Permalink (الرابط القصير إلى هذا الباب):
http://arabiclexicon.hawramani.com/?p=97562#db596f
نِسْوان
من (ن س و) النساء.
من (ن س و) النساء.
نسا: النِّسْوةُ والنُّسْوة، بالكسر والضم ، والنِّساء والــنِّسْوانُ
والــنُّسْوان: جمع المرأَة من غير لفظه ، كما يقال خلِفةٌ ومَخاضٌ وذلك
وأُولئك والنِّسُونَ
(* قوله «والنسون» كذا ضبط في الأصل والمحكم أَيضاً ،
وضبط في النسخة التي بأيدينا من القاموس بكسر فسكون ففتح.) قال ابن سيده: والنساء جمع نسوة إذا كثرن ، ولذلك قال سيبويه في الإضافة إلى نساء
نِسْوِيّ ، فردَّه إلى واحده ، وتصغير نِسْوةٍ نُسَيَّةٌ ، ويقال
نُسَيَّاتٌ ، وهو تصغير الجمع.
والنِّسا: عرق من الورك إلى الكعب ، أَلفه منقلبة عن واو لقولهم
نَسَوانِ في تثنيته ، وقد ذكرت أَيضاً منقلبة عن الياء لقولهم نَسَيانِ ؛ أَنشد
ثعلب :
ذِي مَحْزِمٍ نَهْدٍ وطَرْفٍ شاخِصِ،
وعَصَبٍ عَنْ نَسَوَيْه قالِصِ
الأَصمعي: النَّسا ، بالفتح مقصور بوزن العَصا ، عِرْق يخرج من الوَرِك
فيَسْتَبْطِنُ الفخذين ثم يمرّ بالعُرْقوب حتى يبلغ الحافر ، فإذا سمنت
الدابة انفَلَقت فخذاها بلَحْمَتَين عظيمتين وجَرى النَّسا بينهما
واستبان ، وإذا هُزِلَت الدابة اضطرَبَت الفخذان وماجَت الرَّبَلَتان وخَفِي
النَّسا ، وإنما يقال مُنْشَقُ النَّسا ، يريد موضع النَّسا . وفي حديث سعد: رَمَيْتُ سُهَيْلَ بن عَمرو يوم بَدْر فقَطَعْتُ نَساه، والأَفصح أَن
يقال له النَّسا ، لا عِرْقُ النَّسا . ابن سيده: والنسا من الوَرِك إلى
الكعب ، ولا يقال عِرْقُ النَّسا ، وقد غلط فيه ثعلب فأَضافه ، والجمع
أَنْساء؛ قال أَبو ذؤيب:
مُتَفَلِّقٌ أَنْساؤها عن قانِئٍ
كالقُرْطِ صاوٍ ، غُبْرُه لا يُرْضَعُ
وإنما قال مُتفلق أَنساؤها ، والنَّسا لا يَتفلَّقُ إنما يتفلَّقُ موضعه
، أَراد يتفلق فَخِذاها عن موضع النَّسا، لما سَمِنت تفَرَّجت اللحمة
فظهر النَّسا ، صاوٍ: يابس، يعني الضَّرع كالقُرْط ، شبهه بقُرط المرأَة
ولم يُرد أَنَّ ثَمَّ بقية لبن لا يُرْضَع، إنما أَراده أَنه لا غُبْرَ
هنالك فيُهْتَدى به
(* قوله « لا غُبر هنالك إلخ» كذا بالأصل، والمناسب
فيرضَع بدل فيهتدى به) ؛ قال ابن بري: وقوله عن قانئ أَي عن ضَرْع أَحمر
كالقُرْط، يعني في صِغَره، وقوله: غُبْره لا يُرْضَع أَي ليس لها غُبْر
فيُرضَع ؛ قال: ومثله قوله :
على لاحِبٍ لا يُهْتَدى لِمَنارِه
أَي ليس ثَمَّ مَنار فيُهْتَدَى به ؛ ومثله قوله تعالى: لا يَسْأَلون
الناس إلحافاً ؛ أَي لا سُؤالَ لهم فيكون منه الإلحافُ ؛ وإذا قالوا إنه
لشَديد النَّسا فإنما يُراد به النَِّسا نَفْسُه. ونَسَيْتُه أَْنْسِيه
نَسْياً فهو مَنْسِيٌّ: ضَرَبْت نَساه. ونَسِيَ الرجلُ يَنْسى نَساً إذا
اشتكى نَساه،فهو نَسٍ على فَعِل إذا اشتكى نَساه، وفي المحكم: فهو
أَنْسى ، والأُنثي نَسْآه، وفي التهذيب نَسْياء ، إذا اشْتَكَيا عِرْق النَّسا
، وقال ابن السكيت: هو عِرْقُ النَّسا ، وقال الأَصمعي: لا يُقال عِرق
النَّسا ، والعرب لا تقول عِرْق النسا كما لا يقولون عِرْقُ الأَكْحَل،
ولا عِرْق الأَبْجَل، إنما هو النَّسا والأَكْحَلُ والأَبْجَل، وأَنشد
بيتين لامرئ القيس، وحكى الكسائي وغيره: هو عرق النسا، وحكى أَبو العباس في
الفصيح: أَبو عبيد يقال للذي يشتكي نَساه نَسٍ، وقال ابن السكيت: هو
النِّسا لهذا العرق ؛ قال لبيد :
مِنْ نَسا النَّاشِط ، إذْ ثَوَّرْتَه ،
أَو رَئِيس الأَخْدَرِيّاتِ الأُوَلْ
قال ابن بري: جاء في التفسير عن ابن عباس وغيره كلُّ الطعام كان حِلاًّ
لِبني إسْرائيل إلاَّ ما حرَّم إسرائيلُ على نفسه ؛ قالوا: حرَّم
إسرائيل لحوم الإبل لأَنه كان به عِرْق النَّسا ، فإذا ثبت أَنه مسموع فلا وجه
لإنكار قولهم عِرْق النسا ، وقال: ويكون من باب إضافة المسمى إلى اسمه
كحَبْل الوَرِيد ونَحوِه؛ ومنه قول الكميت :
إلَيْكم، ذَوي آلِ النَّبيِّ ، تَطَلَّعَتْ
نَوازعُ ، من قَلْبي ، ظِماءٌ وأَلْبُبُ
أَي إليكم يا أَصحاب هذا الاسم ، قال: وقد يضاف الشيء إلى نفسه إذا
اختلَف اللفظان كحَبْل الوَريد وحَبِّ الحَصيد وثابِتِ قُطْنةَ وسعيدِ
كُرْزٍ، ومثله: فقلتُ انْجُوَا عنها نجا الجِلْدِ ؛ والنَّجا: هو الجلد
المسلوخ ؛ وقول الآخر:
تُفاوِضُ مَنْ أَطوي طَوَى الكَشْحِ دونه
وقال فَرْوة بن مُسَيْك:
لَمَّا رَأَيْتُ مُلُوكَ كِنْدةَ أَعْرَضَتْ
كالرِّجْلِ ، خانَ الرَِّجْلَ عِرْقُ نَسائها
قال: ومما يقوّى قولَهم عِرْق النَّساء قول هِمْيانَ:
كأَنَّما يَيْجَع عِرْقا أَبْيَضِه
والأَبْيَضُ: هو العِرْقُ.
والنِّسيْان، بكسر النون: ضدّ الذِّكر والحِفظ ، نَسِيَه نِسْياً
ونِسْياناً ونِسْوةً ونِساوةً ونَساوة ؛ الأَخيرتان على المعاقبة . وحكى ابن
بري عن ابن خالويه في كتاب اللغات قال: نَسِيت الشيء نِسْياناً ونَسْياً
ونِسْياً ونِساوةً ونِسْوةً ؛ وأَنشد:
فلَسْت بصَرَّامٍ ولا ذِي مَلالةٍ،
ولا نِسْوةٍ للعَهْدِ ، يا أُمَّ جَعْفَرِ
وتَناساه وأَنْساه إِياه . وقوله عز وجل: نَسُوا اللهَ فنَسِيَهم ؛ قال
ثعلب: لا يَنْسى الله عز وجل ، إنما معناه تركوا الله فتركهم ، فلما
كان النِّسْيان ضرباً من الترك وضعَه موضعه ، وفي التهذيب: أَي تركوا
أَمرَ الله فتركهم من رحمته . وقوله تعالى: فنَسِيتَها وكذلك اليومَ تُنْسَى
؛ أَي ترَكْتَها فكذلك تُتْرَكُ في النار . ورجل نَسْيانُ ، بفتح النون: كثير النِّسْيانِ للشيء . وقوله عز وجل: ولقد عَهِدْنا إلى آدمَ من
قَبْلُ فَنَسِيَ ؛ معناه أَيضاً تَرَكَ لأَن النَّاسِي لا يُؤاخَذُ
بِنِسْيانِه، والأَول أَقيس
(* قوله « والاول أقيس » كذا بالأصل هنا ، ولا أول
ولا ثان ، وهو في عبارة المحكم بعد قوله الذي سيأتي بعد قليل ، والنسي
والنسي الاخيرة عن كراع ، فالاول الذي هو النسي بالكسر.) . والنِّسيانُ :
الترك . وقوله عز وجل: ما نَنْسخ مِن آية أَو نُنْسها ؛أَي نأْمُركم بتركها
.يقال: أَنْسَيْته أَي أَمَرْت بتركه . ونَسِيتُه: تَرَكْتُه. وقال
الفراء: عامة القراء يجعلون قوله أَو نَنْساها من النِّسيان ، والنَّسْيانُ
ههنا على وجهين: أَحدهما على الترك نَتْرُكها فلا نَنْسَخها كما قال عز
وجل: نَسُوا اللهَ فنَسِيَهم ؛ يريد تركوه فتركهم ، وقال تعالى: ولا
تَنْسَوُا الفَضْلَ بينكم ؛ والوجه الآخر من النِّسيان الذي يُنْسَى كما
قال تعالى: واذْكُرْ رَبَّك إذا نَسِيتَ؛ وقال الزجاج: قرئ أَو نُنْسِها
، وقرئ: نْنَسِّها ، وقرئ: نَنْسَأْها، قال: وقول أَهل اللغة في قوله
أَو نُنْسِها قولان: قال بعضهم أَو نُنْسِها من النِّسْيان ، وقال
دليلنا على ذلك قوله تعالى: سَنُقْرِئك فلا تَنْسَى إلا ما شاء الله ؛ فقد
أَعلمَ الله أَنه يشاء أَن يَنسَى ، قال أَبو إسحق: هذا القول عندي غير
جائز لأن الله تعالى قد أَنبأ النبيِّ ، صلى الله عليه وسلم، في قوله :
ولئن شئنا لنَذْهَبَنَّ بالذي أَوْحَينا ؛ أَنه لا يشاء أَن يَذْهَب بما
أَوحَى به إلى النبي، صلى الله عليه وسلم ، قال: وقوله فلا تَنْسَى ، أَي
فلستَ تَتْرُك إلا ما شاء الله أَن تَترك ، قال: ويجوز أَن يكون إلا ما
شاء الله مما يلحق بالبشرية ثم تَذَكَّرُ بعدُ ليسَ أَنه على طريق
السَّلْب للنبي ، صلى الله عليه وسلم ، شيئاً أُتِيَه من الحكمة ، قال: وقيل
في قوله أَو نُنْسِها قول آخر ، وهو خطأٌ أَيضاً ، أَو نَتْرُكها، وهذا
إنما يقال فيه نَسِيت إذا ترَكت ، لا يقال أُنْسِيت تركت ، وقال: وإنما
معنى أَو نُنْسِها أَو نُتْرِكْها أَي نأْمُرْكُم بتركها ؛ قال أَبو منصور: ومما يقوّي هذا ما رَوى ثعلب عن ابن الأَعرابي أَنه أَنشده:
إنَّ عليَّ عُقْبةً أَقضِيها ،
لَسْتُ بناسِيها ولا مُنْسِيها
قال: بناسِيها بتارِكها ، ولا مُنْسِيها ولا مؤخِّرها ، فوافق قولُ ابن
الأَعرابي قولَه في النَّاسِي إنه التارك لا المُنْسِي ، واختلفا في
المُنْسِي ، قال أَبو منصور: وكأَنَّ ابن الأَعرابي ذهب في قوله ولا
مُنسِيها إلى تَرك الهمز من أَنسأْتُ الدَّبن إذا أَخَّرته ، على لغة من يُخفف
الهمز. والنَّسْوةُ: التَّرْك للعمل . وقوله عز وجل: نَسُوا الله
فأَنْساهم أَنْفُسهم ؛ قال: إنما معناه أَنساهم أَن يعملوا لأَنفسهم . وقوله
عز وجل: وتَنْسَوْنَ ما تُشْر كون ؛ قال الزجاج: تَنْسَون ههنا على
ضربين: جائز أَن يكون تَنْسَوْن تتركون ، وجائز أَن يكون المعنى أَنكم في
ترككم دُعاءهم بمنزلة من قد نَسِيَهم ؛ وكذلك قوله تعالى: فاليوم نَنْساهم
كما نَسُوا لِقاء يومهم هذا ؛ أَي نتركهم من الرحمة في عذابهم كما تركوا
العمل للقاء يومهم هذا ؛ وكذلك قوله تعالى: فلما نَسُوا ما ذُكِّروا به
؛ يجوز أَن يكون معناه ترَكوا ، ويجوز أَن يكونوا في تركهم القبول
بمنزلة من نِسِيَ.الليث: نَسِيَ فلان شيئاً كان يذكره ، وإنه لَنَسِيُّ كثير
النِّسيان. والنَّسْيُ: الشيء المَنْسِيُّ الذي لا يذكر . والنِّسْيُ
والنَّسْيُ ؛ الأخيرة عن كراع ، وآدم قد أُوُخِذَ بِنسْيانِه فهَبَط من
الجنة . وجاء في الحديث: لو وُزِنَ حِلْمُهم وحَزْمُهم مُذْ كان آدمُ إلى
أَن تقوم الساعةُ ما وَفَى بحِلْمِ آدَمَ وحَزْمِه . وقال الله فيه :
فنَسِيَ ولم نَجِدْ له عزماً . النِّسْيُ: المَنْسِيُّ . وقوله عز وجل حكاية
عن مريم: وكنتُ نِسْياً مَنْسِيًّا ؛ فسره ثعلب فقال: النِّسْيُ خِرَقُ
الحَيْضَ التي يُرمَى بها فتُنْسَى ، وقرئ: نِسْياً ونَسْياً ، بالكسر
والفتح ، فمن قرأ بالكسر فمعناه حَيْضة ملقاة ، ومن قَرأَ نَسْياً فمعناه
شيئاً مَنسِيًّا لا أُعْرَفُ ؛ قال دُكَيْنٌ الفُقَيْمِي :
بالدَّارِ وَحْيٌ كاللَّقَى المُطَرَّسِ ،
كالنَّسْيِ مُلْقًى بالجَهادِ البَسْبَسِ
والجَهاد ، بالفتح: الأرض الصُّلبةُ . والنِّسْيُ أَيضاً: ما نُسي وما
سَقَط في منازل المرتحلين من رُذال أَمْتعتهم. وفي حديث عائشة، رضي الله
عنها: ودَدْتُ أَنِّي كنتُ نِسْياً مَنْسِيّاً أَي شيئاً حقِيراً
مُطَّرَحاً لا يُلْتَفَت إِليه. ويقال لخِرقة الحائضِ: نِسّيٌ، وجمعه أَنْساء.
تقول العرب إذا ارتحلوا من المنزل: انظروا أَنساءَكم، تريد الأَشياء
الحَقيرة التي ليست عندهم ببال مثل العَصا والقَدَح والشِّظاظ أَي
اعْتَبِرُوها لئلا تَنْسَوْها في المنزل، وقال الأَخفش: النِّسْيُ ما أُغفل من شيء
حقير ونُسِيَ، وقال الزجاج: النِّسْي في كلام العرب الشيء المَطْرُوح لا
يُؤْبَهُ له؛ وقال الشَّنْفَرَى:
كأَنَّ لها في الأَرضِ نِسْياً تَقُصُّه
على أَمِّها، وإِنْ تُخاطِبْكَ تَبْلَتِ
قال ابن بري: بَلَتَ، بالفتح، إِذا قطع، وبَلِتَ، بالكسر، إِذا سَكَنَ.
وقال الفراء: النِّسْي والنَّسْيُ لغتان فيما تُلقِيه المرأَة من خِرَق
اعْتِلالها مثل وِتْرٍ وَوَتْرٍ، قال: ولوأَردت بالنِّسْي مصدر النِّسْيان
كان صواباً، والعرب تقول نَسِيته نِسْياناً ونِسْياً، ولا تقل
نَسَياناً، بالتحريك، لأَن النَّسيَان إِنما هو تثنية نَسَا العِرْقِ. وأَنْسانِيه
اللهُ ونَسَّانِيه تَنْسِيةً بمعنى. وتَناساه: أَرَى من نفسه أَنه
نَسِيَه؛ وقول امرئ القيس:
ومِثْلِكِ بَيْضاءِ العَوارِضِ طَفْلةٍ
لَعُوبٍ تَناساني، إِذا قُمْتُ، سِرْبالي
(* في ديوان امرئ القيس: تنَسَّيني بدل تناساني.)
أَي تُنْسِيني؛ عن أَبي عبيد. والنَّسِيُّ: الكثير النَّسْيان، يكون
فَعِيلاً وفَعُولاً وفَعِيلٌ أَكثر لأَنه لو كان فَعولاً لقيل نَسُوّ
أَيضاً. وقال ثعلب: رجل ناسٍ ونَسِيٌّ كقولك حاكِمٌ وحَكِيمٌ وعالِم وعَليم
وشاهد وشهيد وسامع وسميع. وفي التنزيل العزيز: وما كان ربك نَسِيّاً؛ أَي لا
يَنْسَى شيئاً، قال الزجاج: وجائز أَن يكون معناه، والله أَعلم، ما
نَسِيَكَ ربُّكَ يا محمد وإِن تأَخَّر عنك الوَحْي؛ يُرْوَى أَنَّ النبي، صلى
الله عليه وسلم، أَبطأَ عليه جبريل، عليه السلام، بالوَحْي فقال وقد
أَتاه جبريل: ما زُرْتَنا حتى اشتَقْناكَ، فقال: ما نَتَنَزَّلُ إِلا بأَمْر
رَبِّكَ. وفي الحديث: لا يَقولَنَّ أَحدُكم نَسِيتُ آيةَ كَيْتَ
وكَيْتَ، بل هو نُسِّيَ، كره نِسْبةَ النِّسْيانِ إِلى النفْس لمعنيين: أَحدهما
أَن الله عزَّ وجل هو الذي أَنْساه إِيَّاه لأَنه المُقَدِّر للأَشياء
كلها، والثاني أَنَّ أَصل النسيان الترك، فكره له أَن يقول تَرَكْتُ
القُرآن أَو قَصَدْتُ إِلى نِسْيانه، ولأَن ذلك لم يكن باختياره. يقال: نَساه
الله وأَنْساه، ولو روي نُسِيَ، بالتخفيف، لكان معناه تُرِك من الخير
وحُرِمَ، ورواه أَبو عبيد: بِئْسَما لأَحَدِكم أَن يقول نَسِيتُ آيةَ كَيْتَ
وكَيْتَ، ليس هو نَسِيَ ولكنه نُسِّيَ، قال: وهذا اللفظ أَبْيَنُ من
الأَول واختار فيه أَنه بمعنى الترك؛ ومنه الحديث: إِنما أُنَسَّى لأَسُنَّ
أَي لأَذكر لكم ما يَلزم النَّاسِيَ لشيء من عبادتِه وأَفْعَل ذلك
فَتَقْتَدوا بي . وفي الحديث: فيُتْرَكون في المَنْسَى تحت قَدَمِ الرحمن أَي
يُنْسَونَ في النار، وتحتَ القدَمِ استعارةٌ كأَنه قال: يُنْسِيهمُ اللهُ
الخَلق لئلا يَشفع فيهم أَحد؛ قال الشاعر:
أَبْلَتْ مَوَدَّتَها اللَّيالي بَعْدَنا،
ومَشَى علَيْها الدَّهْرُ، وهْوَ مُقَيَّدُ
ومه قوله،صلى الله عليه وسلم، يومَ الفَتْح: كلُّ مَأْثُرَةٍ من مآثِرِ
الجاهليّةِ تحت قدَمَيَّ إِلى يوم القيامة. والنَّسِيُّ: الذي لا يُعَدُّ
في القوم لأَنه مَنْسِيٌّ. الجوهري في قوله تعالى: ولا تَنسَوُا الفَضْل
بينَكم؛ قال: أَجاز بعضهم الهمز فيه. قال المبرد: كل واو مضمومة لك أَن
تهمزها إِلا واحدة فإِنهم اختلفوا فيها، وهي قوله تعالى: ولا تنسوا الفضل
بينكم، وما أَشبهها من واو الجمع، وأَجاز بعضهم الهمز وهو قليل
والاختيار ترك الهمز، قال: وأَصله تَنْسَيُوا فسكنت الياء وأُسقطت لاجتماع
الساكنين، فلما احتيج إِلى تحريك الواو رُدَّت فيها ضمة الياء. وقال ابن بري
عند قول الجوهري فسكنت الياء وأُسقطت لاجتماع الساكنين قال: صوابه فتحركت
الياء وانفتح ما قبلها فانقلبت أَلفاً، ثم حذفت لالتقاء الساكنين.
ابن الأَعرابي: ناساهُ إِذا أَبْعَدَه، جاء به غير مهموز وأَصله الهمز.
الجوهري: المِنْساةُ العَصا؛ قال الشاعر:
إِذا دَبَبْتَ على المِنْساةِ من هرَمٍ،
فقَدْ تَباعَدَ عَنكَ اللَّهْوُ والغَزَلُ
قال: وأَصله الهمز، وقد ذكر؛ وروى شمر أَن ابن الأَعرابي أَنشده:
سَقَوْني النَّسْيَ، ثم تَكَنَّفُوني
عُداةَ الله من كَذِبٍ وزُورِ
بغير همز، وهو كل ما نَسَّى العقل، قال: وهو من اللبن حَلِيب يُصَبُّ
عليه ماء؛ قال شمر: وقال غيره هو النَّسِيُّ، نصب النون بغير همز؛
وأَنشد:لا تَشْرَبَنْ يومَ وُرُودٍ حازِرا
ولا نَسِيّاً، فتجيء فاتِرا
ابن الأَعرابي: النَّسْوةُ الجُرْعة من اللبن.
هبقع: رجل هَبْقَعٌ وهَبَنْقَعٌ وهُباقِعٌ: قصيرٌ مُلَزَّزُ الخَلْقِ،
والنون زائدة. والهَبَنْقَعُ: المَزْهُوُّ الأَحْمَقُ الذي يُحِبّ
مُحادَثَةَ النساء، والأُنثى بالهاء. والهَبَنْقَعةُ: قُعُودُ الرجلِ على
عُرْقُوبَيْه قائماً على أَطرافِ أَصابِعِه. واهْبَنْقَعَ: جَلَسَ
الهَبَنْقَعةَ، وهي جِلْسةُ المَزْهُوِّ؛ قال الفرزدق:
ومُهُورُ نِسْوَتِهِمْ، إِذا ما أَنْكَحُوا،
غَدَوِيُّ كلِّ هَبَنْقَعٍ تِنْبالِ
والهَبَنْقَعَةُ: أَنْ يَتَرَبّعَ ثم يمدّ رجله اليمنى في تربّعه، وقيل:
هي جلْسةٌ في تربّع. والهَبَنْقَعةُ: قُعودُ الاستِلقاءِ إِلى خَلْفٍ.
والهَبَنْقَعُ: الذي لا يستقم على أَمر في قول ولا فعل ولا يُوثَقُ به،
والأُنثى بالهاء. والهَبَنْقَعُ: الذي يجلس على عقبيه أَو على أَطراف
أَصابعه يسأَل الناس، وقيل: هو الذي إِذا قَعَدَ في مكان لم يَكَدْ يَبْرَحُ.
قال ابن الأَعرابي: رجل هَبَنْقَعٌ لازم بمكانه وصاحب نِسْوان؛ قال:
أَرْسَلَها هَبَنْقَعٌ يَبْغِي الغَزَلْ
أَخبر أَنه صاحب نساء، وقال شمر: هو الذي يأْتيك يلزم بابَك في طَلب ما
عندك لا يبرح. ورجل هَبَنْقَعٌ وامرأَة هَبَنْقَعةٌ: وهو الأَحمق يُعرف
حُمْقُه في جلوسه وأُموره. وقال الأَصمعي: قال الزِّبْرِقانُ ابنُ بَدْرٍ:
أَبْغَضُ كَنائِني التي تمشِي الدِّفِقَّى وتجلس الهَبَنْقَعَةَ؛
الدِّفِقَّى مَشْيٌ واسع، والهَبَنْقَعةُ أَن تَرَبَّعَ وتمدَّ إِحدى رجليها في
تربعها. وفي الحديث: مرّ بامرأَة سوْداء تُرقِّصُ صبيّاً لها وتقول:
يَمْشِي الثَّطا ويَجلِسُ الهَبَنْقَعهْ
هي أَن يُقْعِيَ ويَضُمَّ فخِذَيْه ويفتح رجليه.
صنع: صَنَعَه يَصْنَعُه صُهْعاً، فهو مَصْنوعٌ وصُنْعٌ: عَمِلَه. وقوله
تعالى: صُنْعَ اللهِ الذي أَتْقَنَ كُلَّ شيء؛ قال أَبو إِسحق: القراءة
بالنصب ويجوز الرفع، فمن نصب فعلى المصدر لأَن قوله تعالى: وترى الجِبالَ
تَحْسَبُها جامِدةً وهي تَمُرُّ مَرَّ السّحابِ، دليل على الصَّنْعةِ كأَنه
قال صَنَعَ اللهُ ذلك صُنْعاً، ومن قرأَ صُنْعُ الله فعلى معنى ذلك صُنْعُ
الله.
واصْطَنَعَه: اتَّخَذه. وقوله تعالى: واصْطَنَعْتُك لنفسي، تأْويله
اخترتك لإِقامة حُجَّتي وجعلتك بيني وبين خَلْقِي حتى صِرْتَ في الخطاب عني
والتبليغ بالمنزلة التي أَكون أَنا بها لو خاطبتهم واحتججت عليهم؛ وقال
الأَزهري: أَي ربيتك لخاصة أَمري الذي أَردته في فرعون وجنوده. وفي حديث آدم:
قال لموسى، عليهما السلام: أَنت كليم الله الذي اصْطَنَعَك لنفسه؛ قال ابن
الأَثير: هذا تمثيل لما أَعطاه الله من منزلة التقْرِيبِ والتكريمِ.
والاصطِناع: افتِعالٌ من الصنِيعة وهي العَطِيّةُ والكرامة والإِحسان. وفي
الحديث: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: لا تُوقِدُوا بليل ناراً، ثم قال:
أَوْقِدوا واصْطَنِعُوا فإِنه لن يُدرِك قوم بعدكم مُدَّكم ولا صاعَكُم؛
قوله اصطَنِعوا أَي اتَّخِذوا صَنِيعاً يعني طَعاماً تُنْفِقُونه في سبيل
الله. ويقال: اططَنَعَ فلان خاتماً إِذا سأَل رجلاً أَن يَصْنَع له خاتماً.
وروى ابن عمر أَن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، اصطَنَعَ خاتماً من ذهب
كان يجعل فَصَّه في باطن كَفِّه إِذا لبسه فصنَعَ الناسُ ثم إِنه رَمى به،
أَي أَمَر أَن يُصْنَعَ له كما تقول اكتَتَبَ أَي أَمَر أَن يُكْتَبَ له،
والطاءُ بدل من تاء الافتعال لأَجل الصاد.
واسْتَصْنَعَ الشيءَ: دَعا إِلى صُنْعِه؛ وقول أَبي ذؤَيب:
إِذا ذَكَرَت قَتْلى بَكَوساءَ أَشْعَلَتْ،
كَواهِيةِ الأَخْرات رَثّ صُنُوعُها
قال بان سيده: صُنوعُها جمع لا أَعرف له واحداً. والصَّناعةُ: حِرْفةُ
الصانِع، وعَمَلُه الصَّنْعةُ. والصِّناعةُ: ما تَسْتَصْنِعُ من أَمْرٍ؛
ورجلٌ صَنَعُ اليدِ وصَنَاعُ اليدِ من قوم صَنَعَى الأَيْدِي وصُنُعٍ
وصُنْع، وأَما سيبويه فقال: لا يُكَسَّر صَنَعٌ، اسْتَغْنَوا عنه بالواو
والنون. ورجل صَنِيعُ اليدين وصِنْعُ اليدين، بكسر الصاد، أَي صانِعٌ حاذِقٌ،
وكذلك رجل صَنَعُ اليدين، بالتحريك؛ قال أَبو ذؤيب:
وعليهِما مَسْرُودتانِ قَضاهُما
داودُ، أَو صَنَعُ السَّوابِغِ تُبَّعُ
هذه رواية الأَصمعي ويروى: صَنَعَ السَّوابِغَ؛ وصِنْعُ اليدِ من قوم
صِنْعِي الأَيْدِي وأَصْناعِ الأَيْدِي، وحكى سيبويه الصِّنْعَ مُفْرداً.
وامرأَة صَناعُ اليدِ أَي حاذِقةٌ ماهِرة بعمل اليدين، وتُفْرَدُ في
المرأَة من نسوة صُنُعِ الأَيدي، وفي الصحاح: وامرأَة صَناعُ اليدين ولا يفرد
صَناعُ اليد في المذكر؛ قال ابن بري: والذي اختاره ثعلب رجل صَنَعُ اليد
وامرأَة صَناعُ اليد، فَيَجْعَلُ صَناعاً للمرأَة بمنزلة كَعابٍ ورَداحٍ
وحَصانٍ؛ وقال ابن شهاب الهذلي:
صَناعٌ بِإِشْفاها، حَصانٌ بِفَرْجِها،
جوادٌ بقُوتِ البَطْنِ، والعِرْقُ زاخِرُ
وجَمْعُ صَنَع عند سيبويه صَنَعُون لا غير، وكذلك صِنْعٌ؛ يقال: رجال
صِنْعُو اليد، وجمعُ صَناعٍ صُنُعٌ، وقال ابن درستويه: صَنَعٌ مصدرٌ وُصِفَ
به مثل دَنَفٍ وقَمَنٍ، والأَصل فيه عنده الكسر صَنِعٌ ليكون بمنزلة
دَنِفٍ وقَمِنٍ، وحكي أَنَّ فِعله صَنِع يَصْنَعُ صَنَعاً مثل بَطِرَ
بَطَراً، وحكى غيره أَنه يقال رجل صَنِيعٌ وامرأَة صنِيعةٌ بمعنى صَناع؛ وأَنشد
لحميد بن ثور:
أَطافَتْ به الــنِّسْوانُ بَيْنَ صَنِيعةٍ،
وبَيْنَ التي جاءتْ لِكَيْما تَعَلَّما
وهذا يدل أَنَّ اسم الفاعل من صَنَعَ يَصْنَعُ صَنِيعٌ لا صَنِعٌ لأَنه
لم يُسْمَعْ صَنِعٌ؛ هذا جميعُه كلا ابن بري. وفي المثل: لا تَعْدَمُ
صَناعٌ ثَلَّةً؛ الثَّلَّةُ: الصوف والشعر والوَبَر. وورد في الحديث: الأَمةُ
غيرُ الصَّناعِ. قال ابن جني: قولهم رجل صَنَع اليدِ وامرأَة صَناعُ
اليدِ دليل على مشابهة حرف المدّ قبل الطرَف لتاء التأْنيث، فأَغنت الأَلفُ
قبل الطرَف مَغْنَى التاء التي كانت تجب في صنَعة لو جاء على حكم نظيره نحو
حسَن وحسَنة؛ قال ابن السكيت: امرأَة صَناعٌ إِذا كانت رقِيقةَ اليدين
تُسَوِّي الأَشافي وتَخْرِزُ الدِّلاء وتَفْرِيها. وامرأَة صَناعٌ: حاذقةٌ
بالعمل: ورجل صَنَعٌ إِذا أُفْرِدَتْ فهي مفتوحة محركة، ورجل صِنْعُ
اليدِ وصِنْعُ اليدين، مكسور الصاد إِذا أُضيفت؛ قال الشاعر:
صِنْعُ اليَدَيْنِ بحيثُ يُكْوَى الأَصْيَدُ
وقال آخر:
أَنْبَلُ عَدْوانَ كلِّها صَنَعا
وفي حديث عمر: حين جُرِحَ قال لابن عباس انظر مَن قَتَلَني، فقال: غلامُ
المُغِيرةِ بنِ شُعْبةَ، قال: الصَّنَعُ؟ قال: نعم. يقال: رجل صَنَعٌ
وامرأَة صَناع إِذا كان لهما صَنْعة يَعْمَلانِها بأَيديهما ويَكْسِبانِ
بها. ويقال: امرأَتانِ صَناعانِ في التثنية؛ قال رؤبة:
إِمّا تَرَيْ دَهْرِي حَناني حَفْضا،
أَطْرَ الصَّناعَيْنِ العَرِيشَ القَعْضا
ونسوة صُنُعٌ مثل قَذالٍ وقُذُلٍ. قال الإِيادي: وسمعت شمراً يقول رجل
صَنْعٌ وقَومٌ صَنْعُونَ، بسكون النون. ورجل صَنَعُ اللسانِ ولِسانٌ
صَنَعٌ، يقال ذلك للشاعر ولكل بيِّن
(* قوله« بين» في القاموس وشرحه: يقال ذلك
للشاعر الفصيح ولكل بليغ بين) وهو على المثل؛ قال حسان بن ثابت:
أَهدَى لَهُم مِدَحي قَلْبٌ يُؤازِرُه،
فيما أَراد، لِسانٌ حائِكٌ صَنَعُ
وقال الراجز في صفة المرأَة:
وهْيَ صناعٌ باللِّسان واليَدِ
وأَصنَعَ الرجلُ إِذا أَعانَ أَخْرَقَ.
والمَصْنَعةُ: الدَّعْوةُ يَتَّخِذُها الرجلُ ويَدْعُو إِخوانه إِليها؛
قال الراعي:
ومَصْنَعة هُنَيْدَ أَعَنْت فيها
قال الأَصمعي: يعني مَدْعاةً. وصَنْعةُ الفرَسِ: حُسْنُ القِيامِ عليه.
وصَنَعَ الفَرَسَ يَصْنَعُه صَنْعاً وصَنْعةً، وهو فرس صنِيعٌ: قام عليه.
وفرس صنِيعٌ للأُنثى، بغير هاء، وأرى اللحياني خص به الأُنثى من الخيل؛
وقال عدي بن زيد:
فَنَقَلْنا صَنْعَه حتى شَتا،
ناعِمَ البالِ لَجُوجاً في السَّنَنْ
وقوله تعالى: ولِتُصْنَعَ على عَيْني؛ قيل: معناه لِتُغَذَّى، قال
الأَزهري: معناه لتُرَبَّى بِمَرْأَى مِنّي. يقال: صَنَعَ فلان جاريته إِذا
رَبّاها، وصَنَع فرسه إِذا قام بِعَلَفِه وتَسْمِينه، وقال الليث: صَنع
فرسه، بالتخفيف، وصَنَّعَ جاريته، بالتشديد، لأَن تصنيع الجارية لا يكون
إِلا بأَشياء كثيرة وعلاج؛ قال الأَزهري: وغير الليث يُجِيز صنع جاريته
بالخفيف؛ ومنه قوله: ولتصنع على عيني.
وتَصَنَّعَتِ المرأَة إِذا صَنَعَتْ نَفْسها.
وقومٌ صَناعيةٌ أَي يَصْنَعُون المال ويُسَمِّنونه؛ قال عامر بن الطفيل:
سُودٌ صَناعِيةٌ إِذا ما أَوْرَدُوا،
صَدَرَتْ عَتُومُهُمُ، ولَمَّا تُحْلَب
الأَزهري: صَناعِيةٌ يصنعون المال ويُسَمِّنُون فُصْلانهم ولا يَسْقُون
أَلبان إِبلهم الأَضياف، وقد ذكرت الأَبيات كلها في ترجمة صلمع.
وفرَسٌ مُصانِعٌ: وهو الذي لا يُعْطِيك جميع ما عنده من السير له صَوْنٌ
يَصُونه فهو يُصانِعُكَ ببَذْله سَيْرَه.
والصنِيعُ: الثَّوْبُ الجَيِّدُ النقي؛ وقول نافع بن لقيط الفقعسي
أَنشده ابن الأَعرابي:
مُرُطٌ القِذاذِ، فَلَيْسَ فيه مَصْنَعٌ،
لا الرِّيشُ يَنفَعُه، ولا التَّعْقِيبُ
فسّره فقال: مَصْنَعٌ أَي ما فيه مُسْتَمْلَحٌ. والتَّصَنُّعُ: تكَلُّفُ
الصَّلاحِ وليس به. والتَّصَنُّعُ: تَكَلُّفُ حُسْنِ السَّمْتِ
وإِظْهارُه والتَّزَيُّنُ به والباطنُ مدخولٌ. والصِّنْعُ: الحَوْضُ، وقيل:
شِبْهُ الصِّهْرِيجِ يُتَّخَذُ للماء، وقيل: خشبة يُحْبَسُ بها الماء
وتُمْسِكُه حيناً، والجمع من كل ذلك أَصناعٌ. والصَّنَّاعةُ: كالصِّنْع التي هي
الخشبَة. والمَصْنَعةُ والمَصْنُعةُ: كالصِّنْعِ الذي هو الحَوْض أَو شبه
الصِّهْرِيجِ يُجْمَعُ فيه ماءُ المطر. والمَصانِعُ أَيضاً: ما يَصْنَعُه
الناسُ من الآبار والأَبْنِيةِ وغيرها؛ قال لبيد:
بَلِينا وما تَبْلى النُّجومُ الطَّوالِعُ،
وتَبْقى الدِّيارُ بَعْدَنا والمَصانِعُ
قال الأَزهري: ويقال للقُصور أَيضاً مَصانعُ؛ وأَما قول الشاعر أَنشده
ابن الأَعرابي:
لا أُحِبُّ المُثَدَّناتِ اللَّواتِي،
في المَصانِيعِ، لا يَنِينَ اطِّلاعا
فقد يجوز أَن يُعْنى بها جميع مَصْنعةٍ، وزاد الياء للضرورة كما قال:
نَفْيَ الدّراهِيمِ تَنْقادُ الصَّيارِيفِ
وقد يجوز أَن يكون جمع مَصْنُوعٍ ومَصْنوعةٍ كَمَشْؤومٍ ومَشائِيم
ومَكْسُور ومكاسِير. وفي التنزيل: وتَتَّخِذون مصانِعَ لعلكم تَخْلُدُون؛
المَصانِعُ في قول بعض المفسرين: الأَبنية، وقيل: هي أَحباسٌ تتخذ للماء،
واحدها مَصْنَعةٌ ومَصْنَعٌ، وقيل: هي ما أُخذ للماء. قال الأَزهري: سمعت
العرب تسمي أَحباسَ الماءِ الأَصْناعَ والصُّنوعَ، واحدها صِنْعٌ؛ وروى أَبو
عبيد عن أَبي عمرو قال: الحِبْسُ مثل المَصْنَعةِ، والزَّلَفُ
المَصانِعُ، قال الأَصمعي: وهي مَساكاتٌ لماءِ السماء يَحْتَفِرُها الناسُ
فيَمْلَؤُها ماءُ السماء يشربونها.وقال الأَصمعي: العرب تُسَمِّي القُرى
مَصانِعَ، واحدتها مَصْنَعة؛ قال ابن مقبل:
أَصْواتُ نِسوانِ أَنْباطٍ بِمَصْنَعةٍ،
بجَّدْنَ لِلنَّوْحِ واجْتَبْنَ التَّبابِينا
والمَصْنعةُ والمَصانِعُ: الحُصون؛ قال ابن بري: شاهده قول البعيث:
بَنى زِيادٌ لذِكر الله مَصْنَعةً،
مِنَ الحجارةِ، لم تُرْفَعْ مِنَ الطِّينِ
وفي الحديث: مَنْ بَلَغَ الصِّنْعَ بِسَهْمٍ؛ الصِّنْعُ، بالكسر:
المَوْضِعُ يُتَّخَذُ للماء، وجمعه أَصْناعٌ، وقيل: أَراد بالصِّنْع ههنا
الحِصْنَ. والمَصانِعُ: مواضِعُ تُعْزَلُ للنحل مُنْتَبِذةً عن البيوت، واحدتها
مَصْنَعةٌ؛ حكاه أَبو حنيفة. والصُّنْعُ: الرِّزْق. والصُّنْعُ، بالضم:
مصدر قولك صَنَعَ إِليه معروفاً، تقول: صَنَعَ إِليه عُرْفاً صُنْعاً
واصْطَنَعه، كلاهما: قَدَّمه، وصَنَع به صَنِيعاً قَبيحاً أَي فَعَلَ.
والصَّنِيعةُ: ما اصْطُنِعَ من خير. والصَّنِيعةُ: ما أَعْطَيْتَه
وأَسْدَيْتَه من معروف أَو يد إِلى إِنسان تَصْطَنِعُه بها، وجمعها
الصَّنائِعُ؛ قال الشاعر:
إِنَّ الصَّنِيعةَ لا تَكونُ صَنِيعةً،
حتى يُصابَ بِها طَرِيقُ المَصْنَعِ
واصْطَنَعْتُ عند فلان صَنِيعةً، وفلان صَنيعةُ فلان وصَنِيعُ فلات إِذا
اصْطَنَعَه وأَدَّبَه وخَرَّجَه ورَبَّاه. وصانَعَه: داراه ولَيَّنَه
وداهَنَه. وفي حديث جابر: كالبَعِيرِ المَخْشُوشِ الذي يُصانِعُ قائدَهُ أَي
يداريه. والمُصانَعةُ: أَن تَصْنَعَ له شيئاً ليَصْنَعَ لك شيئاً آخر،
وهي مُفاعَلةٌ من الصُّنْعِ. وصانِعَ الوالي: رَشاه. والمُصانَعةُ:
الرَّشْوةُ. وفي لمثل: من صانَعَ بالمال لم يَحْتَشِمْ مِنْ طَلَب الحاجةِ.
وصانَعَه عن الشيء: خادَعه عنه. ويقال: صانَعْتُ فلاناً أَي رافَقْتُه.
والصِّنْعُ: السُّودُ
(* قوله« والصنع السود» كذا بالأصل، وعبارة القاموس مع
شرحه: والصنع، بالكسر، السفود، هكذا في سائر النسخ ومثله في العباب
والتكملة، ووقع في اللسان: والصنع السود، ثم قال: فليتأمل في العبارتين؛) قال
المرّارُ يصف الإِبل:
وجاءَتْ، ورُكْبانُها كالشُّرُوب،
وسائِقُها مِثْلُ صِنْعِ الشِّواء
يعني سُودَ الأَلوان، وقيل: الصِّنْعُ الشِّواءُ نَفْسُه؛ عن ابن
الأَعرابي. وكلُّ ما صُنِعَ فيه، فهو صِنْعٌ مثل السفرة أَو غيرها. وسيف
صَنِيعٌ: مُجَرَّبٌ مَجْلُوٌّ؛ قال عبد الرحمن بن الحكم بن أَبي العاصي يمدح
معاوية:
أَتَتْكَ العِيسُ تَنْفَحُ في بُراها،
تَكَشَّفُ عن مَناكِبها القُطُوعُ
بِأَبْيَضَ مِنْ أُميّة مَضْرَحِيٍّ،
كأَنَّ جَبِينَه سَيْفٌ صَنِيعُ
وسهم صَنِيعٌ كذلك، والجمع صُنُعٌ؛ قال صخر الغيّ:
وارْمُوهُمُ بالصُّنُعِ المَحْشُورَهْ
وصَنْعاءُ، ممدودة: ببلدة، وقيل: هي قَصَبةُ اليمن؛ فأَما قوله:
لا بُدَّ مِنْ صَنْعا وإِنْ طالَ السَّفَرْ
فإِنما قَصَرَ للضرورة، والإِضافة إِليه صَنْعائي، على غير قياس، كما
قالوا في النسبة إِلى حَرّانَ حَرْنانيٌّ، وإِلى مانا وعانا مَنَّانِيّ
وعَنَّانِيٌّ، والنون فيه بدل من الهمزة في صَنْعاء؛ حكاه سيبويه، قال ابن جني:
ومن حُذَّاقِ أَصحابنا من يذهب إِلى أَنَّ النون في صنعانيّ إِنما هي بدَل
من الواو التي تبدل من همزة التأْنيث في النسب، وأَن الأَصل صَنْعاوِيّ
وأَن النون هناك بدل من هذه الواو كما أَبدلت الواو من النون في قولك: من
وَّافِدِ، وإن وَّقَفْتَ وقفتُ، ونحو ذلك، قال: وكيف تصرّفتِ الحالُ فالنون
بدل من بدل من الهمزة، قال: وإِنما ذهب من ذهب إِلى هذا لأَنه لم ير
النون أُبْدِلَتْ من الهمزة في غير هذا، قال: وكان يحتج في قولهم إِن نون
فَعْلانَ بدل من همزة فَعْلاء فيقول: ليس غرضهم هنا البدل الذي هو نحو قولهم في
ذِئْبٍ ذيب، وفي جُؤْنةٍ، وإِنما يريدون أَن النون تُعاقِبُ في هذا الموضع
الهمزة كما تعاقب امُ المعرفة التنوينَ أَي لا تجتمع معه، فلما لم
تجامعه قيل إِنها بدل منه، وكذلك النون والهمزة. والأَصْناعُ: موضع؛ قال عمرو
بن قَمِيئَة:
وضَعَتْ لَدَى الأَصْناعِ ضاحِيةً،
فَهْيَ السّيوبُ وحُطَّتِ العِجَلُ
وقولهم: ما صَنَعْتَ وأَباك؟ تقديره مَعَ أَبيك لأَن مع والواو جميعاً
لما كانا للاشتراك والمصاحبة أُقيم أَحدهما مُقامَ الآخَر، وإِنما نصب
لقبح العطف على المضمر المرفوع من غير توكيد، فإِن وكدته رفعت وقلت: ما صنعت
أَنت وأَبوك؟ واما الذي في حديث سعد: لو أَنّ لأَحدكم وادِيَ مالٍ مرّ
على سبعة أَسهم صُنُعٍ لَكَلَّفَتْه نفْسُه أَن ينزل فيأْخذها؛ قال ابن
الأَثير: كذا قال صُنُع، قاله الحربي، وأَظنه صِيغةً أَي مستوية من عمل رجل
واحد. وفي الحديث: إِذا لم تَسْتَحْيِ فاصْنَعْ ما شئتَ؛ قال جرير: معناه
أَن يريد الرجل أَن يَعْمَلَ الخيرَ فَيَدَعَه حَياء من الناس كأَنه يخاف
مذهب الرياء، يقول فلا يَمْنَعَنك الحَياءُ من المُضِيّ لما أَردت؛ قال
أَبو عبيد: والذي ذهب إِليه جرير معنى صحيح في مذهبه ولكن الحديث لا تدل
سِياقتُه ولا لفظه على هذا التفسير، قال: ووجهه عندي أَنه أَراد بقوله
إِذا لم تَسْتَحْي فاصنع ما شئت إِنما هو من لم يَسْتَحِ صَنَعَ ما شاء على
جهة الذمّ لترك الحياء، ولم يرد بقوله فاصنع ما شئت أَن يأْمرع بذلك
أَمراً، ولكنه أَمرٌ معناه الخبر كقوله، صلى الله عليه وسلم: من كذب عليّ
مُتَعَمِّداً فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَه من النار، والذي يراد من الحديث
أَنه حَثَّ على الحياء، وأَمرَ به وعابَ تَرْكَه؛ وقيل: هو على الوعيد
والتهديد اصنع ما شئت فإِن الله مجازيك، وكقوله تعالى: اعملوا ما شئتم، وذكر ذلك
كله مستوفى في موضعه؛ وأَنشد:
إِذا لَمْ تَخْشَ عاقِبةَ اللّيالي،
ولمْ تَسْتَحْي، فاصْنَعْ ما تشاءُ
وهو كقوله تعالى: فمن شاء فَلْيُؤْمِنْ ومن شاء فَلْيَكْفُرْ. وقال ابن
الأَثير في ترجمة ضيع: وفي الحديث تُعِينُ ضائِعاً أَي ذا ضياعٍ من قَفْر
أَو عِيالٍ أَو حال قَصَّر عن القيام بها، قال: ورواه بعضهم بالصاد
المهملة والنون، وقيل: إِنه هو الصواب، وقيل: هو في حديث بالمهملة وفي آخر
بالمعجمة، قال: وكلاهما صواب في المعنى.
قصر: القَصْرُ والقِصَرُ في كل شيء: خلافُ الطُّولِ؛ أَنشد ابن
الأَعرابي:
عادتْ مَحُورَتُه إِلى قَصْرِ
قال: معناه إِلى قِصَر، وهما لغتان. وقَصُرَ الشيءُ، بالضم، يَقْصُرُ
قِصَراً: خلاف طال؛ وقَصَرْتُ من الصلاة أَقْصُر قَصْراً. والقَصِيرُ: خلاف
الطويل. وفي حديث سُبَيْعَةَ: نزلت سورة النساء القُصْرَى بعد الطُّولى؛
القُصْرَى تأْنيث الأَقْصَر، يريد سورة الطلاق، والطُّولى سورة البقرة
لأَن عِدَّة الوفاة في البقرة أَربعة أَشهر وعشر، وفي سورة الطلاق وَضْعُ
الحمل، وهو قوله عز وجل: وأُولاتِ الأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ
حَمْلَهِنّ. وفي الحديث: أَن أَعرابيّاً جاءه فقال: عَلِّمْني عملاً
يُدْخِلُني الجنّة، فقال: لئن كنتَ أَقْصَرْتَ الخِطْبة لقد أَعْرَضْتَ
المسأَلةَ؛ أَي جئت بالخِطْبةِ قصيرة وبالمسأَلة عريضة يعني قَلَّلْتَ
الخِطْبَةَ وأَعظمت المسأَلة. وفي حديث عَلْقَمة: كان إِذا خَطَبَ في نكاح
قَصَّرَ دون أَهله أَي خَطَبَ إِلى من هو دونه وأَمسك عمن هو فوقه، وقد قَصُرَ
قِصَراً وقَصارَة؛ الأَخيرة عن اللحياني، فهو قَصِير، والجمع قُصَراء
وقِصارٌ، والأُنثى قصِيرة، والجمع قِصارٌ. وقَصَّرْتُه تَقْصِيراً إِذا
صَيَّرْته قَصِيراً. وقالوا: لا وفائتِ نَفَسِي القَصِيرِ؛ يَعْنُون
النَّفَسَ لقِصَرِ وقته، الفائِتُ هنا هو الله عز وجل. والأَقاصِرُ: جمع أَقْصَر
مثل أَصْغَر وأَصاغِر؛ وأَنشد الأَخفش:
إِليكِ ابنةَ الأَغْيارِ، خافي بَسالةَ الـ
ـرِّجالِ، وأَصْلالُ الرِّجالِ أَقاصِرُهْ
ولا تَذْهَبَنْ عَيْناكِ في كلِّ شَرْمَحٍ
طُوالٍ، فإِنَّ الأَقْصَرِينَ أَمازِرُهْ
يقول لها: لا تعيبيني بالقِصَرِ فإِن أَصْلالَ الرجال ودُهاتَهم
أَقاصِرُهم، وإِنما قال أَقاصره على حدّ قولهم هو أَحسنُ الفتيان وأَجْمَله،
يريد: وأَجملهم، وكذا قوله فإِن الأَقصرين أَمازره يريد أَمازِرُهم، وواحدُ
أَمازِرَ أَمْزَرُ، مثل أَقاصِرَ وأَقْصَر في البيت المتقدم، والأَمْزَرُ
هو أَفعل، من قولك: مَزُرَ الرجلُ مَزارة، فهو مَزِيرٌ، وهو أَمْزَرُ
منه، وهو الصُّلْبُ الشديد والشَّرْمَحُ الطويل. وأَما قولهم في المثل: لا
يُطاعُ لقَصِيرٍ أَمرٌ، فهو قَصِيرُ بن سَعْد اللَّخْمِيّ صاحب جَذِيمَة
الأَبْرَشِ. وفرس قَصِيرٌ أَي مُقْرَبَةٌ لا تُتْرَكُ أَن تَرُودَ
لنفاستها؛ قال مالك بن زُغْبة، وقال ابن بري: هو لزُغْبَةَ الباهليّ وكنيته
أَبو شقيق، يصف فرسه وأَنها تُصانُ لكرامتها وتُبْذَلُ إِذا نزلت
شِدَّةٌ:وذاتِ مَناسِبٍ جَرْداءَ بِكْرٍ،
كأَنَّ سَراتَها كَرٌّ مَشيِقُ
تُنِيفُ بصَلْهَبٍ للخيلِ عالٍ،
كأَنَّ عَمُودَه جِذْعٌ سَحُوقُ
تَراها عند قُبَّتِنا قَصِيراً،
ونَبْذُلُها إِذا باقتْ بَؤُوقُ
البَؤُوقُ: الداهيةُ. وباقَتْهم: أَهْلَكَتْهم ودهَتْهم. وقوله: وذاتُ
مَناسب يريد فرساً منسوبة من قِبَلِ الأَب والأُم. وسَراتُها:
أَعلاها.والكَرُّ، بفتح الكاف هنا: الحبل. والمَشِيقُ: المُداوَلُ. وتُنِيفُ:
تُشْرِفُ. والصَّلْهَبُ: العُنُق الطويل. والسَّحُوقُ من النخل: ما طال. ويقال
للمَحْبُوسة من الخيل: قَصِير؛ وقوله:
لو كنتُ حَبْلاً لَسَقَيْتُها بِيَهْ،
أَو قاصِراً وَصَلْتُه بثَوْبِيَهْ
قال ابن سيده: أُراه على النَّسَب لا على الفعل، وجاء قوله ها بيه وهو
منفصل مع قوله ثوبيه لأَن أَلفها حينئذ غير تأْسيس، وإِن كان الروي حرفاً
مضمراً مفرداً، إِلا أَنه لما اتصل بالياء قوي فأَمكن فصله.
وتَقَاصَرَ: أَظْهَرَ القِصَرَ. وقَصَّرَ الشيءَ: جعله قَصِيراً.
والقَصِيرُ من الشَّعَر: خلافُ الطويل. وقَصَرَ الشعرَ: كف منه وغَضَّ حتى
قَصُرَ. وفي التنزيل العزيز: مُحَلِّقِين رُؤُوسَكم ومُقَصِّرينَ؛ والاسم منه
القِصارُ؛ عن ثعلب. وقَصَّرَ من شعره تَقْصِيراً إِذا حذف منه شيئاً ولم
يستأْصله. وفي حديث عمر، رضي الله عنه: أَنه مر برجل قد قَصَّر الشَّعَر
في السوق فعاقَبه؛ قَصَّرَ الشعَرَ إِذا جَزَّه، وإِنما عاقبه لأَن الريح
تحمله فتلقيه في الأَطعمة.وقال الفراء: قلت لأَعرابي بمنى: آلْقِصارُ
أَحَبُّ إِليك أَم الحَلْقُف يريد: التقصيرُ أَحَبُّ إِليك أَم حلق الرأْس.
وإِنه لقَصِير العِلْم على المَثَل.
والقَصْرُ: خلاف المَدِّ، والفعلُ كالفعل والمصدر كالمصدر. والمَقْصُور:
من عروض المديد والرمل ما أُسْقِطَ آخِرُه وأُسْكِنَ نحو فاعلاتن حذفت
نونه وأُسكنت تاؤه فبقي فاعلات فنقل إِلى فاعلان، نحو قوله:
لا يَغُرَّنَّ امْرَأً عَيْشُه،
كلُّ عَيْشٍ صائرٌ للزَّوالْ
وقوله في الرمل:
أَبِلِغِ النُّعمانَ عَنِّي مَأْلُكاً:
انَّنِي قد طالَ حَبْسِي وانْتِظارْ
قال ابن سيده: هكذا أَنشده الخليل بتسكين الراء ولو أَطلقه لجاز، ما لم
يمنع منه مخافةُ إِقواء؛ وقول ابن مقبل:
نازعتُ أَلبابَها لُبِّي بمُقْتَصِرٍ
من الأَحادِيثِ، حتى زِدْنَني لِينا
إِنما أَراد بقَصْر من الأَحاديث فزِدْنَني بذلك لِيناً. والقَصْرُ:
الغاية؛ قاله أَبو زيد وغيره؛ وأَنشد:
عِشْ ما بدا لك، قَصْرُكَ المَوْتُ،
لا مَعْقِلٌ منه ولا فَوْتُ
بَيْنا غِنى بَيْتٍ وبَهْجَتِه،
زال الغِنى وتَقَوَّضَ البَيْتُ
وفي الحديث: من شَهِدَ الجمعة فصَلى ولم يُؤذ أَحداً بقَصْرِه إِن لم
يُغْفَرْ له جُمْعَتَه تلك ذُنوبُه كلُّها أَن تكون كفارتُه في الجمعة التي
تليها أَي غايته. يقال: قَصْرُك أَن تفعل كذا أَي حسبك وكفايتك وغايتك،
وكذلك قُصارُك وقُصارَاك، وهو من معنى القَصْرِ الحَبْسِ لأَنك إِذا بلغت
الغاية حَبَسَتْك، والباء زائدة دخلت على المبتدإِ دُخُولَها في قولهم:
بحسبك قولُ السَّوْءِ، وجمعته منصوبة على الظرف. وفي حديث معاذ: فإِنَّ
له ما قَصَرَ في بيته أَي ما حَبَسَه. وفي حديث أَسماء الأَشْهَلِيَّة:
إِنا مَعْشَرَ النساء، محصوراتٌ مقصوراتٌ. وفي حديث عمر، رضي الله عنه: فإِذا
هم رَكْبٌ قد قَصَر بهم الليلُ أَي حبسهم. وفي حديث ابن عباس: قُصِرَ
الرجالُ على أَربع من أَجل أَموال اليتامى أَي حُبِسُوا أَو منعوا عن نكاح
أَكثر من أَربع. ابن سيده: يقال قَصْرُك وقُصارُك وقَصارُك وقُصَيْراكَ
وقُصارَاكَ أَن تفعل كذا أَي جُهْدُك وغايتُك وآخرُ أَمرك وما اقْتَصَرْتَ
عليه؛ قال الشاعر:
لها تَفِراتٌ تَحْتَها، وقُصارُها
إِلى مَشْرَةٍ لم تُعْتَلَقْ بالمَحاجِنِ
وقال الشاعر:
إِنما أَنْفُسُنا عارِيَّةٌ،
والعَوارِيُّ قُصارَى أَن تُرَدّ
ويقال: المُتَمَنِّي قُصاراه الخَيْبةُ. والقَصْرُ كَفُّك نَفْسَك عن
أَمر وكفُّكها عن أَن تطمح بها غَرْبَ الطَّمَع. ويقال: قَصَرْتُ نفسي عن
هذا أَقْصُرها قَصْراً. ابن السكيت: أَقْصَر عن الشيءِ إِذا نَزَع عنه وهو
يَقْدِر عليه، وقَصَر عنه إِذا عجز عنه ولم يستطعه، وربما جاءَا بمعنى
واحد إِلا أَن الأَغلب عليه الأَول؛ قال لبيد:
فلستُ، وإِن أَقْصَرْتُ عنه، بمُقْصِر
قال المازني: يقول لستُ وإِن لمتني حتى تُقْصِرَ بي بمُقْصِرٍ عما
أُريد؛ وقال امرؤ القيس:
فتُقْصِرُ عنها خَطْوَة وتَبوصُ
ويقال: قَصَرْتُ بمعنى قَصَّرْت؛ قال حُمَيْد:
فلئن بَلَغْتُ لأَبْلُغَنْ مُتَكَلِّفاً،
ولئن قَصَرْتُ لكارِهاً ما أَقْصُرُ
وأَقْصَر فلان عن الشيء يُقْصِرُ إِقصاراً إِذا كفَّ عنه وانتهى.
والإِقْصار: الكف عن الشيء. وأَقْصَرْتُ عن الشيء: كففتُ ونَزَعْتُ مع القدرة
عليه، فإِن عجزت عنه قلت: قَصَرْتُ، بلا أَلف. وقَصَرْتُ عن الشيء قصوراً:
عجزت عنه ولم أَبْلُغْهُ. ابن سيده: قَصَرَ عن الأَمر يَقْصُر قُصُوراً
وأَقْصَر وقَصَّرَ وتَقَاصَر، كله: انتهى؛ قال:
إِذا غَمَّ خِرْشاءُ الثُّمالَةِ أَنْفَه،
تَقاصَرَ منها للصَّرِيحَ فأَقْنَعا
وقيل: التَّقاصُر هنا من القِصَر أَي قَصُر عُنُقُه عنها؛ وقيل: قَصَرَ
عنه تركه وهو لا يقدر عليه، وأَقْصَرَ تركه وكف عنه وهو يقدر عليه.
والتَّقْصِيرُ في الأَمر: التواني فيه. والاقْتصارُ على الشيء: الاكتفاء
به. واسْتَقْصَره أَي عَدَّه مُقَصِّراً، وكذلك إِذا عَدَّه قَصِيراً.
وقَصَّرَ فلانٌ في حاجتي إِذا وَنى فيها؛ وقوله أَنشده ثعلب:
يقولُ وقد نَكَّبْتُها عن بلادِها:
أَتَفْعَلُ هذا يا حُيَيُّ على عَمْدِف
فقلتُ له: قد كنتَ فيها مُقَصِّراً،
وقد ذهبتْ في غير أَجْرٍ ولا حَمْدِ
قال: هذا لِصٌّ؛ يقول صاحب الإِبل لهذا اللِّص: تأْخذ إِبلي وقد عرفتها،
وقوله: فقلت له قد كنت فيها مقصِّراً، يقول كنت لا تَهَبُ ولا تَسْقي
منها قال اللحياني: ويقال للرجل إِذا أَرسلته في حاجة فَقَصَر دون الذي
أَمرته به إِما لحَرّ وإِما لغيره: ما منعك أَن تدخل المكان الذي أَمرتك به
إِلا أَنك أَحببت القَصْرَ والقَصَرَ والقُصْرَةَ أَي أَن تُقَصِّرَ.
وتَقاصَرتْ نَفْسُه: تضاءلت. وتَقَاصَر الظلُّ: دنا وقَلَصَ.
وقَصْرُ الظلام: اختلاطُه، وكذلك المَقْصَر، والجمع المَقاصر؛ عن أَبي
عبيد؛ وأَنشد لابن مقبل يصف ناقته:
فَبَعَثْتُها تَقِصُ المَقاصِرَ، وبعدما
كَرَبَتْ حياةُ النارِ للمُتَنَوِّرِ
قال خالد بن جَنْيَة: المقاصِرُ أُصولُ الشجر، الواحد مَقْصُور، وهذا
البيت ذكره الأَزهري في ترجمة وقص شاهداً على وَقَصْتُ الشيء إِذا
كَسَرْتَه، تَقِصُ المقاصر أَي تَدُقُّ وتكسر. ورَضِيَ بمَقْصِرٍ، بكس الصاد مما
كان يُحاوِلُ أي بدونِ ما كان يَطْلُب. ورضيت من فلان بمَقْصِرٍ
ومَقْصَرٍ أَي أَمرٍ دُونٍ. وقَصَرَ سهمُه عن الهَدَف قُصُوراً: خَبا فلم ينته
إِليه. وقَصَرَ عني الوجعُ والغَضَبُ يَقْصُر قُصُوراً وقَصَّر: سكن،
وقَصَرْتُ أَنا عنه، وقَصَرْتُ له من قيده أَقْصُر قَصْراً: قاربت. وقَصَرْتُ
الشيء على كذا إِذا لن تجاوز به غيره. يقال: قَصَرْتُ اللِّقْحة على فرسي
إِذا جعلت دَرَّها له. وامرأَة قاصِرَةُ الطَّرْف: لا تَمُدُّه إِلى غير
بعلها. وقال أَبو زيد: قَصَرَ فلانٌ على فرسه ثلاثاً أَو أَربعاً من
حلائبه يَسْقِيه أَلبانها. وناقة مَقْصورة على العِيال: يشربون لبنها؛ قال
أَبو ذؤيب:
قَصَر الصَّبوحَ لها فَشَرَّجَ لَحْمَها
بالتيِّ، فهي تَتُوخُ فيه الإِصْبَعُ
قَصَره على الأَمر قَصْراً: رَدّه إِليه. وقَصَرْتُ السِّتْر: أَرخيته.
وفي حديث إِسلام ثُمامة: فأَبى أَن يُسْلِمَ قَصْراً فأَعتقه، يعني
حَبساً عليه وإِجباراً. يقال: قَصَرْتُ نفسي على الشيء إِذا حبستها عليه
وأَلزمتها إِياه، وقيل: أَراد قهراً وغلبةً، من القسْر، فأَبدل السين صاداً،
وهما يتبادلان في كثير من الكلام، ومن الأَول الحديث: ولتَقْصُرَنَّه على
الحق قَصْراً. وقَصَرَ الشيءَ يَقْصُره قَصْراً: حبسه؛ ومنه مَقْصُورة
الجامع؛ قال أَبو دُواد يصف فرساً:
فَقُصِرْنَ الشِّتاءَ بَعْدُ عليه، * وهْو للذَّوْدِ أَن يُقَسَّمْنَ جارُ
أَي حُبِسْنَ عليه يَشْرَبُ أَلبانها في شدة الشتاء. قال ابن جني: هذا
جواب كم، كأَنه قال كم قُصِرْن عليه، وكم ظرف ومنصوبه الموضع، فكان قياسه
أَن يقول ستة أَشهر لأَن كم سؤال عن قدرٍ من العدد محصور، فنكرة هذا
كافية من معرفته، أَلا ترى أَن قولك عشرون والعشرون وعشرون؟؟ فائدته في العدد
واحدةً لكن المعدود معرفة في جواب كم مرة، ونكرة أُخرى، فاستعمل الشتاء
وهو معرفة في جواب كم، وهذا تطوّع بما لا يلزم وليس عيباً بل هو زائد على
المراد، وإِنما العيب أَن يُقَصِّرَ في الجواب عن مقتضى السؤَال، فأَما
إِذا زاد عليه فالفضل له، وجاز أَن يكون الشتاء جوباً لكم من حيث كان عدداً
في المعنى، أَلا تراه ستة أَشهر؟ قال: ووافقنا أَبو علي، رحمه الله
تعالى، ونحن بحلب على هذا الموضع من الكتاب وفسره ونحن بحلب فقال: إِلا في
هذا البلد فإِنه ثمانية أَشهر؛ ومعنى قوله:
وهو للذود أَن يقسَّمن جار
أَي أَنه يُجيرها من أَن يُغار عليها فَتُقْسَمَ، وموضع أَن نصبٌ كأَنه
قال: لئلا يُقَسَّمْنَ ومن أَن يُقَسَّمْنَ، فَحذف وأَوصل. وامرأَة
قَصُورَة وقَصيرة: مَصُونة محبوسة مقصورة في البيت لا تُتْرَكُ أَن تَخْرُج؛
قال كُثَيِّر:
وأَنتِ التي جَبَّبْتِ كلَّ قَصِيرَةٍ
إِليَّ، وما تدري بذاك القَصائِرُ
عَنَيْتُ قَصِيراتِ الحِجالِ، ولم أُرِدْ
قِصارَ الخُطَى، شَرُّ النساء البَحاتِرُ
وفي التهذيب: عَنَيتُ قَصُوراتِ الحجالِ، ويقال للجارية المَصونة التي
لا بُروزَ لها: قَصِيرةٌ وقَصُورَة؛ وأَنشد الفراء:
وأَنتِ التي حببتِ كلَّ قَصُورة
وشَرُّ النساءِ البَهاتِرُ. التهذيب: القَصْرُ الحَبْسُ؛ قال الله تعالى:
حُورٌ مقصورات في الخيام، أَي محبوسات في خيام من الدُّرِّ مُخَدَّرات
على أَزواجهن في الجنات؛ وامرأَة مَقْصورة أَي مُخَدَّرة. وقال الفرّاء في
تفسير مَقْصورات، قال: قُصِرْنَ على أَزواجهن أَي حُبِسْن فلا يُرِدْنَ
غيرهم ولا يَطْمَحْنَ إِلى من سواهم. قال: والعرب تسمي الحَجَلَةَ
المقصورةَ والقَصُورَةَ، وتسمي المقصورة من النساء القَصُورة، والجمع
القَصائِرُ، فإِذا أَرادوا قِصَرَ القامة قالوا: امرأَة قَصِيرة، وتُجْمَعُ
قِصاراً. وأَما قوله تعالى: وعندهم قاصراتُ الطَّرْفِ أَترابٌ؛ قال
الفراء:قاصراتُ الطَّرْف حُورٌ قد قَصَرْنَ أَنفسهنَّ على أَزواجهن فلا يَطْمَحْنَ
إِلى غيرهم؛ ومنه قول امرئ القيس:
من القاصراتِ الطَّرْفِ، لو دَبَّ مُحْوِلٌ
من الذَّرِّ فوقَ الإِتْبِ منها لأَثَّرا
وقال الفراء: امرأَة مَقْصُورة الخَطْوِ، شبهت بالمقيَّد الذي قَصَرَ
القيدُ خَطوَه، ويقال لها: قَصِيرُ الخُطى؛ وأَنشد:
قَصِيرُ الخطى ما تَقْرُبُ الجِيرَةَ القُصَى،
ولا الأَنَسَ الأَدْنَيْنَ إِلا تَجَشُّما
التهذيب: وقد تُجْمَعُ القَصِيرةُ من النساء قِصارَةً؛ ومنه قول
الأَعشى:لا ناقِصِي حَسَبٍ ولا
أَيْدٍ،إِذا مدَّتْ قِصارَه
قال الفراء: والعرب تدخل الهاء في كل جمع على فِعالٍ، يقولون:
الجِمالَةُ والحِبالَة والذِّكارَة والحِجارة، قال: جِمالاتٌ صُفْرٌ. ابن سيده:
وأَما قول الشاعر:
وأَهْوى من الــنِّسْوانِ كلَّ قَصِيرةٍ،
لها نَسَبٌ، في الصالحين، قَصِيرُ
فمعناه أَنه يَهْوى من النساء كل مقصورة يُغْنى بنسبها إِلى أَبيها عن
نَسَبها إِلى جَدِّها. أَبو زيد: يقال أَبْلِغ هذا الكلامَ بني فلان
قَصْرَةً ومَقْصُورةً أَي دون الناس، وقد سميت المَقْصورة مَقْصُورَةً لأَنها
قُصِرَت على الإِمام دون الناس. وفلان قَصِيرُ النسب إِذا كان أَبوه
معروفاً إِذ ذِكْره للابن كفايةٌ عن الانتماء إِلى الجد الأَبعد؛ قال
رؤبة:قد رَفَعَ العَجَّاجُ ذِكْري فادْعُني
باسْمٍ، إِذا الأَنْسابُ طالتْ، يَكفِني
ودخل رُؤْبةُ على النَّسَّابة البَكْريّ فقال: من أَنتف قال: رؤبة بن
العجاج. قال: قُصِرْتَ وعُرِفْتَ. وسَيْلٌ قَصِير: لا يُسِيل وادِياً
مُسَمًّى إِنما يُسِيلُ فُرُوعَ الأَوْدِية وأَفْناءَ الشِّعابِ وعَزَازَ
الأَرضِ. والقَصْرُ من البناء: معروف، وقال اللحياني: هو المنزل، وقيل: كل
بيت من حَجَر، قُرَشِيَّةٌ، سمي بذلك لأَنه تُقصَرُ فيه الحُرَمُ أَي
تُحْبس، وجمعه قُصُور. وفي التنزيل العزيز: ويجْعَل لك قُصُوراً.
والمَقْصُورة: الدار الواسعة المُحَصَّنَة،وقيل: هي أَصغر من الدار، وهو من ذلك
أَيضاً. والقَصُورَةُ والمَقْصورة: الحَجَلَةُ؛ عن اللحياني. الليث:
المَقْصُورَة مقام الإِمام، وقال: إِذا كانت دار واسعة مُحَصَّنة الحيطان فكل
ناحية منها على حِيالِها مَقْصُورة، وجمعها مَقاصِرُ ومَقاصِيرُ؛
وأَنشد:ومن دونِ لَيْلى مُصْمَتاتُ المَقاصِرِ
المُصْمَتُ: المُحْكَمُ. وقُصارَةُ الدار: مَقْصُورة منها لا يدخلها غير
صاحب الدار. قال أُسَيْدٌ: قُصارَةُ الأَرض طائفة منها قَصِيرَة قد علم
صاحبها أَنها أَسْمَنُها أَرضاً وأَجودُها نبتاً قدر خمسين ذراعاً أَو
أَكثر، وقُصارَةُ الدار: مَقْصورة منها لا يدخلها غير صاحب الدار، قال:
وكان أَبي وعمي على الحِمى فَقَصَرَا منها مقصورة لا يطؤها غيرهما.
واقْتَصَرَ على الأَمر: لم يُجاوزه.
وماء قاصِرٌ أَي بارد. وماء قاصِرٌ: يَرْعى المالُ حولَه لا يجاوزه،
وقيل: هو البعيد عن الكلإِ. ابن السكيت: ماء قاصِرٌ ومُقْصِرٌ إِذا كان
مَرْعاه قريباً؛ وأَنشد:
كانتْ مِياهِي نُزُعاً قَواصِرَا،
ولم أَكنْ أُمارِسُ الجَرائرا
والنُّزُعُ: جمع النَّزُوعِ، وهي البئر التي يُنْزَعُ منها باليدين
نَزْعاً، وبئر جَرُورٌ: يستقى منها على بعير؛ وقوله أَنشده ثعلب في صفة
نخل:فهُنَّ يَرْوَيْنَ بطَلٍّ قَاصِرِ
قال: عَنى أَنها تشرب بعروقها. وقال ابن الأَعرابي: الماء البعيد من
الكلإِ قاصِرٌ باسِطٌ ثم مُطْلِبٌ. وكَلأ قاصِرٌ: بينه وبين الماء نَبْحَةُ
كلب أَو نَظَرُك باسِطاً. وكَلأ باسِطٌ: قريب؛ وقوله أَنشده ثعلب:
إِليكِ ابْنَةَ الأَغْيارِ، خافي بَسالَةَ الر
جالِ، وأَصْلالُ الرجالِ أَقاصِرُهْ
لم يفسره؛ قال ابن سيده: وعندي أَنه عنى حَبائسَ قَصائِرَ.
والقُصارَةُ والقِصْرِيُّ والقَصَرَة والِقُصْرى والقَصَرُ؛ الأَخيرة عن
اللحياني: ما يَبْقى في المُنْخُلِ بعد الانتخال، وقيل: هو ما يَخْرُجُ
من القَثِّ وما يبقى في السُّنْبُل من الحب بعد الدَّوْسَةِ الأُولي،
وقيل: القِشْرتان اللتان على الحَبَّة سُفْلاهما الحَشَرَةُ وعُلْياهما
القَصَرة. الليث: والقَصَرُ كَعابِرُ الزرع الذي يَخْلُص من البُرِّ وفيه
بقية من الحب، يقال له القِصْرَى، على فِعْلى. الأَزهري: وروى أَبو عبيد
حديثاً عن النبي، صلى الله عليه وسلم، في المُزارَعة أَن أَحدهم كان
يَشْتَرِطُ ثلاثة جَداوِلَ والقُصارَةَ؛ القُصارَةُ، بالضم: ما سَقى الربيعُ،
فنه النبي،صلى الله عليه وسلم، عن ذلك. قال أَبو عبيد: والقُصارة ما بقي في
السنبل من الحب مما لا يتخلص بعدما يداس، قال: وأَهل الشام يسمونه
القِصْرِيَّ بوزن القِبْطِيِّ، قال الأَزهري: هكذا أَقرأَنيه ابن هاجَك عن ابن
جَبَلة عن أَبي عبيد، بكسر القاف وسكون الصاد وكسر الراء وتشديد الياء،
قال: وقال عثمان ابن سعيد: سمعت أَحمد بن صالح يقول هي القُصَرَّى إِذا
دِيسَ الزرعُ فغُرْبِل، فالسنابل الغليظة هي القُصَرَّى، على فُعَلَّى.
وقال اللحياني: نُقِّيَتْ من قَصَره وقَصَلِه أَي من قُماشِه. وقال أَبو
عمرو: القَصَلُ والقَصَرُ أَصل التبن. وقال ابن الأَعرابي: القَصَرةُ قِشْر
الحبة إِذا كانت في السنبلة، وهي القُصارَةُ. وذكر النضر عن أَبي الخطاب
أَنه قال: الحبة عليها قشرتان: فالتي تلي الحبة الحَشَرَةُ، والتي فوق
الحَشَرة القَصَرَةُ. والقَصَرُ: قِشْر الحنطة إِذا يبست. والقُصَيْراة:
ما يبقى في السنبل بعدما يداس. والقَصَرَة، بالتحريك: أَصل العنق. قال
اللحياني: إِنما يقال لأَصل العنق قَصَرَة إِذا غَلُظَت، والجمع قَصَرٌ؛ وبه
فسر ابن عباس قوله عز وجل: إِنها تَرْمي بشَرَرٍ كالقَصَر، بالتحريك؛
وفسره قَصَرَ النخلِ يعني الأَعْناقَ. وفي حديث ابن عباس في وقوله تعالى:
إِنها ترمي بشرر كالقصر؛ هو بالتحريك، قال: كنا نرفع الخشب للشتاء ثلاث
أَذرع أَو أَقل ونسميه القَصَر، ونريد قَصَر النخل وهو ما غَلُظَ من
أَسفلها أَو أَعناق الإِبل، واحدتها قَصَرة؛ وقيل في قوله بشرر كالقَصَر، قيل:
أَقصارٌ جمعُ الجمع. وقال كراع: القَصَرة أَصل العنق، والجمع أَقصار،
قال: وهذا نادر إِلا أَن يكون على حذف الزائد. وفي حديث سلْمانَ: قال لأَبي
سفيان وقد مر به: لقد كان في قَصَرة هذا موضع لسيوف المسلمين، وذلك قبل
أَن يسلم، فإِنهم كانوا حِراصاً على قتله، وقيل: كان بعد إِسلامه. وفي
حديث أَبي رَيْحانة: إِني لأَجِدُ في بعض ما أُنْزِلَ من الكتب الأَقْبَلُ
القَصِيرُ القَصَرةِ صاحبُ العِراقَيْنِ مُبَدِّلُ السُّنَّة يلعنه أَهلُ
السماء وأَهل الأَرض، وَيْلٌ له ثم ويل له وقيل: القَصَر أَعناق الرجال
والإِبل؛ قال:
لا تَدْلُكُ الشمسُ إِلاَّ حذْوَ مَنْكِبِه،
في حَوْمَةٍ تَحْتَها الهاماتُ والقَصَرُ
وقال الفراء في قوله تعالى: إِنها ترمي بشَرَرٍ كالقَصْر، قال: يريد
القَصْر من قُصُورِ مياه العرب، وتوحيده وجمعه عربيان. قال: ومثله:
سَيُهْزَمُ الجمع ويُولُّون الدُّبُرَ، معناه الأَدبار، قال: ومن قرأَ كالقَصَر،
فهو أَصل النخل، وقال الضحاك: القَصَرُ هي أُصول الشجر العظام. وفي
الحديث: من كان له بالمدينة أَصلٌ فلْيَتَمَسَّك به، ومن لم يكن فليجعل له
بها أَصلاً ولو قَصَرةً؛ القَصَرةُ، بالفتح والتحريك: أَصل الشجرة، وجمعها
قَصَر؛ أَراد فليتخذ له بها ولو أَصل نخلة واحدة. والقَصَرة أَيضاً:
العُنُق وأَصل الرقبة. قال: وقرأَ الحسن كالقَصْر، مخففاً، وفسره الجِذْل من
الخشب، الواحدة قَصْرة مثل تمر وتمرة؛ وقال قتادة: كالقَصَرِ يعني أُصول
النخل والشجر. النَّضِر: القِصارُ مِيْسَمٌ يُوسَمُ به قَصَرةُ العُنق.
يقال: قَصَرْتُ الجمل قَصْراً، فهو مَقْصورٌ. قال: ولا يقال إِبل
مُقَصَّرة. ابن سيده: القِصارُ سِمَة على القَصَر وقد قَصَّرها. والقَصَرُ: أُصول
النخل والشجر وسائر الخشب، وقيل: هي بقايا الشجر، وقيل: إِنها ترمي بشرر
كالقَصْر، وكالقَصَر، فالقَصَر: أُصول النخل والشجر، والقَصْر من
البناء، وقيل: القَصْر هنا الحطب الجَزْلُ؛ حكاه اللحياني عن الحسن. والقَصْرُ:
المِجْدَلُ وهو الفَدَنُ الضخمُ، والقَصَرُ: داء يأْخذ في القَصَرة.
وقال أَبو معاذ النحوي: واحد قَصَر النخل قَصَرة، وذلك أَن النخلة تُقْطَعُ
قَدْرَ ذراع يَسْتَوْقِدُون بها في الشتاء، وهو من قولك للرجل: إِنه
لتَامُّ القَصَرَةِ إِذا كان ضَخْمَ الرَّقَبة، والقَصَرُ يُبْسٌ في العنق؛
قَصِرَ، بالكسر، يَقْصَرُ قَصَراً، فهو قَصِرٌ وأَقْصَرُ، والأُنثى
قَصْراء؛ قال ابن السكيت: هو داء يأْخذ البعير في عنقه فيلتوي فَيُكْتَوَى في
مفاصل عنقه فربما بَرَأَ. أَبو زيد: يقال قَصِرَ الفرسُ يَقْصَرُ قَصَراً
إِذا أَخذه وجع في عنقه، يقال: به قَصَرٌ. الجوهري: قَصِرَ الرجلُ إِذا
اشتكى ذلك. يقال: قَصِرَ البعير، بالكسر، يَقْصَرُ قَصَراً.
والتِّقْصارُ والتِّقْصارَة، بكسر التاء: القِلادة للزومها قَصَرَةَ
العُنق، وفي الصحاح: قلادة شبيهة بالمِخْنَقَة، والجمع التَّقاصِيرُ؛ قال
عَدِيُّ بن زيد العِبَادي:
ولها ظَبْيٌ يُؤَرِّثُها،
عاقِدٌ في الجِيدِ تِقْصارا
وقال أَبو وَجْزة السَّعْدِي:
وغَدا نوائحُ مُعْوِلات بالضَّحى
وُرْقٌ تَلُوحُ، فكُلُّهُنَّ قِصارُها
قالوا: قِصارُها أَطواقها. قال الأَزهري: كأَنه شبه بقِصارِ المِيْسَمِ،
وهو العِلاطُ. وقال نُصَير: القَصَرَةُ أَصل العنق في مُرَكَّبِهِ في
الكاهل وأَعلى اللِّيتَيْنِ، قال: ويقال لعُنُقِ الإِنسانِ كلِّه قَصَرَةٌ.
والقَصَرَةُ: زُبْرَةُ الحَدَّادِ؛ عن قُطْرُب. الأَزهري: أَبو زيد:
قَصَرَ فلانٌ يَقْصُرُ قَصْراً إِذا ضم شيئاً إِلى أَصله الأَوّل؛ وقَصَرَ
قَيْدَ بعيره قَصْراً إِذا ضيقه، وقَصَرَ فلانٌ صلاتَه يَقْصُرها قَصْراً
في السفر. قال الله تعالى: ليس عليكم جُناحٌ أَن تَقْصُروا من الصلاة، وهو
أَن تصلي الأُولى والعصر والعشاء الآخرة ركعتين ركعتين، فأَما العشاءُ
الأُولى وصلاة الصبح فلا قَصْرَ فيهما، وفيها لغات: يقال قَصَرَ الصلاةَ
وأَقْصَرَها وقَصَّرَها، كل ذلك جائز، والتقصير من الصلاة ومن الشَّعَرِ
مثلُ القَصْرِ. وقال ابن سيده: وقَصَرَ الصلاةَ، ومنها يَقْصُر قَصْراً
وقَصَّرَ نَقَصَ ورَخُصَ، ضِدٌّ. وأَقْصَرْتُ من الصلاة: لغة في قَصَرْتُ.
وفي حديث السهو: أَقَصُرَتِ الصلاةُ أَم نُسِيَت؛ يروى على ما لم يسم
فاعله وعلى تسمية الفاعل بمعنى النقص. وفي الحديث: قلت لعمر إِقْصارَ الصلاةِ
اليومَ؛ قال ابن الأَثير: هكذا جاء في رواية من أَقْصَرَ الصلاةَ، لغة
شاذة في قَصَر. وأَقْصَرَتِ المرأَة: ولدت أَولاداً قِصاراً، وأَطالت إِذا
ولدت أَولاداً طِوالاً. وفي الحديث: إِن الطويلة قد تُقْصِرُ وإِن
القَصيرة قد تُطِيل؛ وأَقْصَرتِ النعجةُ والمَعَزُ، فهي مُقْصِرٌ، إِذا
أَسَنَّتا حتى تَقْصُرَ أَطرافُ أَسنانهما؛ حكاها يعقوب. والقَصْرُ والمَقْصَرُ
والمَقْصِرُ والمَقْصَرَةُ: العَشِيّ. قال سيبويه: ولا يُحَقَّرُ
القُصَيْرَ، اسْتَغْنوا عن تَحْقيره بتحقير المَساء. والمَقاصِر والمَقاصِير:
العشايا؛ الأَخيرة نادرة، قال ابن مقبل:
فبَعَثْتُها تَقِصُ المَقاصِرَ، بعدما
كَرَبَتْ حَياةُ النارِ للمُتَنَوِّرِ
وقَصَرْنا وأَقْصَرْنا قَصْراً: دخلنا في قَصْرِ العَشِيِّ، كما تقول:
أَمْسَيْنا من المَساء. وقَصَرَ العَشِيُّ يَقْصُر قُصوراً إِذا
أَمْسَيْتَ؛ قال العَجَّاجُ:
حتى إِذا ما قَصَرَ العَشِيُّ
ويقال: أَتيته قَصْراً أَي عَشِيّاً؛ وقال كثير عزة:
كأَنهمُ قَصْراً مَصابيحُ راهِبٍ
بمَوْزَنَ، رَوَّى بالسَّلِيط ذُبالَها
همُ أَهلُ أَلواحِ السَّرِيرِ ويمْنِه،
قَرابِينُ أَرْدافاً لها وشِمالَها
الأَردافُ: الملوك في الجاهلية، والاسم منه الرِّدافة، وكانت
الرِّدافَةُ في الجاهلية لبني يَرْبوعٍ. والرِّدافَةُ: أَن يجلس الرِّدْف عن يمين
الملك، فإِذا شَرِبَ المَلِكُ شَرِبَ الرِّدْفُ بعده قبل الناس، وإِذا
غَزا المَلِكُ قعَدَ الرِّدْف مكانه فكان خليفة على الناس حتى يعود
المَلِكُ، وله من الغنيمة المِرْباعُ. وقَرابينُ الملك: جُلَساؤه وخاصَّتُه،
واحدهم قُرْبانٌ. وقوله: هم أَهل أَلواح السرير أَي يجلسون مع الملك على
سريره لنفاستهم وجلالتهم. وجاء فلان مُقْصِراً حين قَصْرِ العِشاء أَي كاد
يَدْنُو من الليل؛ وقال ابن حِلِّزَة:
آنَسَتْ نَبْأَةً وأَفْزَعَها القـ
ـناصُ قَصْراً، وقَدْ دنا الإِمْساءُ
ومَقاصِيرُ الطريق: نواحيها،واحدَتُها مَقْصَرة، على غير قياس.
والقُصْرَيانِ والقُصَيْرَيانِ ضِلَعانِ تَلِيانِ الطِّفْطِفَة، وقيل:
هما اللتان تَلِيانِ التَّرْقُوَتَيْنِ. والقُصَيرَى: أَسْفَلُ
الأَضْلاعِ، وقيل هي الضِّلَعُ التي تلي الشاكلَةَ، وهي الواهِنةُ، وقيل: هي آخر
ضِلَعٍ في الجنب. التهذيب: والقُصْرَى والقُصَيْرى الضِّلَعُ التي تلي
الشاكلة بين الجنب والبطن؛ وأَنشد:
نَهْدُ القُصَيْرَى يزينُهُ خُصَلُه
وقال أَبو دُواد:
وقُصْرَى شَنِجِ الأَنْسا
ءِ نَبَّاحٍ من الشَّعْب
أَبو الهيثم: القُصَرَى أَسفل الأَضلاع،والقُصَيرَى أَعلى الأَضلاع؛
وقال أَوس:
مُعاوِدُ تأْكالِ القَنِيصِ، شِواؤُه
من اللحمِ قُصْرَى رَخْصَةٌ وطَفاطِفُ
قال: وقُصْرَى ههنا اسم، ولو كانت نعتاً لكانت بالأَلف واللام. قال: وفي
كتاب أَبي عبيد: القُصَيْرَى هي التي تلي الشاكلة، وهي ضِلَعُ الخَلْفِ؛
فأَما قوله أَنشده اللحياني:
لا تَعْدِليني بظُرُبٍّ جَعْدِ،
كَزِّ القُصَيْرَى، مُقْرِفِ المَعَدِّ
قال ابن سيده: عندي أَن القُصَيْرَى أَحد هذه الأَشياء التي ذكرنا في
القُصَيْرَى؛ قال: وأَما اللحياني فحكى أَن القُصَيْرَى هنا أَصلُ العُنُق،
قال: وهذا غير معروف في اللغة إِلا أَن يريد القُصَيْرَة، وهو تصغير
القَصَرة من العُنق، فأَبدل الهاء لاشتراكهما في أَنهما علما تأْنيث.
والقَصَرَةُ: الكَسَلُ؛ قال الأَزهري أَنشدني المُنْذرِيُّ رواية عن ابن
الأَعرابي:
وصارِمٍ يَقْطَعُ أَغْلالَ القَصَرْ،
كأَنَّ في مَتْنَتِهِ مِلْحاً يُذَرّ،
أَوْ زَحْفَ ذَرٍّ دَبَّ في آثارِ ذَرّ
ويروى:
كأَنَّ فَوْقَ مَتْنِهِ ملْحاً يُذَرّ
ابن الأَعرابي: القَصَرُ والقَصارُ الكَسَلُ. وقال أَعرابي: أَردت أَن
آتيك فمنعني القَصارُ، قل: والقَصارُ والقُصارُ والقُصْرَى والقَصْرُ، كله
أُخْرَى الأُمور. وقَصْرُ المجْدِ: مَعْدِنهُ؛ وقال عَمْرُو ابن
كُلْثُوم:
أَباحَ لَنا قُصُورُ المَجْدِ دينا
ويقال: ما رضيت من فلان بِمَقْصَرٍ ومَقْصِرٍ أَي بأَمر من دون أَي
بأَمر يسير، ومن زائدة. ويقال: فلان جاري مُقاصِرِي أَي قَصْرُه بحذاء
قَصْرِي؛ وأَنشد:
لِتَذْهَبْ إِلى أَقْصى مُباعَدةٍ جَسْرُ،
فما بي إِليها من مُقاصَرةٍ فَقْرُ
يقول: لا حاجة لي في جوارهم. وجَسْرٌ: من محارب. والقُصَيْرَى
والقُصْرَى: ضرب من الأَفاعي، يقال: قُصْرَى قِبالٍ وقُصَيْرَى قِبالٍ.
والقَصَرَةُ: القطعة من الخشب.
وقَصَرَ الثوبَ قِصارَةً؛ عن سيبويه، وقَصَّرَه، كلاهما: حَوَّرَه
ودَقَّهُ؛ ومنه سُمِّي القَصَّارُ. وقَصَّرْتُ الثوب تَقْصِيرا مثله.
والقَصَّارُ والمُقَصِّرُ: المُحَوِّرُ للثياب لأَنه يَدُقُّها بالقَصَرَةِ التي
هي القِطْعَة من الخشب، وحرفته القِصارَةُ. والمِقْصَرَة: خشبة
القَصَّار. التهذيب: والقَصَّارُ يَقْصُر الثوبَ قَصْراً. والمُقَصِّرُ: الذي
يُخسُّ العطاءَ ويقلِّله. والتَّقْصيرُ: إِخْساسُ العطية. وهو ابن عمي
قُصْرَةً، بالضم، ومَقْصُورةً ابن عمي دِنْيا ودُنْيا أَي داني النسب وكان ابنَ
عَمِّه لَحًّا؛ وأَنشد ابن الأَعرابي:
رَهْطُ الثِّلِبِّ هؤلا مَقْصُورةً
قال: مقصورةً، أَي خَلَصُوا فلم يخالطهم غيرهم من قومهم؛ وقال اللحياني:
تقال هذه الأَحرف في ابن العمة وابن الخالة وابن الخال. وتَقَوْصَرَ
الرجلُ: دخل بعضه في بعض. والقَوْصَرَة والقَوْصَرَّةُ، مخفف ومثقل: وعاء من
قصب يرفع فيه التمر من البَوارِي؛ قال: وينسب إِلى عليّ، كرم الله وجهه:
أَفْلَحَ من كانتْ له قَوْصَرَّه،
يأْكلُ منا كلَّ يومٍ مَرَّه
قال ابن دريد: لا أَحسبه عربيّاً. ابن الأَعرابي: العربُ تَكْنِي عن
المرأَة بالقارُورةِ والقَوْصَرَّة. قال ابن بري: وهذا الرجز ينسب إِلى علي؛
عليه السلام، وقالوا: أَراد بالقَوْصَرَّة المرأَة وبالأَكل النكاح. قال
ابن بري: وذكر الجوهري أَن القَوْصرَّة قد تخفف راؤها ولم يذكر عليه
شاهداً. قال: وذكر بعضهم أَن شاهده قول أَبي يَعْلى المْهَلَّبِي:
وسَائِلِ الأَعْلَم ابنَ قَوْصَرَةٍ:
مَتَى رَأَى بي عن العُلى قَصْرا؟
قال: وقالوا ابن قَوْصَرة هنا المَنْبُوذ. قال: وقال ابن حمزة: أَهل
البصرة يسمون المنبوذ ابن قَوْصَرة، وجد في قَوصَرة أَو في غيرها، قال: وهذا
البيت شاهد عليه.
وقَيْصَرُ: اسم ملك يَلي الرُّومَ، وقيل: قَيْصَرُ ملك الروم.
والأُقَيْصِرُ: صنم كان يعبد في الجاهلية؛ أَنشد ابن الأَعرابي:
وأَنْصابُ الأُقَيْصِرِ حين أَضْحَتْ
تَسِيلُ، على مَناكِبِها، الدِّماءُ
وابن أُقَيْصِر: رجل بصير بالخيل.
وقاصِرُونَ وقاصِرِينَ: موضع، وفي النصب والخفض قاصِرِينَ.
ضرب: الضرب معروف، والضَّرْبُ مصدر ضَرَبْتُه؛ وضَرَبَه يَضْرِبُه ضَرْباً وضَرَّبَه.
ورجل ضارِبٌ وضَرُوبٌ وضَريبٌ وضَرِبٌ ومِضْرَبٌ، بكسر الميم: شديدُ الضَّرْب، أَو كثير الضَّرْب.
والضَّريبُ: الـمَضْروبُ.
والـمِضْرَبُ والـمِضْرابُ جميعاً: ما ضُرِبَ به.
وضَارَبَهُ أَي جالَدَه. وتَضاربا واضْطَرَبا بمَعـنًى. وضَرَبَ الوَتِدَ يَضْرِبُه ضَرْباً: دَقَّه حتى رَسَب في الأَرض. ووَتِدٌ ضَرِيبٌ:
مَضْرُوبٌ؛ هذه عن اللحياني.
وضَرُبَتْ يَدُه: جاد ضَرْبُها. وضَرَبَ الدِّرْهمَ يَضْرِبُه ضَرْباً:
طَبَعَه. وهذا دِرْهَمٌ ضَرْبُ الأَمير، ودِرْهَمٌ ضَرْبٌ؛ وَصَفُوه
بالـمَصْدَر، ووَضَعُوه موضعَ الصفة، كقولهم ماءٌ سَكْبٌ وغَوْرٌ. وإِن شئت نَصَبْتَ على نيَّة المصدر، وهو الأَكثر، لأَنه ليس من اسم ما قَبْلَه ولا هو هو. واضْطَرَبَ خاتَماً: سأَل أَن يُضْرَبَ له. وفي الحديث: أَنه، صلى اللّه عليه وسلم، اضْطَرَبَ خاتماً من ذَهَب أَي أَمَرَ أَن يُضْرَبَ له ويُصاغَ؛ وهو افْتَعَل من الضَّرْبِ: الصِّياغةِ، والطاءُ بدل من التاءِ. وفي الحديث: يَضْطَرِبُ بناءً في المسجد أَي يَنْصِـبه ويُقِـيمهُ على أَوتادٍ مَضْروبة في الأَرض. ورجلٌ ضَرِبٌ: جَيِّدُ الضَّرْب.
وضَرَبَت العَقْربُ تَضْرِبُ ضَرْباً: لَدَغَتْ.
وضَرَبَ العِرْقُ والقَلْبُ يَضْرِبُ ضَرْباً وضَرَباناً: نَبَضَ وخَفَقَ. وضَرَبَ الجُرْحُ ضَرَباناً وضَرَبه العِرْقُ ضَرَباناً إِذا آلَـمَهُ.
والضَّارِبُ: الـمُتَحَرِّك. والـمَوْجُ يَضْطَرِبُ أَي يَضْرِبُ بعضُه
بعضاً.
وتَضَرَّبَ الشيءُ واضْطَرَبَ: تَحَرَّكَ وماجَ. والاضطِرابُ: تَضَرُّبُ الولد في البَطْنِ.
ويقال: اضْطَرَبَ الـحَبْل بين القوم إِذا اخْتَلَفَت كَلِـمَتُهم.
واضْطَرَب أَمْره: اخْتَلَّ، وحديثٌ مُضْطَرِبُ السَّنَدِ، وأَمْرٌ مُضْطَرِبٌ.
والاضْطِرابُ: الحركةُ. والاضطِرابُ: طُولٌ مع رَخاوة. ورجلٌ مُضْطَرِبُ الخَلْقِ: طَويلٌ غير شديد الأَسْرِ. واضْطَرَبَ البرقُ في السحاب: تَحَرَّكَ.
والضَّريبُ: الرأْسُ؛ سمي بذلك لكثرة اضْطِرابه. وضَريبةُ السَّيْفِ ومَضْرَبُه ومَضْرِبُه ومَضْرَبَتُه ومَضْرِبَتُه: حَدُّه؛ حكى الأَخيرتين سيبويه، وقال: جعلوه اسماً كالـحَديدةِ، يعني أَنهما ليستا على الفعل.
وقيل: هو دُون الظُّبَةِ، وقيل: هو نحوٌ من شِبْرٍ في طَرَفِه.
والضَّريبةُ: ما ضَرَبْتَه بالسيفِ. والضَّريبة: الـمَضْروبُ بالسيف،
وإِنما دخلته الهاءُ، وإِن كان بمعنى مفعول، لأَنه صار في عِدادِ
الأَسماءِ، كالنَّطِـيحةِ والأَكِـيلَة. التهذيب: والضَّريبَة كلُّ شيءٍ ضربْتَه بسَيفِك من حيٍّ أَو مَيْتٍ. وأَنشد لجرير:
وإِذا هَزَزْتَ ضَريبةً قَطَّعْتَها، * فمَضَيْتَ لا كَزِماً، ولا مَبْهُورا(1)
(1 قوله لا كزماً بالزاي المنقوطة أي خائفاً.)
ابن سيده: وربما سُمِّي السيفُ نفسُه ضَريبةً.
وضُرِبَ بِـبَلِـيَّةٍ: رُمِـيَ بها، لأَن ذلك ضَرْبٌ.
وضُرِبَتِ الشاةُ بلَوْنِ كذا أَي خولِطَتْ. ولذلك قال اللغَويون:
الجَوْزاءُ من الغنم التي ضُرِبَ وَسَطُها ببَياضٍ، من أَعلاها إِلى
أَسفلها.وضَرَبَ في الأَرضِ يَضرِبُ ضَرْباً وضَرَباناً ومَضْرَباً، بالفتح، خَرَجَ فيها تاجِراً أَو غازِياً، وقيل: أَسْرَعَ، وقيل: ذَهَب فيها، وقيل: سارَ في ابْتِغاءِ الرزق.
يقال: إِن لي في أَلف درهم لـمَضْرَباً أَي ضَرْباً.
والطيرُ الضَّوارِبُ: التي تَطْلُبُ الرِّزْقَ.
وضَرَبْتُ في الأَرض أَبْتَغِـي الخَيْرَ من الرزق؛ قال اللّه، عز وجل: وإِذا ضَرَبْتُم في الأَرض؛ أَي سافرتم، وقوله تعالى: لا يسْـتَطِـيعُونَ ضَرْباً في الأَرض. يقال: ضَرَبَ في الأَرض إِذا سار فيها مسافراً فهو ضارِبٌ. والضَّرْبُ يقع على جميع الأَعمال، إِلا قليلاً.
ضَرَبَ في التجارة وفي الأَرض وفي سبيل اللّه وضارَبه في المال، من الـمُضارَبة: وهي القِراضُ.
والـمُضارَبةُ: أَن تعطي إِنساناً من مالك ما يَتَّجِرُ فيه على أَن
يكون الربحُ بينكما، أَو يكونَ له سهمٌ معلومٌ من الرّبْح. وكأَنه مأْخوذ من الضَّرْب في الأَرض لطلب الرزق. قال اللّه تعالى: وآخَرُونَ يَضْرِبون في الأَرضِ يَبْتَغونَ من فَضْلِ اللّهِ؛ قال: وعلى قياس هذا المعنى، يقال للعامل: ضارِبٌ، لأَنه هو الذي يَضْرِبُ في الأَرضِ. قال: وجائز أَن يكون كل واحد من رب المال ومن العامل يسمى مُضارباً، لأَنَّ كل واحد منهما يُضارِبُ صاحِـبَه، وكذلك الـمُقارِضُ. وقال النَّضْرُ: الـمُضارِبُ صاحبُ المال والذي يأْخذ المالَ؛ كلاهما مُضارِبٌ: هذا يُضارِبُه وذاك
يُضارِبُه. ويقال: فلان يَضْرِبُ الـمَجْدَ أَي يَكْسِـبُه ويَطْلُبُه؛ وقال الكميت:
رَحْبُ الفِناءِ، اضْطِرابُ الـمَجْدِ رَغْبَتُه، * والـمَجْدُ أَنْفَعُ مَضْرُوبٍ لـمُضْطَرِبِ
وفي حديث الزهري: لا تَصْلُح مُضارَبةُ مَن طُعْمَتُه حرام. قال:
الـمُضارَبة أَن تُعْطِـيَ مالاً لغيرك يَتَّجِرُ فيه فيكون له سهم معلومٌ من الربح؛ وهي مُفاعَلة من الضَّرْب في الأَرض والسَّيرِ فيها للتجارة.
وضَرَبَت الطيرُ: ذَهَبَتْ.
والضَّرْب: الإِسراع في السَّير. وفي الحديث: لا تُضْرَبُ أَكباد الإِبل إِلاَّ إِلى ثلاثة مساجدَ أَي لا تُرْكَبُ ولا يُسارُ عليها. يقال:
ضَرَبْتُ في الأَرض إِذا سافَرْتَ تَبْتَغِـي الرزقَ. والطَّيْرُ
الضَّوارِبُ: الـمُخْتَرِقاتُ في الأَرضِ، الطالِـباتُ أَرزاقَها.
وضَرَبَ في سبيل اللّه يَضْرِبُ ضَرْباً: نَهَضَ. وضَرَبَ بنَفْسه
الأَرضَ ضَرْباً: أَقام، فهو ضِدٌّ. وضَرَبَ البعيرُ في جَهازِه أَي نَفَرَ، فلم يَزَلْ يَلْتَبِـطُ ويَنْزُو حتى طَوَّحَ عنه كُلَّ ما عليه من أَداتِه
وحِمْلِه.
وضَرَبَتْ فيهم فلانةُ بعِرْقٍ ذي أَشَبٍ أَي التِـباسٍ أَي أَفْسَدَتْ
نَسَبَهُمْ بولادَتِها فيهم، وقيل: عَرَّقَتْ فيهم عِرقَ سَوْءٍ.
وفي حديث عليّ قال: إِذا كان كذا، وذكَرَ فِتْنةً، ضَرَبَ يَعْسُوبُ
الدِّين بذَنَبه؛ قال أَبو منصور: أَي أَسْرَع الذهابَ في الأَرض فراراً من الفتن؛ وقيل: أَسرع الذهابَ في الأَرض بأَتْباعه، ويُقالُ للأَتْباع: أَذْنابٌ.
قال أَبو زيد: جاءَ فلانٌ يَضْرِبُ ويُذَبِّبُ أَي يُسْرِع؛ وقال
الـمُسَيَّب:
فإِنَّ الذي كُنْتُمُ تَحْذَرُونْ، * أَتَتْنا عُيونٌ به تَضْرِبُ
قال وأَنشدني بعضهم:
ولكنْ يُجابُ الـمُسْتَغِيثُ وخَيْلُهم، * عليها كُماةٌ، بالـمَنِـيَّة، تَضْرِبُ
أَي تُسْرِعُ.
وضَرَبَ بيدِه إِلى كذا: أَهْوَى. وضَرَبَ على يَدِه: أَمْسَكَ. وضَرَبَ على يَدِه: كَفَّهُ عن الشيءِ. وضَرَبَ على يَدِ فُلانٍ إِذا حَجر عليه.
الليث: ضَرَبَ يَدَه إِلى عَمَلِ كذا، وضَرَبَ على يَدِ فُلانٍ إِذا
منعه من أَمرٍ أَخَذَ فيه، كقولك حَجَرَ عليه.
وفي حديث ابن عمر: فأَرَدْتُ أَن أَضْرِبَ على يَدِه أَي أَعْقِدَ معه
البيع، لأَن من عادة المتبايعين أَن يَضَعَ أَحدُهما يَدَه في يد الآخر، عند عَقْدِ التَّبايُع.
وفي الحديث: حتى ضَرَبَ الناسُ بعَطَنٍ أَي رَوِيَتْ إِبلُهم حَتى
بَرَكَتْ، وأَقامت مكانَها.
وضارَبْتُ الرجلَ مُضارَبةً وضِراباً وتضارَبَ القومُ واضْطَرَبُوا:
ضَرَبَ بعضُهم بعضاً. وضارَبَني فَضَرَبْتُه أَضْرُبُه: كنتُ أَشَدَّ
ضَرْباً منه.
وضَرَبَتِ الـمَخاضُ إِذا شالتْ بأَذْنابها، ثم ضَرَبَتْ بها فُروجَها
ومَشَت، فهي ضَوارِبُ.
وناقة ضاربٌ وضاربة: فضارِبٌ، على النَّسَب؛ وضاربةٌ، على الفِعْل.
وقيل: الضَّوارِبُ من الإِبل التي تمتنع بعد اللِّقاح، فتُعِزُّ أَنْفُسَها، فلا يُقْدَرُ على حَلْبها. أَبو زيد: ناقة ضاربٌ، وهي التي تكون ذَلُولاً، فإِذا لَقِحَتْ ضَرَبَتْ حالبَها من قُدَّامها؛ وأَنشد:
بأَبوال الـمَخاضِ الضَّوارِبِ
وقال أَبو عبيدة: أَراد جمع ناقةٍ ضارِب، رواه ابنُ هانئ.
وضَرَبَ الفحلُ الناقةَ يضْرِبُها ضِراباً: نكحها؛ قال سيبويه: ضَرَبها الفحْلُ ضِراباً كالنكاح، قال:
والقياس ضَرْباً، ولا يقولونه كما لا يقولون: نَكْحاً، وهو القياس.
وناقةٌ ضارِبٌ: ضَرَبها الفحلُ، على النَّسب. وناقةٌ تَضْرابٌ: كضارِبٍ؛ وقال اللحياني: هي التي ضُرِبَتْ، فلم يُدْرَ أَلاقِـحٌ هي أَم غير لاقح.وفي الحديث: أَنه نَهى عن ضِرابِ الجَمَل، هو نَزْوُه على الأُنثى، والمراد بالنهي: ما يؤْخذ عليه من الأُجرة، لا عن نفس الضِّرابِ، وتقديرُه: نَهى عن ثمن ضِرابِ الجمَل، كنهيه عن عَسِـيبِ الفَحْل أَي عن ثمنه.
يقال: ضَرَبَ الجَمَلُ الناقة يَضْرِبُها إِذا نَزا عليها؛ وأَضْرَبَ
فلانٌ ناقتَه أَي أَنْزَى الفَحْلَ عليها.
ومنه الحديثُ الآخَر: ضِرابُ الفَحْلِ من السُّحْتِ أَي إِنه حرام، وهذا عامٌّ في كل فحل.
والضَّارِبُ: الناقة التي تَضْرِبُ حالبَها. وأَتَتِ الناقةُ على
مَضْرِبها، بالكسر، أَي على زَمَنِ ضِرابها، والوقت الذي ضَرَبَها الفحلُ فيه. جعلوا الزمان كالمكان.
وقد أَضْرَبْتُ الفَحْلَ الناقةَ فضَرَبها، وأَضْرَبْتُها إِياه؛ الأَخيرةُ على السَّعة. وقد أَضْرَبَ الرجلُ الفحلَ الناقةَ، فضَرَبها ضِراباً.
وضَريبُ الـحَمْضِ: رَدِيئُه وما أُكِلَ خَيْرُه وبَقِـيَ شَرُّه وأُصولُه، ويقال: هو ما تَكَسَّر منه. والضَّريبُ: الصَّقِـيعُ والجَليدُ.وضُرِبَتِ الأَرضُ ضَرْباً وجُلِدَتْ وصُقِعَتْ: أَصابها الضَّريبُ، كما تقول طُلَّتْ من الطَّلِّ.
قال أَبو حنيفة: ضَرِبَ النباتُ ضَرَباً فهو ضَرِبٌ: ضَرَبَه البَرْدُ،
فأَضَرَّ به.
وأَضْرَبَتِ السَّمائمُ الماءَ إِذا أَنْشَفَتْه حتى تُسْقِـيَهُ الأَرضَ.
وأَضْرَبَ البَرْدُ والريحُ النَّباتَ، حتى ضَرِبَ ضَرَباً فهو ضَرِبٌ
إِذا اشتَدَّ عليه القُرُّ، وضَرَبَهُ البَرْدُ حتى يَبِسَ.
وضُرِبَتِ الأَرضُ، وأَضْرَبَها الضَّريبُ، وضُرِبَ البقلُ وجُلِدَ وصُقِعَ، وأَصْبَحَتِ الأَرضُ جَلِدَة وصَقِعَةً وضَرِبَـةً. ويقال للنبات: ضَرِبٌ ومَضْرب؛ وضَرِبَ البقلُ وجَلِدَ وصَقِعَ، وأَضْرَبَ الناسُ وأَجْلَدُوا وأَصْقَعُوا: كل هذا من الضَّريبِ والجَلِـيدِ والصَّقِـيعِ الذي يَقَعُ بالأَرض. وفي الحديث: ذاكرُ اللّه في الغافلين مثلُ الشَّجَرة الخَضْراءِ، وَسَطَ الشَّجَر الذي تَحاتَّ من الضَّريبِ، وهو الأَزيزُ أَي البَرْدُ والجَلِـيدُ.
أَبو زيد: الأَرضُ ضَرِبةٌ إِذا أَصابها الجَلِـيدُ فأَحْرَقَ نَباتَها، وقد ضَرِبَت الأَرضُ ضَرَباً، وأَضْرَبَها الضَّريب إِضْراباً. والضَّرَبُ، بالتحريك: العَسل الأَبيض الغليظ، يذكر ويؤَنث؛ قال أَبو ذُؤَيْب الـهُذَلي في تأْنيثه:
وما ضَرَبٌ بَيْضاءُ يَـأْوِي مَلِـيكُها * إِلى طُنُفٍ؛ أَعْيا، بِراقٍ ونازِلِ
وخَبَرُ ما في قوله:
بأَطْيَبَ مِن فيها، إِذا جِئْتَ طارِقاً، * وأَشْهَى، إِذا نامَتْ كلابُ الأَسافِل
يَـأْوي مَلِـيكُها أَي يَعْسُوبُها؛ ويَعْسوب النحل: أَميره؛ والطُّنُفُ: حَيَدٌ يَنْدُر من الجَبَل، قد أَعْيا بمن يَرْقَى ومن يَنْزِلُ. وقوله: كلابُ الأَسافل: يريد أَسافلَ الـحَيِّ، لأَن مَواشيَهم لا تَبِـيتُ معهم فرُعاتُها، وأَصحابُها لا ينامون إِلا آخِرَ من يَنامُ، لاشتغالهم
بحَلْبها.
وقيل: الضَّرَبُ عَسَلُ البَرِّ؛ قال الشَّمَّاخُ:
كأَنَّ عُيونَ النَّاظِرينَ يَشُوقُها، * بها ضَرَبٌ طابَتْ يَدا مَنْ يَشُورُها
والضَّرْبُ، بتسكين الراء: لغة فيه؛ حكاه أَبو حنيفة قال: وذاك قليل.
والضَّرَبَةُ: الضَّرَبُ؛ وقيل: هي الطائفة منه.
واسْتَضْرَبَ العسلُ: غَلُظَ وابْيَضَّ وصار ضَرَباً، كقولهم:
اسْتَنْوَقَ الجملُ، واسْتَتْيَسَ العَنْزُ، بمعنى التَّحَوُّلِ من حالٍ إِلى
حالٍ؛ وأَنشد:
.................. كأَنـَّما * رِيقَتُه مِسْكٌ، عليه ضَرَب
والضَّريبُ: الشَّهْدُ؛ وأَنشد بعضهم قولَ الجُمَيْح:
يَدِبُّ حُمَيَّا الكَـأْسِ فيهم، إِذا انْتَشَوا، * دَبِـيبَ الدُّجَى، وَسْطَ الضَّريبِ الـمُعَسَّلِ
وعسلٌ ضَريبٌ: مُسْتَضْرِبٌ. وفي حديث الحجاج: لأَجْزُرَنَّكَ جَزْرَ الضَّرَبِ؛ هو بفتح الراءِ: العسل الأَبيض الغليظ، ويروى بالصاد: وهو العسل الأَحمر. والضَّرْبُ: الـمَطَر الخفيف. الأَصمعي: الدِّيمَةُ مَطَر يَدُوم مع سُكُونٍ، والضَّرْبُ فوق ذلك قليلاً. والضَّرْبةُ: الدَّفْعَةُ من المطر وقد ضَرَبَتْهم السماءُ.
وأَضْرَبْتُ عن الشيءِ: كَفَفْتُ وأَعْرَضْتُ. وضَرَبَ عنه الذِّكْرَ وأَضْرَبَ عنه: صَرَفَه. وأَضْرَبَ عنه أَي أَعْرَض. وقولُه عز وجل: أَفَنَضْرِبُ عنكم الذِّكْرَ صَفْحاً؟ أَي نُهْمِلكم، فلا نُعَرِّفُكم ما يَجب عليكم، لأَنْ كنتم قوماً مُسْرِفين أَي لأَنْ أَسْرَفْتُمْ. والأَصل في قوله: ضَرَبْتُ عنه الذِّكْرَ، أَن الراكب إِذا رَكِبَ دابة فأَراد أَن يَصْرِفَه عن جِهَتِه، ضَرَبه بعَصاه، ليَعْدِلَه عن الجهة التي يُريدها، فوُضِعَ الضَّرْبُ موضعَ الصَّرْفِ والعَدْلِ. يقال: ضَرَبْتُ عنه وأَضْرَبْتُ. وقيل في قَولِهِ: أَفَنَضْرِبُ عنكم الذِّكر صَفْحاً: إِن معناه أَفَنَضْرِبُ القرآنَ عنكم، ولا نَدْعُوكم إِلى الإِيمان به صَفْحاً أَي مُعْرِضين عنكم. أَقامَ صَفْحاً وهو مصدر مقامَ صافِحين. وهذا تَقْريع لهم، وإِيجابٌ للحجة عليهم، وإِن كان لفظه لفظ استفهام.
ويقال: ضَرَبْتُ فلاناً عن فلان أَي كففته عنه، فأَضْرَبَ عنه إِضْراباً إِذا كَفَّ. وأَضْرَبَ فلانٌ عن الأَمر فهو مُضْرِبٌ إِذا كَفَّ؛ وأَنشد:
أَصْبَحْتُ عن طَلَبِ الـمَعِـيشةِ مُضْرِباً، * لَـمَّا وَثِقْتُ بأَنَّ مالَكَ مالِـي
ومثله: أَيَحْسَبُ الإِنسانُ أَن يُتْركَ سُـدًى؟ وأَضْرَبَ أَي أَطْرَقَ. تقول رأَيتُ حَيَّـةً مُضْرِباً إِذا كانت ساكنة لا تتحرّك.
والـمُضْرِبُ: الـمُقِـيمُ في البيت؛ وأَضْرَبَ الرجلُ في البيت: أَقام؛
(يتبع...)
(تابع... 1): ضرب: الضرب معروف، والضَّرْبُ مصدر ضَرَبْتُه؛ وضَرَبَه يَضْرِبُه... ...
قال ابن السكيت: سمعتها من جماعة من الأَعراب.
ويقال: أَضْرَبَ خُبْزُ الـمَلَّةِ، فهو مُضْرِبٌ إِذا نَضِجَ، وآنَ له أَنْ يُضْرَبَ بالعَصا، ويُنْفَضَ عنه رَمادُه وتُرابُه، وخُبْزٌ مُضْرِبٌ ومَضْرُوبٌ؛ قال ذو الرمة يصف خُبْزَةً:
ومَضْرُوبةٍ، في غيرِ ذَنْبٍ، بَريئةٍ، * كَسَرْتُ لأَصْحابي، على عَجَلٍ، كَسْرَا
وقد ضَرَبَ بالقِداحِ، والضَّريبُ والضَّارِبُ: الـمُوَكَّلُ بالقِداحِ،
وقيل: الذي يَضْرِبُ بها؛
قال سيبويه: هو فعيل بمعنى فاعل، قال: هو ضَريبُ قداحٍ؛ قال: ومثله قول طَريفِ بن مالك العَنْبَريّ:
أَوَكُـلَّما وَرَدَتْ عُكاظَ قَبيلةٌ، * بَعَثُوا إِليَّ عَريفَهم يَتَوَسَّمُ
إِنما يريد عارِفَهم. وجمع الضَّريب: ضُرَبَاءُ؛ قال أَبو ذُؤَيب:
فَوَرَدْنَ، والعَيُّوقُ مَقْعَدُ رابـئِ الــ * ــضُّرَباءِ، خَلْفَ النَّجْم لا يَتَتَلَّعُ
والضَّريب: القِدْحُ الثالث من قِداحِ الـمَيْسر. وذكر اللحياني أَسماءَ قِداحِ الـمَيْسر الأَول والثاني، ثم قال: والثالث الرقيب، وبعضُهم يُسميه الضَّريبَ، وفيه ثلاثة فروض وله غُنْم ثلاثةِ أَنْصباء إِن فاز، وعليه غُرْمُ ثلاثةِ أَنْصِـباء إِن لم يَفُزْ. وقال غيره: ضَريبُ القِداحِ: هو الـمُوَكَّل بها؛ وأَنشد للكميت:
وعَدَّ الرقيبُ خِصالَ الضَّريــ * ــب، لا عَنْ أَفانِـينَ وَكْساً قِمارَا
وضَرَبْتُ الشيءَ بالشيءِ وضَرَّبته: خَلَطْتُه. وضَرَبْتُ بينهم في
الشَّرِّ: خَلَطْتُ. والتَّضريبُ بين القوم: الإِغْراء.
والضَّريبة: الصوفُ أَو الشَّعَر يُنْفَش ثم يُدْرَجُ ويُشَدُّ بخيط
ليُغْزَل، فهي ضَرائب. والضريبة: الصوفُ يُضْرَبُ بالـمِطْرَقِ. غيره: الضَّريبةُ القِطْعة من القُطْنِ، وقيل من القطن والصوف.
وضَريبُ الشَّوْلِ: لَبَنٌ يُحْلَبُ بعضُه على بعض فهو الضريبُ. ابن سيده: الضَّريبُ من اللبن: الذي يُحْلَب من عِدَّةِ لِقاح في إِناء واحد، فيُضْرَبُ بعضُه ببعض، ولا يقال ضَريبٌ لأَقَلَّ من لبنِ ثلاثِ أَنْيُقٍ. قال بعض أَهل البادية: لا يكون ضَريباً إِلا من عِدَّة من الإِبل، فمنه ما يكون رَقيقاً ومنه ما يكون خائِراً؛ قال ابن أَحمر:
وما كنتُ أَخْشَى أَن تكونَ مَنِـيَّتِـي * ضَريبَ جِلادِ الشَّوْلِ، خَمْطاً وصافِـيا
أَي سَبَبُ منيتي فَحَذَف. وقيل: هو ضَريبٌ إِذا حُلِبَ عليه من الليل، ثم حُلِبَ عليه من الغَدِ، فضُرِبَ به. ابن الأَعرابي: الضَّريبُ: الشَّكْلُ في القَدِّ والخَلْقِ.
ويقال: فلانٌ ضَريبُ فلانٍ أَي نظيره، وضَريبُ الشيءِ مثلُه وشكله. ابن سيده: الضَّرْبُ الـمِثْل والشَّبيهُ، وجمعه ضُرُوبٌ. وهو الضَّريبُ، وجمعه ضُرَباء. وفي حديث ابن عبدالعزيز: إِذا ذَهَبَ هذا وضُرَباؤُه: هم الأَمْثالُ والنُّظَراء، واحدهم ضَريبٌ. والضَّرائبُ: الأَشْكالُ. وقوله عز وجل: كذلك يَضْرِبُ اللّهُ الحقَّ والباطلَ؛ أَي يُمَثِّلُ اللّهُ الحقَّ والباطلَ، حيث ضَرَبَ مثلاً للحق والباطل والكافر والمؤمن في هذه الآية. ومعنى قوله عز وجل: واضْرِبْ لهم مثلاً؛ أَي اذْكُرْ لهم و مَثِّلْ لهم.يقال: عندي من هذا الضَّرْبِ شيءٌ كثير أَي من هذا الـمِثالِ. وهذه الأَشياءُ على ضَرْبٍ واحدٍ أَي على مِثالٍ. قال ابن عرفة: ضَرْبُ الأَمْثال
اعتبارُ الشيء بغيرِه. وقوله تعالى: واضْرِبْ لهم مثلاً أَصحابَ
القَرْيةِ؛ قال أَبو إِسحق: معناه اذْكُرْ لهم مَثَـلاً.
ويقال: هذه الأَشياء على هذا الضَّرْب أَي على هذا الـمِثالِ، فمعنى اضْرِبْ لهم مَثَلاً: مَثِّلْ لهم مَثَـلاً؛ قال: ومَثَـلاً منصوب لأَنه مفعول به، ونَصَبَ قوله أَصحابَ القرية، لأَنه بدل من قوله مثلاً، كأَنه قال: اذْكُرْ لهم أَصحابَ القرية أَي خَبَر أَصحاب القرية.
والضَّرْبُ من بيت الشِّعْر: آخرُه، كقوله: «فَحَوْمَلِ» من قوله:
بسقْطِ اللِّوَى بين الدَّخُولِ فَحَوْمَلِ
والجمع: أَضْرُبٌ وضُرُوبٌ.
والضَّوارِبُ: كالرِّحابِ في الأَوْدية، واحدها ضارِب. وقيل: الضارِبُ المكان الـمُطمئِنّ من الأَرضِ به شَجَرٌ، والجمعُ كالجَمع، قال ذو الرمة:
قد اكْتَفَلَتْ بالـحَزْنِ، واعْوَجَّ دُونَها * ضَواربُ، من غَسَّانَ، مُعْوَجَّةٌ سَدْرَا(1)
(1 قوله «من غسان» الذي في المحكم من خفان بفتح فشدّ أيضاً ولعله روي بهما اذ هما موضعان كما في ياقوت وأنشده في ك ف ل تجتابه سدرا وأنشده في الأساس مجتابة سدراً.)
وقيل: الضارِبُ قِطْعة من الأَرض غليظة، تَسْـتَطِـيلُ في السَّهْل.
والضارِبُ: المكانُ ذو الشجر. والضَّارِبُ: الوادي الذي يكون فيه الشجر.
يقال: عليك بذلك الضَّارِبِ فأَنْزِلْه؛ وأَنشد:
لَعمرُكَ إِنَّ البيتَ بالضارِبِ الذي * رَأَيتَ، وإِنْ لم آتِه، لِـيَ شَائِقُ
والضاربُ: السابحُ في الماءِ؛ قال ذو الرمة:
لياليَ اللَّهْوِ تُطْبِـينِي فأَتْبَعُه، * كأَنـَّنِـي ضارِبٌ في غَمْرةٍ لَعِبُ
والضَّرْبُ: الرَّجل الخفيفُ اللحم؛ وقيل: النَّدْبُ الماضي الذي ليس برَهْل؛ قال طرفة:
أَنا الرجلُ الضَّرْبُ، الذي تَعْرِفُونَه، * خَشاشٌ كرأْسِ الـحَيَّةِ الـمُتَوَقِّدِ
وفي صفة موسى، على نبينا وعليه الصلاة والسلام: أَنه ضَرْبٌ من الرجال؛ هو الخفيف اللحم، الـمَمْشُوقُ الـمُسْتَدِقُّ. وفي رواية: فإِذا رجلٌ مُضْطَرِبٌ رَجْلُ الرأْسِ، وهو مُفتَعلٌ من الضَّرْبِ، والطاء بدل من تاء الافتعال. وفي صفة الدجال: طُوَالٌ ضَرْبٌ من الرجال؛ وقول أَبي العِـيالِ:
صُلاةُ الـحَرْبِ لم تُخْشِعْـ * ـهُمُ، ومَصَالِتٌ ضُرُبُ
قال ابن جني: ضُرُبٌ جمع ضَرْبٍ، وقد يجوز أَن يكون جمع ضَرُوب.
وضَرَّبَ النَّجَّادُ الـمُضَرَّبةَ إِذا خاطَها.
والضَّريبة: الطبيعة والسَّجِـيَّة، وهذه ضَريبَتُه التي ضُرِبَ عليها وضُرِبَها. وضُرِبَ، عن اللحياني، لم يزد على ذلك شيئاً أَي طُبِـعَ. وفي الحديث: أَنَّ الـمُسْلِمَ الـمُسَدِّدَ لَـيُدْرِكُ دَرَجةَ الصُّوَّامِ، بحُسنِ ضَرِيبَتِه أَي سَجِـيَّته وطبيعته. تقول: فلانٌ كَريمُ الضَّرِيبة، ولَئيم الضَّرِيبةِ، وكذلك تقول في النَّحِـيتَةِ والسَّلِـيقةِ
والنَّحِـيزَة والتُّوسِ؟ والسُّوسِ والغَرِيزةِ والنِّحَاسِ والخِـيمِ. والضَّريبةُ: الخلِـيقةُ. يقال: خُلِقَ الناسُ على ضَرَائبَ شَتَّى.
ويقال: إِنه لكريمُ الضَّرائبِ. والضَّرْبُ: الصِّفَة. والضَّرْبُ: الصِّنْفُ من الأَشياءِ. ويقال: هذا من ضَرْبِ ذلك أَي من نحوه وصِنْفِه، والجمع ضُروبٌ؛ أَنشد ثعلب:
أَراكَ من الضَّرْبِ الذي يَجْمَعُ الـهَوَى، * وحَوْلَكَ نِسْوانٌ، لَـهُنَّ ضُرُوبُ
وكذلك الضَّرِيبُ.
وضَرَبَ اللّه مَثَلاً أَي وَصَفَ وبَيَّن، وقولهم: ضَرَبَ له المثلَ
بكذا، إِنما معناه بَيَّن له ضَرْباً من الأَمثال أَي صِنْفاً منها. وقد
تَكَرَّر في الحديث
ضَرْبُ الأَمْثالِ، وهو اعْتبارُ الشيء بغيره وتمثيلُه به. والضَّرْبُ: الـمِثالُ.
والضَّرِيبُ: النَّصِـيبُ. والضَّرِيبُ: البَطْنُ من الناس وغيرهم.
والضَّرِيبةُ: واحدةُ الضَّرائِبِ التي تُؤْخَذ في الأَرْصاد والجِزْية ونحوها؛ ومنه ضَريبة العَبْدِ: وهي غَلَّتُه. وفي حديث الـحَجَّامِ: كم ضَرِيبَتُكَ؟ الضَّرِيبة: ما يؤَدِّي العبدُ إِلى سيده من الخَراجِ الـمُقَرَّرِ عليه؛ وهي فَعِـيلة بمعنى مَفْعولة، وتُجْمَعُ على ضرائبَ. ومنه حديث الإِماءِ اللاَّتي كان عليهنَّ لـمَواليهنَّ ضَرائبُ. يقال: كم ضَرِيبةُ عبدك في كل شهر؟ والضَّرَائبُ: ضَرائِبُ الأَرَضِـينَ، وهي وظائِفُ الخَراجِ عليها.
وضَرَبَ على العَبدِ الإِتاوَةَ ضَرْباً: أَوْجَبَها عليه بالتأْجيل.
والاسم: الضَّرِيبةُ. وضَارَبَ فلانٌ لفُلانٍ في ماله إِذا اتجر فيه،
وقارَضَه.
وما يُعْرَفُ لفُلانٍ مَضرَبُ ومَضرِبُ عَسَلَةٍ، ولا يُعْرَفُ فيه
مَضْرَبُ ومَضرِبُ عَسَلةٍ أَي من النَّسبِ والمال. يقال ذلك إِذا لم يكن له نَسَبٌ مَعْروفٌ، ولا يُعْرَفُ إِعْراقُه في نَسَبه. ابن سيده: ما يُعْرَفُ له مَضْرِبُ عَسَلة أَي أَصْلٌ ولا قَوْمٌ ولا أَبٌ ولا
شَرَفٌ.والضارِبُ: الليلُ الذي ذَهَبَتْ ظُلْمته يميناً وشمالاً ومَـلأَتِ
الدنيا. وضَرَبَ الليلُ بأَرْواقِه: أَقْبَلَ؛ قال حُمَيد:
سَرَى مِثْلَ نَبْضِ العِرْقِ، والليلُ ضارِبٌ * بأَرْواقِه، والصُّبْحُ قد كادَ يَسْطَعُ
وقال:
يا ليتَ أُمَّ الغَمْرِ كانَتْ صاحِـبـي،
ورَابَعَتْني تَحْتَ ليلٍ ضارِبِ،
بسَاعِدٍ فَعْمٍ، وكَفٍّ خاضِبِ
والضَّارِبُ: الطَّويلُ من كُلِّ شيءٍ. ومنه قوله:
ورابعتني تحت ليل ضارب
وضَرَبَ الليلُ عليهم طال؛ قال:
ضَرَبَ الليلُ عليهمْ فَرَكَدْ
وقوله تعالى: فَضَرَبنا على آذانهم في الكَهْفِ سنينَ عَدَداً؛ قال
الزّجاج: مَنَعْناهم السَّمْعَ أَن يَسْمَعُوا، والمعنى: أَنَمْناهم ومَنَعْناهم أَن يَسْمَعُوا، لأَن النائم إِذا سمع انْـتَبه. والأَصل في ذلك: أَنَّ النائم لا يسمع إِذا نام. وفي الحديث: فَضَرَبَ اللّه على أَصْمِخَتهم
أَي نامُوا فلم يَنْتَبِهُوا، والصِّمَاخُ: ثَقْبُ الأُذُن. وفي الحديث:
فَضُرِبَ على آذانهم؛ هو كناية عن النوم؛ ومعناه: حُجِبَ الصَّوتُ والـحِسُّ أَنْ يَلِجَا آذانَهم فَيَنْتَبهوا، فكأَنها قد ضُرِبَ عليها حِجابٌ.
ومنه حديث أَبي ذر: ضُرِبَ على أَصْمِخَتهم، فما يَطُوفُ بالبيت أَحدٌ.
وقولهم: فَضَرَب الدهرُ ضَرَبانَه، كقولهم: فَقَضَى من القَضَاءِ، وضَرَبَ الدهْرُ من ضَرَبانِه أَنْ كان كذا وكذا. وقال أَبو عبيدة: ضَرَبَ الدهْرُ بَيْنَنا أَي بَعَّدَ ما بَيْنَنا؛ قال ذو الرمة:
فإِنْ تَضْرِبِ الأَيـَّامُ، يا مَيّ، بينَنا، * فلا ناشِرٌ سِرّاً، ولا مُتَغَيِّرُ
وفي الحديث: فضَرَبَ الدهرُ مِنْ ضَرَبانِه، ويروى: من ضَرْبِه أَي مَرَّ من مُروره وذَهَبَ بعضُه.
وجاءَ مُضْطَرِبَ العِنانِ أَي مُنْفَرِداً مُنْهَزِماً. وضَرَّبَتْ عينُه: غارَتْ كَحجَّلَتْ.
والضَّرِيبةُ: اسمُ رجلٍ من العرب.
والـمَضْرَبُ: العَظْمُ الذي فيه مُخٌّ؛ تقول للشاة إِذا كانت مَهْزُولةً: ما يُرِمُّ منها مَضْرَبٌ أَي إِذا كُسِرَ عظم من عظامها أَو قَصَبِها، لم يُصَبْ فيه مُخٌّ.
والـمِضْرابُ: الذي يُضْرَبُ به العُود.
وفي الحديث: الصُّداعُ ضَرَبانٌ في الصُّدْغَيْنِ.
ضَرَبَ العِرْقُ ضَرْباً وضَرَباناً إِذا تحرَّك بقوَّةٍ. وفي حديث
عائشة: عَتَبُوا على عثمانَ ضَرْبَةَ السَّوطِ والعصا أَي كان مَنْ قَبْلَه يَضْرِبُ في العقوبات بالدِّرَّة والنَّعْل، فخالفهم.
وفي الحديث: النهي عن ضَرْبةِ الغائِص هو أَن يقول الغائِصُ في البحر للتاجر: أَغُوصُ غَوْصَةً، فما أَخرجته فهو لك بكذا، فيتفقان على ذلك، ونَهَى عنه لأَنه غَرَر.
ابن الأَعرابي: الـمَضارِبُ الـحِـيَلُ في الـحُروب.
والتَّضْريبُ: تَحْريضٌ للشُّجاعِ في الحرب. يقال: ضَرَّبه وحَرَّضَه.
والـمِضْرَبُ: فُسْطاط الـمَلِك.
والبِساطُ مُضَرَّبٌ إِذا كان مَخِـيطاً. ويقال للرجل إِذا خافَ شيئاً،
فَخَرِق في الأَرض جُبْناً: قد ضَرَبَ بذَقَنِه الأَرضَ؛ قال الراعي
يصِفُ غِرباناً خافَتْ صَقْراً:
ضَوارِبُ بالأَذْقانِ من ذِي شَكِـيمةٍ، * إِذا ما هَوَى، كالنَّيْزَكِ الـمُتَوَقِّدِ
أَي من صَقْر ذي شكيمة، وهي شدّة نفسه.
ويقال: رأَيت ضَرْبَ نساءٍ أَي رأَيت نساءً؛ وقال الراعي:
وضَرْبَ نِساءٍ لو رآهنَّ ضارِبٌ، * له ظُلَّةٌ في قُلَّةٍ، ظَلَّ رانِـيا(1)
(1 قوله «وقال الراعي: وضرب نساء» كذا أنشده في التكملة بنصب ضرب وروي راهب بدل ضارب.)
قال أَبو زيد: يقال ضَرَبْتُ له الأَرضَ كلَّها أَي طَلَبْتُه في كل
الأَرض.
ويقال: ضَرَبَ فلانٌ الغائط إِذا مَضَى إِلى موضع يَقْضِـي فيه حاجتَه.
ويقال: فلانٌ أَعْزَبُ عَقْلاً من ضارِبٍ، يريدون هذا المعنى.
ابن الأَعرابي: ضَرْبُ الأَرضِ البولُ(2)
(2 قوله «ضرب الأرض البول إلخ» كذا بهذا الضبط في التهذيب.) والغائطُ في حُفَرها. وفي حديث الـمُغِيرة: أَن النبي، صلى اللّه عليه وسلم، انْطَلَقَ حتى تَوارَى عني، فضَرَبَ الخَلاَءَ ثم جاء يقال: ذَهَبَ يَضْرِبُ الغائطَ والخلاءَ والأَرْضَ إِذا ذهب
لقضاء الحاجة. ومنه الحديث: لا يَذْهَب الرَّجُلانِ يَضرِبانِ الغائطَ يَتَحَدَّثانِ.
غير: التهذيب: غَيْرٌ من حروف المعاني، تكون نعتاً وتكون بمعنى لا، وله
باب على حِدَة. وقوله: ما لكم لا تَناصَرُون؛ المعنى ما لكم غير
مُتَناصرين. وقولهم: لا إِلَه غيرُك، مرفوع على خبر التَّبْرِئة، قال: ويجوز لا
إِله غيرَك بالنصب أَي لا إِله إِلاَّ أَنت، قال: وكلَّما أَحللت غيراً
محلّ إِلا نصبتها، وأَجاز الفراء: ما جاءني غيرُك على معنى ما جاءني إِلا
أَنت؛ وأَنشد :
لا عَيْبَ فيها غيرُ شُهْلَة عَيْنِها
وقيل: غير بمعنى سِوَى، والجمع أَغيار، وهي كلمة يوصف بها ويستثنى، فإِن
وصف بها أَتبعتها إِعراب ما قبلها، وإِن استثنيت بها أَعربتها بالإِعراب
الذي يجب للاسم الواقع بعد إِلا، وذلك أَن أَصل غير صفة والاستثناء
عارض؛ قال الفراء: بعض بني أَسد وقُضاعة ينصبون غيراً إِذا كان في معنى
إِلاَّ، تمَّ الكلام قبلها أَو لم يتم، يقولون: ما جاءني غيرَك وما جاءني أَحد
غيرَك، قال: وقد تكون بمعنى لا فتنصبها على الحال كقوله تعالى: فمنِ
اضطُرّ غيرَ باعٍ ولا عادٍ، كأَنه تعالى قال: فمنِ اضطرّ خائفاً لا باغياً.
وكقوله تعالى: غيرَ ناظِرِين إنَاهُ، وقوله سبحانه: غَيرَ مُحِلِّي
الصيد. التهذيب: غير تكون استثناء مثل قولك هذا درهم غيرَ دانق، معناه إِلا
دانقاً، وتكون غير اسماً، تقول: مررت بغيرك وهذا غيرك. وفي التنزيل العزيز:
غيرِ المغضوب عليهم؛ خفضت غير لأَنها نعت للذين جاز أَن تكون نعتاً
لمعرفة لأَن الذين غير مَصْمود صَمْده وإِن كان فيه الأَلف واللام؛ وقال أَبو
العباس: جعل الفراء الأَلف واللام فيهما بمنزلة النكرة. ويجوز أَن تكون
غيرٌ نعتاً للأَسماء التي في قوله أَنعمتَ عليهم وهي غير مَصْمود
صَمْدها؛ قال: وهذا قول بعضهم والفراء يأْبى أَن يكون غير نعتاً إِلا للّذين
لأَنها بمنزلة النكرة، وقال الأَخفش: غير بَدل، قال ثعلب: وليس بممتنع ما
قال ومعناه التكرير كأَنه أَراد صراط غيرِ المغضوب عليهم، وقال الفراء:
معنى غير معنى لا، وفي موضع آخر قال: معنى غير في قوله غير المغضوب عليهم
معنى لا، ولذلك رُدّت عليها لا كما تقول: فلان غير محسِن ولا مُجْمِل،
قال: وإِذا كان غير بمعنى سِوى لم يجز أَن يكرّر عليها، أَلا ترى أَنه لا
يجوز أَن تقول عندي سوى عبدالله ولا زيدٍ؟ قال: وقد قال مَنْ لا يعرِف
العربية إِن معنى غَير ههنا بمعنى سوى وإِنّ لا صِلَة؛ واحتجّ بقوله:
في بِئرِ لا حُورٍ سَرَى وما شَعَرْ
قال الأَزهري: وهذا قول أَبي عبيدة، وقال أَبو زيد: مَن نصَب قوله غير
المغضوب فهو قطْع، وقال الزجاج: مَن نصَب غيراً، فهو على وجهين: أَحدهما
الحال، والآخر الاستثناء. الفراء والزجاج في قوله عز وجل: غيرَ مُحِلِّي
الصَّيْد: بمعنى لا، جعلا معاً غَيْرَ بمعنى لا، وقوله عز وجل: غيرَ
مُتَجانفٍ لإِثمٍ، غيرَ حال هذا. قال الأَزهري: ويكون غيرٌ بمعنى ليس كما تقول
العرب كلامُ الله غيرُ مخلوق وليس بمخلوق. وقوله عز وجل: هل مِنْ خالقٍ
غيرُ الله يرزقكم؛ وقرئ: غَيْرِ الله، فمن خفض ردَّه على خالق، ومن رفعه فعلى
المعنى أَراد: هل خالقٌ؛ وقال الفراء: وجائز هل من خالق
(* قوله« هل من
خالق إلخ» هكذا في الأصل ولعل أصل العبارة بمعنى هل من خالق إلخ) . غيرَ
الله، وكذلك: ما لكم من إِله غيرَه، هل مِنْ خالقٍ إِلا الله وما لكم من إِله
إِلا هُوَ، فتنصب غير إِذا كانت محلَّ إِلا.
وقال ابن الأَنباري في قولهم: لا أَراني الله بك غِيَراً؛ الغِيَرُ: من
تغيَّر الحال، وهو اسم بمنزلة القِطَع والعنَب وما أَشبههما، قال: ويجوز
أَن يكون جمعاً واحدته غِيرَةٌ؛ وأَنشد:
ومَنْ يَكْفُرِ اللهَ يَلْقَ الغِيَرْ
وتغيَّر الشيءُ عن حاله: تحوّل. وغَيَّرَه: حَوَّله وبدّله كأَنه جعله
غير ما كان. وفي التنزيل العزيز: ذلك بأَن الله لم يَكُ مُغَيِّراً نِعْمةً
أَنعمها على قوم حتى يُغَيِّروا ما بأَنفسهم؛ قال ثعلب: معناه حتى
يبدِّلوا ما أَمرهم الله. والغَيْرُ: الاسم من التغيُّر؛ عن اللحياني؛
وأَنشد:إِذْ أَنا مَغْلوب قليلُ الغيَرْ
قال: ولا يقال إِلا غَيَّرْت. وذهب اللحياني إِلى أَن الغَيْرَ ليس
بمصدر إِذ ليس له فعل ثلاثي غير مزيد. وغَيَّرَ عليه الأَمْرَ: حَوَّله.
وتَغَايرتِ الأَشياء: اختلفت. والمُغَيِّر: الذي يُغَيِّر على بَعيره أَداتَه
ليخفف عنه ويُريحه؛ وقال الأَعشى:
واسْتُحِثَّ المُغَيِّرُونَ من القَوْ
مِ، وكان النِّطافُ ما في العَزَالي
ابن الأَعرابي: يقال غَيَّر فلان عن بعيره إِذا حَطّ عنه رَحْله وأَصلح
من شأْنه؛ وقال القُطامي:
إِلا مُغَيِّرنا والمُسْتَقِي العَجِلُ
وغِيَرُ الدهْرِ: أَحوالُه المتغيِّرة. وورد في حديث الاستسقاء: مَنْ
يَكْفُرِ اللهَ يَلْقَ الغِيَرَ أَي تَغَيُّر الحال وانتقالَها من الصلاح
إِلى الفساد. والغِيَرُ: الاسم من قولك غَيَّرْت الشيء فتغيَّر. وأَما ما
ورد في الحديث: أَنه كَرِه تَغْيِير الشَّيْب يعني نَتْفَه، فإِنّ تغيير
لونِه قد أُمِر به في غير حديث.
وغارَهُم الله بخير ومطَرٍ يَغِيرُهم غَيْراً وغِياراً ويَغُورهم: أَصابهم
بمَطر وخِصْب، والاسم الغِيرة. وأَرض مَغِيرة، بفتح الميم، ومَغْيُورة
أَي مَسْقِيَّة. يقال: اللهم غِرْنا بخير وعُرْنا بخير. وغارَ الغيثُ
الأَرض يَغِيرها أَي سقاها. وغارَهُم الله بمطر أَي سقاهم، يَغِيرهم ويَغُورهم.
وغارَنا الله بخير: كقولك أَعطانا خيراً؛ قال أَبو ذؤيب:
وما حُمِّلَ البُخْتِيُّ عام غِيَارهِ،
عليه الوُسُوقُ بُرُّها وشَعِيرُها
وغارَ الرجلَ يَغُورُه ويَغِيره غَيْراً: نفعه؛ قال عبد مناف بن ربعيّ
الهُذَلي:
(* قوله «عبد مناف» هكذا في الأصل، والذي في الصحاح: عبد
الرحمن).
ماذا يَغير ابْنَتَيْ رِبْعٍ عَوِيلُهُما
لا تَرْقُدانِ، ولا يُؤْسَى لِمَنْ رَقَدَا
يقول: لا يُغني بُكاؤهما على أَبيهما من طلب ثأْرِه شيئاً. والغِيرة،
بالكسر، والغِيارُ: المِيرة. وقد غارَهم يَغِيرهم وغارَ لهم غِياراً أَي
مارَهُم ونفعهم؛ قال مالك بن زُغْبة الباهِليّ يصِف امرأَة قد كبِرت وشاب
رأْسها تؤمِّل بنيها أَن يأْتوها بالغنيمة وقد قُتِلوا:
ونَهْدِيَّةٍ شَمْطاءَ أَو حارِثِيَّةٍ،
تُؤَمِّل نَهْباً مِنْ بَنِيها يَغِيرُها
أَي يأْتِيها بالغَنيمة فقد قُتِلوا؛ وقول بعض الأَغفال:
ما زِلْتُ في مَنْكَظَةٍ وسَيْرِ
لِصِبْيَةٍ أَغِيرُهم بِغَيْرِ
قد يجوز أَن يكون أَراد أَغِيرُهم بِغَيرٍ، فغيَّر للقافية، وقد يكون
غَيْر مصدر غارَهُم إِذا مارَهُم. وذهب فلان يَغيرُ أَهله أَي يَمِيرهم.
وغارَه يَغِيره غَيْراً: وَداهُ؛ أَبو عبيدة: غارَني الرجل يَغُورُني
ويَغيرُني إِذا وَداك، من الدِّيَة. وغارَه من أَخيه يَغِيره ويَغُوره
غَيْراً: أَعطاه الدية، والاسم منها الغِيرة، بالكسر، والجمع غِيَر؛ وقيل:
الغِيَرُ اسم واحد مذكَّر، والجمع أَغْيار. وفي الحديث: أَن النبي، صلى الله
عليه وسلم، قال لرجل طلَب القَوَد بِوَليٍّ له قُتِلَ: أَلا تَقْبَل
الغِيَر؟ وفي رواية أَلا الغِيَرَ تُرِيدُف الغَيَرُ: الدية، وجمعه أَغْيار
مثل ضِلَع وأَضْلاع. قال أَبو عمرو: الغِيَرُ جمع غِيرةٍ وهي الدِّيَةُ؛
قال بعض بني عُذْرة:
لَنَجْدَعَنَّ بأَيدِينا أُنُوفَكُمُ،
بَنِي أُمَيْمَةَ، إِنْ لم تَقْبَلُوا الغِيَرَا
(* قوله« بني أميمة» هكذا في الأصل والأَساس، والذي في الصحاح: بني
أمية.)
وقال بعضهم: إِنه واحد وجمعه أَغْيار. وغَيَّرَه إِذا أَعطاه الدية،
وأَصلها من المُغايَرة وهي المُبادَلة لأَنها بدَل من القتل؛ قال أَبو
عبيدة: وإِنما سمّى الدِّية غِيَراً فيما أَرى لأَنه كان يجب القَوَد فغُيّر
القَوَد ديةً، فسمّيت الدية غِيَراً، وأَصله من التَّغْيير؛ وقال أَبو
بكر: سميت الدية غِيَراً لأَنها غُيِّرت عن القَوَد إِلى غيره؛ رواه ابن
السكِّيت في الواو والياء. وفي حديث مُحَلِّم
(* قوله« وفي حديث محلم» أي
حين قتل رجلاً فأبى عيينة بن حصن أن يقبل الدية، فقام رجل من بني ليث فقال:
يا رسول الله اني لم أجد إلخ.ا هـ. من هامش النهاية) . بن جثَّامة: إني لم
أَجد لِمَا فعَل هذا في غُرَّة الإِسلام مثلاً إِلا غَنَماً وردَتْ
فَرُمِيَ أَوَّلُها فنَفَرَ آخرُها: اسْنُن اليومَ وغَيِّر غداً؛ معناه أَن
مثَل مُحَلِّمٍ في قتْله الرجلَ وطلَبِه أَن لا يُقْتَصَّ منه وتُؤخذَ منه
الدِّية، والوقتُ أَول الإِسلام وصدرُه، كمَثل هذه الغَنَم النافِرة؛
يعني إِنْ جَرى الأَمر مع أَوْلِياء هذا القتيل على ما يُريد مُحَلِّم
ثَبَّطَ الناسَ عن الدخول في الإِسلام معرفتُهم أَن القَوَد يُغَيَّر
بالدِّية، والعرب خصوصاً، وهمُ الحُرَّاص على دَرْك الأَوْتار، وفيهم الأَنَفَة
من قبول الديات، ثم حَثَّ رسولَ الله،صلى الله عليه وسلم، على الإِقادة منه
بقوله: اسْنُن اليوم وغَيِّرْ غداً؛ يريد: إِنْ لم تقتَصَّ منه غَيَّرْت
سُنَّتَك، ولكنَّه أَخرج الكلام على الوجه الذي يُهَيّج المخاطَب
ويحثُّه على الإِقْدام والجُرْأَة على المطلوب منه. ومنه حديث ابن مسعود: قال
لعمر، رضي الله عنهما، في رجل قتل امرأَة ولها أَولياء فعَفَا بعضهم وأَراد
عمر، رضي الله عنه، أَن يُقِيدَ لمن لم يَعْفُ، فقال له: لو غَيَّرت بالدية
كان في ذلك وفاءٌ لهذا الذي لم يَعْفُ وكنتَ قد أَتممت لِلْعافي
عَفْوَه، فقال عمر، رضي الله عنه: كَنِيفٌ مُلئ عِلْماً؛ الجوهري: الغِيَرُ الاسم
من قولك غَيَّرت الشيء فتَغَيَّر. والغَيْرة، بالفتح، المصدر من قولك
غار الرجل على أَهْلِه. قال ابن سيده: وغار الرجل على امرأَته، والمرأَة
على بَعْلها تَغار غَيْرة وغَيْراً وغاراً وغِياراً؛ قال أَبو ذؤيب يصِف
قُدوراً:
لَهُنَّ نَشِيجٌ بالنَّشِيلِ كأَنَّها
ضَرائِرُ حِرْمِيٍّ، تَفاحَشَ غارُها
وقال الأَعشى:
لاحَهُ الصَّيْفُ والغِيارُ وإِشْفا
قٌ على سَقْبَةٍ، كقَوْسِ الضَّالِ
ورجل غَيْران، والجمع غَيارَى وغُيَارَى، وغَيُور، والجمع غُيُرٌ، صحَّت
الياء لخفّتها عليهم وأَنهم لا يستثقلون الضمة عليها استثقالهم لها على
الواو، ومن قال رُسْل قال غُيْرٌ، وامرأَة غَيْرَى وغَيُور، والجمع
كالجمع؛ الجوهري: امرأَة غَيُور ونسوة غُيُرٌ وامرأَة غَيْرَى ونسوة غَيارَى؛
وفي حديث أُم سلمة، رضي الله عنها: إِنَّ لي بِنْتاً وأَنا غَيُور، هو
فَعُول من الغَيْرة وهي الحَمِيّة والأَنَفَة. يقال: رجل غَيور وامرأَة
غَيُور بلا هاء لأَنّ فَعُلولاً يشترِك فيه الذكر والأُنثى. وفي رواية: امرأَة
غَيْرَى؛ هي فَعْلى من الغَيْرة. والمِغْيارُ: الشديد الغَيْرة؛ قال
النابغة:
شُمُسٌ موانِعُ كُلِّ لَيْلَةِ حُرَّةٍ،
يُخْلِفْنَ ظَنَّ الفاحِشِ المِغْيارِ
ورجل مِغْيار أَيضاً وقوم مَغايِير. وفلان لا يَتَغَيَّر على أَهله أَي
لا يَغار وأَغارَ أَهلَه: تزوّج عليها فغارت. والعرب تقول: أَغْيَرُ من
الحُمَّى أَي أَنها تُلازِم المحموم مُلازَمَةَ الغَيُور لبعْلها.
وغايَرَه مُغايَرة: عارضه بالبيع وبادَلَه. والغِيارُ: البِدالُ؛ قال
الأَعشى:
فلا تَحْسَبَنّي لكمْ كافِراً،
ولا تَحْسبَنّي أُرِيدُ الغِيارَا
تقول للزَّوْج: فلا تحسَبَنّي كافراً لِنعْمتك ولا مِمَّن يريد بها
تَغْيِيراً. وقولهم: نزل القوم يُغَيِّرون أَي يُصْلِحون الرحال. وبَنُو
غِيَرة: حيّ.
كفأ: كافَأَهُ على الشيء مُكافأَةً وكِفَاءً: جازاه. تقول: ما لي بهِ
قِبَلٌ ولا كِفاءٌ أَي ما لي به طاقةٌ على أَن أُكافِئَه. وقول حَسَّانَ بن
ثابت:
وَرُوحُ القُدْسِ لَيْسَ لَهُ كِفَاءُ
أَي جبريلُ، عليه السلام، ليس له نَظِير ولا مَثيل.
وفي الحديث: فَنَظَر اليهم فقال: مَن يُكافِئُ هؤُلاء. وفي حديث
الأَحنف: لا أُقاوِمُ مَن لا كِفَاء له، يعني الشيطانَ. ويروى: لا
أُقاوِلُ.والكَفِيءُ: النَّظِيرُ، وكذلك الكُفْءُ والكُفُوءُ، على فُعْلٍ
وفُعُولٍ. والمصدر الكَفَاءةُ، بالفتح والمدّ.
وتقول: لا كِفَاء له، بالكسر، وهو في الأَصل مصدر، أَي لا نظير له.
والكُفْءُ: النظير والمُساوِي. ومنه الكفَاءةُ في النِّكاح، وهو أَن
يكون الزوج مُساوِياً للمرأَة في حَسَبِها ودِينِها ونَسَبِها وبَيْتِها وغير ذلك.
وتَكافَأَ الشَّيْئانِ: تَماثَلا.
وَكافَأَه مُكافَأَةً وكِفَاءً: ماثَلَه. ومن كلامهم: الحمدُ للّه كِفاءَ
الواجب أَي قَدْرَ ما يكون مُكافِئاً له. والاسم: الكَفاءة والكَفَاءُ. قال:
فَأَنْكَحَها، لا في كَفَاءٍ ولا غِنىً، * زِيادٌ، أَضَلَّ اللّهُ سَعْيَ زِيادِ
وهذا كِفَاءُ هذا وكِفْأَتُه وكَفِيئُه وكُفْؤُه وكُفُؤُه وكَفْؤُه، بالفتح عن كراع، أَي مثله، يكون هذا في كل شيء. قال أَبو زيد: سمعت امرأَة من عُقَيْل وزَوجَها يَقْرآن: لم يَلِدْ ولم يُولَدْ ولم يكن له كُفىً
أَحَدٌ، فأَلقى الهمزة وحَوَّل حركتها على الفاء. وقال الزجاج: في قوله تعالى: ولم يَكُنْ له كُفُؤاً أَحَدٌ؛ أَربعةُ أَوجه القراءة، منها ثلاثة: كُفُؤاً، بضم الكاف والفاء، وكُفْأً، بضم الكاف وإِسكان الفاء، وكِفْأً، بكسر الكاف وسكون الفاء، وقد قُرئ بها، وكِفاءً، بكسر الكاف والمدّ، ولم يُقْرَأْ بها. ومعناه: لم يكن أَحَدٌ مِثْلاً للّه، تعالى ذِكْرُه. ويقال: فلان كَفِيءُ فلان وكُفُؤُ فلان.
وقد قرأَ ابن كثير وأَبو عمرو وابن عامر والكسائي وعاصم كُفُؤاً، مثقلاً مهموزاً. وقرأَ حمزة كُفْأً، بسكون الفاء مهموزاً، وإِذا وقف قرأَ كُفَا، بغير همز. واختلف عن نافع فروي عنه: كُفُؤاً، مثل أَبي عَمْرو، وروي: كُفْأً، مثل حمزة.
والتَّكافُؤُ: الاسْتِواء.
وفي حديث النبي، صلى اللّه عليه وسلم: الـمُسْلِمُونَ تَتَكافَأُ
دِماؤُهم. قال أَبو عبيد: يريد تَتساوَى في الدِّياتِ والقِصاصِ، فليس لشَرِيف على وَضِيعٍ فَضْلٌ في ذلك.
وفلان كُفْءُ فلانةَ إِذا كان يَصْلُح لها بَعْلاً، والجمع من كل ذلك:
أَكْفَاء.
قال ابن سيده: ولا أَعرف للكَفْءِ جمعاً على أَفْعُلٍ ولا فُعُولٍ.
وحَرِيٌّ أَن يَسَعَه ذلك، أَعني أَن يكون أَكْفَاء جمعَ كَفْءٍ، المفتوحِ
الأَول أَيضاً.
وشاتان مُكافَأَتانِ: مُشْتَبِهتانِ، عن ابن الأَعرابي. وفي حديث
العَقِيقةِ عن الغلام: شاتانِ مُكافِئَتانِ أَي مُتَساوِيَتانِ في السِّنِّ أَي
لا يُعَقُّ عنه إِلاّ بمُسِنَّةٍ، وأَقلُّه أَن يكون جَذَعاً، كما يُجْزِئُ في الضَّحايا. وقيل: مُكافِئَتانِ أَي مُسْتوِيتانِ أَو مُتقارِبتانِ.
واختار الخَطَّابِيُّ الأَوَّلَ، قال: واللفظة مُكافِئَتانِ، بكسر الفاء، يقال: كافَأَه يُكافِئهُ فهو مُكافِئهُ أَي مُساوِيه.
قال: والمحدِّثون يقولون مُكافَأَتَانِ، بالفتح. قال: وأَرى الفتح أَولى
لإِنه يريد شاتين قد سُوِّيَ بينهما أَي مُساوًى بينهما. قال: وأَما
بالكسر فمعناه أَنهما مُساوِيتَان، فيُحتاجُ أَن يذكر أَيَّ شيء ساوَيَا،
وإِنما لو قال مُتكافِئتان كان الكسر أَولى.
وقال الزمخشري: لا فَرْق بين المكافِئَتيْنِ والمُكافَأَتَيْنِ، لأَن كل
واحدة إِذا كافَأَتْ أُختَها فقد كُوفِئَتْ، فهي مُكافِئة ومُكافَأَة، أَو يكون معناه: مُعَادَلَتانِ، لِما يجب في الزكاة والأُضْحِيَّة من
الأَسنان. قال: ويحتمل مع الفتح أَن يراد مَذْبُوحَتان، من كافَأَ الرجلُ بين البعيرين إِذا نحر هذا ثم هذا مَعاً من غير تَفْريق؛ كأَنه يريد شاتين يَذْبحهما في وقت واحد. وقيل: تُذْبَحُ إِحداهما مُقابلة الأُخرى، وكلُّ شيءٍ ساوَى شيئاً، حتى يكون مثله، فهو مُكافِئٌ له. والمكافَأَةُ بين الناس من هذا.
يقال: كافَأْتُ الرجلَ أَي فَعَلْتُ به مثلَ ما فَعَلَ بي. ومنه الكُفْءُ من الرِّجال للمرأَة، تقول: إِنه مثلها في حَسَبها.
وأَما قوله، صلى اللّه عليه وسلم: لا تَسْأَلِ المرأَةُ طَلاقَ أُختها
لتَكْتَفِئَ ما في صَحْفَتها فإِنما لها ما كُتِبَ لها. فإِن معنى قوله
لِتَكْتَفِئَ: تَفتَعِلُ، من كَفَأْتُ القِدْرَ وغيرها إِذا كَبَبْتها لتُفْرِغَ ما فيها؛ والصَّحْفةُ: القَصْعةُ. وهذا مثل لإِمالةِ الضَّرَّةِ حَقَّ صاحِبَتها من زوجها إِلى نَفْسِها إِذا سأَلت طلاقَها ليَصِير حَقُّ الأُخرى كلُّه من زوجِها لها. ويقال: كافَأَ الرجلُ بين فارسين برُمْحِه إِذا والَى بينهما فَطَعنَ هذا ثم هذا. قال الكميت:
نَحْر الـمُكافِئِ، والـمَكْثُورُ يَهْتَبِلُ
والـمَكْثُورُ: الذي غَلَبه الأََقْرانُ بكثرتهم. يهْتَبلُ: يَحْتالُ للخلاص. ويقال: بَنَى فلان ظُلَّةً يُكافِئُ بها عينَ الشمسِ ليَتَّقيَ حَرَّها.
قال أَبو ذرّ، رضي اللّه عنه، في حديثه: ولنا عَباءَتانِ نُكافِئُ بهما عَنَّا عَيْنَ الشمسِ أَي نُقابِلُ بهما الشمسَ ونُدافِعُ، من
الـمُكافَأَة: الـمُقاوَمة، وإِنِّي لأَخْشَى فَضْلَ الحِساب.
وكَفَأَ الشيءَ والإِنَاءَ يَكْفَؤُه كَفْأً وكَفَّأَهُ فَتَكَفَّأَ، وهو مَكْفُوءٌ، واكْتَفَأَه مثل كَفَأَه: قَلَبَه. قال بشر بن أَبي خازم:
وكأَنَّ ظُعْنَهُم، غَداةَ تَحَمَّلُوا، * سُفُنٌ تَكَفَّأُ في خَلِيجٍ مُغْرَبِ
وهذا البيت بعينه استشهد به الجوهري على تَكَفَّأَتِ المرأَةُ في
مِشْيَتِها: تَرَهْيَأَتْ ومادَتْ، كما تَتَكَفَّأُ النخلة العَيْدانَةُ.
الكسائي: كَفَأْتُ الإِناءَ إِذا كَبَبْتَه، وأَكْفَأَ الشيءَ: أَمَاله، لُغَيّة، وأَباها الأَصمعي.
ومُكْفِئُ الظُّعْنِ: آخِرُ أَيام العَجُوزِ.
والكَفَأُ: أَيْسَرُ المَيَلِ في السَّنام ونحوه؛ جملٌ أَكْفَأُ وناقة كَفْآءُ. ابن شميل: سَنامٌ أَكْفَأُ وهو الذي مالَ على أَحَدِ جَنْبَي البَعِير، وناقة كَفْآءُ وجَمَل أَكْفَأُ، وهو من أَهْوَنِ عُيوب البعير، لأَنه إِذا سَمِنَ اسْتَقامَ سَنامُه. وكَفَأْتُ الإِناءَ: كَبَبْته. وأَكْفَأَ الشيءَ: أَمالَه، ولهذا قيل: أَكْفَأْتُ القَوْسَ إِذا أَملْتَ رأْسَها ولم تَنْصِبْها نَصْباً حتى تَرْمِيَ عنها. غيره: وأَكْفَأَ القَوْسَ : أَمَالَ رأْسَها ولم يَنْصِبْها نَصْباً حين يَرْمِي عليها(1)
(1 قوله «حين يرمي عليها» هذه عبارة المحكم وعبارة الصحاح حين يرمي عنها.). قال ذو الرمة:
قَطَعْتُ بها أَرْضاً، تَرَى وَجْهَ رَكْبِها، * إِذا ما عَلَوْها، مُكْفَأً، غيرَ ساجِعِ
أَي مُمالاً غيرَ مُستَقِيمٍ. والساجِعُ: القاصِدُ الـمُسْتَوِي الـمُسْتَقِيمُ. والـمُكْفَأُ: الجائر، يعني جائراً غير قاصِدٍ؛ ومنه السَّجْعُ في القول.
وفي حديث الهِرّة: أَنه كان يُكْفِئُ لها الإِناءَ أَي يُمِيلُه لتَشْرَب منه بسُهولة.
وفي حديث الفَرَعَة: خيرٌ مِنْ أَن تَذْبَحَه يَلْصَقُ لحمه بوَبَرِه،
وتُكْفِئُ إِناءَك، وتُولِهُ ناقَتَكَ أَي تَكُبُّ إِناءَكَ لأَنه لا يَبْقَى لك لَبن تحْلُبه فيه. وتُولِهُ ناقَتَكَ أَي تَجْعَلُها والِهَةً بِذبْحِك ولَدَها.
وفي حديث الصراط: آخِرُ مَن يَمرُّ رجلٌ يَتَكَفَّأُ به الصراطُ، أَي
يَتَميَّل ويَتَقَلَّبُ.
وفي حديث دُعاء الطّعام: غيرَ مُكْفَإٍ ولا مُوَدَّعٍ ولا مُسْتَغْنىً
عنه رَبَّنا، أَي غير مردود ولا مقلوب، والضمير راجع إِلى الطعام. وفي رواية غيرَ مَكْفِيٍّ، من الكفاية، فيكون من المعتلِّ. يعني: أنَّ اللّه تعالى هو الـمُطْعِم والكافي، وهو غير مُطْعَم ولا مَكْفِيٍّ، فيكون الضمير راجعاً إِلى اللّه عز وجل. وقوله: ولا مُوَدَّعٍ أَي غيرَ متروك الطلب إِليه والرَّغْبةِ فيما عنده. وأَما قوله: رَبَّنا، فيكون على الأَول منصوباً على النداء المضاف بحذف حرف النداء، وعلى الثاني مرفوعاً على الابتداءِ المؤَخَّر أَي ربُّنا غيرُ مَكْفِيٍّ ولا مُوَدَّعٍ، ويجوز أَن يكون الكلام راجعاً إِلى الحمد كأَنه قال: حمداً كثيراً مباركاً فيه غير مكفيٍّ ولا مُودَّعٍ ولا مُسْتَغْنىً عنه أَي عن الحمد.
وفي حديث الضحية: ثم انْكَفَأَ إِلى كَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ فذبحهما،
أَي مالَ ورجع.
وفي الحديث: فأَضَعُ السيفَ في بطنِه ثم أَنْكَفِئُ عليه. وفي حديث
القيامة: وتكون الأَرضُ خُبْزةً واحدة يَكْفَؤُها الجَبَّار بيده كما يَكْفَأُ أَحدُكم خُبْزَته في السَّفَر. وفي رواية: يَتَكَفَّؤُها، يريد الخُبْزة التي يَصْنَعُها الـمُسافِر ويَضَعُها في الـمَلَّة، فإِنها لا تُبْسَط كالرُّقاقة، وإِنما تُقَلَّب على الأَيدي حتى تَسْتَوِيَ.
وفي حديث صفة النبي، صلى اللّه عليه وسلم: أَنه كان إِذا مشَى تَكَفَّى تَكَفِّياً. التَّكَفِّي: التَّمايُلُ إِلى قُدَّام
كما تَتَكَفَّأُ السَّفِينةُ في جَرْيها. قال ابن الأَثير: روي مهموزاً وغير مهموز. قال: والأَصل الهمز لأَن مصدر تَفَعَّلَ من الصحيح تَفَعُّلٌ كَتَقَدَّمَ تَقَدُّماً، وتَكَفَّأَ تَكَفُّؤاً، والهمزة حرف صحيح، فأَما إِذا اعتل انكسرت عين المستقبل منه نحو تَحَفَّى تَحَفِّياً، وتَسَمَّى تَسَمِّياً، فإِذا خُفِّفت الهمزةُ التحقت بالمعتل وصار تَكَفِّياً بالكسر. وكلُّ شيءٍ أَمَلْته فقد كَفَأْتَه، وهذا كما جاءَ أَيضاً أَنه كان إِذا مَشَى كأَنَّه يَنْحَطُّ في صَبَبٍ. وكذلك قوله: إِذا مَشَى تَقَلَّع، وبعضُه مُوافِقٌ بعضاً ومفسره. وقال ثعلب في تفسير قوله: كأَنما يَنْحَطُّ في صَبَبٍ: أَراد أَنه قَوِيُّ البَدَن، فإِذا مَشَى فكأَنما يَمْشِي على صُدُور قَدَمَيْه من القوَّة، وأَنشد:
الواطِئِينَ على صُدُورِ نِعالِهِمْ، * يَمْشُونَ في الدَّفَئِيِّ والأَبْرادِ
والتَّكَفِّي في الأَصل مهموز فتُرِك همزه، ولذلك جُعِل المصدر
تَكَفِّياً. وأَكْفَأَ في سَيره: جارَ عن القَصْدِ. وأَكْفَأَ في الشعر: خالَف
بين ضُروبِ إِعْرابِ قَوافِيه، وقيل: هي الـمُخالَفةُ بين هِجاءِ
قَوافِيهِ، إِذا تَقارَبَتْ مَخارِجُ الحُروفِ أَو تَباعَدَتْ. وقال بعضهم:
الإِكْفَاءُ في الشعر هو الـمُعاقَبَةُ بين الراء واللام، والنون والميم. قال الأَخفش: زعم الخليل أَنَّ الإِكْفَاءَ هو الإِقْواءُ، وسمعته من غيره من أَهل العلم.
قال: وسَأَلتُ العَربَ الفُصَحاءَ عن الإِكْفَاءِ، فإِذا هم يجعلونه الفَسادَ في آخِر البيت والاخْتِلافَ من غير أَن يَحُدُّوا في ذلك شيئاً، إِلاَّ أَني رأَيت بعضهم يجعله اختلاف الحُروف، فأَنشدته:
كأَنَّ فا قارُورةٍ لم تُعْفَصِ،
منها، حِجاجا مُقْلةٍ لم تُلْخَصِ،
كأَنَّ صِيرانَ الـمَها الـمُنَقِّزِ
فقال: هذا هو الإِكْفَاءُ. قال: وأَنشد آخَرُ قوافِيَ على حروف مختلفة، فعابَه، ولا أَعلمه إِلاَّ قال له: قد أَكْفَأْتَ. وحكى الجوهريّ عن الفرَّاءِ: أَكْفَأَ الشاعر إِذا خالَف بين حَركات الرَّوِيّ، وهو مثل الإِقْواءِ. قال ابن جني: إِذا كان الإِكْفَاءُ في الشِّعْر مَحْمُولاً على الإِكْفاءِ في غيره، وكان وَضْعُ الإِكْفَاءِ إِنما هو للخلافِ ووقُوعِ الشيءِ على غير وجهه، لم يُنْكَر أَن يسموا به الإِقْواءَ في اخْتلاف حُروف الرَّوِيِّ جميعاً، لأَنَّ كلَّ واحد منهما واقِعٌ على غير اسْتِواءٍ. قال الأَخفش: إِلا أَنِّي رأَيتهم، إِذا قَرُبت مَخارِجُ الحُروف، أَو كانت من مَخْرَج واحد، ثم اشْتَدَّ تَشابُهُها، لم تَفْطُنْ لها عامَّتُهم، يعني عامَّةَ العرب. وقد عاب الشيخ أَبو محمد بن بري على الجوهريّ قوله: الإِكْفَاءُ في الشعر أَن يُخالَف بين قَوافِيه، فيُجْعَلَ بعضُها ميماً وبعضها
طاءً، فقال: صواب هذا أَن يقول وبعضها نوناً لأَن الإِكْفَاءَ إِنما يكون في الحروف الـمُتقارِبة في المخرج، وأَما الطاء فليست من مخرج الميم. والـمُكْفَأُ في كلام العرب هو الـمَقْلُوب، وإِلى هذا يذهبون. قال الشاعر:
ولَمَّا أَصابَتْنِي، مِنَ الدَّهْرِ، نَزْلةٌ، * شُغِلْتُ، وأَلْهَى الناسَ عَنِّي شُؤُونُها
إِذا الفارِغَ الـمَكْفِيَّ مِنهم دَعَوْتُه، * أَبَرَّ، وكانَتْ دَعْوةً يَسْتَدِيمُها
فَجَمَعَ الميم مع النون لشبهها بها لأَنهما يخرجان من الخَياشِيم. قال وأَخبرني من أَثق به من أَهل العلم أَن ابنة أَبِي مُسافِعٍ قالت تَرْثِي أَباها، وقُتِلَ،
وهو يَحْمِي جِيفةَ أَبي جَهْل بن هِشام:
وما لَيْثُ غَرِيفٍ، ذُو * أَظافِيرَ، وإِقْدامْ
كَحِبِّي، إِذْ تَلاَقَوْا، و * وُجُوهُ القَوْمِ أَقْرانْ
وأَنتَ الطَّاعِنُ النَّجلا * ءَ، مِنْها مُزْبِدٌ آنْ
وبالكَفِّ حُسامٌ صا * رِمٌ، أَبْيَضُ، خَدّامْ
وقَدْ تَرْحَلُ بالرَّكْبِ، * فما تُخْنِي بِصُحْبانْ
قال: جمعوا بين الميم والنون لقُرْبهما، وهو كثير. قال: وقد سمعت من العرب مثلَ هذا ما لا أُحْصِي.
قال الأَخفش: وبالجملة فإِنَّ الإِكْفاءَ الـمُخالَفةُ. وقال في قوله:
مُكْفَأً غير ساجِعِ: الـمُكْفَأُ ههنا: الذي ليس بِمُوافِقٍ. وفي حديث
النابغة أَنه كان يُكْفِئُ في شِعْرِه: هو أَن يُخالَفَ بين حركات الرَّويّ رَفْعاً ونَصباً وجرّاً. قال: وهو كالإِقْواء، وقيل: هو أَن يُخالَف بين قَوافِيه، فلا يلزم حرفاً واحداً.
وكَفَأَ القومُ: انْصَرَفُوا عن الشيءِ. وكَفَأَهُم عنه كَفْأً: صَرَفَهم. وقيل: كَفَأْتُهُم كَفْأً إِذا أَرادوا وجهاً فَصَرَفْتَهم عنه إِلى غيره، فانْكَفَؤُوا أَي رَجَعُوا.
ويقال: كان الناسُ مُجْتَمِعِينَ فانْكَفَؤُوا وانْكَفَتُوا، إِذا
انهزموا. وانْكَفَأَ القومُ: انْهَزَمُوا.
(يتبع...)
(تابع... 1): كفأ: كافَأَهُ على الشيء مُكافأَةً وكِفَاءً: جازاه. تقول: ما لي بهِ... ...
وكَفَأَ الإِبلَ: طَرَدَها. واكْتَفَأَها: أَغارَ عليها، فذهب بها.
وفي حديث السُّلَيْكِ بن السُّلَكةِ: أَصابَ أَهْلِيهم وأَموالَهم، فاكْتَفَأَها.
والكَفْأَةُ والكُفْأَةُ في النَّخل: حَمْل سَنَتِها، وهو في الأَرض زِراعةُ سنةٍ. قال:
غُلْبٌ، مَجالِيحُ، عنْدَ الـمَحْلِ كُفْأَتُها، * أَشْطانُها، في عِذابِ البَحْرِ، تَسْتَبِقُ (1)
(1 قوله «عذاب» هو في غير نسخة من المحكم بالذال المعجمة مضبوطاً كما ترى وهو في التهذيب بالدال المهملة مع فتح العين.)
أَراد به النخيلَ، وأَرادَ بأَشْطانِها عُرُوقَها؛ والبحرُ ههنا: الماءُ
الكَثِير، لأَن النخيل لا تشرب في البحر.
أَبو زيد يقال: اسْتَكْفَأْتُ فلاناً نخلةً إِذا سأَلته ثمرها سنةً، فجعل
للنخل كَفْأَةً، وهو ثَمَرُ سَنَتِها، شُبِّهت بكَفْأَةِ الإِبل.
واسْتَكْفَأْتُ فلاناً إِبِلَه أَي سأَلتُه نِتاجَ إِبِلِه سَنةً، فَأَكْفَأَنِيها أَي أَعْطاني لَبَنها ووبرَها وأَولادَها منه. والاسم: الكَفْأَة والكُفْأَة، تضم وتفتح. تقول: أَعْطِني كَفْأَةَ ناقَتِك وكُفْأَةَ ناقَتِك.
غيره: كَفْأَةُ الإِبل وكُفْأَتُها: نِتاجُ عامٍ.
ونَتَجَ الإِبلَ كُفْأَتَيْنِ. وأَكْفأَها إِذا جَعَلَها كَفْأَتين، وهو أَن يَجْعَلَها نصفين يَنْتِجُ كل عام نصفاً، ويَدَعُ نصفاً، كما يَصْنَعُ بالأَرض بالزراعة، فإِذا كان العام الـمُقْبِل أَرْسَلَ الفحْلَ في النصف الذي لم يُرْسِله فيه من العامِ الفارِطِ، لأَنَّ أَجْوَدَ الأَوقاتِ، عند العرب في نِتاجِ الإِبل، أَن تُتْرَكَ الناقةُ بعد نِتاجِها سنة لا يُحْمَل عليها الفَحْل ثم تُضْرَبُ إِذا أَرادت الفحل. وفي الصحاح: لأَنّ أَفضل النِّتاج أن تُحْمَلَ على الإِبل الفُحولةُ عاماً،
وتُتْرَكَ عاماً، كما يُصْنَع بالأَرض في الزّراعة، وأَنشد قول ذي الرمة:
تَرَى كُفْأَتَيْها تُنْفِضَانِ، ولَم يَجِدْ * لَها ثِيلَ سَقْبٍ، في النِّتاجَيْنِ، لامِسُ
وفي الصحاح: كِلا كَفْأَتَيْها، يعني: أَنها نُتِجَتْ كلها إِناثاً، وهو
محمود عندهم. وقال كعب بن زهير:
إِذا ما نَتَجْنا أَرْبَعاً، عامَ كُفْأَةٍ، * بَغاها خَناسِيراً، فأَهْلَكَ أَرْبَعا
الخَناسِيرُ: الهَلاكُ. وقيل: الكَفْأَةُ والكُفْأَةُ: نِتاجُ الإِبل بعد حِيالِ سَنةٍ. وقيل: بعدَ حِيالِ سنةٍ وأَكثرَ. يقال من ذلك: نَتَجَ فلان إِبله كَفْأَةً وكُفْأَةً، وأَكْفَأْتُ في الشاءِ: مِثلُه في الإِبل.
وأَكْفَأَتِ الإِبل: كَثُر نِتاجُها. وأَكْفَأَ إِبلَه وغَنَمَهُ فلاناً: جَعل له أَوبارَها وأصْوافَها وأَشْعارَها وأَلْبانَها وأَوْلادَها.
وقال بعضهم: مَنَحَه كَفْأَةَ غَنَمِه وكُفْأَتَها: وَهَب له أَلبانَها
وأَولادها وأصوافَها سنةً ورَدَّ عليه الأُمَّهاتِ. ووَهَبْتُ له كَفْأَةَ
ناقتِي وكُفْأَتها، تضم وتفتح، إِذا وهبت له ولدَهَا ولبنَها ووبرها سنة.
واسْتَكْفَأَه، فأَكْفَأَه: سَأَلَه أَن يجعل له ذلك. أَبو زيد: اسْتَكْفَأَ زيدٌ عَمراً ناقَتَه إِذا سأَله أَن يَهَبَها له وولدها ووبرها سنةً. وروي عن الحرث بن أَبي الحَرِث الأَزْدِيِّ من أَهل نَصِيبِينَ: أَن أَباه اشْتَرَى مَعْدِناً بمائةِ شاة مُتْبِع، فأَتَى أُمَّه، فاسْتَأْمَرها، فقالت: إِنك اشتريته بثلثمائة شاة: أُمُّها مائةٌ، وأَولادُها مائة شاة، وكُفْأَتُها مائة شاة، فَنَدِمَ، فاسْتَقالَ صاحِبَه، فأَبَى أنْ يُقِيلَه، فَقَبَضَ الـمَعْدِنَ، فأَذابَه وأَخرج منه ثَمَنَ ألف شاةٍ، فأَثَى به صاحِبُه إِلى عليّ، كَرُّم اللّه وجهه، فقال: إِنَّ أَبا الحرث أَصابَ رِكازاً؛ فسأَله عليّ، كرّم اللّه وجهه، فأَخبره أَنه اشتراه بمائة شاة مُتْبِع. فقال عليّ: ما أَرَى الخُمُسَ إِلاّ على البائِعِ، فأَخذَ الخُمُس من الغنم؛ أَراد بالـمُتْبِع: التي يَتْبَعُها أَولادُها. وقوله أَثَى به أَي وَشَى به وسَعَى به، يَأْثُوا أَثْواً.
والكُفْأَةُ أَصلها في الإِبل: وهو أَن تُجْعَلَ الإِبل قَطْعَتَيْن يُراوَحُ بينهما في النِّتاجِ، وأَنشد شمر:
قَطَعْتُ إِبْلي كُفْأَتَيْنِ ثِنْتَيْن، * قَسَمْتُها بقِطْعَتَيْنِ نِصْفَيْن
أَنْتِجُ كُفْأَتَيْهِما في عامَيْن، * أَنْتِجُ عاماً ذِي، وهذِي يُعْفَيْن
وأَنْتِجُ الـمُعْفَى مِنَ القَطِيعَيْن، * مِنْ عامِنا الجَائي، وتِيكَ يَبْقَيْن
قال أَبو منصور: لمْ يزد شمر على هذا التفسير. والمعنى: أَنَّ أُمَّ
الرجل جعلَت كُفْأَةَ مائةِ شاةٍ في كل نِتاجٍ مائةً. ولو كانت إِبلاً كان كُفْأَةُ مائةٍ من الإِبلِ خَمْسين، لأَن الغنمَ يُرْسَلُ الفَحْلُ فيها
وقت ضِرابِها أَجْمَعَ، وتَحْمِلُ أَجْمَع، وليستْ مِثلَ الإِبلِ يُحْمَلُ
عليها سَنةً، وسنةً لا يُحْمَلُ عليها. وأَرادتْ أُمُّ الرجل تَكْثِيرَ
ما اشْتَرى به ابنُها، وإعلامَه أَنه غُبِنَ فيما ابْتاعَ، فَفَطَّنَتْه أَنه كأَنه اشْتَرَى الـمَعْدِنَ بِثلثمائة شاةٍ، فَنَدِمَ الابنُ واسْتَقالَ بائعَه، فأَبَى، وبارَكَ اللّهُ له في الـمَعْدِن، فَحَسَده البائع على كثرة الرِّبح، وسَعَى به إِلى عَليٍّ، رضي اللّه عنه، ليأْخذ منه الخمس، فَأَلْزَمَ الخُمُسَ البائِعَ، وأَضرَّ السَّاعِي بِنَفْسِه في
سِعايَته بصاحِبِه إليه.
والكِفاءُ، بالكسر والمَدّ: سُتْرةٌ في البيت مِنْ أَعْلاه إِلى أَسْفَلِه من مُؤَخَّرِه. وقيل: الكِفاءُ الشُّقَّة التي تكون في مُؤَخَّرِ الخِبَاءِ. وقيل: هو شُقَّةٌ أَو شُقَّتان يُنْصَحُ إحداهما بالأُخرى ثم يُحْمَلُ به مُؤَخَّر الخبَاءِ. وقيل: هو كِساءٌ يُلْقَى على الخِبَاءِ كالإِزارِ حتى يَبْلُغَ الأَرضَ. وقد أَكْفَأَ البيتَ إِكْفاءً، وهو مُكْفَأٌ، إِذا عَمِلْتَ له كِفَاءً. وكِفَاءُ البيتِ: مؤَخَّرُه. وفي حديث أُمِّ مَعْبَدٍ: رأَى شاةً في كِفَاءِ البيت، هو من ذلك، والجمعُ أَكْفِئةٌ، كَحِمارٍ وأَحْمِرةٍ.
ورجُلٌ مُكْفَأُ الوجهِ: مُتَغَيِّرُه ساهِمُه. ورأَيت فلاناً مُكْفَأَ الوَجْهِ إِذا رأَيتَه كاسِفَ اللَّوْنِ ساهِماً. ويقال: رأَيته مُتَكَفِّئَ اللَّوْنِ ومُنْكَفِتَ اللّوْنِ(1)
(1 قوله «متكفّئ اللون ومنكفت اللون» الأول من التفعل والثاني من الأنفعال كما يفيده ضبط غير نسخة من التهذيب.)
أَي مُتَغَيِّرَ اللّوْنِ.
وفي حديث عمر، رضي اللّه عنه: أَنه انْكَفَأَ لونُه عامَ الرَّمادة أَي تَغَيّر لونُه عن حاله. ويقال: أَصْبَحَ فلان كَفِيءَ اللّونِ مُتَغَيِّرَه، كأَنه كُفِئَ، فهو مَكْفُوءٌ وكَفِيءٌ. قال دُرَيْدُ بن الصِّمَّة:
وأَسْمَرَ، من قِداحِ النَّبْعِ، فَرْعٍ، * كَفِيءِ اللّوْنِ من مَسٍّ وضَرْسِ
أَي مُتَغَيِّرِ اللونِ من كثرة ما مُسِحَ وعُضَّ. وفي حديث
الأَنصاريِّ: ما لي أَرى لَوْنَك مُنْكَفِئاً؟ قال: من الجُوعِ. وقوله في الحديث:
كان لا يَقْبَلُ الثَّنَاءَ إِلا من مُكافِئٍ. قال القتيبي: معناه إِذا أَنْعَمَ على رجل نِعْمةً فكافَأَه بالثَّنَاءِ عليه قَبِلَ ثَنَاءَه، وإِذا أَثْنَى قَبْلَ أَن يُنْعِمَ عليه لم يَقْبَلْها. قال ابن الأَثير، وقال ابن الأَنباري: هذا غلط، إِذ كان أَحد لا يَنْفَكُّ من إِنْعام النبيِّ، صلى اللّه عليه وسلم، لأَنَّ اللّه، عز وجل، بَعَثَه رَحْمةً للناس كافَّةً، فلا يَخرج منها مُكافِئٌ ولا غير مُكافِئٍ، والثَّنَاءُ عليه فَرْضٌ لا يَتِمُّ الإِسلام إِلا به. وإنما المعنى: أَنه لا يَقْبَلُ الثَّنَاءَ عليه إِلا من رجل يعرف حقيقة إِسلامه، ولا يدخل عنده في جُمْلة الـمُنافِقين الذين يَقولون بأَلسنتهم ما ليس في قلوبهم.
قال: وقال الأَزهريّ: وفيه قول ثالث: إِلاّ من مُكافِئٍ أَي مُقارِبٍ
غير مُجاوِزٍ حَدَّ مثلِه، ولا مُقصِّر عما رَفَعَه اللّه إليه.
كرج: الكُرَّجُ: الذي يُلْعَبُ به، فارسي معرّب، وهو بالفارسية كُرَهْ.
الليث: الكُرَّجُ دَخيلٌ معرَّب لا أَصل له في العربية؛ قال جرير:
لَبِسْتُ سِلاحي، والفَرَزْدَقُ لُعْبةٌ،
عليها وِشاحَا كُرَّجٍ وجَلاجِلُهْ
وقال:
أَمْسى الفَرزْدَقُ في جَلاجِلِ كُرَّجٍ،
بَعْدَ الأُخَيطِلِ، ضَرَّةً لِجَرِيرِ
الليث: الكُرَّجُ يُتَّخَذُ مِثلَ المُهْرِ يُلعب عليه. وتَكَرَّجَ
الطَّعامُ إِذا أَصابه الكَرَجُ. ابن الأَعرابي: كَرِجَ الشيءُ إِذا فَسَدَ،
قال: والكارِجُ الخُبزُ المُكَرَّجُ، يقال: كَرِجَ الخُبْزُ وأَكْرَجَ
وكَرَّجَ وتَكَرَّجَ أَي فَسَدَ وعَلاهُ خُضْرةٌ.
والكَرَجُ: موضع. التهذيب: الكرج اسم كُورَةٍ معروفة.
خنث: الخُنْثَى: الذي لا يَخْلُصُ لِذَكَرٍ ولا أُنثى، وجعله كُراعٌ
وَصْفاً، فقال: رجلٌ خُنْثَى: له ما للذَّكر والأُنثى. والخُنْثَى: الذي له
ما للرجال والنساء جميعاً، ولجمع: خَنَاثى، مثلُ الحَبالى، وخِناثٌ؛
قال:لَعَمْرُكَ، ما الخِناثُ بنو قُشَيْرٍ
بــنِسْوانٍ يَلِدْنَ، ولا رِجالِ
والانْخِناثُ: التَثَنِّي والتَّكَسُّر.
وخَنِثَ الرجلُ خَنَثاً، فهو خَنِثٌ، وتَخَنَّثَ، وانْخَنَثَ: تَثَنَّى
وتَكَسَّرَ، والأُنثى خَنِثَةٌ. وخَنَّثْتُ الشيءَ فتَخَنَّثَ أَي
عَطَّفْتُه فتَعَطُّفَ؛ والمُخَنَّثُ من ذلك للِينهِ وتَكَسُّره، وهو
الانْخِناثُ؛ والاسم الخُنْثُ؛ قال جرير:
أَتُوْعِدُني، وأَنتَ مُجاشِعيٌّ،
أَرَى في خُنْثِ لِحْيَتِك اضْطِرابا؟
وتَخَنَّثَ في كلامه. ويقال للمُخَنَّثِ: خُناثَةُ، وخُنَيْثةُ.
وتَخَنَّثَ الرّجُلُ إِذا فَعَل فِعْلَ المُخَنَّثِ؛ وقيل: المُخَنَّثُ الذي
يَفْعَلُ فِعْلَ الخَناثى، وامرأَة خُنُثٌ ومِخْناثٌ. ويقال للذَّكر: يا
خُنَثُ وللأُنثى: يا خَنَاثِ مثل لُكَعَ ولَكَاعِ.
وانْخَنَثَتِ القِرْبةُ: تَثَنَّتْ؛ وخَنَثَها يَخْنِثُها خَنْثاً
فانْخَنَثَتْ، وخَنَّثَها، واخْتَنَثَها: ثَنى فاها إِلى خارج فشَرِبَ منه،
وإن كَسَرْتَه إِلى داخل، فقد قَبَعْتَه. وفي الحديث: أَنه، صلى الله عليه
وسلم، نهى عن اخْتِناثِ الأَسْقِيةٍ؛ وتأْويلُ الحديث: أَنَّ الشُّرْب من
أَفواهها ربما يُنَتِّنُها، فإِنّ إِدامةَ الشُّرْبِ هكذا، مما يُغَيِّر
رِيحَها؛ وقيل: إنه لا يُؤْمَنُ أَن يكون فيها حية أَو شيءٌ من
الحَشرات، وقيل: لئلا يَتَرَشَّشَ الماءُ على الشارب، لِسَعَة فَم السِّقاء. قال
ابن الأَثير: وقد جاء في حديث آخر اباحتهُ؛ قال: ويحتمل أَن يكون النهيُ
خاصّاً بالسقاء الكبير دون الإِداوة. الليث: خَنَثْتُ السِّقاء
والجُوالِقَ إِذا عَطَفْتَه. وفي حديث عائشة: أَنها ذَكَرَتْ رسولَ الله، صلى الله
عليه وسلم، ووفاتَه قالت: فانْخَنَثَ في حِجْري، فما شَعَرْتُ حتى
قُبِضَ، أَي فانْثَنى وانكسر لاسترخاء أَعضائه، صلى الله عليه وسلم، عند
الموت. وانْخَنَثَتْ عُنُقُه: مالَتْ، وخَنَثَ سِقاءَه: ثَنى فاه فأَخْرَجَ
أَدَمَتَه، وهي الداخلة، والبَشَرَةُ وما يَلي الشعرَ: الخارجةُ. وروي عن
ابن عمر: أَنه كان يَشْرَبُ من الإِداوةِ، ولا يَخْتَنِثُها، ويُسَمِّيها
نَفْعَةَ؛ سماها بالمَرَّة من النَّفْع، ولم يصرفها للعلمية والتأْنيث؛
وقيل: خَنَثَ فَمَ السِّقاءِ إِذا قَلَبَ فَمه، داخلاً كان أَو خارجاً.
وكلُّ قَلْبٍ يقال له: خَنْثٌ. وأَصلُ الاخْتِناثِ: التَّكَسُّرُ
والتَّثَنِّي، ومنه سميت المرأَة: خُنْثَى. تقول: إِنها لَيِّنة
تَتَثَنَّى.ويقال: أَلْقَى الليلُ أَخْناثَهُ على الأَرض أَي أَثْناءَ ظَلامه؛
وكَوَى الثَّوْبَ على أَخْناثهِ وخِناثهِ أَي على مَطاوِيهِ وكُسُوره،
الواحد: خِنْثٌ. وأَخْناثُ الدَّلْو فُرُوغُها، الواحدُ خِنْثٌ؛ والخِنْثُ:
باطِنُ الشِّدْق عند الأَضراس، من فوقُ وأَسفلُ. وتَخَنَّثَ الرجلُ وغيره:
سَقَطَ من الضَّعْفِ.
وخُنْثُ: اسم امرأَة، لا يُجْرَى.
والخَنِثُ، بكسر النون: المُسْتَرْخي المُتَثَنِّي. وفي المثل: أَخْنَثُ
من دَلالٍ.
نحب: النَّحْبُ والنَّحِـيبُ: رَفْعُ الصَّوتِ بالبكاءِ، وفي المحكم:
أَشدُّ البكاءِ. نحَبَ يَنْحِبُ بالكسر (2)
(2 قوله «نحب ينحب، بالكسر» أي من باب ضرب كما في المصباح والمختار والصحاح، وكذا ضبط في المحكم. وقال في
القاموس النحب أشد البكاء وقد نحب كمنع.) ، نحِـيباً، والانْتِحابُ مثله، وانتَحَبَ انتِحاباً. وفي حديث ابن عمر لما نُعِـيَ إِليه حُجْرٌ: غَلَب عليه النَّحِـيبُ؛ النَّحِـيبُ: البكاءُ بصَوْتٍ طَويلٍ ومَدٍّ. وفي حديث الأَسْوَدِ بن الـمُطَّلِبِ: هل أُحِلَّ النَّحْبُ؟ أَي أُحِلَّ
البُكاءُ. وفي حديث مجاهدٍ: فنَحَبَ نَحْبَةً هاجَ ما ثَمَّ من البَقْل. وفي حديث عليٍّ:
<ص:750>
فهل دَفَعَتِ الأَقاربُ، ونَفَعَتِ النَّواحِبُ؟ أَي البواكي، جمع ناحِـبةٍ؛ وقال ابن مَحْكان:
زَيَّافَةٌ لا تُضِـيعُ الـحَيَّ مَبْرَكَها، * إِذا نَعَوها لراعي أَهْلِها انْتَحَبا
ويُرْوَى: لما نَعَوْها؛ ذكَر أَنه نَحَر ناقةً كريمةً عليه، قد عُرِفَ
مَبرَكُها، كانت تُؤتى مراراً فتُحْلَبُ للضَّيْف والصَّبـيِّ.
والنَّحْبُ: النَّذْرُ، تقول منه: نَحَبْتُ أَنْحُبُ، بالضم؛ قال:
فإِني، والـهِجاءَ لآِلِ لأْمٍ، * كذاتِ النَّحْبِ تُوفي بالنُّذورِ
وقد نَحَبَ يَنْحُبُ؛ قال:
يا عَمْرُو يا ابنَ الأَكْرَمينَ نسْبا، * قد نَحَبَ الـمَجْدُ عليك نحْبا
أَراد نَسَباً، فخَفَّفَ لمكان نَحْبٍ أَي لا يُزايِلُك، فهو لا يَقْضي
ذلك النَّذْرَ أَبَداً. والنَّحْبُ: الخطَرُ العظيم.
وناحَبَهُ على الأَمر: خاطَرَه؛ قال جرير:
بِطَخْفَة جالَدْنا الـمُلوكَ، وخَيْلُنا، * عَشِـيَّةَ بَسْطامٍ، جَرَينَ على نَحْبِ
أَي على خَطَر عظيم. ويقال: على نَذْرٍ. والنَّحْبُ: الـمُراهَنة والفعل كالفعل (1)
(1 قوله «والفعل كالفعل» أي فعل النحب بمعنى المراهنة كفعل النحب بمعنى الخطر والنذر وفعلهما كنصر وقوله والنحب الهمة إلخ. هذه الأربعة من باب ضرب كما في القاموس.) . والنَّحْبُ: الـهِمَّة. والنَّحْبُ: البُرْهانُ. والنَّحْبُ: الحاجة. والنَّحْبُ: السعال. الأَزهري عن أَبي زيد: من أَمراض الإِبل النُّحابُ، والقُحابُ، والنُّحازُ، وكل هذا من السُّعال.
وقد نَحَبَ البعيرُ يَنحِبُ نُحاباً إِذا أَخَذه السُّعال.
أَبو عمرو: النَّحْبُ النَّومُ؛ والنَّحْبُ: صَوْتُ البكاءِ؛ والنَّحْبُ: الطُّولُ؛ والنَّحْبُ: السِّمَنُ؛ والنَّحْبُ: الشِّدَّة؛ والنَّحْبُ: القِمارُ، كلها بتسكين الحاءِ. وروي عن الرِّياشيِّ: يومٌ نَحْبٌ أَي طويلٌ. والنَّحْبُ: الموتُ. وفي التنزيل العزيز: فمنهم مَن قَضَى نَحْبَه؛
وقيل معناه: قُتِلوا في سبيل اللّه، فأَدْرَكوا ما تَمَنَّوْا، فذلك قَضاءُ النَّحْب. وقال الزجاج والفراء: فمنهم مَنْ قَضَى نَحْبَه أَي أَجَلَه.
والنَّحْبُ: المدَّةُ والوقت. يقال قَضى فلانٌ نَحْبَه إِذا مات. وروى
الأَزهري عن محمد بن إِسحق في قوله: فمنهم من قَضَى نَحْبَه، قال: فَرَغَ من عَمَلِه، ورجع إِلى ربه؛ هذا لِـمَنْ اسْتُشْهِدَ يومَ أُحُدٍ، ومنهم من يَنتَظِرُ ما وَعَدَه اللّه تعالى مِن نَصْرِه، أَو الشهادة، على ما مَضَى عليه أَصْحابُه؛ وقيل: فمنهم من قَضى نحْبه أَي قَضى نَذْره، كأَنه أَلْزَم نَفْسَه أَن يموتَ، فوَفَّى به.
ويقال: تَناحَبَ القومُ إِذا تواعدوا للقتال أَيَّ وقتٍ، وفي غير القتال
أَيضاً.
وفي الحديث: طَلْحةُ ممن قَضى نَحْبَه؛ النَّحْبُ: النَّذْرُ، كأَنه أَلزم نفسه أَن يَصْدُقَ الأَعْداءَ في الحرْب، فوفَّى به ولم يَفْسَخْ؛ وقيل: هو من النَّحْبِ الموت، كأَنه يُلْزِمُ نفسه أَن يُقاتِلَ حتى يموتَ.
وقال الزجاج: النَّحْبُ النَّفْسُ، عن أَبي عبيدة. والنَّحْبُ: السَّيرُ
السريع، مثل النَّعْبِ. وسَيرٌ مُنَحِّبٌ: سريع، وكذلك الرجل. ونَحَّبَ القومُ تَنْحِـيباً: جَدُّوا في عَمَلهم؛ قال طُفَيْلٌ:
يَزُرْنَ أَلالاً، ما يُنَجِّبْنَ غَيرَه، * بكُلِّ مُلَبٍّ أَشْعَثِ الرَّأْسِ مُحْرِمِ
وسارَ فلانٌ على نَحْبٍ إِذا سار فأَجْهَدَ السَّيرَ، كَـأَنه خاطَرَ
على شيء، فَجَدَّ؛ قال الشاعر:
ورَدَ القَطا منها بخَمْسٍ نَحْبِ
أَي دَأَبَتْ.
والتَّنْحِـيبُ: شِدَّةُ القَرَبِ للماءِ؛ قال ذو الرمة:
ورُبَّ مَفازةٍ قَذَفٍ جَمُوحٍ، * تَغُولُ مُنَحِّبَ القَرَبِ اغْتِـيالا
والقَذَفُ: البرِّيَّةُ التي تَقاذَفُ بسالكها. وتَغول: تُهْلِكُ.
وسِرْنا إِليها ثلاثَ ليالٍ مُنَحِّباتٍ أَي دائباتٍ. ونحَّبْنا سَيْرَنا: دَأَبناهُ؛ ويقال: سارَ سَيراً مُنَحِّباً أَي قاصداً لا يُريد غيرَه، كأَنه جَعَلَ ذلك نَذراً على نفسه لا يريد غيره؛ قال الكُمَيْت:
يَخِدْنَ بنا عَرْضَ الفَلاةِ وطولَها، * كما صارَ عن يُمْنى يَدَيه الـمُنَحِّبُ
الـمُنَحِّبُ: الرجلُ؛ قال الأَزهري: يقول إِن لم أَبْلُغْ مَكانَ كذا
وكذا، فلك يَمِـيني. قال ابن سيده في هذا البيت: أَنشده ثعلب وفسره، فقال: هذا رَجُلٌ حَلَف إِن لم أَغْلِبْ قَطَعْتُ يدي، كأَنه ذهَبَ به إِلى معنى النَّذْرِ؛ قال: وعندي أَنّ هذا الرَّجُلَ جَرَتْ له الطَّيرُ مَيامينَ، فأَخَذ ذات اليمينِ عِلْماً منه أَن الخَيرَ في تلك الناحية. قال: ويجوز أَن يريدَ كما صارَ بيُمْنى يَدَيه أَي يَضْرِبُ يُمْنى يَدَيْه بالسَّوْط للناقة؛ التهذيب، وقال لبيد:
أَلا تَسْـأَلانِ الـمَرْءَ ماذا يحاوِلُ: * أَنَحْبٌ فيُقْضَى أَمْ ضلالٌ وباطِلُ
يقول: عليه نَذْرٌ في طُول سَعْيه.
ونَحَبَه السَّيرُ: أَجْهَدَه.
وناحَبَ الرجلَ: حاكمَه وفاخَرَهُ. وناحَبْتُ الرجلَ إِلى فلانٍ، مثلُ
حاكمْتُه. وفي حديث طلحة ابن عُبَيْدِاللّه أَنه قال لابن عباس: هل لكَ أَن أُناحِـبَكَ وتَرْفَعَ النبـيَّ، صلى اللّه عليه وسلم؟ قال أَبو عبيد، قال الأَصمعي: ناحَبْتُ الرَّجلَ إِذا حاكمْتَه أَو قاضيتَه إِلى رجل. قال، وقال غيره: ناحَبْتُه، ونافَرْتُه مثلُه. قال أَبو منصور: أَراد طلحةُ هذا المعنى، كأَنه قال لابن عباس: أُنافِرك أَي أُفاخِرك وأُحاكمُكَ، فَتَعُدُّ فَضائِلَكَ وحَسَبَكَ، وأَعُدُّ فَضائلي؛ ولا تَذْكُرْ في فضائلك النبي، صلى اللّه عليه وسلم، وقُرْبَ قرابتك منه، فإِن هذا الفضلَ مُسَلَّم لك، فارْفَعْه من الرأْس، وأُنافرُكَ بما سواه؛ يعني أَنه لا يَقْصُرُ عنه، فيما عدا ذلك من الـمَفاخر.
والنُّحْبَةُ: القُرْعة، وهو مِن ذلك لأَنها كالحاكمة في الاسْتِهامِ.
ومنه الحديث: لو عَلِمَ الناس ما في الصفِّ الأَوَّل، لاقْتَتَلوا عليه، وما تَقَدَّموا إِلاَّ بِنُحْبَةٍ أَي بقُرْعةٍ.
والـمُناحَبَةُ: الـمُخاطَرَة والمراهَنة. وفي حديث أَبي بكر، رضي اللّه عنه، في مُناحَبَةِ: أَلم غُلِـبَت الرُّومُ؛ أَي مُراهَنَتِه لقُرَيْشٍ، بين الروم والفُرْس. ومنه حديث الأَذان (1)
(1 قوله «ومنه حديث الأذان استهموا عليه إلخ» كذا بالأصل ولا شاهد فيه الا أن يكون سقط منه محل الشاهد فحرره ولم يذكر في النهاية ولا في التهذيب ولا في المحكم ولا في غيرها
مما بأيدينا من كتب اللغة.): اسْتَهَموا عليه. قال: وأَصله من
الـمُناحبَة، وهي الـمُحاكمة. قال: ويقال للقِمار: النَّحْب، لأَنه
كالـمُساهَمَة.التهذيب، أَبو سعيد: التَّنْحِـيبُ الإِكْبابُ على الشيءِ لا يفارقه، ويقال: نَحَّبَ فُلان على أَمْره. قال: وقال أَعرابي أَصابته شَوكةٌ، فَنَحَّبَ عليها يَسْتَخْرِجُها أَي أَكَبَّ عليها؛ وكذلك هو في كل شيءٍ، وهو مُنَحِّبٌ في كذا، واللّه أَعلم.
نكر: النُّكْرُ والنَّكْراءُ: الدَّهاءُ والفِطنة. ورجل نَكِرٌ ونَكُرٌ
ونُكُرٌ ومُنْكَرٌ من قوم مَناكِير: دَاهٍ فَطِنٌ؛ حكاه سيبويه. قال ابن
جني: قلت لأَبي عليّ في هذا ونحوه: أَفتقول إِنّ هذا لأَنه قد جاء عنهم
مُفْعِلٌ ومِفْعالٌ في معنى واحد كثيراً، نحو مُذْكِرٍ ومِذْكارٍ
ومُؤْنِثٍ ومِئْناثٍ ومُحْمِق ومِحْماقٍ وغير ذلك، فصار جمع أَحدهما كجمع صاحبه،
فإِذا جَمَعَ مُحْمِقاً فكأَنه جمع مِحْماقاً، وكذلك مَسَمٌّ ومَسامّ،
كما أَن قولهم دِرْعٌ دِلاصٌ وأَدْرُعٌ دِلاصٌ وناقة هِجانٌ ونوقٌ هِجانٌ
كُسِّرَ فيه فِعالٌ على فِعالٍ من حيث كان فِعالٌ وفَعِيلٌ أُختين،
كلتاهما من ذوات الثلاثة، وفيه زائدة مَدَّة ثالثة، فكما كَسَّرُوا فَعِيلاً
على فِعالٍ نحو ظريف وظراف وشريف وشراف، كذلك كَسَّرُوا فِعالاً على فِعال
فقالوا درع دِلاصٌ وأَدْرُعٌ دِلاصٌ، وكذلك نظائره؟ فقال أَبو عليّ: فلست
أَدفع ذلك ولا آباه. وامرأَة نَكرٌ، ولم يقولوا مُنْكَرَةٌ ولا غيرها من
تلك اللغات. التهذيب: امرأَة نَكْراء ورجل مُنْكرٌ دَاهٍ، ولا يقال
للرجل أَنْكَرُ بهذا المعنى. قال أَبو منصور: ويقال فلان ذو نَكْراءَ إِذا
كان داهِياً عاقلاً. وجماعة المُنْكَرِ من الرجال: مُنْكَرُونَ، ومن غير
ذلك يجمع أَيضاً بالمناكير؛ وقال الأُقيبل القيني:
مُسْتَقْبِلاً صُحُفاً تدْمى طَوابِعُها،
وفي الصَّحائِفِ حَيَّاتٌ مَناكِيرُ
والإِنْكارُ: الجُحُودُ. والمُناكَرَةُ: المُحارَبَةُ. وناكَرَهُ أَي
قاتَلَهُ لأَن كل واحد من المتحاربين يُناكِرُ الآخر أَي يُداهِيه
ويُخادِعُه. يقال: فلان يُناكِرُ فلاناً. وبينهما مُناكَرَةٌ أَي مُعاداة
وقِتالٌ. وقال أَبو سفيان بن حرب: إِن محمداً لم يُناكِرْ أَحداً إِلا كانت معه
الأَهوالُ أَي لم يحارب إِلا كان منصوراً بالرُّعْبِ.
وقوله تعالى: أَنْكَرَ الأَصواتِ لَصَوْتُ الحمير؛ قال: أَقبح الأَصوات.
ابن سيده: والنُّكْرُ والنُّكُرُ الأَمر الشديد. الليث: الدَّهاءُ
والنُّكْرُ نعت للأَمر الشديد والرجل الداهي، تقول: فَعَلَه من نُكْرِه
ونَكارَتِه. وفي حديث معاوية، رضي الله عنه: إِني لأَكْرَهُ النَّكارَةَ في
الرجل، يعني الدَّهاءَ. والنَّكارَةُ: الدَّهاء، وكذلك النُّكْرُ، بالضم.
يقال للرجل إِذا كان فَطِناً مُنْكَراً: ما أَشدّ نُكْرَه ونَكْرَه أَيضاً،
بالفتح. وقد نَكُرَ الأَمر، بالضم، أَي صَعُبَ واشتَدَّ. وفي حديث أَبي
وائل وذكر أَبا موسى فقال: ما كان أَنْكَرَه أَي أَدْهاهُ، من النُّكْرِ،
بالضم، وهو الدَّهاءُ والأَمر المُنْكَرُ.
وفي حديث بعضهم:
(* قوله« وفي حديث بعضهم» عبارة النهاية: وفي حديث عمر
بن عبد العزيز) كنتَ لي أَشَدَّ نَكَرَةٍ؛ النكرة، بالتحريك: الاسم من
الإِنْكارِ كالنَّفَقَةِ من الإِنفاق، قال: والنَّكِرَةُ إِنكارك الشيء،
وهو نقيض المعرفة. والنَّكِرَةُ: خلاف المعرفة. ونَكِرَ الأَمرَ نَكِيراً
وأَنْكَرَه إِنْكاراً ونُكْراً: جهله؛ عن كراع. قال ابن سيده: والصحيح أَن
الإِنكار المصدر والنُّكْر الاسم. ويقال: أَنْكَرْتُ الشيء وأَنا
أُنْكِرُه إِنكاراً ونَكِرْتُه مثله؛ قال الأَعشى:
وأَنْكَرَتْني، وما كان الذي نَكِرَتْ
من الحوادثِ إِلا الشَّيْبَ والصَّلَعا
وفي التنزيل العزيز: نَكِرَهُمْ وأَوْجَسَ منهم خِيفَةً؛ الليث: ولا
يستعمل نَكِرَ في غابر ولا أَمْرٍ ولا نهي. الجوهري: نَكِرْتُ الرجلَ،
بالكسر، نُكْراً ونُكُوراً وأَنْكَرْتُه واسْتَنْكَرْتُه كله بمعنى. ابن سيده:
واسْتَنْكَرَه وتَناكَرَه، كلاهما: كنَكِرَه. قال: ومن كلام ابن جني:
الذي رأَى الأَخفشُ في البَطِيِّ من أَن المُبْقاةَ إِنما هي الياءُ
الأُولى حَسَنٌ لأَنك لا تَتَناكَرُ الياءَ الأُولى إِذا كان الوزن قابلاً لها.
والإِنْكارُ: الاستفهام عما يُنْكِرُه، وذلك إِذا أَنْكَرْتَ أَن
تُثْبِتَ رَأْيَ السائل على ما ذَكَرَ، أَو تُنْكِرَ أَن يكون رأْيه على خلاف
ما ذكر، وذلك كقوله: ضربتُ زيداً، فتقول مُنْكِراً لقوله: أَزَيْدَنِيهِ؟
ومررتُ بزيد، فتوقل: أَزَيْدِنِيهِ؟ ويقول: جاءني زيد، فتقول:
أَزَيْدُنِيه؟ قال سيبويه: صارت هذه الزيادة عَلَماً لهذا المعنى كعَلمِ
النَّدْبَةِ، قال: وتحركت النون لأَنها كانت ساكنة ولا يسكن حرفان. التهذيب:
والاسْتِنْكارُ استفهامك أَمراً تُنْكِرُه، واللازمُ من فَعْلِ النُّكْرِ
المُنْكَرِ نَكُرَ نَكارَةً.
والمُنْكَرُ من الأَمر: خلاف المعروف، وقد تكرر في الحديث الإِنْكارُ
والمُنْكَرُ، وهو ضد المعروف، وكلُّ ما قبحه الشرع وحَرَّمَهُ وكرهه، فهو
مُنْكَرٌ، ونَكِرَه يَنْكَرُه نَكَراً، فهو مَنْكُورٌ، واسْتَنْكَرَه فهو
مُسْتَنْكَرٌ، والجمع مَناكِيرُ؛ عن سيبويه. قال أَبو الحسن: وإِنما
أَذكُرُ مثل هذا الجمع لأَن حكم مثله أَن الجمع بالواو والنون في المذكر
وبالأَلف والتاء في المؤنث. والنُّكْرُ والنَّكْراءُ، ممدود: المُنْكَرُ. وفي
التنزيل العزيز: لقد جئت شيئاً نُكْراً، قال: وقد يحرك مثل عُسْرٍ
وعُسُرٍ؛ قال الشاعر الأَسْوَدُ بنُ يَعْفُرَ:
أَتَوْني فلم أَرْضَ ما بَيَّتُوا،
وكانوا أَتَوْني بِشيءٍ نُكُرْ
ِلأُنْكِحَ أَيِّمَهُمْ مُنْذِراً،
وهل يُنْكحُ العبدَ حُرٌّ لِحُرّْ؟
ورجل نَكُرٌ ونَكِرٌ أَي داهٍ مُنْكَرٌ، وكذلك الذي يُنْكِرُ
المُنْكَرَ، وجمعهما أَنْكارٌ، مثل عَضُدٍ وأَعْضادٍ وكَبِدٍ وأَكباد.
والتَّنَكُّرُ: التَّغَيُّرُ، زاد التهذيب: عن حالٍ تَسُرُّكَ إِلى حال
تَكْرَهُها منه. والنَّكِيرُ: اسم الإِنْكارِ الذي معناه التغيير. وفي
التنزيل العزيز: فكيف كان نَكِيري؛ أَي إِنكاري. وقد نَكَّرَه فتَنَكَّرَ
أَي غَيَّرَه فتَغَيَّرَ إِلى مجهولٍ. والنَّكِيرُ والإِنكارُ: تغيير
المُنْكَرِ. والنَّكِرَةُ: ما يخرج من الحُوَلاءِ والخُراجِ من دَمٍ أَو
قَيْحٍ كالصَّدِيد، وكذلك من الزَّحِيرِ. يقال: أُسْهِلَ فلانٌ نَكِرةً
ودَماً، وليس له فِعْلٌ مشتق.
والتَّناكُرُ: التَّجاهُلُ. وطريقٌ يَنْكُورٌ: على غير قَصْدٍ.
ومُنْكَرٌ ونَكِيرٌ: اسما ملَكَينِ، مُفْعَلٌ وفَعيلٌ؛ قال ابن سيده:
مُنْكَرٌ ونَكِيرٌ فَتَّانا القبور. وناكُورٌ: اسم. وابن نُكْرَةَ: رجل من
تَيْمٍ كان من مُدْرِكي الخيلِ السوابق؛ عن ابن الأَعرابي. وبنو
نُكْرَةَ: بطن من العرب.
أنس: الإِنسان: معروف؛ وقوله:
أَقَلْ بَنو الإِنسانِ، حين عَمَدْتُمُ
إِلى من يُثير الجنَّ، وهي هُجُودُ
يعني بالإِنسان آدم، على نبينا وعليه الصلاة والسلام. وقوله عز وجل:
وكان الإِنسانُ أَكْثَرَ شيء جَدَلاً؛ عنى بالإِنسان هنا الكافر، ويدل على
ذلك قوله عز وجل: ويُجادِلُ الذين كفروا بالباطل لِيُدْحِضُوا به الحقَّ؛
هذا قول الزجّاج، فإِن قيل: وهل يُجادل غير الإِنسان؟ قيل: قد جادل
إِبليس وكل من يعقل من الملائكة، والجنُّ تُجادل، لكن الإِنسان أَكثر جدلاً،
والجمع الناس، مذكر. وفي التنزيل: يا أَيها الناسُ؛ وقد يؤنث على معنى
القبيلة أَو الطائفة، حكى ثعلب: جاءَتك الناسُ، معناه: جاءَتك القبيلة أَو
القطعة؛ كما جعل بعض الشعراء آدم اسماً للقبيلة وأَنت فقال أَنشده
سيبويه:شادوا البلادَ وأَصْبَحوا في آدمٍ،
بَلَغوا بها بِيضَ الوُجوه فُحُولا
والإِنسانُ أَصله إِنْسِيانٌ لأَن العرب قاطبة قالوا في تصغيره:
أُنَيْسِيانٌ، فدلت الياء الأَخيرة على الياء في تكبيره، إِلا أَنهم حذفوها لما
كثر الناسُ في كلامهم. وفي حديث ابن صَيَّاد: قال النبي، صلى اللَّه عليه
وسلم، ذاتَ يوم: انْطَلِقوا بنا إِلى أُنَيسيانٍ قد رأَينا شأْنه؛ وهو
تصغير إِنسان، جاء شاذّاً على غير قياس، وقياسه أُنَيْسانٌ، قال: وإِذا
قالوا أَناسينُ فهو جمع بَيِّنٌ مثل بُسْتانٍ وبَساتينَ، وإِذا قالوا
أَناسي كثيراً فخففوا الياء أَسقطوا الياء التي تكون فيما بين عين الفعل ولامه
مثل قَراقيرَ وقراقِرَ، ويُبَيِّنُ جواز أَناسي، بالتخفيف، قول العرب
أَناسيَة كثيرة، والواحدُ إِنْسِيٌّ وأُناسٌ إِن شئت. وروي عن ابن عباس،
رضي اللَّه عنهما، أَنه قال: إِنما سمي الإِنسان إِنساناً لأَنه عهد إِليه
فَنَسيَ، قال أَبو منصور: إِذا كان الإِنسان في الأَصل إِنسيانٌ، فهو
إِفْعِلانٌ من النِّسْيان، وقول ابن عباس حجة قوية له، وهو مثل لَيْل
إِضْحِيان من ضَحِيَ يَضْحَى، وقد حذفت الياء فقيل إِنْسانٌ. وروى المنذري عن
أَبي الهيثم أَنه سأَله عن الناس ما أَصله؟ فقال: الأُناس لأَن أَصله
أُناسٌ فالأَلف فيه أَصيلة ثم زيدت عليه اللام التي تزاد مع الأَلف للتعريف،
وأَصل تلك اللام
(* قوله «وأصل تلك اللام إلى قوله فلما زادوهما» كذا
بالأصل.) إِبدالاً من أَحرف قليلة مثل الاسم والابن وما أَشْبهها من
الأَلفات الوصلية فلما زادوهما على أُناس صار الاسم الأُناس، ثم كثرت في الكلام
فكانت الهمزة واسطة فاستثقلوها فتركوها وصار الباقي: أَلُناسُ، بتحريك
اللام بالضمة، فلما تحركت اللام والنون أَدغَموا اللام في النون فقالوا:
النَّاسُ، فلما طرحوا الأَلف واللام ابتَدأُوا الاسم فقالوا: قال ناسٌ من
الناس. قال الأَزهري: وهذا الذي قاله أَبو الهيثم تعليل النحويين،
وإِنْسانٌ في الأَصل إِنْسِيانٌ، وهو فِعْليانٌ من الإِنس والأَلف فيه فاء
الفعل، وعلى مثاله حِرْصِيانٌ، وهو الجِلْدُ الذي يلي الجلد الأَعلى من
الحيوان، سمي حِرْصِياناً لأَنه يُحْرَصُ أَي يُقْشَرُ؛ ومنه أُخذت الحارِصَة
من الشِّجاج، يقال رجل حِذْريانٌ إِذا كان حَذِراً. قال الجوهري: وتقدير
إِنْسانٍ فِعْلانٌ وإِنما زيد في تصغيره ياء كما زيد في تصغير رجل فقيل
رُوَيْجِل، وقال قوم: أَصله إِنْسِيان على إِفْعِلان، فحذفت الياء
استخفافاً لكثرة ما يجري على أَلسنتهم، فإِذا صغّروه ردوهما لأَن التصغير لا
يكثر. وقوله عز وجل: أَكان للناس عَجَباً أَن أَوْحَينا إِلى رجل منهم؛
النَّاسُ ههنا أَهل مكة الأُناسُ لغة في الناس، قال سيبويه: والأَصل في الناس
الأُناسُ مخففاً فجعلوا الأَلف واللام عوضاً عن الهمزة وقد قالوا
الأُناس؛ قال الشاعر:
إِنَّ المَنايا يَطَّلِعْـ
ـنَ على الأُناس الآمِنينا
وحكى سيبويه: الناسُ الناسُ أَي الناسُ بكل مكان وعلى كل حال كما نعرف؛
وقوله:
بلادٌ بها كُنَّا، وكُنَّا نُحِبُّها،
إِذ الناسُ ناسٌ، والبلادُ بلادُ
فهذا على المعنى دون اللفظ أَي إِذ الناس أَحرار والبلاد مُخْصِبَة،
ولولا هذا الغَرَض وأَنه مراد مُعْتَزَم لم يجز شيء من ذلك لِتَعَرِّي الجزء
الأَخير من زيادة الفائدة عن الجزءِ الأَول، وكأَنه أُعيد لفظ الأَول
لضرب من الإِدْلالِ والثقة بمحصول الحال، وكذلك كل ما كان مثل هذا.
والنَّاتُ: لغة في الناس على البدل الشاذ؛ وأَنشد:
يا قَبَّحَ اللَّهُ بني السِّعْلاةِ
عَمرو بنَ يَرْبوعٍ شِرارَ الناتِ،
غيرَ أَعِفَّاءٍ ولا أَكْياتِ
أَراد ولا أَكياس فأَبدل التاء من سين الناس والأَكياس لموافقتها إِياها
في الهمس والزيادة وتجاور المخارج.
والإِنْسُ: جماعة الناس، والجمع أُناسٌ، وهم الأَنَسُ. تقول: رأَيت
بمكان كذا وكذا أَنَساً كثيراً أَي ناساً كثيراً؛ وأَنشد:
وقد تَرى بالدّار يوماً أَنَسا
والأَنَسُ، بالتحريك: الحيُّ المقيمون، والأَنَسُ أَيضاً: لغة في
الإِنْس؛ وأَنشد الأَخفش على هذه اللغة:
أَتَوْا ناري فقلتُ: مَنُونَ أَنتم؟
فقالوا: الجِنُّ قلتُ: عِمُوا ظَلاما
فقلتُ: إِلى الطَّعامِ، فقال منهمْ
زَعِيمٌ: نَحْسُد الأَنَسَ الطَّعاما
قال ابن بري: الشعر لشمر بن الحرث الضَّبِّي، وذكر سيبويه البيت الأَول
جاء فيه منون مجموعاً للضرورة وقياسه: من أَنتم؟ لأَن من إِنما تلحقه
الزوائد في الوقف، يقول القائل: جاءَني رجل، فتقول: مَنُو؟ ورأَيت رجلاً
فيقال: مَنا؟ ومررت برجل فيقال: مَني؟ وجاءني رجلان فتقول: مَنانْ؟ وجاءَني
رجال فتقول: مَنُونْ؟ فإِن وصلت قلت: مَنْ يا هذا؟ أَسقطت الزوائد كلها،
ومن روى عموا صباحاً فالبيت على هذه الرواية لجِذْع بن سنان الغساني في
جملة أَبيات حائية؛ ومنها:
أَتاني قاشِرٌ وبَنُو أَبيه،
وقد جَنَّ الدُّجى والنجمُ لاحا
فنازَعني الزُّجاجَةَ بَعدَ وَهْنٍ،
مَزَجْتُ لهم بها عَسلاً وراحا
وحَذَّرَني أُمُوراً سَوْف تأْتي،
أَهُزُّ لها الصَّوارِمَ والرِّماحا
والأَنَسُ: خلاف الوَحْشَةِ، وهو مصدر قولك أَنِسْتُ به، بالكسر،
أَنَساً وأَنَسَةً؛ قال: وفيه لغة أُخرى: أَنَسْتُ به أُنْساً مثل كفرت به
كُفْراً. قال: والأُنْسُ والاستئناس هو التَّأَنُّسُ، وقد أَنِسْتُ بفلان.
والإِنْسِيُّ: منسوب إِلى الإِنْس، كقولك جَنِّيٌّ وجِنٌ وسِنْدِيٌّ
وسِنْدٌ، والجمع أَناسِيُّ كَكُرْسِيّ وكَراسِيّ، وقيل: أَناسِيُّ جمع إِنسان
كسِرْحانٍ وسَراحينَ، لكنهم أَبدلوا الياء من النون؛ فأَما قولهم:
أَناسِيَةٌ جعلوا الهاء عوضاً من إِحدى ياءَي أَناسِيّ جمع إِنسان، كما قال عز
من قائل: وأَناسِيَّ كثيراً. وتكون الياءُ الأُولى من الياءَين عوضاً
منقلبة من النون كما تنقلب النون من الواو إِذا نسبت إِلى صَنْعاءَ وبَهْراءَ
فقلت: صَنْعانيٌّ وبَهْرانيٌّ، ويجوز أَن تحذف الأَلف والنون في إِنسان
تقديراً وتأْتي بالياءِ التي تكون في تصغيره إِذا قالوا أُنَيْسِيان،
فكأَنهم زادوا في الجمع الياء التي يردّونها في التصغير فيصير أَناسِيَ،
فيدخلون الهاء لتحقيق التأْنيث؛ وقال المبرد: أَناسِيَةٌ جمع إِنْسِيَّةٍ،
والهاء عوض من الياء المحذوفة، لأَنه كان يجب أَناسِيٌ بوزن زَناديقَ
وفَرازِينَ، وأَن الهاء في زَنادِقَة وفَرازِنَة إِنما هي بدل من الياء،
وأَنها لما حذفت للتخفيف عوّضت منها الهاءُ، فالياءُ الأُولى من أَناسِيّ
بمنزلة الياءِ من فرازين وزناديق، والياء الأَخيرة منه بمنزلة القاف والنون
منهما، ومثل ذلك جَحْجاحٌ وجَحاجِحَةٌ إِنما أَصله جَحاجيحُ. وقال
اللحياني: يُجْمَع إِنسانٌ أَناسِيَّ وآناساً على مثال آباضٍ، وأَناسِيَةً
بالتخفيف والتأْنيث.
والإِنْسُ: البشر، الواحد إِنْسِيٌّ وأَنَسيٌّ أَيضاً، بالتحريك. ويقال:
أَنَسٌ وآناسٌ كثير. وقال الفراء في قوله عز وجل: وأَناسِيّ كثيراً؛
الأَناسِيُّ جِماعٌ، الواحد إِنْسِيٌّ، وإِن شئت جعلته إِنساناً ثم جمعته
أَناسِيّ فتكون الياءُ عوضاً من النون، كما قالوا للأَرانب أَراني،
وللسَّراحين سَراحِيّ. ويقال للمرأَة أَيضاً إِنسانٌ ولا يقال إِنسانة، والعامة
تقوله. وفي الحديث: أَنه نهى عن الحُمُر الإِنسيَّة يوم خَيْبَر؛ يعني
التي تأْلف البيوت، والمشهور فيها كسر الهمزة، منسوبة إِلى الإِنس، وهم بنو
آدم، الواحد إِنْسِيٌّ؛ قال: وفي كتاب أَبي موسى ما يدل على أَن الهمزة
مضمومة فإِنه قال هي التي تأْلف البيوت. والأُنْسُ، وهو ضد الوحشة،
الأُنْسُ، بالضم، وقد جاءَ فيه الكسر قليلاً، ورواه بعضهم بفتح الهمزة والنون،
قال: وليس بشيءٍ؛ قال ابن الأَثير: إِن أَراد أَن الفتح غير معروف في
الرواية فيجوز، وإِن أَراد أَنه ليس بمعروف في اللغة فلا، فإِنه مصدر
أَنِسْت به آنَس أَنَساً وأَنَسَةً، وقد حكي أَن الإِيْسان لغة في الإِنسان،
طائية؛ قال عامر بن جرير الطائي:
فيا ليتني من بَعْدِ ما طافَ أَهلُها
هَلَكْتُ، ولم أَسْمَعْ بها صَوْتَ إِيسانِ
قال ابن سيده: كذا أَنشده ابن جني، وقال: إِلا أَنهم قد قالوا في جمعه
أَياسِيَّ، بياء قبل الأَلف، فعلى هذا لا يجوز أَن تكون الياء غير مبدلة،
وجائز أَيضاً أَن يكون من البدل اللازم نحو عيدٍ وأَعْياد وعُيَيْدٍ؛ قال
اللحياني: فلي لغة طيء ما رأَيتُ ثَمَّ إِيساناً أَي إِنساناً؛ وقال
اللحياني: يجمعونه أَياسين، قال في كتاب اللَّه عز وجل: ياسين والقرآن
الحكيم؛ بلغة طيء، قال أَبو منصور: وقول العلماء أَنه من الحروف المقطعة. وقال
الفراءُ: العرب جميعاً يقولون الإِنسان إِلا طيئاً فإِنهم يجعلون مكان
النون ياء. وروى قَيْسُ ابن سعد أَن ابن عباس، رضي اللَّه عنهما، قرأَ:
ياسين والقرآن الحكيم، يريد يا إِنسان. قال ابن جني: ويحكى أَن طائفة من
الجن وافَوْا قوماً فاستأْذنوا عليهم فقال لهم الناس: من أَنتم؟ فقالوا:
ناسٌ من الجنِّ، وذلك أَن المعهود في الكلام إِذا قيل للناس من أَنتم
قالوا: ناس من بني فلان، فلما كثر ذلك استعملوه في الجن على المعهود من كلامهم
مع الإِنس، والشيء يحمل على الشيء من وجه يجتمعان فيه وإِن تباينا من
وجه آخر.
والإِنسانُ أَيضاً: إِنسان العين، وجمعه أَناسِيُّ. وإِنسانُ العين:
المِثال الذي يرى في السَّواد؛ قال ذو الرمة يصف إِبلاً غارت عيونها من
التعب والسير:
إِذا اسْتَحْرَسَتْ آذانُها، اسْتَأْنَسَتْ لها
أَناسِيُّ مَلْحودٌ لها في الحَواجِبِ
وهذا البيت أَورده ابنُ بري: إِذا اسْتَوْجَسَتْ، قال: واستوجست بمعنى
تَسَمَّعَتْ، واسْتَأْنَسَتْ وآنَسَتْ بمعنى أَبصرت، وقوله: ملحود لها في
الحواجب، يقول: كأَن مَحارَ أَعيُنها جُعِلْنَ لها لُحوداً وصَفَها
بالغُؤُور؛ قال الجوهري ولا يجمع على أُناسٍ. وإِنسان العين: ناظرها.
والإِنسانُ: الأُنْمُلَة؛ وقوله:
تَمْري بإِنْسانِها إِنْسانَ مُقْلَتها،
إِنْسانةٌ، في سَوادِ الليلِ، عُطبُولُ
فسره أَبو العَمَيْثَلِ الأَعرابيُّ فقال: إِنسانها أُنملتها. قال ابن
سيده: ولم أَره لغيره؛ وقال:
أَشارَتْ لإِنسان بإِنسان كَفِّها،
لتَقْتُلَ إِنْساناً بإِنْسانِ عَيْنِها
وإِنْسانُ السيف والسهم: حَدُّهما. وإِنْسِيُّ القَدَم: ما أَقبل عليها
ووَحْشِيُّها ما أَدبر منها. وإِنْسِيٌّ الإِنسان والدابة: جانبهما
الأَيسر، وقيل الأَيمن. وإِنْسِيُّ القَوس: ما أَقبل عليك منها، وقيل:
إِنْسِيُّ القوس ما وَليَ الرامِيَ، ووَحْشِيُّها ما ولي الصيد، وسنذكر اختلاف
ذلك في حرف الشين. التهذيب: الإِنْسِيُّ من الدواب هو الجانب الأَيسر الذي
منه يُرْكَبُ ويُحْتَلَبُ، وهو من الآدمي الجانبُ الذي يلي الرجْلَ
الأُخرى، والوَحْشِيُّ من الإِنسانِ الجانب الذي يلي الأَرض. أَبو زيد:
الإِنْسِيُّ الأَيْسَرُ من كل شيء. وقال الأَصمعي: هو الأَيْمَنُ، وقال: كلُّ
اثنين من الإِنسان مثل الساعِدَيْن والزَّنْدَيْن والقَدَمين فما أَقبل
منهما على الإِنسان فهو إِنْسِيٌّ، وما أَدبر عنه فهو وَحْشِيٌّ.
والأَنَسُ: أَهل المَحَلِّ، والجمع آناسٌ؛ قال أَبو ذؤَيب:
مَنايا يُقَرِّبْنَ الحُتُوفَ لأَهْلِها
جَهاراً، ويَسْتَمْتِعْنَ بالأَنَسِ الجُبْلِ
وقال عمرو ذو الكَلْب:
بفِتْيانٍ عَمارِطَ من هُذَيْلٍ،
هُمُ يَنْفُونَ آناسَ الحِلالِ
وقالوا: كيف ابنُ إِنْسُك أَي كيف نَفْسُك. أَبو زيد: تقول العرب للرجل
كيف ترى ابن إِنْسِك إِذا خاطبت الرجل عن نفْسك. الأحمر: فلان ابن إِنْسِ
فلان أَي صَفِيُّه وأَنيسُه وخاصته. قال الفراء: قلت للدُّبَيْريّ إِيش،
كيف ترى ابنُ إِنْسِك، بكسر الأَلف؟ فقال: عزاه إِلى الإِنْسِ، فأَما
الأُنْس عندهم فهو الغَزَلُ. الجوهري: يقال كيف ابنُ إِنْسِك وإِنْسُك يعني
نفسه، أَي كيف تراني في مصاحبتي إِياك؟ ويقال: هذا حِدْثي وإِنسي
وخِلْصي وجِلْسِي، كله بالكسر. أَبو حاتم: أَنِسْت به إِنساً، بكسر الأَلف، ولا
يقال أُنْساً إِنما الأُنْسُ حديثُ النساء ومُؤَانستهن. رواه أَبو حاتم
عن أَبي زيد. وأَنِسْتُ به آنَسُ وأَنُسْتُ أنُسُ أَيضاً بمعنى واحد.
والإِيناسُ: خلاف الإِيحاش، وكذلك التَّأْنيس. والأَنَسُ والأُنْسُ
والإِنْسُ الطمأْنينة، وقد أَنِسَ به وأَنَسَ يأْنَسُ ويأْنِسُ وأَنُسَ أُنْساً
وأَنَسَةً وتَأَنَّسَ واسْتَأْنَسَ؛ قال الراعي:
أَلا اسْلَمي اليومَ ذاتَ الطَّوْقِ والعاجِ.
والدَّلِّ والنَّظَرِ المُسْتَأْنِسِ الساجي
والعرب تقول: آنَسُ من حُمَّى؛ يريدون أَنها لا تكاد تفارق العليل
فكأَنها آنِسَةٌ به، وقد آنَسَني وأَنَّسَني. وفي بعض الكلام: إِذا جاءَ الليل
استأْنَس كلُّ وَحْشِيٍّ واستوحش كلُّ إِنْسِيٍّ؛ قال العجاج:
وبَلْدَةٍ ليس بها طُوريُّ،
ولا خَلا الجِنَّ بها إِنْسِيُّ
تَلْقى، وبئس الأَنَسُ الجِنِّيُّ
دَوِّيَّة لهَولِها دَويُّ،
للرِّيح في أَقْرابها هُوِيُّ
هُويُّ: صَوْتٌ. أَبو عمرو: الأَنَسُ سُكان الدار. واستأْنس الوَحْشِيُّ
إِذا أَحَسَّ إِنْسِيّاً. واستأْنستُ بفلان وتأَنَّسْتُ به بمعنى؛ وقول
الشاعر:
ولكنني أَجمع المُؤْنِساتِ،
إِذا ما اسْتَخَفَّ الرجالُ الحَديدا
يعني أَنه يقاتل بجميع السلاح، وإِنما سماها بالمؤْنسات لأَنهن
يُؤْنِسْنَه فَيُؤَمِّنَّه أَو يُحَسِّنَّ ظَنَّهُ. قال الفراء: يقال للسلاح كله
من الرُّمح والمِغْفَر والتِّجْفاف والتَّسْبِغَةِ والتُّرْسِ وغيره:
المُؤْنِساتُ.
وكانت العرب القدماءُ تسمي يوم الخميس مُؤْنِساً لأنَّهم كانوا يميلون
فيه إلى الملاذِّ؛ قال الشاعر:
أُؤَمِّلُ أَن أَعيشَ، وأَنَّ يومي
بأَوَّل أَو بأَهْوَنَ أَو جُبارِ
أَو التَّالي دُبارِ، فإِن يَفُتْني،
فَمُؤْنِس أَو عَروبَةَ أَو شِيارِ
وقال مُطَرِّز: أَخبرني الكريمي إِمْلاءً عن رجاله عن ابن عباس، رضي
اللَّه عنهما، قال: قال لي عليّ، عليه السلام: إِن اللَّه تبارك وتعالى خلق
الفِرْدَوْسَ يوم الخميس وسماها مُؤْنِسَ.
وكلب أَنُوس: وهو ضد العَقُور، والجمع أُنُسٌ. ومكان مَأْنُوس إِنما هو
على النسب لأَنهم لم يقولوا آنَسْتُ المكان ولا أَنِسْتُه، فلما لم نجد
له فعلاً وكان النسبُ يَسوغُ في هذا حملناه عليه؛ قال جرير:
حَيِّ الهِدَمْلَةَ من ذاتِ المَواعِيسِ،
فالحِنْوُ أَصْبَحَ قَفْراً غيرَ مَأْنُوسِ
وجارية أنِسَةٌ: طيبة الحديث؛ قال النابغة الجَعْدي:
بآنِسةٍ غَيْرِ أُنْسِ القِرافِ،
تُخَلِّطُ باللِّينِ منها شِماسا
وكذلك أَنُوسٌ، والجمع أُنُسٌ؛ قال الشاعر يصف بيض النعام:
أُنُسٌ إِذا ما جِئْتَها بِبُيُوتِها،
شُمُسٌ إِذا داعي السَّبابِ دَعاها
جُعلَتْ لَهُنَّ مَلاحِفٌ قَصَبيَّةٌ،
يُعْجِلْنَها بالعَطِّ قَبْلَ بِلاها
والمَلاحِف القصبية يعني بها ما على الأَفْرُخِ من غِرْقئِ البيض.
الليث: جارية آنِسَةٌ إِذا كانت طيبة النَّفْسِ تُحِبُّ قُرْبَكَ وحديثك،
وجمعها آنِسات وأَوانِسُ. وما بها أَنِيسٌ أَي أَحد، والأُنُسُ الجمع.
وآنَسَ الشيءَ: أَحَسَّه. وآنَسَ الشَّخْصَ واسْتَأْنَسَه: رآه وأَبصره
ونظر إِليه؛ أَنشد ابن الأَعرابي:
بعَيْنَيَّ لم تَسْتَأْنِسا يومَ غُبْرَةٍ،
ولم تَرِدا جَوَّ العِراقِ فَثَرْدَما
ابن الأَعرابي: أَنِسْتُ بفلان أَي فَرِحْتُ به، وآنَسْتُ فَزَعاً
وأَنَّسْتُهُ إِذا أَحْسَسْتَه ووجدتَهُ في نفسك. وفي التنزيل العزيز: آنَسَ
من جانب الطُور ناراً؛ يعني موسى أَبصر ناراً، وهو الإِيناسُ. وآنَس
الشيءَ: علمه. يقال: آنَسْتُ منه رُشْداً أَي علمته. وآنَسْتُ الصوتَ: سمعته.
وفي حديث هاجَرَ وإِسمعيلَ: فلما جاءَ إِسمعيل، عليه السلام، كأَنه آنَسَ
شيئاً أَي أَبصر ورأَى لم يَعْهَدْه. يقال: آنَسْتُ منه كذا أَي علمت.
واسْتَأْنَسْتُ: اسْتَعْلَمْتُ؛ ومنه حديث نَجْدَةَ الحَرُورِيِّ وابن
عباس: حتى تُؤْنِسَ منه الرُّشْدَ أَي تعلم منه كمال العقل وسداد الفعل
وحُسْنَ التصرف. وقوله تعالى: يا أَيها الذين آمنوا لا تَدْخُلوا بُيوتاً
غيرَ بُيوتِكم حتى تَسْتَأْنِسوا وتُسَلِّموا؛ قال الزجاج: معنى تستأْنسوا
في اللغة تستأْذنوا، ولذلك جاءَ في التفسير تستأْنسوا فَتَعْلَموا
أَيريد أَهلُها أَن تدخلوا أَم لا؟ قال الفراءُ: هذا مقدم ومؤَخَّر إِنما هو
حتى تسلِّموا وتستأْنسوا: السلام عليكم أَأَدخل؟ قال: والاستئناس في كلام
العرب النظر. يقال: اذهبْ فاسْتَأْنِسْ هل ترى أَحداً؟ فيكون معناه
انظرْ من ترى في الدار؛ وقال النابغة:
بذي الجَليل على مُسْتَأْنِسٍ وَحِدِ
أَي على ثور وحشيٍّ أَحس بما رابه فهو يَسْتَأْنِسُ أَي يَتَبَصَّرُ
ويتلفت هل يرى أَحداً، أَراد أَنه مَذْعُور فهو أَجَدُّ لعَدْوِه وفراره
وسرعته. وكان ابن عباس، رضي اللَه عنهما، يقرأُ هذه الآية: حتى تستأْذنوا،
قال: تستأْنسوا خطأ من الكاتب. قال الأَزهري: قرأ أُبيّ وابن مسعود:
تستأْذنوا، كما قرأَ ابن عباس، والمعنى فيهما واحد. وقال قتادة ومجاهد:
تستأْنسوا هو الاستئذان، وقيل: تستأْنسوا تَنَحْنَحُوا. قال الأَزهري: وأَصل
الإِنْسِ والأَنَسِ والإِنسانِ من الإِيناسِ، وهو الإِبْصار.
ويقال: آنَسْتُه وأَنَّسْتُه أَي أَبصرته؛ وقال الأَعشى:
لا يَسْمَعُ المَرْءُ فيها ما يؤَنِّسُه،
بالليلِ، إِلاَّ نَئِيمَ البُومِ والضُّوَعا
وقيل معنى قوله: ما يُؤَنِّسُه أَي ما يجعله ذا أُنْسٍ، وقيل للإِنْسِ
إِنْسٌ لأَنهم يُؤنَسُونَ أَي يُبْصَرون، كما قيل للجنِّ جِنٌّ لأَنهم لا
يؤنسون أَي لا يُبصَرون. وقال محمد بن عرفة الواسطي: سمي الإِنْسِيٍّون
إِنْسِيِّين لأَنهم يُؤنَسُون أَي يُرَوْنَ، وسمي الجِنُّ جِنّاً لأَنهم
مُجْتَنُّون عن رؤية الناس أَي مُتَوارُون. وفي حديث ابن مسعود: كان إِذا
دخل داره اسْتَأْنس وتَكَلَّمَ أَي اسْتَعْلَم وتَبَصَّرَ قبل الدخول؛
ومنه الحديث:
أَلم تَرَ الجِنَّ وإِبلاسها،
ويَأْسَها من بعد إِيناسها؟
أَي أَنها يئست مما كانت تعرفه وتدركه من استراق السمع ببعثة النبي، صلى
اللَه عليه وسلم. والإِيناسُ: اليقين؛ قال:
فإِن أَتاكَ امْرؤٌ يَسْعَى بِكذْبَتِه،
فانْظُرْ، فإِنَّ اطِّلاعاً غَيْرُ إِيناسِ
الاطِّلاعُ: النظر، والإِيناس: اليقين؛ قال الشاعر:
ليَس بما ليس به باسٌ باسْ،
ولا يَضُرُّ البَرَّ ما قال الناسْ،
وإِنَّ بَعْدَ اطِّلاعٍ إِيناسْ
وبعضهم يقول: بعد طُلوعٍ إِيناسٌ. الفراء: من أَمثالهم: بعد اطِّلاعٍ
إِيناسٌ؛ يقول: بعد طُلوعٍ إِيناس.
وتَأَنَّسَ البازي: جَلَّى بطَرْفِه. والبازي يَتَأَنَّسُ، وذلك إِذا ما
جَلَّى ونظر رافعاً رأْسه وطَرْفه.
وفي الحديث: لو أَطاع اللَّهُ الناسَ في الناسِ لم يكن ناسٌ؛ قيل: معناه
أَن الناس يحبون أَن لا يولد لهم إِلا الذُّكْرانُ دون الإِناث، ولو لم
يكن الإِناث ذهب الناسُ، ومعنى أَطاع استجاب دعاءه.ومَأْنُوسَةُ
والمَأْنُوسَةُ جميعاً: النار. قال ابن سيده: ولا أَعرف لها فِعْلاً، فأَما
آنَسْتُ فإِنما حَظُّ المفعول منها مُؤْنَسَةٌ؛ وقال ابن أَحمر:
كما تَطايَرَ عن مَأْنُوسَةَ الشَّرَرُ
قال الأَصمعي: ولم نسمع به إِلا في شعر ابن أَحمر.
ابن الأَعرابي: الأَنِيسَةُ والمَأْنُوسَةُ النار، ويقال لها السَّكَنُ
لأَن الإِنسان إِذا آنَسَها ليلاً أَنِسَ بها وسَكَنَ إِليها وزالت عنه
الوَحْشَة، وإِن كان بالأَرض القَفْرِ.
أَبو عمرو: يقال للدِّيكِ الشُّقَرُ والأَنيسُ والنَّزِيُّ.
والأَنِيسُ: المُؤَانِسُ وكل ما يُؤْنَسُ به. وما بالدار أَنِيسٌ أَي
أَحد؛ وقول الكميت:
فِيهنَّ آنِسَةُ الحدِيثِ حَيِيَّةٌ،
ليسَتْ بفاحشَةٍ ولا مِتْفالِ
أَي تَأْنَسُ حديثَك ولم يرد أَنها تُؤْنِسُك لأَنه لو أَراد ذلك لقال
مُؤْنِسَة.
وأَنَسٌ وأُنَيسٌ: اسمان. وأُنُسٌ: اسم ماء لبني العَجْلانِ؛ قال ابن
مُقْبِل:
قالتْ سُلَيْمَى ببطنِ القاعِ من أُنُسٍ:
لا خَيْرَ في العَيْشِ بعد الشَّيْبِ والكِبَرِ
ويُونُسُ ويُونَسُ ويُونِسُ، ثلاث لغات: اسم رجل، وحكي فيه الهمز فيه
الهمز أَيضاً، واللَّه أَعلم.
قلل: القِلَّةُ: خِلاف الكثرة. والقُلُّ: خلاف الكُثْر، وقد قَلَّ
يَقِلُّ قِلَّة وقُلاًّ، فهو قَليل وقُلال وقَلال، بالفتح؛ عن ابن جني.
وقَلَّله وأقَلَّه: جعله قليلاً، وقيل: قَلَّله جعله قَليلاً. وأَقَلَّ: أَتى
بقَلِيل. وأَقَلَّ منه: كقَلَّله؛ عن ابن جني. وقَلَّله في عينه أَي أَراه
قَليلاً. وأَقَلَّ الشيء: صادَفه قَليلاً. واستقلَّه: رآه قَليلاً.
يقال: تَقَلَّل الشيءَ واستقلَّه وتَقالَّه إِذا رآه قَليلاً. وفي حديث أَنس:
أَن نَفَراً سأَلوه عن عِبادة النبي، صلى الله عليه وسلم، فلما
أُخُبِروا كأَنهم تَقالُّوها أَي استقلُّوها، وهو تَفاعُل من القِلَّة. وفي
الحديث: أَنه كان يُقِلُّ اللَّغْوَ أَي لا يَلْغُو أَصلاً؛ قال ابن الأَثير:
وهذا اللفظ يستعمَل في نفي أَصل الشيء كقوله تعالى: فَقَلِيلاً ما
يؤمنون، قال: ويجوز أَن يريد باللَّغْو الهزْلَ والدُّعاية، وأَن ذلك كان منه
قَليلاً.
والقُلُّ: القِلَّة مثل الذُّلِّ والذِّلَّة. يقال: الحمدلله على القُلّ
والكُثْر، والقِلِّ والكِثْرِ، وما له قُلٌّ ولا كُثْرٌ. وفي حديث ابن
مسعود: الرِّبا، وإِن كَثُر، فهو إِلى قُلٍّ؛ معناه إِلى قِلَّة أَي أَنه
وإِن كان زيادة في المال عاجلاً فإِنه يَؤُول إِلى النقص، كقوله: يمحَق
الله الرِّبا ويُرْبي الصَّدَقات؛ قاله أَبو عبيد وأَنشد قول لبيد:
كلُّ بَني حُرَّةٍ مَصِيرُهُمْ
قُلٌّ، وإِن أَكثرتْ من العَدَدْ
وأَنشد الأَصمعي لخالد بن عَلْقمَة الدَّارمي:
ويْلُ آمّ لَذَّات الشباب مَعِيشه
مع الكُثْرِ يُعْطاه الفَتى المُتْلِف النَّدي
قد يَقْصُر القُلُّ الفَتى دُونَ هَمِّه،
وقد كان، لولا القُلُّ، طَلاَّعَ أَنْجُدِ
وأَنشد ابن بري لآخر:
فأَرْضَوْهُ إِنْ أَعْطَوْه مِنِّي ظُلامَةً،
وما كُنْتُ قُلاًّ، قبلَ ذلك، أَزْيَبا
وقولهم: لم يترُك قَليلاً ولا كثيراً؛ قال أَبو عبيد: فإِنَّهم
يَبْدَؤون بالأَدْوَن كقولهم القَمَران، ورَبِيعة ومُضَر، وسُلَيم
وعامر.والقُلال، بالضم: القَلِيل. وشيء قليل، وجمعه قُلُل: مثل سَرِير وسُرُر.
وشيء قُلٌّ: قَليل. وقُلُّ الشيء: أَقَلُّه. والقَلِيل من الرجال:
القصير الدَّقِيق الجُثَّة، وامرأَة قَلِيلة كذلك. ورجل قُلٌّ: قصير الجُثَّة.
والقُلُّ من الرجال: الخسيس الدِّين؛ ومنه قول الأَعشى:
وما كُنْتُ قُلاًّ، قبلَ ذلك، أَزْيَبا
ووصفَ أَبو حنيفة العَرْض بالقِلَّة فقال: المِعْوَل نَصْل طويلٌ قَلِيل
العَرْض، وقومٌ قَلِيلون وأَقِلاَّءُ وقُلُلٌ وقُلُلون: يكون ذلك في
قِلَّة العَدَد ودِقَّة الجُثَّة، وقومٌ قَلِيل أَيضاً. قال الله تعالى:
واذكروا إِذ كنتم قَليلاً فكثَّركم.
وقالوا: قَلَّما يقوم زيد؛ هَيَّأَتْ ما قَلَّ ليقَعَ بعدها الفعلُ؛ قال
بعض النحويين: قَلَّ من قولك قَلَّما فِعْلٌ لا فاعل له، لأَن ما
أَزالته عن حُكْمه في تقاضيه الفاعل، وأَصارته إِلى حكم الحرف المتقاضِي للفعل
لا الاسم نحو لولا وهلاَّ جميعاً، وذلك في التَّحْضيض، وإِن في الشرط
وحرف الاستفهام؛ ولذلك ذهب سيبويه في قول الشاعر:
صَدَدْت فأَطولت الصُّدودَ، وقَلَّما
وِصالٌ على طُول الصُّدود يَدُومُ
إِلى أَن وِصالٌ يرتفِع بفعل مضمر يدلُّ عليه يَدُوم، حتى كأَنه قال:
وقَلَّما يدوم وِصالٌ، فلما أَضمر يَدُوم فسره بقوله فيما بعدُ يَدومُ،
فجرى ذلك في ارتفاعه بالفعل المضمر لا بالابتداء مجرى قولك: أَوِصالٌ يَدومُ
أَو هَلاَّ وِصال يَدُوم؟ ونظير ذلك حرف الجر في نحو قول الله عز وجل:
رُبَّما يَوَدُّ الذين كفروا؛ فما أَصلحتْ رُبَّ لوقوع الفعل بعدها
ومنعتْها وقوعَ الاسم الذي هو لها في الأَصل بعدها، فكما فارقت رُبَّ بتركيبها
مع ما حكمَها قبل أَن تركَّب معها، فكذلك فارقتْ طالَ وقَلَّ بالتركيب
الحادث فيهما ما كانتا عليه من طلبهما الأَسماء، أَلا ترى أَنْ لو قلتَ
طالما زيد عندنا أَو قَلَّما محمد في الدار لم يجز؟ وبعد فإِنَّ التركيب
يُحْدِث في المركَّبَين معنًى لم يكن قبل فيهما، وذلك نحو إِنَّ مفردة
فإِنها للتحقيق، فإِذا دخلتْها ما كافَّة صارت للتحقير كقولك: إِنَّما أَنا
عبدُك، وإِنما أَنا رسول ونحو ذلك، وقالوا: أَقَلُّ امرأَتين تَقُولان ذلك؛
قال ابن جني: لما ضارع المبتدأ حرفَ النفي بَقَّوُا المبتدأ بلا خبر.
وأَقَلَّ: افتقَرَ. والإِقْلالُ: قِلَّة الجِدَةِ، وقَلَّ مالُه. ورجل
مُقِلٌّ وأَقَلُّ: فقير. يقال: فعل ذلك من بين أَثْرَى وأَقَلَّ أَي من
بين الناس كلهم.
وقالَلْتُ له الماءَ إِذا خفتَ العطش فأَردت أَن تستقِلَّ ماءَك. أَبو
زيد: قالَلْت لفلان، وذلك إِذا قلَّلْت ما أَعطيتَه. وتَقالَلْت ما
أَعطاني أَي استقلَلْته، وتكاثَرْته أَي استكثرته.
وهو قُلُّ بنُ قُلٍّ وضُلُّ بنُ ضُلٍّ: لا يُعرف هو ولا أَبوه، قال
سيبويه: وقالوا قُلُّ رجل يقول ذلك إِلا زيد. وقدم علينا قُلُلٌ من الناس
إِذا كانوا من قَبائل شتَّى متفرِّقين، فإِذا اجتمعوا جمعاً فهم قُلَلٌ.
والقُلَّة: الحُبُّ العظيم، وقيل: الجَرَّة العظيمة، وقيل: الجَرَّة
عامة، وقيل: الكُوز الصغير، والجمع قُلَل وقِلال، وقيل: هو إِناءٌ للعرب
كالجَرَّة الكبيرة؛ وقال جميل بن معمر:
فظَلِلْنا بنِعمة واتَّكَأْنا،
وشَرِبْنا الحَلالَ من قُلَلِهْ
وقِلال هَجَر: شبيهة بالحِبَاب؛ قالَ حسان:
وأَقْفَر من حُضَّارِه وِرْدُ أَهْلِهِ،
وقد كان يُسقَى في قِلالٍ وحَنْتَم
وقال الأَخطل:
يَمْشُون حَولَ مُكَدَّمٍ، قد كَدَّحَتْ
مَتْنَيه حَمْلُ حَناتِمٍ وقِلال
وفي الحديث: إِذا بلَغ الماءُ قُلَّتين لم يحمِل نَجَساً، وفي رواية: لم
يحمِل خَبَثاً؛ قال أَبو عبيد في قوله قُلَّتين: يعني هذه الحِبَاب
العِظام، واحدتها قُلَّة، وهي معروفة بالحجاز وقد تكون بالشام. وفي الحديث في
ذكر الجنة وصفة سِدْرة المُنْتَهَى: ونَبِقُها مثل قِلال هَجَر، وهَجَر:
قرية قريبة من المدينة وليست هَجَر البحرين، وكانت تعمل بها القِلال.
وروى شمر عن ابن جريج قال: أَخبرني من رأَى قِلال هجر تسع القُلَّة منها
الفَرَق؛ قال عبد الرزاق: الفَرَق أَربعة أَصْوُع بصاع سيدنا رسول الله،
صلى الله عليه وسلم، وروي عن عيسى بن يونس قال: القُلَّة يؤتى بها من ناحية
اليمن تسع فيها خمس جِرار أَو سِتّاً؛ قال أَحمد بن حنبل: قدر كل كل
قُلَّة قِرْبتان، قال: وأَخشى على القُلَّتين من البَوْل، فأَما غير البَوْل
فلا ينجسه شيء، وقال إِسحق: البول وغيره سواء إِذا بلغ الماء قُلَّتين
لم ينجسه شيء، وهو نحو أَربعين دَلْواً أكثر ما قيل في القُلَّتين، قال
الأَزهري. وقِلال هَجر والأَحْساء ونواحيها معروفة تأْخذ القُلَّة منها
مَزادة كبيرة من الماء، وتملأُ الرواية قُلَّتين، وكانوا يسمونها الخُرُوس،
واحدها خَرْس، ويسمونها القلال، واحدتها قُلَّة، قال: وأَراها سميت
قِلالاً لأَنها تُقَلُّ أَي ترفَع إِذا ملئت وتحمَل.
وفي حديث العباس: فحَثَا في ثوبه ثم ذهب يُقِلُّه فلم يستطِع؛ يقال:
أَقَلَّ الشيءَ يُقِلُّه واستقلَّه يستقلُّه إِذا رفعه وحمله. وأَقَلَّ
الجَرَّة: أَطاق حملها. وأَقَلَّ الشيء واستقبلَّه: حمله ورفعه.
وقُلَّة كل شيء: رأْسه. والقُلَّة: أَعلى الجبل. وقُلَّة كل شيء:
أَعلاه، والجمع كالجمع، وخص بعضهم به أَعلى الرأْس والسنام والجبل. وقِلالة
الجبل: كقُلَّته؛ قال ابن أَحمر:
ما أُمُّ غَفْرٍ في القِلالة، لم
يَمْسَسْ حَشاها، قبله، غَفْر
ورأْس الإِنسان قُلَّة؛ وأَنشد سيبويه:
عَجائب تُبْدِي الشَّيْبَ في قُلَّة الطِّفْل
والجمع قُلَل؛ ومنه قول ذي الرمة يصف فِراخ النعامة ويشبه رؤوسها
بالبنادق:
أَشْداقُها كصُدُوع النَّبْع في قُلَلٍ،
مثل الدَّحارِيج لم يَنْبُت لها زَغَبُ
وقُلَّة السيف: قَبِيعَتُه. وسيف مُقَلَّل إِذا كانت له قَبِيعة؛ قال
بعض الهذليين:
وكُنَّا، إِذا ما الحربُ ضُرِّس نابُها،
نُقَوِّمُها بالمَشْرَفِيِّ المُقَلَّل
واستقلَّ الطائر في طيرانه: نَهض للطيران وارتفع في الهواء. واستقلَّ
النبات: أَنافَ. واستقلَّ القوم: ذهبوا واحتملوا سارِين وارتحلوا؛ قال الله
عز وجل: حتى إِذا أَقَلَّتْ سحاباً ثِقالاً؛ أَي حَمَلت. واستقلَّت
السماء: ارتفعت. وفي الحديث: حتى تَقالَّت الشمس أَي استقلَّت في السماء
وارتفعت وتعالَتْ. وفي حديث عمرو بن عَنْبسة: قال له إِذا ارتفعت الشمس
فالصلاة مَحْظُورة حتى يستقلَّ الرُّمْحُ بالظِّل أَي حتى يبلُغ ظل الرمح
المغروس في الأَرض أَدنى غاية القِلَّة والنقص، لأَن ظل كل شخص في أَوَّل
النهار يكون طويلاً ثم لا يزال ينقص حتى يبلُغ أَقصره، وذلك عند انتِصاف
النهار، فإِذا زالت الشمس عاد الظل يزيد، وحينئذ يدخُل وقت الظهر وتجوز
الصلاة ويذهب وقت الكراهة، وهذا الظل المتناهي في القصر هو الذي يسمَّى ظل
الزوال أَي الظل الذي تزول الشمس عن وسط السماء وهو موجود قبل الزيادة،
فقوله يستقِلُّ الرمحُ بالظل، هو من القِلَّة لا من الإِقْلال والاسْتقلالِ
الذي بمعنى الارتفاع والاسْتبداد.
والقِلَّة والقِلُّ، بالكسر: الرِّعْدة، وقيل: هي الرِّعْدة من الغضب
والطمَع ونحوه يأْخذ الإِنسان، وقد أَقَلَّته الرِّعْدة واستقلَّته؛ قال
الشاعر:
وأَدْنَيْتِني حتى إِذا ما جَعَلْتِني
على الخَصْرِ أَو أَدْنَى، اسْتَقَلَّك راجِفُ
يقال: أَخذه قِلُّ من الغضب إِذا أُرْعِد ويقال للرجل إِذا غضب: قد
استقلَّ.
الفراء: القَلَّة النَّهْضة من عِلَّة أَو فقر، بفتح القاف. وفي حديث
عمر: قال لأَخيه زيد لمَّا ودَّعه وهو يريد اليمامة: ما هذا القِلُّ الذي
أَراه بك؟ القِلُّ، بالكسر: الرِّعْدة.
والقِلالُ: الخُشُب المنصوبة للتَّعريش؛ حكاه أَبو حنيفة؛ وأَنشد:
من خَمر عانَةَ، ساقِطاً أَفنانُها،
رفَع النَّبيطُ كُرُومَها بقِلال
أَراد بالقِلال أَعْمِدة ترفَع بها الكُروم من الأَرض، ويروى بظلال.
وارتحل القوم بقِلِّيَّتِهم أَي لم يَدَعوا وراءهم شيئاً. وأَكل
الضَّبَّ بقِلِّيَّتِه أَي بعظامه وجلده. أَبو زيد: يقال ما كان من ذلك قلِيلةٌ
ولا كَثِيرةٌ وما أَخذت منه قليلةً ولا كثيرة بمعنى لم آخُذ منه شيئاً،
وإِنما تدخل الهاء في النفي. ابن الأَعرابي: قَلَّ إِذا رفَع، وقَلَّ إِذا
علا.
وبنو قُلٍّ: بطن.
وقَلْقَل الشيءَ قَلْقَلَةً وقِلْقالاً وقَلْقالاً فَتَقَلْقَل
وقُلْقالاً؛ عن كراع وهي نادرة أَي حرَّكه فتحرَّك واضطرب، فإِذا كسرته فهو مصدر،
وإِذا فتحته فهو اسم مثل الزِّلْزال والزَّلْزال، والاسم القُلْقال؛
وقال اللحياني: قَلْقَل في الأَرض قَلْقَلةً وقِلْقالاً ضرَب فيها، والاسم
القَلْقالُ. وتَقَلْقل: كقَلْقَل. والقُلْقُل والقُلاقِلُ: الخفيف في
السفَر المِعْوان السريع التَّقَلْقُل. ورجل قَلْقال: صاحبُ أَسفار.
وتَقَلْقَل في البلاد إِذا تقلَّب فيها. وفرس قُلْقُل وقُلاقِل: جواد سريع.
وقَلْقَل أَي صوَّت،. وهو حكاية. قال أَبو الهيثم: رجل قُلْقُل بُلْبُل إِذا
كان خفيفاً ظريفاً، والجمع قَلاقِل وبَلابِل. وفي حديث عليّ: قال أَبو عبد
الرحمن السلمي خرج علينا عليٌّ وهو يَتَقَلْقَل؛ التَّقَلْقُل: الخفَّة
والإِسراع، من الفَرَسِ القُلْقُلِ، بالضم، ويروى بالفاء، وقد تقدم. وفي
الحديث: ونَفْسه تَقَلْقَل في صدره أَي تتحرك بصوت شديد وأَصله الحركة
والاضطراب. والقَلْقَلة: شدّة الصياح. وذهب أَبو إِسحق في قَلْقَل وصَلْصَل
وبابُه أَنه فَعْفَل. الليث: القَلْقَلة والتَّقَلْقُل قِلَّة الثبوت في
المكان. والمِسْمارُ السَّلِسُ يَتَقلْقَل في مكانه إِذا قَلِق.
والقَلْقَلة: شدّة اضطراب الشيء وتحركه، وهو يَتَقَلْقَل ويَتَلقْلَق. أَبو
عبيد: قَلْقَلْت الشيء ولَقْلَقْتُه بمعنى واحد.
والقِلْقِل: شجر أَو نبت له حبٌّ أَسود؛ قال أَبو النجم:
وآضَتِ البُهْمَى كنَبْلِ الصَّيْقَلِ،
وحازَتِ الرِّيحُ يَبِيس القِلْقِل
وفي المثل:
دَقَّك بالمِنْحازِ حَبَّ القِلْقِل
والعامة تقول حب الفُلْفُل؛ قال الأَصمعي: وهو تصحيف، إِنما هو بالقاف،
وهو أَصلب ما يكون من الحبوب، حكاه أَبو عبيد. قال ابن بري: الذي ذكره
سيبويه ورواه حب الفُلْفُل، بالفاء، قال: وكذا رواه عليّ بن حمزة؛
وأَنشد:وقد أَراني في الزمانِ الأَوَّلِ
أَدُقُّ في جارِ اسْتِها بمِعْوَلِ،
دَقَّك بالمِنْحازِ حبَّ الفُلْفُلِ
وقيل: القِلْقِل نبت ينبت في الجَلَد وغَلْظ السَّهْل ولا يكاد ينبُت في
الجبال، وله سِنْف أُفَيْطِحُ ينبُت في حبات كأَنهنّ العدَس، فإِذا
يَبِس فانتفَخ وهبَّت به الريحُ سمعْت تَقلقُلَه كأَنه جَرَس، وله ورَق أَغبر
أَطْلس كأَنه ورَق القَصَب. والقُلاقِل والقُلْقُلان: نَبْتان. وقال
أَبو حنيفة: القِلْقِل والقُلاقِل والقُلْقُلان كله شيء واحد نَبْت، قال:
وذكر الأَعراب القُدُم أَنه شجر أَخضر ينهَض على ساقٍ، ومَنابتُه الآكام
دون الرياض وله حب كحبِّ اللُّوبِياء يؤكَل والسائمةُ حريصة عليه؛
وأَنشد:كأَنّ صوتَ حَلْيِها، إِذا انْجَفَلْ،
هَزُّ رِياحٍ قُلْقُلاناً قد ذَبَلْ
والقُلاقِلُ: بَقْلة بَرِّيَّة يُشْبِه حبُّها حبَّ السِّمْسِم ولها
أَكمام كأَكمامها. الليث: القِلْقِل شجر له حبٌّ عِظام ويؤْكل؛ وأَنشد:
أَبْعارُها بالصَّيْفِ حَبُّ القِلقِل
وحب القِلقِل مُهَيِّج على البِضاع يأْكله الناس لذلك؛ قال الراجز
وأَنشده أَبو عمرو لليلى:
أَنْعَتُ أَعْياراً بأَعلى قُنَّهْ
أَكَلْنَ حَبَّ قِلْقِلٍ، فَهُنَّهْ
لهنّ من حُبّ السِّفادِ رِنَّهْ
وقال الدينَوَري: القِلْقِل والقُلاقِل والقُلْقُلانُ كله واحد له حب
كحَب السِّمْسِم وهو مهيّج للباهِ؛ وقال ذو الرمة في القِلقِل ووصف
الهَيْف:وساقَتْ حَصادَ القُلْقُلان، كأَنما
هو الخَشْلُ أَعْرافُ الرِّياحِ الزَّعازِع
والقُلْقُلانِيُّ: طائر كالفاخِتة.
وحُروف القَلْقلة: الجيمُ والطاءُ والدالُ والقاف والباء؛ حكاها سيبويه،
قال: وإِنما سميت بذلك للصوت الذي يحدث عنها عند الوقف لأَنك لا تستطيع
أَن تقِف عنده إِلا معه لشدة ضَغْط الحرف.
قرع: القَرَعُ: قَرَعُ الرأْس وهو أَن يَصْلَعَ فلا يبقى على رأْسه شعر،
وقيل: هو ذَهابُ الشعر من داءٍ؛ قَرِعَ قَرَعاً وهو أَقْرَعُ وامرأَة
قَرْعاءُ. والقَرَعةُ: موضع القَرَعِ من الرأْسِ، والقوم قُرْعٌ وقُرْعانٌ.
وقَرِعَتِ النَّعامةُ قَرَعاً: سقَط ريشُ رأْسها من الكِبَرِ، والصِّفةُ
كالصِّفةِ؛ والحَيّةُ الأَقرع إِنما يَتَمَعَّطُ شعر رأْسه، زعموا لجمعه
السمّ فيه. يقال: شُجاعٌ أَقْرَعُ. وفي الحديث: يَجِيءُ كَنْزُ أَحدِكم
يومَ القيامةِ شُجاعاً أَقْرَعَ له زَبِيبَتانِ؛ الأَقْرَعُ: الذي لا شعر
له على رأْسه، يريد حية قد تمعَّط جلد رأْسه لكثرة سمه وطُولِ عُمُره،
وقيل: سمي أَقرع لأَنه يَقْرِي السم ويجمعه في رأْسه حتى تتمعط منه فَرْوةُ
رأْسه؛ قال ذو الرمة يصف حية:
قَرَى السَّمَّ، حتى انْمازَ فَرْوةُ رأْسِه
عن العَظْمِ، صِلٌّ فاتِكُ اللَّسْعِ مارِدُهْ
والتَّقْرِيعُ: قَصُّ الشعَر؛ عن كراع. والقَرَعُ: بَثْرٌ أَبيض يخرج
بالفُصْلانِ وحَشْوِ الإِبل يُسْقِطُ وَبَرها، وفي التهذيب: يخرج في أَعْناق
الفُصْلان وقوائمها. وفي المثلِ: أَحَرُّ من القَرَعِ. وقد قَرِع
الفَصِيلُ، فهو قَرِعٌ، والجمع قَرْعى. وفي المثل: اسْتَنَّتِ الفِصالُ حتى
القَرْعَى أَي سَمِنَتْ؛ يضرب مثلاً لمن تعدّى طَوْرَه وادّعى ما ليس له.
ودواءُ القَرَع المِلْح وجُبابُ أَلبانِ الإِبل، فإِذا لم يجدوا مِلْحاً
نَتَفُوا أَوباره ونَضَحُوا جلده بالماء ثم جرّوه على السَّبَخةِ. وتَقَرَّعَ
جلده: تَقَوَّبَ عن القَرَعِ. وقُرِّعَ الفَصِيلُ تقريعاً: فُعِلَ به ما
يُفْعَلُ به إِذا لم يوجد الملح؛ قال أَوس بن حجر يذكر الخيل:
لَدَى كلِّ أُخْدُودٍ يُغادِرْنَ دارِعاً،
يُجَرُّ كما جُرَّ الفَصِيلُ المُقَرَّعُ
وهذا على السلب لأَنه يُنْزَعُ قَرَعُه بذلك كما يقال: قَذَّيْتُ العينَ
نزعت قذاها، وقَرَّدْت البعير. ومنه المثل: هو أَحرّ من القَرَع، وربما
قالوا: هو أَحرّ من القرْع، بالتسكين، يعنون به قَرْعَ المِيسَمِ وهو
المِكْواةُ؛ قال الشاعر:
كأَنَّ على كَبِدِي قَرْعةً،
حِذاراً مِنَ البَيْنِ، ما تَبْرُدُ
والعامة تقوله كذلك بتسكين الراء، تريد به القَرْعَ الذي يؤكل، وإِنما
هو بتحريكها. والفَصِيلُ قَرِيعٌ والجمع قَرْعى، مثل مَرِيضٍ ومَرْضَى.
والقَرَعُ: الجَرَبُ؛ عن ابن الأَعرابي، أَراه يعني جرب الإِبل. وقَرَّعَتِ
الحَلُوبةُ رأْسَ فَصِيلها إِذا كانت كثيرة اللبن، فإِذا رَضِعَ الفصيلُ
خِلْفاً قَطَرَ اللبَنُ من الخِلفِ الآخرِ على رأْسه فَقَرَعَ رأْسَه؛
قال لبيد:
لها حَجَلٌ قد قَرَّعَتْ مِنْ رُؤُوسِه،
لها فَوْقَه مِمَّا تَحَلَّبَ واشِلُ
سَمَّى الإِفالَ حَجلاً تشبيهاً بها لصغرها؛ وقال الجعدي:
لها حَجَلٌ قُرْعُ الرُؤُوسِ تَحَلَّبَتْ
على هامِها، بالصَّيْفِ، حتى تَمَوَّرا
وقَرِعَتْ كُرُوشُ الإِبل إِذا انْجَرَدَتْ في الحرّ حتى لا تَسْقِ
(*
قوله «لا تسق» كذا بالأصل على هذه الصورة ولعله لا تستبقي الماء أو ما في
معناه.) الماءَ فيكثر عَرَقُها وتَضْعُفَ بذلك. والقَرَعُ: قَرَعُ
الكَرِش، وهو أَن يذهب زئبره ويَرِِقَّ من شدَّة الحر. واسْتَقْرَعَ الكَرِش
إِذا استَوْكَعَ. والأَكْراشُ يقال لها القُرْعُ إِذا ذهب خَمَلُها. وفي
الحديث: أَنه لما أَتى على محسِّرٍ قَرَعَ راحلته أَي ضرَبها بِسوْطِه.
وقَرَعَ الشيءَ يَقْرَعُهُ قَرْعاً: ضربه. الأَصمعي: يقال العَصا قُرِعَتْ
لِذِي الحِلْمِ أَي إِذا نُبِّه انْتَبَه؛ ومعنى قول الحرث بن وعْلةَ
الذُّهْليّ:
وزَعَمْتُمُ أَنْ لاحُلُومَ لنا،
إِنَّ العَصا قُرِعَتْ لِذِي الحِلْمِ
قال ثعلب: المعنى أَنكم زعمتم أَنَّا قد أَخطأْنا فقد أَخطأَ العلماءُ
قبلنا، وقيل: معنى ذلك أَي أَنَّ الحليم إِذا نبه انتبه، وأَصله أَنَّ
حَكَماً من حُكَّام العرب عاش حتى أُهْتِرَ فقال لابنته: إِذا أَنكَرْتِ من
فَهْمِي شيئاً عند الحُكْمِ فاقْرَعِي لي المِجَنَّ بالعصا لأَرتدع، وهذا
الحكم هو عَمْرو بن حُمَمةَ الدَّوْسِيّ قضَى بين العرب ثلثمائة سنة،
فلما كَبِرَ أَلزموه السابع من ولده يقرع العصا إِذا غَلِطَ في حكومته؛ قال
المتلمس:
لِذِي الحِلْمِ قَبْلَ اليَوْمِ ما تُقْرَعُ العَصا،
وما عُلِّمَ الإِنسانُ إِلاَّ ليَعْلَما
ابن الأَعرابي: وقول الشاعر:
قَرَعْت ظَنابِيبَ الهَوَى، يومَ عاقِلٍ،
ويومَ اللِّوَى حتى قَشَرْت الهَوَى قَشْرا
أَي أَذَلَلْته كما تقرَع ظُنْبُوبَ بعيرك لِيَتَنَوَّخَ لك فتركبه. وفي
حديث عمار قال: قال عمر بن أَسَدِ بن عبد العُزَّى حين قيل له محمد يخطب
خديجة قال: نِعْمَ البُضْعُ
(* قوله« البضع» هو الكفء كما في النهاية
وبهامشها هو عقد النكاح على تقدير مضاف أي صاحب البضع.) لا يُقْرَعُ أَنفه؛
وفي حديث آخر: قال ورقة بن نوفل: هو الفحل لا يُقْرَعُ أَنفه أَي أَنه كفءٌ
كريم لا يُرَدُّ، وقد ذكر في ترجمة قدع أَيضاً، وقوله لا يقرع أَنفه كان
الرجل يأْتي بناقة كريمة إِلى رجل له فحل يسأَله أَن يُطْرِقَها فحلَه،
فإِن أَخرج إِليه فحلاً ليس بكريم قَرَعَ أَنفه وقال لا أُريده.
والمُقْرَعُ: الفحْلُ يُعْقَلُ فلا يُتْرَكُ أَن يضرب الإِبل رغبة عنه، وقَرَعْتُ
البابَ أَقْرَعُه قَرْعاً. وقَرَعَ الدابَّةَ وأَقرَع الدابة بلجامها
يَقْرَعُ: كفَّها به وكبَحَها؛ قال سُحَيْمُ بن وَثِيلٍ الرِّياحِي:
إِذا البَغْلُ لم يُقْرَعْ له بلِجامِه،
عَدا طَوْرَه في كلِّ ما يَتَعَوَّدُ
وقال رؤْبة:
أَقْرَعَه عَنِّي لِجامٌ يُلْجِمُه
وقَرَعْت رأْسه بالعَصا قَرْعاً مثل فَرَعْتُ، وقَرَعَ فلان سنَّه
نَدَماً؛ وأَنشد أَبو نصر:
ولو أَني أَطَعْتُكَ في أُمُورٍ،
قَرَعْتُ نَدامةً مِنْ ذاكَ سِنِّي
وأَنشد بعضهم لعمر بن الخطاب، رضي الله عنه:
مَتَى أَلْقَ زِنْباعَ بنَ رَوْحٍ ببَلْدةٍ
ليَ النِّصْفُ منها، يَقْرَعِ السِّنَّ مِنْ نَدَمْ
وكان زِنْباعُ بن رَوْحٍ في الجاهلية ينزل مَشارفَ الشام، وكان يَعْشُرُ
من مَرَّ به، فخرج عمر في تجارة إِلى الشام ومعه ذَهَبةٌ جعلها في دَبِيلٍ
وأَلقَمَها شارِفاً له، فنظر إِليها زِنْباعٌ تَذْرِفُ عيناها فقال: إِن
لها لَشَأْناً، فنحرها ووجَد الذهبَةَ فَعَشَرَها، فحينئذ قال عمر، رضي
الله عنه، هذا البيت. وقَرَعَ الشاربُ بالإِناء جبهتَه إِذا اشتفَّ ما فيه
يعني أَنه شرب جميع ما فيه؛ وأَنشد:
كأَنَّ الشُّهْبَ في الآذانِ منها،
إِذا قَرَعُوا بِحافَتِها الجَبِينا
وفي حديث عمر: أَنه أَخذ قَدَحَ سويق فشربه حتى قَرَعَ القَدَحُ جبينَه
أَي ضرَبه، يعني شرب جميع ما فيه؛ وقال ابن مقبل يصف الخمر:
تَمَزَّزْتُها صِرفاً، وقارَعْتُ دَنَّها
بعُودِ أَراكٍ هَدَّه فَتَرَنَّما
قارَعْتُ دَنَّها أي نزَفْتُ ما فيه حتى قَرِعَ، فإِذا ضُرِبَ الدَّنُ
بعد فَراغِه بعود تَرَنَّمَ.
والمِقْرعةُ: خشبة تُضْرَبُ بها البغالُ والحمير، وقيل: كلُّ ما قُرِعَ
به فهو مِقْرعةٌ. الأَزهريُّ: المِقْرعةُ: التي تضرب بها الدابة،
والمِقْراعُ كالفأْس يكسر بها الحجارة؛ قال يصف ذئباً:
يَسْتَمْخِرُ الرِّيحَ إِذالم يَسْمَعِ،
بِمِثْلِ مِقْراعِ الصَّفا المُوَقَّعِ
(* قوله« يستمخر إلخ» أنشده في مادة مخر: لم أسمع بدل لم يسمع .)
والقِراعُ والمُقارَعةُ: المُضاربةُ بالسيوف، وقيل: مضاربة القوم في
الحرب، وقد تَقارعُوا. وقَرِيعُك: الذي يُقارِعُك. وفي حديث عبد الملك وذكر
سيف الزبير:
بِهِنَّ فُلُولٌ من قِراعِ الكَتائِبِ
أَي قتال الجيوش ومحاربتها.
والإِقْراعُ: صَكُّ الحَمِيرِ بعضُها بعضاً بحَوافِرِها؛ قال رؤبة:
حَرًّا منَ الخَرْدلِ مَكْرُوهِ النَّشَقْ،
أَو مُقْرَعِ مِن رَكْضِها دامِي الزَّنَقْ
والمِقْراعُ: الساقُورُ. والأَقارِعُ: الشِّدادُ؛ عن أَبي نصر.
والقارِعةُ من شدائدِ الدهْرِ وهي الداهِيةُ؛ قال رؤبة:
وخافَ صَدْعَ القارعاتِ الكُدَّهِ
قال يعقوب: القارِعةُ هنا كل هَنةٍ شديدةِ القَرْعِ، وهي القيامة
أَيضاً؛ قال الفراء: وفي التنزيل: وما أَدراك ما القارعةُ؛ وقوله:
ولا رَمَيْتُ على خَصْمٍ بقارِعةٍ،
إِلاَّ مُنِيتُ بِخَصْمٍ فُرَّ لي جَذَعا
يعني حُجّة، وكله من القَرْع الذي هو الضرْبُ. وقوله تعالى: ولا يزال
كفروا تصيبهم بما صنعوا قارِعةٌ؛ قيل في التفسير: سَرِيّةٌ من سَرايا رسول
الله، صلى الله عليه وسلم، ومعنى القارعة في اللغة النازلةُ الشديدة تنزل
عليهم بأَمر عظيم، ولذلك قيل ليوم القيامة القارعة. ويقال: قَرَعَتْهم
قَوارعُ الدهْرِ أَي أَصابتهم، ونعوذ بالله من قَوارِعِ فلان ولواذِعِه
وقَوارِصِ لسانه. وفي حديث أَبي أُمامة: من لم يَغْز أَو يُجَهِّزْ غازِياً
أَصابه الله بقارعةٍ أَي بداهيةٍ تُهْلِكُه. يقال: قَرَعَه أَمرٌ إِذا
أَتاه فَجْأَةً، وجمعها قَوارِعُ. الأَصمعي: يقال أَصابته قارعة يعني أَمراً
عظيماً يَقْرَعُه. ويقال: أَنزل الله به قَرْعاءَ وقارعةً ومُقْرِعةً،
وأَنزل الله به بَيْضاء ومُبَيِّضةً؛ هي المصيبة التي لا تدَعُ مالاً ولا
غيره. وفي الحديث: أُقسم لَتَقْرَعَنّ بها أَبا هريرة أَي لَتَفْجَأنَّه
بذكرها كالصّكّ له والضربْ.
وقَرِعَ ماءُ البئرِ: نَفِدَ فَقَرَعَ قَعْرَها الدَّلْوُ. وبئر
قَرُوعٌ: قليلة الماء يَقْرَعُ قَعْرَها الدَّلْوُ لفَناءِ مائِها. والقَرُوعُ
من الرَّكايا: التي تحفر في الجبل من أَعلاها إِلى أَسفلها. وأَقْرَعَ
الغائصُ والمائِحُ إِذا انتهى إِلى الأَرض.
والقَرَّاعُ: طائر له مِنْقارٌ غليظ أَعْقَفُ يأْتي العُود اليابس فلا
يزال يَقْرَعُه حتى يدخل فيه، والجمع قَرّاعاتٌ، ولم يكسّر. والقَرّاعُ:
الصُّلْبُ الشديد. وتُرْسٌ أَقْرَعُ وقَرّاعٌ: صُلْبٌ شديد؛ قال الفارسي:
سمي به لصبره على القَرْعِ؛ قال أَبو قَيْسِ بن الأَسْلتِ:
صَدْقٍ حُسامٍ وادِقٍ حَدُّه،
ومُجْناءٍ أَسْمَرَ قَرَّاعِ
وقال الآخر:
فلما فَنى ما في الكَنائِنِ ضارَبُوا
إِلى القُرعِ من جِلْدِ الهِجانِ المُجَوَّبِ
أَي ضربوا بأَيديهم إِلى التِّرَسةِ لَمّا فَنِيَتْ سِهامُهم، وفَنى
بمعنى فَنِيَ في لغات طيِّءٍ. والقَرّاعُ: التُّرْسُ. والقَرَّاعانِ: السيفُ
والحَجَفةُ؛ هذه من أَمالي ابن بري. والقَرّاعُ من كل شيء: الصُّلْبُ
الأَسفلِ الضَّيِّقُ الفم. واسْتَقْرَعَ حافِرُ الدابّة إِذا اشتد.
والقِراعُ: الضِّرابُ. وقَرَعَ الفحلُ الناقةَ والثورُ يَقْرَعُها
قَرْعاً وقِراعاً: ضربها. وناقة قَرِيعةٌ: يُكْثر الفحلُ ضِرابها ويُبْطِئ
لَقاحُها. ويقال: إِنَّ ناقتك لقَرِيعةٌ أَي مُؤَخَّرةُ الضَّبَعةِ.
واسْتَقْرَعَت الناقةُ: اشتهت الضِّرابَ. الأَصمعي: إِذا أَسْرَعَتِ الناقةُ
اللَّقَحَ فهي مِقْراعٌ؛ وأَنشد:
تَرى كلَّ مِقْراعٍ سَرِيعٍ لَقاحُها،
تُسِرُّ لَقاحَ الفحْلِ ساعةَ تُقْرَعُ
وفي حديث هشام يصف ناقة: إِنها لَمِقْراعٌ؛ هي التي تَلْقَحُ في أَوَّل
قَرْعةٍ يَقْرَعُها الفحلُ. وفي حديث علقمة: أَنه كان يُقَرِّعُ غَنَمه
ويَحْلُِبُ ويَعْلِفُ أَي يُنْزِي الفُحولَ عليها؛ هكذا ذكره الزمخشري
والهروي، وقال أَبو موسى: هو بالفاء، وقال: هو من هفوات الهروي. واسْتَقْرَعَتِ
البقرُ: أَرادت الفحل. الأُمَوِيُّ: يقال للضأْن اسْتَوْبَلَتْ،
وللمِعْزى اسْتَدَرَّتْ، وللبقرة استقرعت، وللكلبة اسْتَحْرَمَتْ. وقَرَعَ
التيْسُ العَنْزَ إِذا قَفَطها. وقرَّعَ القومَ: أَقْلَقَهم؛ قال أَوس بن حجر
أَنشده الفراء:
يُقَرِّعُ للرّجالِ، إِذا أَتَوْه،
وللــنِّسْوانِ، إِنْ جِئْنَ، السَّلامُ
أَراد يُقَرِّعُ الرجالَ فزادَ اللام كقوله تعالى: قل عسَى أَن يكون
رَدِفَ لكم؛ وقد يجوزأَن يريد بيُقَرِّع يَتَقَرَّعُ. والتقْرِيعُ:
التأْنِيبُ والتعْنِيف. وقيل: هو الإِيجاعُ باللَّوْمِ. وقَرَّعْتُ الرجلَ إِذا
وَبَّخْتَه وعَذلْتَه، ومرجعه إِلى ما أَنشده الفراء لأَوس بن حجر. ويقال:
قَرَّعَني فلان بلَوْمِه فما ارْتَقَعْتُ به أَي لم أَكْتَرِثْ به. وبات
بَتَقَرَّعُ ويُقَرِّعُ: يَتَقَلَّبُ، وبِتُّ أَتَقَرَّعُ.
والقُرْعةُ: السُّهْمةُ. والمُقارَعةُ: المُساهَمةُ. وقد اقْتَرَعَ
القومُ وتقارَعوا وقارَع بينهم، وأَقْرَعَ أَعْلى، وأَقْرَعْتُ بين الشركاء في
شيء يقتسمونه. ويقال: كانت له القُرْعةُ إِذا قرَع أَصحابه. وقارَعه
فقرَعَه يَقْرَعُه أَي أَصابته القُرْعةُ دونه. وروي عن النبي، صلى الله
عليه وسلم: أَنه رُفِعَ إِليه أَنَّ رجلاً أَعتق ستة مَمالِيكَ له عند مَوته
لا مال له غيرُهم، فأَقْرَعَ بينهم وأَعْتَق اثنين وأَرَقَّ أَربعة؛
وقول خِداشِ بن زُهَيْر أَنشده ابن الأَعرابي:
إِذا اصْطادُوا بُغاثاً شَيَّطُوه،
فكانَ وفاءَ شاتِهِم القُرُوعُ
فسره فقال: القُرُوعُ المُقارعَةُ، وإِنما وصف لُؤْمَهم، يقول: إِنما
يتَقارَعُون على البغاثِ لا على الجُزُرِ كقوله:
فما يَذْبَحُونَ الشاةَ إِلاّ بمَيْسِرٍ،
طويلاً تَناجِيها صِغاراً قُدُورُها
قال ابن سيده: ولا أَدري ما هذا الذي قاله ابن الأَعرابي في هذا البيت،
وكذلك لا أَعرف كيف يكون القُرُوعُ المُقارَعةَ إِلا أَن يكون على حذف
الزائد، قال: ويروى شاتِهم القَرُوعِ، وفسره فقال: معناه كان البُغاثُ وفاءً
من شاتهم التي يتَقارَعون عليها لأَنه لا قدرة لهم أَن يتقارعوا على
جُزُرٍ، فيكون أَيضاً كقوله:
فما يذبحون الشاة إِلا بميسر
قال: والذي عندي أَن هذا أَصح لقوَّة المعنى بذلك، قال: وأَيضاً فإِنه
يسلم بذلك من الإِقْواءِ لأَن القافية مجرورة؛ وقبل هذا البيت:
لَعَمْرُ أَبيك، لَلْخَيْلُ المُوَطّى
أُمامَ القَوْمِ للرَّخَمِ الوُقوعِ،
أَحَقُّ بكم، وأَجْدَرُ أَن تَصِيدُوا
مِنَ الفُرْسانِ تَرْفُلُ في الدُّروعِ
ابن الأَعرابي: القَرَعُ والسَّبَقُ والخَطَرُ الذي يُسْبَقُ عليه.
والاقْتِراعُ: الاختيارُ. يقال: اقتُرِعَ فلان أَي اخْتِيرَ.
والقَرِيعُ: الخيارُ؛ عن كراع. واقتَرَعَ الشيءَ: اختارَه. وأَقْرَعوه خِيارَ
مالهِم ونَهْبِهم: أَعْطَوه إِياه، وذكر في الصحاح: أَقْرَعَه أَعْطاه خيرَ
مالِه. والقَريعةُ والقُرْعةُ: خيارُ المالِ. وقَرِيعةُ الإِبل: كريمتها.
وقُرْعةُ كل شيء: خياره. أَبو عمرو: يقال قَرَعْناكَ واقْتَرَعْناكَ
وقْرَحْناكَ واقْتَرَحْناكَ ومَخَرْناكَ وامْتَخَرْناك وانتَضَلْناك أَي
اخترناك. وفي الحديث: أَنه ركب حِمارَ سعدِ ابن عُبادةَ وكان قَطوفاً فردّه وهو
هِمْلاجٌ قَرِيعٌ ما يُسايَرُ أَي فارِهٌ مختارٌ؛ قال ابن الأَثير: قال
الزمخشري ولو روي فريغٌ، بالفاء الموحدة والغين المعجمة، لكان مُطابقاً
لفراغٍ، وهو الواسع المشي، قال: ولا آمَنُ أَن يكون تصحيفاً. والقَرِيعُ:
الفحل، سمي بذلك لأَنه مُقْتَرَعٌ من الإِبل أَي مختارٌ. قال الأَزهري:
والقريع الفحل الذي تَصَوَّى للضِّراب. والقَرِيعُ من لإِبل: الذي يأْخذ
بِذِراعِ الناقة فيُنيخُها، وقيل: سمي قَريعاً لأَنه يَقْرَعُ الناقة؛ قال
الفرزدق:
وجاءَ قَرِيعُ الشوْلِ قَبْلَ إِفالِها
يَزِفُّ، وجاءتْ خَلْفَه، وهْي زُفَّفُ
وقال ذو الرمة:
وقد لاحَ للسّارِي سُهَيْلٌ، كأَنّه
قَرِيعُ هِجانٍ عارَضَ الشوْلَ جافِرُ
ويروى:
وقد عارَضَ الشِّعْرَى سُهَيْلٌ
وجمعه أَقْرِعة. والمَقْروعُ: كالقَريع الذي هو المختار للفِحْلةِ؛
أَنشد يعقوب:
ولَمَّا يَزَلْ يَسْتَسْمِعُ العامَ حوْلَه
نَدى صَوْتِ مَقْروعٍ عن العَدْوِ عازِبِ
قال ابن سيده: إِلاَّ أَني لا أَعرف للمقروع فِعْلاً ثانياً بغير زيادة،
أَعني لا أَعرف قَرَعَه إِذا اختارَه.
والقِراعُ: أَن يأُخُذَ الرجلُ الناقةَ الصعْبة فيُرَيِّضَها للفحل
فيَبْسُرها. ويقال: قَرَّعْ لجملك
(* قوله« فيريضها» هو في الأصل بياء تحتية
بعد الراء وفي القاموس بموحدة. وقوله «قرع لجملك» قال شارح القاموس: نقله
الصاغاني هكذا.)
والمَقْروعُ السيِّدُ. والقَريعُ: السيدُ. يقال: فلان قريعُ دَهْرِه
وفلان قريعُ الكَتِيبةِ وقِرِّيعُها أَي رئيسها. وفي حديث مسروق: إِنكَ
قَرِيعُ القُرّاء أَي رئيسهم. والقريعُ: المختارُ. والقريع: المَغْلوب.
والقَريعُ: الغالب. واسْتَقْرَعَه جملاً وأَقْرعَه إِياه أَي أَعطاه إِياه
ليضرب أَيْنُقَه. وقولهم أَلْفٌ أَقْرَعُ أَي تامّ. يقال: سُقْتُ إِليك
أَلفاً أَقرَعَ من الخيل وغيرها أَي تامّاً، وهو نعت لكل أَلفٍ، كما أَنَّ
هُنَيْدة اسم لكل مائة؛ قال الشاعر:
قَتَلْنا، لَوَ نَّ القَتْل يشْفي صُدورَنا،
بِتَدْمُرَ، أَلْفاً مِنْ قُضاعةَ أَقْرَعا
وقال الشاعر:
ولو طَلَبُوني بالعَقوقِ، أَتيتُهم
بأَلفٍ، أُؤَدِّيه إِلى القَوْمِ، أَقْرَعا
وقِدْحٌ أَقْرَعُ: وهو الذي حُكَّ بالحصى حتى بدت سَفاسِقُه أَي
طرائِقُه. وعُود أَقْرَعُ إِذا قُرِعَ من لِحائِه. وقَرِعَ قَرَعاً، فهو قَرِعٌ:
ارتدع عن الشيء. والقَرَعُ: مصدر قولك قَرِعَ الرجلُ، فهو قَرِعٌ إِذا
كان يقبل المَشورةَ ويَرْتَدِعُ إِذا رُدِعَ. وفلان لا يُقْرَعَ إِقْراعاً
إِذا كان لا يقْبَل المَشْوَرةَ والنصيحة. وفلان لا يَقْرَعُ أَي لا
يرتدع، فإِن كان يرتدع قيل رجل قَرِعٌ. ويقال: أَقْرَعْتُه أَي كففته؛ قال
رؤبة:
دَعْني، فقد يُقْرَعُ للأَضَزِّ
صَكِّي حِجاجَيْ رأْسِه، وبَهْزي
أَبو سعيد: فلان مُقْرِعٌ ومُقْرِنٌ له أَي مُطيقٌ، وأَنشد بيت رؤبة
هذا، وقد يكون الإِقْراعُ كفّاً ويكون إِطاقة. ابن الأَعرابي: أَقْرَعْتُه
وأَقْرَعتُ له وأَقدَعْتُه وقدَعْتُه وأَوزَعْتُه ووزَعْتُه وزُعْتُه إِذا
كففتَه. وأَقرَعَ الرجلُ على صاحبه وانقَرَعَ إِذا كَفَّ. قال الفارسي:
قَرَعَ الشيءَ قَرْعاً سَكَّنَه، وقَرَعَه صرَفه. وقَوارِعُ القرآنِ منه:
الآياتُ التي يقرؤُها إِذا فَزِعَ من الجن والإِنس فَيَأْمن، مثل آية
الكرسي وآيات آخر سورة البقرة وياسينَ لأَنها تصرف الفَزعَ عمن قرأَها
كأَنها تَقْرَعُ الشيطانَ. وأَقرَع الفَرسَ: كبَحَه. وأَقرَعَ إِلى الحق
إِقراعاً: رجع إِليه وذَلّ. يقال: أَقرَعَ لي فلان؛ وأَنشد لرؤبة:
دَعْني، فقد يُقْرَعُ للأَضَزِّ
صَكِّي حِجاجَيْ رأْسِه، وبَهْزي
أَي يُصْرَفُ صَكِّي إِليه ويُراضُ له ويَذِلُّ. وقرَعَه بالحق:
اسْتَبْدَلَه
(* هكذا في الأصل، وربما هي محرفة عن استقبله. وفي اساس البلاغة:
رماه.) وقَرِعَ المكانُ: خَلا ولم يكن له غاشيةٌ يَغْشَوْنَه. وقَرِعَ
مَأْوى المال ومُراحُه من المال قَرَعاً، فهو قَرِعٌ: هلكَت ماشيته فخلا؛ قال
ابن أُذينة:
إِذا آداكَ مالُك فامْتَهِنْه
لِجادِيهِ، وإِنْ قَرِعَ المُراحُ
ويروى: صَفِرَ المُراحُ. آداكَ: أَعانك؛ وقال الهذلي:
وخَوَّالٍ لِمَوْلاهُ إِذا ما
أَتاهُ عائِلاً، قَرِعَ المُراحُ
ابن السكيت: قَرَّعَ الرجلُ مكانَ يدِه من المائدةِ تَقْريعاً إِذا ترَك
مكانَ يده من المائدة فارغاً. ومن كلامهم: نعوذ بالله من قَرَعِ
الفِناءِ وصَفَرِ الإِناء أَي خُلُوِّ الديار من سُكانها والآنيةِ من
مُسْتَوْدعاتها. وقال ثعلب: نعوذ بالله من قَرْعِ الفِناء، بالتسكين، على غير قياس.
وفي الحديث عن عمر، رضي الله عنه: قَرِعَ حَجُّكم أَي خلت أَيام الحج. وفي
الحديث: قَرِعَ أَهلُ المسجد حين أُصِيبَ أَصحاب النَّهر
(* قوله
«النهر» كذا بالأصل وبالنهاية أيضاً، وبهامش الأصل: صوابه النهروان.) أَي قَلّ
أَهلُه كما يَقْرَعُ الرأْسُ إِذا قل شعره، تشبيهاً بالقَرعةِ، أَو هو من
قولهم قَرِعَ المُراحُ إِذا لم تكن فيه إِبل.
والقُرْعةُ: سِمةٌ على أَيْبَس الساقِ، وهي وَكزةٌ بطرَف المِيسَمِ،
وربما قُرِعَ منه قَرْعةً أَو قرْعَتين، وبعير مَقْروعٌ وإِبل مُقَرَّعةٌ؛
وقيل: القُرْعةُ سِمةٌ خَفِيَّةٌ على وسط أَنف البعير والشاة.
وقارِعةُ الدارِ: ساحَتُها. وقارِعةُ الطريقِ: أَعلاه. وفي الحديث: نَهى
عن الصلاةِ على قارعةِ الطريق؛ هي وسطه، وقيل أَعلاه، والمراد به ههنا
نفس الطريق ووجهه. وفي الحديث: لا تُحْدِثُوا في القَرَعِ فإِنه مُصَلَّى
الخافِينَ؛ القَرَعُ، بالتحريك: هو أَن يكون في الأَرض ذات الكَلإِ مواضع لا
نباتَ فيها كالقَرَعِ في الرأْس، والخافُون: الجنُّ. وقَرْعاءُ الدار:
ساحَتُها.
وأَرض قَرِعةٌ: لا تُنْبِتُ شيئاً. وأَصبحت الرِّياضُ قُرْعاً: قد
جَرَّدَتْها المَواشِي فلم تترك فيها شيئاً من الكلإِ. وفي حديث علي: أَن
أَعرابيّاً سأَل النبي، صلى الله عليه وسلم، عن الصُّلَيْعاءِ والقُرَيْعاءِ؛
القُرَيْعاءُ: أَرض لعنها الله إِذا أَنْبَتَتْ أو زُرِعَ فيها نَبَتَ في
حافَتَيْها ولم ينبت في متنها شيء. ومكان أَقْرَعُ: شديد صُلْبٌ، وجمعه
الأَقارِعُ؛ قال ذو الرمة:
كَسا الأُكْمَ بُهْمَى غَضّةً حَبَشِيّةً
قواماً، ونقعان الظُّهُورِ الأَقارِعِ
وقول الراعي:
رَعَيْنَ الحَمْضَ حَمْضَ خُناصِراتٍ،
بما في القُرْعِ من سَبَلِ الغَوادِي
قيل: أَراد بالقُرْعِ غُدْراناً في صلابة من الأَرض. والقَرِيعةُ:
عَمُودُ البيتِ الذي يُعْمَدُ بالزِّرِّ؛ والزِّرُّ أَسْفَلَ الرُّمّانة وقد
قَرَعَه به. وقَرِيعةُ البيتِ: خيْرُ موضع فيه، إِن كان في حَرٍّ فخِيارُ
ظِلِّه، وإِن كان في قُرٍّ فخِيارُ كِنِّه، وقيل: قَرِيعَتُه سَقْفُه؛ ومنه
قولهم: ما دخلت لفلان قَرِيعةَ بيت قَطّ أَي سَقْفَ بيت.
وأَقْرَعَ في سِقائه: جَمَع؛ عن ابن الأَعرابي. والمِقْرَعُ: السِّقاءُ
يُخْبَأُ فيه السمْن. والقُرْعةُ: الجِرابُ الواسع يلقى فيه الطعام. وقال
أَبو عمرو: القُرْعةُ الجِراب الصغير، وجمعها قُرَعٌ. والمِقْرَعُ:
وِعاءٌ يُجْبَى فيه التمرُ أَي يُجْمَعُ. وتميم تقول: خُفّانِ مُقَرَعانِ أَي
مُثْقَلانِ. وأَقْرَعتُ نَعْلي وخُفِّي إِذا جعلت عليهما رُقْعةً
كَثِيفةً.
والقَرّاعةُ: القَدّاحةُ التي يُقْتَدَحُ بها النارُ.
والقَرْعُ: حمْل اليَقْطِين، الواحدة قَرْعةٌ. وكان النبي، صلى الله
عليه وسلم، يحبّ القَرْعَ، وأَكثر ما تسميه العرب الدُّبَّاء وقلّ من
يسْتعمل القَرْعَ. قال المَعَرِّيُّ: القرع الذي يؤكل فيه لغتان: الإِسكان
والتحريك، والأَصل التحريك؛ وأَنشد:
بِئْسَ إِدامُ العَزَبِ المُعْتَلِّ،
ثَرِيدةٌ بقَرَعٍ وخَلِّ
وقال أَبو حنيفة: هو القَرَعُ، واحدته قَرَعَةٌ، فحرك ثانيها ولم يذكر
أَبو حنيفة الإِسكان؛ كذا قال ابن بري.
والمَقْرَعةُ: مَنْنِتُه كالمَبْطَخَةِ والمَقْثَأَةِ. يقال: أَرض
مَقْرَعة. والقَرْعُ: حَمْلُ القِثّاء من المَرْعَى.
ويقال: جاء فلان بالسَّوْءةِ القَرْعاءِ والسوءةِ الصَّلْعاءِ أَي
المتكشفة.
ويقال: أَقرَعَ المسافر إِذا دَنا من منزله، وأَقْرَع دارَه آجُرًّا
إِذا فرشها بالآجرّ، وأَقرَعَ الشرُّ إِذا دامَ. ابن الأَعرابي: قَرِعَ فلان
في مِقْرَعِه، وقَلَدَ في مِقْلَدِه، وكَرَص في مِكْرَصِه، وصرَب في
مِصْرَبِه، كله: السِّقاءُ والزِّقُّ. ابن الأَعرابي: قَرِعَ الرجلُ إِذا قُمِرَ
في النِّضالِ، وقَرِعَ إِذا افتقر، وقَرِعَ إِذا اتَّعَظَ.
والقَرْعاء، بالمدّ: موضع. قال الأَزهري: والقرعاء مَنْهَلٌ من مَناهِلِ
طريق مكة بين القادسية والعَقَبةِ والعُذَيْب. والأَقْرعانِ: الأَقرع بن
حابس، وأَخوه مَرْثَدٌ؛ قال الفرزدق:
فإِنَّكَ واجِدٌ دُوني صَعُوداً،
جَراثِيمَ الأُقارِعِ والحُتاتِ
الحُتاتُ: هو بشر بن عامر بن علقمة، والأَقارِعةُ والأَقارِعُ: آلُهُما
على نحو المَهالِبةِ والمَهالِبِ؛ والأَقْرَعُ: هو الأَشيم بن معاذ بن
سِنان، سمي بذلك لبيت قاله يهجو معاوية بن قشير:
مُعاوِيَ مَنْ يَرْقِيكُمُ إِنْ أَصابَكُمْ
شَبا حَيّةٍ، مِمّا عَدا القَفْرَ، أَقْرَع؟
ومقْروعٌ: لقب عبد شمس بن سعد بن زيد مَناةَ بن تميم، وفيه يقول مازِنُ
بن مالك بن عمرو بن تميم في هَيْجُمانةَ بنت العَنْبر بن عمرو بن تميم:
حَنَّتْ ولاتَ هَنَّتْ وأَنَّى لَكِ مَقْرُوعٌ. ومُقارِعٌ وقُرَيْعٌ:
اسمان. وبنو قُرَيْع: بطن من العرب. الجوهري: قُريع أَبو بطن من تميم رهط بني
أَنف الناقة، وهو قُرَيْعُ بن عوف بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم،
وهو أَبو الأَضبط.