Current Dictionary: All Dictionaries

Search results for: يهين

جَفَا

جَفَا جَفاءً وتَجافَى: لَمْ يَلْزَمْ مَكانَهُ.
واجْتَفَيْتُه: أزَلْتُه عن مَكَانِهِ.
وجَفَا عليه كذا: ثَقُلَ.
والجَفَاءُ: نَقيضُ الصِّلَةِ، ويُقْصَرُ، جَفَاهُ جَفْواً وجَفَاءً.
وفيه جَفْوَةٌ، ويُكْسَرُ، أيْ: جفاءٌ، فإن كانَ مَجْفُوًّا، قيل: به جَفْوَةٌ.
وجَفَا مالَهُ: لم يُلازِمْهُ،
وـ السَّرْجَ عن فَرَسِه: رَفَعَه،
كأَجْفاهُ.
ورجلٌ جافي الخِلْقَةِ والخُلُقِ: كَزٌّ غَليظٌ.
واسْتَجْفَى الفِراشَ وغيرَهُ: عَدَّهُ جافياً.
وأجْفَى الماشِيَةَ: أتْعَبَها، ولم يَدَعْها تأكُلُ. 
(جَفَا)
(هـ) فِيهِ «أَنَّهُ كَانَ يُجَافِي عَضُدَيْه عَنْ جَنْبَيْه للسُّجود» أَيْ يُباعِدُهُما.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ الْآخَرُ «إِذَا سجدتَ فَتَجَافَ» وهُو مِنَ الجَفَاء: البُعْد عَن الشَّيْءِ. يُقَالُ جَفَاهُ إِذَا بَعُدَ عَنْه، وأَجْفَاه إِذَا أبْعَدَهُ. (س) ومنه الحديث «اقْرَأوا الْقُرْآنَ وَلَا تَجْفُوا عَنْهُ» أَيْ تَعَاهَدُوه وَلَا تَبْعُدُوا عَنْ تِلاَوَتِه.
وَالْحَدِيثُ الْآخَرُ «غَيْر الجَافِي عَنْه وَلَا الْغَالِي فِيهِ» والجَفَاء أَيْضًا: تَرْك الصّلَة والْبِرّ.
(س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «البَذَاء مِنَ الجَفَاء» البَذَاء- بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ- الفُحْش مِنَ القَوْل.
(س) وَالْحَدِيثُ الْآخَرُ «مَنْ بَدَا جَفَا» بَدَا بالدَّال المُهْملة: خَرج إِلَى البَادِية: أَيْ مَنْ سَكَن البادِية غَلُظَ طَبْعُه لِقِلَّة مُخالَطة النَّاسِ. والجَفَاء: غِلَظُ الطبع.
(س) وَمِنْهُ فِي صِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَيْس بالجَافِي وَلاَ المهِين» أَيْ ليْسَ بالْغَلِيظ الخِلْقَة والطَّبْع، أَوْ لَيْسَ بِالَّذِي يَجْفُو أصْحَابَه. والمُهِين: يُروى بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِهَا: فالضَّمُّ عَلَى الفَاعِلِ، مِنْ أَهَانَ: أَيْ لَا يُهين مَنْ صَحِبَه، وَالْفَتْحُ عَلَى المفْعُول، مِنَ المهَانة: الحَقَارة، وَهُوَ مَهِين أَيْ حَقير.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «لَا تَزْهَدَّنَّ في جَفَاء الحقو» أي لا تزهدن في غِلَظ الإزَار، وَهُوَ حَثٌّ عَلَى تَرك التَّنَعُّم.
وَفِي حَدِيثِ حُنين «وخَرَجَ جُفَاءٌ مِنَ النَّاس» هَكَذَا جَاءَ فِي رِواية. قَالُوا: مَعْناه سَرَعاَن النَّاس وَأَوَائلُهم، تَشْبِيها بِجُفَاء السَّيْل، وهُوَ مَا يَقْذِفُه مِنَ الزَّبَد والوسَخ ونَحْوِهِما.

هـ

(هـ) الْحَرْف السَّادِس وَالْعشْرُونَ من حُرُوف الهجاء وَهُوَ مهموس رخو ومخرجه من أقْصَى الْحلق
وَالْهَاء المفردة على ثَلَاثَة أوجه

(1) تكون ضميرا للْغَائِب وتستعمل فِي موضعي النصب والجر مثل {قَالَ لَهُ صَاحبه وَهُوَ يحاوره}

(2) وحرفا للغيبة وَهِي الْهَاء فِي نَحْو إِيَّاه

(3) وللسكت وَهِي اللاحقة لبَيَان حَرَكَة بِنَاء فِي آخر الْكَلِمَة مثل ماهيه وَهَا هَناه ووازيداه وَأَصلهَا أَن يُوقف عَلَيْهَا وَرُبمَا وصلت بنية الْوَقْف
والهاءُ مِن الحُرُوفِ الحَلْقِيَّة، وَهِي: العَيْنُ والحاءُ والهاءُ والخاءُ والغَيْن؛ وَهِي أَيْضاً مِن الحُرُوفِ المَهْموسَةِ، وَهِي: الهاءُ والحاءُ والخاءُ والكافُ والشينُ والسينُ والتاءُ والصادُ والثاءُ والفاءُ. والمَهْموسُ حَرْفٌ لانَ فِي مَخْرَجِه دونَ المَجْهور، وجَرَى مَعَ النَّفَس فكانَ دونَ المَجْهورِ فِي رَفْعِ الصَّوْت.
قالَ شيْخُنا: وأُبْدِلَتِ الهاءُ من الهَمْزةِ فِي هياك ولهنك قَائِم، وهَرَاقَ وهَرَادَ فِي أَرَاقَ وأَرَادَ؛ ومِن الألفِ قَالُوا: هنه فِي هُنَا، وَمن الياءِ قَالُوا فِي هذي هَذِه وَقْفاً، ومِن تاءِ التأْنِيثِ وَقْفاً كطلحة.
الهاءُ: من حُرُوفِ المُعْجَمِ، على خمسَةِ أوْجُهٍ: ضميرٌ للغائِبِ، وتُسْتَعْمَلُ في موضِعِ النَّصْبِ والجَرِّ. {قال له صاحِبُه وهو يُحاوِرُهُ} ، الثاني: تكونُ حَرْفاً للغَيْبَةِ، وهي الهاءُ في "إيَّاهُ"، الثالثُ: هاءُ السَّكْتِ، وهي اللاَّحِقةُ لِبيانِ حَرَكَةٍ أو حَرْفٍ، نحوُ: ماهِيَهْ، وهاهُناهْ. وأصْلُها أن يُوقَفَ عليها، ورُبَّما وُصِلَتْ بِنِيَّةِ الوَقْفِ،
الرابعُ: المُبْدَلَةُ من هَمْزَةِ الاسْتِفْهامِ:
وأتَى صَواحِبُها فَقُلْنَ هذا الذي ... مَنَحَ المَوَدَّةَ غيرَنا وجَفَانَا
الخامسُ: هاءُ التأنيثِ، نحوُ: رَحْمَهْ، في الوَقْفِ.
(الْهَاءُ) حَرْفٌ مِنْ حُرُوفِ الْمُعْجَمِ وَهِيَ مِنْ حُرُوفِ الزِّيَادَاتِ. وَهَا حَرْفُ تَنْبِيهٍ، وَتَقُولُ: (هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ) وَتَجْمَعُ بَيْنَ التَّنْبِــيهَيْنِ لِلتَّوْكِيدِ وَكَذَا أَلَا يَا هَؤُلَاءِ. وَهُوَ غَيْرُ مُفَارِقٍ لِأَيٍّ، تَقُولُ: يَا أَيُّهَا الرَّجُلُ. وَالْهَاءُ قَدْ تَكُونُ كِنَايَةً عَنِ الْغَائِبِ وَالْغَائِبَةِ، تَقُولُ: ضَرَبَهُ وَضَرَبَهَا. وَ (هَا) مَقْصُورٌ لِلتَّقْرِيبِ، يُقَالُ أَيْنَ أَنْتَ؟ فَتَقُولُ: هَا أَنَذَا، وَالْمَرْأَةُ تَقُولُ: هَا أَنَذِهِ. وَيُقَالُ: أَيْنَ فُلَانٌ؟ فَتَقُولُ: إِنْ كَانَ قَرِيبًا: هَا هُوَ ذَا وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا هَا هُوَ ذَاكَ. وَلِلْمَرْأَةِ إِنْ كَانَتْ قَرِيبَةً: هَا هِيَ ذِهِ وَإِنْ كَانَتْ بَعِيدَةً هَا هِيَ تِلْكَ. وَالْهَاءُ تُزَادُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ عَلَى سَبْعَةِ أَضْرُبٍ: لِلْفَرْقِ بَيْنَ الْفَاعِلِ وَالْفَاعِلَةِ نَحْوُ ضَارِبٍ وَضَارِبَةٍ وَكَرِيمٍ وَكَرِيمَةٍ. وَلِلْفَرْقِ بَيْنَ الْمُذَكَّرِ وَالْمُؤَنَّثِ فِي الْجِنْسِ نَحْوَ امْرِئٍ وَامْرَأَةٍ وَلِلْفَرْقِ بَيْنَ الْوَاحِدِ وَالْجَمْعِ نَحْوُ بَقَرَةٍ وَتَمْرَةٍ وَبَقَرٍ وَتَمْرٍ وَلِتَأْنِيثِ اللَّفْظِ مَعَ انْتِفَاءِ حَقِيقَةِ التَّأْنِيثِ نَحْوُ قَرْيَةٍ وَغُرْفَةٍ وَلِلْمُبَالَغَةِ: إِمَّا مَدْحًا نَحْوُ عَلَّامَةٍ وَنَسَّابَةٍ أَوْ ذَمَّا نَحْوَ هِلْبَاجَةٍ وَبَقَاقَةٍ: فَمَا كَانَ مَدْحًا فَتَأْنِيثُهُ بِقَصْدِ تَأْنِيثِ الْغَايَةِ وَالنِّهَايَةِ وَالدَّاهِيَةِ. وَمَا كَانَ ذمًّا فَتَأْنِيثُهُ بِقَصْدِ تَأْنِيثِ الْبَهِيمَةِ.
قُلْتُ: الْهِلْبَاجَةُ الْأَحْمَقُ وَالْبَقَاقَةُ الْكَثِيرُ الْكَلَامِ. وَمِنْهُ مَا يَسْتَوِي فِيهِ الْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ نَحْوُ رِجْلٍ مَلُولَةٍ وَامْرَأَةٍ مَلُولَةٍ. وَلِلْوَاحِدِ مِنَ الْجِنْسِ يَقَعُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى كَبَطَّةٍ وَحَيَّةٍ. وَالسَّابِعُ تَدَخُّلُ فِي الْجَمْعِ لِثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: لِلنَّسَبِ كَالْمَهَالِبَةِ وَلِلْعُجْمَةِ كَالْمَوَازِجَةِ وَالْجَوَارِبَةِ وَلِلْعِوَضِ مِنْ حَرْفٍ مَحْذُوفٍ كَالْعَبَادِلَةِ وَهُمْ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ. قُلْتُ: فَسَّرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْعَبَادِلَةَ فِي مَادَّةِ [ع ب د] بِخِلَافِ هَذَا. 
الهاءُ
، بالإمالَةِ: حَرْفُ هِجاءٍ (مِن حُرُوفِ المُعْجَمِ) وَهِي مِن حُرُوفِ الزِّيادَاتِ مَخْرجُه مِن أَقْصَى الحلقِ مِن جوارِ مَخْرجِ الألفِ يُمَدُّ ويُقْصَرُ؛ والنِّسْبَةُ هائِيٌّ وهاوِيٌّ وهَوِيٌّ. وَقد هَيَّيْتُ هَاء حَسَنَةً؛ والجَمْعُ أهْياءٌ وأهواءٌ وهاآتٌ.
وَفِي المُحْكَم: الهاءُ حَرْفُ هِجاءٍ وَهُوَ حَرْفٌ مَهْموسٌ يكونُ أَصْلاً وبَدَلاً وزائِداً، فالأصْلُ نَحْو هِنْدَ وفَهْدٍ وشِبْهٍ، وتُبْدَلُ مِن خَمْسةِ أَحْرُفٍ وَهِي: الهَمْزةُ والألِفُ والتاءُ والواوُ والياءُ.
وَقَالَ سِيبَوَيْهٍ: الهاءُ وأَخَواتُها مِن الثّنائِي إِذا تُهجِّيت مَقْصورَةٌ، لأنَّها ليسَتْ بأسْماءٍ وإنَّما جاءَتْ فِي التّهجي على الوَقْفِ، وَإِذا أَرَدْتَ أَن تَتَلفَّظَ بحُرُوفِ المُعْجمِ قَصَرْتَ وأَسْكَنْتَ، لأنَّكَ لسْتَ تُريدُ أَن تَجْعلَها اسْماً، ولكنَّك أَرَدْتَ أَنْ تُقَطِّعَ حُروفَ الاسمِ فجاءَتْ كأَنَّها أَصْواتٌ تصَوِّبُ بهَا، إلاَّ أَنَّكَ تَقِفُ عنْدَها بمنْزِلَةِ عِهْ. وتَأْتي (على خَمْسةِ أَوْجُهٍ:
(ضميرٌ للغائِبِ وتُسْتَعْمَلُ فِي موضِعِ النَّصْبِ والجَرِّ) كَقَوْلِه تَعَالَى: {قَالَ لَهُ صاحِبُه وَهُوَ يُحاوِرُه} ، فالهاءُ فِي صاحِبِه فِي موضِع جَرَ، وَفِي يُحاوِرُه فِي موضِع نَصْبٍ، وكِلاهُما ضَمِيرانِ للغائِبِ المُذكَّرِ. وَفِي الصِّحاح: والهاءُ قد تكونُ كِنايَةً عَن الغائِبِ والغائِبَةِ نقولُ: ضَرَبَهُ وضَرَبَها.
(الثَّاني: تكونُ حَرْفاً للغَيْبةِ، وَهِي الهاءُ فِي إيَّاهُ) تَعْبدُونَ، وإيَّاها قَصَدْت.
(الثَّالثُ: هاءُ السَّكْتِ: وَهِي اللاَّحِقَةُ لبَيانِ حَرَكَةٍ أَو حَرْفٍ نحوُ ماهِيَهْ وَهَا هُناهْ، وأصْلها أنْ يُوقَفَ عَلَيْهَا ورُبَّما وُصِلَتْ بنِيَّةِ الوَقْفِ) . وَفِي اللّبابِ: هاءُ السَّكْتِ تلحقُ المُتَحرِّك بحَرَكَةٍ إعْرابِيَّة للوَقْفِ نحوُ ثمه وكيفه وَقيل: لم أبله لتَقْديرِ الحَرَكَةِ كَمَا أُسْقِطَ أَلِفُ هَا فِي هَلُمَّ لتَقْديرِ سكونِ اللامِ وَهِي ساكِنَةٌ وتَحْريكُها لَحْنٌ، وَنَحْو: يَا مَرْحَباه بحمارِ عفْراء، وَيَا مَرْحباه بحمارِ ناجِيَة، ممَّا لَا يُعْتدُّ بِهِ، انتَهَى. وَفِي الصِّحاح: وَقد تُزاد الهاءُ فِي الوقْفِ لبَيانِ الحَرَكَةِ نَحْو لِمَهْ وسُلْطانِيَهْ ومالِيَهْ وثُمَّ مَهْ، بمعْنَى ثُمَّ مَاذَا، وَقد أَتَتْ هَذِه الهاءُ فِي ضَرُورَةِ الشِّعْر، كَمَا قَالَ: هُمُ القائلُونَ الخَيْرَ والآمِرُونَهُ
إِذا مَا خَشَوْا مِن مُعْظَمِ الأمْرِ مُفْظِعاً فأَجْراها مُجْرَى هَاء الإضْمارِ، انتَهَى. وتُسَمَّى هَذِه الْهَاء، يَعْني الَّتِي فِي سُلْطانِيَهْ ومالِيَه، هاءُ الاسْتِراحَةِ؛ كَمَا فِي البَصائِرِ للمصنِّفِ.
(الَّرابعُ) : الهاءُ (المُبْدَلَةُ مِن) الهَمْزةِ: قَالَ ابنُ برِّي: ثلاثَةُ أَفْعالٍ أبْدلُوا مِن هَمْزتِها هاءُ، وَهِي: هَرَقْت الماءَ، وهَنَرْتُ الثّوْبَ، وهَرَحْتُ الدابَّةَ، والعربُ يُبْدِلونَ (هَمْزةَ الاسْتِفهامِ) هَاء، وأنْشَدَ الجَوْهرِي:
(وأَتَى صَواحِبُها فقُلْنَ هَذَا الَّذِي (مَنَحَ المَوَدَّةَ غيرَنا وجَفانَا) أَي أَذا الَّذِي. ووُجِدَ بخطِّ الأزْهري فِي التَّهْذِيب:
وأَتَتْ صَواحِبُها فقُلْنَ هَذَا الَّذِي
رَامَ القَطِيعَةَ بَعْدَنا وجَفاناوقال البَدْرُ الْقَرَافِيّ: زَعَمَ بعضُهم أنَّ الأصْلَ هاذا الَّذِي فحذِفَتِ الألِفُ للوَزْنِ.
(الخامسُ: هاءُ التَّأْنيثِ، نَحْو: رَحْمَهْ فِي الوَقْفِ) ، وَهِي عنْدَ الكُوفيِّين أَصْلٌ وَفِي الوَصْل بَدَلٌ، والبَصْرِيّون بعَكْسِ ذلكَ، قالَهُ القَرافي. وَفِي الصِّحاح: قالَ الفرَّاء: والعربُ تَقِفُ على كلِّ هاءٍ مُؤَنَّثٍ بالهاءِ إلاَّ طَيِّئاً فإنّهم يَقفُونَ عَلَيْهَا بالتاءِ فَيَقُولُونَ: هَذِه أَمَتْ وجارِيَتْ وطَلْحَتْ. هَا
(وَهَا) ، بفخامَةِ الألِفِ: (كَلمةُ تَنْبِيهٍ) للمُخاطَبِ يُنَبِه بهَا على مَا يُساقُ إِلَيْهِ مِن الكَلام. قَالُوا: هَا السَّلامُ عَلَيْكم، فها مُنَبِّهةٌ مُؤَكِّدَةٌ؛ وَقَالَ الشاعرُ:
وَقَفْنا فقُلْنا هَا السَّلامُ عَلَيْكُمُ
فأَنْكَرَ هَا ضَيْقُ المَحَمِّ غَيُورُوفي الصِّحاح: حَرْفُ تَنْبيهٍ؛ قَالَ النابغَةُ:
هَا إنَّ تا عِذْرَةٌ إلاَّ تَكُنْ نَفَعَتْ
فإنَّ صاحِبَها قد تاهَ فِي البَلَدِ (وتَدْخُلُ فِي ذَا) للمُذَكَّرِ (وذِي) للمُؤَنَّثِ (تقولُ: هَذَا وهذهِ وهاذاكَ وهاذِيكَ) إِذا لحِقَ بهما الكافُ.
قَالَ الأزْهرِي: وأَمَّا هَذَا إِذا كانَ تَنْبيهاً فإنَّ أَبا الهَيْثم قالَ: هَا تَنْبِيهٌ تَفْتَتِحُ العربُ بهَا الكَلامَ بِلا مَعْنى سِوَى الافْتِتاح، تقولُ: هَذَا أَخُوكَ، هَا إنَّ ذَا أَخُوكَ، (أَو ذَا لِمَا بَعُدَ وَهَذَا لِمَا قَرُبَ) ، وَقد تقدَّمَ البَحْثُ فِيهِ مُفَصَّلاً فِي تركيبِ ذَا.
(وَهَا: كِنايَةٌ عَن الواحِدةِ كَرَأَيْتُها.
(و) أَيْضاً: (زَجْرٌ للإبِلِ ودُعاءُ لَهَا) ، ويُبْنَى على الكَسْر إِذا مُدَّ تقولُ: هَا هَيْتُ بالإِبِلِ إِذا دَعَوْتَها، كَمَا تقدَّمَ فِي حاحَيْتُ.
(و) هَا أَيْضاً: (كَلمةُ إجابَةٍ) وتَلْبيةٍ. وَفِي التهذيبِ: يكونُ جوابَ النِّداءِ يُمَدُّ ويُقْصَر؛ وأَنْشَدَ:
لَا بَلْ يُجِيبُكَ حينَ تَدْعُو باسْمِه
فيقولُ: هاءَ وطالَما لَبَّى قَالَ: يَصِلُونَ الهاءَ بألفٍ تَطْويلاً للصَّوْتِ؛ قالَ: وأَهْلُ الحجازِ يَقُولُونَ فِي مَوْضِع لَبَّى فِي الإجَابِة لَبَى خَفِيفَةً.
قُلْت: وَهِي الآنَ لُغَةُ العَجَمِ قاطِبَةً.
(وَهَا: تكونُ اسْماً لفِعْلٍ وَهُوَ خُذْ، وتُمَدُّ) ، وَمِنْه حديثُ الرِّبا: (لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَب إِلاَّ هاءَ وهاءَ) ؛ قَالَ بعضُهم: هُوَ أَنْ يَقُولَ كلُّ واحِدٍ مِن البائِعَيْن هاءَ أَي خُذْ فيُعْطِيه مَا فِي يَدِه ثمَّ يَفْتَرِقانِ، وقيلَ: مَعْناه هاكَ وهاتِ، أَي خُذْ وأَعْطِ. وقالَ الأزْهري: إلاَّ هاءَ وهاءَ، أَي إلاَّ يدا بيَدٍ يَعْني مُقابَضَةً فِي المَجْلِسِ والأصْلُ فِيهِ هاكَ وهاتِ.
وَقَالَ الْخطابِيّ: أَصْحابُ الحديثِ يَرْوُونه هَا وَهَا، ساكِنَةَ الألِفِ، والصَّوابُ مَدُّها وفَتْحُها لأنَّ أَصْلَها هاكَ، أَي خُذْ فحُذِفَ الكافُ وعُوِّضَ مِنْهَا المَدَّة والهَمْزة، وغَيْر الْخطابِيّ يُجِيزُ فِيهَا السكونَ على حَذْفِ العِوَضِ وتَنْزِلُ مَنْزِلَةَ هَا الَّتِي للتَّنْبيهِ.
(ويُسْتَعْملانِ بكافِ الخِطابِ) ، يقالُ: هَاكَ وهاءَكَ؛ قَالَ الكِسائي: مِن العَرَبِ مَنْ يقولُ: هاكَ يَا رَجُل، وهاكُما هَذَا يَا رَجُلانِ، وهاكُم هَذَا يَا رِجالُ، وهاكِ هَذَا يَا امْرأَةُ، وهاكُما هَذَا يَا امْرأَتانِ، وهاكُنَّ يَا نِسْوةُ.
قَالَ الأزْهرِي: قَالَ سِيبَوَيْه: فِي كَلامِ العربِ هاءَ وهاءَك بمنْزِلَةِ حَيَّهَلَ وحَيَّهَلَكَ، وكقولِهم النَّجاءَكَ، قَالَ: وَهَذِه الكافُ لم تَجِىءْ عَلَماً للمَأْمُورِينَ والمَنْهِيِّينَ والمُضْمَرِينَ، وَلَو كانتْ عَلَماً للمُضْمَرِينَ لكانتُ خَطَأً لأنَّ المُضْمَرَ هُنَا فاعِلُونَ، وعلامَةُ الفاعِلِين الواوُ كقولكِ: افْعَلُوا، وإنَّما هَذِه الكافُ تَخْصِيص وتَوْكَيد وليسَتْ باسْمٍ، وَلَو كانتْ اسْماً لكانَ النَّجاءَكُ مُحالاً لأنَّكَ لَا تُضِيفُ فِيهِ ألِفاً ولاماً، قَالَ: وكَذلكَ كافُ ذلكَ ليسَ باسْم.
(ويجوزُ فِي المَمْدودَةِ أَنْ يُسْتَغْنَى عَن الكافِ بِتَصْريفِ هَمْزتِها تَصارِيفَ الكافِ) ، وفيهَا لُغاتٌ: قالَ أَبو زيْدٍ: (تقولُ هاءَ) يَا رَجُل (للمُذَكَّر، وهاءِ) يَا امْرأَةُ (للمُؤَنَّثِ) ، فِي الأوَّل بفَتْح الهَمْزةِ، وَفِي الثَّانِي بكسْرِها مِن غَيْر ياءٍ. قَالَ ابنُ السِّكيت: (و) يقالُ: (هاؤُمَا) يَا رَجُلانِ، (وهاؤُنْ) يَا نِسْوةُ، (وهاؤُمْ) يَا رِجالُ؛ (وَمِنْه) قَوْله تَعَالَى: {هاؤُمُ اقْرَؤُا) كِتابِيَهْ} . قالَ اللّيْثُ قد تَجِيءُ الهاءُ خَلَفاً مِن الألِفِ الَّتِي تُبْنَى للقَطْعِ، قَالَ الله، عزَّ وجلَّ: {هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَه} ؛ جاءَ فِي التَّفْسيرِ أنَّ الرجُلَ مِن المُؤْمِنِين يُعْطَى كِتابه بيَمِينِه، فَإِذا قَرَأَهُ رَأَى فِيهِ تَبْشِيرَه بالجنَّةِ فيُعْطِيه أَصْحابَهُ فيقولُ: هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِي، أَي خُذُوه واقْرَؤُوا مَا فِيهِ لتَعْلَمُوا فَوْزِي بالجنَّةِ، يدلُّ على ذلكَ قولهُ: {إنِّي ظَنَنْتُ} ، أَي عَلِمْتُ {أَنِّي مُلاقٍ حسابِيَهْ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ} وَقَالَ أَبو زيْدٍ: يقالُ فِي التَّثْنيةِ هائِيا فِي اللُّغَتَين جَميعاً، وهاؤُنَّ يَا نِسْوةُ؛ ولُغَة ثانِيَة: هَاء يَا رَجُلُ، وهاآ بمنْزِلَةِ هاعَا، وللجَمِيعِ هاؤُوا، وللمرأَةِ هائِي، وللثِّنْتَيْن هائِيا، وللجَمِيعِ هائِينَ؛ وأَنْشَدَ أَبو زيْدٍ:
قُومُوا فهاؤُوا الحَقَّ تَنْزِلْ عِنْدَه
إذْ لم يَكُنْ لَكُم عَلَيْنا مَفْخَرُوقال أَبو حزَام، العكْلِي:
فهاؤا مضابئة لم تؤل وَقد ذُكِرَ فِي ضبأ.
(الثَّاني: تكونُ ضميراً للمُؤَنَّثِ فتُسْتَعْملُ مَجْرورَةَ المَوْضِعِ ومَنْصوبَتَه نحوُ) قَوْله تَعَالَى: {فأَلْهَمَها فُجُورَها وتَقْوَاها} فالضميرُ فِي أَلْهَمَها مَنْصوبُ الموضِع، وَفِي فُجُورها وتَقْواها مَجْرورُه.
(الثَّالثُ: تكونُ للتَّنْبيهِ فَتَدْخُلُ على أَرْبعةٍ:
(أَحَدُها) : الإشارَةُ غيرُ المُخْتَصَّةِ بالبعيدِ كهذَا) بخِلافِ ثُمَّ وهُنَّا، بالتَّشْديدِ، وهُنالِكَ.
(الثَّاني: ضميرُ الرَّفْعِ المُخْبَرُ عَنهُ باسْمِ الإشارَةِ نحوُ: {هَا أَنْتُم أُولاءِ) تُحبُّونَهم} ، و {هَا أَنْتُم هؤُلاء حاجَجْتُم} ؛ ويقالُ إنَّ هَذِه الهاءَ تُسَمَّى هَاء الزَّجْر.
(الثَّالثُ: نَعْتُ أَيَ فِي النِّداءِ نحوُ: يَا أَيُّها الرَّجُلُ، وَهِي فِي هَذَا واجِبَةٌ للتَّنْبِيهِ على أنَّه المَقْصُودُ بالنِّداءِ) ، قيل: وللتَّعْويضِ عمَّا تُضافُ إِلَيْهِ أَيّ، قَالَ الأزْهري: قالَ سِيبَوَيْهٍ، وَهُوَ قَوْلُ الْخَلِيل، إِذا قُلْتَ يَا أَيُّها الرَّجُلُ، فأَيُّ اسْمٌ مُبْهَمٌ مَبْنيٌّ على الضمِّ لأنَّه مُنادًى مُفْرَدٌ والرَّجُلُ صِفَةٌ لأيَ، تقولُ يَا أَيُّها الرَّجُلُ أَقْبِلْ وَلَا يجوزُ يَا الرُّجُلُ، أَقْبِلْ، لأنَّ يَا تَنْبِيهٌ بمنْزِلَةِ التَّعْريفِ فِي الرَّجُل وَلَا يُجْمَعُ بينَ يَا وبينَ الألِفِ واللامِ فيَتَّصِل إِلَى الألِفِ واللامِ بأيَ، وَهَا لازمَةٌ لأيَ البَتَّة، وَهِي عِوَضٌ مِن الإضافَةِ فِي أَيَ لأنَّ أَصْلَ أَيَ أَنْ تكونَ مُضافَةً إِلَى الاسْتِفْهامِ والخَبَرِ. وتقولُ للمَرْأَةِ يَا أَيَّتُها المرأَةُ.
(ويجوزُ فِي هَذِه، فِي لُغَةِ بَني أَسَدٍ، أَنْ تُحْذَفَ أَلِفُها وأَن تُضَمَّ هاؤُها اتْباعاً، وَعَلِيهِ قِراءَةُ ابنِ عامِرٍ: {أَيُّهُ الثَّقَلانِ} ،) {أَيُّهُ المُؤْمِنُونَ} (بضمِّ الهاءِ فِي الوصلِ) ، وكُلُّهم مَا عَداهُ قَرَؤُا أَيُّها الثَّقَلان وأَيُّها المُؤْمِنُون. وقالَ سِيبَوَيْه: وَلَا مَعْنَى لقِراءَةِ ابنِ عامِرٍ، وَقَالَ ابنُ الأنْبارِي: هِيَ لُغَةٌ وخصّ غَيْره ببَني أَسَدٍ كَمَا للمصنِّفِ.
(الَّرابعُ) : اسْمُ اللهاِ فِي القَسَمِ عنْدَ حَذْفِ الحَرْفِ تقولُ: هَا اللهاِ بقَطْع الهمزةِ ووصْلِها وكلاهُما مَعَ إثْباتِ أَلِفِ هَا وحَذْفِها) .
وَفِي الصِّحاح: وهَا للتّنْبِيهِ قد يُقْسَمُ بهَا يقالُ: لَا هَا اللهِ مَا فَعَلْتُ، أَي لَا واللهِ، أُبْدِلَتِ الهاءُ مِن الواوِ، وَإِن شِئْتَ حذَفْتَ الألِفَ الَّتِي بعدَ الهاءِ، وإنْ شِئْتَ أَثْبَتَّ، وَقَوْلهمْ: لَا هَا اللهاِ ذَا، أَصْلُه لَا واللهاِ هَذَا، ففَرقْتَ بينَ هَا وَذَا وجَعَلْتَ الاسْمَ بَيْنهما وجَرَرْتَه بحَرْفِ التَّنْبِيهِ، والتَّقْديرُ لَا واللهاِ مَا فَعَلْتُ هَذَا، فحُذِفَ واخْتُصِرَ لكَثْرةِ اسْتِعْمالِهم هَذَا فِي كَلامِهم وقُدِّمَ هَا كَمَا قُدِّمَ فِي قولِهم هَا هُو ذَا وَهَا أَنا ذَا؛ قَالَ زهيرٌ:
تَعَلَّمَنَ هَا لَعَمْرُ اللهاِ ذَا قَسَماً
فاقْصِدْ لذَرْعِكَ وانْظُرْ أَيْنَ تَنْسَلِكُانتهى.
وَفِي حديثِ أَبي قتادَةَ يومَ حُنَينٍ: (قَالَ أَبو بَكْرٍ: لَا هَا اللهاِ إِذا لَا نَعْمِدُ إِلَى أَسَدٍ مِن أُسْدِ اللهاِ يُقاتِلُ عَن اللهاِ ورَسُولِه فنُعْطِيكَ سَلَبَه) ؛ هَكَذَا جاءَ الحديثُ لَا هَا اللهاِ إِذا، والصَّوابُ لَا هَا اللهاِ ذَا بحذْفِ الهَمْزةِ، ومَعْناه لَا واللهاِ وَلَا يكونُ ذَا وَلَا واللهاِ الأمْرُ ذَا، فحُذِفَ تَخْفِيفاً، ولكَ فِي أَلِفِها مَذْهبانِ: أَحَدُهما: تُثْبِتُ أَلِفَها لأنَّ الَّذِي بعدَها مُدْغَمٌ مثلُ دابّةٍ. وَالثَّانِي: أَنْ تَحْذِفَها لالْتِقاءِ الساكِنَينِ؛ قالَهُ ابنُ الأثيرِ.
(وَهُوَ بالضَّمِّ: د بالصَّعِيدِ) الأعْلَى على تلَ بالجانِبِ الغَرْبيِّ دونَ قوص؛ وَقد ذَكَرْناه فِي هُوَ المُشَدَّدَةِ، لأنَّه جَمْعُ هُوَّةٍ، وَهُوَ الأَلْيقُ بأسْماءِ المَواضِع.
(وهَيُوة: حِصْنٌ باليَمنِ) لبَني زبيدٍ؛ كَمَا قالَهُ ياقوت، وَلم يَضْبْطه. وَهُوَ فِي التّكْملةِ بفَتْحٍ فسكونٍ والأخيرَةُ مَضْمومَةٌ.
وممَّا يُسْتدركُ عَلَيْهِ:
قَالَ الجَوْهرِي: والهاءُ تُزادُ فِي كَلامِ العربِ على سَبْعةِ أَضْرُبٍ.
أَحَدُها:) للفَرْقِ بينَ الفاعِلِ والفاعِلَةِ مثْلُ ضارَبٍ وضارِبَةٍ وكَرِيمٍ وكَرِيمَةٍ.
والثَّاني:) للفرْقِ بينَ المُذكَّرِ والمُؤَنَّثِ فِي الجِنْسِ نحوُ امْرىءٍ وامْرأَةٍ.
والثَّالثُ:) للفرْقِ بينَ الواحِدِ والجَمْع مثْلُ بَقَرَةٍ وبَقَرٍ وثَمْرَةٍ وثَمْرٍ.
والَّرابعُ:) لتَأْنيثِ اللّفْظَةِ وَإِن لم يَكُنْ تَحْتها حَقِيقَة تَأْنِيثٍ نَحْو غُرْفَةٍ وقِرْيَةٍ.
والخَّامسُ:) للمُبالَغَةِ نحُو عَلاَّمَةٍ ونسَّابَةٍ، وَهَذَا مَدْحٌ، وهِلْباجَةٍ وعَقاقةٍ، وَهَذَا ذَمٌّ، وَمَا كانَ مِنْهُ مَدْحاً يَذْهبُونَ بتَأْنِيثِه إِلَى تَأْنيثِ الغايَةِ والنِّهايَةِ والداهِيَةِ؛ وَمَا كانَ ذَمّاً يذْهَبْونَ بِهِ إِلَى تأْنِيثِ البَهِيمةِ، وَمِنْه مَا يَسْتَوي فِيهِ المُذكَّرُ والمُؤَنَّثُ نحوُ رَجُل مَلُولٌ وامرأَةٌ مَلْولةُ.
والسَّادسُ:) ماكانَ واحِداً مِن جِنْسٍ يَقَعُ على الذَّكَرِ والأُنْثَى نَحْو بَطَّة وحَيَّة.
والسَّابعُ:) تَدْخُلُ فِي الجَمْعِ لثلاثَةِ أَوْجُهٍ: (أَحَدُها) أَنْ تدلَّ على النَّسَبِ نَحْو المَهالِبَةِ والمَسامِعَةِ، (وَالثَّانِي) : أَنْ تدلَّ على العُجْمةِ نَحْو الموازِجةِ والجَوارِبةِ ورُبَّما لم تَدْخل بفيها الهاءُ كقولِهم كيَالِج؛ (والثالثُ) : أنْ تكونَ عِوَضاً مِن حَرْفٍ مَحْذوفٍ نَحْو المَرازِبةِ الزَّنادِقةِ والعَبادِلةِ، وَقد تكونُ الهاءُ عِوَضاً مِن الواوِ الذَّاهبَةِ مِن فاءِ الفِعْلِ نَحْو عِدَةِ وصِفَةِ، وَقد تكونُ عِوَضاً مِن الواوِ والياءِ الذّاهبَةِ مِن عيْنِ الفِعْلِ نَحْو ثُبةِ الحَوْضِ، أَصْلُه مِن ثابَ الماءُ يَثُوبُ إِذا رَجَعَ، وقولُهم أَقامَ إِقَامَة أَصْلُه إقْواماً، وَقد تكونُ عِوَضاً مِن الياءِ الذَّاهبَةِ مِن لامِ الفِعْلِ نَحْو مائِةٍ ورِئةٍ وبُرةٍ انتَهَى.
وَمِنْهَا: هَاء العِمادِ كَقَوْلِه تَعَالَى: {إنَّ ااَ هُوَ الرَّزَّاقُ} ، {إِن كانَ هَذَا هُوَ الحَقُّ} ، {إنَّه هُوَ يُبْدِىءُ ويُعِيدُ} .
وهاءُ الأداةِ: وتكونُ للاسْتِبْعادِ نَحْو: هَيْهات؛ أَو للاسْتِزَادَةِ نَحْو: إيه؛ أَو للانْكِفافِ نَحْو: إيهَا، أَي كُفَّ؛ أَو للتَّحْضيضِ نَحْو: ويها؛ أَو للتَّوجّعِ نَحْو: آه وأوّه؛ أَو للتَّعَجُّبِ نَحْو: واه وهاه.
وَقَالَ الجَوْهرِي فِي قَوْله تَعَالَى: {هَا أَنْتُم هَؤُلاءِ} ، إنَّما جَمَعَ بينَ التَّنْبِــيهَيْن للتَّوْكيدِ، وكَذلكَ أَلا يَا هَؤُلاء.
وَقَالَ الأزْهري: يَقُولُونَ: هَا أنَّكَ زَيْدٌ مَعْناهُ أَنَّك فِي الاسْتِفْهامِ، يَقْصِرُون فَيَقُولُونَ هانك زيْدٌ فِي موضِعِ أَأنَّك زَيْدٌ.
وَفِي الصِّحاح: وَهُوَ للمُذَكَّر، وَهِي للمُؤَنَّثِ، وإنَّما بَنَوا الواوَ فِي هُوَ والياءَ فِي هيَ على الفَتْح ليَفْرُقُوا بينَ هَذِه الْوَاو وَالْيَاء الَّتِي هِيَ مِن نَفْسِ الاسْمِ المَكْنِيِّ وبينَ الياءِ والواوِ اللَّتَيْنِ يكونانِ صِلَةً فِي نَحْو قَوْلك: رأَيْتُهو ومَرَرْتُ بهِي، لأنَّ كلَّ مَبْنِيَ فحقّه أَن يُبْنى على السكونِ، إلاَّ أَن تَعْرِضَ عِلَّة تُوجِبُ لَهُ الحَرَكَة، وَالَّتِي تَعْرِضُ ثلاثَةُ أَشْياء: أَحَدُها اجْتِماعُ الساكِنَيْنِ مِثْلُ كيفَ وأَيْنَ؛ وَالثَّانِي: كَوْنه على حَرْفٍ واحِدٍ مِثْل الباءِ الزائِدَةِ؛ والثالثُ: للفَرْقِ بَيْنه وبينَ غيرِهِ مِثْلُ الفِعْلِ الماضِي بُني على الفَتْح لأنَّه ضَارَعَ الاسْمَ بعضَ المُضارَعَةِ ففُرِقَ بالحَرَكَةِ بَيْنه وبينَ مَا لم يُضارِعْ، وَهُوَ فِعْلُ الأمْرِ المُواجَهِ بِهِ نَحْو افْعَلْ؛ وأَمَّا قولُ الشاعرِ:
مَا هِيَ إلاَّ شَرْبَةٌ بالجَوْأَبِ
فَصَعِّدِي مِنْ بَعْدِها أَو صَوِّبيوقولُ بنْتِ الحُمارِس:
هَل هِيَ إلاَّ حِظةٌ أَو تَطْلِيقْ
أَو صَلَفٌ مِنْ بَينِ ذاكَ تَعْلِيقْ؟ فإنَّ أَهْلَ الكُوفَةِ يَقُولُونَ: هِيَ كِنايَةٌ عَن شيءٍ مَجْهولٍ، وأَهْلَ البَصْرةِ يَتَأَوَّلُونَها القِصَّة.
قَالَ ابنُ برِّي: وضميرُ القِصة والشَّأْنِ عنْدَ أَهْلِ البَصْرةِ لَا تُفَسِّره إلاَّ الجماعَةُ دونَ المُفْردِ.
وَفِي المُحْكم: هُوَ كِنايَةٌ عَن الواحِدِ المُذكَّرِ.
قَالَ الكِسائي: هُوَ أَصْلُه أَن يكونَ على ثلاثَةِ أَحْرُفٍ مِثْل أَنتَ فيقالُ هُوَّ فَعَلَ ذلكَ، قالَ: ومِن العربِ مَنْ يُخَفِّفه فيقولُ هُوَ فَعَلَ ذلكَ.
قَالَ اللّحْياني: وحكَى الكِسائي عَن بَني أَسَدٍ وتمِيمٍ وَقيس هُوْ فَعَلَ ذلكَ بإسْكانِ الواوِ؛ وأنْشَدَ لعبَيدٍ:
ورَكْضُكَ لوْلا هُو لَقِيَ الَّذِي لَقُوا
فأَصْبَحْتَ قد جاوَرْتَ قَوْماً أَعادِياوقال الكِسائي: بعضُهم يُلْقي الواوَ مِن هُو إِذا كانَ قَبْلَها أَلفٌ ساكنَةٌ فيقولُ حتَّاهُ فَعَلَ ذلكَ، وإنَّماهُ فَعَلَ ذلكَ، قَالَ: وأَنْشَدَ أَبو خالدٍ الأسَدي:
إذاهُ لم يُؤْذَنْ لَهُ لَمْ يَنْبِس قَالَ؛ وأَنْشَدَني لحشَّاف:
إذاهُ سامَ الخَسْفَ آلاَ فقَسَمْ
باللهاِ لَا يَأْخُذُ إلاَّ مَا احْتَكَمْقال: وأَنْشَدَنا أَبو مجالِدٍ للعُجَيْر السَّلُولي:
فبَيْناهُ يَشْري رَحْلَه قَالَ قائلٌ
لمَنْ جَمَلٌ رِخْوُ المِلاطِ نَجِيبُوقال ابنُ جنِّي: إنَّما ذلكَ لضَرُورَةِ الشِّعْرِ والتَّشْبيهِ للضَّميرِ المُنْفَصِل بالضّميرِ المُتَّصلِ فِي عَصاهُ وفَتاهُ، وَلم يُقَيِّد الجَوْهرِي حَذْفَ الْوَاو مِن هُوَ بِمَا إِذا كانَ قَبْلَها أَلفٌ ساكنَةٌ بل قَالَ ورُبَّما حُذِفَتْ مِن هُوَ الْوَاو فِي ضَرُورة الشِّعْرِ، وأَوْرَدَ قولَ العُجَير السَّلُولي السابقَ؛ قالَ: وقالَ آخرُ:
إنَّ هـ لَا يُبْرِىءُ داءَ الهُدَبِدْ
مِثْلُ القَلايا مِنْ سَنامٍ وكَبِدْوكَذلكَ الْيَاء مِن هِيَ؛ وأَنْشَدَ:
دارٌ لسُعْدَى إذْهِ مِن هَواكا انتَهَى.
وَقَالَ الكِسائي: لم أَسْمَعْهم يُلْقُونَ الواوَ والياءَ عنْدَ غيرِ الألفِ.
قُلْت: وقولُ العُجَير السَّلُولي الَّذِي تقدَّمَ هَكَذَا هُوَ فِي الصِّحاحِ وسائِرِ كتبِ اللغةِ والنّحْو رِخْوُ المِلاطِ نجيبُ. وَقَالَ ابنُ السِّيرافي: الَّذِي وُجِدَ فِي شِعْره: رِخْوُ المِلاطِ طَوِيلُ؛ وقَبْله:
فباتَتْ هُمُومُ الصَّدْرِ شَتَّى تَعُدْنَه
كَمَا عِيدَ شِلْوٌ بالعَراءِ قَتِيلُوبعده:
مُحَلًّى بأطْواقٍ عِتاقٍ كأَنَّها
بَقايا لُجَيْنٍ جَرْسُهنَّ صَلِيلُانتَهَى.
قُلْتُ: يُرْوَى أَيْضاً رِخْوُ المِلاطِ ذَلولُ.
وتَثْنِيةُ هُوَ هُما وجَمْعُه هُمُو، فأمَّا قولهُ هُم فمَحْذوفَةٌ مِن هُمُو كَمَا أنَّ مُذْ مَحْذوفةٌ مِن مُنْذُ، وأمَّا قولُك رأَيْتُهو فإنَّما الاسْمُ هُوَ الهاءُ وجِيءَ بِالْوَاو لبَيانِ الحَركَةِ، وكَذلكَ لَهُو مالٌ إنَّما الاسْمُ مِنْهَا الهاءُ وَالْوَاو لما قدَّمْنا، ودَليلُ ذلكَ أنَّك إِذا وقفْتَ حذفْتَ الواوَ فقلْتَ رأَيْتُه والمالُ لَهْ، وَمِنْهُم مَنْ يحذِفُها فِي الوَصْلِ مَعَ الحركَةِ الَّتِي على الهاءِ ويسكِّنُ الهاءَ؛ حكَى اللّحْياني عَن الكِسائي: لَهْ مالٌ أَي لَهُو مالٌ.
قَالَ الجَوْهرِي: ورُبَّما حذَفُوا الواوَ مَعَ الحَركَةِ؛ قالَ الشاعرُ، وَهُوَ يَعْلَى الأَحْوَل:
أَرقْتُ لبَرْقٍ دُونَه شَرَوانِ
يَمانٍ وأَهْوَ البَرْقَ كُلَّ يَمانِفظَلْتُ لَدَى البَيْتِ العَتِيقِ أُخِيلُهو
ومِطْوايَ مُشْتاقانِ لَهْ أَرِقانِفلَيْتَ لَنا مِن ماءِ زَمْزَمَ شَرْبةً
مُبَرَّدةً باتَتْ على طَهَيانِقال ابنُ جنِّي: جَمَعَ بينَ اللُّغَتَيْن يَعْني إثباتَ الواوِ فِي أُخِيلُهو وإسْكانَ الهاءِ فِي لَهْ. عَن حَذْف لَحِقَ الكَلِمةَ بالضّعةِ.
قَالَ الجَوْهرِي: قالَ الأخْفَش: وَهَذَا فِي لُغَةِ أُزْدِ السَّراةِ كثيرٌ.
قا ابنُ سِيدَه: ومِثْلُه مَا رُوِي عَن قُطْرب فِي قولِ الآخر:
وأشْرَبُ الماءَ مَا بِي نَحْوَ هُو عَطَشٌ
إلاَّ لأَنَّ عُيُونَهْ سَيْلُ وادِيهافقال: نَحْوَ هُو عَطَشٌ بالواوِ، وَقَالَ: عُيُونَهْ بإسْكانِ الهاءِ. وأَمَّا قولُ الشمَّاخ:
لَهُ زَجَلٌ كأَنَّهُو صَوْتُ حادٍ
إِذا طَلَبَ الوَسِيقةَ أَوْ زَمِيرُفليسَ هَذَا لُغَتَيْنِ لأنَّا لَا نَعْلم رِوايَةً حَذْفَ هَذِه الواوِ وإبْقاء الضمَّةِ قَبْلَها لُغَةً، فيَنْبَغي أَن يكونَ ذلكَ ضَرُورَةً وضعة لَا مَذْهباً وَلَا لُغَةً، ومِثْلُه الهاءُ فِي قولهِ بهِي هِيَ الاسْمُ والياءُ لبَيانِ الحَركَةِ، ودليلُ ذلكَ أَنَّك إِذا وقفْتَ قلْتَ بِهْ، ومِن العربِ مَنْ يقولُ بهِي وبِهْ فِي الوَصْل.
قَالَ اللّحْياني: قَالَ الكِسائي: سَمِعْتُ أعْرابَ عُقَيْل وكلابٍ يَتَكَّلمُونَ فِي حالِ الرَّفْعِ والخَفْضِ وَمَا قَبْلَ الهاءِ مُتحرِّك، فيجْزِمُونَ الهاءَ فِي الرفْعِ ويَرْفَعُونَ بغيرِ تَمامٍ، ويجزِمُونَ فِي الخفْضِ ويخْفضُونَ بغيرِ تمامٍ، فَيَقُولُونَ: {إنَّ الإِنسانَ لرَبِّهُ لَكَنُودُ} بالجزْمِ، ولرَبِّه لَكَنُودٌ، بغيرِ تمامٍ، ولَهُ مالٌ ولَهْ مالٌ، وَقَالَ: التَّمامُ أحبُّ إليَّ وَلَا ينظرونَ فِي هَذَا إِلَى جزْمٍ وَلَا غيرِ لأنَّ الإعْرابَ إنَّما يَقَعُ فيمَا قَبْل الهاءِ؛ وَقَالَ: كانَ أَبو جَعْفرٍ قارِىءَ المدينَةِ يخْفضُ ويرْفَعُ لغيرِ تمامٍ؛ قَالَ: وأَنْشَدَ أَبو حزامٍ العُكْلِي:
لي والِدٌ شَيْخٌ تَحُضُّهْ غَيْبَتي
وأَظُنُّ أنَّ نَفادَ عُمْرِهْ عاجِلُفخفَّف فِي مَوْضِعَيْن، وَكَانَ حمزةُ وأَبو عَمْرٍ ويجزمان الهاءَ فِي مثْلِ يُؤدِّهْ إِلَيْك، و {نُؤْتِهْ مِنْهَا} {ونُصْلِهْ جَهَنَّمَ} ، وسمعَ شيْخاً مِن هَوازِن يقولُ: عَلَيْهُ مالٌ، وَكَانَ يَقُول: عَلَيْهُم وفِيهُمْ وبهُمْ، قَالَ: وَقَالَ الكِسائي هِيَ لُغاتٌ يقالُ فيهِ وفِيهِي وفيهُ وفِيهُو، بتمامٍ وغيرِ تمامٍ، قَالَ: وَقَالَ لَا يكونُ الجَزْم فِي الهاءِ إِذا كانَ مَا قَبْلَها ساكِناً.
وَفِي التهذيبِ: قالَ اللّيْثُ: هُوَ كِنايَةُ تَذْكيرٍ، وهِي كِنايَةُ تأْنِيثٍ، وهُما للاثْنَيْن، وهُم للجماعَةِ مِن الرِّجالِ، وهُنَّ للنِّساءِ، فَإِذا وقَفْتَ على هُوَ وَصَلْتَ الْوَاو وقلْتَ هُوهْ، وَإِذا أَدْرَجْتَ طَرَحْتَ هاءَ الصِّلَةِ.
ورُوِي عَن أَبي الهَيْثم أَنّه قَالَ: مَرَرْتُ بهْ ومَرَرْتُ بِهِ ومَرَرْتُ بِهِي، قَالَ: وَإِن شِئْتَ مَرَرْتُ بِهْ وبِهُ وبِهُو، وكَذلكَ ضَرَبَه فِيهِ هَذِه اللُّغات، وكَذلكَ يَضْرِبُهْ ويَضْرِبُهُو، فَإِذا أَفْرَدْتَ الهاءَ مِن الاتِّصالِ بالاسْمِ أَو بالفِعْلِ أَو بالأداةِ وابْتَدأْتَ بهَا كَلامَكَ قلْت هُوَ لكلِّ مذكَّرٍ غائبٍ، وَهِي لكلِّ مؤنَّثَةٍ غائبَةٍ، وَقد جَرَى ذِكرُهُما فزِدْتَ واواً أَو يَاء اسْتِثْقالاً للاسْمِ على حَرْفٍ واحِدٍ، لأنَّ الاسْمَ لَا يكونُ أَقلَّ مِن حَرْفَيْن، قَالَ: وَمِنْهُم مَنْ يقولُ: الاسْمُ إِذا كانَ على حَرْفَيْن فَهُوَ ناقِصٌ قد ذهَبَ مِنْهُ حرْفٌ، فَإِن عَرَفْتَ تَثْنِيَتَه وجَمْعَه وتَصْغِيرَه وتَصْرِيفَه عُرفَ النَّاقِصُ مِنْهُ، وَإِن لم يُصَغَّر وَلم يُصَرَّف وَلم يُعْرَفْ لَهُ اشْتِقاقٌ زِيدَ فِيهِ مِثْل آخرِه فتقولُ: هُوَّ أَخُوكَ، فزَادُوا مَعَ الواوِ واواً؛ وأَنْشَدَ: وإنَّ لِسانِي شُهْدةٌ يُشْتَفَى بهَا
وهُوَّ على مَنْ صَبَّه اللهاُ عَلْقَمُكما قَالُوا فِي مِن وعَن وَلَا تَصْرِيفَ لَهُما فَقَالُوا: مِنِّي أَحْسَنُ مِن مِنْكَ، فزَادُوا نوناً مَعَ النونِ.
وَقَالَ أَبُو الهَيْثم: بَنُو أَسَدٍ تسكِّنُ هُوَ وهِيَ فَيَقُولُونَ: هُو زيدٌ وَهِي هنْدٌ، كأَنَّهم حذَفُوا المُتَحَرِّكَ، وَهِي قالَتْه وهُو قالَهُ؛ وأَنْشَدَ:
وكُنَّا إِذا مَا كانَ يَوْمُ كَرِيهةٍ
فَقَذْ عَلِمُوا أنِّي وهُو فَتَيانِفأَسْكَنَ.
ويقالُ: مَاهُ قالَهُ، وماهِ قالَتْه، يُرِيدُون مَا هُوَ وَمَا هِيَ؛ وأَمَّا قولُ جريرٍ:
تقولُ لي الأصْحابُ: هَل أَنتَ لاحِقٌ
بأَهْلِكَ إنَّ الزَّاهِرِيَّةَ لاهِياأَي لَا سَبِيلَ إِلَيْهَا؛ وكَذلكَ إِذا ذَكَرَ الرجُلُ شَيْئا لَا سَبِيلَ إِلَيْهِ، قَالَ لَهُ المُجيبُ: لَا هُوَ أَي لَا سَبِيلَ إِلَيْهِ فَلَا تَذْكُرُهُ.
ويقالُ: هُوَ هُوَ، أَي قَدْ عَرَفْتُهُ. ويقالُ: هِيَ هِيَ أَي هِيَ الداهِيَةُ الَّتِي قد عَرَفْتُها. وهُمْ أَي هُمْ الذينَ قد عَرَفْتُهم؛ قالَ الهُذَلي:
رَفَوْني وَقَالُوا يَا خُوَيْلِدُ لم تُرَعْ
فَقُلْتُ وأَنْكَرْتُ الوُجُوهَ هُمُ هُمُ [با] مهمة وفيهَا فوائَدٌ:
(الأُولى:) قَالَ الجَوْهرِي إِذا أَدْخَلْتَ الهاءَ فِي النُّدْبةِ أَثْبَتَّها فِي الوَقْفِ وحَذَفْتَها فِي الوَصْلِ، ورُبَّما ثَبَتَتْ فِي ضَرُورَةِ الشِّعْرِ فتُضَمُّ كالحَرْفِ الأصْلي. قَالَ ابنُ برِّي: صوابُه فتَضُمُّهما كهاءِ الضَّميرِ فِي عَصاهُ ورَحاهُ. قَالَ الجَوْهرِي: ويجوزُ كَسْره لإلْتِقاءِ الساكِنَيْنِ، هَذَا على قولِ أَهْلِ الكوفةِ؛ وأنْشَدَ الفرَّاء:
يَا رَبِّ يَا رَبَّاهُ إيَّاكَ أَسَلْعَفْراء يَا رَبَّاهُ مِنْ قَبْلِ الأَجَلْوقال قيسُ بنُ مُعاذٍ العامِرِي:
فنادَيْتُ: يَا رَبَّاهُ أَوَّلَ سَأْلَتيلنَفْسِيَ لَيْلى ثمَّ أنْتَ حَسِيبُهاوهو كثيرٌ فِي الشِّعْرِ وليسَ شيءٌ مِنْهُ بحُجَّةٍ عنْدَ أهْلِ البَصْرةِ، وَهُوَ خارجٌ عَن الأصْلِ.
(الثَّانية:) هَا، مَقْصورٌ: للتَّقْريبُ إِذا قيلَ لكَ: أَيْنَ أَنْتَ؟ فَقل: هَا أَنا ذَا، والمرأَةُ تقولُ: هَا أَنا ذِهْ، فَإِن قيل لَك: أَيْنَ فلانٌ؟ قلْتَ إِذا كانَ قرِيباً: هَا هُو ذَا، وَإِذا كانَ بَعيدا قلْتَ: هَا هُوَ ذاكَ؛ وللمرأَةِ إِذا كانتْ قريبَةً: هَا هِي ذِهْ، وَإِذا كانتْ بعيدَةً: هَا هِيَ تِلْكَ.
(الثَّالثة:) يقالُ هاءٍ بالتَّنْوينِ بِمعْنَى خُذْ؛ وَمِنْه قولُ الشاعرِ:
ومُرْبِحٍ قَالَ لي: هاءٍ فقُلْتُ لَهُحَيَّاكَ ربِّي لقَدْ أَحْسَنْتَ بِي هائي (الَّرابعة:) قد تَلْحقُ التاءُ بهَا فتكونُ بمعْنَى أَعْطِ، يقالُ: هاتِ هاتِيا هاتُوا وهاتِي هاتِينَ؛ وَمِنْه قولُه تَعَالَى: {قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُم} ؛ وَقيل: إنَّ الهاءَ بدلٌ من هَمْزةِ آتِ؛ وَقد ذُكِرَ فِي موضعِهِ؛ قَالَ الشاعرُ:
وجَدْتُ الناسَ نائِلُهُمْ قُرُوضٌ كنَقْدِ السُّوقِ خُذْ مِنِّي وهاتِ (الْخَامِسَة:) فِي حديثِ عُمَر قالَ لأبي موسَى، رضِي اللَّهُ عَنْهُمَا: هَا وإلاَّ جَعَلْتُكَ عِظةً، أَي هاتِ مَنْ يَشْهَدُ لكَ على قولِكَ.
(السَّادسة:) قولُه تَعَالَى: {وَهَذَا بَعْلِي شيْخاً} ، فَهَذَا مُبْتَدأ، وبَعْلِي خَبَرُه، وشيْخاً مَنْصوبٌ على الحالِ، والعامِلُ فِيهِ الإشارَةُ والتَّنْبِيه: وقَرَأَ ابنُ مَسْعود وأُبيَ: (وَهَذَا بَعْلِي شَيْخٌ) بِالرَّفْعِ، قَالَ النَّحاس: هَذَا مُبْتَدأٌ، وبَعْلِي بدلٌ مِنْهُ، وشيْخٌ خَبَرٌ، أَو بَعْلي وشيْخٌ خَبَرانِ لهَذَا، كَمَا يقالُ الرُّمَّانُ حُلْوٌ حاضٌ. وحَكَى المبرِّدُ أنَّ بعضَ الرُّؤساءِ عَزَمَ عَلَيْهِ مَعَ جماعَةٍ فغَنَّتْ جارِيَةٌ مِن وَراء السِّتر:
وَقَالُوا لَهَا: هَذَا حَبِيبُكِ مُعْرِضٌ فقالتْ: أَلا إعْراضُه يسر الخطبفما هِيَ إلاَّ نَظْرَة بتَبَسُّموتَصْطَكُّ رِجْلاهُ ويَسْقُط للجنبِفطَرِبَ الحاضِرُونَ إلاَّ المبرِّد، فعَجِبَ مِنْهُ رَبُّ المَنْزلِ، فَقَالَت: هُوَ مَعْذورٌ لأنَّه أَرادَ أنْ أَقولَ حَبِيبُكِ مُعْرِضاً، فظَنَّني لَحَنْتُ وَلم يَدْرِ أنَّ ابنَ مَسْعود قَرَأَ {وَهَذَا بَعْلِي شيْخٌ} بالرَّفْعِ، فطَرِبَ المبرِّدُ مِن هَذَا الجَرابِ حَتَّى شقٌ ثَوْبَه؛ نقلَهُ الْقَرَافِيّ.

الْإِقَالَة

الْإِقَالَة: نقض بيع مبرم.
الْإِقَالَة: مصدر أقَال يقيل أجوف يَأْتِي مَعْنَاهَا الْقطع وَالرَّفْع. وَمن قَالَ إِنَّهَا أجوف وَأَوَى من القَوْل والهمزة للسلب وَمَعْنَاهَا إِزَالَة القَوْل مثل شكى وأشكى أَي أَزَال الشكاية فقد سَهَا عَن سَهْوه. أَلا تسمع أَنه يُقَال قلت البيع بِكَسْر الْقَاف وَلم تسمع هَذِه الْمَادَّة من سمع كلا تخف من خفت.
وَفِي الشَّرْع فسخ بِالتَّرَاضِي فِي حق الْعَاقِدين بيع بَات فِي حق ثَالِث من غير خِيَار للْبَائِع. وَهِي فِي الْحَقِيقَة والمآل مُبَادلَة المَال بِالْمَالِ بِالتَّرَاضِي وَالثَّالِث هُوَ الله تَعَالَى أَو الشَّفِيع أَو البَائِع من حَيْثُ هُوَ لَا من حَيْثُ هُوَ بَائِع. وَلِهَذَا تجب الشُّفْعَة بالإقاله فالشفيع ثالثهما وَيجب الِاسْتِبْرَاء لِأَنَّهُ حق الله تَعَالَى فَهُوَ سُبْحَانَهُ ثالثهما. وَالْمَبِيع لَو كَانَ هبة فِي يَد البَائِع ثمَّ تَقَايلا فَلَيْسَ للْوَاهِب أَن يرجع فَصَارَ كَأَن البَائِع اشْتَرَاهُ من المُشْتَرِي فِي حق الْوَاهِب فَلَا يكون لَهُ حق الرُّجُوع. صورته زيد مثلا وهب فرسا لعَمْرو ثمَّ عَمْرو بَاعه من بكر ثمَّ تَقَايلا فَلَيْسَ لزيد أَن يرجع عَن الْهِبَة وَيَأْخُذ الْفرس لِأَن عَمْرو أجعَل كَأَنَّهُ اشْترى من بكر فعمرو من حَيْثُ هُوَ ثَالِث وَإِن كَانَ من حَيْثُ إِنَّه بَائِع أحد الْعَاقِدين وَلِهَذَا عممنا الثَّالِث. وَإِنَّمَا جعلت الْإِقَالَة بيعا جَدِيدا فِي حق غير الْعَاقِدين عملا بلفظها وَمَعْنَاهَا فَإِن الْإِقَالَة لفظ يُنبئ بِحَسب مَعْنَاهُ اللّغَوِيّ عَن الْفَسْخ وَالرَّفْع وَهِي فِي الْمَعْنى والحقيقة مُبَادلَة المَال بِالْمَالِ بِالتَّرَاضِي كَمَا ذكرنَا وَهُوَ حد البيع فاعتبرنا اللَّفْظ فِي حق الْمُتَعَاقدين واعتبرنا الْمَعْنى وَالْمَال فِي حق غَيرهمَا عملا بالشبــيهين فَافْهَم وَكن من الشَّاكِرِينَ.

البسط

البسط: عند أهل الحقيقة: حال الرجاء وقيل وارد يوجب إشارة إلى قبول ورحمة وأنس.
البسط: توسعة المجتمع إلى حد غاية، قاله الحرالي. وقال الراغب: بسط الشيء نشره وتوسيعه، فتارة يتصور منه الأمران وتارة أحدهما، ومنه البساط فعال بمعنى مفعول وهو اسم لكل مبسوط. والبساط الأرض المتسعة، والبسيطة الأرض، واستعير البسيط لكل شيء لا يتصور فيه تركيب وتأليف ونظم، نحو {وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ} . أي وسعه. وبسط الكف يستعمل تارة للطلب نحو {كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ} ، وتارة للأخذ نحو {وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ} ، وتارة للصولة والضرب نحو {وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ} ، وتارة للبذل والإعطاء نحو {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} . وتارة لغير ذلك.
البسط:
[في الانكليزية] Joy ،simplification ،numerator ،fortune -telling
[ في الفرنسية] Joie ،simplification ،numerateur ،pratique de dire la bonne aventure (avec des lettres) ،onomancie
بسكون السين المهملة في اللغة گستردن، كما في الصّراح. وعند المحاسبين هو التجنيس، وهو جعل الكسور من جنس كسر معيّن، والحاصل من العمل يسمّى مبسوطا.

ومن هاهنا يقول المنجمون: البسط استخراج تقويم يوم واحد من تقويم خمسة أيام أو عشرة على ما وقع في الحلّ والعقد. وعند السالكين هو حال من الأحوال. ويقول في مجمع السلوك: القبض والبسط والخوف والرّجاء هي قريبة، ولكنّ الخوف والرجاء في مقام المحبة هما عامّان. وأمّا القبض والبسط في مقام الأوائل فهما من المحبة الخاصّة. إذن فكلّ من يؤدّي الأوامر ويجتنب المناهي فله حكم الإيمان. وليس هو من أهل القبض والبسط، بل هو من الرجاء والخوف الشبــيهين بحال القبض والبسط. وهو يظنّ ذلك قبضا وبسطا. فمثلا:
إذا عرض له حزن أو تحيّر فيظن ذلك قبضا.
وإذا عرض له شيء من النشاط الطبيعي أو الانبساط النفسي فإنّه يظنّ ذلك بسطا.
هذا وإنّ الحزن والحيرة والنشاط والمرح جزء من جوهر النّفس الأمّارة، فإذا وصل العبد إلى أوائل المحبّة فإنّه يصبح صاحب حال وصاحب قلب وصاحب نفس لوّامة. وفي هذا الوقت تتناوب عليه حالتا القبض والبسط. ذلك لأنّ العبد انتقل من مرتبة الإيمان إلى أعلى فيقبضه الحقّ تارة ويبسطه أخرى. إذن فالحاصل هو أنّ وجود البسط باعتبار غلبة القلب وظهور صفته، وإنّ النفس فما دامت أمّارة فلا قبض ولا بسط. وأمّا النفس اللّوّامة فهي حينا مغلوبة وآخر غالبة، وبالنسبة للسالك يكون القبض والبسط باعتبار حال غلبة النفس وظهور صفتها. ويقول في اصطلاحات الصوفية:
البسط في مقام القلب بمثابة الرّجاء في مقام النّفس، وهو وارد يقتضيه إشارة إلى قبول ولطف ورحمة وأنس، ويقابله القبض كالخوف في مقابلة الرجاء في مقام النفس. والبسط في مقام الخفي هو أن يبسط الله العبد مع الخلق ظاهرا ويقبضه إليه باطنا رحمة للخلق، فهو يسع الأشياء ويؤثّر في كلّ شيء ولا يؤثّر فيه شيء.

وقيل: القبض ليس أيضا قبضا إلّا إذا كان من حركة النّفس وظهوره بصفتها. وأما السّالك صاحب القلب فلا يرى أبدا القبض، فروحه تبقى مستأنسة على الدوام. وقالوا أيضا: القبض اليسير هو عقوبة بسبب الإفراط في البسط، وبمعنى آخر: إذا أقبلت الواردات الإلهيّة على السّالك صاحب القلب فيمتلئ قلبه فرحا، فنفسه حينئذ تسترقّ السمع وتحصل على نصيب من ذلك، ونظرا لطبيعتها تأخذ في العصيان وتفرط في البسط حتى يصير مشابها للبسط القلبي، والله تعالى من باب العقوبة للنفس يلقي حالة القبض.
اعلم بما أنّ السّالك يرتقي من عالم القلب ويخرج من حجاب القلب الذي هو لأهل القلوب حجاب، ومن الوجود النوراني الذي هو يتخلّص حتى يصل إلى عالم الفناء والبقاء، فلا يعود القبض والبسط مفيدا له، ولا تتصرف فيه الأحوال، فلا قبض ولا بسط. قال الفارس:
يجد المحبّ أوّلا القبض ثم البسط ثم لا قبض ولا بسط لأنّهما يقعان في الموجود. فأمّا مع الفناء والبقاء فلا، انتهى ما في مجمع السلوك.
وعند أهل الجفر يطلق بالاشتراك على أشياء على ما في أنواع البسط.

أول بسط عددي: وتحصيل ذلك على نوعين: أحدها في بسط الحروف والآخر في بسط التركيب، وكلاهما مستحسن ومتداول.

أما الطريق الأوّل: فهو أن تأتي بالكلمة وتقطع حروفها ثم انظر كم يكون نتيجة كلّ حرف من الأعداد بحساب الجمّل على التّرتيب الأبجدي، ثم استخرج الأعداد واجمعها، فمثلا:

كلمة محمد تصبح بعد التقطيع: ميم وحاء وميم ودال. فالميم تساوي 90 وهي تعادل حرف ص وما تعادل 9 أي تساوي حرف ط والميم الثانية 90 أي ص. وعدد لفظ الحرف دال يساوي 35 وهو يعادل الحرفين هـ. ل. إذن الحروف الحاصلة من بسط عدد كلمة محمد هي: ص ط ص هـ ل.

والطريقة الثانية: فهي أن نأخذ الرقم الناتج من جمع حروف كلمة ما ثم نحاول استنطاقها، أي استخراج حرف أو أكثر منها.
فمثلا كلمة محمد يساوي جمع حروفها الرقم 92، وباستنطاقها يمكن أن نحصل على حرفين هما: الباء والصاد. [الباء 2 وص 90] بحساب الجمل. وهذا الطريق للعدد من فوقه كذا. وإذا كان لدينا اسم، مجموع حروفه مثلا:
224، فبالاستنطاق يكون لدينا ثلاثة حروف هي الراء 200 والكاف 20 والدال 4.
والنوع الثاني من بسط الحروف هو ما يقال له: بسط تلفّظ وبسط باطني، وهو عبارة عن التلفّظ بالحروف في الكلمة الواحدة، كما هي في حال الانفراد. فمثلا محمد: نلفظه هكذا ميم حا ميم دال. ويقال للحرف الأول من كل حرف العالي الأول، ويقال للباقي حروف بنيات. كذا. فمثلا الحرف الأول من ميم هو م والباقي يم فالميم الأولى هي بالفارسية زبر:
ومعناها فوق أو العالي. والباقي تسمّى بنيات.

والنوع الثالث: بسط طبيعي، وهو عبارة عن الإتيان بحروف مقوّية أو مربيّة لحروف الاسم المطلوب بحسب طبيعة كل منها. بحيث تكون الحروف الناريّة مربيتها هي من الحروف الهوائية، وتكون الحروف الناريّة مقوّية للحروف الهوائية، وهكذا الحروف الترابية مربية للحروف المائية، والمائية مقوّية للترابية. والحروف النارية هي: جز كس قثظ. والحروف الترابية: دحلع رخغ. إذن حاصل البسط الطبيعي لكلمة محمد:
هو ن ز ن ج. لأنّ الميم نارية في الدرجة الرابعة فاخترنا لها النون لأنّها مربية لها في الدرجة الرابعة من الحروف الهوائية. واخترنا د حا التي هي ترابية في الدرجة الثانية زا لأنّها مقوّية لها، وهي من الحروف المائية في الدّرجة الثانية. ثم اخترنا ثانية النون للميم الثانية وأمّا الدال التي هي ترابية في الدرجة الأولى اخترنا الجيم التي هي مقوية لها في نفس الدرجة من الحروف المائية.
ناري/ هوائي/ مائي/ ترابي ا/ ب/ ج/ د هـ/ و/ ذ/ ح ط/ ى/ ك/ ل م/ ن/ س/ ع ف ص/ ق/ ر/ ش ت/ ث/ خ/ ذ ص/ ظ/ ع مرفوع/ منصوب/ مكسور/ مجزوم والنوع الرابع: البسط الغريزي: وهو عبارة عن طلب كل من الحروف النارية لحروف هوائية من نفس الدرجة. أو العكس، بأن تطلب حروف مائية حروفا ترابية في نفس درجتها وبالعكس.
مثل الألف فإنّها طالبة للباء، والجيم طالبة للدال. وقس على هذا باقي الحروف. إذن فالبسط الغريزي لكلمة محمد هو: ن ن ذلك لأنّ ميمه نارية في الدرجة الرابعة، لذا اخترنا حرف النون التي هي هوائية، وهكذا أيضا فعلنا بالنسبة للميم الثانية. أمّا حا ودال فهما ترابيان.
هذا التعريف قد أورده بعض الأئمة المتقدّمين، وجاء في نفس الرسالة في مكان آخر.

البسط الغريزي: ج ل ب ال ق ل وب هكذا. د ك اب ك ر ك هـ ا. والبسط الغريزي معتبر ومهم جدا، ومتداول لدى أئمة هذا الفن.

النوع الخامس: بسط التّرفّع، وهو عبارة عن ارتفاع حروف المطلوب وهو على ثلاثة أنواع: عددي وحرفي وطبيعي. أمّا بسط الترفّع العددي: فهو عبارة عن ارتفاع حروف المطلوب من جهة الأعداد التي هي قائمة فيه من الأعداد الأبجدية، بحيث إذا كان عدد أي واحد منها في درجة الآحاد فإنّها ترفع إلى العشرات، وإذا كان في العشرات يرفع إلى المئات، وإذا كان في المئات يرفع إلى الألوف. وعليه فإنّ الترفّع العددي لمحمد هو ت ف ت م الميم التي هي 40 أي في درجة العشرات فرفعها إلى المئات فتصبح 400، أي معادل حرف ت. ثم الحاء من محمد هي من حروف الآحاد أي 8 فنرفعها إلى العشرات فتصبح ثمانين وهي التي تعادلها ف، ثم من الميم الثانية نحصل على التاء أيضا ومن الدال نحصل على حرف م، لأنّ الدال 4 آحادية والميم من رتبة العشرات 40. أمّا البسط الترفّعي الحرفي: فهو عبارة عن ارتفاع كلّ واحد من الحروف الأبجدية بالحرف التالي له الذي هو أفضل. فمثلا: من كلمة محمد نأتي بالنون بدلا من الميم لأنّ النون أفضل منها. وهكذا من أجل الحاء نأتي بما بعدها وهو الطاء، ومن أجل الميم الثانية نأتي بالنون أيضا، ثم الدال نضع بدلا منها الهاء، فتكون الحروف الحاصلة على هذا البسط: ن ط ن هـ.
وأمّا بسط الترفّع الطبيعي فهو عبارة عن ارتفاع الحروف بحسب طبيعتها بحيث يبدّلون الحرف الترابي بحرف مائي، والمائي بحرف هوائي، والهوائي بناري، ويبقى الناريّ على حاله بدون تبديل لأنّه أعلى الحروف، ولا يمكن الارتفاع فوقه. فمثلا: محمد: الميم نارية فنتركها كما هي ونضع بدلا من الحاء الترابية ز، ثم الميم الثانية على حالها، ثم نبدّل الدال جيما. فيكون الحاصل إذن حرفين هما: ز. ج. النوع السادس: بسط التجميع وهو عبارة عن جمع كلّ واحد من حروف الطالب مع حروف المطلوب، ثم تحصيل الحروف من كل اجتماع فمثلا: محمد طالب وجعفر مطلوب فنكتب: م ح م د+ ج ع ف ر. ثم نجمع الميم من محمد والتي تساوي 40 مع الجيم من جعفر فيكون الحاصل 43. والحاصل منهما هو: ج م. ثم بعد ذلك نجمع الحاء من محمد مع ع جعفر فيكون الجواب 78 وحروفه ح ع؛ ثم نجمع الميم الثانية من محمد مع الفاء من جعفر فالجواب هو 120 وحروفه ق ك. ثم نجمع الدال من محمد والراء من جعفر فالجواب هو 204 وحروفه هي نفسها أي د. ر. وعليه فالحروف الحاصلة من هذا العمل هي: ج. م.
ح. ع. ق. ك. د. ر.

النوع السابع: بسط التضارب: وهو عبارة عن ضرب كلّ واحد من حروف الطالب في حروف المطلوب وتحصيل الحروف من حاصل الضرب.

فمثلا: محمد طالب وجعفر مطلوب فإذا ضربنا الحروف ببعضها: الميم التي هي 40* ج التي هي 3 120 وهي تعادل الحروف ك- ق.
ثم ح محمد* ع جعفر 560 وحروفه س، ث.
ثم الميم الثانية* ف 3200 وحروفه ر. غ. غ. غ.
ثم الدال* ر 800 والحرف الحاصل منه هو: ض.

إذن فالحروف الحاصلة من هذا العمل:
ك، ق، س، ث ر غ غ غ ض.
وثمة طائفة من أهل الجفر في حال بسط التجميع وبسط التضارب يجمعون مجموع أعداد الطالب مع مجموع أعداد المطلوب، ثم يضربونها ببعضها، ثم يستحصلون الحروف منها. وهذا النوع وإن يكن غير بعيد من الصواب إلّا أنّ الطريق الأول هو أتم وأكمل.

النوع الثامن: بسط التّزاوج والتّشابه:
ويسمّى أيضا بسط التآخي، وهو عبارة عن طلب الحروف المتشابهة للحروف المتزاوجة التي هي قرينة لها. فمثلا إذا نظرنا في حروف محمد نجد الميم من الحروف المفردة يعني غير متشابهة ولا متزاوجة فنتركها بحالها. وبما أنّ الحاء من المتشابهة مع ج وخ فنأخذهما، ثم نترك الميم الثانية على حالها. وبما أنّ الدال من الحروف المتشابهة فنأخذ الذال بدلا منها فالنتيجة الحاصلة تكون: ج خ ذ.

النوع التاسع: بسط التّقوّي: وهو عبارة عن قوّة ما بين الحروف بحسب ضربها بنفسها.
وذلك على ثلاثة أنواع، وذلك لأنّها لا تعدّ وإن تكون واحدة من ثلاثة أحوال: إمّا أن تضرب باطن الحروف في باطنها، أو ظاهرها بظاهرها.
أو العكس، أي ظاهرها بباطنها؛ والمراد من العدد الباطني للحرف: هو أنّه بحساب أبجد يكون كذا، والمراد بالظاهر للحرف هو رتبة الحرف بالنسبة للأبجدية. فالميم مثلا من الترتيب الأبجدي تعدّ في المرتبة 13. فعليه يأخذون من الميم رقم 13، وعلى هذا القياس النون 14. فإذا بسطنا الحروف الباطنة من لفظة محمد فالميم هي تعادل 40* 40 1600، فصارت تعادل الحرفين خ وغ. والحاء تساوي 8* 8 64 أي تعادل بالحروف: د. س.
وكذلك الميم الثانية نتيجتها مثل الأولى أي.
خ. غ. ثم من حرف الدال الذي يعادل 4* 4 16 أي و. ي. فهذه الحروف: خ ع د س خ غ وى. هي حاصل لفظة محمد. وإذا أردنا الحصول على بسط التقوّى الظاهر في الظاهر للفظة محمد:
فالميم 13* 13 169 وهي تعادل الحروف ط، س، ق. والحاء 8* 8 64 وهي تعادل الحرفان د. س.
والميم الثانية 169 أي ط، س، ق.

والدال 4* 4 16 أي: و. ي.

إذن فالحروف الحاصلة هي: ط، س، ق، د، س، ط، س، ق، و، ي.
وإذا أخذنا بأسلوب بسط التقوّي بضرب الظاهر بالباطن من لفظة محمد:
فالميم 13* 40 520 وحروف هذا الرقم ك. ث.
وكذلك الميم الثانية وحروف هذا الرقم ك. ث.
ومن الحاء نحصل على د. س.
ومن الدال نحصل على د. ي.
إذن فالحروف الناتجة من هذا النوع هي:
ك، ث، د، س، ك، ث، و، ي.

النوع العاشر: بسط التّضاعف: وهو عبارة عن مضاعفة الأعداد الباطنية للحروف ثم استخراج الحروف من تلك الأرقام فمثلا: م من محمد وتساوي 40 فنضاعفها فيكون الجواب 80 وهذا الرقم الحرف ف والحاء التي هي ثمانية، فبمضاعفتها يصبح لدينا 16، ومن هذا الرقم نحصل على الحرفين وي، ثم نحصل من الميم الثانية على ف.
ومن الدال نحصل على حرف الحاء فيصير المجموع: ف وي ف ح.

الحادي عشر: بسط التكسير: وهو عبارة عن تحصيل حروف من حروف أخرى بشكل يعتبرون فيه الكسور تسعا، ثم يأخذون من كلّ كسر حرفا فمثلا: ميم محمد التي هي 40 نصفها يكون 20 ثم نصف العشرين 10 ونصف العشرة خمسة. ومن هذه الأنصاف المتتابعة نحصل على الحروف الآتية: ك، ي هـ. ثم ح محمد التي هي 8 ننصفها، فتكون 4، ثم نصف الأربعة 2، ونصف الاثنين واحد. وبما أنّنا قد نصّفناها كلّها فإننا نحصل على الحروف: د ب ا. ومن د محمد يكون معنا ب ا. فالمجموع لهذه الحروف هو: ك ي هـ د ب أك هـ ب ا.

النوع الثاني عشر: بسط التّمازج: وهو أفضل أنواع التماذج: ومعنى الخلط المطلق:
وهو في اصطلاح أهل الجفر عبارة عن خلط اسم الطالب مع اسم المطلوب، سواء كان اسم المطلوب من الأسماء الإلهية أو غيرها من الأسماء الدّنيوية والأخروية. وخلاصة هذا الكلام هو: أنّ بسط التماذج عبارة عن مزج اسم الطالب مع اسم المطلوب أيّا كان. فمثلا أردنا اسم محمد نمزجه مع اسم المطلوب عليم فيصير الخليط على هذا النحو: ع م ل ح ي م م د.
وإذا خلطنا اسم محمد مع جعفر فيكون الخليط هكذا: م ج ح ع م ف ل ر.
واعلم بأنّه في التماذج يقدمون دائما اسم الطالب على اسم المطلوب، ما عدا الاسم المطلوب إذا كان مأخوذا من الأسماء الحسنى، لأنّ اسمه مشتمل على اسم من الأسماء الإلهيّة.
لذا فيكون الابتداء بالاسم الإلهي لا بالطالب، كما مزج الاسمين محمد وعليم المذكورين.
وإذا كان الاسمان وكلاهما يشتملان على المطلوب، فيقدمون الاسم الأقوى على غيره.
فائدة: إنّ بسط التجميع والتضارب من أجل المحبة والاتحاد بين الاثنين معتبر جدا.
وأما بسط التآخي من أجل اتحاد الإخوان والتحبّب إلى قلوب الناس وتحصيل الفوائد والإحسان فهو بحرف ولا يكاد يتخلّف. وأمّا بسط التقوّي فهو من أجل موضوع قوة الحال، وتحقق الآمال والخروج من ضعف الطالع والانتصار بقوّة الطالع وزيادة الجاه والاحترام والإقبال والعزّة فهو محل اعتماد.
وأمّا بسط التضاعف فمن أجل زيادة العلم والحكمة والعظمة والشّوكة والتغلّب على الأعداد، فهو قوي وراسخ جدا. وأمّا بسط التكسير فهو يعمل به من أجل معرفة أحوال المستقبل.

القرآن

القرآن:
[في الانكليزية] The Koran
[ في الفرنسية] Le Coran
بالضم اختلف فيه. فقيل هو اسم علم غير مشتقّ خاصّ بكلام الله فهو غير مهموز وبه قرأ ابن كثير وهو مروي عن الشافعي. وقيل هو مشتقّ من قرنت الشيء بالشيء سمّي به لقران السور والآيات والحروف فيه. وقال الفرّاء هو مشتقّ من القرائن وعلى كلّ تقدير فهو بلا همزة ونونه أصلية. وقال الزجاج هذا سهو والصحيح أنّ ترك الهمزة فيه من باب التخفيف، ونقل حركة الهمزة إلى الساكن قبلها. واختلف القائلون بأنّه مهموز، فقيل هو مصدر لقرأت سمّي به الكتاب المقروء من باب تسميته بالمصدر. وقيل هو وصف على فعلان مشتق من القرء بمعنى الجمع كذا في الاتقان. قال أهل السّنّة والجماعة: القرآن ويسمّى بالكتاب أيضا كلام الله تعالى غير مخلوق وهو مكتوب في مصاحفنا محفوظ في قلوبنا مقروء بألسنتنا مسموع بآذاننا غير حالّ فيها أي مع ذلك ليس حالّا في المصاحف ولا في القلوب والألسنة والآذان، لأنّ كلام الله ليس من جنس الحروف والأصوات لأنّها حادثة، وكلام الله صفة أزلية قديمة منافية للسكوت الذي هو ترك التكلّم مع القدرة عليه والآفة التي هي عدم مطاوعة الآلات بل هو معنى قديم قائم بذات الله تعالى يلفظ ويسمع بالنّظم الدّال عليه ويحفظ بالنظم المخيل ويكتب بنقوش وأشكال موضوعة للحروف الدالة عليه، كما يقال النار جوهر محرق يذكر باللفظ ويكتب بالقلم ولا يلزم منه كون حقيقة النار صوتا وحرفا. وتحقيقه أنّ للشيء وجودا في الأذهان ووجودا في الكتابة. فالكتابة تدلّ على العبارة وهي على ما في الأذهان وهو على ما في الأعيان، فحيث يوصف القرآن بما هو من لوازم القديم كقولنا القرآن غير مخلوق فالمراد حقيقته الموجودة في الخارج، وحيث يوصف بما هو من لوازم المخلوقات يراد به الألفاظ المنطوقة المسموعة كقولك قرأت نصف القرآن أو المخيلة كقولك حفظت القرآن أو الأشكال كقولك يحرم للمحدث مسّ القرآن. ثم الكلام القديم الذي هو صفة لله تعالى يجوز أن يسمع وهو مذهب الأشعري ومنعه الأستاذ أبو إسحاق الأسفرايني، وهو اختيار الشيخ أبي منصور رحمه الله تعالى. فمعنى قوله: حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ يسمع ما يدلّ عليه كما يقال سمعت علم فلان. فموسى صلوات الله عليه سمع صوتا دالّا على كلام الله، لكن لمّا كان بلا واسطة الكتاب والملك خصّ باسم الكليم. وقيل خصّ به لما سمعه من جميع الجهات على خلاف المعتاد. وأمّا من يجوّز سماعه فهو يقول خصّ به لأنّه سمع كلامه الأزلي بلا حرف وصوت كما يرى ذاته تعالى في الآخرة بلا كمّ ولا كيف.
فإن قيل لو كان كلام الله حقيقة في المعنى القديم مجازا في النّظم المؤلّف يصحّ نفيه عنه بأن يقال ليس النّظم كلام الله والإجماع على خلافه، وأيضا المعجز هو كلام الله حقيقة مع القطع بأنّ الإعجاز إنّما يتصوّر في النظم.
قلنا التحقيق أنّ كلام الله تعالى مشترك بين الكلام النفسي القديم ومعنى الإضافة كونه صفة له تعالى وبين اللفظي الحادث، ومعنى الإضافة حينئذ أنّه مخلوق له تعالى ليس من تأليفات المخلوقين، فلا يصحّ النفي أصلا ولا يكون الإعجاز إلّا في كلام الله تعالى. وما وقع في عبارة بعض المشايخ من أنّه مجاز فليس معناه أنّه غير موضوع للنظم بل إنّ الكلام في التحقيق وبالذات اسم للمعنى القائم بالنفس وتسمية اللفظ به وضعه لذاك إنّما هو باعتبار دلالته على المعنى، فلا نزاع لهم في الوضع والتسمية باعتبار معنى مجازي يكون حقيقة أيضا، كما يكون باعتبار معنى حقيقي. ويؤيّد هذا ما وقع في شرح التجريد من أنّه لا نزاع في إطلاق اسم القرآن وكلام الله بطريق الاشتراك على المعنى القائم بالنفس القديم وعلى المؤلّف الحادث وهو المتعارف عند العامة والقراء والأصوليين والفقهاء وإليه يرجع الخواص التي هي من صفات الحادث. وإطلاق هذين اللفظين عليه ليس بمجرد أنّه دالّ على كلامه القديم حتى لو كان مخترع هذه الألفاظ غير الله تعالى لكان الإطلاق بحاله، بل لأنّ له اختصاصا به تعالى وهو أنّه اخترعه بأن أوجد أولا الأشكال في اللوح المحفوظ لقوله بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ والأصوات في لسان الملك لقوله: إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ. ثم اختلفوا، فقيل القرآن وكلام الله اسمان لهذا المؤلّف المخصوص القائم بأوّل لسان اخترعه الله تعالى فيه، حتى إنّ ما يقرأه كلّ أحد سواه بلسان يكون مثله لا عينه. والأصحّ أنّه اسم له لا من حيث تعيّن المحلّ فيكون واحدا بالنوع ويكون ما يقرأه القارئ أيّ قارئ كان نفسه لا مثله، وهكذا الحكم في كلّ متغيّر وكتاب ينسب إلى مؤلّفه. وعلى التقديرين فقد يجعل اسما للمجموع بحيث لا يصدق على البعض وقد يجعل اسما بمعنى كلّ صادق على المجموع وعلى كلّ بعض من أبعاضه.
وبالجملة فما يقال إنّ المكتوب في كلّ مصحف والمقروء بكل لسان كلام الله، فباعتبار الوحدة النوعية. وما يقال إنّه حكاية عن كلام الله ومماثل له وإنّما الكلام هو المخترع في لسان الملك فباعتبار الوحدة الشخصية. وما يقال إنّ كلام الله ليس قائما بلسان أو قلب ولا حالّا في مصحف فيراد به الكلام الحقيقي النفسي. ومنعوا من القول بحلول اللفظي أيضا رعاية للتأدّب واحترازا عن ذهاب الوهم إلى الحقيقي النفسي، على أنّ إطلاق اسم المدلول على الدّال وكذا إجراء صفات الدّال على المدلول شائع ذائع مثل: سمعت هذا المعنى من فلان انتهى كلامه. وقال صاحب المواقف إنّ المعنى من قول مشايخنا كلام الله تعالى معنى قديم ليس المراد به مدلول اللفظ بل الأمر القائم بالغير فيكون الكلام النفسي عندهم أمرا شاملا للفظ والمعنى جميعا قائما بذاته تعالى وهو مكتوب في المصاحف مقروء بالألسنة محفوظ في الصدور، وهو غير القراءة والكتابة والحفظ الحادثة. وما يقال من أنّ الحروف والألفاظ مترتّبة متعاقبة فجوابه أنّ ذلك الترتّب إنما هو في التلفّظ بسبب عدم مساعدة الآلة، فالتلفّظ حادث والأدلة الدالة على الحدوث يجب حملها على حدوثه دون حدوث الملفوظ جمعا بين الأدلة انتهى. قيل عليه القول بأنّ ترتّب الحروف إنّما هو في التلفّظ دون الملفوظ، فالتلفّظ حادث دون الملفوظ أمر خارج عن العقل وما ذلك إلّا مثل أن يتصوّر حركة تكون أجزاؤها مجتمعة في الوجود لا يكون لبعضها تقدّم على بعض، ويندفع بما قيل إنّ المراد بالملفوظ هو اللفظ القائم به تعالى وبالتلفّظ اللفظ القائم بنا عبّر عنه بالتلفّظ، فرقا بينهما وإشعارا بأنّ اللفظ الحادث كالنسبة المصدرية لكونه غير قارّ، ولولا هذا الاعتبار لكان القول بقدم الملفوظ دون التلفّظ تناقضا، وبه يندفع من أنّ حمل المعنى على الأمر القائم بالغير بعيد جدا لأنّ الأدلة إنّما تدلّ على حدوث ماهية القرآن لا حدوث التلفّظ لأنّه ليس بقرآن، وذلك لأنّ اللفظ يعدّ واحدا في المحال كلها وتباينه إنّما هو بتباين الهيئات. فاللفظ القائم بنا وبه تعالى واحد حقيقة، والأول حادث والثاني قديم.
فإن قيل يفهم من هذا التوجيه أنّه لا ترتّب في اللفظ القائم بذاته تعالى فيلزم عدم الفرق بين لمع وعلم. قيل ترتّب الكلمات وتقدّم بعضها على بعض لا يقتضي الحدوث لأنّ التقدّم ربما لا يكون زمانيا كالحروف المنطبعة في شمعة دفعة من الطابع عليه، وقد يمثل أيضا بوجود الألفاظ في نفس الحافظ فإنّ جميعها مع الترتيب المخصوص مجتمعة الوجود فيها وليس وجود بعضها مشروطا بانقضاء البعض وانعدامه عن نفسه. والفرق بأنّ وجود الحرف على هذا الوجه في ذاته تعالى بالوجود العيني وفي نفس الحافظ بالظلّي لا يضرّ إذ الغرض منه مجرّد التصوير والتفهيم لا إثباته بطريق التمثيل، فحينئذ يكون الحاصل أنّ الترتيب المقتضي للحدوث إنّما هو في التلفّظ أي اللفظ القائم بنا، هذا غاية توجيه المقام فافهم.
فائدة:
في بيان كيفية الإنزال قال في الاتقان وفيه مسائل. الأولى قال الله تعالى شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ وقال إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ. اختلف في كيفية إنزاله من اللوح المحفوظ على ثلاثة أقوال. الأول وهو الأصح الأشهر أنّه نزل إلى سماء الدنيا ليلة القدر جملة واحدة ثم نزل بعد ذلك منجّما في عشرين سنة أو ثلاث وعشرين أو خمس وعشرين على حسب الخلاف في مدة إقامته صلى الله عليه وآله وسلم بمكة بعد البعثة.
الثاني أنّه نزل إلى سماء الدنيا في عشرين ليلة القدر أو ثلاث وعشرين أو خمس وعشرين، في كلّ ليلة ما يقدر الله إنزاله في كلّ سنة، ثم نزل بعد ذلك منجّما في جميع السنة، وهذا القول ذكره الرازي بطريق الاحتمال ثم توقّف. هل هذا أولى أو الأول؟ قال ابن كثير وهذا الذي جعله احتمالا نقله القرطبى عن مقاتل بن حيان، وحكى الإجماع على أنّه نزل جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزّة في سماء الدنيا. الثالث أنّه ابتدأ انزاله في ليلة القدر ثم نزل بعد ذلك منجّما في أوقات مختلفة من سائر الأوقات، وبه قال الشعبي. قال ابن حجر والأول هو الصحيح المعتمد. قال وحكى الماوردي قولا رابعا أنّه نزل من اللوح المحفوظ جملة واحدة وأنّ الحفظة نجّمته على جبرئيل في عشرين ليلة وأنّ جبرئيل نجّمه على النبي صلى الله عليه وآله وسلم في عشرين سنة، والمعتمد أنّ جبرئيل كان يعارضه في رمضان بما ينزل به عليه في طول السنة. قال أبو شامة:
نزوله جملة إلى سماء الدنيا قبل ظهور نبوّته ويحتمل أن يكون بعدها، قيل الظاهر هو الثاني. قيل السرّ في إنزاله جملة إلى سماء الدنيا تفخيم أمره وأمر من نزل عليه وذلك بإعلام سكان السموات السبع أنّ هذا آخر الكتب المنزّلة على خاتم الرسل أشرف الأمم قد قرّبناه إليهم لننزّله عليهم، ولولا أنّ الحكمة الإلهية اقتضت وصوله إليهم منجّما بحسب الوقائع لهبط به إلى الأرض جملة كسائر الكتب المنزّلة قبله، ولكن الله باين بينه وبينها فجعل له الأمرين إنزاله جملة ثم إنزاله مفرّقا تشريفا للمنزّل عليه. وقيل إنزاله منجّما لأنّ الوحي إذا كان يتجدّد في كلّ حادثة كان أقوى للقلب وأشدّ عناية بالمرسل إليه، ويستلزم ذلك كثرة نزول الملك إليه فيحدث له من السرور ما يقصر عنه العبارة. والثانية في كيفية الإنزال والوحي.
قال الأصفهاني اتفق أهل السّنة والجماعة على أنّ كلام الله منزّل واختلفوا في معنى الإنزال.
فمنهم من قال إظهار القراءة، ومنهم من قال إنّ الله تعالى ألهم كلامه جبرئيل وهو في السماء وهو عال من المكان وعلّمه قراءته ثم جبرئيل أدّاه إلى الأرض وهو يهبط في المكان. وفي التنزيل طريقان أحدهما أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم انخلع من الصورة البشرية إلى الصورة الملكية وأخذه من جبرئيل، ثانيهما أنّ الملك انخلع إلى البشرية حتى يأخذه الرسول منه، والأوّل أصعب الحالين. وقال القطب الرازي إنزال الكلام ليس مستعملا في المعنى اللغوي الحقيقي وهو تحريك الشيء من العلو إلى السفل بل هو مجاز. فمن قال بقدمه فإنزاله أن يوجد الكلمات والحروف الدّالّة على ذلك المعنى ويثبتها في اللوح المحفوظ، ومن قال بحدوثه وأنّه هو الألفاظ فإنزاله مجرّد إثباته في اللوح المحفوظ. ويمكن أن يكون المراد بإنزاله إثباته في سماء الدنيا بعد الإثبات في اللوح المحفوظ والمراد بإنزال الكتب على الرسل أن يتلقّفها الملك من الله تلقّفا روحانيا أو يحفظها من اللوح المحفوظ وينزل بها فيلقيها عليهم.

وقال غيره فيه ثلاثة أقوال: الأول أنّ المنزّل هو اللفظ والمعنى وأنّ جبرئيل حفظ القرآن من اللوح المحفوظ ونزل به، وذكر بعضهم أنّ أحرف القرآن في اللوح المحفوظ كلّ حرف منها بقدر جبل قاف، وأنّ تحت كلّ حرف منها معان لا يحيط بها إلّا الله. الثاني أنّ جبرئيل عليه السلام إنّما نزل بالمعاني خاصة وأنّه صلى الله عليه وآله وسلم علم تلك المعاني وعبّر عنها بلغة العرب لقوله تعالى نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَ، الثالث أنّ جبرئيل ألقى عليه المعنى وأنّه عبّر بهذه الألفاظ بلغة العرب، وأنّ أهل السماء يقرءونه بالعربية ثم أنّه نزل به كذلك بعد ذلك. وقال الجويني كلام الله المنزّل قسمان. قسم قال الله تعالى لجبرئيل قل للنبي الذي أنت مرسل إليه إنّ الله يقول افعل كذا وكذا وأمر بكذا وكذا، ففهم جبرئيل ما قاله ربّه ثم نزل على ذلك النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقال له ما قاله ربّه، ولم تكن العبارة تلك العبارة كما يقول الملك لمن يثق به قل لفلان يقول لك الملك اجتهد في الخدمة واجمع الجند للقتال، فإن قال الرسول يقول لك الملك لا تتهاون في خدمتي واجمع الجند وحثّهم على المقاتلة لا ينسب إلى كذب ولا تقصير في أداء الرسالة. وقسم آخر قال الله تعالى لجبرئيل اقرأه على النبي هذا الكتاب فنزل جبرئيل بكلمة الله من غير تغيير كما يكتب الملك كتابا ويسلّمه إلى أمين ويقول اقرأه على فلان فهو لا يغيّر منه كلمة ولا حرفا. قيل القرآن هو القسم الثاني والقسم الأول هو السّنّة. كما ورد أنّ جبرئيل كان ينزل بالسّنّة كما ينزل بالقرآن. ومن هاهنا جاز رواية السّنّة بالمعنى لأنّ جبرئيل أدّاه بالمعنى ولم تجز القراءة بالمعنى لأنّ جبرئيل أدّاه باللفظ. والسّرّ في ذلك أنّ المقصود منه التعبّد بلفظه والإعجاز به وأنّ تحت كلّ حرف منه معان لا يحاط بها كثرة فلا يقدر أحد أن يأتي بلفظ يقوم مقامه، والتخفيف على الأمة حيث جعل المنزّل إليهم على قسمين: قسم يروونه بلفظ الموحى به وقسم يروونه بالمعنى، ولو جعل كلّه مما يروى باللفظ لشقّ أو بالمعنى لم يؤمن من التبديل والتحريف. الثالثة للوحي كيفيات. الأولى أن يأتيه الملك في مثل صلصلة الجرس كما في الصحيح وفي مسند احمد (عن عبد الله بن عمر سألت النبي صلى الله عليه وآله وسلم: هل تحسّ بالوحي؟ فقال أسمع صلاصل ثم اسكت عند ذلك. فما من مرّة يوحى إليّ إلّا ظننت أنّ نفسي تقبض). قال الخطابي المراد أنّه صوت متداول يسمعه ولا يتبينه أوّل ما يسمعه حتى يفهمه بعد. وقيل هو صوت خفق أجنحة الملك، والحكمة في تقدّمه أن يقرع سمعه الوحي فلا يبقي فيه مكانا لغيره. وفي الصحيح أنّ هذه الحالة أشدّ حالات الوحي عليه. وقيل إنّه إنّما كان ينزل هكذا إذا نزلت آية وعيد أو تهديد. الثانية أن ينفث في روعه الكلام نفثا كما قال صلى الله عليه وآله وسلم (إنّ روح القدس نفث في روعي) أخرجه الحاكم، وهذا قد يرجع إلى الحالة الأولى أو التي بعدها بأن يأتيه في إحدى الكيفيتين وينفث في روعه. الثالثة أن يأتيه في صورة رجل فيكلّمه كما في الصحيح (وأحيانا يتمثّل لي الملك رجلا فيكلّمني فأعي ما يقول) زاد أبو عوانة في صحيحة وهو أهونه عليّ. الرابعة أن يأتيه في النوم وعدّ من هذا قوم سورة الكوثر. الخامسة أن يكلّمه الله تعالى إمّا في اليقظة كما في ليلة الإسراء أو في النوم كما في حديث معاذ (أتاني ربّي فقال فيم يختصم الملأ الأعلى) الحديث انتهى ما في الإتقان.
وقال الصوفية القرآن عبارة عن الذات التي يضمحلّ فيها جميع الصفات فهي المجلى المسمّى بالأحدية أنزلها الحقّ تعالى على نبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم ليكون مشهد الأحدية من الأكوان. ومعنى هذا الإنزال أنّ الحقيقة الأحدية المتعالية في ذراها ظهرت بكمالها في جسده، فنزلت عن أوجها مع استحالة العروج والنزول عليها، لكنه صلى الله عليه وآله وسلم لما تحقّق بجسده جميع الحقائق الإلهية وكان مجلى الاسم الواحد بجسده، كما أنّه بهويته مجلى الأحدية وبذاته عين الذات، فلذلك قال صلى الله عليه وآله وسلم: (أنزل عليّ القرآن جملة واحدة) يعبّر عن تحقّقه بجميع ذلك تحقّقا ذاتيا كليا جسميا، وهذا هو المشار إليه بالقرآن الكريم لأنه أعطاه الجملة، وهذا هو الكرم التّام لأنّه ما ادّخر عنه شيئا بل أفاض عليه الكلّ كرما إلهيا ذاتيا. وأمّا القرآن الحكيم فهو تنزّل الحقائق الإلهية بعروج العبد إلى التحقّق بها في الذات شيئا فشيئا على مقتضى الحكمة الإلهية التي يترتّب الذات عليها فلا سبيل إلى غير ذلك، لأنّه لا يجوز من حيث الإمكان أن يتحقّق أحد بجميع الحقائق الإلهية بجهده من أوّل إيجاده، لكن من كانت فطرته مجبولة على الألوهة فإنّه يترقّى فيها ويتحقّق منها بما ينكشف له من ذلك شيئا بعد شيء مرتبا ترتيبا إلهيا. وقد أشار الحقّ إلى ذلك بقوله:
وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلًا، وهذا الحكم لا ينقطع ولا ينقضي، بل لا يزال العبد في ترقّ، وهكذا لا يزال الحقّ في تجلّ، إذ لا سبيل إلى استيفاء ما لا يتناهى لأنّ الحقّ في نفسه لا يتناهى. فإن قلت ما فائدة قوله: أنزل عليّ القرآن جملة واحدة؟ قلنا ذلك من وجهين: الوجه الواحد من حيث الحكم لأنّ العبد الكامل إذا تجلّى الحقّ له بذاته حكم بما شهده أنّه جملة الذات التي لا تتناهى وقد تنزّلت فيه من غير مفارقة لمحلها الذي هو المكانة. والوجه الثاني من حيث استيفاء بقيات البشرية واضمحلال الرسوم الخلقية بكمالها لظهور الحقائق الإلهية بآثارها في كلّ عضو من أعضاء الجسد. فالجملة متعلّقة بقوله على هذا الوجه الثاني، ومعناها ذهاب جملة النقائص الخلقية بالتحقّق بالحقائق الإلهية.
وقد ورد في الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (أنزل القرآن دفعة واحدة إلى سماء الدنيا) ثم أنزله الحقّ عليه آيات مقطّعة بعد ذلك، هذا معنى الحديث. فإنزال القرآن دفعة واحدة إلى سماء الدنيا إشارة إلى التحقّق الذاتي، ونزول الآيات مقطّعة إشارة إلى ظهور آثار الأسماء والصفات مع ترقّي العبد في التحقّق بالذات شيئا فشيئا. وقوله تعالى وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ، فالقرآن العظيم هاهنا عبارة عن الجملة الذاتية لا باعتبار النزول ولا باعتبار المكانة بل مطلق الأحدية الذاتية التي هي مطلق الهوية الجامعة لجميع المراتب والصفات والشئون والاعتبارات المعبّر عنها بساذج الذات مع جملة الكمالات.
ولذا قورن بلفظ العظيم لهذه العظمة، والسبع المثاني عبارة عمّا ظهر عليه في وجوده الجسدي من التحقّق بالسبع الصفات. وقوله تعالى الرَّحْمنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ إشارة إلى أنّ العبد إذا تجلّى عليه الرحمن يجد في نفسه لذة رحمانية تكسبه تلك اللذة معرفة الذات فتتحقّق بحقائق الصفات، فما علّمه القرآن إلّا الرحمن وإلّا فلا سبيل إلى الوصول إلى الذات بدون تجلّي الرحمن الذي هو عبارة عن جملة الأسماء والصفات، إذ الحقّ تعالى لا يعلم إلّا من طريق أسمائه وصفاته فافهم، ولا يعقله إلّا العالمون، كذا في الانسان الكامل.
القرآن: عند أهل الفقه: اللفظ المنزل على محمد للإعجاز بسورة منه، المكتوب في المصاحف المنقول عنه نقلا متواترا.القرآن عند أهل الحق: العلم اللدني الإجمالي الجامع للحقائق كلها.
القرآن
هو العلم الخاص بهذا الكتاب الذى نزل على محمد، لم يشركه غيره من كتب الله في هذا الاسم، وقد اختار الكتاب العزيز له من الصفات ما يوضّح رسالته، والهدف الذى نزل من أجله، فهو هُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ (البقرة 97). هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ (البقرة 185). هذا بَيانٌ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (آل عمران 138).
هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفاءٌ (فصلت 44). يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ (الأحقاف 30). أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً قَيِّماً لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً (الكهف 1، 2). فرسالة القرآن الأساسية هداية الناس إلى الحق وطريق الصواب، وتبشير المهتدى وإنذار الضال، إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً وَأَنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً (الإسراء 9، 10).
وإذا كان الكتاب قد أنزل للهداية صحّ وصفه بأنه شفاء، أليس هو بلسما يبرئ أدواء القلوب، ودواء لعلل النفوس، وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (الإسراء 82). وصح وصفه بأنه كالمصباح، يخرج الناس من الظلمات إلى النور، كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (إبراهيم 1). وبأنه لم يدع سبيلا للإرشاد إلا بيّنه، وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ (النمل 89). ولما كان كتاب هداية كان واضحا في دلالته، بيّنا في إرشاده، هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ (العنكبوت 49). وكان خير ذكرى، يلجأ إليه المسترشد فيرشد، والضال فيجد عنده التوفيق والهداية، إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرى لِلْعالَمِينَ (الأنعام 90). وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ (الزخرف 44). وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا (الإسراء 41). وهو ذكر مبارك، ناضج الثمر، جليل الأثر، وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ (الأنعام 92). وهو حق لا مرية فيه لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (فصلت 42). وهو قول فصل وَما هُوَ بِالْهَزْلِ (الطارق 14). وكتاب حكيم، وذكر مبين، قد أحكمت آياته، ثم فصلت.
أليس كتاب هذا شأنه وتلك صفاته جديرا بالاتّباع، خليقا بالاسترشاد والاقتداء، أو ليس في تلك الصفات ما يحرك النفس إلى الاستماع إليه، وتدبر آياته، والإنصات إلى عظاته، ولا سيما أنه كثيرا ما يقترن بذكر الحكمة، وفي الحكمة ما يغرى بحبها واتباعها، إذ يقول: كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِنا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (البقرة 151).
وردد القرآن كثيرا أنه نزل من الله بالحق، وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ (الإسراء 105). ويؤكد ذلك في قوله: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلًا (الإنسان 23). وينفى أن يكون وحى شيطان، أو أن يستطيع الشياطين الإيحاء بمثله، وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (الشعراء 192 - 194).
وَما تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّياطِينُ وَما يَنْبَغِي لَهُمْ وَما يَسْتَطِيعُونَ (الشعراء 210، 211). ويؤكد في صراحة أن الإنس والجن مجتمعين لا يستطيعون الإتيان بمثل القرآن، ولو ظاهر بعضهم بعضا، وإذا كان المجيء به مما ليس في طوق مخلوق فمن غير المعقول أن يفترى من دون الله، وَما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (يونس 37). ولما ادعى المعارضون أن محمدا تقوّله أو افتراه تحداهم القرآن أن يأتوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كانُوا صادِقِينَ (الطور 34). ثم تحداهم أن ائتوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (هود 13). ثم نزل إلى سورة مثله، فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّما يَتَّبِعُونَ أَهْواءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (القصص 50). ويتحدث القرآن في صراحة عما كان يمكن أن ينتظر محمدا من الجزاء الصارم لو أنه افترى أو تقوّل، فقال: وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ (الحاقة 44 - 47). أرأيت كيف يصوّر القرآن، كيف يلتزم محمد ما أوحى إليه، من غير أن يستطيع تعدى الحدود التى رسمت له، فى جلاء ووضوح، لأنه ليس سوى رسول عليه بلاغ ما عهد إليه أن يبلغه فى أمانة وصدق.
كما ردد كثيرا أنه بلسان عربىّ مبين، إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (يوسف 2).
وفي ترديد هذه الفكرة ودفع العجمة عن القرآن، ما يدفع العرب إلى التفكير في أمره وأن كونه بلسانهم ثمّ عجزهم عن المجيء بمثله، مع تحديهم صباح مساء، دليل على أنه ليس من عند محمد، ولا قدرة لمحمد على الإتيان بقرآن مثله، وهو بهذا الوصف يقرر عجزهم الدائم، وأنه لا وجه لهم في الانحراف عن جادة الطريق، وما يدعو إليه العقل السليم، والتفكير المستقيم.
وقرّر أنه كتاب متشابه مثان، ومعنى تشابهه أن بعضه يشبه بعضا في قوة نسجه، وعمق تأثيره، وإحكام بلاغته، فكل جزء مؤثر بألفاظه وأفكاره وأخيلته وتصويره، ومعنى أنه مثان أن ما فيه من معان يثنى في مواضع مختلفة، ومناسبات عديدة، فيكون لهذا التكرير أثره في الهداية والإرشاد، وهو بهذا التكرير يؤدى رسالته التى جاء من أجلها، ولذا كان بتشابهه وتكرير ما جاء به من عظات، مؤثرا أكبر الأثر في القلوب، حتى لتقشعرّ منه جلود أولئك الذين يتدبرونه، وتنفعل له قلوبهم، ثم لا يلبثون أن تطمئن أفئدتهم إلى هداه، وتهدأ نفوسهم إلى ذكر الله، اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللَّهِ ذلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ (الزمر 23). ويعرف القرآن ما له من تأثير قوى بالغ حتى لتتأثر به صم الحجارة إذا أدركت معناه، لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ (الحشر 21).
ومع طول القرآن وتعدد مناحيه لا عوج فيه، ولا اضطراب في أفكاره ولا أخيلته، أو لا ترى أن أمّيا لا يستطيع تأليف كتاب على هذا القدر من الطول من غير أن يقع فيه الخلل والاختلاف والاضطراب، أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً (النساء 82).
ومما أكده القرآن أنه مصدّق لما نزل قبله من التوراة والإنجيل، وإلى جانب ذلك، سجل القرآن ما قابله به أهل الكتاب والمشركون، من كفر به وإنكار له، أما بعض أهل الكتاب فقد مضوا يكابرون، منكرين أن يكون الله قد أنزل كتابا على إنسان، وما كان أسهل دحض هذه الفرية بما بين أيديهم من كتاب موسى، يبدون بعضه ويخفون الكثير منه، قال سبحانه: وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قالُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى نُوراً وَهُدىً لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَراطِيسَ تُبْدُونَها وَتُخْفُونَ كَثِيراً وَعُلِّمْتُمْ ما لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آباؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ (الأنعام 91). ولم يزد الكثير من أهل الكتاب نزول القرآن إلا تماديا فى الكفر وشدة في الطغيان، قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لَسْتُمْ عَلى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْراةَ
وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْياناً وَكُفْراً فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ
(المائدة 68). وقالوا إن محمّدا يتعلم القرآن من إنسان عليم بأخبار الماضين، وكان من السهل أيضا إبطال تلك الدعوى، فإن هذا الذى زعموه يعلمه ذو لسان أعجمى، وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (النحل 103). ثم زعموا أنه إفك اختلقه، وأعانه على إتمامه سواه ممن يعرفون أساطير الأولين ويتقنونها، وهنا يرد القرآن في هدوء بأن هذه الأسرار التى في القرآن، والتى ما كان يعلمها محمد ولا قومه، إنما أنزلها الذى يعلم أسرار السموات والأرض، وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذا إِلَّا إِفْكٌ افْتَراهُ وَأَعانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جاؤُ ظُلْماً وَزُوراً وَقالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (الفرقان 4 - 6). ونزلوا في المكابرة إلى أعمق درك، فزعموا مرة أن ليس ما في القرآن من أخبار سوى أضغاث أحلام، وحينا زعموا أنه قول شاعر، وأن القرآن لا يصلح أن يكون آية قاطعة كآيات الرسل السابقين، بَلْ قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ بَلِ افْتَراهُ بَلْ هُوَ شاعِرٌ فَلْيَأْتِنا بِآيَةٍ كَما أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ (الأنبياء 5). ولم يتحمل القرآن الرد على دعوى أضغاث الأحلام لتفاهتها، ووضوح بطلانها، ولكنه نفى أن يكون القرآن شعرا بوضوح الفرق بين القرآن والشعر، الذى لا يليق أن يصدر من محمد، وجعلوا القرآن سحرا من محمد، لا صلة لله به، وهنا يبين القرآن مدى مكابرتهم، فيقول: وَلَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً فِي قِرْطاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (الأنعام 7).
ومضى بعض الناس يذيع الأحاديث الباطلة ليضل عن سبيل الله، ويصم أذنيه عن سماع القرآن مستكبرا مستهزئا به، والقرآن يغضب لموقف هؤلاء شديد الغضب، وينذرهم كما استهزءوا، بعذاب يهينــهم ويؤلمهم، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَها هُزُواً أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا وَلَّى مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (لقمان 6، 7).
ومن عجب أن كثيرا من الكافرين كان لا يرضى عما في القرآن من أفكار التوحيد والعبادة، فكان يطلب من الرسول أن يأتى بقرآن غير هذا القرآن، فكان رد الرسول صريحا في أنه لا يستطيع أن يفعل شيئا من تلقاء نفسه، وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (يونس 15).
ومما اعترضوا به على القرآن أنه نزل منجّما، واقترحوا أن ينزل دفعة واحدة، ولكن القرآن ردّ على هذا الاقتراح، بأن نزوله على تلك الطريقة، فيه تثبيت لفؤاد الرسول، ليكون دائم الاتصال بربه، أو ليس في نزوله كذلك تثبيت لأفئدة المؤمنين أيضا إذ ينقلهم القرآن بتعاليمه مرحلة مرحلة إلى الدين الجديد، ويروى القرآن هذا الاعتراض، ويرد عليه في قوله سبحانه: وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلًا وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْناكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً (الفرقان 32، 33).
ولقد تعبوا في صدّ تيار القرآن الجارف، ووقف أثره في النفوس فما استطاعوا ثم هداهم خيالهم الضّيق إلى طريقة يحولون بها بين القرآن وسامعيه تلك هى الصّخب عند سماع القرآن واللغو فيه، ولما كان في ذلك استقبال لا يليق بالقرآن قابله الله بتهديد عنيف، وإيعاد شديد، إذ يقول: وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذاباً شَدِيداً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ ذلِكَ جَزاءُ أَعْداءِ اللَّهِ النَّارُ لَهُمْ فِيها دارُ الْخُلْدِ جَزاءً بِما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ (فصلت 26 - 28). وذلك أقوى دليل على الإخفاق، وأنه لا حجة عندهم يستطيعون أن يهدموا بها حجة القرآن.
وحرّك القرآن فيهم غريزة الخوف إن كذبوا به، فسألهم ماذا تكون النتيجة إذا ثبت حقّا أنه من عند الله، وظلوا كافرين به، أيكون ثمّ من هو أضل منهم أو أظلم، يثير تلك الغريزة في قوله: قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقاقٍ بَعِيدٍ (فصلت 52). ويقف منهم موقف من بين الخير والشر، ثم تركهم لأنفسهم يفكرون، ألا يثير فيهم ذلك كثيرا من الخوف من أن ينالهم سوء إعراضهم بأوخم العواقب، إذ يقول: إِنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (الزمر 41). أما سورة الفرقان فيراد به هنا القرآن، كما أنه في مواضع أخرى يطلق على كتب الله، لأنها تفرق بين الحق والباطل، والصواب والخطأ.
ولعل بدء هذه السورة بقوله سبحانه: تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً (الفرقان 1). فيه دلالة على أنها تحوى إنذارا ووعيدا وتهديدا، وحقا لقد اتسمت هذه السورة بالرد المنذر على كثير من دعاوى المنكرين لأحقية القرآن ورسالة محمد ووحدانية الله، وقد بدأها بالحديث عن منزل القرآن، وتفرده بالملك وتعجبه من أن اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَياةً وَلا نُشُوراً (الفرقان 3). وبدأ بعد ذلك يعدد مفترياتهم على القرآن وتشكيكهم في رسالة محمد، ثم يتعمّق في السبب الذى دفعهم إلى إنكار القرآن ونبوة محمد، فيراه التكذيب باليوم الآخر، وكأنما غضبت جهنم لهذا التكذيب، حتى إنها إِذا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً وَزَفِيراً (الفرقان 12).
ويمضى في تصوير ما ينتظرهم في ذلك اليوم من مصير مؤلم موازنا بين ذلك، وبين جنة الخلد التى وعد المتقون، ثم يعود إلى أكاذيبهم، فيردّ على بعضها، ويبسط
بعضها الآخر، واضعا إلى جانب هذه الأكاذيب ما ينتظرها من عقوبة يوم الدين، وهنا يلجأ إلى التصوير المؤثر، يرسم به موقفهم في ذلك اليوم، علّه يردهم بذلك إلى الصواب، إذا ذكروا سوء المغبة؛ وتأمل قوة تصوير من ظلم نفسه بهجر القرآن وتكذيبه، فى قوله: وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ يَقُولُ يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا يا وَيْلَتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلًا لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جاءَنِي وَكانَ الشَّيْطانُ لِلْإِنْسانِ خَذُولًا وَقالَ الرَّسُولُ يا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً (الفرقان 27 - 30). ويعود مرة إلى شبهة من شبهاتهم في القرآن فيدحضها وينذرهم بشر مكان في جهنم، ويعدد لهم عواقب من كذب الرسل من قبلهم. ثم يأتى إلى إثم آخر من آثامهم باستهزائهم بالرسول الذى كاد يصرفهم عن آلهتهم، لولا أن صبروا عليها، وهنا يناقشهم في اتخاذ هذه الآلهة التى لا يصلح اتخاذها إلها إذا وزنت بالله الذى يعدد من صفاته ما يبين بوضوح وجلاء أنهم يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُهُمْ وَلا يَضُرُّهُمْ (الفرقان 55). ويطيل القرآن في تعداد صفات الله وبيان مظاهر قدرته. وإذا كانت السورة قد مضت تنذر المنكرين وتعدّد آثامهم، فإنها قد أخذت تذكر كذلك صفات المؤمنين الصادقين، ليكونوا إلى جانبهم مثالا واضحا للفرق بين الصالح والطّالح، ولتكون الموازنة بينهما مدعاة إلى تثبيت النموذجين في النفس، وختمت السورة بالإنذار بأن العذاب نازل بهم لا محالة، ما داموا قد كذبوا، فكانت السورة كلّها من المبدأ إلى المنتهى تتجه إلى الوعيد، ما دامت تناقش المنكرين في مفتريات تتعلق بالقرآن ومن نزل عليه القرآن، وقد رأينا كيف كان يقرن كل افتراء بما أعدّ له من العذاب.

التَّكَلُّم

التَّكَلُّم: يفْسد الصَّلَاة قَلِيلا كَانَ أَو كثيرا عَامِدًا أَو نَاسِيا أَو سَاهِيا قبل أَن يقْعد قدر التَّشَهُّد. وَإِمَّا بعد الْقعُود قدره فَلَا، فَإِن قيل إِن السَّلَام لِلْخُرُوجِ عَن الصَّلَاة قبل الْقعُود الْمَذْكُور إِن كَانَ عمدا فَهُوَ مُفسد للصَّلَاة وَإِن كَانَ سَهوا فَلَا مَعَ أَنه كَلَام فِي الْحَالَتَيْنِ فَلم جعل هَذَا الْكَلَام عفوا فِي حَالَة السَّهْو قُلْنَا السَّلَام من اذكار الصَّلَاة إِذْ فِي التَّشَهُّد يسلم على النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وعَلى عباد الله الصَّالِحين وَهُوَ من أَسمَاء الله تَعَالَى وَإِنَّمَا أَخذ حكم الْكَلَام لكاف الْخطاب وَإِنَّمَا يتَحَقَّق معنى الْخطاب فِيهِ عِنْد الْقَصْد فاعتبرناه ذكرا عِنْد النسْيَان وكلاما عِنْد الْعمد عملا بالشبــيهين.

الإسلام

الإسلام: أحْينا عَلَيه يا حَيُّ- هو الخضوعُ والانقيادُ لما أخبر به سيدنا الرسُول محمد - صلى الله عليه وسلم - قاله السيد.
الإسلام: في "الدر المختار" هو تصديق سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - في جميع ما جاء عن الله تعالى مما علم مجيئه ضرورة أي بداهة.
الإسلام:
[في الانكليزية] Islam
[ في الفرنسية] L'Islam
هو لغة الطاعة والانقياد، ويطلق في الشرع على الانقياد إلى الأعمال الظاهرة، كما بين ذلك النبيّ صلى الله عليه وسلم بقوله: «الإسلام أن تشهد أن لا إله إلّا الله وأن محمدا رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتى الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت».
وحاصل ذلك أن الإسلام شرعا هو الأعمال الظاهرة من التلفظ بكلمتي الشهادة والإتيان بالواجبات والانتهاء عن المنهيات. وعلى هذا المعنى، هو يغاير الإيمان وينفك عنه، إذ قد يوجد التصديق مع انقياد الباطن بدون الأعمال، وقد يطلق على الأعمال المشروعة، ومنه قوله تعالى: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ وخبر أحمد: «أيّ الإسلام أفضل؟ قال:
الإيمان»، وخبر ابن ماجة «قلت ما الإسلام قال تشهد أن لا إله إلّا الله وتشهد أنّ محمدا رسول الله وتؤمن بالأقدار كلها خيرها وشرها حلوها ومرّها»، وعلى هذا هو يغاير الإيمان ولا ينفك عنه، أي عن الإيمان لاشتراطه لصحتها وهي لا تشترط لصحته خلافا للمعتزلة.
وأما الإسلام المأخوذ بالمعنى اللغوي الذي قد يستعمله به أهل الشرع أيضا فبينه وبين الإيمان تلازم في المفهوم، فلا يوجد شرعا إيمان بلا إسلام ولا عكسه وهو الظاهر.
وقيل بينهما ترادف لأن الإسلام هو الخضوع والانقياد للأحكام بمعنى قبولها والإذعان بها، وذلك حقيقة التصديق، فيترادفان. فالإسلام يطلق على ثلاثة معان والإيمان أيضا يطلق شرعا على كلّ من تلك المعاني الثلاثة، وإذا تقرر ذلك فحيث ورد ما يدلّ على تغايرهما كما في قوله تعالى قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا الآية، وكما في بعض الأحاديث، فهو باعتبار أصل مفهوميهما، فإنّ الإيمان عبارة عن تصديق قلبي، والإسلام عبارة عن طاعة وانقياد ظاهر كما صرّح بذلك في شروح صحيح البخاري.
فصحّ ما قاله ابن عباس وغيره في تفسير هذه الآية أنهم لم يكونوا منافقين بل كان إيمانهم ضعيفا، ويدل عليه قوله تعالى: وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ الآية، الدالّ على أن معهم من الإيمان ما يقبل به أعمالهم، وحينئذ يؤخذ من الآية أنه يجوز نفي الإيمان عن ناقصه. ومما يصرح به قوله عليه الصلاة والسلام: «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن» وفيه قولان لأهل السنة، أحدهما هذا، والثاني لا ينفى عنه اسم الإيمان من أصله ولا يطلق عليه مؤمن لإيهامه كمال إيمانه، بل يقيّد فيقال: مؤمن ناقص الإيمان، وهذا بخلاف اسم الإسلام فإنه لا ينتفي بانتفاء ركن من أركانه ولا بانتفاء جميعها ما عدا الشهادتين. وكأنّ الفرق أنّ نفيه يتبادر منه إثبات الكفر مبادرة ظاهرة بخلاف نفي الإيمان. وحيث ورد ما يدلّ على اتحادهما كقوله تعالى فَأَخْرَجْنا مَنْ كانَ فِيها مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فهو باعتبار تلازم المفهومين أو ترادفهما. ومن هاهنا قال كثيرون إنهما على وزان الفقير والمسكين، فإذا أفرد أحدهما دخل فيه الآخر ودلّ بانفراده على ما يدل عليه الآخر بانفراده، وإن قرن بينهما تغايرا كما في خبر أحمد «الإسلام علانية والإيمان في القلب»، وحيث فسّر الإيمان بالأعمال فهو باعتبار إطلاقه على متعلقاته لما تقرر أنه تصديق بأمور مخصوصة، ومنه: وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ، واتفقوا على أنّ المراد به هنا الصلاة ومنه حديث وفد عبد القيس: «هل تدرون ما الإيمان شهادة أن لا إله إلّا الله وأنّ محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وأن تؤدوا خمسا من المغنم» ففسّر فيه الإيمان بما فسر في حديث جبرائيل الإسلام، فاستفيد منهما إطلاق الإيمان والإسلام على الأعمال شرعا باعتبار أنها متعلقة مفهوميهما المتلازمين وهما التصديق والانقياد، فتأمّل ذلك حق التأمّل لتندفع به عنك الشكوك الواردة هاهنا. وممّا أطلق فيه الإيمان على الأعمال المشروعة ما روي «الإيمان اعتقاد بالقلب وإقرار باللسان وعمل بالأركان». هذا كله خلاصة ما ذكر ابن الحجر في شرح الأربعين للنووي في شرح الحديث الثاني.
الإسلام:
[في الانكليزية] Name ،noun
[ في الفرنسية] Nom
بالكسر والضمّ لغة بمعنى اللفظ الدال على الشيء كما في قوله: وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها، كذا ذكر المولوي عصام الدين في حاشية الفوائد الضيائية. وحاصله أنه يطلق لغة على مقابل المهمل، كما صرّح به في باب منع الصرف. وفي شرح المقاصد: الاسم هو اللفظ المفرد الموضوع للمعنى وهو يعم جميع أنواع الكلمة، والمسمّى هو المعنى الذي وضع الاسم بإزائه، والتسمية هو وضع الاسم للمعنى. وقد يراد به ذكر الشيء باسمه، يقال سمّى زيدا ولم يسم عمروا، ولا خفاء في تغاير الأمور الثلاثة، انتهى. وفي جامع الرموز في جواز اليمين باسم الله تعالى: الاسم عرفا لفظ دال على الذات والصفة معا كالرحمن والرحيم، والله اسم دال على ذات الواجب فهو اسم للذات انتهى. وفي كشف اللغات: الاسم بالكسر والضم، هو بالفارسية: نام، وفي اصطلاح أهل السلوك:
ليس لفظا يدلّ على شيء بالوضع، بل هو اسم الذّات للمسمّى باعتبار الصّفة. والصّفة إمّا وجودية كالعليم والقدير أو عدميّة كالقدوس والسّلام يقول الشاعر:

العارفون الذين يعرفون علمنا يقولون: الصفة والذات هي الاسم انتهى.
اعلم أنه قد اشتهر الخلاف في أنّ الاسم هل هو نفس المسمّى أو غيره، ولا يشكّ عاقل في أنه ليس النزاع في لفظ ف ر س أنه هل هو نفس الحيوان المخصوص أو غيره فإن هذا ممّا لا يشتبه على أحد، بل النزاع في مدلول الاسم أهو الذات من حيث هي هي أم هو الذات باعتبار أمر صادق عليه عارض له ينبئ عنه؛ فلذلك قال الأشعري قد يكون الاسم أي مدلوله عين المسمّى أي ذاته من حيث هي نحو الله، فإنه اسم علم للذات من غير اعتبار معنى فيه، وقد يكون غيره نحو الخالق والرازق ممّا يدلّ على نسبة إلى غيره. ولا شك أنّ تلك النسبة غيره وقد يكون لا هو ولا غيره كالعليم والقدير ممّا يدلّ على صفة حقيقية قائمة بذاته، فإنّ تلك الصفة لا هو ولا غيره عنده فهكذا الذات المأخوذة معها.

قال الآمدي: اتفق العقلاء على المغايرة بين التسمية والمسمّى، وذهب أكثر أصحابنا إلى أن التسمية هي نفس الأقوال الدالة، وإنّ الاسم هو نفس المدلول، ثم اختلف هؤلاء، فذهب ابن فورك وغيره إلى أن كل اسم فهو المسمّى بعينه. فقولك: الله دالّ على اسم هو المسمّى، وكذلك قولك عالم وخالق فإنه يدلّ على ذات الربّ الموصوف بكونه عالما وخالقا. وقال بعضهم من الأسماء ما هو عين كالموجود والذات ومنها ما هو غير كالخالق، فإنّ المسمّى ذاته، والاسم هو نفس الخلق وخلقه غير ذاته، ومنها ما ليس عينا ولا غيرا كالعالم فإن المسمّى ذاته والاسم علمه الذي ليس عين ذاته ولا غيرها. وتوضيح ذلك أنهم لم يريدوا بالتسمية اللفظ وبالاسم مدلوله كما يريدون بالوصف قول الواصف وبالصفة مدلوله، ثم إنّ ابن فورك ومن يوافقه اعتبروا المدلول المطابقي وأرادوا بالمسمّى ما وضع الاسم بإزائه، فأطلقوا القول بأن الاسم نفس المسمّى. والبعض أراد بالمسمّى ما يطلق عليه الاسم، وأخذ المدلول أعمّ من المطابقي واعتبر في أسماء الصفات المعاني المقصودة، فزعم أنّ مدلول الخالق الخلق وأنه غير ذات الخالق بناء على ما تقرّر من أنّ صفات الأفعال غير الموصوف، وأن الصفات التي لا عينه ولا غيره هي التي يمتنع انفكاكها عن موصوفها. ثم إنّ الأشعري أراد بالمسمّى ما يطلق عليه الاسم، أعني الذات، وأعتبر المدلول المطابقي وحكم بغيرية هذا المدلول أو بكونه لا هو ولا غيره باعتبار المدلول التضمني. وذهب المعتزلة إلى أنّ الاسم هو التسمية ووافقهم على ذلك بعض المتأخرين من أصحابنا. وذهب الأستاذ أبو نصر بن أيوب إلى أنّ لفظ الاسم مشترك بين التسمية والمسمّى، فيطلق على كل منهما ويفهم المقصود بحسب القرائن. ولا يخفى عليك أن النزاع على قول أبي نصر في لفظ اس م، وأنها تطلق على الألفاظ فيكون الاسم عين التسمية بالمعنى المذكور، أي القول الدال لا بمعنى فعل الواضع وهو وضع الاسم للمعنى، أو تطلق على مدلولاتها فيكون عين المسمّى، وكلا الاستعمالين ثابت، كما في قولك:

الأسماء والأفعال والحروف، وقوله تعالى:
تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ أي مسمّاه، وقول لبيد: اسم السلام عليكما. وقال الإمام الرازي:
المشهور عن أصحابنا أن الاسم هو المسمّى، وعن المعتزلة أنه التسمية، وعن الغزالي أنه مغاير لهما لأن النسبة وطرفيها مغايرة قطعا، والناس قد طوّلوا في هذه المسألة، وهو عندي فضول لأن الاسم هو اللفظ المخصوص والمسمّى ما وضع ذلك اللفظ بإزائه، فنقول:
الاسم قد يكون غير المسمّى، فإنّ لفظ الجدار مغاير لحقيقة الجدار وقد يكون عينه، فإن لفظ الاسم اسم للفظ دال على معنى مجرّد عن الزمان، ومن جملة تلك الألفاظ لفظ الاسم، فيكون لفظ الاسم اسما لنفسه فاتّحد هاهنا الاسم والمسمّى. قال: فهذا ما عندي، هذا كله خلاصة ما في شرح المواقف والچلپي وما في تعليقات جدّي رحمة الله عليه.
التقسيم
اعلم أنّ الاسم الذي يطلق على الشيء إمّا أن يؤخذ من الذات بأن يكون المسمّى به ذات الشيء وحقيقته من حيث هي، أو من جزئها، أو من وصفها الخارجي، أو من الفعل الصادر عنه؛ ثم أنظر أيّها يمكن في حق الله تعالى، فالمأخوذ من الوصف الخارجي الداخل في مفهوم الاسم فجائز في حقه تعالى، سواء كان الوصف حقيقيا كالعليم، أو إضافيا كالماجد بمعنى العالي، أو سلبيا كالقدوس، وكذا المأخوذ من الفعل كالخالق. وأما المأخوذ من الجزء كالجسم للإنسان فمحال لانتفاء التركيب في ذاته، فلا يتصوّر له جزء حتى يطلق عليه اسمه. أمّا المأخوذ من الذات فمن ذهب إلى جواز تعقّل ذاته جوّز أن يكون له اسم بإزاء حقيقته المخصوصة، ومن ذهب إلى امتناع تعقّلها لم يجوّز لأن وضع الاسم لمعنى فرع تعقله ووسيلة إلى تفهيمه، فإذا لم يمكن أن يعقل ويفهم فلا يتصوّر اسم بإزائه. وفيه بحث لأن الخلاف في تعقّل كنه ذاته ووضع الاسم لا يتوقف عليه إذ يجوز أن يعقل ذاتا ما بوجه ما، ويوضع الاسم لخصوصية ويقصد تفهيمها باعتبار ما لا بكنهها، ويكون ذلك الوجه مصحّحا للوضع وخارجا عن مفهوم الاسم، كما في لفظ الله، فإنه اسم علم له موضوع لذاته من غير اعتبار معنى فيه، كذا في شرح المواقف.
وفي شرح القصيدة الفارضية في علم التصوف: الأسماء تنقسم باعتبار الذات والصفات والأفعال إلى الذاتية، كالله والصفاتية كالعليم والأفعالية كالخالق، وتنحصر باعتبار الأنس والهيبة عند مطالعتها في الجمالية كاللطيف والجلالية كالقهار. والصفات تنقسم باعتبار استقلال الذات بها إلى ذاتية وهي سبعة:
العلم والحياة والإرادة والقدرة والسمع والبصر والكلام، وباعتبار تعلّقها بالخلق إلى أفعالية، وهي ما عدا السبعة ولكل مخلوق سوى الإنسان حظ من بعض الأسماء دون الكلّ كحظ الملائكة من اسم السبّوح والقدّوس. ولذا قالوا نحن نسبّح بحمدك ونقدس لك، وحظّ الشيطان من اسم الجبار والمتكبر، ولذلك عصى واستكبر واختص الإنسان بالحظ من جميعها ولذلك أطاع تارة وعصى أخرى وقوله تعالى وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها أي ركّب في فطرته من كل اسم من أسمائه لطيفة وهيّأه بتلك اللطائف للتحقّق بكل الأسماء الجلالية والجمالية، وعبّر عنهما بيديه فقال للإبليس ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَ وكلّ ما سواه مخلوق بيد واحدة لأنه إمّا مظهر صفة الجمال كملائكة الرحمة أو الجلال كملائكة العذاب. وعلامة المتحقق باسم من أسماء الله أن يجد معناه في نفسه كالمتحقق باسم الحق علامته أن لا يتغيّر بشيء، كما لم يتغير الحلاج عند قتله تصديقا لتحققه بهذا الاسم انتهى. وفي الإنسان الكامل قال المحققون أسماء الله تعالى على قسمين يعني الأسماء التي تفيد في نفسها وصفا فهي عند النحاة أسماء لغوية: القسم الأول هي الذاتية كالأحد والواحد والفرد والصمد والعظيم والحيّ والعزيز والكبير والمتعال وأشباه ذلك. القسم الثاني هي الصفاتية كالعليم والقادر ولو كانت من الأسماء النفسية وكالمعطي والخلّاق ولو كانت من الأفعالية، انتهى.

فائدة:
اعلم أنّ تسميته تعالى بالأسماء توقيفية، أي يتوقف إطلاقها على الإذن فيه وليس الكلام في أسماء الأعلام الموضوعة في اللغات، إنما النزاع في الأسماء المأخوذة من الصفات والأفعال، فذهب المعتزلة والكرّامية إلى أنها إذ ادلّ العقل على اتصافه تعالى بصفة وجودية أو سلبية جاز أن يطلق عليه اسم يدلّ على اتصافه بها، سواء ورد بذلك الإطلاق إذن شرعي أو لا، وكذا الحال في الأفعال. وقال القاضي أبو بكر من أصحابنا كلّ لفظ دلّ على معنى ثابت لله تعالى جاز إطلاقه عليه بلا توقيف إذا لم يكن إطلاقه موهما لما لا يليق بكبريائه، ولذا لم يجز أن يطلق عليه لفظ العارف، لأن المعرفة قد يراد بها علم تسبقه غفلة، وكذا لفظ الفقيه والعاقل والفطن والطبيب ونحو ذلك. وقد يقال لا بدّ مع نفي ذلك الإيهام من الإشعار بالتعظيم حتى يصحّ الإطلاق بلا توقيف. وذهب الشيخ ومتابعوه إلى أنه لا بدّ من التوقيف وهو المختار، وذلك للاحتياط فلا يجوز الاكتفاء في عدم إيهام الباطل بمبلغ إدراكنا، بل لا بدّ من الاستناد إلى إذن الشرع. فإن قلت من الأوصاف ما يمتنع إطلاقه عليه تعالى مع ورود الشرع بها كالماكر المستهزئ وغيرهما. أجيب بأنه لا يكفي في الإذن مجرّد وقوعها في الكتاب أو السنّة بحسب اقتضاء المقام وسياق الكلام، بل يجب أن يخلو عن نوع تعظيم ورعاية أدب، كذا في شرح المواقف وحواشيه.
والاسم عند أهل الجفر يطلق على سطر التكسير ويسمّى أيضا بالزّمام والحصّة والبرج، كذا في بعض الرسائل. وعند المنطقيين يطلق على لفظ مفرد يصح أن يخبر به وحده عن شيء، ويقابله الكلمة والأداة، ويجيء في لفظ المفرد. وعند النحاة يطلق على خمسة معان:

على ما في المنتخب حيث قال: اسم بالكسر والضم هو السّمة والعلامة على الشيء. وفي اصطلاح النحاة: يطلق الاسم على خمسة أشياء:
1 - الاسم، العلم، مقابل اللّقب والكنية.
2 - كلمة لا تحمل معنى وصفيا، وهي بهذا تقابل الصفة.
3 - كلمة لا تحمل معنى ظرفيا، وهي بهذا تقابل الظرف.
4 - كلمة تحمل معنى حاصل المصدر، وتستعمل كالمصدر.
5 - كلمة بدون إضافة كلمة أخرى إليها تدلّ على معنى ولا تدلّ على أيّ زمان من أزمنة الفعل من الماضي والمضارع والاستقبال، وهي بهذا الاصطلاح تقابل اصطلاح الفعل والحرف.
انتهى.
أما المعنى الأول فيجيء تحقيقه في لفظ العلم، ويطلق أيضا مرادفا للعلم كما يجيء هناك أيضا. وأما المعنى الثاني فقد صرّح به في شروح الكافية في باب منع الصرف في بحث الألف والنون المزيدتين. وأما المعنى الثالث فقد صرّحوا به أيضا هناك، وأيضا وقع في الضوء الظروف بعضها لازم الظرفية فيكون منصوبا أبدا نحو: عند وسوى، وبعضها يستعمل اسما وظرفا كالجهات الستّ، انتهى. وفي العباب ويستعمل إذا اسما صريحا مجرّدا عن معنى الظرفية أيضا، ويصير اسما مرفوع المحل بالابتداء أو مجروره أو منصوبه لا بالظرفية، نحو: إذا يقوم زيد إذا يقعد عمر، أي وقت قيام زيد وقت قعود عمر، فإذا هنا مبتدأ وخبر، انتهى.
فالاسم حينئذ مقابل للظرف بمعنى المفعول فيه. وأما المعنى الرابع فقد ذكر في تيسير القاري شرح صحيح البخاري في باب الاحتكار قال الاحتكار: هو شراء الغلّة في أوان الرّخص، لتباع فيما بعد عند غلائها. والحكرة هي اسم من فعل الاحتكار. وأيضا في جامع الرموز: الشبهة اسم من الاشتباه. وفي الصراح شبهة پوشيدگى كار. الخطأ في ستر العمل.
ثم أقول قال في بحر المعاني في تفسير قوله تعالى: فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ، الوقود بفتح الواو اسم لما يوقد به النار وهو الحصب وبالضم مصدر بمعنى الالتهاب انتهى. وهكذا في البيضاوي، وهذا صريح في أن الاسم قد يستعمل بمعنى الاسم الذي لا يكون مصدرا، سواء كان بمعنى الحاصل بالمصدر أو لم يكن إذ لا خفاء في عدم كون الوقود هاهنا بمعنى الحاصل بالمصدر، فينتقض الحصر في المعاني الخمسة حينئذ لخروج هذا المعنى من الحصر. وأما المعنى الخامس فشائع وتحقيقه أنهم قالوا الكلمة ثلاثة أقسام، لأنها إمّا أن تستقل بالمفهومية أو لا.
الثاني الحرف، والأول إمّا أن تدلّ بهيئتها على أحد الأزمنة الثلاثة أو لا. الثاني الاسم والأول الفعل، فالاسم ما دلّ على معنى في نفسه غير مقترن بأحد الأزمنة الثلاثة، والفعل ما دلّ على معنى في نفسه مقترن بأحد الأزمنة الثلاثة، والحرف ما دلّ على معنى في غيره. والضمير في قولهم في نفسه في كلا التعريفين إمّا راجع إلى ما، والمعنى ما دلّ على معنى كائن في نفس ما دلّ أي الكلمة؛ والمراد بكون المعنى في نفس الكلمة دلالتها عليه من غير حاجة إلى ضمّ كلمة أخرى إليها لاستقلاله بالمفهومية، وإما راجع إلى المعنى وحينئذ يكون المراد بكون المعنى في نفسه استقلاله بالمفهومية وعدم احتياجه في الانفهام إلى كلمة أخرى، فمرجع التوجــيهين إلى أمر واحد وهو استقلال الكلمة بالمفهومية أي بمفهومية المعنى منه، وكذا الحال في قولهم في غيره في تعريف الحرف يعني أن الضمير إمّا عائد إلى ما، فيكون المعنى:
الحرف ما دلّ على معنى كائن في غير ما دلّ أي الكلمة لا في نفسه وحاصله أنه لا يدل بنفسه بل بانضمام كلمة أخرى إليها. وإمّا إلى المعنى فيكون المعنى: الحرف ما دلّ على معنى في غيره لا في نفسه بمعنى أنه غير تام في نفسه، أي لا يحصل ذلك المعنى من اللّفظ إلّا بانضمام شيء إليه، فمرجع هذين التوجهين إلى أمر واحد أيضا، وهو أن لا يستقل بالمفهومية.
ثم المعنى قد يكون إفراديا هو مدلول اللّفظ بانفراده وقد يكون تركيبيا يحصل منه عند التركيب فيضاف أيضا إلى اللّفظ، وإن كان معنى اللّفظ عند الإطلاق هو الإفرادي، ويشترك الاسم والفعل والحرف في أن معانيها التركيبية لا تحصل إلّا بذكر ما يتعلّق به من أجزاء الكلام، ككون الاسم فاعلا وكون الفعل مسندا مثلا مشروط بذكر متعلّقه، بخلاف الحرف، فإنّ معناه الإفرادي أيضا لا يحصل بدون ذكر المتعلق.
وتحقيق ذلك أن نسبة البصيرة إلى مدركاتها كنسبة البصر إلى مبصراته. وأنت إذا نظرت في المرآة وشاهدت صورة فيها فلك، هناك حالتان: إحداهما أن تكون متوجها إلى تلك الصورة مشاهدا إياها قصدا جاعلا للمرآة حينئذ آلة في مشاهدتها، ولا شك أن المرآة حينئذ مبصرة في هذه الحالة لكنها ليست بحيث تقدر بإبصارها على هذا الوجه أن تحكم عليها وتلتفت إلى أحوالها. والثانية أن تتوجّه إلى المرآة نفسها وتلاحظها قصدا فتكون صالحة لأن تحكم عليها، وحينئذ تكون الصورة مشاهدة تبعا غير ملتفت إليها، فظهر أن في المبصرات ما يكون تارة مبصرا بالذات وأخرى آلة لإبصار الغير، واستوضح ذلك من قولك قام زيد.
ونسبة القيام إلى زيد إذ لا شك أنك مدرك فيهما نسبة القيام إلى زيد، إلّا أنها في الأول مدركة من حيث أنها حالة بين زيد والقيام وآلة لتعرف حالهما فكأنها مرآة تشاهدهما بها مرتبطا أحدهما بالآخر، ولهذا لا يمكنك أن تحكم عليها أو بها ما دامت مدركة على هذا الوجه.
وفي الثاني مدركة بالقصد ملحوظة في ذاتها بحيث يمكنك أن تحكم عليها وبها؛ فعلى الوجه الأول معنى غير مستقل بالمفهومية، وعلى الثاني معنى مستقل بها. وكما يحتاج إلى التعبير عن المعاني الملحوظة بالذات المستقلة بالمفهومية يحتاج إلى التعبير عن المعاني الملحوظة بالغير التي لا تستقل بالمفهومية.
إذا تمهّد هذا فاعلم أنّ الابتداء مثلا معنى هو حالة لغيره ومتعلّق به، فإذا لاحظه العقل قصدا وبالذات كان معنى مستقلا بنفسه ملحوظا في ذاته صالحا لأن يحكم عليه وبه، ويلزمه إدراك متعلّقه إجمالا وتبعا، وهو بهذا الاعتبار مدلول لفظ الابتداء، ولك بعد ملاحظته على هذا الوجه أن تقيده بمتعلق مخصوص، فتقول مثلا ابتداء سير البصرة ولا يخرجه ذلك عن الاستقلال وصلاحية الحكم عليه وبه وعلى هذا القياس الأسماء اللازمة الإضافة كذو وأولو وفوق وتحت، وإذا لاحظه العقل من حيث هو حالة بين السير والبصرة وجعله آلة لتعرف حالهما كان معنى غير مستقل بنفسه، ولا يصلح أن يكون محكوما عليه ولا محكوما به، وهو بهذا الاعتبار مدلول لفظ من. وهذا معنى ما قيل إنّ الحرف وضع باعتبار معنى عام وهو نوع من النسبة كالابتداء مثلا لكل ابتداء مخصوص معيّن النسبة لا تتعين إلّا بالمنسوب إليه، فما لم يذكر متعلق الحرف لا يتحصّل فرد من ذلك النوع هو مدلول الحرف، لا في العقل، وهو الظاهر، ولا في الخارج لأنّ مدلول الحرف فرد مخصوص من ذلك النوع، أعني ما هو آلة لملاحظة طرفيه ولا شك أنّ تحقق هذا الفرد في الخارج يتوقف على ذكر المتعلق. وما قيل الحرف ما يوجد معناه في غيره وأنّه لا يدلّ على معنى باعتباره في نفسه بل باعتباره في متعلقه، فقد اتضح أنّ ذكر المتعلق للحرف إنما وجب ليتحصّل معناه في الذهن إذ لا يمكن إدراكه إلّا بإدراك متعلقه إذ هو آلة لملاحظته فعدم استقلال الحرف بالمفهومية إنّما هو لقصور ونقصان في معناه، لا لما قيل من أنّ الواضع اشترط في دلالته على معناه الإفرادي ذكر متعلقه، إذ لا طائل تحته لأنّ هذا القائل إن اعترف بأنّ معاني الحروف هي النسب المخصوصة على الوجه الذي قررناه، فلا معنى لاشتراط الواضع حينئذ، لأن ذكر المتعلق أمر ضروري إذ لا يعقل معنى الحرف إلّا به، وإن زعم أنّ معنى لفظة من هو معنى الابتداء بعينه إلّا أنّ الواضع اشترط في دلالة من عليه ذكر المتعلّق ولم يشترط ذلك في دلالة لفظ الابتداء عليه، فصارت لفظة من ناقصة الدلالة على معناها غير مستقلة بالمفهومية لنقصان فيها؛ فزعمه هذا باطل. أمّا أولا فلأنّ هذا الاشتراط لا يتصوّر له فائدة أصلا بخلاف اشتراط القرينة في الدلالة على المعنى المجازي. وأمّا ثانيا فلأنّ الدليل على هذا الاشتراط ليس نصّ الواضع عليه كما توهّم لأنّ في تلك الدعوى خروجا عن الإنصاف، بل هو التزام ذكر المتعلّق في الاستعمال على ما يشهد به الاستقراء، وذلك مشترك بين الحروف والأسماء اللازمة الإضافة.
والجواب عن ذلك بأنّ ذكر المتعلق في الحرف لتتميم الدلالة وفي تلك الأسماء لتحصيل الغاية، مثلا كلمة ذو موضوعة بمعنى الصاحب ويفهم منها هذا المعنى عند الإطلاق، لكنها إنّما وضعت له ليتوصّل بها إلى جعل أسماء الأجناس صفة للمعارف أو للنكرات، فتحصيل هذه الغاية هو الذي أوجب ذكر متعلّقها، فلو لم يذكر لم تحصل الغاية عند إطلاقه بدون ذكر متعلّقه تحكّم بحت. وأمّا ثالثا فلأنّه يلزم حينئذ أن يكون معنى من مستقلا في نفسه صالحا لأن يحكم عليه وبه، إلّا أنّه لا ينفهم منها وحدها، فإذا ضمّ إليها ما يتمّ دلالتها وجب أن يصحّ الحكم عليه وبه وذلك مما لا يقول به من له أدنى معرفة باللغة وأحوالها.
وقيل الحرف ما دلّ على معنى ثابت في لفظ غيره، فاللام في قولنا الرجل مثلا يدل بنفسه على التعريف الذي في الرجل. وفيه بحث لأنّه إن أريد بثبوت معنى الحرف في لفظ غيره أنّ معناه مفهوم بواسطة لفظ الغير أي بذكر متعلّقه، فهذا بعينه ما قرّرناه سابقا، وإن أريد به أنه يشترط في انفهام المعنى منه لفظ الغير بحسب الوضع ففيه ما مرّ، وإن أريد به أنّ معناه قائم بلفظ الغير فهو ظاهر البطلان، وكذا إن أريد به قيامه بمعنى غيره قياما حقيقيا، ولأنه يلزم حينئذ أن يكون مثل السّواد وغيره من الأعراض حروفا لدلالتها على معان قائمة بمعاني ألفاظ غيرها، وإن أريد به تعلقه بمعنى الغير لزم أن يكون لفظ الاستفهام وما يشبهه من الألفاظ الدّالة على معان متعلّقة بمعاني غيرها حروفا، وكلّ ذلك فاسد.
وقيل الحرف ليس له معنى في نفسه بل هو علاقة لحصول معنى في لفظ آخر، وإنّ في قولك في الدار علامة لحصول معنى الظرفية في الدار، ومن في قولك خرجت من البصرة علامة لحصول معنى الابتداء في البصرة، وعلى هذا فقس سائر الحروف وهذا ظاهر البطلان.
ثمّ الاسم والفعل يشتركان في كونهما مستقلين بالمفهومية، إلّا أنهما يفترقان في أنّ الاسم يصلح لأن يقع مسندا ومسندا إليه، والفعل لا يقع إلّا مسندا، فإنّ الفعل ما عدا الأفعال الناقصة كضرب مثلا يدلّ على معنى في نفسه مستقل بالمفهومية وهو الحدث، وعلى معنى غير مستقل هو النسبة الحكمية الملحوظة من حيث أنها حالة بين طرفيها وآلة لتعرف حالهما مرتبطا أحدهما بالآخر. ولما كانت هذه النسبة التي هي جزء مدلول الفعل لا تتحصل إلّا بالفاعل وجب ذكره، كما وجب ذكر متعلّق الحرف، فكما أنّ لفظة من موضوعة وضعا عاما لكل ابتداء معين بخصوصه، كذلك لفظة ضرب موضوعة وضعا عاما لكل نسبة للحدث الذي دلّت عليه إلى فاعل بخصوصها، إلّا أن الحرف لمّا لم يدل إلّا على معنى غير مستقل بالمفهومية لم يقع محكوما عليه ولا محكوما به إذ لا بدّ في كل منهما أن يكون ملحوظا بالذات ليتمكن من اعتبار النسبة بينه وبين غيره، واحتاج إلى ذكر المتعلق رعاية لمحاذات الأفعال بالصور الذهنية، والفعل لمّا اعتبر فيه [الحدث] وضمّ إليه انتسابه إلى غيره نسبة تامة من حيث أنها حالة بينهما وجب ذكر الفاعل لتلك المحاذاة، ووجب أيضا أن يكون مسندا باعتبار الحدث إذ قد اعتبر ذلك في مفهومه وضعا ولا يمكن جعل ذلك الحدث مسندا إليه لأنه على خلاف وضعه. وأمّا مجموع معناه المركّب من الحدث والنسبة المخصوصة فهو غير مستقلّ بالمفهومية فلا يصلح أن يقع محكوما به فضلا عن أن يقع محكوما عليه كما يشهده التأمّل الصادق.
وأمّا الاسم فلما كان موضوعا لمعنى مستقل ولم تعتبر معه نسبة تامة لا على أنه منسوب إلى غيره ولا بالعكس صحّ الحكم عليه وبه.
فإن قلت كما أنّ الفعل يدل على حدث ونسبة إلى فاعل على ما قررته كذلك اسم الفاعل يدلّ على حدث ونسبة إلى ذات، فلم يصح كون اسم الفاعل محكوما عليه دون الفعل؟. قلت لأنّ المعتبر في اسم الفاعل ذات ما من حيث نسب إليه الحدث، فالذات المبهمة ملحوظة بالذات، وكذلك الحدث. وأمّا النسبة فهي ملحوظة لا بالذات، إلّا أنها تقييدية غير تامة ولا مقصودة أصلية من العبارة تقيدت بها الذات المبهمة وصار المجموع كشيء واحد، فجاز أن يلاحظ فيه تارة جانب الذات أصالة فيجعل محكوما عليه وتارة جانب الوصف أي الحدث أصالة فيجعل محكوما به. وأمّا النسبة التي فيه فلا تصلح للحكم عليها ولا بها، لا وحدها ولا مع غيرها، لعدم استقلالها، والمعتبر في الفعل نسبة تامة تقتضي انفرادها مع طرفيها من غيرها وعدم ارتباطها به، وتلك النسبة هي المقصودة الأصلية من العبارة فلا يتصور أن يجري في الفعل ما جرى في اسم الفاعل، بل يتعيّن له وقوعه مسندا باعتبار جزء معناه الذي هو الحدث.
فإن قلت قد حكموا بأنّ الجملة الفعلية في: زيد قام أبوه محكوما بها. قلت في هذا الكلام يتصور حكمان: أحدهما الحكم بأن أبا زيد قائم، والثاني أن زيدا قائم الأب، ولا شكّ أن هذين الحكمين ليسا بمفهومين منه صريحا بل أحدهما مقصود والآخر تبع، فإن قصد الأول لم يكن زيد بحسب المعنى محكوما عليه بل هو قيد يتعين به المحكوم عليه، وإن قصد الثاني كما هو الظاهر فلا حكم صريحا بين القيام والأب، بل الأب قيد للمسند الذي هو القيام، إذ به يتم مسندا إلى زيد. ألا ترى أنك لو قلت: قام أبو زيد وأوقعت النسبة بينهما لم يرتبط بغيره أصلا، فلو كان معنى قام أبوه ذلك القيام لم يرتبط بزيد قطعا فلم يقع خبرا، ومن ثمّ تسمع النحاة يقولون قام أبوه جملة وليس بكلام، وذلك لتجريده عن إيقاع النسبة بين طرفيه بقرينة ذكر زيد مقدما، وإيراد ضميره فإنها دالة على الارتباط الذي يستحيل وجوده مع الإيقاع، وهذا الذي ذكر من التحقيق هو المستفاد من حواشي العضدي، ومما ذكره السيّد الشّريف في حاشية المطول في بحث الاستعارة التبعية.
ثم إنه لما عرف اشتراك الاسم والفعل في الاستقلال بالمفهومية فلا بد من مميّز بينهما فزيد قيد عدم الاقتران بأحد الأزمنة الثلاثة في حدّ الاسم احترازا عن الفعل، ولا يخرج من الحدّ لفظ أمس وغد والصبوح والغبوق ونحو ذلك، لأنّ معانيها الزمان لا شيء آخر يقترن بالزمان كما في الفعل. ثم المراد بعدم الاقتران أن يكون بحسب الوضع الأول فدخل فيه أسماء الأفعال لأنها جميعا إما منقولة عن المصادر الأصلية سواء كان النقل صريحا نحو رويد فإنه قد يستعمل مصدرا أيضا، أو غير صريح نحو هيهات فإنه وإن لم يستعمل مصدرا إلّا أنّه على وزن قوقاة مصدر قوقى، أو عن المصادر التي كانت في الأصل أصواتا نحو صه، أو عن الظرف، أو الجار والمجرور نحو أمامك زيد وعليك زيد، فليس شيء منها دالة على أحد الأزمنة الثلاثة بحسب الوضع الأول. وخرج عنه الأفعال المنسلخة عن الزمان وهي الأفعال الجوامد كنعم وبئس وعسى وكاد لاقتران معناها بالزمان بحسب الوضع الأول، وكذا الأفعال المنسلخة عن الحدث كالأفعال الناقصة لأنها تامّات في أصل الوضع منسلخات عن الحدث، كما صرح به بعض المحققين في الفوائد الغياثية. وخرج عنه المضارع أيضا فإنه بتقدير الاشتراك بين الحال والاستقبال لا يدلّ إلّا على زمان واحد، فإنّ تعدد الوضع معتبر في المشترك ويعلم من هذا فوائد القيود في تعريف الفعل.

قرنيط

قرنيط: قرنيط، الواحدة قرنيطة، والجمع قرانيط: أخطبوط، دولة. وهو حيوان بحري من رتبة الرخويات. (فوم، باجني مخطوطات، بليسيبه ص106) وعند لاتور: جرنوط، وعند الكالا: قرقيط. ويرى السيد سيمونيه (ص326) أن هذه الكلمة مأخوذة من الصفة اللاتينية Camutus فهذا الحيوان الرخوي أهبر كثير اللحم.
قرنيط: سرطان البحر، حيوان بحري من القشريات. (هلو) وبهذا المعنى كتب إلي السيد سيمونيه إنها الكلمة الأسبانية Comuda التي لم تذكر في المعاجم غير أنها مستعملة في سواحل الأندلس وتطلق على سرطان بحري كبير، ويضيف إلى ذلك إنه سمي بهذا الاسم لأن له نتوئين في مقدم الرأس شبــيهين بقرنين صغيرين.

زيلوش

زيلوش:
من قرى الرملة بفلسطين، ينسب إليها أبو القاسم هبة الله بن نعمة بن الحسين بن السري الكناني الزيلوشي، روى عن محمد بن عبد الله بن الحسن البصري، روى عنه السلفي، وفي تاريخ دمشق:
إبراهيم بن محمد بن أحمد أبو إسحاق القيسي المعلم الفقيه، أصله من زيلوش قرية من قرى الرملة، كان جنديّا ثمّ ترك ذلك وتعلّم القرآن والفقه، وسمع الحديث من أبي المعالي وأبي طاهر الحنّائي وأبي محمد بن الأكفاني والفقــيهين أبي الحسن علي بن المسلم ونصر الله بن محمد وعبد الكريم بن حمزة وطاهر بن سهل وغيرهم من مشايخنا، وقرأ القرآن على ابن الوحشي، سمع من المسلم المقري وحدث ببعض مسموعاته، وكان ثقة مستورا، توفي في الحادي عشر من رجب سنة 553 بدمشق.

مَهِين

مَهِين
الجذر: م هـ ن

مثال: عملٌ مَهِينٌ
الرأي: مرفوضة
السبب: للخطأ في ضبط الكلمة بفتح الميم.

الصواب والرتبة: -عمل مَهِين [فصيحة]-عملٌ مُهينٌ [فصيحة]
التعليق: «مُهِين» اسم فاعل من الفعل «أهان» يُهين إهانة: أذل واحتقر ويجوز اشتقاق الصفة المشبهة «مَهِين» من الفعل «مَهُنَ» يَمْهُنُ مهانة إذا كان ضعيفًا حقيرًا، ومنه قوله تعالى: {وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَهِينٍ} القلم/10.

الفصل والوصل

الفصل والوصل
عنى البلاغيون بالحديث عن الواو، التى تذكر فتصل الجملة بأختها، أو تترك فتدع الجملتين منفصلتين، وغالوا في تقدير معرفة الموضع الذى تصلح فيه الواو، والموضع الذى لا تصلح فيه، حتى قصر بعض العلماء البلاغة على معرفة الفصل والوصل، وقد قصروا حديثهم في ذلك الموضع على الجمل التى لا محل لها من الإعراب، وهذا لأن الجمل التى لها موقع من الإعراب، ويكون موضع الواو فيها من الوضوح بمكان؛ لأنها تشرك الجملة الثانية في حكم الأولى، فتكون مثلها خبرا، أو صفة، أو حالا، أو مفعولا، أو غير ذلك، والأمر فيه سهل بيّن. أما الذى يشكل، فأن تعطف على الجملة التى لا موضع لها من الإعراب جملة أخرى، فهنا نقف لنرى لم لم يستو الحال بين أن تعطف، وبين أن تدع العطف، وخصت الواو بالحديث؛ لأن غيرها من حروف العطف تفيد مع الإشراك معانى، كأن تدل الفاء على الترتيب من غير تراخ، وثمّ على الترتيب مع التراخى، وأو للتردد بين شيئين، فإذا عطفت جملة على جملة بواحد منها، ظهرت فائدة هذا الحرف واضحة جلية. أما الواو فإنها لما كانت لمطلق الجمع، لا تصل جملة بأخرى، إلا إذا كان المعنى في إحدى الجملتين متصلا بمعنى الجملة الأخرى، ومرتبطا به، كما ترى ذلك في قوله سبحانه: إِنَّما يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ وَلَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقاعِدِينَ لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلَّا خَبالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتَّى جاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كارِهُونَ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنا أَمْرَنا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ (التوبة 45 - 50). فالواو في هذه الآيات قد وصلت الجمل بعضها ببعض لمكان الصلة بينها والتناسب، فعدم إيمانهم بالله واليوم الآخر يناسبه ارتياب قلوبهم ارتيابا ينغمسون فيه، وخذ الآية الثانية تر التناسب واضحا بين تقاعسهم عن الخروج، وعدم الإعداد له، وبين كره الله لانبعاثهم، وهكذا تجد الصلة جامعة بين الجملة وأختها جمعا يهيئ للواو مكانها بينهما.
وتأمّل جمال الوصل في قوله تعالى: أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ وَإِلَى السَّماءِ كَيْفَ رُفِعَتْ وَإِلَى الْجِبالِ كَيْفَ نُصِبَتْ وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ (الغاشية 17 - 20). فالمطلوب في الآية التأمل فيما خلق الله، ليصلوا بهذا التأمل إلى الإيمان بالبعث الذى ينبنى عليه أساس الدين، والتناسب هنا بين الجمل واضح، فقد بدأ حديثه بالإبل التى هى عنصر أساسى في حياة البدوى في صحرائه، وانتقل من الإبل إلى ما يرونه أمامهم في كل حين من سماء رفعت بلا عمد، وللسماء عند البدوى مكانة خاصة، يتجه إليها ببصره، يستنزل منها الغيث ويهتدى بنجومها في سراه بالليل، فإذا هبط ببصره قليلا رأى هذه الجبال الشامخة، منصوبة تناطح السماء بقممها، وترسو في ثبات واطمئنان على أرض مهدت له، وسطحت أمامه، أو لا ترى أن تنقل البصر بين هذه المخلوقات تنقّل هادئ طبيعى لا قفز فيه، وأن ارتباط بعضها ببعض في طبيعة البدوى مهد للربط بينها، وعطف بعضها على بعض.
واتصلت الجمل في قوله سبحانه: إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ وَإِذَا الْكَواكِبُ انْتَثَرَتْ وَإِذَا الْبِحارُ فُجِّرَتْ وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ (الانفطار 1 - 4). لما كانت تلك المظاهر من أمارات القيامة، وما أقوى الصلة بين السماء تنشق، والكواكب تنتثر، لا نظام يجمعها، ولا جاذبية تحفظها في مكانها، وما أقوى الصلة أيضا بين تفجر البحار فتطغى مياهها، وبعثرة القبور تخرج ما دفن فيها من الموتى، فكأنها تتفجر كذلك. ومثل هذا قوله تعالى: إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ وَأَذِنَتْ لِرَبِّها وَحُقَّتْ وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ وَأَلْقَتْ ما فِيها وَتَخَلَّتْ وَأَذِنَتْ لِرَبِّها وَحُقَّتْ (الانشقاق 1 - 5).
واقرأ قوله تعالى: وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآواكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (الأنفال 26). إن في هذه النعم لرابطا يصل بعضها ببعض، ويسمح للواو أن تجمع بينها، فهؤلاء قوم كانوا قليلين مستضعفين، يخشون أن يغير عليهم مغير، يسلبهم الحريّة، فلا جرم كانت نعمة الأمن، لها المكان الأول بين نعم الله عليهم، ولم يقف الأمر عند حدّ الأمن، بل زاد عليه أن أيدهم بنصره، ولم تنته نعمه عند حد الطمأنينة والغلب، بل رزقهم خفض العيش، وطيبات الحياة.
وتأمّل الواو الواصلة في قوله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطانٍ مَرِيدٍ (الحج 3). فالمجادلة في الله واتباع الشيطان ينشئان من عدم الاحتكام إلى العقل. وقوله سبحانه: يا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ إِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (لقمان 17 - 19). فإنه إذا كانت الصلاة تنهى عن
الفحشاء والمنكر، فالمقيم لها جدير أن يأخذ على عاتقه الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، وإن من يعرّض نفسه لذلك، جدير أن يلم به بعض الأذى، فوصى من ينهض بهذا العبء أن يحتمل ويصبر، وإذا كان قد أمره بالصلاة، وهى خضوع للرّب، فجدير به ألا يمتلئ بالتيه ولا الخيلاء، وأن يسير على الأرض في تؤدة، ويتحدّث إن تحدث في وداعة وهدوء، ومن ذلك ترى هذه الصلات القوية التى تربط بين هذه الجمل ربطا محكما. وخذ قوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (فاطر 15). لترى الرباط القوى بين فقر الناس وغنى الله.
وتأمل جمال الوصل في قوله تعالى: إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ (الانفطار 13، 14). وقوله تعالى: وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ (آل عمران 54). وقوله:
يُخادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ (النساء 142). وقوله: يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ (يونس 31)، وقوله: يُراؤُنَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا (النساء 142). وقوله:
كُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا (الأعراف 31).
وقد يحتاج الأمر إلى فضل تدبر لمعرفة الصلة التى تربط بين جملتين، تلك الصلة التى تسمح بمجيء الواو بينهما، كما في قوله تعالى: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها (الحج 189). ففي النظرة العاجلة يبدو كأنه لا ارتباط بين أحكام الأهلة وبين حكم إتيان البيوت من ظهورها، ولكن الربط نشأ من أن ناسا من العرب كانوا إذا أحرموا لم يدخل أحدهم بيتا ولا خيمة ولا خباء من باب، بل إن كان من أهل المدر نقب نقبا من ظاهر البيت ليدخل منه، وخرج من خلف الخيمة أو الخباء إن كان من أهل الوبر . فلما تحدث القرآن عن الأهلة وأنها مواقيت للحج، ناسب ذلك أن يتحدث عن عادتهم هذه في الحج، ذاكرا أنها ليس من البر في شىء.
وتفصل الجملتان إذا كان بينهما امتزاج معنوى، كأن ترفع الجملة الثانية ما قد يتوهم في الجملة الأولى من تجاوز أو سهو ونسيان، كما تجد ذلك في قوله تعالى: ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ (البقرة 2). فتعريف جزءي الجملة الأولى، والمجيء باسم الإشارة للبعيد، مؤذن بوصف هذا الكتاب بأنه قد بلغ أسمى درجات الكمال، ولما كان ذلك قد يوهم أن ثمة مبالغة في هذا الوصف، نفى هذا الوهم، وأتبع ذلك بقوله: لا رَيْبَ فِيهِ أى في بلوغه تلك الغاية من الكمال، تأكيدا لما فهم من الجملة الأولى، وأتبعه كذلك بقوله: هُدىً لِلْمُتَّقِينَ تأكيدا ثانيا؛ لأن معنى بلوغ القرآن للكمال إنما هو كماله في الهداية والإرشاد.
ومن هذا الباب قوله تعالى: وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا وَلَّى مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً (لقمان 7). لم يقل: (وكأن لم يسمعها كأنّ في أذنيه وقرا)؛ لأن المقصود من التشبيه بمن في أذنيه وقر، هو بعينه المقصود من التشبيه بمن لم يسمع، ولكن الثانى أبلغ وآكد فيما سيق له، فالمراد من التشبــيهين جميعا بيان أنه ليس لتلاوة الآيات عليه من فائدة، وأن يجعل حاله إذا تليت عليه كحاله إذا لم تتل، ولا ريب فى أن تشبيهه بمن في أذنيه وقر، أبلغ في دلالته على هذا المعنى.
وعلى هذا النسق مما كانت الجملة الثانية فيه مؤكدة للجملة الأولى قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (البقرة 6، 7). فقوله: لا يُؤْمِنُونَ تأكيد لقوله: سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ وقوله: خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ ... تأكيد ثان أبلغ من الأول. وقوله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ يُخادِعُونَ اللَّهَ (البقرة 8، 9). فليست المخادعة شيئا سوى قولهم آمنا، من غير أن يكونوا مؤمنين وكذلك قوله سبحانه: وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ (البقرة 14). وقوله تعالى: ما هذا بَشَراً إِنْ هذا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ (يوسف 31). وقوله سبحانه: وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ (يس 69). وقوله: وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى (النجم 3، 4).
وقد يكون الامتزاج المعنوى بين الجملتين منشؤه أن الجملة الثانية شارحة وموضحة للجملة الأولى، كما ترى ذلك في قوله سبحانه: بَلْ قالُوا مِثْلَ ما قالَ الْأَوَّلُونَ قالُوا أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (المؤمنون 81، 82)، فالقول الثانى ورد شارحا ومبيّنا للقول الأول، وقوله تعالى: وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِما تَعْلَمُونَ أَمَدَّكُمْ بِأَنْعامٍ وَبَنِينَ وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (الشعراء 132 - 134). فجاء الإمداد الثانى موضحا للأول. وقوله تعالى: قالَ يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ (يس 20، 21). فلما كان المراد حث المخاطبين على اتباع الرسل، جاء الاتباع الثانى موضحا ذلك، إذ معناه اتبعوا من لا تخسرون شيئا من دنياكم فى اتباعهم، وهم مهتدون، تنالون باتباعهم سلامة دينكم، وإذا أنت تأملت هذه الآيات وجدت الجملة الثانية في الآية الأولى تقع من جملتها السابقة كما يقع بدل الكل من الكل، ووجدتها في الآية الثانية واقعة موقع بدل البعض من الكل، وفي الآية الثالثة واقعة موقع بدل الاشتمال. وقد تقع موقع عطف البيان، كما تجد ذلك في قوله
تعالى: فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطانُ قالَ يا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلى (طه 120). فجاء قوله: قالَ يا آدَمُ بدون الواو؛ لأنه يوضح الوسوسة ويبين عنها، ولو أنه جاء بالواو لأوهم المخالفة والتغاير.
وقد يكون منشأ هذا الامتزاج أن الجملة الثانية واقعة في موضع جواب لسؤال صريح في الجملة الأولى، أو يفهم منها، كما في قوله تعالى: قالَ فِرْعَوْنُ وَما رَبُّ الْعالَمِينَ قالَ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ قالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلا تَسْتَمِعُونَ قالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ قالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ قالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَما بَيْنَهُما إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ قالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلهَاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ قالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ قالَ فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (الشعراء 23 - 31). ومنه قوله سبحانه: وَإِذا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قالُوا إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ (البقرة 11، 12). وقوله: وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ (البقرة 14، 15). وتتجلى دقة القرآن كذلك في وصل الجمل بباقى حروف العطف غير الواو، وتأمل قوله تعالى: قالَ أَفَرَأَيْتُمْ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ أَنْتُمْ وَآباؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعالَمِينَ الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (الشعراء 75 - 81). فهو قد عطف السقى على الإطعام بالواو إرادة للجمع بينهما بلا ترتيب، ثم عطف الإحياء على الإماتة بثم؛ لأنه إنما يكون بمهلة وتراخ، وترى هذه الدقة في قوله تعالى: قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ ثُمَّ أَماتَهُ فَأَقْبَرَهُ ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ (عبس 17 - 22). فجاء قوله من نطفة خلقه بلا واو؛ لأنها مفسرة لقوله من أى شىء خلقه، «وعطف قوله: فقدره بالفاء، تنبيها على أن التقدير مرتب على الخلق وعلى عدم التراخى بينهما، وعطف السبيل بثم، لما بين الخلق والهداية من التراخى والمهلة الكثيرة، ثم عطف الإماتة بثم، إشارة إلى التراخى بينهما بأزمنة طويلة، ثم عطف الإقبار بالفاء، إذ لا مهلة هناك، ثم عطف الإنشار بثم، لما يكون هناك من التراخى باللبث في الأرض أزمنة متطاولة».
وقد يبدو في بادئ الرأى أن الموضع لحرف غير ما ذكر، ولكن التأمل الدقيق يجعل الموضع للحرف المذكور، كما تجد ذلك في قوله تعالى: وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً (الكهف 28). فقد يبدو بادئ الرأى أن الموضع للفاء هنا، فيقال: ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا فاتبع هواه؛ لأن فعل المطاوعة لا يعطف إلا بالفاء، تقول أعطيته فأخذ، وكسرته فانكسر، ولكن التأمل يدل على أن الآية تعدد صفات الشخص الذى نهى الرسول عن طاعته، ومن أغفل الله قلبه عن ذكره فقد غفل قلبه، فكأنه قال: ولا تطع من غفل قلبه عن ذكرنا، واتبع هواه، ومن هنا كانت الواو في مكانها.
ويجمع القرآن بالواو أيضا بين المفردات المتناسبة، كما ترى ذلك في قوله سبحانه: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (الأنعام 162). وقوله:
قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (الأعراف 33).
وجرى الاستعمال القرآنى على ألا يعطف بعض الصفات على بعض إلا إذا كان بينها تضاد، تجد ذلك في قوله تعالى: عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِماتٍ مُؤْمِناتٍ قانِتاتٍ تائِباتٍ عابِداتٍ سائِحاتٍ ثَيِّباتٍ وَأَبْكاراً (التحريم 5). فقد مضت الصفات بعضها بجوار بعض من غير عاطف، إلا بين ثيبات وأبكار، للتنويع ورفع التناقض، وفي قوله تعالى: هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ هُوَ اللَّهُ الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى (الحشر 23، 24). فلما تضادت الصفات عطفت كما في قوله سبحانه: هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ (الحديد 3). وجاءت الواو في قوله سبحانه: تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ (غافر 2، 3). لأن الصفتين وهما غفران الذنوب وقبول التوبة تواردا على معنى واحد، هو التجاوز عن الذنب، فجاءت الواو بينهما مؤذنة بالتغاير، ومشيرة إليه، فالله يغفر الذنب حينا من تلقاء نفسه بفضله، وحينا يعفو عنه بسبب ندم التائب واعتذاره، فدلت الواو على هذا المعنى، وأشارت إليه.

التشبيه في القرآن

التشبيه في القرآن
- 1 - أرى واجبا علىّ قبل الحديث عن التشبيه في القرآن الكريم، أن أتحدث قليلا عن بعض نظرات للأقدمين في هذا الباب، لا أوافقهم عليها، ولا أرى لها قيمة في التقدير الفنى السليم.
فمما اعتمد عليه القدماء في عقد التشبيه العقل، يجعلونه رابطا بين أمرين أو مفرّقا بينهما، وأغفلوا في كثير من الأحيان وقع الشيء على النفس، وشعورها به سرورا أو ألما، وليس التشبيه في واقع الأمر سوى إدراك ما بين أمرين من صلة في وقعهما على النفس، أما تبطن الأمور، وإدراك الصلة التى يربطها العقل وحده فليس ذلك من التشبيه الفنى البليغ، وعلى الأساس الذى أقاموه استجادوا قول ابن الرومى:
بذل الوعد للأخلاء سمحا ... وأبى بعد ذاك بذل العطاء
فغدا كالخلاف، يورق للعين، ويأبى الإثمار كل الإباء
وجعلوا الجامع بين الأمرين جمال المنظر وتفاهة المخبر، وهو جامع عقلى، كما نرى، لا يقوم عليه تشبيه فنى صحيح، ذلك أن من يقف أمام شجرة الخلاف أو غيرها من
الأشجار، لا ينطبع في نفسه عند رؤيتها سوى جمالها ونضرة ورقها وحسن أزهارها، ولا يخطر بباله أن يكون لتلك الشجرة الوارفة الظلال ثمر يجنيه أو لا يكون، ولا يقلل من قيمتها لدى رائيها، ولا يحط من جمالها وجلالها، ألا يكون لها بعد ذلك ثمر شهى، فإذا كانت تفاهة المخبر تقلل من شأن الرجل ذى المنظر الأنيق، وتعكس صورته منتقصة في نفس رائيه، فإن الشجرة لا يقلل من جمالها لدى النفس عدم إثمارها، وبهذا اختلف الوقع لدى النفس بين المشبّه والمشبه به، ولذلك لا يعد من التشبيه الفنى المقبول.
وقبل الأقدمون من التشبيه ما عقدت الحواس الصلة بينهما، وإن لم تعقدها النفس، فاستجادوا مثل قول الشاعر يصف بنفسجا:
ولازورديّة تزهو بزرقتها ... بين الرياض على حمر اليواقيت
كأنها فوق قامات ضعفن بها ... أوائل النار في أطراف كبريت فليس ثمة ما يجمع بين البنفسج وعود الكبريت، وقد بدأت النار تشتعل فيه، سوى لون الزرقة التى لا تكاد تبدأ حتى تختفى في حمرة اللهب، وفضلا عن التفاوت بين اللونين، فهو في البنفسج شديد الزرقة، وفي أوائل النار ضعيفها، فضلا عن هذا التفاوت نجد الوقع النفسى للطرفين شديد التباين، فزهرة البنفسج توحى إلى النفس بالهدوء والاستسلام وفقدان المقاومة، وربما اتخذت لذلك رمزا للحب، بينما أوائل النار في أطراف الكبريت تحمل إلى النفس معنى القوة واليقظة والمهاجمة، ولا تكاد النفس تجد بينهما رابطا. كما استجادوا كذلك قول ابن المعتز:
كأنا وضوء الصبح يستعجل الدجى ... نطير غرابا ذا قوادم جون
قال صاحب الإيضاح: «شبه ظلام الليل حين يظهر فيه ضوء الصبح بأشخاص الغربان، ثم شرط قوادم ريشها بيضاء؛ لأن تلك الفرق من الظلمة تقع في حواشيها، من حيث يلى معظم الصبح وعموده، لمع نور، يتخيل منها في العين كشكل قوادم بيض». وهكذا لم ير ابن المعتز من الدجى وضوء الصباح سوى لونيها، أما هذا الجلال الذى يشعر به في الدجى، وتلك الحياة التى يوحى بها ضوء الصبح، والتى عبّر القرآن عنها بقوله: وَالصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ (التكوير 18).- فمما لم يحس به شاعرنا، ولم يقدره نقادنا، وأين من جلال هذا الكون الكبير، ذرة تطير؟!
وقبلوا من التشبيه ما كان فيه المشبه به خياليّا، توجد أجزاؤه في الخارج دون صورته المركبة، ولا أتردد في وضع هذا التشبيه بعيدا عن دائرة الفن؛ لأنه لا يحقق الهدف الفنى للتشبيه، فكيف تلمح النفس صلة بين صورة ترى، وصورة يجمع العقل أجزاءها من هنا وهنا، وكيف يتخذ المتخيل مثالا لمحسوس مرئى، وقبل الأقدمون لذلك قول الشاعر:
وكأن محمرّ الشقيق ... إذا تصوّب أو تصعّد
أعلام ياقوت نشر ... ن على رماح من زبرجد
ألا ترى أن هذه الأعلام من الياقوت المنشورة على رماح الزّبرجد، لم تزدك عمق شعور بمحمر الشقيق، بل لم ترسم لك صورته إذا كنت جاهله، فما قيمة التشبيه إذا وما هدفه؟! وسوف أتحدث عن الآية الكريمة التى فيها هذا اللون من التشبيه لندرك سره وقيمته.
هذا، ولن نقدّر التشبيه بنفاسة عناصره، بل بقدرته على التصوير والتأثير، فليس تشبيه ابن المعتز للهلال حين يقول:
انظر إليه كزورق من فضة ... قد أثقلته حمولة من عنبر وتلمس شبه له بهذا الزّورق الفضى المثقل بحمولة العنبر، مما يرفع من شأنه، أو ينهض بهذا التّشبيه الذى لم يزدنا شعورا بجمال الهلال، ولا أنسا برؤيته، ولم يزد على أن وضع لنا إلى جانب الهلال الجميل صورة شوهاء متخيلة، وأين الزورق الضخم من الهلال النحيل، وإن شئت فوازن بين هذه الصورة التى رسمها ابن المعتز للهلال، وتلك الصورة التى تعبر عن الإحساس البصرى والشعور النفسى معا، حينما تحدّث القرآن عن هذا الهلال، فقال: وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (يس 39). فهذا العرجون القديم أقدر على تصوير القمر كما تراه العين وكما تحسّ به النفس أكثر من تصوير الزورق الفضى له، كما سنرى.
- 2 - التشبيه لمح صلة بين أمرين من حيث وقعهما النفسى، وبه يوضح الفنان شعوره نحو شىء ما، حتى يصبح واضحا وضوحا وجدانيّا، وحتى يحس السامع بما أحس المتكلم به، فهو ليس دلالة مجردة، ولكنه دلالة فنية، ذلك أنك تقول: ذاك رجل لا ينتفع بعلمه، وليس فيما تقول سوى خبر مجرد عن شعورك نحو قبح هذا الرجل، فإذا قلت إنه كالحمار يحمل أسفارا، فقد وصفت لنا شعورك نحوه، ودللت على احتقارك له وسخريتك منه.
والغرض من التشبيه هو الوضوح والتأثير، ذلك أن المتفنن يدرك ما بين الأشياء من صلات يمكن أن يستعين بها في توضيح شعوره، فهو يلمح وضاءة ونورا في شىء ما، فيضعه بجانب آخر يلقى عليه ضوءا منه، فهو مصباح يوضح هذا الإحساس الوجدانى، ويستطيع أن ينقله إلى السامع.
ليس من أغراض التشبيه إذا ما ذكره الأقدمون من «بيان أن وجود المشبه ممكن وذلك في كل أمر غريب يمكن أن يخالف فيه ويدعى امتناعه» . وقد استشهدوا على هذا الغرض بقول المتنبى:
فإن تفق الأنام وأنت منهم ... فإن المسك بعض دم الغزال
وليس في هذا البيت تشبيه فنّى مقبول، فليس الأثر الذى يحدثه المسك في النفس سوى الارتياح لرائحته الذكية، ولا يمر بالخاطر أنه بعض دم الغزال، بل إن هذا الخاطر إذا مرّ بالنفس قلّل من قيمة المسك ومن التّلذذ به، وهذه الصورة التى جاء بها المتنبى ليوضح إحساسه نحو سموّ فرد على الأنام، ليست قوية مضيئة، تلقى أشعتها على شعوره، فتضيئه لنا، فإن تحول بعض دم الغزال إلى مسك ليس بظاهرة قريبة مألوفة، حتى تقرب إلى النفس ظاهرة تفوق الممدوح على الأنام، كما أن ظاهرة تحول الممدوح غير واضحة، ومن ذلك كله يبدو أن الرابط هنا عقلى لا نفسى وجدانى.
وليس من أغراضه ما ذكره الأقدمون أيضا من الاستطراف، فليس تشبيه فحم فيه جمر موقد ببحر من المسك موجه الذهب- تشبيها فنيّا على هذا المقياس الذى وضعناه، فإن بحر المسك ذا الموج الذهبى، ليس بهذا المصباح الوهاج الذى ينير الصورة ويهبها نورا ووضوحا.
ولما كان هدف التشبيه الإيضاح والتأثير أرى الأقدمين قد أخطئوا حينما عدّوا البليغ من التشبيه ما كان بعيدا غريبا نادرا، ولذلك عدّوا قوله:
وكأنّ أجرام النجوم لوامعا ... درر نثرن على بساط أزرق
أفضل من قول ذى الرمة:
كحلاء في برج، صفراء في نعج  ... كأنها فضة قد مسها ذهب
«لأن الأول مما يندر وجوده دون الثانى، فإن الناس أبدا يرون في الصياغات فضة قد موهت بذهب ولا يكاد يتفق أن يوجد درر قد نثرن على بساط أزرق» .
وذلك قلب للأوضاع، وبعد عن مجال التشبيه الفنى الذى توضع فيه صورة قوية تبعث الحياة والقوة في صورة أخرى بجوارها، وبرغم أن التشبــيهين السالفين حسّيان أرى التشبيه الثانى أقوى وأرفع، ولست أرمى إلى أن يكون التشبيه مبتذلا، فإن الابتذال لا يثير النفس، فيفقد التشبيه هدفه، ولكن أن يكون في قرب التشبيه ما يجعل الصورة واضحة مؤثرة كما سنرى.
- 3 - ليس الحس وحده هو الذى يجمع بين المشبه والمشبه به في القرآن، ولكنه الحس والنفس معا، بل إن للنفس النصيب الأكبر والحظ الأوفى.
والقرآن حين يشبه محسوسا بمحسوس يرمى أحيانا إلى رسم الصورة كما تحس بها النفس، تجد ذلك في قوله سبحانه يصف سفينة نوح: وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبالِ (هود 42). ألا ترى الجبال تصور للعين هذه الأمواج الضخمة، وتصور في الوقت نفسه، ما كان يحس به ركاب هذه السفينة وهم يشاهدون هذه الأمواج، من رهبة وجلال معا، كما يحس بهما من يقف أمام شامخ الجبال. وقوله تعالى يصف الجبال يوم القيامة: وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ (القارعة 5). فالعهن المنفوش يصور أمامك منظر هذه الجبال، وقد صارت هشة لا تتماسك أجزاؤها، ويحمل إلى نفسك معنى خفتها ولينها. وقوله تعالى: وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (يس 39). فهذا القمر بهجة السماء وملك الليل، لا يزال يتنقل في منازله حتى يصبح بعد هذه الاستدارة المبهجة، وهذا الضوء الساطع الغامر، يبدد ظلمة الليل، ويحيل وحشته أنسا- يصبح بعد هذا كله دقيقا نحيلا محدودبا لا تكاد العين تنتبه إليه، وكأنما هو في السماء كوكب تائه، لا أهمية له، ولا عناية بأمره، أو لا ترى في كلمة العرجون ووصفهما بالقديم ما يصور لك هيئة الهلال في آخر الشهر، ويحمل إلى نفسك ضآلة أمره معا. وقوله تعالى يصف نيران يوم القيامة: إِنَّها تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ كَأَنَّهُ جِمالَتٌ صُفْرٌ (المرسلات 32، 33)، فالقصر وهو الشجر الضخم، والجمال الصفر توحى إلى النفس بالضخامة والرهبة معا، وصور لنفسك شررا في مثل هذا الحجم من الضخامة يطير.
ويرمى أحيانا إلى اشتراك الطرفين في صفة محسوسة، ولكن للنفس كذلك نصيبها فى اختيار المشبه به الذى له تلك الصفة، وحسبى أن أورد هنا آيات ثلاث تتبين فيها هذا الذى أشرنا إليه. فالقرآن قد شبه نساء الجنة، فقال: فِيهِنَّ قاصِراتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ كَأَنَّهُنَّ الْياقُوتُ وَالْمَرْجانُ (الرحمن 56 - 58). وقال: وَعِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ عِينٌ كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ (الصافات 48). وقال: وَحُورٌ عِينٌ كَأَمْثالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ (الواقعة 22، 23).
فليس في الياقوت والمرجان واللؤلؤ المكنون لون فحسب، وإنما هو لون صاف حىّ فيه نقاء وهدوء، وهى أحجار كريمة تصان ويحرص عليها، وللنساء نصيبهن من الصيانة والحرص، وهن يتخذن من تلك الحجارة زينتهن، فقربت بذلك الصلة واشتد الارتباط، أما الصلة التى تربطهن بالبيض المكنون، فضلا عن نقاء اللون، فهى هذا الرفق والحذر الذى يجب أن يعامل به كلاهما، أو لا ترى في هذا الكون أيضا صلة تجمع بينهما، وهكذا لا تجد الحس وحده هو الرابط والجامع، ولكن للنفس نصيب أى نصيب.
وحينا يجمع بين الطرفين المحسوسين معنى من المعانى لا يدرك بإحدى الحواس، وقلّ ذلك في القرآن الكريم الذى يعتمد في التأثير أكثر اعتماد على حاسة البصر، ومن القليل قوله سبحانه: أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ (الأعراف 179).
وصفة ضلال الأنعام من أبرز الصفات وأوضحها لدى النفس. وكثر في القرآن إيضاح الأمور المعنوية بالصور المرئية المحسوسة، تلقى عليها أشعة الضوء تغمرها فتصبح شديدة الأثر، وها هو ذا يمثل وهن ما اعتمد عليه المشركون من عبادتهم غير الله وهنا لن يفيدهم فائدة ما، فهم يعبدون ويبذلون جهدا يظنونه مثمرا وهو لا يجدى، فوجد في العنكبوت ذلك الحيوان الذى يتعب نفسه في البناء، ويبذل جهده في التنظيم، وهو لا يبنى سوى أوهن البيوت وأضعفها، فقرن تلك الصورة المحسوسة إلى الأمر المعنوى، فزادته وضوحا وتأثيرا قال تعالى: مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِياءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (العنكبوت 41).
وها هو ذا يريد أن يحدثنا عن أعمال الكفرة، وأنها لا غناء فيها، ولا ثمرة ترجى منها، فهى كعدمها فوجد في الرماد الدقيق، لا تبقى عليه الريح العاصفة، صورة تبين ذلك المعنى أتم بيان وأوفاه، فقال سبحانه: مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلى شَيْءٍ ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ (إبراهيم 18).
وليس في القرآن سوى هذين اللونين من التشبيه: تشبيه المحسوس بالمحسوس، وتشبيه المعقول بالمحسوس، أما قوله سبحانه: إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ (الصافات 64، 65). فالذى سمح بأن يكون المشبه به خياليّا، هو ما تراكم على الخيال بمرور الزمن من أوهام رسمت في النفس صورة رءوس الشياطين في هيئة بشعة مرعبة، وأخذت هذه الصورة يشتد رسوخها بمرور الزمن، ويقوى فعلها في النفس، حتى كأنها محسوسة ترى بالعين وتلمس باليد، فلما كانت هذه الصورة من القوة إلى هذا الحد ساغ وضعها في موضع التصوير والإيضاح، ولا نستطيع أن ننكر ما لهذه الصورة من تأثير بالغ في النفس، ومما جرى على نسق هذه الآية قوله تعالى: فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ (النمل 10). ففي الخيال صورة قوية للجان، تمثله شديد الحركة لا يكاد يهدأ ولا يستقر.
والتشبيه في القرآن تعود فائدته إلى المشبه تصويرا له وتوضيحا، ولهذا كان المشبه به دائما أقوى من المشبه وأشد وضوحا، وهنا نقف عند قوله تعالى: اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ نُورٌ عَلى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (النور 35). فقد يبدو للنظرة العجلى أن المشبه وهو نور الله أقوى من مصباح هذه المشكاة، ولكن نظرة إلى الآية الكريمة ترى أن النور المراد هنا هو النور الذى يغمر القلب، ويشرق على الضمير، فيهدى إلى سواء السبيل، أو لا ترى أن القلب ليس في حاجة إلى أكثر من هذا المصباح، يلقى عليه ضوءه، فيهتدى إلى الحق، وأقوم السبل، ثم ألا ترى في اختيار هذا التشبيه إيحاء بحالة القلب وقد لفه ظلام الشك، فهو متردد قلق خائف، ثم لا يلبث نور اليقين أن يشرق عليه، فيجد الراحة والأمن والاستقرار، فهو كسارى الليل يخبط فى الظلام على غير هدى، حتى إذا أوى إلى بيته فوجد هذا المصباح في المشكاة، وجد الأمن سبيله إلى قلبه، واستقرت الطمأنينة في نفسه، وشعر بالسرور يغمر فؤاده.
وإذا تأملت الآية الكريمة رأيتها قد مضت تصف ضوء هذا المصباح وتتأنق في وصفه، بما يصور لك قوته وصفاءه، فهذا المصباح له زجاجة تكسب ضوءه قوة، تجعله يتلألأ كأنه كوكب له بريق الدر ولمعانه، أما زيت هذا المصباح فمن شجرة مباركة قد أخذت من الشمس بأوفى نصيب، فصفا لذلك زيتها حتى ليكاد يضيء ولو لم تمسسه نار. ألا ترى أن هذا المصباح جدير أن يبدد ظلمة الليل، ومثله جدير أن يبدد ظلام الشك، ويمزق دجى الكفر والنفاق. وقد ظهر بما ذكرناه جمال هذا التشبيه ودقته وبراعته.
- 4 - أول ما يسترعى النظر من خصائص التشبيه في القرآن أنه يستمد عناصره من الطبيعة، وذلك هو سر خلوده، فهو باق ما بقيت هذه الطبيعة، وسر عمومه للناس جميعا، يؤثر فيهم لأنهم يدركون عناصره، ويرونها قريبة منهم، وبين أيديهم، فلا تجد في القرآن تشبيها مصنوعا يدرك جماله فرد دون آخر، ويتأثر به إنسان دون إنسان، فليس فيه هذه التشبيهات المحلية الضيقة مثل تشبيه ابن المعتز:
كأن آذريونها ... والشمس فيه كالية
مداهن من ذهب ... فيها بقايا غالية
مما لا يستطيع أن يفهمه على وجهه، ويعرف سر حسنه، إلا من كان يعيش في مثل حياة ابن المعتز، وله من أدوات الترف مثل أدواته.
تشبيهات القرآن تستمد عناصرها من الطبيعة، انظر إليه يجد في السراب وهو ظاهرة طبيعية يراها الناس جميعا، فيغرهم مرآها، ويمضون إلى السراب يظنونه ماء، فيسعون إليه، يريدون أن يطفئوا حرارة ظمئهم، ولكنهم لا يلبثون أن تملأ الخيبة قلوبهم، حينما يصلون إليه بعد جهد جهيد، فلا يجدون شيئا مما كانوا يؤمّلون، إنه يجد في هذا السراب صورة قوية توضح أعمال الكفرة، تظن مجدية نافعة، وما هى بشيء، فيقول: وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً حَتَّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً (النور 39).
ويجد في الحجارة تنبو على الجسو ولا تلين، ويشعر عندها المرء بالنبو والجسوة، يجد فيها المثال الملموس لقسوة القلوب، وبعدها عن أن تلين لجلال الحق، وقوة منطق الصدق، فيقول: ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً (البقرة 74). أو لا ترى أن القسوة عند ما تخطر بالذهن، يخطر إلى جوارها الحجارة الجاسية القاسية.
ويجد في هذا الذى يعالج سكرات الموت، فتدور عينه حول عواده في نظرات شاردة تائهة، صورة تخطر بالذهن لدى رؤية هؤلاء الخائفين الفزعين من المضى إلى القتال وأخذهم بنصيب من أعباء الجهاد، فيقول: قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقائِلِينَ لِإِخْوانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنا وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذا جاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ (الأحزاب 18، 19).
ويجد في الزرع وقد نبت ضئيلا ضعيفا ثمّ لا يلبث ساقه أن يقوى، بما ينبت حوله من البراعم، فيشتد بها ساعده، ويغلظ، حتى يصبح بهجة الزارع وموضع إعجابه، يجد في ذلك صورة شديدة المجاورة لصورة أصحاب محمد، فقد بدءوا قلة ضعافا ثمّ أخذوا في الكثرة والنماء، حتى اشتد ساعدهم، وقوى عضدهم، وصاروا قوة تملأ قلب محمد بهجة، وقلب الكفار حقدا وغيظا فقال: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ (الفتح 29).
ويجد في أعجاز النخل المنقعر المقتلع عن مغرسه، وفي الهشيم الضعيف الذاوى صورة قريبة من صورة هؤلاء الصرعى، قد أرسلت عليهم ريح صرصر تنزعهم عن أماكنهم، فألقوا على الأرض مصرّعين هنا وهناك، فيقول: إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ (القمر 19، 20). ويقول: إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً واحِدَةً فَكانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ (القمر 31).
فأنت في هذا تراه يتخذ الطبيعة ميدانا يقتبس منها صور تشبيهاته، من نباتها وحيوانها وجمادها، فمما اتخذ مشبها به من نبات الأرض العرجون، وأعجاز النخل والعصف المأكول، والشجرة الطيبة، والشجرة الخبيثة، والحبة تنبت سبع سنابل، وهشيم المحتظر، والزرع الذى أخرج شطأه. ومما اتخذ مشبها به من حيوانها الإنسان في أحوال مختلفة والعنكبوت والحمار، والكلب، والفراش، والجراد، والجمال، والأنعام، ومما اتخذ مشبها به من جمادها العهن المنفوش، والصيب، والجبال، والحجارة، والرماد، والياقوت، والمرجان، والخشب، ومن ذلك ترى أن القرآن لا يعنى بنفاسة المشبه به، وإنما يعنى العناية كلها باقتراب الصورتين في النفس، وشدة وضوحها وتأثيرها.
هذا ولا يعكر على ما ذكرناه من استمداد القرآن عناصر التشبيه من الطبيعة، ما جاء فيه من تشبيه نور الله بمصباح وصفه بأنه في زجاجة كأنها كوكب درىّ؛ لأن هذا المصباح قد تغير وتحول، فإن المراد تشبيه نور الله بالمصباح القوى، والمصباح باق ما بقى الإنسان في حاجة إلى نور يبدد به ظلام الليل.
ومن خصائص التشبيه القرآنى، أنه ليس عنصرا إضافيّا في الجملة، ولكنه جزء أساسى لا يتم المعنى بدونه، وإذا سقط من الجملة انهار المعنى من أساسه، فعمله في الجملة أنه يعطى الفكرة في صورة واضحة مؤثرة، فهو لا يمضى إلى التشبيه كأنما هو عمل مقصود لذاته، ولكن التشبيه يأتى ضرورة في الجملة، يتطلبه المعنى ليصبح واضحا قويّا، وتأمل قوله تعالى: صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ (البقرة 18). تجد فكرة عدم سماعهم الحق وأنهم لا ينطقون به، ولا ينظرون إلى الأدلة التى تهدى إليه، إنما نقلها إليك التشبيه في صورة قوية مؤثرة، كما تدرك شدة الفزع والرهبة التى ألمت بهؤلاء الذين دعوا إلى الجهاد، فلم يدفعهم إيمانهم إليه في رضاء وتسليم، بل ملأ الخوف نفوسهم من أن يكون الموت مصيرهم، وتدرك ذلك من قوله سبحانه: يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ ما تَبَيَّنَ كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (الأنفال 6). وتفهم اضطراب المرأة وقلقها، وعدم استقرارها على حال، حتى لتصبح حياتها مليئة بالتعب والعناء- من قوله سبحانه: وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوها كَالْمُعَلَّقَةِ (النساء 129).
وتفهم مدى حب المشركين لآلهتهم من قوله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْداداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ (البقرة 165). وهكذا تجد للتشبيه مكانه في نقل الفكرة وتصويرها، وقل أن يأتى التشبيه في القرآن بعد أن تتضح الفكرة نوع وضوح كما فى قوله تعالى: وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ (الأعراف 171). وإذا أنت تأملت أسلوب الآية الكريمة وجدت هذا التعبير أقوى من أن يقال: وإذ صار الجبل كأنه ظلة، لما فى كلمة «نتق» من تصوير انتزاع الجبل من الأرض تصويرا يوحى إلى النفس بالرهبة والفزع، ولما في كلمة «فوقهم» من زيادة هذا التصوير المفزع وتأكيده فى النفس، وذلك كله يمهد للتشبيه خير تمهيد، حتى إذا جاء مكن للصورة في النفس، ووطد من أركانها. ومع ذلك ليس التشبيه في الآية عملا إضافيا، بل فيه إتمام المعنى وإكماله، فهو يوحى بالإحاطة بهم، وشمولهم، والقرب منهم قرب الظلة من المستظل بها، وفي ذلك ما يوحى بخوف سقوطه عليهم.
ومن خصائص التشبيه القرآنى دقته، فهو يصف ويقيد حتى تصبح الصورة دقيقة واضحة أخاذة، وخذ مثلا لذلك قوله تعالى: مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (الجمعة 5).
فقد يتراءى أنه يكفى في التشبيه أن يقال: مثلهم كمثل الحمار الذى لا يعقل، ولكن الصورة تزداد قوة والتصاقا والتحاما، حين يقرن بين هؤلاء وقد حملوا التوراة، فلم ينتفعوا بما فيها، وبين الحمار يحمل أسفار العلم ولا يدرى مما ضمته شيئا، فتمام الصورتين يأتى من هذا القيد الذى جعل الصلة بينهما قوية وثيقة.
وقوله تعالى: فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ (المدثر 49 - 51). فربما بدا أنه يكفى في تصوير إعراضهم وصفهم بأنهم كالحمير، ولكنه في دقته لا يكتفى بذلك، فهو يريد أن يصور نفرتهم من الدعوة، وإسراعهم في إبعاد أنفسهم عنها، إسراعا يمضون فيه على غير هدى، فوصف الحمر بأنها مستنفرة تحمل نفسها على الهرب، وتحثها عليه، يزيد في هربها وفرارها أسد هصور يجرى خلفها، فهى تتفرق في كل مكان، وتجرى غير مهتدية فى جريها، أو لا ترى في صورة هذه الحمر وهى تجد في هربها لا تلوى على شىء، تبغى الفرار من أسد يجرى وراءها، ما ينقل إليك صورة هؤلاء القوم معرضين عن التذكرة، فارين أمام الدعوة لا يلوون على شىء، سائرين على غير هدى، ثم ألا تبعث فيك هذه الصورة الهزء بهم والسخرية.
ومن ذلك وصفه الخشب بأنها مُسَنَّدَةٌ فى قوله تعالى: وَإِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ (المنافقون 4). فهى ليست خشبا قائمة في أشجارها لما قد يكون لها من جمال في ذلك الوضع، وليست موضوعة فى جدار؛ لأنها حينئذ تؤدى عملا، وتشعر بمدى فائدتها، وليست متخذا منها أبواب ونوافذ، لما فيها من الحسن والزخرف والجمال، ولكنها خشب مسندة قد خلت من الجمال، وتوحى بالغفلة والاستسلام والبلاهة.
ولم يكتف في تشبيه الجبال يوم القيامة بالعهن، بل وصفها بالمنفوش، إذ قال: وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ (القارعة 5). للدقة في تصوير هشاشة الجبال، كما لم يكتف في تشبيه الناس يخرجون يوم القيامة بأنهم كالجراد بل وصفه بالمنتشر، فقال: يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ (القمر 7). حتى يكون دقيقا فى تصوير هذه الجموع الحاشدة، خارجة من أجداثها منتشرة في كل مكان تملأ الأفق، ولا يتم هذا التصوير إلا بهذا الوصف الكاشف.
ومن خصائص التشبيه القرآنى المقدرة الفائقة في اختيار ألفاظه الدقيقة المصورة الموحية، تجد ذلك في تشبيه قرآنى، وحسبى أن أشير هنا إلى بعض أمثلة لهذا الاختيار.
نجد القرآن قد شبه بالجبال في موضعين، فقال: وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبالِ (هود 42). وقال: وَمِنْ آياتِهِ الْجَوارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ (الشورى 32). ولكنك تراه قد آثر كلمة الجبال عند الموج، لما أنها توحى بالضخامة والجلال معا، أما عند وصف السفن فقد آثر كلمة الأعلام، جمع علم بمعنى جبل، وسر إيثارها هو أن الكلمة المشتركة بين عدة معان تتداعى هذه المعانى عند ذكر هذه الكلمة، ولما كان من معانى العلم الراية التى تستخدم للزينة والتجميل، كان ذكر الأعلام محضرا إلى النفس هذا المعنى، إلى جانب إحضارها صورة الجبال، وكان إثارة هذا الخاطر ملحوظا عند ذكر السفن الجارية فوق البحر، تزين سطحه، فكأنما أريد الإشارة إلى جلالها وجمالها معا، وفي كلمة الأعلام وفاء بتأدية هذا المعنى أدق وفاء.
وشبه القرآن الموج في موضعين، فقال: وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبالِ (هود 42). وقال: وَإِذا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ (لقمان 32). وسر هذا التنويع أن الهدف في الآية الأولى يرمى إلى تصوير الموج عاليا ضخما، مما تستطيع كلمة الجبال أن توحى به إلى النفس، أما الآية الثانية فتصف قوما يذكرون الله عند الشدة، وينسونه لدى الرخاء، ويصف موقفا من مواقفهم كانوا فيه خائفين مرتاعين، يركبون سفينة تتقاذفها الأمواج، ألا ترى أن الموج يكون أشد إرهابا وأقوى تخويفا إذا هو ارتفع حتى ظلل الرءوس، هنالك يملأ الخوف القلوب، وتذهل الرهبة النفوس، وتبلغ القلوب الحناجر، وفي تلك اللحظة يدعون الله مخلصين له الدين، فلما كان المقام مقام رهبة وخوف، كان وصف الموج بأنه كالظلل أدق في تصوير هذا المقام وأصدق.
وعلى طريقة إيثار كلمة الأعلام على الجبال التى تحدثنا عنها، آثر كلمة القصر على الشجر الضخم؛ لأن الاشتراك في هذه الكلمة بين هذا المعنى، ومعنى البيت الضخم يثير المعنيين في النفس معا فتزيد الفكرة عن ضخامة الشرر رسوخا في النفس.
وآثر القرآن كلمة بُنْيانٌ فى قوله سبحانه: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ (الصف 4). لما تثيره في النفس من معنى الالتحام والاتصال والاجتماع القوى، وغير ذلك من معان ترتبط بما ذكرناه، مما لا يثار فى النفس عند كلمة حائط أو جدار مثلا.
واختار القرآن كلمة «لباس»، فى قوله تعالى: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ (البقرة 187). لما توحى به تلك الكلمة من شدة الاحتياج، كاحتياج المرء للباس، يكون مصدر راحة، وعنوان زينة معا.
ومن مميزات التشبيه القرآنى أيضا أن المشبه قد يكون واحدا ويشبه بأمرين أو أكثر، لمحا لصلة تربط بين هذا الأمر وما يشبهه، تثبيتا للفكرة في النفس.
أو لمحا لها من عدة زوايا، ومن ذلك مثلا تصوير حيرة المنافقين واضطراب أمرهم، فإن هذه الحيرة يشتد تصورها لدى النفس، إذا هى استحضرت صورة هذا السارى قد أوقد نارا تضيء طريقه، فعرف أين يمشى ثمّ لم يلبث أن ذهب الضوء، وشمل المكان ظلام دامس، لا يدرى السائر فيه أين يضع قدمه، ولا كيف يأخذ سبيله، فهو يتخبط ولا يمشى خطوة حتى يرتد خطوات. أو إذا استحضرت صورة هذا السائر تحت صيّب من المطر قد صحبه ظلمات ورعد وبرق، أما الرعد فمتناه فى الشدة إلى درجة أنه يود اتقاءه بوضع أصابعه إذا استطاع في أذنه، وأما البرق فيكاد يخطف البصر، وأما الظلمات المتراكمة فتحول بين السائر وبين الاهتداء إلى سواء السبيل. وتجد تعدّد هذا التشبيه في قوله سبحانه: مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً ... أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ .... (البقرة 17 - 19).
ومن النظر إلى الفكرة من عدّة زوايا، أنه حينا ينظر إلى أعمال الكافرين من ناحية أنها لا أثر لها ولا نتيجة، فيرد إلى الذهن حينئذ هذا الرماد الدقيق لا يقوى على البقاء أمام ريح شديدة لا تهدأ حتى تبدأ؛ لأنها في يوم عاصف، ألا ترى هذه الريح كفيلة بتبديد ذرّات هذا الغبار شذر مذر، وأنها لا تبقى عليه ولا تذر، وكذلك أعمال الكافرين، لا تلبث أن تهب عليها ريح الكفر، حتى تبددها ولا تبقى عليها، وللتعبير عن ذلك جاء قوله سبحانه: مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي
يَوْمٍ عاصِفٍ لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلى شَيْءٍ ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ
(إبراهيم 18).
وحينا ينظر إليها من ناحية أنها تغر أصحابها فيظنونها نافعة لهم، مجدية عليهم، حتى إذا جاءوا يوم القيامة لم يجدوا شيئا، ألا ترى في السراب هذا الأمل المطمع، ذا النهاية المؤيسة، ولأداء هذا المعنى قال تعالى: وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً حَتَّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً (النور 39). وحينا ينظر إليها من ناحية ما يلم بصاحبها من اضطراب وفزع، عند ما يجد آماله في أعماله قد انهارت، ألا تظلم الدنيا أمام عينيه ويتزلزل كيانه كهذا الذى اكتنفه الظلام في بحر قد تلاطمت أمواجه، وأطبقت ظلمة السحاب على ظلمة الأمواج، ألا يشعر هذا الرجل بمصيره اليائس، وهلاكه المحتوم، ألا يصور لك ذلك صورة هؤلاء الكفار عند ما يجيئون إلى أعمالهم، فلا يجدون لها ثوابا ولا نفعا، ولتصوير ذلك جاء قوله سبحانه: أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحابٌ ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ (النور 40).
- 5 - ويهدف التشبيه في القرآن إلى ما يهدف إليه كلّ فنّ بلاغىّ فيه، من التأثير في العاطفة، فترغب أو ترهب، ومن أجل هذا كان للمنافقين والكافرين والمشركين نصيب وافر من التشبيه الذى يزيد نفسيتهم وضوحا، ويصور وقع الدعوة على قلوبهم، وما كانوا يقابلون به تلك الدعوة من النفور والإعراض.
يصور لنا حالهم وقد استمعوا إلى دعوة الداعى، فلم تثر فيهم تلك الدعوة رغبة فى التفكير فيها، لمعرفة ما قد تنطوى عليه من صدق، وما قد يكون فيها من صواب، بل يحول بينهم وبين ذلك الكبر والأنفة، وما أشبههم حينئذ بالرجل لم يسمع عن الدعوة شيئا، ولم يطرق أذنه عنها نبأ، بل ما أشبههم بمن في أذنه صمم، فهو لا يسمع شيئا مما يدور حوله، وبمن أصيب بالبكم، فهو لا ينطق بصواب اهتدى إليه، وبمن أصيب بالعمى، فهو لا يرى الحق الواضح، وبذلك شبههم القرآن، فقال: وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ يَسْمَعُ آياتِ اللَّهِ تُتْلى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (الجاثية 7، 8)، وقال: وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما لا يَسْمَعُ إِلَّا دُعاءً وَنِداءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ (البقرة 171).
أما ما يشعرون به عند ما يسمعون دعوة الحق فضيق يملأ صدورهم، ويئودهم حمله، كهذا الضيق الذى يشعر به المصعد في جبل، فهو يجر نفسه ويلهث من التعب والعناء، وهكذا صور الله ضيق صدورهم بقوله: فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ كَذلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ (الأنعام 125).
وما دام هؤلاء القوم لا يستخدمون عقولهم فيما خلقت له، ولم تصغ آذانهم إصغاء من يسمع ليتدبر، فقد وجد القرآن في الأنعام شبيها لهم يقرنهم بها، ويعقد بينهم وبينها وثيق الصلات، فقال: وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها وَلَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ (الأعراف 179). وأنت ترى في هذا التشبيه كيف مهد له التمهيد الصالح، فجعل لهم قلوبا لا يفقهون بها، وأعينا لا يبصرون بها، وآذانا لا يسمعون بها، ألا ترى نفسك بعدئذ مسوقا إلى إنزالهم منزلة البهائم، فإذا ورد هذا التشبيه عليك، وجد في قلبك مكانا، ولم تجد فيه بعدا ولا غرابة، بل ينزل بهم حينا عن درجة الأنعام، فيراهم خشبا مسندة.
وحينا يريد أن يصورهم، وقد جدوا في الهرب والنفرة من تلك الدعوة الجديدة، فيقول: فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ (المدثر 49 - 51). وقد تحدثنا عن هذا التشبيه فيما مضى.
أما هذا الذى آمن ثمّ كفر، وانسلخ عن الإيمان واتبع هواه، فقد عاش مثال الذلة والهوان، وقد وجد القرآن في الكلب شبها يبين عن خسته وحقارته، ومما يزيد في الصلة بين الاثنين أن هذا المنسلخ يظل غير مطمئن القلب، مزعزع العقيدة، مضطرب الفؤاد، سواء أدعوته إلى الإيمان، أم أهملت أمره، كالكلب يظل لاهثا، طردته وزجرته، أم تركته وأهملته، قال: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَواهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (الأعراف 175، 176).
ولم ينس القرآن تصوير حيرتهم، واضطراب نفسيتهم، ولمح في اضطرابهم صلة بينهم وبين من استوقد نارا، ثم ذهب الله بنوره وبين السائر تحت صيّب منهمر، فيه ظلمات ورعد وبرق.
وصوّر وهن ما يعتمد عليه من يتخذ من دون الله أولياء بوهن بيت العنكبوت، وحين أراد أن يتحدث عن أن هؤلاء الأولياء لن يستفيد منهم عابدوهم بشيء، رأى في هذا الذى يبسط كفه إلى الماء، يريد وهو على تلك الحال أن ينقل الماء إلى فيه، وما هو ببالغه، شبيها لهم فقال: لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا كَباسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْماءِ لِيَبْلُغَ فاهُ وَما هُوَ بِبالِغِهِ وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ (الرعد 14).
وتعرض لأعمال الكفرة كما سبق أن ذكرنا، ولصدقاتهم التى كان جديرا بها أن تثمر وتزهر، ويفيدوا منها لولا أن هبت عليها ريح الشرك فأبادتها، كما تهب الريح الشديدة البرد بزرع كان ينتظر إثماره فأهلكته: مَثَلُ ما يُنْفِقُونَ فِي هذِهِ الْحَياةِ الدُّنْيا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيها صِرٌّ أَصابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَما ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (آل عمران 117).
وهناك طائفة من التشبيهات ترتبط بيوم القيامة، لجأ إليها القرآن للتصوير والتأثير معا، فإذا أراد القرآن أن يبين قدرة الله على أن يأتى بذلك اليوم، بأسرع مما يتصور المتصورون لجأ إلى أسرع ما يراه الرائى، فاتخذه مثلا يؤدى إلى الهدف المراد، فيقول: وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (النحل 77).
ويقرب أمر البعث إلى الأذهان بتوجيه النظر إلى بدء الإنسان، وأن هذا البعث صورة من هذا البدء، فيقول: كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (الأعراف 29). وبتوجيه النظر إلى هذا السحاب الثّقال يسوقه الله لبلد ميت، حتى إذا نزل ماؤه دبت الحياة في أوصال الأرض، فخرج الثمر منها يانعا، وهكذا يخلق الله الحياة في الموتى، قال سبحانه:
وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذا أَقَلَّتْ سَحاباً ثِقالًا سُقْناهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنا بِهِ الْماءَ فَأَخْرَجْنا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ كَذلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (الأعراف 57).
وإذا جاء يوم القيامة استيقظ الناس لا يشعرون بأنه قد مضى عليهم حين من الدهر طويل منذ فارقوا حياتهم، ويورد القرآن من التشبيه ما يصور هذه الحالة النفسية، فيقول: وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنَ النَّهارِ يَتَعارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللَّهِ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ (يونس 45). وإذا نظرت إلى قوة التشبيه مقترنة بقوله: يَتَعارَفُونَ بَيْنَهُمْ أدركت مدى ما يستطيع أن يحدثه في النفس من أثر. وقد كرر هذا المعنى في موضع آخر يريد أن يثبته في النفس ويؤكده فقال: يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْراها إِلى رَبِّكَ مُنْتَهاها إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَها لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها (النازعات 42 - 46).
ها هم أولاء قد بعثوا، خارجين من أجداثهم في كثرة لا تدرك العين مداها، وماذا يستطيع أن يرسم لك تلك الصورة، تدل على الغزارة والحركة والانبعاث، أفضل من هذا التشبيه الذى أورده القرآن حين قال: خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكافِرُونَ هذا يَوْمٌ عَسِرٌ (القمر 7، 8).
وحينا يصوّرهم ضعافا يتهافتون مسرعين إلى الداعى كى يحاسبهم، فيجد في الفراش صورتهم، فيقول: الْقارِعَةُ مَا الْقارِعَةُ وَما أَدْراكَ مَا الْقارِعَةُ يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ (القارعة 1 - 4). ولا أخال أحدا لم ير الفراش يسرع إلى الضوء، ويتهافت عليه في ضعف وإلحاف معا، ولقد تناول القرآن إسراعهم مرة أخرى، فشبههم بهؤلاء الذين كانوا يسرعون في خطوهم، ليعبدوا أنصابا مقامة، وتماثيل منحوتة، كانوا متحمسين في عبادتها، يقبلون عليها في رغبة واشتياق، فيقول: يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ سِراعاً كَأَنَّهُمْ إِلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ (المعارج 43).
ويتناول المجرمين، فيصوّر ما سوف يجدونه يومئذ من ذلة وخزى، ويرسم وجوههم، وقد علتها الكآبة: كَأَنَّما أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (يونس 27). أما طعامهم فمن شجرة الزقوم، يتناولونها فيحسون بنيران تحرق أمعاءهم فكأنما طعموا نحاسا ذائبا أو زيتا ملتهبا، وإذا ما اشتد بهم الظمأ واستغاثوا قدمت إليهم مياه كهذا النحاس والزيت تشوى وجوههم، قال تعالى: إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعامُ الْأَثِيمِ كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ كَغَلْيِ الْحَمِيمِ (الدخان 43 - 46). وقال سبحانه: وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ (الكهف 29). ألا ترى التشبيه يثير في النفس خوفا وانزعاجا.
ويصور آكل الربا يوم القيامة صورة منفرة منه، مزرية به، فهل رأيت ذلك الذى أصابه مس من الشيطان، فهو لا ينهض واقفا حتى يسقط، ولا يقوم إلّا ليقع، ذلك مثل آكل الربا: الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا (البقرة 275).
ولعب التشبيه دورا في تصوير يوم القيامة، وما فيه من الجنة والنار، ففي ذلك الحين، تفقد الجبال تماسكها، وتكون كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ (القارعة 5). وتفقد السماء نظام جاذبيتها، فتنشق، ويصبح الجوّ ذا لون أحمر كالورد: فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّماءُ فَكانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهانِ (الرحمن 37). وأما جهنم فضخامتها وقوة لهبها مما لا يستطيع العقل تصوره، ومما لا يمكن أن تقاس إليها تلك النيران التى نشاهدها في حياتنا، وحسبك أن تعلم أن شررها ليس كهذا الشرر الذى يشبه الهباءة اليسيرة، وإنما هو شرر ضخم ضخامة غير معهودة، وهنا يسعف التشبيه، فيمد الخيال بالصورة، حين يجعل لك هذا الشرر كأنه أشجار ضخمة تتهاوى، أو جمال صفر تتساقط: إِنَّها تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ كَأَنَّهُ جِمالَتٌ صُفْرٌ (المرسلات 32، 33). وأما الجنة ففي سعة لا يدرك العقل مداها، ولا يستطيع التعبير أن يحدها، أو يعرف منتهاها، ويأتى التشبيه ممدا في الخيال، كى يسبح ما يشاء أن يسبح، فيقول: وَجَنَّةٍ عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ (الحديد 21).
وهكذا ترى التشبيه يعمل على تمثيل الغائب حتى يصبح حاضرا، وتقريب البعيد النائى حتى يصير قريبا دانيا. ولجأ القرآن إلى التشبيه يصور به فناء هذا العالم الذى نراه مزدهرا أمامنا، عامرا بألوان الجمال، فيخيل إلينا استمراره وخلوده، فيجد القرآن في الزرع يرتوى من الماء فيصبح بهيجا نضرا، يعجب رائيه، ولكنه لا يلبث أن يذبل ويصفر، ويصبح هشيما تذروه الرياح- يجد القرآن في ذلك شبها لهذه الحياة الدنيا، ولقد أوجز القرآن مرة في هذا التشبيه وأطنب، ليستقر معناه في النفس، ويحدث أثره في القلب، فقال مرة: وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّياحُ وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً (الكهف 45). وقال مرة أخرى: اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ
كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطاماً
(الحديد 20). وقال مرة ثالثة: إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعامُ حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها أَتاها أَمْرُنا لَيْلًا أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (يونس 24).
ولما كان للمال أثره في الحياة الاجتماعية، لعب التشبيه دوره في التأثير في النفس، كى تسمح ببذله في سبيل تخفيف أعباء المجتمع، فقرر مضاعفة الثواب على ما يبذل في هذه الناحية، فقال في موضع: وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصابَها وابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَها ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (البقرة 265). فلهذا التشبيه أثره في دفع النفس إلى بذل المال راضية مغتبطة، كما يغتبط من له جنة قد استقرت على مرتفع من الأرض، ترتوى بما هى فى حاجة إليه من ماء المطر، وتترك ما زاد عن حاجتها، فلا يظل بها حتى يتلفها، كما يستقر في المنخفضات، فجاءت الجنة بثمرها مضاعفا، وفي مرة أخرى رأى مضاعفة جزاء الحسنة كمضاعفة الثمرة، لهذا الذى يبذر حبة قمح، فتخرج عودا يحمل سبع سنابل، فى كل سنبلة مائة حبة: مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (البقرة 261).
وحاط القرآن هذه المضاعفة بشرط ألا يكون الإنفاق عن رياء، وهنا نقف أمام هذا التشبيه القرآنى الذى سيق تصويرا لمن يتصدق لا عن باعث نفسى، نتبين إيحاءاته، ونتلمس وجه اختياره، إذ يقول سبحانه: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى كَالَّذِي يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوانٍ عَلَيْهِ تُرابٌ فَأَصابَهُ وابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (البقرة 264). أرأيت هذا الحجر الصلد قد غطته قشرة رقيقة من التراب فخاله الرائى صالحا للزرع والإنبات، ولكن وابل المطر لم يلبث أن أزال هذه القشرة فبدا الحجر على حقيقته، صلدا لا يستطيع أحد أن يجد فيه موضع خصب، ولا تربة صالحة للزراعة، ألا ترى في اختيار كلمة الصفوان هنا ما يمثل لك هذا القلب الخالى من الشعور الإنسانى النبيل، والعطف على أبناء جنسه عطفا ينبع من شعور حى صادق، ولكن الصدقة تغطيه بثوب رقيق حتى يخاله الرائى، قلبا ينبض بحب الإنسانية، ويبنى عليه كبار الآمال فيما سوف يقدمه للمجتمع من خير، ولكن الرياء والمن والأذى لا تلبث أن تزيل هذا الغشاء الرقيق، فيظهر القلب على حقيقته قاسيا صلبا لا يلين.
- 6 - وتأتى الكاف في القرآن أحيانا لا لهذا التشبيه الفنى الخالص، بل لإيقاع التساوى بين أمرين، ومن أمثلة هذا الباب قوله تعالى: وَعَدَ اللَّهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْكُفَّارَ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوالًا وَأَوْلاداً فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خاضُوا أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (التوبة 68، 69). وقوله تعالى: إِنَّا أَرْسَلْنا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شاهِداً عَلَيْكُمْ كَما أَرْسَلْنا إِلى فِرْعَوْنَ رَسُولًا فَعَصى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْناهُ أَخْذاً وَبِيلًا (المزمل 15، 16). فهو يعقد موازنة بينهم وبين من سبقهم، ويبين لهم الوجوه التى يتفقون فيها معهم، ولا ينسى أن يذكر ما أصاب سابقيهم، وإلى هنا يقف، تاركا لهم أن يصلوا بأنفسهم إلى ما ينتظرهم من العواقب، وإنها لطريقة مؤثرة في النفس حقّا، أن تضع لها شبيها، وتتركها تصل بنفسها إلى النتيجة في سكينة وهدوء، لا أن تقذف بها في وجهها، فربما تتمرد وتثور.
ومن كاف التساوى أيضا قوله تعالى: إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ (النساء 163). وقد يلمح في ذلك الرغبة في إزالة الغرابة عن نفوس السامعين، واستبعادهم نزول الوحى على الرسول، فالقرآن يقرنه بمن لا يشكّون فى رسالته، ليأنسوا بدعوة النبى، وقد يكون في هذا التساوى مثار للتهكم، كما فى قوله تعالى: لَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ ما خَوَّلْناكُمْ وَراءَ ظُهُورِكُمْ (الأنعام 94). أو مثار للاستنكار، كما في قوله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذابِ اللَّهِ (العنكبوت 10). فسر الاستنكار كما ترى هو تسوية عذاب الناس بعذاب الله. وقد تأتى الكاف وسيلة للإيضاح، وتقوم هى وما بعدها مقام المثال للقاعدة، وغير خاف ما للمثل يضرب من التأثير والإقناع، ومن ذلك قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَأُولئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقابِ (آل عمران 10، 11)، فجاء بآل فرعون مثالا لأولئك الذين لن تغنى عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا، ومن كاف الإيضاح قوله سبحانه: خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ، وقوله: وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيها فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي.

علم أصول الفقه

علم أصول الفقه
وهو: علم يتعرف منه: استنباط الأحكام الشرعية الفرعية، عن أدلتها الإجمالية.
وموضوعه: الأدلة الشرعية الكلية، من حيث أنها كيف يستنبط عنها الأحكام الشرعية.
ومباديه: مأخوذة من العربية، وبعض العلوم الشرعية، كأصول الكلام، والتفسير، والحديث، وبعض من العقلية.
والغرض منه: تحصيل ملكة استنباط الأحكام الشرعية الفرعية، من أدلتها الأربعة، أعني: الكتاب، والسنة، والإجماع، والقياس.
وفائدته: استنباط تلك الأحكام على وجه الصحة.
واعلم: أن الحوادث، وإن كانت متناهية في نفسها، بانقضاء دار التكليف، إلا أنها لكثرتها، وعدم انقطاعها، مادامت الدنيا غير داخلة تحت حصر الحاصرين، فلا يعلم أحكامها جزئيا.
ولما كان لكل عمل من أعمال الإنسان حكم، من قبل الشارع منوط بدليل يخصه، جعلوها قضايا، موضوعاتها: أفعال المكلفين، ومحمولاتها: أحكام الشارع من الوجوب وأخواته.
فسموا: العلم المتعلق بها، الحاصل من تلك الأدلة: فقها، ثم نظروا في تفاصيل الأدلة والأحكام، وعمومها، فوجدوا الأدلة راجعة إلى: الكتاب، والسنة، والإجماع، والقياس.
ووجدوا الأحكام راجعة إلى: الوجوب، والندب، والحرمة، والكراهة، والإباحة.
وتأملوا في كيفية الاستدلال بتلك الأدلة على الأحكام إجمالا، وبيان طرقه، وشرائطه، ليتوصل بكل من تلك القضايا إلى استنباط كثير من تلك الأحكام الجزئية، عن أدلتها التفصيلية، فضبطوها، ودونوها، وأضافوا إليها من اللواحق، وسموا العلم المتعلق بها: أصول الفقه.
قال الإمام، علاء الدين الحنفي، في (ميزان الأصول) : اعلم: أن أصول الفقه، فرع لعلم أصول الدين، فكان من الضرورة أن يقع التصنيف فيه، على اعتقاد مصنف الكتاب.
وأكثر التصانيف في أصول الفقه: لأهل الاعتزال، المخالفين لنا في الأصول، ولأهل الحديث المخالفين لنا في الفروع، ولا اعتماد على تصانيفهم.
وتصانيف أصحابنا، قسمان:
قسم: وقع في غاية الإحكام والإتقان، لصدوره ممن جمع في الأصول والفروع، مثل: (مأخذ الشرع)، و(كتاب الجدل) للماتريدي، ونحوهما.
وقسم: وقع في نهاية التحقيق في المعاني، وحسن الترتيب، لصدوره ممن تصدى لاستخراج الفروع، من ظواهر المسموع.
غير أنهم لما لم يتمهروا في دقائق الأصول، وقضايا العقول، أفضى رأيهم إلى رأي المخالفين في بعض الفصول.
ثم هجر القسم الأول، إما لتوحش الألفاظ والمعاني، وإما لقصور الهمم، والتواني.
واشتهر القسم الآخر. انتهى.
وأول من صنف فيه: الإمام الشافعي، ذكره الأسنوي في (التمهيد)، وحكى الإجماع فيه.
ومن الكتب المصنفة فيه:
علم أصول الفقه
هو علم يتعرف منه استنباط الأحكام الشرعية الفرعية عن أدلتها الإجمالية اليقينية. وموضوعه: الأدلة الشرعية الكلية من حيث أنها كيف تستنبط منها الأحكام الشرعية.
ومباديه: مأخوذة من العربية وبعض من العلوم الشرعية كأصول الكلام والتفسير والحديث وبعض من العقلية.
والغرض منه: تحصيل ملكة استنباط الأحكام الشرعية الفرعية من أدلتها الأربعة أعني الكتاب والسنة والإجماع والقياس.
وفائدته: استنباط تلك الأحكام على وجه الصحة.
واعلم أن الحوادث وإن كانت متناهية في نفسها بانقضاء دار التكليف إلا أنها لكثرتها وعدم انقطاعها ما دامت الدنيا غير داخلة تحت حصر الحاضرين فلا تعلم أحكامها جزئيا ولما كان عمل من أعمال الإنسان حكما من قبل الشارع منوطا بدليل يخصه جعلوها قضايا موضوعاتها أفعال المكلفين ومحمولاتها أحكام الشارع من الوجوب وأخواته فسموا العلم المتعلق بها الحاصل من تلك الأدلة فقها.
ثم نظروا في تفصايل الأدلة والأحكام وعمومها فوجدوا الأدلة راجعة إلى الكتاب والسنة والإجماع والقياس ووجدوا الأحكام راجعة إلى الوجوب والندب والحرمة والكراهة والإباحة وتأملوا كيفية الاستدلال بتلك الأدلة على تلك الأحكام إجمالا من غير نظر إلى تفصيلها إلا على طريق التمثيل فحصل لهم قضايا كلية متعلقة بكيفية الاستدلال بتلك الأدلة على الأحكام الجزئية وبيان طرقه وشارئط ليتوصل بكل من تلك القضايا إلى استنباط كثير من تلك الأحكام الجزئية عن أدلتها التفصيلية فضبطوها ودونوها وأضافوا إليها من اللواحق وسموا العلم المتعلق بها أصول الفقه.
قال الإمام علاء الدين الحنفي في ميزان الأصول: اعلم أن أصول الفقه فرع لعلم أصول الدين فكان من الضرورة أن يقع التصنيف فيه على اعتقاد مصنف الكتاب وأكثر التصانيف في أصول الفقه لأهل الاعتزال المخالفين لنا في الأصول ولأهل الحديث المخالفين لنا في الفروع ولا اعتماد على تصانيفهم.
وتصانيف أصحابنا قسمان:
قسم: وقع في غاية الإحكام والإتقان لصدوره ممن جمع الأصول والفروع مثل: مآخذ الشروع وكتاب: الجدل للماتريدي ونحوهما.
وقسم: وقع في نهاية التحقيق في المعاني وحسن الترتيب لصدروه ممن تصدى لاستخراج الفروع من ظواهر المسموع غير أنهم لما لم يتمهروا في دقائق الأصول وقضايا المعقول أفضى رأيهم إلى رأي المخالفين في بعض الفصول ثم هجر القسم الأول إما: لتوحش الألفاظ والمعاني وإما: لقصور الهمم والتواني واشتهر القسم الآخر. انتهى.
وهذا الذي نسبه إلى أهل الحديث وعدم الاعتماد على تصانيفهم نفس تعصبية صدرت من بطن التقليد وإذا لم يعتمد تصنيف أهل الحديث الذين هم القدوة والأسوة في الدين والعرفاء بالنصوص من الكتاب والسنة أكثر من أهل الفقه والمقلدة بمراتب كثيرة ومناحي غفيرة فأي جماعة تليق بالاعتماد والتعويل فما هذا الحرف من هذا الحنفي المتعصب إلا زلة شديدة لا يتأتى مثلها إلا عمن ليس من العلم والإنصاف في صدر ولا ورد فهذا القول ليس عليه إثارة من علم. قال في كشاف اصطلاحات الفنون: علم أصول الفقه ويسمى ب علم الدراية أيضا على ما في مجمع السلوك وله تعريفان:
أحدهما: باعتبار الإضافة.
وثانيهما: باعتبار اللقب أي باعتبار أنه لقب لعلم مخصوص ثم ذكر هذين التعريفين وبسط القول في فوائدهما.
ونقل عن إرشاد القاصد للشيخ شمس الدين الأكفاني السخاوي:
إن أصول الفقه: علم يتعرف منه تقرير مطلب الأحكام الشرعية العملية وطرق استنباطها ومواد حججها واستخراجها بالنظر.
وموضوعه: الأدلة الشرعية والأحكام إذ يبحث فيه عن العوارض الذاتية للأحكام الشرعية وهي إثباتها للحكم وعن العوارض الذاتية للأحكام وهي ثبوتها بتلك الأدلة.
قال: وإن شئت زيادة التحقيق فارجع إلى التوضيح والتلويح انتهى كلام الكشاف ملخصا
ثم اعلم أن أول من صنف في أصول الفقه الإمام الشافعي ذكره الإسنوي في التمهيد وحكى الإجماع فيه وهو شيخ المحدثين والفقهاء.
والكتب المصنفة فيه كثيرة معروفة وأحسنها ترتيبا وأكملها تحقيقا وتهذيبا وأبلغها قبولا وأعدلها إنصافا كتاب: إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول لقاضي القضاة شيخنا محمد بن علي الشوكاني اليمني المتوفى في سنة خمس وخمسين ومائتين وألف وقد لخصنا كتابه هذا وسميناه: بحصول المأمول من علم الأصول وهو نفيس جدا فإن كنت ممن يبغي تحقيق الحق على جانب من التقليد والعصبية لآراء الرجال ويعرف هذا العلم على ما فيه من القيل والقال فارجع إليهما تجدهما ديباجة الدنيا ومكرمة الدهر ونكتة عطارد التي يفتخر بها الفخر.
مذاهب شتى للمحبين في الهوى ... ولي مذهب واحد أعيش به وحدي
وكم من رأي في الدين للشريعة محرف ولهم عن جماعة السنة المطهرة محرف {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} .
وقال في: مدينة العلوم: ومن الكتب القديمة المصنفة في هذا العلم كتاب الجصاص أحمد بن علي أبي بكر الرازي وكتاب: الأسرار وكتاب: تقويم الأدلة للإمام زيد الدبوسي - قرية بين بخارا وسمرقند - المتوفى سنة 402هـ.
ومنها: أصول فخر الإسلام للبزدوي ولكتابه شروح كثيرة أشهرها: الكشف لعبد العزيز بن أحمد البخاري ومنها: أصول شمس الأئمة السرخسي.
وإحكام الأحكام للآمدي.
ومنتهى السول والأمل في علمي الأصول والجدل ومختصر هذين كلاهما لابن الحاجب وشروحه تزيد على عشرة.
وكتاب: القواعد والبديع لابن الساعاتي البعلبكي. ومنها: المنار للنسفي وله شروح ومنها: المغني للخبازي وشرحه لسراج الدين الهندي قاضي الحنفية بالقاهرة.
وكتاب: المنتخب للأخسيكثي و: التحصيل للابي وردي و: المحصول للفخر الرازي و: التنقيح وشرحه: التوضيح لصدر الشريعة والتلويح على شرح التنقيح. للسعد التفتازاني و: فصول البدائع في الأصول الشرائع لشمس الدين الفتازاي و: منهاج الوصول إلى علم الأصول للقاضي البيضاوي على مذهب الشافعي وله شروح.
ومنها: مرقاة الوصول إلى علم الأصول وغير ذلك. انتهى حاصل كلامه.
قلت: ومنها: جمع الجوامع لتاج الدين السبكي وله شروح قد طبع بمصر القاهرة في هذا الزمان وأحسن كتب هذا العلم كتاب شيخنا الشوكاني الذي تقدم ذكره فاشدد يديك عليه تهتدي إلى جادة الحق
فصل: قال قاضي القضاة مؤيد الدين عبد الرحمن بن خلدون - رحمه الله - تعالى - في كتاب: العبر وديوان المبتدأ والخبر ما نصه:
اعلم: أن أصول الفقه من أعظم العلوم الشرعية من حيث تؤخذ منها: الأحكام والتكاليف وأصول الأدلة الشرعية هي: الكتاب - الذي هو القرآن - ثم السنة المبينة له فعلى عمل النبي - صلى الله عليه وسلم - كانت الأحكام تتلقى منه ما يوحى إليه من القرآن ويبينه بقوله وفعله بخطاب شفاهي لا يحتاج إلى نقل ولا إلى نظر وقياس ومن بعده - صلى الله عليه وسلم - تعذر الخطاب الشفاهي وانحفظ القرآن بالتواتر وأما السنة: فأجمع الصحابة - رضوان الله عليهم - على وجوب العمل بما يصل إلينا منها: قولا وفعلا بالنقل الصحيح الذي يغلب على الظن صدقه وتعينت دلالة الشرع في الكتاب والسنة بهذا الاعتبار ثم ينزل الإجماع منزلتها إلا إجماع الصحابة على النكير على مخالفيهم ولا يكون ذلك إلا عن مستند لأن مثلهم لا يتفقون من غير دليل ثابت مع الشهادة الدالة بعصمة الجماعة فصار الإجماع دليلا ثابتا في الشرعيات.
ثم نظرنا في طرق استدلال الصحابة والسلف بالكتاب والسنة فإذا هم يقيسون الأشباه بالأشباه منهما ويناظرون الأمثال بالأمثال بإجماع منهم وتسليم بعضهم لبعض يفي ذلك فإن كثيرا من الواقعات بعده لم تندرج في النصوص الثابتة فقاسوها بما يثبت وألحقوها بما نص عليه بشروط في ذلك الإلحاق تصح تلك المساواة بين الشبــيهين أو المثلين حتى يغلب على الظن أن حكم الله تعالى فيهما واحد وصار ذلك دليلا شرعيا بإجماعهم عليه وهو: القياس وهو رابع الأدلة واتفق جمهور العلماء على أن هذه: هي أصول الأدلة وإن خالف بعضهم في الإجماع والقياس إلا أنه شذوذ وألحق بعضهم بهذه الأربعة أدلة أخرى لا حاجة بنا إلى ذكرها لضعف مداركها وشذوذ القول فيها فكان أول مباحث هذا الفن بما يصح منها - كما قلناه - معتضدا بما كان عليه العمل في حياته - صلى الله عليه وسلم - من إنفاذ الكتب والرسل إلى النواحي بالأحكام والشرائع آمرا وناهيا
وأما الإجماع: فلاتفاقهم على إنكار مخالفته مع العصمة الثابتة للأمة.
وأما القياس: فبإجماع الصحابة - رضي الله عليه عنهم - كما قدمنا هذه أصول الأدلة.
ثم إن: المنقول من السنة محتاج إلى تصحيح الخبر بالنظر في طرق النقل وعدالة الناقلين لتتميز الحالة المحصلة للظن بصدقه الذي هو مناط وجوب العمل وهذه أيضا من قواعد الفن ويلحق بذلك عند التعارض بين الخبرين وطلب المتقدم منهما معرفة الناسخ والمنسوخ وهي من فصوله أيضا وأبوابه ثم بعد ذلك يتعين النظر في دلالة الألفاظ وذلك أن استفادة المعاني على الإطلاق يتوقف على معرفة الدلالات الوضعية مفردة ومركبة والقوانين اللسانية في ذلك هي: علوم النحو والتصريف والبيان وحين كان الكلام ملكة لأهله لم تكن هذه علوما ولا قوانين ولم يكن الفقه حينئذ يحتاج إليها لأنه جبلة وملكة فلما فسدت الملكة في لسان العرب قيدها الجهابذة المتجردون لذلك بنقل صحيح ومقايس مستنبطة صحيحة وصارت علوما يحتاج إليها الفقيه في معرفة أحكام الله تعالى.
ثم إن هناك استفادات أخرى خاصة من تراكيب الكلام وهي: استفادة الأحكام الشرعية بين المعاني من أدلتها الخاصة من تراكيب الكلام وهو الفقه ولا يكفي فيه معرفة الدلالات الوضعية على الإطلاق بل لا بد من معرفة أمور أخرى تتوقف عليها تلك الدلالات الخاصة وبها تستفاد الأحكام بحسب ما أصل أهل الشرع وجهابذة العلم من ذلك وجعلوه قوانين لهذه الاستفادة مثل: أن اللغة لا تثبت قياسا والمشترك لا يراد به معنياه معا والواو لا تقتضي الترتيب والعام إذا أخرجت أفراد الخاص منه هل يبقى حجة في ما عداها؟ والأمر للوجوب أو الندب؟ وللفور أو التراخي؟ والنهي يقتضي الفساد أو الصحة؟ والمطلق هل يحمل على المقيد؟ والنص على العلة كاف في التعدد أم لا؟ وأمثال هذه فكانت كلها من قواعد هذا الفن ولكونها من مباحث الدلالة كانت لغوية.
ثم إن النظر في القياس من أعظم قواعد هذا الفن: لأن فيه تحقيق الأصل والفرع فيما يقاس ويماثل من الأحكام وينفتح الوصف الذي يغلب الظن أن الحكم علق به في الأصل من تبين أوصاف ذلك المحل أو وجود ذلك الوصف والفرع من غير معارض يمنع من ترتيب الحكم عليه في مسائل أخرى من توابعة ذلك كلها قواعد لهذا الفن واعلم: أن هذا الفن من الفنون المستحدثة في الملة وكان السلف في غنية عنه بما أن استفادة المعاني من الألفاظ إلى أزيد مما عندهم من الملكة اللسانية.
وأما القوانين التي يحتاج إليها في استفادة الأحكام خصوصا: فمنهم أخذ معظمها وأما الأسانيد فلم يكونوا يحتاجون إلى النظر فيها لقرب العصر وممارسة النقلة وخبرتهم فلما انقرض السلف وذهب الصدر الأول وانقلبت العلوم كلها صناعة احتاج الفقهاء والمجتهدون إلى تحصيل هذه القوانين والقواعد لاستفادة الأحكام من الأدلة فكتبوها فنا قائما برأسه: أصول الفقه.
وكان أول من كتب فيه: الشافعي أملى فيه رسالته المشهورة تكلم فيها في الأوامر والنواهي والبيان والخبر والنسخ وحكم العلة المنصوصة من القياس.
ثم كتب فقهاء الحنفية فيه وحققوا تلك القواعد وأوسعوا القول فيها.
وكتب المتكلمون أيضا كذلك إلا أن كتابة الفقهاء فيها أمس بالفقه وأليق بالفروع لكثرة الأمثلة منها والشواهد وبناء المسائل فيها على النكت الفقهية.
والمتكلمون يجردون صور تلك المسائل عن الفقه ويميلون إلى الاستدلال العقلي ما أمكن لأنه غالب فنونهم ومقتضى طريقتهم فكان لفقهاء الحنفية فيها اليد الطولى من الغوص على النكت الفقهية والتقاط هذه القوانين من مسائل الفقه ما أمكن.
وجاء أبو زيد الدبوسي من أئمتهم فكتب في القياس بأوسع من جميعهم وتمم الأبحاث والشروط التي يحتاج إليها فيه وكملت صناعة أصول الفقه بكماله وتهذبت مسائله وتمهدت قواعده.
وعني الناس بطريقة المتكلمين فيه وكان من أحسن ما كتب فيه المتكلمون كتاب: البرهان لإمام الحرمين و: المستصفى للغزالي وهما من الأشعرية.
وكتاب: العهد لعبد الجبار وشرحه: المعتمد لأبي الحسين البصري وهما من المعتزلة.
وكانت الأربعة: قواعد هذا الفن وأركانه ثم لخص هذه الكتب الأربعة فحلان من المتكلمين المتأخرين وهما: الإمام فخر الدين بن الخطيب في كتاب: المحصول وسيف الدين الآمدي في كتاب: الأحكام واختلفت طرائقهما في الفن بين التحقيق والحجاج فابن الخطيب أميل إلى الاستكثار من الأدلة والاحتجاج والآمدي مولع بتحقيق المذاهب وتفريع المسائل.
وأما كتاب: المحصول فاختصره تلميذ الإمام سراج الدين الأرموي في كتاب: التحصيل وتاج الدين الأرموي في كتاب: الحاصل واقتطف شهاب الدين القرافي منهما مقدمات وقواعد في كتاب صغير سماه: التنقيحات وكذلك فعل البيضاوي في كتاب: المنهاج وعنى المبتدون بهذين الكتابين وشرحهما كثير من الناس.
وأما كتاب: الأحكام للآمدي وهو أكثر تحقيقا في المسائل فلخصه أبو عمرو ابن الحاجب في كتابه المعروف ب: المختصر الكبير ثم اختصره في كتاب آخر تداوله طلبة العلم وعنى أهل المشرق والمغرب به وبمطالعته وشرحه وحصلت زبدة طريقة المتكلمين في هذا الفن في هذه المختصرات.
وأما طريقة الحنفية: فكتبوا فيها كثيرا وكان من أحسن كتابة فيها: للمتقدمين تأليف أبي زيد الدبوسي وأحسن كتابة للمتأخرين فيها تأليف سيف الإسلام البزدوي من أئمتهم وهي مستوعب.
وجاء ابن الساعاتي من فقهاء الحنفية فجمع بين كتاب: الأحكام وكتاب البزدوي في الطريقتين وسمى كتابه: البدائع فجاء من أحسن الأوضاع وأبدعها وأئمة العلماء لهذا العهد يتداولونه قراءة وبحثا وولع كثير من علماء العجم بشرحه والحال على ذلك لهذا العهد
هذه حقيقة هذا الفن وتعيين موضوعاته وتعديد التآليف المشهورة لهذا العهد فيه والله ينفعنا بالعلم ويجعلنا من أهله بمنه وكرمه إنه على كل شيء قدير. انتهى كلامه.
ومن الكتب المصنفة في هذا العلم: كتاب: مغتنم الحصول في علم الأصول للشيخ حبيب الله. القندهاري من رجال هذه المائة و: مسلم الثبوت لمحب الله البهاري و: رسالة الشيخ محمد إسماعيل الدهلوي و: حصول المأمول لكاتب الحروف - عفا الله عنه.

حِسْمَى

حِسْمَى:
بالكسر ثم السكون، مقصور، يجوز أن يكون أصله من الحسم وهو المنع: وهو أرض ببادية الشام، بينها وبين وادي القرى ليلتان، وأهل تبوك يرون جبل حسمى في غربيّهم وفي شرقيهم شرورى، وبين وادي القرى والمدينة ست ليال، قال الراجز:
جاوزن رمل أيلة الدّهّاسا، ... وبطن حسمى بلدا هرماسا
أي واسعا، وأيلة قريبة من وادي القرى، وحسمى أرض غليظة وماؤها كذلك لا خير فيها، تنزلها
جذام، وقال ابن السكيت: حسمى لجذام جبال وأرض بين أيلة وجانب تيه بني إسرائيل الذي يلي أيلة وبين أرض بني عذرة من ظهر حرّة نهيا، فذلك كلّه حسمى، قال كثيّر:
سيأتي أمير المؤمنين، ودونه ... جماهير حسمى: قورها وحزونها
تجاوب أصدائي بكلّ قصيدة، ... من الشعر، مهداة لمن لا يهينــها
ويقال: آخر ماء نضب من ماء الطوفان حسمى فبقيت منه هذه البقية إلى اليوم، فلذلك هو أخبث ماء، وفي أخبار المتنبي وحكاية مسيره من مصر إلى العراق قال: حسمى أرض طيبة تؤدّى لين النخلة من لينها وتنبت جميع النبات، مملوءة جبالا في كبد السماء متناوحة ملس الجوانب، إذا أراد الناظر النظر إلى قلة أحدها فتل عنقه حتى يراها بشدّة، ومنها ما لا يقدر أحد أن يراه ولا يصعده، ولا يكاد القتام يفارقها، ولهذا قال النابغة:
فأصبح عاقلا بجبال حسمى ... دقاق التّرب محتزم القتام
واختلف الناس في تفسيره ولم يعلموه، ويكون مسيرة ثلاثة أيام في يومين، يعرفها من رآها من حيث يراها لأنها لا مثل لها في الدنيا، ومن جبال حسمى جبل يعرف بإرم، عظيم العلوّ تزعم أهل البادية أن فيه كروما وصنوبرا، وفي حديث أبي هريرة: تخرجكم الروم منها كفرا كفرا إلى سنبك من الأرض، قيل له: وما ذلك السنبك؟ قال:
حسمى جذام، وقرأت في بعض الكتب أن بعض العرب قال: إن الله اجتبى ماء إرم والبديعة ونعمان وعللان بعباده المؤمنين، وهذه المياه كلّها بحسمى، في كتب السير وأخبار نوح أن حسمى جبل مشرف على حرّان قرب الجودي وأن نوحا نزل منه فبنى حرّان، وهذا بعيد من جهتين: إحداهما أن الجودي بعيد من حرّان بينهما أكثر من عشرة أيام، والثانية أنه لا يعرف بالجزيرة جبل اسمه حسمى.

الخَضارِمُ

الخَضارِمُ:
بفتح أوله، وكسر رائه: واد بأرض اليمامة أكثر أهله بنو عجل، وهم أخلاط من حنيفة وتميم، ويقال له جوّ الخضارم، قال ابن الفقيه:
حجر مصر اليمامة ثم جوّ وهي الخضرمة، وهي من حجر على يوم وليلة، وبها بنو سحيم وبنو ثمامة من حنيفة، والخضارم جمع خضرم، وهو الرجل الكثير العطية، مشبّه بالبحر الخضرم وهو الكثير الماء، وأنكر الأصمعي الخضرم في وصف البحر، وكلّ شيء واسع كثير خضرم، وقال طهمان:
يدي، يا أمير المؤمنين، أعيذها ... بحقويك ان تلقى بملقى يهينــها
ولا خير في الدنيا، وكانت حبيبة، ... إذا ما شمال زايلتها يمينها
وقد جمعتني وابن مروان حرّة ... كلابيّة، فرع كرام غصونها
ولو قد أتى الأنباء قومي لقلّصت ... إليك المطايا، وهي خوص عيونها
وإنّ بحجر والخضارم عصبة ... حروريّة، حبنا عليك بطونها
إذا شبّ منهم ناشئ شبّ لاعنا ... لمروان، والملعون منهم لعينها

غلو

غلو: {لا تغلوا}: لا تزيدوا.
(غلو) : الغَلانِيَةُ التَّغاليِ بالشَّيءِ.
(غ ل و) : (الْغَلْوَةُ) مِقْدَارُ رَمْيَة (وَعَنْ اللَّيْثِ) الْفَرْسَخُ التَّامُّ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ غَلْوَةٍ وَيُقَالُ (غَلَا بِسَهْمِهِ غَلْوًا أَوْ غَالَى بِهِ غِلَاءً) إذَا رَمَى بِهِ أَبْعَد مَا قَدَرَ عَلَيْهِ وَفِي الْأَجْنَاس عَنْ ابْنِ شُجَاعٍ فِي خَرَاجِهِ الْغَلْوَةُ قَدْرُ ثَلَثِمِائَةِ ذِرَاعٍ إلَى أَرْبَعِمِائَةٍ وَالْمِيلُ ثَلَاثَةُ آلَاف ذِرَاع إلَى أَرْبَعَةِ آلَافٍ (وَغَلَا السِّعْرُ) غَلَاءً بِالْفَتْحِ ارْتَفَعَ (وَمِنْهُ) أَفْضَل الرِّقَابِ أَغْلَاهَا ثَمَنًا وَفِي الْمُنْتَقَى حَمَامَةٌ تَغَالَى بِهَا أَهْلُ السَّفَهِ اشْتَرَوْهَا بِثَمَنٍ غَالٍ يُقَالُ غَالَى بِاللَّحْمِ وَتَغَالَوْا بِهِ الْمُفَاعَلَةُ مِنْ وَاحِدٍ وَالتَّفَاعُل مِنْ جَمَاعَةٍ.
غلو: غلا السعر: زاد وارتفع وجاوز الحد. (همبرت ص104).
غلا في: وشى، نمّ، افترى، اغتاب. (فوك).
غَلَّى. غلّى على فلان، وغلّى لفلان: جعله أغلى سعراً، جعله غالياً. (فوك، ألكالا، بوشر). وطلب ثمناً غالياً لبضاعته (بوشر) وغلَّى السِعَر (همبرت ص104).
غالَى في: دفع ثمناً غالياً للشيء. ففي حيّان- بسّام (1: 174و) كان جَمَّاعاً للدفاتر مغادياً فيها (وفي الخطيب (ص51 ق): لها بدل فيها). وفي النويري (الأندلس ص469): غالى في أثمانها.
غالى: طلب ثمناً غاليا (معجم مسلم).
أَغْلَى: أحبَّ، يقال مثلاً: أغلى اللحم. ففي الكامل (ص85): وإنّي لأُغْلي اللحمَ نيئاً وأنني ... لممِّن يُهين اللحم وهو نضيج
أي: أحب اللحم نيئاً.
تغَلَّى: صار غالياً مرتفع الثمن. (ألكالا).
غلو بمعنى إلى أي فار وطفح بقوة الحرارة. (همبرت ص32).
غَلاَء: صبَّ وسكب من أنية إلى أخرى (ألكالا).
غُلْوّ: غلاء، ارتفاع الثمن، ويقال: غلو ثمن أي ارتفاعه. (بوشر).
غَلْوّ: غليان السائل وفورانه. (بوشر).
غُلُوّ: نوع من المبالغة (ميهرن بلاغة ص12) وليس غُلْوَّ كما في معجم فريتاج.
غالِ، والجمع غوالي وغاليون: حبيب: عزيز، وميق، موموق. (بوشر).
مغلواني: من يبيع بثمن غالٍ وبسعر مرتفع (بوشر).

غلو


غَلَا(n. ac. غَلَآء [] )
a. Was, became dear, expensive; was high, rose (
price ).
b.(n. ac. غُلُوّ
[غُلُوّ]) [Fī], Exceeded the bounds, went to great lengths in; was
bigoted, fanatical in (religion).
c. Grew high, became luxuriant; grew, developed too
quickly.
d. [acc.
or
Bi], Shot too far, too high (arrow).
e. Overshot the mark (arrow).
f. see VIII
غَاْلَوَ
a. [Fī], Went too far, exceeded the bounds, exaggerated in.
b. [acc.
or
Bi], Sold too dear, raised the price of; bought too
dear.
c. [Bi]
see I (d)
أَغْلَوَa. Overcharged, asked too much for.
b. [Bi], Bought too dear.
c. Thinned out the leaves of (vine).
d. see X
تَغَاْلَوَ
a. [Bi
or
Fī], Exceeded the proper bounds in.
b. Was abundant, luxuriant.

إِغْتَلَوَa. Sped, went quickly.

إِسْتَغْلَوَa. Considered too dear.

إِغْلَوْلَى [إِغْلَوْلَوَ]
a. see VI (b)
غَلْوَة [] (pl.
غَلَوَات
&
غِلَآء [] )
a. Bow-shot.

أَغْلَى []
a. Dearer.

غَالٍ (pl.
غَوَالٍ [] )
a. Dear, high; excessive, exorbitant ( price).
b. Expensive, costly; precious.
c. (pl.
غُلَاة
[غُلَو]), Bigoted, fanatical; zealot, bigot, fanatic.

غَلَآء []
a. Dearness, exorbitant price.
غَلِيّa. see 21 (a) (b).
غُلُوّa. Exaggeration; hyperbole.

غُلْوَان []
a. see 43 (b)
غُلَوَآء []
a. see 27b. Haste, impetuosity, ardour, fieriness ( of
youth ).
غُلْوَآء
a. see 27 & 43
(b).
بِعْتُهُ بِالغَالِي
a. I sold it at a high price.
غ ل و
هو مني بغلوة سهم وبغلوتين وبثلاث غلوات، والفرسخ التام: خمس وعشرون غلوة. وقد غلا بسهمه وغالى به، وتغالينا بالسهام، وترامينا بالمغالي، جمع: مغلاة، وتقول: ما عنده من المعالي، إلا الرمي بالمغالي. وخفّض من غلوائك، وفعل ذلك في غلواء شبابه. قال:


لم تلتفت للداتها ... ومضت على غلوائها

وتقول: أنا لا أجبّ الغلو في الدين والغلاء في السعر والغلاء في الرمي. وأغلى السعر وبه، وغالاه وبه. قال لبيد:

أغلي السباء بكل أدكن عاتق ... أو جونة قدحت وفضّ ختامها

وقال:

نغالى اللحم للأضياف نبأً ... ونرخصه إذا نضج القدور

وقال عبد الرحمن بن حسان:

من درّة غالى بها ملك ... مما تربّب حائر البحر

وأنا أستغليه بهذا الثمن وأتغالاه.

ومن المجاز: الدابة تغلو في مسيرها، والدوابّ يغتلين ويتغالين. قال الأعشى:

وإتعابي العيس المراقيل تغتلى ... مسافة ما بين النجير فصرخدا

وقال ذو الرّمة:

فألحقنا بالحيّ في رونق الضحى ... تغالى المهاري سدوها ونسيلها

وتغالى النبت: ارتفع. وتغلى الوبر عن الناقة، واللحم إذا تحسّر. قال لبيد:

فإذا تغالى لحمها وتحسّرت ... وتقطّعت بعد الكلال خدامها وغلا بها عظم إذا طالت. قال إياس بن الوليد:

وإذ همتي في كل مهضومة الحشا ... ضناك غلا عظم بها وهي ناهد
غ ل و : الْغَلْوَةُ الْغَايَةُ وَهِيَ رَمْيَةُ سَهْمٍ أَبْعَدَ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَيُقَالُ هِيَ قَدْرُ ثَلَاثِمِائَةِ ذِرَاعٍ إلَى أَرْبَعِمِائَةٍ وَالْجَمْعُ غَلَوَاتٌ مِثْلُ شَهْوَةٍ وَشَهَوَاتٍ وَغَلَا بِسَهْمِهِ غُلُوًّا مِنْ بَابِ قَتَلَ رَمَى بِهِ أَقْصَى الْغَايَةِ قَالَ
كَالسَّهْمِ أَرْسَلَهُ مِنْ كَفِّهِ الْغَالِي
وَغَلَا فِي الدِّينِ غُلُوًّا مِنْ بَابِ قَعَدَ تَصَلَّبَ وَشَدَّدَ حَتَّى جَاوَزَ الْحَدَّ.
وَفِي التَّنْزِيلِ {لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ} [النساء: 171] وَغَالَى فِي أَمْرِهِ مُغَالَاةً بَالَغَ وَغَلَا السِّعْرُ يَغْلُو وَالِاسْمُ الْغَلَاءُ بِالْفَتْحِ وَالْمَدِّ ارْتَفَعَ وَيُقَالُ لِلشَّيْءِ إذَا زَادَ وَارْتَفَعَ قَدْ غَلَا وَيَتَعَدَّى بِالْهَمْزَةِ فَيُقَالُ أَغْلَى اللَّهُ السِّعْرَ وَغَالَيْتُ اللَّحْمَ وَغَالَيْتُ بِهِ اشْتَرَيْتُهُ بِثَمَنٍ غَالٍ أَيْ زَائِدٍ.

وَالْغَالِيَةُ أَخْلَاطٌ مِنْ الطِّيبِ وَتَغَلَّيْتُ بِالْغَالِيَةِ وَتَغَلَّلْتُ إذَا تَطَيَّبْتُ بِهَا.

وَغَلَتِ الْقِدْرُ غَلْيًا مِنْ بَابِ ضَرَبَ وَغَلَيَانًا أَيْضًا قَالَ الْفَرَّاءُ إذَا كَانَ الْفِعْلُ فِي مَعْنَى الذَّهَابِ وَالْمَجِيءِ مُضْطَرِبًا فَلَا تَهَابَنَّ فِي مَصْدَرِهِ الْفَعَلَانَ.
وَفِي لُغَةٍ غَلِيَتْ تَغْلَى مِنْ بَابِ تَعِبَ قَالَ 
وَلَا أَقُولُ لِقِدْرِ الْقَوْمِ قَدْ غَلِيَتْ ... وَلَا أَقُولُ لِبَابِ الدَّارِ مَغْلُوقُ
وَالْأُولَى هِيَ الْفُصْحَى وَبِهَا جَاءَ الْكِتَابُ الْعَزِيزُ فِي قَوْلِهِ {تَغْلِي فِي الْبُطُونِ} [الدخان: 45] وَيَتَعَدَّى بِالْهَمْزَةِ فَيُقَالُ أَغْلَيْتُ الزَّيْتَ وَنَحْوَهُ إغْلَاءً فَهُوَ مُغْلًى. 
غلو
غلا يَغلُو، اغْلُ، غَلاءً، فهو غالٍ
• غلا السعرُ: ارتفع وزاد عن الحدّ المقبول، ضد رخُص "مُنِع استيراد هذه البضاعة فغلا سعرُها- الكفاح ضد غلاء المعيشة" ° بذَل كلَّ غالٍ- بعته بالغالي- ما خفّ حَمْله وغلا ثمنُه: قليل الوزن غالي الثَّمن. 

غلا في يَغلُو، اغْلُ، غُلُوًّا، فهو غالٍ، والمفعول مَغْلُوٌّ فيه
• غلا في الأمر: تشدَّد فيه حتَّى جاوز الحدّ وأفرط "تكلَّم/ مدحه بدون غُلُوّ- {لاَ تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ} ". 

أغلى يُغلي، أغْلِ، إغلاءً، فهو مُغْلٍ، والمفعول مُغلًى
• أغلى السِّعْرَ: رفعه، جعله غاليًا "بضاعةٌ مُغْلاة- الاحتكار والإغلاء من الألعاب التي يجيدها اللصوصُ- أغلى المضاربون أثمانَ الأراضي السَّكنيّة في العاصمة". 

استغلى يستغلي، استَغْلِ، استغلاءً، فهو مُستغلٍ، والمفعول مُستغلًى
• استغلى سعرَ الكتابِ: وجده غاليًا، عدَّه غاليًا "استغلى البضاعةَ". 

تغالى في يتغالى، تَغالَ، تغاليًا، فهو مُتغالٍ، والمفعول مُتغالًى فيه
• تغالى في الأمر: غلا فيه، بالغ فيه وأفرط "تغالى في وصف محبوبته- لا تكنْ متغاليًا فيكثر ناقدوك- لا تتغالَ في مدح رئيسك". 

غالى في يُغالي، غالِ، مغالاةً، فهو مُغالٍ، والمفعول مُغالًى فيه
• غالَى في حزنه: تغالى فيه؛ بالغ فيه وتجاوز الحدّ "لا تُصدِّق كلَّ ما يقول صاحبك فإنَّه يغالي أحيانًا- غالى في الاعتذار/ استعمال قوّته". 

غلَّى يُغلِّي، غَلِّ، تغليةً، فهو مُغلٍّ، والمفعول مُغلًّى
• غلَّى السِّعرَ: رفَعه، جعله غاليًا، عكسه رخَّصه "احتكر أحدُ التجّار هذه البضاعة فغلَّى سعرَها- غلَّت الدَّولةُ أسعارَ
 النِّفْط". 

إغلاء [مفرد]: مصدر أغلى. 

استغلاء [مفرد]: مصدر استغلى. 

تغلية [مفرد]: مصدر غلَّى. 

غالٍ1 [مفرد]: اسم فاعل من غلا ° دفَع الثَّمنَ غاليًا: لاقى الصِّعابَ فيما حاول أو أعطى أكثر ممّا أخذ، نال عقابًا شديدًا على خطئه. 

غالٍ2 [مفرد]: ج غُلاَة: اسم فاعل من غلا في. 

غَلاء [مفرد]: مصدر غلا ° غلاء المعيشة: ارتفاع تكاليفها. 

غَلْوَاء/ غُلْوَاء/ غُلَوَاء [مفرد]: غُلُوٌّ، التَّشدُّد أو الإفراط ومجاوزة الحدّ.
• غُلَواء الشَّباب: أوَّله وحدَّته ونشاطه ° خفّف من غُلَوائه: خفَّف من حِدَّته ومن مطالبه المتشدِّدة. 

غُلُوّ [مفرد]: مصدر غلا في. 
باب الغين واللام و (وا يء) معهما غ ل و، غ ول، غ ي ل، وغ ل، ل غ و، ل ي غ، ول غ مستعملات

غلو، غلي: غلا السغر يغلو غلاءً [ممدود] ، وغلا الناسُ في الأمر، أي: جاوزوا حدّه، كغلوّ اليهود في دينها. ويقال: أغليت الشيء في الشراء، وغاليت به. والغالي يغلو بالسَّهْم غُلُوّاً، أي: ارتفع به في الهواء، والسّهم نفسه يغلو. والمُغالي بالسَّهْم: الرّافعُ يدَه يريد به أقصى الغاية، وكلّ مَرْماة منه غَلْوة. والمِغلاةُ: سَهْمٌ يتخذُ لمغالاة الغَلْوة، ويقال: المِغْلَى بلا هاء في لغة ... والفَرْسَخُ التام: خمسٌ وعشرونَ غَلْوةٌ. والدابة تغلو في سيرها غُلُوّاً، وتغتلي بخفّة قوائمها. قال:

يغلو بها رُكبانُها وتغتلي

وتَغالَي النَّبتُ، أي: ارتفع، وتَمادَى في الطول. وغلا الحبُّ: ازداد وارتفع. وتَغالَى لحم الدَّابة، أي: انْحَسَرَ عنها عند الضمار. وغَلَتِِ القِدْرُ تَغْلي غَليَاناً. و [تغليت] وتَغَلَّلْت تَفَعَّلْتُ من الغالية.

غول، غيل: الغُوْلُ: بعدُ المَفازةِ، لاغتيالها سَيْرَ القوم، قال رؤبة:

وبَلَدٍ يَغْتالُ خَطْوَ المُخْتَطي

وغاله المَوتُ: أهلكه. والغُوْلُ: المنيّة، قال:

ما ميتةٌ إن متُّها غَيْرَ عاجزٍ ... بعارٍ إذا ما غالتِ النَّفْسَ غُولُها

والغُولُ: من السَّعالي، يَغولُ الإنسان. تغولتهم الغيلان: أي: تَيَّهَتُهُمْ. وغالَتْهُ الخَمْرُ تَغْولُهُ غَوْلاً، إِذا شربها فذهبتْ بعقله. والغول: الصداع. الغِيلةُ: الاغتيال. قُتِلَ فلانٌ غِيلةً، أي: [خدعة] ، وهو أن يخدعه فيذهب به إلى مَوْضعٍ مُسْتَخفٍ، فإذا صار إليه قتله. والغائلة: فِعْلُ المُغْتالِ، [يقال] : خفت غائلة كذا، أي: شرَّهُ. والغَيْل: مكانٌ من الغَيْضة فيه ماءٌ معين، قال:

حجارةٌ غيلٍ وارشات بطحلبُ

والغَيْلُ: إرضاع المرأة ولدها على حَبَلٍ: يقال: سقيته لبناً غيلاً، والفعل: أَغْيَلَتِ المرأة. والغَوْلانُ: نباتٌ. والمِغْوَلُ: شبه مشمل، إلا أنه أصغر وأدق وأطولُ. والمُغاوَلَةُ: المُبادَرةُ في الشّيء، [يقال] : أُغاوِلُ حاجتي، أي: أبادرها.... قال جرير:

عاينتُ مُشْعَلةَ الرِّعال، كأنَّها ... طيرٌ تغاوِلُ في شَمامَ وُكَورا

وغل: الواغل: الدّاخل في قوم على طعام أو شراب، من غير دعوة.. وَغَلَ يَغِلُ وَغْلاً. والوَغْلُ: الرجل الضعيفُ، ويجمَع [على] أَوْغالٍ. وأَوْغَلَ القومُ، أي: أَمْعنوا في سَيْرهم داخلينَ في جبالٍ أو أرضٍ من العدو. وكذلك تَوَغّلوا، وتَغَلْغلوا. وأَوْغَلَتْهُ حاجتُه إلينا، أي: أسرعت به إلينا. لغو: الّلغة واللغاتُ [والُّلغونَ] : اختلافُ الكلامِ في معنى واحدٍ. ولغا يلغو [لغواً] ، يعني اختلاط الكلام في الباطل، وقول الله عزّ وجلّ: وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً

، أي: بالباطل. وقوله تعالى: وَالْغَوْا فِيهِ

يعني: رفع الصوت بالكلام ليغلّطوا المسلمين.

وفي الحديث. من قال في الجمعة [والإمام يخطب] : صَهْ فقد لَغا ،

أي: تكلّم. وأَلْغيتُ هذه الكلمة، أي: رأيتها باطلاً، وفضلاً في الكلام وحَشْواً، وكذلك ما يلغى من الحساب.

وفي الحديث إيّاكم ومَلْغاةَ أولِ اللَّيْل ،

يريد به اللغو. ولاغية في قوله تعالى: لا تَسْمَعُ فِيها لاغِيَةً : كلمة قبيحة أو فاحشة.

ليغ: الأَلْيَغُ: الذي يرجع لسانه إلى الياء، والأَلْثَغُ إلى الثاء. ولغ: الوَلْغُ: شُرْبُ السّباع بألسِنَتها، وبعض العرب يقول: يالَغُ، أرادوا تبيان الواو فجعلوا مكانَها ألفاً. قال قيسُ بن الرّقيّات:

ما مرّ يومٌ إلاّ وعندهما ... لحم رجالٍ أو يالَغانِ دما

ورجلٌ مُسْتَوْلغٌ: لا يبالي ذمّا ولا عارا، بمنزلة الكلب يَلغُ في كلِّ قذر.

غلو

1 غَلَا, aor. ـْ primarily signifies He, or it, exceeded the proper, due, or common, limit; was excessive, immoderate, or beyond measure; but the inf. n. differs in different cases, as will be shown in what follows: (Er-Rághib, TA:) it is said of anything as meaning it exceeded, or was excessive. (Msb.) b2: You say, غَلَا فِى الأَمْرِ, (S, K,) aor. as above, (TA,) inf. n. غُلُوٌّ (S, K, TA) and غَلَانِيَةٌ; as also بِهِ ↓ تغالى; (K * and TA in art. غلى; [but belonging to the present art., as is said in the TA;]) He exceeded the proper, due, or common, limit, in the affair; was excessive, or immoderate, therein. (S, K, TA.) And غَلَا فِى الدِّينِ, aor. as above, inf. n. غُلُوٌّ, He acted, or behaved, with forced hardness, or strictness, or rigour, in religion, so that he exceeded the proper, due, or common, limit: whence the usage of the verb in the Kur iv. 169 and v. 81: (Msb, TA:) accord. to IAth, الغُلُوُّ فِى الدِّينِ is the investigating of the intrinsic states, or circumstances, of things, [in religion,] and [applying oneself to] the discovery of their causes, and of the abstrusities relating to the rites and ceremonies thereof. (TA.) [See also 3.] b3: And غَلَا بِالسَّهْمِ, (S, Mgh, Msb, K,) aor. as above, (Msb, TA,) inf. n. غَلْوٌ (S, Er-Rághib, Mgh, Msb, K) and غُلُوٌّ; (K;) and بِهِ ↓ غالى, (Mgh, K,) and ↓ غالاهُ, (K,) inf. n. غِلَآءٌ (Mgh, K) and مُغَالَاةٌ; (K;) He shot the arrow to the furthest distance (S, Mgh, Msb) that he was able to attain: (S, Mgh:) or he raised his arms with the arrow, desiring [to attain with it] the furthest limit. (K, * TA.) And غَلَا السَّهْمُ The arrow rose in its course, and exceeded the [usual] limit; (K, TA;) and in like manner, الحَجَرُ the stone. (TA.) b4: And غَلَا السِّعْرُ, (S, Mgh, Msb, K, *) aor. as above, (Msb, TA,) inf. n. غَلَآءٌ, (S, Mgh, K,) or this is a simple subst., (Msb,) The price, or rate, at which a thing was to be sold, was, or became, high; (Mgh, Msb, TA;) or exceeded the usual limit; (Er-Rághib, TA;) contr. of رَخُصَ. (K.) b5: And غَلَا بِهَا عظم [i. e. عِظَمٌ, lit. Bigness exceeded the usual limit in her;] meaning she became plump, or fat: (TA:) one says, غلا بِالجَارِيَةِ عظم, and بِالغُلَامِ, [the girl, or young woman, became plump, or fat, and the boy, or young man,] in the case of their quickly attaining to young womanhood and young manhood. (TA in another part of this art.) b6: And غَلَا is said of anything as meaning اِرْتَفَعَ [i. e. It rose in degree; as is shown by the following ex.]: Dhur-Rummeh says, فَمَا زَالَ يَغْلُو حُبُّ مَيَّةَ عِنْدَنَا وَيَزْدَادُ حَتَّى لَمْ نَجِدْ مَا نَزِيدُهَا [And the love of Meiyeh ceased not to rise in degree with us, and to increase, so that we found not what more we might give to her]. (TA.) b7: See also 8. b8: And see 6.2 غَلَّوَ see art. غلى.3 غالى فِى أَمْرِهِ, inf. n. مُغَالَاةٌ, signifies [the same, or nearly the same, as غَلَا فِيهِ; i. e.] He exceeded the usual, or proper, bounds, or degree, in his affair; acted immoderately therein; or strove or laboured, or exerted himself or his power or efforts, or the like, therein; syn. بَالَغَ [q. v.]. (Msb.) b2: See also 1, near the middle, in two places. b3: غَالَى بِهِ, and غالاهُ, (S, Msb, K,) which latter is used by a poet for غالى به, (S,) He bought it at a high, or an excessive, price, namely, flesh-meat; (S, Msb;) as also بِهِ ↓ اغلى; (S;) and ↓ اغلاهُ, i. e. water, and flesh-meat [&c.]: (IKtt, TA: [see an ex. in a verse of Lebeed cited in art. دكن:]) or he exceeded what was usual in purchasing it, or in offering it for sale, and mentioning the price. (M, K, TA.) A poet says, نُغَالِى اللَّحْمَ لِلْأَضْيَافِ نِيْئًا وَنُرْخِصُهُ إِذَا نَضِجَ القُدُورُ [We purchase at a high price flesh-meat, for the guests, raw; and we make it to be low-priced when the contents of the cooking-pots are thoroughly cooked]: he has suppressed the ب [after نغالى], meaning it [to be understood]. (S, TA.) b4: and غالى فِى الصِّدَاقِ He made the dowry, or the gift to, or for, a bride, high, or excessive, in amount; [he was excessive, or exorbitant, therein;] whence the saying of 'Omar, لَا تُغَالُوا فِى صَدُقَاتِ النِّسَآءِ [Be not ye excessive, or exorbitant, in respect of the dowries of women]. (TA. [See also 6.]) b5: And غالاهُ, inf. n. مُغَالَاةٌ, signifies also He contended with him for superiority in tallness or in beneficence; syn. طَاوَلَهُ. (TA.) 4 أَغْلَوَ see 3, in two places. b2: اغلاهُ also signifies He (God) made it to be high, or excessive, (S, Msb, K, TA,) namely, the price, or rate, at which a thing was to be sold; (S, Msb, K, * TA; *) contr. of أَرْخَصَهُ. (TA.) b3: And He found it [a thing] to be high-priced: or he reckoned it to be so; as also ↓ استغلاهُ. (TA.) b4: And He lightened, or thinned, somewhat, its leaves, (K, TA,) namely, those of a grape-vine, in order that it might grow high, and become [more productive, or] in good condition. (TA.) A2: See also 6.5 تَغَلَّوَ see art. غلى.6 تَغَاْلَوَ see 1, second sentence. b2: تغالوا فِى الصَّدَاقِ They were excessive, or exorbitant, one towards another, in respect of the dowry, or the gift to, or for, a bride; contr. of تَسَاهَلُوا and تَيَاسَرُوا. (TA in art. يسر. [See also 3, last sentence but one.]) b3: تغالى said of a plant, or herbage, It grew high; (M, K, TA;) it became tall. (M, TA.) And, said of the same, It became tangled, or luxuriant, or abundant and dense, and large; as also ↓ غَلَا, and ↓ اغلى, and ↓ اِغْلَوْلَى; (K;) or this last is said of a grape-vine, signifying its leaves became tangled, or luxuriant, or abundant and dense, and its branches, or its shoots upon which were the bunches of grapes, or the buds of its leaves and berries, (نَوَامِيهِ,) became abundant, and it became tall. (TA.) b4: Also, said of the flesh of a beast, It rose, or went away, (اِرْتَفَعَ,) and became upon the heads of the bones: and it fell away on the occasion of preparing for racing, or the like, by scanty feeding &c.: (T, TA:) or, said of the flesh of a she-camel, it went away; syn. ذَهَبَ; (K;) or اِرْتَفَعَ and ذَهَبَ. (S.) 8 اغتلى He was, or became, quick, or swift; he sped, or went quickly; (S, K, TA;) said of a camel: (K, TA:) and he rose [in the degree of celerity] (اِرْتَفَعَ) so as to exceed goodness of rate, or pace; and in like manner one says [اغتلت] of any beast (دَابَّة); as also ↓ غَلَت, inf. n. غلو [app. غُلُوٌّ]. (TA.) 10 إِسْتَغْلَوَ see 4.12 اغلولى: see 6.

غَلْوَةٌ The limit, or utmost extent, of a shot or throw; (S, Mgh; *) [i. e.] any مَرْمَاة: (K:) [generally, a bow-shot; i. e.] the measure, space, or extent, of a single shooting of an arrow: (Har p. 234:) [or the utmost measure of a bow-shot; i. e.] a shot of an arrow to the utmost possible distance; also termed غَايَةٌ: (Msb:) said to be from three hundred to four hundred cubits: (Mgh, Msb:) the twenty-fifth part of a complete فَرْسَخ [q. v.]: (ISd, Z, Mgh, TA:) or it is reckoned by some as four hundred cubits, and by others as two hundred cubits: (Msb voce مِيلٌ [q. v.]:) pl. غَلَوَاتٌ (Msb, K, TA) and غِلَآءٌ. (S, * K, TA.) Hence, (TA,) it is said in a prov., جَرْىُ المُذَكِّيَاتِ غِلَآءٌ, (S, K, TA,) or, as some relate it, غِلَابٌ. (TA. See art. ذكو.) [Thus] غَلْوَةٌ is sometimes used in relation to horse-racing. (TA.) غَلْوَى i. q. غَالِيَةٌ. (K.) See the latter in art. غلى.

غُلَوَآءُ (S, K) and غُلْوَآءُ, (K,) the latter mentioned by Az, and app. a contraction of the former, (TA,) [and Freytag adds غُلُوَآء, for which I find no authority,] Excess, or exorbitance; (TA;) syn. with [the inf. n.] غُلُوٌّ. (S, K, TA.) One says, خَفِّفْ عَنْ غُلَوَائِكَ [Alleviate thine excess, or exorbitance]. (TA.) b2: And The quickness, or haste, or hastiness, and the first stage or state, of youth, or young manhood; (Az, S, K;) as also ↓ غُلْوَانٌ. (ISd, K, TA.) One says, فَعَلَهُ فِى غُلَوَآءِ شَبَابِهِ and شَبَابِهِ ↓ غُلْوَانِ [He did it in the quickness, or haste, &c., of his youth, or young manhood]. (TA.) b3: And غُلَوَآءُ signifies also The rising, or rising high, and increasing, of a plant, or of herbage. (Mz 40th نوع.) غُلْوَانٌ: see the next preceding paragraph, in two places.

غَلَآءٌ the subst. from غَلَا السِّعْرُ; [as such signifying A high price, or rate, at which a thing is to be sold;] (Msb;) or it is an inf. n. (S, Mgh, K.) [See 1, latter half.]

A2: Also, [i. e.] like سَمَآءٌ [in measure], (K,) but in the copies of the M ↓ غَلَّآءٌ, with teshdeed, (TA,) A man who shoots the arrow far. (K.) A3: And A certain small, or short, fish, (K, accord. to different copies,) about a span [in length]: (TA:) pl. أَغْلِيَةٌ. (K.) غَلِىٌّ: see غَالٍ, in three places.

غَلَّآءٌ: see غَلَآءٌ.

غَالٍ [act. part. n. of غَلَا: and hence, Acting, or behaving, with forced hardness, or strictness, or rigour, in religion, so that he exceeds the proper, due, or common, limit: (see 1:) and particularly] an extravagant zealot of the class of innovators: pl. غُلَاةٌ. (TA in art. سبأ.) b2: and Shooting, or one who shoots, the arrow to the furthest distance. (Msb.) b3: And High, or excessive, (S, * Msb, K, TA,) applied to a price, or rate, at which a thing is sold; (S, Msb, K, TA;) as also ↓ غَلِىٌّ. (K, TA.) Hence one says, بِعْتُهُ بِالغَالِى and ↓ بِالغَلِىِّ I sold it, or bought it, at what was a high, or an excessive, price, or rate. (K, TA.) A poet says, وَلَوْ أَنَّا نُبَاعَ كَلَامَ سَلْمَى

↓ لَأَعْطَيْنَا بِهِ ثَمَنًا غَلِيَّا [And if we were sold the speech, or discourse, of Selmà, we would give for it a high, or an excessive, price]. (TA.) b4: Also Fat flesh-meat. (K.) غَالِيَةٌ: see art. غلى.

أَغْلَى More, or most, high [or excessive] in price: hence the saying, أَفْضَلُ الرِّقَابِ أَغْلَاهَا ثَمَنًا [The most excellent of slaves is the highest thereof in price]. (Mgh.) مِغْلًى [in the CK مِغْلَاء] An arrow with which one raises the arm [in shooting] in order to exceed with it the usual limit, or nearly to do so: (K, * TA:) or, accord. to the M, that is used in striving to exceed the usual limit: also termed ↓ مِغْلَاةٌ: pl. مَغَالٍ. (TA.) مِغْلَاةٌ: see what next precedes. b2: نَاقَةٌ مِغْلَاةُ الوَهَقِ A she-camel that goes quickly when her feet of her fore legs and of her hind legs fall in one place: (S: [it is there expl. by تَغْتَلِى followed by the words إِذَا تَوَاهَقَتْ أَخْفَافُهَا which I have here rendered accord. to an explanation in art. وهق in the O: but the phrase مغلاة الوهق is there mentioned as an ex. of الوَهَق as signifying “ the lasso; ” whence it appears that the phrase lit. means that exceeds the limit of the lasso; agreeably with the explanation of Golius, “rapide currens, et fugiens laqueum sibi injiciendum: ”]) or [the meaning is a she-camel that steps far in vying, or keeping pace, with another; for], in explaining the phrase مِغْلَاةُ الوَهَقِ, IB says that المِغْلَاةُ applied to the she-camel signifies اَلَّتِى

تُبْعِدُ الخَطْوَ; and الوَهَقُ signifies المُبَارَاةُ and المُسَايَرَةُ. (TA voce هِرْجَابٌ.) أَرْضٌ مُغْلَوْلِيَةٌ A land having abundant, and dense or luxuriant, herbage; and with ع also; i. q. مُغِمَّةٌ and مِغَمَّةٌ. (TA in art. غم.)
غلو
: (و (} غَلا) السِّعْرُ يَغْلُو ( {غَلاءً) ، بالمدِّ، (فَهُوَ} غالٍ {وغَلِيٌّ) ، كغَنِيَ؛ وَهَذِه عَن ابنِ الأعْرابي؛ ارْتَفَعَ (ضِدُّ رَخُصَ) .
(وَفِي المِصْباح: غَلاَ السِّعْرُ} يَغْلُو، والاسْمُ {الغَلاءُ بالفَتْح والمَدِّ.
(} وأَغْلاهُ اللهُ) :) ضدُّ أَرْخَصَه، أَي جَعَلَهُ {غالِياً.
(و) يقالُ: (بِعْتُه} بالغالِي {والغَلِيِّ، كغَنِيَ: أَي الغَلاَءِ) ؛) قالَ الشاعرُ:
وَلَو أَنَّا نُباعُ كَلامَ سَلْمى
لأَعْطَيْنا بِهِ ثَمَناً} غَلِيَّا ( {وغَالاهُ و) } غَالَى (بهِ: سامَ فأَبْعَطَ) ، كَذَا فِي المُحْكم.
وَفِي الصِّحاح: غَالَى باللحْمِ: أَي اشْتَراهُ بثَمنٍ غالٍ؛ وقالَ:

{نُغالى اللَّحْمَ للأَضْيافِ نيأً
ونُرْخِصُهَا إِذا نَضِجَ القُدورُفحذفَ الباءَ وَهُوَ يُريدُها.
(} وغَلاَ فِي الأَمْرِ {غُلُوًّا) ، كسُمُوَ؛ من بابِ قَعَدَ؛ (جاوَزَ حَدَّهُ) .
(وَفِي الصِّحاح: جاوَزَ فِيهِ الحَدَّ.
وَفِي المِصْباح: غَلاَ فِي الدِّيْن غُلُوًّا تَشَدَّدَ وتَصَلَّبَ حَتَّى جَاوَزَ الحَدَّ.
وَمِنْه قولُه تَعَالَى: {لَا} تَغْلُوا فِي دِينِكُم غَيْر الحَقِّ} . وقالَ ابنُ الأَثِيرِ: {الغُلُوُّ فِي الدِّين البَحْثُ عَن بَواطِنِ الأَشياءِ والكَشْفِ عَن عِلَلِها وغَوامِضِ مُتَعبَّداتِها.
وَقَالَ الراغبُ: أَصْلُ الغُلُوِّ تَجاوُزُ الحَدِّ؛ يقالُ ذلكَ إِذا كانَ فِي السِّعْرِ غَلاءٌ، وَإِذا كانَ فِي القَدْرِ والمَنْزِلةِ} غُلُوٌّ، وَفِي السَّهْمِ {غَلُوٌّ، وأَفْعالُها جمِيعاً غَلاَ} يَغْلُو. (و) غَلا (بالسَّهْمِ) يَغْلُو ( {غَلْواً) ، بالفَتْح؛ وَعَلِيهِ اقْتَصَرَ الجَوْهرِي والرَّاغبُ؛ (} وغُلُوًّا) ، كسُمُوَ: (رَفَعَ) بِهِ (يَدَيْهِ) مُرِيداً (لأَقْصى الغايَةِ) .
(وَفِي المِصْباح: رَمَى بِهِ أَقْصَى الغَايَةِ.
وَفِي الصِّحاح: رَمَى بِهِ أَبْعَدَ مَا يقْدِرُ عَلَيْهِ.
وأَنْشَدَ صاحِبُ المِصْباح:
كالسَّهْم أَرْسَلَه من كفِّه الغالِي ( {كغَالاهُ و) غالَى (بِهِ} مُغالاةً {وغِلاءً) ، بالكسْرِ، (فَهُوَ رجُلٌ غَلاءٌ، كسَماءٍ، أَي بَعِيدُ الغُلُوِّ بالسَّهْمِ) .
(وضُبِطَ فِي نسخ المُحْكم: رجُلٌ غَلاَّءٌ، بالتَّشْديدِ فليُنْظَر.
(و) غَلاَ (السَّهْمُ) نَفْسُه: (ارْتَفَعَ فِي ذَهابِه، وجاوَزَ المَدَى) ؛) وَكَذَا الحَجَرُ.
(وكُلُّ مَرْماةٍ:} غَلْوَةٌ) ؛) وكُلُّه مِن الارْتِفاعِ والتَّجاوُزِ.
قالَ الجَوْهرِي: {الغَلْوَةُ الغَايَةُ مِقْدَارُ رَمْيَةٍ.
قالَ صاحِبُ المِصْباح: الغَلْوَةُ هِيَ الغايَةُ، وَهِي رَمْيَةُ سَهْمٍ أَبْعَد مَا يقْدِرُ. يقالُ: هِيَ قدرُ ثَلاثُمائَةِ ذِرَاعٍ إِلَى أَرْبَعمائةِ ذِراعٍ.
وقالَ ابنُ سِيدَه: الفَرْسَخُ التامُّ خَمْسٌ وعشْرُونَ غَلْوَةً؛ ومِثْلُه للزَّمَخْشري.
(ج} غَلَواتٌ) ، كشَهْوةٍ وشَهَواتٍ، ( {وغِلاءٌ) ، بالكسْرِ والمدِّ.
(وَفِي المَثَلِ: جَرْيُ المُذَكِّياتِ} غِلاءٌ) ، هُوَ مِن ذَلِك، وَهُوَ فِي الصِّحاح هَكَذَا؛ ويُرْوَى غلابٌ أَي مُغالَبَةٌ. ( {والمِغْلَى، بالكسْرِ) ، أَي كمِنْبَرٍ: (سَهْمٌ} يُغْلَى بِهِ) ، أَي تُرْفَعُ بِهِ اليَدُ حَتَّى يُجاوِزَ المِقْدارَ أَو يقارِبَ.
وَفِي المُحْكم: يُتَّخَذُ {لمُغالاَةِ} الغَلْوَةِ؛ وَهِي {المِغْلاةُ أَيْضاً، والجَمْعُ} المَغالِي.
( {والغُلَواءُ، بالضَّمِّ وفَتْح الَّلام) ؛) وَعَلِيهِ اقْتَصَرَ الجَوْهرِي؛ (ويسَكَّنُ) ، عَن أَبي زيْدٍ ذَكَرَه فِي زِيادَاتِ كتابِ خبئة وكأنّه للتخفِيفِ؛ (} الغُلُوُّ) وَهُوَ التجاوُزُ يقالُ: خفِّفْ من {غَلْوائِكَ.
(و) أَيْضاً: (أَوَّلُ الشَّبابِ وسُرْعَتُه) ؛) نقلَهُ الجَوْهرِي عَن أَبي زيْدٍ.
(} كالغُلْوانِ، بالضَّمِّ) ؛) عَن ابنِ سِيدَه. يقالُ: فَعَلَه فِي {غُلَواءِ شَبابِه} وغُلْوانِ شَبابِه؛ قالَ الشاعرُ:
لم تَلْتَفِتْ للِداتِها
ومَضَتْ على {غُلَوائِها وقالَ آخَرُ:
كالغُصْنِ فِي} غُلَوائِهِ المُتأَوِّدِ ( {والغالِي: الَّلحمُ السمينُ) ؛) قالَ أَبو وَجْزَةَ:
تَوَسَّطَها} غالٍ عَتِيقٌ وزانَها
مُعَرّسُ مَهْرِيَ بهِ الذَّيْلُ يَلْمَعُأَي شَحْمٌ عتيقٌ فِي سنامِها.
{وغَلاَ بالجارِيَةِ والغُلامِ، عَظْمٌ غُلُوًّا: وذلكَ فِي سُرْعةِ شَبابِهِما؛ قالَ أَبو وَجْزَةَ:
خُمْصانه قَلِق مُوَشَّحُها
رُؤْد الشَّباب غَلا بِها عَظْمُ (} والغَلاءُ، كسَماءٍ: سَمَكٌ قصِيرٌ) نحْو شبْرٍ، (ج {أَغْلِيَةٌ.
(} والغَلْوَى، كسَكْرَى:! الغالِيَةُ) ؛) وَبِه فُسِّر قولُ عَدِيِّ بنِ زيْدٍ: يَنْفَحُ من أرْدانِها المِسْكُ والعَنْ
بَرُ والغَلْوَى ولُبْنى قَفُوصْ (وأَما اسْمُ الفَرَسِ فبالْمُهْمِلةِ وغَلِطَ الجَوْهرِيُّ) .
(قُلْت: وَهَذَا مِن أَغْرَب مَا يكونُ، فإنَّ الجوْهرِيَّ، رحِمَه اللهُ تَعَالَى، مَا ذَكَره إلاَّ فِي المُهْملةِ، وأَما هُنا فإنَّه ليسَ لَهُ ذِكْرٌ فِي كتابِهِ مُطْلقاً، قالَ فِي المُهْمِلةِ بَعْدَ مَا ذَكَرَ الْمُعَلَّى: وعَلْوَى اسْمُ فَرَسٍ آخَر، وتَبِعَه المصنِّفُ هناكَ، وأَمَّا بالمعْجمةِ فإنَّما ذَكَرَه ابنُ دُرَيْدٍ وكأَنَّه أَرادَ أَنْ يقولَ: وغَلِطَ ابنُ دُرَيْدٍ فرجَّعهَ للجَوْهرِي فتأَمَّل ذلكَ.
( {وتَغالَى النَّبْتُ: ارْتَفَعَ) ، هَكَذَا فِي سائِرِ النسخِ وسَيَأْتي لَهُ قرِيباً والنَّبْت الْتَفَّ، فَهُوَ تِكْرارٌ.
وَفِي المُحْكم: ارْتَفَعَ وطالَ.
(و) فِي الصِّحاح:} تَغالَى (لَحْمُ النَّاقَةِ) :) أَي ارْتَفَعَ و (ذَهَبَ) ؛) قالَ لَبيدٌ:
فإِذا تَغالَى لَحْمُها وتحَسَّرَتْ
وتقطَّعت بعدَ الكَلالِ خِدامُهاورَواهُ ثَعْلبٌ بالعَيْن المُهْملةِ، انتَهَى.
وَفِي التَّهذيبِ: تَغالَى لَحْمُ الدابَّةِ: إِذا تحَسَّر عنْدَ التَّضَمُّرِ؛ وتَغالَى لَحْمُها: ارْتَفَعَ وصارَ على رُؤُوسِ العِظامِ.
وَفِي المُحْكم: وكلُّ مَا ارْتَفَعَ فقد غَلاَ وتَغالَى؛ وتَغالَى لَحْمُهُ: انْحَسَر عِنْدَ الضِّمارِ: كأَنَّه ضدٌّ.
(و) تَغالَى (النَّبْتُ: الْتَفَّ وعَظُمَ) ، وَهُوَ الارْتِفاعُ بِعَيْنِه؛ (كغَلاَ) ؛) قالَ لَبيدٌ:
! فغَلاَ فُرُوعُ الأَيْهُقانِ وأَطْفَلَتْ
بالجَلْهَتَيْنِ ظِباؤُها ونَعامُها ( {وأَغْلَى) الكَرْمُ: الْتَفَّ وَرَقُه وكَثُرَتْ نَوامِيَه وطالَ.
(} واغْلَوْلَى) النَّبْتُ كَذلك.
( {وأَغْلاهُ) ، أَي الكَرْمَ: (خَفَّفَ من وَرَقِه) ليَرْتَفِعَ ويَجُودَ.
(} واغْتَلَى) البَعيرُ: (أَسْرَعَ) وارْتَفَعَ فجاوَزَ حُسْنَ السَّيْرِ؛ وكذلكَ كلُّ دابَّةٍ.
وَفِي الصِّحاح: {الاغْتِلاءُ الإسْراعُ؛ وأَنْشَدَ:
كَيْفَ تَراها} تَغْتَلي يَا شَرْجُ
فقد سَهَجْناها فطَالَ السَّهْجُ؟ وأَنْشَدَ الأَزْهرِي:
فَهْي أَمامَ الفَرْقَدَيْن تَغْتَلي وممَّا يُسْتدركُ عَلَيْهِ:
{غَلَتِ الدابَّةُ غُلُوًّا: ارْتَفَعَتْ فجاوَزَتْ حُسْنَ السَّيْرِ.
} وغَلاَ بهَا عَظْمُ: إِذا سَمِنَتْ.
{وغالَى فِي الصَّداقِ:} أَغْلاهُ؛ وَمِنْه قولُ عُمَر، رضِيَ اللهُ عَنهُ: (أَلا لَا {تُغالوا فِي صُدُقاتِ النِّساء) .
وغَلا الشيءُ: ارْتَفَعَ؛ قالَ ذُو الرُّمَّة:
فَمَا زالَ} يَغْلُو حُبُّ مَيَّة عنْدَنا
ويَزْدادُ حَتَّى لم نَجِدْ مَا نَزِيدُها {وغَالاهُ} مُغالاةً: طاوَلَهُ.
وقِتْرُ {الغِلاَءَ، ككِساءٍ: اسْمُ سَهْمٍ للنبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كانَ أَهْداهُ لَهُ يَكْسُومُ فِي سلاحٍ.
} وأَغْلَى الماءَ واللحْمَ: اشْتَراهُ بثَمنٍ غالٍ؛ عَن ابنِ القطَّاع.
وَفِي الصِّحاح: ويقالُ أَيْضاً:! أَغْلَى باللّحْمِ؛ وأَنْشَدَ:
كأَنَّها دُرَّة أَغْلَى التِّجارُ بهَا {وأَغْلاهُ: وجَدَهُ} غالِياً، أَو عَدَّهُ غالِياً؛ كاسْتَغْلاهُ.
وَقد تُسْتَعْملُ {الغَلْوةُ فِي سِباقِ الخَيْل.
} والغُلُوُّ فِي القافِيَةِ: حَركَةُ الرَّوِيِّ الساكِنِ بَعْدَ تمامِ الوَزْنِ؛ {والغالي: نونٌ زائِدَةٌ بعْدَ تلْكَ الحركَةِ، كقوْلِه عنْدَ مَنْ أَنْشَدَه هَكَذَا:
وقاتِم الأعْماقِ خاوِي المُخْتَرَقِنْ فحركَةُ القافِ هِيَ الغُلُوُّ، والنونُ بعْدَ ذلكَ الغالي، وَهُوَ عنْدَهُم أَفْحشُ من التَّعدِّي؛ قالَهُ ابنُ سِيدَه.
وناقَةُ} مِغْلاةُ الوَهَقِ: {تَغْتَلِي إِذا تَواهَقَتْ أَخْفَافُها؛ قالَ رُؤْبَة:
تَنَشَّطَتْه كلُّ مِغْلاةِ الوَهَقْ ومِن} الغلو: أَبو الغمرِ {الغالِي: شاعِرٌ؛ ومحمدُ بنُ} غالِي الدّمْياطِي عَن النَّجِيبِ الحرَّاني؛ {وغالِي بنُ وُهَيْبَةَ بِكفْر بَطْنا، سَمِعَ من أَبي مشرفٍ.
والمغلواني: مَنْ يَبيعُ الشيءَ غالِياً أَبَداً، عامِّيّة.
وغِلِي: كأَنَّه أَمْرٌ مِن وَغَلَ يَغِلُّ: اسْمُ رجُلٍ، وَهُوَ أَخُو مُنَبه والحارِثِ وسَحْبان وشِمْران وهِفَّان. ويقالُ لجمِيعِهِم: جَنْب.
غلو
غلا السِّعْرُ يَغْلُو غَلاءً - مَمْدُودٌ -. وُيغالي اللَّحْم وباللَّحْم. وغَلا في الأمْرِ غُلُوّاً: إذا جاوَزَ حَدَّه. وفي الشِّرى: أغْلَيْتُ به وغالَيْتُ. ويَغْلُو بالسَّهْم غَلْواً.
وفي المَثَل: " جَرْيُ المُذَكَيَات غِلاء ". والمُغالي به: الرافِعُ يَدَهُ إلى أقْصى الغايَةِ. وكُلُّ مرْمَاةٍ غَلْوَةٌ. والمِغْلاَةُ: سَهْم يُتَّخَذُ لِمُغالاةِ الغَلْوَةِ، وهو المِغْلى أيضاً. والدّابَّةُ تَغْلُو في سَيْرِها غُلُوّاً. وتَغالى النَّبْتُ: طالَ وارْتَفَعَ. وتغالى لَحْمُ الدابَّةِ: تحَسَّرَ عِنْدَ الضُّمْرِ. وفَعَلَ ذلك في غَلْوَةِ شَبابِه: أي في عُنْفُوانِه، وغُلَوائه.
والغَلاَءُ - مَمْدُودٌ -: سَمَكَةٌ نَحْوٌ من شِبْرٍ، وجَمْعُه أغْلِيَةٌ. وغَلَتِ القِدْر تَغْلي غَلَياناً وغَلْياً. والغالِيَةُ: مَعْروفة.
الْغَيْن وَاللَّام وَالْوَاو

الغلاء: نقيض الرُّخص.

غلا السّعر وَغَيره غلاء، فَهُوَ غال، وغلى، الْأَخِيرَة عَن كرَاع.

وأغلاه: جعله غاليا.

وغالى بالشَّيْء، وغلاه: سَام فأبعط، قَالَ الشَّاعِر:

نغالي اللَّحْم للأضياف نيئا ... ونرخصه إِذا نضج الْقَدِير

وبعته بالغلاء والغالي، كُلهنَّ عَن ابْن الاعرابي، وانشد:

وَلَو أَنا نباع كَلَام سلمى ... لأعطينا بِهِ ثمنا غليا

وغلا فِي الْأَمر غلوا: جَاوز حَده. وَفِي التَّنْزِيل: (لَا تغلوا فِي دينكُمْ) .

وغلا بِالسَّهْمِ غلوا، وغلوا، وغالى بِهِ غلاء: رفع بِهِ يَده يُرِيد اقصى الْغَايَة، وَهُوَ من التجاوز.

وَجل غلاء: بعيد الغلو بِالسَّهْمِ، قالغيلان الربعِي يصف حلبة: امسوا فقادوهن نَحْو الميطاء ... بمائتين بغلاء الغلاء

وغلا السهْم نَفسه: ارْتَفع فِي ذَهَابه وَجَاوَزَ المدى، وَكَذَلِكَ: الْحجر.

وكل مرماة: غلوة، وَكله من الِارْتفَاع والتجاوز. وَالْجمع: غلوات، وَغَلَاء.

وَقد تسْتَعْمل الغلوة: فِي سباق الْخَيل.

والمغلى: سهم تغلى بِهِ: أَي ترفع بِهِ الْيَد حَتَّى يتَجَاوَز الْمِقْدَار أَو يُقَارب ذَاك.

والغلو فِي القافية: حَرَكَة الروى السَّاكِن بعد تَمام الْوَزْن.

والغالي: نون زَائِدَة بعد تِلْكَ الْحَرَكَة، وَذَلِكَ نَحْو قَوْله فِي إنشاد من انشده هَكَذَا:

وقاتم الاعماق خاوى المخترقين

فحركة الْقَاف هِيَ: الغلو، وَالنُّون بعد ذَلِك هِيَ: الغالي، وَإِنَّمَا اشتق من الغلو الَّذِي هُوَ التجاوز لقدر مَا يجب، وَهُوَ عِنْدهم افحش من التَّعَدِّي، وَقد ذكرنَا التَّعَدِّي فِي مَوْضِعه، وَلَا يعْتد بِهِ فِي الْوَزْن، لِأَن الْوَزْن قد تناهى قبله، جعلُوا ذَلِك فِي آخر الْبَيْت بِمَنْزِلَة الخزم فِي اوله.

وغلت الدَّابَّة فِي سَيرهَا غلوا واغتلت: ارْتَفَعت فجاوزت حسن السّير، قَالَ الْأَعْشَى:

جمالية تغتلى بالرداف ... إِذا كذب الآثمات الهجيرا

وغلا بالجارية والغلام عظم غلوا: وَذَلِكَ فِي سرعَة شبابهها وسبقهما لداتهما، وَهُوَ من التجاوز.

وغلوان الشَّبَاب، وغلواؤه: سرعته واوله.

وغلا النبت: التف وَعظم، قَالَ لبيد:

فغلا فروع الايهقان واطفلت ... بالجلهتين ظباؤها ونعامها

وَكَذَلِكَ: تغالى، واغلولى. واغلى الْكَرم: التف ورقه وَكَثُرت نواميه وَطَالَ.

وأغلاه: خفف من ورقه ليرتفع ويجود.

وكل مَا ارْتَفع: فقد غلا وتغالى.

وتغالى لَحْمه: انحسر عِنْد الضماد: كَأَنَّهُ ضد.

وغلوى: اسْم فرس مَشْهُورَة.
Learn Quranic Arabic from scratch with our innovative book! (written by the creator of this website)
Available in both paperback and Kindle formats.