وَالشَّرُّ أَخْبَثُ مَا أَوَعَيْتَ مِنْ زَادِ
وَأَمَّا الْــوَعَى فَالْجَلَبَةُ وَالْأَصْوَاتُ. وَهُوَ عِنْدَنَا مِنْ بَابِ الْإِبْدَالِ، وَالْأَصْلُ الْغَيْنُ. وَالْوَعِيَّةُ: الصَّارِخَةُ، مِنَ الْــوَعَى. وَيَقُولُونَ: لَا وَعْيَ عَنْ كَذَا.
بلغ: بَلغَ الشيءُ يَبْلُغُ بُلُوغاً وبَلاغاً: وصَلَ وانْتَهَى،
وأَبْلَغَه هو إِبْلاغاً هو إِبْلاغاً وبَلَّغَه تَبْلِيغاً؛ وقولُ أَبي قَيْسِ
بنِ الأَسْلَتِ السُّلَمِيِّ:
قالَتْ، ولَمْ تَقْصِدْ لِقِيلِ الخَنى:
مَهْلاً فقد أَبْلَغْتَ أَسْماعي
إِنما هو من ذلك أَي قد انْتَهَيْتَ فيه وأَنْعَمْتَ. وتَبَلَّغَ
بالشيء: وصَلَ إِلى مُرادِه، وبَلَغَ مَبْلَغَ فلان ومَبْلَغَتَه. وفي حديث
الاسْتِسْقاء: واجْعَلْ ما أَنزلتَ لنا قُوّةً وبلاغاً إِلى حين؛ البَلاغُ: ما
يُتَبَلَّغُ به ويُتَوَصَّلُ إِلى الشيء المطلوب. والبَلاغُ: ما
بَلَغَكَ. والبَلاغُ: الكِفايةُ؛ ومنه قول الراجز:
تَزَجَّ مِنْ دُنْياكَ بالبَلاغِ،
وباكِرِ المِعْدةَ بالدِّباغِ
وتقول: له في هذا بَلاغٌ وبُلْغةٌ وتَبَلُّغٌ أَي كِفايةٌ، وبَلَّغْتُ
الرِّساةَ. والبَلاغُ: الإِبْلاغُ. وفي التنزيل: إِلاَّ بَلاغاً من الله
ورسالاتِه، أَي لا أَجِدُ مَنْحجى إِلا أَن أُبَلِّغَ عن اللهِ ما أُرْسِلْتُ
به. والإِبلاغُ: الإِيصالُ، وكذلك التبْلِيغُ، والاسم منه البَلاغُ،
وبَلَّغْتُ الرِّسالَ. التهذيب: يقال بَلَّغْتُ القومَ بلاغاً اسم يقوم مقام
التبْلِيغِ. وفي الحديث: كلُّ رافِعةٍ رَفَعَتْ عَنّا
(* قوله« رفعت عنا»
كذا بالأصل، والذي في القاموس: علينا، قال شارحة:وكذا في العباب.) من البلاغ
فَلْيُبَلِّغْ عَنّا، يروى بفتح الباء وكسرها، وقيل: أَراد من
المُبَلِّغِين، وأَبْلغْتُه وبَلَّغْتُه بمعنى واحد، وإِن كانت الرواية من البلاغ
بفتح الباء فله وجهان: أَحدهما أَن البَلاغَ ما بلغ من القرآن والسنن،
والوجهُ الآخر من ذوي البَلاغِ أي الذين بَلَّغُونا يعني ذوي التبليغ،
فأَقام الاسم مقام المصدر الحقيقي كما تقول أَعْطَيْتُه عَطاء، وأَما الكسر
فقال الهرويّ: أُراه من المُبالِغين في التبْليغ، بالَغَ يُبالِغُ مُبالَغةً
وبِلاغاً إِذا اجْتَهد في الأَمر، والمعنى في الحديث: كلُّ جماعةٍ أَو نفس
تُبَلِّغُ عنا وتُذِيعُ ما تقوله فَلْتُبَلِّغْ ولْتَحْكِ. وأَما قوله
عز وجل: هذا بَلاغٌ للناس وليُنْذَرُوا به، أَي أَنزلناه ليُنْذَر الناسُ
به. وبَلَّغَ الفارِسُ إِذا مَدَّ يدَه بِعِنانِ فرسه ليزيد في جَرْيِه.
وبَلَغَ الغُلامُ: احْتَلَمَ كأَنه بَلَغَ وقت الكتابِ عليه والتكليفِ،
وكذلك بَلَغَتِ الجاريةُ. التهذيب: بلغ الصبيُّ والجارية إِذا أَدْركا،
وهما بالِغانِ. وقال الشافعي في كتاب النكاح: جارية بالِغٌ، بغير هاء، هكذا
روى الأَزهريّ عن عبد الملك عن الربيع عنه، قال الأَزهري: والشافعي
فَصِيحٌ حجة في اللغة، قال: وسمعت فُصَحاء العرب يقولون جارية بالغ، وهكذا قولهم
امرأَة عاشِقٌ ولِحيةٌ ناصِلٌ، قال: ولو قال قائل جارية بالغة لم يكن
خطأً لأَنه الأَصل. وبَلَغْتُ المكانَ بُلُوغاً: وصلْتُ إِليه وكذلك إِذا
شارَفْتَ عليه؛ ومنه قوله تعالى: فإِذا بَلَغْن أَجَلَهُنّ، أَي
قارَبْنَه. وبَلَغَ النبْتُ: انتهَى. وتَبالَغ الدِّباغُ في الجلد: انتهى فيه؛ عن
أَبي حنيفة. وبَلَغتِ النخلةُ وغيرُها من الشجر: حان إدْراكُ ثمرها؛ عنه
أَيضاً. وشيءٌ بالغ أَي جيِّدٌ، وقد بلَغَ في الجَوْدةِ مَبْلغاً.
ويقال: أَمْرُ اللهِ بَلْغ، بالفتح، أَي بالِغٌ من وقوله تعالى: إِن الله
بالغ أَمره. وأَمرٌ بالِغٌ وبَلْغٌ: نافِذٌ يَبْلُغُ أَين أُرِيدَ به؛ قال
الحرث بن حِلِّزةَ:
فهَداهُمْ بالأَسْودَيْنِ وأَمْرُ الْـ
ـلَهِ بَلْغٌ بَشْقَى به الأَشْقِياءُ
وجَيْشٌ بَلْغٌ كذلك. ويقال: اللهم سَمْعٌ لا بَلْغٌ وسِمْعٌ لا بِلْغٍ،
وقد ينصب كل ذلك فيقال: سَمعاً لا بَلْغاً وسِمْعاً لا بِلْغاً، وذلك
إِذا سمعت أَمراً منكراً أَي يُسْمَعُ به ولا يَبْلُغُ. والعرب تقول للخبر
يبلغ واحدَهم ولا يحققونه: سَمْعٌ لا بَلْغٌ أَي نسمعه ولا يَبْلُغنا.
وأَحْمَقُ بَلْغٌ وبِلْغٌ أَي هو من حَماقَتِه
(* قوله« من حماقته» عبارة
القاموس: مع حماقته.) يبلغ ما يريده، وقيل: بالغ في الحُمْقِ، وأَتْبَعُوا
فقالوا: بِلْغٌ مِلْغٌ.
وقوله تعالى: أَمْ لكم أَيمان علينا بالغةٌ؛ قال ثعلب: معناه مُوجَبَةٌ
أَبداً قد حلفنا لكم أَن نَفِيَ بها، وقال مرة: أَي قد انتهت إِلى غايتها،
وقيل: يمينٌ بالغة أَي مؤكَّدةٌ. والمُبالَغةُ: أَن تَبْلُغَ في الأَمر
جُهْدَك. ويقال: بُلِغَ فلان أَي جُهِدَ؛ قال الراجز:
إِنَّ الضِّبابَ خَضَعَتْ رِقابُها
للسيفِ، لَمَّا بُلِغَتْ أَحْسابُها
أَي مَجْهودُها
(* قوله« أي مجهودها» كذا بالأصل، ولعله جهدت ليطابق
بلغت،) وأَحْسابُها شَجاعَتُها وقوّتُها ومَناقِبُها. وأَمرٌ بالغ: جيد.
والبَلاغةُ: الفَصاحةُ. والبَلْغُ والبِلْغُ: البَلِيغُ من الرجال. ورجل
بَلِيغٌ وبِلْغٌ: حسَنُ الكلام فَصِيحُه يبلغ بعبارة لسانه كُنْهَ ما في
قلبه، والجمعُ بُلَغاءُ، وقد بَلُغَ، بالضم، بَلاغةً أَي صار بَلِيغاً.
وقولٌ بَلِيغٌ: بالِغٌ وقد بَلُغَ. والبَلاغاتْ: كالوِشاياتِ.
والبِلَغْنُ: البَلاغةُ؛ عن السيرافي، ومثَّل به سيبويه. والبِلَغْنُ
أَيضاً: النّمَّام؛ عن كراع. والبلغن: الذي يُبَلِّغُ للناسِ بعضِهم حدِيثَ
بعض. وتَبَلَّغَ به مرضُه: اشتَّدّ.
وبَلَغَ به البِلَغِينَ بكسر الباء وفتح اللام وتخفيفها؛ عن ابن
الأَعرابي، إِذا اسْتَقْصَى في شَتْمِه وأَذاهُ. والبُلَغِينُ والبِلَغِينُ.
الدّاهيةُ: وفي الحديث: أَن عائشة قالت لأَمير المؤمنين عليّ، عليه السلام،
حين أُخِذَتْ يومَ الجملِ: قد بَلَغْتَ مِنّا البُِلَغِينَ؛ معناه أَنَّ
الحَرْبَ قد جَهَدَتْنا وبَلَغَتْ منا كل مَبْلَغٍ، يروى بكسر الباء
وضمها مع فتح اللام، وهو مَثَلٌ، معناه بَلَغْتَ منا كل مَبْلَغٍ. وقال أَبو
عبيد في قولها قد بَلَغْتَ منا البُِلَغِينَ: إنه مثل قولهم لَقِيتَ منا
البُرَحِينَ والأَقْوَرِينَ، وكل هذا من الدَّواهِي، قال ابن الأَثير:
والأَصل فيه كأَنه قيل: خَطْبٌ بُلَغٌ وبِلَغٌ أَي بَلِيغٌ، وأَمْرٌ بُرَحٌ
وبِرَحٌ أَي مُبَرِّح، ثم جمعا على السلامة إِيذاناً بأَنَّ الخطوب في
شدّة نِكايَتِها بمنزلة العُقلاء الذين لهم قَصْد وتعمُّد.
وبالَغَ فلان في أَمْرِي إذا يُقَصِّر فيه.
والبُلْغَةُ: ما يُتَبَلَّغُ به من العيش، زاد الأَزهري: ولا فَضْلَ
فيه.وتَبَلَّغ بكذا أَي اكتفَى به. وبَلَّغَ الشيْبُ في رأْسه: ظهر أَوّلَ
ما يظهر، وقد ذكرت في العين المهملة أَيضاً، قال: وزعم البصريون أَن ابن
الأَعرابي صحّف في نوادِرِه فقال مكان بَلّعَ بَلَّغَ الشيبُ، فلما قيل
له إِنه تصحيف قال: بَلَّعَ وبَلَّغَ. قال أَبو بكر الصُّوليُّ: وقرئ
يوماً على أَبي العباس ثعلب وأَنا حاضر هذا ، فقال: الذي أَكتب بَلَّغ، كذا
قال بالغين معجمة.
والبالِغاءُ: الأَكارِعُ في لغة أَهل المدينة، وهي بالفارسية بايْها.
والتَّبْلِغةُ: سَيْر يُدْرج على السِّيَة حيث انتهى طرَفُ الوَتَر ثلاث
مِرارٍ أَو أَربعاً لِكَيْ يَثْبُتَ الوتر؛ حكاه أَبو حنيفة جعل التبلغة
اسماً كالتَّوْدِيةِ والتَّنْهِيةِ ليس بمصدر، فتفهَّمه.
نفث: النَّفْثُ: أَقلُّ من التَّفْل، لأَن التفل لا يكون إِلاَّ معه شيء
من الريق؛ والنفثُ: شبيه بالنفخ؛ وقيل: هو التفل بعينه.
نَفَثَ الرَّاقي، وفي المحكم: نَفَثَ يَنْفِثُ ويَنْفُثُ نَفْثاً
ونَفَثاناً. وفي الحديث أَن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال إِنَّ رُوحَ
القُدُس نَفَثَ في رُوعي، وقال: إِنّ نَفْساً لن تَموتَ حتى تَسْتوفِيَ رزقها،
فاتَّقوا الله وأَجملوا في الطلب؛ قال أَبو عبيد: هو كالنَّفْثِ بالفم،
شبيهٌ بالنفخ، يعني جبريلَ أَي أَوْحى وأَلقى. والحيَّةُ تَنْفُثُ السمَّ
حين تَنْكُزُ. والجُرْحُ يَنْفُثُ الدمَ إِذا أَظهره. وَسمٌّ نَفِيثٌ ودم
نَفِيثٌ إِذا نَفَثَه الجرحُ؛ قال صخر الغيّ:
مَتى ما تُنْكِرُوها تَعْرِفُوها،
على أَقْطارِها عَلَقٌ نَفِيثُ
وفي الحديث: أَنّ زَيْنَبَ بنتَ رسولُ الله، صلى الله عليه وسلم،
أَنْفَرَ بها المشركون بعيرَها حتى سقطت، فَنَفَثَتِ الدماءَ مَكانَها، وأَلقت
ما في بطنها أِي سالَ دمُها. وأَما قوله في الحديث في افتتاح الصلاة:
اللهمَّ إِني أَعوذ بك من الشيطان الرجيم من هَمْزِهِ ونَفْثِهِ ونَفْخِهِ؛
فأَما الهمز والنفخ فمذكوران في موضعهما، وأَما النفث فتفسيره في الحديث
أَنه الشِّعْرُ؛ قال أَبو عبيد: وإِنما سمي النَّفْثُ شِعْراً
(* قوله
«وإنما سمي النفث شعراً إلخ» هكذا في الأصل والأنسب أن يقول وإنما سمي
الشعر نفثاً.) لأَنه كالشيء يَنْفُثُه الإِنسانُ من فيه، مِثل الرُّقْية. وفي
الحديث: أَنه قرأَ المُعَوِّذتين على نَفْسِهِ ونَفَثَ. وفي حديث
المغيرة: مِئْناثٌ كأَنها نُفاثٌ أَي تَنْفُثُ البناتَ نَفْثاً. قال ابن
الأَثير: قال الخطابي: لا أَعلم النُّفاثَ في شيء غير النَّفْثِ، قال: ولا موضع
لها ههنا؛ قال ابن الأَثير: يحتمل أَن يكون شبَّه كثرة مجيئها بالبنات
بكثرة النَّفْثِ، وتَواتُرِه وسُرْعَتِهِ.
وقوله عز وجل: ومن شر النَّفَّاثاتِ في العُقَد؛ هنّ السَّواحِرُ.
والنَّوافِثُ: السواحر حين يَنْفُثْنَ في العُقَد بلا ريق.
والنُّفاثَةُ، بالضم: ما تَنْفُثُه من فيك. والنُّفاثَةُ: الشَّظِيَّةٌ
من السواك، تَبْقى في فم الرجل فَيَنْفُثُها. يقال: لوسأَلني نُفاثةَ
سِواكٍ من سِواكي هذا، ما أَعطيته؛ يعني ما يَتَشَظَّى من السواك فيبقى في
الفم، فينفيه صاحبه. وفي حديث النجاشي: والله ما يزيد عيسى على ما تقول
مِثْلَ هذه النُّفاثَةِ.
وفي المَثَلِ: لا بد للمَصْدور أَن يَنْفُِث. وهو يَنْفُِثُ عليَّ
غَضَباً أَي كأَنه يَنْفُخ من شدّة غضبه. والقِدْرُ تَنْفُثُ، وذلك في أَول
غَلَيانها.
وبَنُو نُفاثَةَ: حَيٌّ؛ وفي الصحاح: قوم من العرب.
وري: الوَرْيُ: قَيْح يكون في الجَوف، وقيل: الوَرْي قَرْحٌ شديد يُقاء
منه القَيْح والدَّمُ. وحكى اللحياني عن العرب: ما له وَراه الله أَي
رَماه الله بذلك الداء، قال: والعرب تقول للبَغِيض إِذا سَعَلَ: وَرْياً
وقُحاباً، وللحبيب إِذا عَطَس: رَعْياً وشْبَاباً. وفي الحديث عن النبي، صلى
الله عليه وسلم، أَنه قال: لأَن يَمْتَلِئَ جَوْفُ أَحَدِكم قَيْحاً
حتى يَرِيَه خير له من أَن يَمْتَلِئَ شِعْراً؛ قال الأَصمعي: قوله حتى
يَرِيَه هو من الوَرْي على مثال الرَّمْي، يقال منه: رجل مَوْرِيٌّ، غير
مهموز، وهو أَن يَدْوَى جَوْفُه؛ وأَنشد:
قالت له وَرْياً إِذا تَنَحْنَحا
(* قوله «تنحنحا» كذا بالأصل وشرح القاموس، والذي في غير نسخة من
الصحاح: تنحنح.)
تدعو عليه بالوَرْي. ويقال: وَرَّى الجُرْحُ سائرَه تَوْرِيةً أَصابه
الوَرْيُ؛ وقال الفرَّاء: هو الوَرى، بفتح الراء؛ وقال ثعلب: هو بالسكون
المصدر وبالفتح الاسم؛ وقال الجوهري: وَرَى القَيْحُ جَوْفَه يَرِيه
وَرْياً أَكَله، وقال قوم: معناه حتى يُصِيب رِئَته، وأَنكره غيرهم لأَن الرئة
مهموزة، فإِذا بنيت منه فِعلاً قلت: رآه يَرْآه فهو مَرْئِيٌّ. وقال
الأَزهري: إِنَّ الرئة أَصلها من ورى وهي محذوفة منه. يقال: وَرَيْت الرجل
فهو مَوْرِيٌّ إِذا أَصبت رِئته، قال: والمشهور في الرواية الهمز؛ وأَنشد
الأَصمعي للعجاج يصف الجِراحات:
بَينَ الطِّراقَيْنِ ويَفْلِينَ الشَّعَرْ
عن قُلُبٍ ضُجْمٍ تُوَرِّي مَن سَبَرْ
كأَنه يُعْدِي من عِظَمِه ونُفور النفس منه، يقول: إِنَّ سَبَرها إِنسان
أَصابَه منه الوَرْيُ من شدَّتها، وقال أَبو عبيدة في الوَرْي مثله إِلا
أَنه قال: هو أَن يأْكل القيحُ جوفَه؛ قال: وقال عبد بني الحَسْحاس يذكر
النساء:
وَراهُنَّ رَبِّي مِثلَ ما قد وَرَينَني،
وأَحْمَى على أَكْبادِهِنَّ المَكاوِيا
وقال ابن جبلة: سمعت ابن الأَعرابي يقول في قوله تُوَرِّي مَنْ سَبَرَ،
قال: معنى تُوَرِّي تَدفَع، يقول: لا يَرى فيه عِلاجاً من هَوْلِها
فيَمْنَعه ذلك من دوائها؛ ومنه قول الفَرزدق:
فلو كنتَ صُلْبَ العُودِ أَو ذا حَفِيظَةٍ،
لَوَرَّيْتَ عن مَوْلاكَ والليلُ مُظْلِمُ
يقول: نَصَرْتَه ودفعتَ عنه، وتقول منه: رِ يا رجل، وَريا للاثنين،
ورُوا للجماعة، وللمرأَة رِي وهي ياء ضمير المؤنث مثل قومي واقْعُدِي،
وللمرأَتين: رِيا، وللنسوة: رِينَ، والاسم الوَرَى، بالتحريك. ووَرَيْته
وَرْياً: أَصبت رئته، والرئة محذوفة من وَرَى. والوارية سائصة
(* قوله
«والوارية سائصة» كذا بالأصل، وعبارة شارح القاموس: والوارية داء.
داء يأْخذ في الرئة، يأْخذ منه السُّعال فيَقْتُل صاحِبَه، قال: وليسا
من لفظ الرّئة. ووَراهُ الداء: أَصابه. ويقال: وُرِيَ الرجلُ فهو
مَوْرُوٌّ، وبعضهم يقول مَوْرِيٌّ. وقولهم: به الوَرَى وحُمَّى خَيْبرا وشَرُّ ما
يُرَى فإِنه خَيْسَرَى، إِنما قالوا الوَرَى على الإِتباع، وقيل: إِنما
هو بفِيه البَرَى أَي التراب؛ وأَنشد ابن الأَعرابي:
هَلُمَّ إِلى أُمَية، إِنَّ فيها
شِفاء الوارِياتِ منَ الغَلِيلِ
وعمَّ بها فقال: هي الأَدْواء. التهذيب: الوَرَى داء يُصِيب الرجل
والبعير في أَجوافهما، مقصور يكتب بالياء، يقال: سلَّط الله عليه الوَرى
وحُمَّى خَيْبرا وشَرَّ ما يُرَى فإِنه خَيْسَرَى؛ وخَيْسَرَى: فَيْعَلى من
الخُسْران، ورواه ابن دريد خَنْسَرَى، بالنون، من الخَناسِير وهي
الدَّواهي. قال الأَصمعي: وأَبو عمرو لا يَعْرِفُ الوَرَى من الداء، بفتح الراء،
إِنما هو الوَرْيُ بإِسكان الراء فصُرِف إِلى الوَرَى. وقال أَبو العباس:
الوَرْيُ المصدر، والوَرَى بفتح الراء الاسم. التهذيب: الوَرَى شَرَقٌ
يَقَعُ في قَصَبةِ الرِّئتين فَيَقْتُله
(* قوله فيقتله: أي فيقتل من أصيب
بالشرق.) أَبو زيد: رجل مَوْرِيٌّ، وهو داء يأْخذ الرجل فيَسْعُلُ،
يأْخذه في قصب رِئته. وَوَرَتِ الإِبلُ وَرْياً: سَمِنَتْ فكثر شحمها ونِقْيها
وأَوْراها السِّمَن؛ وأَنشد أَبو حنيفة:
وكانَتْ كِنازَ اللحمِ أَورَى عِظامَها،
بِوَهْبِينَ، آثارُ العِهادِ البَواكِر
والواري: الشحم السَّمينُ، صفة غالبة، وهو الوَرِيُّ.
والوارِي: السمين من كل شيء؛ وأَنشد شمر لبعض الشعراء يصف قِدْراً:
ودَهْماءَ، في عُرْضِ الرُّواقِ، مُناخةٍ
كَثيرةِ وذْرِ اللحمِ وارِيةِ القَلْبِ
قال: قَلْبٌ وارٍ إِذا تَغَشَّى بالشحم والسِّمَن. ولَحْمٌ وَرِيٌّ، على
فَعِيل، أَي سمين. وفي حديث عمر، رضي الله عنه: أَنَّ امرأَة شَكَتْ
إِليه كُدُوحاً في ذِراعَيها من احْتراشِ الضَّبابِ، فقال: لو أَخذتِ
الضَّبَّ فَوَرَّيْتِه ثم دَعَوْتِ بِمِكْتَفَةٍ فَثَمَلْتِه كان أَشْبَعَ؛
وَرَّيْتِه أَي رَوَّغْتِه في الدُّهن، من قولك لَحْمٌ وارٍ أَي سَمِينٌ.
وفي حديث الصدقة: وفي الشَّويِّ الوَرِيِّ مُسِنَّةٌ، فَعِيل بمعنى فاعل.
وَوَرَتِ النارُ تَرِي وَرْياً ورِيةً حسَنَةً، وَوَرِيَ الزَّنْدُ يَرِي،
وَوَرَى يَرِي ويَوْرَى وَرْياً ووُرِيّاً ورِيةً، وهو وارٍ ووَرِيٌّ:
اتَّقَد؛ قال الشاعر:
وَجَدْنا زَنْدَ جَدِّهمِ ورِيّاً،
وزَنْدَ بني هَوازِنَ غَيرَ وارِي
وأَنشد أَبو الهيثم:
أُمُّ الهُنَيْنَين مِنْ زَنْدٍ لها وارِي
وأَوْرَيْتُه أَنا، وكذلك وَرَّيْتُه تَوْرِيةً؛ وأَنشد ابن بري لشاعر:
وأَطْفِ حَدِيثَ السُّوء بالصَّمْتِ، إِنَّه
مَتَى تُورِ ناراً للعِتاب تَأَجَّجَا
ويقال: وَرِيَ المُخُّ يَرِي إِذا اكتنز وناقةٌ وارِيةٌ أَي سمِينة؛ قال
العجاج:
يأْكُلْنَ مِن لَحْمِ السَّدِيفِ الواري
كذا أَورده الجوهري؛ قال ابن بري: والذي في شعر العجاج:
وانْهَمَّ هامُومُ السَدِيفِ الواري
عن جَرَزٍ منه وجَوْزٍ عاري
وقالوا: هُو أَوْراهُمْ زَنْداً؛ يضرب مثلاً لنَجاحه وظَفَره. يقال:
إِنه لوارِي الزِّنادِ وواري الزَّنْد وورِيُّ الزند إِذا رامَ أَمراً
أَنجَحَ فيه وأَدرَكَ ما طَلب. أَبو الهيثم: أَوْرَيْتُ الزِّنادَ فوَرَتْ
تَرِي وَرْياً وَرِيةً؛ قال: وقد يقال وَرِيَتْ تَوْرَى وَرْياً وَرِيةً،
وأَوْرَيْتُها أَنا أَثْقَبْتُها. وقال أَبو حنيفة: ورَتِ الزنادُ إِذا
خرجت نارها، ووَرِيَتْ صارت وارِيةً، وقال مرَّة: الرِّيةُ كلُّ ما
أَوْرَيْتَ به النار من خِرْقة أَو عُطْبةٍ أَو قِشْرةٍ، وحكى: ابْغِنِي رِيَّةً
أَرِي بها ناري، قال: وهذا كله على القلب عن وِرْيةٍ وإِنْ لم نسمع
بوِرْيةٍ. وفي حديث تزويج خديجة، رضي الله عنها: نَفَخْتَ فأَوْرَيْتَ؛ ورَى
الزَّندُ: خرجت نارُه، وأَوْراه غيره إِذا استخرج نارَه. والزَّنْدُ
الواري: الذي تظهر ناره سريعاً. قال الحربي: كان ينبغي أَن يقول قدَحْتَ
فأَوْرَيْت. وفي حديث علي، كرم الله وجهه: حتى أَوْرَى قَبَساً لقابِسٍ أَي
أَظْهَرَ نُوراً من الحق لطالب الهُدى. وفي حديث فتح أَصْبهنَ: تَبْعَثُ
إِلى أَهل البصرة فيُوَرُّوا؛ قال: هو من وَرَّيْت النر تَوْرِيةً إِذا
استخرجتها.
قال: واسْتَوْرَيْتُ فلاناً رأْياً سأَلته أَن يستخرج لي رأْياً، قال:
ويحتمل أَن يكون من التَّوْرِية عن الشيء، وهو الكناية عنه، وفلان
يَسْتَوْرِي زنادَ الضلالةِ. وأَوْرَيْتُ صَدره عليه: أَوْقَدْتُه
وأَحقَدْته.وَرِيةُ النار، مخففة: ما تُورى به، عُوداً كان أَو غيره: أَبو الهيثم:
الرِّيةُ من قولك ورَتِ النارُ تَري وَرْياً ورِيَّةً مثل وعَتْ تَعِي
وَعْياً وعِيةً، ووَدَيْتُه أَدِيه وَدْياً ودِيةً، قال: وأَوْرَيْتُ النار
أُورِيها إِيراء فَوَرَت تَري ووَرِيَتْ تَرِي، ويقال: وَرِيَتْ
تَوْرَى؛ وقال الطرمّاح يصف أَرضاً جَدْبة لا نبات فيها:
كظَهْرِ اللأََى لو تَبْتَغِي رِيَّةً بها،
لعَيَّتْ وشَقَّتْ في بُطون الشَّواجنِ
أَي هذه الصَّحْراء كظهر بقرة وحشية ليس فيها أَكَمَة ولا وَهْدة، وقال
ابن بُزُرْج: ما تُثْقب به النار؛ قال أَبو منصور: جعلها ثَقُوباً من
خَثًى أَو رَوْثٍ أَو ضَرَمةٍ أَو حَشِيشة يابسة؛ التهذيب: وأَما قول
لبيد:تَسْلُبُ الكانِسَ لمْ يُورَ بها
شُعْبةُ الساقِ، إِذا الظِّلُّ عَقَلْ
روي: لم يُورَ بها ولم يُورَأْ بها ولم يُوأَرْ بها، فمن رواه لم يُورَ
بها فمعناه لم يَشْعُرْ بها، وكذلك لم يُورَأْ بها، قال: ورَيْته
وأَوْرَأْته إِذا أَعْلَمْته، وأَصله من وَرَى الزَّنْدُ إِذا ظهرت نارُها
كأَنَّ ناقته لم تُضِئُ للظبي الكانس ولم تَبِنْ له فيَشْعُر بها لسُرْعَتِها
حتى انْتَهَت إِلى كِناسه فنَدَّ مندَّ منهاجافِلاً، قال:وأَنشدني
بعضهم:دَعاني فلمْ أُورَأْ به فأَجَبْتُه،
فمَدَّ بثَدْيٍ بَيْننا غَير أَقْطَعا
أَي دَعاني ولم أَشْعُرْ به، ومن رواه ولم يُوأَرْ بها فهي من أُوارِ
الشمس، وهو شدَّة حرِّها، فقَلَبه وهو من التنفير.
والتَّوْراةُ عند أَبي العباس تَفْعِلةٌ، وعند الفارسي فَوْعلة، قال:
لقلة تَفْعِلة في الأَسماء وكثرة فَوْعلة. ووَرَّيْتُ الشيءَ ووَارَيْتُه:
أَخْفَيْتُه. وتَوارى هو: استتر.
الفراء في كتابه في المصادر: التَّوْراةُ من الفعل التَّفْعِلة؛ كأَنها
أُخِذَتْ من أَوْرَيْتُ الزِّناد وورَّيْتُها، فتكون تَفْعِلة في لغة
طيِّء لأَنهم يقولون في التَّوْصِية تَوْصاةٌ وللجارية جاراةٌ وللناصِيةِ
ناصاةٌ، وقال أَبو إسحق في التَّوارة: قال البصريون تَوْراةٌ أَصلها
فَوْعَلةٌ، وفوعلة كثير في الكلام مثل الحَوْصلة والدَّوْخلة، وكلُّ ما قُلْت
فيه فَوْعَلْتُ قمصدره فَوْعلةٌ، فالأَصل عندهم وَوْراةٌ، ولكن الواو
الأُولى قلبت تاء كما قلبت في تَوْلَج وإِنما هو فَوْعَل من وَلَجْت، ومثله
كثير.
واسْتَوْرَيْتُ فلاناً رَأْياً أَي طلبتُ إِليه أَن ينظر في أَمري
فيَستخرج رَأْياً أَمضي عليه.
ووَرَّيْتُ الخَبر: جعلته ورائي وسَتَرْته؛ عن كراع، وليس من لفظ وراء
لأَن لام وراء همزة. وفي الحديث: أَن النبي،صلى الله عليه وسلم، كان إِذا
أَراد سَفَراً ورَّى بغَيْرِه أَي سَتَرَه وكَنى عنه وأَوْهَمَ أَنه يريد
غيره، وأَصله من الوراء أَي أَلقَى البَيانَ وراءَ ظهره. ويقال:
وارَيْته ووَرَّيْتُه بمعنى واحد. وفي التنزيل العزيز: ما وُرِيَ عنهما؛ أَي
سُتِرَ على فُوعِلَ، وقرئَ: وُرِّي عنهما، بمعناه. ووَرَّيْتُ الخبر
أُوَرِّيه تَوْرِيةً إِذا سترته وأَظهرت غيره، كأَنه مأْخوذ من وَراء الإِنسان
لأَنه إِذا قال وَرَّيته فكأَنه يجعله وراءه حيث لا يظهر. والوَرِيُّ:
الضَّيْفُ. وفلان وَرِيُّ فلا أَي جارَه الذي تُوارِيه بيُوته وتستره؛ قال
الأَعشى:
وتَشُدُّ عَقْدَ وَرِيَّنا
عَقْدَ الحِبَجْرِ على الغِفارَهْ
قال: سمي وَرِيّاً لأَن بيته يُوارِيه. ووَرَّيْتُ عنه: أَرَدْتُه
وأَظهرت غيره، وأَرَّيت لغة، وهو مذكور في موضعه. والتَّوْرِيةُ: الستر.
والتَّرِيَّةُ: اسم ما تَراه الحائض عند الاغتسال، وهو الشيء الخفي
اليسير، وهو أَقل من الصُّفْرة والكُدرة، وهو عند أَبي علي فَعِيلة من هذا
لأَنها كأَنَّ الحيضَ وارَى بها عن مَنْظَره العَيْن، قال: ويجوز أَن يكون
من ورَى الزندُ إِذا أَخرج النارَ، كأَن الطُّهر أَخرجها وأَظْهَرها
بعدما كان أَخْفاها الحَيْضُ.
ووَرَّى عنه بصَرَه ودَفَع عنه؛ وأَنشد ابن الأَعرابي:
وكُنْتُمْ كأُمٍّ بَرّةٍ ظَعَنَ ابنُها
إِليها، فما وَرَّتْ عليهِ بساعِدِ
ومِسْكٌ وارٍ: جيّد رفِيع؛ أَنشد ابن الأَعرابي:
تُعَلُّ بالجادِيِّ والمِسْكِ الوارْ
والوَرَى: الخَلْق. تقول العرب: ما أَدري أَيُّ الوَرَى هو أَي أَيُّ
الخلق هو؛ قال ذو الرمة:
وكائنْ ذَعَرْنا مِن مَهاةٍ ورامحٍ،
بِلادُ الوَرَى ليستْ له ببِلادِ
قال ابن بري: قال ابن جني لا يستعمل الوَرَى إِلاَّ في النفي، وإِنما
سَوَّغ لذي الرمة استعماله واجباً لأَنه في المعنى منفي كأَنه قال ليست
بِلادُ الوَرَى له بِبِلاد.
الجوهري: ووَراء بمعنى خَلْف، وقد يكون بمعنى قُدَّام، وهو من الأَضداد.
قال الأَخفش: لَقِيتُه من وَراءُ فترفعه على الغاية إِذا كان غير مضاف
تجعله اسماً، وهو غير متمكن، كقولك مِنْ قَبْلُ ومن بَعْدُ؛ وأَنشد
لعُتَيِّ بن مالك العُقَيْلي:
أَبا مُدْرِك، إِنَّ الهَوَى يومَ عاقِلٍ
دَعاني، وما لي أَنْ أُجِيبَ عَزاءُ
وإِنَّ مُرورِي جانِباً ثم لا أَرى
أُجِيبُكَ إِلاَّ مُعْرِضاً لَجَفاءُ
وإِنَّ اجتِماعَ الناسِ عندِي وعندَها،
إِذا جئتُ يَوْماً زائراً، لَبَلاءُ
إِذا أَنا لم أُومَنْ عليكَ، ولم يَكُنْ
لِقاؤُكَ إِلاَّ مِنْ وَراءُ وراءُ
وقولهم: وراءَكَ أَوسَعُ، نصب بالفعل المقدَّر وهو تأَخَّرْ. وقوله عزَّ
وجل: وكان وَراءَهُم مَلِكٌ؛ أَي أَمامَهم؛ قال ابن بري: ومثله قول
سَوَّار ابن المُضَرِّب:
أَيَرْجُو بَنُو مَرْوانَ سَمْعي وطاعَتي،
وقَوْمِي تَمِيمٌ والفَلاةُ وَرائيا؟
وقول لبيد:
أَليسَ وَرائي، إِنْ تَراخَتْ مَنِيَّتي،
لزُومُ العَصا تُثْنى عليها الأَصابِعُ؟
وقال مرقش:
ليسَ على طُولِ الحَياةِ نَدَم،
ومِنْ وراءِ المَرْءِ ما يَعْلَم
أَي قُدَّامُه الشّيْبُ والهَرَمُ؛ وقال جرير:
أَتُوعِدُني وَرَاءَ بَني رَباحٍ؟
كَذَبْتَ، لَتَقْصُرَنَّ يَدَاكَ دوني
قال: وقد جاءت وَرا مقصورة في الشعر؛ قال الشاعر:
تَقاذَفَه الرُّوَّادُ، حتى رَمَوْا به
ورَا طَرَفِ الشامِ البِلادَ الأَباعِدا
أَراد وَراءَ، وتصغيرها وُرَيِّئَةٌ، بالهاء، وهي شاذة. وفي حديث
الشفاعة: يقول إِبراهيمُ إِنِّي كنتُ خَليلاً من وَراءَ وراء؛ هكذا يروى
مبنيّاً على الفتح، أَي من خَلف حِجابٍ؛ ومنه حديث مَعْقِل: أَنه حدَّث ابنَ
زِياد بحديث فقال أَشيءٌ سمعتَه من رسول الله،صلى الله عليه وسلم، أَو مِن
وَراءَ وَراء أَي ممن جاءَ خَلْفَه وبعدَه. والوَراءُ أَيضاً: ولد الولد.
وفي حديث الشعبي: أَنه قال لرجل رأَى معه صبيّاً هذا ابنك؟ قال: ابن
ابني، قال: هو ابنُك من الوَراء؛ يقال لولد الولد: الوَراءُ، والله
أَعلم.
سفر: سَفَرَ البيتَ وغيره يَسْفِرُه سَفْراً: كنسه. والمِسْفَرَةُ:
المِكْنَسَةُ، وأَصله الكشف. والسُّفَارَةُ، بالضم: الكُنَاسَةُ. وقد
سَفَرَه: كَشَطَه.
وسَفَرَت الريحُ الغَيْمَ عن وجه السماء سَفراً فانْسَفَرَ: فَرَّقَتْه
فتفرق وكشطته عن وجه السماء؛ وأَنشد:
سَفَرَ الشَّمَالُ الزِّبْرِجَ المُزَبْرَجا
الجوهري: والرياح يُسافِرُ بعضها بعضاً لأَن الصَّبَا تَسْفِرُ ما
أَسْدَتْهُ الدَّبُورُ والجَنُوبُ تُلْحِمُه. والسَّفير: ما سقط من ورق الشجر
وتَحَاتَّ. وسَفَرَتِ الريحُ الترابَ والوَرَقَ تَسْفِرُه سَفْراً:
كنسته، وقيل: ذهبت به كُلَّ مَذْهَبٍ. والسَّفِيرُ: ما تَسْفِرُه الريح من
الورق، ويقال لما سقط من ورق العُشْبِ: سَفِيرٌ، لأَن الريح تَسْفِرُه أَي
تكنُسه؛ قال ذو الرمة:
وحائل من سَفِيرِ الحَوْلِ جائله،
حَوْلَ الجَرَائم، في أَلْوَانِه شُهَبُ
يعني الورق تغير لونه فحال وابيض بعدما كان أَخضر، ويقال: انْسَفَرَ
مُقَدَّمُ رأْسه من الشعر إِذا صار أَجْلَحَ. والانْسِفارُ: الانْحسارُ.
يقال: انْسَفَرَ مُقَدَّمُ رأْسه من الشعَر. وفي حديث النخعي: أَنه سَفَرَ
شعره أَي استأْصله وكشفه عن رأْسه. وانْسَفَرَت الإِبل إِذا ذهبت في
الأَرض. والسَّفَرُ: خلاف الحَضَرِ، وهو مشتق من ذلك لما فيه من الذهاب
والمجيء كما تذهب الريح بالسفير من الورق وتجيء، والجمع أَسفار. ورجل سافرٌ: ذو
سَفَرٍ، وليس على الفِعْل لأَنه لم يُرَ له فِعْلٌ؛ وقومٌ سافِرَةٌ
وسَفْرٌ وأَسْفَارٌ وسُفَّارٌ، وقد يكون السَّفْرُ للواحد؛ قال:
عُوجي عَلَيَّ فإِنَّني سَفْرُ
والمُسافِرُ: كالسَّافِر. وفي حديث حذيفة وذكر قوم لوط فقال:
وتُتُبّعَتْ أَسْفَارُهم بالحجارة؛ يعني المُسافِرَ منهم، يقول: رُمُوا بالحجارة
حيث كانوا فَأُلْحِقُوا بأَهل المدينة. يقال: رجل سَفْرٌ وقوم سَفْرٌ، ثم
أَسافر جمع الجمع. وقال الأَصمعي: كثرت السَّافِرَةُ بموضع كذا أَي
المسافرون قال: والسَّفْر جمع سافر، كما يقال: شارب وشَرْبٌ، ويقال: رجل سافِرٌ
وسَفْرٌ أَيضاً. الجوهري: السَّفَرُ قطع المسافة، والجمع الأَسفار.
والمِسْفَرُ: الكثير الأَسفار القويُّ عليها؛ قال:
لَنْ يَعْدَمَ المَطِيُّ مِنِّي مِسْفَرا،
شَيْخاً بَجَالاً، وغلاماً حَزْوَرا
والأُنثى مِسْفَرَةٌ. قال الأَزهري: وسمي المُسافر مُسافراً لكشفه قِناع
الكِنِّ عن وجهه، ومنازلَ الحَضَر عن مكانه، ومنزلَ الخَفْضِ عن نفسه،
وبُرُوزِهِ إِلى الأَرض الفَضاء، وسمي السَّفَرُ سَفَراً لأَنه يُسْفِرُ
عن وجوه المسافرين وأَخلاقهم فيظهر ما كان خافياً منها. ويقال: سَفَرْتُ
أَسْفُرُ
(* قوله: «سفرت أسفر» من باب طلب كما في شرح القاموس ومن باب ضرب
كما في المصباح والقاموس). سُفُوراً خرجت إِلى السَّفَر فأَنا سافر وقوم
سَفْرٌ، مثل صاحب وصحب، وسُفَّار مثل راكب وركَّاب، وسافرت إِلى بلد كذا
مُسافَرَة وسِفاراً؛ قال حسان:
لَوْلا السِّفارُ وبُعْدُ خَرْقٍ مَهْمَةً،
لَتَرَكْتُها تَحْبُو على العُرْقُوبِ
وفي حديث المسح على الخفين: أَمرنا إِذا كنا سَفْراً أو مسافرين؛ الشك
من الراوي في السَّفْر والمسافرين. والسَّفْر: جمع سافر، والمسافرون: جمع
مسافر، والسَّفْر والمسافرون بمعنى. وفي الحديث: أَنه قال لأَهل مكة عام
الفتح: يا أَهل البلد صلوا أَربعاً فأَنا سَفْرٌ؛ ويجمع السَّفْر على
أَسْفارٍ. وبعير مِسْفَرٌ: قويّ على السفَر؛ وأَنشد ابن الأَعرابي للنمر بن
تولب:
أَجَزْتُ إِلَيْكَ سُهُوبَ الفلاةِ،
وَرَحْلي على جَمَلٍ مِسْفَرِ
وناقةٌ مِسْفَرة ومِسْفار كذلك؛ قال الأَخطل:
ومَهْمَهٍ طَامِسٍ تُخْشَى غَوائلُه،
قَطَعْتُه بِكَلُوءِ العَيْنِ مِسْفارِ
وسمى زهير البقرةَ مُسافِرةً فقال:
كَخَنْسَاءُ سَفْعاءِ المِلاطَيْنِ حُرَّةٍ،
مُسافِرَةٍ مَزْؤُودَةٍ أُمِّ فَرْقَدِ
ويقال للثور الوحشي: مسافر وأَماني وناشط؛ وقال:
كأَنها، بَعْدَما خَفَّتْ ثَمِيلَتُها،
مُسافِرٌ أَشْعَثُ الرَّوْقَيْنِ مَكْحُولُ
والسَّفْرُ: الأَثر يبقى على جلد الإِنسان وغيره، وجمعه سُفُورٌ؛ وقال
أَبو وَجْزَة:
لقد ماحتْ عليكَ مُؤَبَّدَاتٌ،
يَلُوح لهنَّ أَنْدَابٌ سُفُورُ
وفرس سافِرُ اللحم أَي قليله؛ قال ابن مقبل:
لا سافِرُ اللَّحْمِ مَدْخُولٌ، ولا هَبِجٌ
كَاسِي العظامِ، لطيفُ الكَشْحِ مَهْضُومُ
التهذيب: ويقال سافرَ الرجلُ إِذا مات؛ وأَنشد:
زعمَ ابنُ جدعانَ بنِ عَمْـ
ـرٍو أَنَّه يوماً مُسافِرْ
والمُسَفَّرَة: كُبَّةُ الغَزْلِ. والسُّفرة، بالضم: طعام يتخذ للمسافر،
وبه سميت سُفرة الجلد. وفي حديث زيد بن حارثة قال: ذبحنا شاة فجعلناها
سُفْرَتَنا أَو في سُفْرتنا؛ السُّفْرَة: طعام يتخذه المسافر وأَكثر ما
يحمل في جلد مستدير فنقل اسم الطعام إِليه، وسمي به كما سميت المزادة راوية
وغير ذلك من الأَسماء المنقولة، فالسُّفْرَة في طعام السَّفَر
كاللُّهْنَةِ للطعام الذي يؤكل بُكرة. وفي حديث عائشة: صنعنا لرسول الله، صلى الله
عليه وسلم، ولأَبي بكر سُفْرَةً في جراب أَي طعاماً لما هاجر هو وأَبو
بكر، رضي الله عنه. غيره: السُّفرة التي يؤكل عليها سُميت سُفْرَةً لأَنها
تنبسط إِذا أَكل عليها.
والسَّفَار: سفار البعير، وهي حديدة توضع على أَنف البعير فيخطم بها
مكانَ الحَكَمَة من أَنف الفرس. وقال اللحياني: السِّفار والسِّفارة التي
تكون على أَنف البعير بمنزلة الحَكَمَة، والجمع أَسْفِرَة وسُفْرٌ وسَفائر؛
وقد سَفَرَه، بغير أَلفٍ، يَسْفِره سَفْراً وأَسْفَره عنه إِسْفَاراً
وسَفَّره؛ التشديد عن كراع، الليث: السِّفار حبل يشد طرفه على خِطام البعير
فَيُدَارُ عليه ويجعل بقيته زِماماً، قال: وربما كان السِّفار من حديد؛
قال الأَخطل:
ومُوَقَّع، أَثَرُ السِّفار بِخَطْمِهِ،
منْ سُودِ عَقَّةَ أَوْ بَنِي الجَوَّالِ
قال ابن بري: صوابه وموقعٍ مخفوض على إِضمار رب؛ وبعده:
بَكَرَتْ عَليَّ به التِّجَارُ، وفَوْقَه
أَحْمَالُ طَيِّبَة الرِّياح حَلالُ
أَي رب جمل موقع أَي بظهره الدبَرُ. والدَّبَرُ: من طول ملازمة القنَب
ظهرَه أُسْنِيَ عليه أَحمال الطيب وغيرها. وبنو عقة: من النمر بن قاسط.
وبنو الجوَّال: من بني تغلب. وفي الحديث: فوضع يده على رأْس البعير ثم قال:
هاتِ السِّفارَ فأَخذه فوضعه في رأْسه؛ قال: السِّفار الزمام والحديدة
التي يخطم بها البعير ليذل وينقاد؛ ومنه الحديث: ابْغِني ثلاث رواحل
مُسْفَرَات أَي عليهن السِّفار، وإِن روي بكسر الفاء فمعناه القوية على
السَّفر. يقال منه: أَسْفَر البعيرُ واسْتَسْفَرَ. ومنه حديث الباقر:
تَصَدَّقْ بِحَلال يدك وسَفْرِها؛ هو جمع السِّفار. وحديث ابن مسعود: قال له ابن
السَّعْدِيِّ: خرجتُ في السحر أَسْفِرُ فرساً لي فمررت بمسجد بني حنيفة؛
أَراد أَنه خرج يُدَمِّنُه على السَّيْرِ ويروضه ليقوى على السَّفَر،
وقيل: هو من سفرت البعير إِذا رعيته السَّفِيرَ، وهو أَسافل الزرع، ويروى
بالقاف والدال. وأَسْفَرَتِ الإِبلُ في الأَرض: ذهبت. وفي حديث معاذ: قال
قرأْت على النبي، صلى الله عليه وسلم، سَفْراً سَفْراً، فقال: هكذا
فَاقْرَأْ. جاء في الحديث: تفسيره هَذّاً هَذّاً. قال الحربي: إِن صح فهو من
السُّرعة والذهاب من أَسفرت الإِبل إِذا ذهبت في الأَرض، قال: وإِلاَّ فلا
أَعلم وجهه.
والسَّفَرُ: بياض النهار؛ قال ذو الرمة:
ومَرْبُوعَةٍ رِبْعِيَّةٍ قد لَبَأْتُها،
بِكَفَّيِّ مِنْ دَوِّيَّةٍ، سَفَراً سَفْرا
يصف كَمْأَةً مَرْبُوعَةً أَصابها الربيع. ربعية: منسوبة إِلى الربيع.
لبأْتها: أَطعمتهم إِياها طرية الاجتناء كاللِّبَا من اللبن، وهو أَبكره
وأَوّله. وسَفَراً: صباحاً. وسَفْراً: يعني مسافرين.
وسَفَرَِ الصبحُ وأَسْفَرَ: أَضاء. وأَسْفَرَ القومُ أَصبحوا. وأَسفر.
أَضاء قبل الطلوع. وسَفَرَ وجهُه حُسْناً وأَسْفَرَ: أَشْرَقَ. وفي
التنزيل العزيز: وُجُوهٌ يومئذ مُسْفِرَةٌ؛ قال الفراء: أَي مشرقة مضيئة. وقد
أَسْفَرَ الوَجْهُ وأَسْفَرَ الصبح. قال: وإِذا أَلقت المرأَةُ نِقَابها
قيل: سَفَرَتْ فهي سافِرٌ، بغير هاء.
ومَسَافِرُ الوجه: ما يظهر منه؛ قال امرؤ القيس:
وأَوْجُهُهُمْ بِيضُ المَسَافِرِ غُرَّانُ
ولقيته سَفَراً وفي سَفَرٍ أَي عند اسفرار الشمس للغروب؛ قال ابن سيده:
كذلك حكي بالسين. ابن الأَعرابي: السَّفَرُ الفجر؛ قال الأَخطل:
إِنِّي أَبِيتُ، وَهَمُّ المَرءِ يَبْعَثُه،
مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ حتى يُفْرِجَ السَّفَرُ
يريد الصبح؛ يقول: أَبيت أَسري إِلى انفجار الصبح. وسئل أَحمد بن حنبل
عن الإِسْفارِ بالفجر فقال: هو أَن يُصْبِحَ الفَجْرُ لا يُشَكُّ فيه،
ونحو ذلك قال إِسحق وهو قول الشافعي وذويه. وروي عن عمر أَنه قال: صلاة
المغرب والفجَاجُ مُسْفِرَةٌ. قالأَبو منصور: معناه أَي بَيِّنَةٌ مُبْصَرَةٌ
لا تخفى. وفي الحديث: صلاة المغرب يقال لها صلاة البَصَر لأَنها تؤدّى
قبل ظلمة الليل الحائلة بين الأَبصار والشخوص. والسَّفَرُ سَفَرانِ:
سَفَرُ الصبح وسَفَرُ المَسَاء، ويقال لبقية بياض النهار بعد مغيب الشمس:
سَفَرٌ لوضوحه؛ ومنه قول الساجع إِذا طَلَعَتِ الشِّعْرى سَفَرا، ولم تَرَ
فيها مَطَرا؛ أَراد طلوعها عِشاء. وَسَفَرَتِ المرأَة وجهها إِذا كشف
النِّقابَ عن وجهها تَسْفِرُ سُفُوراً؛ ومنه سَفَرْتُ بين القوم أَسْفِرُ
سَِفَارَةً أَي كشفت ما في قلب هذا وقلب هذا لأُصلح بينهم. وسَفَرَتِ
المرأَةُ نِقابَها تَسْفِرُهُ سُفُوراً، فهي سافِرَةٌ: جَلَتْه.
والسَّفِيرُ: الرَّسول والمصلح بين القوم، والجمع سُفَراءُ؛ وقد سَفَرَ
بينهم يَسْفِرُ سَفْراً وسِفارة وسَفارة: أَصلح. وفي حديث عليّ أَنه قال
لعثمان: إِن الناس قد اسْتَسْفَرُوني بينك وبينهم أَي جعلوني سفيراً،
وهو الرسول المصلح بين القوم. يقال: سَفَرْتُ بين القوم إِذا سَعَيْتَ
بينهم في الإصلاح. والسِّفْرُ، بالكسر: الكتاب، وقيل: هو الكتاب الكبير،
وقيل: هو جزء من التوراة، والجمع أَسْفارٌ.والسَّفَرَةُ: الكَتَبَةُ، واحدهم
سافِرٌ، وهو بالنَّبَطِيَّةِ سافرا. قال الله تعالى:بِأَيْدِي سَفرَةٍ؛
وسَفَرْتُ الكتابَ أَسْفِرُهُ سَفْراً. وقوله عز وجل: كَمَثَلِ الحِمارِ
يَحْمِلُ أَسْفاراً؛ قال الزجاج فب الأَسفار: الكتب الكبار واحدها سِفْرٌ،
أَعْلَمَ اللهُ تعالى أَن اليهود مَثَلُهم في تركهم استعمالَ التوراة
وما فيها كَمَثَلِ الحمارُ يُحْمَل عليه الكتب، وهو لا يعرف ما فيها ولا
يعيها.والسَّفَرَةُ: كَتَبَة الملائكة الذين يحصون الأَعمال؛ قال ابن عرفة:
سميت الملائكة سَفَزَةً لأَنهم يَسْفِرُونَ بين الله وبين أَنبيائه؛ قال
أَبو بكر: سموا سَفَرَةً لأَنهم ينزلون بوحي الله وبإِذنه وما يقع به
الصلاح بين الناس، فشبهوا بالسُّفَرَاءِ الذين يصلحون بين الرجلين فيصلح
شأْنهما. وفي الحديث: مَثَلُ الماهِرِ بالقرآن مَثَلُ السَّفَرَةِ؛ هم
الملائكة جمع سافر، والسافِرُ في الأَصل الكاتب، سمي به لأَنه يبين الشيء
ويوضحه. قال الزجاج: قيل للكاتب سافر، وللكتاب سِفْرٌ لأَن معناه أَنه
يبين الشيء ويوضحه. ويقال: أَسْفَرَ الصبح إِذا انكشف وأَضاء إِضاءة لا يشك
فيه؛ ومنه قول النبي، صلى الله عليه وسلم: أَسْفِرُوا بالفجر فإِنه أَعظم
للأَجْرِ؛ يقول: صلوا صلاة الفجر بعدما يتبين الفجر ويظهر ظهوراً لا
ارتياب فيه، وكل من نظر إِليه عرف أَنه الفجر الصادق. وفي الحديث:
أَسْفِرُوا بالفجر؛ أَي صلوا صلاة الفجر مُسْفِرين؛ ويقال: طَوِّلُوها إِلى
الإِسْفارِ؛ قال ابن الأَثير: قالوا يحتمل أَنهم حين أَمرهم بتغليس صلاة الفجر
في أَول وقتها كانوا يصلونها عند الفجر الأَوَّل حرصاً ورغبة، فقال:
أَسْفِرُوا بها أَي أَخروها إِلى أَن يطلع الفجر الثاني وتتحققوه، ويقوّي ذلك
أَنه قال لبلال: نَوِّرْ بالفجْرِ قَدْرَ ما يبصر القوم مواقع
نَبْلِهِم، وقيل: الأَمر بالإِسْفارِ خاص في الليالي المُقْمِرَة لأَن أَوَّل
الصبح لا يتبين فيها فأُمروا بالإِسفار احتياطاً؛ ومنه حديث عمر: صلوا المغرب
والفِجاجُ مُسْفِرَةٌ أَي بينة مضيئة لا تخفى. وفي حديث عَلْقَمَةَ
الثَّقَفِيِّ: كان يأْتينا بلال يُفْطِرُنا ونحن مُسْفِرُون جِدّاً؛ ومنه
قولهم: سفرت المرأَة. وفي التنزيل العزيز: بأَيْدِي سَفَرَةٍ كِرَامٍ
بَرَرَةٍ؛ قال المفسرون. السَّفَرَةُ يعني الملائكة الذين يكتبون أَعمال بني
آدم، واحدهم سافِرٌ مثل كاتِبٍ وكَتَبَةٍ؛ قال أَبو إِسحق: واعتباره بقوله:
كراماً كاتبين يعلمون ما تفعلون؛ وقول أَبي صخر الهذلي:
لِلَيْلَى بذاتِ البَيْنِ دارٌ عَرَفْتُها،
وأُخْرَى بذاتِ الجَيْشِ، آياتُها سَفْرُ
قال السكري: دُرِسَتْ فصارت رسومها أَغفالاً. قال ابن جني: ينبغي أَن
يكون السَّفْرُ من قولهم سَفَرْتُ البيت أَي كنسته فكأَنه من كنست الكتابة
من الطِّرْس. وفي الحديث: أَن عمر، رضي الله عنه، دخل على النبي، صلى
الله عليه وسلم، فقال: لو أَمرت بهذا البيت فَسُفِرَ؛ قال الأَصمعي: أَي
كُنِسَ. والسَّافِرَة: أُمَّةٌ من الروم. وفي حديث سعيد بن المسيب: لولا
أَصواتُ السَّافِرَةِ لسمعتم وَجْبَةَ الشمس؛ قال: والسافرة أُمة من الروم
(* قوله: «أمة من الروم» قال في النهاية كأَنهم سموا بذلك لبعدهم وتوغلهم
في المغرب. والوجبة الغروب يعني صوته فحذف المضاف). كذا جاء متصلاً
بالحديث، ووجبة الشمس وقوعها إِذا غربت.
وسَفَارِ: اسم ماء مؤنثة معرفة مبنية على الكسر. الجوهري: وسَفَارِ مثل
قَطامِ اسم بئر؛ قال الفرزدق:
متى ما تَرِدْ يوماً سَفَارِ، نَجِدْ بهَا
أُدَيْهِمَ يَرْمِي المُسْتَحِيزَ المُعَوَّرَا
وسُفَيْرَةُ: هَضْبَةٌ معروفة؛ قال زهير:
بكتنا أَرضنا لما ظعنَّا
. . . سفيرة والغيام
(* كذا بياض بالأَصل، ولم نجد هذا البيت في ديوان زهير).
ذهن: الذِّهْنُ: الفهم والعقل. والذِّهْن أَيضاً: حِفْظُ القلب، وجمعهما
أَذْهان. تقول: اجعل ذِهْنَك إلى كذا وكذا. ورجل ذَهِنٌ وذِهْنٌ كلاهما
على النسب، وكأَنَّ ذِهْناً مُغيَّر من ذَهِنٍ. وفي النوادر: ذَهِنْتُ
كذا وكذا أَي فهمته. وذَهَنتُ عن كذا: فَهِمْتُ عنه. ويقال: ذَهَنَني عن
كذا وأَذْهَنَني واسْتَذْهَنَني أَي أَنساني وأَلهاني عن الذِّكْرِ.
الجوهري: الذَّهَُ مثل الذِّهْنِ، وهو الفِطْنة والحفظ. وفلانُ يُذاهِنُ الناس
أَي يُفاطنهم. وذاهَنَني فذَهَنْتُه أَي كنت أَجْوَدَ منه ذِهْناً.
والذِّهْنُ أَيضاً: القوَّة؛ قال أَوس بن حَجَر:
أَنُوءُ بِرجْلٍ بها ذِهْنُها
وأَعْيَتْ بها أُخْتُها الغابِرَه
والغابرة هنا: الباقية.
سبح: السَّبْحُ والسِّباحة: العَوْمُ. سَبَحَ بالنهر وفيه يَسْبَحُ
سَبْحاًوسِباحةً، ورجل سابِحٌ وسَبُوح من قوم سُبَحاء، وسَبَّاحٌ من قوم
سَبَّاحين؛ وأَما ابن الأَعرابي فجعل السُّبَحاء جَمْعَ سابح؛ وبه فسر قول
الشاعر:
وماءٍ يَغْرَقُ السُّبَحاءُ فيه،
سَفِينتُه المُواشِكةُ الخَبُوبُ
قال: السُّبَحاءُ جمع سابِحٍ. ويعني بالماء هنا السَّرابَ.
والمُواشِكةُ: الجادَّةُ في سيرها. والخَبُوب، من الخَبَب في السير؛ جعل الناقة مثل
السفينة حين جعل السَّرابَ كالماء. وأَسْبَح الرجلَ في الماء: عَوَّمَه؛
قال أُمية:
والمُسْبِحُ الخُشْبَ، فوقَ الماءِ سَخَّرَها،
في اليَمِّ جَرْيَتُها، كأَنها عُوَمُ
وسَبْحُ الفَرَسِ: جَرْيُه. وفرس سَبُوحٌ وسابِحٌ: يَسْبَحُ بيديه في
سيره. والسَّوابِحُ: الخيل لأَنها تَسْبَح، وهي صفة غالبة.
وفي حديث المقداد: أَنه كان يوم بدرٍ على فرس يقال له سَبْحَة؛ قال ابن
الأَثير: هو من قولهم فرس سابِحٌ إِذا كان حسنَ مَدِّ اليدين في الجَرْي؛
وقوله أَنشده ثعلب:
لقد كانَ فيها للأَمانةِ موضِعٌ،
وللعَيْنِ مُلْتَذٌّ، وللكَفِّ مَسْبَحُ
فسره فقال: معناه إِذا لمسَتها الكف وجدت فيها جميع ما تريد.
والنجوم تَسْبَحُ في الفَلَكِ سَبْحاً إِذا جرت في دَورَانها.
والسَّبْحُ: الفَراغُ. وقوله تعالى: إِنَّ لك في النهار سَبْحاً طويلاً؛ إِنما
يعني به فراغاً طويلاً وتَصَرُّفاً؛ وقال الليث: معناه فراغاً للنوم؛ وقال
أَبو عبيدة: مُنْقَلَباً طويلاً؛ وقال المُؤَرِّجُ: هو الفَراغ والجَيئَة
والذهاب؛ قال أَبو الدُّقَيْش: ويكون السَّبْحُ أَيضاً فراغاً بالليل؛
وقال الفراء: يقول لك في النهار ما تقضي حوائجك؛ قال أَبو إِسحق: من قرأَ
سَبْخاً فمعناه قريب من السَّبْح، وقال ابن الأَعرابي: من قرأَ سَبْحاً
فمعناه اضطراباً ومعاشاً، ومن قرأَ سَبْخاً أَراد راحة وتخفيفاً
للأَبدان.قال ابنُ الفَرَج: سمعت أَبا الجَهْم الجَعْفَرِيِّ يقول: سَبَحْتُ في
الأَرض وسَبَخْتُ فيها إِذا تباعدت فيها؛ ومنه قوله تعالى: وكلٌّ في
فَلَكٍ يَسْبَحُون أَي يَجْرُونَ، ولم يقل تَسْبَحُ لأَنه وصفها بفعل من يعقل؛
وكذلك قوله: والسَّابحاتِ سَبْحاً؛ هي النجوم تَسْبَحُ في الفَلَكِ أَي
تذهب فيها بَسْطاً كما يَسْبَحُ السابحُ في الماء سَبْحاً؛ وكذلك السابح
من الخيل يمدّ يديه في الجري سَبْحاً؛ وقال الأَعشى:
كم فيهمُ من شَطْبَةٍ خَيْفَقٍ،
وسابِحٍ ذي مَيْعَةٍ ضامِرِ
وقال الأَزهري في قوله عز وجل: والسابِحاتِ سَبْحاً فالسَّابِقاتِ
سَبْقاً؛ قيل: السابحاتُ السُّفُنُ، والسابقاتُ الخيلُ، وقيل: إِنها أَرواح
المؤمنين تخرج بسهولة؛ وقيل: الملائكة تَسْبَحُ بين السماء والأَرض.
وسَبَحَ اليَرْبُوعُ في الأَرض إِذا حفر فيها، وسَبَحَ في الكلام إِذا أَكثر
فيه. والتَّسبيح: التنزيه.
وسبحان الله: معناه تنزيهاً لله من الصاحبة والولد، وقيل: تنزيه الله
تعالى عن كل ما لا ينبغي له أَن يوصف، قال: ونَصْبُه أَنه في موضع فعل على
معنى تسبيحاً له، تقول: سَبَّحْتُ الله تسبيحاً له أَي نزهته تنزيهاً،
قال: وكذلك روي عن النبي، صلى الله عليه وسلم؛ وقال الزجاج في قوله تعالى:
سُبْحانَ الذي أَسْرَى بعبده ليلاً؛ قال: منصوب على المصدر؛ المعنى
أُسبِّح الله تسبيحاً. قال: وسبحان في اللغة تنزيه الله، عز وجل، عن السوء؛
قال ابن شميل: رأَيت في المنام كأَنَّ إِنساناً فسر لي سبحان الله، فقال:
أَما ترى الفرس يَسْبَحُ في سرعته؟ وقال: سبحان الله السرعةُ إِليه
والخِفَّةُ في طاعته، وجِماعُ معناه بُعْدُه، تبارك وتعالى، عن أَن يكون له
مِثْلٌ أَو شريك أَو ندٌّ أَو ضدّ؛ قال سيبويه: زعم أَبو الخطاب أَن سبحان
الله كقولك براءَةَ الله أَي أُبَرِّئُ اللهَ من السوء براءةً؛ وقيل:
قوله سبحانك أَي أُنزهك يا رب من كل سوء وأُبرئك. وروى الأَزهري بإِسناده
أَن ابن الكَوَّا سأَل عليّاً، رضوان الله تعالى عليه، عن سبحان الله،
فقال: كلمة رضيها الله لنفسه فأَوصى بها. والعرب تقول: سُبْحانَ مِن كذا إِذا
تعجبت منه؛ وزعم أَن قول الأَعشى في معنى البراءة أَيضاً:
أَقولُ لمَّا جاءني فَخْرُه:
سبحانَ مِن عَلْقَمَةَ الفاخِرِ
أَي براءةً منه؛ وكذلك تسبيحه: تبعيده؛ وبهذا استدل على أَن سبحان معرفة
إِذ لو كان نكرة لانصرف. ومعنى هذا البيت أيضاً: العجب منه إِذ
يَفْخَرُ، قال: وإِنما لم ينوّن لأَنه معرفة وفيه شبه التأْنيث؛ وقال ابن بري:
إِنما امتنع صرفه للتعريف وزيادة الأَلف والنون، وتعريفه كونه اسماً علماً
للبراءة، كما أَن نَزالِ اسم علم للنزول، وشَتَّانَ اسم علم للتفرّق؛
قال: وقد جاء في الشعر سبحان منوّنة نكرة؛ قال أُمية:
سُبْحانَه ثم سُبْحاناً يَعُودُ له،
وقَبْلَنا سَبَّح الجُودِيُّ والجُمُدُ
وقال ابن جني: سبحان اسم علم لمعنى البراءة والتنزيه بمنزلة عُثْمانَ
وعِمْرانَ، اجتمع في سبحان التعريف والأَلف والنون، وكلاهما علة تمنع من
الصرف.
وسَبَّح الرجلُ: قال سبحان الله؛ وفي التنزيل: كلٌّ قد عَلِمَ صلاتَه
وتسبيحَه؛ قال رؤبة:
سَبَّحْنَ واسْتَرْجَعْنَ مِن تَأَلُّهِ
وسَبَحَ: لغة، حكى ثعلب سَبَّح تسبيحاً وسُبْحاناً، وعندي أَن سُبْحاناً
ليس بمصدر سَبَّح، إِنما هو مصدر سَبَح، إِنما هو مصدر سَبَح. وفي
التهذيب: سَبَّحْتُ الله تسبيحاً وسُبْحاناً بمعنى واحد، فالمصدر تسبيح،
والاسم سُبْحان يقوم مقام المصدر. وأَما قوله تعالى: تُسَبِّح له السمواتُ
السبعُ والأَرضُ ومَن فيهن وإِنْ من شيء إِلاَّ يُسَبِّحُ بحمده ولكن لا
تَفْقَهُونَ تسبيحَهم؛ قال أَبو إِسحق: قيل إِن كل ما خلق الله يُسَبِّحُ
بحمده، وإِن صَريرَ السَّقْف وصَريرَ الباب من التسبيح، فيكون على هذا
الخطابُ للمشركين وحدهم: ولكن لا تفقهون تسبيحهم؛ وجائز أَن يكون تسبيح هذه
الأَشياء بما الله به أَعلم لا نَفْقَه منه إِلا ما عُلِّمْناه، قال: وقال
قوم وإِنْ من شيء إِلا يسبح بحمده أَي ما من دابة إلا وفيه دليل أَن
الله، عز وجل، خالقه وأَن خالقه حكيم مُبَرَّأٌ من الأَسْواء ولكنكم، أَيها
الكفار، لا تفقهون أَثر الصَّنْعة في هذه المخلوقات؛ قال أَبو إِسحق:
وليس هذا بشيء لأَن الذين خوطبوا بهذا كانوا مقرّين أَن الله خالقُهم وخالقُ
السماء والأَرض ومن فيهن، فكيف يجهلون الخِلْقَة وهم عارفون بها؟ قال
الأَزهري: ومما يدلك على أَن تسبيح هذه المخلوقات تسبيح تَعَبَّدَتْ به
قولُ الله عز وجل للجبال: يا جبالُ أَوِّبي معه والطيرَ؛ ومعنى أَوِّبي
سَبِّحي مع داود النهارَ كلَّه إِلى الليل؛ ولا يجوز أَن يكون معنى أَمر الله
عز وجل للجبال بالتأْويب إِلا تَعَبُّداً لها؛ وكذلك قوله تعالى: أَلم
ترَ أَن الله يسجد له من في السموات ومن في الأَرض والشمسُ والقمرُ
والنجومُ والجبالُ والشجرُ والدوابُّ وكثير من الناس، فسجود هذه المخلوقات
عبادة منها لخالقها لا نَفْقَهُها عنها كما لا نفقه تسبيحها؛ وكذلك قوله:
وإِن من الحجارة لما يَتَفَجَّر منه الأَنهارُ وإِنَّ منها لما يَشَّقَّقُ
فيَخْرج منه الماءُ وإِنَّ منها لما يهبِطُ من خشية الله؛ وقد عَلِم اللهُ
هُبوطَها من خشيته ولم يعرّفنا ذلك فنحن نؤمن بما أُعلمنا ولا نَدَّعِي
بما لا نُكَلَّف بأَفهامنا من عِلْمِ فِعْلِها كيفيةً نَحُدُّها.
ومن صفات الله عز وجل: السُّبُّوحُ القُدُّوسُ؛ قال أَبو إِسحق:
السُّبُّوح الذي يُنَزَّه عن كل سُوء، والقُدُّوسُ: المُبارَك، وقيل: الطاهر؛
وقال ابن سيده: سُبُّوحٌ قُدُّوس من صفة الله عز وجل، لأَنه يُسَبَّحُ
ويُقَدَّسُ، ويقال: سَببوحٌ قَدُّوسٌ؛ قال اللحياني: المجتمع عليه فيها الضم،
قال: فإِن فتحته فجائز؛ هذه حكايته ولا أَدري ما هي. قال سيبويه: إِنما
قولهم سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ رب الملائكة والروح؛ فليس بمنزلة سُبْحان لأَن
سُبُّوحاً قُدُّوساً صفة، كأَنك قلت ذكرت سُبُّوحاً قُدُّوساً فنصبته على
إِضمار الفعل المتروك إِظهاره، كأَنه خطر على باله أَنه ذَكَره ذاكِرٌ،
فقال سُبُّوحاً أَي ذَكرت سبوحاً، أَو ذَكَره هو في نفسه فأَضمر مثل ذلك،
فأَما رَفْعُه فعلى إِضمار المبتدإِ وتَرْكُ إِظهارِ ما يَرْفع كترك
إظهار ما يَنْصِب؛ قال أَبو إِسحق: وليس في كلام العرب بناءٌ على فُعُّول،
بضم أَوّله، غير هذين الاسمين الجليلين وحرف آخر
(* قوله «وحرف آخر إلخ» نقل
شارح القاموس عن شيخه قال: حكى الفهري عن اللحياني في نوادره اللغتين في
قولهم ستوق وشبوك لضرب من الحوت وكلوب اهـ ملخصاً. قوله والفتح فيهما
إلخ عبارة النهاية. وفي حديث الدعاء سبوح قدّوس يرويان بالفتح والضم،
والفتح فيهما إِلى قوله والمراد بهما التنزيه.) وهوقولهم للذِّرِّيحِ، وهي
دُوَيْبَّةٌ: ذُرُّوحٌ، زادها ابن سيده فقال: وفُرُّوجٌ، قال: وقد يفتحان
كما يفتح سُبُّوح وقُدُّوسٌ، روى ذلك كراع. وقال ثعلب: كل اسم على فَعُّول
فهو مفتوح الأَول إِلاَّ السُّبُّوح وقُدُّوسٌ، روى ذلك كراع.وقال ثعلب:
كل اسم على فَعُّول فهو مفتوح الأَول إِلاَّ السُّبُّوحَ والقُدُّوسَ،
فإِن الضم فيهما أَكثر؛ وقال سيبويه: ليس في الكلام فُعُّول بواحدة، هذا
قول الجوهري؛ قال الأَزهري: وسائر الأَسماء تجيء على فَعُّول مثل سَفُّود
وقَفُّور وقَبُّور وما أَشبههما، والفتح فيهما أَقْيَسُ، والضم أَكثر
استعمالاً، وهما من أَبنية المبالغة والمراد بهما التنزيه.
وسُبُحاتُ وجهِ الله، بضم السين والباء: أَنوارُه وجلالُه وعظمته. وقال
جبريل، عليه السلام: إِن لله دون العرش سبعين حجاباً لو دنونا من أَحدها
لأَحرقتنا سُبُحاتُ وجه ربنا؛ رواه صاحب العين، قال ابن شميل: سُبُحاتُ
وجهه نُورُ وجهه. وفي حديث آخر: حجابُه النورُ والنارُ، لو كشفه لأَحْرقت
سُبُحاتُ وجهه كلَّ شيء أَدركه بصَرُه؛ سُبُحاتُ وجه الله: جلالُه
وعظمته، وهي في الأَصل جمع سُبْحة؛ وقيل: أَضواء وجهه؛ وقيل: سُبْحاتُ الوجه
محاسنُه لأَنك إِذا رأَيت الحَسَنَ الوجهِ قلت: سبحان الله وقيل: معناه
تنزيهٌ له أَي سبحان وجهه؛ وقيل: سُبْحاتُ وجهه كلام معترض بين الفعل
والمفعول أَي لو كشفها لأَحرقت كل شيء أَدركه بصره، فكأَنه قال: لأَحرقتُ
سُبُحاتُ الله كل شيء أَبصره، كما تقول: لو دخل المَلِكُ البلدَ لقتل،
والعِياذُ بالله، كلَّ من فيه؛ قال: وأَقرب من هذا كله أَن المعنى: لو انكشف من
أَنوار الله التي تحجب العباد عنه شيء لأَهلك كلَّ من وقع عليه ذلك
النورُ، كما خَرَّ موسى، على نبينا وعليه السلام، صَعِقاً وتَقَطَّعَ الجبلُ
دَكّاً، لمَّا تجلى الله سبحانه وتعالى؛ ويقال: السُّبُحاتُ مواضع
السجود.والسُّبْحَةُ: الخَرَزاتُ التي يَعُدُّ المُسَبَّحُ بها تسبيحه، وهي
كلمة مولَّدة.
وقد يكون التسبيح بمعنى الصلاة والذِّكر، تقول: قَّضَيْتُ سُبْحَتي.
وروي أَن عمر، رضي الله عنه، جَلَدَ رجلين سَبَّحا بعد العصر أَي صَلَّيا؛
قال الأَعشى:
وسَبِّحْ على حين العَشِيَّاتِ والضُّحَى،
ولا تَعْبُدِ الشيطانَ، واللهَ فاعْبُدا
يعني الصلاة بالصَّباح والمَساء، وعليه فسر قوله: فسُبْحانَ الله حين
تُمْسون وحين تُصْبحون؛ يأْمرهم بالصلاة في هذين الوَقتين؛ وقال الفراء:
حين تمسون المغرب والعشاء، وحين تصبحون صلاة الفجر، وعشيّاً العصر، وحين
تظهرون الأُولى. وقوله: وسَبِّحْ بالعَشِيِّ والإِبْكارِ أَي وصَلِّ. وقوله
عز وجل: فلولا أَنه كان من المُسَبِّحين؛ أَراد من المصلين قبل ذلك،
وقيل: إِنما ذلك لأَنه قال في بطن الحوت: لا إِله إِلاَّ أَنت سبحانك إِني
كنت من الظالمين. وقوله: يُسَبِّحُونَ الليلَ والنهارَ لا يَفْتُرونَ؛
يقال: إِن مَجْرَى التسبيح فيهم كمَجرى النَّفَسِ منا لا يَشْغَلُنا عن
النَّفَسِ شيء. وقوله: أَلم أَقُلْ لكم لولا تُسَبِّحون أَي تستثنون، وفي
الاستثناء تعظيمُ الله والإِقرارُ بأَنه لا يشاء أَحدٌ إِلاَّ أَن يشاء
الله، فوضع تنزيه الله موضع الاستثناء.
والسُّبْحةُ: الدعاء وصلاةُ التطوع والنافلةُ؛ يقال: فرغ فلانٌ من
سُبْحَته أَي من صلاته النافلة، سمِّيت الصلاة تسبيحاً لأَن التسبيح تعظيم
الله وتنزيهه من كلِّ سوء؛ قال ابن الأَثير: وإِنما خُصت النافلة
بالسُّبْحة، وإِن شاركتها الفريضة في معنى التسبيح، لأَن التسبيحات في الفرائض
نوافلُ، فقيل لصلاة النافلة سُبْحة لأَنها نافلة كالتسبيحات والأَذكار في
أَنها غير واجبة؛ وقد تكرر ذكر السُّبْحة في الحديث كثيراً فمنها: اجعلوا
صلاتكم معهم سُبْحَةً أَي نافلة، ومنها: كنا إِذا نزلنا منزلاً لا
نُسَبِّحُ حتى نَحُلَّ الرِّحال؛ أَراد صلاة الضحى، بمعنى أَنهم كانوا مع
اهتمامهم بالصلاة لا يباشرونها حتى يَحُطُّوا الرحال ويُريحوا الجمالَ رفقاً بها
وإِحساناً. والسُّبْحَة: التطوُّع من الذِّكر والصلاة؛ قال ابن الأَثير:
وقد يطلق التسبيح على غيره من أَنواع الذكر مجازاً كالتحميد والتمجيد
وغيرهما. وسُبْحَةُ الله: جلالُه.
وقيل في قوله تعالى: إِن لك في النهار سَبْحاً طويلاً أَي فراغاً للنوم،
وقد يكون السَّبْحُ بالليل. والسَّبْحُ أَيضاً: النوم نفسه.
وقال ابن عرفة الملقب بنفطويه في قوله تعالى: فَسَبِّحْ باسم ربك العظيم
أَي سبحه بأَسمائه ونزهه عن التسمية بغير ما سمَّى به نفسه، قال: ومن
سمى الله تعالى بغير ما سمى به نفسه، فهو مُلْحِدٌ في أَسمائه، وكلُّ من
دعاه بأَسمائه فَمُسَبِّح له بها إِذ كانت أَسماؤُه مدائح له وأَوصافاً؛
قال الله تعالى: ولله الأَسماء الحُسْنى فادْعُوه بها، وهي صفاته التي وصف
بها نفسه، وكل من دعا الله بأَسمائه فقد أَطاعه ومدحه ولَحِقَه ثوابُه.
وروي عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أَنه قال: ما أَحدٌ أَغْيَرَ من
الله ولذلك حَرَّمَ الفواحشَ، وليس أَحدٌ أَحبَّ إِليه المَدْحُ من الله
تعالى. والسَّبْحُ أَيضاً: السكون. والسَّبْحُ: التقَلُّبُ والانتشار في
الأَرض والتَّصَرُّفُ في المعاش، فكأَنه ضِدٌّ.
وفي حديث الوضوء: فأَدخل اصْبُعَيْه السَّبَّاحَتَيْنِ في أُذنيه؛
السَّبَّاحةُ والمُسَبِّحةُ: الإِصبع التي تلي الإِبهام، سميت بذلك لأَنها
يشار بها عند التسبيح. والسَّبْحَةُ، بفتح السين: ثوب من جُلُود، وجمعها
سِباحٌ؛ قال مالك بن خالد الهذلي:
وسَبَّاحٌ ومَنَّاحٌ ومُعْطٍ،
إِذا عادَ المَسارِحُ كالسِّباحِ
وصحَّف أَبو عبيدة هذه الكلمة فرواها بالجيم؛ قال ابن بري: لم يذكر،
يعني الجوهري، السَّبْحَة، بالفتح، وهي الثياب من الجلود، وهي التي وقع فيها
التصحيف، فقال أَبو عبيدة: هي السُّبْجة، بالجيم وضم السين، وغلط في
ذلك، وإِنما السُّبْجَة كساء أَسود، واستشهد أَبو عبيدة على صحة قوله بقول
مالك الهذلي:
إِذا عاد المسارح كالسباج
فصحَّف البيت أَيضاً، قال: وهذا البيت من قصيدة حائية مدح بها زهيرَ بنَ
الأَغَرِّ اللحياني، وأَوَّلها:
فَتًى ما ابنُ الأَغَرِّ، إِذا شَتَوْنا،
وحُبَّ الزَّادُ في شَهْرَيْ قُِماحِ
والمسارح: المواضع التي تسرح إِليها الإِبل، فشبهها لمَّا أَجدبت
بالجلود المُلْسِ في عدم النبات، وقد ذكر ابن سيده في ترجمة سبج، بالجيم، ما
صورته: والسِّباحُ ثياب من جلود، واحدتها سُبْجَة، وهي بالحاء أَعلى، على
أَنه أَيضاً قد قال في هذه الترجمة: إِن أَبا عبيدة صحَّف هذه الكلمة
ورواها بالجيم كما ذكرناه آنفاً، ومن العجب وقوعه في ذلك مع حكايته عن أَبي
عبيدة أَنه وقع فيه، اللهم إِلا أَن يكون وجد ثقلاً فيه، وكان يتعين عليه
أَنه لو وجد نقلاً فيه أَن يذكره أَيضاً في هذه الترجمة عند تخطئته لأَبي
عبيدة ونسبته إِلى التصحيف ليسلم هو أَيضاً من التهمة والانتقاد.
أَبو عمرو: كساءٌ مُسبَّح، بالباء، قوي شديد، قال: والمُسَبَّحُ، بالباء
أَيضاً، المُعَرَّضُ، وقال شمر: السِّباحُ، بالحاء، قُمُصٌ للصبيان من
جلود؛ وأَنشد:
كأَنَّ زوائِدَ المُهُراتِ عنها
جَواري الهِنْدِ، مُرْخِيةَ السِّباحِ
قال: وأَما السُّبْحَة، بضم السين والجيم، فكساء أَسود.
والسُّبْحَة: القطعة من القطن.
وسَبُوحةُ، بفتح السين مخففة: البلدُ الحرامُ، ويقال: وادٍ بعرفات؛ وقال
يصف نُوقَ الحجيج:
خَوارِجُ من نَعْمانَ، أَو من سَبُوحةٍ
إِلى البيتِ، أَو يَخْرُجْنَ من نَجْدِ كَبْكَبِ
صلم: صَلَمَ الشيءَ صَلْماً: قطعه من أصله، وقيل: الصَّلْمُ قطع الأُذن
والأنف من أَصلهما. صَلَمهما يَصْلِمُهما صَلْماً وصَلَّمَهُما إذا
اسْتَأْصَلَهما، وأُذُنٌ صَلْماء لِرِقَّةِ شَحْمتها. وعبد مُصَلَّم
وأَصْلَمُ: مقطوعُ الأُذن. ورجل أَصْلَمُ إذا كان مُسْتَأْصَل الأُذنين. ورجل
مُصَلَّم الأُذنين إذا اقْتُطِعَتا من أُصولهما. ويقال للظَّليم مُصَلَّمُ
الأُذنين كأَنه مْسْتَأْصَلُ الأُذنين خِلْقةً. والظَّلِيمُ مُصَلَّم،
وُصِفَ بذلك لصغر أُذنيه وقِصَرِهِما؛ قال زهير:
أَسَكُّ مُصَلَّمُ الأُذُنَيْنِ أجْنَى،
له، بالسِّيِّ، تَنُّومٌ وآءُ
(* في ديوان زهير: أصَكّ، وهو المتقارب العرقوبين، بدل اسَكّ وهو القصير
الاذن الصغيرها).
وفي حديث ابن الزبير لما قُتل أخوه مُصْعَبٌ: أَسْلَمَه النَّعامُ
المُصَلَّمُ الآذانِ أَهلُ العراقِ؛ يقال للنعام مُصَلَّمٌ لأنها لا آذانَ لها
ظاهرةً. والصَّلْمُ: القَطْعُ المُسْتَأْصِلُ؛ فإذا أُطلق على الناس
فإنما يراد به الذليلُ المُهانُ كقوله:
فإنْ أَنْتُمُ لم تَثْأَرُوا واتَّدَيْتُمُ،
فَمَشُّوا بآذانِ النَّعامِ المُصَلَّمِ
والأَصْلَمُ من الشِّعْر: ضَرْبٌ من المديد والسريع على التشبيه.
التهذيب: والأَصْلَم المُصَلَّمُ من الشِّعْر وهو ضرب من السريع يجوز في قافيته
فَعْلُن فَعْلُن كقوله:
ليس على طُولِ الحياةِ نَدَمْ،
ومِنْ وَراءِ الموتِ ما يُعْلَمْ
والصَّيْلَمُ: الداهية لأَنها تَصْطَلِمُ، ويُسَمَّى السيفُ صَيْلَماً؛
قال بِشْرُ بن أَبي خازم:
غَضِبَتْ تَميمٌ أن تَقَتَّلَ عامِرٌ،
يَوْمَ النِّسارِ، فأُعْتِبُوا بالصَّيْلَمِ
قال ابن بري: ويروى فأُعْقِبُوا بالصَّيْلَم أي كانت عاقبتُهم
الصَّيْلَمَ؛ قال ابن بري: وشاهدُ الصَّيْلَمِ الداهيةِ قول الراجز:
دَسُّوا فَلِيقاً ثم دَسُّوا الصَّيْلَما
وفي حديث ابن عمر: فيكون الصَّيْلَمُ بيني وبينه أي القطيعة المُنْكَرة.
والصَّيْلَمُ: الداهية، والياء زائدة. وفي حديث ابن عمرو: اخرُجُوا يا
أَهلَ مكة قبل الصَّيْلَمِ كأَنِّي به أُفَيْحِجَ أُفَيْدِعَ يَهْدِمُ
الكَعْبةَ. التهذيب في ترجمة صنم قال: والصَّنَمَة الداهية، قال الأزهري:
أصلها صَلَمة. وأمر صَيْلَم: شديد مُستأْصِل، وهو الصَّيْلَميَّة.
والصَّيْلَم: الأمر المُسْتأْصِلُ، ووقعة صَيْلَمَة من ذلك.
والاصْطِلامُ: الاسْتِئْصالُ. واصْطُلِمَ القوم: أُبيدوا. والاصْطِلامُ
إذا أُبيد قَومٌ من أَصلهم قيل اصْطُلِمُوا. وفي حديث الفتن:
وتُصْطَلَمُون في الثالثة؛ الاصْطِلامُ افْتِعالٌ من الصَّلْمِ القطع.
وفي حديث الهَدْيِ والضحايا: ولا المُصْطَلَمَةُ أَطْباؤُها. وحديث
عاتكة: لئن عدْتُم ليَصْطَلِمَنَّكم.
والصَّيْلَمُ: الأَكْلَةُ الواحدة كل يوم. وهو يأْكل الصَّيْلَم: وهي
أَكْلَةٌ في الضُّحَى، كما تقول: هو يأْكل الصَّيْرَمَ؛ حكاهما جميعاً
يعقوب.
والصَّلامَةُ والصِّلامَةُ والصُّلامةُ: الفِرْقةُ من الناس.
والصُّلاماتُ والصِّلاماتُ: الجماعات والفِرَقُ. وفي حديث ابن مسعود: وذَكَرَ
فِتَناً فقال يكون الناسُ صُِلاماتٍ يَضْربُ بعضُهم رقابَ بعض؛ قال أبو عبيد:
قوله صُِلامات يعني الفِرَق من الناس يكونون طوائفَ فتجْتَمع كلُّ فرقة
على حِيالها تُقاتل أُخرى، وكلُّ جماعة فهي صُلامَةٌ وصِلامَةٌ؛ قال ابن
الأَعرابي: صَلامَةٌ بفتح الصادِ؛ وأَنشد أبو الجَرَّاح:
صَلامَةٌ كحُمُرِ الأَبَكِّ،
لا ضَرَعٌ فيها ولا مُذَكِّي
والصَّلامَةُ: القوم المُسْتَوُون في السِّنِّ والشجاعةِ والسَّخاء.
والصَّلاَّم والصُّلاَّمُ: لُبُّ نَوَى النَّبِقِ. التهذيب: الصُّلاَّمُ
الذي في داخل نَواةِ النَّبِقَةِ يؤكل، وهو الأُلْبُوبُ.