والنعجة الهرمة
والنعجة الهرمة
هجم: هَجَم على القوم يَهْجُم هُجوماً: انتهى إِليهم بَغْتة، وهَجَم
عليه الخَيْلَ
وهَجَم بها. الليث: يقال: هَجَمْنا الخَيْلَ، قال: ولم أَسمعهم يقولون
أَهْجَمْنا، واستعاره عليٌّ، كرَّم الله وجهه، للعِلَم فقال: هَجَم بهم
العِلْمُ على حقائق الأُمور فباشَرُوا رَوْحَ اليقين. وهَجَمَ عليهم: دخل،
وقيل: دخل بغير إِذن. وهَجَمَ غَيْرَه عليهم وهو هَجُومًٌ: أَدْخله؛
أَنشد سيبويه:
هَجُومٌ علينا نَفْسَه، غيرَ أَنَّه
متى يُرْمَ في عَيْنَيه، بالشَّبْح، يَنْهَض
(* قوله «هجوم علينا» في المحكم: هجوم عليها).
يعني الظليم. الجوهري وغيره: وهَجَمْتُ أَنا على الشيء بَغْتةً أَهْجُمُ
هُجُوماً وهَجَمْتُ غَيْري، يتعدَّى ولا يتعدى. وهَجَم الشتاءُ: دَخَل.
ابن سيده: وهَجَم البيتَ
يَهْجِمُه هَجْماً هَدَمه. وبيت مَهْجومٌ: حُلَّتْ أَطْنابُه
فانْضَمَّتْ سِقابُه أَي أَعْمِدتُه، وكذلك إِذا وَقَع؛ قال علقمة بن
عبدة:صَعْلٌ كأَنَّ جناحَيْه وجُؤْجُؤَه
بَيْتٌ، أَطافَتْ به خَرْقاءُ، مَهْجوم
الخَرْقاء ههنا: الريح. وهُجِمَ البيتُ إِذا قُوِّض. ولما قُتِل
بِسْطامُ بن قيس لم يَبْقَ بيت في ربيعة إِلا هُجِم أَي قُوِّض. والهَجْم:
الهَدْم. وهَجَم البيتُ
وانْهَجَم: انْهَدَم. وانْهَجَم الخِباءُ: سَقَط. والهَجُوم: الريحُ
التي تشتدّ حتى تَقْلَع البيوتَ والثُّمامَ. وريح هَجُومٌ: تَقْلعُ البيوتَ
والثُّمامَ. والريحُ تَهْجُمُ الترابَ على الموضع. تَجْرُفه فتلقيه
عليه؛: قال ذو الرمة يصف عَجاجاً جَفَلَ من موضعه فهَجَمَتْه الريحُ على هذه
الدار:
أَوْدى بها كلُّ عَرَّاصٍ أَلَثَّ بها،
وجافِلٌ من عَجاجِ الصَّيْف مَهْجوم
وهَجَمَتْ عينُه تَهْجُم هَجْماً وهُجوماً: غارت. وفي حديث النبي، صلى
الله عليه وسلم: أَنه قال لعبد الله بن عمرو حين ذكَر قيامه بالليل
وصيامَه بالنهار: إِنك إِذا فعلت ذلك هَجَمَتْ عيناكَ أَي غارَتا ودخَلَتا في
موضعهما؛ قال أَبو عبيد: ومنه هَجَمْتُ على القوم إِذا دخلت عليهم، وكذلك
هَجَمَ
عليهم البيتُ إِذا سقط عليهم. وانْهَجَمت عينُه: دمَعَت. قال شمر: لم
أَسمع انْهَجَمت عينُه بمعنى دمَعَت إِلا ههنا، قال: وهو بمعنى غارَتْ،
معروفٌ. وهَجَم ما في ضرع الناقة يَهْجُمه هَجْماً واهْتَجَمه: حَلَبه؛
وهَجَمْتُ ما في ضرعها إِذا حَلبْت كلَّ ما فيه؛ وأَنشد لرؤْبة:
إِذا التَقَتْ أَرْبَعُ أَيْدٍ تَهْجُمُهْ،
حَفَّ حَفِيفَ الغيْثِ جادَتْ دِيَمُهْ
قال: ومنه قول غَيْلان بن حُرَيْث:
وامْتاح مني حَلَباتِ الهاجِمِ
وهَجَمَ الناقة نَفْسَها وأَهْجَمَها: حَلَبها. والهَجِيمةُ: اللبنُ قبل
أَن يُمْخَض، وقيل: هو الخاثرُ من أَلبْان الشاءِ، وقيل: هو اللبن الذي
يُحْقَنُ في السِّقاء الجديد ثم يُشْرَب ولا يُمْخَض، وقيل هو ما لم
يَرُبْ أَي يَخْثُر وقد الهْاجَّ لأَن يَروبَ؛ قال أَبو منصور: وهذا هو
الصواب. قال أَبو الجرّاح: إِذا ثَخُنَ اللبنُ وخَثُر فهو الهَجِيمةُ. ابن
الأَعرابي: الهَجِيمةُ ما حَلَبْته من اللبن في الإِناء، فإِذا سكَنتْ
رَغْوتُه حَوَّلْتَه إِلى السِّقاء. وهاجِرةٌ هَجُومٌ: تَحْلُب العرَقَ؛
وأَنشد ابن السكيت:
والعِيسُ تَهْجُمُها الحَرورُ كأَنَّها
أَي تَحْلُب عرَقَها؛ ومنه هَجَمَ الناقةَ إِذا حَطَّ ما في ضرعها من
اللبن. يقال: تَحَمَّمَ فإِنَّ الحَمَّام هَجُومٌ، أَي مُعَرِّقٌ يُسِيل
العَرَقَ. والهَجْمُ: العَرَقُ، قال: وقد هَجَمَتْه الهَواجِر. وانْهَجَمَ
العرَقُ: سالَ. والهَجْم والهَجَمُ؛ الأَخيرة عن كراع: القَدَحُ الضَّخْم
يُحْلب فيه، والجمع أَهْجامٌ؛ قال الشاعر:
كانت إِذا حالِبُ الظَّلْماء أَسْمَعَها،
جاءت إِلى حالِبِ الظَّلْماءِ تَهْتَزِمُ
فَتَمْلأُ الهَجْمَ عَفْواً وهي وادِعةٌ،
حتى تكادَ شِفاه الهَجْمِ تَنْثَلِمُ
ابن الآَعرابي: هو القدَحُ والهَجَمُ
والعَسْفُ والأَجَمُّ والعَتادُ؛ وأَنشد ابن بري لشاعر:
إِذا أُنِيخَتْ والْتَقَوْا بالأَهْجامْ،
أَوْفَت لهم كَيْلاً سَريع الإِعْذامْ
الأَصمعي: يقال هَجَمٌ وهَجْمٌ للقَدَحِ؛ قال الراجز:
ناقةُ شيخٍ للإِلهِ راهِبِ،
تَصُفُّ في ثلاثةِ المَحالِبِ:
في الهَجَمَيْنِ، والْهَنِ المُقارِبِ
قال: الهَجَمُ العُسُّ الضخم أَي تجمع بين مِحْلَبَيْنِ أَو ثلاثة ناقة
صَفوفٌ تجمع بين المحالب، قال: والفَرَق أَربعةُ أَرباع؛ وأَنشد:
تَرْفِد بعدَ الصَّفِّ في فُرْقانِ
جمع الفَرَق وهو أَربعة أَرباعٍ، والهنُ المُقارِبُ: الذي بين
العُسَّين.والهَجْمةُ: القطْعة الضَّخْمة من الإِبل، وقيل: هي ما بين الثلاثين
والمائة؛ ومما يَدلّك على كثرتها قوله:
هَلْ لكِ، والعارِضُ منكِ عائِضُ،
في هَجْمَةٍ يُسْئِرُ منها القابِضُ؟
(* قوله «هل لك إلخ» صدره كما في مادة عرض:
يل ليل أسقاك البريق الوامض
هل لك إلخ وهو لأبي محمد الفقعسي يخاطب امرأة يرغبها في أن تنكحه،
والمعنى: هل لك في هجمة يبقي منها سائقها لكثرتها عليه، والعارض أي المعطي في
نكاحك عرضاً، وعائض أي آخذ عوضاً منك بالتزويج).
وقيل: الهَجْمةُ أَوَّلُها الأَرْبَعون إِلى ما زادت، وقيل: هي ما بين
السَّبْعِين إِلى دُوَيْن المائة، وقيل: هي ما بين السبعين إِلى المائة؛
قال المعْلُوط:
أَعاذِل، ما يُدْريك أَنْ رُبَّ هَجْمةٍ
لأَخْفافِها فَوْقَ المِتانِ فَدِيدُ؟
وقيل: هي ما بين التِّسعين إِلى المائة، وقيل: ما بين الستِّين إِلى
المائة؛ وأَنشد الأَزهري:
بهَجْمَةٍ تَمْلأُ عَيْنَ الحاسِدِ
وقال أَبو حاتم: إِذا بلغت الإِبلُ سِتِّين فهي عَجْرمة، ثم هي هَجْمةٌ
حتى تبلغ المائة، وقيل: الهَجْمة من الإِبل أَولها الأربعون إِلى ما
زادَت، والهُنَيدَةُ المائة فقط. وفي حديث إِسلام أَبي ذر: فَضَمَمْنا
صِرْمتَه إِلى صِرْمَتِنا فكانت لنا هَجْمةٌ؛ الهَجْمَةُ من الإِبل: قريبٌ من
المائة؛ واستعار بعضُ الشُّعراء الهَجْمَةَ للنَّخْل مُحاجِياً بذلك
فقال:إِلى اللهِ أَشْكُو هَجْمةً عَرَبيَّةً،
أَضَرَّ بها مَرُّ السِّنينَ الغوابِرِ
فأَضْحَتْ رَوايا تَحْمِل الطِّينَ، بعدما
تكونُ ثِمالَ المُقْتِرِينَ المَفاقِرِ
والهَجْمةُ: النَّعْجةُ الهَرِمة.
وهَجَمَ الشيءُ: سَكنَ وأَطْرَق؛ قال ابن مقبل:
حتى اسْتَبَنتُ الهُدى، والبيدُ هاجمةٌ،
يَخشَعْنَ في الآلِ غُلْفاً أَو يُصَلِّينا
والاهْتِجامُ: آخر الليل. والهَجْمُ: السَّوْق الشديد؛ قال رؤبة:
والليلُ يَنْجُو والنهارُ يَهْجُمهْ
وهَجَمَ الرجلَ وغيره يَهْجُمُه هَجْماً: ساقه وطرَده. ويقال: هَجَمَ
الفحلُ آتُنَه أَي طَرَدَها؛ قال الشاعر:
وَرَدْتِ وأَرْدافُ النُّجومِ كأَنها،
وقد غارَ تاليها، هجا أُتْن هاجِم
(* قوله «هجا أتن» كذا بالأصل).
والهَجائمُ: الطرائدُ. والهاجِمُ
أَيضاً: الساكن المُطْرِقُ. وهَجْمةُ الشِّتاءِ: شِدَّةُ بَرْدِه.
وهَجمة الصيْفِ: حَرُّه؛ وقولُ أَبي محمد الحذلَمِيّ أَنشده ثعلب:
فاهْتَجَمَ العيدانُ من أَخْصامها
غَمامةً تَبْرُقَ من غَمامِها،
وتُذْهِبُ العَيْمَة من عِيامِها
لم يفسر ثعلب اهْتَجَم؛ قال ابن سيده: قد يجوز أَن يكون شَرِبَت كأَنَّ
هذه الإِبل وَرَدَتْ بعد رَعْيها العيدانَ فشربت عليها، ويروى:
واهْتَمَجَ العيدانُ، من قولهم هَمَجَت الإِبلُ من الماء. وقال الأَزهري في تفسير
هذا الرجز: اهْتَجَم أَي احْتَلب، وأَراد بأَخْصامِها جَوانِبَ
ضَرْعِها.والهَيْجُمانةُ: الدُّرّةُ وهي الوَنِيِّةُ. وهَيجُمانةُ: اسمُ امرأَةٍ،
وهي بنت العَنْبَرِ بن عمرو بن تميم. والهَيْجُمانُ: اسم رجل.
والهَجْمُ: ماءٌ لبني فَزارة، ويقال إِنه من حفرِ عادٍ.
وفي النوادر: أَهْجَمَ اللهُ عن فلانٍ المرضَ فهَجَمَ المرضُ
عنه أَي أَقْلَعَ وفَتَر.
وابْنا هُجَيْمةَ: فارِسان من العرب؛ قال:
وساقَ ابْنَيْ هُجَيْمةَ يَوْمَ غَولٍ،
إِلى أَسْيافِنا، قَدَرُ الحِمامِ
وبَنُو الهُجَيم: بَطْنانِ: الهُجَيم بن عمرو بن تميم، والهُجَيْم بن
علي بن سودٍ من الأَزْدِ.
عرض: العَرْضُ: خلافُ الطُّول، والجمع أَعراضٌ؛ عن ابن الأَعرابي؛
وأَنشد:
يَطْوُونَ أَعْراضَ الفِجاجِ الغُبْرِ،
طَيَّ أَخي التَّجْرِ بُرودَ التَّجْرِ
وفي الكثير عُرُوضٌ وعِراضٌ؛ قال أََبو ذؤيب يصف برذوناً:
أَمِنْكَ بَرْقٌ أَبِيتُ الليلَ أَرْقُبُه،
كأَنَّه في عِراضِ الشامِ مِصباحُ؟
وقال الجوهري: أَي في شِقِّه وناحِيتِه. وقد عَرُضَ يَعْرُضُ عِرَضاً
مثل صَغُرَ صِغَراً، وعَراضةً، بالفتح؛ قال جرير:
إِذا ابْتَدَرَ الناسُ المَكارِمَ، بَذَّهُم
عَراضةُ أَخْلاقِ ابن لَيْلَى وطُولُها
فهو عَرِيضٌ وعُراضٌ، بالضم، والجمع عِرْضانٌ، والأُنثى عَرِيضةٌ
وعُراضةٌ.
وعَرَّضْتُ الشيء: جعلته عَرِيضاً، وقال الليث: أَعْرَضْتُه جعلته
عَرِيضاً. وتَعْرِيضُ الشيء: جَعْلُه عَرِيضاً. والعُراضُ أَيضاً: العَرِيضُ
كالكُبارِ والكَبِيرِ. وفي حديث أُحُد: قال للمنهزمين لقد ذَهَبْتُمْ فيها
عَرِيضةً أَي واسعةً. وفي الحديث: لئن أَقْصَرْتَ الخُطْبةَ لقد
أَعْرَضْتَ المسأَلة أَي جِئْتَ بالخطْبةِ قصيرة وبالمسأَلة واسعة كبيرة.
والعُراضاتُ: الإِبل العَرِيضاتُ الآثار. ويقال للإِبل: إِنها العُراضاتُ
أَثَراً؛ قال الساجع: إِذا طَلَعت الشِّعْرى سَفَرا، ولم تَرَ مَطَرا، فلا
تَغْذُوَنَّ إِمَّرةً ولا إِمَّرا، وأَرْسِلِ العُراضاتِ أَثَرَا،
يَبْغِيْنَكَ في الأَرضِ مَعْمَرا؛ السفَر: بياضُ النهار، والإِمَّرُ الذكر من ولد
الضأْن، والإِمَّرةُ الأُنثى، وإِنما خص المذكور من الضأْن وإِنما أَراد
جميع الغنم لأَنها أَعْجَزُ عن الطَّلَب من المَعَزِ، والمَعَزُ
تُدْرِكُ ما لا تُدْرِكُ الضأْنُ. والعُراضاتُ: الإِبل. والمَعْمَرُ: المنزل
بدارِ مَعاشٍ؛ أَي أَرسِلِ الإِبل العَرِيضةَ الآثار عليها رُكْبانُها
لِيَرْتادُوا لك منزلاً تَنْتَجِعُه، ونَصَبَ أَثراً على التمييز. وقوله
تعالى: فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ؛ أَي واسع وإِن كان العَرْضُ إِنما يقع في
الأَجسام والدعاءُ ليس بجسم. وأَعْرَضَتْ بأَولادها: ولدتهم عِراضاً.
وأَعْرَضَ: صار ذا عَرْض. وأَعْرَض في الشيء: تَمَكَّن من عَرْضِه؛ قال ذو
الرمة:فَعال فَتىً بَنَى وبَنَى أَبُوه،
فأَعْرَضَ في المكارِمِ واسْتَطالا
جاءَ به على المثَل لأَن المَكارمَ ليس لها طُولٌ ولا عَرْضٌ في
الحقيقة. وقَوْسٌ عُراضةٌ: عَرِيضةٌ؛ وقول أَسماء بن خارجة أَنشده ثعلب:
فَعَرَضْتُهُ في ساقٍ أَسْمَنِها،
فاجْتازَ بَيْنَ الحاذِ والكَعْبِ
لم يفسره ثعلب وأُراه أَراد: غَيَّبْتُ فيها عَرْضَ السيف. ورجل عَرِيضُ
البِطانِ: مُثْرٍ كثير المال. وقيل في قوله تعالى: فذو دُعاءٍ عَرِيضٍ،
أَراد كثير فوضع العريض موضع الكثير لأَن كل واحد منهما مقدار، وكذلك لو
قال طَوِيل لَوُجِّهَ على هذا، فافهم، والذي تقدَّم أَعْرفُ.
وامرأَة عَرِيضةٌ أَرِيضةٌ: وَلُود كاملة. وهو يمشي بالعَرْضِيَّةِ
والعُرْضِيَّةِ؛ عن اللحياني، أَي بالعَرْض.
والعِراضُ: من سِماتِ الإِبل وَسْمٌ، قيل: هو خطٌّ في الفَخِذِ عَرْضاً؛
عن ابن حبيب من تذكرة أَبي علي، تقول منه: عَرَضَ بعيره عَرْضاً.
والمُعَرَّضُ: نَعَمٌ وسْمُه العِراضُ؛ قال الراجز:
سَقْياً بحَيْثُ يُهْمَلُ المُعَرَّضُ
تقول منه: عَرَّضْتُ الإِبل. وإِبل مُعَرَّضةٌ: سِمَتُها العِراضُ في
عَرْضِ الفخذ لا في طوله، يقال منه: عَرَضْتُ البعير وعَرَّضْتُه
تَعْرِيضاً.
وعَرَضَ الشيءَ عليه يَعْرِضُه عَرْضاً: أَراهُ إِيّاه؛ وقول ساعدة بن
جؤية:
وقدْ كانَ يوم الليِّثِ لو قُلْتَ أُسْوةٌ
ومَعْرَضَةٌ، لو كنْتَ قُلْتَ لَقابِلُ،
عَلَيَّ، وكانوا أَهْلَ عِزٍّ مُقَدَّمٍ
ومَجْدٍ، إِذا ما حوَّضَ المَجْد نائِلُ
أَراد: لقد كان لي في هؤلاء القوم الذين هلكوا ما آتَسِي به، ولو
عَرَضْتَهُم عليَّ مكان مُصِيبتي بابني لقبِلْتُ، وأَراد: وَمَعْرضةٌ عليَّ
ففصل. وعَرَضْتُ البعيرَ على الحَوْضِ، وهذا من المقلوب، ومعناه عَرَضْتُ
الحَوْضَ على البعير. وعَرَضْتُ الجاريةَ والمتاعَ على البَيْعِ عَرْضاً،
وعَرَضْتُ الكِتاب، وعَرَضْتُ الجُنْدَ عرْضَ العَيْنِ إِذا أَمْرَرْتَهم
عليك ونَظَرْتَ ما حالُهم، وقد عَرَضَ العارِضُ الجُنْدَ واعْتَرَضُوا
هم. ويقال: اعْتَرَضْتُ على الدابةِ إِذا كنتَ وقْتَ العَرْض راكباً، قال
ابن بري: قال الجوهري وعَرَضْتُ بالبعير على الحوض، وصوابه عَرَضْتُ
البعير، ورأَيت عِدّة نسخ من الصحاح فلم أَجد فيها إِلا وعَرَضْتُ البعير،
ويحتمل أَن يكون الجوهري قال ذلك وأَصلح لفظه فيما بعد.
وقد فاته العَرْضُ والعَرَضُ، الأَخيرة أَعلى، قال يونس: فاته العَرَضُ،
بفتح الراء، كما يقول قَبَضَ الشيءَ قَبْضاً، وقد أَلقاه في القَبَض أَي
فيما قَبَضه، وقد فاته العَرَضُ وهو العَطاءُ والطَّمَعُ؛ قال عدي ابن
زيد:
وما هذا بأَوَّلِ ما أُلاقِي
مِنَ الحِدْثانِ والعَرَضِ الفَرِيبِ
أَي الطَّمَع القريب. واعْتَرَضَ الجُنْدَ على قائِدِهم، واعْتَرَضَ
الناسَ: عَرَضَهم واحداً واحداً. واعْتَرَضَ المتاعَ ونحوه واعْتَرَضَه على
عينه؛ عن ثعلب، ونظر إِليه عُرْضَ عيْنٍ؛ عنه أَيضاً، أَي اعْتَرَضَه على
عينه. ورأَيته عُرْضَ عَيْنٍ أَي ظاهراً عن قريب. وفي حديث حذيفة:
تُعْرَضُ الفِتَنُ على القلوب عَرْضَ الحَصِير؛ قال ابن الأَثير: أَي توضَع
عليها وتُبْسَطُ كما تُبْسَطُ الحَصِيرُ، وقيل: هو من عَرْض الجُنْدِ بين
يدي السلطان لإِظهارهم واختبار أَحوالهم. ويقال: انطلق فلان يَتَعَرَّضُ
بجَمله السُّوق إِذا عَرَضَه على البيع. ويقال: تَعَرَّضْ أَي أَقِمْهُ في
السوق.
وعارَضَ الشيءَ بالشيءَ مُعارضةً: قابَلَه، وعارَضْتُ كتابي بكتابه أَي
قابلته. وفلان يُعارِضُني أَي يُبارِيني. وفي الحديث: إِن جبريل، عليه
السلام، كان يُعارِضُه القُرآنَ في كل سنة مرة وإِنه عارضَه العامَ مرتين،
قال ابن الأَثير: أَي كان يُدارِسُه جمِيعَ ما نزل من القرآن من
المُعارَضةِ المُقابلةِ.
وأَما الذي في الحديث: لا جَلَبَ ولا جَنَبَ ولا اعتراضَ فهو أَن
يَعْتَرِضَ رجل بفَرسِه في السِّباق فَيَدْخُلَ مع الخيل؛ ومنه حديث سُراقة:
أَنه عَرَضَ لرسول اللّه، صلّى اللّه عليه وسلّم، وأَبي بكر الفَرسَ أَي
اعْتَرَضَ به الطريقَ يَمْنَعُهما من المَسِير. وأَما حديث أَبي سعيد: كنت
مع خليلي، صلّى اللّه عليه وسلّم، في غزوة إِذا رجل يُقَرِّبُ فرساً في
عِراضِ القوم، فمعناه أَي يَسِيرُ حِذاءَهم مُعارِضاً لهم. وأَما حديث
الحسن بن عليّ: أَنه ذَكَرَ عُمر فأَخذ الحسينُ في عِراضِ كلامه أَي في مثل
قوله ومُقابِله. وفي الحديث: أَن رسول اللّه، صلّى اللّه عليه وسلّم،
عارَضَ جَنازَة أَبي طالب أَي أَتاها مُعْتَرِضاً من بعض الطريق ولم يتبعْها
من منزله. وعَرَضَ من سلعته: عارَضَ بها فأَعْطَى سِلْعةً وأَخذ أُخرى.
وفي الحديث: ثلاثٌ فيهن البركة منهن البَيْعُ إِلى أَجل والمُعارَضةُ أَي
بيع العَرْض بالعَرْض، وهو بالسكون المَتاعُ بالمتاع لا نَقْدَ فيه.
يقال: أَخذت هذه السلعة عرْضاً إِذا أَعْطَيْتَ في مقابلتها سلعة أُخرى.
وعارضَه في البيع فَعَرَضَه يَعْرُضُه عَرْضاً: غَبَنَه. وعَرَضَ له مِن
حقِّه ثوباً أَو مَتاعاً يَعْرِضُه عَرْضاً وعَرَضَ به: أَعْطاهُ إِيّاهُ
مكانَ حقِّه، ومن في قولك عَرَضْتُ له من حَقِّه بمعنى البدل كقول اللّه
عزّ وجلّ: ولو نشاءُ لجعلنا منكم ملائكة في الأَرض يَخْلُفُون؛ يقول: لو
نشاءُ لجعلنا بدلكم في الأَرض ملائكة. ويقال: عَرَّضْتُك أَي عَوَّضْتُك.
والعارِضُ: ما عَرَضَ من الأَعْطِيَة؛ قال أَبو محمد الفَقْعَسيّ:
يا لَيْلُ، أَسْقاكِ البُرَيْقُ الوامِضُ
هلْ لكِ، والعارِضُ منكِ عائِضُ،
في هَجْمَةٍ يُسْئِرُ منها القابِضُ؟
قاله يخاطب امرأَة خطبها إِلى نفسها ورَغَّبها في أَنْ تَنْكِحه فقال:
هل لك رَغْبةٌ في مائة من الإِبل أَو أَكثر من ذلك؟ لأَن الهجمة أَوَّلُها
الأَربعون إِلى ما زادت يجعلها لها مَهْراً، وفيه تقديم وتأْخير،
والمعنى هل لك في مائة من الإِبل أَو أَكثر يُسْئِرُ منها قابِضُها الذي يسوقها
أَي يُبْقِي لأَنه لا يَقْدِر على سَوْقِها لكثرتها وقوتها لأَنها
تَفَرَّقُ عليه، ثم قال: والعارِضُ منكِ عائِضٌ أَي المُعْطِي بدلَ بُضْعِكِ
عَرْضاً عائِضٌ أَي آخِذٌ عِوَضاً مِنْكِ بالتزويج يكون كِفاءً لما عَرَضَ
منك. ويقال: عِضْتُ أَعاضُ إِذا اعْتَضْتَ عِوَضاً، وعُضْتُ أَعُوضُ
إِذا عَوَّضْتَ عِوَضاً أَي دَفَعْتَ، فقوله عائِضٌ من عِضْتُ لا من عُضْتُ،
ومن رَوَى يَغْدِرُ، أَراد يَتْرُكُ من قولهم غادَرْتُ الشيء. قال ابن
بري: والذي في شعره والعائِضُ منكِ عائِضُ أَي والعِوَضُ منك عِوَضٌ كما
تقول الهِبَةُ مِنكَ هِبَةٌ أَي لها مَوْقِعٌ. ويقال: كان لي على فلان
نَقْدٌ فأَعْسَرْتُه فاعْتَرَضْتُ منه. وإِذا طلب قوم عند قوم دَماً فلم
يُقِيدُوهم قالوا: نحن نَعْرِضُ منه فاعْتَرِضُوا منه أَي اقْبَلُوا الدية.
وعَرَضَ الفَرَسُ في عَدْوِه: مَرَّ مُعْتَرِضاً. وعَرَضَ العُودَ على
الإِناءِ والسَّيْفَ على فَخِذِه يَعْرِضُه عَرْضاً ويَعْرُضُه، قال
الجوهري: هذه وحدها بالضم. وفي الحديث: خَمِّرُوا آنِيَتَكم ولو بِعُود
تَعْرُضُونَه عليه أَي تَضَعُونَه مَعْرُوضاً عليه أَي بالعَرْض؛ وعَرَضَ
الرُّمْحَ يَعْرِضُه عَرْضاً وعَرَّضَه؛ قال النابغة:
لَهُنَّ عَلَيْهم عادَةٌ قدْ عَرَفْنَها،
إِذا عَرَّضُوا الخَطِّيَّ فوقَ الكَواثِبِ
وعَرَضَ الرامي القَوْسَ عَرْضاً إِذا أَضجَعها ثم رَمى عنها. وعَرَضَ
له عارِضٌ من الحُمَّى وغَيرها. وعَرَضْتُهم على السيف قَتْلاً. وعَرَضَ
الشيءُ يَعْرِضُ واعترَضَ: انتَصَبَ ومَنَعَ وصار عارِضاً كالخشَبةِ
المنتصبةِ في النهر والطريق ونحوها تَمْنَعُ السالكين سُلوكَها. ويقال:
اعتَرَضَ الشيءُ دون الشيءِ أَي حال دونه. واعتَرَضَ الشيءَ: تَكَلَّفَه.
وأَعرَضَ لك الشيءُ من بَعِيدٍ: بدَا وظَهَر؛ وأَنشد:
إِذا أَعْرَضَتْ داويَّةٌ مُدْلَهِمَّةٌ،
وغَرَّدَ حادِيها فَرَيْنَ بها فِلْقا
(* قوله «فلقا» بالكسر هو الامر العجب، وأَنشد الصحاح: إِذا اعرضت البيت
شاهداً عليه وتقدم في غرد ضبطه بفتح الفاء.)
أَي بَدَتْ. وعَرَضَ له أَمْرُ كذا أَي ظهر. وعَرَضْتُ عليه أَمر كذا
وعَرَضْتُ له الشيء أَي أَظهرته له وأَبْرَزْتُه إِليه. وعَرَضْتُ الشيءَ
فأَعْرَضَ أَي أَظْهَرْتُه فظهر، وهذا كقولهم كَبَبْتُه فأَكَبَّ، وهو من
النوادر. وفي حديث عمر: تَدَعُون أَميرَ المؤمنين وهو مُعْرَضٌ لكم؛ هكذا
روي بالفتح، قال الحَرْبيّ: والصواب بالكسر. يقال: أَعْرَضَ الشيءُ
يُعْرِضُ من بعيد إِذا ظهَر، أَي تَدَعُونه وهو ظاهر لكم. وفي حديث عثمان بن
العاص: أَنه رأَى رجلاً فيه اعتِراضٌ، هو الظهور والدخول في الباطل
والامتناع من الحق. قال ابن الأَثير: واعتَرَضَ فلان الشيءَ تَكَلَّفَه.
والشيءُ مُعْرِضٌ لك: موجود ظاهر لا يمتنع. وكلُّ مُبْدٍ عُرْضَه مُعْرِضٌ؛
قال عمرو ابن كلثوم:
وأَعْرَضَتِ اليَمامةُ، واشمَخَرَّتْ
كأَسْيافٍ بأَيْدي مُصْلِتِينا
وقال أَبو ذؤيب:
بأَحْسَن منها حِينَ قامَتْ فأَعْرَضَتْ
تُوارِي الدُّمُوعَ، حِينَ جَدَّ انحِدارُها
واعتَرَضَ له بسهم: أَقْبَلَ قِبَلَه فرماه فقتلَه. واعتَرَضَ عَرْضه:
نَحا نَحْوَه. واعتَرَضَ الفرَسُ في رَسَنِه وتَعَرَّضَ: لم يَسْتَقِمْ
لقائدِه؛ قال الطرماح:
وأَراني المَلِيكُ رُشْدي، وقد كنْـ
ـتُ أَخا عُنجُهِيَّةٍ واعتِراضِ
وقال:
تَعَرَّضَتْ، لم تَأْلُ عن قَتْلٍ لي،
تَعَرُّضَ المُهْرَةِ في الطِّوَلِّ
والعَرَضُ: من أَحْداثِ الدهر من الموت والمرض ونحو ذلك؛ قال الأَصمعي:
العَرَضُ الأَمر يَعْرِضُ للرجل يُبْتَلَى به؛ قال اللحياني: والعَرَضُ
ما عَرَضَ للإِنسان من أَمر يَحْبِسهُ من مَرَضٍ أَو لُصُوصٍ. والعَرَضُ:
ما يَعْرِضُ للإِنسان من الهموم والأَشغال. يقال: عَرَضَ لي يَعْرِضُ
وعَرِضَ يَعْرَضُ لغتان. والعارِضةُ: واحدة العَوارِضِ، وهي الحاجاتُ.
والعَرَضُ والعارِضُ: الآفةُ تَعْرِضُ في الشيء، وجَمْعُ العَرَضِ أَعْراضٌ،
وعَرَضَ له الشكُّ ونحوُه من ذلك.
وشُبْهةٌ عارِضةٌ: معترضةٌ في الفؤاد. وفي حديث عليّ، رضي اللّه عنه:
يَقْدَحُ الشكُّ في قلبه بأَوَّلِ عارِضَةٍ من شُبْهَةٍ؛ وقد تكونُ
العارِضَةُ هنا مصدراً كالعاقبة والعافية.
وأَصَابَه سَهْمُ عَرَضٍ وحَجَرُ عَرَضٍ مُضاف، وذلك أَن يُرْمى به
غيْرُه عمداً فيصاب هو بتلك الرَّمْيةِ ولم يُرَدْ بها، وإِن سقَط عليه حجر
من غير أَن يَرْمِيَ به أَحد فليس بعرَض. والعَرَضُ في الفلسفة: ما يوجد
في حامله ويزول عنه من غير فساد حامله، ومنه ما لا يَزُولُ عنه، فالزّائِل
منه كأُدْمةِ الشُّحُوبِ وصفرة اللون وحركة المتحرّك، وغيرُ الزائل
كسَواد القارِ والسَّبَجِ والغُرابِ.
وتَعَرَّضَ الشيءُ: دخَلَه فَسادٌ، وتَعَرَّضَ الحُبّ كذلك؛ قال لبيد:
فاقْطَعْ لُبانةَ مَنْ تَعَرَّضَ وَصْلُه،
ولَشَرُّ واصِلِ خُلّةٍ صَرّامُها
وقيل: من تعرّض وصله أَي تعوّج وزاغَ ولم يَسْتَقِم كما يَتَعَرَّضُ
الرجل في عُرُوض الجَبل يميناً وشمالاً؛ قال امرؤ القيس يذكر الثريَّا:
إِذا ما الثُّرَيّا في السماءِ تَعَرَّضَتْ،
تَعَرُّضَ أَثْناءِ الوِشاحِ المُفَصَّلِ
أَي لم تَسْتَقِمْ في سيرها ومالتْ كالوِشاح المُعَوَّجِ أَثناؤه على
جارية تَوَشَّحَتْ به. وعَرَضُ الدنيا: ما كان من مال، قلّ أَو كَثُر.
والعَرَضُ: ما نِيلَ من الدنيا. يقال: الدّنيا عَرَضٌ حاضر يأْكل منها البَرّ
والفاجر، وهو حديث مَرْوِيّ. وفي التنزيل: يأْخذون عرَض هذا الأَدنى
ويقولون سيغفر لنا؛ قال أَبو عبيدة: جميع مَتاعِ الدنيا عرَض، بفتح الراء.
وفي الحديث: ليْسَ الغِنى عن كَثْرة العَرَضِ إِنما الغِنى غِنى النفس؛
العَرَضُ، بالتحريك: متاع الدّنيا وحُطامُها، وأَما العَرْض بسكون الراء
فما خالف الثَّمَنَينِ الدّراهِمَ والدّنانيرَ من مَتاعِ الدنيا وأَثاثِها،
وجمعه عُروضٌ، فكل عَرْضٍ داخلٌ في العَرَض وليس كل عَرَضٍ عَرْضاً.
والعَرْضُ: خِلافُ النقْد من المال؛ قال الجوهري: العَرْضُ المتاعُ، وكلُّ
شيء فهو عَرْضٌ سوى الدّراهِمِ والدّنانير فإِنهما عين. قال أَبو عبيد:
العُرُوضُ الأَمْتِعةُ التي لا يدخلها كيل ولا وَزْنٌ ولا يكون حَيواناً
ولا عَقاراً، تقول: اشتريت المَتاعَ بِعَرْضٍ أَي بمتاع مِثْلِه،
وعارَضْتُه بمتاع أَو دابّة أَو شيء مُعارَضةً إِذا بادَلْتَه به.
ورجلٌ عِرِّيضٌ مثل فِسِّيقٍ: يَتَعَرَّضُ الناسَ بالشّرِّ؛ قال:
وأَحْمَقُ عِرِّيضٌ عَلَيْهِ غَضاضةٌ،
تَمَرَّسَ بي مِن حَيْنِه، وأَنا الرَّقِمْ
واسْتَعْرَضَه: سأَله أَنْ يَعْرِضَ عليه ما عنده. واسْتَعْرَض: يُعْطِي
(* قوله «واستعرض يعطي» كذا بالأصل.) مَنْ أَقْبَلَ ومَنْ أَدْبَرَ.
يقال: اسْتَعْرِضِ العَرَبَ أَي سَلْ مَنْ شئت منهم عن كذا وكذا.
واسْتَعْرَضْتُه أَي قلت له: اعْرِضْ عليّ ما عندك.
وعِرْضُ الرجلِ حَسبَهُ، وقيل نفْسه، وقيل خَلِيقَته المحمودة، وقيل ما
يُمْدح به ويُذَمُّ. وفي الحديث: إِن أَغْراضَكم عليكم حَرامٌ كحُرْمةِ
يومكم هذا؛ قال ابن الأَثير: هو جمع العِرْض المذكور على اختلاف القول
فيه؛ قال حسان:
فإِنَّ أَبي ووالِدَه وعِرْضِي
لِعِرْض مُحَمَّدٍ مِنْكُم وِقَاءُ
قال ابن الأَثير: هذا خاصّ للنفس. يقال: أَكْرَمْت عنه عِرْضِي أَي
صُنْتُ عنه نَفْسي، وفلان نَقِيُّ العِرْض أَي بَرِيءٌ من أَن يُشْتَم أَو
يُعابَ، والجمع أَعْراضٌ. وعَرَضَ عِرْضَه يَعْرِضُه واعتَرَضَه إِذا وقع
فيه وانتَقَصَه وشَتَمه أَو قاتَله أَو ساواه في الحسَب؛ أَنشد ابن
الأَعرابي:
وقَوْماً آخَرِينَ تَعَرَّضُوا لي،
ولا أَجْني من الناسِ اعتِراضا
أَي لا أَجْتَني شَتْماً منهم. ويقال: لا تُعْرِضْ عِرْضَ فلان أَي لا
تَذْكُرْه بسوء، وقيل في قوله شتم فلان عِرْضَ فلان: معناه ذكر أَسلافَه
وآباءَه بالقبيح؛ ذكر ذلك أَبو عبيد فأَنكر ابن قتيبة أَن يكون العِرْضُ
الأَسْلافَ والآباء، وقال: العِرْض نَفْسُ الرجل، وقال في قوله يَجْرِي
(*
قوله «يجري» نص النهاية: ومنه حديث صفة أهل الجنة إِنما هو عرق يجري،
وساق ما هنا.) من أَعْراضِهم مِثلُ ريحِ المسكِ أَي من أَنفسهم وأَبدانِهم؛
قال أَبو بكر: وليس احتجاجه بهذا الحديث حجة لأَن الأَعراضَ عند العرب
المَواضِعُ التي تَعْرَقُ من الجسد؛ ودل على غَلَطِه قول مِسْكِين
الدارِميّ:
رُبَّ مَهْزولٍ سَمِينٌ عِرْضُه،
وسمِينِ الجِسْمِ مَهْزُولُ الحَسَبْ
معناه: رُبَّ مَهْزُولِ البدَن والجسم كريمُ الآباءِ. وقال اللحياني:
العِرْضُ عِرْضُ الإِنسان، ذُمَّ أَو مُدِحَ، وهو الجسَد. وفي حديث عمر،
رضي اللّه عنه، للحطيئة: كأَنِّي بك عند بعض الملوك تُغَنِّيه بأَعراضِ
الناس أَي تُغَني بذَمِّهم وذَمِّ أَسلافِهم في شعرك وثَلْبِهم؛ قال
الشاعر:ولكنَّ أَعْراضَ الكِرام مَصُونةٌ،
إِذا كان أَعْراضُ اللِّئامِ تُفَرْفَرُ
وقال آخر:
قاتَلَكَ اللّهُ ما أَشَدَّ عَلَيْـ
ـك البَدْلَ في صَوْنِ عِرْضِكَ الجَرِب
يُرِيدُ في صَوْنِ أَسلافِك اللِّئامِ؛ وقال في قول حسان:
فإِنَّ أَبي ووالِدَه وعِرْضِي
أَراد فإِنّ أَبي ووالده وآبائي وأَسلافي فأَتى بالعُموم بعد الخُصوص
كقوله عزّ وجلّ: ولقد آتيناك سَبعاً من المثاني والقرآنَ العظيم، أَتى
بالعموم بعد الخصوص. وفي حديث أَبي ضَمْضَم: اللهم إِنِّي تَصَدَّقْتُ
بِعِرْضِي على عبادك أَي تصدّقت على من ذكرني بما يَرْجِعُ إِليَّ عَيْبُه،
وقيل: أَي بما يلحقني من الأَذى في أَسلافي، ولم يرد إِذاً أَنه تصدَّق
بأَسلافه وأَحلّهم له، لكنه إِذا ذكَرَ آباءه لحقته النقيصة فأَحلّه مما
أَوصله إِليه من الأَذى. وعِرْضُ الرجل: حَسَبُه. ويقال: فلان كريم العِرْضِ
أِي كريم الحسَب. وأَعْراضُ الناس: أَعراقُهم وأَحسابُهم وأَنْفُسهم.
وفلان ذو عِرْضٍ إِذا كانَ حَسِيباً. وفي الحديث: لَيُّ الواجِدِ يُحِلُّ
عُقُوبَتَه وعِرْضَهُ أَي لصاحب الدَّيْنِ أَن يَذُمَّ عِرْضَه ويَصِفَه
بسوء القضاء، لأَنه ظالم له بعدما كان محرماً منه لا يَحِلُّ له اقْتِراضُه
والطَّعْنُ عليه، وقيل: عِرْضَه أَن يُغْلِظَ له وعُقُوبته الحَبْس،
وقيل: معناه أَنه يُحِلّ له شِكايَتَه منه، وقيل: معناه أَن يقول يا ظالم
أَنْصِفْني، لأَنه إِذا مَطَلَه وهو غنيّ فقد ظَلَمه. وقال ابن قتيبة:
عِرْضُ الرجل نَفْسُه وبَدَنُه لا غير. وفي حديث النعمان بن بَشِير عن النبي،
صلّى اللّه عليه وسلّم: فمن اتقى الشُّبُهات اسْتَبْرَأَ لِدِينِه
وعِرْضِه أَي احْتاطَ لنفسه، لا يجوز فيه معنى الآباءِ والأَسْلافِ. وفي
الحديث: كلُّ المُسْلِم على المسلِم حَرام دَمُه ومالُه وعِرْضُه؛ قال ابن
الأَثير: العِرْضُ موضع المَدْحِ والذَّمِّ من الإِنسان سواء كان في نَفْسِه
أَو سَلَفِه أَو من يلزمه أَمره، وقيل: هو جانبه الذي يَصُونُه من نفْسه
وحَسَبِه ويُحامي عنه أَن يُنْتَقَصَ ويُثْلَبَ، وقال أَبو العباس: إِذا
ذكر عِرْضُ فلان فمعناه أُمُورُه التي يَرْتَفِعُ أَو يَسْقُطُ بذكرها
من جهتها بِحَمْدٍ أَو بِذَمّ، فيجوز أَن تكون أُموراً يوصف هو بها دون
أَسْلافه، ويجوز أَن تذكر أَسلافُه لِتَلحَقه النّقِيصة بعيبهم، لا خلاف
بين أَهل اللغة فيه إِلا ما ذكره ابن قتيبة من إِنكاره أَن يكون العِرْضُ
الأَسْلافَ والآباءَ؛ واحتج أَيضاً بقول أَبي الدرداء: أَقْرِضْ من
عِرْضِك ليوم فَقْرِك، قال: معناه أَقْرِضْ مِنْ نَفْسِك أَي مَنْ عابك وذمّك
فلا تُجازه واجعله قَرْضاً في ذمته لِتَسْتَوفِيَه منه يومَ حاجتِكَ في
القِيامةِ؛ وقول الشاعر:
وأُدْرِكُ مَيْسُورَ الغِنى ومَعِي عِرْضِي
أَي أَفعالي الجميلة؛ وقال النابغة:
يُنْبِئْكِ ذُو عِرْضهِمْ عَنِّي وعالِمُهُمْ،
ولَيْسَ جاهِلُ أَمْرٍ مثْلَ مَنْ عَلِما
ذو عِرْضِهم: أَشْرافُهُم، وقيل: ذو عِرْضِهم حَسَبهم، والدليل على أَن
العرض ليس بالنفْسِ ولا البدن قوله، صلّى اللّه عليه وسلّم: دمُه
وعِرْضُه، فلو كان العرض هو النفس لكان دمه كافياً عن قوله عِرْضُه لأَن الدم
يراد به ذَهابُ النفس، ويدل على هذا قول عمر للحطيئة: فانْدَفَعْتَ
تُغَنِّي بأَعْراضِ المسلمين، معناه بأَفعالهم وأَفعال أَسلافهم. والعِرْضُ:
بَدَنُ كل الحيوان. والعِرْضُ: ما عَرِقَ من الجسد. والعِرْضُ: الرائِحة ما
كانت، وجمعها أَعْراضٌ. وروي عن النبي، صلّى اللّه عليه وسلّم، أَنه ذكر
أَهل الجنة فقال: لا يَتَغَوّطُون ولا يَبُولونَ إِنما هو عَرَقٌ يجري من
أَعْراضِهم مثل ريح المِسْك أَي من مَعاطفِ أَبْدانهم، وهي المَواضِعُ
التي تَعْرَقُ من الجسد. قال ابن الأَثير: ومنه حديث أُم سلمة لعائشة:
غَضُّ الأَطْرافِ وخَفَرُ الأَعْراضِ أَي إِنهن للخَفَر والصّوْن
يَتَسَتَّرْن؛ قال: وقد روي بكسر الهمزة، أَي يُعْرِضْنَ كما كُرِهَ لهن أَن
يَنْظُرْنَ إِليه ولا يَلْتَفِتْنَ نحوه. والعِرْضُ، بالكسر: رائحة الجسد
وغيره، طيبة كانت أَو خبيثة. والعِرْضُ والأَعْراضُ: كلّ مَوْضِع يَعْرَقُ من
الجسد؛ يقال منه: فلان طيب العِرْضِ أَي طيّب الريح، ومُنْتنُ العِرْضِ،
وسِقاءٌ خبيثُ العِرْضِ إِذا كان مُنْتناً. قال أَبو عبيد: والمعنى في
العِرْضِ في الحديث أَنه كلُّ شيء من الجسد من المغابِنِ وهي الأَعْراضُ،
قال: وليس العِرْضُ في النسب من هذا في شيء. ابن الأَعرابي: العِرْضُ
الجسد والأَعْراضُ الأَجْسادُ، قال الأَزهري: وقوله عَرَقٌ يجري من أَعراضهم
معناه من أَبْدانِهم على قول ابن الأَعرابي، وهو أَحسن من أَن يُذْهَبَ
به إِلى أَعراضِ المَغابِنِ. وقال اللحياني: لبَن طيّب العِرْضِ وامرأَة
طيّبة العِرْضِ أَي الريح. وعَرَّضْتُ فلاناً لكذا فَتَعَرَّضَ هو له،
والعِرْضُ: الجماعةُ من الطَّرْفاءِ والأَثْلِ والنَّخْلِ ولا يكون في
غيرهن، وقيل: الأَعْراضُ الأَثْلُ والأَراكُ والحَمْضُ، واحدها عَرْضٌ؛
وقال:والمانِع الأَرْضَ ذاتَِ العَرْضِ خَشْيَتُه،
حتى تَمنَّعَ مِنْ مَرْعىً مَجانِيها
والعَرُوضاواتُ
(* قوله «العروضاوات؛ هكذا بالأصل، ولم نجدها فيما عندنا
من المعاجم.): أَماكِنُ تُنْبِتُ الأَعْراضَ هذه التي ذكرناها.
وعارَضْتُ أَي أَخَذْتُ في عَروضٍ وناحيةٍ. والعِرْضُ: جَوُّ البَلَد وناحِيتُه
من الأَرض. والعِرْضُ: الوادِي، وقيل جانِبُه، وقيل عِرْضُ كل شيء
ناحيته. والعِرْضُ: وادٍ باليَمامةِ؛ قال الأَعشى:
أَلم تَرَ أَنَّ العِرْضَ أَصْبَحَ بَطْنُه
نَخِيلاً، وزَرْعاً نابِتاً وفَصافِصا؟
وقال الملتمس:
فَهَذا أَوانُ العِرْضِ جُنَّ ذُبابُه:
زَنابِيرُه والأَزْرَقُ المُتَلَمِّسُ
الأَزْرَقُ: الذُّبابُ. وقيل: كلُّ وادٍ عِرضٌ، وجَمْعُ كلِّ ذلك
أَعراضٌ لا يُجاوَزُ. وفي الحديث: أَنه رُفِعَ لرسول اللّه، صلّى اللّه عليه
وسلّم، عارِضُ اليمامةِ؛ قال: هو موضعٌ معروف. ويقال للجبل: عارِضٌ؛ قال
أَبو عبيدة: وبه سمّي عارِضُ اليمامةِ، قال: وكلُّ وادٍ فيه شجر فهو
عِرْضٌ؛ قال الشاعر شاهداً على النكرة:
لَعِرْضٌ مِنَ الأَعْراضِ يُمسِي حَمامُه،
ويُضْحِي على أَفْنانِه الغِينِ يَهْتِفُ،
(* قوله «الغين» جمع الغيناء، وهي الشجرة الخضراء كما في الصحاح.)
أَحَبُّ إِلى قَلْبي مِنَ الدِّيكِ رَنّةً
وبابٍ، إِذا ما مالَ للغَلْقِ يَصْرِفُ
ويقال: أَخصَبَ ذلك العِرْضُ، وأَخصَبَتْ أَعراضُ المدينة وهي قُراها
التي في أَوْدِيتها، وقيل: هي بُطونُ سَوادِها حيث الزرعُ والنخيل.
والأَعْراضُ: قُرىً بين الحجاز واليمن.
وقولهم: استُعْمِلَ فلان على العَرُوض، وهي مكة والمدينة واليمن وما
حولها؛ قال لبيد:
نُقاتِلُ ما بَيْنَ العَرُوضِ وخَثْعَما
أَي ما بين مكة واليمن. والعَرُوضُ: الناحيةُ. يقال: أَخذ فلان في
عَروضٍ ما تُعْجِبُني أَي في طريق وناحية؛ قال التَّغْلَبيّ:
لكلِّ أُناسٍ، مِنْ مَعَدٍّ، عَمارةٍ،
عَرُوضٌ، إِليها يَلْجَؤُونَ، وجانِبُ
يقول: لكل حَيّ حِرْز إِلا بني تَغْلِبَ فإِن حِرْزَهم السُّيوفُ،
وعَمارةٍ خفض لأَنه بدل من أُناس، ومن رواه عُروضٌ، بضم العين، جعله جمع عَرْض
وهو الجبل، وهذا البيت للأَخنس بن شهاب.
والعَرُوضُ: المكانُ الذي يُعارِضُكَ إِذا سِرْتَ. وقولهم: فلان رَكُوضٌ
بلا عَرُوضٍ أَي بلا حاجة عَرَضت له.
وعُرْضُ الشيء، بالضم: ناحِيتُه من أَي وجه جِئْتَه. يقال: نظر إِليه
بعُرْضِ وجهه. وقولهم: رأَيتُه في عرض الناس أَي هو من العامة
(* قوله «في
عرض الناس أَي هو من العامة» كذا بالأصل، والذي في الصحاح: في عرض الناس
أَي فيما بينهم، وفلان من عرض الناس أَي هو من العامة.). قال ابن سيده:
والعَرُوضُ مكة والمدينة، مؤنث. وفي حديث عاشوراء: فأَمَرَ أَن يُؤْذِنُوا
أَهلَ العَرُوضِ؛ قيل: أَراد مَنْ بأَ كنافِ مكة والمدينة. ويقال
للرَّساتِيقِ بأَرض الحجاز الأَعْراضُ، واحدها عِرْضٌ؛ بالكسر، وعَرَضَ الرجلُ
إِذا أَتَى العَرُوضَ وهي مكة والمدينة وما حولهما؛ قال عبد يغوث بن
وقّاص الحارثي:
فَيا راكِبَا إِمّا عَرَضْتَ، فَبَلِّغا
نَدامايَ مِن نَجْرانَ أَنْ لا تَلاقِيا
قال أَبو عبيد: أَراد فيا راكباه للنُّدْبة فحذف الهاء كقوله تعالى: يا
أَسَفَا على يوسف، ولا يجوز يا راكباً بالتنوين لأَنه قصد بالنداء راكباً
بعينه، وإِنما جاز أَن تقول يا رجلاً إِذا لم تَقْصِدْ رجلاً بعينه
وأَردت يا واحداً ممن له هذا الاسم، فإِن ناديت رجلاً بعينه قلت يا رجل كما
تقول يا زيد لأَنه يَتَعَرَّفُ بحرف النداء والقصد؛ وقول الكميت:
فأَبْلِغْ يزيدَ، إِنْ عَرَضْتَ، ومُنْذِراً
وعَمَّيْهِما، والمُسْتَسِرَّ المُنامِسا
يعني إِن مَرَرْتَ به. ويقال: أَخَذْنا في عَرُوضٍ مُنْكَرَةٍ يعني
طريقاً في هبوط. ويقال: سِرْنا في عِراضِ القوم إِذا لم تستقبلهم ولكن جئتهم
من عُرْضِهم؛ وقال ابن السكيت في قول البَعِيثِ:
مَدَحْنا لها رَوْقَ الشَّبابِ فَعارَضَتْ
جَنابَ الصِّبا في كاتِمِ السِّرِّ أَعْجَما
قال: عارَضَتْ أَخَذَتْ في عُرْضٍ أَي ناحيةٍ منه.
جَنابُ الصِّبا أَي جَنْبُهُ. وقال غيره: عارضت جناب الصِّبا أَي دخلت
معنا فيه دخولاً ليست بمُباحِتةٍ، ولكنها تُرينا أَنها داخلة معنا وليست
بداخلة. في كاتم السرّ أَعْجما أَي في فعل لا يَتَبَيَّنُه مَن يَراه، فهو
مُسْتَعْجِمٌ عليه وهو واضح عندنا.
وبَلَدٌ ذو مَعْرَضٍ أَي مَرْعىً يُغْني الماشية عن أَن تُعْلَف.
وعَرَّضَ الماشيةَ: أَغناها به عن العَلَف. والعَرْضُ والعارِضُ: السَّحابُ
الذي يَعْتَرِضُ في أُفُقِ السماء، وقيل: العَرْضُ ما سدَّ الأُفُق، والجمع
عُروضٌ؛ قال ساعدةُ بن جُؤَيّةَ:
أَرِقْتُ له حتى إِذا ما عُروضُه
تَحادَتْ، وهاجَتْها بُروقٌ تُطِيرُها
والعارِضُ: السَّحابُ المُطِلُّ يَعْتَرِض في الأُفُقِ. وفي التنزيل في
قضية قوم عادٍ: فلما رأَوْه عارِضاً مستقبل أَوديتهم قالوا هذا عارض
مُمْطِرنا؛ أَي قالوا هذا الذي وُعِدْنا به سحاب فيه الغيث، فقال اللّه
تعالى: بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أَليم، وقيل: أَي ممطر لنا لأَنه
معرفة لا يجوز أَن يكون صفة لعارض وهو نكرة، والعرب إِنما تفعل مثل هذا في
الأَسماء المشتقة من الأَفعال دون غيرها؛ قال جرير:
يا رُبَّ غابِطِنا لو كان يَعْرِفُكم،
لاقَى مُباعَدَةً مِنْكم وحِرْمانَا
ولا يجوز أَن تقول هذا رجل غلامنا. وقال أَعرابي بعد عيد الفطر: رُبَّ
صائِمِه لن يصومه وقائمه لن يقومه فجعله نعتاً للنكرة وأَضافه إِلى
المعرفة. ويقال للرِّجْلِ العظيم من الجراد: عارِضٌ. والعارِضُ: ما سَدَّ
الأُفُق من الجراد والنحل؛ قال ساعدة:
رأَى عارِضاً يَعْوي إِلى مُشْمَخِرَّةٍ،
قَدَ احْجَمَ عَنْها كلُّ شيءٍ يَرُومُها
ويقال: مَرَّ بنا عارِضٌ قد مَلأَ الأُفق. وأَتانا جَرادٌ عَرْضٌ أَي
كثير. وقال أَبو زيد: العارِضُ السَّحابةُ تراها في ناحية من السماء، وهو
مثل الجُلْبِ إِلا أَن العارِضَ يكون أَبيض والجُلْب إِلى السواد.
والجُلْبُ يكون أَضْيَقَ من العارِضِ وأَبعد.
ويقال: عَرُوضٌ عَتُودٌ وهو الذي يأْكل الشجر بِعُرْضِ شِدْقِه.
والعَرِيضُ من المِعْزَى: ما فوق الفَطِيمِ ودون الجَذَع. والعَرِيضُ:
الجَدْي إِذا نزا، وقيل: هو إِذا أَتَى عليه نحو سنة وتناول الشجر والنبت،
وقيل: هو الذي رَعَى وقَوِيَ، وقيل: الذي أَجْذَعَ. وفي كتابه لأَقْوالِ
شَبْوَةَ: ما كان لهم من مِلْكٍ وعُرْمانٍ ومَزاهِرَ وعِرْضانٍ؛
العِرْضانُ: جمع العَرِيضِ وهو الذي أَتَى عليه من المعَز سنة وتناولَ الشجر
والنبت بِعُرْضِ شِدْقِه، ويجوز أَن يكون جمعَ العِرْضِ وهو الوادي الكثير
الشجر والنخيل. ومنه حديث سليمان، عليه السلام: أَنه حَكَمَ في صاحب الغنم
أَن يأْكل من رِسْلِها وعِرْضانِها. وفي الحديث: فَتَلَقَّتْه امرأَة
معها عَرِيضانِ أَهْدَتهما له، ويقال لواحدها عَروضٌ أَيضاً، ويقال
للعَتُودِ إِذا نَبَّ وأَراد السِّفادَ: عَرِيضٌ، والجمع عِرْضانٌ وعُرْضانٌ؛
قال الشاعر:
عَرِيضٌ أَرِيضٌ باتَ ييْعَرُ حَوْلَه،
وباتَ يُسَقِّينا بُطُونَ الثَّعالِبِ
قال ابن بري: أَي يَسْقِينا لبناً مَذِيقاً كأَنه بطون الثعالب. وعنده
عَرِيضٌ أَي جَدْي؛ ومثله قول الآخر:
ما بالُ زَيْدٍ لِحْية العَرِيضِ
ابن الأَعرابي: إِذا أَجْذَعَ العَنَاقُ والجَدْيُ سمي عَرِيضاً
وعَتُوداً، وعَرِيضٌ عَرُوضٌ إِذا فاته النبتُ اعْتَرَضَ الشوْكَ بِعُرْضِ
فيه.والعَنَمُ تَعْرُضُ الشوك: تَناوَلُ منه وتأْكُلُه، تقول منه: عَرَضَتِ
الشاةُ الشوكَ تَعْرُضُه والإِبلُ تَعْرُضُ عَرْضاً. وتَعْتَرِضُ:
تَعَلَّقُ من الشجر لتأْكله. واعْتَرَضَ البعيرُ الشوك: أَكله، وبَعِيرٌ
عَرُوضٌ: يأْخذه كذلك، وقيل: العَرُوضُ الذي إِن فاتَه الكَلأُ أَكل الشوك.
وعَرَضَ البعِيرُ يَعْرُضُ عَرْضاً: أَكلَ الشجر من أَعراضِه. قال ثعلب: قال
النضر بن شميل: سمعت أَعرابيّاً حجازيّاً وباع بعيراً له فقال: يأْكل
عَرْضاً وشَعْباً؛ الشعْبُ: أَن يَهْتَضِمَ الشجر من أَعْلاه، وقد تقدّم.
والعريضُ من الظِّباء: الذي قد قارَبَ الإِثْناءَ. والعرِيضُ، عند أَهل
الحجاز خاصة: الخَصِيُّ، وجمعه عِرْضانٌ وعُرْضانٌ. ويقال: أَعْرَضْتُ
العرضان إِذا خصيتها، وأَعرضتُ العرضان إِذا جعلتها للبيع، ولا يكون العرِيضُ
إِلا ذكراً.
ولَقِحَتِ الإِبلُ عِراضاً إِذا عارَضَها فَحْلٌ من إِبل أُخرى. وجاءت
المرأَة بابن عن مُعارَضةٍ وعِراضٍ إِذا لم يُعْرَفْ أَبوه. ويقال
للسَّفِيحِ: هو ابن المُعارَضةِ. والمُعارَضةُ: أَن يُعارِضَ الرجلُ المرأَةَ
فيأْتِيَها بلا نِكاح ولا مِلْك. والعَوارِضُ من الإِبل: اللَّواتي يأْكلن
العِضاه عُرْضاً أَي تأْكله حيث وجدته؛ وقول ابن مقبل:
مَهارِيقُ فَلُّوجٍ تَعَرَّضْنَ تالِيا
معناه يُعَرِّضُهُنَّ تالٍ يَقْرَؤُهُنَّ فَقَلَبَ. ابن السكيت: يقال ما
يَعْرُضُكَ لفلان، بفتح الياء وضم الراء، ولا تقل مل يُعَرِّضك،
بالتشديد.
قال الفراء: يقال مَرَّ بي فلان فما عَرَضْنا له، ولا تَعْرِضُ له ولا
تَعْرَضُ له لغتان جيّدتان، ويقال: هذه أَرضُ مُعْرَضةٌ يَسْتَعْرِضُها
المالُ ويَعْتَرِضُها أَي هي أَرض فيها نبت يرعاه المال إِذا مرَّ فيها.
والعَرْضُ: الجبَل، والجمع كالجمع، وقيل: العَرْضُ سَفْحُ الجبل
وناحيته، وقيل: هو الموضع الذي يُعْلى منه الجبل؛ قال الشاعر:
كما تَدَهْدَى مِن العَرْضِ الجَلامِيدُ
ويُشَبَّه الجيش الكثيف به فيقال: ما هو إِلاَّ عَرْضٌ أَي جبل؛ وأَنشد
لرؤبة:
إِنَّا، إِذا قُدْنا لِقَوْمٍ عَرْضا،
لم نُبْقِ مِن بَغْي الأَعادي عِضّا
والعَرْضُ: الجيْشُ الضَّخْمُ مُشَبَّهٌ بناحية الجبل، وجمعه أَعراضٌ.
يقال: ما هو إِلا عَرْضٌ من الأَعْراضِ، ويقال: شُبِّه بالعَرْضِ من
السَّحاب وهو ما سَدَّ الأُفُق. وفي الحديث: أَن الحجاج كان على العُرْضِ
وعنده ابن عمر؛ كذا روي بالضم؛ قال الحربي: أَظنه أَراد العُروضَ جَمْعَ
العَرْضِ وهو الجَيْش.
والعَرُوضُ: الطريقُ في عُرْض الجبل، وقيل: هو ما اعتَرَضَ في مَضِيقٍ
منه، والجمع عُرُضٌ. وفي حديث أَبي هريرة: فأَخذ في عَرُوضٍ آخر أَي في
طريق آخر من الكلام. والعَرُوضُ من الإِبل: التي لم تُرَضْ؛ أَنشد ثعلب
لحميد:
فما زالَ سَوْطِي في قِرابي ومِحْجَني،
وما زِلْتُ منه في عَرُوضٍ أَذُودُها
وقال شمر في هذا البيت أَي في ناحية أُدارِيه وفي اعْتِراضٍ.
واعْتَرَضَها: رَكِبَها أَو أَخَذَها رَيِّضاً. وقال الجوهري: اعتَرَضْتُ البعير
رَكِبْتُه وهو صَعْبٌ.
وعَرُوضُ الكلام: فَحْواهُ ومعناه. وهذه المسأَلة عَرُوضُ هذه أَي
نظيرُها. ويقال: عرفت ذلك في عَرُوضِ كلامِه ومَعارِضِ كلامِه أَي في فَحْوَى
كلامه ومعنى كلامه.
والمُعْرِضُ: الذي يَسْتَدِينُ ممَّن أَمْكَنَه من الناس. وفي حديث عمر،
رضي اللّه عنه، أَنه خَطَبَ فقال: إِنَّ الأُسَيْفِعَ أُسَيْفِعَ
جُهَيْنَةَ رَضِيَ من دِينِه وأَمانَتِه بأَن يقال سابِقُ الحاجِّ فادّان
مُعْرِضاً فأَصْبَحَ قَدْ رِينَ به، قال أَبو زيد: فادّانَ مُعْرِضاً يعني
اسْتَدانَ معرضاً وهو الذي يَعْرِضُ للناسِ فَيَسْتَدِينُ ممَّنْ أَمْكَنَه.
وقال الأَصمعي في قوله فادّانَ مُعْرِضاً أَي أَخذَ الدين ولم يُبالِ
أَن لا يُؤَدِّيه ولا ما يكون من التَّبِعة. وقال شمر: المُعْرِضُ ههنا
بمعنى المُعْتَرِض الذي يَعْتَرِضُ لكل من يُقْرِضُه، والعرب تقول: عَرَضَ
لي الشيء وأَعْرَضَ وتَعَرَّضَ واعْتَرَضَ بمعنى واحد. قال ابن الأَثير:
وقيل إِنه أَراد يُعْرِضُ إِذا قيل له لا تسْتَدِنْ فلا يَقْبَلُ، مِن
أَعْرَضَ عن الشيء إِذا ولاَّه ظهره، وقيل: أَراد مُعْرِضاً عن الأَداءِ
مُوَليِّاً عنه. قال ابن قتيبة: ولم نجد أَعْرَضَ بمعنى اعتَرَضَ في كلام
العرب، قال شمر: ومن جعل مُعْرِضاً ههنا بمعنى الممكن فهو وجه بعيد لأَن
مُعْرِضاً منصوب على الحال من قولك فادّان، فإِذا فسرته أَنه يأْخذه ممن
يمكنه فالمُعْرِضُ هو الذي يُقْرِضُه لأَنه هو المُمْكِنُ، قال: ويكون
مُعْرِضاً من قولك أَعْرَضَ ثوبُ المَلْبَس أَي اتَّسَعَ وعَرُضَ؛ وأَنشد
لطائِيٍّ في أَعْرَضَ بمعنى اعْتَرَضَ:
إِذا أَعْرَضَتْ للناظِرينَ، بَدا لهمْ
غِفارٌ بأَعْلى خَدِّها وغُفارُ
قال: وغِفارٌ مِيسَمٌ يكون على الخد. وعُرْضُ الشيء: وسَطُه وناحِيتُه.
وقيل: نفْسه. وعُرْضُ النهر والبحر وعُرْضُ الحديث وعُراضُه: مُعْظَمُه،
وعُرْضُ الناسِ وعَرْضُهم كذلك، قال يونس: ويقول ناس من العرب: رأَيته في
عَرْضِ الناس يَعْنُونَ في عُرْضٍ. ويقال: جرى في عُرْض الحديث، ويقال:
في عُرْضِ الناس، كل ذلك يوصف به الوسط؛ قال لبيد:
فَتَوَسَّطا عُرْضَ السَّرِيِّ، وصَدَّعا
مَسْجُورَةً مُتَجاوِراً قُلاَّمُها
وقول الشاعر:
تَرَى الرِّيشَ عَنْ عُرْضِه طامِياً،
كَعَرْضِكَ فَوْقَ نِصالٍ نِصالا
يصِفُ ماءً صار رِيشُ الطيرِ فوقه بعْضُه فوق بعض كما تَعْرِضُ نصْلاً
فوق نَصْلٍ.
ويقال: اضْرِبْ بهذا عُرْضَ الحائِط أَي ناحيته. ويقال: أَلْقِه في
أَيِّ أَعْراضِ الدار شئت، ويقال: خذه من عُرْضِ الناس وعَرْضِهم أَي من أَي
شِقٍّ شِئتَ. وعُرْضُ السَّيْفِ: صَفْحُه، والجمع أَعْراضٌ. وعُرْضا
العُنُق: جانباه، وقيل: كلُّ جانبٍ عُرْضٌ. والعُرْضُ: الجانب من كل شيء.
وأَعْرَضَ لك الظَّبْي وغيره: أَمْكَنَكَ مِن عُرْضِه، ونظر إِليه مُعارَضةً
وعن عُرْضٍ وعن عُرُضٍ أَي جانب مثل عُسْرٍ وعُسُرٍ. وكل شيءٍ أَمكنك من
عُرْضه، فهو مُعْرِضٌ لك. يقال: أَعْرَضَ لك الظبي فارْمِه أَي وَلاَّك
عُرْضه أَي ناحيته. وخرجوا يضربون الناس عن عُرْضٍ أَي عن شقّ وناحية لا
يبالون مَن ضرَبوا؛ ومنه قولهم: اضْرِبْ به عُرْضَ الحائط أَي اعتَرِضْه
حيث وجدت منه أَيَّ ناحية من نواحيه. وفي الحديث: فإِذا عُرْضُ وجهِه
مُنْسَحٍ أَي جانبه. وفي الحديث: فَقَدَّمْتُ إِليه الشَّرابَ فإِذا هو
يَنِشُّ، فقال: اضْرِبْ به عُرْضَ الحائط. وفي الحديث: عُرِضَتْ عليّ الجنةُ
والنار آنِفاً في عُرْضِ هذا الحائط؛ العُرض، بالضم: الجانب والناحية من
كل شيء. وفي الحديث، حديث الحَجّ: فأَتَى جَمْرةَ الوادي فاستَعْرَضَها
أَي أَتاها من جانبها عَرْضاً
(* قوله: عَرضاً بفتح العين؛ هكذا في الأصل
وفي النهاية، والكلام هنا عن عُرض بضم العين.). وفي حديث عمر، رضي اللّه
عنه: سأَل عَمْرَو بن مَعْدِ يكَرِبَ عن علة بن حالد
(* قوله «علة بن
حالد» كذا بالأصل، والذي في النهاية: علة بن جلد.) فقال: أُولئِكَ فَوارِسُ
أَعراضِنا وشِفاءُ أَمراضِنا؛ الأَعْراضُ جَمْعُ عُرْضٍ وهو الناحية أَي
يَحْمونَ نَواحِينَا وجِهاتِنا عن تَخَطُّفِ العدوّ، أَو جمع عَرْضٍ وهو
الجيش، أَو جمع عِرْضٍ أَي يَصونون ببلائِهم أَعراضَنا أَن تُذَمّ
وتُعابَ.
وفي حديث الحسن: أَنه كان لا يَتَأَثَّم من قتل الحَرُورِيِّ
المُسْتَعْرِضِ؛ هو الذي يَعْتَرِضُ الناسَ يَقْتُلُهُم. واسْتَعْرَضَ الخَوارِجُ
الناسَ: لم يُبالوا مَن قَتَلُوه، مُسْلِماً أَو كافِراً، من أَيّ وجهٍ
أَمكَنَهم، وقيل: استَعْرَضوهم أَي قَتَلوا من قَدَرُوا عليه وظَفِرُوا
به.وأَكَلَ الشيءَ عُرْضاً أَي مُعْتَرِضاً. ومنه الحديث، حديث ابن
الحنفية: كُلِ الجُبْنَ عُرْضاً أَي اعتَرِضْه يعني كله واشتره ممن وجَدْتَه
كيفما اتَّفق ولا تسأَل عنه أَمِنْ عَمَلِ أَهلِ الكتابِ هو أَمْ مِنْ
عَمَلِ المَجُوس أَمْ مَنْ عَمَلِ غيرهم؛ مأْخوذ من عُرْضِ الشيء وهو ناحيته.
والعَرَضُ: كثرة المال.
والعُراضةُ: الهَدِيّةُ يُهْدِيها الرجل إِذا قَدِمَ من سفَر.
وعَرَّضَهم عُراضةً وعَرَّضَها لهم: أَهْداها أَو أَطعَمَهم إِيّاها. والعُراضةُ،
بالضم: ما يعَرِّضُه المائرُ أَي يُطْعِمُه من الميرة. يقال: عَرِّضونا
أَي أَطعِمونا من عُراضَتِكم؛ قال الأَجلح بن قاسط:
يَقْدُمُها كلُّ عَلاةٍ عِلْيانْ
حَمْراءَ مِنْ مُعَرِّضاتِ الغِرْبانْ
قال ابن بري: وهذان البيتان في آخر ديوان الشماخ، يقول: إِن هذه الناقة
تتقدّم الحادي والإِبل فلا يلحقها الحادي فتسير وحدها، فيسقُط الغراب على
حملها إِن كان تمراً أَو غيره فيأْكله، فكأَنها أَهدته له وعَرَّضَتْه.
وفي الحديث: أَن ركباً من تجّار المسلمين عَرَّضوا رسولَ اللّه، صلّى
اللّه عليه وسلّم، وأَبا بكر، رضي اللّه عنه، ثياباً بيضاً أَي أَهْدَوْا
لهما؛ ومنه حديث معاذ: وقالت له امرأَته وقد رجع من عمله أَين ما جئت به
مما يأْتي به العُمّال من عُراضةِ أَهْلِهم؟ تريد الهَدِيّة. يقال:
عَرَّضْتُ الرجل إِذا أَهديت له. وقال اللحياني: عُراضةُ القافل من سفره
هَدِيَّتُه التي يُهْدِيها لصبيانه إِذا قَفَلَ من سفره. ويقال: اشتر عُراضة
لأَهلك أَي هدية وشيئاً تحمله إِليهم، وهو بالفارسية راهْ آورَدْ؛ وقال أَبو
زيد في العُراضةِ الهَدِيّةِ: التعرِيضُ ما كان من مِيرةٍ أَو زادٍ بعد
أَن يكون على ظهر بعير. يقال: عَرِّضونا أَي أَطْعِمونا من ميرتكم. وقال
الأَصمعي: العُراضة ما أَطْعَمَه الرّاكِبُ من استطعمه من أَهل المياه؛
وقال هِمْيانُ:
وعَرَّضُوا المَجْلِسَ مَحْضاً ماهِجَا
أَي سَقَوْهُم لبناً رَقِيقاً. وفي حديث أَبي بكر وأَضْيافِه: وقد
عُرِضُوا فأَبَوْا؛ هو بتخفيف الراء على ما لم يسم فاعله، ومعناه أُطْعِمُوا
وقُدِّمَ لَهم الطّعامُ، وعَرَّضَ فلان إِذا دام على أَكل العَرِيضِ، وهو
الإِمَّرُ. وتَعَرَّضَ الرّفاقَ: سأَلَهم العُراضاتِ. وتَعَرَّضْتُ
الرّفاقَ أَسْأَلُهُم أَي تَصَدَّيْتُ لهم أَسأَلهم. وقال اللحياني:
تَعَرَّضْتُ مَعْروفَهم ولِمَعْرُوفِهم أَي تَصَدَّيْتُ.
وجعلت فلاناً عُرْضةً لكذا أَي نَصَبْتُه له.
والعارِضةُ: الشاةُ أَو البعير يُصِيبه الداء أَو السبع أَو الكسر
فَيُنْحَرُ. ويقال: بنو فلان لا يأْكلون إِلا العَوارِض أَي لا ينحرون الإِبل
إِلا من داء يُصِيبها، يَعِيبُهم بذلك، ويقال: بنو فلان أَكَّالُونَ
لِلْعَوارِضِ إِذا لم يَنْحَرُوا إِلا ما عَرَضَ له مَرَضٌ أَو كسْرٌ خوفاً
أَن يموت فلا يَنْتَفِعُوا به، والعرب تُغَيِّرُ بأَكله. ومنه الحديث:
أَنه بعث بُدْنَه مع رجل فقال: إِنْ عُرِضَ لها فانْحَرْها أَي إِن أَصابَها
مرض أَو كسر. قال شمر: ويقال عَرَضَتْ من إِبل فلان عارِضةٌ أَي
مَرِضَتْ وقال بعضهم: عَرِضَتْ، قال: وأَجوده عَرَضَتْ؛ وأَنشد:
إِذا عَرَضَتْ مِنها كَهاةٌ سَمِينةٌ،
فَلا تُهْدِ مِنْها، واتَّشِقْ وتَجَبْجَبِ
وعَرَضَتِ الناقةُ أَي أَصابها كسر أَو آفة. وفي الحديث: لكم في الوظيفة
الفَرِيضةُ ولكم العارِضُ؛ العارض المريضة، وقيل: هي التي أَصابها كسر.
يقال: عرضت الناقة إِذا أَصابها آفةٌ أَو كسر؛ أَي إِنا لا نأْخُذُ ذاتَ
العَيْب فَنَضُرَّ بالصدَقةِ. وعَرَضَت العارِضةُ تَعْرُضُ عَرْضاً:
ماتتْ من مَرَض. وتقول العرب إِذا قُرِّبَ إِليهم لحم: أَعَبيطٌ أَم عارضة؟
فالعَبيط الذي يُنحر من غير علة، والعارضة ما ذكرناه.
وفلانة عُرْضةٌ للأَزواج أَي قويّة على الزوج. وفلان عُرْضةٌ للشرّ أَي
قوي عليه؛ قال كعب بن زهير:
مِنْ كلِّ نَضَّاخةِ الذفْرَى، إِذا عَرِقَتْ،
عُرْضَتُها طامِسُ الأَعْلامِ مَجْهُولُ
وكذلك الاثنان والجَمع؛ قال جرير:
وتلْقَى حبالى عُرْضةً لِلْمراجِمِ
(* قوله «وتلقى إلخ» كذا بالأصل.)
ويروى: جبالى. وفُلانٌ عُرْضةٌ لكذا أَي مَعْرُوضٌ له؛ أَنشد ثعلب:
طَلَّقْتهنّ، وما الطلاق بِسُنّة،
إِنّ النِّساءَ لَعُرْضةُ التَّطْلِيقِ
وفي التنزيل: ولا تَجْعَلُوا اللّهَ عُرْضةً لأَيْمانِكم أَنْ تَبَرُّوا
وتتقوا وتُصْلِحُوا؛ أَي نَصْباً لأَيْمانِكُم. الفراء: لا تجعلوا الحلف
باللّه مُعْتَرِضاً مانِعاً لكم أَن تَبَرُّوا فجعل العُرْضةَ بمعنى
المُعْتَرِض ونحو ذلك، قال الزجاج: معنى لا تجعلوا اللّه عرضة لأَيمانكم
أَنّ موضع أَن نَصْبٌ بمعنى عُرْضةً، المعنى لا تَعْتَرِضُوا باليمين باللّه
في أَن تَبَرُّوا، فلما سقطت في أَفْضَى معنى الاعْتِراضِ فَنَصَبَ أَن،
وقال غيره: يقال هم ضُعَفاءُ عُرْضةٌ لكل مَتَناوِلٍ إِذا كانوا نُهْزةً
لكل من أَرادهم. ويقال: جَعَلْتُ فلاناً عُرْضةً لكذا وكذا أَي نَصَبْته
له؛ قال الأَزهري: وهذا قريب مما قاله النحويون لأَنه إِذا نُصِبَ فقد
صار معترضاً مانعاً، وقيل: معناه أَي نَصْباً معترضاً لأَيمانكم كالغَرَض
الذي هو عُرضةٌ للرُّماة، وقيل: معناه قوّةٌ لأَيمانكم أَي تُشَدِّدُونها
بذكر اللّه. قال: وقوله عُرْضةً فُعْلة من عَرَضَ يَعْرِضُ. وكل مانِعٍ
مَنَعَك من شغل وغيره من الأَمراضِ، فهو عارِضٌ. وقد عَرَضَ عارِضٌ أَي
حال حائلٌ ومَنَعَ مانِعٌ؛ ومنه يقال: لا تَعْرِضْ ولا تَعْرَض لفلان أَي
لا تَعْرِض له بمَنْعِك باعتراضِك أَنْ يَقْصِدَ مُرادَه ويذهب مذهبه.
ويقال: سلكت طَريق كذا فَعَرَضَ لي في الطريق عارض أَي جبل شامخ قَطَعَ
عَليَّ مَذْهَبي على صَوْبي. قال الأَزهري: وللعُرْضةِ معنى آخر وهو الذي
يَعْرِضُ له الناس بالمكروه ويَقَعُونَ فيه؛ ومنه قول الشاعر:
وإِنْ تَتْرُكوا رَهْطَ الفَدَوْكَسِ عُصْبةً
يَتَامى أَيَامى عُرْضةً للْقَبائِلِ
أَي نَصْباً للقبائل يَعْتَرِضُهم بالمكْرُوهِ مَنْ شاءَ. وقال الليث:
فلان عُرْضةٌ للناس لا يَزالون يَقَعُونَ فيه.
وعَرَضَ له أَشَدَّ العَرْضِ واعْتَرَضَ: قابَلَه بنفسه. وعَرِضَتْ له
الغولُ وعَرَضَت، بالكسر والفتح، عَرَضاً وعَرْضاً: بَدَتْ.
والعُرْضِيَّةُ: الصُّعُوبَةُ، وقيل: هو أَن يَرْكَبَ رأْسه من
النَّخْوة. ورجل عُرْضِيٌّ: فيه عُرْضِيَّةٌ أَي عَجْرَفِيَّةٌ ونَخْوَةٌ
وصُعُوبةٌ. والعُرْضِيَّةُ في الفرس: أَن يَمْشِيَ عَرْضاً. ويقال: عَرَضَ
الفرسُ يَعْرِضُ عَرْضاً إِذا مَرَّ عارِضاً في عَدْوِه؛ قال رؤبة:
يَعْرِضُ حتى يَنْصِبَ الخَيْشُوما
وذلك إِذا عدَا عارِضاً صَدْرَه ورأْسَه مائلاً. والعُرُضُ، مُثَقَّل:
السيرُ في جانب، وهو محمود في الخيل مذموم في الإِبل؛ ومنه قول حميد:
مُعْتَرِضاتٍ غَيْرَ عُرْضِيَّاتِ،
يُصْبِحْنَ في القَفْرِ أتاوِيّاتِ
(* قوله «معترضات إلخ» كذا بالأصل، والذي في الصحاح تقديم العجز عكس ما
هنا.)
أَي يَلْزَمْنَ المَحَجَّةَ، وقيل في قوله في هذا الرجز: إِن اعتراضهن
ليس خلقة وإِنما هو للنشاط والبغي. وعُرْضِيٌّ: يَعْرِضُ في سيره لأَنه لم
تتم رياضته بعد. وناقة عُرْضِيَّةٌ: فيها صُعُوبةٌ. والعُرْضِيَّةُ:
الذَّلولُ الوسطِ الصعْبُ التصرفِ. وناقة عُرْضِيَّة: لم تَذِلّ كل
الذُّلِّ، وجمل عُرْضِيٌّ: كذلك؛ وقال الشاعر:
واعْرَوْرَتِ العُلُطَ العُرْضِيَّ تَرْكُضُهُ
وفي حديث عمر وصف فيه نفسه وسِياسَته وحُسْنَ النظر لرعيته فقال، رضي
اللّه عنه: إِني أَضُمُّ العَتُودَ وأُلْحِقُ القَطُوفَ وأَزجرُ العَرُوضَ؛
قال شمر: العَرُوضُ العُرْضِيَّةُ من الإِبل الصَّعْبة الرأْسِ الذلولُ
وسَطُها التي يُحْمَلُ عليها ثم تُساقُ وسط الإِبل المحمَّلة، وإِن ركبها
رجل مضت به قُدُماً ولا تَصَرُّفَ لراكبها، قال: إِنما أَزجر العَرُوضَ
لأَنها تكون آخر الإِبل؛ قال ابن الأَثير: العَرُوض، بالفتح، التي تأْخذ
يميناً وشمالاً ولا تلزم المحجة، يقول: أَضربه حتى يعود إِلى الطريق،
جعله مثلاً لحسن سياسته للأُمة. وتقول: ناقة عَرَوضٌ وفيها عَرُوضٌ وناقة
عُرْضِيَّةٌ وفيها عُرْضِيَّةٌ إِذا كانت رَيِّضاً لم تذلل. وقال ابن
السكيت: ناقة عَرُوضٌ إِذا قَبِلَتْ بعض الرياضة ولم تَسْتَحْكِم؛ وقال شمر في
قول ابن أَحمر يصف جارية:
ومَنَحْتُها قَوْلي على عُرْضِيَّةٍ
عُلُطٍ، أُداري ضِغْنَها بِتَوَدُّدِ
قال ابن الأَعرابي: شبهها بناقة صعبة في كلامه إِياها ورفقه بها. وقال
غيره: مَنَحْتُها أَعَرْتُها وأَعطيتها. وعُرْضِيَّةٍ: صُعوبة فكأَن كلامه
ناقة صعبة. ويقال: كلمتها وأَنا على ناقة صعبة فيها اعتراض.
والعُرْضِيُّ: الذي فيه جَفاءٌ واعْتِراضٌ؛ قال العجاج:
ذُو نَخْوَةٍ حُمارِسٌ عُرْضِيُّ
والمِعْراضُ، بالكسر: سهم يُرْمَى به بلا ريش ولا نَصْل يَمْضِي عَرْضاً
فيصيب بعَرْضِ العود لا بحده. وفي حديث عَدِيّ قال: قلت للنبي، صلّى
اللّه عليه وسلّم: أَرْمي بالمِعْراضِ فَيَخْزِقُ، قال: إِنْ خَزَقَ فَكُلْ
وإِن أَصابَ بعَرضِه فلا تَأْكُلْ، أَراد بالمِعْراضِ سهماً يُرْمَى به
بلا رِيش، وأَكثر ما يصيب بعَرْض عُوده دون حَدِّه.
والمَعْرِضُ: المَكانُ الذي يُعْرَضُ فيه الشيءُ. والمِعْرَضُ: الثوب
تُعْرَضُ فيه الجارية وتُجَلَّى فيه، والأَلفاظ مَعارِيضُ المَعاني، من
ذلك، لأَنها تُجَمِّلُها.
والعارِضُ: الخَدُّ، يقال: أَخذ الشعر من عارِضَيْهِ؛ قال اللحياني:
عارِضا الوجه وعَرُوضَاه جانباه. والعارِضانِ: شِعاً الفَم، وقيل: جانبا
اللِّحية؛ قال عدي بن زيد:
لا تُؤاتِيكَ، إِنْ صَحَوْتَ، وإِنْ أَجْـ
ـهَدَ في العارِضَيْنِ مِنْك القَتِير
والعَوارِضُ: الثَّنايا سُميت عَوارِضَ لأَنها في عُرْضِ الفَم.
والعَوارِضُ: ما وَلِيَ الشِّدْقَيْنِ من الأَسنان، وقيل: هي أَرْبع أَسْنان
تَلي الأَنيابَ ثم الأَضْراسُ تَلي العَوارِضَ؛ قال الأَعشى:
غَرَّاء فَرْعاء مَصْقُول عَوارِضُها،
تَمْشِي الهُوَيْنا كما يَمْشي الوجِي الوَحِلُ
وقال اللحياني: العَوارِضُ من الأَضْراسِ، وقيل: عارِضُ الفَمِ ما يبدو
منه عند الضحك؛ قال كعب:
تَجْلُو عوارِضَ ذي ظَلْمٍ، إِذا ابْتَسَمَتْ،
كَأَنَّهُ مُنْهَلٌ بالرَّاحِ مَعْلُولُ
يَصِفُ الثَّنايا وما بعدها أَي تَكْشِفُ عن أَسْنانها. وفي الحديث: أَن
النبي، صلّى اللّه عليه وسلّم، بَعَثَ أُمَّ سُلَيْمٍ لتنظر إِلى امرأَة
فقال: شَمِّي عَوارِضَها، قال شمر: هي الأَسنان التي في عُرْضِ الفم وهي
ما بين الثنايا والأَضراس، واحدها عارضٌ، أَمَرَها بذلك لتَبُورَ به
نَكْهَتَها وريح فَمِها أَطَيِّبٌ أَم خبيث. وامرأَة نقِيَّةُ العَوارِض أَي
نقِيَّةُ عُرْضِ الفم؛ قال جرير:
أَتَذْكرُ يَومَ تَصْقُلُ عارِضَيْها،
بِفَرْعِ بَشامةِ، سُقيَ البَشامُ
قال أَبو نصر: يعني به الأَسنان ما بعد الثنايا، والثنايا ليست من
العَوارِضِ. وقال ابن السكيت: العارِضُ النابُ والضِّرْسُ الذي يليه؛ وقال
بعضهم: العارِضُ ما بين الثنية إِلى الضِّرْس واحتج بقول ابن مقبل:
هَزِئَتْ مَيّةُ أَنْ ضاحَكْتُها،
فَرَأَتْ عارِضَ عَوْدٍ قد ثَرِمْ
قال: والثَّرَمُ لا يكون في الثنايا
(* قوله «لا يكون في الثنايا» كذا
بالأصل، وبهامشه صوابه: لا يكون إِلا في الثنايا اهـ. وهو كذلك في الصحاح
وشرح ابن هشام لقصيد كعب بن زهير، رضي اللّه عنه.)، وقيل: العَوارِضُ ما
بين الثنايا والأَضراس، وقيل: العوارض ثمانية، في كل شِقٍّ أَربعةٌ فوق
وأَربعة أَسفل، وأَنشد ابن الأَعرابي في العارضِ بمعنى الأَسنان:
وعارِضٍ كجانبِ العِراقِ،
أَبَنْت بَرّاقاً مِنَ البَرّاقِ
العارِضُ: الأَسنان، شبه استِواءَها باستواء اسفل القرْبة، وهو العِراقُ
للسيْرِ الذي في أَسفل القِرْبة؛ وأَنشد أَيضاً:
لَمَّا رأَيْنَ دَرَدِي وسِنِّي،
وجَبْهةً مِثْلَ عِراقِ الشَّنِّ،
مِتُّ عليهن، ومِتْنَ مِنِّي
قوله: مُتّ عليهن أَسِفَ على شبابه، ومتن هُنّ من بغضي؛ وقال يصف
عجوزاً:تَضْحَكُ عن مِثْلِ عِراقِ الشَّنِّ
أَراد بِعِراقِ الشَّنِّ أَنه أَجْلَحُ أَي عن دَرادِرَ اسْتَوَتْ
كأَنها عِراقُ الشَّنِّ، وهي القِرْبةُ. وعارِضةُ الإِنسان: صَفْحتا خدّيه؛
وقولهم فلان خفيف العارِضَيْنِ يراد به خفة شعر عارضيه. وفي الحديث: من
سَعادةِ المرءِ خِفّة عارِضَيْه؛ قال ابن الأَثير: العارِضُ من اللحية ما
يَنْبُتُ على عُرْضِ اللَّحْيِ فوق الذقَن. وعارِضا الإِنسان: صفحتا خدّيه،
وخِفَّتُهما كناية عن كثرة الذكرِ للّه تعالى وحركتِهما به؛ كذا قال
الخطابي. وقال: قال ابن السكيت فلان خفيف الشفَةِ إِذا كان قليل السؤال
للناس، وقيل: أَراد بخفة العارضين خفة اللحية، قال: وما أَراه مناسباً.
وعارضةُ الوجه: ما يبدو منه. وعُرْضا الأَنف، وفي التهذيب: وعُرْضا أَنْفِ
الفرس مُبْتَدَأُ مُنْحَدَرِ قصَبته في حافتيه جميعاً. وعارِضةُ الباب:
مِساكُ العِضادَتَيْنِ من فوق مُحاذِيةً للأُسْكُفّةِ. وفي حديث عمرو بن
الأَهتم قال للزبْرِقانِ: إِنه لشديد العارضةِ أَي شدِيد الناحيةِ ذو جَلَدٍ
وصَرامةٍ، ورجل شديدُ العارضةِ منه على المثل. وإِنه لذُو عارضةٍ وعارضٍ
أَي ذُو جلَدٍ وصَرامةٍ وقُدْرةٍ على الكلام مُفَوّهٌ، على المثل أَيضاً.
وعَرَضَ الرجلُ: صار ذا عارضة. والعارضةُ: قوّةُ الكلامِ وتنقيحه
والرأْيُ الجَيِّدُ. والعارِضُ: سَقائِفُ المَحْمِل. وعوارِضُ البيتِ: خشَبُ
سَقْفِه المُعَرَّضةُ، الواحدة عارِضةٌ. وفي حديث عائشة، رضي اللّه عنها:
نَصَبْتُ على باب حُجْرتي عَباءةً مَقْدَمَه من غَزاة خَيْبَرَ أَو
تَبُوكَ فهَتَكَ العَرْضَ حتى وقَع بالأَرض؛ حكى ابن الأَثير عن الهرويّ قال:
المحدثون يروونه بالضاد، وهو بالصاد والسين، وهو خشبة توضع على البيت
عَرْضاً إِذا أَرادوا تسقيفه ثم تُلْقى عليه أَطرافُ الخشَب القِصار، والحديث
جاء في سنن أَبي داود بالضاد المعجمة، وشرحه الخطابي في المَعالِم، وفي
غريب الحديث بالصاد المهملة، قال: وقال الراوي العَرْص وهو غلط، وقال
الزمخشري: هو العَرْصُ، بالصاد المهملة، قال: وقد روي بالضاد المعجمة لأَنه
يوضع على البيت عَرْضاً.
والعِرَضُّ: النَّشاطُ أَو النَّشِيطُ؛ عن ابن الأَعرابي؛ وأَنشد لأَبي
محمد الفقعسي:
إِنّ لَها لَسانِياً مِهَضّا،
على ثَنايا القَصْدِ، أَوْ عِرَضّا
الساني: الذي يَسْنُو على البعير بالدلو؛ يقول: يَمُرُّ على مَنْحاتِه
بالغَرْبِ على طريق مستقيمة وعِرِضَّى من النَّشاطِ، قال: أَو يَمُرُّ على
اعْتراضٍ من نَشاطِه. وعِرِضّى، فِعِلَّى، من الاعْتراضِ مثل الجِيَضِّ
والجِيِضَّى: مَشْيٌ في مَيَلٍ. والعِرَضَّةُ والعِرَضْنةُ: الاعْتِراضُ
في السير من النَّشاطِ. والفرس تَعْدُو العِرَضْنى والعِرَضْنةَ
والعِرَضْناةَ أَي مُعْتَرِضةً مَرَّةً من وجه ومرّة من آخر. وناقة عِرَضْنةٌ،
بكسر العين وفتح الراء: مُعْتَرِضةٌ في السير للنشاط؛ عن ابن الأَعرابي؛
وأَنشد:
تَرِدْ بِنا، في سَمَلٍ لَمْ يَنْضُبِ،
مِنْها عِرَضْناتٌ عِراضُ الأَرْنُبِ
العِرْضْناتُ ههنا: جمع عِرَضْنةٍ، وقال أَبو عبيد: لا يقال عِرَضْنةٌ
إِنما العِرَضْنةُ الاعْتراضُ. ويقال: فلان يَعْدو العِرَضْنةَ، وهو الذي
يَسْبِقُ في عَدْوه، وهو يمشي العِرَضْنى إِذا مَشَى مِشْيةً في شقّ فيها
بَغْيٌ من نَشاطه؛ وقول الشاعر:
عِرَضْنةُ لَيْلٍ ففي العِرَضْناتِ جُنَّحا
أَي من العِرَضْناتِ كما يقال رجل من الرجال. وامرأَة عِرَضْنةٌ: ذهبت
عَرْضاً من سِمَنِها. ورجل عِرْضٌ وامرأَة عِرْضةٌ وعِرْضَنٌ وعِرْضَنةٌ
إِذا كان يَعْتَرِضُ الناس بالباطل. ونظرت إِلى فلان عِرَضْنةً أَي
بِمُؤَخَّر عَيْني. ويقال في تصغير العِرَضْنى عُرَيْضِنٌ تَثْبُتُ النونُ
لأَنها ملحقة وتحذف الياء لأَنها غير ملحقة.
وقال أَبو عمرو: المُعارِضُ من الإِبلِ العَلُوقُ وهي التي ترأَم
بأَنْفِها وتَمْنَعُ دَرَّها. وبعير مُعارِضٌ إِذا لم يَسْتَقم في
القِطار.والإِعْراضُ عن الشيء: الصدُّ عنه. وأَعْرَضَ عنه: صَدّ. وعَرَضَ لك
الخيرُ يَعْرِضُ عُروضاً وأَعْرَضَ: أَشْرَفَ. وتَعَرَّضَ مَعْرُوفَه وله:
طَلَبَه؛ واستعمل ابن جني التَّعْرِيضَ في قوله: كان حَذْفُه أَو
التَّعْرِيضُ لحَذْفِه فساداً في الصنْعة.
وعارَضَه في السير: سار حِياله وحاذاه. وعارَضَه بما صَنَعَه: كافأَه.
وعارض البعيرُ الريحَ إِذا لم يستقبلها ولم يستدبرها.
وأَعْرَض الناقةَ على الحوض وعَرَضَها عَرْضاً: سامَها أَن تشرب،
وعَرَضَ عَلَيّ سَوْمَ عالّةٍ: بمعنى قول العامة عَرْضَ سابِرِيّ. وفي المثل:
عَرْضَ سابِرِيّ، لأَنه يُشترى بأَوّل عَرْض ولا يُبالَغُ فيه. وعَرَضَ
الشيءُ يَعْرِضُ: بدا. وعُرَضَّى: فُعَلَّى من الإِعْراضِ، حكاه سيبويه.
ولقِيه عارِضاً أَي باكِراً، وقيل: هو بالغين معجمة. وعارضاتُ الوِرْد
أَوّله؛ قال:
كِرامٌ يَنالُ الماءَ قَبْلَ شفاهِهِمْ،
لَهُمْ عارِضات الوِرْدِ شُمُّ المَناخِرِ
لهم منهم؛ يقول: تقَع أُنوفُهم في الماء قبل شِفاههم في أَوّل وُرُودِ
الوِرْدِ لأَن أَوّله لهم دون الناس.
وعَرَّضَ لي بالشيء: لم يُبَيِّنْه.
وتَعَرُضَ: تعَوَّجَ. يقال: تعرَّض الجملُ في الجبَل أَخَذ منه في
عَرُوضٍ فاحتاج أَن يأْخذ يميناً وشمالاً لصعوبة الطريق؛ قال عبد اللّه ذو
البِجادين المزنيُّ وكان دليلَ النبي، صلّى اللّه عليه وسلّم، يخاطب ناقته
وهو يقودُها به، صلّى اللّه عليه وسلّم، على ثَنِيّةِ رَكوبةَ، وسمي ذا
البِجادَيْنِ لأَنه حين أَراد المسير إِلى النبي، صلّى اللّه عليه وسلّم،
قطعت له أُمّه بِجاداً باثنين فَأْتَزَرَ بواحد وارْتَدى بآخَر:
تَعَرَّضِي مَدارِجاً وسُومي،
تَعَرَّضَ الجَوْزاءِ للنُّجُومِ،
هو أَبُو القاسِمِ فاسْتَقِيمي
ويروى: هذا أَبو القاسم. تَعَرَّضِي: خُذِي يَمْنةً ويَسْرةً وتَنَكَّبي
الثنايا الغِلاظ تَعَرُّضَ الجَوْزاءِ لأَن الجوزاء تمر على جنب
مُعارضةً ليست بمستقيمة في السماء؛ قال لبيد:
أَو رَجْعُ واشِمةٍ أُسِفَّ نَؤُورُها
كِفَفاً، تَعَرَّضَ فَوْقَهُنّ وِشامُها
قال ابن الأَثير: شبهها بالجوزاء لأَنها تمرّ معترضة في السماء لأَنها
غير مستقيمة الكواكب في الصورة؛ ومنه قصيد كعب:
مَدْخُوسةٌ قُذِفَتْ بالنَّحْضِ عن عُرُضٍ
أَي أَنها تَعْتَرِضُ في مَرْتَعِها. والمَدارِجُ: الثنايا الغِلاظُ.
وعَرَّضَ لفلان وبه إِذا قال فيه قولاً وهو يَعِيبُه. الأَصمعي: يقال
عَرَّضَ لي فلان تَعْرِيضاً إِذا رَحْرَحَ بالشيء ولم يبيِّن. والمَعارِيضُ من
الكلام: ما عُرِّضَ به ولم يُصَرَّحْ. وأَعْراضُ الكلامِ ومَعارِضُه
ومَعارِيضُه: كلام يُشْبِهُ بعضهُ بعضاً في المعاني كالرجل تَسْأَله: هل
رأَيت فلاناً؟ فيكره أَن يكذب وقد رآه فيقول: إِنَّ فلاناً لَيُرَى؛ ولهذا
المعنى قال عبد اللّه بن العباس: ما أُحِبُّ بمَعارِيضِ الكلامِ حُمْرَ
النَّعَم؛ ولهذا قال عبد اللّه بن رواحة حين اتهمته امرأَته في جارية له،
وقد كان حلف أَن لا يقرأَ القرآن وهو جُنب، فأَلَحَّتْ عليه بأَن يقرأَ
سورة فأَنشأَ يقول:
شَهِدْتُ بأَنَّ وَعْدَ اللّهِ حَقٌّ،
وأَنَّ النارَ مَثْوَى الكافِرِينا
وأَنَّ العَرْشَ فوْقَ الماءِ طافٍ،
وفوقَ العَرْشِ رَبُّ العالَمِينا
وتَحْمِلُه ملائكةٌ شِدادٌ،
ملائكةُ الإِلهِ مُسَوَّمِينا
قال: فرضيت امرأَته لأَنها حَسِبَتْ هذا قرآناً فجعل ابن رواحة، رضي
اللّه عنه، هذا عَرَضاً ومِعْرَضاً فراراً من القراءة.
والتعْرِيضُ: خلاف التصريح. والمَعارِيضُ: التَّوْرِيةُ بالشيء عن
الشيء. وفي المثل، وهو حديث مخرّج عن عمران بن حصين، مرفوع: إِنَّ في
المَعاريضِ لَمَنْدُوحةً عن الكذب أَي سَعةً؛ المَعارِيضُ جمع مِعْراضٍ من
التعريضِ. وفي حديث عمر، رضي اللّه عنه: أَمَا في المَعارِيض ما يُغْني المسلم
عن الكذب؟ وفي حديث ابن عباس: ما أُحب بمَعارِيضِ الكلام حُمْر النعَم.
ويقال: عَرّض الكاتبُ إِذا كتب مُثَبِّجاً ولم يبين الحروف ولم يُقَوِّمِ
الخَطّ؛ وأَنشد الأَصمعي للشماخ:
كما خَطَّ عِبْرانِيّةً بيَمينه،
بتَيماءَ، حَبْرٌ ثم عَرَّضَ أَسْطُرا
والتَّعْرِيضُ في خِطْبةِ المرأَة في عدّتها: أَن يتكلم بكلام يشبه
خِطْبتها ولا يصرّح به، وهو أَن يقول لها: إِنك لجميلة أَو إِن فيك لبقِيّة
أَو إِن النساء لمن حاجتي. والتعريض قد يكون بضرب الأَمثال وذكر الأَلغاز
في جملة المقال. وفي الحديث: أَنه قال لعَديّ ابن حاتم إِن وِسادَكَ
لعَرِيضٌ، وفي رواية: إِنك لعَريضُ القَفا، كَنى بالوِساد عن النوم لأَن
النائم يتَوَسَّدُ أَي إِن نومك لطويل كثير، وقيل: كنى بالوساد عن موضع
الوساد من رأْسه وعنقه، وتشهد له الرواية الثانية فإِنّ عِرَضَ القفا كناية عن
السِّمَن، وقيل: أَراد من أَكل مع الصبح في صومه أَصبح عَريضَ القفا
لأَن الصوم لا يؤثِّر فيه.
والمُعَرَّضةُ من النساء: البكر قبل أَن تُحْجَبَ وذلك أَنها تُعْرَضُ
على أَهل الحيّ عَرْضةً لِيُرَغِّبُوا فيها مَنْ رَغِبَ ثم يَحْجبونها؛
قال الكميت:
لَيالِيَنا إِذْ لا تزالُ تَرُوعُنا،
مُعَرَّضةٌ مِنْهُنَّ بِكْرٌ وثَيِّبُ
وفي الحديث: من عَرَّضَ عَرَّضْنا له، ومن مَشى على الكَلاّءِ
أَلْقَيْناه في النهر؛ تفسيرُه: من عَرَّضَ بالقَذْف عَرَّضْنا له بتأْديب لا
يَبْلُغُ الحَدّ، ومن صرح بالقذف برُكُوبه نهر الحَدّ أَلقيناه في نهر الحدّ
فحَدَدْناه؛ والكلاَّء مَرْفأُ السفُن في الماء، وضرب المشي على الكلاَّء
مثلاً للتعريض للحدّ بصريح القذف.
والعَرُوضُ: عَرُوضُ الشعر وهي فَواصِلُ أَنصاف الشعْر وهو آخر النصف
الأَول من البيت، أُنْثَى، وكذلك عَرُوض الجبل، وربما ذُكِّرتْ، والجمع
أَعارِيضُ على غير قياس، حكاه سيبويه، وسمي عَرُوضاً لأَن الشعر يُعْرَضُ
عليه، فالنصف الأَول عَروضٌ لأَن الثاني يُبْنى على الأَول والنصف الأَخير
الشطر، قال: ومنهم من يجعل العَروضَ طَرائق الشعْر وعَمُودَه مثل الطويل
يقول هو عَرُوضٌ واحد، واخْتِلافُ قَوافِيه يسمى ضُرُوباً، قال: ولكُلٍّ
مقَالٌ؛ قال أَبو إِسحق: وإِنما سمي وسط البيت عَرُوضاً لأَن العروض وسط
البيت من البِناء، والبيتُ من الشعْر مَبنيّ في اللفظ على بناء البيت
المسكون للعرب، فَقِوامُ البيت من الكلام عَرُوضُه كما أَنّ قِوامَ البيت من
الخِرَقِ العارضةُ التي في وسطه، فهي أَقْوَى ما في بيت الخرق، فلذلك
يجب أَن تكون العروض أَقوى من الضرْب، أَلا ترى أَن الضُّروبَ النقصُ فيها
أَكثر منه في الأَعارِيض؟ والعَرُوضُ: مِيزانُ الشعْر لأَنه يُعارَضُ
بها، وهي مؤنثة ولا تجمع لأَنها اسم جنس.
وفي حديث خديجة، رضي اللّه عنها: أَخاف أَن يكون عُرِضَ له أَي عَرَضَ
له الجنّ وأَصابَه منهم مَسٌّ. وفي حديث عبد الرحمن بن الزَّبِيرِ
وزَوجتِه: فاعتُرِضَ عنها أَي أَصابَه عارض من مرَضٍ أَو غيره منَعَه عن
إِتيانها. ومضى عَرْضٌ من الليل أَي ساعةٌ.
وعارِضٌ وعرِيضٌ ومُعْتَرِضٌ ومُعَرِّضٌ ومُعْرِضٌ: أَسماء؛ قال:
لَوْلا ابْن حارِثةَ الأَميرُ لَقَدْ
أَغْضَيْتُ مِنْ شَتْمي على رَغْمي
(* قوله «لولا ابن حارثة الأمير لقد» كذا بالأصل.)
إِلاَّ كَمُعْرِضٍ المُحَسِّر بَكْرَه
عَمْداً يُسَبِّبُني على الظُّلْمِ
الكاف فيه زائدة وتقديره إِلا مُعْرِضاً. وعُوارضٌ، بضم العين: جبَل أَو
موضع؛ قال عامرُ بن الطُّفَيْل:
فَلأَبْغِيَنَّكُمُ قَناً وعُوارضاً،
ولأُقْبِلَنَّ الخيْلَ لابةَ ضَرْغَدِ
أَي بِقَناً وبعُوارِضٍ، وهما جبلان؛ قال الجوهري: هو ببلاد طيّء وعليه
قبر حاتم؛ وقال فيه الشماخ:
كأَنَّها، وقد بَدا عُوارِضُ،
وفاضَ من أَيْدِيهِنّ فائضُ
وأَدَبِيٌّ في القَتامِ غامِضُ،
وقِطْقِطٌ حيثُ يَحُوضُ الحائضُ
والليلُ بَيْنَ قَنَوَيْنِ رابِضُ،
بجَلْهةِ الوادِي، قَطاً نَواهِضُ
والعَرُوضُ: جبل؛ قال ساعِدةُ بن جُؤَيّة:
أَلمْ نَشْرِهمْ شَفْعاً، وتُتْرَكَ منْهُمُ بجَنْبِ العَرُوضِ رِمّةٌ
ومَزاحِفُ؟
والعُرَيْضُ، بضم العين، مصغر: وادٍ بالمدينة به أَموالٌ لأَهلها؛ ومنه
حديث أَبي سفيان: أَنه خرَج من مكة حتى بلغ العُرَيْضَ، ومنه الحديث
الآخر: ساقَ خَلِيجاً من العُرَيْضِ. والعَرْضِيُّ: جنس من الثياب.
قال النضر: ويقال ما جاءكَ من الرأْي عَرَضاً خير مما جاءك
مُسْتَكْرَهاً أَي ما جاءك من غير رَوِيَّةٍ ولا فِكْر. وقولهم: عُلِّقْتُها عَرَضاً
إِذا هَوِيَ امرأَةً أَي اعْتَرَضَتْ فرآها بَغْتة من غير أَن قَصَد
لرؤيتها فَعَلِقَها من غير قصدٍ؛ قال الأَعشى:
عُلِّقْتُها عَرَضاً، وعُلِّقَتْ رَجُلاً
غَيْري، وعُلِّقَ أُخْرى غيْرَها الرجُلُ
وقال ابن السكيت في قوله عُلِّقْتُها عرَضاً أَي كانت عرَضاً من
الأَعْراضِ اعْتَرَضَني من غير أَن أَطْلُبَه؛ وأَنشد:
وإِمّا حُبُّها عَرَضٌ، وإِمّا
بشاشةُ كلِّ عِلْقٍ مُسْتَفاد
يقول: إِما أَن يكون الذي من حبها عرَضاً لم أَطلبه أَو يكون عِلْقاً.
ويقال: أَعرَض فلان أَي ذهَب عرْضاً وطولاً. وفي المثلِ: أَعْرَضْتَ
القِرْفةَ، وذلك إِذا قيل للرجل: من تَتَّهِمُ؟ فيقول: بني فلانة للقبيلة
بأَسْرِها. وقوله تعالى: وعَرَضْنا جهنم يومئذ للكافرين عَرْضاً؛ قال
الفراء: أَبرزناها حتى نظر إِليها الكفار، ولو جَعَلْتَ الفِعْلَ لها زدْتَ
أَلفاً فقلت: أَعْرَضَتْ هي أَي ظَهَرَتْ واستبانت؛ قال عمرو بن كلثوم:
فأَعْرَضَتِ اليمامةُ، واشْمَخَرَّتْ
كأَسيافٍ بأَيدي مُصْلِتينا
أَي أَبْدَتْ عُرْضَها ولاحَتْ جِبالُها للناظر إِليها عارِضةً.
وأَعْرَضَ لك الخير إِذا أَمْكَنكَ. يقال: أَعْرَضَ لك الظبْيُ أَي أَمْكَنكَ من
عُرْضِه إِذا وَلاَّك عُرْضَه أَي فارْمه؛ قال الشاعر:
أَفاطِمَ، أَعْرِضِي قَبْلَ المنايا،
كَفى بالموْتِ هَجْراً واجْتِنابا
أَي أَمكِني. ويقال: طَأْ مُعْرِضاً حيث شئت أَي ضَعْ رجليك حيث شئت أَي
ولا تَتَّق شيئاً قد أَمكن ذلك. واعْتَرَضْتُ البعير: رَكِبْتُه وهو
صَعْبٌ. واعْتَرضْتُ الشهر إِذا ابتدأْته من غير أَوله. ويقال: تَعَرَّضَ لي
فلان وعرَض لي يَعْرِضُ يَشْتِمُني ويُؤْذِيني. وقال الليث: يقال تعرَّض
لي فلان بما أَكره واعتَرَضَ فلان فلاناً أَي وقع فيه. وعارَضَه أَي
جانَبَه وعَدَلَ عنه؛ قال ذو الرمة:
وقد عارَضَ الشِّعْرى سُهَيْلٌ، كأَنَّه
قَريعُ هِجانٍ عارَضَ الشَّوْلَ جافِرُ
ويقال: ضرَب الفحلُ الناقةَ عِراضاً، وهو أَن يقاد إِليها ويُعْرَضَ
عليها إِن اشْتَهَتْ ضرَبَها وإِلا فلا وذلك لكَرَمها؛ قال الراعي:
قلائِصُ لا يُلْقَحْنَ إِلاَّ يَعارةً
عِراضاً، ولا يُشْرَيْنَ إِلاَّ غَوالِيا
ومثله للطرماح:
.......... ونِيلَتْ
حِينَ نِيلتْ يَعارةً في عِراضِ
أَبو عبيد: يقال لَقِحَتْ ناقةُ فلان عِراضاً، وذلك أَن يُعارِضَها
الفحلُ معارضةً فيَضْرِبَها من غير أَن تكون في الإِبل التي كان الفحلُ
رَسِيلاً فيها. وبعير ذو عِراضٍ: يُعارِضُ الشجر ذا الشوْكِ بفِيه. والعارِضُ:
جانِبُ العِراق؛ والعريضُ الذي في شعر امرئ القيس اسم جبل ويقال اسم
واد:
قَعَدْتُ له، وصُحْبتي بَيْنَ ضارِجٍ
وبَيْنَ تِلاعِ يَثْلَثٍ، فالعَرِيضِ
أَصابَ قُطَيَّاتٍ فَسالَ اللَّوى له،
فَوادي البَدِيّ فانْتَحى لليَرِيضِ
(* قوله «أصاب إلخ» كذا بالأصل، والذي في معجم ياقوت في عدة مواضع: أصاب قطاتين فسال لواهما)
وعارَضْتُه في المَسِير أَي سِرْتُ حياله وحاذَيْتُه. ويقال: عارض فلان
فلاناً إِذا أَخذ في طريق وأخذ في طريق آخر فالتقيا. وعارَضْتُه بمثل ما
صنع أَي أَتيت إِليه بمثل ما أَتى وفعلت مثل ما فعل.
ويقال: لحم مُعَرَّضُ للذي لم يُبالَغْ في إِنْضاجِه؛ قال السُّلَيْك بن
السُّلَكةِ السعدي:
سَيَكْفِيكَ ضَرْبَ القَوْمِ لَحْمٌ مُعَرَّضٌ،
وماءُ قُدُورٍ في الجِفانِ مَشِيبُ
ويروى بالضاد والصاد. وسأَلته عُراضةَ مالٍ وعَرْضَ مال وعَرَضَ مالٍ
فلم يعطنيه. وقَوْسٌ عُراضةٌ أَي عَرِيضةٌ؛ قال أَبو كبير:
لَمّا رأى أَنْ لَيْسَ عنهمْ مَقْصَرٌ،
قَصَرَ اليَمِينَ بكلِّ أَبْيَضَ مِطْحَرِ
وعُراضةِ السِّيَتَينِ تُوبِعَ بَرْيُها،
تأْوي طَوائِفُها بعَجْسٍ عَبْهَرِ
تُوبِعَ بَرْيُها: جُعِلَ بعضه يشبه بعضاً. قال ابن بري: أَورده الجوهري
مفرداً. وعُراضةُ وصوابه وعُراضةِ، بالخفض وعلله بالبيت الذي قبله؛
وأَما قول ابن أَحمر:
أَلا لَيْتَ شِعْري، هل أَبِيتَنَّ ليلةً
صَحيحَ السُّرى، والعِيسُ تَجْري عَرُوضُها
بِتَيْهاءَ قَفْرٍ، والمَطِيُّ كأَنَّها
قَطا الحَزْنِ، قد كانَتْ فِراخاً بُيُوضُها
ورَوْحةُ دُنْيا بَينَ حَيَّينِ رُحْتُها،
أُسِيرُ عَسِيراً أَو عَرُوضاً أَرُوضُها
أُسِيرُ أَي أُسَيِّرُ. ويقال: معناه أَنه ينشد قصيدتين: إِحداهما قد
ذَلَّلها، والأُخرى فيها اعتراضٌ؛ قال ابن بري: والذي فسّره هذا التفسير
روى الشعر:
أُخِبُّ ذَلُولاً أَو عَرُوضاً أَرُوضُها
قال: وهكذا روايته في شعره. ويقال: اسْتُعْرِضَتِ الناقةُ باللحمِ فهي
مُسْتَعْرَضَةٌ. ويقال: قُذِفَتْ باللحم ولُدِسَت إِذا سَمِنَتْ؛ قال ابن
مقبل:
قَبّاء قد لَحِقَتْ خَسِيسةُ سِنِّها،
واسْتُعْرِضَتْ ببَضِيعِها المُتَبَتِّرِ
قال: خسيسةُ سِنِّها حين بَزَلَتْ وهي أَقْصَى أَسنانها. وفلان
مُعْتَرِضٌ في خُلُقِه إِذا ساءَكَ كلُّ شيءٍ من أَمره. وناقة عُرْضةٌ للحِجارةِ
أَي قويّةٌ عليها. وناقة عُرْضُ أَسفارٍ أَي قويّة على السفَر، وعُرْضُ
هذا البعيرِ السفَرُ والحجارةُ؛ وقال المُثَقِّبُ العَبْديُّ:
أَو مائَةٌ تُجْعَلُ أَوْلادُها
لَغْواً، وعُرْضُ المائةِ الجَلْمَدُ
(* قوله «أو مائة إلخ» تقدم هذا البيت في مادة جلمد بغير هذا الضبط
والصواب ما هنا.)
قال ابن بري: صواب إِنشاده أَو مائةٍ، بالكسر، لأَن قبله:
إِلا بِبَدْرَى ذَهَبٍ خالِصٍ،
كلَّ صَباحٍ آخِرَ المُسْنَدِ
قال: وعُرْضُ مبتدأ والجلمد خبره أَي هي قوية على قطعه، وفي البيت
إِقْواء.
ويقال: فلان عُرْضةُ ذاك أَو عُرْضةٌ لذلك أَي مُقْرِنٌ له قويّ عليه.
والعُرْضةُ: الهِمَّةُ؛ قال حسان:
وقال اللّهُ: قد أَعْدَدْتُ جُنْداً،
هُمُ الأَنْصارُ عُرْضَتُها اللِّقاءُ
وقول كعب بن زهير:
عُرْضَتُها طامِسُ الأَعْلامِ مجهول
قال ابن الأَثير: هو من قولهم بَعِيرٌ عُرْضةٌ للسفر أَي قويٌّ عليه،
وقيل: الأَصل في العُرْضةِ أَنه اسم للمفعول المُعْتَرَضِ مثل الضُّحْكة
والهُزْأَةِ الذي يُضْحَكُ منه كثيراً ويُهْزَأُ به، فتقول: هذا الغَرضُ
عُرْضَةٌ للسِّهام أَي كثيراً ما تَعْتَرِضُه، وفلانٌ عُرْضةٌ للكلام أَي
كثيراً ما يَعْتَرِضُه كلامُ الناس، فتصير العُرْضةُ بمعنى النَّصْب كقولك
هذا الرجل نَصْبٌ لكلام الناس، وهذا الغَرضُ نَصْبٌ للرُّماة كثيراً ما
تَعْتَرِضُه، وكذلك فلان عُرْضةٌ للشرِّ أَي نصب للشرّ قويٌّ عليه يعترضه
كثيراً. وقولهم: هو له دونه عُرْضةٌ إِذا كان يَتَعَرَّضُ له، ولفلان
عرضة يَصْرَعُ بها الناس، وهو ضرب من الحِيلةِ في المُصارَعَة.
عوض: العِوَضُ: البَدَلُ؛ قال ابن سيده: وبينهما فَرْقٌ لا يليق ذكره في
هذا المكان، والجمع أَعْواضٌ، عاضَه منه وبه. والعَوْضُ: مصدر قولك
عاضَه عَوْضاً وعِياضاً ومَعُوضةً وعَوَّضَه وأَعاضَه؛ عن ابن جني. وعاوَضَه،
والاسم المَعُوضةُ. وفي حديث أَبي هريرة: فلما أَحل اللّه ذلك للمسلمين،
يعني الجزية، عرفوا أَنه قد عاضَهم أَفضل مما خافُوا. تقول: عُضْتُ
فلاناً وأَعَضْتُه وعَوَّضْتُه إِذا أَعطيته بدل ما ذهب منه، وقد تكرر في
الحديث. والمستقبل التعويض
(* قوله «والمستقبل التعويض» كذا بالأصل.).
وتَعَوَّضَ منه، واعْتاضَ: أَخذ العِوَضَ، واعْتاضَه منه واسْتَعاضَه
وتَعَوَّضَه، كلُّه: سأَلَه العِوَضَ. وتقول: اعْتاضَني فلان إِذا جاء طالباً
للعوض والصِّلة، واستعاضني كذلك؛ وأَنشد:
نِعْمَ الفَتى ومَرْغَبُ المُعْتاضِ،
واللّهُ يَجْزِي القَِرِْضَ بالاقْراضِ
وعاضَه: أَصاب منه العِوَضَ. وعُضْتُ: أَصَبْتُ عِوَضاً؛ قال أَبو محمد
الفقعسي:
هل لكِ، والعارِضُ مِنْكِ عائِضُ،
في هَجْمةٍ يُسْئِرُ منها القابِضُ؟
ويروى: في مائة، ويروى: يُغْدِرُ أَي يُخَلِّفُ. يقال: غَدَرَتِ الناقةُ
إِذا تَخَلَّفَتْ عن الإِبل، وأَغْدَرَها الراعي. والقابض: السائق
الشديد السوق. قال الأَزهري: أَي هل لك في العارِضِ منك على الفضل في مائة
يُسْئِرُ منها القابض؟ قال: هذا رجل خطب امرأَة فقال أُعطيك مائة من الإِبل
يَدَعُ منها الذي يقبضها من كثرتها، يدع بعضها فلا يطيق شَلَّها، وأَنا
مُعارِضُك أُعطي الإِبل وآخُذُ نفسَكِ فأَنا عائض أَي قد صار العوض منك
كله لي؛ قال الأَزهري: قوله عائض من عِضْتُ أَي أَخذت عوضاً، قال: لم
أَسمعه لغير الليث. وعائضٌ من عاضَ يَعوض إِذا أَعطى، والمعنى هل لك في هجمة
أَتزوّجك عليها. والعارضُ منكِ: المُعْطي عِوَضاً، عائِضٌ أَي مُعَوِّضٌ
عِوَضاً تَرْضَيْنَه وهو الهجمة من الإِبل، وقيل: عائض في هذا البيت فاعل
بمعنى مفعول مثل عيشة راضِية بمعنى مَرْضِيَّة. وتقول: عَوَّضْتُه من
هِبَتِه خيراً. وعاوَضْتُ فلاناً بعوض في المبيع والأَخذ والإِعطاء، تقول:
اعْتَضْتُه كما تقول أَعطيته، وتقول: تعاوَضَ القومُ تعاوُضاً أَي ثابَ
مالُهم وحالُهم بعد قِلَّةٍ.
وعَوْض يبنى على الحركات الثلاث: الدَّهْر، معرفة، علم بغير تنوين،
والنصب أَكثر وأَفشَى؛ وقال الأَزهري: تفتح وتضم، ولم يذكر الحركة الثالثة.
وحكي عن الكسائي عوضُ، بضم الضاد غير منون، دَهْرٌ، قال الجوهري: عَوْضُ
معناه الأَبد وهو للمستقبل من الزمان كما أَنَّ قَطّ للماضي من الزمان
لأَنك تقول عوض لا أُفارقك، تريد لا أُفارقك أَبداً، كما تقول قطّ ما
فارقتك، ولا يجوز أَن تقول عوض ما فارقتك كما لا يجوز أَن تقول قطّ ما أُفارقك.
قال ابن كيسان: قط وعوض حرفان مبنيان على الضم، قط لما مضى من الزمان
وعوض لما يستقبل، تقول: ما رأَيته قطّ يا فتى، ولا أُكلمك عوض يا فتى؛
وأَنشد الأَعشى، رحمه اللّه تعالى:
رضِيعَيْ لِبانٍ ثَدْيَ أُمٍّ تَحالَفا
بأَسْحَمَ داجٍ، عَوْضَ لا نَتَفرَّقُ
أَي لا نتفرق أَبدأً، وقيل: هو بمعنى قَسَم. يقال: عَوْض لا أَفْعَله،
يحلف بالدهر والزمان. وقال أَبو زيد: عوض في بيت الأَعشى أَي أَبداً، قال:
وأَراد بأَسْحَمَ داجٍ الليل، وقيل: أَراد بأَسْحم داج سواد حَلَمَةِ
ثدي أُمه، وقيل: أَراد بالأَسحم هنا الرَّحِمَ، وقيل: سواد الحلمة؛ يقول:
هو والنَّدَى رضَعا من ثدي واحد؛ وقال ابن الكلبي: عَوْض في بيت الأَعشى
اسم صنم كان لبكر بن وائل؛ وأَنشد لرُشَيْدِ بن رُمَيْضٍ العنزي:
حَلَفْتُ بمائراتٍ حَوْلَ عَوْضٍ
وأَنْصابٍ تُرِكْنَ لدَى السَّعِيرِ
قال: والسعِيرُ اسم صنم لعنزةَ خاصَّة، وقيل: عوض كلمة تجري مجرى
اليمين. ومن كلامهم: لا أَفْعَلُهُ عَوْضَ العائضينَ ولا دَهْرَ الدَّاهِرينَ
أَي لا أَفعله أَبداً. قال: ويقال ما رأَيت مثله عَوْض أَي لم أَرَ مثله
قَط؛ وأَنشد:
فَلَمْ أَرَ عاماً عَوْضُ أَكْثَرَ هالِكاً،
ووَجْهَ غُلامٍ يُشْتَرَى وغُلامَهْ
ويقال: عاهَدَه أَن لا يُفارِقَه عَوْضُ أَي أَبداً. ويقول الرجل
لصاحبه: عوض لا يكون ذلك أَبداً، فلو كان عوض اسماً للزمان إِذاً لجرى
بالتنوين، ولكنه حرف يراد به القسم كما أَن أَجَلْ ونحوها مما لم يتمكن في
التصريف حُمِلَ على غير الإِعراب. وقولهم: لا أَفعلُه من ذي عوضِ أَي أَبداً
كما تقول من ذي قبْلُ ومن ذي أُنُفٍ أَي فيما يُسْتَقْبَلُ، أَضاف الدهر
إِلى نفسه. قال ابن جني: ينبغي أَن تعلم أَنَّ العِوَضَ من لفظ عَوْضُ الذي
هو الدهر، ومعناه أَن الدهر إِنما هو مرور النهار والليل والتقاؤُهما
وتَصَرُّمُ أَجزائهما، وكلَّما مضَى جزء منه خلفه جزء آخر يكون عوَضاً منه،
فالوقت الكائن الثاني غير الوقت الماضي الأَوّل، قال: فلهذا كان
العِوَضُ أَشدّ مخالفة للمُعَوَّضِ منه من البدل؛ قال ابن بري: شاهد عوضُ،
بالضم، قول جابر بن رَأْلانَ السِّنْبسِيّ:
يَرْضَى الخَلِيطُ ويَرْضَى الجارُ مَنْزِلَه،
ولا يُرَى عَوْضُ صَلْدا يَرْصُدُ العَلَلا
قال: وهذا البيت مع غيره في الحماسة. وعَوْضُ: صنم. وبنو عَوْضٍ: قبيلة.
وعياضٌ: اسم رجل، وكله راجع إِلى معنى العِوَضِ الذي هو الخلَفُ. قال
ابن جني في عياض اسم رجل: إِنما أَصله مصدر عُضْتُه أَي أَعطيته. وقال ابن
بري في ترجمة عوص: عَوْصٌ: قبيلة، وعَوْضٌ، بالضاد، قبيلة من العرب؛ قال
تأَبط شرّاً:
ولَمَّا سَمِعْتُ العَوْضَ تَدْعُو، تَنَفَّرَتْ
عَصافِيرُ رأْسي مِنْ نَوىً وتَوانِيا
بسس: بَسَّ السَّويقَ والدقيقَ وغيرهما يَبُسُّه بَسّاً: خلطه بسمن أَو
زيت، وهي البَسِيسَةُ. قال اللحياني: هي التي تُلتُّ بسمن أَو زيت ولا
تُبَلُّ. والبَسُّ: اتخاذ البَسيسَة، وهو أَن يُلتَّ السَّويقُ أَو الدقيق
أَو الأَقِطُ المطحون بالسمن أَو بالزيت ثم يؤكل ولا يطبخ. وقال يعقوب:
هو أَشد من اللَّتِّ بللاً؛ قال الراجز:
لا تَخْبِزَا خَبْزاً وبَسَّا،
ولا تُطِيلا بمُناخٍ حَبْسَا
وذكر أَبو عبيدة أَنه لص من غَطَفان أَراد أَن يخبز فخاف أَن يعجل عن
ذلك فأَكله عجيناً، ولم يجعل البَسَّ من السَّوقِ اللَّين. ابن سيده:
والبَسِيسَةُ الشعير يخلط بالنوى للإِبل. والبسيسة: خبز يجفف ويدق ويشرب كما
يشرب السويق. قال ابن دريد: وأَحسبه الذي يسمى الفَتُوتُ.
وفي التنزيل العزيز: وبُسَّتِ الجبالُ بَسّاً؛ قال الفراء: صارت
كالدقيق، وكذلك قوله عز وجل
(* قوله «وكذلك قوله عز وجل إلخ» كذا بالأصل وعبارة
متن القاموس وشرحه: وبست الجبال بسّاً أي فتت، نقله اللحياني فصارت أرضاً
قاله الفراء وقال أبو عبيدة فصارت تراباً وقيل نسفت كما قال تعالى ينسفها
ربي نسفاً وقيل سيقت كما قال تعالى وسيرت إلخ.): وسيرت الجبال فكانت
سراباً. وبست: فتت فصارت أَرضاً، وقيل نسفت، كما قال تعالى: ينسفها ربي
نسفاً؛ وقيل: سيقت، كما قال تعالى: وسيرت الجبال فكانت سراباً. وقال الزجاج:
بُسَّتْ لُتَّتْ وخلطت. وبَسَّ الشيءَ إِذا فَتَّتَه. وفي حديث المتعة:
ومعي بُرْدَةٌ قد بُسَّ منها أَي نيلَ منها وبَلِيَتْ. وفي حديث مجاهد: من
أَسماء مكة البَاسَّةُ، سميت بها لأَنها تَحْطِمُ من أَخطأَ فيها.
والبَسُّ: الحَطْمُ، ويروى بالنون من النَّسِّ الطرد.
الأَصمعي: البَسيسَة كل شيء خلطته بغيره مثل السويق بالأَقط ثم تَبُلُّه
بالرُّبِّ أَو مثل الشعير بالنوى للإِبل. يقال: بَسَسْتُهُ أَبُسُّه
بَسّاً. وقال ثعلب: معنى وبُسَّت الجبال بسّاً، خلطت بالتراب. وقال
اللحياني: قال بعضهم: فُتَّتْ، وقال بعضهم: سُوِّيتْ، وقال أَبو عبيدة: صارت
تراباً تَرِباً.
وجاء بالأَمر من حَسِّه وبَسِّه أَي من حيث كان ولم يكن. ويقال: جئْ به
من حِسِّك وبِسِّك أَي ائتِ به على كل حال من حيث شئت. قال أَبو عمرو:
يقال جاء به من حَسِّه وبَسِّه أَي من جهده. ولأَطلُبَنَّه من حَسِّي
وبَسِّي أَي من جُهْدي؛ وينشد:
ترَكَتْ بَيْتي، من الأَشْـ
ـياءِ، قَفْراً، مثلَ أَمْسِ
كلُّ شيءٍ كنتُ قد جَمَّـ
ـعْتُ من حَسِّي وبَسِّي
وبَسَّ في ماله بَسَّةً ووَزَمَ وَزْمَةً: أَذهب منه شيئاً؛ عن
اللحياني.وبِسْ بِسْ: ضرب من زجر الإِبل، وقد أَبَّسَ بها. وبَس بَسْ وبِسْ بِسْ:
من زجر الدابة، بَسَّ بها يَبُسُّ وأَبَسَّ، وقال اللحياني: أَبَسَّ
بالناقة دعاها للحلب، وقيل: معناه دعا ولدها لِتَدِرَّ على حالبها. وقال ابن
دريد: بَسَّ بالناقة وأَبَسَّ بها دعاها للحلب. وفي الحديث: أَن النبي،
صلى اللَّه عليه وسلم، قال: يخرج قوم من المدينة إِلى الشام واليمن
والعراق يُبِسُّون، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون؛ قال أَبو عبيد: قوله
يُبِسُّون هو أَن يقال في زجر الدابة إِذا سُقْتَ حماراً أَو غيره: بَسْ
بَسْ وبِسْ بِسْ، بفتح الباء وكسرها، وأَكثر ما يقال بالفتح، وهو صوت الزجر
للسَّوْق، وهو من كلام أَهل اليمن، وفيه لغتان: بَسَسْتُها
وأَبْسَسْتُها إِذا سُقْتَها وزجَرْتها وقلت لها: بِسْ بِسْ، فيقال على هذا يَبُسُّون
ويُبِسِّون.
وأَبَسَّ بالغنم إِذا أَسْلاها إِلى الماء. وأَبْسَسْتُ بالغنم
إِبْسَاساً. وقال أَبو زيد: أَبْسَسْتُ بالمَعَز إِذا أَشلَيْتَها إِلى الماء.
وأَبَسَّ بالإِبل عند الحلب إِذا دعا الفصيل إِلى أُمه، وأَبَسَّ بأُمه له.
التهذيب: وأَبْسَسْتُ بالإِبل عند الحلب، وهو صُويْتُ الراعي تسكن به
الناقة عند الحلب. وناقة بَسُوسٌ: تَدِرُّ عند الإِبْساس، وبَسْبَسَ
بالناقة كذلك؛ وقال الراعي:
لعَاشِرَةٍ وهو قد خافَها،
فَظَلَّ يُبَسْبِسُ أَو يَنْقُر
لعاشرة: بعدما سارت عشر ليال. يُبَسْبِسُ أَي يَبُسُّ بها يسكنها
لتَدِرَّ. والإِبْساسُ بالشفتين دون اللسان، والنقر باللسان دون الشفتين،
والجمل لا يُبَسُّ إِذا استصعب ولكن يُشْلَى باسمه واسم أُمه فيسكن، وقيل،
الإِبْساسُ أَن يمسح ضرع الناقة يُسَكِّنُها لتَدِرَّ، وكذلك تَبُسُّ الريح
بالسحابة. والبُسُسُ: الرُّعاة. والبُسُسُ: النُّوق الإِنْسِيَّة.
والبُسُسُ: الأَسْوِقَةُ الملتوتة.
والإِبْساسُ عند الحلب: أَن يقال للناقة بِسْ بِسْ. أَبو عبيد: بَسَسْتُ
الإِبل وأَبْسَسْت لغتان إِذا زجرتها وقلت بِسْ بِسْ، والعرب تقول في
أَمثالهم: لا أَفعله ما أَبَسَّ عبدٌ بناقته، قال اللحياني: وهو طوافه
حولها ليحلبها.
أَبو سعيد: يُبِسُّون أَي يسيحون في الأَرض، وانْبَسَّ الرجلُ إِذا ذهب.
وبُسَّهُمْ عنك أَي اطردهم. وبَسَسْتُ المالَ في البلاد فانْبَسَّ إِذا
أَرسلته فتفرق فيها، مثل بَثَثْتُه فانْبَثَّ. وقال الكسائي: أَبْسَسْتُ
بالنعجة إِذا دعوتها للحلب؛ وقال الأَصمعي: لم أَسمع الإِبْساسَ إِلا في
الإِبل؛ وقال ابن دريد: بَسَسْتُ الغنم قلت لها بَسْ بَسْ. والبَسُوسُ:
الناقة التي لا تَدِرُّ إِلا بالإِبْساسِ، وهو أشن يقال لها بُسُّ بُسُّ،
بالضم والتشديد، وهو الصُّوَيْتُ الذي تُسَكَّنُ به الناقةُ عند الحلب،
وقد يقال ذلك لغير الإِبل.
والبَسُوسُ: اسم امرأَة، وهي خالة جَسَّاس بن مُرَّة الشَّيْباني: كانت
لها ناقة يقال لها سَرَابِ، فرآها كُلَيْبُ وائلٍ في حِماه وقد كَسَرَتْ
بَيْض طير كان قد أَجاره، فَرَمى ضَرْعها بسهم، فَوَثَبَ جَسَّاس علة
كليب فقتله، فهاجت حَربُ بكرٍ وتَغْلِبَ ابني وائل بسببها أَربعين سنة حتى
ضربت بها العرب المثل في الشؤم، وبها سميت حرب البَسُوس، وقيل: إِن الناقة
عقرها جَسَّاسُ بن مرة. ومن أَمثال العرب السائرة «غيره: وفي الحديث»:
هو اَشْأَمُ من البَسُوسِ، وهي ناقة كانت تَدُِرُّ على المُبِسِّ بها،
ولذلك سميت بَسُوساً، أَصابها رجل من العرب بسهم في ضرعها فقتلها. وفي
البَسُوسِ قول آخر روي عن ابن عباس، قال الأَزهري: وهذه أَشْبه بالحق، وروى
بسنده عن ابن عباس في قوله تعالى: واتْلُ عليهم نَبَأَ الذي آتيناه آياتِنا
فانسَلَخ منها؛ قال: هو رجل أُعْطِيَ ثلاث دعوات يستجاب له فيها، وكان
له امرأَة يقال لها البَسُوسُ، وكان له منها ولد، وكانت له مُحبَّة،
فقالت: اجعل لي منها دعوة واحدة، قال: فلك واحدة فماذا تأْمرين؟ قالت: ادعُ
اللَّه أَن يجعلني أَجمل امرأَة في بني إِسرائيل، فلما علمت أَن ليس فيهم
مثلها رغبت عنه وأَرادت شيئاً آخر، فدعا اللَّه عليها أَن يجعلها كلبة
نَبَّاحَةً فذهبت فيها دعوتان، وجاء بنوها فلقالوا: ليس لنا على هذا قرار،
قد صارت أُمنا كلبة تُعَيِّرُنا بها الناسُ، فادع اللَّه أَن يعيدها إِلى
الحال التي كانت عليها، فدعا اللَّه فعادت كما كانت فذهبت الدعوات الثلاث
في البَسُوس، وبها يضرب المثل في الشُّؤْمِ.
وبُسْ: زجر للحافر، وبَسْ: بمعنى حَسْبُ، فارسية.
وقد بَسْبَسَ به وأَبَسَّ به وأَسَّ به إِلى الطعام: دعاه. وبَسَّ
الإِبل بَسّاً: ساقها؛ قال:
لا تَخْبِزَا خَبْزاً وبُسَّا بَسَّا
وقال ابن دريد: معناه لا تُبْطِئا في الخَبْزِ وبُسَّا الدقيق بالماءِ
فكلاه. وفي ترجمة خبز: الخَبْزُ السَّوْقُ الشديد بالضرب. والبَسُّ: السير
الرقيق. بَسَسْتُ أَبُسُّ بَسّاً وبَسَسْتُ الإِبل أَبُسُّها، بالضم،
بَسّاً إِذا سُقْتَها سوقاً لطيفاً. والبَسُّ: السَّوْقُ اللَّيِّنُ، وقيل:
البَسُّ أَن تَبُلَّ الدَّقيق ثم تأْكله، والخَبْزُ أَن تَخبِزَ
المَلِيلَ. والبَسيسَة عندهم: الدقيق والسويق يلت ويتخذ زاداً. ابن السكيت:
بَسَسْتُ السويقَ والدقيق أَبُسُّه بَسّاً إِذا بللته بشيءٍ من الماء، وهو
أَشد من اللَّتِّ. وبَسَّ الرجلَ يَبُسُّه: طرده ونحاه. وانْبَسَّ:
تَنَحَّى. وبَسَّ عَقاربه: أَرسل نمائمه وأَذاه. وانْبَسَّتِ الحيةُ: انْسابَتْ
على وجه الأَرض؛ قال:
وانْبَسَّ حَيَّاتُ الكَثِيبِ الأَهْيَلِ
وانْبَسَّ في الأَرض: ذهب؛ عن اللحياني وحده حكاه في باب انْبَسَّت
الحيات انْبِساساً، قال: والمعروف عند أَبي عبيد وغيره ارْبَسَّ. وفي حديث
الحجاج: قال للنعمان بن زُرْعَةَ: أَمِنَّ أَهلِ الرَّسِّ والبَسِّ أَنت؟
البَسُّ: الدَّسُّ. يقال: بَسَّ فلان لفلان من يتخبر له خبره ويأَتيه به
أَي دَسَّه إِليه.
والبَسْبَسَة: السِّعايَةُ بين الناس. والبَسْبَسُ: شجرٌ. والبَسْبَسُ:
لغة في السَّبْسَبِ، وزعم يعقوب أَنه من المقلوب. والبِسابِسُ: الكذب.
والبَسْبَس: القَفْرُ. والتُّرَّهات البَسابِسُ هي الباطلُ، وربما قالوا
تُرَّهاتُ البَسابِسِ، بالإِضافة. وفي حديث قُسٍّ: فبينا أَنا أَجول
بَسْبَسَها؛ البَسْبَسُ: البَرُّ المُقْفِرُ الواسع، ويروى سَبْسَبَها، وهو
بمعناه. وبَسْبَس بَوْلَه: كَسَبْسَبَه.
والبَسْباسُ: بَقْلَة: قال أَبو حنيفة: البَسْباسُ من النبات الطيب
الريح، وزعم بعض الرواةى أَنه النانخاه، وأَما أَبو زياد فقال: البَسْباسُ
طَيِّبُ الريح يُشْبِه طَعْمُه طعم الجزر، واحدته بَسْباسَةٌ. الليث:
البَسباسَة بقلة؛ قال الأَزهري: هي معروفة عند العرب؛ قال: والبَسْبَسُ شجر
تتخذ منه الرجال. قال الأَزهري: الذي قالَه الليث في البسبس أَنه شجر لا
أَعرفه، قال: وأَراه أَراد السَّبْسَبَ.
وبَسْباسَةُ: اسم امرأَة، والبَسُوس كذلك.
وبُسٌّ: موضع عند حنين؛ قال عباس بن مِرْداس السُّلَمِيُّ:
رَكَضْتُ الخَيْلَ فيها بين بُسٍّ
إِلى الأَوْراد، تَنْحِطُ بالنِّهابِ
قال: وأُرى عاهانَ بن كعب إياه عنى بقوله:
بَنِيكَ وهَجْمَةٌ كأَشاءِ بُسٍّ،
غِلاظُ منابِتِ القَصَراتِ كُومُ
يقول: عليك بنيك أَو انظر بنيك، ورفع هجمة على تقدير وهذه هَجْمَةٌ
كالأَشاء ففيها ما يَشْغَلْك عن النعيم.
أبل: الإِبِلُ والإِبْلُ، الأَخيرة عن كراع، معروف لا واحد له من لفظه،
قال الجوهري: وهي مؤَنثة لأَن أَسماء الجموع التي لا واحد لها من لفظها
إِذا كانت لغير الآدميين فالتأْنيث لها لازم، وإِذا صغرتها دخلتها التاء
فقلت أُبَيلة وغُنَيْمة ونحو ذلك، قال: وربما قالوا للإِبِل إِبْل،
يسكِّنون الباء للتخفيف. وحكى سيبويه إِبِلان قال: لأَن إِبِلاً اسم لم
يُكَسَّر عليه وإِنما يريدون قطيعين؛ قال أَبو الحسن: إنما ذهب سيبويه إِلى
الإِيناس بتثنية الأَسْماء الدالة على الجمع فهو يوجهها إِلى لفظ الآحاد،
ولذلك قال إِنما يريدون قطيعين، وقوله لم يُكَسَّر عليه لم يضمر في
يُكَسَّر، والعرب تقول: إِنه ليروح على فلان إِبِلان إِذا راحت إِبل مع راعٍ
وإِبل مع راعٍ آخر، وأَقل ما يقع عليه اسم الإِبل الصِّرْمَةُ، وهي التي
جاوزت الذَّوْدَ إِلى الثلاثين، ثم الهَجْمةُ أَوَّلها الأربعون إِلى ما
زادت، ثم هُنَيْدَةٌ مائة من الإِبل؛ التهذيب: ويجمع الإِبل آبالٌ.
وتأَبَّل إِبِلاً: اتخذها. قال أَبو زيد: سمعتُ رَدَّاداً رجلاً من بني
كلاب يقول تأَبَّل فلان إِبلاً وتَغَنَّم غنماً إذا اتخذ إِبلاً وغنماً
واقتناها.
وأَبَّل الرجلُ، بتشديد الباء، وأَبَل: كثرت إِبلُه
(* قوله «كثرت إبله»
زاد في القاموس بهذا المعنى آبل الرجل إيبالاً بوزن أفعل إفعالاً) ؛
وقال طُفيل في تشديد الباء:
فأَبَّلَ واسْتَرْخى به الخَطْبُ بعدَما
أَسافَ، ولولا سَعيُنا لم يُؤَبِّل
قال ابن بري: قال الفراء وابن فارس في المجمل: إِن أَبَّل في البيت
بمعنى كثرت إِبلُه، قال: وهذا هو الصحيح، وأَساف هنا: قَلَّ ماله، وقوله
استرخى به الخطب أَي حَسُنَت حاله. وأُبِّلت الإِبل أَي اقتُنِيت، فهي
مأْبولة، والنسبة إلى الإِبل إِبَليٌّ، يفتحون الباء استيحاشاً لتوالي الكسرات.
ورجل آبِلٌ وأَبِل وإِبَليٌّ وإِبِليٌّ: ذو إِبل، وأَبَّال: يرعى
الإِبل. وأَبِلَ يأْبَل أَبالة مثل شَكِس شَكاسة وأَبِلَ أَبَلاً، فهو آبل
وأَبِل: حَذَق مصلحة الإِبل والشاء، وزاد ابن بري ذلك إِيضاحاً فقال: حكى
القالي عن ابن السكيت أَنه قال رجل آبل بمد الهمزة على مثال فاعل إِذا كان
حاذقاً برِعْية الإِبل ومصلحتها، قال: وحكى في فعله أَبِل أَبَلاً، بكسر
الباء في الفعل الماضي وفتحها في المستقبل؛ قال: وحكى أَبو نصر أَبَل
يأْبُل أَبالةً، قال: وأَما سيبويه فذكر الإِبالة في فِعالة مما كان فيه معنى
الوِلاية مثل الإِمارة والنِّكاية، قال: ومثلُ ذلك الإِيالةُ
والعِياسةُ، فعلى قول سيبويه تكون الإِبالة مكسورة لأَنها ولاية مثل الإِمارة،
وأَما من فتحها فتكون مصدراً على الأَصل، قال: ومن قال أَبَلَ بفتح الباء
فاسم الفاعل منه آبل بالمد، ومن قاله أَبِلَ بالكسر قال في الفاعل أَبِلٌ
بالقصر؛ قال: وشاهد آبل بالمد على فاعل قول ابن الرِّفاع:
فَنَأَتْ، وانْتَوى بها عن هَواها
شَظِفُ العَيْشِ، آبِلٌ سَيّارُ
وشاهد أَبِلٍ بالقصر على فَعِلٍ قولُ الراعي:
صُهْبٌ مَهاريسُ أَشباهٌ مُذَكَّرةٌ،
فات العَزِيبَ بها تُرْعِيَّةٌ أَبِلُ
وأَنشد للكميت أَيضاً:
تَذَكَّرَ مِنْ أَنَّى ومن أَيْنَ شُرْبُه،
يُؤامِرُ نَفْسَيْه كذي الهَجْمةِ الأَبِل
وحكى سيبوبه: هذا من آبَلِ الناس أَي أَشدِّهم تأَنُّقاً في رِعْيةِ
الإِبل وأَعلَمِهم بها، قال: ولا فعل له. وإِن فلاناً لا يأْتَبِلُ أَي لا
يَثْبُت على رِعْيةِ الإِبل ولا يُحْسِنُ مهْنَتَها، وقيل: لا يثبت عليها
راكباً، وفي التهذيب: لا يثبت على الإِبل ولا يقيم عليها. وروى الأَصمعي
عن معتمر بن سليمان قال: رأَيت رجلاً من أَهل عُمَانَ ومعه أَب كبير يمشي
فقلت له: احمله فقال: لا يأْتَبِلُ أَي لا يثبت على الإِبل إِذا ركبها؛
قال أَبو منصور: وهذا خلاف ما رواه أَبو عبيد أَن معنى لا يأْتبل لا
يقيم عليها فيما يُصْلِحُها. ورجل أَبِلٌ بالإِبل بيِّنُ الأَبَلةِ إِذا كان
حاذقاً بالقيام عليها، قال الراجز:
إِن لها لَرَاعِياً جَريّا،
أَبْلاً بما يَنْفَعُها، قَوِيّا
لم يَرْعَ مأْزُولاً ولا مَرْعِيّا،
حتى عَلا سَنامَها عُلِيّا
قال ابن هاجك: أَنشدني أَبو عبيدة للراعي:
يَسُنُّها آبِلٌ ما إِنْ يُجَزِّئُها
جَزْءاً شَدِيداً، وما إِنْ تَرْتَوي كَرَعا
الفراء: إِنه لأَبِلُ مالٍ على فَعِلٍ وتُرْعِيَّةُ مالٍ وإِزاءُ مالٍ
إِذا كان قائماً عليها. ويقال: رَجُلٌ أَبِلُ مال بقصر الأَلْف وآبل مالٍ
بوزن عابل من آله يؤُوله إِذا ساسه
(* قوله من آله يؤوله إذا ساسه: هكذا
في الأصل، ولعل في الكلام سقطاً) ، قال: ولا أَعرف آبل بوزن عابل.
وتأْبيل الإِبل: صَنْعَتُها وتسمينُها، حكاه أَبو حنيفة عن أَبي زياد الكلابي.
وفي الحديث: الناس كإِبلٍ مائةٍ لا تجد فيها راحلةً، يعني أَن المَرْضِيّ
المُنْتَخَبَ من الناس في عِزَّة وُجوده كالنِّجيب من الإِبل القويّ على
الأَحمال والأَسفار الذي لا يوجد في كثير من الإِبل؛ قال الأَزهري: الذي
عندي فيه أَن افيفي تعالى ذمَّ الدنيا وحذَّر العبادَ سوء مَغَبَّتها
وضرب لهم فيها الأَمثال ليعتبروا ويحذروا، وكان النبي، صلى الله عليه وسلم،
يُحَذِّرهم ما حذرهم افيفي ويزهدهم فيها، فَرَغِبَ أَصْحابُه بعده فيها
وتنافسوا عليها حتى كان الزهد في النادر القليل منهم فقال: تجدون الناس
بعدي كإِبل مائة ليس فيها راحلة أَي أَن الكامل في الزهد في الدنيا والرغبة
في الآخرة قليل كقلة الراحلة في الإِبل، والراحلة هي البعير القوي على
الأَسفار والأَحمال، النجيب التام الخَلْق الحسن المَنْظَر، قال: ويقع على
الذكر والأُنثى والهاء فيه للمبالغة. وأَبَلَت الإِبلُ والوحشُ تأْبِلُ
وتأْبُلُ أَبْلاً وأُبولاً وأَبِلَتْ وتأَبّلتْ: جَزَأَتْ عن الماء
بالرُّطْب؛ ومنه قول لبيد:
وإِذا حَرَّكْتُ غَرْزي أَجْمَرَتْ،
أَو قِرابي عَدْوَ جَوْنٍ قد أَبَلْ
(* قوله «وإذا حركت، البيت» أورده الجوهري بلفظ:
وإذا حركت رجلي أرقلت
بي تعدو عدو جون فد أبل)
الواحد آبلٌ والجمع أُبَّالٌ مثل كافر وكفَّار؛ وقول الشاعر أَنشده أَبو
عمرو:
أَوابِلُ كالأَوْزانِ حُوشٌ نُفُوسُها،
يُهَدِّر فيها فَحْلُها ويَرِيسُ
يصف نُوقاً شبهها بالقُصور سِمَناً؛ أَوابِلُ: جَزَأَتْ بالرُّطْب،
وحُوشٌ: مُحَرَّماتُ الظهور لعِزَّة أَنفسها. وتأَبَّل الوحشيُّ إِذا اجتزأَ
بالرُّطْب عن الماء. وأَبَلَ الرجلُ عن امرأَته وتأَبَّل: اجتَزأَ عنها،
وفي الصحاح وأَبَلَ الرجلُ عن امرأَته إِذا امتنع من غِشْيانِها
وتأَبَّل. وفي الحديث عن وهب: أَبَلَ آدمُ، عليه السلام، على ابنه المقتول كذا
وكذا عاماً لا يُصِيب حَوَّاء أَي امتنع من غشيانها، ويروى: لما قتل ابن
آدم أخاه تأَبَّل آدمُ على حَوَّاء أَي ترك غِشْيانَ حواء حزناً على ولده
وتَوَحَّشَ عنها. وأَبَلَتِ الإِبل بالمكان أُبولاً: أَقامت؛ قال أَبو
ذؤيب:
بها أَبَلَتْ شَهْرَيْ ربيعٍ كِلاهما،
فَقَدْ مارَ فيها نَسْؤُها واقْتِرارُها
(* قوله «كلاهما» كذا بأصله، والذي في الصحاح بلفظ: كليهما.)
استعاره هنا للظبية، وقيل: أَبَلَتْ جَزَأَتْ بالرُّطْب عن الماء. وإِبل
أَوابِلُ وأُبَّلٌ وأُبَّالٌ ومؤَبَّلة: كثيرة، وقيل: هي التي جُعِلَتْ
قَطِيعاً قَطِيعاً، وقيل: هي المتخذة للقِنْية، وفي حديث ضَوالِّ الإِبل:
أَنها كانت في زمن عُمَرَ أُبَّلاً مُؤَبَّلة لا يَمَسُّها أَحد، قال:
إِذا كانت الإِبل مهملة قيل إِبِلٌ أُبَّلٌ، فإِذا كانت للقِنْية قيل إِبل
مُؤَبَّلة؛ أَراد أَنها كانت لكثرتها مجتمعة حيث لا يُتَعَرَّض إِليها؛
وأَما قول الحطيئة:
عَفَتْ بَعْدَ المُؤَبَّلِ فالشِّوِيِّ
فإِنه ذَكَّر حملاً على القطيع أَو الجمع أَو النعم لأَن النعم يذكر
ويؤنث؛ أَنشد سيبوبه:
أَكُلَّ عامٍ نَعَماً تَحْوُونَه
وقد يكون أَنه أَراد الواحد، ولكن الجمع أَولى لقوله فالشَّوِيّ،
والشَّوِيُّ اسم للجمع. وإِبل أَوابِلُ: قد جَزَأَتْ بالرُّطْب عن الماء.
والإِبِلُ الأُبَّلُ: المهملة؛ قال ذو الرُّمّة:
وراحت في عَوازِبَ أُبَّلِ
الجوهري: وإِبِلٌ أُبَّلٌ مثالُ قُبَّرٍ أَي مهملة، فإِن كانت لِلقِنْية
فهي إِبل مُؤَبَّلة. الأَصمعي: قال أَبو عمرو بن العلاء من قرأَها:
أَفلا ينظرون إِلى الإِبْلِ كيف خُلِقت، بالتخفيف يعني به البعير لأَنه من
ذوات الأَربع يَبْرُك فيُحمل عليه الحمولة وغيره من ذوات الأَربع لا
يُحْمَل عليه إِلا وهو قائم، ومن قرأَها بالتثقيل قال الإِبِلُ: السحابُ التي
تحمل الماء للمطر. وأَرض مَأْبَلة أَي ذات إِبل. وأَبَلَت الإِبلُ:
هَمَلَت فهي آبلة تَتبعُ الأُبُلَ وهي الخِلْفَةُ تَنْبُت في الكَلإِ اليابس
بعد عام. وأَبِلَت أَبلاً وأُبولاً: كَثُرَت. وأَبَلَت تأْبِلُ: تأَبَّدَت.
وأَبَل يأْبِلُ أَبْلاً: غَلَب وامتنع؛ عن كراع، والمعروف أَبَّل.
ابن الأَعرابي: الإِبَّوْلُ طائر ينفرد من الرَّفّ وهو السطر من الطير.
ابن سيده: والإِبِّيلُ والإِبَّوْل والإِبَّالة القطعة من الطير والخيل
والإِبل؛ قال:
أَبابيل هَطْلَى من مُراحٍ ومُهْمَل
وقيل: الأَبابيلُ جماعةٌ في تَفْرِقة، واحدها إِبِّيلٌ وإِبَّوْل، وذهب
أَبو عبيدة إِلى أَن الأَبابيل جمع لا واحد له بمنزلة عَبابِيدَ
وشَماطِيطَ وشَعالِيلَ. قال الجوهري: وقال بعضهم إِبِّيل، قال: ولم أَجد العرب
تعرف له واحداً. وفي التنزيل العزيز: وأَرسل عليهم طيراً أَبابيل، وقيل
إِبَّالة وأَبَابيل وإِبالة كأَنها جماعة، وقيل: إِبَّوْل وأَبابيل مثل
عِجَّوْل وعَجاجيل، قال: ولم يقل أَحد منهم إِبِّيل على فِعِّيل لواحد
أَبابيل، وزَعم الرُّؤَاسي أَن واحدها إِبَّالة. التهذيب أَيضاً: ولو قيل واحد
الأَبابيل إيبالة كان صواباً كما قالوا دينار ودنانير، وقال الزجاج في
قوله طير أَبابيل: جماعات من ههنا وجماعات من ههنا، وقيل: طير أَبابيل يتبع
بعضها بعضاً إِبِّيلاً إِبِّيلاً أَي قَطيعاً خَلْفَ قطيع؛ قال الأَخفش:
يقال جاءت إِبلك أَبابيل أَي فِرَقاً، وطير أَبابيل، قال: وهذا يجيء في
معنى التكثير وهو من الجمع الذي لا واحد له؛ وفي نوادر الأَعراب: جاء
فلان في أُبُلَّتِه وإِبالته أَي في قبيلته.
وأَبَّل الرجلَ: كأَبَّنه؛ عن ابن جني؛ اللحياني: أَبَّنْت الميت
تأْبيناً وأَبَّلْته تأْبيلاً إذا أَثنيت عليه بعد وفاته.
والأَبِيلُ: العصا: والأَبِيل والأَبِيلةُ والإِبالة: الحُزْمةُ من
الحَشيش والحطب. التهذيب: والإِيبالة الحزمة من الحطب. ومَثَلٌ يضرب: ضِغْثٌ
على إِيبالةٍ أَي زيادة على وِقْر. قال الأَزهري: وسمعت العرب تقول:
ضِغْثٌ على إِبَّالة، غير ممدود ليس فيها ياء، وكذلك أَورده الجوهري أَيضاً
أَي بلية على أُخرى كانت قبلها؛ قال الجوهري: ولا تقل إِيبالة لأَن الاسم
إِذا كان على فِعَّالة، بالهاء، لا يبدل من أَحد حر في تضعيفه ياء مثل
صِنَّارة ودِنَّامة، وإَنما يبدل إِذا كان بلا هاء مثل دينار وقيراط؛
وبعضهم يقول إِبَالة مخففاً، وينشد لأَسماء بن خارجة:
ليَ، كُلَّ يومٍ من، ذُؤَالَة
ضِغْثٌ يَزيدُ على إِبَاله
فَلأَحْشَأَنَّك مِشْقَصاً
أَوْساً، أُوَيْسُ، من الهَبالَه
والأَبِيلُ: رئيس النصارى، وقيل: هو الراهب، وقيل الراهب الرئيس، وقيل
صاحب الناقوس، وهم الأَبيلون؛ قال ابن عبد الجن
(* قوله «ابن عبد الجن»
كذا بالأصل، وفي شرح القاموس: عمرو ابن عبد الحق) :
أَما وَدِماءٍ مائِراتٍ تَخالُها،
على قُنَّةِ العُزَّى أَو النَّسْر، عَنْدَما
وما قَدَّسَ الرُّهْبانُ، في كلِّ هَيْكَلٍ،
أَبِيلَ الأَبِيلِينَ، المَسِيحَ بْنَ مَرْيَما
لقد ذاق مِنَّا عامِرٌ يومَ لَعْلَعٍ
حُساماً، إِذا ما هُزَّ بالكَفِّ صَمَّما
قوله أَبيل الأَبيلين: أَضافه إِليهم على التسنيع لقدره، والتعظيم
لخطره؛ ويروى:
أَبِيلَ الأَبيليين عيسى بْنَ مريما
على النسب، وكانوا يسمون عيسى، عليه السلام، أَبِيلَ الأَبيليين، وقيل:
هو الشيخ، والجمع آبال؛ وهذه الأَبيات أَوردها الجوهري وقال فيها:
على قنة العزى وبالنسر عَندما
قال ابن بري: الأَلف واللام في النسر زائدتان لأَنه اسم علم. قال الله
عز وجل: ولا يَغُوثَ ويَعُوقَ ونَسْراً؛ قال: ومثله قوله الشاعر:
ولقد نَهَيْتُك عن بنات الأَوبر
قال: وما، في قوله وما قدّس، مصدريةٌ أَي وتسبيح الرهبان أَبيلَ
الأَبيليين. والأَيْبُليُّ: الراهب، فإِما أَن يكون أَعجميّاً، وإِما أَن يكون
قد غيرته ياء الإضافة، وإما أَن يكون من بابِ انْقَحْلٍ، وقد قال سيبوبه:
ليس في الكلام فَيْعِل؛ وأَنشد الفارسي بيت الأَعشى:
وما أَيْبُليٌ على هَيْكَلٍ
بَناهُ، وصَلَّب فيه وَصارا
ومنه الحديث: كان عيسى بن مريم، على نبينا وعليه الصلاة والسلام، يسمى
أَبِيلَ الأَبِيلِين؛ الأَبيل بوزن الأَمير: الراهب، سمي به لتأَبله عن
النساء وترك غشْيانهن، والفعل منه أَبَلَ يأْبُلُ أَبَالة إِذا تَنَسَّك
وتَرَهَّب. أَبو الهيثم: الأَيْبُليُّ والأَيْبُلُ صاحبُ الناقوس الذي
يُنَقّسُ النصارى بناقوسه يدعوهم به إلى الصلاة؛ وأَنشد:
وما صَكَّ ناقوسَ الصلاةِ أَبِيلُها
وقيل: هو راهب النصارى؛ قال عدي بن زيد:
إِنَّني والله، فاسْمَعْ حَلِفِي
بِأَبِيلٍ كُلَّما صَلى جأَرَ
وكانوا يعظمون الأَبيل فيحلفون به كما يحلفون بالله. والأَبَلة،
بالتحريك. الوَخامة والثِّقلُ من الطعام. والأَبَلَةُ: العاهةُ. وفي الحديث: لا
تَبعِ الثمرة حتى تَأْمَنَ عليها الأَبلة؛ قال ابن الأَثير: الأُبْلةُ
بوزن العُهْدة العاهة والآفة، رأَيت نسخة من نسخ النهاية وفيها حاشية قال:
قول أَبي موسى الأُبلة بوزن العهدة وهم، وصوابه الأَبَلة، بفتح الهمزة
والباء، كما جاء في أَحاديث أُخر. وفي حديث يحيى بن يَعْمَر: كلُّ مال
أَديت زكاته فقد ذهبت أَبَلَتُهُ أَي ذهبت مضرّته وشره، ويروى وبَلَته؛ قال:
الأَبَلةُ، بفتح الهمزة والباء، الثِّقَل والطَّلِبة، وقيل هو من الوبال،
فإِن كان من الأَول فقد قلبت همزته في الرواية الثانية واواً، وإِن كان
من الثاني فقد قلبت واوه في الرواية الأُولى همزة كقولهم أَحَدٌ وأَصله
وَحَدٌ، وفي رواية أُخرى: كل مال زكي فقد ذهبت عنه أَبَلَتُه أَي ثقله
ووَخامته. أَبو مالك: إِن ذلك الأَمر ما عليك فيه أَبَلَةٌ ولا أَبْهٌ أَي
لا عيب عليك فيه. ويقال: إِن فعلت ذلك فقد خرجت من أَبَلته أَي من تَبِعته
ومذمته. ابن بزرج: ما لي إِليك أَبِلة أَي حاجة، بوزن عَبِلة، بكسر
الباء.
وقوله في حديث الاستسقاء: فأَلَّفَ الله بين السحاب فأُبِلْنا أَي
مُطِرْنا وابِلاً، وهو المطر الكثير القطر، والهمزة فيه بدل من الواو مثل
أََكد ووكد، وقد جاء في بعض الروايات: فأَلف الله بين السحاب فَوَبَلَتْنا،
جاء به على الأَصل.
والإِبْلة: العداوة؛ عن كراع. ابن بري: والأَبَلَةُ الحِقْد؛ قال
الطِّرِمَّاح:
وجاءَتْ لَتَقْضِي الحِقْد من أَبَلاتها،
فثَنَّتْ لها قَحْطانُ حِقْداً على حِقْد
قال: وقال ابن فارس أَبَلاتُها طَلِباتُها.
والأُبُلَّةُ، بالضم والتشديد: تمر يُرَضُّ بين حجرين ويحلب عله لبن،
وقيل: هي الفِدْرة من التمر؛ قال:
فَيأْكُلُ ما رُضَّ مِنْ زادنا،
ويَأْبى الأُبُلَّةَ لم تُرْضَضِ
له ظَبْيَةٌ وله عُكَّةٌ،
إِذا أَنْفَضَ الناسُ لم يُنْفِضِ
قال ابن بري: والأُبُلَّة الأَخضر من حَمْل الأَراك، فإِذا احْمَرَّ
فكبَاثٌ. ويقال: الآبِلة على فاعلة. والأُبُلَّة: مكان بالبصرة، وهي بضم
الهمزة والباء وتشديد اللام، البلد المعروف قرب البصرة من جانبها البحري،
قيل: هو اسمٌ نَبَطِيّ. الجوهري: الأُبُلَّة مدينة إِلى جنب البصرة.
وأُبْلى: موضع ورد في الحديث، قال ابن الأَثير: وهو بوزن حبلى موضع بأَرض بني
سُليم بين مكة والمدينة بعث إِليه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قوماً؛
وأَنشد ابن بري قال: قال زُنَيم بن حَرَجة في دريد:
فَسائِلْ بَني دُهْمانَ: أَيُّ سَحابةٍ
عَلاهُم بأُبْلى ودْقُها فاسْتَهَلَّتِ؟
قال ابن سيده: وأَنشده أَبو بكر محمد بن السويّ السرّاج:
سَرَى مِثلَ نَبْضِ العِرْقِ، والليلُ دونَه،
وأَعلامُ أُبْلى كلُّها فالأَصالقُ
ويروى: وأَعْلام أُبْل.
وقال أَبو حنيفة: رِحْلةُ أُبْلِيٍّ مشهورة، وأَنشد:
دَعَا لُبَّها غَمْرٌ كأَنْ قد وَرَدْنَه
برِحلَة أُبْلِيٍّ، وإِن كان نائياً
وفي الحديث ذكر آبِل، وهو بالمد وكسر الباء، موضع له ذكر في جيش أُسامة
يقال له آبل الزَّيْتِ. وأُبَيْلى: اسم امرأَة؛ قال رؤبة:
قالت أُبَيْلى لي: ولم أَسُبَّه،
ما السِّنُّ إِلا غَفْلَةُ المُدَلَّه
عفر: العَفْرُ والعَفَرُ: ظاهر التراب، والجمع أَعفارٌ. وعَفَرَه في
التُّراب يَعْفِره عَفْراً وعَفَّره تَعْفِيراً فانْعَفَر وتَعَفَّرَ:
مَرَّغَه فيه أَو دَسَّه. والعَفَر: التراب؛ وفي حديث أَبي جهل: هل يُعَفَّرُ
مُحمدٌ وَجْهَه بين أَظْهُرِكم؟ يُرِيدُ به سجودَه في التُّرابِ، ولذلك
قال في آخره: لأَطَأَنّ على رقبته أَو لأُعَفِّرَنّ وجْهَه في التراب؛
يريد إِذلاله؛ ومنه قول جرير:
وسارَ لبَكْرٍ نُخْبةٌ من مُجاشِعٍ،
فلما رَأَى شَيْبانَ والخيلَ عَفّرا
قيل في تفسيره: أَراد تَعَفَّر. قال ابن سيده: ويحتمل عندي أَن يكون
أَراد عَفّرَ جَنْبَه، فحذف المفعول. وعَفَرَه واعْتَفَرَه: ضرَبَ به
الأَرض؛ وقول أَبي ذؤيب:
أَلْفَيْتُ أَغْلَب من أُسْد المُسَدِّ حَدِيـ
ـدَ الناب، أَخْذتُه عَفْرٌ فتَطْرِيحُ
قال السكري: عَفْر أَي يَعْفِرُه في التراب. وقال أَبو نصر: عَفْرٌ
جَذْب؛ قال ابن جني: قول أَبي نصر هو المعمول به، وذلك أَن الفاء مُرَتِّبة،
وإِنما يكون التَّعْفِير في التراب بعد الطَّرْح لا قبله، فالعَفْرُ
إِذاً ههنا هو الجَذْب، فإِن قلت: فكيف جاز أَن يُسمّي الجذب عَفْراً؟ قيل:
جاز ذلك لتصوّر معنى التَّعْفِير بعد الجَذْب، وأَنه إِنما يَصِير إِلى
العَفَر الذي هو التراب بعد أَن يَجْذِبَه ويُساوِرَه؛ أَلا ترى ما أَنشده
الأَصمعي:
وهُنَّ مَدّا غَضَنَ الأَفِيق
(* قوله: «وهن مداً إلخ» هكذا في الأَصل).
فسَمَّى جلودَها، وهي حيةٌ، أَفِيقاً؛ وإِنما الأَفِيقُ الجلد ما دام في
الدباغ، وهو قبل ذلك جلد وإِهاب ونحو ذلك، ولكنه لما كان قد يصير إِلى
الدباغ سَمَّاه أَفِيقاً وأَطلق ذلك عليه قبل وصوله إِليه على وجه تصور
الحال المتوقعة. ونحوٌ منه قولُه تعالى: إِني أَراني أَعْصِرُ خمْراً؛ وقول
الشاعر:
إِذا ما ماتَ مَيْتٌ مِن تمِيمٍ،
فسَرَّك أَن يَعِيشَ، فجِئْ بزادِ
فسماه ميتاً وهو حيّ لأَنه سَيموت لا محالة؛ وعليه قوله تعالى أَيضاً:
إِنك مَيِّتٌ وإِنهم مَيِّتون؛ أَي إِنكم ستموتون؛ قال الفرزدق:
قَتَلْتَ قَتِيلاً لم يَرَ الناسُ مِثْلَه،
أُقَلِّبُه ذا تُومَتَيْنِ مُسَوَّرا
وإِذ جاز أَن يسمى الجَذْبُ عَفْراً لأَنه يصير إِلى العَفْر، وقد يمكن
أَن لا يصير الجذبُ إِلى العَفْر، كان تسميةُ الحيِّ ميتاً لأَنه ميّت لا
محالة أَجْدَرَ بالجواز. واعْتَفَرَ ثَوْبَه في التراب: كذلك. ويقال:
عَفّرْت فلاناً في التراب إِذا مَرَّغْته فيه تَعْفِيراً. وانْعَفَرَ
الشيء: تترّب، واعْتَفَرَ مثله، وهو مُنْعَفِر الوجه في التراب ومُعَفَّرُ
الوجه. ويقال: اعْتَفَرْتُه اعْتِفاراً إِذا ضربت به الأَرض فمَغَثْتَه؛ قال
المرار يصف امرأَة طال شعرُها وكَثُفَ حتى مسَّ الأَرض:
تَهْلِك المِدْراةُ في أَكْنافِه،
وإِذا ما أَرْسَلَتْه يَعْتَفِرْ
أَي سقط شعرها على الأَرض؛ جعَلَه من عَفَّرْته فاعْتَفَر. وفي الحديث:
أَنه مرّ على أَرضٍ تُسَمَّى عَفِرةً فسماَّها خَضِرَةً؛ هو من العُفْرة
لَوْنِ الأَرض، ويروى بالقاف والثاء والدال؛ وفي قصيد كعب:
يعدو فيَلْحَمُ ضِرْغامَيْنِ، عَيْشُهما
لَحْمٌ، من القوم، مَعْفُورٌ خَراذِيلُ
المَعْفورُ: المُترَّبُ المُعَفَّرُ بالتراب. وفي الحديث: العافِر
الوجْهِ في الصلاة؛ أَي المُترّب.
والعُفْرة: غُبْرة في حُمْرة، عَفِرَ عَفَراً، وهو أَعْفَرُ. والأَعْفَر
من الظباء: الذي تَعْلو بياضَه حُمْرَةٌ، وقيل: الأَعْفَرُ منها الذي في
سَراتِه حُمْرةٌ وأَقرابُه بِيضٌ؛ قال أَبو زيد: من الظباء العُفْر،
وقيل: هي التي تسكن القفافَ وصلابة الأَرض. وهي حُمْر، والعُفْر من الظباء:
التي تعلو بياضَها حمرة، قِصار الأَعناق، وهي أَضعف الظباء عَدْواً؛ قال
الكميت:
وكنّا إِذا جَبّارُ قومٍ أَرادَنا
بكَيْدٍ، حَمَلْناه على قَرْنِ أَعْفَرا
يقول: نقتله ونَحْمِل رأْسَه على السِّنَان، وكانت تكون الأَسِنَّة فيما
مضى من القرون. ويقال: رماني عن قَرْن أَعْفَرَ أَي رماني بداهية؛ ومنه
قول ابن أَحمر:
وأَصْبَحَ يَرْمِي الناسَ عن قَرْنِ أَعْفَرا
وذلك أَنهم كانوا يتخذون القُرونَ مكانَ الأَسِنّة فصار مثلاً عندهم في
الشدة تنزل بهم. ويقال للرجل إِذا بات ليلَته في شدة تُقْلِقُه: كنتَ على
قَرْن أَعْفَرَ؛ ومنه قول امرئ القيس:
كأَني وأَصْحابي على قَرْنِ أَعْفَرا
وثَرِيدٌ أَعْفَرُ: مُبْيَضٌّ، وقد تعافَرَ. ومن كلامهم
(* كذا بياض في
الأصل) . . . هم ووصف الحَرُوقة فقال: حتى تعافرَ من نَفْثها أَي
تَبَيَّض. والأَعْفَرُ: الرَّمْل الأَحمر؛ وقول بعض الأَغفال:
وجَرْدَبَت في سَمِلٍ عُفَيْر
يجوز أَن يكون تصغير أَعْفَر على تصغير الترخيم أَي مصبوغ بِصِبْغ بين
البياض والحمرة. والأَعْفَر: الأَبْيضُ وليس بالشديد البياض. وماعِزةٌ
عَفْراء: خالصة البياض. وأَرض عَفْراء: بيضاء لم تُوطأْ كقولهم فيها بيحان
اللون
(* قوله: «بيحان اللون» هو هكذا في الأصل). وفي الحديث: يُحْشَرُ
الناسُ يوم القيامة على أَرض عَفْراء.
والعُفْرُ من لَيالي الشهر: السابعةُ والثامنةُ والتاسعةُ، وذلك لبياض
القمر. وقال ثعلب: العُفْرُ منها البِيضُ، ولم يُعَيِّنْ؛ وقال أَبو
رزمة:ما عُفُرُ اللَّيالي كالدَّآدِي،
ولا تَوالي الخيلِ كالهَوادِي
تواليها: أَواخرها. وفي الحديث: ليس عُفر الليالي كالدَّآدِي؛ أَي
الليالي المقمرةُ كالسود، وقيل: هو مثَل. وفي الحديث: أَنه كان إِذا سجد جافى
عَضُدَيْهِ حتى يُرى من خلفه عُفْرَة إِبْطَيْهِ؛ أَبو زيد والأَصمعي:
العُفْرَةُ بياض ولكن ليس بالبياض الناصع الشديد. ولكنه كلون عَفَر الأَرض
وهو وجهها؛ ومنه الحديث: كأَني أَنظر إِلى عُفْرَتَيْ إِبْطَيْ رسول
الله، صلى الله عليه وسلم؛ ومنه قيل للظِّباء عُفْر إِذا كانت أَلوانها كذلك،
وإِنما سُميت بعَفَر الأَرض. ويقال: ما على عَفَرِ الأَرض مِثْلَهُ أَي
ما على وجهها. وعَفَّر الرجلُ: خلَط سُودَ غنمِه وإِبلِه بعُفْرٍ. وفي
حديث أَبي هريرة: في الضَّحِيَّةِ: لَدَمُ عَفْرَاء أَحَبُّ إِليّ من دم
سَوْدَاوَيْنِ والتَّعْفِير: التبييض. وفي الحديث: أَن امرأَة شكت إِليه
قِلَّةَ نَسْل غنمها وإِبلها ورِسْلِها وأَن مالها لا يَزْكُو، فقال: ما
أَلوانُها؟ قالت: سُودٌ. فقال: عَفِّرِي أَي اخُلِطيها بغنم عُفْرٍ، وقيل:
أَي اسْتَبْدِلي أَغناماً بيضاً فإِن البركة فيها. والعَفْراءُ من
الليالي: ليلة ثلاثَ عشْرة. والمَعْفُورةُ: الأَرض التي أُكِل نبتُها.
واليَعْفور واليُعْفور: الظبي الذي لونه كلون العَفَر وهو التراب، وقيل:
هو الظبي عامة، والأُنثى يَعْفورة، وقيل: اليَعْفور الخِشْف، سمي بذلك
لصغره وكثرة لُزوقِه بالأَرض، وقيل: اليَعْفُور ولد البقرة الوحشية، وقيل:
اليَعَافيرُ تُيُوس الظباء. وفي الحديث: ما جَرَى اليَعْفُورُ؛ قال ابن
الأَثير: هو الخِشْف، وهو ولد البقرة الوحشية، وقيل: تَيْس الظباء،
والجمع اليَعافِرُ، والياء زائدة. واليَعفور أَيضاً: جزء من أَجزاء الليل
الخمسة التي يقال لها: سُدْفة وسُتْفة وهَجْمة ويَعْفور وخُدْرة؛ وقول
طرفة:جازت البِيدَ إِلى أَرْحُلِنا،
آخرَ الليل، بيَعْفورٍ خَدِرْ
أَراد بشخصِ إِنسانٍ مثل اليَعْفور، فالخَدِرُ على هذا المتخلف عن
القطيع، وقيل: أَراد باليَعْفُورِ الجزء من أَجزاء الليل، فالخَدِرُ على هذا
المُظْلِمُ.
وعَفَّرت الوحشيّة ولدَها تُعَفِّرُه: قطعت عنه الرِّضاعَ يوماً أَو
يومين، فإِن خافت اين يضرّه ذلك ردّته إِلى الرضاع أَياماً ثم أَعادته إِلى
الفِطام، تفعل ذلك مرّات حتى يستمر عليه، فذلك التَّعْفير، والولد
مُعَفَّر، وذلك إِذا أَرادت فِطامَه؛ وحكاه أَبو عبيد في المرأَة والناقة، قال
أَبو عبيد: والأُمُّ تفعل مثل ذلك بولدها الإِنْسِيّ؛ وأَنشد بيت لبيد
يذكر بقرةً وحشيةً وولدَها:
لمُعَفَّر قَهْدٍ، تَنَازَعُ شِلْوَه
غُبْسٌ كَواسِبُ ما يُمَنُّ طَعامُها
قال الأَزهري: وقيل في تفسير المُعَفَّر في بيت لبيد إِنه ولدها الذي
افْتَرَسَتْه الذئابُ الغُبْسُ فعَفَّرته في التراب أَي مرّغته. قال: وهذا
عندي أَشْبَه بمعنى البيت. قال الجوهري: والتَّعْفِيرُ في الفِطام أَن
تَمْسَحَ المرأَةُ ثَدْيَها بشيء من التراب تنفيراً للصبي. ويقال: هو من
قولهم لقيت فلاناً عن عُفْر، بالضم، أَي بعد شهر ونحوه لأَنها ترضعه بين
اليوم واليومين تَبْلو بذلك صَبْرَه، وهذا المعنى أَراد لبيد قوله: لمعفر
قَهْدٍ. أَبو سعيد: تَعَفَّر الوحشيُّ تَعَفُّراً إِذا سَمِن؛ وأَنشد:
ومَجَرُّ مُنْتَحِر الطَّلِيِّ تَعَفَّرتْ
فيه الفِراءُ بجِزْع وادٍ مُمْكِنِ
قال: هذا سحاب يمر مرّاً بطيئاً لكثرة مائه كأَنه قد انْتَحَر لكثرة
مائه. وطَلِيُّه: مَناتحُ مائه، بمنزلة أَطْلاءِ الوحش. وتَعَفَّرت:
سَمِنَت. والفِراءُ: حُمُر الوحش. والمُمْكِنُ: الذي أَمكن مَرْعاه؛ وقال ابن
الأَعرابي: أَراد بالطَّلِيّ نَوْءَ الحمَل، ونَوءُ الطَّلِيّ والحمَلِ
واحدٌ عنده. قال: ومنتحر أَراد به نحره فكان النوء بذلك المكان من الحمل.
قال: وقوله واد مُمْكِن يُنْبِت المَكْنان، وهو نبتٌ من أَحرار البقول.
واعْتَفَرَه الأَسد إِذا افْتَرَسَه.
ورجل عِفْرٌ وعِفْرِيةٌ ونِفْرِيةٌ وعُفارِيةٌ وعِفْرِيتٌ بيّن
العَفارةِ: خبيث مُنْكَر داهٍ، والعُفارِيةُ مثل العِفْريت، وهو واحد؛ وأَنشد
لجرير:
قَرَنْتُ الظالمِين بمَرْمَرِيسٍ،
يَذِلّ لها العُفارِيةُ المَرِيدُ
قال الخليل: شيطان عِفْرِيةٌ وعِفْريتٌ، وهم العَفارِيَةُ والعَفارِيت،
إِذا سَكّنْتَ الياء صَيَّرت الهاء تاء، وإِذا حرّكتها فالتاء هاء في
الوقف؛ قال ذو الرمة:
كأَنّه كَوْكَبٌ في إِثْرِ عِفْرِية،
مُسَوّمٌ في سوادِ الليل مُنْقَضِب
والعِفْرِيةُ: الداهية. وفي الحديث: أَول دينكم نُبُوَّةٌ ورَحْمة ثم
مُلْكٌ أَعْفَرُ؛ أَي مُلْكٌ يُسَاسُ بالدَّهاء والنُّكْر، من قولهم للخبيث
المُنْكَر: عِفْر. والعَفارةُ: الخُبْث والشَّيْطنةُ؛ وامرأَة عِفِرَّة.
وفي التنزيل: قال عِفْرِيتٌ من الجِنّ أَنا آتِيكَ به؛ وقال الزجاج:
العِفْرِيت من الرجال النافذُ في الأَمر المبالغ فيه مع خُبْثٍ ودَهاءٍ، وقد
تَعَفْرَت، وهذا مما تحملوا فيه تَبْقِيةَ الزائدَ مع الأَصل في حال
الاشتقاق تَوْفِيةً للمعنى ودلالةً عليه. وحكى اللحياني: امرأَة عِفْرِيتةٌ
ورجلٌ عِفرِينٌ وعِفِرّينٌ كَعِفْرِيت. قال الفراء: من قال عِفْرِية
فجمعه عَفارِي كقولهم في جمع الطاغوت طَواغِيت وطَواغِي، ومن قال عِفْرِيتٌ
فجمعه عَفارِيت. وقال شمر: امرأَة عِفِرّة ورجل عِفِرٌّ، بتشديد الراء؛
وأَنشد في صفة امرأَة غير محمودة الصفة:
وضِبِرّة مِثْل الأَتانِ عِفِرّة،
ثَجْلاء ذات خواصِرٍ ما تَشْبَعُ
قال الليث: ويقال للخبيث عفَرْنى أَي عِفْرٌ، وهم العَفَرْنَوْنَ.
والعِفْرِيت من كل شيء: المبالغ. يقال: فلان عِفْرِيتٌ وعِفرِيةٌ نِفْرِية.
وفي الحديث: إِن الله يُبْغِضُ العِفْرَِيةَ النِّفْرِيةَ الذي لا يُرْزَأُ
في أَهلٍ ولا مالٍ؛ قيل: هو الداهي الخبيثُ الشِّرِّيرُ، ومنه
العِفْرِيت، وقيل: هو الجَمُوع المَنُوع، وقيل: الظَّلُوم. وقال الزمخشري: العِفْر
والعِفْريةُ والعِفْرِيت والعُفارِيةُ القوي المُتَشيْطِن الذي يَعْفِر
قِرْنَه، والياء في عَفِرِيةٍ وعُفارِيةٍ للإِلحاق بشرذمة وعُذافِرة،
والهاء فيهما للمبالغة، والتاء في عِفْرِيتٍ للإِلحاق بِقِنْدِيل. وفي كتاب
أَبي موسى: غَشِيَهم يومَ بَدْرٍ لَيْثاً عِفِرِّيّاً أَي قَوِيّاً
داهياً. يقال: أَسدٌ عِفْرٌ وعِفِرٌّ بوزن طِمِرّ أَي قويّ عظيم. والعِفْرِيةُ
المُصَحَّحُ والنِّفْرِية إِتباع؛ الأَزهري: التاء زائدة وأَصلها هاء،
والكلمة ثُلاثِيّة أَصلها عِفْرٌ وعِفْرِية، وقد ذكرها الأَزهري في
الرباعي أَيضاً، ومما وضع به ابنُ سيده من أَبي عبيد القاسم بن سلام قوله في
المصنف: العِفْرِية مثال فِعْلِلة، فجعل الياء أَصلاً، والياء لا تكون
أَصلاً في بنات الأَربعة.
والعُفْرُ: الشجاع الجَلْدُ، وقيل: الغليظ الشديد، والجمع أَعْفارٌ
وعِفارٌ؛ قال:
خلا الجَوْفُ من أَعْفارِ سَعْدٍ فما به،
لمُسْتَصْرِخٍ يَشْكُو التُّبولَ، نَصِيرُ
والعَفَرْنى: الأَسَدُ، وهو فَعَلْنى، سمي بذلك لشدته. ولَبْوةٌ
عَفَرْنى أَيضاً أَي شديدة، والنون للإِلحاق بسفرجل. وناقة عَفَرناة أَي قوية؛
قال عمر ابن لجإِ التيمي يصف إِبلاً:
حَمَّلْتُ أَثْقالي مُصَمِّماتِها
غُلْبَ الذَّفارى وعَفَرْنَياتِها
الأَزهري: ولا يقال جمل عَفَرْنى؛ قال ابن بري وقبل هذه الأَبيات:
فوَرَدَتْ قَبْل إِنَى ضَحَائِها،
تفَرّش الحيّات في خِرْشائِها
تُجَرُّ بالأَهْونِ من إِدْنائِها،
جَرَّ العجوزِ جانِبَيْ خِفَائِها
قال: ولما سمعه جرير ينشد هذه الأُرجوزة إِلى أَن بلغ هذا البيت قال له:
أَسأْت وأَخْفَقْتَ قال له عمر: فكيف أَقول؟ قال: قل:
جرَّ العروس الثِّنْيَ من رِدائِها
فقال له عمر: أَنت أَسْوَأُ حالاً مني حيث تقول:
لَقَوْمِي أَحْمى للحَقِيقَة مِنْكُم،
وأَضْرَبُ للجبّارِ، والنقعُ ساطِعُ
وأَوْثَقُ عند المُرْدَفات عَشِيّةً
لَحاقاً، إِذا ما جَرَّدَ السيفَ لامِعُ
والله إِن كنّ ما أُدْرِكْنَ إِلا عِشاءً ما أُدْرِكْن حتى نكحن، والذي
قاله جرير: عند المُرْهَفات، فغيّره عُمَر، وهذا البيت هو سبب التَّهاجي
بينهما؛ هذا ما ذكره ابن بري وقد ترى قافية هذه الأُرجوزة كيف هي، والله
تعالى أَعلم.
وأَسد عِفْرٌ وعِفْرِيةٌ وعُفارِيةٌ وعِفْرِيت وعَفَرْنى: شديد قويّ،
ولَبُوءَة عِفِرْناة إِذا كانا جَرِيئين، وقيل: العِفِرْناة الذكر
والأُنثى؛ إِما أَن يكون من العَفَر الذي هو التراب، وإِما أَن يكون من العَفْر
الذي هو الاعتِفَار، وإِما أَن يكون من القوة والجلَدِ. ويقال: اعْتَفَرَه
الأَسد إِذا فَرَسَه.
وليثُ عِفِرِّينَ تُسَمِّي به العربُ دُوَيْبّة مأْواها التراب السهل في
أُصول الحِيطان، تُدَوِّرُ دُوّارةَ ثم تَنْدَسّ في جوفها، فإِذا هِيجَت
رَمَتْ بالتراب صُعُداً. وهي من المُثُل التي لم يجدها سيبويه. قال ابن
جني: أَما عِفِرِّين فقد ذكر سيبويه فِعِلاًّ كطِمِرٍّ وحِبِرٍّ فكأَنه
أَلحق علم الجمع كالبِرَحِين والفِتَكْرِين إِلا أَن بينهما فرقاً، وذلك
أَن هذا يقال فيه البِرَحُون والفِتَكْرون، ولم يسمع في عِفِرِّين في
الرفع، بالياء، وإِنما سمع في موضع الجر، وهو قولهم: ليثُ عِفِرِّينَ، فيجوز
أَن يقال فيه في الرفع هذا عِفِرُّون، لكن لو سمع في موضع الرفع بالياء
لكان أَشبه بأَن يكون فيه النظر، فأَما وهو في موضع الجر فلا تُسْتَنْكرُ
فيه الياء. ولَيْثُ عِفِرِّين: الرجلُ الكامل ابن الخَمْسِين، ويقال: ابن
عَشْر لَعّابٌ بالقُلِينَ، وابن عشْرين باعي نسّين
(* قوله: «باعي نسين»
كذا بالأصل). وابن الثَّلاثين أَسْعى الساعِينَ، وابن الأَرْبَعِين
أَبْطَشُ الأَبْطَشِين، وابن الخمسين لَيْثُ عِفِرِّين، وابن السِّتِّين
مُؤُنِسُ الجَلِيسِين، وابن السَّبْعِين أَحْكمُ الحاكِمينَ، وابن الثمانين
أَسرعُ الحاسِبين، وابن التِّسْعِين واحد الأَرْذَلين، وابن المائة لا جا
ولا سا؛ يقول: لا رجل ولا امرأَة ولا جنّ ولا إِنس. ويقال: إِنه لأَشْجَع
من لَيْثِ عِفِرِّين، وهكذا قال الأَصمعي وأَبو عمرو في حكاية المثل
واختلفا في التفسير، فقال أَبو عمرو: هو الأَسد، وقال أَبو عمر: هو دابّةٌ
مثل الحِرْباء تتعرّض للراكب، قال: وهو منسوب إِلى عِفِرِّين اسم بلد؛
وروى أَبو حاتم الأَصمعي أَنه دابة مثل الحِرْباء يَتَصَدّى للراكب
ويَضْرِبُ بذنبه. وعِفِرِّين: مَأْسَدة، وقيل لكل ضابط قوي: لَيْثُ عِفِرِّين،
بكسر العين، والراء مشددة. وقال الأَصمعي: عِفِرِّين اسم بلد. قال ابن
سيده: وعِفِرُّون بلد.
وعِفْرِيةُ الدِّيكِ: رِيشُ عُنُقِه، وعِفْريةُ الرأْس، خفيفة على مثال
فِعْلِلة، وعَفْراة الرأْس: شعره، وقيل: هي من الإِنسان شعر الناصية، ومن
الدابة شعرُ القفا؛ وقيل: العِفْرِيةُ والعِفْراة الشعرات النابتات في
وسط الرأْس يَقْشَعِررن عند الفزع؛ وذكر ابن سيده في خطبة كتابه فيما قصد
به الوضع من أَبي عبيد القاسم بن سلام قال: وأَي شيء أَدلّ على ضعف
المُنَّة وسخافة الجُنَّة من قول أَبي عبيد في كتابه المصنف: العِفْرِية مثال
فِعْلِلَة، فجعل الياء أَصلاً والياء لا تكون أَصلاً في بنات الأَربعة.
والعُفْرة، بالضم: شعرة القَفا من الأَسد والديك وغيرهما وهي التي
يُرَدِّدُها إِلى يافوخِه عند الهِراش؛ قال: وكذلك العِفْرِية والعِفْراة،
فيها بالكسر. يقال: جاء فلان نافشاً عِفْرِيَته إِذا جاء غَضْبان. قال ابن
سيده: يقال جاء ناشِراً عِفْرِيَته وعِفْراتَه أَي ناشراً شعرَه من
الطَّمَع والحِرْص والعِفْر، بالكسر: الذكر الفحل من الخنازير. والعُفْر:
البُعْد. والعُفْر: قلَّة الزيارة. يقال: ما تأْتينا إِلا عن عُفْرٍ أَي بعد
قلة زيارة. والعُفْرُ: طولُ العهد. يقال: ما أَلقاه إِلا عن عُفْرٍ
وعُفُرٍ أَي بعد حين، وقيل: بعد شهر ونحوه؛ قال جرير:
دِيارَ جميعِ الصالحين بذي السِّدْرِ،
أَبِيني لَنا، إِن التحيةَ عن عُفْرِ
وقول الشاعر أَنشده ابن الأَعرابي:
فلئن طَأْطَأْتُ في قَتْلِهمُ،
لَتُهاضَنَّ عِظامِي عن عُفُرْ
عن عُفُرٍ أَي عن بُعْد من أَخوالي، لأَنهم وإِن كانوا أَقْرِباءَ،
فليسوا في القُرْب مثل الأَعمام؛ ويدل على أَنه عنى أَخوالَه قولُه قبل
هذا:إِنَّ أَخوالي جميعاً من شَقِرْ،
لَبِسُوا لي عَمَساً جِلْدَ النَّمِرْ
العَمَسُ ههنا، كالحَمَسِ: وهي الشدّة. قال ابن سيده: وأَرى البيت
لضبّاب بن واقد الطُّهَوِي؛ وأَما قول المرار:
على عُفُرٍ من عَنْ تَناءٍ، وإِنما
تَداني الهَوَى مِن عَن تَناءٍ وعن عُفْرِ
وكان هَجَرَ أَخاه في الحبْس بالمدينة فيقول: هجرت أَخي على عُفْرٍ أَي
على بُعْدٍ من الحيّ والقرابات أَي وعن غيرنا، ولم يكن ينبغي لي أَن
أَهجره ونحن على هذه الحالة.
ويقال؛ دخلتُ الماء فما انْعَفَرَتْ قَدَمايَ أَي لم تَبْلُغا الأَرضَ؛
ومنه قول امرئ القيس:
ثانِياً بُرْثُنَه ما يَنْعَفِر
ووقع في عافور شَرٍّ كعاثورِ شَرٍّ، وقيل هي على البدل أَي في شدة.
والعَفارُ، بالفتح: تلقيحُ النخل وإِصلاحُه. وعَفَّرَ النخل: فرغ من
تلقيحه. والعَفَرُ: أَولُ سَقْية سُقِيها الزرعُ. وعَفْرُ الزَّرْع: أَن
يُسْقَى فيها حتى يعطش، ثم يُسْقَى فيصلح على ذلك، وأَكثر ما يفعل ذلك
بخِلْف الصَّيفِ وخَضْراواته. وعَفَرَ النخلَ والزرع: سَقاهما أَوَّلَ
سَقْيةٍ؛ يمانية. وقال أَبو حنيفة: عَفَرَ الناسُ يَعْفِرون عَفْراً إِذا سَقَوا
الزرع بعد طَرْح الحبّ. وفي حديث هلال: ما قَرِبْتُ أَهْلي مُذُ
عَفَّرْنَ النخلَ. وروي أَن رجلاً جاء إِلى النبي، صلى الله عليه وسلم، فقال:
إِني ما قَرِبْتُ أَهْلي مُذْ عَفار النخل وقد حَمَلَتْ، فلاعَنَ بينهما؛
عَفارُ النخل تلقيحُها وإِصلاحُها؛ يقال: عَفَّرُوا نخلَهم يُعَفِّرون،
وقد روي بالقاف؛ قال ابن الأَثير: وهو خطأٌ. ابن الأَعرابي: العَفارُ أَن
يُتْرك النخلُ بعد السقي أَربعين يوماً لا يسقى لئلا ينتفِضَ حملُها، ثم
يسقى ثم يترك إِلى أَن يَعْطَشَ، ثم يُسقَى، قال: وهو من تَعْفِير
الوحشيّة ولدَها إِذا فَطَمَتَهْ، وقد ذكرناه آنفاً. والعَفَّارُ: لَقَّاحُ
النخيل. ويقال: كنا في العَفارِ، وهو بالفاء أَشهرُ منه بالقاف. والعَفارُ:
شجرٌ يتخذ منه الزنادُ وقيل في قوله تعالى: أَفرأَيتم النار التي تُورون
أَأَنتم أَنْشَأْتُم شجرتَها؛ إِنها المَرْخُ والعَفارُ وهما شجرتان
فيهما نارٌ ليس في غيرهما من الشجر، ويُسَوَّى من أَغصانها الزنادُ
فيُقْتَدَحُ بها.
قال الأَزهري: وقد رأَيتهما في البادية والعربُ تضرب بهما المثل في
الشرف العالي فتقول: في كل الشجر نار. واسْتَمْجَدَ المَرْخُ والعَقار أَي
كثرت فيهما على ما في سائر الشجر. واسْتَمجَدَ: اسْتَكْثَر، وذلك أَن هاتين
الشجرتين من أَكثرِ الشجر ناراً، وزِنادُهما أَسرعُ الزناد وَرْياً،
والعُنَّابُ من أَقلّ الشجر ناراً وفي المثل: اقْدَحُ بِعَفارٍ
(* قوله:
«وفي المثل أقدح بعفار إلخ» هكذا في الأَصل. والذي في أمثال الميداني: اقدح
بدفلي في مرخ ثم اشدد بعد أو ارخ. قال المازني: أَكثر الشجر ناراً المرخ
ثم العفار ثم الدفلى، قال الأَحمر: يقال هذا إِذا حملت رجلاً فاحشاً على
رجل فاحش فلم يلبثا أَن يقع بينهما شر. وقال ابن الأَعرابي: يضرب للكريم
الذي لا يحتاج أَن تكدّه وتلح عليه). أَو مَرْخ ثم اشدُدْ إِن شئْتَ أَو
أَرْخ؛ قال أَبو حنيفة: أَخبرني بعضُ أَعراب السراة أَن العَفَارَ
شَبِيةٌ بشجرة الغُبَيراء الصغيرة، إِذا رأَيتها من بعيد لم تَشُكَّ أَنها شجرة
غُبَيراء، ونَوْرُها أَيضاً كنَوْرِها، وهو شجر خَوَّار ولذلك جاد
للزِّناد، واحدته عَفارةٌ. وعَفَارةُ: اسم امرأَة، منه؛ قال الأَعشى:
باتَتْ لِتَحْزُنَنا عَفارهْ،
يا جارتا، ما أَنْتِ جارهْ
والعَفِيرُ: لحمٌ يُجَفَّف على الرمل في الشمس، وتَعْفِيرُه: تَجْفِيفُه
كذلك. والعَفِيرُ: السويقُ المَلتوتُ بلا أُدْمٍ. وسَويقٌ عَفِير
وعَفَارٌ: لا يُلَتُّ بأُدْم، وكذلك خُبز عَفِير وعَفار؛ عن ابن الأَعرابي.
يقال: أَكلَ خُبزاً قَفاراً وعَفاراً وعَفِيراً أَي لا شيء معه. والعَفارُ:
لغة في القَفار، وهو الخبز بلا أُدم. والعَفِير: الذي لا يُهْدِي شيئاً،
المذكر والمؤنث فيه سواء؛ قال الكميت:
وإِذا الخُرَّدُ اعْتَرَرْن من المَحـ
ـلِ، وصارَتْ مِهْداؤهُنَّ عَفِيرا
قال الأَزهري: العَفِيرُ من النساء التي لا تُهْدِي شيئاً؛ عن الفراء،
وأَورد بيت الكميت. وقال الجوهري: العَفِيرُ من النساء التي لا تُهْدِي
لجارتها شيئاً.
وكان ذلك في عُفْرةِ البرد والحرّ وعُفُرَّتِهما أَي في أَولهما. يقال:
جاءنا فلان في عُفَّرةِ الحر، بضم العين والفاء لغة في أُفُرَّة الحر
وعُفْرةِ الحر أَي في شدته. ونَصْلٌ عُفارِيّ: جيِّد. ونَذِيرٌ عَفِيرٌ:
كثير، إِتباع. وحكي ابن الأَعرابي: عليه العَفارُ والدَّبارُ وسوءُ الدارِ،
ولم يفسره.
ومَعافِرُ: قبيلة؛ قال سيبويه: مَعافِر بن مُرّ فيما يزعمون أَخو تميم
بن مُرّ، يقال: رجل مَعافِريّ، قال: ونسب على الجمع لأَن مَعافِر اسم لشيء
واحد، كما تقول لرجل من بني كلاب أَو من الضِّباب كِلابيّ وضِبابيّ،
فأَما النسب إِلى الجماعة فإِنما تُوقِع النسب على واحد كالنسب إِلى مساجد
تقول مَسْجِدِيّ وكذلك ما أَشبهه. ومَعافِر: بلد باليمن، وثوب مَعافِريّ
لأَنه نسب إِلى رجل اسمه مَعافِر، ولا يقال بضم الميم وإِنما هو معافِر
غير منسوب، وقد جاء في الرجز الفصيح منسوباً. قال الأَزهري: بُرْدٌ
مَعافِريّ منسوب إِلى معافِر اليمنِ ثمن صار اسماً لها بغير نسبة، فيقال:
مَعافِر. وفي الحديث: أَنه بعَث مُعاذاً إِلى اليمَن وأَمره أَن يأْخذ من كل
حالِمٍ ديناراً أَو عِدْلَه من المَعافِرِيّ، وهي برود باليمن منسوبة إِلى
مَعافِر، وهي قيبلة باليمن، والميم زائدة؛ ومنه حديث ابن عمر: أَنه دخل
المسجد وعليه بُرْدانِ مَعافِريّانِ. ورجل مَعافِريٌّ: يمشي مع الرُّفَق
فينال فَضْلَهم. قال ابن دريد: لا أَدري أَعربي هو أَم لا؛ وفي الصحاح: هو
المُعافِرُ بضم الميم، ومَعافِرُ، بفتح الميم: حيٌّ من هَمْدانَ لا
ينصرف في معرفة ولا نكرة لأَنه جاء على مثال ما لا ينصرف من الجمع، وإِليهم
تنسب الثياب المَعافِريَّة. يقال: ثوب مَعافِريٌّ فتصرفه لأَنك أَدخلت
عليه ياء النسبة ولم تكن في الواحد. وعُفَيْرٌ وعَفَار ويَعْفور ويَعْفُرُ:
أَسماء. وحكي السيرافي: الأَسْودَ بن يَعْفُر ويُعْفِر ويُعْفُر، فأَما
يَعْفُر ويُعْفِر فأَصْلانِ، وأَما يُعْفُر فعلى إِتباع الياء ضمة الفاء،
وقد يكون على إِتباع الفاء من يُعْفُر ضمة الياء من يُعْفُر، والأَسود بن
يَعْفُر الشاعر، إِذا قُلْتَه بفتح الياء لم تصرفه، لأَنه مثل يَقْتُل.
وقال يونس: سمعت رؤبة يقول أَسود بن يُعْفُر، بضم الياء، وهذا ينصرف
لأَنه قد زال عنه شبَهُ الفعل. ويَعْفَورٌ: حمارُ النبي، صلى الله عليه وسلم،
وفي حديث سعد ابن عُبادة: أَنه خرج على حِمارِه يَعْفور ليعودَه؛ قيل:
سُمِّيَ يَعْفوراً لكونه من العُفْرة، كما يقال في أَخْضَر يَخْضور، وقيل:
سمي به تَشْبِيهاً في عَدْوِه باليَعْفور، وهو الظَّبْيُ. وفي الحديث:
أَن اسم حمار النبي، صلى الله عليه وسلم، عُفَيْر، وهو تصغير ترخيم
لأَعْفَر من العُفْرة، وهي الغُبْرة ولون التراب، كما قالوا في تصغير أَسْوَد
سُوَيْد، وتصغيره غير مرخم: أُعَيْفِر كأُسَيْودِ. وحكي الأَزهري عن ابن
الأَعرابي: يقال للحمار الخفيف فِلْوٌ ويَعْفورٌ وهِنْبِرٌ وزِهْلِق.
وعَفْراء وعُفَيرة وعَفارى: من أَسماء النساء. وعُفْر وعِفْرَى: موضعان؛
قال أَبو ذؤيب:
لقد لاقَى المَطِيَّ بنَجْدِ عُفْرٍ
حَدِيثٌ، إِن عَجِبْتَ له، عَجِيبُ
وقال عدي بن الرِّقَاع:
غَشِيتُ بِعِفْرَى، أَو بِرجْلَتِها، رَبْعَا
رَماداً وأَحْجاراً بَقِينَ بها سُفْعا
خدر: الخِدْرُ: سِتْرٌ يُمَدُّ للجارية في ناحية البيت ثم صار كلُّ ما
واراك من بَيْتِ ونحوه خِدْراً.، والجمع خُدُورٌ وأَخْدارٌ، وأَخادِيرُ
جمع الجمع؛ وأَنشد:
حتى تَغَامَزَ رَبَّاتُ الأَخادِيرِ
وفي الحديث: أَنه، عليه الصلاة والسلام؛ كان إِذا خُطِبَ إِليه إِحدى
بناته أَتى الخِدْرَ فقال»: إِن فلاناً يَخْطُبُ، فإِن طَعَنَتْ في
الخِدْرِ لم يزوّجها؛ معنى طعنت في الخدر دخلت وذهبت كما يقال طعن في المفازة
إِذا دخل فيها؛ وقيل: معناه ضربت بيدها على الخِدْرِ، ويشهد له ما جاء في
رواية أُخْرَى: نَقَرَت الخِدْرَ مكانَ طعنت. وجارية مُخَدَّرَةٌ إِذا
أُلزمت الخِدْرَ، ومَخْدُورَة. والخِدْرُ: خشبات تنصب فوق قَتَبِ البعير
مستورة بثوب، وهو الهَوْدَجُ؛ وهودج مَخْدُورٌ ومُخَدَّر: ذو خِدْرٍ؛ أَنشد
ابن الأَعرابي:
صَوَّى لها ذا كَذْنَةٍ في ظَهْرِه،
كأَنه مُخَدَّرٌ في خِدْرِهِ
أَراد في ظهره سَنامٌ تامك. كأَنه هَوْدَجٌ مُخَدَّرٌ، فأَقام الصفة
التي هي قوله كأَنه مُخَدَّر مقام الموصوف الذي هو قوله سنام، كما قال:
كأَنَّكَ من جِمالٍ بَني أُقَيْشٍ،
يُقَعْقَعُ خَلْفَ رِجْلَيْهِ بِشَنَّ
أَي كأَنك جمل من جمال بني أُقيش، فحذف الموصوف واجتزأَ منه بالصفة لعلم
المخاطب بما يعني. وقد أَخْدَرَ الجاريةَ إِخْداراً وخَدَّرَها
وخَدَرَتْ في خِدْرِها وتَخَدَّرَتْ هي واخْتَدَرَتْ؛ قال ابن أَحمر؛
وضَعْنَ بِذِي الجَذاءِ فُصُولَ رَيْطٍ،
لكَيْمَا يَخْتَدِرْنَ ويَرْتَدِينا
ويروى: بذي الجذاةِ. واخْتَدَرَتِ القارَةُ بالسَّرَابِ: استترت به فصار
لها كالخِدْرِ؛ قال ذو الرمة:
حتى أَتى فَلَكَ الدَّهْناءُ دُونَهُمُ،
واعْتَمَّ قُورُ الضُّخعى بالآلِ واخْتَدَرا
وخَدَّرَت الظبيةُ خِشْفَها في الخَمَرِ والهَبَطِ: سَتَرَتْهُ هنالك.
وخِدْرُ الأَسدِ: أَجَمَتُه. وخَدَرَ الأَسدُ خُدُوراً وأَخْدَرَ: لزم
خِدْرَه وأَقام، وأَخْدَرَه عَرِينُه: واراه. والمُخْدِرُ: الذي اتخذ
الأَجَمَةَ خُِدْراً؛ أَنشد ثعلب:
مَحَلاًّ كَوَعْثاء القَنافِذِ ضارِباً
به كَنَفاً، كالمُخْدِرِ المُتَأَجِّمِ
والخادِرُ: الذي خَدَرَ فيها. وأَسَدٌ خادِرٌ: مقيم في عَرِينهِ داخلٌ
في الخِدْرِ، ومُخْدِرٌ أَيضاً. وخَدَرَ الأَسدُ في عَرِينهِ، ويعني
بالخِدْرِ الأَجَمَةَ؛ وفي قصيد كعب بن زهير:
مِنْ خادِرٍ مِنْ لُيُوثِ الأُسْدِ، مَسْكَنُهُ،
بِبَطْنِ عَثَّرَ، غِيلٌ دونه غِيلُ
خَدَرَ الأَسَدُ وأَخْدَرَ، فهو خادِرٌ ومُخْدِرٌ إِذا كان في خِدْرِه،
وهو بيته، وخَدَرَ بالمكان وأَخْدَرَ: أَقام؛ قال:
إِنِّي لأَرْجو من شَبِيبٍ بِرّاً
والجَزْءَ إِنْ أَخْدَرْتُ يوماً قَرَّا
وأَخْدَرَ فلان في أَهله أَي أَقام فيهم؛ وأَنشد الفراء:
كأَنَّ تَحْتِي بازِياً رَكَّاضَا،
أَخْدَرَ خَمْساً لم يَذُقْ عَضَاضَا
يعني أَقام في وٍكْرِه. والخَدَرُ: المَطَرُ لأَنه يُخَدِّرُ الناسَ في
بيوتهم؛ قال الراجز:
ويَسْتُرونَ النَّارَ من غيرِ خَدَرْ
والخَدْرَةُ: المَطْرَةُ. ابن السكيت: الخَدَرُ الغيم والمطر؛ وأَنشد
الراجز أَيضاً:
لا يُوقِدُونَ النَّارَ إِلاَّ لِسَحَرْ،
ثُمَّتَ لا تُوقَدُ إِلاَّ بالبَعَرْ،
ويَسْتُرون النَّارَ من غيرِ خَدَرْ
يقول: يسترون النار مخافة الأَضياف من غير غيم ولا مطر. وقد أَخْدَرَ
القوم: أَظلهم المطر؛ وقال:
شمسُ النَّهارِ أَلاحَهَا الإِخْدارُ
ويوم خَدِرٌ: بارِدٌ نَدٍ، وليلة خَدِرَةٌ؛ قال ابن بري: لم يذكر
الجوهري شاهداً على ذلك؛ قال: وفي الحاشية بيت شاهد عليه وقد ذكره غيره،
وهو:وبِلاد زَعِل ظُلِمْانُها،
كالمَخاضِ الجُرْبِ في اليومِ الخَدِرْ
قال ابن بري: البيت لطرفة بن العبد. والظلمان: ذكور النعام، الواحد
ظليم. والزَّعِلُ: النشيط والمَرِحُ. والمخاض: الحوامل؛ شبه النعام بالمخاض
الجُرْبِ لأَن الجُرْبَ تطلى بالقَطِرانِ ويصير لونها كلون النعام، وخص
اليومَ النَّدِيَّ البارد لأَن الجَرْبَى يجتمع فيه بعضُها إِلى بعض؛ ومنه
قيل للعُقابِ: خُدارِيَّة لشدّة سوادها؛ قال العجاج:
وخَدَرَ الليل فَيجْتابُ الخَدَر
وقال ابن الأَعرابي: أَصل الخُداري أَن الليل يخدر الناس أَي
يُلْبِسهُم؛ ومنه قوله:
«والدَّجْنُ مُخْدِرٌ».
أَي ملبس؛ ومنه قيل للأَسد. خادر؛ قال الأَزهري: وأَنشدني عمارة لنفسه:
فِيهِنَّ جائِلَةُ الوِشَاحِ كأَنَّها
شَمسُ النَّهارِ، أَكَلَّها الإِخْدارُ
أَكلها: أَبرزها، وأَصله من الانكِلالِ وهو التبسم. والخَدَرُ
والخَدِرُ: الظلمة. والخُدْرَةُ: الظلمة الشديدة، وليل أَخْدَرُ وخَدِرٌ وخَدُرٌ
وخُدارِيُّ: مظلم؛ وقال بعضهم: الليل خمسة أَجزاء: سُدْفَةٌ وسُتْفَةٌ
وهَجْمَةٌ ويَعْفُورٌ وخُدْرَةٌ؛ فالخُدْرَةُ على هذا آخر الليل. وأَخْدَرَ
القومُ: كأَلْيَلُوا. وأَخْدَرَهُ الليلُ إِذا حبسه، والليل مُخْدِرٌ؛
قال العجاج يصف الليل:
ومُخْدِرُ الأَخْدارِ أَخْدَرِيُّ
والخُدارِيُّ: السحاب الأَسودُ. وبعير خُدارِيُّ أَي شديد السسواد،
وناقةٌ خُدارِيَّة والعُقابُ الخُدارِيَّةُ والجارية الخُدارِيَّةُ
الشَّعَرِ. وعُقابٌ خُدارِيَّةٌ: سوداء؛ قال ذو الرمة:
ولم يَلْفِظِ الغَرْثَى الخُدارِيَّةَ الوَكْرُِ
قال شمر: يعني الوكر لم يلفظ العُقابَ، جعل خروجها من الوكر لفظاً مثل
خروج الكلام من الفم، يقول: بَكَرَتْ هذه المرأَة قبل أَن تطير العُقابُ
من وَكْرِها؛ وقوله:
كأَنَّ عُقاباً خُدارِيَّةً
تُنَشَّرُ في الجَوِّ منها جَناحَا
فسره ثعلب فقال: تكون العُقابُ الطائرة، وتكون الرايَةَ لأَن الراية
يقال لها عُقابٌ. وتكون أَبْراداً أَي أَنهم يبسطون أَبْرادَهُمْ فوقهم.
وشَعَرٌ خُدارِيُّ: أَسود. وكل ما منع بصراً عن شيء، فقد أَخْدَرَهُ.
والخَدَرُ: المكان المظلم الغامض؛ قال هدبة؛
إِنِّي إِذا اسْتَخَفَى الجَبانُ بالخَدَرْ
والخَدَرُ: امْذِلالٌ يغشى الأَعضاء: الرِّجلَ واليدَ والجسدَ. وقد
خَدِرَتِ الرِّجْلُ تَخْدَرُ؛ والخَدَرُ من الشراب والدواء: فُتُورٌ يعتري
الشاربَ وضَعْفٌ. ابن الأَعرابي: الخُدْرَةُ ثقل الرِّجل وامتناعها من
المشي. خَدِرَ خَدَراً، فهو خَدِرٌ، وأَخْدَرَهُ ذلك. والخَدَرُ في العين:
فتورها، وقيل: هو ثِقَلٌ فيها من قَذًى يصيبها؛ وعين خَدْراءُ: خَدِرَةٌ.
والخَدَرُ: الكسَلُ والفُتور؛ وخَدِرَتْ عظامه؛ قال طرفة:
جازَتِ البِيدَ إِلى أَرْحُلِنَا،
آخِرَ الليلِ، بِيَعْفُورٍ خَدِرْ
خَدِرٌ: كأَنه ناعس. والخَدِرُ من الظباء: الفاتر العظام. والخادِرُ:
الفاتِرُ الكَسْلانُ. وفي حديث عمر، رضي الله عنه: أَنه رَزَقَ الناسَ
الطِّلاءَ فشربه رجل فَتَخَدَّر أَي ضَعُفَ وفَتَرَ كما يصيب الشاربَ قبل
السكر، ومنه خَدَرُ اليدِ والرِّجْلِ. وفي حديث ابن عمر، رضي الله عنهما:
أَنه خَدِرَتْ رِجْلُه فقيل له: ما لرجْلكَ؟ قال: اجتمع عَصَبُها، قيل:
اذْكُرْ أَحَبَّ الناسِ إِليك، قال: يا محمدُ، فَبَسَطَها. والخادِرُ:
المُتَحَيِّرُ. والخادِرُ والخَدُورُ من الدواب وغيرها: المُتَخَلِّفُ الذي لم
يَلْحَقْ، وقد خَدَرَ. وخَدَرَتِ الظَّبْيَةُ خَدْراً: تخلفت عن القطيع
مثل خَذَلَتْ. والخَدُورُ من الظباء والإِبل: المتخلفة عن القَطِيع.
والخَدُورُ من الإِبل: التي تكون في آخر الإِبل؛ وقول طرفة:
وتَقْصِير يومِ الدَّجْنِ، والدَّجْنُ مُخْدِرٌ،
بِبَهْكَنَةٍ تحتَ الخِباءِ المُمَدَّدِ
(* رواية ديوان طرفة لهذا البيت:
وتقصيرُ يومِ الدَّجْنِ والدَّجنُ مُعْجِبٌ
ببَهكِنةٍ تحتَ الطَّرافِ المعَّمدِ).
أَراد: تقصير يوم الدَّجْنِ، والدَّجْنُ مُخْدِرٌ، الواو واو الحال أَي
في حال إِخْدارِ الدَّجْنِ؛ وقوله:
ومَرَّتْ على ذاتِ التَّنانِيرِ غُدْوَةً،
وقد رَفَعَتْ أَذْيالَ كُلِّ خَدُورِ
الخَدُورُ: التي تخلفت عن الإِبل فلما نظرت إِلى التي تسير سارت معها؛
قال ومثله:
واحْتَثَّ مُحْتَثَّاتُها الخَدُورَا
قال: ومثله:
إِذْ حُثَّ كُلُّ بازِلٍ دَفُونِ،
حتى رَفَعْنَ سَيْرَةَ اللَّجُونِ
وخَدِرَ النهارُ خَدَراً، فهو خَدِرٌ: اشتد حره وسكنت ريحه ولم تتحرك
فيه ريح ولا يوجد فيه رَوْحٌ. الليث: يوم خَدِرٌ شديد الحر؛ وأَنشد:
كالمَخاضِ الجُرْبِ في اليوم الخَدِرْ
قال أَبو منصور: لأَراد باليوم الخَدِرِ المَطِيرَ ذا الغيم؛ قال ابن
السكيت: وإِنما خص اليوم المطير بالمخاض الجُرْبِ لأَنها إِذا جَرِبَتْ
تَوَسَّفَتْ أَوبارُها فالبَرْدُ إِليها أَسرع.
والخِدارُ: عُودٌ يجمع الدُّجْرَيْن إِلى اللُّؤَمَةِ.
وخُدارُ: اسم فرس؛ أَنشد ابن الأَعرابي لِلقَتَّالِ الكِلابِيِّ:
وتَحْمِلُني وبِزَّةَ مَضْرَحِيٍّ،
إِذا ما ثَوَّبَ الدَّاعِي، خُدارُ
وأَخْدَرُ: فحل من الخيل أُفْلِتَ فَتَوَحَّشَ وحَمَى عدَّةَ غاباتٍ
وضَرَبَ فيها، قيل إِنه كان لسليمان بن داود، على نبينا وعليه الصلاة
والسلام؛ والأَخْدَرِيَّةُ من الخيل: منسوبة إِليه. والأَخْدَرِيَّةُ من
الحُمُرِ: منسوبة إِلى فحل يقال له الأَخْدَرُ: قيل: هو فرس، وقيل: هو حمار،
وقيل: الأَخْدَرِيَّةُ منسوبة إِلى العراق؛ قال ابن سيده: ولا أَدري كيف
ذلك. ويقال للأَخْدَرِيَّة من الحُمُرِ: بناتُ الأَخْدَرِ. والأَخْدَرِيُّ:
الحمارُ الوَحْشِيُّ؛ وفي التهذيب: والأَخْدَريُّ من نَعْتِ حمار الوحشِ
كأَنه نسب إِلى فحل اسمه أَخْدَرُ؛ قال: والخُدْرَةُ اسم أَتان كانت
قديمة فيجوز أَن يكون الأَخْدَرِيُّ منسوباً إِليها. الأَصمعي: إِذا تخلف
الوحشي عن القطيع قيل: خَدَرَ وخَذَلَ؛ وقال ابن الأَعرابي: الخُدَرِيُّ
الحمار الأَسود.
الأَصمعي: يقول عاملُ الصدقات: ليس لي حَشَفَةٌ ولا خَدِرَةٌ؛ فالحشفة:
اليابسة، والخَدِرَةُ: التي تقع من النخل قبل أَن تَنْضَجَ. وفي حديث
الأَنصار: اشْتَرَطَ أَن لا يأْخذ ثَمْرَةً خَدِرَةً؛ أَي عَفِنَةً، وهي
التي اسودّ باطنها.
وبنو خُدْرَةَ: بطن من الأَنصار منهم أَبو سعيد الخُدْرِيُّ.
وخَدُورَةُ: موضع ببلاد بني الحرث بن كعب؛ قال لبيد:
دَعَتْني، وفاضَتْ عَيْنُها بِخَدُورَةٍ،
فَجِئتُ غِشاشاً، إِذْ دَعَتْ أُمُّ طارِقِ
صبح: الصُّبْحُ: أَوّل النهار. والصُّبْحُ: الفجر. والصَّباحُ: نقيص
المَساء، والجمع أَصْباحٌ، وهو الصَّبيحةُ والصَّباحُ والإِصْباحُ
والمُصْبَحُ؛ قال الله عز وجل: فالِقُ الإِصْباحِ؛ قال الفراء: إِذا قيل
الأَمْسَاء والأَصْباح، فهو جمع المَساء والصُّبْح، قال: ومثله الإِبْكارُ
والأَبْكارُ؛ وقال الشاعر:
أَفْنَى رِياحاً وذَوِي رِياحِ،
تَناسُخُ الإِمْساءِ والإِصْباحِ
يريد به المَساء والصُّبْحَ. وحكى اللحياني: تقول العربُ إِذا
تَطَيَّرُوا من الإِنسان وغيره: صباحُ الله لا صَباحُك قال: وإِن شئت
نصبتَ.وأَصْبَحَ القومُ: دخلوا في الصَّباح، كما يقال: أَمْسَوْا دخلوا في
المساء؛ وفي الحديث: أَصْبِحُوا بالصُّبحِ فإِنه أَعظم للأَجر أَي صلوها عند
طلوع الصُّبْح؛ يقال: أَصْبَحَ الرجل إِذا دخل في الصُّبْح؛ وفي
التنزيل: وإِنكم لَتَمُرُّون عليهم مُصْبِحِينَ وبالليل؛ وقال سيبويه:
أَصْبَحْنا وأَمْسَينا أَي صرنا في حين ذاك، وأَما صَبَّحْنا ومَسَّيْنا فمعناه
أَتيناه صَباحاً ومساء؛ وقال أَبو عدنان: الفرق بين صَبَحْنا وصَبَّحْنا
أَنه يقال صَبَّحْنا بلد كذا وكذا، وصَبَّحْنا فلاناً، فهذه مُشَدَّدة،
وصَبَحْنا أَهلَها خيراً أَو شرّاً؛ وقال النابغة:
وصَبَّحَه فَلْجاً فلا زال كَعْبُه،
عل كلِّ من عادى من الناسِ، عاليا
ويقال: صَبَّحَه بكذا ومسَّاه بكذا؛ كل ذلك جائز؛ ويقال للرجل يُنَبَّه
من سِنَةِ الغَفْلة: أَصْبِحْ أَي انْتَبِهْ وأَبْصِرْ رُشْدَك وما
يُصْلِحُك؛ وقال رؤبة:
أَصْبِحْ فما من بَشَرٍ مَأْرُوشِ
أَي بَشَرٍ مَعِيبٍ. وقول الله، عز من قائل: فأَخذتهم الصَّيْحةُ
مُصْبِحِين أَي أَخذتهم الهَلَكة وقت دخولهم في الصباح. وأَصْبَحَ فلان عالماً
أَي صار. وصَبَّحك الله بخير: دُعاء له.
وصَبَّحْته أَي قلت له: عِمْ صَباحاً؛ وقال الجوهري: ولا يُرادُ
بالتشديد ههنا التكثير. وصَبَّحَ القومَ: أَتاهم غُدْوَةً وأَتيتهم صُبْحَ
خامِسةٍ كما تقول لِمُسْيِ خامسةٍ، وصِبْحِ خامسة، بالكسر، أَي لِصَباحِ خمسة
أَيام.
وحكى سيبويه: أَتيته صَباحَ مَساءَ؛ من العرب من يبنيه كخمسة عشر، ومنهم
من يضيفه إِلا في حَدِّ الحال أَو الظرف، وأَتيته صَباحاً وذا صَباحٍ؛
قال سيبويه: لا يستعمل إِلاَّ ظرفاً، وهو ظرف غير متمكن، قال: وقد جاء في
لغة لِخَثْعَم اسماً؛ قال أَنس ابنُ نُهَيْكٍ:
عَزَمْتُ على إِقامةِ ذي صباحٍ،
لأَمْرٍ ما يُسَوَّدُ ما يَسُودُ
وأَتيته أُصْبُوحةَ كل يوم وأُمْسِيَّةَ كلِّ يوم. قال الأَزهري:
صَبَحْتُ فلاناً أَتيته صباحاً؛ وأَما قول بُجَيْر بن زُهير المزنيِّ، وكان
أَسلم:
صَبَحْناهمْ بأَلفٍ من سُلَيْمٍ،
وسَبْعٍ من بني عُثمانَ وافى
فمعناه أَتيناهم صَباحاً بأَلف رجل من سُليم؛ وقال الراجز:
نحْنُ صَبَحْنا عامراً في دارِها
جُرْداً، تَعادَى طَرَفَيْ نَهارِها
يريد أَتيناها صباحاً بخيل جُرْد؛ وقول الشَّمَّاخ:
وتَشْكُو بعَيْنٍ ما أَكَلَّ رِكابَها،
وقيلَ المُنادِي: أَصْبَحَ القومُ أَدْلِجِي
قال الأَزهري: يسأَل السائل عن هذا البيت فيقول: الإِدلاج سير الليل،
فكيف يقول: أَصبح القوم، وهو يأْمر بالإِدلاج؟ والجواب فيه: أَن العرب إِذا
قربت من المكان تريده، تقول: قد بلغناه، وإِذا قربت للساري طلوعَ الصبح
وإِن كان غير طالع، تقول: أَصْبَحْنا، وأَراد بقوله أَصبح القومُ: دنا
وقتُ دخولهم في الصباح؛ قال: وإِنما فسرته لأَن بعض الناس فسره على غير ما
هو عليه.
والصُّبْحة والصَّبْحة: نوم الغداة. والتَّصَبُّحُ: النوم بالغداة، وقد
كرهه بعضهم؛ وفي الحديث: أَنه نهى عن الصُّبْحة وهي النوم أَوّل النهار
لأَنه وقت الذِّكر، ثم وقت طلب الكسب. وفلان ينام الصُّبْحة والصَّبْحة
أَي ينام حين يُصْبح، تقول منه: تَصَبَّح الرجلُ،؛ وفي حديث أُم زرع أَنها
قالت: وعنده أَقول فلا أُقَبَّح وأَرْقُدُ فأَتَصَبَّحُ؛ أَرادت أَنها
مَكفِيَّة، فهي تنام الصُّبْحة. والصُّبْحة: ما تَعَلَّلْتَ به
غُدْوَةً.والمِصْباحُ من الإِبل: الذي يَبْرُك في مُعَرَّسه فلا يَنْهَض حتى
يُصبح وإِن أُثير، وقيل: المِصْبَحُ والمِصْباحُ من الإِبل التي تُصْبِحُ في
مَبْرَكها لا تَرْعَى حتى يرتفع النهار؛ وهو مما يستحب من الإستبل وذلك
لقوَّتها وسمنها؛ قال مُزَرِّد:
ضَرَبْتُ له بالسيفِ كَوْماءَ مِصْبَحاً،
فشُبَّتْ عليها النارُ، فهي عَقِيرُ
والصَّبُوحُ: كل ما أُكل أَو شرب غُدْوَةً، وهو خلاف الغَبُوقِ.
والصَّبُوحُ: ما أَصْبَحَ عندهم من شرابهم فشربوه، وحكى الأَزهري عن الليث:
الصَّبُوحُ الخمر؛ وأَنشد:
ولقد غَدَوْتُ على الصَّبُوحِ، مَعِي
شَرْبٌ كِرامُ من بني رُهْمِ
والصَّبُوحُ من اللبن: ما حُلب بالغداة. والصَّبُوحُ والصَّبُوحةُ:
الناقة المحلوبة بالغداة؛ عن اللحياني. حكي عن العرب: هذه صَبُوحِي
وصَبُوحَتي. والصَّبْحُ: سَقْيُكَ أَخاك صَبُوحاً من لبن. والصَّبُوح: ما شرب
بالغداة فما دون القائلة وفعلُكَ الإِصطباحُ؛ وقال أَبو الهيثم: الصَّبُوح
اللبن يُصْطَبَحُ، والناقة التي تُحْلَبُ في ذلك الوقت: صَبُوح أَيضاً؛
يقال: هذه الناقة صَبُوحِي وغَبُوقِي؛ قال: وأَنشدنا أَبو لَيْلَى
الأَعرابي:ما لِيَ لا أَسْقِي حُبيْباتي
صَبائِحي غَبَائقي قَيْلاتي؟
والقَيْلُ: اللبن الذي يشرب وقت الظهيرة.
واصْطَبَحَ القومُ: شَرِبُوا الصَّبُوحَ.
وصَبَحَه يَصْبَحُه صَبْحاً، وصَبَّحَه: سقاه صَبُوحاً، فهو مُصْطَبحٌ؛
وقال قُرْطُ بن التُّؤْم اليَشكُري:
كان ابنُ أَسماءَ يَعْشُوه ويَصْبَحُه
من هَجْمةٍ، كفَسِيلِ النَّخْل، دُرَّارِ
يَعشون: يطعمه عشاء. والهَجْمة: القطعة من الإِبل. ودُرَّار: من صفتها.
وفي الحديث: وما لنا صَبِيٌّ يَصْطَبِحُ أَي ليس لنا لبن بقدر ما يشربه
الصبي بُكْرَة من الجَدْب والقحط فضلاً عن الكثير، ويقال: صَبَحْتُ
فلاناً أَي ناولته صَبُوحاً من لبن أَو خمر؛ ومنه قول طرفة:
متى تَأْتِنِي أَصبَحْكَ كأْساً رَوِيَّةً
أَي أَسقيك كأْساً؛ وقيل: الصَّبُوحُ ما اصْطُبِحَ بالغداة حارًّا.
ومن أَمثالهم السائرة في وصف الكذاب قولهم: أَكْذَبُ من الآخِذِ
الصَّبْحانِ؛ قال شمر: هكذا قال ابن الأَعرابي، قال: وهو الحُوَارُ الذي قد شرب
فَرَوِيَ، فإِذا أَردت أَن تَسْتَدِرَّ به أُمه لم يشرب لِرِيِّه
دِرَّتها، قال: ويقال أَيضاً: أَكذب من الأَخِيذِ الصَّبْحانِ؛ قال أَبو عدنان:
الأَخِيذُ الأَسيرُ. والصَّبْحانُ: الذي قد اصْطَبَحَ فَرَوِيَ؛ قال ابن
الأَعرابي: هو رجل كان عند قوم فصَبَحُوه حتى نَهَض عنهم شاخصاً، فأَخذه
قوم وقالوا: دُلَّنا على حيث كنت، فقال: إِنما بِتُّ بالقَفْر، فبينما هم
كذلك إِذ قعد يبول، فعلموا أَنه بات قريباً عند قوم، فاستدلوا به عليهم
واسْتَباحوهم، والمصدرُ الصَّبَحُ، بالتحريك.
وفي المثل: أَعن صَبُوحٍ تُرَقِّق؟ يُضْرَبُ مثلاً لمن يُجَمْجِمُ ولا
يُصَرِّح، وقد يضرب أَيضاً لمن يُوَرِّي عن الخَطْب العظيم بكناية عنه،
ولمن يوجب عليك ما لا يجب بكلام يلطفه؛ وأَصله أَن رجلاً من العرب نزل برجل
من العرب عِشاءً فغَبَقَه لَبَناً، فلما رَويَ عَلِقَ يحدّث أُمَّ
مَثْواه بحديث يُرَقِّقه، وقال في خِلال كلامه: إِذا كان غداً اصطحبنا وفعلنا
كذا، فَفَطِنَ له المنزولُ عليه وقال: أَعن صَبُوح تُرَقِّق؟ وروي عن
الشَّعْبيِّ أَنَّ رجلاً سأَله عن رجل قَبَّل أُم امرأَته، فقال له الشعبي:
أَعن صبوح ترقق؟ حرمت عليه امرأَته؛ ظن الشعبي أَنه كنى بتقبيله إِياها
عن جماعها؛ وقد ذكر أَيضاً في رقق.
ورجل صَبْحانُ وامرأَة صَبْحَى: شربا الصَّبُوحَ مثل سكران وسَكْرَى.
وفي الحديث أَنه سئل: متى تحلُّ لنا الميتة؟ فقال: ما لم تَصْطَبِحُوا
أَو تَغْتَبِقُوا أَو تَحْتَفُّوا بَقْلاً فشأْنكم بها؛ قال أَبو عبيج:
معناه إِنما لكم منها الصَّبُوحُ وهو الغداء، والغَبُوقُ وهو العَشاء؛
يقول: فليس لكم أَن تجمعوهما من الميتة؛ قال: ومنه قول سَمُرة لبنيه: يَجْزي
من الضَّارُورةِ صَبُوحٌ أَو غَبُوقٌ؛ قال الأَزهري وقال غير أَبي عبيد:
معناه لما سئل: متى تحل لنا الميتة؟ أَجابهم فقال: إِذا لم تجدوا من
اللبن صَبُوحاً تَتَبَلَّغونَ به ولا غَبُوقاً تَجْتزِئون به، ولم تجدوا مع
عَدَمكم الصَّبُوحَ والغَبُوقَ بَقْلَةً تأْكلونها ويَهْجأُ غَرْثُكم
حلَّت لكم الميتة حينئذ، وكذلك إِذا وجد الرجل غداء أَو عشاء من الطعام لم
تحلَّ له الميتة؛ قال: وهذا التفسير واضح بَيِّنٌ، والله الموفق. وصَبُوحُ
الناقة وصُبْحَتُها: قَدْرُ ما يُحْتَلَب منها صُبْحاً.
ولقيته ذاتَ صَبْحة وذا صبُوحٍ أَي حين أَصْبَحَ وحين شرب الصَّبُوحَ؛
ابن الأَعرابي: أَتيته ذاتَ الصَّبُوح وذات الغَبُوق إِذا أَتاه غُدْوَةً
وعَشِيَّةً؛ وذا صَباح وذا مَساءٍ وذاتَ الزُّمَيْنِ وذاتَ العُوَيمِ أَي
مذ ثلاثة أَزمان وأَعوام.
وصَبَحَ القومَ شَرًّا يَصْبَحُهم صَبْحاً: جاءَهم به صَباحاً.
وصَبَحَتهم الخيلُ وصَبَّحَتهم: جاءَتهم صُبْحاً. وفي الحديث: أَنه صَبَّح
خَيْبَر أَي أَتاها صباحاً؛ وفي حديث أَبي بكر:
كلُّ امرئٍ مُصَبَّحٌ في أَهله،
والموتُ أَدْنى من شِراك نَعْلِه
أَي مَأْتيٌّ بالموت صباحاً لكونه فيهم وقتئذ. ويوم الصَّباح: يوم
الغارة؛ قال الأَعشى:
به تُرْعَفُ الأَلْفُ، إِذ أُرْسِلَتْ
غَداةَ الصَّباحِ، إِذا النَّقْعُ ثارا
يقول: بهذا الفرس يتقدَّم صاحبُه الأَلفَ من الخيل يوم الغارة.
والعرب تقول إِذا نَذِرَتْ بغارة من الخيل تَفْجَؤُهم صَباحاً: يا
صَباحاه يُنْذِرونَ الحَيَّ أَجْمَعَ بالنداء العالي. وفي الحديث: لما نزلت.
وأَنْذِرْ عشيرتك الأَقربين؛ صَعَّدَ على الصفا، وقال: يا صباحاه هذه
كلمة تقولها العرب إِذا صاحوا للغارة، لأَنهم أَكثر ما يُغِيرون عند
الصباح، ويُسَمُّونَ يومَ الغارة يوم الصَّباح، فكأَنَّ القائلَ يا صباحاه
يقول: قد غَشِيَنا العدوُّ؛ وقيل: إِن المتقاتلين كانوا إِذا جاءَ الليل
يرجعون عن القتال فإِذا عاد النهار عادوا، فكأَنه يريد بقوله يا صباحاه: قد
جاءَ وقتُ الصباح فتأَهَّبوا للقتال. وفي حديث سَلَمة بن الأَكْوَع: لما
أُخِذَتْ لِقاحُ رسول اًّ، صلى الله عليه وسلم، نادَى: يا صَباحاه
وصَبَح الإِبلَ يَصْبَحُها صَبْحاً: سقاها غُدْوَةً. وصَبَّحَ القومَ الماءَ:
وَرَده بهم صباحاً.
والصَّابِحُ: الذي يَصْبَح إِبلَه الماءَ أَي يسقيها صباحاً؛ ومنه قول
أَبي زُبَيْدٍ:
حِينَ لاحتَ للصَّابِحِ الجَوْزاء
وتلك السَّقْية تسميها العرب الصُّبْحَةَ، وليست بناجعة عند العرب،
ووقتُ الوِرْدِ المحمودِ مع الضَّحاء الأَكبر. وفي حديث جرير: ولا يَحْسِرُ
صابِحُها أَي لا يَكِلُّ ولا يَعْيا، وهو الذي يسقيها صباحاً لأَنه
يوردها ماء ظاهراً على وجه الأَرض.
قال الأَزهري: والتَّصْبِيحُ على وجوه، يقال: صَبَّحْتُ القومَ الماءَ
إِذا سَرَيْتَ بهم حتى توردهم الماءَ صباحاً؛ ومنه قوله:
وصَبَّحْتُهم ماءً بفَيْفاءَ قَفْرَةٍ،
وقد حَلَّقَ النجمُ اليمانيُّ، فاستوى
أَرادَ سَرَيْتُ بهم حتى انتهيتُ بهم إِلى ذلك الماء؛ وتقول: صَبَّحْتُ
القوم تصبيحاً إُذا أَتيتهم مع الصباح؛ ومنه قول عنترة يصف خيلاً:
وغَداةَ صَبَّحْنَ الجِفارَ عَوابِساً،
يَهْدِي أَوائِلَهُنَّ شُعْثٌ شُزَّبُ
أَي أَتينا الجِفارَ صباحاً؛ يعني خيلاً عليها فُرْسانها؛ ويقال
صَبَّحْتُ القومَ إِذا سقيتهم الصَّبُوحَ.
والتَّصْبيح: الغَداء؛ يقال: قَرِّبْ إِليَّ تَصْبِيحِي؛ وفي حديث
المبعث: أَن النبي، صلى الله عليه وسلم، كان يَتِيماً في حجْر أَبي طالب، وكان
يُقَرَّبُ إِلى الصِّبْيان تَصْبِيحُهم فيختلسون ويَكُفّ أَي يُقَرَّبُ
إِليهم غداؤهم؛ وهو اسم بُني على تَفْعِيل مثل التَرْعِيب للسَّنام
المُقَطَّع، والتنبيت اسم لما نَبَتَ من الغِراس، والتنوير اسم لنَوْر
الشجر.والصَّبُوح: الغَداء، والغَبُوق: العَشاء، وأَصلهما في الشرب ثم استعملا
في الأَكل.
وفي الحديث: من تَصَبَّحَ بسبع تَمراتِ عَجْوَة، هو تَفَعَّلَ من
صَبَحْتُ القومَ إِذا سقيتهم الصَّبُوحَ. وصَبَّحْتُ، بالتشديد، لغة
فيه.والصُّبْحةُ والصَّبَحُ: سواد إِلى الحُمْرَة، وقيل: لون قريب إِلى
الشُّهْبَة، وقيل: لون قريب من الصُّهْبَة، الذكَرُ أَصْبَحُ والأُنثى
صَبْحاء، تقول: رجل أَصْبَحُ وأَسَد أَصْبَح بَيِّنُ الصَّبَح. والأَصْبَحُ من
الشَّعَر: الذي يخالطه بياض بحمرة خِلْقَة أَيّاً كانَ؛ وقد اصْباحَّ.
وقال الليث: الصَّبَحُ شدّة الحمرة في الشَّعَر، والأَصْبَحُ قريب من
الأَصْهَب. وروى شمر عن أَبي نصر قال: في الشعَر الصُّبْحَة والمُلْحَة. ورجل
أَصْبَحُ اللحية: للذي تعلو شعرَه حُمْرةٌ، ومن ذلك قيل: دَمٌ صِباحَيُّ
لشدَّة حمرته؛ قال أَبو زُبيد:
عَبِيطٌ صُباحِيٌّ من الجَوْفِ أَشْقَرا
وقال شمر: الأَصْبَحُ الذي يكون في سواد شعره حمرة؛ وفي حديث الملاعنة:
إِن جاءَت به أَصْبَحَ أَصْهَبَ؛ الأَصْبَحُ: الشديد حمرة الشعر، ومنه
صُبْحُ النهار مشتق من الأَصْبَح؛ قال الأَزهري: ولونُ الصُّبْحِ الصادق
يَضْرِب إِلى الحمرة قليلاً كأَنها لون الشفَق الأَوّل في أَوَّل الليل.
والصَّبَحُ: بَريقُ الحديد وغيره.
والمِصْباحُ: السراج، وهو قُرْطُه الذي تراه في القِنديل وغيره،
والقِراطُ لغة، وهو قول الله، عز وجل: المِصْباحُ في زُجاجةٍ الزُّجاجةُ كأَنها
كوكبٌ دُرِّيٌّ. والمِصْبَحُ: المِسْرَجة. واسْتَصْبَح به: اسْتَسْرَجَ.
وفي الحديث: فأَصْبِحي سِراجَك أَي أَصْلِحيها. وفي حديث جابر في شُحوم
الميتة: ويَسْتَصْبِحُ بها الناسُ أَي يُشْعِلونَ بها سُرُجَهم. وفي حديث
يحيى بن زكريا، عليهما السلام: كان يَخْدُم بيتَ المقدِس نهاراً
ويُصْبِحُ فيه ليلاً أَي يُسْرِجُ السِّراح. والمَصْبَح، بالفتح: موضع الإِصْباحِ
ووقتُ الإِصْباح أَيضاً؛ قال الشاعر:
بمَصْبَح الحمدِ وحيثُ يُمْسِي
وهذا مبني على أَصل الفعل قبل أَن يزاد فيه، ولو بُني على أَصْبَح لقيل
مُصْبَح، بضم الميم؛ قال الأَزهري: المُصْبَحُ الموضع الذي يُصْبَحُ فيه،
والمُمْسى المكان الذي يُمْسَى فيه؛ ومنه قوله:
قريبةُ المُصْبَحِ من مُمْساها
والمُصْبَحُ أَيضاً: الإِصباحُ؛ يقال: أَصْبَحْنا إِصباحاً ومُصْبَحاً؛
وقول النمر بن تَوْلَبٍ:
فأَصْبَحْتُ والليلُ مُسمْتَحْكِمٌ،
وأَصْبَحَتِ الأَرضُ بَحْراً طَما
فسره ابن الأَعرابي فقال: أَصْبَحْتُ من المِصْباحِ؛ وقال غيره: شبه
البَرْقَ بالليل بالمِصْباح، وشدَّ ذلك قولُ أَبي ذؤَيب:
أَمِنْك بَرْقٌ أَبِيتُ الليلَ أَرْقُبُه؟
كأَنه، في عِراصِ الشامِ، مِصْباحُ
فيقول النمر بن تولب: شِمْتُ هذا البرق والليلُ مُسْتَحْكِم، فكأَنَّ
البرقَ مِصْباح إِذ المصابيح إِنما توقد في الظُّلَم، وأَحسن من هذا أَن
يكون البرقُ فَرَّج له الظُّلْمةَ حتى كأَنه صُبْح، فيكون أَصبحت حينئذ من
الصَّباح؛ قال ثعلب: معناه أَصْبَحْتُ فلم أَشْعُر بالصُّبح من شدّة
الغيم؛ والشَّمَعُ مما يُصْطَبَحُ به أَي يُسْرَجُ به. والمِصْبَحُ
والمِصْباحُ: قَدَحٌ كبير؛ عن أَبي حنيفة. والمَصابيح: الأَقْداح التي يُصْطبح
بها؛ وأَنشد:
نُهِلُّ ونَسْعَى بالمَصابِيحِ وَسْطَها،
لها أَمْرُ حَزْمٍ لا يُفَرَّقُ، مُجْمَعُ
ومَصابيحُ النجوم: أَعلام الكواكب، واحدها مِصْباح. والمِصْباح:
السِّنانُ العريضُ. وأَسِنَّةٌ صُباحِيَّةٌ، كذلك؛ قال ابن سيده: لا أَدري
إِلامَ نُسِبَ.
والصَّباحةُ: الجَمال؛ وقد صَبُحَ، بالضم، يَصْبُح صَباحة. وأَما من
الصَّبَح فيقال صَبِحَ
(* قوله «فيقال صبح إلخ» أي من باب فرح، كما في
القاموس.) يَصْبَحُ صَبَحاً، فهو أَصْبَحُ الشعر.
ورجل صَبِيحٌ وصُباحٌ، بالضم: جميل، والجمع صِباحٌ؛ وافق الذين يقولون
فُعال الذين يقولون فَعِيل لاعتِقابهما كثيراً، والأُنثى فيهما، بالهاء،
والجمع صِباحٌ، وافق مذكره في التكسير لاتفاقهما في الوصفية؛ وقد صَبُحَ
صَباحة؛ وقال الليث: الصَّبِيح الوَضِيءُ الوجه. وذو أَصْبَحَ: مَلِكٌ من
ملوك حِمْيَر
(* قوله «ملك من ملوك حمير» من أَجداد الإمام مالك بن أنس.)
وإِليه تنسب السِّياطُ الأَصْبَحِيَّة. والأَصْبَحِيُّ: السوط.
وصَباحٌ: حيّ من العرب، وقد سَمَّتْ صُبْحاً وصَباحاً وصُبَيْحاً
وصَّبَّاحاً وصَبِيحاً ومَضْبَحاً. وبنو صُباح: بطون، بطن في ضَبَّة وبطن في
عبد القَيْس وبطن في غَنِيٍّ. وصُباحُ: حيّ من عُذْرَة ومن عبد القَيْسِ.
وصُنابِحُ: بطن من مُراد.
عشا: العَشا، مقصورٌ: سوءُ البَصَرِ بالليلِ والنهارِ، يكونُ في الناسِ
والدَّوابِّ والإبلِ والطَّيرِ، وقيل: هو ذَهابُ البَصَرِ؛ حكاه ثعلب،
قال ابن سيده: وهذا لا يصحُّ إذا تأَمَّلته، وقيل: هو أَن لا يُبْصِر
بالليل، وقيل: العَشا يكونُ سُوءَ البصَرِ من غيرِ عَمًى، ويكونُ الذي لا
يُبْصِرُ باللَّيْلِ ويُبْصِرُ بالنَّهارِ، وقد عَشا يَعْشُو عَشْواً، وهو
أَدْنَى بَصَرِه وإنما يَعْشُو بعدَما يَعْشَى. قال سيبويه: أَمالوا
العَشا ، وإن كان من ذَواتِ الواوِ، تَشْبيهاً بذَوات الواوِ من الأفعال
كغَزا ونحوها، قال: وليس يطَّرِدُ في الأَسْماء إنما يَطَّرِدُ في
الأَفْعالِ، وقد عَشِيَ يَعْشَى عَشًى، وهو عَشٍ وأَعْشَى، والأُنثى عَشْواء،
والعُشْوُ جَمعُ الأَعْشَى؛ قال ابن الأعرابي: العُشْوُ من الشُّعراء سَبْعة:
أَعْشَى بني قَيْسٍ أَبو بَصِير، وأَعْشى باهلَةَ أَبو قُحافة
(* قوله «
أبو قحافة» » هكذا في الأصل، وفي التكملة: أبو قحفان.)
وأَعْشَي بَني نَهْشَلٍ الأَسْودُ بنُ يَعْفُرَ، وفي الإسلام أَعْشَى
بَني رَبيعة من بني شَيْبانَ، وأَعْشَى هَمْدان، وأَعْشَى تَغْلِب ابنُ
جاوانَ، وأَعْشَى طِرْودٍ من سُلَيْم، وقال غيره: وأَعْشَى بَني مازِنٍ من
تَمِيم. ورَجُلان أَعْشَيانِ، وامرأتانِ عَشْواوانِ، ورجال عُشوٌ
وأَعْشَوْنَ.
وعَشَّى الطَّـيْرَ: أَوْقَد ناراً لتعَشى منها فيصيدها. وعَشا يَعْشُو
إذا ضَعُفَ بَصَرُه، وأَعشاهُ الله. وفي حديث ابنِ المُسَيَّب: أَنه
ذَهَبَتْ إحدْى عَينَيْه وهو يَعْشُو بالأُخْرى أَي يُبْصِر بها بَصَراً
ضَعِيفاً. وعَشا عن الشيء يَعْشُو: ضَعُفَ بَصَرُه عنه، وخَبَطَه خَبْطَ
عَشْواء: لم يَتَعَمَّدْه. وفلانٌ خابطٌ خَبْطَ عَشْواء، وأَصْلُه من الناقةِ
العَشْواءِ لأنها لا تُبْصِر ما أَمامَها فهي تَخْبِطُ بِيَديْها، وذلك
أَنها تَرْفَع رَأْسها فلا تَتَعَهَّدُ مَواضِعَ أَخْفافِها؛ قال زهير:
رأَيْتُ المَنايَا خَبْطَ عَشْواءَ، مَنْ تَصِبْ
تُمِيتْهُ ، ومَنْ تُخْطِئْ يُعَمَّرْ فَيَهْرَمِ
ومن أَمثالهم السَّائرة: وهو يَخْبِط خَبْطَ عَشْواء، يضرَبُ مثلاً
للسَّادِرِ الذي يَرْكَبُ رَأْسَهُ ولا يَهْتَمُّ لِعاقِبَتِهِ كالنَّاقَة
العَشْواء التي لا تُبْصِرُ، فهي تَخْبِطُ بيَدَيْها كلَّ ما مَرَّت به ،
وشَبَّه زُهَيرٌ المنايا بخَبْطِ عَشْواءَ لأَنَّها تَعُمُّ الكُلَّ ولا
تَخُصُّ. ابن الأَعرابي: العُقابُ العَشْواءُ التي لا تُبالي كيْفَ
خَبَطَتْ وأَيْنَ ضَرَبَتْ بمخالِبها كالنَّاقة العَشْواء لا تَدْرِي كَيْفَ
تَضَع يَدَها.
وتَعاشَى: أَظْهَرَ العَشا، وأَرى من نَفْسِه أَنه أَعْشَى وليس به.
وتعاشَى الرجلُ في أَمْرِه إذا تَجَاهَلَ، على المَثَل. وعَشا يَعْشوُ إذا
أَتى ناراً للضِّيافَة وعَشا إلى النار، وعَشاها عَشْواً وعُشُوّاً
واعْتَشاها واعْتَشَى بها، كلُّه: رآها لَيْلاً على بُعْدٍ فقَصَدَها
مُسْتَضِيئاً بها؛ قال الحطيئة:
مَتَى تأْتِهِ تَعْشُو إِلى ضَوْْء نارِهِ،
تَجِدْ خَيرَ نارٍ، عندَها خَيرُ مُوقِدِ
أَي متي تأْتِهِ لا تَتَبَيَّن نارَهُ مِنْ ضَعْف بَصَرِك؛
وأَنشد ابن الأَعرابي:
وُجُوهاً لو أنَّ المُدْلِجِينَ اعْتَشَوْا بها،
صَدَعْنَ الدُّجى حتَّى تَرى اللّيْلَ يَنْجَلي
(* قوله« وجوهاً» هو هكذا بالنصب في الأصل والمحكم، وهو بالرفع فيما
سيأتي.)
وعَشَوْتُه: قَصَدْتُه ليلاً، هذا هو الأَصْلُ ثم صار كلُّ قاصِدٍ
عاشِياً. وعَشَوْت إِلى النارِ أَعْشُو إِليها عَشْواً إِذا اسْتَدْلَلْتَ
عليها بِبَصَرٍ ضَعيفٍ، ويُنْشد بيت الحُطيئة أَيضاً، وفسَّره فقال: المعنى
متى تَأْتِه عاشِياً، وهو مَرْفُوعٌ بين مَجْزُومَيْن لأَن الفعلَ
المُسْتَقْبَل إِذا وَقَع مَوقِعَ الحال يَرْتَفِع، كقولك: إِن تأْتِ زيداً
تُكْرِمُه يَأْتِكَ، جَزَمْتَ تأْتِ بأَنْ، وجَزَمْتَ يأْتِكَ بالجواب،
ورفَعْتَ تُكْرِمُه بينهما وجَعَلْتَه حالاً، وإِن صَدَرْت عنه إِلى غيره قلت
عَشَوْتُ عنه، ومنه قوله تعالى: ومَن يَعْشُ عن ذكْرِ الرَّحْمن
نُقَيِّضْ له شيطاناً فهو له قَرينٌ؛ قال الفراء: معناه من يُعْرضْ عن ذكر
الرحمن، قال: ومن قرأَ ومَن يَعْشُ عن ذكر الرحمن فمعناه مَن يَعْمَ عنه، وقال
القُتَيبي: معنى قوله ومَنْ يَعْشُ عن ذكر الرحمن أَي يُظْلِمْ بَصَرُه،
قال: وهذا قولُ أَبي عبيدة، ثم ذهب يَرُدُّ قولَ الفراء ويقول: لم أَرَ
أَحداً يُجيزُ عَشَوْتُ عن الشيء أَعْرَضْتُ عنه، إِنما يقال تَعاشَيْتُ
عن الشيء أَي تَغافَلْت عنه كأَني لم أَرَهُ، وكذلك تعامَيْت، قال:
وعَشَوْتُ إِلى النار أَي اسْتَدْلَلْت عليها ببَصَرٍ ضعيف. قال الأَزهري:
أَغْفَل القُتَيْبي موضعَ الصوابِ واعْتَرَض مع غَفْلَتِه على الفراء
يَرُدُّ عليه، فذكرت قوله لأَبَيِّن عُوارَه فلا يَغْتَرَّ به الناظرُ في
كتابه. والعرب تقول: عَشَوْتُ إِلى النار أَعْشُو عَشْواً أَي قَصَدتُها
مُهْتَدِياً بها، وعَشَوْتُ عنها أَي أَعْرَضْت عنها، فيُفرِّقون بين إِلى
وعَنْ موصولَيْن بالفعل. وقال أَبو زيد: يقال عَشَا فلانٌ إِلى النار
يَعْشُو عَشْواً إِذا رأَى ناراً في أَوَّل الليل فيَعْشُو إِليها يَسْتضِيءُ
بضَوْئها. وعَشَا الرجلُ إِلى أَهلِه يَعْشُو: وذلك من أَوَّل الليل إِذا
عَلِمَ مكانَ أَهلِه فقَصدَ إِليهم. وقال أَبو الهيثم: عَشِيَ الرجلُ
يَعْشى إِذا صار أَعْشى لا يُبْصِرُ لَيْلاً؛ وقال مُزاحِمٌ العُقَيْلي
فجعَل الاعتِشاء بالوجوه كالاعتشاء بالنار يَمْدَحُ قوماً بالجمال:
يَزينُ سَنا الماوِيِّ كلَّ عَشيَّةٍ،
على غَفلات الزَّيْنِ والمُتَجَمَّلِ،
وُجُوهٌ لوَانَّ المُدْلِجينَ اعْتَشَوْا بها،
سَطَعْنَ الدُّجى حتى ترَى الليْلَ يَنْجَلي
وعَشَا عن كذا وكذا يَعْشُو عنه إِذا مَضى عنه. وعَشَا إِلى كذا وكذا
يَعْشُو إِليه عَشْواً وعُشُوّاً إِذا قَصَد إِليه مُهْتَدِياً بضَوْء
نارِه. ويقال: اسْتَعْشَى فلانٌ ناراً إِذا اهْتَدى بها؛ وأَنشد:
يَتْبعن حروباً إِذا هِبْنَ قَدَمْ،
كأَنه باللَّيْلِ يَسْتَعْشِي ضَرَم
(* قوله« حروبا» هكذا في الأصل، ولعله محرف، والأصل حُوذيّاً أي سائقاً
سريع السير)
يقول: هو نَشِيطٌ صادِقُ الطَّرْفِ جَرِيءٌ على الليلِ كأَنه مُسْتَعْشٍ
ضَرَمةً، وهي النارُ، وهو الرجلُ الذي قد ساقَ الخارِبُ إِبله فطَرَدَها
فَعَمَد إِلى ثَوْبٍ فشَقَّه وفَتَلَه فَتْلاً شديداً، ثم غَمَره في
زَيْتٍ أَو دُهْن فرَوَّاهُ، ثم أَشْعل في طَرَفِه النار فاهْتَدى بها
واقْتَصَّ أَثَرَ الخارِبِ ليَسْتَنْقِذَ إِبلَه؛ قال الأَزهري: وهذا كله
صحيح، وإِنما أَتى القُتَيْبيَّ في وهمه الخَطَأُ من جهة أَنه لم يَفْرُق بين
عَشا إِلى النار وعَشا عنها، ولم يَعْلَم أَن كلَّ واحدٍ منهما ضد الآخر
من باب المَيْلِ إِلى الشيءِ والمَيْل عنه، كقولك: عَدَلْت إِلى بني
فلانٍ إِذا قَصدتَهم، وعَدَلْتُ عنهم إِذا مَضَيْتَ عنهم، وكذلك مِلْتُ
إِليهم ومِلْت عنهم، ومَضيْت إِليهم ومضيْت عنهم، وهكذا قال أَبو إِسحق
الزجَّاج في قوله عز وجل: ومن يعشُ عن ذكرِ الرحمن أَي يُعْرِض عنه كما قال
الفراء؛ قال أَبو إِسحق: ومعنى الآية أَنَّ من أَعرض عن القرآن وما فيه من
الحكمة إِلى أَباطِيل المضلِّين نُعاقِبْه بشيطانٍ نُقَيِّضُه له حتى
يُضِلَّه ويلازمه قريناً له فلا يَهْتدي مُجازاةً له حين آثرَ الباطلَ على
الحق البيِّن؛ قال الأَزهري: وأَبو عبيدة صاحب معرفة بالغريب وأَيام
العرب، وهو بَليدُ النظر في باب النحو ومقَاييسه. وفي حديث ابن عمر: أَنَّ
رجلاً أَتاه فقال له كما لا يَنْفَعُ مع الشِّرْكِ عَمَلٌ هل يَضُرُّ مع
الإِيمان ذَنْبٌ؟ فقال ابن عمر: عَشِّ ولا تَغْتَرَّ، ثم سأَل ابنَ عباس
فقال مثلَ ذلك؛ هذا مَثَلٌ للعرب تَضْربُه في التَّوْصِية بالاحتِياط
والأَخْذِ بالحَزْم، وأَصلُه أَن رجلاً أَراد أَن يَقْطَع مَفازَة بإبلِه ولم
يُعَشِّها، ثقة على ما فيها
(* قوله« ثقة على ما فيها إلخ» هكذا في الأصل
الذي بايدينا، وفي النهاية: ثقة بما سيجده من الكلأ، وفي التهذيب: فاتكل
على ما فيها إلخ.) من الكَلإِ، فقيل له: عَشِّ إِبلَك قبل أَن تُفَوِّزَ
وخُذْ بالاحتياط، فإِن كان فيها كلأٌ يَضُرَّك ما صنَعْتَ، وإِن لم يكن
فيها شيءٌ كنتَ قد أَخَذْت بالثِّقة والحَزْم، فأَراد ابن عمر بقوله هذا
اجتَنِبِ الذنوبَ ولا تَرْكبْها اتِّكالاً على الإِسلام، وخُذْ في ذلك
بالثِّقة والاحتياط؛ قال ابن بري: معناه تَعَشَّ إِذا كنتَ في سَفَرٍ ولا
تَتَوانَ ثِقةً منك أَنْ تتَعَشَّى عند أَهلِكَ، فلَعَلَّك لا تَجِدُ عندهم
شيئاً. وقال الليث: العَشْوُ إِتْيانُكَ ناراً تَرْجُو عندها هُدًى أَو
خَيْراً، تقول: عَشَوْتُها أَعْشُوها عَشْواً وعُشُوّاً، والعاشِية: كل
شيءٍ يعشُو بالليلِ إِلى ضَوءِ نارٍ من أَصنافِ الخَلقِ الفَراشِ وغيرِه،
وكذلك الإِبل العَواشِي تَعْشُو إِلى ضَوءِ نارٍ؛ وأَنشد:
وعاشِيةٍ حُوشٍ بِطانٍ ذَعَرْتُها
بضَرْبِ قَتِيلٍ، وَسْطَها، يَتَسَيَّفُ
قال الأَزهري: غَلِطَ في تفسير الإِبلِ العَواشي أَنها التي تَعْشُو
إِلى ضَوْءِ النارِ، والعَواشي جمعُ العاشِية، وهي التي تَرْعى ليلاً
وتتَعَشَّى، وسنذكرها في هذا الفصل: والعُشْوة والعِشْوة: النارُ يُسْتَضاءُ
بها. والعاشِي: القاصِدُ، وأَصلُه من ذلك لأَنه يَعْشُو إِليه كما يَعْشُو
إِلى النار؛ قال ساعدة بن جُؤَيَّة:
شِهابي الذي أَعْشُو الطريقَ بضَوْئِه
ودِرْعي، فَلَيلُ الناسِ بَعْدَك أَسْوَدُ
والعُشْوة: ما أُخِذَ من نارٍ ليُقْتَبس أَو يُسْتَضاءَ به. أَبو عمرو:
العُشْوة كالشُّعْلة من النارِ؛ وأَنشد:
حتى إِذا اشْتالَ سُهَيْلٌ بسَحَرْ،
كعُشْوةِ القابِسِ تَرْمي بالشَّرر
قال أَبو زيد: ابْغُونا عُشْوةً أَي ناراً نَسْتَضيءُ بها. قال أَبو
زيد: عَشِيَ الرجلُ عن حق أَصحابِه يَعْشَى عَشًى شديداً إِذا ظَلَمَهم، وهو
كقولك عَمِيَ عن الحق، وأَصله من العَشَا؛ وأَنشد:
أَلا رُبَّ أَعْشى ظالِمٍ مُتَخَمِّطٍ،
جَعَلْتُ بعَيْنَيْهِ ضِياءً، فأَبْصَرا
وقال: عَشِيَ عليَّ فلانٌ يَعْشَى عَشًى، منقوص، ظَلَمَني. وقال الليث:
يقال للرجال يَعْشَوْنَ، وهُما يَعْشَيانِ، وفي النساء هُنَّ يَعْشَيْن،
قال: لمَّا صارت الواو في عَشِيَ ياءً لكَسْرة الشين تُرِكَتْ في
يَعْشَيانِ ياءً على حالِها، وكان قِياسُه يَعْشَوَانِ فتَرَكوا القياس، وفي
تثنية الأَعْشى هما يَعْشَيانِ، ولم يقولوا يَعْشَوانِ لأَنَّ الواو لمَّا
صارت في الواحد ياءً لكَسْرة ما قَبْلَها تُرِكَت في التَّثْنية على
حالها، والنِّسْبة إِلى أَعْشى أَعْشَويٌّ، وإِلى العَشِيَّةِ
عَشَوِيٌّ.والعَشْوَةُ والعُشْوَةُ والعِشْوَةُ: رُكوبُ الأَمْر على غير بيانٍ.
وأَوْطأَني عَشْوَةً وعِشْوَةً وعُشْوة: لبَسَ عليَّ، والمعنى فيه أَنه
حَمَله على أَن يَرْكَب أَمراً غيرَ مُسْتَبينِ الرشد فرُبَّما كان فيه
عَطَبُه، وأَصله من عَشْواءِ الليل وعُشْوَتِه مثلُ ظَلْماءِ الليل
وظُلْمَته، تقول: أَوْطَأْتَني عَشْوَةً أَي أَمْراً مُلْتَبِساً، وذلك إِذا
أَخْبَرْتَه بما أَوْقَعْتَه به في حَيْرَةٍ أَو بَلِيَّة. وحكى ابن بري عن
ابن قتيبة: أَوطَأْته عَشْوة أَي غَرَرْته وحَمَلْته على أَن يَطَأَ ما لا
يُبْصِرُه فرُبَّما وقع في بِئْرٍ. وفي حديث علي، كرم الله وجهه: خَبَّاط
عَشَوات أَي يَخْبِطُ في الظَّلامِ والأَمر المُلْتَبِس فيَتَحَيَّر.
وفي الحديث: يا مَعْشَرَ العَرَب احْمَدُوا اللهَ الذي رَفَعَ عنكمُ
العُشْوَةَ؛ يريد ظُلْمة الكُفْرِ كُلَّما ركِبَ الإِنسانُ أَمراً بجَهْلٍ لا
يُبْصرُ وجْهَه، فهو عُشْوة من عُشْوة اللَّيْلِ، وهو ظُلْمة أَوَّله.
يقال: مَضى من اللَّيْلِ عَشْوة، بالفتح، وهو ما بين أَوَّلِه إِلى رُبْعه.
وفي الحديث: حتى ذَهَبَ عَشْوَةٌ من اللَّيْلِ. ويقال: أَخَذْتُ عَلَيْهم
بالعَشْوة أَي بالسَّوادِ من اللَّيل. والعُشوة، بالضم والفتح والكسر:
الأَمْرُ المُلْتَبس. وركب فلانٌ العَشْواءَ إِذا خَبَطَ أَمرَه على غيرِ
بَصِيرة. وعَشْوَةُ اللَّيْلِ والسَّحَر وعَشْواؤه: ظُلْمَتُه. وفي حديث
ابن الأكوع: فأَخَذَ عَلَيْهِمْ بالعَشْوةِ أَي بالسَّوادِ من اللَّيْلِ،
ويُجْمَع على عَشَواتٍ. وفي الحديث: أَنه، عليه السلام، كان في سَفَر
فاعْتَشى في أَوَّلِ اللَّيْلِ أَي سار وقتَ العِشاء كما يقال اسْتَحَر
وابْتَكَر.
والعِشاءُ: أَوَّلُ الظَّلامِ من اللَّيْلِ، وقيل: هو من صلاةِ
المَغْرِب إِلى العَتَمة. والعِشاءَانِ: المَغْرِب والعَتَمة؛ قال الأَزهري: يقال
لصلاتي المَغْرِب والعِشاءِ العِشاءَانِ، والأَصلُ العِشاءُ فغُلِّبَ
على المَغْرِب، كما قالوا الأَبَوان وهما الأَبُ والأُمُّ، ومثله كثير.
وقال ابن شميل: العِشاءُ حينَ يُصَلّي الناسُ العَتَمة؛ وأَنشد:
ومحوّل مَلَثَ العِشاءِ دَعَوْتُه،
والليلُ مُنْتَشِرُ السَّقِيط بَهِيمُ
(* قوله« ومحوّل» هكذا في الأصل.)
قال الأَزهري: صَلاةُ العِشاءِ هي التي بعدَ صلاةِ المَغْرِب، ووَقْتُها
حينَ يَغِيبُ الشَّفَق، وهو قوله تعالى: ومن بعد صلاةِ العِشاءِ.
وأَما العَشِيُّ فقال أَبو الهيثم: إِذا زالت الشَّمْسُ دُعِي ذلك
الوقتُ العَشِيَّ، فَتَحَوَّلَ الظلُّ شَرْقِيّاً وتحوَّلت الشمْسُ غَرْبيَّة؛
قال الأَزهري: وصلاتا العَشِيِّ هما الظُّهْر والعَصْر. وفي حديث أَبي
هريرة، رضي الله عنه: صلى بنا رسولُ الله، صلى الله عليه وسلم، إحْدى
صلاتَي العشيِّ، وأَكْبَرُ ظَني أَنها العَصْر، وساقه ابن الأَثير فقال: صَلى
بنا إحْدى صلاتي العَشِيِّ فسَلَّم من اثْنَتَيْن، يريدُ صلاةَ الظُّهْر
أَو العَصْر؛ وقال الأَزهري: يَقَع العشيُّ على ما بَيْنَ زَوالِ
الشمْسِ إلى وَقْت غُروبها، كل ذلك عَشِيٌّ، فإذا غابَتِ الشَّمْسُ فهو
العِشاءُ، وقيل: العَشِيُّ منْ زَوالِ الشَّمْس إِلى الصَّباح، ويقال لِما بين
المَغْرِب والعَتَمة: عِشاءٌ؛ وزعم قوم أَنَّ العشاء من زَوال الشمس إِلى
طُلوع الفَجْر، وأَنشدوا في ذلك:
غَدَوْنا غَدْوَةً سَحَراً بليْلٍ
عِشاءً، بعدَما انْتَصف النَّهارُ
وجاء عَشْوةَ أَي عِشاءً، لا يتمكَّن؛ لا تقول مضتْ عَشْوَةٌ.
والعَشِيُّ والعَشِيَّةُ: آخرُ النهار، يقال: جئتُه عَشِيَّةً وعَشِيَّةً؛ حكى
الأَخيرةَ سيبويه. وأَتَيْتُه العَشِيَّةَ: ليوْمِكَ، وآتيه عَشِيَّ غدٍ،
بغير هاءٍ، إِذا كان للمُسْتَقبل، وأَتَيتك عَشِيّاً غير مضافٍ، وآتِيه
بالعَشِيِّ والغد أَي كلَّ عَشيَّة وغَداةٍ، وإِني لآتيه بالعشايا
والغَدايا. وقال الليث: العَشِيُّ، بغير هاءٍ، آخِرُ النهارِ، فإِذا قلت عَشية فهو
لِيوْم واحدٍ، يقال: لقيته عَشِيَّةَ يوم كذا وكذا، ولَقِيته عَشِيَّةَ
من العَشِيّات، وقال الفراء في قوله تعالى: لم يَلْبَثُوا إِلاَّ
عَشِيَّة أَو ضُحاها، يقول القائلُ: وهل للعَشِيَّة ضُحًى؟ قال: وهذا جَيِّد من
كلام العرب، يقال: آتِيك العَشِيَّةَ أَو غداتَها، وآتيك الغَداةَ أَو
عَشِيَّتَها، فالمعنى لم يَلْبثوا إِلاَّ عَشِيَّة أَو ضُحى العَشِيَّة،
فأَضاف الضُّحى إِلى العَشِيَّة؛ وأَما ما أَنشده ابن الأَعرابي:
أَلا لَيتَ حَظِّي من زِيارَةِ أُمِّيَهْ
غَدِيَّات قَيْظٍ، أَو عَشِيَّات أَشْتِيَهْ
فإِنه قال: الغَدَوات في القَيْظ أَطْوَلُ وأَطْيَبُ، والعَشِيَّاتُ في
الشِّتاءِ أَطولُ وأَطيبُ، وقال: غَدِيَّةٌ وغَدِيَّات مثلُ عَشِيَّةٍ
وعَشِيَّات، وقيل: العَشِيُّ والعَشِيَّة من صلاةِ المَغْرِب إلى
العَتمة، وتقول: أَتَيْتُه عَشِيَّ أَمْسِ وعَشِيَّة أَمْسِ. وقوله تعالى: ولهمْ
رزْقُهمْ فيها بُكرَةً وعَشِيَّاً، وليسَ هُناك بُكْرَةٌ ولا عَشِيٌّ
وإنما أَراد لهُم رزْقُهُم في مِقْدار، بين الغَداةِ والعَشِيِّ، وقد جاء
في التَّفْسِير: أَنَّ معْناه ولهُمْ رِزْقُهُم كلَّ ساعةٍ، وتصٌغِيرُ
العَشِيِّ عُشَيْشِيانٌ، على غير القياس، وذلك عند شَفىً وهو آخِرُ ساعةٍ من
النَّهار، وقيل: تصغير العَشِيِّ عُشَيَّانٌ، على غير قياس مُكَبَّره،
كأنهم صَغَّروا عَشيْاناً، والجمع عُشَيَّانات. ولَقِيتُه عُشَيْشِيَةً
وعُشَيْشِيَاتٍ وعُشَيْشِياناتٍ وعُشَيَّانات، كلُّ ذلك نادر، ولقيته
مُغَيْرِبانَ الشَّمْسِ ومُغَيْرِباناتِ الشَّمْسِ. وفي حديث جُنْدَب
الجُهَني: فأَتَيْنا بَطْنَ الكَديد فنَزَلْنا عُشَيْشِيَةً، قال: هي تصغير
عَشِيَّة على غير قياس، أُبْدلَ من الياء الوُسْطى شِينٌ كأَنّ أَصلَه
عُشَيِّيةً. وحكي عن ثعلب: أَتَيْتُه عُشَيْشَةً وعُشَيْشِياناً وعُشيَّاناً،
قال: ويجوز في تَصْغيرِ عَشِيَّةٍ عُشَيَّة وعُشَيْشِيَةٌ. قال الأَزهري:
كلام العرب في تصغير عَشِيَّة عُشَيْشِيَةٌ، جاء نادراً على غير قياس،
ولم أَسْمَع عُشَيَّة في تصغير عَشيَّة، وذلك أَنَّ عُشَيَّة تصْغِيرُ
العَشْوَة، وهو أَولُ ظُلْمة الليل، فأَرادوا أَن يَفْرُقوا بين تصغير
العَشِيَّة وبين تَصغير العَشْوَة؛ وأَمَّا ما أَنشده ابن الأَعرابي من
قوله:هَيْفاءُ عَجْزاءُ خَرِيدٌ بالعَشِي،
تَضْحَكُ عن ذِي أُشُرٍ عَذْبٍ نَقِي
فإنه أَراد باللَّيل، فإمَّا أَن يكون سَمَّى الليلَ عَشِياً لمَكانِ
العِشاء الذي هو الظلمة، وإمَّا أَن يكون وضع العَشِيَّ موضِعَ الليل
لقُرْبِه منه من حيث كانَ العَشِيُّ آخِرَ النَّهار، وآخرُ النَّهارِ
مُتَّصِلٌ بأَوَّل الليل، وإنما أَرادَ الشاعرُ أَنْ يُبالغَ بتَخَرُّدِها
واسْتِحيائِها لأنَّ الليلَ قد يُعْدَمُ فيه الرُّقَباءُ والجُلَساءُ، وأَكثرُ
من يُسْتَحْيا منه، يقول: فإذا كان ذلك مع عدم هَؤُلاء فما ظَنُّكَ
بتَخَرُّدِها نَهاراً إذا حَضَرُوا ؟ وقد يجوز أَن يُعْنَى به اسْتِحياؤها عند
المُباعَلَة لأَنَّ المُباعَلَة أَكثرُ ما تكون لَيْلاً. والعِشْيُ:
طَعامُ العَشىّ والعِشاءِ، قلبت فيه الواوُ ياءً لقُرْب الكسرة. والعَشاءُ:
كالعِشْيِ، وجَمعه أَعْشِيَة. وعَشِيَ الرجلُ يَعْشَى وعَشا
وتَعَشَّى،كلُّه: أَكلَ العَشاء فهو عاشٍ. وعَشَّيْتِ الرجلَ إذا أَطْعَمته العَشاءَ،
وهو الطعام الذي يُؤكَلُ بعد العِشاء. ومنه قول النبي، صلى الله عليه
وسلم إذا حَضَر العَشاءُ والعِشاءُ فابْدَؤوا بالعَشاءِ؛ العَشاء، بالفتح
والمدِّ: الطعامُ الذي يؤكَلُ عند العِشاء، وهو خِلاف الغَداءِ وأَزاد
بالعِشاءِ صلاةَ المغرب، وإنما قدَّم العَشاء لئلاَّ يَشْتَغِل قلْبُه به
في الصلاة، وإنما قيل انها المغرب لأنها وقتُ الإفطارِ ولِضِيقِ وقتِها.
قال ابن بري: وفي المثل سَقَطَ العَشاءُ به على سِرْحان؛ يضرب للرجُلِ
يَطْلُب الأمر التَّافِه فيقَع في هَلَكةٍ، وأَصله أَنَّ دابَّة طَلبَت
العَشاءَ فَهَجََمَتْ على أَسَدٍ. وفي حديث الجمع بعَرفة: صلَّى الصَّلاتَيْن
كلُّ صلاةٍ وحْدها والعَشاءُ بينهما أَي أَنه تَعَشَّى بين
الصَّلاتَيْن. قال الأصمعي: ومن كلامهم لا يَعْشَى إلا بعدما يَعْشُو أَي لا يَعْشَى
إلا بعدما يَتَعَشَّى . وإذا قيل: تَعَشَّ، قلتَ: ما بي من تَعَشٍّ أَي
احتياج إلى العَشاءِ، ولا تقُلْ ما بي عَشاءٌ. وعَشَوْتُ أَي
تَعَشَّيْتُ. ورجلٌ عَشْيانٌ: مُتَعَشٍّ، والأَصل عَشْوانٌ، وهو من باب أَشاوَى في
الشُّذُوذِ وطَلَب الخِفَّة. قال الأزهري: رجلٌ عَشْيان وهو من ذوات
الواوِ لأنه يقال عَشَيته وعَشَوته فأَنا أَعْشُوه أَي عَشَّيْته، وقد عشِيَ
يعشَى إذا تَعشَّى. وقال أَبو حاتم: يقال من الغَداء والعَشاء رجلٌ غَدْيان
وعَشْيان، والأصل غَدْوان وعَشْوان لأنَّ أَصْلَهُما الواوُ، ولكن
الواوُ تُقْلَب إلى الياء كثيراً لأن الياء أَخفُّ من الواوِ. وعَشاه عَشْواً
وعَشْياً فتَعَشَّى: أَطْعَمَهُ العَشاءَ، الأَخيرةُ نادرةٌ؛ وأَنشد ابن
الأعرابي:
قَصَرْنا عَلَيْه بالمَقِيظِ لِقاحَنَا،
فَعَيَّلْنَه من بَينِ عَشْيٍ وتَقْييلِ
(* قوله «فعيلنه إلخ» هكذا في الأصول.)
وأَنشد ابن بري لقُرْط بن التُّؤام اليشكري:
كاتَ ابنُ أَسْماءَ يَعْشُوه ويَصْبَحُه
من هَجْمَةٍ، كفَسِيلِ النَّخلِ دُرَّارِ
وعَشَّاهُ تَعْشِية وأَعْشاه: كَعَشاه قال أَبو ذؤيب:
فأَعْشَيْتُه، من بَعدِ ما راثَ عِشْيُهُ،
بسَهْمٍ كسَيْرِ التَّابِرِيَّةِ لَهْوَقِ
عدّاه بالباء في معنى غَذََّيْتُه. وعَشَّيْتُ الرجُل: أَطْعَمْتُهُ
العَشاءَ. ويقال: عَشِّ إِبِلَكَ ولا تَغْتَرَّ؛ وقوله:
باتَ يُعَشِّيها بِعَضْبٍ باتِرِ،
يَقْصِدُ في أَسْؤُقِها، وجائِرِ
أَي أَقامَ لهَا السَّيْفَ مُقامَ العَشاءِ. الأَزهري: العِشْيُ ما
يُتَعَشَّى به، وجَْمْعه أَعْشاء؛ قال الحُطَيْئة:
وقَدْ نَظَرْتُكُمُ أَعْشاءَ صادِرَةٍ
للْخِمْسِ، طالَ بها حَوْزي وتَنْساسِي
قال شمر: يقولُ انْتَظَرْتُكُمُ انْتِظارَ إبِلٍ خَوامِسَ لأَنَّها إذا
صَدَرَتْ تَعَشَّت طَويلاً، وفي بُطونِها ماءٌ كثيرٌ، فهي تَحْتاجُ إلى
بَقْلٍ كَثِيرٍ، وواحدُ الأَعْشاء عِشْيٌ. وعِشْيُ الإبلِ: ما تَتَعشَّاه،
وأَصلُه الواو. والعَواشِي: الإبل والغَنم التي تَرْعَى بالليلِ، صِفَةٌ
غالبَةٌ والفِعْلُ كالفِعْل؛ قال أَبو النجم:
يَعْشَى، إذا أَظْلَم، عن عَشائِه،
ثم غَدَا يَجْمَع من غَدائِهِ
يقول: يَتَعَشَّى في وقت الظُّلْمة. قال ابن بري: ويقال عَشِيَ بمعنى
تَعَشَّى. وفي حديث ابن عمر: ما مِنْ عاشِيَةٍ أَشَدَّ أَنَقاً ولا أَطْولَ
شِبَعاً مِنْ عالِمٍ مِن عِلْمٍ؛ العاشية: التي تَرْعَى بالعَشِيِّ من
المَواشِي وغيرِها. يقال: عَشِيَت الإبلُ و وتَعَشَّتْ؛ المعنى: أَنَّ
طالِبَ العِلْمِ لا يكادُ يَشْبَعُ منه، كالحديث الآخر: مَنْهُومانِ لا
يَشْبَعانِ: طالِبُ عِلْمٍ وطالِبُ دُنْيا. وفي كتاب أَبي موسى: ما مِنْ
عاشِية أَدوَمُ أَنقاً ولا أَبْعَدُ مَلالاً من عاشيةِ عِلْمٍ. وفسره فقال:
العَشْوُ إتْيانُكَ ناراً تَرْجُو عندَها خيراً. يقال: عَشَوْتُه
أَعْشُوه، فأَنا عاشٍ من قوم عاشِية، وأراد بالعاشية هَهُنا طالبي العِلْمِ
الرَّاجينَ خيرَه ونَفْعَه. وفي المثل: العاشِيةُ تَهِيجُ الآبِيَةَ أَي إذا
رَأتِ التي تأَبَى الرَّعْيَ التي تَتَعَشَّى هاجَتْها للرَّعْي فرَعَتْ
معها؛ وأنشد:
تَرَى المِصَكَّ يَطْرُدُ العَواشِيَا:
جِلَّتَها والأُخرَ الحَواشِيَا
وبَعِيرٌ عَشِيٌّ: يُطِىلُ العَشاءَ؛ قال أَعْرابيٌّ ووصف بَعىرَه:
عريضٌ عَروُضٌ عَشِيٌّ عَطُوّ
وعَشا الإبلَ وعَشَّاها: أَرْعاها ليلا. وعَشَّيْتُ الإبلَ إذا
رَعَيْتَها بعد غروب الشمس. وعَشِيَت الإبلُ تَعْشَى عشًى إذا تَعشَّت، فهي
عاشِية. وجَمَلٌ عَشٍ وناقة عَشِيَة: يَزيدان على الإبلِ في العَشاء، كلاهُما
على النَّسَب دون الفعل؛ وقول كُثَيِّر يصف سحاباً:
خَفِيٌّ تَعَشَّى في البحار ودُونَه،
من اللُّجِّ، خُضْرٌ مُظْلِماتٌ وسُدَّفُ
إنما أَراد أَنَّ السحابَ تَعَشَّى من ماء البحر، جَعَلَه كالعَشاءِ له؛
وقول أُحَيْحَةَ بنِ الجُلاح:
تَعَشَّى أَسافِلُها بالجَبُوب،
وتأْتي حَلُوبَتُها من عَل
يعني بها النخل، يعني أَنها تَتَعَشَّى من أَسفل أَي تَشْرَبُ الماءَ
ويأْتي حَمْلُها من فَوْقُ، وعَنى بِحَلُوبَتِها حَمْلَها كأَنه وَضَعَ
الحَلُوبة موضعَ المَحْلُوب. وعَشِيَ عليه عَشًى: ظَلَمه. وعَشَّى عن
الشيء: رَفَقَ به كَضَحَّى عنه. والعُشْوان: ضَرْبٌ من التَّمْرِ أَو
النَّخْلِ. والعَشْواءُ، مَمْدودٌ: صربٌ من متأخِّر النخلِ حَمْلاً.
عسجد: العَسْجَدُ: الذهب؛ وقيل: هو اسم جامع للجوهر كله من الدرّ
والياقوت. وقال ثعلب: اختلف الناس في العسجد؛ فروى أَبو نصر عن الأَصمعي في
قوله:
إِذا اصْطَكّتْ بِضيقٍ حُجْرَتاها،
تلاقى العَسْجَدِيَّةُ واللَّطيمُ
قال: العسجدية منسوبة إِلى سوق يكون فيها العسجد وهو الذهب؛ وروى ابن
الأَعرابي عن المفضل أَنه قال: العسجدية منسوبة إِلى فحل كريم يقال له
عَسْجَد؛ قال وأَنشده الأَصمعي:
بَنونَ وهَجْمَةٌ، كأَشاءِ بُسٍّ،
تحلّي العَسْجَدِيَّة واللَّطِيمِ
(* قوله «بنون إلخ» بياقوت بدل المصراع الثاني ما نصه «صفايا كنة الابار
كوم» فالظاهر أَن ما هنا عجز بيت آخر).
قال: العسجد الذهب، وكذلك العِقْيانُ، والعَسْجَدية ركاب الملوك، وهي
إِبل كانت تزين للنعمان. وقال أَبو عبيدة: العسجدية ركاب الملوك التي تحمل
الدِّقَّ الكثير الثمن ليس بجاف. واللَّطيمةُ: سوق فيها بَزُّ وطِيبٌ.
ويقال: أَعظمُ لَطِيمَةٍ من مِسْك أَي قطعة. وقال المازني: في العسجدية
قولان: أَحدهما تلاقى أَولادُ عَسْجَدٍ وهو البعير الضخم؛ ويقال: الإِبل
تَحْمِل العسجد وهو الذهب؛ ويقال: اللطيم الصغير من الإِبل سمي لطيماً لأَن
العرب كانت تأْخذ الفصيل إِذا صار له وقت من سنه، فتقبلُ به سهيلاً إِذا
طلع ثم تَلْطِمُ خدَّه، ويقال له: اذهب لا تذق بعدها قطرة.
والعَسْجَدِيَّةُ: العِيرُ التي تحمل الذهب والمال، وقيل: هي كبار الإِبل.
والعَسْجَدُ: من فحول الإِبل، معروف، وهو العسجدي أَيضاً كأَنه من إِضافة الشيءِ
إِلى نفسه؛ قال النابغة:
فِيهمْ بَناتُ العَسْجَدِيّ ولاحِقٍ،
وُرْقاً مراكِلُها من المِضْمارِ
الجوهري: العسجدية في قول الأَعشى:
فالعَسْجَدِيَّةُ فالأَبْواءُ فالرِّجَلُ
اسم موضع. الأَزهري: العسجدي اسم فرس لبني أَسَدٍ من نِتاج الدِّيناريّ
بن الهُمَيْسِ بن زاد الركب. الجوهري: العسجد هو أَحد ما جاءَ من الرباعي
بغير حرْف ذَوْلَقيٍّ، والحروف الذَّوْلَقِيَّةُ ستة: ثلاثة من طَرف
اللسان وهي الراء واللام والنون، وثلاثة شَفَهِيَّة وهي الباء والفاء
والميم، ولا نجد كلمة رباعية أَو خماسية إِلا وفيها حرف أَو حرفان من هذه الستة
أَحرف، إِلا ما جاءَ نحو عسجد وما أَشبهه.
أبق: الإباقُ: هرَبُ العبيد وذَهابهم من غير خوف ولا كدِّ عمل ،قال:
وهذا الحكم فيه أَن يُردّ، فإذا كان من كدّ عمل أَو خوف لم يردّ. وفي حديث
شريح: كان يَرُدُّ العبدَ من الإباق الباتِّ أي القاطع الذي لا شُبهة فيه.
وقد أَبَقَ أي هربَ. وفي الحديث: أَن عبداً لابن عمر، رضي الله عنهما،
أَبَق فلحِق بالروم. ابن سيده: أَبَقَ يَأْبِق ويأْبُق أَبْقاً وإباقاً،
فهو آبق، وجمعه أُبَّاقٌ. وأَبَقَ وتأَبَّقَ: استخفى ثم ذهب؛ قال
الأَعشى:فذاك ولم يَعْجِزْ من الموتِ رَبُّه،
ولكنْ أَتاه الموتُ لا يتَأَبَّقُ
الأَزهري: الإباقُ هرَبُ العبد من سيده. قال الله تعالى في يونس، عليه
السلام، حين نَدَّ في الأَرض مُغاضِباً لقومه: إذ أَبَقَ إلى الفُلْك
المَشْحُون. وتأَبَّق: استترَ، ويقال احتبس؛ وروى ثعلب أَنَّ ابن الأَعرابي
أَنشده:
أَلا قالتْ بَهانِ ولم تأَبَّقْ:
كَبِرْتَ ولا يَلِيقُ بك النَّعيمُ
قال: لم تأَبَّق إذا لم تأَثَّم من مقالتها، وقيل: لم تأَبَّق لم
تأْنَف؛ قال ابن بري: البيت لعامر بن كعب بن عمرو بن سعد، والذي في شعره: ولا
يَلِيطُ، بالطاء، وكذلك أَنشده أَبو زيد؛ وبعده:
بَنُون وهَجْمةٌ كأَشاء بُسٍّ،
صَفايا كَثَّةُ الأَوْبارِ كُومُ
قال أبو حاتم: سأَلت الأَصمعي عن قوله ولم تأَبَّق فقال: لا أَعرفه؛
وقال أَبو زيد: لم تأَبَّق لم تبعد مأْخوذ من الإباق، وقيل لم تستخفِ أَي
قالت علانية. والتأَبُّق: التواري، وكان الأَصمعي يرويه:
أَلا قالتْ حَذامِ وجارَتاها
وتأَبَّقت الناقة: حبَست لبنها.
والأَبَقُ، بالتحريك: القِنَّب، وقيل: قشره، وقيل: الحبل منه؛ ومنه قول
زهير:
القائدَ الخيلِ مَنْكُوباً دوابرُها،
قد أُحْكِمَت حَكماتِ القِدِّ والأَبَقا
والأَبَقُ: الكتَّان؛ عن ثعلب. وأَبَّاق: رجل من رُجَّازهم، وهو يكنى
أَبا قريبة.
عنج: عَنَجَ الشيءَ يَعْنِجُه: جَذَبه. وكلُّ شيء تَجْذِبه إِليك، فقد
عَنَجْتَه. وعَنَجَ رأْسَ البعير يَعْنِجُهُ ويَعْنُجُه عَنْجاً: جذبه
بِخِطامه حتى رفعه وهو راكب عليه. والعَنْجُ: أَن يَجْذِبَ راكبُ البعير
خِطامه قِبَلَ رأْسه حتى ربما لَزِمَ ذِفْرَاه بقادِمَة الرَّحْلِ. وفي
الحديث: أَن رجلاً سار معه على جمل فجعل يتقدّم القوم، ثم يَعْنِجُه حتى يصير
في أُخْرَياتِ القوم أَي يَجْذِبُ زِمامَه ليقف، من عَنَجَه يَعْنِجُه
إِذا عَطَفه، ومنه الحديث أَيضاً: وعَثَِرَت ناقته فَعَنَجَها بالزِّمام.
وفي حديث علي، كرم الله وجهه: كأَنه قِلْعُ دارِيٍّ عَنَجَه نُوتِيُّه
أَي عطفه مَلاَّحُه.
وأَعْنَجَتْ: كَفَّتْ؛ قال مليح الهذلي:
وأَبْصَرْتُهم، حتى إِذا ما تَقاذَفَتْ
صُهابيَّةٌ تُبْطِي مِراراً وتُعْنِجُ
والعِناج: ما عُنِجَ به. وعَنَجَ البعيرَ والناقةَ يَعْنِجُها عَنْجاً:
عطفَها.
والعَنْجُ، الرياضة؛ وفي المثل: عَوْدٌ يُعَلَّمُ العَنْجَ؛ يضرب مَثلاً
لمن أَخذ في تعلُّم شيء بعدما كَبِرَ؛ وقيل: معناه أَي يُرَاضُ فيردُّ
على رجليه، وقولهم: شيخٌ على عَنَجٍ أَي شيخ هَرِم على جمل ثقيل.
وعَنَجْتُ البَكْرَ أَعْنِجُه عَنْجاً إِذا ربطت خطامه في ذراعه
وقصرْته، وإِنما يفعل ذلك بالبَكْرِ الصغير إِذا رِيضَ، وهو مأْخوذ من عِناجِ
الدَّلْوِ. وعَنَجَةُ الهَوْدج: عِضادَته عند بابه يُشدُّ بها الباب.
والعَنَجُ، بلغة هُذَيْلٍ: الرجُل، وقيل هو بالغين معجمةً؛ قال
الأَزهري: ولم أَسمعه بالعين من أَحد يرجع إِلى علمه ولا أَدري ما صحته.
والعَنَجُ: جماعة الناس.
والعِنَاجُ: خَيْط أَو سَيْر يُشدّ في أَسفل الدلو ثم يُشَدُّ في
عُرْوتها أَو عَرْقُوَتِها، قال: وربما شد في إِحدى آذانها. وقيل: عِنَاجُ
الدلو عُرْوَة في أَسفل الغَرْب من باطن تشدُّ بوثاق إِلى أَعلى الكَرَبِ،
فإِذا انقطع الحبل أَمسك العِنَاجُ الدلو أَن يقع في البئر، وكل ذلك إِذا
كانت الدلو خفيفة، وهو إِذا كان في دَلْوٍ ثقيلة حبل أَو بطانٌ يشد تحتها،
ثم يشد إِلى العَرَاقي فيكون عوناً للْوَذَمِ فإِذا انقطعت الأَوْذام
أَمسكها العِنَاجُ؛ قال الحطيئة يمدح قوماً عقدوا لجارهم عهداً فَوَفَوْا
به ولم يخْفِرُوه:
قَوْمٌ، إِذا عَقَدُوا عَقْداً لجارِهِم،
شَدُّوا العِناجَ، وشَدُّوا فَوْقَه الكَرَبا
وهذه أَمثال ضربها لإِيفائهم بالعَهْد، والجمع أَعْنِجَة وعُنُجٌ؛ وقد
عَنَج الدلوَ يَعْنُجُها عَنْجاً: عَمِلَ لها ذلك، ويقال: إِني لأَرَى
لأَمرك عِناجاً أَي مِلاكاً، مأْخوذ مِن عِناج الدلو؛ وأَنشد الليث:
وبعضُ القولِ ليس له عِناجٌ،
كسَيلِ الماء ليس له إِتاءُ
وقولٌ لا عِناجَ له إِذا أُرسل على غير رويَّة. وفي الحديث: ان الذين
وافَوا الخَنْدَق من المشركين كانوا ثلاثة عساكر، وعِناجُ الأَمر إِلى أَبي
سفيان أَي أَنه كان صاحبهم ومُدَبِّرَ أَمْرهم والقائمِ بشُؤونهم، كما
يحمل ثِقَل الدَّلْوِ عناجُها.
ورجل مِعْنَجٌ: يعترض في الأُمور.
والعُنْجُوجُ: الرائِع من الخيل، وقيل: الجَوَاد، والجمع عَناجيجُ؛
فأَما قوله أَنشده ابن الأَعرابي:
إِنْ مَضَى الحَوْلُ، ولم آتِكُمُ
بِعَناجٍ، تَهْتَدِي أَحْوَى طِمِر
فإِنه يُروى بِعَناج وبعَناجِي؛ فمن رواه بِعَناجٍ فإِنه أَراد
بِعَناجِجَ أَي بِعَناجِيجَ، فحذف الياء للضرورة، فقال: بِعَناججَ ثم حَوَّل
الجيم الأَخيرة ياء فصار على وزن جَوَارٍ، فَنُوِّنَ لنقصان البناء، وهو من
محوَّل التضعيف؛ ومن رواه عَنَاجِي جعله بمنزلة قوله:
ولِضَفادِي جَمَّةٍ نَقانِقُ
أَراد عَنَاجِجَ كما أَراد ضفادِعَ. وقوله: تَهْتدِي أَحْوَى؛ يجوم أَن
يريد بأَحْوَى، فحذف وأَوْصَلَ، ويجوز أَن يريد بِعَناجيجَ حُوٍّ
طِمِرَّة تَهْتدي فوضع الواحد موضع الجمع، وقد استعملوا العَناجيجَ في الإِبل،
أَنشد ابن الأَعرابي:
إِذا هَجْمَةٌ صُهْبٌ عَناجيجُ زاحَمَتْ
فَتًى، عند جُرْدٍ طاحَ بين الطَّوَائح،
تُسَوِّدُ من أَربابها غيرَ سَيِّدٍ،
وتُصْلِحُ من أَحسابِهِم غيرَ صالح
أَي يُغلَبُ ويُقهَرُ لأَنه ليس له مِثلُها يفتخر بها ويجُودُ بها؛ قال
الليث: ويكون العُنْجُوجُ من النجائب أَيضاً. وفي الحديث: قيل: يا رسول
الله فالإِبِلُ؟ قال: تلك عَناجِيجُ الشياطين أَي مَطاياها، واحدها
عُنْجُوجٌ، وهو النجيب من الإِبل؛ وقيل: هو الطويل العنُق من الإِبل والخيل،
وهو من العَنْجِ العَطْفِ، وهو مَثَل ضربه لها؛ يريد أَنها يُسْرِعُ إِليها
الذُّعْرُ والنِّفار.
وأَعْنَجَ الرجل إِذا اشتكى عِناجَه؛ والعِناج: وجع الصُّلْبِ
والمَفاصِل.
والعُنْجَجُ: الضَّيْمَران من الرَّياحين؛ قال الأَزهري: ولم أَسمعه
لغير الليث؛ وقيل: هو الشاهِسْفَرَمُ.
والعَنَجْنَجُ: العظيم؛ وأَنشد أَبو عمرو لهميان السعدي:
عَنَجْنَجٌ شَفَلَّحٌ بَلَنْدَحُ
وأَما الذي ورد في حديث ابن مسعود: فلما وضعت رِجْلي على مُذَمَّرِ أَبي
جهل قال: اعلُ عَنِّجْ، فإِنه أَراد: اعْلُ عَنِّي، فأَبدل الياء جيماً.
بحر: البَحْرُ: الماءُ الكثيرُ، مِلْحاً كان أَو عَذْباً، وهو خلاف
البَرِّ، سمي بذلك لعُمقِهِ واتساعه، قد غلب على المِلْح حتى قَلّ في
العَذْبِ، وجمعه أَبْحُرٌ وبُحُورٌ وبِحارٌ. وماءٌ بَحْرٌ: مِلْحٌ، قَلَّ أَو
كثر؛ قال نصيب:
وقد عادَ ماءُ الأَرضِ بَحْراً فَزادَني،
إِلى مَرَضي، أَنْ أَبْحَرَ المَشْرَبُ العَذْبُ
قال ابن بري: هذا القولُ هو قولُ الأُمَوِيّ لأَنه كان يجعل البحر من
الماء الملح فقط. قال: وسمي بَحْراً لملوحته، يقال: ماءٌ بَحْرٌ أَي
مِلْحٌ، وأَما غيره فقال: إِنما سمي البَحْرُ بَحْراً لسعته وانبساطه؛ ومنه
قولهم إِن فلاناً لَبَحْرٌ أَي واسع المعروف؛ قال: فعلى هذا يكون البحرُ
للملْح والعَذْبِ؛ وشاهدُ العذب قولُ ابن مقبل:
ونحنُ مَنَعْنا البحرَ أَنْ يَشْرَبُوا به،
وقد كانَ مِنْكُمْ ماؤه بِمَكَانِ
وقال جرير:
أَعْطَوْا هُنَيْدَةَ تَحْدُوها ثمانِيَةٌ،
ما في عطائِهِمُ مَنٌَّ ولا سَرَفُ
كُوماً مَهارِيسَ مَثلَ الهَضْبِ، لو وَرَدَتْ
ماءَ الفُراتِ، لَكادَ البَحْرُ يَنْتَزِفُ وقال عديّ بن زيد:
وتَذَكَّرْ رَبِّ الخُوَرْنَقِ إِذْ أَشْـ
ـرَفَ يوماً، وللْهُدَى تَذْكِيرُ
سَرَّه مالُهُ وكَثْرَةُ ما يَمْـ
ـلِكُ، والبحرُ مُعْرِضاً والسَّدِيرُ
أَراد بالبحر ههنا الفرات لأَن رب الخورنق كان يشرِفُ على الفرات؛ وقال
الكميت:
أُناسٌ، إِذا وَرَدَتْ بَحْرَهُمْ
صَوادِي العَرائِبِ، لم تُضْرَبِ
وقد أَجمع أَهل اللغة أَن اليَمَّ هو البحر. وجاءَ في الكتاب العزيز:
فَأَلْقِيهِ في اليَمِّ؛ قال أَهل التفسير: هو نيل مصر، حماها الله تعالى.
ابن سيده: وأَبْحَرَ الماءُ صار مِلْحاً؛ قال: والنسب إِلى البحر
بَحْرانيٌّ على غير قياس. قال سيبويه: قال الخليل: كأَنهم بنوا الاسم على
فَعْلان. قال عبدا محمد بن المكرم: شرطي في هذا الكتاب أَن أَذكر ما قاله مصنفو
الكتب الخمسة الذين عينتهم في خطبته، لكن هذه نكتة لم يسعني إِهمالها.
قال السهيلي، رحمه الله تعالى: زعم ابن سيده في كتاب المحكم أَن العرب
تنسب إِلى البحر بَحْرانيّ، على غير قياس، وإِنه من شواذ النسب، ونسب هذا
القول إِلى سيبويه والخليل، رحمهما الله تعالى، وما قاله سيبويه قط، وإِنما
قال في شواذ النسب: تقول في بهراء بهراني وفي صنعاء صنعاني، كما تقول
بحراني في النسب إلى البحرين التي هي مدينة، قال: وعلى هذا تلقَّاه جميع
النحاة وتأَوَّلوه من كلام سيبويه، قال: وإِنما اشتبه على ابن سيده لقول
الخليل في هذه المسأَبة أَعني مسأَلة النسب إِلى البحرين، كأَنهم بنوا
البحر على بحران، وإِنما أَراد لفظ البحرين، أَلا تراه يقول في كتاب العين:
تقول بحراني في النسب إِلى البحرين، ولم يذكر النسب إِلى البحر أَصلاً،
للعلم به وأَنه على قياس جار. قال: وفي الغريب المصنف عن الزيدي أَنه قال:
إِنما قالوا بَحْرانيٌّ في النسب إِلى البَحْرَيْنِ، ولم يقولوا
بَحْرِيٌّ ليفرقوا بينه وبين النسب إلى البحر. قال: ومازال ابن سيده يعثر في هذا
الكتاب وغيره عثرات يَدْمَى منها الأَظَلُّ، ويَدْحَضُ دَحَضَات تخرجه
إِلى سبيل من ضل، أَلاّ تراه قال في هذا الكتاب، وذكر بُحَيْرَة طَبَرَيَّة
فقال: هي من أَعلام خروج الدجال وأَنه يَيْبَسُ ماؤُها عند خروجه،
والحديث إِنما جاء في غَوْرٍ زُغَرَ، وإِنما ذكرت طبرية في حديث يأْجوج
ومأْجوج وأَنهم يشربون ماءها؛ قال: وقال في الجِمَار في غير هذا الكتاب: إِنما
هي التي ترمي بعرفة وهذه هفوة لا تقال، وعثرة لا لَعاً لها؛ قال: وكم له
من هذا إِذا تكلم في النسب وغيره. هذا آخر ما رأَيته منقولاً عن السهيلي.
ابن سيده: وكلُّ نهر عظيم بَحْرٌ. الزجاج: وكل نهر لا ينقطع ماؤُه، فهو
بحر. قال الأَزهري: كل نهر لا ينقطع ماؤه مثل دِجْلَةَ والنِّيل وما
أَشبههما من الأَنهار العذبة الكبار، فهو بَحْرٌ. و أَما البحر الكبير الذي
هو مغيض هذه الأَنهار فلا يكون ماؤُه إِلاَّ ملحاً أُجاجاً، ولا يكون ماؤه
إِلاَّ راكداً؛ وأَما هذه الأَنهار العذبة فماؤُها جار، وسميت هذه
الأَنهار بحاراً لأَنها مشقوقة في الأَرض شقّاً. ويسمى الفرس الواسع الجَرْي
بَحْراً؛ ومنه قول النبي، صلى الله عليه وسلم، في مَنْدُوبٍ فَرَسِ أَبي
طلحة وقد ركبه عُرْياً: إِني وجدته بَحْراً أَي واسع الجَرْي؛ قال أَبو
عبيدة: يقال للفرس الجواد إِنه لَبَحْرٌ لا يُنْكَش حُضْرُه. قال الأَصمعي:
يقال فَرَسٌ بَحْرٌ وفَيضٌ وسَكْبٌ وحَثٌّ إِذا كان جواداً كثيرَ
العَدْوِ وفي الحديث: أَبى ذلك البَحرُ ابنُ عباس؛ سمي بحراً لسعة علمه
وكثرته.والتَّبَحُّرُ والاستِبْحَارُ: الانبساط والسَّعة.
وسمي البَحْرُ بَحْراً لاسْتبحاره، وهو انبساطه وسعته. ويقال: إِنما سمي
البَحْر بَحْراً لأَنه شَقَّ في الأَرض شقّاً وجعل ذلك الشق لمائه
قراراً. والبَحْرُ في كلام العرب: الشَّقُّ. وفي حديث عبد المطلب: وحفر زمزم
ثم بَحَرَها بَحراً أَي شقَّها ووسَّعها حتى لا تُنْزَفَ؛ ومنه قيل للناقة
التي كانوا يشقون في أُذنها شقّاً: بَحِيرَةٌ.
وبَحَرْتُ أُذنَ الناقة بحراً: شققتها وخرقتها. ابن سيده: بَحَرَ
الناقةَ والشاةَ يَبْحَرُها بَحْراً شقَّ أُذنها بِنِصْفَين، وقيل: بنصفين
طولاً، وهي البَحِيرَةُ، وكانت العرب تفعل بهما ذلك إِذا نُتِجَتا عشرةَ
أَبْطن فلا يُنْتَفَع منهما بلبن ولا ظَهْرٍ، وتُترك البَحِيرَةُ ترعى وترد
الماء ويُحَرَّمُ لحمها على النساء، ويُحَلَّلُ للرجال، فنهى الله تعالى
عن ذلك فقال: ما جَعَلَ اللهُ من بَحِيرَةٍ ولا سائبةٍ ولا وصِيلةٍ ولا
حامٍ؛ قال: وقيل البَحِيرَة من الإِبل التي بُحِرَتْ أُذنُها أَي شُقت
طولاً، ويقال: هي التي خُلِّيَتْ بلا راع، وهي أَيضاً الغَزِيرَةُ، وجَمْهُها
بُحُرٌ، كأَنه يوهم حذف الهاء. قال الأَزهري: قال أَبو إِسحق النحوي:
أَثْبَتُ ما روينا عن أَهل اللغة في البَحِيرَة أَنها الناقة كانت إِذا
نُتِجَتْ خَمْسَةَ أَبطن فكان آخرها ذكراً، بَحَرُوا أُذنها أَي شقوها
وأَعْفَوا ظهرها من الركوب والحمل والذبح، ولا تُحلأُ عن ماء ترده ولا تمنع من
مرعى، وإِذا لقيها المُعْيي المُنْقَطَعُ به لم يركبها. وجاء في الحديث:
أَن أَوَّل من بحر البحائرَ وحَمَى الحامِيَ وغَيَّرَ دِين إِسمعيل
عَمْرُو بن لُحَيِّ بن قَمَعَة بنِ جُنْدُبٍ؛ وقيل: البَحِيرَةُ الشاة إِذا
ولدت خمسة أَبطُن فكان آخرها ذكراً بَحَرُوا أُذنها أَي شقوها وتُرِكَت
فلا يَمَسُّها أَحدٌ. قال الأَزهري: والقول هو الأَوَّل لما جاء في حديث
أَبي الأَحوص الجُشَمِيِّ عن أَبيه أَن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال له:
أَرَبُّ إِبلٍ أَنتَ أَم ربُّ غَنَمٍ؟ فقال: من كلٍّ قد آتاني اللهُ
فأَكْثَرَ، فقال: هل تُنْتَجُ إِبلُك وافيةً آذانُها فَتَشُقُّ فيها وتقول
بُحُرٌ؟ يريد به جمع البَحِيرة. وقال الفرّاء: البَحِيرَةُ هي ابنة
السائبة، وقد فسرت السائبة في مكانها؛ قال الجوهري: وحكمها حكم أُمها. وحكى
الأَزهري عن ابن عرفة: البَحيرة الناقة إِذا نُتِجَتْ خمسة أَبطن والخامس
ذكر نحروه فأَكله الرجال والنساء، وإِن كان الخامس أُنثى بَحَروا أُذنها
أَي شقوها فكانت حراماً على النساء لحمها ولبنها وركوبها، فإِذا ماتت حلت
للنساء؛ ومنه الحديث: فَتَقَطَعُ آذانَها فتقُولُ بُحُرٌ؛ وأَنشد شمر لابن
مقبل:
فيه من الأَخْرَجِ المُرْتَاعِ قَرْقَرَةٌ،
هَدْرَ الدَّيامِيِّ وَسْطَ الهجْمَةِ البُحُرِ
البُحُرُ: الغِزارُ. والأَخرج: المرتاعُ المُكَّاءٌ. وورد ذكر البَحِيرة
في غير موضع: كانوا إِذا ولدت إِبلهم سَقْباً بَحَروا أُذنه أَي شقوها،
وقالوا: اللهم إِن عاش فَقَنِيٌّ، وإِن مات فَذَكيٌّ؛ فإِذا مات أَكلوه
وسموه البحيرة، وكانوا إِذا تابعت الناقة بين عشر إِناث لم يُرْكب ظهرُها،
ولم يُجَزّ وبَرُها، ولم يَشْرَبْ لَبَنَها إِلا ضَيْفٌ، فتركوها
مُسَيَّبَةً لسبيلها وسموَّها السائبة، فما ولدت بعد ذلك من أُنثى شقوا أُذنها
وخلَّوا سبيلها، وحرم منها ما حرم من أُمّها، وسَمّوْها البحِيرَةَ،
وجمعُ البَحِيرَةِ على بُحُرٍ جمعٌ غريبٌ في المؤنث إِلا أَن يكون قد حمله
على المذكر، نحو نَذِيرٍ ونُذُرٍ، على أَن بَحِيرَةً فعيلة بمعنى مفعولة
نحو قتيلة؛ قال: ولم يُسْمَعْ في جمع مثله فُعُلٌ، وحكى الزمَخْشري
بَحِيرَةٌ وبُحُرٌ وصَريمَةٌ وصُرُمٌ، وهي التي صُرِمَتْ أُذنها أَي
قطعت.واسْتَبْحَرَ الرجل في العلم والمال وتَبَحَّرَ: اتسع وكثر ماله.
وتَبَحَّرَ في العلم: اتسع. واسْتَبْحَرَ الشاعرُ إِذا اتَّسَعَ في القولِ؛ قال
الطرماح:
بِمِثْلِ ثَنائِكَ يَحْلُو المديح،
وتَسْتَبْحِرُ الأَلسُنْ المادِحَهْ
وفي حديث مازن: كان لهم صنم يقال له باحَر، بفتح الحاء، ويروى بالجيم.
وتَبَحَّر الراعي في رعْيٍ كثير: اتسع، وكلُّه من البَحْرِ لسعته.
وبَحِرَ الرجلُ إِذا رأَى البحر فَفَرِقَ حتى دَهِشَ، وكذلك بَرِقَ إِذا
رأَى سَنا البَرْقِ فتحير، وبَقِرَ إِذا رأَى البَقَرَ الكثيرَ، ومثله
خَرِقَ وعَقِرَ. ابن سيده: أَبْحَرَ القومُ ركبوا البَحْرَ.
ويقال للبَحْرِ الصغير: بُحَيْرَةٌ كأَنهم توهموا بَحْرَةً وإِلا فلا
وجه للهاء، وأَما البُحَيْرَةُ التي في طبرية وفي الأَزهري التي بالطبرية
فإِنها بَحْرٌ عظيم نحو عشرة أَميال في ستة أَميال وغَوْرُ مائها، وأَنه
(* قوله «وغور مائها وأنه إلخ» كذا بالأَصل المنسوب للمؤلف وهو غير تام).
علامة لخروج الدجال تَيْبَس حتى لا يبقى فيها قطرة ماء، وقد تقدم في هذا
الفصل ما قاله السهيلي في هذا المعنى.
وقوله: يا هادِيَ الليلِ جُرْتَ إِنما هو البَحْرُ أَو الفَجْرُ؛ فسره
ثعلب فقال: إِنما هو الهلاك أَو ترى الفجر، شبه الليل بالبحر. وقد ورد ذلك
في حديث أَبي بكر، رضي الله عنه: إِنما هو الفَجْرُ أَو البَجْرُ، وقد
تقدم؛ وقال: معناه إِن انتظرت حتى يضيء الفجر أَبصرب الطريق، وإِن خبطت
الظلماء أَفضت بك إِلى المكروه. قال: ويروى البحر، بالحاء، يريد غمرات
الدنيا شبهها بالبحر لتحير أَهلها فيها.
والبَحْرُ: الرجلُ الكريمُ الكثيرُ المعروف. وفَرسٌ بَحْرٌ: كثير
العَدوِ، على التشبيه بالبحر. والبَحْرُ: الرِّيفُ، وبه فسر أَبو عليّ قوله عز
وجل: ظهر الفساد في البَرِّ والبَحْرِ؛ لأَن البحر الذي هو الماء لا يظهر
فيه فساد ولا صلاح؛ وقال الأَزهري: معنى هذه الآية أَجدب البر وانقطعت
مادة البحر بذنوبهم، كان ذلك ليذوقوا الشدَّة بذنوبهم في العاجل؛ وقال
الزجاج: معناه ظهر الجدب في البر والقحط في مدن البحر التي على الأَنهار؛
وقول بعض الأَغفال:
وأَدَمَتْ خُبْزِيَ من صُيَيْرِ،
مِنْ صِيرِ مِصْرَيْنِ، أَو البُحَيْرِ
قال: يجوز أَن يَعْني بالبُحَيْرِ البحر الذي هو الريف فصغره للوزن
وإقامة القافية. قال: ويجوز أَن يكون قصد البُحَيْرَةَ فرخم اضطراراً. وقوله:
من صُيَيْر مِن صِيرِ مِصْرَيْنِ يجوز أَن يكون صير بدلاً من صُيَيْر،
بإِعادة حرف الجر، ويجوز أَن تكون من للتبعيض كأَنه أَراد من صُيَيْر كائن
من صير مصرين، والعرب تقول لكل قرية: هذه بَحْرَتُنا. والبَحْرَةُ:
الأَرض والبلدة؛ يقال: هذه بَحْرَتُنا أَي أَرضنا. وفي حديث القَسَامَةِ:
قَتَلَ رَجُلاً بِبَحْرَةِ الرِّعاءِ على شَطِّ لِيَّةَ، البَحْرَةُ:
البَلْدَةُ. وفي حديث عبدالله بن أُبيّ: اصْطَلَحَ أَهلُ هذه البُحَيْرَةِ أَن
يَعْصِبُوه بالعِصَابَةِ؛ البُحَيْرَةُ: مدينة سيدنا رسولُ الله، صلى
الله عليه وسلم، وهي تصغير البَحْرَةِ، وقد جاء في رواية مكبراً. والعربُ
تسمي المُدُنَ والقرى: البحارَ. وفي الحديث: وكَتَبَ لهم بِبَحْرِهِم؛ أَي
ببلدهم وأَرضهم. وأَما حديث عبدالله ابن أُبيّ فرواه الأَزهري بسنده عن
عُرْوَةَ أَن أُسامة ابن زيد أَخبره: أَن النبي، صلى الله عليه وسلم، ركب
حماراً على إِكافٍ وتحته قَطِيفةٌ فركبه وأَرْدَفَ أُسامةَ، وهو يعود سعد
بن عُبادَةَ، وذلك قبل وَقْعَةِ بَدْرٍ، فلما غشيت المجلسَ عَجاجَةُ
الدابة خَمَّرَ عبدُالله بنُ أُبيّ أَنْفَه ثم قال: لا تُغَبِّرُوا، ثم نزل
النبي، صلى الله عليه وسلم، فوقف ودعاهم إِلى الله وقرأَ القرآنَ، فقال
له عبدُالله: أَيها المَرْءُ إِن كان ما تقول حقّاً فلا تؤذنا في مجلسنا
وارجعْ إِلى رَحْلك، فمن جاءَك منَّا فَقُصَّ عليه؛ ثم ركب دابته حتى دخل
على سعد بن عبادة، فقال له: أَي سَعْدُ أَلم تسمعْ ما قال أَبو حُباب؟
قال كذا، فقال سعدٌ: اعْفُ واصفَحْ فوالله لقد أَعطاك اللهُ الذي أَعطاك،
ولقد اصطلح أَهلُ هذه البُحَيْرةِ على أَن يُتَوِّجُوه، يعني يُمَلِّكُوهُ
فَيُعَصِّبوه بالعصابة، فلما ردَّ الله ذلك بالحق الذي أَعطاكَ شَرِقَ
لذلك فذلك فَعَلَ به ما رأَيْتَ، فعفا عنه النبي، صلى الله عليه وسلم.
والبَحْرَةُ: الفَجْوَةُ من الأَرض تتسع؛ وقال أَبو حنيفة: قال أَبو نصر
البِحارُ الواسعةُ من الأَرض، الواحدة بَحْرَةٌ؛ وأَنشد لكثير في وصف
مطر:يُغادِرْنَ صَرْعَى مِنْ أَراكٍ وتَنْضُبٍ،
وزُرْقاً بأَجوارِ البحارِ تُغادَرُ
وقال مرة: البَحْرَةُ الوادي الصغير يكون في الأَرض الغليظة.
والبَحْرةُ: الرَّوْضَةُ العظيمةُ مع سَعَةٍ، وجَمْعُها بِحَرٌ وبِحارٌ؛ قال النمر
بن تولب:
وكأَنها دَقَرَى تُخايِلُ، نَبْتُها
أُنُفٌ، يَغُمُّ الضَّالَ نَبْتُ بِحارِها
(* قوله «تخايل إلخ» سيأتي للمؤلف في مادّة دقر هذا البيت وفيه تخيل بدل
تخايل وقال أي تلوّن بالنور فتريك رؤيا تخيل إليك أنها لون ثم تراها
لوناً آخر، ثم قطع الكلام الأول فقال نبتها أنف فنبتها مبتدأ إلخ ما
قال).الأَزهري: يقال للرَّوْضَةِ بَحْرَةٌ. وقد أَبْحَرَتِ الأَرْضُ إِذا
كثرت مناقع الماء فيها. وقال شمر: البَحْرَةُ الأُوقَةُ يستنقع فيها الماء.
ابن الأَعرابي: البُحَيْرَةُ المنخفض من الأَرض.
وبَحِرَ الرجلُ والبعيرُ بَحَراً، فهو بَحِرٌ إِذا اجتهد في العدوِ
طالباً أَو مطلوباً، فانقطع وضعف ولم يزل بِشَرٍّ حتى اسودَّ وجهه وتغير. قال
الفراء: البَحَرُ أَن يَلْغَى البعيرُ بالماء فيكثر منه حتى يصيبه منه
داء. يقال: بَحِرَ يَبْحَرُ بَحَراً، فهو بَحِرٌ؛ وأَنشد:
لأُعْلِطَنَّه وَسْماً لا يُفارِقُه،
كما يُجَزُّ بِحُمَّى المِيسَمِ البَحِرُ
قال: وإِذا أَصابه الداءُ كُويَ في مواضع فَيَبْرأُ. قال الأَزهري:
الداء الذي يصيب البعير فلا يَرْوَى من الماء، هو النِّجَرُ، بالنون والجيم،
والبَجَرُ، بالباء والجيم، وأَما البَحَرُ، فهو داء يورث السِّلَّ.
وأَبْحَرَ الرجلُ إِذا أَخذه السِّلُّ. ورجلٌ بَجِيرٌ وبَحِرٌ: مسْلُولٌ ذاهبُ
اللحم؛ عن ابن الأَعرابي وأَنشد:
وغِلْمَتي مِنْهُمْ سَحِيرٌ وبَحِرْ،
وآبقٌ، مِن جَذْبِ دَلْوَيْها، هَجِرْ
أَبو عمرو: البَحِيرُ والبَحِرُ الذي به السِّلُّ، والسَّحِيرُ: الذي
انقطعت رِئَتُه، ويقال: سَحِرٌ. وبَحِرَ الرجلُ. بُهِتَ. وأَبْحَرَ الرجل
إذا اشتدَّتْ حُمرةُ أَنفه. وأَبْحَرَ إِذا صادف إِنساناً على غير اعتمادٍ
وقَصدٍ لرؤيته، وهو من قولهم: لقيته صَحْرَةَ بَحْرَةَ أَي بارزاً ليس
بينك وبينه شيء.
والباحِر، بالحاء: الأَحمق الذي إِذا كُلِّمَ بَحِرَ وبقي كالمبهوت،
وقيل: هو الذي لا يَتَمالكُ حُمْقاً. الأَزهري: الباحِرُ الفُضولي، والباحرُ
الكذاب. وتَبَحَّر الخبرَ: تَطَلَّبه. والباحرُ: الأَحمرُ الشديدُ
الحُمرة. يقال: أَحمر باحرٌ وبَحْرانيٌّ. ابن الأَعرابي: يقال أَحْمَرُ
قانِئٌ وأَحمرُ باحِرِيٌّ وذَرِيحِيٌّ، بمعنى واحد. وسئل ابن عباس عن المرأَة
تستحاض ويستمرّ بها الدم، فقال: تصلي وتتوضأُ لكل صلاة، فإِذا رأَتِ
الدَّمَ البَحْرانيَّ قَعَدَتْ عن الصلاة؛ دَمٌ بَحْرَانيٌّ: شديد الحمرة
كأَنه قد نسب إِلى البَحْرِ، وهو اسم قعر الرحم، منسوب إِلى قَعْرِ الرحم
وعُمْقِها، وزادوه في النسب أَلِفاً ونوناً للمبالغة يريد الدم الغليظ
الواسع؛ وقيل: نسب إِلى البَحْرِ لكثرته وسعته؛ ومن الأَول قول العجاج:
وَرْدٌ من الجَوْفِ وبَحْرانيُّ
أَي عَبِيطٌ خالصٌ. وفي الصحاح: البَحْرُ عُمْقُ الرَّحِمِ، ومنه قيل
للدم الخالص الحمرة: باحِرٌ وبَحْرانيٌّ. ابن سيده: ودَمٌ باحِرٌ
وبَحْرانيٌّ خالص الحمرة من دم الجوف، وعم بعضُهم به فقال: أَحْمَرُ باحِرِيٌّ
وبَحْرَانيٌّ، ولم يخص به دم الجوف ولا غيره. وبَناتُ بَحْرٍ: سحائبُ يجئنَ
قبل الصيف منتصبات رقاقاً، بالحاء والخاء، جميعاً. قال الأَزهري: قال
الليث: بَناتُ بَحْرٍ ضَرْبٌ من السحاب، قال الأَزهري: وهذا تصحيف منكر
والصواب بَناتُ بَخْرٍ. قال أَبو عبيد عن الأَصمعي: يقال لسحائب يأْتين قبل
الصيف منتصبات: بَناتُ بَخْرٍ وبَناتُ مَخْرٍ، بالباء والميم والخاء، ونحو
ذلك قال اللحياني وغيره، وسنذكر كلاًّ منهما في فصله.
الجوهري: بَحِرَ الرجلُ، بالكسر، يَبْحَرُ بَحَراً إِذا تحير من الفزع
مثل بَطِرَ؛ ويقال أَيضاً: بَحِرَ إِذا اشتدَّ عَطَشُه فلم يَرْوَ من
الماء. والبَحَرُ أَيضاً: داءٌ في الإِبل، وقد بَحِرَتْ.
والأَطباء يسمون التغير الذي يحدث للعليل دفعة في الأَمراض الحادة:
بُحْراناً، يقولون: هذا يَوْمُ بُحْرَانٍ بالإِضافة، ويومٌ باحُوريٌّ على غير
قياس، فكأَنه منسوب إِلى باحُورٍ وباحُوراء مثل عاشور وعاشوراء، وهو
شدّة الحر في تموز، وجميع ذلك مولد؛ قال ابن بري عند قول الجوهري: إِنه مولد
وإِنه على غير قياس؛ قال: ونقيض قوله إِن قياسه باحِرِيٌّ وكان حقه أَن
يذكره لأَنه يقال دم باحِرِيٌّ أَي خالص الحمرة؛ ومنه قول المُثَقِّب
العَبْدِي:
باحِريُّ الدَّمِ مُرَّ لَحْمُهُ،
يُبْرئُ الكَلْبَ، إِذا عَضَّ وهَرّ
والباحُورُ: القَمَرُ؛ عن أَبي علي في البصريات له. والبَحْرانِ: موضع
بين البصرة وعُمانَ، النسب إِليه بَحْريٌّ وبَحْرانيٌّ؛ قال اليزيدي:
كرهوا أَن يقولوا بَحْريٌّ فتشبه النسبةَ إِلى البَحْرِ؛ الليث: رجل
بَحْرانيٌّ منسوب إِلى البَحْرَينِ؛ قال: وهو موضع بين البصرة وعُمان؛ ويقال: هذه
البَحْرَينُ وانتهينا إِلى البَحْرَينِ. وروي عن أَبي محمد اليزيدي قال:
سأَلني المهدي وسأَل الكسائي عن النسبة إِلى البحرين وإِلى حِصْنَينِ:
لِمَ قالوا حِصْنِيٌّ وبَحْرانيٌّ؟ فقال الكسائي: كرهوا أَن يقولوا
حِصْنائِيٌّ لاجتماع النونين، قال وقلت أَنا: كرهوا أَن يقولوا بَحْريٌّ فتشبه
النسبة إِلى البحر؛ قال الأَزهري: وإِنما ثنوا البَحْرَ لأَنَّ في ناحية
قراها بُحَيرَةً على باب الأَحساء وقرى هجر، بينها وبين البحر الأَخضر
عشرة فراسخ، وقُدِّرَت البُحَيرَةُ ثلاثةَ أَميال في مثلها ولا يغيض
ماؤُها، وماؤُها راكد زُعاقٌ؛ وقد ذكرها الفرزدق فقال:
كأَنَّ دِياراً بين أَسْنِمَةِ النَّقا
وبينَ هَذالِيلِ البُحَيرَةِ مُصْحَفُ
وكانت أَسماء بنت عُمَيْسٍ يقال لها البَحْرِيَّة لأَنها كانت هاجرت
إِلى بلاد النجاشي فركبت البحر، وكلُّ ما نسب إِلى البَحْرِ، فهو
بَحْريٌّ.وفي الحديث ذِكْرُ بَحْرانَ، وهو بفتح الباء وضمها وسكون الحاء، موضع
بناحية الفُرْعِ من الحجاز، له ذِكْرٌ في سَرِيَّة عبدالله بن جَحْشٍ.
وبَحْرٌ وبَحِيرٌ وبُحَيْرٌ وبَيْحَرٌ وبَيْحَرَةُ: أَسماء.
وبنو بَحْريّ: بَطْنٌ.
وبَحْرَةُ ويَبْحُرُ: موضعان. وبِحارٌ وذو بِحارٍ: موضعان؛ قال الشماخ:
صَبَا صَبْوَةً مِن ذِي بِحارٍ، فَجاوَرَتْ،
إِلى آلِ لَيْلى، بَطْنَ غَوْلٍ فَمَنْعَجِ
هزع: هَزَعَه يَهْزَعه هَزْعاً وهَزَّعه تَهْزِيعاً: كَسَّرَه
فانْهَزَعَ أَي انْكَسرَ وانْدَقَّ. وهَزَّعَه: دَقَّ عُنُقَه. وانْهَزَعَ عَظْمُه
انْهِزاعاً إِذا انْكَسَرَ وقُدَّ؛ وأَنشد:
لَفْتاً وتَهْزِيعاً سَواءَ اللَّفْتِ
أَي سَويَّ اللَّفتِ، ورجل مِهْزَعٌ وأَسدٌ مِهْزَعٌ من ذلك.
وهَزَّعْتُ الشيءَ: فَرَّقْتُهُ. وفي حديث علي، كرم الله وجهه: إِياكم
وتَهْزِيعَ الأَخْلاقِ وتَصَرُّفَها من قولهم هَزَّعْتُ الشيءَ تَهْزِيعاً
كَسَّرْتُه وفَرَّقْتُه.
والهَزِيعُ: صَدْرٌ من الليل. وفي الحديث: حتى مَضَى هَزِيعٌ من الليل
أَي طائِفةٌ منه نحو ثلثه وربعه، والجمع هُزُعٌ. ومضى هَزِيعٌ من الليل
كقولك مضى جَرْسٌ وَجَوْشٌ وهَدِيءٌ كله بمعنى واحد.
والتَّهَزُّعُ: شِبْه العُبُوس والتَّنَكُّر. يقال: تَهَزَّعَ فلان
لفلان، واشْتِقاقُه من هَزيعِ الليل، وتلك ساعةٌ وحْشِيَّةٌ. والهَزَعُ
والتَّهَزُّع: الاضْطِرابُ. تَهَزَّعَ الرُّمْحُ: اضْطَرَبَ واهْتَزَّ.
واهْتِزاعُ القَناةِ والسَّيْفِ: اهْتِزازُهما إِذا هُزَّا. وتَهَزَّعَتِ
المرأَةُ: اضْطَرَبَتْ في مَشْيَتِها؛ قال:
إِذا مَشَتْ سالَتْ، ولم تَقَرْصَعِ،
هَزَّ القَناةِ لَدْنةِ التَّهَزُّعِ
قَرْصَعَتْ في مَشْيَتِها إِذا قَرْمَطَتْ خُطاها.
ومَرَّ يَهْزَعُ ويَهْتَزِعُ أَي يَتَنَفَّضُ. وسيف مُهْتَزِعٌ: جيِّدُ
الاهْتِزازِ إِذا هُزَّ؛ وأَنشد الأَصمعي لأَبي محمد الفَقْعَسي:
إِنَّا إِذا قَلَّتْ طخَارِيرُ القَزَعْ،
وصَدَرَ الشَّارِبُ منها عن جُرَعْ،
نَفْحَلُها البِيضَ القَلِيلاتِ الطَّبَعْ،
من كلِّ عَرَّاصٍ، إِذا هُزَّ اهْتَزَعْ
مِثْلِ قُدامَى النَّسْرِ، ما مَسَّ بَضَعْ
أَراد بالعَرَّاصِ السيفَ البَرَّاقَ المضطَرِبَ.
واهْتَزَعَ: اضْطَرَبَ. ومَرَّ فلان يَهْزَعُ أَي يُسْرِع مثل يَمْزَع.
وهَزَعَ واهْتَزَعَ وتَهَزَّعَ، كله: بمعنى أَسْرَعَ. وفرس مُهْتَزِعٌ:
سرِيعُ العَدْوِ. وهَزَعَ الفرسُ يَهْزَعُ: أَسْرَعَ، وكذلك الناقة.
وهَزَعَ الظَّبْيُ يَهْزَعُ هَزْعاً: عَدا عَدْواً شَدِيداً. ومَرَّ فلان
يَهْزَعُ ويَقْزَعُ أَي يَعْرُجُ، وهو أَيضاً أن يَعْدُوَ عَدْواً شديداً؛
قال رؤبة يصف الثور والكلاب:
وإِن دَنَتْ من أَرْضِه تَهَزَّعا
أَراد أَن الكِلابَ إِذا دنت من قَوائِمِ الثور تَهَزَّعَ أَي أَسْرَعَ
في عَدْوِه.
والأَهْزَعُ من السِّهامِ: الذي يبقى في الكِنانة وحده، وهو أَرْدَؤُها،
ويقال له سهم هِزاعٌ، وقيل: الأَهْزَعُ خير السِّهامِ وأَفضلُها
تَدَّخِرُه لشَديدة، وقيل: هو آخر ما يَبْقَى من السهام في الكنانة، جيِّداً كان
أَو رديئاً، وقيل: إِنما يتكلم به في النفي فيقال: ما في جَفِيرِه
أَهْزَعُ، وما في كنانته أَهْزَعُ؛ وقد يأْتي به الشاعر في غير النفي للضرورة،
فإِنَّ النَّمِر ابنَ تَوْلَبٍ أَتى به مع غير الجَحْد فقال:
فأَرْسلَ سَهْماً له أَهْزَعا،
فَشَكَّ نواهِقَه والفَما
قال ابن بري: وقد جاءَ أَيضاً لغير النمر؛ قال رَيَّانُ بن حُوَيْصٍ:
كَبِرْتُ ورَقَّ العَظْمُ مِني، كأَنَّما
رَمَى الدَّهْرُ مِني كلَّ عِرْقٍ بأَهْزَعا
وربما قيل: رُمِيتُ بأَهْزَعَ؛ قال العجاج:
لا تَكُ كالرامِي بغيرِ أَهْزَعا
يعني كمن ليس في كِنانته أَهْزَعُ ولا غيره، وهو الذي يتكلف الرَّمْيَ
ولا سَهْمَ معه. ويقال: ما في الجَعْبَةِ إِلاَّ سَهْمٌ هِزاعٌ أَي وحده؛
وأَنشد:
وبَقِيتُ بعْدَهُمُ كَسَهْمِ هِزاعِ
وما بَقِيَ في سَنامِ بَعِيرِك أَهْزَعُ أَي بَقِيَّةُ شَحْمٍ. وقولهم:
ما في الدارِ أَهْزَعُ أَي ما فيها أَحَدٌ. وظَلَّ يَهْزَعُ في الحشِيشِ
أَي يَرْعى.
وهُزَيْعٌ ومِهْزَعٌ: اسْمانِ. والمِهْزَعُ: المِدَقُّ؛ وقال يصف
أَسداً:كأَنَّهُمُ يَخْشَوْن مِنْكَ مُدَرَّباً،
بحَلْيَةَ، مَشْبُوحَ الذِّراعَيْنِ، مِهْزَعا
حرك: الحَرَكة: ضد السكون، حَرُك يحْرُك حَرَكةً وحَرْكاً وحَرَّكه
فتَحَرَّك، قال الأَزهري: وكذلك يَتَحَرَّك، وتقول: قد أَعيا فما به حَرََاك،
قال ابن سيده: وما به حَرَاك أَي حَرَكة؛ وفلان ميمون العَرِيكةِ
والحَرِيكة.
والمِحْراكُ: الخشبة التي تُحَرَّك بها النار.
الأَزهري: وتقول حَرَكْتُ مَحْرَكَه بالسيف حَرْكاً. والمَحْركُ: منتهى
العُنق عند المفصل من الرأْس. والمَحْرَكُ: مَقْطع العنق.
والحارِكُ: أَعلى الكاهل، وقيل فَرْع الكاهل، وقيل الحارِكُ منبت أَدنى
العُرْف إِلى الظهر الذي يأْخذ به الفارس إِذا ركب، وقيل الحارِكُ عظم
مشرف من جانبي الكاهل اكتنفه فَرْعا الكتفين؛ قال لبيد:
مُغْبِطُ الحارِكِ مَحْبوكُ الكَفَلْ
قال الجوهري: الحارِكُ من الفرس فروع الكتفين وهو أَيضاً الكاهل. أَبو
زيد: حَركه بالسيف حَرْكاً إِذا ضرب عنقه، قال: والمَحْرَكُ أَصل العنق من
أَعلاها، قال: ويقال للحارِكِ مَحْرَك، بفتح الراء، وهو مَفْصِلُ ما بين
الكاهل والعُنق ثم الكاهل، وهو بين المَحْرَك والمَلْحاءِ، والظهر ما
بين المَحْرَك للذنب، قال الأَزهري: وهو قول أَبي عبيد، وقال الفراء:
حَرَكْتُ حارِكَهُ قطعته فهو مَحْرُوك. والحُرْكُوك: الكاهل. ابن الأَعرابي:
حَرَك إِذا منع من الحق الذي عليه، وحَرِكَ إِذا عُنَّ عن النساء. وروي عن
أَبي هريرة أَنه قال: آمنت بمُحَرِّف القلوب، ورواه بعضهم: آمنت
بمُحَرِّك القلوب؛ قال الفراء: المحرِّف المزيل، والمحرِّك المقلب؛ وقال أَبو
العباس: المحرِّك أَجود لأَن السنة تؤَيده يا مُقَلِّب القلوب.
والحَرْكَكَةُ: الحُرْقُوف، والجمع حَرَاكِيك، وكل ذلك اسم كالكاهل والغارب، وهذا
الجمع نادر، وقد يجوز أَن يكون كراهية التضعيف كما حكى سيبويه قَرادِيد في
جمع قَرْدَدٍ، لأَن هذا لا يدغم لمكان الإِلحاق. وحَرَكه يَحْرُكه
حَرْكاً: أَصاب منه أَيَّ ذلك كان. وحَرَك حَرْكاً: شكا أَيّ ذلك كان.
وحَرَكهُ: أَصاب وسطه غير مشتق. ورجل حَرِيك: ضعيف الحَرَاكِيكِ، الحَرِيكُ الذي
يضعف خَصْرُه إِذا مشى كأَنه ينقلع عن الأَرض، والأُنثى حَرِيكة.
والحَرِيك: العِنِّين. قال ابن سيده: والحَرِيك في بعض اللغات العِنِّين. وغلام
حَرِكٌ أَي خفيف ذَكِيٌّ. والحَرْكَكَةُ: الحَرْقَفة، والجمع
الحَرَاكِكُ والحَرَاكِيك، وهي رؤُوس الوركين، ويقال أَطراف الوركين مما يلي الأرض
إِذا قعدت.