Permalink (الرابط القصير إلى هذا الباب):
http://arabiclexicon.hawramani.com/?p=97255#130a03
هَادِنــة
من (ه د ن) مؤنث هَادِن.
من (ه د ن) مؤنث هَادِن.
هدن: الأَزهري عن الهَوَازنيّ: الهُدْنَة انتقاضُ عَزْم الرجل بخبر
يأْتيه فيَهْدِنُه عما كان عليه فيقال انْهَدَنَ عن ذلك، وهَدَنَه خَبَرٌ
أَتاه هَدْناً شديداً. ابن سيده: الهُدْنة والهِدَانَةُ المصالحة بعد الحرب؛
قال أُسامة الهذلي:
فسامونا الهِدانَةَ من قريبٍ،
وهُنَّ معاً قيامٌ كالشُّجُوبِ
والمَهْدُون: الذي يُْطْمَعُ منه في الصلح؛ قال الراجز:
ولم يَعَوَّدْ نَوْمَةَ المَهْدُونِ
وهَدَنَ يَهْدِنُ هُدُوناً: سَكَنَ. وهِدَنَِ أَي سكَّنه، يتعدَّى ولا
يتعدَّى. وهادَنــه مُــهادنَــةً: صالحه، والاسم منهما الهُدْنَة. وفي الحديث:
أَن النبي، صلى الله عليه وسلم، ذكر الفتَنَ فقال: يكون بعدها هُدْنَةٌ
على دَخَنٍ وجماعةٌ
على أَقْذاءٍ؛ وتفسيره في الحديث؛ لا ترجع قلوبُ قوم على ما كانت عليه،
وأَصل الهُدْنةِ السكونُ بعد الهَيْج. ويقال للصلح بعد القتال والمُوادعة
بين المسلمين والكفار وبين كل متحاربين: هُدْنَةٌ، وربما جعلت للهُدْنة
مُدّة معلومة، فإذا انقضت المدة عادوا إلى القتال، والدَّخَنُ قد مضى
تفسيره؛ وقوله هُدْنَة على دَخَنٍ أَي سكونٌ
على غِلّ. وفي حديث علي، عليه السلام: عُمْياناً في غَيْبِ الهُدْنة أَي
لا يعرفون ما في الفتنة من الشر ولا ما في السكون من الخير. وفي حديث
سلمان: مَلْغاةُ أَوّل الليل مَهْدَنَةٌ
لآخره؛ معناه إذا سَهِر أَوّلَ الليل ولَغا في الحديث لم يستيقظ في آخره
للتهجد والصلاة أَي نومه في آخر الليل بسبب سهره في أَوّله. والمَلْغاة
والمَهْدَنة: مَفْعَلة من اللَّغْو، والهُدُونُ: السكون أَي مَظِنّة لهما
(* قوله «لهما» هكذا في الأصل والنهاية). والهُدْنَة والهُدُون
والمَهْدَنة: الدَّعة والسكون. هَدَنَ يَهْدِنُ هُدُوناً: سَكَنَ. الليث:
المَهْدَنة من الهُدْنة وهو السكون، يقال منه: هَدَنْتُ أَهْدِنُ هُدُوناً إذا
سَكَنْتَ فلم تتحرّك. شَمِرٌ: هَدَّنْتُ الرجلَ سَكَّنته وخَدَعْتُه كما
يُهْدَن الصبي؛ قال رؤبة:
ثُقِّفْتَ تَثْقِيفَ امْرِئٍ لم يُهْدَنِ
أَي لم يُخْدَعْ ولم يُسَكَّنْ فيطمع فيه. وهادَنَ القومَ: وادَعهم.
وهَدَنَهم يَهْدِنُهم هَدْناً رَبَّثَهم بكلام وأَعطاهم عهداً لا ينوي أَن
يَفِيَ به؛ قال:
يَظَلُّ نَهارُ الوالِهين صَبابةً،
وتَهْدِنُهم في النائمين المَضاجعُ
وهو من التسكين. وهَدَنَ الصبيَّ وغيره يَهْدِنه وهَدَّنه: سكَّنه
وأَرضاه. وهُدِنَ عنك فلانٌ: أَرضاه منك الشيءُ اليسير. ويقال: هَدَّنتِ
المرأَةُ صبيَّها إذا أَهْدَأَته لينام، فهو مُهَدَّنٌ. وقال ابن الأَعرابي:
هَدَنَ عَدُوَّه إذا كافَّه، وهَدَنَ إذا حَمُقَ. وتَهْدِينُ المرأَة
ولدها: تسكينها له بكلام إذا أَرادت إنامته. والتَّهْدِينُ البُطْءُ.
وتَــهادَنــت الأُمورُ: استقامت.
والهَوْدَناتُ: النُّوقُ.
ورجل هِدانٌ، وفي التهذيب مَهْدُونٌ: بليد يرضيه الكلام، والاسم
الهَدْنُ والهُدْنةُ. ويقال: قد هَدَنوه بالقول دون الفعل. والهِدانُ: الأَحمقُ
الجافي الوَخِمُ الثقيل في الحرب، والجمع الهُدونُ؛ قال رؤبة:
قد يَجْمَعُ المالَ الهِدانُ الجافي،
من غير ما عَقْلٍ ولا اصْطِرافِ
وفي حديث عثمان: جَباناً هِداناً، الهِدانُ: الأَحمقُ الثقيل، وقيل:
الهِدان والمَهْدُون النَّوَّام الذي لا يُصَلِّي ولا يُبَكِّر في حاجة؛ عن
ابن الأَعرابي؛ وأَنشد:
هِدَانٌ كشحم الأُرْنةِ المُتَرَجْرِج
وقد تَهَدَّنَ، ويقال: هو مَهْدُونٌ؛ وقال:
ولم يُعَوَّدْ نومةَ المَهْدُونِ
والاسم من كل ذلك الهَدْنُ؛ وأَنشد الأَزهري في المَهْدُون:
إنَّ العَواويرَ مأْكولٌ حظُوظَتُها،
وذو الكَهامةِ بالأَقْوالِ مَهْدُونُ
والهَدِنُ المُسْتَرْخِي. وإنَّه عنك لَهَيْدانٌ
إذا كانَ يهابه. أَبو عبيد في النوادر: الهَيْدانُ والهِدَانُ واحد،
قال: والأَصل الهِدانُ، فزادوا الياء؛ قال الأَزهري: وهو فَيْعالٌ مثل
عَيْدانِ النخل، النون أَصلية والياء زائدة.
والهَدْنَةُ: القليل الضعيف من المطر؛ عن ابن الأَعرابي، وقال: هو
الرَّكُّ والمعروف الدَّهْنَةُ.
رهدن: الرَّهْدَنُ: الرجل الجَبانُ شبِّه بالطائر. ابن سيده:
الرَّهْدَنُ والرَّهْدَنةُ والرُّهْدُونُ كالرَّهْدَلِ الذي هو الطائر، وقد تقدم.
والرَّــهادِنُ: طير بمكة أَمثال العصافير، الواحد رَهْدَنٌ. الأَصمعي
وغيره: الرَّــهادِنُ والرَّهادِلُ واحدها رَهْدَنَةُ ورَهْدَلَةُ، وهو طائر
شبيه بالقُبَّرة إلا أَنه ليست له قُنْزُعة، وفي الصحاح: طائر يشبه الحُمَّر
إلا أَنه أَدْبَسُ، وهو أَكبر من الحُمَّر؛ وقال:
تَذَرَّيْننا بالقولِ حتى كأَنه
تَذَرِّيَ وِلْدَانٍ يَصِدْنَ رَــهادنــا
والرَّهْدَنُ: الأَحمق كالرَّهْدَلِ؛ قال:
قُلْتُ لها: إياكِ أَن تَوَكَّنِي
عنديَ في الجلْسةِ، أَوْ تَلَبَّنِي
عليكِ، ما عشتِ، بذاكَ الرَّهْدَنِ
قال ابن بري: الرَّهْدَنُ الأَحمق. والرَّهْدَنُ: العصفور الصغير
أَيضاً، وقد تبدل النون لاماً فيقال الرَّهْدَلُ، كما قالوا طَبَرْزَن
وطَبَرْزَلٌ وطَبَرْزَذ، وجمعُ الرَّهْدَنِ الأَحمقِ الرَّــهَادِنَــةُ مثل
الفَراعِنة. والرُّهْدُونُ: الكذاب. والرَّهْدَنَة: الإِبْطاء، وقد رَهْدَنَ؛
وروي عن ثعلب عن ابن الأَعرابي أَنه أَنشده لرجل في تَيْس اشتراه من رجل
يقال له سَكَن:
رأَيتُ تَيْساً راقَنِي لسَكَنِ،
مُخَرْفَجَ الغِذَاءِ غيرَ مُجْحَنِ،
أَهْدَبَ مَعْقُودَ القَرَا خُبَعْثِنِ،
فقُلْتُ: بِعنيه، فقال: أَعْطِني
فقُلْتُ: نَقْدِي ناسئٌ فأَضْمَنِ،
فنَدَّ حتى قُلْتُ: ما إِن يَنْثَنِي
فجئتُ بالنَّقْدِ ولم أُرَهْدِنِ
أَي لم أُبْطِئْ ولم أَحْتَبِس به. التهذيب: والأَزْدُ تُرَهْدِنُ في
مشْيتها كأَنها تستدير.
رهدل: الرَّهْدَل والرِّهْدِل: طائر يشبه الحُمَّرة إِلا أَنه أَدْبَس،
وهو أَكبر من الخُمَّر؛ وقال ثعلب: هو طائر شبه القُبَّرة إِلا أَنها
ليست لها قُنْزُعة. والرَّهْدَل: الأَحمق، وقيل الضعيف. الأَزهري:
الرَّــهادِن والرَّهادِل، واحدتها رَهْدَنة ورَهْدَلة.
هود: الهَوْدُ: التَّوْبَةُ، هادَ يَهُودُ هوْداً وتَهَوَّد: تابَ ورجع
إِلى الحق، فهو هائدٌ. وقومٌ هُودٌ: مِثْلُ حائِكٍ وحُوكٍ وبازِلٍ
وبُزْلٍ؛ قال أَعرابي:
إِنِّي امرُؤٌ مِنْ مَدْحِهِ هائِد
وفي التنزيل العزيز: إِنَّا هُدْنا إِليك؛ أَي تُبْنا إِليك، وهو قول
مجاهد وسعيد بن جبير وإِبراهيم. قال ابن سيده: عدّاه بإِلى لأَن فيه معنى
رجعنا، وقيل: معناه تبنا إِليك ورجعنا وقَرُبْنا من المغفرة؛ وكذلك قوله
تعالى: فتُوبوا إِلى بارِئِكم؛ وقال تعالى: إِن الذين آمنوا والذين هادوا؛
وقال زهير:
سِوَى رُبَعٍ لم يَأْتِ فيها مَخافةً،
ولا رَهَقاً مِنْ عابِدٍ مُتَهَوِّد
قال: المُتَهَوِّد المُتَقَرِّبُ. شمر: المُتَهَوِّدُ المُتَوَصِّلُ
بِهَوادةٍ إِليه؛ قال: قاله ابن الأَعرابي. والتَّهَوُّدُ: التوبةُ والعمل
الصالح.
والهَوادَةُ: الحُرْمَةُ والسبب. ابن الأَعرابي: هادَ إِذا رجَع من خير
إِلى شرّ أَو من شرّ إِلى خير، وهادَ إِذا عقل. ويَهُودُ: اسم للقبيلة؛
قال:
أُولئِكَ أَوْلى مِنْ يَهُودَ بِمِدْحةٍ،
إِذا أَنتَ يَوْماً قُلْتَها لم تُؤنَّب
وقيل: إِنما اسم هذه القبيلة يَهُوذ فعرب بقلب الذال دالاً؛ قال ابن
سيده: وليس هذا بقويّ. وقالوا اليهود فأَدخلوا الأَلف واللام فيها على
إِرادة النسب يريدون اليهوديين. وقوله تعالى: وعلى الذين هادُوا حَرَّمْنا
كلَّ ذي ظُفُر؛ معناه دخلوا في اليهودية. وقال الفراء في قوله تعالى: وقالوا
لَنْ يَدْخُلَ الجنةَ إِلا من كان هُوداً أَو نصارى؛ قال: يريد يَهُوداً
فحذف الياء الزائدة ورجع إِلى الفعل من اليهودية، وفي قراءة أُبيّ: إِلا
من كان يهوديّاً أَو نصرانيّاً؛ قال: وقد يجوز أَن يجعل هُوداً جمعاً
واحده هائِدٌ مثل حائل وعائط من النُّوق، والجمع حُول وعُوط، وجمع اليهوديّ
يَهُود، كما يقال في المجوسيّ مَجُوس وفي العجمي والعربيّ عجم وعرب.
والهُودُ: اليَهُود، هادُوا يَهُودُون هَوْداً. وسميت اليهود اشتقاقاً من
هادُوا أَي تابوا، وأَرادوا باليَهُودِ اليَهُودِيِّينَ ولكنهم حذفوا ياء
الإِضافة كما قالوا زِنْجِيٌّ وزنْج، وإِنما عُرِّف على هذا الحد فجُمِع
على قياس شعيرة وشعير، ثم عُرّف الجمع بالأَلِف واللام، ولولا ذلك لم يجز
دخول الأَلِف واللام عليه لأَنه معرفة مؤنث فجرى في كلامهم مجرى القبيلة
ولم يجعل كالحيّ؛ وأَنشد علي بن سليمان النحوي:
فَرَّتْ يَهُودُ وأَسْلَمَتْ جِيرانَها،
صَمِّي، لِما فَعَلَتْ يَهُودُ، صَمامِ
قال ابن برِّيّ: البيت للأَسود بن يعفر. قال يعقوب: معنى صَمِّي اخْرسي
يا داهيةُ، وصَمامِ اسم الداهيةِ علم مثل قَطامِ وحَذامِ أَي صَمِّي يا
صَمامِ؛ ومنهم من يقول: الضمير في صمي يعود على الأُذن أَي صَمِّي يا
أُذُن لما فعلتْ يَهُود. وصَمامِ اسم للفعل مثل نَزالِ وليس بنداء.
وهَوَّدَ الرجلَ: حَوّلَه إِلى ملة يَهُودَ. قال سيبويه: وفي الحديث:
كلُّ مَوْلُود يُولَدُ على الفِطْرَةِ حتى يكون أَبواه يُهَوِّدانِه أَو
يُنَصِّرانِه، معناه أَنهما يعلمانه دين اليهودية والنصارى ويُدْخِلانه
فيه. والتَّهْوِيدُ: أَن يُصَيَّرَ الإِنسانُ يَهُوديًّا. وهادَ وتَهَوَّد
إِذا صار يهوديّاً.
والهَوادةُ: اللِّينُ وما يُرْجَى به الصلاحُ بين القوم. وفي الحديث: لا
تأْخُذُه في الله هَوادةٌ أَي لا يَسْكُنُ عند حد الله ولا يُحابي فيه
أَحداً. والهَوادةُ: السُّكونُ والرُّخْصة والمحاباة. وفي حديث عمر، رضي
الله عنه، أُتِيَ بِشاربٍ فقال: لأَبْعَثَنَّكَ إِلى رجل لا تأْخُذُه فيك
هَوادةٌ. والتَّهْوِيدُ والتَّهْوادُ والتَّهَوُّدُ: الإِبْطاءُ في
السَّيْر واللِّينُ والتَّرَفُّقُ. والتَّهْوِيدُ: المشيُ الرُّوَيْدُ مثل
الدَّبيب ونحوه، وأَصله من الهَوادةِ. والتَّهْوِيدُ: السَّيْرُ الرَّفِيقُ.
وفي حديث عِمْران بن حُصين أَنه أَوْصَى عند موتِه: إِذا مُتُّ
فَخَرَجْتُمْ بي، فأَسْرِعُوا المَشْيَ ولا تُهَوِّدُوا كما تُهَوِّدُ اليهودُ
والنصارى. وفي حديث ابن مسعود: إِذا كنتَ في الجَدْبِ فأَسْرِعِ السَّيْرَ
ولا تُهَوِّد أَي لا تَفْتُرْ. قال: وكذلك التَّهْوِيدُ في المَنْطِقِ
وهو الساكِنُ؛ يقال: غِناءٌ مُهَوِّد؛ وقال الراعي يصف ناقة:
وخُود منَ اللاَّئي تَسَمَّعْنَ، بالضُّحى،
قَرِيضَ الرُّدافَى بالغِناءِ المُهَوِّدِ
قال: وخُود الواو أَصلية ليست بواو العطف، وهو من وَخَدَ يخد إِذا
أَسرعَ. أَبو مالك: وهَوّدَ الرجلُ إِذا سكَن. وهَوَّدَ إِذا غَنَّى. وهَوَّدَ
إِذا اعتَمد على السير؛ وأَنشد:
سَيْراً يُراخِي مُنَّةَ الجَلِيدِ
ذا قُحَمٍ، وليس بالتَّهْوِيدِ
أَي ليس بالسَّيْر اللَّيِّن. والتهوِيدُ أَيضاً: النومُ. وتَهْوِيدُ
الشراب: إِسكارُه. وهَوَّدَه الشرابُ إِذا فَتَّرَه فأَنامَه؛ وقال
الأَخطل:ودافَعَ عَني يومَ جِلَّقَ غَمْزُه،
وصَمَّاءُ تُنْسِيني الشرابَ المُهَوِّدا
والهَوادَةُ: الصُّلْحُ والمَيْلُ. والتهوِيدُ والتَّهْوادُ: الصوتُ
الضعيفُ اللَّيِّنُ الفاتِرُ. والتهوِيدُ: هَدْهَدةُ الريحِ في الرمل ولِينُ
صوتها فيه. والتَّهْوِيدُ: تَجاوُبُ الجنِّ لِلِينِ أَصواتِها
وضَعْفِها؛ قال الراعي:
يُجاوِبُ البومَ تَهْوِيدُ العَزِيفِ به،
كما يَحِنُّ لِغَيْثٍ جِلَّةٌ خُورُ
وقال ابن جَبَلَةَ: التهوِيدُ الترجيعُ بالصوت في لِين. والهَوادةُ:
الرُّخْصة، وهو من ذلك لأَن الأَخذ بها أَلْيَنُ من الأَخذ بالشدّة.
والمُهاوَدةُ: المُوادَعَةُ. والمُهاوَدةُ: المُصالَحَةُ والمُمايَلةُ.
والمُهَوِّدُ: المُطْرِبُ المُلْهِي؛ عن ابن الأَعرابي. والهَوَدَةُ،
بالتحريك: أَصل السنامِ. شمر: الهَوَدةُ مجتَمَعُ السَّنامِ وقَحَدَتُه،
والجمع هَوَدٌ؛ وقال:
كُومٌ عليها هَوَدٌ أَنضادُ
وتسكن الواو فيقال هَوْدةٌ.
وهُودٌ: اسم النبي، صلى الله على نبينا محمد وعليه وسلم، ينصرف، تقول:
هذه هُودٌ إِذا أَردْتَ سورة هُودٍ، وإِن جعلت هُوداً اسم السورة لم
تصرفه، وكذلك نُوحٌ ونُونٌ، والله أَعلم.
ودع: الوَدْعُ والوَدَعُ والوَدَعاتُ: مناقِيفُ صِغارٌ تخرج من البحر
تُزَيَّنُ بها العَثاكِيلُ، وهي خَرَزٌ بيضٌ جُوفٌ في بطونها شَقٌّ كَشَقِّ
النواةِ تتفاوت في الصغر والكبر، وقيل: هي جُوفٌ في جَوْفها دُوَيْبّةٌ
كالحَلَمةِ؛ قال عَقِيلُ بن عُلَّفَة:
ولا أُلْقِي لِذي الوَدَعاتِ سَوْطِي
لأَخْدَعَه، وغِرَّتَه أُرِيدُ
قال ابن بري: صواب إِنشاده:
أُلاعِبُه وزَلَّتَه أُرِيدُ
واحدتها ودْعةٌ وودَعةٌ. ووَدَّعَ الصبيَّ: وضَعَ في عنُقهِ الوَدَع.
وودَّعَ الكلبَ: قَلَّدَه الودَعَ؛ قال:
يُوَدِّعُ بالأَمْراسِ كُلَّ عَمَلَّسٍ،
مِنَ المُطْعِماتِ اللَّحْمَ غيرَ الشَّواحِنِ
أَي يُقَلِّدُها وَدَعَ الأَمْراسِ. وذُو الودْعِ: الصبيُّ لأَنه
يُقَلَّدُها ما دامَ صغيراً؛ قال جميل:
أَلَمْ تَعْلَمِي، يا أُمَّ ذِي الوَدْعِ، أَنَّني
أُضاحِكُ ذِكْراكُمْ، وأَنْتِ صَلُودُ؟
ويروى: أَهَشُّ لِذِكْراكُمْ؛ ومنه الحديث: من تَعَلَّقَ ودَعةً لا
وَدَعَ الله له، وإِنما نَهَى عنها لأَنهم كانوا يُعَلِّقُونَها مَخافةَ العين،
وقوله: لا ودَعَ اللهُ له أَي لا جعله في دَعةٍ وسُكُونٍ، وهو لفظ مبنيّ
من الودعة، أَي لا خَفَّفَ الله عنه ما يَخافُه. وهو يَمْرُدُني الوَدْعَ
ويَمْرُثُني أَي يَخْدَعُني كما يُخْدَعُ الصبيّ بالودع فَيُخَلَّى
يَمْرُثُها. ويقال للأَحمق: هو يَمْرُدُ الوْدَع، يشبه بالصبي؛ قال
الشاعر:والحِلْمُ حِلْم صبيٍّ يَمْرُثُ الوَدَعَهْ
قال ابن بري: أَنشد الأَصمعي هذا البيت في الأَصمعيات لرجل من تميم
بكماله:
السِّنُّ من جَلْفَزِيزٍ عَوْزَمٍ خلَقٍ،
والعَقْلُ عَقْلُ صَبيٍّ يَمْرُسُ الوَدَعَهْ
قال: وتقول خرج زيد فَوَدَّعَ أَباه وابنَه وكلبَه وفرسَه ودِرْعَه أَي
ودَّع أَباه عند سفره من التوْدِيعِ، ووَدَّع ابنه: جعل الوَدعَ في
عُنُقه، وكلبَه: قَلَّدَه الودع، وفرسَه: رَفَّهَه، وهو فرس مُوَدَّعُ
ومَوْدُوع، على غير قِياسٍ، ودِرْعَه، والشيءَ: صانَه في صِوانِه.
والدَّعةُ والتُّدْعةُ
(* قوله« والتدعة» أي بالسكون وكهمزة أفاده
المجد) على البدل: الخَفْضُ في العَيْشِ والراحةُ، والهاء عِوَضٌ من
الواو.والوَديعُ: الرجل الهادئ الساكِنُ ذو التُّدَعةِ. ويقال ذو وَداعةٍ،
وَدُعَ يَوْدُعُ دَعةً ووَداعةً، زاد ابن بري: ووَدَعَه، فهو وَديعٌ
ووادِعٌ أَي ساكِن؛ وأَنشد شمر قول عُبَيْدٍ الراعي:
ثَناءٌ تُشْرِقُ الأَحْسابُ منه،
به تَتَوَدَّعُ الحَسَبَ المَصُونا
أي تَقِيه وتَصُونه، وقيل أَي تُقِرُّه على صَوْنِه وادِعاً. ويقال:
وَدَعَ الرجلُ يَدَعُ إِذا صار إِلى الدَّعةِ والسُّكونِ؛ ومنه قول سويد بن
كراع:
أَرَّقَ العينَ خَيالٌ لم يَدَعْ
لِسُلَيْمى، ففُؤادِي مُنْتَزَعْ
أَي لم يَبْقَ ولم يَقِرَّ. ويقال: نال فلان المَكارِمَ وادِعاً أَي من
غير أَن يَتَكَلَّفَ فيها مَشَقّة. وتوَدَّعَ واتَّدعَ تُدْعةً وتُدَعةً
وودَّعَه: رَفَّهَه، والاسم المَوْدوعُ. ورجل مُتَّدِعٌ أَي صاحبُ دَعَةٍ
وراحةٍ؛ فأَما قول خُفافِ بن نُدْبة:
إِذا ما اسْتَحَمَّتْ أَرضُه من سَمائِه
جَرى، وهو موْدوعٌ وواعِدُ مَصْدَق
فكأَنه مفعول من الدَّعةِ أَي أَنه ينال مُتَّدَعاً من الجرْيِ متروكاً
لا يُضْرَبُ ولا يْزْجَرُ ما يسْبِقُ به، وبيت خفاف بن ندبة هذا أَورده
الجوهري وفسره فقال أَي متروك لا يضرب ولا يزجر؛ قال ابن بري: مَوْدوعٌ
ههنا من الدَّعةِ التي هي السكون لا من الترك كما ذكر الجوهري أي أَنه جرى
ولم يَجْهَدْ كما أَوردناه، وقال ابن بزرج: فرَسٌ ودِيعٌ وموْدوعٌ
ومُودَعٌ؛ وقال ذو الإِصبَع العَدواني:
أُقْصِرُ من قَيْدِه وأُودِعُه،
حتى إِذا السِّرْبُ رِيعَ أَو فَزِعا
والدَّعةُ: من وَقارِ الرجُلِ الوَدِيعِ. وقولهم: عليكَ بالمَوْدوع أَي
بالسكِينة والوقار، فإِن قلت: فإِنه لفظ مفْعولٍ ولا فِعْل له إِذا لم
يقولوا ودَعْتُه في هذا المعنى؛ قيل: قد تجيء الصفة ولا فعل لها كما حُكي
من قولهم رجل مَفْؤودٌ للجَبانِ، ومُدَرْهَمٌ للكثير الدِّرهم، ولم يقولوا
فُئِدَ ولا دُرْهِمَ. وقالوا: أَسْعَده الله، فهو مَسْعودٌ، ولا يقال
سُعِدَ إِلا في لغة شاذة. وإِذا أَمَرْتَ الرجل بالسكينةِ والوَقارِ قلت له:
تَوَدَّعْ واتَّدِعْ؛ قال الأزهري: وعليك بالموْدوعِ من غير أَن تجعل له
فعلاً ولا فاعاً مِثْل المَعْسورِ والمَيْسورِ، قال الجوهري: وقولهم عليك
بالمودوع أَي بالسكينةِ والوقار، قال: لا يقال منه ودَعه كما لا يقال من
المَعْسور والمَيْسور عَسَرَه ويَسَرَه. ووَدَعَ الشيءُ يَدَعُ
واتَّدَعَ، كلاهما: سكَن؛ وعليه أَنشد بعضهم بيت الفرزدق:
وعَضُّ زَمانٍ يا ابنَ مَرْوانَ، لم يَدَعْ
من المال إِلاّ مُسْحَتٌ أَو مُجَلَّفُ
فمعنى لم يَدَعْ لم يَتَّدِعْ ولم يَثْبُتْ، والجملة بعد زمان في موضع
جرّ لكونها صفة له، والعائد منها إِليه محذوف للعلم بموضعه، والتقدير فيه
لم يَدَعْ فيه أَو لأَجْلِه من المال إِلا مُسحَتٌ أَو مُجَلَّف، فيرتفع
مُسْحت بفعله ومجَلَّفُ عطف عليه، وقيل: معنى قوله لم يدع لم يَبْقَ ولم
يَقِرَّ، وقيل: لم يستقر، وأَنشده سلمةُ إِلا مُسْحَتاً أَو مُجَلَّفُ
أَي لم يترك من المال إِلاَّ شيئاً مُسْتأْصَلاً هالِكاً أَو مجلف كذلك،
ونحو ذلك رواه الكسائي وفسره، قال: وهو كقولك ضربت زيداً وعمروٌ، تريد
وعمْرٌو مضروب، فلما لم يظهر له الفعل رفع؛ وأَنشد ابن بري لسويد بن أَبي
كاهل:
أَرَّقَ العَيْنَ خَيالٌ لم يَدَعْ
من سُلَيْمى، فَفُؤادي مُنْتَزَعْ
أَي لم يَسْتَقِرّ. وأَودَعَ الثوبَ ووَدَّعَه: صانَه. قال الأَزهري:
والتوْدِيعُ أَن تُوَدِّعَ ثوباً في صِوانٍ لا يصل إِليه غُبارٌ ولا رِيحٌ.
وودَعْتُ الثوبَ بالثوب وأَنا أَدَعُه، مخفف. وقال أَبو زيد: المِيدَعُ
كل ثوب جعلته مِيدَعاً لثوب جديد تُوَدِّعُه به أَي تَصُونه به. ويقال:
مِيداعةٌ، وجمع المِيدَعِ مَوادِعُ، وأَصله الواو لأَنك ودَّعْتَ به ثوبَك
أَي رفَّهْتَه به؛ قال ذو الرمة:
هِيَ الشمْسُ إِشْراقاً، إِذا ما تَزَيَّنَتْ،
وشِبْهُ النَّقا مُقْتَرَّةً في المَوادِعِ
وقال الأَصمعي: المِيدَعُ الثوبُ الذي تَبْتَذِلُه وتُودِّعُ به ثيابَ
الحُقوق ليوم الحَفْل، وإِنما يُتَّخَذ المِيدعُ لِيودَعَ به المَصونُ.
وتودَّعَ فلان فلاناً إِذا ابتذله في حاجته. وتودَّع ثيابَ صَونِه إِذا
ابتذلها. وفي الحديث: صَلى معه عبدُ الله ابن أُنَيْسٍ وعليه ثوب
مُتَمَزِّقٌ فلما انصرف دعا له بثوب فقال: تَوَدَّعْه بخَلَقِكَ هذا أَي
تَصَوَّنْه به، يريد الْبَسْ هذا الذي دفعته إِليك في أَوقات الاحتفال والتزَيُّن.
والتَّوديعُ: أَن يجعل ثوباً وقايةَ ثوب آخر. والمِيدَعُ والميدعةُ
والمِيداعةُ: ما ودَّعَه به. وثوبٌ مِيدعٌ: صفة؛ قال الضبي:
أُقَدِّمُه قُدَّامَ نَفْسي، وأَتَّقِي
به الموتَ، إِنَّ الصُّوفَ للخَزِّ مِيدَعُ
وقد يُضاف. والمِيدع أَيضاً: الثوب الذي تَبْتَذِله المرأَة في بيتها.
يقال: هذا مِبْذَلُ المرأَة ومِيدعُها، ومِيدَعَتُها: التي تُوَدِّعُ بها
ثيابها. ويقال للثوب الذي يُبْتَذَل: مِبْذَلٌ ومِيدَعٌ ومِعْوز ومِفْضل.
والمِيدعُ والمِيدَعةُ: الثوب الخَلَقُ؛ قال شمر أَنشد ابن أَبي عدْنان:
في الكَفِّ مِنِّي مَجَلاتٌ أَرْبَعُ
مُبْتَذَلاتٌ، ما لَهُنَّ مِيدَعُ
قال: ما لهنَّ مِيدع أَي ما لهن من يَكْفيهنَّ العَمَل فيَدَعُهُنَّ أَي
يصونهُنَّ عن العَمَل. وكلامٌ مِيدَعٌ إِذا كان يُحْزِنُ، وذلك إِذا كان
كلاماً يُحْتَشَمُ منه ولا يستحسن.
والمِيداعةُ: الرجل الذي يُحب الدَّعةَ؛ عن الفراء.
وفي الحديث: إِذا لم يُنْكِر الناسُ المُنْكَرَ فقد تُوُدِّعَ منهم أَي
أُهْمِلو وتُرِكوا وما يَرْتَكِبونَ من المَعاصي حتى يُكثِروا منها، ولم
يهدوا لرشدهم حتى يستوجبوا العقوبة فيعاقبهم الله، وأَصله من التوْدِيع
وهو الترك، قال: وهو من المجاز لأَن المُعْتَنيَ بإِصْلاحِ شأْن الرجل
إِذا يَئِسَ من صلاحِه تركه واسْتراحَ من مُعاناةِ النَّصَب معه، ويجوز أَن
يكون من قولهم تَوَدَّعْتُ الشيءَ أَي صُنْتُه في مِيدَعٍ، يعني قد صاروا
بحيث يتحفظ منهم ويُتَصَوَّن كما يُتَوَقَّى شرار الناس. وفي حديث علي،
كرم الله وجهه: إِذا مََشَتْ هذه الأُمّةُ السُّمَّيْهاءَ فقد تُوُدِّعَ
منها. ومنه الحديث: اركبوا هذه الدوابَّ سالمةً وابْتَدِعُوها سالمة أَي
اتْرُكُوها ورَفِّهُوا عنها إِذا لم تَحْتاجُوا إِلى رُكُوبها، وهو
افْتَعَلَ من وَدُعَ، بالضم، ودَاعةً ودَعةً أَي سَكَنَ وتَرَفَّهَ.
وايْتَدَعَ، فهو مُتَّدِعٌ أَي صاحب دَعةٍ، أَو من وَدَعَ إِذا تَرَكَ، يقال
اتهَدَعَ وابْتَدَعَ على القلب والإِدغام والإِظهار. وقولهم: دَعْ هذا أَي
اتْرُكْه، ووَدَعَه يَدَعُه: تركه، وهي شاذة، وكلام العرب: دَعْني وذَرْني
ويَدَعُ ويَذَرُ، ولا يقولون ودَعْتُكَ ولا وَذَرْتُكَ، استغنوا عنهما
بتَرَكْتُكَ والمصدر فيهما تركاً، ولا يقال ودْعاً ولا وَذْراً؛ وحكاهما
بعضهم ولا وادِعٌ، وقد جاء في بيت أَنشده الفارسي في البصريات:
فأَيُّهُما ما أَتْبَعَنَّ، فإِنَّني
حَزِينٌ على تَرْكِ الذي أَنا وادِعُ
قال ابن بري: وقد جاء وادِعٌ في شعر مَعْنِ بن أَوْسٍ:
عليه شَرِيبٌ لَيِّنٌ وادِعُ العَصا،
يُساجِلُها حمَّاته وتُساجِلُه
وفي التنزيل: ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وما قَلى؛ أَي لم يَقْطَعِ اللهُ
الوحيَ عنك ولا أَبْغَضَكَ، وذلك أَنه، صلى الله عليه وسلم، اسْتأَخر
الوحْيُ عنه فقال ناس من الناس: إِن محمداً قد ودّعه ربه وقَلاه، فأَنزل الله
تعالى: ما ودعك ربك وما قلى، المعنى وما قَلاكَ، وسائر القُرّاء قرؤوه:
ودّعك، بالتشديد، وقرأَ عروة بن الزبير: ما وَدَعَك ربك، بالتخفيف، والمعنى
فيهما واحد، أَي ما تركك ربك؛ قال:
وكان ما قَدَّمُوا لأَنْفُسِهم
أَكْثَرَ نَفْعاً مِنَ الذي وَدَعُوا
وقال ابن جني: إِنما هذا على الضرورة لأَنّ الشاعر إذا اضْطُرَّ جاز له
أَن ينطق بما يُنْتِجُه القِياسُ، وإِن لم يَرِدْ به سَماعٌ؛ وأَنشد قولَ
أَبي الأَسودِ الدُّؤلي:
لَيْتَ شِعْرِي، عن خَلِيلي، ما الذي
غالَه في الحُبِّ حتى وَدَعَهْ؟
وعليه قرأَ بعضهم: ما وَدَعَكَ رَبُّكَ وما قَلى، لأَن الترْكَ ضَرْبٌ
من القِلى، قال: فهذا أَحسن من أَن يُعَلَّ باب اسْتَحْوَذَ واسْتَنْوَقَ
الجَمَلُ لأَنّ اسْتِعْمالَ ودَعَ مُراجعةُ أَصل، وإِعلالُ استحوذ
واستنوق ونحوهما من المصحح تركُ أَصل، وبين مراجعة الأُصول وتركها ما لا خَفاء
به؛ وهذا بيت روى الأَزهري عن ابن أَخي الأَصمعي أَن عمه أَنشده لأَنس بن
زُنَيْمٍ الليثي:
لَيْتَ شِعْرِي، عن أَمِيري، ما الذي
غالَه في الحبّ حتى ودَعْه؟
لا يَكُنْ بَرْقُك بَرْقاً خُلَّباً،
إِنَّ خَيْرَ البَرْقِ ما الغَيْثُ مَعَهْ
قال ابن بري: وقد رُوِيَ البيتان للمذكورين؛ وقال الليث: العرب لا تقول
ودَعْتُهُ فأَنا وادعٌ أَي تركته ولكن يقولون في الغابر يَدَعُ، وفي
الأَمر دَعْه، وفي النهي لا تَدَعْه؛ وأَنشد:
أَكْثَرَ نَفْعاً من الذي ودَعُوا
يعني تركوا. وفي حديث ابن عباس: أَن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال:
لَيَنْتَهيَنَّ أَقوامٌ عن وَدْعِهم الجُمُعاتِ أَو ليُخْتَمَنَّ على
قلوبهم أَي عن تَرْكهم إِيّاها والتَّخَلُّفِ عنها من وَدَعَ الشيءَ يَدَعُه
وَدْعاً إِذا تركه، وزعمت النحويةُ أَنّ العرب أَماتُوا مصدر يَدَعُ
ويَذَرُ واسْتَغْنَوْا عنه بتَرْكٍ، والنبي، صلى الله عليه وسلم، أَفصح العرب
وقد رويت عنه هذه الكلمة؛ قال ابن الأَثير: وإِنما يُحْمل قولهم على قلة
استعماله فهو شاذٌّ في الاستعمال صحيح في القياس، وقد جاء في غير حديث
حتى قرئ به قوله تعالى: ما وَدَعَك ربك وما قَلى، بالتخفيف؛ وأَنشد ابن
بري لسُوَيْدِ بن أَبي كاهِلٍ:
سَلْ أَمِيري: ما الذي غَيَّرَه
عن وِصالي، اليوَْمَ، حتى وَدَعَه؟
وأَنشد لآخر:
فَسَعَى مَسْعاتَه في قَوْمِه،
ثم لَمْ يُدْركْ، ولا عَجْزاً وَدَعْ
وقالوا: لم يُدَعْ ولم يُذَرْ شاذٌّ، والأَعرف لم يُودَعْ ولم يُوذَرْ،
وهو القياس. والوَداعُ، بالفتح: التَّرْكُ. وقد ودَّعَه ووَادَعَه
ووَدَعَه ووادَعَه دُعاءٌ له من ذلك؛ قال:
فهاجَ جَوًى في القَلْبِ ضُمِّنَه الهَوَى،
بِبَيْنُونةٍ يَنْأَى بها مَنْ يُوادِعُ
وقيل في قول ابن مُفَرِّغٍ:
دَعيني مِنَ اللَّوْم بَعْضَ الدَّعَهْ
أي اتْرُكِيني بعضَ الترْك. وقال ابن هانئ في المرريه
(* قوله« في
المرريه» كذا بالأصل ) الذي يَتَصَنَّعُ في الأَمر ولا يُعْتَمَدُ منه على
ثِقةٍ: دَعْني من هِنْدَ فلا جَدِيدَها ودَعَتْ ولا خَلَقَها رَقَعَتْ. وفي
حديث الخَرْصِ: إِذا خَرَصْتُم فخُذُوا ودَعُوا الثلث، فإِن لم تَدَعُوا
الثلث فدَعوا الرُّبعَ؛ قال الخطابي: ذهب بعض أَهل العلم إِلى أَنه
يُتْرَكُ لهم من عُرْضِ المالِ تَوْسِعةً عليهم لأَنه إِن أُخِذَ الحقُّ منهم
مُسْتَوْفًى أَضَرَّ بهم، فإِنه يكون منها الساقِطةُ والهالِكةُ وما
يأْكله الطير والناس، وكان عمر، رضي الله عنه، يأْمر الخُرّاصَ بذلك. وقال
بعض العلماء: لا يُترك لهم شيءٌ شائِعٌ في جملة النخل بل يُفْرَدُ لهم
نَخلاتٌ مَعْدودةٌ قد عُلِمَ مِقْدارُ ثمرها بالخَرْصِ، وقيل: معناه أَنهم
إِذا لم يرضوا بِخَرْصِكُم فدَعوا لهم الثلث أَو الربع ليتصرفوا فيه
ويضمنوا حقّه ويتركوا الباقي إِلى أَن يَجِفَّ ويُؤخذ حَقُّه، لا أَنه يترك لهم
بلا عوض ولا اخراج؛ ومنه الحديث: دَعْ داعِيَ اللَّبنِ أَي اتْرُكْ منه
في الضَّرْع شيئاً يَسْتَنْزِلُ اللَّبَنَ ولا تَسْتَقْصِ حَلْبَه.
والوَداعُ: تَوْدِيعُ الناس بعضهم بعضاً في المَسِيرِ. وتَوْدِيعُ
المُسافِرِ أَهلَه إِذا أَراد سفراً: تخليفُه إِيّاهم خافِضِينَ وادِعِينَ،
وهم يُوَدِّعُونه إِذا سافر تفاؤُلاً بالدَّعةِ التي يصير إِليها إِذا
قَفَلَ. ويقال ودَعْتُ، بالتخفيف، فَوَوَدَعَ؛ وأَنشد ابن الأَعرابي:
وسِرْتُ المَطِيّةَ مَوْدُوعةً،
تُضَحّي رُوَيْداً، وتُمْسي زُرَيْقا
وهو من قولهم فرَسٌ ودِيعٌ ومَوْدُوعٌ وموَدَّعٌ. وتَوَدَّعَ القومُ
وتَوادَعُوا: وَدَّعَ بعضهم بعضاً. والتوْدِيعُ عند الرَّحِيل، والاسم
الوَادع، بالفتح. قال شمر: والتوْدِيعُ يكون للحيّ والميت؛ وأَنشد بيت
لبيد:فَوَدِّعْ بالسَّلام أَبا حُرَيْزٍ،
وقَلَّ وداعُ أَرْبَدَ بالسلامِ
وقال القطامي:
قِفي قَبْلَ التَّفَرُّقِ يا ضُباعا،
ولا يَكُ مَوْقِفٌ مِنْك الوَداعا
أَراد ولا يَكُ مِنْكِ مَوْقِفَ الوَداعِ وليكن موقف غِبْطةٍ وإِقامة
لأَنَّ موقف الوداع يكون لِلفِراقِ ويكون مُنَغَّصاً بما يتلوه من
التبارِيحِ والشوْقِ. قال الأَزهريّ: والتوْدِيعُ،وإِن كان أَصلُه تَخْليفَ
المُسافِرِ أَهْله وذَوِيه وادِعينَ، فإِنّ العرب تضعه موضع التحيةِ والسلام
لأَنه إِذا خَلَّفَ دعا لهم بالسلامة والبقاء ودَعوْا بمثْلِ ذلك؛ أَلا
ترى أَن لبيداً قال في أخيه وقد مات:
فَوَدِّعْ بالسلام أَبا حُرَيْزٍ
أَراد الدعاء له بالسلام بعد موته، وقد رثاه لبيد بهذا الشعر وودَّعَه
تَوْدِيعَ الحيّ إِذا سافر، وجائز أَن يكون التوْدِيعُ تَرْكَه إِياه في
الخفْضِ والدَّعةِ. وفي نوادر الأَعراب: تُوُدِّعَ مِنِّي أَي سُلِّمَ
عَلَيَّ. قال الأَزهري: فمعنى تُوُدِّعَ منهم أَي سُلِّمَ عليهم للتوديع؛
وأَنشد ابن السكيت قول مالك بن نويرة وذكر ناقته:
قاظَتْ أُثالَ إِلى المَلا، وتَرَبَّعَتْ
بالحَزْنِ عازِبةً تُسَنُّ وتُودَعُ
قال: تُودَعُ أَي تُوَدَّعُ، تُسَنُّ أَي تُصْقَلُ بالرَّعْي. يقال:
سَنَّ إِبلَه إِذا أَحْسَنَ القِيامَ عليها وصَقَلَها، وكذلك صَقَلَ فَرَسَه
إِذا أَراد أَن يَبْلُغَ من ضُمْرِه ما يبلغ الصَّيْقَلُ من السيف، وهذا
مثل؛ وروى شمر عن محارب: ودَّعْتُ فلاناً من وادِع السلام. ووَدَّعْتُ
فلاناً أَي هَجَرْتُه. والوَداعُ: القِلى.
والمُوادَعةُ والتَّوادُعُ: شِبْهُ المُصالحةِ والتَّصالُحِ.
والوَدِيعُ: العَهْدُ. وفي حديث طَهْفةَ: قال عليه السلام: لكم يا بني نهْدٍ
ودائِعُ الشِّرْكِ ووضائعُ المال؛ ودائِعُ الشرْكِ أَي العُهودُ والمَواثِيقُ،
يقال: أَعْطَيْتُه وَدِيعاً أَي عَهْداً. قال ابن الأَثير: وقيل يحتمل
أَن يريدوا بها ما كانوا اسْتُودِعُوه من أَمْوالِ الكفار الذين لم يدخلوا
في الإِسلام، أَراد إِحْلالَها لهم لأَنها مال كافر قُدِرَ عليه من غير
عَهْدٍ ولا شرْطٍ، ويدل عليه قوله في الحديث: ما لم يكن عَهْدٌ ولا
مَوْعِدٌ. وفي الحديث: أَنه وادَعَ بَني فلان أَي صالَحَهم وسالَمَهم على ترك
الحرب والأَذى، وحقيقة المُوادعةِ المُتاركةُ أَي يَدَعُ كل واحد منهما ما
هو فيه؛ ومنه الحديث: وكان كعب القُرَظِيُّ مُوادِعاً لرسول الله، صلى
الله عليه وسلم. وفي حديث الطعام: غَيْرَ مَكْفُورٍ ولا مُوَدَّعٍ ،لا
مُسْتَغْنًى عنه رَبّنا أَي غير مَتْرُوكِ الطاعةِ، وقيل: هو من الوَداعِ
وإِليه يَرْجِعُ. وتَوادَعَ القوم: أَعْطى بعضُهم بعضاً عَهْداً، وكله من
المصالحة؛ حكاه الهرويّ في الغريبين. وقال الأَزهري: تَوادَعَ الفَريقانِ
إِذا أَعْطى كل منهم الآخرِينَ عهداً أَن لا يَغْزُوَهُم؛ تقول: وادَعْتُ
العَدُوَّ إِذا هادَنْــتَه مُوادَعةً، وهي الهُدْنةُ والمُوادعةُ. وناقة
مُوَدَّعةٌ: لا تُرْكَب ولا تُحْلَب. وتَوْدِيعُ الفَحلِ: اقْتِناؤُه
للفِحْلةِ. واسْتَوْدَعه مالاً وأَوْدَعَه إِياه: دَفَعَه إِليه ليكون عنده
ودِيعةً. وأَوْدَعَه: قَبِلَ منه الوَدِيعة؛ جاء به الكسائي في باب
الأَضداد؛ قال الشاعر:
اسْتُودِعَ العِلْمَ قِرْطاسٌ فَضَيَّعَهُ،
فبِئْسَ مُسْتَودَعُ العِلْمِ القَراطِيسُ
وقال أَبو حاتم: لا أَعرف أَوْدَعْتُه قَبِلْتُ وَدِيعَته، وأَنكره شمر
إِلا أَنه حكى عن بعضهم اسْتَوْدَعَني فُلانٌ بعيراً فأَبَيْتُ أَن
أُودِعَه أَي أَقْبَلَه؛ قال الأَزهري: قاله ابن شميل في كتاب المَنْطِقِ
والكسائِيُّ لا يحكي عن العرب شيئاً إِلا وقد ضَبَطَه وحفِظه. ويقال:
أَوْدَعْتُ الرجل مالاً واسْتَوْدَعْتُه مالاً؛ وأَنشد:
يا ابنَ أَبي ويا بُنَيَّ أُمِّيَهْ،
أَوْدَعْتُكَ اللهَ الذي هُو حَسْبِيَهْ
وأَنشد ابن الأَعرابي:
حتى إِذا ضَرَبَ القُسُوس عَصاهُمُ،
ودَنا منَ المُتَنَسِّكينَ رُكُوعُ،
أَوْدَعْتَنا أَشْياءَ واسْتَوْدعْتَنا
أَشْياءَ، ليْسَ يُضِيعُهُنَّ مُضِيعُ
وأَنشد أَيضاً:
إِنْ سَرَّكَ الرّيُّ قُبَيْلَ النَّاسِ،
فَوَدِّعِ الغَرْبَ بِوَهْمٍ شاسِ
ودِّعِ الغَرْبَ أَي اجعله ودِيعةً لهذا الجَمَل أَي أَلْزِمْه
الغَرْبَ.والوَدِيعةُ:واحدة الوَدائِعِ، وهي ما اسْتُودِعَ. وقوله تعالى:
فمُسْتَقَرٌّ ومُسْتَوْدَعٌ؛ المُسْتَوْدَعُ ما في الأَرحام، واسْتَعاره علي،
رضي الله عنه، للحِكْمة والحُجّة فقال: بهم يَحفظ اللهُ حُجَجَه حتى
يودِعوها نُظراءَهُم ويَزرَعُوها في قُلوبِ أَشباهِهِم؛ وقرأَ ابن كثير وأَبو
عمرو: فمستقِرّ، بكسر القاف، وقرأَ الكوفيون ونافع وابن عامر بالفتح وكلهم
قال: فَمُسْتَقِرّ في الرحم ومستودع في صلب الأَب، روي ذلك عن ابن مسعود
ومجاهد والضحاك. وقال الزجاج: فَلَكُم في الأَرْحامِ مُسْتَقَرٌّ ولكم
في الأَصْلاب مُسْتَوْدَعٌ، ومن قرأَ فمستقِرّ، بالكسر، فمعناه فمنكم
مُسْتَقِرٌّ في الأَحياء ومنكم مُسْتَوْدَعٌ في الثَّرى. وقال ابن مسعود في
قوله: ويعلم مُسْتَقَرَّها ومُسْتَوْدَعها أَي مُستَقَرَّها في الأَرحام
ومُسْتَوْدَعَها في الأَرض. وقال قتادة في قوله عز وجل: ودَعْ أَذاهُم
وتَوَكَّلْ على الله؛ يقول: اصْبِرْ على أَذاهم. وقال مجاهد: ودع أَذاهم أَي
أَعْرِضْ عنهم؛ وفي شعر العباس يمدح النبي، صلى الله عليه وسلم:
مِنْ قَبْلِها طِبْتَ في الظِّلالِ وفي
مُسْتَوْدَعٍ، حيثُ يُخْصَفُ الوَرَقُ
المُسْتَوْدَعُ: المَكانُ الذي تجعل فيه الوديعة، يقال: اسْتَوْدَعْتُه
ودِيعةً إِذا اسْتَحْفَظْتَه إَيّاها، وأَراد به الموضع الذي كان به آدمُ
وحوّاء من الجنة، وقيل: أَراد به الرَّحِمَ.
وطائِرٌ أَوْدَعُ: تحتَ حنَكِه بياض. والوَدْعُ والوَدَعُ: اليَرْبُوعُ،
والأَوْدَع أَيضاً من أَسماء اليربوع.
والوَدْعُ: الغَرَضُ يُرْمَى فيه. والوَدْعُ: وثَنٌ. وذاتُ الوَدْعِ:
وثَنٌ أَيضاً. وذات الوَدْعِ: سفينة نوح، عليه السلام، كانت العرب تُقْسِمُ
بها فتقول: بِذاتِ الودْع؛ قال عَدِيّ بن زيد العبّادِي:
كَلاّ، يَمِيناً بذاتِ الوَدْعِ، لَوْ حَدَثَتْ
فيكم، وقابَلَ قَبْرُ الماجِدِ الزّارا
يريد سفينةَ نوح، عليه السلام، يَحْلِفُ بها ويعني بالماجِدِ النُّعمانَ
بنَ المنذِرِ، والزَّارُ أَراد الزارة بالجزيرة، وكان النعمان مَرِضَ
هنالك. وقال أَبو نصر: ذاتُ الودْعِ مكةُ لأَنها كان يعلق عليها في
سُتُورِها الوَدْعُ؛ ويقال: أَراد بذات الوَدْعِ الأَوْثانَ. أَبو عمرو:
الوَدِيعُ المَقْبُرةُ. والودْعُ، بسكون الدال: جائِرٌ يُحاطُ عليه حائطٌ
يَدْفِنُ فيه القومُ موتاهم؛ حكاه ابن الأَعرابي عن المَسْرُوحِيّ؛
وأَنشد:لَعَمْرِي، لقد أَوْفى ابنُ عَوْفٍ عشِيّةً
على ظَهْرِ وَدْعٍ، أَتْقَنَ الرَّصْفَ صانِعُهْ
وفي الوَدْعِ، لو يَدْري ابنُ عَوْفٍ عشِيّةً،
غِنى الدهْرِ أَو حَتْفٌ لِمَنْ هو طالِعُهْ
قال المسروحيّ: سمعت رجلاً من بني رويبة بن قُصَيْبةَ بن نصر بن سعد بن
بكر يقول: أَوْفَى رجل منا على ظهر وَدْعٍ بالجُمْهُورةِ، وهي حرة لبني
سعد بن بكر، قال: فسمعت قائلاً يقول ما أَنْشَدْناه، قال: فخرج ذلك الرجل
حتى أَتى قريشاً فأَخبر بها رجلاً من قريش فأَرسل معه بضعة عشر رجلاً،
فقال: احْفِرُوه واقرؤوا القرآن عنده واقْلَعُوه، فأَتوه فقلعوا منه فمات
ستة منهم أَو سبعة وانصرف الباقون ذاهبة عقولهم فَزَعاً، فأَخبروا صاحبهم
فكَفُّوا عنه، قال: ولم يَعُدْ له بعد ذلك أَحد؛ كلّ ذلك حكاه ابن
الأَعرابي عن المسروحيّ، وجمع الوَدْعِ وُدُوعٌ؛ عن المسروحي أَيضاً.
والوَداعُ: وادٍ بمكةَ، وثَنِيّةُ الوَداعِ منسوبة إِليه. ولما دخل
النبي، صلى الله عليه وسلم، مكة يوم الفتح استقبله إِماءُ مكةَ يُصَفِّقْنَ
ويَقُلْن:
طَلَعَ البَدْرُ علينا
من ثَنيّاتِ الوداعِ،
وجَبَ الشكْرُ علينا،
ما دَعا للهِ داعِ
ووَدْعانُ: اسم موضع؛ وأَنشد الليث:
ببيْض وَدْعانَ بِساطٌ سِيُّ
ووادِعةُ: قبيلة إِما أَن تكون من هَمْدانَ، وإِمّا أَن تكون هَمْدانُ
منها، وموْدُوعٌ: اسم فرس هَرِمِ بن ضَمْضَمٍ المُرّي، وكان هَرِمٌ قُتِلَ
في حَرْبِ داحِسٍ؛ وفيه تقول نائحتُه:
يا لَهْفَ نَفْسِي لَهَفَ المَفْجُوعِ،
أَنْ لا أَرَى هَرِماً على مَوْدُوعِ
قتل: القَتْل: معروف، قَتَلَه يَقْتُله قَتْلاً وتَقْتالاً وقَتَل به
سواء عند ثعلب، قال ابن سيده: لا أَعرفها عن غيره وهي نادرة غريبة، قال:
وأَظنه رآه في بيت فحسِب ذلك لغة؛ قال: وإِنما هو عندي على زيادة الباء
كقوله:
سُودُ المَحاجِرِ لا يَقْرَأْنَ بالسُّوَر
وإِنما هو يقرأْن السُّوَر، وكذلك قَتَّله وقَتَل به غيرَه أَي قتله
مكانه؛ قال:
قَتَلتُ بعبد الله خيرَ لِداتِه
ذُؤاباً، فلم أَفخَرْ بذاك وأَجْزَعا
التهذيب: قَتَله إِذا أَماته بضرْب أَو حجَر أَو سُمّ أَو علَّة،
والمنية قاتلة؛ وقول الفرزدق وبلغه موت زياد، وكان زياد هذا قد نفاه وآذاه ونذر
قتله فلما بلغ موته الفرزدق شَمِت به فقال:
كيف تراني قالِباً مِجَنِّي،
أَقْلِب أَمري ظَهْره لِلْبَطْنِ؟
قد قَتَلَ اللهُ زياداً عَنِّي
عَدَّى قَتَل بعنْ لأَنَّ فيه معنى صَرَفَ فكأَنه قال: قد صَرَف الله
زياداً، وقوله قالِباً مِجَنِّي أَي أَفعل ما شئت لا أَتَرَوَّع ولا
أَتَوقَّع. وحكى قطرب في الأَمر إِقْتُل، بكسر الهمزة على الشذوذ، جاء به على
الأَصل؛ حكى ذلك ابن جني عنه، والنحويون ينكرون هذا كراهية ضمة بعد كسرة
لا يحجُز بينهما إِلا حرف ضعيف غير حصين. ورجل قَتِيل: مَقْتول، والجمع
قُتَلاء؛ حكاه سيبويه، وقَتْلى وقَتالى؛ قال منظور بن مَرْثَد:
فظلَّ لَحْماً تَرِبَ الأَوْصالِ،
وَسْطَ القَتلى كالهَشِيم البالي
ولا يجمع قَتِيل جمعَ السلامة لأَن مؤنثه لا تدخله الهاء، وقَتَله
قِتْلة سَوء، بالكسر. ورجل قَتِيل: مَقْتول. وامرأَة قَتِيل: مَقْتولة، فإِذا
قلت قَتيلة بَني فلان قلت بالهاء، وقيل: إِن لم تذكر المرأَة قلت هذه
قَتِيلة بني فلان، وكذلك مررت بقَتِيلة لأَنك تسلك طريق الاسم. وقال
اللحياني: قال الكسائي يجوز في هذا طرْح الهاء وفي الأَوّل إِدخال الهاء يعني
أَن تقول: هذه امرأَة قَتِيلة ونِسْوة قَتْلى.
وأَقْتَل الرجلَ: عرَّضه للقَتْل وأَصْبَره عليه. وقال مالك بن نُوَيْرة
لامرأَته يوم قَتَله خالد بن الوليد: أَقْتَلْتِني أَي عرَّضْتِني
بحُسْن وجهك للقَتْل بوجوب الدفاع عنك والمُحاماة عليك، وكانت جميلة فقَتَله
خالد وتزوَّجها بعد مَقْتَله، فأَنكر ذلك عبد الله بن عمر؛ ومثله:
أَبَعْتُ الثَّوْب إِذا عَرَّضْته للبيع. وفي الحديث: أَشدُّ الناس عذاباً يوم
القيامة من قتَل نبيّاً أَو قَتَله نبيٌّ؛ أَراد من قَتَله وهو كافر
كقَتْله أُبيَّ بن خَلَف يوم بدْر لا كمَن قَتَله تطهيراً له في الحَدِّ
كماعِزٍ. وفي الحديث: لا يُقْتَل قُرَشيٌّ بعد اليوم صبْراً؛ قال ابن الأَثير:
إِن كانت اللام مرفوعة على الخَبر فهو محمول على ما أَباح من قَتْل
القُرَشيّين الأَربعة يوم الفَتْح، وهم ابن خَطَل ومَنْ معه أَي أَنهم لا
يعودون كفَّاراً يُغْزوْن ويُقْتَلون على الكفر كما قُتِل هؤلاء، وهو كقوله
الآخر: لا تُغْزَى مكة بعد اليوم أَي لا تعودُ دار كفر تُغْزى عليه، وإِن
كانت اللام مجزومة فيكون نهياً عن قَتْلهم في غير حَدٍّ ولا قِصاص. وفي
حديث سَمُرة: مَنْ قَتَل عَبْده قَتَلْناه ومن جَدَعَ عبده جَدَعْناه؛
قال ابن الأَثير: ذكر في رواية الحسن أَنه نَسِيَ هذا الحديث فكان يقول لا
يُقْتَل حرٌّ بعبد، قال: ويحتمل أَن يكون الحسن لم يَنْسَ الحديث، ولكنه
كان يتأَوَّله على غير معنى الإِيجاب ويراه نوعاً من الزَّجْر
ليَرْتَدِعوا ولا يُقْدِموا عليه كما قال في شارب الخمر: إِنْ عاد في الرابعة أَو
الخامسة فاقتُلوه، ثم جيء به فيها فلم يَقْتله، قال: وتأَوَّله بعضهم أَنه
جاء في عَبْد كان يملِكه مرَّة ثم زال مِلْكه عنه فصار كُفؤاً له
بالحُرِّية، قال: ولم يقل بهذا الحديث أَحد إِلاَّ في رواية شاذة عن سفيان
والمرويُّ عنه خلافه قال: وقد ذهب جماعة إِلى القِصاص بين الحرِّ وعبد الغير،
وأَجمعوا على أَن القِصاص بينهم في الأَطراف ساقط، فلما سقَط الجَدْع
بالإِجماع سقط القِصاص لأَنهما ثَبَتا معاً، فلما نُسِخا نُسِخا معاً،
فيكون حديث سَمُرة منسوخاً؛ وكذلك حديث الخمر في الرابعة والخامسة، قال: وقد
يرد الأَمر بالوَعيد رَدْعاً وزَجْراً وتحذيراً ولا يُراد به وقوع الفعل،
وكذلك حديث جابر في السارق: أَنه قُطِع في الأُولى والثانية والثالثة
إِلى أَن جيء به في الخامسة فقال اقتُلوه، قال جابر: فقَتَلْناه، وفي
إِسناده مَقال قال: ولم يذهب أَحد من العلماء إِلى قَتْل السارق وإِن تكررت
منه السَّرقة.
ومن أَمثالهم: مَقْتَلُ الرجل بين فَكَّيْه أَي سبب قَتْله بين
لَحْيَيْه وهو لِسانه. وقوله في حديث زيد بن ثابت: أَرسَل إِليَّ أَبو بكر
مَقْتَلع أَهل اليمامة؛ المَقْتَل مَفْعَل من القَتْل، قال: وهو ظرف زمان ههنا
أَي عند قَتْلهم في الوَقْعة التي كانت باليمامة مع أَهل الرِّدَّة في
زمن أَبي بكر، رضي الله عنه.
وتَقاتَل القوم واقتَتَلوا وتقَتَّلوا وقَتَّلوا وقِتَّلوا، قال سيبويه:
وقد أَدغم بعض العرب فأَسكن لمَّا كان الحرفان في كلمة واحدة ولم يكونا
مُنفَصِلين، وذلك قولهم يَقِتِّلون وقد قِتَّلوا، وكسروا القاف لأَنهما
ساكنان التقيا فشبِّهت بقولهم رُدِّ يا فَتى، قال: وقد قال آخرون
قَتَّلوا، أَلقَوْا حركة المتحرك على الساكن، قال: وجاز في قاف اقتَتَلوا
الوَجْهان ولم يكن بمنزلة عَصَّ وقِرَّ يلزمه شيء واحد لأَنه لا يجوز في الكلام
(* قوله «لأنه لا يجوز في الكلام إلخ» هكذا في الأصل) فيه الإِظهار
والإِخْفاء والإِدغام، فكما جاز فيه هذا في الكلام وتصرَّف دَخَله شيئَان
يَعْرضان في التقاء الساكنين، وتحذف أَلف الوَصْل حيث حرِّكت القاف كما حذفت
الأَلف التي في رُدَّ حيث حركت الراء، والأَلف التي في قلَّ لأَنهم حرفان
في كلمة واحدة لحقها الإِدغام، فحذفت الأَلف كما حذفت في رُبَّ لأَنه قد
أُدْغِم كما أُدْغم، قال: وتصديق ذلك قراءة الحسن: إِلا مَنْ خَطَّف
الخَطْفة؛ قال: ومن قال يَقَتِّل قال مُقَتِّل، ومن قال يَقِتِّل قال
مُقِتِّل، وأَهل مكة يقولون مُقُتِّل يُتْبِعون الضمة الضمة. قال سيبويه:
وحدثني الخليل وهرون أَنَّ ناساً يقولون مُرُدِّفين يريدون مُرْتَدِفين
أَتبَعُوا الضمةَ الضمة؛ وقول منظور بن مرثد الأَسدي:
تَعَرَّضَتْ لي بمكان حِلِّ،
تَعَرُّضَ المُهْرةِ في الطِّوَلِّ،
تَعَرُّضاً لم تَأْلُ عن قَتْلَلِّي
أَراد عن قَتْلي، فلما أَدخل عليه لازماً مشدَّدة كما أَدخل نوناً
مشدَّدة في قول دَهْلَب بن قريع:
جارية ليسَتْ من الوَخْشَنِّ
أُحِبُّ منكِ مَوْضِع القُرْطنِّ
وصار الإِعراب فيه فتَحَ اللامَ الأُولى كما تفتح في قولك مررت بتَمْرٍ
وبتَمْرَةٍ وبرجُلٍ وبرَجُلَين؛ قال ابن بري والمشهور في رجز منظور:
لم تَأْلُ عن قَتْلاً لي
على الحِكاية أَي عن قولها قَتْلاً له أَي اقتُلوه. ثم يُدغم التنوين في
اللام فيصير في السَّمْع على ما رواه الجوهري، قال: وليس الأَمر على ما
تأَوَّله. وقاتَله مُقاتَلة وقِتالاً، قال سيبويه: وَفَّروا الحروف
كما وَفَّروها في أَفْعَلْت إِفْعالاً.
قال: والتَّقْتال القَتْل وهو بناء موضوع للتَّكثير كأَنك قلت في
فَعَلْت فَعَّلْت، وليس هو مصدر فَعَّلْت، ولكن لما أَردت التَّكْثير بَنَيْت
المصدر على هذا كما بنيت فَعَّلْت على فَعَلْت. وقتَّلوا تقْتيلاً: شدِّد
للكثرة. والمُقاتَلة: القتال؛ وقد قاتَله قِتالاً وقِيتالاً، وهو من كلام
العرب، وكذلك المُقاتَل؛ قال كعب بن مالك:
أُقاتِل حتى لا أَرى لي مُقاتَلاً،
وأَنجو إِذا عُمَّ الجَبانُ من الكَرْب
وقال زيد الخيل:
أُقاتِل حتى لا أَرى لي مُقاتَلاً،
وأَنجُو إِذا لم يَنْجُ إِلا المُكَيّس
والمُقاتِلة: الذين يَلُون القِتال، بكسر التاء، وفي الصحاح: القوم
الذين يَصْلحون للقتال. وقوله تعالى: قاتَلهم الله أَنَّى يؤفَكُون؛ أَي
لَعَنَهم أَنَّى يُصْرَفون، وليس هذا بمعنى القِتال الذي هو من المُقاتلة
والمحاربة بين اثنين. وقال الفراء في قوله تعالى: قُتِل الإِنسان ما
أَكْفَره؛ معناه لُعِن الإِنسان، وقاتَله الله لعَنه الله؛ وقال أَبو عبيدة:
معنى قاتَلَ الله فلاناً قَتَله. ويقال: قاتَل الله فلاناً أَي عاداه. وفي
الحديث: قاتَل الله اليهود أَي قَتَلَهُم الله، وقيل: لعَنهم الله، وقيل:
عاداهم، قال ابن الأَثير: وقد تكرر في الحديث ولا يخرج عن أَحد هذه
المعاني، قال: وقد يرد بمعنى التعجب من الشيء كقولهم: تَرِبَتْ يداه، قال: وقد
ترد ولا يراد بها وُقوعُ الأَمر، وفي حديث عمر، رضي الله عنه: قاتَل
الله سَمُرة؛ وسَبِيلُ فاعَلَ أَن يكون بين اثنين في الغالب، وقد يرد من
الواحد كسافرْت وطارَقْت النعْل. وفي حديث المارّ بين يدي المُصَلِّي:
قاتِلْه فإِنه شيطان أَي دافِعْه عن قِبْلَتِك، وليس كل قِتال بمعنى القَتْل.
وفي حديث السَّقِيفة: قَتَلَ الله سعداً فإِنه صاحب فتنة وشرٍّ أَي دفع
الله شرَّه كأَنه إِشارة إِلى ما كان منه في حديث الإِفْك، والله أَعلم؛
وفي رواية: أَن عمر قال يوم السَّقِيفة اقْتُلوا سعداً قَتَله الله أَي
اجعلوه كمن قُتِل واحْسِبُوه في عِدادمَنْ مات وهلك، ولا تَعْتَدُّوا
بمَشْهَده ولا تُعَرِّجوا على قوله. وفي حديث عمر أَيضاً: مَنْ دَعا إِلى
إِمارة فسِه أَو غيره من المسلمين فاقتلوه أَي اجعلوه كمن قُتِلَ ومات بأَن
لا تَقْبَلوا له قولاً ولا تُقِيموا له دعوة، وكذلك الحديث الآخر: إِذا
بُويِع لخَلِيفتين فاقتلوا الأَخير منهما أَي أَبْطِلوا دعوته واجعلوه
كمَنْ قد مات.
وفي الحديث: على المُقْتَتِلِين أَن يَنْحَجِزوا الأَوْلى فالأَوْلى،
وإِن كانت امرأَة؛ قال ابن الأَثير: قال الخطابي معناه أَن يَكُفُّوا عن
القَتْل مثل أَن يُقْتَل رجل له وَرَثة فأَيهم عفا سقط القَوَدُ، والأَوْلى
هو الأَقرب والأَدنى من ورثة القتيل، ومعنى المُقْتَتِلِين أَن يطلُب
أَولياء القَتِيل القَوَد فيمتنع القَتَلة فينشأ بينهم القِتال من أَجله،
فهو جمع مُقْتَتِل، اسم فاعل من اقْتَتَل، ويحتمل أَن تكون الرواية بنصب
التاءين على المفعول؛ يقال: اقْتُتِل، فهو مُقْتَتَل، غير أَن هذا إِنما
يكثر استعماله فيمن قَتَله الحُبُّ؛ قال ابن الأَثير: وهذا حديث مشكل
اختلف فيه أَقوال العلماء فقيل: إِنه في المُقْتَتِلِين من أَهل القِبْلة على
التأْويل فإِن البَصائر ربما أَدْرَكت بعضَهم فاحتاج إِلى الانصراف من
مَقامه المذموم إِلى المحمود، فإِذا لم يجد طريقاً يمرُّ فيه إِليه بقي في
مكانه الأَول فعسى أَن يُقْتَل فيه، فأُمِرُوا بما في هذا الحديث، وقيل:
إِنه يدخل فيه أَيضاً المُقْتَتِلون من المسلمين في قِتالهم أَهل الحرب،
إِذ قد يجوز أَن يَطْرأَ عليهم مَنْ معه العذر الذي أُبِيح لهم الانصراف
عن قِتاله إِلى فِئة المسلمين التي يَتَقَوَّون بها على عدوِّهم، أَو
يصيروا إِلى قوم من المسلمين يَقْوَون بهم على قِتال عدوِّهم فيقاتِلونهم
معهم. ويقال: قُتِل الرجل، فإِن كان قَتَله العِشْق أَو الجِنُّ قيل
اقْتُتِل. ابن سيده: اقْتُتِل فلان قتله عشق النساء أَو قَتَله الجِنُّ، وكذلك
اقْتَتَلَتْه النساء، لا يقال في هذين إِلا اقْتُتِل. أَبو زيد:
اقْتُتِل جُنَّ، واقْتَتَله الجِنُّ خُبِل، واقْتُتِل الرجل إِذا عَشِق عِشْقاً
مُبَرِّحاً؛ قال ذو الرمة:
إِذا ما امْرُؤٌ حاوَلْن أَن يَقْتَتِلْنه،
بِلا إِحْنةٍ بين النُّفوس، ولا ذَحْل
هذا قول أَبي عبيد؛ وقد قالوا قَتَله الجِنّ وزعموا أَن هذا البيت:
قَتَلْنا سَيِّد الخَزْرَ
ج سعدَ بْنَ عُباده
إِنما هو للجنّ. والقِتْلة: الحالة من ذلك كله. وفي الحديث: أَعَفُّ
الناس قِتْلَةً أَهلُ الإِيمان؛ القِتْلة، بالكسر: الحالة من القَتْل،
وبفتحها المرَّة منه، وقد تكرر في الحديث ويفهَم المراد بهما من سياق اللفظ.
ومَقاتِل الإِنسان: المواضع التي إِذا أُصيبت منه قَتَلَتْه، واحدها
مَقْتَل. وحكى ابن الأَعرابي عن أَبي المجيب: لا والذي أَتَّقِيه إِلا
بمَقْتَلِه
(* قوله «والذي أتقيه إلا بمقتله» هكذا في الأصل) أَي كل موضع مني
مَقْتَل بأَيِّ شيءٍ شاء أَن ينزِل قَتْلي أَنزله، وأَضاف المَقْتَل إِلى
الله لأَن الإِنسان كله مِلْك لله عز وجل، فمَقاتِله ملك له.
وقالوا في المَثل: قَتَلَتْ أَرْضٌ جاهلَها وقَتَّلَ أَرضاً عالِمُها.
قال أَبو عبيدة: من أَمثالهم في المعرفة وحمدِهم إِياها قولُهم قَتَّل
أَرضاً عالمُها وقَتَلت أَرضٌ جاهلها، قال: قولهم قتَّل ذلك من قولهم فلان
مُقَتَّل مُضَرَّس، وقالوا قَتَله عِلْماً على المَثل أَيضاً، وقَتَلْت
الشيء خُبْراً. قال تعالى: وما قَتَلوه يَقِيناً بل رفعه الله إِليه؛ أَي
لم يُحيطوا به عِلْماً، وقال الفراء: الهاء ههنا للعلم كما تقول قَتَلْتُه
علماً وقَتَلْتَه يقيناً للرأْي والحديث، وأَما الهاء في قوله: وما
قَتَلوه وما صَلَبوه، فهو ههنا لعيسى، عليه الصلاة والسلام؛ وقال الزجاج:
المعنى ما قَتَلوا علْمَهم يقيناً كما تقول أَنا أَقْتُل الشيء علماً
تأْويله أَي أَعْلم علماً تامًّا. ابن السكيت: يقال هو قاتِل الشَّتَوات أَي
يُطعِم فيها ويُدْفِيءُ الناس، والعرب تقول للرجل الذي قد جرَّب الأُمور:
هو مُعاوِد السَّقْي سقى صَيِّباً. وقَتَل غَليلَه: سقاه فزال غَليلُه
بالرِّيِّ، مثل بما تقدم؛ عن ابن الأَعرابي.
والقِتْل، بالكسر: العدوُّ؛ قال:
واغْتِرابي عن عامِر بن
لُؤَيٍّ في بلادٍ كثيرة الأَقْتال
الأَقتال: الأَعداء، واحدهم قِتْل وهم الأَقْران؛ قال ابن بري: البيت
لابن قيس الرُّقَيّات، ولُؤَي بالهمز تصغير اللأْيِ، وهو الثور الوحشيُّ.
والقَتالُ والكَتَالُ: الكِدْنة والغِلْظ، فإِذا قيل ناقة نَقِيَّة
القَتال فإِنما يريد أَنها، وإِن هُزِلت، فإِن عملَها باقٍ؛ قال ابن
مقبل:ذعرْت بِجَوْس نَهْبَلَةٍ قِذَافٍ
من العِيدِيِّ باقِية القَتَال
والقِتْل: القِرْن في قِتال وغيره. وهما قِتْلان أَي مِثْلان وحَِتْنان.
وقِتْل الرجل: نظيرة وابنُ عمه. وإِنه لقِتْل شرٍّ أَي عالم به، والجمع
من ذلك كله أَقْتال.
ورجل مُقَتَّل: مجرِّب للأُمور. أَبو عمرو: المجرِّبُ والمُجَرَّس
والمُقَتَّل كله الذي جرَّب الأُمور وعرفها. وقَتَل الخمر قَتْلاً: مزجها
فأَزال بذلك حِدَّتها؛ قال الأَخطل:
فقلتُ: اقْتُلوها عنكُم بمِزاجِها،
وحُبَّ بها مَقْتولة، حين تُقْتَل
وقال حسان:
إِنَّ التي عاطَيْتَني فَرَدَدْتُها
قُتِلَتْ، قُتِلْتَ فهاتِها لم تُقْتَل
قوله قُتِلْتَ دعاء عليه أَي قَتَلك الله لِمَ مزجتها؛ وقول دكين:
أُسْقَى بَراوُوقِ الشَّباب الخاضِلِ،
أُسْقَى من المَقْتولَةِ القَواتِلِ
أَي من الخُمور المَقْتولة بالمَزْج القَواتِل بحدَّتها وإِسكارها.
وتَقَتَّل الرجل للمرأَة: خضَع. ورجل مُقَتَّل أَي مُذَلَّل قَتَله
العشق. وقلْب مُقَتَّل: قُتِل عشقاً، وقيل مذلَّل بالحب؛ وقال أَبو الهيثم في
قوله:
بسَهْمَيْكِ في أَعْشارِ قَلْب مُقَتَّل
(* هذا البيت لامرئ القيس من معلقته، وصدره:
وما ذَرَفَت عيناك إلا لتضربي)
قال: المُقَتَّل العَوْد المُضَرَّس بذلك الفعل كالناقة المُقَتَّلة
المُذَلَّلة لعمل من الأَعمال وقد رِيضت وذُلِّلَتْ وعُوِّدت؛ قال: ومن ذلك
قيل للخمر مَقْتولة إِذا مُزِجت بالماء حتى ذهبت شدَّتها فصار رِياضة
لها. والمُقَتَّل: المَكْدود بالعمل المُذَلَّلُ. وجمل مُقَتَّل: ذَلول؛ قال
زهير:
كأَنَّ عَيْنيَّ في غَرْبَيْ مُقَتَّلَةٍ،
من النواضِحِ، تَسْقي جَنَّةً سُحُقَا
واسْتَقْتَل أَي اسْتَمات. التهذيب: المُقَتَّل من الدواب الذي ذَلَّ
ومَرَن على العمل. وناقة مُقَتَّلة: مذللة. وتَقَتَّلَت المرأَةُ للرجل:
تزينت. وتَقَتَّلت: مشت مِشْية حسنة تقلَّبت فيها وتثنَّت وتكسَّرت؛ يوصف
به العشق؛ وقال:
تَقَتّلْتِ لي، حتى إِذا ما قَتَلْتِني
تنسَّكْتِ، ما هذا بفِعْل النَّواسِكِ
قال أَبو عبيد: يقال للمرأَة هي تَقَتَّل في مِشْيتها؛ قال الأَزهري:
معناه تَدَلُّلها واخْتيالها.
واسْتَقْتَل في الأَمر: جدَّ فيه. وتقتَّل لحاجته: تهيَّأ وجدَّ.
والقَتَال: النَّفْس، وقيل بقيَّتها؛ قال ذو الرمة:
أَلم تَعْلَمِي يا مَيُّ أَني، وبيننا
مَهاوٍ يَدَعْنَ الجَلْسَ نَحْلاً قَتَالُها،
أُحَدِّثُ عنكِ النَّفْسَ حتى كأَنني
أُناجِيكِ من قُرْبٍ، فيَنْصاحُ بالُها؟
ونَحْلاً: جمع ناحِل، تقول منه قَتْله كما تقول صَدرَه ورأَسَه
وفَأَدَه. والقَتَال: الجسمُ واللحمُ، وقيل: القَتال بقيَّة الجسم. وقال في موضع
آخر: العُجُوس مَشْيُ العَجَاساء وهي الناقة السمينة تتأَخَّر عن النُّوق
لثِقَل قَتالها، وقَتالُها شحمُها ولحمُها. ودابة ذات قَتال: مستوية
الخَلْق وَثِيقة. وبقي منه قَتَال إِذا بقي منه بعد الهُزال غِلَظ
أَلواح.وامرأَة قَتُول أَي قاتلة؛ وقال مدرك بن حصين:
قَتُول بعَيْنَيْها رَمَتْكَ، وإِنما
سِهامُ الغَواني القاتِلاتُ عُيونُها
والقَتُول وقَتْلَة: اسمان؛ وإِياها عنى الأَعشى بقوله:
شاقَتْك مَنْ قَتْلَة أَطْلالُها،
بالشَّطِّ فالوُِتْر إِلى حاجِرِ
والقَتَّال الكِلابي: من شُعَرائهم.
نبذ: النَّبْذُ: طرحك الشيء من يدك أَمامك أَو وراءك. نَبَذْتُ الشيء
أَنْبِذُه نَبْذاً إِذا أَلقيته من يدك، ونَبَّذته، شدد للكثرة. ونبذت
الشيء أَيضاً إِذا رميته وأَبعدته؛ ومنه الحديث: فنبذ خاتمه، فنبذ الناس
خواتيمهم أَي أَلقاها من يده. وكلُّ طرحٍ: نَبْذٌ؛ نَبَذه يَنْبِذُه
نَبْذاً.والنبيذ: معروف، واحد الأَنبذة. والنبيذ: الشيء والمنبوذ: والنبيذ: ما
نُبِذَ من عصير ونحوه.
وقد نبذ النبيذ وأَنبذه وانتبَذه ونَبَّذَه ونَبَذْتُ نبيذاً إِذا
تخذته، والعامة تقول أَنْبَذْتُ. وفي الحديث: نَبَّذوا وانْتَبَذُوا. وحكى
اللحياني: نبذ تمراً جعله نبيذاً، وحكى أَيضاً: أَنبذ فلان تمراً؛ قال: وهي
قليلة وإِنما سمي نبيذاً لأَن الذي يتخذه يأْخذ تمراً أَو زبيباً فينبذه
في وعاء أَو سقاء عليه الماء ويتركه حتى يفور فيصير مسكراً. والنبذ:
الطرح، وهو ما لم يسكر حلال فإِذا أَسكر حرم. وقد تكرر في الحديث ذكر النبيذ،
وهو ما يعمل من الأَشربة من التمر والزبيب والعسل والحنطة والشعير وغير
ذلك.
يقال: نبذت التمر والعنب إِذا تركت عليه الماء ليصير نبيذاً، فصرف من
مفعول إِلى فعيل. وانتبذته: اتخذته نبيذاً وسواء كان مسكراً أَو غير مسكر
فإِنه يقال له نبيذ، ويقال للخمر المعتصَرة من العنب: نبيذ، كما يقال
للنبيذ خمر.
ونبذ الكتاب وراء ظهره: أَلقاه. وفي التنزيل: فنبذوه وراء ظهورهم؛ وكذلك
نبذ إِليه القول.
والمنبوذ: ولد الزنا لأَنه يُنبذ على الطريق، وهم المَنَابذة، والأُنثى
منبوذة ونبيذة، وهم المنبوذون لأَنهم يُطْرحون. قال أَبو منصور: المنبوذ
الذي تنبذه والدته في الطريق حين تلده فيلتقطه رجل من المسلمين ويقوم
بأَمره، وسواء حملته أُمّه من زنا أَو نكاح ولا يجوز أَن يقال له ولد الزنا
لما أَمكن في نسبه من الثبات.
والنبيذة والمنبوذة: التي لا تؤكل من الهزال، شاة كانت أَو غيرها، وذلك
لأَنها تنبذ. ويقال للشاة المهزولة التي يهملها أَهلوها: نبيذة. ويقال
لما يُنْبَثُ من تراب الحفرة: نبيثة ونبيذة، والجمع النبائث والنبائذ. وجلس
نَبْذةً ونُبْذَةً أَي ناحية.
وانتبذ عن قومه: تنحى. وانتبذ فلان إِلى ناحية أَي تنحى ناحية؛ قال الله
تعالى في قصة مريم: فانتبذت من أَهلها مكاناً شرقيّاً. والمنتبذ:
المتنحي ناحية؛ قال لبيد:
يَجْتابُ أَصْلاً قالصاً، مُتَنَبّذاً
بِعُجُوبِ أَنْقاءٍ، يَميلُ هَيَامُها
(* قوله «متنبذاً» هكذا بالأصل الذي بأيدينا، وهو كذلك في عدة من نسخ
الصحاح المعتمدة في مواضع منه وهو لا يناسب المستشهد عليه، وهو قوله:
والمنتبذ المتنحي إلخ، فلعله محرف عن المتنبذ وهو كذلك في شرح القاموس.)
وانتبذ فلان أَي ذهب ناحية. وفي الحديث: أَنه مر بقبر مُنْتَبِذ عن القبور أَي
منفرد بعيد عنها. وفي حديث آخر: انتهى إِلى قبر منبوذ فصلى عليه؛ يروى
بتنوين القبر وبالإِضافة، فمع التنوين هو بمعنى الأَول، ومع الإِضافة يكون
المنبوذ اللقيط أَي بقبر إِنسان منبوذ رمته أُمّه على الطريق. وفي حديث
الدجال: تلده أُمّه وهي مَنْبُوذة في قبرها أَي مُلْقاة.
والمنابذة والانتباذ: تحيز كل واحد من الفريقين في الحرب. وقد نابذهم
الحربَ ونَبَذَ إِليهم على سواء يَنْبِذ أَي نابذهم الحرب. وفي التنزيل:
فانبذ إِليهم على سواء؛ قال اللحياني: على سواء أَي على الحق والعدل.
ونابذه الحرب: كاشفه. والمُنابذة: انتباذ الفريقين للحق؛ تقول: نابذناهم الحرب
ونبذنا إِليهم الحرب على سواء. قال أَبو منصور: المنابذة أَن يكون بين
فريقين مختلفين عهد وهدنة بعد القتال، ثم أَراد نفض ذلك العهد فينبذ كل
فريق منهما إِلى صاحبه العهد الذي تــهادنــا عليه؛ ومنه قوله تعالى: وإِما
تخافن من قوم خيانة فانبذ إِليهم على سواء؛ المعنى: إِن كان بينك وبين قوم
هدنة فخفت منهم نقضاً للعهد فلا تبادر إِلى النقض حتى تلقي إِليهم أَنك قد
نقضت ما بينك وبينهم، فيكونوا معك في علم النقض والعود إِلى الحرب
مستوين. وفي حديث سلمان: وإِن أَبيتم نابذناكم على سواء أي كاشفناكم وقاتلناكم
على طريق مستقيم مستوفي العلم بالمنابذة منا ومنكم بأَن نظهر لهم العزم
على قتالهم ونخبرهم به إِخباراً مكشوفاً. والنبذ: يكون بالفعل والقول في
الأَجسام والمعاني؛ ومنه نبذ العهد إِذا نقضه وأَلقاه إِلى من كان بينه
وبينه. والمنابذة في التَّجْر: أَن يقول الرجل لصاحبه: انْبِذ إِليّ الثوب
أَو غيره من المتاع أَو أَنبذه إِليك فقد وجب البيع بكذا وكذا. وقال
اللحياني: المنابذة أَن ترمي إِليه بالثوب ويرمي إِليك بمثله؛ والمنابذة
أَيضاً: أَن يرمي إِليك بحصاة؛ عنه أَيضاً. وفي الحديث: أَن النبي، صلى الله
عليه وسلم، نهى عن المنابذة أَن يقول الرجل لصاحبه انبذ إِليّ الثوب أَو
غيره من المتاع أَو أَنبذه إِليك وقد وجب البيع بكذا وكذا. قال: ويقال
إِنما هي أَن تقول إِذا نبذت الحصاة إِليك فقد وجب البيع؛ ومما يحققه
الحديث الآخر: أَنه نهى عن بيع الحصاة فيكون البيع معاطاة من غير عقد ولا
يصح. ونبيذة البئر: نَبِيثَتُها، وزعم يعقوب أَن الذال بدل من الثاءِ.
والنَّبْذ: الشيء القليل، والجمع أَنباذ. ويقال: في هذا العِذْق نَبْذٌ
قليل من الرُّطَب ووخْرٌ قليل، وهو أَن يُرْطب في الخطيئة
(* قوله «أن
يرطب في الخطيئة» أَي أن يقع ارطابه أي العذق في الجماعة القائمة من
شماريخه أَو بلحه فإن الخطيئة القليل من كل شيء.) بعد الخطيئة. ويقال: ذهب ماله
وبقي نَبْذٌ منه ونُبْذَةٌ أَي شيء يسير؛ وبأَرض كذا نَبْذٌ من مال من
كلإٍ. وفي رأْسه نَبْذٌ من شَيْب. وأَصاب الأَرض نَبْذٌ من مطر أَي شيء
يسير. وفي حديث أَنس: إِنما كان البياض في عنفقته وفي الرأْس نَبْذٌ أَي
يسير من شيب؛ يعني به النبي، صلى الله عليه وسلم. وفي حديث أُمّ عطيَّة:
نُبْذَةُ قُسْطٍ وأَظفارٍ أَي قِطْعَةٌ منه. ورأَيت في العِذْقِ نَبْذاً من
خُضْرَة وفي اللحية نَبْذاً من شيب أَي قليلاً؛ وكذلك القليل من الناس
والكلإِ. والمِنْبَذَةُ: الوِسادَةُ المُتَّكَأُ عليها؛ هذه عن اللحياني.
وفي حديث عديّ بن حاتم: أَن النبي، صلى الله عليه وسلم، أَمر له لما
أَتاه بِمِنْبَذَةٍ وقال: إِذا أَتاكم كريم قوم فأَكرموه؛ وسميت الوِسادَةُ
مِنْبَذَةً لأَنها تُنْبَذُ بالأَرض أَي تطرح للجلوس عليها؛ ومنه الحديث:
فأَمر بالسَّتْرِ أَنْ يُقْطَعَ ويُجْعَلَ له منه وسادتان منبوذتان.
ونَبَذَ العِرْقُ يَنْبِذُ نَبْذاً: ضرب، لغة في نبض، وفي الصحاح: يَنْبِذُ
نَبَذاناً لغة في نبض، والله أَعلم.
نصب: النَّصَبُ: الإِعْياءُ من العَناءِ. والفعلُ نَصِبَ الرجلُ،
بالكسر،نَصَباً: أَعْيا وتَعِبَ؛ وأَنْصَبه هو، وأَنْصَبَني هذا الأَمْرُ.وهَمٌّ ناصِبٌ مُنْصِبٌ: ذو نَصَبٍ، مثل تامِرٍ ولابِنٍ، وهو فاعلٌ بمعنى مفعول، لأَنه يُنْصَبُ فيه ويُتْعَبُ.
وفي الحديث: فاطمةُ بَضْعَةٌ مِنِّي، يُنْصِـبُني ما أَنْصَبَها أَي
يُتْعِـبُني ما أَتْعَبَها.
والنَّصَبُ: التَّعَبُ؛ قال النابغة:
كِليني لـهَمٍّ، يا أُمَيْمَةَ، ناصِبِ
قال: ناصِب، بمعنى مَنْصُوب؛ وقال الأَصمعي: ناصِب ذي نَصَبٍ، مثلُ لَيْلٌ نائمٌ ذو نومٍ يُنامُ فيه، ورجل دارِعٌ ذو دِرْعٍ؛ ويقال: نَصَبٌ ناصِبٌ، مثل مَوْتٌ مائِت، وشعرٌ شاعر؛ وقال سيبويه: هَمٌّ ناصبٌ، هو على النَّسَب. وحكى أَبو علي في التَّذْكرة: نَصَبه الـهَمُّ؛ فناصِبٌ إِذاً على الفِعْل. قال الجوهري: ناصِبٌ فاعل بمعنى مفعول فيه، لأَنه يُنْصَبُ فيه ويُتْعَبُ، كقولهم: لَيْلٌ نائمٌ أَي يُنامُ فيه، ويوم عاصِفٌ أَي تَعْصِفُ فيه الريح. قال ابن بري: وقد قيل غير هذا القول، وهو الصحيح، وهو أَن يكون ناصِبٌ بمعنى مُنْصِبٍ، مثل مكان باقلٌ بمعنى مُبْقِل، وعليه قول النابغة؛ وقال أَبو طالب:
أَلا مَنْ لِـهَمٍّ، آخِرَ اللَّيْلِ، مُنْصِبِ
قال: فناصِبٌ، على هذا، ومُنْصِب بمعنًى. قال: وأَما قوله ناصِبٌ بمعنى مَنْصوب أَي مفعول فيه، فليس بشيءٍ. وفي التنزيل العزيز: فإِذا فَرَغْتَ فانْصَبْ؛ قال قتادة: فإِذا فرغتَ من صَلاتِكَ، فانْصَبْ في الدُّعاءِ؛ قال الأَزهري: هو من نَصِبَ يَنْصَبُ نَصَباً إِذا تَعِبَ؛ وقيل: إِذا فرغت من الفريضة، فانْصَبْ في النافلة.
ويقال: نَصِبَ الرجلُ، فهو ناصِبٌ ونَصِبٌ؛ ونَصَبَ لـهُمُ الـهَمُّ،
وأَنْصَبَه الـهَمُّ؛ وعَيْشٌ ناصِبٌ: فيه كَدٌّ وجَهْدٌ؛ وبه فسر الأَصمعي قول أَبي ذؤيب:
وغَبَرْتُ بَعْدَهُمُ بعيشٍ ناصِبٍ، * وإِخالُ أَني لاحِقٌ مُسْتَتْبِـعُ
قال ابن سيده: فأَما قول الأُمَوِيِّ إِن معنى ناصِبٍ تَرَكَني مُتَنَصِّباً، فليس بشيءٍ؛ وعَيْشٌ ذو مَنْصَبةٍ كذلك. ونَصِبَ الرجلُ: جَدَّ؛ وروي بيتُ ذي الرمة:
إِذا ما رَكْبُها نَصِـبُوا
ونَصَبُوا. وقال أَبو عمرو في قوله ناصِب: نَصَبَ نَحْوي أَي جَدَّ.
قال الليث: النَّصْبُ نَصْبُ الدَّاءِ؛ يقال: أَصابه نَصْبٌ من
الدَّاءِ.والنَّصْبُ والنُّصْبُ والنُّصُبُ: الداءُ والبَلاءُ والشرُّ. وفي
التنزيل العزيز: مَسَّني الشيطانُ بنُصْبٍ وعَذابٍ. والنَّصِبُ: المريضُ الوَجِـعُ؛ وقد نَصَبه المرض وأَنْصَبه. والنَّصْبُ: وَضْعُ الشيءِ ورَفْعُه، نَصَبه يَنْصِـبُه نَصْباً، ونَصَّبَه فانْتَصَبَ؛ قال:
فباتَ مُنْتَصْـباً وما تَكَرْدَسا
أَراد: مُنْتَصِـباً، فلما رأَى نَصِـباً من مُنْتَصِبٍ، كفَخِذٍ، خففه
تخفيف فَخِذٍ، فقال: مُنْتَصْباً. وتَنَصَّبَ كانْتَصَبَ.
والنَّصِـيبةُ والنُّصُبُ: كلُّ ما نُصِبَ، فجُعِلَ عَلَماً. وقيل: النُّصُب جمع نَصِـيبةٍ، كسفينة وسُفُن، وصحيفة وصُحُفٍ. الليث: النُّصُبُ
جماعة النَّصِـيبة، وهي علامة تُنْصَبُ للقوم.
والنَّصْبُ والنُّصُبُ: العَلَم الـمَنْصُوب. وفي التنزيل العزيز:
كأَنهم إِلى نَصْبٍ يُوفِضُونَ؛ قرئ بهما جميعاً، وقيل: النَّصْبُ الغاية، والأَول أَصحّ. قال أَبو إِسحق: مَن قرأَ إِلى نَصْبٍ، فمعناه إِلى عَلَمٍ مَنْصُوبٍ يَسْتَبِقُون إِليه؛ ومن قرأَ إِلى نُصُبٍ، فمعناه إِلى أَصنام كقوله: وما ذُبِحَ على النُّصُب، ونحو ذلك قال الفراء؛ قال: والنَّصْبُ واحدٌ، وهو مصدر، وجمعه الأَنْصابُ.
واليَنْصُوبُ: عَلم يُنْصَبُ في الفلاةِ. والنَّصْبُ والنُّصُبُ: كلُّ ما عُبِدَ من دون اللّه تعالى، والجمع أَنْصابٌ. وقال الزجاج: النُّصُبُ جمع، واحدها نِصابٌ. قال: وجائز أَن يكون واحداً، وجمعه أَنْصاب. الجوهري: النَّصْبُ ما نُصِبَ فعُبِدَ من دون اللّه تعالى، وكذلك النُّصْب، بالضم، وقد يُحَرّكُ مثل عُسْر؛ قال الأَعشى
يمدح سيدنا رسول اللّه، صلى اللّه عليه وسلم:
وذا النُّصُبَ الـمَنْصُوبَ لا تَنْسُكَنَّهُ * لعافيةٍ، واللّهَ رَبَّكَ فاعْبُدا(1)
(1 قوله «لعافية» كذا بنسخة من الصحاح الخط وفي نسخ الطبع كنسخ شارح القاموس لعاقبة.)
أَراد: فاعبدنْ، فوقف بالأَلف، كما تقول: رأَيت زيداً؛ وقوله: وذا النُّصُبَ، بمعنى إِياك وذا النُّصُبَ؛ وهو للتقريب، كما قال لبيد:
ولقد سَئِمْتُ من الـحَياةِ وطولِها، * وسُؤَالِ هذا الناسِ كيف لَبيدُ!
ويروى عجز بيت الأَعشى:
ولا تَعْبُدِ الشيطانَ، واللّهَ فاعْبُدا
التهذيب، قال الفراء: كأَنَّ النُّصُبَ الآلهةُ التي كانت تُعْبَدُ من
أَحجار. قال الأَزهري: وقد جَعَلَ الأَعشى النُّصُبَ واحداً حيث يقول:
وذا النُّصُبَ الـمَنْصُوبَ لا تَنْسُكَنَّه
والنَّصْبُ واحد، وهو مصدر، وجمعه الأَنْصابُ؛ قال ذو الرمة:
طَوَتْها بنا الصُّهْبُ الـمَهاري، فأَصْبَحَتْ * تَناصِـيبَ، أَمثالَ الرِّماحِ بها، غُبْرا
والتَّناصِـيبُ: الأَعْلام، وهي الأَناصِـيبُ، حجارةٌ تُنْصَبُ على رؤوس القُورِ، يُسْتَدَلُّ بها؛ وقول الشاعر:
وَجَبَتْ له أُذُنٌ، يُراقِبُ سَمْعَها * بَصَرٌ، كناصِـبةِ الشُّجاعِ الـمُرْصَدِ
يريد: كعينه التي يَنْصِـبُها للنظر.
ابن سيده: والأَنْصابُ حجارة كانت حول الكعبة، تُنْصَبُ فيُهَلُّ عليها، ويُذْبَحُ لغير اللّه تعالى.
وأَنْصابُ الحرم: حُدوده.
والنُّصْبةُ: السَّارِية.
والنَّصائِبُ: حجارة تُنْصَبُ حَولَ الـحَوض، ويُسَدُّ ما بينها من
الخَصاص بالـمَدَرة المعجونة، واحدتها نَصِـيبةٌ؛ وكلُّه من ذلك.
وقوله تعالى: والأَنْصابُ والأَزْلامُ، وقوله: وما ذُبِحَ على
النُّصُبِ؛ الأَنْصابُ: الأَوثان. وفي حديث زيد بن حارثة قال: خرج رسول اللّه، صلى اللّه عليه وسلم، مُرْدِفي إِلى نُصُبٍ من الأَنْصاب، فذَبحنا له شاةً، وجعلناها في سُفْرتِنا، فلَقِـيَنا زيدُ بن عَمْرو، فقَدَّمْنا له السُّفرةَ، فقال: لا آكل مما ذُبحَ لغير اللّه. وفي رواية: أَن زيد بن عمرو مَرَّ برسول اللّه، صلى اللّه عليه وسلم، فدعاه إِلى الطعام، فقال زيدٌ:إِنَّا لا نأْكل مما ذُبحَ على النُّصُب. قال ابن الأَثير، قال الحربيُّ: قوله ذَبحنا له شاةً له وجهان:
أَحدهما أَن يكون زيد فعله من غير أَمر النبي، صلى اللّه عليه وسلم، ولا رِضاه، إِلاَّ أَنه كان معه، فنُسِب إِليه، ولأَنَّ زيداً لم يكن معه من العِصْمة، ما كان مع سيدنا رسول اللّه، صلى
اللّه عليه وسلم. والثاني أَن يكون ذبحها لزاده في خروجه، فاتفق ذلك عند صنم كانوا يذبحون عنده، لا أَنه ذبحها للصنم، هذا إِذا جُعِلَ النُّصُب الصَّنم، فأَما إِذا جُعِلَ الحجر الذي يذبح عنده، فلا كلام فيه، فظن زيد بن عمرو أَن ذلك اللحم مما كانت قريش تذبحه لأَنصابها، فامتنع لذلك، وكان زيد يخالف قريشاً في كثير من أُمورها، ولم يكن الأَمْرُ كما ظَنَّ زيد.
القُتَيْبـيُّ: النُّصُب صَنَم أَو حَجَرٌ، وكانت الجاهلية تَنْصِـبُه،
تَذْبَحُ عنده فيَحْمَرُّ للدمِ؛ ومنه حديث أَبي ذرّ في إِسلامه، قال:
فخَررْتُ مَغْشِـيّاً عليّ ثم ارْتَفَعْتُ كأَني نُصُبٌ أَحمر؛ يريد أَنهم
ضَرَبُوه حتى أَدْمَوْه، فصار كالنُّصُب الـمُحْمَرِّ بدم الذبائح. أَبو
عبيد: النَّصائِبُ ما نُصِبَ حَوْلَ الـحَوْضِ من الأَحْجار؛ قال ذو
الرمة:
هَرَقْناهُ في بادي النَّشِـيئةِ داثرٍ، * قَديمٍ بعَهْدِ الماءِ، بُقْعٍ نَصائِـبُهْ
والهاءُ في هَرَقْناه تَعُودُ على سَجْلٍ تقدم ذكره. الجوهري:
والنَّصِـيبُ الـحَوْضُ.
وقال الليث: النَّصْبُ رَفْعُك شيئاً تَنْصِـبُه قائماً مُنْتَصِـباً،
والكلمةُ الـمَنْصوبةُ يُرْفَعُ صَوْتُها إِلى الغار الأَعْلى، وكلُّ شيءٍ
انْتَصَبَ بشيءٍ فقد نَصَبَهُ. الجوهري: النَّصْبُ مصدر نَصَبْتُ الشيءَ إِذا أَقَمته.
وصَفِـيحٌ مُنَصَّبٌ أَي نُصِبَ بعضُه على بعض. ونَصَّبَتِ الخيلُ آذانَها: شُدِّد للكثرة أَو للمبالغة. والـمُنَصَّبُ من الخَيلِ: الذي يَغْلِبُ على خَلْقه كُلِّه نَصْبُ عِظامه، حتى يَنْتَصِبَ منه ما يحتاج إِلى عَطْفه. ونَصَبَ السَّيْرَ يَنْصِـبه نَصْباً: رَفَعه.
وقيل: النَّصْبُ أَن يسيرَ القومُ يَوْمَهُم، وهو سَيْرٌ لَيِّنٌ؛ وقد نَصَبوا نَصْباً. الأَصمعي: النَّصْبُ أَن يسير القومُ يومَهم؛ ومنه قول
الشاعر:
كأَنَّ راكِـبَها، يَهْوي بمُنْخَرَقٍ * من الجَنُوبِ، إِذا ما رَكْبُها نَصَبوا
قال بعضهم: معناه جَدُّوا السَّيْرَ.
وقال النَّضْرُ: النَّصْبُ أَوَّلُ السَّيْر، ثم الدَّبيبُ، ثم العَنَقُ، ثم التَّزَيُّدُ، ثم العَسْجُ، ثم الرَّتَكُ، ثم الوَخْدُ، ثم الـهَمْلَجَة. ابن سيده: وكلُّ شيءٍ رُفِعَ واسْتُقْبِلَ به شيءٌ، فقد نُصِبَ.
ونَصَبَ هو، وتَنَصَّبَ فلانٌ، وانْتَصَبَ إِذا قام رافعاً رأْسه. وفي حديث الصلاة: لا يَنْصِبُ رأْسه ولا يُقْنِعُه أَي لا يرفعه؛ قال ابن الأَثير: كذا في سنن أَبي داود، والمشهور: لا يُصَبِّـي ويُصَوِّبُ، وهما مذكوران في مواضعهما.
وفي حديث ابن عمر: مِنْ أَقْذَرِ الذُّنوبِ رجلٌ ظَلَمَ امْرَأَةً
صَداقَها؛ قيل للَّيْثِ: أَنَصَبَ ابنُ عمر الحديثَ إِلى رسول اللّه، صلى اللّه عليه وسلم؟ قال: وما عِلْمُه، لولا أَنه سمعه منه أَي أَسنَدَه إِليه ورَفَعَه.
والنَّصْبُ: إِقامةُ الشيءِ ورَفْعُه؛ وقوله:
أَزَلُّ إِنْ قِـيدَ، وإِنْ قامَ نَصَبْ
هو من ذلك، أَي إِن قام رأَيتَه مُشْرِفَ الرأْس والعُنُق.
قال ثعلب: لا يكون النَّصْبُ إِلا بالقيام.
وقال مرة: هو نُصْبُ عَيْني، هذا في الشيءِ القائم
الذي لا يَخْفى عليَّ، وإِن كان مُلْـقًى؛ يعني بالقائم، في هذه الأَخيرة: الشيءَ الظاهرَ.القتيبي: جَعَلْتُه نُصْبَ عيني، بالضم، ولا تقل نَصْبَ عيني. ونَصَبَ له الحربَ نَصْباً: وَضَعَها. وناصَبَه الشَّرَّ والحربَ والعَداوةَ مُناصبةً: أَظهَرَهُ له ونَصَبه، وكلُّه من الانتصابِ.
والنَّصِـيبُ: الشَّرَكُ الـمَنْصوب. ونَصَبْتُ للقَطا شَرَكاً.
ويقال: نَصَبَ فلانٌ لفلان نَصْباً إِذا قَصَدَ له، وعاداه، وتَجَرَّدَ
له. وتَيْسٌ أَنْصَبُ: مُنْتَصِبُ القَرْنَيْنِ؛ وعَنْزٌ نَصْباءُ: بَيِّنةُ
النَّصَب إِذا انْتَصَبَ قَرْناها؛ وتَنَصَّبَتِ الأُتُنُ حَوْلَ الـحِمار. وناقة نَصْباءُ: مُرْتَفِعةُ الصَّدْر. وأُذُنٌ نَصْباءُ: وهي التي تَنْتَصِبُ، وتَدْنُو من الأُخرى. وتَنَصَّبَ الغُبار: ارْتَفَعَ. وثَـرًى مُنَصَّبٌ: جَعْدٌ. ونَصَبْتُ القِدْرَ نَصْباً.
والـمِنْصَبُ: شيءٌ من حديد، يُنْصَبُ عليه القِدْرُ؛ ابن الأَعرابي:
الـمِنْصَبُ ما يُنْصَبُ عليه القِدْرُ إِذا كان من حديد.
قال أَبو الحسن الأَخفش: النَّصْبُ، في القَوافي، أَن تَسْلَمَ القافيةُ
من الفَساد، وتكونَ تامَّـةَ البناءِ، فإِذا جاءَ ذلك في الشعر
المجزوءِ، لم يُسَمَّ نَصْباً، وإِن كانت قافيته قد تَمَّتْ؛ قال: سمعنا ذلك من العربِ، قال: وليس هذا مما سَمَّى الخليلُ، إِنما تؤْخَذ الأَسماءُ عن العرب؛ انتهى كلام الأَخفش كما حكاه ابن سيده. قال ابن سيده، قال ابن جني: لما كان معنى النَّصْبِ من الانْتِصابِ، وهو الـمُثُولُ والإِشْرافُ والتَّطاوُل، لم يُوقَعْ على ما كان من الشعر مجزوءاً، لأَن جَزْأَه عِلَّةٌ وعَيْبٌ لَحِقَه، وذلك ضِدُّ الفَخْرِ والتَّطاوُل. والنَّصِـيبُ: الـحَظُّ من كلِّ شيءٍ. وقوله، عز وجل: أُولئك يَنالُهم نَصيبُهم من الكتاب؛ النَّصِـيب هنا: ما أَخْبَرَ اللّهُ من جَزائهم، نحو قوله تعالى: فأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظَّى؛ ونحوُ قوله تعالى: يَسْلُكْه عذاباً صَعَداً؛ ونحو قوله تعالى: إِن المنافقين في الدَّرْكِ الأَسْفل من النار؛ ونحو قوله تعالى: إِذا الأَغْلالُ في أَعْناقِهِم والسَّلاسِلُ، فهذه أَنْصِـبَتُهم من الكتاب، على قَدْرِ ذُنُوبِهم في كفرهم؛ والجمع أَنْصِـباءُ وأَنْصِـبةٌ.
والنِّصْبُ: لغة في النَّصِـيبِ. وأَنْصَبَه: جَعَلَ له نَصِـيباً. وهم يَتَناصَبُونَه أَي يَقْتَسمونه. والـمَنْصِبُ والنِّصابُ: الأَصل والـمَرْجِـع.
والنِّصابُ: جُزْأَةُ السِّكِّين، والجمع نُصُبٌ.
وأَنْصَبَها: جَعَلَ لها نِصاباً، وهو عَجْزُ السكين. ونِصابُ السكين:
مَقْبِضُه. وأَنْصَبْتُ السكين: جَعَلْتُ له مَقْبِضاً. ونِصابُ كلِّ
شيءٍ: أَصْلُه. والـمَنْصِبُ: الأَصلُ، وكذلك النِّصابُ؛ يقال: فلانٌ
يَرْجِـعُ إِلى نِصاب صِدْقٍ، ومَنْصِبِ صِدْقٍ، وأَصْلُه مَنْبِتُه
ومَحْتِدُه.وهَلَكَ نِصابُ مالِ فلانٍ أَي ما اسْتَطْرفه. والنِّصابُ من المال: القَدْرُ الذي تجب فيه الزكاة إِذا بَلَغَه، نحو مائَتَيْ درهم، وخَمْسٍ من الإِبل. ونِصابُ الشَّمْسِ: مَغِـيبُها ومَرْجِعُها الذي تَرْجِـعُ إِليه. وثَغْرٌ مُنَصَّبٌ: مُسْتَوي النِّبْتةِ كأَنه نُصبَ فسُوِّيَ.
والنَّصْبُ: ضَرْبٌ من أَغانيّ الأَعراب. وقد نَصَبَ الراكبُ نَصْباً إِذا غَنَّى النَّصْبَ. ابن سيده: ونَصْبُ العربِ ضَرْبٌ من أَغانِـيّها.
وفي حديث نائل (1)
(1 قوله «وفي حديث نائل» كذا بالأصل كنسخة من النهاية بالهمز وفي أخرى منها نابل بالموحدة بدل الهمز.) ، مولى عثمان: فقلنا لرباحِ بن الـمُغْتَرِفِ: لو نَصَبْتَ لنا نَصْبَ
العَرب أَي لو تَغَنَّيْتَ؛ وفي الصحاح: لو غَنَّيْتَ لنا غِناءَ
العَرَب، وهو غِناءٌ لهم يُشْبِه الـحُداءَ، إِلا أَنه أَرَقُّ منه. وقال أَبو
عمرو: النَّصْبُ حُداءٌ يُشْبِهُ الغِناءَ. قال شمر: غِناءُ النَّصْبِ هو
غِناءُ الرُّكْبانِ، وهو العَقِـيرةُ؛ يقال: رَفَعَ عَقيرته إِذا غَنَّى
النَّصْبَ؛ وفي الصحاح: غِناءُ النَّصْبِ ضَرْب من الأَلْحان؛ وفي حديث السائبِ بن يزيد: كان رَباحُ بنُ الـمُغْتَرِفِ يُحْسِنُ غِناءَ
(يتبع...)
(تابع... 1): نصب: النَّصَبُ: الإِعْياءُ من العَناءِ. والفعلُ نَصِبَ الرجلُ،... ...
النَّصْبِ، وهو ضَرْبٌ من أَغانيّ العَرب، شَبيهُ الـحُداءِ؛ وقيل: هو الذي أُحْكِمَ من النَّشِـيد، وأُقِـيمَ لَحْنُه ووزنُه. وفي الحديث: كُلُّهم كان يَنْصِبُ أَي يُغَنِّي النَّصْبَ. ونَصَبَ الحادي: حَدا ضَرْباً من الـحُداءِ.
والنَّواصِبُ: قومٌ يَتَدَيَّنُونَ ببِغْضَةِ عليّ، عليه السلام. ويَنْصُوبُ: موضع.
ونُصَيْبٌ: الشاعر، مصغَّر. ونَصيبٌ ونُصَيْبٌ: اسمان.
ونِصابٌ: اسم فرس.
والنَّصْبُ، في الإِعْراب: كالفتح، في البناءِ، وهو من مُواضَعات
النحويين؛ تقول منه: نَصَبْتُ الحرفَ، فانْتَصَبَ.
وغُبار مُنْتَصِبٌ أَي مُرْتَفِـع.
ونَصِـيبينَ: اسمُ بلد، وفيه للعرب مذهبان: منهم مَن يجعله اسماً
واحداً، ويُلْزِمُه الإِعرابَ، كما يُلْزم الأَسماءَ المفردةَ التي لا تنصرف، فيقول: هذه نَصِـيبينُ، ومررت بنَصِـيبينَ، ورأَيتُ نَصِـيبينَ، والنسبة نَصِـيبـيٌّ، ومنهم مَن يُجْريه مُجْرى الجمع، فيقول هذه نَصِـيبُونَ، ومررت بنَصِـيبينَ، ورأَيت نَصِـيبينَ. قال: وكذلك القول في يَبْرِينَ، وفِلَسْطِـينَ، وسَيْلَحِـينَ، وياسمِـينَ، وقِنَّسْرينَ، والنسبة إِليه، على هذا: نَصِـيبينيٌّ، ويَبْرينيٌّ، وكذلك أَخواتها. قال ابن بري، رحمه اللّه: ذكر الجوهري أَنه يقال: هذه نَصِـيبينُ ونَصِـيبون، والنسبة إِلى قولك نَصِـيبين، نصيبـيٌّ، وإِلى قولك نصيبون، نصيبينيّ؛ قال: والصواب عكس هذا، لأَن نَصِـيبينَ اسم مفرد معرب بالحركات، فإِذا نسبتَ إِليه أَبقيته على حاله، فقلت: هذا رجلٌ نَصِـيبينيٌّ؛ ومن قال نصيبون، فهو معرب إِعراب جموع السلامة، فيكون في الرفع بالواو، وفي النصب والجر بالياءِ، فإِذا نسبت إِليه، قلت: هذا رجل نَصِـيبـيّ، فتحذف الواو والنون؛ قال: وكذلك كلُّ ما جمعته جمع السلامة، تَرُدُّه في النسب إِلى الواحد، فتقول في زيدون، اسم رجل أَو بلد: زيديّ، ولا تقل زيدونيّ، فتجمع في الاسم الإِعرابَين، وهما الواو والضمة.
هيد: هادَه الشيءُ هَيْداً وهاداً: أَفزَعَه وكرَبَه. وما يَهِيدُه ذلك
أَي ما يكْتَرِثُ له ولا يُزْعِجُه. تقول: ما يَهِيدُني ذلك أَي ما
يُزْعِجُني وما أَكتَرِثُ له ولا أُبالِيه. قال يعقوب: لا يُنطق بِيَهِيدُ
إِلا بحرف جَحْدٍ. وفي الحديث: كلوا واشربوا ولا يَهِيدَنَّكم الطالِعُ
المُصَعِدُ أَي لا تَنْزَعِجوا للفجر المستطيلِ فتمتنِعوا به عن السَّحورِ
فإِنه الصُّبْحُ الكذَّابُ. قال: وأَصل الهَيْدِ الحركَةُ. وفي حديث
الحسن: ما من أَحَدٍ عَمِلَ لله عملاً إِلا سارَ في قلبِه سَوْرتان فإذا كانت
الأُولى منهما لله فلا تَهِيدَنَّه الآخرةُ أَي لا يَمْنَعَنَّه ذلك الذي
تقدَّمت فيه نيته لله ولا يُحَرِّكَنَّه ولا يُزِيلَنَّه عنها، والمعنى:
إِذا أَراد فعلاً وصحت نيته فيه فوَسوس له الشيطانُ فقال إِنك تريد بهذا
الرِّياءَ فلا يمنعه هَيْداً وهَيَّدَه: حَرَّكَه وأَصلَحَه. وفي
الحديث: أَنه قيل للنبي، صلى الله عليه وسلم، في مسجده: يا رسول الله، هِدْه،
فقال: بل عَرْشٌ كَعَرْشِ موسى؛ قوله هِدْه: كان ابن عيينة يقول معناه
أَصْلِحْه؛ قال: وتأْويله كما قال وأَصله أَن يُرادَ به الإِصلاحُ بعدَ
الهَدْم أَي هُدَّه ثم أَصْلِحْه. وكلُّ شيءٍ حَرَّكْتَه، فقد هِدْتَه
تَهِيدُه هَيْداً، فكأَنّ المعنى أَنه يُهْدَمُ ويُسْتأْنَفُ بناو ه ويُصْلَح.
وفي الحديث: يا نارُ لا تَهيدِيه أَي لاتَزْعِجيه. وفي حديث ابن عمر: لو
لَقِيتُ قاتِلَ أَبي في الحرم ما هِدْتُه؛ يريد ما حَرَّكْتُه ولا
أَزعَجْتُه. وما هادَه كذا وكذا أَي ما حَرَّكَه. وما هَيَّدَ عن شَتْمِي أَي
ما تأَخَّرَ ولا كذَّب؛ وقد ذُكِرَ ذلك في النون لأَنهما لغتان هَنَّدَ
وهَيَّدَ. وقال بعضهم في قوله: ما هَيَّدَ عن شَتْمِي، قال: لا يُنْطَقُ
بِيَهِيدُ في المستقبل منه إِلا مع حرف الجحد. ولا يَهِيدَنَّكَ هذا عن
رَأْيِكَ أَي لا يُزِيلَنَّكَ. وما لَهُ هَيْدٌ ولا هادٌ أَي حركة؛ قال ابن
هرمة:
ثم اسْتَقامَتْ له الأَعْناقُ طائعةً،
فما يُقالُ له هَيْدٌ ولا هادُ
قال ابن بري: صواب إِنشاده: فما يقال له هَيْدٌ ولا هادِ، فيكون هَيْدِ
مبنيّاً على الكسر وكذلك هادِ؛ وأَول القصيدة:
إِني إِذا الجارُ لم تُحْفَظْ مَحارِمُه،
ولم يُقَلْ دُونَه هَيْدِ ولا هادِ،
لا أَخْذُل الجارَ بل أَحْمِي مَباءَتَه،
وليس جاري كَعُسٍّ بينَ أَعْوادِ
وقيل: معنى ما يقال له هَيْد ولا هاد أَي لا يحرك ولا يُمْنَع من شيء
ولا يُزْجَرُ عنه. تقول: هِدْتُ الرجل وهَيَّدْتُه؛ عن يعقوب. وهِدْتُ
الرجل أَهِيدُه هَيْداً إِذا زَجَرْتَه عن الشيء وصرفته عنه. يقال: هِدْه يا
رجل أَي أَزِلْه عن موضعه؛ وأَنشد بيت ابن هرمة:
فَما يُقالُ له هَيْدٌ ولا هادُ
قال ابن بري: صواب إِنشاده: فما يقال له هَيْدٌ ولا هادِ، فيكون هَيْدِ
مبنيّاً على الكسر وكذلك هادِ؛ وأَول القصيدة:
إِني إِذا الجارُ لم تُحْفَظْ مَحارِمُه، ولم يُقَلْ دُونَه هَيْدِ ولا
هادِ، لا أَخْذُل الجارَ بل أَحْمِي مَباءَتَه،
وليس جاري كَعُسٍّ بينَ أَعْوادِ
وقيل: معنى ما يقال له هَيْد ولا هاد أَي لا يحرك ولا يُمْنَع من شيء
ولا يُزْجَرُ عنه. تقول هِدْتُ الرجل وهَيَّدْتُه، عن يعقوب. وهِدْتُ الرجل
أَهِيدُه هَيْداً إِذا زَجَرْتَه عن الشيء وصرفته عنه. يقال: هِدْه يا
رجل أَي أَزِلْه عن موضعه؛ وأَنشد بيت ابن هرمة:
فَما يُقالُ له هَيْدٌ ولا هادُ
أَي لا يحرَّك ولا يمنع من شيء ولا يزجر عنه، ويجوز ما يقال له هَيْدِ
بالخفض في موضع رفع حكاية مثل صهْ وغاقِ ونحوه. والهَيْدُ: من قولك هادَنــي
هَيْدٌ أَي كربني. وقولُهم ما له هَيْد ولا هاد أَي ما يقال له هَيْد
ولا هاد. ويقال: أَتى فلان القوم فما قالوا له هَيد ما لَك أَي ما سأَلوه
عن حاله؛ وأَنشد:
يا هَيْدَ مالَكَ مِنْ شَوْقٍ وإِيراقِ،
ومَرِّ طَيْفٍ على الأَهْوالِ طَرّاقِ
ويروى: يا عِيدُ مالَكَ. وقال اللحياني: يقال لَقِيَه فقال له: هَيْدَ
مالَك، ولقِيتُه فما قال لي: هَيْدَ ما لك. وقال شمر: هِيَد وهَيْدَ
جائزان. قال الكسائي: يقال يا هَيْدَ ما لِصحابِك ويا هَيْدَ ما لأَصْحابِك.
قال: وقال الأَصمعي: حكى لي عيسى بن عمر هَيْدَ مالك أَي ما أَمْرُكَ.
ويقال: لو شَتَمَني ما قلتُ هَيْدَ مالَك. التهذيب: والعرب تقول: هَيْدَ
مالك إِذا استفهموا الرجل عن شأْنه، كما تقول: يا هذا مالك. أَبو زيد: قالوا
تقول: ما قال له هَيْدَ مالك فنصبوا وذلك أَن يَمُرَّ بالرجل البعيرُ
الضالُّ فلا يعُوجه ولا يتلفت إِليه؛ ومرَّ بَعِيرٌ فما قال له هَيْدِ
مالَك؛ فَجَرُّ الدال حِكايةٌ عن أَعرابي؛ وأَنشد لكعب بن زهير:
لوْ أَنَّها آذَنَتْ بِكْراً لَقُلْتُ لها:
يا هَيْدِ مالَكِ، أَو لو آذَنَتْ نَصَفَا
ورجل هَيْدان: ثقِيلٌ جَبانٌ كَهِدانٍ. والهَيْدانُ: الجَبانُ،
والهَيْدُ: الشيءُ المُضْطَرِبُ. والهَيْدُ: الكَبِيرُ؛ عن ثعلب،
وأَنشد:أَذاكَ أَمْ أُعْطِيتَ هَيْداً هَيْدَبَا
وهادَ الرجلَ هَيْداً وهاداً: زَجَرَه. وهَيْدٌ وهِيدٌ وهِيدِ وهادِ
(*
قوله «وهيد وهاد» في شرح القاموس كلاهما مبني على الكسر.): من زَجْر
الإِبل واسْتِحْثاثِها؛ وأَنشد أَبو عمرو:
وقد حَدَوْناها بِهَيدٍ وهَلا،
حتى تَرَى أَسْفَلَها صارَ عَلا
والهِيد في الحُداءِ كقول الكميت:
مُعاتَبة لَهُنَّ حَلا وحَوْبا،
وجُلُّ غِنائِهِنَّ هَنا وهِيدِ
وذلك أَن الحادِي إِذا أَراد الحُداءَ قال: هيد هيد ثم زَجِلَ بصوته.
والعرب تقول: هِيدْ، بسكون الدال، مالك إِذا سأَلوه عن شأْنه. وأَيامُ
هَيْدٍ: أَيامُ مُوتانٍ كانت في العرب في الدهر القديم، يقال: مات فيها اثنا
عشر أَلْف قتيل. وفلان يعطي الهَيْدانَ والزَّيْدانَ أَي يُعْطِي مَنْ
عَرَفَ ومَنْ لم يَعْرِفْ. وهَيُودٌ: جبل أَو موضع.
وفي حديث زينب: ما لي لا أَزالُ أَسْمَعُ الليل أَجمع هِيدْ؛ قيل: هذه
عير لعبد الرحمن بن عوف: هِيدْ، بالسكون: زجر للإِبل وضرب من الحُداءِ.