للشريف، عز الدين: حمزة بن أحمد الحسيني، الدمشقي.
المتوفى: سنة أربع وسبعين وثمانمائة.
نهي: النَّهْيُ: خلاف الأَمر. نَهاه يَنْهاه نَهْياً فانْتَهى وتناهى:
كَفَّ؛ أَنشد سيبويه لزياد بن زيد العذري:
إذا ما انْتَهى عِلْمي تناهَيْتُ عندَه،
أَطالَ فأَمْلى، أَو تَناهى فأَقْصَرا
وقال في المعتل بالأَلف: نَهَوْته عن الأَمر بمعنى نَهيْته. ونَفْسٌ
نَهاةٌ: منتهية عن الشيء. وتَناهَوْا عن الأَمر وعن المنكر: نَهى بعضهم
بعضاً. وفي التنزيل العزيز: كانوا لا يَتَناهَوْنَ عن مَنْكَرٍ فعلوه؛ وقد
يجوز أَن يكون معناه يَنْتَهُونَ. ،ونَهَيْته عن كذا فانْتَهى عنه؛ وقول
الفرزدق:
فَنَهَّاكَ عنها مَنْكَرٌ ونَكِيرُ
إنما شدَّده للمبالغة. وفي حديث قيام الليل: هو قُرْبةٌ إلى الله
ومَنْهاةٌ عن الآثام أَي حالة من شأْنها أَن تَــنْهى عن الإِثم ، أَو هي مكان
مختص بذلك، وهي مَفْعَلة من النَّهْيِ، والميم زائدة؛ وقوله:
سَمَيَّةَ وَدِّعْ، إنْ تجَهزْتَ غادِيا،
كفى الشَّيْبُ والإِسْلامُ للمَرْءِ ناهِيا
فالقول أَن يكون ناهياً اسمَ الفاعل من نَهَيْتُ كساعٍ من سَعَيْتُ
وشارٍ من شَرَيْت، وقد يجوز مع هذا أَن يكون ناهياً مصدراً هنا كالفالجِ
ونحوه مما جاء فيه المصدر على فاعِل حتى كأَنه قال: كفى الشيب والإسلام
للمرء نَهْياً ورَدْعاً أَي ذا نَهْيٍ، فحذف المضاف وعُلِّقت اللام بما يدل
عليه الكلام، ولا تكون على هذا مَعَلَّقة بنفس الناهي لأَن المصدر لا
يتقدم شيء من صلته عليه، والاسم النُّهْيَةُ. وفلان نَهيُّ فلان أَي يَنْهاه.
ويقال: إنه لأَمُورٌ بالمعروف ونَهُوٌّ عن المنكر، على فعول. قال ابن
بري: كان قياسه أَن يقال نَهيٌّ لأَن الواو والياء إذا اجتمعتا وسبق
الأَوّل بالسكون قلبت الواو ياء ، قال: ومثل هذا في الشذوذ قولهم في جمع فَتًى
فُتُوٌّ. وفلان ما له ناهِيةٌ أَي نَهْيٌ. ابن شميل: استَنْهَيْتُ
فلاناً عن نفسه فأَبى أَن يَنْتَهِيَ عن مَساءَتي. واستَنْهَيْتُ فلاناً من
فلان إذا قلتَ له انْهَهْ عنِّي. ويقال: ما يَنْهاه عَنَّا ناهِيةٌ أَي ما
يَكُفُّه عنا كافَّةٌ. الكلابي: يقول الرجل للرجل إذا وَلِيتَ وِلاية
فانْهِ أَي كُفَّ عن القَبيحِ، قال: وانه بمعنى انْتَهِ، قاله بكسر الهاء،
وإذا وقف قال فانْهِهْ أَي كُفَّ. قال أَبو بكر: مَرَرْت برجل
(*قوله«أبو بكر مررت برجل إلخ» كذا في الأصل ولا مناسبة له هنا.) كَفاكَ به، ومررت
برجلين كفاك بهما، ومررت برجال كفاك بهم، ومررت بامرأَة كفاك بها،
وبامرأَتين كفاك بهما، وبنسوة كفاك بهنَّ، ولا تُثَنِّ كفاك ولا تجمعه ولا
تؤنثه لأَنه فعل للباء. وفلان يَرْكَبُ المَناهِيَ أَي يأْتي ما نُهِيَ
عنه.والنُّهْيَةُ والنِّهاية: غاية كل شيء وآخره، وذلك لأَن آخره يَنْهاه عن
التمادي فيرتدع؛ قال أَبو ذؤيب:
رَمَيْناهُمُ، حتى إذا ارْبَثَّ جَمْعُهُمْ،
وعادَ الرَّصيعُ نُهْيَةً للحَمائِل
يقول: انْهَزَموا حتى انقلبت سيوفُهن فعاد الرَّصِيعُ على حيث كانت
الحمائل، والرصيعُ: جمع رصيعة، وهي سَيْرٌ مضفور، ويروى الرُّصُوع، وهذا
مَثَلٌ عند الهزيمة. والنُّهْيَةُ: حيث انتهت إليه الرُّصُوع، وهي سيور
تُضْفَرُ بين حِمالة السيف وجَفْنِه. والنِّهايةُ: كالغاية حيث يَنْتَهِي
إليه الشيء ، وهو النِّهاء، ممدود. يقال: بلَغَ نِهايَتَه. وانْتَهَى الشيءُ
وتَناهَى ونَهَّى: بلغ نِهايَتَه؛ وقول أَبي ذؤيب:
ثم انْتَهَى بَصَري عنهم ، وقد بلغوا،
بَطْنَ المَخِيمِ، فقالوا الجَوّ أَوْ راحوا
أَراد انقطع عنهم، ولذلك عدَّاه بعن. وحكى اللحياني عن الكسائي: إِليك
نَهَّى المَثَلُ وأَــنْهَى وانْتَهَى ونُهِّي وأُنْهِي ونَهَى، خفيفة، قال:
ونَهَى خفيفة قليلة، قال: وقال أَبو جعفر لم أَسمع أَحداً يقول
بالتخفيف. وقوله في الحديث: قلت يا رسول الله هل من ساعةٍ أَقْرَب إِلى الله؟
قال: نَعَمْ جوفُ الليل الآخِرُ فَصَلِّ حتى تُصبِح ثم أَنْهِهْ حتى تطلع
الشمس؛ قال ابن الأَثير: قوله أَنْهِهْ بمعنى انْتَه. وقد أَــنْهَى الرجلُ
إِذا انْتَهَى، فإِذا أَمرت قلت أَنْهِهْ، فتزيد الهاء للسكت كقوله تعالى:
فَبِهُداهُمُ اقْتَدِه؛ فأَجرى الوصل مُجرَى الوقف. وفي الحديث ذكر
سِدْرة المُنْتَهى أَي يُنْتَهى ويُبْلَغ بالوصول إِليها ولا تُتجاوز، وهو
مُفْتَعَلٌ من النِّهاية الغاية. والنهاية: طَرَفُ العِران الذي في أَنف
البعير وذلك لانتهائه. أَبو سعيد: النِّهاية الخشبة التي تُحْمل عليها
الأَحمال، قال: وسأَلت الأَعراب عن الخشبة التي تدعى بالفارسية باهوا،
فقالوا: النِّهايتَانِ والعاضِدَتانِ والحامِلَتان. والنَّهْي والنِّهْي:
الموضع الذي له حاجز يَــنْهَى الماء أَن يَفِيض منه، وقيل: هو الغديِر في لغة
أَهل نجد؛ قال:
ظَلَّتْ بِنِهْي البَرَدانِ تَغْتَسِلْ،
تَشْرَبُ منه نَهِلاتٍ وتَعِلُّ
وأَنشد ابن بري لمَعْن بن أَوس:
تَشُجُّ بِيَ العَوْجاءُ كلَّ تَنُوفَةٍ،
كأَنَّ لها بَوًّا بِنَهْيٍ تُغاوِلُهْ
والجمع أَنْهٍ وأَنْهاءٌ ونُهِيٌّ ونِهاء؛ قال عديّ بن الرِّقاع:
ويَأْكُلْنَ ما أَغْنَى الوَليُّ فَلْم يُلِتْ،
كأَنَّ بِحافاتِ النِّهاءِ المَزارِعا
وفي الحديث: أَنه أَتَى على نِهْيٍ من ماء؛ النِّهْيُ، بالكسر والفتح:
الغدير وكل موضع يجتمع فيه الماء. ومنه حديث ابن مسعود: لو مَرَرْتُ على
نِهْيٍ نصفُه ماءٌ ونصفُه دَمٌ لشربتُ منه وتوضأْت. وتناهَى الماءُ إِذا
وقف في الغدير وسكن؛ قال العجاج:
حتى تناهَى في صَهارِيج الصَّفا،
خالَطَ من سَلْمَى خَياشِمَ وَفا
الأَزهري: النِّهيُ الغدير حيث يَتَحيَّر السيلُ في الغدير فيُوسِعُ،
والجمع النِّهاء، وبعض العرب يقول نِهْيٌ، وبعضٌ يقول تَنْهِيَةٌ.
والنِّهاء أَيضاً: أَصغر مَحابِس المطر وأَصله من ذلك.
والتَّنْهاةُ والتَّنْهِيَةُ: حيث يَنْتَهِي الماءُ من الوادي، وهي أَحد
الأَسماء التي جاءت على تَفْعِلة، وإِنما باب التَّفْعِلة أَن يكون
مصدراً، والجمع التَّناهِي. وتَنْهِيةُ الوادي: حيث يَنْتَهِي إِليه الماءُ
من حروفه. والإِنهاء: الإِبلاغ. وأَنْهَيْتُ إِليه الخَبَر فانْتَهى
وتَناهَى أَي بلَغ. وتقول: أَنْهَيْتُ إِليه السهم أَي أَوصلته إِليه.
وأَنْهَيْتُ إِليه الكتابَ والرِّسالة. اللحياني: بَلَغْتُ مَــنْهَى فلان
ومَنْهاتَه ومُنْهاه ومُنْهاتَه. وأَــنْهَى الشيءَ: أَبلغه.
وناقة نَهِيَّةٌ: بلغت غاية السِّمَن، هذا هو الأَصل ثم يستعمل لكل سمين
من الذكور والإِناث، إِلا أَن ذلك إِنما هو في الأَنْعام؛ أَنشد ابن
الأَعرابي:
سَوْلاءُ مَسْكُ فارِضٍ نَهِيِّ
مِن الكِباشِ زَمِرٍ خَصِيِّ
وحكي عن أَعرابي أَنه قال: والله لَلْخُبْزُ أَحبُّ إِليَّ من جَزُورٍ
نَهِيَّة في غداة عَرِيَّة. ونُهْيَةُ الوَتِد: الفُرْضَةُ التي في رأْسه
تَــنْهَى الحبلَ أَن يَنْسلخ. ونُهْية كل شيء: غايَته. والــنُّهَى:
العَقْل، يكون واحداً وجمعاً. وفي التنزيل العزيز: إِنَّ في ذلك لآياتٍ لأُولي
الــنُّهَى. والنُّهْيَةُ: العقل، بالضم، سميت بذلك لأَنها تَــنْهَى عن
القبيح؛ وأَنشد ابن بري للخَنساء:
فَتًى كان ذا حِلْمٍ أَصِيلٍ ونُهْيَةٍ،
إِذا ما الحُبَا مِن طائِفِ الجَهْل حُلَّتِ
ومن هنا اختار بعضهم أَن يكون الــنُّهَى جمع نُهْيةٍ، وقد صرح اللحياني
بأَن الــنُّهَى جمع نُهْيَة فأَغْنَى عن التأْويل. وفي الحديث:
لِيَلِيَنِّي منك أُولو الأَحلام والــنُّهَى؛ هي العقول والأَلباب. وفي حديث أَبي
وائل: قد عَلِمْتُ أَن التَّقِيَّ ذو نُهْيَةٍ أَي ذو عقل. والنِّهاية
والمَنْهاة: العقل كالنُّهْية. ورجل مَنْهاةٌ: عاقلٌ حَسَنُ الرأْي؛ عن أَبي
العميثل. وقد نَهُو ما شاء فهو نَهِيٌّ، من قوم أَنْهِياء: كل ذلك من
العقل. وفلان ذو نُهْيةٍ أَي ذو عقل يَنْتَهِي به عن القبائح ويدخل في
المحاسن. وقال بعض أَهل اللغة: ذو النّهُيةِ الذي يُنْتَهَى إِلى رأْيه وعقله.
ابن سيده: هو نَهِيٌّ من قوم أَنْهِياء، ونَهٍ من قوم نَهِينَ، ونِهٍ على
الإِتباع، كل ذلك مُتَناهي العقل؛ قال ابن جني: هو قياس النحويين في
حروف الحلق، كقولك فِخِذ في فَخِذ وصِعِق في صَعِق، قال: وسمي العقل نُهْيةً
لأَنه يُنْتَهى إِلى ما أَمَر به ولا يُعْدى أَمْرُه.
وفي قولهم: ناهِيكَ بفلان معناه كافِيكَ به، من قولهم قد نَهيَ الرجلُ
من اللحم وأَــنْهَى إِذا اكْتَفى منه وشَبِع؛ قال:
يَمْشُونَ دُسْماً حَوْلَ قُبَّتِهِ،
يَنْهَوْنَ عن أَكْلٍ وعَنْ شُرْب
فمعنى يَنْهَوْن يشبعون ويكتفون؛ وقال آخر:
لَوْ كانَ ما واحِداً هَواكِ لقدْ
أَــنْهَى، ولكنْ هَواكِ مُشْتَرَكُ
ورجل نَهْيُكَ مِن رجل، وناهِيك من رجل، ونَهاكَ من رجلٍ أَي كافيك من
رجل، كلُّه بمعنى: حَسْب، وتأْويله أَنه بجِدِّه وغَنائه يَنْهاكَ عن
تَطَلُّب غيره؛ وقال:
هو الشَّيخُ الذي حُدِّثْتَ عنهُ،
نَهاكَ الشَّيْخُ مَكْرُمةً وفَخْرا
وهذه امرأَةٌ ناهِيَتُك من امرأَة، تذكر وتؤنث وتثنى وتجمع لأَنه اسم
فاعل، وإِذا قلت نَهْيُك من رجل كما تقول حَسْبُك من رجل لم تثن ولم تجمع
لأَنه مصدر.وتقول في المعرفة: هذا عبدُ الله ناهِيَك من رجل فتنصبه على
الحال.
وجَزُورٌ نَهِيَّةٌ، على فَعِيلة، أَي ضخمة سمينة. ونِهاءُ النها:
ارتفاعُه قرابَ نصف النهار. وهم نُهاءُ مائة ونِهاء مائة أَي قدر مائة كقولك
زُهاء مائة. والنُّهاء: القوارير
(* قوله« والنهاء القوارير وقوله والنهاء
حجر إلخ» هكذا ضبطا في الأصل ونسخة من المحكم، وفي القاموس: انهما
ككساء.) ، قيل: لا واحد لها من لفظها، وقيل: واحدته نَهاءَةٌ؛ عن كراع، وقيل:
هو الزُّجاج عامة؛ حكاه ابن الأَعرابي؛ وأَنشد:
تَرُضُّ الحَصى أَخْفافُهُنَّ كأَنما
يُكَسَّرُ قَيْضٌ، بَيْنها، ونُهاءُ
قال: ولم يسمع إِلا في هذا البيت. وقال بعضهم: النُّها الزجاج، يمدّ
ويقصر، وهذا البيت أَنشده الجوهري: تَرُدُّ الحصى أَخفافُهن؛ قال ابن بري:
والذي رواه ابن الأَعرابي تَرُضُّ الحصى، ورواه النِّهاء، بكسر النون،
قال: ولم أَسمع النِّهاء مكسور الأَول إِلا في هذا البيت؛ قال ابن بري:
وروايته نِهاء، بكسر النون، جمع نَهاة الوَدْعة، قال: ويروى بفتح النون
أَيضاً جمع نَهاة، جمع الجنس، ومدّه لضرورة الشعر. قال: وقال القالي النُّهاء،
بضم أَوله، الزجاج، وأَنشد البيت المتقدّم، قال: وهو لعُتَيّ بن ملك؛
وقبله:
ذَرَعْنَ بنا عُرْضَ الفَلاةِ، وما لَنا
عَلَيْهِنَّ إِلاَّ وَخْدَهُن سِقاء
والنُّهاء: حجر أَبيض أَرخى من الرُّخام يكون بالبادية ويُجاء به من
البحر، واحدته نُهاءةٌ. والنُّهاء: دواء
(* قوله« والنهاء دواء» كذا ضبط في
الأصل والمحكم، وصرح الصاغاني فيه بالضم وانفرد القاموس بضبطه بالكسر.)
يكون بالبادية يتعالجون به ويشربونه. والــنَّهى: ضرب من الخَرَز، واحدته
نَهاةٌ. والنَّهاة أَيضاً: الودْعَة، وجمعها نَهًى، قال: وبعضهم يقول
النِّهاء ممدود. ونُهاء الماء، بالضم: ارتفاعه. ونَهاةُ: فرس لاحق بن
جرير.وطلب حاجةً حتى أَــنْهى عنها ونَهِيَ عنها، بالكسر، أَي تركها ظَفِرَ بها
أَو لم يَظْفَر. وحَوْلَه من الأَصوات نُهْيَةٌ أَي شُغْلٌ. وذهبَتْ
تميم فما تُسْهى ولا تُــنْهى أَي لا تُذكر.
قال ابن سيده: ونِهْيا اسم ماء؛ عن ابن جني، قال: وقال لي أَبو الوفاء
الأَعرابي نَهَيا، وإِنما حرَّكها لمكان حرف الحلق قال لأَنه أَنشدني
بيتاً من الطويل لا يَتَّزِنُ إِلاّ بنَهْيا ساكنة الهاء، أَذكر منه: إِلى
أَهْلِ نَهْيا، والله أَعلم.
بيع: البيعُ: ضدّ الشراء، والبَيْع: الشراء أَيضاً، وهو من الأَضْداد.
وبِعْتُ الشيء: شَرَيْتُه، أَبيعُه بَيْعاً ومَبيعاً، وهو شاذ وقياسه
مَباعاً. والابْتِياعُ: الاشْتراء. وفي الحديث: لا يخْطُبِ الرجلُ على خِطْبة
أَخِيه ولا يَبِعْ على بَيْعِ أَخِيه؛ قال أَبو عبيد: كان أَبو عبيدة
وأَبو زيد وغيرهما من أَهل العلم يقولون إِنما النهي في قوله لا يبع على
بيع أَخيه إِنما هو لا يشتر على شراء أَخيه، فإِنما وقع النهي على المشتري
لا على البائع لأَن العرب تقول بعت الشيء بمعنى اشتريته؛ قال أَبو عبيد:
وليس للحديث عندي وجه غير هذا لأَن البائع لا يكاد يدخل على البائع،
وإِنما المعروف أَن يُعطى الرجلُ بسلعته شيئاً فيجيء مشتر آخر فيزيد عليه،
وقيل في قوله ولا يبع على بيع أَخيه: هو أَن يشتري الرجل من الرجل سلعة
ولما يتفرّقا عن مقامهما فــنهى النبي، صلى الله عليه وسلم، أَن يَعْرِضَ رجل
آخرُ سِلْعةً أُخرى على المشتري تشبه السلعة التي اشترى ويبيعها منه،
لأَنه لعل أَن يردَّ السلعة التي اشترى أَولاً لأَن رسول الله، صلى الله
عليه وسلم، جعل للمُتبايعين الخيارَ ما لم يَتفرَّقا، فيكون البائعُ الأَخير
قد أَفسد على البائع الأَول بَيْعَه، ثم لعل البائع يختار نقض البيع
فيفسد على البائع والمتبايع بيعه، قال: ولا أَــنهى رجلاً قبل أَن يَتبايَع
المتبايعان وإِن كانا تساوَما، ولا بَعد أَن يتفرَّقا عن مقامهما الذي
تبايعا فيه، عن أَن يبيع أَي المتبايعين شاء لأَن ذلك ليس ببيع على بيع أَخيه
فيُــنْهى عنه؛ قال: وهذا يوافق حديث: المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا،
فإِذا باع رجل رجلاً على بيع أَخيه في هذه الحال فقد عصى اللهَ إِذا كان
عالماً بالحديث فيه، والبيعُ لازم لا يفسد. قال الأَزهري: البائعُ
والمشتري سواء في الإِثم إِذا باع على بيع أَخيه أَو اشترى على شراء أَخيه لأَن
كل واحد منهما يلزمه اسم البائع،مشترياً كان أَو بائعاً، وكلٌّ منهي عن
ذلك؛ قال الشافعي: هما متساويان قبل عقد الشراء، فإِذا عقدا البيع فهما
متبايعان ولا يسمَّيان بَيِّعَيْنِ ولا متبايعين وهما في السَّوْمِ قبل
العقد؛ قال الأَزهري: وقد تأَول بعض من يحتج لأَبي حنيفة وذَوِيه وقولهِم لا
خيار للمتبايعين بعد العقد بأَنهما يسميان متبايعين وهما متساومان قبل
عقدهما البيع؛ واحتج في ذلك بقول الشماخ في رجل باع قوساً:
فوافَى بها بعضَ المَواسِم، فانْبَرَى
لَها بَيِّع، يُغْلِي لها السَّوْمَ، رائزُ
قال: فسماه بَيِّعاً وهو سائم، قال الأَزهري: وهذا وهَمٌ وتَمْوِيه،
ويردّ ما تأَوَّله هذا المحتج شيئان: أَحدهما أَن الشماخ قال هذا الشعر
بعدما انعقد البيع بينهما وتفرَّقا عن مقامهما الذي تبايعا فيه فسماه
بَيِّعاً بعد ذلك، ولو لم يكونا أَتَمّا البيع لم يسمه بَيِّعاً، وأَراد بالبيّع
الذي اشترى وهذا لا يكون حجة لمن يجعل المتساومين بيعين ولما ينعقد
بينهما البيع، والمعنى الثاني أَنه يرد تأْويله ما في سياق خبر ابن عمر، رضي
الله عنهما: أَنه، صلى الله عليه وسلم، قال: البَيِّعانِ بالخيار ما لم
يَتفرَّقا إِلاَّ أَن يُخَيِّرَ أَحدُهما صاحبَه، فإِذا قال له: اختر، فقد
وجَب البيعُ وإِن لم يتفرَّقا، أَلا تراه جعل البيع ينعقد بأَحد شيئين:
أَحدهما أَن يتفرقا عن مكانهما الذي تبايعا فيه، والآخر أَن يُخَيِّرَ
أَحدهما صاحبه؟ ولا معنى للتخيير إِلا بعد انعقاد البيع؛ قال ابن الأَثير
في قوله لا يبع أَحدكم على بيع أَخيه: فيه قولان: أَحدهما إِذا كان
المتعاقدان في مجلس العقد وطلب طالبٌ السلعةَ بأَكثر من الثمن ليُرغب البائع في
فسخ العقد فهو محرم لأَنه إِضرار بالغير، ولكنه منعقد لأَن نفْسَ البيع
غير مقصود بالنهي فإِنه لا خلل فيه، الثاني أَن يرغب المشتري في الفسخ
بعَرْض سلعة أَجودَ منها بمثل ثمنها أَو مثلها بدون ذلك الثمن فإِنه مثل
الأَول في النهي، وسواء كانا قد تعاقدا على المبيع أَو تساوما وقاربا
الانعقاد ولم يبق إَلاَّ العقد، فعلى الأَول يكون البيع بمعنى الشراء، تقول
بعت الشيء بمعنى اشتريته وهو اختيار أَبي عبيد، وعلى الثاني يكون البيع على
ظاهره؛ وقال الفرزدق:
إِنَّ الشَّبابَ لَرابِحٌ مَن باعَه،
والشيْبُ ليس لبائِعيه تِجارُ
يعني من اشتراه. والشيء مَبيع ومَبْيُوع مثل مَخيط ومَخْيُوط على النقص
والإِتمام، قال الخليل: الذي حذف من مَبِيع واو مفعول لأَنها زائدة وهي
أَولى بالحذف، وقال الأَخفش: المحذوفة عين الفعل لأَنهم لما سَكَّنوا
الياء أَلْقَوا حركتها على الحرف الذي قبلها فانضمت، ثم أَبدلوا من الضمة
كسرة للياء التي بعدها، ثم حذفت الياء وانقلبت الواو ياء كما انقلبت واو
مِيزان للكسرة؛ قال المازني: كلا القولين حسن وقول الأَخفش أَقيس. قال
الأَزهري: قال أَبو عبيد البيع من حروف الأَضداد في كلام العرب. يقال باع فلان
إِذا اشترى وباع من غيره؛ وأَنشد قول طرفة:
ويأْتِيك بالأنباء مَن لم تَبِعْ له
نَباتاً، ولم تَضْرِبْ له وَقْتَ مَوْعِدِ
أَراد من لم تشتر له زاداً. والبِياعةُ: السِّلْعةُ، والابْتِياعُ:
الاشتراء. وتقول: بِيعَ الشيء، على ما لم يسمّ فاعله، إِن شئت كسرت الباء،
وإِن شئت ضممتها، ومنهم من يقلب الياء واواً فيقول بُوع الشيء، وكذلك القول
في كِيلَ وقِيلَ وأَشباهها، وقد باعَه الشيءَ وباعَه منه بَيْعاً فيهما؛
قال:
إِذا الثُّرَيّا طَلَعَتْ عِشاء،
فَبِعْ لراعِي غَنَمٍ كِساء
وابْتاعَ الشيءَ: اشتراه، وأَباعه. عَرَّضه للبيع؛ قال الهَمْداني:
فَرَضِيتُ آلاء الكُمَيْتِ، فَمَنْ يُبِعْ
فَرَساً، فليْسَ جَوادُنا بمُباعِ
أَي بمُعَرَّض للبيع، وآلاؤُه: خِصالُه الجَمِيلة، ويروي أَفلاء الكميت.
وبايَعَه مُبايعة وبِياعاً: عارَضَه بالبيع؛ قال جُنادةُ ابن عامر:
فإِنْ أَكُ نائِياً عنه، فإِنِّي
سُرِرْتُ بأَنَّه غُبِنَ البِياعا
وقال قيس بن ذَريح:
كمغْبُونٍ يَعَضُّ على يَدَيْهِ،
تَبَيَّنَ غَبْنُه بعدَ البِياع
واسْتَبَعْتُه الشيء أَي سأَلْتُه أَن يبِيعَه مني.
ويقال: إِنه لحسَنُ البِيعة من البيع مثل الجِلْسة والرِّكْبة. وفي حديث
ابن عمر، رضي الله عنهما: أَنه كان يَغْدُو فلا يمر بسَقَّاطٍ ولا صاحِب
بِيعةٍ إِلاَّ سلم عليه؛ البِيعةُ، بالكسر، من البيع: الحالة كالرِّكبة
والقِعْدة.
والبَيِّعان:البائع والمشتري، وجمعه باعةٌ عند كراع، ونظيره عَيِّلٌ
وعالةٌ وسيّد وسادةٌ، قال ابن سيده: وعندي أَن ذلك كله إِنما هو جمع فاعل،
فأَمّا فيْعِل فجمعه بالواو والنون، وكلُّ من البائع والمشتري بائع
وبَيِّع. وروى بعضهم هذا الحديث: المُتبايِعانِ بالخِيار ما لم
يَتفَرَّقا.والبَيْعُ: اسم المَبِيع؛ قال صَخْر الغَيّ:
فأَقْبَلَ منه طِوالُ الذُّرى،
كأَنَّ عليهِنَّ بَيْعاً جَزِيفا
يصف سحاباً، والجمع بُيُوع.
والبِياعاتُ: الأَشياء التي يُتَبايَعُ بها في التجارة.
ورجل بَيُوعٌ: جَيِّدُ البيع، وبَيَّاع: كثِيره، وبَيِّعٌ كبَيُوعٍ،
والجمع بَيِّعون ولا يكسَّر، والأُنثى بَيِّعة والجمع بَيِّعاتٌ ولا يكسر؛
حكاه سيبويه، قال المفضَّل الضبيُّ: يقال باع فلان على بيع فلان، وهو مثل
قديم تضربه العرب للرجل يُخاصم صاحبه وهو يُرِيغُ أَن يُغالبه، فإِذا
ظَفِر بما حاوَلَه قيل: باعَ فلان على بَيْع فلان، ومثله: شَقَّ فلان غُبار
فلان. وقال غيره: يقال باع فلان على بيعك أَي قام مَقامك في المنزلة
والرِّفْعة؛ ويقال: ما باع على بيعك أَحد أَي لم يُساوِك أَحد؛ وتزوج يزيد بن
معاوية، رضي الله عنه، أُم مِسْكِين بنت عمرو على أُم هاشم
(* قوله «على
أم هاشم» عبارة شارح القاموس: على أم خالد بنت أبي هاشم، ثم قال في
الشعر: ما لك أُم خالد.) فقال لها:
ما لَكِ أُمَّ هاشِمٍ تُبَكِّينْ؟
مِن قَدَرٍ حَلَّ بكم تَضِجِّينْ؟
باعَتْ على بَيْعِك أُمُ مِسْكِينْ،
مَيْمُونةً من نِسْوةٍ ميامِينْ
وفي الحديث: نَهَى عن بَيْعَتَيْن في بَيْعةٍ، وهو أَن يقول: بِعْتُك
هذا الثوب نَقْداً بعشرة، ونَسِيئة بخمسة عشر، فلا يجوز لأَنه لا يَدْرِي
أَيُّهما الثمن الذي يَختارُه ليَقَع عليه العَقْد، ومن صُوَره أَن تقول:
بِعْتُك هذا بعشرين على أَن تَبِيعَني ثوبك بعشرة فلا يصح للشرط الذي فيه
ولأَنه يَسْقُط بسُقوطه بعضُ الثمن فيصير الباقي مجهولاً، وقد نُهِي عن
بيع وشرْط وبيع وسَلَف، وهما هذانِ الوجهان. وأَما ما ورد في حديث
المُزارعة: نَهى عن بَيْع الأَرض، قال ابن الأَثير أَي كرائها. وفي حديث آخر:
لا تَبِيعُوها أَي لا تَكْرُوها.
والبَيْعةُ: الصَّفْقةُ على إِيجاب البيْع وعلى المُبايعةِ والطاعةِ.
والبَيْعةُ: المُبايعةُ والطاعةُ. وقد تبايَعُوا على الأَمر: كقولك أَصفقوا
عليه، وبايَعه عليه مُبايَعة: عاهَده. وبايَعْتُه من البيْع والبَيْعةِ
جميعاً، والتَّبايُع مثله. وفي الحديث أَنه قال: أَلا تُبايِعُوني على
الإِسلام؟ هو عبارة عن المُعاقَدةِ والمُعاهَدةِ كأَن كلّ واحد منهما باعَ
ما عنده من صاحبه وأَعطاه خالصة نَفْسِه وطاعَتَه ودَخِيلةَ أَمره، وقد
تكرّر ذكرها في الحديث.
والبِيعةُ: بالكسر: كَنِيسةُ النصارى، وقيل: كنيسة اليهود، والجمع
بِيَعٌ، وهو قوله تعالى: وبِيَعٌ وصلواتٌ ومساجدُ؛ قال الأَزهري: فإِن قال
قائل فلم جعل الله هَدْمَها من الفَساد وجعلها كالمساجد وقد جاء الكتاب
العزيز بنسخ شَرِيعة النصارى واليهود؟ فالجواب في ذلك أَن البِيَعَ
والصَّوامعَ كانت مُتعبَّدات لهم إِذ كانوا مستقيمين على ما أُمِرُوا به غير
مبدِّلين ولا مُغيِّرين، فأَخبر الله، جل ثناؤه، أَن لولا دَفْعُه الناسَ عن
الفساد ببعض الناس لَهُدِّمَتْ مُتعبَّداتُ كلِّ فريق من أَهل دينه
وطاعتِه في كل زمان، فبدأَ بذكر البِيَعِ على المساجد لأَن صلوات من تقدَّم من
أَنبياء بني إِسرائيل وأُممهم كانت فيها قبل نزول الفُرقان وقبْل تبديل
مَن بدَّل، وأُحْدِثت المساجد وسميت بهذا الاسم بعدهم فبدأَ جل ثناؤه بذكر
الأَقْدَم وأَخَّر ذكر الأَحدث لهذا المعنى.
ونُبايِعُ، بغير همز: موضع؛ قال أَبو ذؤيب:
وكأَنَّها بالجِزْع جِزعِ نُبايعٍ،
وأُولاتِ ذي العَرْجاء، نَهْبٌ مُجْمَعُ
قال ابن جني: هو فِعْلٌ منقول وزْنه نُفاعِلُ كنُضارِبُ ونحوه إِلا أَنه
سمي به مجرداً من ضميره، فلذلك أُعرب ولم يُحْكَ، ولو كان فيه ضميره لم
يقع في هذا الموضع لأَنه كان يلزم حكايتُه إِن كان جملة كذَرَّى حبّاً
وتأبَّطَ شَرًّا، فكان ذلك يكسر وزن البيت لأَنه كان يلزمه منه حذفُ ساكن
الوتد فتصير متفاعلن إِلى متفاعِلُ، وهذا لا يُجِيزه أَحد، فإِن قلت: فهلا
نوَّنته كما تُنوِّن في الشعر الفعل نحو قوله:
مِنْ طَلَلٍ كالأَتْحمِيّ أَنْهَجَنْ
وقوله:
دايَنْتُ أَرْوَى والدُّيُون تُقْضَيَنْ
فكان ذلك يَفِي بوزن البيت لمجيء نون متفاعلن؟ قيل: هذا التنوين إِنما
يلحق الفعل في الشعر إِذا كان الفعل قافية، فأَما إِذا لم يكن قافية فإِن
أَحداً لا يجيز تنوينه، ولو كان نبايع مهموزاً لكانت نونه وهمزته
أَصليتين فكان كعُذافِر، وذلك أَن النون وقعت موقع أَصل يحكم عليها بالأَصلية،
والهمزة حَشْو فيجب أَن تكون أَصلاً، فإِن قلت: فلعلها كهمزة حُطائطٍ
وجُرائض؟ قيل: ذلك شاذ فلا يَحْسُنُ الحَمْل عليه وصَرْفُ نُبايعٍ، وهو منقول
مع ما فيه من التعريف والمِثال، ضرورةٌ، والله أَعلم.
صرد: الصَّرْدُ والصَّرَدُ: البَرْدُ، وقيل: شِدَّتُهُ، صَرِدَ، بالكسر،
يَصْرَدُ صَرَداً، فهو صَرِدٌ، من قوم صَرْدَى. الليث: الصَّرَدُ مصدر
الصَّرِدِ من البرد. قال: والاسم الصَّرْد مجزوم؛ قال رؤبة:
بِمَطَرٍ لَيْسَ بِثَلْجٍ صَرْد
وفي الحديث: ذاكِرُ الله في الغافلين مثلُ الشَّجَرة الخَضْراء وسَطَ
الشَّجر الذي تَحَاتَّ وَرَقه من الصَّرِيد؛ هو البرد، ويروى: من الجَلِيد.
وفي الحديث: سُئِلَ ابن عمر عما يموت في البحر صَرْداً، فقال: لا بأْس
به، يعني السمك الذي يموت فيه من البَرْد.
ويومٌ صَرِدٌ ولَيلَةٌ صَرِدَةٌ: شديدة البرد. أَبو عمرو: الصَّرْد مكان
مُرْتَفع من الجبال وهو أَبردها؛ قال الجعدي:
أَسَدِيَّةٌ تُدْعَى الصِّرادَ، إِذا
نَشِبوا، وتَحْضُر جانِبَيْ شِعْر
(* قوله «تدعى» ولعله تدع أي تترك. وقوله «شعر جبل» كذا بالأَصل، بكسر
الشين، وسكون العين، وان صح هذا الضبط فهو جبل ببلاد بني جشم، أما بفتح
الشين، فهو جبل لبني سليم أو بني كلاب كما في القاموس. وهناك شعر، بضم
الشين وسكون العين أيضاً، جبل آخر ذكره ياقوت.)
قال: شِعْر جَبَل: الجوهري: الصَّرْدُ البرد، فارسي معرَّب.
والصُّرُودُ مِن البلاد: خلاف الجُرُوم أَي الحارَّة. ورَجُلٌ مِصْراد:
لا يصبر على البرد؛ وفي التهذيب: هو الذي يَشْتَدُّ عليه البرد ويقل
صَبْرُه عليه؛ وفي الصحاح: هو الذي يجد البرد سريعاً؛ قال الساجع:
أَصْبَحَ قَلْبي صَرِدا،
لا يَشْتَهي أَن يَرِدَا
وفي حديث أَبي هريرة سأَله رجل فقال: إِني رجل مِصْرادٌ؛ هو الذي يشتدّ
عليه البرد ولا يُطيقُه. والمِصرادُ أَيضاً: القَويُّ على البرد؛ فهو من
الأَضداد. والصُّرَّادُ: ريح بارِدَةٌ مع نَدًى. وريحٌ مِصرادٌ: ذاتُ
صَرَد أَو صُرَّادٍ؛ قال الشاعر:
إِذا رأَيْنَ حَرْجَفاً مِصرادَا،
وَلَّيْنَها أَكْسِيَةً حِدادا
والصُّرَّادُ والصُّرَّيْدُ والصَّرْدَى: سحاب بارد تسْفِرُه الريح.
الأَصمعي: الصُّرَّادُ سحاب بارد نَدِيٌّ ليس فيه ماء؛ وفي الصحاح: غَيْم
رقيق لا ماء فيه.
ابن الأَعرابي: الصَّرِيدَة النعجة التي قد أَنحلها البرد وأَضَرَّ بها،
وجمعها الصَّرائِدُ؛ وفي المحكم: الصَّرِيدَة التي أَنحلها البرد
وأَضَرَّ بها؛ عن ابن الأَعرابي؛ وأَنشد:
لَعَمْرُكَ، إِني والهِزَبْرَ وعارماً
وثَوْرَةَ عِشْنا في لُحوم الصَّرائدِ
ويروى: فَيا لَيْتَ أَنِّي والهزبر»
وأَرضٌ صَرْدٌ: باردة، والجمع صُرُود.
وصَرِدَ عن الشيءِ صَرَداً وهو صَرِدٌ: انتهى؛ الأَزهري: إِذا انْتَهَى
القلب عن شيء صَرِدَ عنه، كما قال:
أَصْبَحَ قلبي صَرِدا
قال: وقد يوصف الجيش بالصَّرَد. وجيشٌ صَرَدٌ وصَرْدٌ، مجزوم: تراه من
تُؤَدَتِه كأَنه
(* قوله «من تؤدته كأَنه إلخ» عبارة الأساس كأَنه من تؤدة
سيره جامد.) سَيْرُه جامد، وذلك لكثرته، وهو معنى قول النابغة الجعدي:
بأَرْعَنَ مِثْلِ الطَّوْدِ تحْسَبُ أَنَّهُم
وُقُوفٌ لِحَاجٍ، والرِّكابُ تُهَمْلِج
وقال خُفَافُ بنُ نُدْبَةَ:
صَرَدٌ تَوَقَّصَ بالأَبْدان جُمْهُور
والتَّوَقُّصُ: ثِقَل الوَطْءِ على الأَرض. والتَّصريدُ: سَقْيٌ دون
الرَّيِّ؛ وقال عمر يرثي عروة بن مسعود:
يُسْقَوْنَ منها شَراباً غَيْرَ تَصْرِيد
وفي التهذيب: شُرْبٌ دون الريّ. يقال: صَرَّدَ شُرْبه أَي قطعَه.
وصَرِدَ السَّقاءُ صَرَداً أَي خرج زُبْدُه متقطعاً فَيُداوى بالماء الحارِّ،
ومن ذلك أُخِذَ صَرْدُ البرد. والتَّصْرِيدُ في العطاء: تَقْليله، وشراب
مُصَرَّدٌ أَي مُقَلَّل، وكذلك الذي يُسقَى قَلِيلاً أَو يُعْطى قليلاً.
وفي الحديث: لن يدخل الجنة إِلا تَصرِيداً أَي قليلاً. وصَرَّدَ العطاء:
قَلَّله.
والصَّرْدُ: الطعنُ النافذُ. وصَرِد الرمحُ والسَّهم يَصْرَدُ صَرَداً:
نَفَذَ حدُّه. وصَرَدَه هو وأَصْرده: أَنْفَذَه من الرَّميَّة، وأَنا
أَصْرَدْتُه؛ وقال اللَّعِينُ المِنْقَريُّ يخاطب جَريراً والفرزدق:
فما بُقْيا عليَّ تَرَكْتُماني،
ولكِنْ خِفْتُما صَرَدَ النِّبال
وأَصْرَدَ السهمُ: أَخْطَأَ. وقال أَبو عبيدة في بيت اللعين: من أَراد
الصواب قال: خفتما أَن تُصِيبَ نِبالي، ومن أَراد الخَطَأَ قا: خفْتما
إِخْطاءَ نبالكما. والصَّرَدُ والصَّرْدُ: الخَطَأُ في الرمح والسهم
ونحوهما، فهو على هذا ضدّ. وسهم مِصْرادٌ وصاردٌ أَي نافذ. وقال قطرب: سهم
مُصَرِّد مصيب، وسهم مُصْرِدٌ أَي مُخْطِئ؛ وأَنشد في الإِصابة:
على ظَهْرِ مِرْنانٍ بسَهْمٍ مُصَرِّد
أَي مُصِيب؛ وقال الآخر:
أَصْرَدَه الموتُ وقد أَطَلاَّ
أَي أَخْطَأَه.
والصُّرَدُ: طائر فوق العصفور، وقال الأَزهري: يَصِيدُ العصافير؛ وقول
أَبي ذؤيب:
حتى اسْتَبانتْ مع الإِصْباحِ رَامَتُها،
كأَنَّه في حَواشِي ثَوْبِه صُرَد
أَراد: أَنه بين حاشِيتي ثوبه صُرَدٌ من خِفته وتضاؤله، والجمع
صِرْدانٌ؛ قال حميد الهلالي:
كأَنّ، وَحَى الصِّرْدانِ في جَوْفِ ضَالَةٍ،
تَلَهْجُمَ لَحْيَيْهِ، إِذا ما تَلَهْجَما
(* قوله «كأن وحى إلخ» وحى خبر كأن مقدم وتلهجم اسمها مؤخر كما هو صريح
حل الصحاح في مادة لهجم.)
وفي الحديث: نُهِي المحرِمُ عن قَتْلِ الصُّرَدِ. وفي حديث آخر: نَهى
النبي، صلى الله عليه وسلم، عن قتل أَربع: النملةِ والنحلة والصُّرَدِ
والهُدهد؛ وروي عن إِبراهيم الحَرْبي أَنه قال: أَراد بالنملة الكُبَّارَ
الطويلة القوائم التي تكون في الخَرِبات وهي لا تؤذي ولا تضر، ونهى عن قتل
النحلة لأَنها تُعَسِّلُ شراباً فيه شفاء للناس ومنه الشمع، ونَهَى عن قتل
الصُّرَدِ لأَن العرب كانت تَطَّيَّرُ من صوته وتتشاءَم بصوته وشَخْصِه؛
وقيل: إِنما كرهوه من اسمه من التصريد وهو التقليل، وهو الواقِي عندهم،
ونهى عن قتله رَدّاً للطِّيَرة، ونهى عن قتل الهدهد لأَنه أَطاع نبيّاً
من الأَنبياءِ وأَعانه؛ وفي النهاية: أَما نهيه عن قتل الهدهد والصرد
فلتحريم لحمهما لأَن الحيوان إِذا نُهِي عن قتله، ولم يكن ذلك لاحترامه أَو
لضرر فيه، كان لتحريم لحمه، أَلا ترى أَنه نُهِيَ عن قتل الحيوان لغير
مأْكلة؟ ويقال: إِن الهدهد منتن الريح فصار في معنى الجَلاَّلَةِ؛ وقيل:
الصُّرَدُ طائر أَبقع ضخم الرأْس يكون في الشجر، نصفه أَبيض ونصفه أَسود؛
ضخم المِنقار له بُرْثُنٌ عظيم نَحْوٌ مِنَ القارِية في العِظَمِ ويقال له
الأَخْطَب
(* قوله «ويقال له الأخطب إلخ» عبارة المصباح: ويسمى المجوّف
لبياض بطنه، والأخطب لخضرة ظهره، والاخيل لاختلاف لونه.) لاختلاف لونيه،
والصُّرَد لا تراه إِلا في شُعْبَة أَو شجرة لا يقدر عليه أَحد. قال
سُكَيْنٌ النُّمَيري: الصُّرَدُ صُرَدان: أَحدهما أَسْبَدُ يسميه أَهل العراق
العَقْعَقَ، وأَما الصُّرَدُ الهَمْام، فهو البَرِّيُّ الذي يكون بنجد في
العضاه، لا تراه إِلا في الأَرض يقفز من شجر إِلى شجر، قال: وإِن
أَصْحَر وطُرِدَ فأُخذَ؛ يقول: لو وقع إِلى الأَرض لم يستقل حتى يؤخذ، قال:
ويصرصر كالصقر؛ وروي عن مجاهد قال: لا يُصاد بكلب مجوسيٍّ ولا يؤكل من صيد
المجوسي إِلا السمك، وكُرِه لحم الصُّرَد، وهو من سباع الطير. وروي عن
مجاهد في قوله: سكينة من ربكم، قال: أَقبلت السكينة والصرد وجبريل مع
إِبراهيم من الشام. والصَّرْدُ: البَحْتُ الخالصُ من كل شيء. أَبو زيد: يقال
أُحِبُّكَ حُبّاً صَرْداً أَي خالصاً، وشراب صَرْدٌ. وسقاه الخمر صَرْداً
أَي صِرفاً؛ وأَنشد:
فإِنَّ النَبِيذَ الصَّرْدَ إِنْ شُرْبَ وَحْدَهُ،
على غَيْرِ شَيءٍ، أَوجَعَ الكِبْدَ جُوعها
وذهَبٌ صَرْدٌ: خالص. وجيش صَرْدٌ: بنو أَب واحد لا يخالطهم غيرهم. وقال
أَبو عبيدة: يقال معه جَيْش صَرْدٌ أَي كلهم بنو عمه؛ وكَذِبٌ صَرْدٌ.
أَبو عبيدة: الصَّرَدُ أَن يخرج وبَرٌ أَبيضُ في موضع الدَّبَرَةِ إِذا
بَرَأَتْ، فيقال لذلك الموضِع صُرَدٌ وجمعه صِرْدانٌ؛ وإِياهما عنى الراعي
يصف إِبلاً:
كأَنَّ مَوَاضِعَ الصِّرْدانِ منها
مناراتٌ بُدِينَ على خِمارِ
جعل الدَّبَرَ في أَسنمة شبهها بالمنار.
الجوهري: الصُّرَدُ بياض يكون على ظهر الفرس من أَثر الدَّبَرِ. ابن
سيده: والصُّرَدُ بياض يكون في سنام البعير والجمع كالجمع. والصُّرَدُ
كالبياض يكون على ظهر الفرس من السَّرْج. يقال: فرسٌ صَرِدٌ إِذا كان بموضع
السرج منه بياضٌ من دَبَر أَصابه يقال له الصُّرَدُ؛ وقال الأَصمعي:
الصُّرَدُ من الفرسِ عِرْقٌ تحت لسانه؛ وأَنشد:
خَفِيفُ النَّعامَةِ ذُو مَيْعَة،
كَثِيفُ الفَراشَةِ ناتِي الصُّرَدْ
ابن سيده: والصُّرَدُ عِرْقٌ في أَسْفل لسان الفرس.
والصُّرَدَانِ: عِرْقان أَخضران يستبطنان اللسانَ، وقيل: هما عظمان
يقيمانه، وقيل: الصُّرَدَانِ عرقان مُكْتَنِفانِ اللسانَ؛ وأَنشد ليزيد بن
الصَّعِق:
وأَيُّ الناسِ أَعْذَرُ مِنْ شَآمٍ،
له صُرَدانِ مُنْطَلِقا اللِّسانِ؟
أَي ذَرِبانِ. قال الليث: الصُّرَدانِ عِرْقانِ أَخضران أَسْفَلَ اللسان
فيهما يدور اللسان؛ قاله الكسائي.
والصُّرَدُ: مسمار يكون في سِنان الرُّمح؛ قال الراعي:
منها صَريعٌ وضاغٍ فوقَ حَرْبَتِهِ،
كما ضَغا تَحْتَ حَدِّ العامِلِ الصُّرَدُ
وصَرَّدَ الشَّعِيرُ والبُرُّ: طلع سَفاهما ولم يَطْلُع سُنْبُلُهما وقد
كاد؛ قال ابن سيده: هذه عن الهَجَريّ. قال شمر: تقول العرب للرجل:
افْتَحْ صُرَدَك
(* قوله «افتح صردك» هكذا بالأَصل المعتمد عليه بأَيدينا
والذي في الميداني صررك، بالراء، جمع صرة.) تَعْرِفْ عُجَرَك وبُجَرَك؛ قال:
صُرَدُه نفسه، يقول: افتح صُردَكَ تَعْرِفْ لُؤمَكَ من كرمك وخيرك من
شَرِّك. ويقال: لو فتح صُرَدَه عرف عُجَره وبُجَره أَي عرف أَسرار ما
يكتم.الجوهري: والصِّمْرِدُ، بالكسر، الناقة القليلة اللبن. وبنو الصارِدِ:
حيٌّ من بني مرة بن عوف بن غطفان.
قبر: القَبْرُ: مدفن الإِنسان، وجمعه قُبُور، والمَقْبَرُ المصدر.
والمَقْبرَة، بفتح الباء وضمها: موضع القُبُور. قال سيبويه: المَقْبُرة ليس
على الفعل ولكنه اسم. الليث: والمَقْبَرُ أَيضاً موضع القبر، وهو
المَقْبَريّ والمَقْبُرِيّ. الجوهري: المَقْبَرَة والمَقْبُرة واحدة المقابر، وقد
جاء في الشعر المَقْبَرُ؛ قال عبد الله بن ثعلبة الحَنَفيّ:
أَزُورُ وأَعْتادُ القُبورَ، ولا أَرَى
سِوَى رَمْسِ أَعجازٍ عليه رُكُودُ
لكلِّ أُناسٍ مَقْبَرٌ بفِنائِهم،
فهمْ يَنْقُصُونَ، والقُبُورُ تَزِيدُ
قال ابن بري: قول الجوهري: وقد جاء في الشعر المَقْبَرُ، يقتضي أَنه من
الشاذ، قال: وليس كذلك بل هو قياس في اسم المكان من قَبَرَ يَقْبُرُ
المَقْبَرُ، ومن خرج يَخْرُجُ المَخْرَج، ومن دخل يَدْخُلُ المَدْخَل، وهو
قياس مطَّرد لم يَشِذَّ منه غيرُ الأَلفاظِ المعروفة مثل المَبِيتِ
والمَسْقِطِ والمَطْلِع والمَشْرِقِ والمَغْرِب ونحوها. والفِناء: ما حول الدار،
قال: وهمزته منقلبة عن واو بدليل قولهم شجرة فَنْواء أَي واسعة الفناء
لكثرة أَغصانها. وفي الحديث: نهى عن الصلاة في المَقْبُرَة؛ هي موضع دفن
الموتى، وتضم باؤها وتفتح، وإِنما نهى عنها لاختلاط ترابها بصديد الموتى
ونجاساتهم، فإِن صلى في مكان طاهر منها صحت صلاته؛ ومنه الحديث: لا تجعلوا
بيوتَكم مَقابر أَي لا تجعلوها لكم كالقبور لا تصلون فيها لأَن العبد
إِذا مات وصار في قبره لم يُصَلّ، ويشهد له قوله فيه: اجعلوا من صلاتكم في
بيوتكم ولا تتخذوها قبوراً، وقيل: معناه لا تجعلوها كالمقابر لا تجوز
الصلاة فيها، قال: والأَول الوجه.
وقَبَره يَقْبِره ويَقْبُره: دفنه. وأَقْبره: جعل له قبراً. وأَقْبَرَ
إِذا أَمر إِنساناً بحفر قبر. قال أَبو عبيدة: قالت بنو تميم للحجاج وكان
قتل صالح بن عبد الرحمن: أَقْبِرْنا صالحاً أَي ائذن لنا في أَن نَقْبره،
فقال لهم: دونكموه. الفراء في قوله تعالى: ثم أَماته فأَقبره، أَي جعله
مقبوراً ممن يُقْبَرُ ولم يجعله ممن يُلْقَى للطير والسباع ولا ممن
يُلْقَى في النواويس، كان القبر مما أُكرم به المسلم، وفي الصحاح: مما أُكرم
به بنو آدم، ولم يقل فقَبَره لأَن القابر هو الدافن بيده، والمُقْبِرُ هو
الله لأَنه صيره ذا قَبْر، وليس فعله كفعل الآدمي. والإِقْبار: أَن
يُهَيِّءَ له قبراً أَو يُنْزِلَهُ مَنْزِله. وفي الحديث عن ابن عباس، رضي
الله عنهما، أَن الدجال وُلِدَ مقبوراً، قال أَبو العباس: معنى قوله ولد
قبوراً أَن أُمه وضعته وعليه جلدة مُصْمَتة ليس فيها شق ولا نَقْبٌ، فقالت
قابلته: هذه سِلْعة وليس ولداً، فقالت أُمه: بل فيها ولد وهو مقبور فيها،
فشقوا عنه فاستهلَّ. وأَقْبره: جعل له قبراً يُوارَى فيه ويدفن فيه.
وأَقبرته: أَمرت بأَن يُقْبَر. وأَقْبَر القومَ قتيلَهم: أَعطاهم إِياه
يَقْبُرونه. وأَرض قَبُور: غامضة. ونخلة قَبُور: سريعة الحمل، وقيل: هي التي
يكون حملها في سَعَفها، ومثلها كبَوس.
والقِبْرُ: موضع مُتأَكِّل في عُود الطيب. والقِبِرَّى: العظيم الأَنف،
وقيل: هو الأَنف نفسه. يقال: جاء فلان رامِعاً قِبرّاه ورامِعاً أَنفه
إِذا جاء مُغْضَباً، ومثله: جاء نافخاً قِبِرَّاه ووارماً خَوْرَمَتُه؛
وأَنشد:
لما أَتانا رامِعاً قِبِرَّاه،
لا يَعْرِفُ الحقَّ وليس يَهْواه
ابن الأَعرابي: القُبَيْرَةُ تصغير القِبِرَّاة، وهي رأْس القَنْفاء.
قال: والقِبِرَّاة أَيضاً طَرَفُ الأَنف، تصغيره قُبَيرة.
والقُبَرُ: عنب أَبيض فيه طُولٌ وعناقيده متوسطة ويُزَبَّب.
والقُبَّرُ والقُبَّرة والقُنْبَرُ والقُنْبَرة والقُنْبَراء: طائر يشبه
الحُمَّرة. الجوهري: القُبَّرة واحدة القُبَّر، وهو ضرب من الطير؛ قال
طَرَفَة وكان يصطاد هذا الطير في صباه:
يا لكِ من قُبَّرةٍ بمَعْمَرِ،
خَلا لكِ الجَوُّ فبيضِي واصْفِرِي،
ونَقِّرِي ما شِئْتِ أَن تُنَقِّرِي،
قد ذهبَ الصَّيَّادُ عنكِ فابْشِرِي،
لا بُدَّ من أَخذِكِ يوماً فاصْبرِي
قال ابن بري:
يا لكِ من قُبَّرَةٍ بمعمر
لكُلَيْبِ بن ربيعة التغلبي وليس لطَرَفَة كما ذكر، وذلك أَن كليب بن
ربيعة خرج يوماً في حِماه فإِذا هو بقُبَّرَة على بيضها، والأَكثر في
الرواية بحُمَّرَةٍ على بيضها، فلما نظرت إِليه صَرْصَرَتْ وخَفَقَتْ
بجناحيها، فقال لها: أَمِنَ رَوْعُك، أَنت وبيضك في ذمتي ثم دخلت ناقة البَسُوس
إِلى الحِمَى فكسرت البيض فرماها كليب في ضَرْعها. والبَسُوس: امرأَة،
وهي خالة جَسَّاس بن مُرَّة الشيباني، فوثب جسَّاس على كُلَيْب فقتله،
فهاجت حرب بكر وتَغْلِب ابني وائل بسببها أَربعين سنة. والقُنْبَراءُ: لغة
فيها، والجمع القَنَابر مثل العُنْصَلاءِ والعَناصل، قال: والعامة تقول
القُنْبُرَةُ، وقد جاء ذلك في الرجز، أَنشد أَبو عبيدة:
جاء الشِّتاءُ واجْثأَلَّ القُنْبُرُ،
وجَعَلَتْ عينُ الحَرَورِ تَسْكُرُ
أَي يسكن حرها وتخْبو. والقُبَّارُ: قوم يتجمعون لجَرِّ ما في
الشِّبَاكِ من الصيد؛ عُمانية؛ قال العجاج: كأَنَّما تَجَمَّعُوا
قُبَّارَا
لمس: اللَّمْس: الجَسُّ، وقيل: اللَّمْسُ المَسُّ باليد، لمَسَه
يَلْمِسُهُ ويَلْمُسُه لَمْساً ولامَسَه.
وناقة لَمُوس: شُك في سَنامِها أَبِها طِرْقٌ أَم لا فَلُمِسَ، والجمع
لُمْسٌ.
واللَّمْس: كناية عن الجماع، لَمَسَها يَلْمِسُها ولامَسَها، وكذلك
المُلامَسَة. وفي التنزيل العزيز: أَو لَمَسْتُمُ النِّساء، وقُرِئ: أَو
لامَسْتُمُ النساء، وروي عن عبد اللَّه بن عُمَر وابن مسعود أَنهما قالا:
القُبْلَة من اللَّمْس وفيها الوُضوء. وكان ابن عباس يقول: اللَّمْسُ
واللِّماسُ والمُلامَسَة كِناية عن الجماع؛ ومما يُسْتَدلّ به على صحة قوله
قول العرب في المرأَة تُزَنُّ بالفجور: هي لا تَرُدُّ يَدَ لامِسٍ، وجاء
رجل إِلى النبي، صلى اللَّه عليه وسلم، فقال له: إِن امرأَتي لا تَرُدُّ
يَدَ لامِس، فأَمرَه بتطليقها؛ أَراد أَنها لا تردُّ عن نفسها كلَّ من
أَراد مُراوَدَتها عن نفسها. قال ابن الأَثير: وقوله في سياق الحديث
فاسْتَمْتِعْ بها أَي لا تُمْسِكْها إِلا بقدْر ما تَقْضِي مُتْعَةَ النَّفْس
منها ومن وَطَرِها، وخاف النبي، صلى اللَّه عليه وسلم، إِن أَوْجَبَ عليه
طَلاقَها أَن تتُوق نفسُه إِليها فيَقَع في الحَرام، وقيل: معنى لا تردُّ
يدَ لامِس أَنها تُعطِي من ماله من يطلُب منها، قال: وهذا أَشبه، قال
أَحمد: لم يكن ليأْمُرَه بإِمْساكِها وهي تَفْجُر. قال عليٌّ وابن مسعود، رضي
اللَّه عنهما: إِذا جاءكم الحديث عن رسول اللَّه، صلى اللَّه عليه وسلم،
فظُنُّوا أَنه الذي هو أَهْدى وأَتْقَى. أَبو عمرو: اللَّمْس الجماع.
واللَّمِيس: المرأَة اللَّيِّنة المَلْمَس.
وقال ابن الأَعرابي: لَمَسْتُه لَمْساً ولامَسْتُه مُلامَسَة، ويفرق
بينهما فيقال: اللَّمْسُ قد يكون مَسَّ الشيء بالشيء ويكون مَعْرِفَة الشيء
وإِن لم يكن ثَمَّ مَسٌّ لجَوْهَرٍ على جوهر، والمُلامَسَة أَكثر ما جاءت
من اثنين.
والالْتِماسُ: الطَّلَب. والتَلَمُّسُ: التَّطَلُّب مرَّة بعد أُخرى.
وفي الحديث: اقْتُلُوا ذا الطُّفْيَتَيْنِ والأَبْتَرَ فإِنهما يَلْمِسان
البَصَر، وفي رواية: يَلْتَمِسان أَي يَخْطِفان ويَطْمِسان، وقيل: لَمَسَ
عَيْنَه وسَمَل بمعنًى واحد، وقيل: أَراد أَنهما يَقْصِدان البَصَر
باللَّسْع، في الحيَّات نوع يُسَمَّى الناظِر متى وقَد نَظَرُه على عَيْن
إِنسان مات من ساعته، ونوعٌ آخر إِذا سَمِع إِنسانٌ صوته مات؛ وقد جاء في
حديث الخُدْريِّ عن الشاب الأَنصاريِّ الذي طَعَنَ الحَيَّة بِرُمْحِه فماتت
ومات الشاب من ساعته. وفي الحديث: من سَلَكَ طريقاً يَلْتَمِسُ فيه
عِلماً أَي يَطلبُه، فاستعار له اللَّمْس. وحديث عائشة: فالْتَمَسْتُ
عِقْدِي. والْتَمَسَ الشيءَ وتَلَمَّسَه: طَلَبَه. الليث: اللَّمْس باليد أَن
تطلب شيئاً ههنا وههنا؛ ومنه قول لبيد:
يَلْمِسُ الأَحْلاسَ في مَنزِلهِ
بِيَدَيْهِ، كاليَهُوديِّ المُصَلْ
(* قوله «كاليهودي المصل» هو بهذا الضبط في الأصل.)
والمُتَلَمِّسَةُ: من السِّمات؛ يقال: كواه.
والمُتَلَمِّسَةَ والمثلومةً
(* قوله «والمثلومة» هكذا في الأَصل
بالمثلثة، وفي شرح القاموس: المتلومة، بالمثناة الفوقية.) وكَوَاه لَماسَ إِذا
أَصاب مكان دائه بالتَّلَمُّسِ فوقع على داء الرجُل أَو على ما كان
يَكْتُمُ.
والمُتَلَمِّس: اسم شاعر، سمي به لقوله:
فهذا أَوانُ العِرْضِ جُنَّ ذُبابُهُ،
زَنابِيرُه والأَزْرَقُ المُتَلَمِّسُ
يعني الذُّباب الأَخْضَر. وإِكافٌ مَلْمُوسُ الأَحْناء إِذا لُمِسَت
بالأَيدي حتى تَسْتَوي، وفي التهذيب: هو الذي قد أُمِرَّ عليه اليَدُ ونُحِت
ما كان فيه من ارْتفاع وأَوَدٍ.
وبَيْعُ المُلامَسَةِ: أَن تَشْترِيَ المَتاع بأَن تَلمِسَه ولا تنظرَ
إِليه. وفي الحديث النَّهْيُ عن المُلامَسَة؛ قال أَبو عبيد: المُلامَسَة
أَن يقول: إِن لَمَسْتَ ثوبي أَو لمَسْتُ ثوبَك أَو إِذا لَمَسْت المبيع
فقد وجب البيع بيننا بكذا وكذا؛ ويقال: هو أَن يَلْمِسَ المَتاع من وراء
الثوْب ولا ينظر إِليه ثم يُوقِع البيع عليه، وهذا كله غَرَرٌ وقد نُهِي
عنه ولأَنه تعليقٌ أَو عُدولٌ عن الصِّيغَة الشَرْعِيَّة، وقيل: معناه
أَن يجعل اللَّمْس بالي قاطعاً للخيار ويرجع ذلك إِلى تعليق اللُّزُوم وهو
غير نافِذٍ.
واللَّماسَة واللُّماسَة: الحاجة المقاربة؛ وقول الشاعر:
لَسْنا كأَقْوامٍ إِذا أَزِمَتْ،
فَرِحَ الللَّمُوسُ بثابت الفَقْر
اللَّمُوس: الدَّعِيُّ؛ يقول: نحن وإِن أَزِمَتْ السَّنَةُ أَي عَضَّت
فلا يطمع الدَّعِيُّ فينا أَن نُزوِّجَه، وإِن كان ذا مال كثير.
ولَمِيسُ: اسم امرأَة. ولُمَيْسٌ ولَمَّاس: اسمان.
طير: الطَّيَرانُ: حركةُ ذي الجَناج في الهواء بِجَنَاحِهِ، طارَ
الطائرُ يَطِيرُ طَيْراً وطَيراناً وطَيْرورة؛ عن اللحياني وكراع وابن قتيبة،
وأَطارَه وطيَّره وطارَ بِه، يُعَدى بالهمزة وبالتضعيف وبحرف الجر.
الصحاح: وأَطارَه غيرُه وطيَّره وطايَرَه بمعنى.
والطَّيرُ: معروف اسم لِجَماعةِ ما يَطِيرُ، مؤنث، والواحد طائِرٌ
والأُنثى طائرةٌ، وهي قليلة؛ التهذيب: وقَلَّما يقولون طائرة للأُنثى؛ فاَّما
قوله أَنشده الفارسي:
هُمُ أَنْشَبُوا صُمَّ القَنا في نُحورِهمْ،
وبِيضاً تقِيضُ البَيْضَ من حيثُ طائرُ
فإِنه عَنى بالطائرِ الدِّماغَ وذلك من حيثُ قيل له فرخٌ؛ قال:
ونحنُ كَشَفْنا، عن مُعاوِيةَ، التي
هي الأُمُّ تَغْشَى كُلَّ فَرْخٍ مُنَقْنِق
عَنى بالفرْخ الدماغَ كما قلنا. وقوله مُْنَقْنِق إِقراطاً من القول:
ومثله قولُ ابن مقبل:
كأَنَّ نَزْوَ فِراخِ الهَامِ، بَيْنهُمُ،
نَزْوُ القُلاتِ، زَهاها قالُ قالِينا
وأَرضٌ مَطَارةٌ: كَثيرةُ الطَّيْرِ. فأَما قوله تعالى: إِنِّي أَخْلُقُ
لكم من الطِّينِ كهَيْئَةِ الطَّيْرِ فأَنْفُخُ فيه فيكون طائراً بإِذن
الله؛ فإِن معناه أَخلُق خَلْقاً أَو جِرْماً؛ وقوله: فأَنفخ فيه، الهاء
عائدة إِلى الطَّيْرِ، ولا يكون منصرفاً إِلى الهيئة لوجهين: أَحدهما أَن
الهَيْةَ أُنثى والضمير مذكر، والآخر أَنَّ النَّفْخَ لا يقع في
الهَيْئَةَ لأَنها نوْعٌ من أَنواع العَرَضِ، والعَرَضُ لا يُنْفَخُ فيه، وإِنما
يقع النَّفْخُ في الجَوْهَر؛ قال: وجميع هذا قول الفارسي، قال: وقد يجوز
أَن يكون الطائرُ اسماً للجَمْع كالجامل والباقر، وجمعُ الطائر
أَطْيارٌ، وهو أَحدُ ما كُسِّرَ على ما يُكَسَّرُ عليه مثلُه؛ فأَما الطُّيُورُ
فقد تكون جمعَ طائر كساجِدِ وسُجُودٍ، وقد تكون جَمْعَ طَيْرٍ الذي هو
اسمٌ للجَمع، وزعم قطرب أَن الطَّيْرَ يقَعُ للواحد؛ قال ابن سيده: ولا
أَدري كيف ذلك إِلا أَن يَعْني به المصدرَ، وقرئ: فيكون طَيْراً بإِذْنِ
الله، وقال ثعلب: الناسُ كلُّهم يقولون للواحد طائرٌ وأَبو عبيدة معَهم، ثم
انْفَرد فأَجازَ أَن يقال طَيْر للواحد وجمعه على طُيُور، قال الأَزهري:
وهو ثِقَةٌ. الجوهري: الطائرُ جمعُه طَيرٌ مثل صاحبٍ وصَحْبٍ وجمع
الطَّيْر طُيُورٌ وأَطْيارٌ مثل فَرْخ وأَفْراخ. وفي الحديث: الرُّؤْيا
لأَوَّلِ عابِرٍ وهي على رِجْلِ طائرٍ؛ قال: كلُّ حَرَكَةٍ من كلمة أَو جارٍ
يَجْرِي، فهو طائرٌ مَجازاً، أَرادَ: على رِجْل قَدَرٍ جار، وقضاءٍ ماضٍ، من
خيرٍ أَو شرٍّ، وهي لأَوَّلِ عابِرٍ يُعَبّرُها، أَي أَنها إِذا
احْتَمَلَتْ تأْوِيلَين أَو أَكثر فعبّرها مَنْ يَعْرِفُ عَباراتها، وقَعَتْ على
ما أَوّلَها وانْتَفَى عنها غيرُه من التأْويل؛ وفي رواية أُخرى:
الرُّؤْيا على رِجْل طائرٍ ما لم تُعَبَّرْ أَي لا يستقِرُّ تأْوِيلُها حتى
تُعَبِّر؛ يُرِيد أَنها سَرِيعةُ السقُوط إِذا عُبِّرت كما أَن الطيرَ لا
يستَقِرُّ في أَكثر أَحوالِه، فكيف ما يكون على رِجْلِه؟ وفي حديث أَبي بكر
والنسّابة: فمنكم شَيْبةُ الحمدِ مُطْعِم طَيْر السماءِ لأَنه لَمَّا
نَحَرَ فِدَاءَ ابنهِ عبدِاللهِ أَبي سيِّدِنا رسول الله، «صلى الله عليه
وسلم » مائةَ بعير فَرّقَها على رُؤُوس الجِبالِ فأَكَلَتْها الطيرُ. وفي
حديث أَبي ذَرٍّ: تَرَكَنَا رسولُ الله، صلى الله عليه وسلم، وما طائر
يَطِيرُ بِجَناحَيْه إِلاَّ عِنْدَنا منه عِلْمٌ، يعني أَنه استوفى بَيانَ
الشَّرِيعةِ وما يُحتاج إِليه في الدِّين حتى لم يَبْقَ مُشْكِلٌ،
فضَرَبَ ذلك مَثَلاً، وقيل: أَراد أَنه لم يَتْرك شيئاً إِلا بَيَّنه حتى
بَيَّن لهم أَحكامَ الطَّيْرِ وما يَحِلّ منه وما يَحْرُم وكيف يُذْبَحُ، وما
الذي يفْدِي منه المُحْرِمُ إِذا أَصابه، وأَشْباه ذلك، ولم يُرِدْ أَن
في الطيرِ عِلْماً سِوى ذلك عَلَّمهم إِيّاه ورَخّصَ لهم أَن يَتَعاطَوا
زَجْرَ الطَّيْرِ كما كان يفعله أَهلُ الجاهلية. وقوله عز وجل: ولا طائرٍ
يَطِيرُ بِجَناحَيْه؛ قال ابن جني: هو من التطوع المُشَامِ للتوكيد لأَنه
قد عُلِم أَن الطَّيَرانَ لا يكون إِلا بالجَناحَيْنِ، وقد يجوز أَن
يكون قوله بِجناحَيْه مُفِيداً، وذلك أَنه قد قالوا:
طارُوا عَلاهُنَّ فَشُكْ عَلاها
وقال العنبري:
طارُوا إِليه زَرَافاتٍ ووُحْدانا
ومن أَبيات الكتاب:
وطِرْتُ بمُنْصُلي في يَعْمَلاتٍ
فاستعملوا الطَّيَرانَ في غير ذي الجناح. فقوله تعالى: ولا طائرٍ
يَطِيرُ بِجَناحَيْه؛ على هذا مُفِيدٌ، أَي ليس الغرَضُ تَشْبِيهَه بالطائر ذي
الجناحَيْنِ بل هو الطائرُ بِجَناحَيْه البَتَّةَ.
والتَّطايُرُ: التَّفَرُّقُ والذهابُ، ومنه حديث عائشة، رضي الله عنها:
سَمِعَتْ مَنْ يَقُول إِن الشؤْم في الدار والمرأَةِ فطارَتْ شِقَّةٌ
منها في السماء وشِقَّةٌ في الأَرض أَي كأَنها تفَرَّقَتْ وتقَطَّعَتْ
قِطَعاً من شِدّة الغَضَبِ. وفي حديث عُرْوة: حتى تَطَايرتْ شُؤُون رَأْسه أَي
تَفَرَّقَتْ فصارت قِطَعاً. وفي حديث ابن مسعود: فَقَدْنا رسولَ الله،
صلى الله عليه وسلم، فقُلْنا اغْتِيلَ أَو اسْتُطِيرَ أَي ذُهِبَ به
بسُرْعَةٍ كأَنَّ الطيرَ حَمَلَتْه أَو اغْتالَهُ أَحَدٌ. والاسْتِطارَةُ
والتَّطايُرُ: التفرُّقُ والذهابُ. وفي حديث علي، كرّم الله تعالى وجهه:
فأَطَرْتُ الحُلَّةَ بَيْنَ نِسَائي أَي فَرَّقْتُها بَيْنهن وقَسّمتها فيهن.
قال ابن الأَثير: وقيل الهمزة أَصلية، وقد تقدم. وتطايَرَ الشيءُ: طارَ
وتفرَّقَ.
ويقال للقوم إِذا كانوا هادئينَ ساكِنينَ: كأَنما على رؤوسهم الطَّيْرُ؛
وأَصله أَن الطَّيرَ لا يَقَع إِلا على شيء ساكن من المَوَاتِ فضُرِبَ
مثَلاً للإِنسان ووَقارِه وسكُونِه. وقال الجوهري: كأَنَّ على رؤوسِهم
الطَّيرَ، إِذا سَكَنُوا من هَيْبةٍ، وأَصله أَن الغُراب يقَعُ على رأْسِ
البَعيرِ فيلتقط منه الحَلَمَةَ والحَمْنانة، فلا يُحَرِّكُ البعيرُ رأْسَه
لئلاَّ يَنْفِر عنه الغُرابُ. ومن أَمثالهم في الخصْب وكثرةِ الخير
قولهم: هو في شيء لا يَطِيرُ غُرَابُه. ويقال: أُطِيرَ الغُرابُ، فهو مُطارٌ؛
قال النابغة:
ولِرَهْطِ حَرَّابٍ وقِدٍّ سَوْرةٌ
في المَجْدِ، ليس غرابُها بمُطارِ
وفلان ساكنُ الطائِر أَي أَنه وَقُورٌ لا حركة له من وَقارِه، حتى كأَنه
لو وَقَعَ عليه طائرٌ لَسَكَنَ ذلك الطائرُ، وذلك أَن الإِنسان لو وقع
عليه طائرٌ فتحرك أَدْنى حركةٍ لفَرَّ ذلك الطائرُ ولم يسْكُن؛ ومنه قول
بعض أَصحاب النبي، صلى الله عليه وسلم: إِنّا كنا مع النبي، صلى الله عليه
وسلم، وكأَنَّ الطير فوقَ رؤوسِنا أَي كأَنَّ الطيرَ وقَعَتْ فوق
رؤوسِنا فنحْن نَسْكُن ولا نتحرّك خَشْيةً من نِفارِ ذلك الطَّيْرِ.
والطَّيْرُ: الاسمُ من التَّطَيّر، ومنه قولهم: لا طَيْرَ إِلاَّ طَيْرُ اللهِ، كما
يقال: لا أَمْرَ إِلاَّ أَمْرُ الله؛ وأَنشد الأَصمعي، قال: أَنشدناه
الأَحْمر:
تَعَلَّمْ أَنه لا طَيرَ إِلاَّ
على مُتَطيِّرٍ، وهو الثُّبورُ
بلى شَيءٌ يُوافِقُ بَعْضَ شيءٍ،
أَحايِيناً، وباطلُه كَثِيرُ
وفي صفة الصحابة، رضوان الله عليهم: كأَن على رؤوسهم الطَّيْرَ؛ وصَفَهم
بالسُّكون والوقار وأَنهم لم يكن فيهم طَيْشٌ ولا خِفَّةٌ. وفي فلان
طِيْرةٌ وطَيْرُورةٌ أَي خِفَّةٌ وطَيْشٌ؛ قال الكميت:
وحِلْمُك عِزٌّ، إِذا ما حَلُمْت،
وطَيْرتُك الصابُ والحَنْظَلُ
ومنه قولهم: ازجُرْ أَحْناءَ طَيْرِك أَي جوانبَ خِفّتِك وطَيْشِك.
والطائرُ: ما تيمَّنْتَ به أَو تَشاءَمْت، وأَصله في ذي الجناح. وقالوا للشيء
يُتَطَيَّرُ به من الإِنسان وغيرِه. طائرُ اللهِ لا طائرُك، فرَفَعُوه
على إِرادة: هذا طائرُ الله، وفيه معنى الدعاء، وإِن شئت نَصَبْتَ أَيضاً؛
وقال ابن الأَنباري: معناه فِعْلُ اللهِ وحُكْمُه لا فِعْلُك وما
تَتخوّفُه؛ وقال اللحياني: يقال طَيْرُ اللهِ لا طَيْرُك وطَيْرَ الله لا
طَيرَك وطائرَ الله لا طائرَك وصباحَ اللهِ لا صَباحَك، قال: يقولون هذا كلَّه
إِذا تَطَيَّرُوا من الإِنسانِ، النصبُ على معنى نُحِبّ طائرَ الله،
وقيل بنصبهما على معنى أَسْأَلُ اللهَ طائرَ اللهِ لا طائِرَك؛ قال:
والمصدرُ منه الطِّيَرَة؛ وجَرَى له الطائرُ بأَمرِ كذا؛ وجاء في الشر؛ قال الله
عز وجل: أَلا إِنَّما طائرُهم عند الله؛ المعنى أَلا إِنَّما الشُّؤْم
الذي يَلْحَقُهم هو الذي وُعِدُوا به في الآخرة لا ما يَنالُهم في
الدُّنْيا، وقال بعضهم: طائرُهم حَظُّهم قال الأَعشى:
جَرَتْ لَهُمْ طَيرُ النُّحوسِ بأَشْأَم
وقال أَبو ذؤيب:
زَجَرْت لهم طَيْرَ الشمالِ، فإِن تَكُن
هَواكَ الذي تَهْوى، يُصِبْك اجْتِنابُها
وقد تَطَيَّر به، والاسم الطيَرَةُ والطِّيْرَةُ والطُّورةُ. وقال أَبو
عبيد: الطائرُ عند العرب الحَظُّ، وهو الذي تسميه العرب البَخْتَ. وقال
الفراء: الطائرُ معناه عندهم العمَلُ، وطائرُ الإِنسانِ عَمَلُه الذي
قُلِّدَه، وقيل رِزْقُه، والطائرُ الحَظُّ من الخير والشر. وفي حديث أُمّ
العَلاء الأَنصارية: اقْتَسَمْنا المهاجرين فطارَ لنا عثمانُ بن مَظْعُون
أَي حَصَل نَصِيبنا منهم عثمانُ؛ ومنه حديث رُوَيْفِعٍ: إِنْ كان أَحَدُنا
في زمان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لَيَطِير له النَّصْلُ وللآخَر
القِدْح؛ معناه أَن الرجُلين كانا يَقْتَسِمانِ السَّهْمَ فيقع لأَحدهما
نَصْلُه وللآخر قِدْحُه. وطائرُ الإِنسانِ: ما حصَلَ له في علْمِ الله مما
قُدّرَ له. ومنه الحديث: بالمَيْمونِ طائِرُه؛ أَي بالمُبارَكِ حَظُّه؛
ويجوز أَن يكون أَصله من الطَّيْرِ السانحِ والبارِحِ. وقوله عز وجل:
وكلَّ إِنْسانٍ أَلْزَمْناه طائرَه في عُنُقِه؛ قيل حَظُّه، وقيل عَمَلُه،
وقال المفسرون: ما عَمِل من خير أَو شرّ أَلْزَمْناه عُنُقَه إِنْ خيراً
فخيراً وإِن شرّاً فشرّاً، والمعنى فيما يَرَى أَهلُ النّظر: أَن لكل
امرئ الخيرَ والشرَّ قد قَضاه الله فهو لازمٌ عُنُقَه، وإِنما قيل للحظِّ من
الخير والشرّ طائرٌ لقول العرب: جَرَى له الطائرُ بكذا من الشر، على
طريق الفَأْلِ والطِّيَرَةِ على مذهبهم في تسمية الشيء بما كان له سبباً،
فخاطَبَهُم اللهُ بما يستعملون وأَعْلَمَهم أَن ذلك الأَمرَ الذي يُسَمّونه
بالطائر يَلْزَمُه؛ وقرئ طائرَه وطَيْرَه، والمعنى فيهما قيل: عملُه
خيرُه وشرُّه، وقيل: شَقاؤه وسَعادتُه؛ قال أَبو منصور: والأَصل في هذا كله
أَن الله تبارك وتعالى لما خَلَقَ آدمَ عَلِم قبْل خَلْقِه ذُرِّيَّتَه
أَنه يأْمرهم بتوحيده وطاعتِه وينهاهم عن معْصيته، وعَلِم المُطِيعَ منهم
والعاصيَ الظالمَ لِنفْسه، فكتَبَ ما علِمَه منهم أَجمعين وقضى بسعادة
من عَلِمَه مُطِيعاً، وشَقاوةِ من عَلِمَه عاصياً، فصار لكلِّ مَنْ عَلِمه
ما هو صائرٌ إِليه عند حِسَابِه، فذلك قولُه عز وجل: وكلَّ إِنسان
أَلْزَمْناه طائرَه؛ أَي ما طار له بَدْأً في عِلْم الله من الخير والشر
وعِلْمُ الشَّهادةِ عند كَوْنِهم يُوافقُ علْمَ الغيب، والحجةُ تَلْزَمهُم
بالذي يعملون، وهو غيرُ مُخالف لما عَلِمَه اللهُ منهم قبل كَوْنِهم. والعرب
تقول: أَطَرْتُ المال وطَيَّرْتُه بينَ القومِ فطارَ لكلٍّ منهم سَهْمُه
أَي صارَ له وخرج لَدَيْه سَهْمُه؛ ومنه قول لبيد يذكرُ ميراثَ أَخيه
بين ورَثَتِه وحِيازةَ كل ذي سهمٍ منه سَهْمَه:
تَطيرُ عَدائِد الأَشْراكِ شَفْعاً
ووَتْراً، والزَّعامةُ لِلْغُلام
والأَشْرَاكُ: الأَنْصباءُ، واحدُها شِرْكٌ. وقوله شفعاً ووتراً أَي
قُسِم لهم للذكر مثلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ، وخَلَصَت الرِّياسةُ والسِّلاحُ
للذكور من أَولاده.
وقوله عز وجل في قصة ثمود وتَشاؤُمهم بِنَبِيّهم المبعوث إِليهم صالحٍ،
عليه السلام: قالوا اطَّيَّرنا بك وبِمَنْ معك، قال طائركم عند الله؛
معناه ما أَصابَكم من خير وشر فمن الله، وقيل: معنى قولهم اطَّيَّرْنا
تَشَاءَمْنا، وهو في الأَصل تَطَيَّرنا، فأَجابَهم الله تعالى فقال: طائرُكُم
مَعَكم؛ أَي شُؤْمُكم معَكم، وهو كُفْرُهم، وقيل للشُؤْم طائرٌ وطَيْرٌ
وطِيَرَة لأَن العرب كان من شأْنها عِيافةُ الطَّيْرِ وزَجْرُها،
والتَّطَيُّرُ بِبَارِحها ونَعِيقِ غُرابِها وأَخْذِها ذَاتَ اليَسارِ إِذا
أَثارُوها، فسمّوا الشُّؤْمَ طَيْراً وطائراً وطِيرَةً لتشَاؤُمهم بها، ثم
أَعْلَم الله جل ثناؤه على لسان رسوله، صلى الله عليه وسلم أَن طِيَرَتَهم
بها باطِلَةٌ. وقال: لا عَدْوَى ولا طِيَرَةَ ولا هامةَ؛ وكان النبي، صلى
الله عليه وسلم، يَتفاءَلُ ولا يَتَطَيَّرُ، وأَصْلُ الفَأْلِ الكلمةُ
الحسَنةُ يَسْمعُها عَلِيلٌ فَيَتأَوَّلُ منها ما يَدُلّ على بُرْئِه كأَن
سَمِع منادياً نادى رجلاً اسمه سالم، وهو عَليل، فأَوْهَمَه سلامَتَه من
عِلّته، وكذلك المُضِلّ يَسْمع رجلاً يقول يا واجدُ فيَجِدُ ضالّته؛
والطِّيَرَةُ مُضادّةٌ للفَأْلِ، وكانت العربُ مَذهبُها في الفَأْلِ
والطِّيَرَةِ واحدٌ فأَثبت النبي، صلى الله عليه وسلم، الفَأْلَ واسْتَحْسَنه
وأَبْطَلَ الطِّيَرَةَ ونَهَى عنها. والطِّيَرَةُ من اطَّيَّرْت وتطَيَّرت،
ومثل الطِّيَرة الخِيَرَةُ. الجوهري تطَيَّرْت من الشيء وبالشيء، والاسم
منه الطِّيَرَةُ، بكسر الطاء وفتح الياء، مثال العِنَبةِ، وقد تُسَكَّنُ
الياءُ، وهو ما يُتَشاءمُ به من الفَأْل الردِيء. وفي الحديث: أَنه كان
يُحِبُّ الفأَلَ ويَكْرَهُ الطِّيَرَةَ؛ قال ابن الأَثير: وهو مصدرُ
تطَيَّر طِيَرَةً وتخَيَّر خِيَرَةً، قال: ولم يجئ من المصادر هكذا غيرهما،
قال: وأَصله فيما يقال التطَيُّرُ بالسوانح والبوارِح من الظبَاءِ
والطَّيْرِ وغيرهما، وكان ذلك يَصُدُّهم عن مقاصِدِهم فنَفاه الشْرعُ وأَبْطَلَه
ونهى عنه وأَخْبَر أَنه ليس له تأْثيرٌ في جَلْب نَفْع ولا دَفْع ضَرَرٍ؛
ومنه الحديث: ثلاثة لا يَسْلَم منها أَحَدٌ: الطِّيَرَةُ والحَسَدُ:
والظنُّ، قيل: فما نصْنعُ؟ قال: إِذا تَطَيَّرْتَ فامْضِ، وإِذا حَسَدْتَ
فلا تَبْغِ، وإِذا ظَنَنْتَ فلا تُصَحِّحْ. وقوله تعالى: قالوا اطَّيّرْنا
بِك وبِمَنْ معَك؛ أَصله تَطَيّرنا فأُدْغمَتِ التاء في الطاء
واجْتُلِبَت الأَلفُ لِيصحَّ الابتداءُ بها. وفي الحديث: الطِّيَرَةُ شِرْكٌ وما
مِنّا إِلاَّ... ولكن اللهَ يُذْهِبُه بالتَّوَكُّل؛ قال ابن الأَثير: هكذا
جاء الحديث مقطوعاً ولم يذكر المستثنى أَي إِلا قد يَعْتَرِيه
التَّطيُّرُ ويَسْبِقُ إِلى قَلْبه الكراهةُ، فحذف اختصاراً واعتماداً على فهم
السامع؛ وهذا كحديثه الآخر: ما فينا إِلا مَنْ هَمَّ أَوْ لَمَّ إِلا يحيى
بن زكَرِيّا، فأَظْهَر المستثنى، وقيل: إِن قولَه وما منّا إِلا من قول
ابن مسعود أَدْرَجَه في الحديث، وإِنما جَعَل الطِّيَرَة من الشِّرك لأَنهم
كانوا يعتقدون أَن الطَّيْرَ تجْلُب لهم نفعاً أَو تدفع عنهم ضرَراً
إِذا عَمِلُوا بِمُوجَبه، فكأَنهم أَشركوه مع الله في ذلك، وقولُه: ولكن
الله يُذْهبُه بالتوكل معناه أَنه إِذا خَطَرَ له عارضُ التَّطيُّرِ فتوكل
على الله وسلم إِليه ولم يعمل بذلك الخاطرِ غفَره الله له ولم يُؤاخِذْه
به. وفي الحديث: أَباكَ وطِيراتِ الشَّباب؛ أَي زلاَّتهم وعَثَراتهِم؛ جمع
طِيرَة. ويقال للرجل الحَدِيد السريع الفَيْئَةِ: إِنه لَطَيُّورٌ
فَيُّورٌ. وفرس مُطارٌ: حديدُ الفُؤاد ماضٍ.
والتَّطايُر والاسْتِطارةُ: التفرُّق. واسْتَطارَ الغُبارُ إِذا انْتَشر
في الهواء. وغُبار طيّار ومُسْتَطِير: مُنْتَشر. وصُبْحٌ مُسْتَطِير.
ساطِعٌ منتشر، وكذلك البَرْق والشَّيْب والشرُّ. وفي التنزيل العزيز:
ويَخافُون يوماً كان شَرُّه مُسْتَطِيراً. واسْتَطارَ الفجرُ وغيره إِذا انتشر
في الأُفُق ضَوءَهُ، فهو مُسْتَطِير، وهو الصُّبْح الصادق البيّنُ الذي
يُحَرِّم على الصائم الأَكلَ والشربَ والجماعَ، وبه تحلّ صلاة الفجر، وهو
الخيط الأَبيض الذي ذكره الله عز وجل في كتابه العزيز، وأَما الفجر
المستطيل، باللام، فهو المُسْتَدقّ الذي يُشَبَّه بذَنب السِّرْحان، وهو
الخيط الأَسود ولا يُحَرِّم على الصائم شيئاً، وهو الصبح الكاذب عند العرب.
وفي حديث السجود والصلاة ذكرُ الفجر المُسْتَطِير، هو الذي انتشر ضوءه
واعْتَرض في الأُفُقِ خلاف المستطيل؛ وفي حديث بني قريظة:
وهانَ على سَراةِ بني لُؤَيٍّ
حَرِيقٌ، بالبُوَيْرةِ، مُسْتَطِيرُ
أَي منتشر متفرّق كأَنه طارَ في نواحيها. ويقال للرجل إِذا ثارَ غضبُه:
ثارَ ثائِرُه وطارَ طائِرُه وفارَ فائِرُه. وقد اسْتطارَ البِلى في الثوب
والصَّدْعُ في الزُّجاجة: تَبَيّن في أَجزائهما. واسْتَطارَت
الزُّجاجةُ: تبيّن فيها الانصداعُ من أَوّلها إِلى آخرها. واسْتطارَ الحائطُ:
انْصدَع من أَوله إِلى آخره؛ واسْتطارَ فيه الشَّقّ: ارتفع. ويقال: اسْتطارَ
فلانٌ سَيْفَه إذا انْتَزَعه من غِمْدِه مُسْرعاً؛ وأَنشد:
إِذا اسْتُطِيرَتْ من جُفون الأَغْمادْ،
فَقَأْنَ بالصَّقْع يَرابِيعَ الصادْ
واسْتطارَ الصَّدْعُ في الحائط إِذا انتشر فيه. واسْتطارَ البَرْقُ إِذا
انتشر في أُفُقِ السماء. يقال: اسْتُطِيرَ فلانٌ يُسْتَطارُ اسْتِطارةً،
فهو مُسْتَطار إِذا ذُغِرَ؛ وقال عنترة:
متى ما تَلْقَني، فَرْدَينِ، تَرْجُفْ
رَوانِفُ أَلْيَتَيكَ وتُسْتطارا
واسْتُطِير الفرسُ، فهو مُسْتَطارٌ إِذا أَسْرَع الجَرْيَ؛ وقول عدي:
كأَنَّ رَيِّقَه شُؤْبُوبُ غادِيةٍ،
لما تَقَفَّى رَقِيبَ النَّقْعِ مُسْطارا
قيل: أَراد مُسْتَطاراً فحذف التاء، كما قالوا اسْطَعْت واسْتَطَعْت.
وتَطايَرَ الشيءُ: طال. وفي الحديث: خُذْ ما تَطايَرَ من شَعرِك؛ وفي
رواية: من شَعرِ رأْسِك؛ أَي طال وتفرق. واسْتُطِير الشيءُ أَي طُيِّر؛ قال
الراجز:
إِذا الغُبارُ المُسْتطارُ انْعَقّا
وكلبٌ مُسْتَطِير كما يقال فَحْلٌ هائِجٌ. ويقال أَجْعَلَت الكلبةُ
واسْتطارت إِذا أَرادت الفحلَ. وبئر مَطارةٌ: واسعةُ الغَمِ؛ قال
الشاعر:كأَنّ حَفِيفَها، إِذ بَرّكوها،
هُوِيّ الرِّيحِ في جَفْرٍ مَطارِ
وطَيّر الفحلُ الإِبلَ: أَلْقَحها كلَّها، وقيل: إِنما ذلك إِذا
أَعْجَلت اللَّقَحَ؛ وقد طَيَّرَت هي لَقَحاً ولَقاحاً كذلك أَي عَجِلت
باللِّقاح، وقد طارَتْ بآذانها إِذا لَقِحَتْ، وإِذا كان في بطن الناقة حَمْل،
فهي ضامِنٌ ومِضْمان وضَوامِنُ ومَضامِينُ، والذي في بطنها ملقوحةٌ وملقوح؛
وأَنشد:
طَيّرها تعَلُّقُ الإِلْقاح،
في الهَيْجِ، قبل كلَبِ الرِّياحِ
وطارُوا سِراعاً أَي ذهبوا. ومَطارِ ومُطارٌ، كلاهما: موضع؛ واختار ابن
حمزة مُطاراً، بضم الميم، وهكذا أَنشد، هذا البيت:
حتى إِذا كان على مُطار
والروايتان جائزتان مَطارِ ومُطار، وسنذكر ذلك في مطر. وقال أَبو حنيفة:
مُطار واد فيما بين السَّراة وبين الطائف. والمُسْطارُ من الخمر: أَصله
مُسْتَطار في قول بعضهم. وتَطايَرَ السحابُ في السماء إِذا عَمّها.
والمُطَيَّرُ: ضَرْبٌ من البُرود؛ وقول العُجَير السلولي:
إِذا ما مَشَتْ، نادى بما في ثِيابها،
ذَكِيٌّ الشَّذا، والمَنْدَليُّ المُطيَّرُ
قال أَبو حنيفة: المُطَيَّر هنا ضربٌ من صنعته، وذهب ابن جني إِلى أَن
المُطَيَّر العود، فإِذا كان كذلك كان بدلاً من المَنْدليِّ لأَن المندلي
العُود الهندي أَيضاً، وقيل: هو مقلوب عن المُطَرَّى؛ قال ابن سيده: ولا
يُعْجِبني؛ وقيل: المُطَيَّر المشقَّق المكسَّر، قال ابن بري:
المَنْدَليّ منسوب إِلى مَنْدَل بلد بالهند يجلب منه العود؛ قال ابن
هَرْمَة:أُحِبُّ الليلَ أَنّ خَيالَ سَلْمى،
إِذا نِمْنا، أَلمَّ بنا فَزارا
كأَنّ الرَّكْبَ، إِذ طَرَقَتْكَ، باتوا بمَنْدَلَ أَو بِقارِعَتَيْ
قِمَارا
وقِمار أَيضاً: موضع بالهند يجلب منه العُود. وطارَ الشعر: طالَ؛ وقول
الشاعر أَنشده ابن الأَعرابي:
طِيرِي بِمِخْراقٍ أَشَمَّ كأَنه
سَلِيمُ رِماحٍ، لم تَنَلْه الزَّعانِفُ
طِيرِي أَي اعْلَقي به. ومِخْراق: كريم لم تنله الزعانف أَي النساء
الزعانف، أَي لم يَتزوّج لئيمةً قط. سَلِيم رِماح أَي قد أَصابته رماحٌ مثل
سَلِيم الحيّة. والطائرُ: فرس قتادة بن جرير. وذو المَطارة: جبل. وقوله في
الحديث: رجل مُمْسِكٌ بَعِنانِ فَرسه في سبيل الله يَطِير على مَتْنِه؛
أَي يُجْرِيه في الجهاد فاستعار له الطَيرانَ.
وفي حديث وابِصَة: فلما قُتل عثمان طارَ قَلْبي مَطارَه أَي مال إِلى
جهة يَهواها وتعلّق بها. والمَطارُ: موضع الطيَرانِ.
كنف: الكَنَفُ والكَنَفةُ: ناحية الشيء، وناحِيتا كلِّشيء كنَفاه،
والجمع أَكناف. وبنو فلان يَكْنُفون بني فلان أَي هم نُزول في ناحيتهم. وكنَفُ
الرَّجل: حِضْنه يعني العَضُدين والصدْرَ. وأَكناف الجبل والوادي:
نواحِيه حيث تنضم إليه، الواحد كنَفٌ. والكَنَفُ: الجانب والناحية، بالتحريك.
وفي حديث جرير، رضي اللّه عنه: قال له أَين منزلك؟ قال: بأَكْنافِ بِيشةَ
أَي نواحيها. وفي حديث الإفك: ما كشَفْتُ من كَنَفِ أُنثى؛ يجوز أَن
يكون بالكسر من الكِنْفِ، وبالفتح من الكَنَف. وكنَفا الإنسان: جانِباه،
وكنَفاه ناحِيتاه عن يمينه وشماله، وهما حِضْناه. وكنَفُ اللّه: رحمته.
واذْهَبْ في كنَف اللّه وحِفظه أَي في كَلاءته وحِرْزه وحِفظه، يَكْنُفه
بالكَلاءة وحُسن الوِلاية. وفي حديث ابن عمر، رضي اللّه عنهما، في النْجوى:
يُدْنى المؤمنُ من ربّه يوم القيامة حتى يضَع عليه كنَفه؛ قال ابن
المبارك: يعني يستره، وقيل: يرحمه ويَلْطُف به، وقال ابن شميل: يضَعُ اللّه عليه
كنَفه أَي رحمته وبِرّه وهو تمثيل لجعله تحت ظلّ رحمته يوم القيامة. وفي
حديث أَبي وائل، رضي اللّه عنه: نشَر اللّه كنَفه على المسلم يوم
القيامة هكذا، وتعطَّفَ بيده وكُمه. وكنَفَه عن الشيء: حَجَزه عنه. وكنَف
الرجلَ يكْنُفه وتَكَنَّفَه واكْتَنَفه: جعله في كنَفِه. وتكَنَّفوه
واكْتَنَفُوه: أَحاطوا به، والتكْنِيفُ مثله. يقال: صِلاء مكَنَّف أَي أُحيط به من
جَوانِبه . وفي حديث الدعاء: مَضَوْا على شاكلتهم مُكانِفين أَي يكنُف
بعضُهم بعضاً. وفي حديث يحيى بن يَعْمَرَ: فاكتنَفْته أنا وصاحبي أي
أَحطْنا به من جانِبَيْه. وفي حديث عمر، رضي اللّه عنه: فتكنَّفَه الناس.
وكنَفَه يَكنُفه كنْفاً وأَكنَفه: حَفِظه وأَعانه؛ الأَخيرة عن اللحياني.
وقال ابن الأَعرابي: كنَفه ضمّه إليه وجعله في عِياله. وفلان يَعِيش في كنف
فلان أي في ظِلِّه. وأَكنَفْت الرجل إذا أَعَنْتَه، فهو مُكْنَف.
الجوهري: كنَفْت الرَّجل أَكنُفه أَي حُطْتُه وصُنْتُه، وكنفت بالرجل إذا قمت به
وجعلته في كنَفك. والمُكانفة: المعاونة. وفي حديث أَبي ذر، رضي اللّه
عنه: قال له رجل أَلا أَكون لك صاحباً أَكنُف راعِيَكَ وأَقْتَبِس منك؟ أَي
أُعِينُه وأَكون إلى جانبه وأجعله في كنَف. وأَكنَفَه: أَتاه في حاجة
فقام له بها وأَعانه عليها. وكَنَفا الطائر: جناحاه. وأَكنَفَه الصيدَ
والطير: أَعانه على تصيّدها، وهو من ذلك.
ويُدْعى على الإنسان فيقال: لاتكنُفُه من اللّه كانفة أي لا تحفظه.
الليث: يقال للإنسان المخذول لا تكنفه من اللّه كانفة أَي لا تحْجُزه.
وانهزموا فما كانت لهم كانفة دون المنزل أَو العسكر أَي موضع يلجَؤُون إليه،
ولم يفسره ابن الأَعرابي، وفي التهذيب: فما كان لهم كانفة دون العسكر أَي
حاجز يحجُز عنهم العدوَّ.
وتكنَّف الشيء واكْتَنَفه: صار حواليه. وتكنَّفُوه من كل جاني أي
احْتَوَشُوه.
وناقة كنوف: وهي التي إذا أَصابها البرد اكتنفت في أَكناف الإبل تستتر
بها من البرد. قال ابن سيده: والكَنوف من النوق التي تبرُك في كنَفة الإبل
لتقي نفسها من الريح والبرد، وقد اكتنفت، وقيل: الكَنوف التي تبرك ناحية
من الإبل تستقبل الريح لصحتها: واطْلُب ناقتك في كنَف الإبل أَي في
ناحيتها. وكنَفةُ الإبل: ناحيتها. قال أَبو عبيدة: يقال ناقة كَنوف تبرك في
كنَفة الإبل مثل القَذُور إلا أَنها لا تَسْتبعد كما تستبعد القَذور. وحكى
أَبو زيد: شاة كَنْفاء أَي حَدْباء. وحكى ابن بري: ناقة كنوف تبيت في
كنف الإبل أَي ناحيتها؛ وأَنشد:
إذا اسْتَثارَ كنُوفاً خِلْت ما بَرَكَت
عليه يُنْدَفُ، في حافاتِه، العُطُبُ
والمُكانِفُ: التي تبرُك من وراء الإبل؛ كلاهما عن ابن الأعرابي.
والكَنَفانِ: الجَناحانِ؛ قال:
سِقْطانِ من كَنَفَيْ نَعامٍ جافِلِ
وكلُّ ما سُتر، فقد كُنف.
والكَنِيفُ: التُّرْس لسَتْره، ويوصف به فيقال: تُرْس كَنِيف، ومنه قيل
للمَذْهب كَنِيف، وكل ساتر كَنيف؛ قال لبيد:
حَريماً حين لم يَمْنَعْ حَريماً
سُيوفُهمُ، ولا الحَجَفُ الكَنِيفُ
والكنيفُ: الساتر. وفي حديث علي، كرم اللّه وجهه: ولا يكن للمسلمين
كانفةٌ أَي ساترة، والهاء للمبالغة. وفي حديث عائشة، رضي اللّه عنها: شَقَقْن
أَكنَفَ مُروطِهنّ فاخْتَمَرْن به أَي أَسْتَرَها وأَصْفَقَها، ويروى
بالثاء المثلثة، وقد تقدم. والكنيفُ: حَظيرة من خشَب أو شجر تتخذ للإبل،
زاد الأَزهري: وللغنم؛ تقول منه: كنَفْت الإبل أَكنُف وأَكنِفُ. واكْتَنَفَ
القومُ إذا اتخذوا كَنيفاً لإبلهم. وفي حديث النخعي: لا تؤخذ في الصدقة
كَنوف، قال: هي الشاة القاصية التي لا تمشي مع الغنم، ولعله أَراد
لإتْعابها المصدِّق باعتزالها عن الغنم، فهي كالمُشَيِّعةِ المنهي عنها في
الأَضاحي، وقيل: ناقة كَنوف إذا أَصابها البرد فهي تستتر بالإبل. ابن سيده:
والكَنيف حَظيرة من خشب أَو شجر تتخذ للإبل لتقِيَها الريح والبرد، سمي
بذلك لأَنه يكنِفُها أي يسترها ويقيها؛ قال الراجز:
تَبِيتُ بين الزَّرْبِ والكَنِيفِ
والجمع كُنُفٌ؛ قال:
لَمّا تَآزَيْنا إلى دِفْء الكُنُفْ
وكنَف الكَنِيفَ يكنُفه كَنْفاً وكُنوفاً: عمله. وكنَفْت الدار
أَكنُفها: اتخذت لها كنيفاً. وكَنف الإبل والغنم يكْنُفها كَنْفاً: عمل لها
كَنيفاً.وكنَف لإبله كَنِيفاً: اتخذه لها؛ عن اللحياني. وكَنف الكَيّالُ
يكنُفُ كَنْفاً حَسناً: وهو أَن يجعل يديه على رأْس القَفِيز يُمْسِك بهما
الطعام، يقال: كِلْه كَيْلاً غير مَكْنُوف. وتكنَّف القومُ بالغِثاث: وذلك
أَن تموت غنمهم هُزالاً فيَحْظُروا بالتي ماتت حول الأَحْياء التي بَقِين
فتسْتُرها من الرِّياح. واكتَنف كَنِيفاً: اتخذه. وكنَف القومُ: حبَسوا
أَموالهم من أَزْلِ وتَضْييق عليهم. والكَنيف: الكُنّة تُشْرَع فوق باب
الدار. وكنَف الدارَ يكْنُفها كَنْفاً: اتخذ لها كَنِيفاً. والكَنِيف:
الخَلاء وكله راجع إلى السَّتر، وأَهل العراق يسمون ما أَشرعوا من أَعالي
دُورهم كَنِيفاً، واشتقاق اسم الكَنِيف كأَنه كُنِفَ في أَستر النواحي،
والحظيرةُ تسمى كَنِيفاً لأَنها تكنف الإبل أَي تسترها من البرد، فعيل بمعنى
فاعل. وفي حديث أَبي بكر حين استخلف عمر، رضي اللّه عنهما: أَنه أَشرف من
كَنِيف فكلَّمهم أَي من سُتْرة؛ وكلُّ ما سَتر من بناء أَو حظيرة، فهو
كنيف؛ وفي حديث ابن مالك والأَكوع:
تبيت بين الزرب والكنيف
أَي الموضع الذي يكنفها ويسترها.
والكِنْفُ: الزَّنْفَلِيجة يكون فيها أَداة الراعي ومَتاعه، وهو أَيضاً
وِعاء طويل يكون فيه مَتاع التِّجار وأَسْقاطهم؛ ومنه قول عمر في عبد
اللّه بن مسعود، رضي اللّه عنهما: كُنَيْفٌ مُلِئ عِلْماً أَي أَنه وعاء
للعلم بمنزلة الوعاء الذي يضع الرجل فيه أَداته، وتصغيره على جهة المدح له،
وهو تصغير تعظيم لكِنْف كقول حُباب بن المُنْذِر: أَنا جُذَيْلُها
المُحَكَّك وعُذَيْقُها المُرَجّب؛ شبّه عمر قلب ابن مسعود بِكِنْف الرّاعي
لأَن فيه مِبْراتَه ومِقَصَّه وشَفْرته ففيه كلُّ ما يريد؛ هكذا قلبُ ابن
مسعود قد جُمع فيه كلُّ ما يحتاج إليه الناس من العلوم، وقيل: الكِنْف
وعاء يجعل فيه الصائغ أَدواته، وقيل: الكِنْف الوعاء الذي يكْنُف ما جُعل
فيه أَي يحفظه. والكِنْفُ أَيضاً: مثل العَيْبة؛ عن اللحياني. يقال: جاء
فلان بكنِف فيه متاع، وهو مثل العيبة. وفي الحديث: أَنه توضَّأَ فأدخل يده
في الإناء فكَنَفَها وضرب بالماء وجهه أَي جَمَعها وجعلها كالكِنْف وهو
الوعاء. وفي حديث عمر، رضي اللّه عنه: أَنه أَعطى عياضاً كنف الرَّاعي أَي
وعاءه الذي يجعل فيه آلته. وفي حديث ابن عمرو وزوجته، رضي اللّه عنهم:
لم يُفَتِّش لنا كِنْفاً؛ قال ابن الأَثير: لم يدخل يده معها كما يدخل
الرجل يده مع زوجته في دواخل أَمرها؛ قال: وأَكثر ما يروى بفتح الكاف والنون
من الكَنَف، وهو الجانب، يعني أَنه لم يَقْرَبها. وكَنَف الرجلُ عن
الشيء: عدل؛ قال القطامي:
فَصالوا وصُلْنا، واتَّقَونا بماكِرٍ،
ليُعْلَمَ ما فِينا عن البيْع كانِفُ
قال الأَصمعي: ويروى كاتف؛ قال: أَظن ذلك ظنّاً؛ قال ابن بري: والذي في
شعره:
ليُعلَمَ هل مِنّا عن البيع كانف
قال: ويعني بالماكر الحمار أَي له مَكر وخَديعة.
وكَنيف وكانِف ومُكنِف، بضم الميم وكسر النون: أَسماء. ومُكنِف بن زَيد
الخيل كان له غَناء في الرِّدّة مع خالد بن الوليد، وهو الذي فتَح
الرَّيَّ، وأَبو حمّاد الراوية من سَبْيه.