الثانية خبر عن الأولى في الآيتين، والخبر لا يجوز عطفه على المبتدأ.
قال عبد القاهر : «ومن خصائصها أنك ترى لضمير الأمر والشأن معها من الحسن واللطف، ما لا تراه إذا هى لم تدخل عليه، بل تراه لا يصلح حيث يصلح إلا بها، وذلك في مثل قوله: إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (التوبة 120).
وقوله: أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ (التوبة 63). وقوله: أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ (الأنعام 54). وقوله: إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ (المؤمنون 117).
وقوله: فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ (الحج 46).
فإن قلت أو ليس قد جاء ضمير الأمر مبتدأ به معرى من العوامل في قوله تعالى: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (الإخلاص 1). قيل: هو، وإن جاء هنا فإنه لا يكاد يوجد مع الجملة مع الشرط والجزاء، بل تراه لا يجيء إلا بإن، على أنهم قد أجازوا في قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ألا يكون الضمير للأمر».
ولما كان جواب السؤال والجمل التى تلقى في مواضيع الجدل مما يحتاج إلى إقراره في نفس السائل والمجادل وتثبيته في قلبهما، كانت الجملة التى تقع جوابا من المواضع التى تجىء فيها إن، كما في قوله تعالى: وَيَسْئَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ (الكهف 83، 84). وقوله تعالى: فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (الشعراء 216). وقوله تعالى: قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ (الأنعام 56). فإذا كان الكلام جواب منكر حشد له أكثر من أداة واحدة للتوكيد.
وقد تدخل إن للدلالة على أن المتكلم كان يظن أمرا فحدث خلافه، فيأتى بهذا التوكيد ليرد على نفسه ظنه، وكأنه يريد لهذه النفس أن يستقر فيها هذا النبأ الجديد الذى لم تكن تتوقعه، بل تتوقع سواه، وكأنها تريد أن تخلى مكانا من القلب قد شغل بخاطر، لتحل فيه خاطرا جديدا، وتأمل قوله تعالى حكاية عن أم مريم: قالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ (آل عمران 36). فأم مريم كان الأمل يملأ قلبها في أن تلد ذكرا نذرته لله، ولطول ما شغلها هذا الأمل تجسم في خيالها، حتى صار كأنه حقيقة واقعة، فلما وضعت مريم فوجئت، فأرادت أن تقر هذا الأمر الجديد في قلبها، حتى تروض نفسها عليه، وتستسلم لما كان. وكذلك قوله تعالى: حكاية عن نوح عليه السلام: قالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ (الشعراء 117). فلم يكن نوح يتوقع أن يكذبه قومه، وقد جاءهم من ربهم بالنور والهدى، فكان تكذيبهم صدمة له يريد أن يوطن عليها نفسه.
والتأكيد بإن أقوى من التوكيد باللام المؤكدة، واللام المؤكدة هى لام الابتداء فى قوله تعالى: لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ (الحشر 13). وقوله سبحانه: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (القلم 4). وقوله تعالى: إِنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى وَإِنَّ لَنا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولى (الليل 12، 13). ولام القسم، كما في قوله تعالى: قالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَــكَ اللَّهُ عَلَيْنا. (يوسف 91).
وهنا نقف عند قوله تعالى: وَيَقُولُ الْإِنْسانُ أَإِذا ما مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا (مريم 66).
فقد يبدو أن اللام لا موضع لها هنا لأن الإنسان المتحدث منكر للبعث. ولكن التأمل يبين أن هذا الإنسان المنكر إنما يحكى ما حدثه به الرسول حين أكد له هذا البعث.
ومن أمثلة «ألا» التنبيهية التى تفيد التوكيد قوله تعالى: أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ وَلكِنْ لا يَعْلَمُونَ (البقرة 13) وقوله سبحانه: أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ (هود 8). ومن أمثلة «ها» التنبيهية، ولم ترد في القرآن إلا داخلة على ضمير المخاطبين المخبر عنه باسم الإشارة- قوله تعالى: ها أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ (آل عمران 119).
ويبدو لى أن منشأ التوكيد في البدء بهاتين الأداتين يعود إلى ما فيهما من تنبيه السامع إلى ما سيرد بعدهما من أخبار، وتهيئته لسماعها، وذلك لا يكون إلا حيث يعتنى بهذه الأخبار، لتستقر في النفس ونثبت بها.
ويفيد ضمير الشأن التوكيد من ناحية أنه يثير النفس، ويدفعها إلى معرفة المراد منه، فإذا جاء تفسيره استقر هذا التفسير في النفس، وتأكد فيها، وليس بكثير استخدام هذا الضمير في القرآن، وإنما يكون في المواضع التى يراد بها تعظيم أمر وتفخيمه عن طريق إبهامه ثمّ إيضاحه. ومن أمثلته قوله تعالى: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (الإخلاص 1). وفَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (الحج 46). وفَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا (الأنبياء 97).
أما ضمير الفصل فهو كثير في القرآن، ومن أمثلته قوله تعالى: وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكى وَأَنَّهُ هُوَ أَماتَ وَأَحْيا وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى مِنْ نُطْفَةٍ إِذا تُمْنى وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرى وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنى وَأَقْنى وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرى وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عاداً الْأُولى وَثَمُودَ فَما أَبْقى وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغى (النجم 43 - 52).
وقد استخدم القرآن هنا ضمير الفصل في الأفعال التى هى مظنة الاشتراك، كما ترى ذلك في جملة الإضحاك والإبكاء، والإماتة والإحياء والإغناء والإقناء، أما حيث لا تدعى الشركة فلا حاجة إلى هذا الضمير، كما ترى في جمل خلق الزوجين، والنشأة الأخرى، وإهلاك عاد الأولى.
ومن ذلك قوله تعالى: قالَ أَفَرَأَيْتُمْ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ أَنْتُمْ وَآباؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعالَمِينَ الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (الشعراء 75 - 82)، وترى هنا ما رأيته في الآية الماضية من المجيء بضمير الفصل حيث يتوهم في الفعل شركة، كما في الهداية والإطعام والشفاء، أما حيث لا تتوهم تلك الشركة فلا يأتى ضمير الفصل كما في الخلق والإماتة والإحياء.
ويقوى التوكيد في ضمير الفصل حتى يدل على القصر والاختصاص، كما ترى ذلك في الآيتين السالفتين، فإن ضمير الفصل نفى الشركة، وجعل الفعل خاصا بالله وحده، وتلمس القصر الذى أفاده ضمير الفصل في قوله سبحانه على لسان عيسى: ما قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (المائدة 117)، فبعد وفاة عيسى لم يكن الرقيب عليهم سوى الله وحده.
هذا وقد تحدث البلاغيون طويلا فيما تفيده الباء الزائدة في خبر ما، وليس، من تأكيد في الجملة، منشؤه ما للباء الزائدة من معان، منها المصاحبة، ففي قوله تعالى: وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (البقرة 144). وقوله تعالى: وَلَيْسَ بِضارِّهِمْ شَيْئاً إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ (المجادلة 10). ترى هذه الباء قد نفت كل صلة تربط بين الله والغفلة، فى الآية الأولى، وبين السحر والضير في الآية الثانية، فلا صحبة بينهما ولا تلاق.
... وكرر القرآن في سورة الرحمن نيفا وثلاثين مرة قوله تعالى: فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (الرحمن 16). متسائلا عما يستطيع أن ينكره الجن والإنس مما أولاهما الله من نعم، فلعل في هذا السؤال المتكرر ما يثير في نفس سامعيه اليقين بأنه ليس من الصواب نكران نعم تكررت وآلاء توالت.
وهنا يحسن أن أقف مشيرا إلى ما قد يبدو حينا من أن لا وجه لهذا التساؤل بعد بعض آيات السورة، كما يتراءى ذلك في قوله سبحانه وتعالى: كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (الرحمن 26 - 28)، فأى نعمة يذكر بها الجن والإنس في فناء هذا العالم؟
ولكن تأملا في هذه الآيات وما ورد من هذا السؤال بعد وصف اليوم الآخر وأهواله، يدل على أن مثل هذا السؤال سيوجه بعد فناء هذا العالم، فكأن القرآن يقرر أن سيلقى مثل هذا السؤال، يوم تنشق السماء، ويوم يعرف المجرمون بسيماهم، أفلا يجدر بالمرء أن يفكر طويلا، كما أوحى القرآن بذلك، فى تلك الآلاء والنعم، فيقوم بواجب الإيمان بالنعم وشكرها، حتى لا يقف موقف الجاحد لهذه النعم يوم يحاسب الله الثقلين.
وكررت في سورة المرسلات تلك الجملة المنذرة، وهى قوله تعالى: وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (المرسلات 19)، وإذا نظرنا إلى هذه السورة، وجدناها تتحدث عن وقوع اليوم الآخر، وتصفه، فلا جرم كرر هذا الإنذار عقب كل وصف له، أو فعل يقع فيه، أو عمل من الله يدل على قدرة، يحيى بها الناس بعد موتهم، وفي هذا التكرير ما يوحى بالرهبة، ويملأ القلب رعبا من التكذيب بهذا اليوم الواقع بلا ريب.
وفي سورة الشعراء، كررت الآية الكريمة، وهى قوله تعالى: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (الشعراء 8، 9). ثمانى مرات وكانت متمكنة من موضعها في كل مكان حلت فيه، فقد جاءت في هذه السورة أولا، بعد أن وجه القرآن نظرهم إلى الأرض، أو ليس فيما تنبته من كل زوج بهيج ما يثير فى النفس التأمل لمعرفة خالق الأرض ومحييها. واستمع إليه سبحانه يقول:
أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (الشعراء 7 - 9).
ويكرر الآية في موضع آخر، تحدث فيه عن انفلاق البحر لموسى، ونجاته، وغرق فرعون، وتلك آية من أكبر دلائل قدرته سبحانه، فهى جديرة بتسجيلها والإشارة إليها. قال تعالى: فَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ وَأَزْلَفْنا ثَمَّ الْآخَرِينَ وَأَنْجَيْنا مُوسى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (الشعراء 63 - 68).
وكررت تلك الآية ست مرات أخرى عقب كل ما يجدر أن يكون عظة يعتبر بها، كتصوير جند إبليس، وقد كبكبوا في جهنم، وأخذوا يختصمون فيما بينهم، ويقررون أنهم كانوا في ضلالة وعمى، ويتمنون لو عادوا ليصلحوا ما أفسدوه، أو ليس في ذلك من العظة ما ينهى عن مثل هذا المصير.
وكررها كذلك عقب قصة صالح ولوط وشعيب، لأن مصير أقوامهم حقيق بأن تتلقى منه العظات والعبر، وكأن تلك الآية المكررة تشير إلى مرحلة من القول، يحسن الوقوف عندها والتريث لتدبرها، وتأمل ما تحوى من دروس تستفاد مما مضى من حوادث التاريخ.
وختم الآية بوصفه تعالى بالعزة والرحمة فيه كل المناسبة للحديث عن مصير الكافر والمؤمن، فهو عزيز يعاقب الكافر، ورحيم بمن آمن.
وتجد الآية التى كررت في سورة القمر، وهى قوله سبحانه: وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (القمر 17 و 22 و 32 و 40) - منبهة في كل موضع وردت فيه، إلى أن ما سيأتى بعدئذ مما عنى القرآن بالحديث عنه، تذكرة وعظة، وهو لذلك جدير بالتأمل الهادئ والتدبر والادكار.
وقد يحدث التكرير في آيتين متواليتين، كما في قوله سبحانه: لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيداً وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا (النساء 131، 132). وذلك لتثبيت الإيمان بغنى الله عن عبادة العابد، في قلوب الناس، ليقبلوا على العبادة مؤمنين بأنها لخيرهم وحدهم، بل قد يكون التكرير في الآية الواحدة وذلك لتثبيت المكرر في النفس، كما في قوله:
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (الحشر 18)، وقوله تعالى: وَإِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفاكِ عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ (آل عمران 42).
ويوحى التكرير في سورة «الكافرون» باليأس إلى قلوب من كفر من أن ينصرف الرسول عن دينه إلى ما كان يعبد هؤلاء الكفرة، فليتدبروا أمرهم بينهم مليّا، ليروا سر هذا الإصرار من محمد، فعساهم يدركون أن هذا السر هو أن الرسول على حق، فيما يدعو إليه، فلم ينصرف عنه إلى أديان لا سند لها من الصواب والحق.

علم أسماء الرجال

علم أسماء الرجال
يعني: رجال الأحاديث.
فإن العلم بها نصف علم الحديث، كما صرح به العراقي في: (شرح الألفية)، عن علي بن المديني، فإنه سند، ومتن السند عبارة عن: الرواة، فمعرفة أحوالها، نصف العلم على ما لا يخفى.
والكتب المصنفة فيه على أنواع:
منها: (المؤتلف والمختلف).
لجماعة يأتي ذكرهم في: الميم؛ كالدارقطني، والخطيب البغدادي، وابن ماكولا، وابن نقطة؛ ومن المتأخرين: الذهبي، والمزي، وابن حجر، وغيرهم.
ومنها: (الأسماء والكنى) معا.
صنف فيه: الإمام مسلم، وعلي ابن المديني، والنسائي، وأبو بشر الدولابي، وابن عبد البر.
لكن أحسنها ترتيبا: كتاب الإمام، أبي عبد الله: الحاكم، وللذهبي: (المقتنى في سرد الكنى).
وسيأتي.
ومنها: (الألقاب).
صنف فيه: أبو بكر الشيرازي.
وأبو الفضل الفلكي.
سماه: (منتهى الكمال).
وسيأتي.
وابن الجوزي.
ومنها: (المتشابه).
صنف فيه: الخطيب كتابا.
سماه: (تلخيص المتشابه).
ثم: ذيله بما فاته.
ومنها: (الأسماء المجردة، عن الألقاب والكنى).
صنف فيه: أيضا غير واحد.
فمنهم: من جمع التراجم مطلقا، كابن سعد في: (الطبقات) ؛ وابن أبي خيثمة: أحمد بن زهير؛ والإمام، أبي عبد الله البخاري في: (تاريخهما).
ومنهم: من جمع الثقات، كابن حبان، وابن شاهين.
ومنهم: من جمع الضعفاء، كابن عدي.
ومنهم: من جمع كليهما: جرحا، وتعديلا.
وسيأتي في: الجيم.
ومنهم: من جمع رجال البخاري، وغيره، من أصحاب الكتب الستة، والسنن، على ما بين في هذا المحل.
علم أسماء الرجال
يعني رجال الأحاديث فإن العلم بها نصف علم الحديث كما صرح به العراقي في شرح الألفية عن علي بن المديني فإنه سند ومتن.
والسند: عبارة عن الرواة فمعرفة أحوالها نصف علم الحديث على ما لا يخفى والكتب المصنفة فيه على أنواع منها: المؤتلف والمختلف لجماعته كالدارقطني والخطيب البغدادي وابن ماكولا وابن نقطة ومن المتأخرين الذهبي والمزني وابن حجر وغيرهم. ومنها: الأسماء المجردة عن الألقاب والكنى معا صنف فيه الإمام مسلم وعلي بن المديني والنسائي وأبو بشر الدولابي وابن عبد البر لكن أحسنها ترتيبا كتاب الإمام أبي عبد الله الحاكم وللذهبي المقتنى في سرد الكنى.
ومنها: الألقاب صنف فيه أبو بكر الشيرازي وأبو الفضل الفلكي سماه منتهى الكمال وابن الجوزي ومنها: المتشابه صنف فيه الخطيب كتابا سماه تلخيص المتشابه ثم ذيله بما فاته.
ومنها: الأسماء المجردة عن الألقاب والكنى صنف فيه أيضا غير واحد فمنهم من جمع التراجم مطلقا كابن سعد في الطبقات وابن أبي حيثمة أحمد بن زهير والإمام أبي عبد الله البخاري في تاريخهما ومنهم من جمع الثقات كابن حبان وابن شاهين.
ومنهم من جمع رجال الضعفاء كابن عدي ومنهم من جمع كليهما جرحا وتعديلا.
ومنهم من جمع رجال البخاري وغيره من أصحاب الكتب الستة والسنن على ما بين في هذا المحل وقد ذكرنا كتب أسماء الرجال على ترتيب حروف الهجاء في كتابنا اتحاف النبلاء المتقين بإحياء مــآثر الفقهاء المحدثين.

علم الحديث الشريف

علم الحديث الشريف
ويسمى ب: علم الرواية والأخبار أيضا على ما في: مجمع السلوك ويسمى جملة: علم الرواية والأخبار: علم الأحاديث. انتهى فعلى هذا علم الحديث يشتمل على علم الآثار أيضا بخلاف ما قيل فإنه لا يشمله والظاهر أن هذا مبني على عدم إطلاق الحديث على أقوال الصحابة وأفعالهم على ما عرف وهو الحق ولا حجة في قول أحد إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعلم الحديث هو: علم يعرف به أقوال النبي - صلى الله عليه وسلم - وأفعاله وأحواله فاندرج فيه معرفة موضوعه.
وأما غايته: فهي الفوز بسعادة الدارين كذا في: الفوائد الخاقانية.
وهو ينقسم إلى: العلم برواية الحديث وهو: علم يبحث فيه عن كيفية اتصال الأحاديث بالرسول - عليه الصلاة والسلام - من حيث أحوال رواتها ضبطا وعدالة ومن حيث كيفية السند اتصالا وانقطاعا وغير ذلك وقد اشتهر بأصول الحديث كما سبق.
وإلى: العلم بدراية الحديث وهو: علم باحث عن المعنى المفهوم من ألفاظ الحديث وعن المراد منها مبنيا على قواعد العربية وضوابط الشريعة ومطابقا لأحوال النبي - صلى الله عليه وسلم
وموضوعه: أحاديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - من حيث دلالتها على المعنى المفهوم أو المراد.
وغايته: التحلي بالآداب النبوية والتخلي عما يكرهه وينهاه.
ومنفعته: أعظم المنافع كما لا يخفى على المتأمل.
ومبادئه: العلوم العربية كلها ومعرفة القصص والأخبار المتعلقة بالنبي - صلى الله عليه وسلم - ومعرفة الأصلين والفقه وغير ذلك كذا في: مفتاح السعادة و: مدينة العلوم.
والصواب: ما ذكر في: الفوائد إذ الحديث أعم من القول والفعل والتقرير كما حقق في محله.
وفي: كشاف اصطلاحات الفنون: علم الحديث: علم تعرف به أقوال رسول الله - صلى الله عليه وسلم – وأفعاله.
أما أقواله: فهي الكلام العربي فمن لم يعرف حال الكلام العربي فهو بمعزل عن هذا العلم وهو كونه حقيقة ومجازا وكناية وصريحا وعاما وخاصا ومطلقا ومقيدا ومنطوقا ومفهوما ونحو ذلك مع كونه على قانون العربية الذي بينه النحاة بتفاصيله وعلى قواعد استعمال العرب وهو المعبر بعلم اللغة
وأما أفعاله: فهي الأمور الصادرة عنه التي أمرنا باتباعه فيها أولا: كالأفعال الصادرة عنه طبعا أو خاصة كذا في: العيني شرح صحيح البخاري و: زاد الكرماني وأحواله.
ثم في العيني وموضعه ذات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من حيث أنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم ومبادئه: هي ما تتوقف عليه المباحث وهي: أحوال الحديث وصفاته
ومسائله: هي الأشياء المقصودة منه وغايته: الفوز بسعادة الدارين. انتهى.
قال ابن الأثير في: جامع الأصول: علوم الشريعة تنقسم إلى: فرض ونفل والفرض: ينقسم إلى: فرض عين وفرض كفاية.
ومن أصول فروض الكفايات علم أحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وآثار أصحابه التي هي ثاني أدلة الأحكام وله أصول وأحكام وقواعد واصطلاحات ذكرها العلماء وشرحها المحدثون والفقهاء يحتاج طالبه إلى معرفتها والوقوف عليها بعد تقديم معرفة اللغة الإعراب اللذين هما أصل المعرفة الحديث وغيره لورود الشريعة المطهرة على لسان العرب وتلك الأشياء كالعلم بالرجال وأساميهم وأنسابهم وأعمارهم ووقت وفاتهم والعلم بصفات الرواة وشرائطهم التي يجوز معها قبول روايتهم والعلم بمستند الرواة وكيفية أخذهم الحديث وتقسيم طرقه والعلم بلفظ الرواة وإيرادهم ما سمعوه واتصاله إلى من يأخذه عنهم وذكر مراتبه والعلم بجواز نقل الحديث بالمعنى ورواية بعضه والزيادة فيه والإضافة إليه بما ليس منه وانفراد الثقة بزيادة فيه والعلم بالمسند وشرائطه والعالي منه والنازل والعلم بالمرسل وانقسامه إلى المنقطع والموقوف والمعضل وغير ذلك لاختلاف الناس في قبوله ورده والعلم بالجرح والتعديل وجوازهما ووقوعهما وبيان طبقات المجروحين والعلم بأقسام الصحيح من الحديث والكذب وانقسام الخبر إليهما وإلى الغريب والحسن وغيرهما والعلم بأخبار التواتر والآحاد والناسخ والمنسوخ وغير ذلك مما توافق عليه أئمة أهل الحديث وهو بينهم متعارف فمن أتقنها أتى دار هذا العلم من بابها وأحاط بها من جميع جهاتها وبقدر ما يفوته منها تزل درجته وتنحط رتبته إلا أن معرفة التواتر والآحاد والناسخ والمنسوخ وإن تعلقت بعلم الحديث إن المحدث لا يفتقر إليه لأن ذلك من وظيفة الفقيه لأنه يستنبط الأحكام من الأحاديث فيحتاج إلى معرفة التواتر والآحاد والناسخ والمنسوخ فأما المحدث فوظيفته أن ينقل ويروي ما سمعه من الأحاديث كما سمعه فإن تصدى لما رواه فزيادة في الفضل.
وأما مبدأ جمع الحديث وتأليفه وانتشاره فإنه لما كان من أصول الفروض وجب الاعتناء به والاهتمام بضبطه وحفظه ولذلك يسر الله - سبحانه وتعالى - للعلماء الثقات الذين حفظوا قوانينه وأحاطوا فيه فتناقلوه كابرا عن كابر وأوصله كما سمعه أول إلى آخر وحيه الله تعالى إليهم لحكمة حفظ دينه وحراسة شريعته فما زال هذا العلم من عهد الرسول عليه الصلاة والسلام أشرف العلوم وأجلها لدى الصحابة والتابعين وتابعي التابعين خلفا بعد سلف لا يشرف بينهم أحد بعد حفظ كتاب الله - سبحانه وتعالى - إلا بقدر ما يحفظ منه ولا يعظم في النفوس إلا بحسب ما يسمع من الحديث عنه فتوفرت الرغبات فيه فما زال لهم من لدن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى أن انعطفت الهمم على تعلمه حتى لقد كان أحدهم يرحل المراحل ويقطع الفيافي والمفاوز ويجوب البلاد شرقا وغربا في طلب حديث واحد ليسمعه من راويه.
فمنهم من يكون الباعث له على الرحلة طلب ذلك الحديث لذاته ومنهم من يقرن بتلك الرغبة سماعه من ذلك الراوي بعينه إما لثقته في نفسه وإما لعلو إسناده فانبعثت العزائم إلى تحصيله.
وكان اعتمادهم أولا على الحفظ والضبط في القلوب غير ملتفتين إلى ما يكتبونه محافظة على هذا العلم كحفظهم كتاب الله - سبحانه وتعالى - فلما انتشر الإسلام واتسعت البلاد وتفرقت الصحابة في الأقطار ومات معظمهم قل الضبط احتاج العلماء إلى تدوين الحديث وتقييده بالكتابة ولعمري إنها الأصل فإن الخاطر يغفل والقلم يحفظ فانتهى الأمر إلى زمن جماعة من الأئمة مثل عبد الملك بن جريج ومالك بن أنس وغيرهما فدونوا الحديث حتى قيل:
إن أول كتاب صنف في الإسلام كتاب ابن جريج وقيل: موطأ مالك بن أنس وقيل: إن أول من صنف وبوب الربيع بن صبيح بالبصرة ثم انتشر جمع الحديث وتدوينه وتسطيره في الأجزاء والكتب. وكثر ذلك وعظم نفعه إلى زمن الإمامين أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري وأبي الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري فدونا كتابيهما وأثبتا فيهما من الأحاديث ما قطعا بصحته وثبت عندهما نقله وسميا الصحيحين من الحديث ولقد صدقا فيما قالا والله مجازيهما عليه ولذلك رزقهما الله تعالى حسن القبول شرقاً وغرباً.
ثم ازداد انتشار هذا النوع من التصنيف وكثر في الأيدي وتفرقت أغراض الناس وتنوعت مقاصدهم إلى أن انقرض ذلك العصر الذي قد اجتمعوا واتفقوا فيه مثل: أبي عيسى محمد بن عيسى الترمذي ومثل: أبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني وأبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي وغيرهم فكان ذلك العصر خلاصة العصور في تحصيل هذا العلم وإليه المنتهى.
ثم نقص ذلك الطلب وقل الحرص وفترت الهمم فكذلك كل نوع من أنواع العلوم والصنائع والدول وغيرها فإنه يبتدئ قليلا قليلا ولا يزال ينمو ويزيد إلى أن يصل إلى غاية هي منتهاه ثم يعود وكأن غاية هذا العلم انتهت إلى البخاري ومسلم ومن كان في عصرها ثم نزل وتقاصر إلى ما شاء الله.
ثم إن هذا العلم على شرفه وعلو منزلته كان علما عزيزا مشكل اللفظ أو المعنى ولذلك كان الناس في تصانيفهم مختلفي الأغراض
فمنهم من قصر همته على تدوين الحديث مطلقا ليحفظ لفظه ويستنبط منه الحكم كما فعله عبد الله بن موسى الضبي وأبو داود الطيالسي وغيرهما أولا.
وثانيا: أحمد بن حنبل ومن بعده فأنهم أثبتوا الأحاديث من مسانيد رواتها فيذكرون مسند أبي بكر الصديق رضي الله عنه ويثنون فيه كل ما رووا عنه ثم يذكرون بعده الصحابة واحدا بعد واحد على هذا النسق.
ومنهم: من يثبت الأحاديث في الأماكن التي هي دليل عليها فيضعون لكل حديث بابا يختص به فإن كان في معنى الصلاة ذكروه في باب الصلاة وإن كان في معنى الزكاة ذكروه فيها كما فعل مالك في الموطأ إلا أنه لقلة ما فيه من الأحاديث قلت أبوابه ثم اقتدى به من بعده. فلما انتهى الأمر إلى زمن البخاري ومسلم وكثرت الأحاديث المودعة في كتابيهما كثرت أبوابهما واقتدى بهما من جاء بعدهما وهذا النوع أسهل مطلبا من الأول لأن الإنسان قد يعرف المعنى وإن لم يعرف رواية بل ربما لا يحتاج إلى معرفة رواية فإذا أراد حديثا يتعلق بالصلاة طلبه من كتاب الصلاة لأن الحديث إذا أورد في كتاب الصلاة علم الناظر أن ذلك الحديث هو دليل ذلك الحكم فلا يحتاج أن يفكر فيه بخلاف الأول.
ومنهم من استخرج أحاديث تتضمن ألفاظ لغوية ومعاني مشكلة فوضع لها كتابا قصره على ذكر متن الحديث وشرح غريبه وإعرابه ومعناه ولم يتعرض لذكر الأحكام كما فعل أبو عبيد القاسم بن سلام وأبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة وغيرهما.
ومنهم من أضاف إلى هذا الاختيار ذكر الأحكام وآراء الفقهاء مثل: أبي سليمان أحمد بن محمد الخطابي في معالم السنن وأعلام السنن وغيره من العلماء.
ومنهم من قصد ذكر الغريب دون متن الحديث واستخراج الكلمات الغريبة ودونها ورتبها وشرحها كما فعل أبو عبيد أحمد بن محمد الهروي وغيره من العلماء.
ومنهم من قصد إلى استخراج أحاديث تتضمن ترغيبا وترهيبا وأحاديث تتضمن أحكاما شرعية غير جامعة فدونها وأخرج متونها وحدها كما فعله أبو محمد الحسين بن مسعود والبغوي في المصابيح وغير هؤلاء
ولما كان أولئك الأعلام هم السابقون فيه لم يأت صنيعهم على أكمل 2 / 225 الأوضاع فإن غرضهم كان أولا حفظ الحديث مطلقا وإثباته ودفع الكذب عنه والنظر في طرقه وحفظ رجاله وتزكيتهم واعتبار أحوالهم والتفتيش عن أمورهم حتى قدحوا وجرحوا وعدلوا وأخذوا وتركوا هذا بعد الاحتياط والضبط والتدبر فكان هذا مقصدهم الأكبر وغرضهم الأوفى ولم يتسع الزمان لهم والعمر لأكثر من هذا الغرض الأعم والمهم الأعظم ولا رأوا في أيامهم أن يشتغلوا بغيره من لوازم هذا الفن التي هي كالتوابع بل ولا يجوز لهم ذلك فإن الواجب أولا إثبات الذات ثم ترتيب الصفات والأصل إنما هو عين الحديث ثم ترتيبه وتحسين وضعه ففعلوا ما هو الغرض المتعين واخترمتهم المنايا قبل الفراغ والتخلي لما فعله التابعون لهم والمقتدون بهم فتعبوا الراحة من بعدهم.
ثم جاء الخلف الصالح فأحبوا أن يظهروا تلك الفضيلة ويشيعوا هذه العلوم التي أفنوا أعمارهم في جمعها إما بإيداع ترتيب أو بزيادة تهذيب أو اختصار أو تقريب أو استنباط حكم وشرح غريب.
فمن هؤلاء المتأخرين من جمع بين كتب الأولين بنوع من التصرف والاختصار كمن جمع بين كتابي البخاري ومسلم مثل: أبي بكر أحمد بن محمد الرماني وأبو مسعود إبراهيم بن محمد بن عبيد الدمشقي وأبي عبد الله محمد الحميدي فإنهم رتبوا على المسانيد دون الأبواب.
وتلاهم أبو الحسن رزين بن معاوية العبدري فجمع بين كتب البخاري ومسلم والموطأ لمالك وجامع الترمذي وسنن أبي داود والنسائي ورتب على الأبواب إلا أن هؤلاء أودعوا متون الحديث عارية من الشرح وكان كتاب رزين أكبرها وأعمها حيث حوى هذه الكتب الستة التي هي أم كتب الحديث وأشهرها وبأحاديثها أخذ العلماء واستدل الفقهاء وأثبتوا الأحكام ومصنفوها أشهر علماء الحديث وأكثرهم حفظا وإليهم المنتهى.
وتلاه الإمام أبو السعادات مبارك بن محمد بن الأثير الجزري فجمع بين كتاب رزين وبين الأصول الستة بتهذيبه ترتيب أبوابه وتسهيل مطالبه وشرح غريبه في جامع الأصول فكان أجمع ما جمع فيه.
ثم جاء الحافظ جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي فجمع بين الكتب الستة والمسانيد العشرة وغيرها في جمع الجوامع فكان أعظم بكثير من جامع الأصول من جهة المتون إلا أنه لم يبال بما صنع فيه من جمع الأحاديث الضعيفة بل الموضوعة.
وكان أول ما بدأ به هؤلاء المتأخرون أنهم حذفوا الأسانيد اكتفاء بذكر من روى الحديث من الصحابي إن كان خبرا وبذكر من يرويه عن الصحابي إن كان أثرا والرمز إلى المخرج لأن الغرض ممن ذكر الأسانيد كان أولا إثبات الحديث وتصحيحه وهذه كانت وظيفة الأولين وقد كفوا تلك المؤنة فلا حاجة بهم إلى ذكر ما فرغوا منه.
ووضعوا الأصحاب الكتب الستة علامة ورمزا بالحروف.
فجعلوا البخاري خ لأن نسبته إلى بلده أشهر من اسمه وكنيته وليس في حروف باقي الأسماء خاء.
ولمسلم م لأن اسمه أشهر من نسبه وكنيته.
ولمالك طه لأن اشتهار كتابه بالموطأ أكثر.
ولأن الميم أول حروف اسمه وقد أعطوها مسلما وباقي حروفه مشتبه بغيرها.
والترمذي ت لأن اشتهاره بنسبه أكثر.
ولأبي داود د لأن كنيته أشهر من اسمه ونسبه والدال أشهر حروفها وأبعدها من الاشتباه
وللنسائي س لأن نسبه أشهر من اسمه وكنيته والسين أشهر حروف نسبه وكذلك وضعوا لأصحاب المسانيد بالإفراد والتركيب كما هو مسطور في الجامع.
قال في كشاف اصطلاحات الفنون: لأهل الحديث مراتب.
أولها الطلب وهو المبتدئ الراغب فيه.
ثم المحدث وهو الأستاذ الكامل وكذا الشيخ والإمام بمعناه.
ثم الحافظ وهو الذي أحاط علمه بمائة ألف حديث متنا وإسنادا وأحوال رواته جرحا وتعديلا وتاريخاً.
ثم الحجة وهو الذي أحاط علمه بثلاثمائة ألف حديث كذلك قاله ابن المطري.
وقال الجزري: الراوي ناقل الحديث بالإسناد والمحدث من تحمل بروايته واعتنى بدرايته.
والحافظ من روى ما يصل إليه ووعى ما يحتاج إليه انتهى.
قال أبو الخير: اعلم أن قصارى نظر أبناء هذا الزمان في علم الحديث النظر في مشارق الأنوار فإن ترفعت إلى مصابيح البغوي ظننت أنها تصل إلى درجة المحدثين وما ذلك إلا لجهلهم بالحديث بل لو حفظهما عن ظهر قلب وضم إليهما من المتون مثليهما لم يكن محدثا حتى يلج الجمل في سم الخياط وإنما الذي يعده أهل الزمان بالغا إلى النهاية وينادونه محدث المحدثين وبخاري العصر من اشتغل بجامع الأصول لابن الأثير مع حفظ علوم الحديث لابن الصلاح أو التقريب للنووي إلا أنه ليس في شيء من رتبة المحدثين وإنما المحدث من عرف المسانيد والعلل وأسماء الرجال والعالي والنازل وحفظ مع ذلك جملة مستكثرة من المتون وسمع الكتب الستة ومسند الإمام أحمد بن حنبل وسنن البيهقي ومعجم الطبراني وضم إلى هذا القدر ألف جزء من الأجزاء الحديثة هذا أقل فإذا سمع ما ذكرناه وكتب الطبقات ورد على الشيوخ وتكلم في العلل والوفيات والأسانيد كان في أول درجة المحدثين.
ثم يزيد الله - سبحانه وتعالى - من يشاء ما يشاء هذا ما ذكره تاج الدين السبكي
وذكر صدر الشريعة في تعديل العلوم أن مشائخ الحديث مشهورون بطول الأعمار
وذكر السبكي.
في طبقات الشافعية أن أبا سهل قال: سمعت ابن الصلاح يقول: سمعت شيوخنا يقولون: دليل طول عمر الرجل اشتغاله بأحاديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - ويصدقه التجربة فان أهل الحديث إذا تتبعت أعمارهم تجدها في غاية الطول انتهى.
الكتب المصنفة في علم الحديث أكثر من أن تحصى لكن استوعبنا ما وقفنا عليه في كتابنا إتحاف النبلاء المتقين بإحياء مــآثر الفقهاء المحدثين بالفارسية على ترتيب حروف المعجم.
قال في مدينة العلوم لكن اتفق السلف من مشائخ الحديث على أن أصح الكتب بعد كتاب الله تعالى صحيح البخاري وصحيح مسلم وأصحهما صحيح البخاري وهو الإمام شيخ السنة ونور الإسلام وحافظ العصر وبركة الله في أرضه الإمام أبو عبد الله محمد بن إسماعيل الجعفي البخاري رحمه الله كان والي بخارا جعفيا وهو نسبة إلى قبيلة باليمن ونسب البخاري إليها بالولاء.
والإمام مسلم بن الحجاج القشيري البغدادي أحد الأئمة الحفاظ وأعلم المحدثين إمام خراسان في الحديث بعد البخاري.
ومن الصحاح كتاب سنن أبي داود الأزدي السجستاني وكتاب الترمذي وكتاب النسائي
والنووي عدد هذه الخمسة في الأصول إلا أن الجمهور جعلها ستة وعدوا منها كتاب الموطأ لإمام دار الهجرة وقدوة المتقين وأحد الأئمة المجتهدين الإمام مالك بن انس.
وجعل بعضهم كتاب الموطأ بعد الترمذي وقيل النسائي والأصح انه بعد مسلم في الرتبة.
وعد بعضهم بدل الموطأ كتاب ابن ماجة محمد بن يزيد الحافظ القزويني.
واعلم أن المحدثين ألحقوا بالكتب الستة جامع أبي الحسن رزين العبدري صاحب الجمع بين الصحاح وجامع الحميدي بين الصحيحين وجامع البرقاتي لجمعه بينهما وجامع أبي مسعود الدمشقي أيضا لجمعه بين الصحيحين.
ثم اختاروا من المصنفين سبعة وألحقوا كتبهم بالصحاح لعظم نفعها منهم الدارقطني والحاكم أبو عبد الله النيسابوري وأبو محمد عبد الغني الأزدي المصري وأبو نعيم الأصبهاني صاحب الحلية وابن عبد البر حافظ المغرب والبيهقي والخطيب البغدادي انتهى ملخصاً.
فصل في ذكر علوم الحديث
قال ابن خلدون: وأما علوم الحديث فهي كثيرة ومتنوعة لأن منها ما ينظر في ناسخه ومنسوخه وذلك بما ثبت في شريعتنا من جواز النسخ ووقوعه لطفا من الله بعباده وتخفيفا عنهم باعتبار مصالحهم التي تكفل لهم بها قال تعالى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} فإذا تعارض الخبران بالنفي والإثبات وتعذر الجمع بينهما ببعض التأويل وعلم تقدم أحدهما تعين أن المتأخر ناسخ ومعرفة الناسخ والمنسوخ من أهم علوم الحديث وأصعبها.
قال الزهري: أعيا الفقهاء وأعجزهم أن يعرفوا ناسخ حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من منسوخه وكان للشافعي - رحمه الله - قدم راسخة فيه1.
ومن علوم الأحاديث النظر في الأسانيد ومعرفة ما يجب العمل به من الأحاديث بوقوعه على السند الكامل الشروط لأن العمل إنما وجب بما يغلب على الظن صدقه من أخبار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيجتهد في الطريق التي تحصل ذلك الظن وهو بمعرفة رواة الحديث بالعدالة والضبط وإنما يثبت ذلك بالنقل عن أعلام الدين بتعديلهم وبراءتهم من الجرح والغفلة ويكون لنا ذلك دليلا على القبول أو الترك.
وكذلك مراتب هؤلاء النقلة من الصحابة والتابعين وتفاوتهم في ذلك تميزهم فيه واحدا واحدا وكذلك الأسانيد تتفاوت باتصالها وانقطاعها بأن يكون الراوي الذي نقل عنه وبسلامتها من العلل الموهنة لها وتنتهي بالتفاوت إلى الطرفين فحكم بقبول الأعلى ورد الأسفل ويختلف في المتوسط بحسب المنقول عن أئمة الشأن.
ولهم في ذلك ألفاظ اصطلحوا على وضعها لهذه المراتب المرتبة مثل الصحيح والحسن والضعيف والمرسل والمنقطع والمعضل والشاذ والغريب وغير ذلك من ألقابه المتداولة بينهم.
وبوبوا على كل واحد منها ونقلوا ما فيه من الخلاف لأئمة هذا الشأن أو الوفاق.
ثم النظر في كيفية أخذ الرواة بعضهم عن بعض بقراءة أو كتابة أو مناولة أو إجازة وتفاوت رتبها وما للعلماء في ذلك من الخلاف بالقبول والرد ثم أتبعوا ذلك بكلام في ألفاظ تقع في متون الحديث من غريب أو مشكل أو مصحف أو مفترق منها أو مختلف وما يناسب ذلك هذا معظم ما ينظر فيه أهل الحديث وغالبه.
وكانت أحوال نقلة الحديث في عصور السلف من الصحابة والتابعين معروفة عند أهل بلدة فمنهم بالحجاز ومنهم بالبصرة والكوفة من العراق ومنهم بالشام ومصر والجميع معروفون مشهورون في أعصارهم.
وكانت طريقة أهل الحجاز في أعصارهم في الأسانيد أعلى ممن سواهم وأمتن في الصحة لاستبدادهم في شروط النقل من العدالة والضبط وتجافيهم عن قبول المجهول الحال في ذلك.
وسند الطريقة الحجازية بعد السلف الإمام مالك عالم المدينة ثم أصحابه مثل الإمام محمد بن إدريس الشافعي والإمام أحمد بن حنبل وأمثالهم. وكان علم الشريعة في مبدأ هذا الأمر نقلا صرفا شمر لها السلف وتحروا الصحيح حتى أكملوها.
وكتب مالك - رحمه الله - كتاب الموطأ أودعه أصول الأحكام من الصحيح المتفق عليه ورتبه على أبواب الفقه ثم عني الحفاظ بمعرفة طرق الأحاديث وأسانيده المختلفة وربما يقع إسناد الحديث من طرق متعددة عن رواة مختلفين وقد يقع الحديث أيضا في أبواب متعددة باختلاف المعاني التي اشتمل عليها.
وجاء محمد بن إسماعيل البخاري إمام الحدثين في عصره فخرج أحاديث السنة على أبوابها في مسنده الصحيح بجميع الطرق التي للحجازيين والعراقيين والشاميين واعتمد منها ما أجمعوا عليه دون ما اختلفوا فيه وكرر الأحاديث يسوقها في كل باب بمعنى ذلك الباب الذي تضمنه الحديث فتكررت لذلك أحاديثه حتى يقال انه اشتمل على تسعة آلاف حديث ومائتين منها ثلاثة آلاف متكررة وفرق الطرق والأسانيد عليها مختلفة في كل باب.
ثم جاء الإمام مسلم بن الحجاج القشيري - رحمه الله - فألف مسنده الصحيح حذا فيه حذو البخاري في نقل المجمع عليه وحذف المتكرر منها وجمع الطرق والأسانيد وبوبه على أبواب الفقه وتراجمه ومع ذلك فلم يستوعب الصحيح كله وقد استدرك الناس عليهما في ذلك
ثم كتب أبو داود السجستاني وأبو عيسى الترمذي وأبو عبد الرحمن النسائي في السنن بأوسع من الصحيح وقصدوا ما توفرت فيه شروط العمل إما من الرتبة العالية في الأسانيد وهو الصحيح كما هو معروف وإما من الذي دونه من الحسن وغيره ليكون ذلك إماما للسنة. والعمل وهذه هي المسانيد المشهورة في الملة وهي أمهات كتب الحديث في السنة فإنها وإن تعددت ترجع إلى هذه في الأغلب ومعرفة هذه الشروط والاصطلاحات كلها هي علم الحديث وربما يفرد عنها الناسخ والمنسوخ فيجعل فنا برأسه وكذا الغريب وللناس فيه تآليف مشهورة.
ثم المؤتلف والمختلف وقد ألف الناس في علوم الحديث وأكثروا.
ومن فحول علمائه وأئمتهم أبو عبد الله الحاكم وتآليفه فيه مشهورة وهو الذي هذبه وأظهر محاسنه وأشهر كتاب للمتأخرين فيه كتاب أبي عمرو بن الصلاح كان لعهد أوائل المائة السابعة وتلاه محيي الدين النووي بمثل ذلك والفن شريف في مغزاه لأنه معرفة ما يحفظ به السنن المنقولة عن صاحب الشريعة وقد انقطع لهذا العهد تخريج شيء من الأحاديث واستدراكها على المتقدمين إذ العادة تشهد بأن هؤلاء الأئمة على تعددهم وتلاحق عصورهم وكفايتهم واجتهادهم لم يكونوا ليغفلوا شيئا من السنة أو يتركوه حتى يعثر عليه المتأخر هذا بعيد عنهم وإنما تنصرف العناية لهذا العهد إلى صحيح الأمهات المكتوبة وضبطها بالرواية عن مصنفيها والنظر في أسانيدها إلى مؤلفيها وعرض ذلك على ما تقرر في علم الحديث من الشروط والأحكام لتتصل الأسانيد محكمة إلى منتهاها ولم يزيدوا في ذلك على العناية بأكثر من هذه الأمهات الخمسة إلا في القليل.
فأما البخاري وهو أعلاها رتبة فاستصعب الناس شرحه واستغفلوا منحاه من اجل ما يحتاج إليه من معرفة الطرق المتعددة ورجالها من أهل الحجاز والشام والعراق ومعرفة أحوالهم واختلاف الناس فيهم ولذلك يحتاج إلى إمعان النظر في التفقه في تراجمه لأنه يترجم الترجمة ويورد فيها الحديث بسند أو طريق ثم يترجم أخرى ويورد فيها ذلك الحديث بعينه لما تضمنه من المعنى الذي ترجم به الباب وكذلك في ترجمة وترجمة إلى أن يتكرر الحديث في أبواب كثيرة بحسب معانيه واختلافها ومن شرحه ولم يستوف هذا فيه فلم يوف حق الشرح كابن بطال وابن المهلب وابن التين ونحوهم ولقد سمعت كثيرا من شيوخنا رحمهم الله يقولون: شرح كتاب البخاري دين على الأمة. يعنون أن أحدا من علماء الأمة لم يوف ما يجب له من الشرح بهذا الاعتبار.
قال في كشف الظنون أقول ولعل ذلك الدين قضي بشرحي المحقق ابن حجر العسقلاني والعيني بعد ذلك انتهى.
قلت وشرح الحافظ ابن حجر أو في الشروح لا يعادله شرح ولا كتاب ولذا لما قيل للشوكاني لشرح البخاري أجاب: أنه لا هجرة بعد الفتح يعني فتح الباري وما ألطف هذا الجواب عند من يفهم لطف الخطاب.
ثم قال ابن خلدون:
وأما صحيح مسلم فكثرت عناية علماء المغرب به وأكبوا عليه وأجمعوا على تفضيله على كتاب البخاري من غير الصحيح مما لم يكن على شرطه وأكثر ما وقع له في التراجم
وأملى الإمام المارزي من فقهاء المالكية عليه شرحا وسماه المعلم بفوائد مسلم اشتمل على عيون من علم الحديث وفنون من الفقه ثم أملاه القاضي عياض من بعده وتممه وسماه إكمال المعلم.
وتلاهما محيي الدين النووي بشرح استوفى ما في الكتابين وزاد عليهما فجاء شرحاً وافياً.
وأما كتب السنن الأخرى وفيها معظم مآخذ الفقهاء فأكثر شرحها في كتب الفقه إلا ما يختص بعلم الحديث فكتب الناس عليها واستوفوا من ذلك ما يحتاج إليه من علم الحديث وموضوعاته والأسانيد التي اشتملت على الأحاديث المعمول بها من السنة.
واعلم أن الأحاديث قد تميزت مراتبها لهذا العهد بين صحيح وحسن وضعيف ومعلول وغيرها تنزلها أئمة الحديث وجهابذته وعرفوها لم يبق طريق في تصحيح ما يصح من قبل ولقد كان الأئمة في الحديث يعرفون الأحاديث بطرقها وأسانيدها بحيث لو روي حديث بغير سنده وطريقه يفطنون إلى أنه قد قلب عن وضعه.
ولقد وقع مثل ذلك للإمام محمد بن إسماعيل البخاري حين ورد على بغداد وقصد المحدثون امتحانه فسألوه عن أحاديث قلبوا أسانيدها فقال: لا أعرف هذه ولكن حدثني فلان.. ثم أتى بجميع تلك الأحاديث على الوضع الصحيح ورد كل متن إلى سنده وأقروا له بالإمامة قف.
قال ابن خلدون: واعلم أيضا أن الأئمة المجتهدين تفاوتوا في الإكثار من هذه الصناعة والإقلال.
فأبو حنيفة1 رضي الله عنه يقال بلغت روايته إلى سبعة عشر حديثا أو نحوها. ومالك - رحمه الله - إنما صح عنده ما في كتاب الموطأ وغايتها ثلاثمائة حديث أو نحوها.
وأحمد بن حنبل - رحمه الله - تعالى في مسنده خمسون ألف حديث ولكل ما أداه إليه اجتهاده في ذلك.
وقد تقول بعض المبغضين المتعسفين إلى أن منهم من كان قليل البضاعة في الحديث فلهذا قلت روايته ولا سبيل إلى هذا المعتقد في كبار الأئمة لأن الشريعة إنما تؤخذ من الكتاب والسنة ومن كان قليل البضاعة من الحديث فيتعين عليه طلبه وروايته والجد والتشمير في ذلك ليأخذ الدين عن أصول صحيحة ويتلقى الأحكام عن صاحبها المبلغ لها وإنما قلل منهم من قلل الرواية الأجل المطاعن التي تعترضه فيها والعلل التي تعرض في طرقها سيما والجرح مقدم عند الأكثر فيؤديه الاجتهاد إلى ترك الأخذ بما يعرض مثل ذلك فيه من الأحاديث وطرق الأسانيد ويكثر ذلك فتقل روايته لضعف في الطرق هذا مع أن أهل الحجاز أكثر رواية للحديث من أهل العراق لأن المدينة دار الهجرة ومأوى الصحابة ومن انتقل منهم إلى العراق كان شغلهم بالجهاد أكثر.
والإمام أبو حنيفة إنما قلت روايته لما شدد في شروط الرواية والتحمل وضعف رواية الحديث اليقيني إذا عارضها الفعل النفسي وقلت من أجلها روايته فقل حديثه لأنه ترك رواية الحديث متعمدا فحاشاه من ذلك ويدل على أنه من كبار المجتهدين في علم الحديث اعتماد مذهبه بينهم والتعويل عليه واعتباره ردا وقبولاً.
وأما غيره من المحدثين وهم الجمهور فتوسعوا في الشروط وكثر حديثهم والكل عن اجتهاد وقد توسع أصحابه من بعده في الشروط وكثرت روايتهم.
وروى الطحاوي فأكثر وكتب مسنده وهو جليل القدر إلا أنه لا يعدل الصحيحين لأن الشروط التي اعتمدها البخاري ومسلم في كتابيهما مجمع عليها بين الأمة كما قالوه
وشروط الطحاوي غير متفق عليها كالرواية عن المستور الحال وغيره فلهذا قدم الصحيحان بل وكتب السنن المعروفة عليه لتأخر شرطه عن شروطهم ومن أجل هذا قيل في الصحيحين بالإجماع على قبولهما من جهة الإجماع على صحة ما فيهما من الشروط المتفق عليها
فلا تأخذك ريبة في ذلك فالقوم أحق الناس بالظن الجميل بهم والتماس المخارج الصحيحة لهم والله - سبحانه وتعالى - أعلم بما في حقائق الأمور.

علم الفقه

علم الفقه
قال في كشاف اصطلاحات الفنون:
علم الفقه ويسمى هو وعلم أصول الفقه بعلم الدراية أيضا على ما في مجمع السلوك وهو معرفة النفس ما لها وما عليها هكذا نقل عن أبي حنيفة والمراد بالمعرفة: إدراك الجزئيات عن دليل فخرج التقليد.
قال التفتازاني: القيد الأخير في تفسير المعرفة مما لا دلالة عليه أصلا لا لغة ولا اصطلاحاً.
وقوله: وما لها وما عليها يمكن أن يراد به ما تنتفع به النفس وما تتضرر به في الآخرة والمشعر بهذا شهرة أن علم الفقه من العلوم الدينية ويمكن أن يراد به ما يجوز لها وما يجب عليها أو ما يجوز لها وما يحرم عليها.
ثم ما لها وما عليها يتناول الاعتقادات كوجوب الإيمان ونحوه.
والوجدانيات أي: الأخلاق الباطنة والملكات النفسانية. والعمليات: كالصوم والصلاة والبيع ونحوها.
فالأول: علم الكلام.
والثاني: علم الأخلاق والتصوف.
والثالث: هي الفقه المصطلح.
وذكر الغزالي أن الناس تصرفوا في اسم الفقه فخصوه بعلم الفتاوى والوقوف على دلائلها وعللها واسم الفقه في العصر الأول كان مطلقا على علم الآخرة ومعرفة دقائق آفات النفوس والاطلاع على الآخرة وحقارة الدنيا.
قال أصحاب الشافعي: الفقه هو العلم بالأحكام الشرعية العملية من أدلتها التفصيلية والمراد بالحكم النسبة التامة الخبرية التي العلم بها تصديق وبغيرها تصور.
فالفقه عبارة عن التصديق بالقضايا الشرعية المتعلقة بكيفية العمل تصديقا حاصلا من الأدلة التفصيلية التي نصبت في الشرع على تلك القضايا وهي الأدلة الأربعة: الكتاب والسنة والإجماع والقياس.
ثم إن إطلاق العلم على الفقه وإن كان ظنيا باعتبار أن العلم قد يطلق على الظنيات كما يطلق على القطعيات كالطب ونحوه.
ثم إن أصحاب الشافعي جعلوا للفقه أربعة أركان فقالوا: الأحكام الشرعية إما أن تتعلق بأمر الآخرة وهي العبادات أو بأمر الدنيا وهي إما أن تتعلق ببقاء الشخص وهي المعاملات أو ببقاء النوع باعتبار المنزل وهي المناكحات أو باعتبار المدينة وهي العقوبات وههنا أبحاث تركناها مخافة الإطناب فمن أراد الاطلاع عليها فليرجع إلى التوضيح والتلويح.
وموضوعه فعل المكلف من حيث الوجوب والندوب والحل والحرمة وغير ذلك كالصحة والفساد وقيل موضوعه أعم من الفعل لأن قولنا: الوقت سبب أو وجوب الصلاة من مسائله وليس موضوعه الفعل وفيه أن ذلك راجع إلى بيان حال الفعل بتأويل إن الصلاة تجب لسبب الوقت كما أن قولهم النية في الوضوء مندوبة في قوة أن الوضوء يندب فيه النية.
وبالجملة تعميم موضوع الفقه مما لم يقل به أحد ففي كل مسئلة ليس موضوعها راجعا إلى فعل المكلف يجب تأويله حتى يرجع موضوعها إليه كمسئلة المجنون والصبي فإنه راجع إلى فعل الولي هكذا في الخيالي وحواشيه ومسائله الأحكام الشرعية العملية كقولنا: الصلاة فرض.
وغرضه النجاة من عذاب النار ونيل الثواب في الجنة وشرفه مما لا يخفى لكونه من العلوم الدينية انتهى كلام الكشاف.
قال صاحب مفتاح السعادة: وهو علم باحث عن الأحكام الشرعية الفرعية العملية من حيث استنباطها من الأدلة التفصيلية.
ومباديه مسائل أصول الفقه.
وله استمداد من سائر العلوم الشرعية والعربية.
وفائدته: حصول العمل به على الوجه المشروع. والغرض منه: تحصيل ملكة الاقتدار على الأعمال الشرعية ولما كان الغاية والغرض في العلوم العملية يحصلان بالظن دون اليقين بناء على أن أقوى الأدلة الكتاب والسنة وإنه وإن كان علم الفقه قطعي الثبوت لكن أكثره ظني الدلالة فصار محلا للاجتهاد وجاز الأخذ فيه أولا بمذهب أي مجتهد أراد المقلد والمذاهب المشهورة التي تلقتها الأمة بالقبول وقبلها أهل الإسلام بالصحة هي المذاهب الأربعة للأئمة الأربعة: أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد بن حنبل ثم الأحق والأولى من بينها مذهب أبي حنيفة رحمه الله لأنه المتميز من بينهم بالإتقان والإحكام وجودة القريحة وقوة الرأي في استبناط الأحكام وكثرة المعرفة بالكتاب والسنة وصحة الرأي في علم الأحكام إلى غير ذلك لكن ينبغي لمن يقلد مذهبا معينا في الفروع أن يحكم بأن مذهبه صواب يحتمل الخطأ ومذهب المخالف خطأ يحتمل الصواب.
ويحكم في الاعتقاديات بأن مذهبه حق جزما ومذهب المخالف خطأ قطعا انتهى ونحوه في مدينة العلوم.
أقول أحق المذاهب إتقانا وأحسنها اتباعا وأحكمها وأحراها بالتمسك به ما ذهب إليه أهل الحديث والقرآن والترجيح لمذهب دون مذهب تحكم لا دليل عليه بل المذاهب الأربعة كلها سواسية في الحقيقة والواجب على الناس كلهم اتباع صرائح الكتاب العزيز والسنة المطهرة دون اتباع آراء الرجال وأقوال العلماء والأخذ باجتهاداتهم سيما فيما يخالف القرآن الكريم والحديث الشريف.
وقد حققنا هذا البحث في كتابنا الجنة1 في الأسوة الحسنة بالسنة وذكر الغزالي في بيان تبديل أسامي العلوم ما تقدم ذكره وتمام هذا البحث ذكرناه في كتابنا قصد السبيل إلى ذم الكلام والتأويل.
والكتب المؤلفة على المذاهب الأربعة كثيرة جدا لا تكاد تحصى. ودواوين الإسلام من كتب الحديث وشروحه تغني الناس كلهم قرويهم وبدويهم عالمهم وجاهلهم ودانيهم وقاصيهم عن كتب الرأي والاجتهاد.
والأئمة الأربعة منعوا الناس عن تقليدهم ولم يوجب الله سبحانه وتعالى على أحد تقليد أحد من الصحابة والتابعين الذين هم قدوة الأمة وأئمتها وسلفها فضلا عن المجتهدين وآحاد أهل العلم بل الواجب على الكل اتباع ما جاء به الكتاب والسنة المطهرة وإنما احتيج إلى تقليد المجتهدين لكون الأحاديث والأخبار الصحيحة لم تدون ولكن الآن بحمد الله تعالى قد دون أهل المعرفة بالسنن علم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وأغنوا الناس عن غيره فلا حيا الله عبدا قلد ولم يتبع ولم يعرف قدر السنة وحمد على التقليد.
ثم القول بأن المذهب الفلاني من المذاهب الأربعة أقدم وأحكم من أباطيل المقولات وأبطل المقالات وصدوره من مدعي العلم يدل على أنه ليس من أهل العلم لأن التقليد من صنيع الجاهل والمقلد ليس معدودا في العلماء انظر في الكتب التي الفت لرد التقليد كأعلام الموقعين عن رب العالمين وغير ذلك يتضح لك الصواب من الخطأ بلا ارتياب والكتب المؤلفة في الأخبار الصحاح والحسان والضعاف كثيرة جدا ذكرناها في كتابنا إتحاف النبلاء المتقين بإحياء مــآثر الفقهاء المحدثين والمعتمد كل الاعتماد من بينها الأمهات الست وهي معروفة متيسرة في كل بلد وكذلك الكتب المؤلفة في أحكام السنة المطهرة خاصة كثيرة أيضا والمستند كل الاستناد من بينها هو مثل منتقى الأخبار وشرحه نيل الأوطار وبلوغ المرام وشرحه مسك الختام وسبل السلام والعمدة وشرحه العدة وغير ذلك مما ألف في ضبط الأحكام الثابتة بالسنة وما يليها مثل السيل الجرار ووبل الغمام ومنح الغفار حاشية ضوء النهار والهدي النبوي وسفر السعادة وكذا مؤلفات شيوخنا اليمانيين فإن فيها ما يكفي والمقلد المسكين يظن الخرافات في الكتاب والسنة.
وقد أطال الأرنيقي في مدينة العلوم في ذكر تراجم الأئمة الأربعة أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد والفقهاء الحنفية كأبي يوسف ومحمد بن الحسن الشيباني وابن المبارك وداود الطائي الكوفي ووكيع بن الجراح ويحيى بن زكريا وإسماعيل بن حماد ويوسف بن خالد وعافية بن يزيد وحبان ومندل ابني علي الغزي وعلي بن مسهرق القاسم بن معن وأسد بن عامر وأحمد بن حفص وخلف ابن أيوب وشداد بن حكم وموسى بن نصر وموسى بن سليمان الجوزجاني وهلال بن يحيى ومحمد بن سماعة وحكم بن عبد الله وأطال في ترجمة هؤلاء.
وقال: اعلم أن الأئمة الحنفية أكثر من أن تحصى لأنهم قد طبقوا أكثر المعمورة حتى قيل إن للإمام أبي حنيفة سبعمائة وثلاثين رجلا من تلامذته وهذا ما عرف منهم وما لم يعرف أكثر من ذلك لكنا اكتفينا منهم ههنا بما سمح به الوقت والآن فلنذكر من الكتب المعتبرة في الفقه ما هو المشهور في الزمان انتهى.
ثم ذكر كتبا سماها قال: وإن استقصاء الأئمة الحنفية وتصانيفهم خارج عن طوق هذا المختصر ولنذكر بعد ذلك نبذا من أئمة الشافعية ليكون الكتاب كامل الطرفين حائز الشرفين وهؤلاء صنفان أحدهما: من تشرف بصحبة الإمام الشافعي والآخر: من تلاهم من الأئمة انتهى.
ثم ذكر هذين الصنفين وأطال في بيانهما وفضائلها إطالة حسنة والكتب التي ألفت في بيان طبقات أهل المذاهب الأربعة تغني عن ذكر جماعة خاصة من المقلدة المذهب واحد وإن كانوا أئمة أصحاب التصانيف ولا عبرة بكثرة المقلدة الذين قلدوا مذهبا واحدا من المذاهب الأربعة بل الاعتبار باختيار الحق والصواب وهو ترك التقليد لآراء الرجال وإيثار الحق على الحق والتمسك بالسنة.
وقد ألف جماعة كتبا كثيرة في طبقات المتبعين وتراجم الحفاظ والمحدثين وهم ألوف لا يحصيهم كتاب وإن طال الفصل والباب وهم أكثر وأطيب إن شاء الله تعالى بالنسبة إلى المقلدة.
وقد تعصب أصحاب الطبقات المذهبية في تعداد أهل نحلتهم حيث أدخلوا فيها من ليس منهم وغالب أئمة المذاهب ليسوا بمقلدين وإن انتسبوا إلى بعضهم بل هم مجتهدون مختارون لهم أحسن الأقوال وأحق الأحكام وبعد النظر والاجتهاد فعدهم في زمرة المقلدة بأدنى شركة في العلم ليس من الإنصاف في شيء وإنما خافوا فتنة العوام في ادعاء الاجتهاد أو عدم الاعتداد بالتقليد فصبروا على نسبتهم إلى مذهب من تلك المذاهب كما يعرف ذلك من له إلمام بتصانيف هؤلاء الكرام وليس هذا موضع بسط الكلام على هذا المرام وإلا أريتك عجائب المقام وأتيتك بما لم يقرع سمعك من الأمور العظام.
واعلم أن أصول الدين اثنان لا ثالث لهما: الكتاب والسنة وما ذكروه من أن الأدلة أربعة: القرآن والحديث والإجماع والقياس فليس عليه إثارة من علم وقد أنكر إمام أهل السنة أحمد بن حنبل رضي الله عنه الإجماع الذي اصطلحوا عليه اليوم وأعرض سيد الطائفة المتبعة داود الظاهري عن كون القياس حجة شرعية وخلاف هذين الإمامين نص في محل الخلاف ولهذا قال بقولهما عصابة عظيمة من أهل الإسلام قديما وحديثا إلى زماننا هذا ولم يروا الإجماع والقياس شيئا مما ينبغي التمسك به سيما عند المصادمة بنصوص التنزيل وأدلة السنة الصحيحة وهذه المسئلة من معارك المسائل بين المقلدة والمتبعة وأكثر الناس خلافا فيها الحنفية لأنهم أشد الناس تعصبا للمذهب وتقرير ذلك مبسوط في المبسوطات المؤلفة في هذا الباب.
ومن له نظر في مصنفات شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وتلميذه الواحد المتكلم الحافظ ابن القيم ومن حذا حذوهما من علماء الحديث والقرآن خصوصا أئمة اليمن الميمون وتلامذتهم فهو يعلم بأن هذا القول هو الحق المنصور والمذهب المختار والكلام المعتمد عليه ما سواه سراب وتباب ولولا مخافة الإطالة وخشية الملالة لذكرت ههنالك ما تذعن له من الأدلة على ذلك ومفاسد ما هنالك وبالله التوفيق وهو العاصم عن التنكيب عن سواء الطريق اللهم أرحم أمة محمد صلى الله عليه وسلم رحمة عامة.
فصل
قال ابن خلدون رحمه الله تعالى: الفقه معرفة أحكام الله تعالى في أفعال المكلفين بالوجوب والخطر والإباحة والندب والكراهة وهي متلقاة من الكتاب والسنة وما نصبه الشارع لمعرفتها من الأدلة على اختلاف فيها بينهم ولا بد من وقوعه ضرورة أن الأدلة غالبها من النصوص وهي بلغة العرب وفي اقتضاءات ألفاظها لكثير من معانيها اختلاف بينهم معروف أيضاً.
فالسنة1 مختلفة الطرق في الثبوت وتتعارض في الأكثر أحكامها فتحتاج إلى الترجيح وهو مختلف أيضا فالأدلة من غير النصوص مختلف فيها وأيضا فالوقائع المتجددة لا توفي بها النصوص وما كان منها غير ظاهر في النصوص فحمل على منصوص لمشابهة بينهما وهذه كلها إشارات للخلاف ضرورية الوقوع ومن هنا وقع الخلاف بين السلف والأئمة من بعدهم.
ثم إن الصحابة كلهم لم يكونوا أهل فتيا ولا كان الدين يؤخذ عن جميعهم وإنما كان ذلك مختصا بالحاملين للقرآن العارفين بناسخه ومنسوخه ومتشابهة ومحكمة وسائر دلالته بما تلقوه من النبي صلى الله عليه وسلم ومنهم سمعه منهم من عليتهم وكانوا يسمون لذلك القراء أي الذين يقرؤون الكتاب لأن العرب كانوا أمة أمية فاختص من كان منهم قارئا للكتاب بهذا الاسم لغرابته يومئذ وبقي الأمر كذلك صدر الملة ثم عظمت أمصار الإسلام وذهبت الأمية من العرب بممارسة الكتاب وتمكن الاستنباط وكمل الفقه وأصبح صناعة وعلما فبدلوا باسم الفقهاء والعلماء من القراء.
وانقسم الفقه إلى طريقتين: طريقة أهل الرأي والقياس وهم أهل العراق.
وطريقة أهل الحديث وهم أهل الحجاز.
وكان الحديث قليلا في أهل العراق فاستكثروا من القياس ومهروا فيه فلذلك قيل أهل الرأي ومقدم جماعتهم الذي استقر المذهب فيه وفي أصحابه أبو حنيفة وإمام أهل الحجاز مالك بن أنس والشافعي من بعده.
ثم أنكر القياس طائفة من العلماء وأبطلوا العمل به وهم الظاهرية وجعلوا المدارك كلها منحصرة في النصوص والإجماع وردوا القياس الجلي والعلة المنصوصة إلى النص لأن النص على العلة نص على الحكم في جميع محالها وكان إمام هذا المذهب داود بن علي وابنه وأصحابه.
وكانت هذه المذاهب الثلاثة هي مذاهب الجمهور المشتهرة بين الأمة وشذ أهل البيت بمذاهب ابتدعوها وفقه انفردوا به وبنوه على مذهبهم في تناول بعض الصحابة بالقدح على قولهم بعصمة الأئمة ورفع الخلاف عن أقوالهم وهي كلها أصول واهية وشذ بمثل ذلك الخوارج ولم يحتفل الجمهور بمذاهبهم بل أوسعوها جانب الإنكار والقدح فلا نعرف شيئا من مذاهبهم ولا نروي كتبهم ولا أثر لشيء منهم إلا في مواطنهم فكتب الشيعة في بلادهم وحيث كانت دولتهم قائمة في المغرب والمشرق واليمن والخوارج كذلك ولكل منهم كتب وتآليف وآراء في الفقه غريبة.
ثم درس مذهب أهل الظاهر اليوم بدروس أئمته وإنكار الجمهور على منتحله ولم يبق إلا في الكتب المجلدة وربما يعكف كثير من الطالبين ممن تكلف بانتحال مذهبهم على تلك الكتب يروم أخذ فقههم منها ومذهبهم فلا يحلو بطائل ويصير إلى مخالفة الجمهور وإنكارهم عليه وربما عد بهذه النحلة من أهل البدع بنقله العلم من الكتب من غير مفتاح المعلمين. وقد فعل ذلك ابن حزم1 بالأندلس على علو رتبته في حفظ الحديث وصار إلى مذهب أهل الظاهر ومهر فيه باجتهاد زعمه في أقوالهم وخالف إمامهم داود وتعرض للكثير من أئمة المسلمين فنقم الناس ذلك عليه وأوسعوا مذهبه استهجانا وإنكارا وتلقوا كتبه بالإغفال والترك حتى إنها ليحظر بيعها بالأسواق وربما تمزق في بعض الأحيان ولم يبق إلا مذهب أهل الرأي من العراق وأهل الحديث من الحجاز.
فأما أهل العراق فإمامهم الذي استقرت عنده مذاهبهم أبو حنيفة النعمان ابن ثابت ومقامه في الفقه لا يلحق شهد له بذلك أهل جلدته وخصوصا مالك والشافعي.
وأما أهل الحجاز فكان إمامهم مالك بن أنس الأصبحي إمام دار الهجرة رحمه الله تعالى واختص بزيارة مدرك آخر للأحكام غير المدارك المعتبرة عند غيره وهو عمل أهل المدينة لأنه رأى أنهم فيما يتفقون عليه من فعل أو ترك متابعون لمن قبلهم ضرورة لدينهم واقتدائهم وهكذا إلى الجيل المباشرين لفعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم الآخذين ذلك عنه وصار ذلك عنده من أصول الأدلة الشرعية ظن كثير أن ذلك من مسائل الإجماع فأنكره لأن دليل الإجماع لا يخص أهل المدينة ممن سواهم بل هو شامل للأمة.
واعلم أن الإجماع إنما هو الاتفاق على الأمر الديني عن اجتهاد مالك رحمه الله لم يعتبر عمل أهل المدينة من هذا المعنى وإنما اعتبره من حيث اتباع الجيل بالمشاهدة للجيل إلى أن ينتهي إلى الشارع صلى الله عليه وسلم وضرورة اقتدائهم بعين ذلك يعم الملة ذكرت في باب الإجماع الأبواب بها من حيث ما فيها من الاتفاق الجامع بينها وبين الإجماع إلا أن اتفاق أهل الإجماع عن نظر واجتهاد في الأدلة واتفاق هؤلاء في فعل أو ترك مستندين إلى مشاهدة من قبلهم ولو ذكرت المسئلة في باب فعل النبي صلى الله عليه وسلم وتقريره أو مع الأدلة المختلف فيها مثل مذهب الصحابي وشرع من قبلنا والاستصحاب لكان أليق.
ثم كان من بعد مالك بن أنس محمد بن إدريس المطلبي الشافعي رحل إلى العراق من بعد مالك ولقي أصحاب الإمام أبي حنيفة وأخذ عنهم ومزج طريقة أهل الحجاز بطريقة أهل العراق واختص بمذهب وخالف مالكا رحمه الله في كثير من مذهبه.
وجاء من بعدهما أحمد بن حنبل وكان من علية المحدثين وقرأ أصحابه على أصحاب الإمام أبي حنيفة مع وفور بضاعتهم من الحديث فاختصوا بمذهب آخر ووقف التقليد في الأمصار عند هؤلاء الأربعة ودرس المقلدون لمن سواهم وسد الناس باب الخلاف وطرقه لما كثر تشعب الاصطلاحات في العلوم ولما عاق عن الوصول إلى رتبة الاجتهاد ولما خشي من إسناد ذلك إلى غير أهله ومن لا يوثق برأيه ولا بدينه فصرحوا بالعجز والأعواز وردوا الناس إلى تقليد هؤلاء كل من اختص به من المقلدين وحظروا أن يتداول تقليدهم لما فيه من التلاعب ولم يبق إلا نقل مذاهبهم وعمل كل مقلد بمذهب من قلده منهم بعد تصحيح الأصول واتصال سندها بالرواية لا محصول اليوم للفقه غير هذا ومدعي الاجتهاد لهذا العهد مردود على عقبه مهجور تقليده وقد صار أهل الإسلام اليوم على تقليد هؤلاء الأئمة الأربعة1.
فأما أحمد بن حنبل فمقلدوه قليلون لبعد مذهبه عن الاجتهاد وأصالته في معاضدة الرواية للأخبار بعضها ببعض وأكثرهم بالشام والعراق من بغداد ونواحيها وهم أكثر الناس حفظا للسنة ورواية الحديث.
وأما أبو حنيفة: فمقلدوه اليوم أهل العراق ومسلمة الهند والصين وما وراء النهر وبلاد العجم كلها لما كان مذهبه أخص بالعراق ودار السلام وكانت تلاميذه صحابة الخلفاء من بني العباس فكثرت تآليفهم ومناظراتهم مع الشافعية وحسن مباحثهم في الخلافيات وجاؤوا منها بعلم مستطرف وأنظار غريبة وهي بين أيدي الناس وبالمغرب منها شيء قليل نقله إليه القاضي ابن العربي وأبو الوليد الباجي في رحلتهما.
وأما الشافعي رحمه الله فمقلدوه بمصر أكثر مما سواها وقد كان انتشر مذهبه بالعراق وخراسان وما وراء النهر وقاسموا الحنفية في الفتوى والتدريس في جميع الأمصار وعظمت مجالس المناظرات بينهم وشحنت كتب الخلافيات بأنواع استدلالاتهم ثم درس ذلك كله بدروس المشرق وأقطاره وكان الإمام محمد بن إدريس الشافعي لما نزل على بني عبد الحكم بمصر أخذ عنه جماعة من بني عبد الحكم وأشهب وابن القاسم وابن المواز وغيرهم ثم الحارث بن مسكين وبنوه.
ثم انقرض فقه أهل السنة من مصر بظهور دولة الرافضة وتداول بها فقه أهل البيت وتلاشى من سواهم إلى أن ذهبت دولة العبيديين من الرافضة على يد صلاح الدين يوسف بن أيوب ورجع إليهم فقه الشافعي وأصحابه من أهل العراق والشام فعاد إلى أحسن ما كان ونفق سوقه واشتهر منهم محيي الدين النووي من الحلبة التي ربيت في ظل الدولة الأيوبية بالشام وعز الدين بن عبد السلام أيضا ثم ابن الرفعة بمصر وتقي الدين بن دقيق العيد ثم تقي الدين السبكي بعد هما إلى أن انتهى ذلك إلى شيخ الإسلام بمصر لهذا العهد وهو سراج الدين البلقيني فهو اليوم أكبر الشافعية بمصر كبير العلماء بل أكبر العلماء من أهل العصر.
وأما مالك رحمه الله فاختص بمذهبه أهل المغرب والأندلس وإن كان يوجد في غيرهم إلا أنهم لم يقلدوا غيره إلا في القليل لما أن رحلتهم كانت غالبا إلى الحجاز وهو منتهى سفرهم والمدينة يومئذ دار العلم ومنها خرج العراق ولم يكن العراق في طريقهم فاقتصروا على الأخذ عن علماء المدينة وشيخهم يومئذ وإمامهم مالك رحمه الله وشيوخه من قبله وتلميذه من بعده فرجع إليه أهل المغرب والأندلس وقلدوه دون غيره ممن لم تصل إليهم طريقته وأيضا فالبداوة كانت غالبة على أهل المغرب والأندلس ولم يكونوا يعانون الحضارة التي لأهل العراق فكانوا إلى أهل الحجاز أميل لمناسبة البداوة ولهذا لم يزل المذهب المالكي غضا عندهم ولم يأخذه تنقيح الحضارة وتهذيبها كما وقع في غيره من المذاهب.
ولما صار مذهب كل إمام علما مخصوصا عند أهل مذهبه ولم يكن لهم سبيل إلى الاجتهاد والقياس فاحتاجوا إلى تنظير المسائل في الإلحاق وتفريقها عند الاشتباه بعد الاستناد إلى الأصول المقررة من مذهب إمامهم وصار ذلك كله يحتاج إلى ملكة راسخة يقتدر بها على ذلك النوع من التنظير أو التفرقة واتباع مذهب إمامهم فيهما ما استطاعوا وهذه الملكة هي علم الفقه لهذا العهد وأهل المغرب جميعا مقلدون لمالك رحمه الله.
وقد كان تلامذته افترقوا بمصر والعراق فكان بالعراق منهم القاضي إسماعيل وطبقته مثل ابن خويز منداد وابن اللبان والقاضي أبو بكر الأبهري والقاضي أبو الحسين بن القصار والقاضي عبد الوهاب من بعدهم وكان بمصر ابن القاسم وأشهب وابن عبد الحكيم والحارث بن مسكين وطبقتهم ورحل من الأندلس عبد الملك بن حبيب فأخذ عن ابن القاسم وطبقته وبث مذهب مالك في الأندلس ودون فيه كتاب الواضحة ثم دون العتبي من تلامذته كتاب العتبية ورحل من إفريقية أسد بن الفرات فكتب عن أصحاب أبي حنيفة أولا ثم انتقل إلى مذهب مالك وكتب علي بن القاسم في سائر أبواب الفقه وجاء إلى القيروان بكتابه وسمى الأسدية نسبة إلى أسد بن الفرات فقرا بها سحنون على أسد ثم ارتحل إلى المشرق ولقي ابن القاسم وأخذ عنه وعارضه بمسائل الأسدية فرجع عن كثير منها وكتب سحنون مسائلها ودونها وأثبت ما رجع عنه وكتب لأسد أن يأخذ بكتاب سحنون فأنف من ذلك فترك الناس كتابه واتبعوا مدونة سحنون على ما كان فيها من اختلاط المسائل في الأبواب فكانت تسمى المدونة والمختلطة وعكف أهل القيروان على هذه المدونة وأهل الأندلس على الواضحة والعتبية.
ثم اختصر ابن أبي زيد المدونة والمختلطة في كتابة المسمى بالمختصر ولخصه أيضا أبو سعيد البرادعي من فقهاء القيروان في كتابه المسمى بالتهذيب واعتمده المشيخة من أهل إفريقية وأخذوا به وتركوا ما سواه وكذلك اعتمد أهل الأندلس كتاب العتبية وهجروا الواضحة وما سواها ولم تزل علماء المذهب يتعاهدون هذه الأمهات بالشرح والإيضاح والجمع.
فكتب أهل إفريقية على المدونة ما شاء الله أن يكتبوا مثل ابن يونس واللخمي وابن محرز التونسي وابن بشير وأمثالهم.
وكتب أهل الأندلس على العتبية ما شاء الله أن يكتبوا مثل ابن رشد وأمثاله وجمع ابن أبي زيد جميع ما في الأمهات من المسائل والخلاف والأقوال في كتاب النوادر فاشتمل على جميع أقوال المذهب وفرع الأمهات كلها في هذا الكتاب ونقل ابن يونس معظمه في كتابه على المدونة وزخرت بحار المذهب المالكي في الأفقين إلى انقراض دولة قرطبة والقيروان ثم تمسك بهما أهل المغرب بعد ذلك إلى أن جاء كتاب أبي عمرو بن الحاجب لخص فيه طرق أهل المذهب في كل باب وتعديد أقوالهم في كل مسئلة فجاء كالبرنامج للمذهب وكانت الطريقة المالكية بقيت في مصر من لدن الحارث بن مسكين وابن المبشر وابن اللهيث وابن رشيق وابن شاس وكانت بالإسكندرية في بني عوف وبني سند وابن عطاء الله ولم أدر عمن أخذها أبو عمرو بن الحاجب لكنه جاء بعدا نقراض دولة العبيديين وذهاب فقه أهل البيت وظهور فقهاء السنة من الشافعية والمالكية.
ولما جاء كتابه إلى المغرب آخر المائة السابعة عكف عليه الكثير من طلبة المغرب وخصوصا أهل بجاية لما كان كبير مشيختهم أبو علي ناصر الدين الزواوي هو الذي جلبه إلى المغرب فإنه كان قرأ على أصحابه بمصر ونسخ مختصره ذلك فجاء به وانتشر بقطر بجاية في تلاميذه ومنهم انتقل إلى سائر الأمصار المغربية وطلبة الفقه بالمغرب لهذا العهد يتداولون قراءته ويتدارسونه لما يؤثر عن الشيخ ناصر الدين من الترغيب فيه وقد شرحه جماعة من شيوخهم كابن عبد السلام وابن رشد وابن هارون وكلهم من مشيخة أهل تونس وسابق حلبتهم في الإجادة في ذلك ابن عبد السلام وهم مع ذلك يتعاهدون كتاب التهذيب في دروسهم والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.

طَرْدَة

طَرْدَة
من (ط ر د) المرة من الطرد: تنحية الرجل استخفافا به أو عقابا له وهزيمة المغير ونحوه وسوقه وضم الدواب من أطرافها وإرسال القاعدة والحكم عاما وإرسال الرج بصره في آثر القوم.
Learn Quranic Arabic from scratch with our innovative book! (written by the creator of this website)
Available in both paperback and Kindle formats.