[في الانكليزية] Suffering
[ في الفرنسية] Douleur
هو إدراك المــنافر من حيث هو مــنافر، ويقابله اللّذة، وسيجيء ذكره هناك مستوفى.
نوص: ناصَ للحركة نَوْصاً ومَناصاً: تهَيّأَ. وناصَ ينُوصُ نَوْصاً
ومَناصاً ومَنِيصاً: تحرك وذهب. وما يَنُوصُ فلان لحاجتي وما يقدر على أَن
يَنُوص أَي يتحرك لشيء. وناصَ يَنُوصُ نَوْصاً: عدل. وما به نَوِيصٌ أَي
قوة وحَراكٌ. وناوَصَ الجَرّة ثم سالمها أَي جابَذَها ومارَسَها، وهو مثل
قد ذكر عنه ذكر الجَرّة. ويقال: نُصْت الشيء جَذَبْتُه؛ قال المّرار:
وإِذا يُناصُ رأَيْته كالأَشْوَس
وناصَ يَنُوصُ مَنِيصاً ومَناصاً: نَجا. أَبو سعيد: انْتاصَت الشمسُ
انْتياصاً إِذا غابت. وفي التنزيل: ولاتَ حِينَ مَناصٍ؛ أَي وقت مَطْلَبٍ
ومَغاثٍ، وقيل: معناه أَي اسْتَغاثوا وليس ساعةَ ملْجإٍ ولا مَهْرب.
الأَزهري في ترجمة حيص: ناصَ وناضَ بمعنى واحد. قال اللّه عزّ وجلّ: ولاتَ حينَ
مناص؛ أَي لاتَ حينَ مَهْربٍ أَي ليس وقت تأَخّرٍ وفِرارٍ. والنَّوْصُ:
الفِرارُ. والمَناصُ: المَهْربُ. والمَناصُ: الملْجأُ والمَفَرُّ. وناصَ
عن قِرنه يَنُوص نَوْصاً ومَناصاً أَي فرَّ وراغَ. ابن بري: النُّوص، بضم
النون، الهرب؛ قال عدي بن زيد:
يا نَفْسُ أَبْقي واتّقي شَتْمَ ذَوي الـ
ـأَعْراضِ في غير نُوص
والنَّوْصُ في كلام العرب: التأَخر، والبَوْصُ: التقدم، يقال: نُصْته؛
وأَنشد قول امرئ القيس:
أَمِن ذِكْرِ سَلْمى إِذْ نَأَتْكَ، تَنُوصُ
فَتَقْصُر عنها خَطْوةً وتَبُوصُ؟
فمَناص مَفْعل: مثل مَقام. وقال الأَزهري: قوله ولات حين مناص، لات في
الأَصل لاه، وهاؤها هاء التأْنيث، تَصير تاءً عند المُرورِ عليها مثل
ثُمَّ وثُمَّت، تقول: عمراً ثُمَّتَ خالداً. أَبو تراب: يقال لاصَ عن الأَمر
وناصَ بمعنى حادَ. وأَنَصْت أَن آخُذَ منه شيئاً أُنِيصُ إِناصةً أَي
أَردت. وناصَه ليُدْرِكه: حركه. والنَّوْص والمَناصُ: السخاء؛ حكاه أَبو علي
في التذكرة.
والنائِصُ: الرافعُ رأْسه نافراً، وناصَ الفرسُ عند الكَبْحِ والتحريك.
وقولهم: ما به نَويصٌ أَي قُوّةٌ وحَراكٌ. واسْتناصَ: شَمَخَ برأْسه،
والفرس يَنِيصُ ويَسْتَنِيصُ؛ وقال حارثة بن بدر:
غَمْرُ الجِراء إِذا قَصَرْتُ عِنانَه
بِيَدي، اسْتناص ورامَ جَرْيَ المِسْحَل
واسْتناصَ أَي تأَخّر. والنَّوْصُ: الحمارُ الوحشي لا يزال نائصاً
رافعاً رأْسه يتردد كأَنه نافذ جامح. والمُنَوَّصُ: المُلَطَّخُ؛ عن كراع.
وأَنَصْت الشيء: أَدَرْته، وزعم اللحياني أَن نونه بدل من لام أَلَصْته. ابن
لأَعرابي: الصَّاني اللازِمُ للخِدْمة والناصي المُعَرْبِد. ابن
الأَعرابي: النَّوْصة الغَسْلة بالماء أَو غيره، قال الأَزهري: الأَصل مَوْصة،
فقبلت الميم نوناً.
خير: الخَيْرُ: ضد الشر، وجمعه خُيور؛ قال النمر ابن تولب:
ولاقَيْتُ الخُيُورَ، وأَخْطَأَتْني
خُطوبٌ جَمَّةٌ، وعَلَوْتُ قِرْني
تقول منه: خِرْتَ يا رجل، فأَنتَ خائِرٌ، وخارَ اللهُ لك؛ قال الشاعر:
فما كِنانَةُ في خَيْرٍ بِخَائِرَةٍ،
ولا كِنانَةُ في شَرٍّ بَِأَشْرارِ
وهو خَيْرٌ منك وأَخْيَرُ. وقوله عز وجل: تَجِدُوه عند اللهِ هو
خَيْراً؛ أَي تجدوه خيراً لكم من متاع الدنيا. وفلانة الخَيْرَةُ من المرأَتين،
وهي الخَيْرَةُ والخِيَرَةُ والخُوْرَى والخِيرى.
وخارَهُ على صاحبه خَيْراً وخِيَرَةً وخَيَّرَهُ: فَضَّله؛ ورجل خَيْرٌ
وخَيِّرٌ، مشدد ومخفف، وامرأَة خَيْرَةٌ وخَيِّرَةٌ، والجمع أَخْيارٌ
وخِيَارٌ. وقال تعالى: أُولئك لهم الخَيْراتُ؛ جمع خَيْرَةٍ، وهي الفاضلة من
كل شيء. وقال الله تعالى: فيهن خَيْرَاتٌ حِسَان؛ قال الأَخفش: إِنه لما
وصف به؛ وقيل: فلان خَيْرٌ، أَشبه الصفات فأَدخلوا فيه الهاء للمؤنث ولم
يريدوا به أَفعل؛ وأَنشد أَبو عبيدة لرجل من بني عَدِيّ تَيْمِ تَمِيمٍ
جاهليّ:
ولقد طَعَنْتُ مَجامِعَ الرَّبَلاَتِ،
رَبَلاَتِ هِنْدٍ خَيْرَةِ المَلَكاتِ
فإِن أَردت معنى التفضيل قلت: فلانة خَيْرُ الناسِ ولم تقل خَيْرَةُ،
وفلانٌ خَيْرُ الناس ولم تقل أَخْيَرُ، لا يثنى ولا يجمع لأَنه في معنى
أَفعل. وقال أَبو إسحق في قوله تعالى: فيهنّ خَيرات حِسان؛ قال: المعنى
أَنهن خيرات الأَخلاق حسان الخَلْقِ، قال: وقرئ بتشديد الياء. قال الليث:
رجل خَيِّر وامرأَة خَيِّرَةٌ فاضلة في صلاحها، وامرأَة خَيْرَةٌ في جمالها
ومِيسَمِها، ففرق بين الخَيِّرة والخَيْرَةِ واحتج بالآية؛ قال أَبو
منصور: ولا فرق بين الخَيِّرَة والخَيْرَة عند أَهل اللغة، وقال: يقال هي
خَيْرَة النساء وشَرَّةُ النساء؛ واستشهد بما أَنشده أَبو عبيدة:
ربلات هند خيرة الربلات
وقال خالد بن جَنَبَةَ: الخَيْرَةُ من النساء الكريمة النَّسَبِ الشريفة
الحَسَبِ الحَسَنَةُ الوجه الحَسَنَةُ الخُلُقِ الكثيرة المال التي إِذا
وَلَدَتْ أَنْجَبَتْ وقوله في الحديث: خَيْرُ الناس خَيْرُهم لنفسه؛
معناه إِذا جامَلَ الناسَ جاملوه وإِذا أَحسن إِليهم كافأُوه بمثله. وفي
حديث آخر: خَيْرُكم خَيْرُكم لأَهله؛ هو إِشارة إِلى صلة الرحم والحث عليها.
ابن سيده: وقد يكون الخِيارُ للواحد والاثنين والجمع والمذكر والمؤنث.
والخِيارُ: الاسم من الاخْتَِيارِ. وخايَرَهُ فَخَارَهُ خَيْراً: كان
خَيْراً منه، وما أَخْيَرَه وما خَيْرَه؛ الأَخيرة نادرة. ويقال: ما
أَخْيَرَه وخَيْرَه وأَشَرَّه وشرَّه، وهذا خَيْرٌ منه وأَخْيَرُ منه. ابن
بُزُرج: قالوا هم الأَشَرُّونَ والأَخْيَرونَ من الشَّرَارَة والخَيَارَةِ، وهو
أَخْير منك وأَشر منك في الخَيَارَة والشَّرَارَة، بإِثبات الأَلف.
وقالوا في الخَيْر والشَّرِّ: هو خَيْرٌ منك وشَرٌّ منك، وشُرَيْرٌ منك
وخُيَيْرٌ منك، وهو شُرَيْرُ أَهلهِ وخُيَيْرُ أَهله. وخارَ خَيْراً: صار ذا
خَيْر؛ وإِنَّكَ ما وخَيْراً أَي إِنك مع خير؛ معناه: ستصيب خيراً، وهو
مَثَلٌ. وقوله عز وجل: فكاتبوهم إِن علمتم فيهم خيراً؛ معناه إِن علمتم
أَنهم يكسبون ما يؤدونه. وقوله تعالى: إِن ترك خيراً؛ أَي مالاً. وقالوا:
لَعَمْرُ أَبيك الخيرِ أَي الأَفضل أَو ذي الخَيْرِ. وروى ابن الأَعرابي:
لعمر أَبيك الخيرُ برفع الخير على الصفة للعَمْرِ، قال: والوجه الجر،
وكذلك جاء في الشَّرِّ. وخار الشيءَ واختاره: انتقاه؛ قال أَبو زبيد
الطائي:إِنَّ الكِرامَ، على ما كانَ منْ خُلُقٍ،
رَهْطُ امْرِئ، خارَه للدِّينِ مُخْتارُ
وقال: خاره مختار لأَن خار في قوّة اختار؛ وقال الفرزدق:
ومِنَّا الذي اخْتِيرَ الرِّجالَ سَماحَةً
وجُوداً، إِذا هَبَّ الرياحُ الزَّعازِعُ
أَراد: من الرجال لأَن اختار مما يتعدى إِلى مفعولين بحذف حرف الجر،
تقول: اخترته من الرجال واخترته الرجالَ. وفي التنزيل العزيز: واختار موسى
قومَه سبعين رجلاً لميقاتنا؛ وليس هذا بمطرد. قال الفراء: التفسير أَنَّه
اختار منهم سبعين رجلاً، وإِنما استجازوا وقوع الفعل عليهم إِذا طرحت من
لأَنه مأْخوذ من قولك هؤلاء خير القوم وخير من القوم، فلما جازت الإِضافة
مكان من ولم يتغير المعنى استجازوا أَن يقولوا: اخْتَرْتُكم رَجُلاً
واخترت منكم رجلاً؛ وأَنشد:
تَحْتَ التي اختار له اللهُ الشجرْ
يريد: اختار له الله من الشجر؛ وقال أَبو العباس: إِنما جاز هذا لأَن
الاختيار يدل على التبعيض ولذلك حذفت من. قال أَعرابي: قلت لِخَلَفٍ
الأَحْمَرِ: ما خَيْرَ اللَّبَنَ
(* قوله: «ما خير اللبن إلخ» أي بنصب الراء
والنون، فهو تعجب كما في القاموس). للمريض بمحضر من أَبي زيد، فقال له
خلف: ما أَحسنها من كلمة لو لم تُدَنِّسْها بإِسْماعِها للناس، وكان
ضَنِيناً، فرجع أَبو زيد إِلى أَصحابه فقال لهم: إِذا أَقبل خلف الأَحمر فقولوا
بأَجمعكم: ما خَيْرَ اللَّبَنَ للمريض؟ ففعلوا ذلك عند إِقباله فعلم أَنه
من فعل أَبي زيد. وفي الحديث: رأَيت الجنة والنار فلم أَر مثلَ الخَيْرِ
والشَّرِّ؛ قال شمر: معناه، والله أَعلم، لم أَر مثل الخير والشر، لا
يميز بينهما فيبالغ في طلب الجنة والهرب من النار. الأَصمعي: يقال في
مَثَلٍ للقادم من سفر: خَيْرَ ما رُدَّ في أَهل ومال قال: أَي جعلَ الله ما
جئت خَيْرَ ما رجع به الغائبُ. قال أَبو عبيد: ومن دعائهم في النكاح: على
يَدَي الخَيْرِ واليُمْنِ قال: وقد روينا هذا الكلام في حديث عن
عُبَيْدِ بن عُمَيْرٍ الليثي في حديث أَبي ذر أَن أَخاه أُنَيْساً نافَرَ رجلاً
عن صِرْمَةٍ له وعن مثلها فَخُيِّرَ أُنَيْسٌ فَأَخذ الصرمة؛ معنى
خُيِّرَ أَي نُفِّرَ؛ قال ابن الأَثير: أَي فُضِّل وغُلِّبَ. يقال: نافَرْــتُه
فَنَفَرْتُه أَي غلبته، وخايَرْتُه فَخِرْتُه أَي غلبته، وفاخَرْتُه
فَفَخَرْتُه بمعنى واحد، وناجَبْتُه؛ قال الأَعشى:
واعْتَرَفَ المَنْفُورُ للــنافِرِ
وقوله عز وجل: وَرَبُّكَ يَخْلُق ما يشاء ويَخْتارُ ما كان لهم
الخِيَرَةُ؛ قال الزجاج: المعنى ربك يخلق ما يشاء وربك يختار وليس لهم الخيرة وما
كانت لهم الخيرة أَي ليس لهم أَن يختاروا على الله؛ قال: ويجوز أَن
يكون ما في معنى الذي فيكون المعنى ويختار الذي كان لهم فيه الخيرة، وهو ما
تَعَبَّدَهم به، أَي ويختار فيما يدعوهم إِليه من عبادته ما لهم فيه
الخِيَرَةُ. واخْتَرْتُ فلاناً على فلان: عُدِّيَ بعلى لأَنه في معنى
فَضَّلْتُ؛ وقول قَيْسِ بن ذريحٍ:
لَعَمْرِي لَمَنْ أَمْسَى وأَنتِ ضَجِيعُه،
من الناسِ، ما اخْتِيرَتْ عليه المَضاجِعُ
معناه: ما اختيرت على مَضْجَعِه المضاجعُ، وقيل: ما اختيرت دونه، وتصغير
مختار مُخَيِّر، حذفت منه التاء لأَنها زائدة، فأُبدلت من الياء لأَنها
أُبدلت منها في حال التكبير.
وخَيَّرْتُه بين الشيئين أَي فَوَّضْتُ إِليه الخِيارَ. وفي الحديث:
تَخَيَّرُوا لنُطَفِكُمْ، أَي اطلبوا ما هو خير المناكح وأَزكاها وأَبعد من
الخُبْثِ والفجور. وفي حديث عامر بن الطُّفَيْلِ: أَنه خَيَّر في ثلاث
أَي جَعَلَ له أَن يختار منها واحدة، قال: وهو بفتح الخاء. وفي حديث
بَرِيرة: أَنها خُيِّرَتْ في زوجها، بالضم. فأَما قوله: خَيَّرَ بين دور
الأَنصار فيريد فَضَّلَ بعضها على بعض.
وتَخَيَّر الشيءَ: اختاره، والاسم الخِيرَة والخِيَرَة كالعنبة،
والأَخيرة أَعرف، وهي الاسم من قولك: اختاره الله تعالى. وفي الحديث: محمدٌ، صلى
الله عليه وسلم، خِيَرَةُ الله من خلقه وخِيَرَةُ الله من خلقه؛
والخِيَرَة: الاسم من ذلك. ويقال: هذا وهذه وهؤلاء خِيرَتي، وهو ما يختاره عليه.
وقال الليث: الخِيرةُ، خفيفة، مصدر اخْتارَ خِيرة مثل ارْتابَ رِيبَةً،
قال: وكل مصدر يكون لأَفعل فاسم مصدره فَعَال مثل أَفاق يُفِيقُ
فَوَاقاً، وأَصابل يُصيب صَوَاباً، وأَجاب يُجيب جَواباً، أُقيم الاسم مكان
المصدر، وكذلك عَذَّبَ عَذاباً. قال أَبو منصور: وقرأَ القراء: أَن تكون لهم
الخِيَرَةُ، بفتح الياء، ومثله سَبْيٌ طِيَبَةٌ؛ قال الزجاج: الخِيَرَة
التخيير. وتقول: إِياك والطِّيَرَةَ، وسَبْيٌ طِيَبَةٌ. وقال الفراء في
قوله تعالى: وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخِيَرَةُ؛ أَي ليس لهم
أَن يختاروا على الله. يقال: الخِيرَةُ والخِيَرَةُ كا ذلك لما تختاره من
رجل أَو بهيمة يصلح إِحدى
(* قوله: «يصلح إحدى إلخ» كذا بالأصل وإن لم
يكن فيه سقط فلعل الثالث لفظ ما تختاره) هؤلاء الثلاثة.
والاختيار: الاصطفاء وكذلك التَّخَيُّرُ.
ولك خِيرَةُ هذه الإِبل والغنم وخِيارُها، الواحد والجمع في ذلك سواء،
وقيل: الخيار من الناس والمال وغير ذلك النُّضَارُ. وجمل خِيَار وناقة
خيار: كريمة فارهة؛ وجاء في الحديث المرفوع: أَعطوه جملاً رَباعِياً
خِيَاراً؛ جمل خيار وناقة خيار أَي مختار ومختار. ابن الأَعرابي: نحر خِيرَةَ
إِبله وخُورَةَ إِبله، وأَنت بالخِيارِ وبالمُخْتارِ سواءٌ، أَي اختر ما
شئت.
والاسْتِخارَةُ: طلَبُ الخِيرَة في الشيء، وهو استفعال منه. وفي الحديث:
كان رسولُ الله، صلى الله عليه وسلم، يعلمنا الاستخارة في كل شيء. وخارَ
اللهُ لك أَي أَعطاك ما هو خير لك، والخِيْرَةُ، بسكون الياء: الاسم من
ذلك؛ ومنه دعاء الاستخارة: اللهم خِرْ لي أَي اخْتَرْ لي أَصْلَحَ
الأَمرين واجعل لي الخِيْرَة فيه. واستخار اللهَ: طلب منه الخِيَرَةَ. وخار لك
في ذلك: جعل لك فيه الخِيَرَة؛ والخِيْرَةُ الاسم من قولك: خار الله لك
في هذا الأَمر. والاختيار: الاصطفاء، وكذلك التَّخَيُّرُ. ويقال:
اسْتَخِرِِ الله يَخِرْ لك، والله يَخِير للعبد إِذا اسْتَخارَهُ.
والخِيرُ، بالكسر: الكَرَمُ. والخِيرُ: الشَّرَفُ؛ عن ابن الأَعرابي.
والخِيرُ: الهيئة. والخِيرُ: الأَصل؛ عن اللحياني. وفلان خَيْرِيَّ من
الناس أَي صَفِيِّي. واسْتَخَارَ المنزلَ: استنظفه؛ قال الكميت:
ولَنْ يَسْتَخِيرَ رُسُومَ الدِّيار،
بِعَوْلَتِهِ، ذُو الصِّبَا المُعْوِلُ
واستخارَ الرجلَ: استعطفه ودعاه إِليه؛ قال خالد بن زهير الهذلي:
لَعَلَّك، إِمَّا أُمُّ عَمْرٍو تَبَدَّلَتْ
سِواكَ خَلِيلاً، شاتِمي تَسْتَخِيرُها
قال السكري: أَي تستعطفها بشتمك إِياي. الأَزهري: اسْتَخَرْتُ فلاناً
أَي استعطفته فما خار لي أَي ما عطف؛ والأَصل في هذا أَن الصائد يأْتي
الموضع الذي يظن فيه ولد الظبية أَو البقرة فَيَخُورُ خُوارَ الغزال فتسمع
الأُم، فإِن كان لها ولد ظنت أَن الصوت صوت ولدها فتتبع الصوت فيعلم الصائد
حينئذٍ أَن لها ولداً فتطلب موضعه، فيقال: اسْتَخَارَها أَي خار
لِتَخُورَ، ثم قيل لكل من استعطف: اسْتَخَارَ، وقد تقدّم في خور لأَن ابن سيده
قال: إِن عينه واو. وفي الحديث: البَيِّعانِ بالخِيارِ ما لم
يَتَفَرَّقَا؛ الخيارُ: الاسم من الاختيار، وهو طلب خَيْرِ الأَمرين: إِما إِمضاء
البيع أَو فسحه، وهو على ثلاثة أَضرب: خيار المجلس وخيار الشرط وخيار
النقيصة، أَما خيار المجلس فالأَصل فيه قوله: البيِّعان بالخيار ما لم يتفرّقا
إِلاَّ بَيْعَ الخِيارِ أَي إِلا بيعاً شُرط فيه الخيار فلم يلزم
بالتفرق، وقيل: معناه إِلا بيعاً شرط فيه نفي خيار المجلس فلزم بنفسه عند قوم،
وأَما خيار الشرط فلا تزيد مدّته على ثلاثة أَيام عند الشافعي أَوَّلها من
حال العقد أَو من حال التفرق، وأَما خيار النقيصة فأَن يظهر بالمبيع عيب
يوجب الرد أَو يلتزم البائع فيه شرطاً لم يكن فيه ونحو ذلك. واسْتَخار
الضَّبُعَ واليَرْبُوعَ: جعل خشبة في موضع النافقاء فخرج من القاصِعاء.
قال أَبو منصور: وجعل الليث الاستخارة للضبع واليربوع وهو باطل.
والخِيارُ: نبات يشبه القِثَّاءَ، وقيل هو القثاء، وليس بعربي. وخِيار
شَنْبَر: ضرب من الخَرُّوبِ شجره مثل كبار شجر الخَوْخِ. وبنو الخيار:
قبيلة؛ وأَما قول الشاعر:
أَلا بَكَرَ النَّاعِي بِخَيْرَيْ بَنِي أَسَدْ:
بِعَمْرِو بن مَسعودٍ، وبالسَّيِّدِ الصَّمَدْ
فإِنما ثناه لأَنه أَراد خَيِّرَيْ فخففه، مثل مَيّتٍ ومَيْتٍ وهَيِّنٍ
وهَيْنٍ؛ قال ابن بري: هذا الشعر لسَبْرَةَ بن عمرو الأَسدي يرثي عمرو بن
مسعود وخالدَ بن نَضْلَةَ وكان النعمان قتلهما، ويروى بِخَيْرِ بَني
أَسَد على الإِفراد، قال: وهو أَجود؛ قال: ومثل هذا البيت في التثنية قول
الفرزدق:
وقد ماتَ خَيْرَاهُمْ فلم يُخْزَ رَهْطُهُ،
عَشِيَّةَ بانَا، رَهْطُ كَعْبٍ وحاتم
والخَيْرِيُّ معرَّب.
نعا: النَّعْوُ: الدائرةُ تحت الأَنف. والنَّعْو الشَّقُّ في مِشْفَر
البَعِير الأَعْلى، ثم صار كلُّ فَصْلٍ نَعْواً؛ قال الطرماح:
تُمِرُّ على الوِراكِ، إِذا المَطايا
تقايَسَتِ النَّجادَ من الوَجِينِ،
خَريعَ النَّعْوِ مُضْطَرِبَ النَّواحي،
كأَخْلاقِ الغَريفةِ ذِي غُضُونِ
(* قوله« ذي غضون» كذا هو في الصحاح مع خفض الصفتين قبله، وفي التكملة
والرواية: ذا غضون، والنصب في عين خريع وباء مضطرب مردوداً على ما قبله
وهو تمرّ.)
خَريعُ النَّعْوِ: لَيِّنُه أَي تُمِرُّ مِشْفَراً خَريع النَّعْوِ على
الوِراك، والغَريفةُ النَّعل. وقال اللحياني: النَّعْوُ مشَقُّ مِشْفَرِ
البعير فلم يخص الأَعلى ولا الأَسفل، والجمع من كل ذلك نُعِيٌّ لا غير.
قال الجوهري: النَّعْوُ مَشَقُّ المِشفر، وهو للبعير بمنزلة التَّفِرة
للإِنسان. ونَعْوُ الحافِر: فَرْجُ مُؤخَّره؛ عن ابن الأَعرابي. والنَّعْوُ:
الفَتْقُ الذي في أَلْيَة حافِرِ الفَرَس. والنَّعْوُ: الرُّطَبُ.
والنَّعْوةُ: موضع، زعموا.
والنُّعاء: صوت السِّنَّوْر؛ قال ابن سيده: وإِنما قضينا على
همزتها أَنها بدل من واو لأَنهم يقولون في معناه المُعاء، وقد مَعا
يَمْعُو، قال: وأَظنُّ نون النُّعاء بدلاً من ميم المعاء.
والنَّعْيُ: خَبَر الموت، وكذلك النَّعِيُّ. قال ابن سيده: والنَّعْيُ
والنَّعِيُّ، بوزن فَعيل، نِداء الداعي، وقيل: هو الدُّعاء بموت الميت
والإِشْعارُ به، نَعاه يَنْعاه نَعْياً ونُعْياناً، بالضم. وجاء نَعِيُّ
فلانٍ: وهو خبر موته. وفي الصحاح: والنَّعْيُ والنَّعِيُّ، وقال أَبو زيد:
النَّعِيُّ الرَّجل الميِّت، والنَّعْيُ الفِعْل؛ وأَوقع ابن مَجْكان
النَّعْيَ على الناقة العَقير فقال:
زَيَّافةٍ بنْتِ زَيَّافٍ مُذَكَّرةٍ،
لَمَّا نَعَوْها لِراعي سَرْحِنا انْتَحَبا
والنَّعِيُّ: المَنْعِيُّ. والناعي: الذي يأْتي بخبر الموت؛ قال:
قامَ النَّعِيُّ فأَسْمَعا،
ونَعى الكَريمَ الأَرْوَعا
ونَعاءِ: بمعنى انْعَ. وروي عن شدَّاد بن أَوس أَنه قال: يا نَعايا
العرب. وروي عن الأَصمعي وغيره: إِنما هو في الإِعراب يا نَعاءِ العَرَبَ،
تأْويلُه يا هذا انعَ العربَ؛ يأْمر بنعيهم كأَنه يقول قد ذهبت العربُ. قال
ابن الأَثير في حديث شداد بن أَوس: يا نَعايا العرب إِن أَخوف ما أَخاف
عليكم الرِّياء والشَّهْوةُ الخَفِيَّةُ، وفي رواية: يا نُعْيانَ
العربِ. يقال: نَعَى الميتَ يَنْعاهُ نَعْياً ونَعِيّاً إِذا أَذاعَ موته
وأَخبر به وإِذا نَدَبَه. قال الزَّمخشري: في نَعايا ثلاثة أَوجه: أَحدها أَن
يكون جمع نَعِيٍّ وهو المصدر كصَفِيٍّ وصَفايا، والثاني أَن يكون اسم جمع
كما جاء في أَخِيَّةٍ أَخايا، والثالث أَن يكون جمع نَعاءِ التي هي اسم
الفعل، والمعنى يا نَعايا العرب جِئنَ فهذا وقَتكنَّ وزمانكُنَّ، يريد
أَن العرب قد هلكت. والنُّعْيان مصدر بمعنى النَّعْي. وقال أَبو عبيد:
خَفْض نَعاءِ مثل قَطامِ ودَراكِ ونَزال بمعنى أَدْرِكْ وانْزِلْ؛ وأَنشد
للكميت:
نَعاء جُذاماً غَيْرَ مَوتٍ ولا قَتْلِ،
ولكِنْ فِراقاً للدَّعائِمِ والأَصْلِ
وكانت العرب إِذا قتل منهم شريف أَو مات بعثوا راكباً إِلى قبائلهم
يَنْعاه إِليهم فنَهى النبي، صلى الله عليه وسلم، عن ذلك. قال الجوهري: كانت
العرب إِذا مات منهم ميت له قَدْرٌ ركب راكب فرساً وجعل يسير في الناس
ويقول: نَعاءِ فلاناً أَي انْعَه وأَظْهِرْ خبر وفاته، مبنيةٌ على الكسر
كما ذكرناه؛ قال ابن الأَثير: أَي هلك فلان أَو هَلكت العرب بموت فلان،
فقوله يا نعاءِ العربَ مع حرف النداء تقديره يا هذا انْعَ العرب، أَو يا
هؤلاء انْعَوا العرب بموت فلان، كقوله: أَلا يا اسْجُدوا أَي يا هؤلاء
اسجدوا، فيمن قرأَ بتخفيف أَلا، وبعض العلماء يرويه يا نُعْيانَ العرب، فمن
قال هذا أَراد المصدر، قال الأَزهري: ويكون النُّعْيان جمعَ الناعِي كما
يقال لجمع الرَّاعي رُعْيان، ولجمع الباغي بُغْيان؛ قال: وسمعت بعض العرب
يقول لخَدَمه إِذا جَنَّ عليكم الليل فثَقِّبوا النيران فوق الإِكام
يَضْوي إِليها رُعْيانُنا وبُغْيانُنا. قال الأَزهري: وقد يجمع النَّعِيُّ
نعايا كما يُجْمع المَريُّ من النُّوق مَرايا والصَّفِيُّ صفايا. الأَحمر:
ذهبت تَمِيمُ فلا تُنْعى ولا تُسْهى أَي لا تُذكر. والمَنْعى والمَنْعاة:
خبر الموت، يقال: ما كانَ مَنْعى فلان مَنْعاةً واحدة، ولكنه كان
مَناعِيَ. وتَناعى القومُ واسْتَنْعَوْا في الحرب: نَعَوْا قَتْلاهم
ليُحرِّضوهم على القتل وطلَب الثأْر، وفلان يَنْعى فلاناً إِذا طلَب بثأْره.
والناعي: المُشَنِّع. ونَعى عليه الشيءَ يَنْعاه: قبَّحه وعابه عليه ووبَّخه.
ونَعى عليه ذُنوبه: ذَكرها له وشَهَره بها. وفي حديث عمر، رضي الله عنه:
إِن الله تعالى نَعى على قوم شَهَواتِهم أَي عاب عليهم. وفي حديث أَبي
هريرة، رضي الله عنه: تَنْعى عليَّ امْرَأً أَكرمه الله على يَدَيَّ أَي
تَعِيبني بقتلي رجلاً أَكرمه الله بالشهادة على يدَيَّ؛ يعني أَنه كان قتل
رجلاً من المسلمين قبل أَن يُسْلِمَ. قال ابن سيده: وأُرى يعقوب حكى في
المقلوب نَعَّى عليه ذنوبه ذكرها له. أَبو عمرو: يقال: أَنْعى عليه ونَعى
عليه شيئاً قبيحاً إِذا قاله تَشْنِيعاً عليه؛ وقول الأَجدع الهمْداني:
خَيْلانِ مِنْ قَوْمِي ومن أَعْدائِهمْ
خَفَضُوا أَسِنَّتَهم، فكلٌّ ناعي
هو من نَعَيْتُ. وفلان يَنْعى على نفسه بالفَواحش إِذا شَهَرَ نفسَه
بتَعاطِيه الفَواحشَ، وكان امرؤ القيس من الشعراء الذين نَعَوْا على أَنفسهم
بالفَواحش وأَظْهَرُوا التَّعَهُّر، وكان الفرزدق فعولاً لذلك. ونَعى
فلان على فلان أَمراً إِذا أَشادَ به وأَذاعه.
واسْتَنْعى ذِكرُ فلان: شاعَ.واسْتَنْعَتِ الناقةُ: تقَدَّمت،
واسْتَنْعَت تراجعت نافرة أَو عَدَتْ بصاحبها. واسْتَنْعى القومُ: تفَرَّقوا
نافرين. والاسْتِنْعاء: شبه النِّفار. يقال: اسْتَنْعى الإِبلُ والقوم إِذا
تفرَّقوا من شيء وانتشروا. ويقال: اسْتَنْعَيت الغنَم إِذا تَقَدَّمْتَها
ودَعَوْتَها لتتبعك. واسْتَنْعَى بفلان الشرُّ إِذا تتابع به الشر،
واستَنْعى به حُبُّ الخَمر أَي تَمادى به، ولو أَن قوماً مجتمعين قيل لهم شيء
ففزعوا منه وتفَرَّقوا نافرين لقلت: اسْتَنْعَوْا. وقال أَبو عبيد في باب
المقلوب: اسْتَناعَ واسْتَنْعى إِذا تقدَّم، ويقال: عطَفَ؛ وأَنشد:
ظَلِلْنا نَعُوجُ العِيسَ في عَرصَاتِها
وُقوفاً، ونَسْتَنْعِي بها فنَصُورُها
وأَنشد أَبو عبيد:
وكانت ضَرْبَةً من شَدْقَمِيٍّ،
إِذا ما اسْتَنَّتِ الإِبلُ اسْتَناعا
وقال شمر: اسْتَنْعى إِذا تقدَّم ليتبعوه، ويقال: تَمادى وتتابع. قال:
ورُبَّ ناقةٍ يَسْتَنْعي بها الذئبُ أَي يعدو بين يديها وتتبعه حتى إِذا
امَّازَ بها عن الحُوارِ عَفَقَ على حُوارِها مُحْضِراً فافترسه. قال ابن
سيده: والإِنْعاء أَن تستعير فرساً تُراهِنُ عليه وذِكْرُه لصاحبه؛ حكاه
ابن دريد وقال: لا أَحُقُّه.
خفا: خفا البَرْقُ خَفْواً وخُفُوّاً: لَمعَ. وخَفَا الشيءُ خَفْواً:
ظَهَر. وخَفَى الشيءَ خَفْياً وخُفِيّاً: أَظهره واستخرجه. يقال: خَفَى
المطرُ الفِئَارَ إِذا أَخرَجهُنَّ من أَنْفاقِهِنّ أَي من جِحَرَتِهِنَّ؛
قال امرؤ القيس يصف فرساً:
خَفَاهُنَّ من أَنْفاقِهِنَّ، كأَنَّما
خَفاهُنَّ وَدْقٌ من سَحَابٍ مُرَكَّبِ
قال ابن بري: والذي وقع في شعر امرئ القيس من عَشِيّ مُجَلِّبِ؛ وقال
امرؤ القيس بن عابس الكِنْدي أَنشده اللحياني:
فإِنْ تَكْتُمُوا السِّرَّ لا نَخْفِه،
وإِنْ تَبْعَثُوا الحَرْبَ لا نَقْعُد
قوله لا نَخْفِه أَي لا نُظْهِرْه. وقرئ قوله تعالى: إِنَّ الساعةَ
آتِيةٌ أَكادُ أَخْفِيها، أَي أُظْهِرُها؛ حكاه اللحياني عن الكسائي عن محمد
بن سهل عن سعيد ابن جبير. وخَفَيْتُ الشيءَ أَخْفِيه: كتَمْتُه.
وخَفَيْتُه أَيضاً: أَظْهَرْتُه، وهو من الأَضداد. وأَخْفَيْتُ الشيءَ:
سَتَرْتُه وكتَمْتُه. وشيءٌ خَفِيٌّ: خافٍ، ويجمع على خَفايا. وخَفِيَ عليه
الأَمرُ
يَخْفَى خَفاءً، ممدود. الليث: أَخفَيْتُ الصوتَ وأَنا أُخْفِيه إخفاءً
وفعله اللازمُ اخْتَفى. قال الأَزهري: الأَكثر اسْتَخْفَى لا اخْتَفى،
واخْتَفى لغةٌ ليست بالعالية، وقال في موضع آخر: أَمّا اخْتَفى بمعنى
خَفِيَ فلغةٌ وليست بالعالية ولا بالمُنْكَرة. والخَفِيَّةُ: الرَّكِيَّة التي
حُفِرت ثم تُرِكتْ حتى انْدَفَنَتْ ثم انْتُثِلْت واحتُفِرَتْ
ونُقِّبَتْ، سميت بذلك لأَنها استُخرجت وأُظْهِرَتْ. واخْتَفى الشيءَ: كخَفاه،
افْتَعَل منه؛ قال:
فاعْصَوْصَبُوا ثم جَسُّوهُ بأَعْيُنِهِمْ،
ثم اخْتَفَوْهُ، وقَرْنُ الشَّمسِ قد زالا
واخْتَفَيْت الشيءَ: استَخْرَجته. والمُخْتَفي: النَّبَّاشُ لاسْتِخراجه
أَكفانَ الموتى، مَدَنِيَّةٌ. قال ثعلب: وفي الحديث ليس على المُخْتَفي
قَطْعٌ. وفي حديث عليّ بن رَباح: السُّنَّة أَنْ
تُقْطَع اليدُ المُسْتَخْفِية ولا تُقْطَعَ اليدُ المُسْتَعْلِىة؛ يريد
بالمُسْتَخْفِية يَدَ السارق والنَّبَّاشِ، وبالمُسْتَعْلِية يَدَ
الغاصب والناهب ومَن في معناهما. وفي الحديث: لَعَنَ المُخْتَفِيَ
والمُخْتَفِيَة؛ المُخْتَفِي: النَّبَّاشُ، وهو من الاختفاء والاستتار لأَنه
يَسْرُق في خُفْية. وفي الحديث: مَن اخْتَفى مَيِّتاً فكأَنَّما قتَلَه.
وخَفِيَ الشيءُ خَفاءً، فهو خافٍ وخَفِيٌّ: لم يَظْهَرْ. وخَفاه هو
وأَخْفاهُ: سَتَرَه وكتَمَه. وفي التنزيل: إِنْ تبْدُوا ما في أَنفسكم أَو
تُخْفُوه. وفي التنزيل: إِن الساعة آتيةٌ أَكادُ أُخْفِيها؛ أَي أَسْتُرها
وأُوارِيها؛ قال اللحياني: وهي قراءة العامة. وفي حَرْف أُبَيٍّ: أَكادُ
أُخْفِيها من نفسي؛ وقال ابن جني: أُخْفيها يكون أُزيلُ خَفاءها أَي
غِطاءَها، كما تقول أَشكيته إِذا زُلْتَ له عَمَّا يَشْكوه؛ قال الأَخفش:
وقرئت أَكاد أَخْفِيها أَي أُظْهرها لأَنك تقول خَفَيْتُ السرَّ أَي
أَظْهرته. وفي الحديث: ما لم تَصْطَبِحُوا أَو تَغْتَبِقُوا أَو تَخْتَفُوا
بَقْلاً أَي تُظهروه، ويروى بالجيم والحاء؛ وقال الفراء: أَكاد أُخفيها، في
التفسير، من نفسي فكيف أُطْلِعُكُم عليها. والخَفاءُ، ممدود: ما خَفِيَ
عليك. والخَفا، مقصور: هو الشيء الخافي؛ قال الشاعر:
وعالِمِ السّر وعالِمِ الخَفا،
لقد مَدَدْنا أَيْدِياً بَعْدَ الرّجا
وقال أُمية:
تُسَبِّحهُ الطَّيْرُ الكَوامِنُ في الخَفا،
وإِذْ هي في جوّ السماءِ تَصَعَّدُ
قال ابن بري: قال أَبو علي القالي خَفَيْت أَظْهَرْتُ لا غير، وأَما
أَخْفَيْت فيكون للأَمرين وغَلَّطَ الأَصمعي وأَبا عبيد القاسمَ بنَ سلام.
وفي الحديث: أَنه كان يَخْفِي صَوتَه بآمين؛ رواه بعضهم بفتح الياء من
خَفَى يَخْفِي إِذا أَظْهَر كقوله تعالى: إِن الساعة آتية أَكاد
أَخْفِيها، على إِحدى القراءتين. والخَفاء والخافي والخافية: الشيءُ الخَفِيُّ.
قال الليث: الخُفْية من قولك أَخْفَيْت الشيءَ أَي سَتَرْته، ولقيته
خَفِيّاً أَي سِرّاً. والخافية: نقيض العلانية. وفَعَلَه خَفِيّاً وخِفْية،
بكسر الخاء، وخِفْوة على المُعاقَبة. وفي التنزيل: ادْعُوا ربكم تَضَرُّعاً
وخُفْيَة؛ أَي خاضعين مُتَعَبِّدِين، وقيل أَي اعْتَقِدوا عبادَته في
أَنفسكم لأَن الدعاء معناه العبادة؛ هذا قول الزجاج؛ وقال ثعلب: هو أَن
تذكره في نفسك؛ وقال اللحياني: خُفْية في خَفْضٍ وسكون، وتضَرُّعاً
تَمَسْكُناً. وحكي أَيضاً: خَفِيتُ له خِفْية وخُفْية أَي اخْتَفَيْت؛ وأَنشد
ثعلب:حَفِظْتُ إِزاري، مُذْ نَشَأْتُ، ولم أَضَعْ
إِزاري إِلى مُسْتَخْدَماتِ الوَلائِدِ
وأَبْناؤُهُنَّ المُسْلمون، إِذا بَدا
لك المَوْتُ وارْبَدَّتْ وجوهُ الأَساوِدِ
وهُنَّ الأُلى يَأْكُلْنَ زادَكَ خِفْوَةً
وهَمْساً، ويُوطِئْنَ، السُّرى، كُلَّ خابِطِ
أَي حفِظْت فَرْجي وهو موضع الإِزار أَي لم أَجعل نفسي إِلى الإِماء،
وقوله: يأْكُلْن زادَك خِفْوَة، يقول: يَسْرِقْنَ زادك فإِذا رأَينَك تَموت
تركْنَك، وقوله: ويُوطِئْن السُّرى كلَّ خابِطِ، يريد كل من يأْتِيهن
بالليل يُمَكِّنَّهُ من أَنفُسِهن. واسْتَخْفَى منه: اسْتَتَر وتوارى. وفي
التنزيل: يَسْتَخْفُون من الناس ولا يَسْتَخْفُون من الله؛ وكذلك
اخْتَفى، ولا تَقُل اخْتَفَيْت. وقال ابن بري: الفراء حكى أَنه قد جاء
اخْتَفَيْت بمعنى اسْتَخَفْيت؛ وأَنشد:
أَصْبَحَ الثعلبُ يَسْمُو لِلعُلا،
واخْتَفَى مع شِدَّةِ الخَوْفِ الأَسَدْ
فهو على هذا مُطاوِِع أَخْفَيْته فاخْتَفى كما تقول أَحْرَقْته
فاحْتَرَق، وقال الأَخفش في قوله تعالى: ومن هو مُسْتَخْفٍ بالليل وسارِبٌ
بالنّهار، قال: المُسْتَخْفي الظاهر، والسَّارِبُ المُتَواري؛ وقال الفراء:
مُسْتَخْفٍ بالليل أَي مُسْتَتر وسارِبٌ بالنهار ظاهر كأَنه قال الظاهر
والخَفِيُّ عنده جل وعز واحد. قال أَبو منصور: قول الأَخفش المُسْتَخْفي
الظاهر خطأ والمُسْتَخْفي بمعنى المُسْتتر كما قال الفراء، وأَما الاخْتِفاء
فله معنيان: أَحدهما بمعنى خَفِيَ، والآخر بمعنى الاسْتِخْراج؛ ومنه قيل
للنَّبَّاش المُخْتَفي، وجاءَ خَفَيْت بمعنيين وكذلك أَخْفَيْت، وكلام
العرب العالي أَن تقول خَفَيْت الشيءَ أَخْفِيه أَي أَظهرته. واسْتَخْفَيت
من فلان أَي تَوارَيْت واسْتَترت ولا يكون بمعنى الظهور. واخْتَفى دمَهُ:
قَتَلَه من غير أَن يُعْلَم به، وهو من ذلك؛ ومنه قول الغَنَوِيّ لأَبي
العالية: إِن بَني عامِرٍ أَرادوا أَن يَخْتَفُوا دَمي. والنون
الخَفِيَّة: الساكنة ويقال لها الخَفِيفة أَيضاً.
والخِفاء: رِداءٌ تَلْبَسُه العَرُوس على ثَوْبها فَتُخْفِيه به. وكلُّ
ما سَتَر شيئاً فهو له خِفاءٌ. وأَخْفِيَة النَّوْرِ: أَكِمَّتُه.
وأَخْفِية الكَرَى: الأَعينُ؛ قال:
لَقَدْ عَلِمَ الأَيْقاظُ أَخْفِيةَ الكَرَى
تَزَجُّجَها من حالِكٍ، واكْتِحالَها
والأَخْفِية: الأَكْسِيَة، والواحد خِفاءٌ لأَنها تُلْقى على السِّقاءِ؛
قال الكميت يذم قوماً وأَنهم لا يَبْرَحون بيوتَهم ولا يحضرون الحرب:
فَفِي تلكَ أَحْلاسُ البُيوتِ لَواصِفٌ،
وأَخْفِيَةٌ ما هُمْ تُجَرُّ وتُسْحَبُ
وفي حديث أَبي ذر: سَقَطْتُ كأَني خِفاءٌ؛ الخِفاء: الكِساء. وكلُّ شيءٍ
غطَّيْت به شيئاً فهو خِفاءٌ. وفي الحديث: إِنَّ الله يحب العَبْدَ
التَّقِيَّ الغَنِيَّ الخَفِيَّ؛ هو المعتَزِل عن الناس الذي يَخْفَى عليهم
مكانُه. وفي حديث الهجرة: أَخْفِ عنَّا أَي اسْتُر الخَبَر لمن سأَلك
عنَّا. وفي الحديث: خيرُ الذّكْرِ الخَفِيُّ أَي ما أَخْفاه الذاكره وسَتَره
عن الناس؛ قال الحربي: الذي عندي أَنه الشهرة وانتشار خبر الرجل لأَن سعد
بن أبي وقاص أَجاب ابنَه عُمَر على ما أَراده عليه من الظهور وطلب
الخلافة بهذا الحديث. والخافي: الجِنُّ، وقيل الإِنْس؛ قال أَعْشى
باهِلَة:يَمْشي بِبَيْداءَ لا يَمْشي بها أَحَدٌ،
ولا يُحَسُّ من الخافي بها أَثَرُ
وحكى اللحياني: أَصابها ريح من الخافي أَي من الجِنِّ. وقال ابن
مُناذِرٍ: الخافِية ما يُخْفى في البَدَن من الجِنِّ. يقال: به خَفِيَّة أَي
لَمَم ومَسٌّ. والخافِيَة والخافِياءُ: كالخافي، والجمع من كلّ ذلك خَوافٍ.
حكى اللحياني عن العرب أَيضاً: أَصابه ريح من الخوافي؛ قال: هو جمع
الخافي يعني الذي هو الجِنُّ، وعندي أَنهم إِذا عَنَوْا بالخافي الجِنَّ فهو
من الاستتار، وإِذا عَنَوا به الإِنسَ فهو من الظهور والانتشار. وأَرضٌ
خافيةٌ: بها جِنٌّ؛ قال المَرَّار الفقعسي:
إِليك عَسَفْتُ خَافِيَةً وإِنْساً
وغِيطاناً، بِها للرَّكْبِ غُولُ
وفي الحديث: إِن الحَزَاةَ يَشْرَبُها أَكايِس النّساء للخَافِية
والإِقْلاتِ؛ الخافِية: الجِنُّ سُمُّوا بذلك لاسْتِتارهم عن الأَبصار. وفي
الحديث: لا تُحْدِثُوا في القَرَعِ فإِنه مُصَلَّى الخَافِين؛ والقَرَعُ،
بالتحريك: قِطعٌ من الأَرض بَيْنَ الكَلإِ لا نَباتَ بها.
والخَوَافِي: رِيشَات إِذا ضَمَّ الطائرُ جَناحَيْه خَفِيت؛ وقال
اللحياني: هي الرِّيشَات الأَربع اللواتي بعدَ المَناكِب، والقولان مُقْتربان؛
وقال ابن جَبَلة: الخَوافي سبعُ رِيشات يَكُنَّ في الجَناحِ بعد السبْع
المُقَدَّمات، هكذا وقع في الحكاية عنه، وإِنما حكي الناس أَربعٌ قَوادِمُ
وأَربعٌ خَوافٍ، واحدتها خافِية. وقال الأَصمعي: الخَوافي ما دون
الريشات العشر من مُقَدَّمِ الجَناح. وفي الحديث: إِن مَدينةَ قَومِ لُوطٍ
حَمَلَها جِبْريل، عليه السلام، على خَوافِي جَناحِه؛ قال: هي الريش الصغار
التي في جَناحِ الطائر ضِدُّ القَوادِم، واحدَتُها خافية. وفي حديث أَبي
سفيان: ومعي خَنْجَرٌ مثلُ خافِية النَّسْرِ؛ يريد أَنه صغير.
والخَوافِي: السَّعَفات اللَّواتي يَلِينَ القِلَبةَ، نَجْديةٌ، وهي في لغة أَهل
الحجاز العَوَاهِنُ. وقال اللحياني: هي السَّعَفات اللَّواتِي دُون
القِلَبة، والوحدة كالواحدة، وكلّ ذلك من الستر.
والخَفِيّة: غَيْضة مُلْتَفّة يتّخِذُها الأَسدَ عَرِىنَهُ وهي
خَفِيّته؛ وأَنشد:
أُسود شَرىً لاقَتْ أُسُودَ خَفِيَّةِ،
تَسَاقَيْنَ سُمّاً كُلُّهُنّ خَوادِرُ
وفي المحكم: هي غيضة مُلْتَفَّة يتخذ فيها الأَسد عِرِّيساً فيستتر
هنالك، وقيل: خَفِيَّةُ وشَرىً اسمان لموضِعين عَلَمان؛ قال:
ونحنُ قَتَلْنَا الأُسْدَ أُسْدَ خَفِيَّةٍ
فما شَرِبُوا، بَعْداً عَلَى لَذَّةٍ، خَمْرَا
وقولهم: أُسُودُ خَفِيَّةٍ كما تقول أُسُود حَلْيَةٍ، وهما مَأْسَدَتان؛
قال ابن بري: السماع أُسُود خَفِيَّةٍ والصواب خفِيَّةَ، غيرَ مصروف،
وإِنما يصرف في الشعر كقول الأَشهب بن رُميلة:
أُسُودُ شَرىً لاقَتْ أُسُودَ خَفِيَّةٍ،
تَسَاقَوْا، على لَوحٍ، دِماءَ الأَساوِدِ
والخَفِيَّةُ بئرٌ كانت عادِيَّةً فانْدَفَنَتْ ثم حُفِرَتْ، والجمع
الخَفَايا والخَفِيَّات. والخَفِيَّة: البئرُ القَعِيرَةُ لِخَفاءِ
مَائِها.وخَفَا البَرْقُ يَخْفُو خَفْواً وخَفَا البَرْقُ وخَفِيَ خَفْياً
فيهما؛ الأَخيرة عن كراع: بَرَق بَرْقاً خَفِيّاً ضَعِيفاً مُعْتَرِضاً في
نَواحي الغيم، فإِن لَمَع قَلِيلاً ثم سَكَن وليس له اعتراض فهو الوَمِيضُ،
وإِن شَقَّ الغَيْم واسْتَطال في الجَوِّ إِلى السماءِ من غير أَن
يأْخُذَ يَميناً ولا شمالاً فهو العَقِيقَة؛ قال ابن الأَعرابي: الوَميضُ أَن
يُومِضَ البَرْق إِيماضَة خَفِيفَة ثم يَخْفى ثم يُومِض، وليس في هذا يأْس
من المطر. قال أَبو عبيد: الخَفْوُ اعْتِراض البَرْق في نَواحِي السماء.
وفي الحديث: أَنه سأَلَ عن البَرْق فَقال أَخَفْواً أَم ومِيضاً. وخَفا
البَرْقُ إِذا بَرَق بَرْقاً ضعيفاً. ورجل خَفِيُّ البَطْنِ: ضَامره
خَفيفُه؛ عن ابن الأَعرابي؛ وأَنشد:
فَقامَ، فأَدْنَى مِن وِسادي وِسادَهُ،
خَفِي البَطْنِ مْمشُوقُ القَوائِمِ شَوْذَبُ
وقولهم: بَرِحَ الخَفاءُ أَي وضَحَ الأَمرُ وذلك إِذا ظهر. وصار في
بَراحٍ
أَي في أَمر منكشف، وقيل: بَرِحَ الخَفاءُ أَي زال الخَفاء، قال:
والأَول أَجود. قال بعضهم: الخَفاءُ المُتَطَأْطِيءُ من الأَرض الخَفِيُّ،
والبَراحُ المرتفع الظاهرُ، يقول صار ذلك المُتَطَأْطِئُ مرتفعاً. وقال
بعضهم: الخَفاءُ هنا السِّرّ فيقول ظهَر السِّرّ، لأَنا قد قدمنا أَن
البَراحَ الظاهرُ المُرْتَفِع؛ قال يعقوب: وقال بعض العرب إِذا حَسُن من المرأَة
خَفِيَّاها حَسُنْ سائرُها؛ يعني صَوْتَها وأَثَرَ وطْئِها الأَرضَ،
لأَنها إِذا كانت رخيمةَ الصوت دلَّ ذلك على خَفَرِها، وإِذا كانت مُقارِِبة
الخُطى وتَمَكَّنَ أَثرُ وطْئِها في الأَرض دلَّ ذلك على أَنّ لها
أَرْدافاً وأَوْراكاً. الليث: والخِفاءُ رِداءٌ تَلْبَسه المرأَة فوق ثيابها.
وكلُّ شيء غطَّيْته بشيء من كساء أَو نحوه فهو خِفاؤُه، والجمع
الأَخْفية؛ ومنه قول ذي الرمة:
عليه زادٌ وأَهْدامٌ وأَخْفِية،
قد كاد يَجْتَرُّها عن ظَهْرِه الحَقَب
جفل: جَفَل اللحمَ عن العظم والشَّحْمَ عن الجِلْد والطَّيْرَ عن الأَرض
يَجْفِلُه جَفْلاً وجَفَّله، كِلاهما: قَشَرَه؛ قال الأَزهري: والمعروف
بهذا المعنى جَلَفت وكأَنَّ الجَفْل مقلوب. وجَفَل الطيرَ عن المكان:
طَرَدَها. الليث: الجَفْل السَّفينة، والجفُول السُّفُن؛ قال الأَزهري: لم
أَسمعه لغيره. وجَفَلَت الريحُ السحابَ تَجْفِله جَفْلاً: اسْتَخَفَّتْه
وهو الجَفْل، وقيل: الجَفْل من السحاب الذي قد هَراقَ ماءَه فخفَّ رُواقه
ثم انْجَفَل ومَضى. وأَجْفَلَت الريحُ الترابَ أَي أَذهبته وطَيَّرَته؛
وأَنشد الأَصمعي لمزاحم العقيلي:
وَهابٍ، كجُثْمان الحَمامَة، أَجْفَلَتْ
به ريحُ تَرْج والصَّبا كلَّ مُجْفَل
الليث: الريحُ تَجْفِل السحاب أَي تَسْتَخِفُّه فَتَمْضي فيه، واسم ذلك
السحاب الجَفْل. وريحٌ جَفُول: تَجْفِل السحابَ. وريح مُجْفِل وجافلة:
سريعة، وقد جَفَلَت وأَجْفَلَت. الليث: جَفَل الظَّليمُ وأَجْفَل إِذا
شَرَد فذهب. وما أَدري ما الذي جَفَّلَها أَي نَفَّرها. وجَفَل الظَّليمُ
يَجْفُل ويَجْفِلُ جُفُولاً وأَجْفَل: ذهب في الأَرض وأَسرع، وأَجفله هو،
والجافل المنزعج؛ قال أَبو الرُّبَيْس التَّغْلَبي
(* قوله «التغلبي» كذا
في الأصل بالمثناة والمعجمة، وسبق مثله في ترجمة ربس: وأنه من شعراء تغلب،
وفي القاموس: الثعلبي، قال شارحه من بني ثعلبة بن سعد، كذا قاله
الصاغاني وذكره ابن الكلبي وغيره وهو الصواب وما في اللسان تصحيف) واسمه عبَّاد
بن طَهْفه بن مازِن، وثَعْلَبة هو ابن مازن:
مُراجِعُ نَجْدٍ بَعْدَ فَرْكٍ وبِغْضَةٍ،
مُطَلِّقُ بُصْرَى أَصْمَعُ القَلْبِ جافِلُه
قال ابن سيده: وأَما ابن جني فقال أَجفل الظَّليمُ وجَفَلَته الريحُ،
جاءت هذه القضية معكوسة مخالفة للعادة، وذلك أَنك تجد فيها فَعَلَ متعدياً
وأَفْعَل غير متعدٍّ، قال: وعلة ذلك عندي أَنه جعل تَعَدِّي فَعَلْت
وجمود أَفعلت كالعوض لفَعَلْت من غلبة أَفْعَلْت لها على التعدي، نحو جلس
وأَجلسته ونهض وأَنهضته، كما جعل قلب الياء واواً في التَّقْوى والدَّعْوى
والثّنْوى والفَتْوى عوضاً للواو من كثرة دخول الياء عليها، وكما جعل لزوم
الضرب الأَول من المنسرح لمفتعلن، وحظر مجيئه تامّاً أَو مخبوناً، بل
توبعت فيه الحركات الثلاث البتة تعويضاً للضرب من كثرة السواكن فيه نحو
مفعولن ومفعولان ومستفعلان، ونحو ذلك مما التقى في آخره من الضرب ساكنان.
وفي الحديث: ما يلي رجل شيئاً من أُمور المسلمين إِلا جيء به فيُجْفَل على
شَفير جهنم. والجُفُول: سرعة الذهاب والنُّدود في الأَرض. يقال: جَفَلَت
الإِبل جُفُولاً إِذا شَرَدَت نادَّة، وجَفَلَت النَّعامةُ.
والإِجْفِيل: الجَبان. وظليمٌ إِجْفِيل: يَهْرُب من كل شيء؛ قال ابن
بري: شاهده ثول ابن مقبل في صفة الظَّليم:
بالمَنْكِبَيْن سُخام الرِّيش إِجْفِيل
قال: ومثله للراعي:
يَراعَةً إِجْفِيلا
وأَجْفَل القومُ أَي هربوا مسرعين. ورجل إِجْفِيل: نَفُورٌ جَبان
يَهْرُب من كل شيء فَرَقاً، وقيل: هو الجَبان من كل شيء. وأَجْفَل القومُ:
انقلعوا كُلُّهم فَمَضوْا؛ قال أَبو كبير:
لا يُجْفِلون عن المُضافِ، ولو رَأَوْا
أُولَى الوَعاوِعِ كالغُطاط المُقْبل
وانْجَفَل القوم انْجِفالاً إِذا هربوا بسرعة وانقلعوا كُلُّهم
ومَضَوْا. وفي الحديث: لما قدِمَ رسولُ الله، صلى الله عليه وسلم، المدينة
انْجَفَل الناسُ قِبَله أَي ذهبوا مسرعين نحوه. وانْجَفَلَتِ الشجرةُ إِذا
هَبّت بها ريح شديدة فقَعَرَتْها. وانجفل الظلُّ: ذهب. والجُفالة: الجماعة من
الناس ذهبوا أَو جاؤوا. ودَعاهم الجَفَلَى والأَجْفَلَى أَي بجماعتهم،
والأَصمعي لم يعرف الأَجْفَلَى، وهو أَن تدعو الناس إِلى طعامك عامَّة،
قال طرفة:
نحن في المَشْتاةِ نَدْعُو الجَفَلَى،
لا تَرَى الآدِبَ فينا يَنْتَقِر
قال الأَخفش: دعي فلان في النَّقَرَى لا في الجَفَلَى والأَجْفَلَى أَي
دُعي في الخاصة لا في العامة، وقال الفراء: جاء القوم أَجْفَلة وأَزْفَلة
أَي جماعة، وجاؤوا بأَجْفَلَتهم وأَزْفَلَتهم أَي بجماعتهم، وقال بعضهم:
الأَجْفَلَى والأَزْفَلَى الجماعة من كل شيء. وجَفَل الشعرُ يَجْفِلُ
جُفولاً: شَعِثَ. وجُمَّة جَفُول: عظيمة. وشَعَر جُفال: كثير.
والجُفال، بالضم: الصُّوف الكثير. وأَخذت جُفْلة من صوف أَي جُزَّة، وهو
اسم مفعول مثل قوله تعالى: إِلا من اغترف غُرْفة. والجُفال من الشعر:
المجتمع الكثير؛ وقال ذو الرمة يصف شعر امرأَة:
وأَسْوَد كالأَساوِدِ مُسْبَكِرّاً،
على المَتْنَيْنِ، مُنسَدِلاً جُفَالا
قال ابن بري: قوله وأَسود معطوف على منصوب قبل البيت وهو:
تُريكَ بياض لَبَّتها ووَجْهاً
كقَرْن الشمس، أَفْتَق ثم زالا
ولا يوصف بالجُفَال إِلا في كثرة. وفي صفة الدجال: أَنه جُفال الشعر أَي
كثيره. وشَعَر جُفال أَي منتفش. ويقال: إِنه لَجافِل الشَّعَر إِذا
شَعِثَ وتَنَصَّب شَعَره تَنَصُّباً، وقد جَفَل شعره يَجْفِل جُفُولاً. وفي
الحديث: أَن رجلاً قال للنبي، صلى الله عليه وسلم، يوم حنين: رأَيت قوماً
جافلة جِبَاهُهم يقتلون الناس؛ الجافل: القائمُ الشَّعَر المُنْتَفِشُه،
وقيل: الجافل المنزعج، أَي منزعجةً جِباهُهم كما يَعْرض للصبيان. وجَزَّ
جَفِيلَ الغنم وجُفالها أَي صوفَها؛ عن اللحياني؛ ومنه قول العرب فيما
تضعه على لسان الضائنة: أُوَلَّد رُخالاً، وأُحْلَب كُثَباً ثِقالاً،
وأُجَزُّ جُفالاً، ولم تَرَ مِثْلي مالاً؛ قوله جُفالاً أَي أُجَزّ بِمَرَّة
واحدة، وذلك أَن الضائنة إِذا جُزَّت فليس يسقط من صوفها إِلى الأَرض شيء
حتى يُجَزّ كله ويسقط أَجمع. والجُفال من الزَّبَد كالجُفاء، وكان رؤبة
يقرأُ: فأَما الزَّبَد فيذهب جُفالاً، لأَنه لم يكن من لغته جَفأَتِ
القِدْرُ ولا جَفَأَ السَّيل. والجُفالة: الزَّبَد الذي يعلو اللبن إِذا
حُلِب، وقال اللحياني: هي رَغْوة اللبن، ولم يَخُصَّ وقت الحَلْب. ويقال
لرَغْوة القِدْر جُفال. والجُفال: ما نفاه السيل. وجُفالة القِدْر: ما أَخذته
من رأْسها بالمِغْرَفة. وضَرَبَة ضَرْبَةً فَجَفَله أَي صَرَعَه وأَلقاه
إِلى الأَرض. وفي حديث أَبي قتادة: كان مع النبي، صلى الله عليه وسلم، في
سفر فَنَعَس رسول الله، صلى الله عليه وسلم، على راحلته حتى كاد
يَنْجَفِل عنها أَي ينقلب ويسقط عنها؛ قال أَبو النجم يصف إِبلاً:
يَجْفلُها كُلُّ سَنامٍ مُجْفِل،
لأَياً بِلأْيٍ في المَراغِ المُسْهِل
يريد: يَقْلِبها سَنامها من ثِقَله، إِذا تمرَّغت ثم أَرادت الاستواء
قَلَبها ثِقَلُ أَسْنِمتها؛ وقال في المحكم: معناه أَن يصرعها سَنامُها
لعِظَمه كأَنه أَراد سنام منها مجفل، وبالَغَ بِكُلّ كما تقول أَنت عالم
كُلُّ عالم. وفي حديث الحسن: أَنه ذكر النار فأَجْفَل مَغْشيّاً عليه أَي
خرَّ إِلى الأَرض. وفي حديث عمر: أَن رجلاً يهوديّاً حَمَل امرأَة مسلمة
على حِمار، فلما خرج من المدينة جَفَلَها ثم تَجَثَّمها لينكحها، فأُتِيَ
به عمر فقتله، أَي أَلقاها إِلى الأَرض وعلاها. وفي حديث ابن عباس: سأَله
رجل فقال آتِي البحر فأَجدُه قد جَفل سَمَكاً كثيراً، فقال: كُلْ ما لم
تَرَ شيئاً طافياً، أَي أَلقاه وَرَمى به إِلى البَرِّ والساحل.
والجَفُول: المرأَة الكبيرة العجوز؛ قال:
سَتَلْقى جَفُولاً أَو فَتاةً كأَنَّها،
إِذا نُضِيَت عنها الثِّيابُ، غَرِير
أَي ظَبْيٌ غَرِير. والجَفْل: لُغَة في الجَثْل، وهو ضَرب من النمل
سُودٌ كِبار. والجَفْل والجِفْل: خِثْيُ الفيل، وجمعه أَجْفَال؛ عن ابن
الأَعرابي؛ وأَنشد ابن بري لجرير:
قَبَح الإِله بَني خَضافِ ونِسْوَةً،
بات الخَزِيرُ لَهُنَّ كالأَجْفال
والجَفْل: تَصْلِيع الفيل وهو سَلْحُه. وقد جَفَل الفِيلُ إِذا بات
يَجْفِل.
وجَيْفَل: من أَسماء ذي القِعدة. قال ابن سيده: أُراها عادِيَّة.
والجُفُول: اسم موضع؛ قال الراعي:
تَرَوَّحْنَ من حَزْمِ الجُفُول، فأَصْبَحَتْ
هِضابُ شَرَوْرَى دُونَها والمُضَيَّحُ
شنفر: رجل شِنْذيَرة وشِنْظيرة وشِنْفِيرَه إِذا كان سَيءَ الخلُق؛
وأَنشد:
شِنْفِيرَةٍ ذي خُلُق زَبَعْبَقِ
وقال الطِّرِمَّاح يصف ناقة:
ذات شِنْفارَة، إِذا هَمَتِ الذِّفْـ
ـرَى بماءِ عَصائم جَسدُه
(* قوله: «عصائم حسده» هكذا في الأَصل).
أَراد أَنها ذات حِدَّة في السَّير، وقيل: ذات شِنْفارة أَي ذات نَشاط.
والشِّنْفار: الخفيف؛ مثَّل به سيبويه وفسّره السِّيرافي. وناقة ذات
شِنْفارة أَي حِدَّة. والشَّنْفَرَى: اسم رجل.
ثور: ثارَ الشيءُ ثَوْراً وثُؤوراً وثَوَراناً وتَثَوَّرَ: هاج؛ قال
أَبو كبير الهذلي:
يَأْوي إِلى عُظُمِ الغَرِيف، ونَبْلُه
كَسَوامِ دَبْرِ الخَشْرَمِ المُتَثَوِّرِ
وأَثَرْتُه وهَثَرْتُهُ على البدل وثَوَّرْتهُ، وثَورُ الغَضَب:
حِدَّته. والثَّائر: الغضبان، ويقال للغضبان أَهْيَجَ ما يكونُ: قد ثار ثائِرُه
وفارَ فائِرُه إِذا غضب وهاج غضبه.
وثارَ إِليه ثَوْراً وثُؤوراً وثَوَراناً: وثب. والمُثاوَرَةُ:
المواثَبَةُ. وثاوَرَه مُثاوَرَة وثِوَاراً؛ عن اللحياني: واثبَه وساوَرَه.
ويقال: انْتَظِرْ حتى تسكن هذه الثَّوْرَةُ، وهي الهَيْجُ. وثار الدُّخَانُ
والغُبار وغيرهما يَثُور ثَوْراً وثُؤوراً وثَوَراناً: ظهر وسطع، وأَثارَهُ
هو؛ قال:
يُثِرْنَ من أَكْدرِها بالدَّقْعَاءْ،
مُنْتَصِباً مِثْلَ حَرِيقِ القَصْبَاءِ
الأَصمعي: رأَيت فلاناً ثائِرَ الرأْس إِذا رأَيته قد اشْعانَّ شعره أَي
انتشر وتفرق؛ وفي الحديث: جاءه رجلٌ من أَهل نَجْدٍ ثائرَ الرأْس يسأَله
عن الإِيمان؛ أَي منتشر شَعر الرأْس قائمَهُ، فحذف المضاف؛ ومنه الحديث
الآخر: يقوم إِلى أَخيه ثائراً فَرِيصَتُهُ؛ أَي منتفخ الفريصة قائمها
غَضَباً، والفريصة: اللحمة التي بين الجنب والكتف لا تزال تُرْعَدُ من
الدابة، وأَراد بها ههنا عَصَبَ الرقبة وعروقها لأَنها هي التي تثور عند
الغضب، وقيل: أَراد شعر الفريصة، على حذف المضاف.
ويقال: ثارَتْ نفسه إِذا جَشَأَتْ وإِن شئتَ جاشَت؛ قال أَبو منصور:
جَشَأَتْ أَي ارتَفعت، وجاشت أَي فارت. ويقال: مررت بِأَرانِبَ فأَثَرْتُها.
ويقال: كيف الدَّبى؟ فيقال: ثائِرٌ وناقِرٌ، فالثَّائِرُ ساعَةَ ما يخرج
من التراب، والناقر حين ينقر أَي يثب من الأَرض. وثارَ به الدَّمُ وثارَ
بِه الناسُ أَي وَثَبُوا عليه.
وثَوَّرَ البَرْكَ واستثارها أَي أَزعجها وأَنهضها. وفي الحديث: فرأَيت
الماء يَثُور من بين أَصابعه أَي يَنْبُعُ بقوّة وشدّة؛ والحديث الآخر:
بل هي حُمَّى تَثُورُ أَو تَفُور. وثارَ القَطَا من مَجْثَمِه وثارَ
الجَرادُ ثَوْراً وانْثار: ظَهَرَ.
والثَّوْرُ: حُمْرَةُ الشَّفَقِ الثَّائِرَةُ فيه، وفي الحديث: صلاة
العشاء الآخرة إِذا سَقَط ثَوْرُ الشَّفَقِ، وهو انتشار الشفق، وثَوَرانهُ
حُمْرَته ومُعْظَمُه. ويقال: قد ثارَ يَثُورُ ثَوْراً وثَوَراناً إِذا
انتشر في الأُفُقِ وارتفع، فإِذا غاب حَلَّتْ صلاة العشاء الآخرة، وقال في
المغرب: ما لم يَسْقُطْ ثَوْرُ الشَّفَقِ. والثَّوْرُ: ثَوَرَانُ
الحَصْبَةِ. وثارَتِ الحَصْبَةُ بفلان ثَوْراً وثُؤوراً وثُؤَاراً وثَوَراناً:
انتشرت: وكذلك كل ما ظهر، فقد ثارَ يَثُور ثَوْراً وثَوَراناً. وحكى
اللحياني: ثارَ الرجل ثورَاناً ظهرت فيه الحَصْبَةُ. ويقال: ثَوَّرَ فلانٌ
عليهم شرّاً إِذا هيجه وأَظهره. والثَّوْرُ: الطُّحْلُبُ وما أَشبهه على رأْس
الماء. ابن سيده: والثَّوْرُ ما علا الماء من الطحلب والعِرْمِضِ
والغَلْفَقِ ونحوه، وقد ثارَ الطُّحْلُب ثَوْراً وثَوَراناً وثَوَّرْتُه
وأَثَرْتُه. وكل ما استخرجته أَو هِجْتَه، فقد أَثَرْتَه إِثارَةً وإِثاراً؛
كلاهما عن اللحياني. وثَوَّرْتُه واسْتَثَرْتُه كما تستثير الأَسَدَ
والصَّيْدَ؛ وقول الأَعشى:
لَكَالثَّوْرِ، والجنِّيُّ يَضْرِب ظَهْرَه،
وما ذَنْبُه أَنْ عافَتِ الماءَ مَشْربا؟
أَراد بالجِنّي اسم راع، وأَراد بالثور ههنا ما علا الماء من القِمَاسِ
يضربه الراعي ليصفو الماء للبقر؛ وقال أَبو منصور وغيره: يقول ثور البقر
أَجرأُ فيقدّم للشرب لتتبعه إِناث البقر؛ وأَنشد:
أَبَصَّرْتَني بأَطِيرِ الرِّجال،
وكَلَّفْتَني ما يَقُول البَشَرْ
كما الثورِ يَضْرِبُه الرَّاعيان،
وما ذَنْبُه أَنْ تَعافَ البَقَرْ؟
والثَّوْرُ: السَّيِّدُ، وبه كني عمرو بن معد يكرب أَبا ثَوْرٍ. وقول
علي، كرم الله وجهه: إِنما أُكِلْتُ يومَ أُكِلَ الثَّوْرُ الأَبْيَضُ؛ عنى
به عثمان، رضي
الله عنه، لأَنه كان سَيِّداً، وجعله أَبيض لأَنه كان أَشيب، وقد يجوز
أَن يعني به الشهرة؛ وأَنشد لأَنس ابن مدرك الخثعمي:
إِنِّي وقَتْلي سُلَيْكاً ثم أَعْقِلَهُ،
كالثورِ يُضْرَبُ لما عافَتِ البَقَرُ
غَضِبْتُ لِلمَرْءِ إِذ يَنْكُتْ حَلِيلَتَه،
وإِذْ يُشَدُّ على وَجْعائِها الثَّفَرُ
قيل: عنى الثور الذي هو الذكر من البقر لأَن البقر تتبعه فإِذا عاف
الماء عافته، فيضرب ليرد فترد معه، وقيل: عنى بالثَّوْرِ الطُّحْلُبَ لأَن
البَقَّارَ إِذا أَورد القطعة من البقر فعافت الماء وصدّها عنه الطحلب ضربه
ليفحص عن الماء فتشربه. وقال الجوهري في تفسير الشعر: إِن البقر إِذا
امتنعت من شروعها في الماء لا تضرب لأَنها ذات لبن، وإِنما يضرب الثور
لتفزع هي فتشرب، ويقال للطحلب: ثور الماء؛ حكاه أَبو زيد في كتاب المطر؛ قال
ابن بري: ويروى هذا الشعر:
إِنِّي وعَقْلي سُلَيْكاً بعدَ مَقْتَلِه
قال: وسبب هذا الشعر أَن السُّلَيْكَ خرج في تَيْمِ الرِّباب يتبع
الأَرياف فلقي في طريقه رجلاً من خَثْعَمٍ يقال له مالك بن عمير فأَخذه ومعه
امرأَة من خَفاجَة يقال لها نَوَارُ، فقال الخَثْعَمِيُّ: أَنا أَفدي نفسي
منك، فقال له السليك: ذلك لك على أَن لا تَخِيسَ بعهدي ولا تطلع عليّ
أَحداً من خثعم، فأَعطاه ذلك وخرج إِلى قومه وخلف السليك على امرأَته
فنكحها، وجعلت تقول له: احذر خثعم فقال:
وما خَثْعَمٌ إِلاَّ لِئامٌ أَذِلَّةٌ،
إِلى الذُّلِّ والإِسْخاف تُنْمى وتَنْتَمي
فبلغ الخبرُ أَنسَ بن مُدْرِكَةَ الخثعمي وشبْلَ بن قِلادَةَ فحالفا
الخَثْعَمِيَّ زوجَ المرأَة ولم يعلم السليك حتى طرقاه، فقال أَنس لشبل: إِن
شِئت كفيتك القوم وتكفيني الرجل، فقال: لا بل اكفني الرجل وأَكفيك
القوم، فشدَّ أَنس على السليك فقتله وشدَّ شبل وأَصحابه على من كان معه، فقال
عوف بن يربوع الخثعمي وهو عم مالك بن عمير: والله لأَقتلن أَنساً
لإِخفاره ذمة ابن عمي وجرى بينهما أَمر وأَلزموه ديته فأَبى فقال هذا الشعر؛
وقوله:
كالثور يضرب لما عافت البقر
هو مثل يقال عند عقوبة الإِنسان بذنب غيره، وكانت العرب إِذا أَوردوا
البقر فلم تشرب لكدر الماء أَو لقلة العطش ضربوا الثور ليقتحم الماء فتتبعه
البقر؛ ولذلك يقول الأَعشى:
وما ذَنْبُه إِن عافَتِ الماءَ باقِرٌ،
وما أَن يَعَاف الماءَ إِلاَّ لِيُضْرَبا
وقوله:
وإِذ يشدّ على وجعائها الثفر
الوجعاء: السافلة، وهي الدبر. والثفر: هو الذي يشدّ على موضع الثَّفْرِ،
وهو الفرج، وأَصله للسباع ثم يستعار للإِنسان.
ويقال: ثَوَّرْتُ كُدُورَةَ الماء فَثارَ. وأَثَرْتُ السَّبُعَ
والصَّيْدَ إِذا هِجْتَه. وأَثَرْتُ فلاناً إِذا هَيَّجْتَهُ لأَمر. واسْتَثَرْتُ
الصَّيْدَ إِذا أَثَرْتَهُ أَيضاً. وثَوَّرْتُ الأَمر: بَحَثْتُه
وثَوَّرَ القرآنَ: بحث عن معانيه وعن علمه. وفي حديث عبدالله: أَثِيرُوا القرآن
فإِن فيه خبر الأَولين والآخرين، وفي رواية: علم الأَوَّلين والآخرين؛
وفي حديث آخر: من أَراد العلم فليُثَوِّر القرآن؛ قال شمر: تَثْوِيرُ
القرآن قراءته ومفاتشة العلماء به في تفسيره ومعانيه، وقيل: لِيُنَقِّرْ عنه
ويُفَكِّرْ في معانيه وتفسيره وقراءته، وقال أَبو عدنان: قال محارب صاحب
الخليل لا تقطعنا فإِنك إِذا جئت أَثَرْتَ العربية؛ ومنه قوله:
يُثَوِّرُها العينانِ زَيدٌ ودَغْفَلٌ
وأَثَرْتُ البعير أُثيرُه إِثارةً فَثارَ يَثُورُ وتَثَوَّرَ تَثَوُّراً
إِذا كان باركاً وبعثه فانبعث. وأَثارَ الترابَ بقوائمهِ إِثارَةً:
بَحَثه؛ قال:
يُثِيرُ ويُذْري تُرْبَها ويَهيلُه،
إِثارَةَ نَبَّاثِ الهَواجِرِ مُخْمِسِ
قوله: نباث الهواجر يعني الرجل الذي إِذا اشتد عليه الحر هال التراب
ليصل إِلى ثراه، وكذلك يفعل في شدة الحر.
وقالوا: ثَورَة رجال كَثروَةِ رجال؛ قال ابن مقبل:
وثَوْرَةٍ من رِجالِ لو رأَيْتَهُمُ،
لقُلْتَ: إِحدى حِراجِ الجَرَّ مِن أُقُرِ
ويروى وثَرْوةٍ. ولا يقال ثَوْرَةُ مالٍ إِنما هو ثَرْوَةُ مالٍ فقط.
وفي التهذيب: ثَوْرَةٌ من رجال وثَوْرَةٌ من مال للكثير. ويقال: ثَرْوَةٌ
من رجال وثَرْوَةٌ من مال بهذا المعنى. وقال ابن الأَعرابي: ثَوْرَةٌ من
رجال وثَرْوَةٌ يعني عدد كثير، وثَرْوَةٌ من مالٍ لا غير.
والثَّوْرُ: القِطْعَةُ العظيمة من الأَقِطِ، والجمع أَثْوَارٌ
وثِوَرَةٌ، على القياس. ويقال: أَعطاه ثِوَرَةً عظاماً من الأَقِطِ جمع ثَوْرٍ.
وفي الحديث: توضؤوا مما غَيَّرتِ النارُ ولو من ثَوْرَ أَقِطٍ؛ قال أَبو
منصور: وذلك في أَوّل الإِسلام ثم نسخ بترك الوضوء مما مست النار، وقيل:
يريد غسل اليد والفم منه، ومَنْ حمله على ظاهره أوجب عليه وجوب الوضوء
للصلاة. وروي عن عمرو بن معد يكرب أَنه قال: أَتيت بني فلان فأَتوني بثَوْرٍ
وقَوْسٍ وكَعْبٍ؛ فالثور القطعة من الأَقط، والقوس البقية من التمر تبقى
في أَسفل الجُلَّةِ، والكعب الكُتْلَةُ من السمن الحَامِسِ. وفي الحديث:
أَنه أَكلَ أَثْوَارَ أَقِطٍ؛ الاَّثوار جمع ثَوْرٍ، وهي قطعة من
الأَقط، وهو لبن جامد مستحجر. والثَّوْرُ: الأَحمق؛ ويقال للرجل البليد الفهم:
ما هو إِلا ثَوْرٌ. والثَّوْرُ: الذكر من البقر؛ وقوله أَنشده أَبو علي
عن أَبي عثمان:
أَثَوْرَ ما أَصِيدُكُمْ أَو ثَوْريْنْ
أَمْ تِيكُمُ الجمَّاءَ ذاتَ القَرْنَيْنْ؟
فإِن فتحة الراء منه فتحة تركيب ثور مع ما بعده كفتحة راء حضرموت، ولو
كانت فتحة إِعراب لوجب التنوين لا محالة لأَنه مصروف، وبنيت ما مع الاسم
وهي مبقاة على حرفيتها كما بنيت لا مع النكرة في نحو لا رجل، ولو جعلت ما
مع ثور اسماً ضممت إِليه ثوراً لوجب مدّها لأَنها قد صارت اسماً فقلت
أَثور ماء أَصيدكم؛ كما أَنك لو جعلت حاميم من قوله:
يُذَكِّرُني حامِيمَ والرُّمْحُ شاجِرٌ
اسمين مضموماً أَحدهما إِلى صاحبه لمددت حا فقلت حاء ميم ليصير كحضرموت،
كذا أَنشده الجماء جعلها جماء ذات قرنين على الهُزْءِ، وأَنشدها بعضهم
الحَمَّاءَ؛ والقول فيه كالقول في ويحما من قوله:
أَلا هَيَّما مما لَقِيتُ وهَيَّما،
وَوَيْحاً لمَنْ لم يَلْقَ مِنْهُنَّ ويْحَمَا
والجمع أَثْوارٌ وثِيارٌ وثِيارَةٌ وثِوَرَةٌ وثِيَرَةٌَ وثِيرانٌ
وثِيْرَةٌ، على أَن أَبا عليّ قال في ثِيَرَةٍ إِنه محذوف من ثيارة فتركوا
الإِعلال في العين أَمارة لما نووه من الأَلف، كما جعلوا الصحيح نحو اجتوروا
واعْتَوَنُوا دليلاً على أَنه في معنى ما لا بد من صحته، وهو تَجاوَروا
وتَعاونُوا؛ وقال بعضهم: هو شاذ وكأَنهم فرقوا بالقلب بين جمع ثَوْرٍ من
الحيوان وبين جمع ثَوْرٍ من الأَقِطِ لأَنهم يقولون في ثَوْر الأَقط
ثِوَرةٌ فقط وللأُنثى ثَوْرَةٌ؛ قال الأَخطل:
وفَرْوَةَ ثَفْرَ الثَّوْرَةِ المُتَضاجِمِ
وأَرض مَثْوَرَةٌ: كثيرة الثَّيرانِ؛ عن ثعلب. الجوهري عند قوله في جمع
ثِيَرَةٍ: قال سيبويه: قلبوا الواو ياء حيث كانت بعد كسرة، قال: وليس هذا
بمطرد. وقال المبرّد: إِنما قالوا ثِيَرَةٌ ليفرقوا بينه وبين ثِوَرَة
الأَقط، وبنوه على فِعْلَةٍ ثم حركوه، ويقال: مررت بِثِيَرَةٍ لجماعة
الثَّوْرِ. ويقال: هذه ثِيَرَةٌ مُثِيرَة أَي تُثِيرُ الأَرضَ. وقال الله
تعالى في صفة بقرة بني إِسرائيل: تثير الأَرض ولا تسقي الحرث؛ أَرض مُثارَةٌ
إِذا أُثيرت بالسِّنِّ وهي الحديدة التي تحرث بها الأَرض. وأَثارَ
الأَرضَ: قَلَبَها على الحب بعدما فُتحت مرّة، وحكي أَثْوَرَها على التصحيح.
وقال الله عز وجل: وأَثارُوا الأَرضَ؛ أَي حرثوها وزرعوها واستخرجوا منها
بركاتها وأَنْزال زَرْعِها. وفي الحديث: أَنه كتب لأَهل جُرَش بالحمَى
الذي حماه لهم للفَرَس والرَّاحِلَةِ والمُثِيرَةِ؛ أَراد بالمثيرة بقر
الحَرْث لأَنها تُثيرُ الأَرض. والثّورُ: يُرْجٌ من بروج السماء، على
التشبيه. والثَّوْرُ: البياض الذي في أَسفل ظُفْرِ الإِنسان. وثَوْرٌ: حيٌّ من
تميم. وبَنُو ثَورٍ: بَطنٌ من الرَّبابِ وإِليهم نسب سفيان الثَّوري.
الجوهري: ثَوْر أَبو قبيلة من مُضَر وهو ثور بن عَبْدِ منَاةَ بن أُدِّ بن
طابِخَةَ بن الياس بن مُضَر وهم رهط سفيان الثوري. وثَوْرٌ بناحية الحجاز:
جبل قريب من مكة يسمى ثَوْرَ أَطْحَل. غيره: ثَوْرٌ جبل بمكة وفيه الغار
نسب إِليه ثَوْرُ بنُ عبد مناة لأَنه نزله. وفي الحديث: انه حَرَّمَ ما
بين عَيْرٍ إِلى ثَوْرٍ. ابن الأَثير قال: هما جبلان، أَما عير فجبل
معروف بالمدينة، وأَما ثور فالمعروف أَنه بمكة، وفيه الغار الذي بات فيه
سيدنا رسولُ الله، صلى الله عليه وسلم، لما هاجر، وهو المذكور في القرآن؛ وفي
رواية قليلة ما بين عَيْرٍ وأُحُد، وأُحد بالمدينة، قال: فيكون ثور
غلطاً من الراوي وإِن كان هو الأَشهر في الرواية والأَكثر، وقيل: ان عَيْراً
جبل بمكة ويكون المراد أَنه حرم من المدينة قدر ما بين عير وثور من مكة
أَو حرم المدينة تحريماً مثل تحريم ما بين عير وثور بمكة على حذف المضاف
ووصف المصدر المحذوف. وقال أَبو عبيد: أَهل المدينة لا يعرفون بالمدينة
جبلاً يقال له ثور
(* قوله «وقال أَبو عبيد إلخ» رده في القاموس بان حذاء
أحد جانحاً إلى ورائه جبلاً صغيراً يقال له ثور). وإِنما ثور بمكة. وقال
غيره: إِلى بمعنى مع كأَنه جعل المدينة مضافة إِلى مكة في التحريم.
شرد: شَرَدَ البعيرُ والدابة يَشْرُدُ شَرْداً وشِراداً وشُروداً:
نَفَرَ، فهو شارِدٌ، والجمع شَرَدٌ. وشَرُودٌ في المذكر والمؤَنث، والجمع
شُرُودٌ؛ قال:
ولا أُطيق البَكَراتِ الشَّرَدا
قال ابن سيده: هكذا رواه ابن جني شَرَدا على مثال عَجَلٍ وكُتُبٍ
استَعْصَى وذَهَبَ على وجْهه؛ الجوهري: الجمع شَرَدٌ على مثال خادِمٍ وخَدَم
وغائِب وغَيَب، وجمع الشَّرُود شُرُدٌ مِثْلُ زَبُورٍ وَزُبُر؛ وأَنشد أَبو
عبيدة لعبد مناف بن ربيع الهذلي:
حتى إِذا أَسْلَكوهُمْ في قُتائِدَةٍ
شَلاًّ، كما تَطْرُد الجمَّالةُ الشُّرُدا
ويروى الشَّرَدا. والتَّشْريدُ: الطَّرْد. وفي الحديث: لَتَدْخُلُنَّ
الجنةَ أَجمعون أَكتعون إِلا من شَرَدَ على الله أَي خرج عن طاعته وفارق
الجماعة من شَرَدَ البعيرُ إِذا نفر وذهب في الأَرض. وفرس شَرُود: وهو
المُسْتَعْصي على صاحبه. وقافَيَةٌ شَرُودٌ: عائِرَةٌ سائِرَةٌ في البلاد
تَشْرُدُ كمن يشرد البعير؛ قال الشاعر:
شَرُودٌ، إِذا الرَّاؤُونَ حَلُّوا عِقالَها،
مُحَجَّلةٌ، فيها كلامٌ مُحَجَّلُ
وشَرَدَ الجمل شُروداً، فهو شارد، فإِذا كان مُشَرَّداً فهو شَريد
طَريد.وتقول: أَشْرَدْتُه وأَطْرَدْتُهُ إِذا جعلته شَريداً طَريداً لا
يُؤْوى. وشَرَدَ الرجلُ شُروداً: ذهب مَطْرُِوداً. وأَشْرَدَه وشَرَّدَه:
طَردَه. وشَرَّدَ به: سَمَّع بعيوبه؛ قال:
أُطَوِّفُ بالأَباطِحِ كُلَّ يَوْم،
مَخافةَ أَنْ يُشَرِّدَ بِي حَكِيمُ
معناه أَن يُسَمِّعَ بي. وأُطَوِّفُ: أَطُوفُ. وحَكِيمٌ: رجل من بني
سُلَيْم كانت قريش ولته الأَخذ على أَيدي السفهاء. ورجل شَريدٌ: طَرِيدٌ.
وقوله عز وجل: فَشَرِّدْ بهمْ مَنْ خَلْفَهم؛ أَي فَرِّق وبَدِّدْ جمعهم.
وقال الفراء: يقول إِن أَسرتهم يا محمد فَنَكِّلْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهم
ممن تَخافُ نَقْضَهُ العهد لعلهم يذكرون فلا ينقضون العهد. وأَصل التشريد
التَّطْريدُ، وقيل: معناه سَمِّعْ بهم من خَلْفَهم، وقيل: فَزِّعْ بهم
مَنْ خلفهم. وقال أَبو بكر في قولهم: فلان طريد شريد: أَمَّا الطَّريدُ
فمعناه المَطْرود، والشريد فيه قولان: أَحدهما الهارب من قولهم شَرَدَ البعير
وغيرُه إِذا هرب؛ وقال الأَصمعي: الشريد المُفْرَدُ؛ وأَنشد اليمامي:
تَراهُ أَمامَ النَّاجِياتِ كأَنه
شرَيدُ نَعانٍ، شَذَّ عَنه صَواحِبُه
قال: وتَشَرَّدَ القَوْمُ ذَهبوا.
وفي الحديث: أَن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال لَخوَّات بن جُبَيْر:
ما فَعَلَ شِرادُك؟ يُعَرِّضُ بقضيّته مع ذات النِّحْيَيْن في الجاهلية،
وأَراد بشِراده أَنه لما فزع تَشَرَّد في الأَرض خوفاً من التَّبَعة؛ قال
ابن الأَثير: كذا رواه الهرويّ والجوهريّ في الصحاح وذكر القصة؛ وقيل:
إِن هذا وهمٌ من الهروي والجوهري، ومن فَسَّرَه بذلك قال: والحديث له قصة
مَرْويَّةٌ عن خَوَّات أَنه قال: نزلت مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم،
بِمَرِّ الظَّهْرانِ فخرجت من خِبائي فإِذا نسوة يتَحَدّثن فأَعجبنني،
فرجعت فأَخرجت حُلَّةً من عَيْبَتي فَلبسْتُها ثم جلست إِليهن، فمرّ رسول
الله صلى الله عليه وسلم، فهِبتُه فقلت: يا رسول الله جمل لي شَرُود
وأَنا أَبْتَغِي له قَيْداً فمضى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وتَبِعْتُه
فأَلقى إِليَّ رداءه ثم دخل الأَراكَ فقضى حاجته وتوضأَ، ثم جاء فقال:
يا أَبا عبد الله ما فعل شَروُدُك؟ ثم ارتحلنا فجعل لا يلحقني إِلا قال:
السلام عليكم، يا أَبا عبد الله، ما فعل شِرادُ جَملك؟ قال: فتعجلت إِلى
المدينة واجتنبت المسجدَ ومُجالَسة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فلما
طال ذلك عليّ تَحَيّنْتُ ساعةَ خَلْوَةِ المسجد ثم أَتيت المسجد فجعلت
أُصلي، فخرج رسول الله، صلى الله عليه وسلم، من بعض حُجَرِه فجاء فصلى
ركعتين خفيفتين وطوّلت الصلاة رجاءَ أَن يذهبَ ويدَعَني، فقال: طوِّلْ يا أَبا
عبد الله ما شئت فلستُ بقائم حتى تنصرف، فقلت: والله لأَعتذرن إِليه،
فانصرفت، فقال: السلام عليكم أَبا عبد الله ما فعل شِرادُ الجمل؟ فقلت:
والذي بعثك بالحق ما شَرَدَ ذلك الجمل مُنْذُ أَسلمت، فقال: رحمك الله
مرتين أَو ثلاثاً ثم أَمسك عني فلم يعد.
والشَّريدُ: البقية من الشيء. ويقال: في إِداواهُمْ شَريدٌ من ماء أَي
بقية. وأَبْقَتِ السَّنَةُ عليهم شَرائِدَ من أَموالهم أَي بقايا، فإِما
أَن يكون شَرائِدُ جمع شَريد على غير قياس كَفيلٍ
(* قوله «كفيل» كذا
بالأَصل المعوّل عليه، ولعل الأَولى كأفيل بالهمز، وهو الفصيل من الإبل كما
في القاموس.) وأَفائِلَ، وإِما أَن يكون شَريدَةٌ لغة في شَريد. وينو
الشَّريدِ: حَيٌّ، منهم صخر أَخو الخنساء؛ وفيهم يقول:
أَبَعْدَ ابنِ عَمْرٍو من آلِ الشَّر يـ
ـدِ، حَلَّتْ به الأَرضُ أَثْقالَها
وبنو الشَّريدِ: بَطْنٌ مِنْ سُلَيْم.
وكل: في أَسماء الله تعالى الوَكِيلُ: هو المقيم الكفيل بأَرزاق العباد،
وحقيقته أَنه يستقلُّ بأَمر المَوْكول إِليه. وفي التنزيل العزيز: أَن
لا تَتَّخِذوا من دُوني وكِيلاً؛ قال الفراء: يقال رَبًّا ويقال كافِياً؛
ابن الأَنباري: وقيل الوَكِيلُ الحافظ، وقال أَبو إِسحق: الوَكِيلُ في
صفة الله تعالى الذي توَكَّل بالقيام بجميع ما خَلَق، وقال بعضهم:
الوَكِيلُ الكفيل ونِعْمَ الكَفِيل بأَرزاقِنا، وقال في قولهم حَسْبُنا الله
ونِعْم الوَكِيلُ: كافِينا اللهُ ونِعْمَ الكافي، كقولك: رازقنا اللهُ ونِعْم
الرازق؛ وأَنشد أَبو الهيثم في الوَكِيل بمعنى الرَّبِّ:
وداخِلةٍ غَوْراً، وبالغَوْرِ أُخرِجتْ،
وبالماء سِيقَتْ، حين حانَ دُخولُها
ثَوَتْ فيه حَوْلاً مُظلِماً جارياً لها،
فسُرَّتْ به حَقًّا وسُرَّ وَكِيلُها
داخِلة غَوْراً: يعني جَنِين الناقة غارَ في رَحِمِ الناقة، وبالغَوْر
أُخْرِجت: بالرَّحِم أُخْرجت من البطن، بالماء سِيقَتْ إِلى الرَّحم حين
حَمَلتْه، سُرَّت يعني الأُمّ بالجنين، وسُرَّ وكيلُها: يعني رَبَّ الناقة
سَرَّه خُروجُ الجَنين.
والمُتَوَكِّل على الله: الذي يعلم أَن الله كافِلٌ رزقه وأَمْرَه
فيرْكَن إِليه وحْدَه ولا يتوَكَّل على غيره. ابن سيده: وَكِلَ بالله وتوَكَّل
عليه واتَّكَل استَسْلم إِليه، وتكرّر في الحديث ذكر التَّوكُّل؛ يقال:
توكَّل بالأَمر إِذا ضَمِن القِيامَ به، ووَكَلْت أَمري إِلى فلان أَي
أَلجَأْتُه إِليه واعتمدت فيه عليه، ووَكَّل فلانٌ فلاناً إِذا استَكْفاه
أَمرَه ثِقةً بكِفايتِه أَو عَجْزاً عن القِيام بأَمر نفسه. ووَكَل إِليه
الأَمرَ: سلَّمه. ووَكَلَه إِلى رأْيه وَكْلاً ووُكُولاً: تركه؛ وأَنشد
ابن بري لراجز:
لمَّا رأَيت أَنَّني راعِي غَنَمْ،
وإِنَّما وكْلٌ على بعضِ الخَدَمْ
عَجْزٌ وتَعْذِيرٌ، إِذا الأَمرُ أَزَمْ
أَراد أَنَّ التوكُّل على بعض الخدَم عَجْزٌ.
ورجل وَكَلٌ، بالتحريك، ووُكَلة مثل هُمَزة وتُكَلة على البدَل
ومُواكِل: عاجِزٌ كثير الاتكال على غيره. يقال: وُكَلةٌ تُكَلةٌ أَي عاجز يَكِل
أَمره إِلى غيره ويَتَّكِل عليه؛ قالت امرأَة:
ولا تكونَنَّ كَهِلَّوْفٍ وَكَلْ
الوَكَل: الذي يَكِلُ أَمره إِلى غيره؛ قال ابن بري: وهذه المرأَة هي
مَنْفوسة بنت زيد الخيل؛ قال: والرَّجَز إِنما هو لزوجها قيس بن عاصم،
وهو:أَشْبِهْ أَبا أُمِّكَ، أَو أَشبِهْ عَمَلْ،
ولا تَكونَنَّ كَهِلَّوْفٍ وَكَلْ
يُصْبِحُ في مَضْجَعه قد انْجَدَلْ،
وارْقَ إِلى الخَيْرات زَنْأً في الجَبَلْ
وأَما الذي قالته مَنْفوسة فإِنها قالته في ولدها حكيم:
أَشْبِهْ أَخي، أَو أَشبِهَنْ أَباكا
أَمّا أَبي فَلَنْ تَنال ذاكا
تَقْصُر أَنْ تَنالَه يَداكا
وقال أَبو المُثلم أَيضاً:
حامِي الحَقيقةِ لا وانٍ ولا وَكَل
اللحياني: رجل وَكَلٌ إِذا كان ضعيفاً ليس بنافِذٍ. ويقال: رجل مُواكِل
أَي لا تجده خفيفاً، بغير همز. ويقال: فيه وَكالٌ أَي بُطْءٌ وبَلادة.
وفي الحديث: كان إِذا مشى عُرِف في مشيه أَنه غير غَرِضٍ ولا وَكَل؛
الوَكَلُ والوَكِلُ: البليدُ والجبان، وقيل: العاجز الذي يَكِلُ أَمره إِلى
غيره. وفي مَقْتَل الحسين، عليه السلام، قال سنان قاتلُه للحجَّاج:
وَلَّيْتُ رأْسَه
(* قوله «وليت رأسه» ضبط في الأصل والنهاية بفتح التاء والظاهر
انه بضمها) امْرَأً غير وَكَل، وفي رواية: وكَلْتُه إِلى غير وَكَل، يعني
نفسَه. ويقال: قد اتَّكَل عليك فلان وأَوْكَل عليك فلان بمعنى واحد.
ويقال: قد أَوْكَلْت على أَخيك العمل أَي خلَّيته كلّه. ورجل وُكَلةٌ إِذا
كان يَكِلُ أَمرِه إِلى الناس. وواكَلْت فلاناً مُواكلةً إِذا اتَّكَلْت
عليه واتَّكَل هو عليك.
والوَكالُ: الضعف؛ قال أَبو الطَّمَحان القَيْنِيُّ:
إِذا واكَلْتَه لم يُواكِل
وقال أَبو طالب:
وما تَرْكُ قَوْمٍ، لا أَبا لكَ، سَيِّداً
يَحُوطُ الذِّمارَ غير ذَرْبٍ مُواكِل
وواكَلَتِ الدابةُ وِكالاً: أَساءت السيرَ؛ وقيل: المُواكِلُ من الدوابّ
المُرْكِحُ إِلى التأَخُّر. وتواكَلَ القوم مُواكَلةً ووِكالاً: اتَّكَل
بعضهم على بعض. أَبو عمرو: المُواكِلُ من الخيل الذي يَتَّكِل على صاحبه
في العَدْو. وفي حديث الفضل بن العباس وابن ربيعة: أَتَياه يسأَلانه
السِّقاية فتَواكَلا الكلامَ أَي اتَّكَل كلُّ واحد منهما على الآخر فيه.
يقال: اسْتَعَنْت القومَ فتَواكَلوا أَي وكلَني بعضُهم إِلى بعض؛ ومنه حديث
ابن يَعْمَر: فظننت أَنه سيَكِلُ الكلامَ إِليَّ؛ ومنه حديث لُقْمان:
وإِذا كان الشأْنُ اتَّكَل أَي إِذا وقع الأَمر لا يَنْهَض فيه ويَكِله
إِلى غيره. وفي الحديث: أَنه نهى عن المُواكلة؛ قيل: هو من الاتِّكال في
الأُمور وأَن يَتَّكل كلُّ واحد منهما على الآخر. يقال: رجل وُكَلَةٌ إِذا
كثُر منه الاتِّكال على غيره فنُهي عنه لما فيه من التَّــنافُر والتقاطُع،
وأَن يَكِل صاحبه إِلى نفسه ولا يُعينه فيما يَنُوبُه، وقيل: إِنما هو
مُفاعلة من الأَكْل، والواو مُبْدَلة من الهمزة، وقد تقدّم. وفرس واكِلٌ:
يَتَّكِلُ على صاحبه في العَدْوِ ويحتاج إِلى الضرْب. ويقال: دابَّة فيها
وِكالٌ شديد ووَكالٌ شديد، بالفتح والكسر. ووَكَلَتِ الدابةُ: فَتَرَت؛
قال القطامي:
وَكَلَتْ فقلْت لها: النَّجاءَ تَناوَلي
بِيَ حاجتَي، وتَجَنَّبي هَمْدانا
والوَكِيلُ: الجَريءُ، وقد يكون الوَكِيلُ للجمع، وكذلك الأُنثى، وقد
وَكَّله على الأَمْر، والاسم الوَكالة والوِكَالةُ. ووَكِيلُ الرجل: الذي
يَقوم بأَمره، سمِّي وَكِيلاً لأَن مُوَكِّله قد وَكَل إِليه القيامَ
بأَمره فهو مَوْكولٌ إِليه الأَمرُ. والوَكِيلُ، على هذا القول: فَعِيل بمعنى
مفعول. وتقول: اللهم لا تَكِلْنا إِلى أَنفسنا. وفي حديث الدعاء: لا
تَكِلْني إِلى نفسي طَرْفةَ عَيْنٍ فَأَهْلِكَ. وفي الحديث: ووَكَلَها إِلى
الله أَي صَرَف أَمْرَها إِليه. وفي الحديث: مَنْ توَكَّل بما بين
لَحْيَيْه ورِجْلَيْهِ توَكَّلْت له بالجنَّة؛ قيل: هو بمعنى تكَفَّل. الجوهري:
الوَكِيلُ معروف. يقال: وَكَّلْته بأَمر كذا تَوْكِيلاً.
والتَّوَكُّل: إِظْهارُ العَجْزِ والاعْتماد على غيرك، والاسم
التُّكْلان. واتَّكَلْت على فلان في أَمري إِذا اعتمدته، وأَصله اوْتَكَلْت، قلبت
الواوُ ياء لانكسار ما قبلها ثم أُبدلت منها التاء فأُدغمت في تاء
الافتعال، ثم بُنِيَت على هذا الإِدغام أَسماءٌ من المِثال، وإِن لم تكن فيها
تلك العلة، توهُّماً أَن التاء أَصلية لأَن هذا الإِدغام لا يجوز إِظهاره
في حال، فمِنْ تلك الأَسماء التُّكَلة والتُّكْلان والتُّخَمة والتُّهَمة
والتُّجاهُ والتُّراثُ والتَّقْوَى، وإِذ صغَّرت قلت تُكَيْلةٌ
وتُخَيْمة، ولا تُعيد الواو لأَن هذه حروف أُلْزِمَت البدَل فبقيت في التصغير
والجمعِ. ووَكَلَه إِلى نفسه وَكْلاً ووُكُولاً، وهذا الأَمر مَوْكولٌ إِلى
رأْيِك؛ وقوله
(* اي النابغة، وعجز البيت:
وليلٍ أقاسِيهِ بَطِيء الكَواكب) :
كِلِيني لَهمٍّ، يا امَيْمةَ، ناصِبِ
أَي دَعِيني.
ومَوْكَل، بالفتح: اسم جبل؛ وقال ثعلب: هو اسم بيت كانت المُلوك تنزِله.
وغُرْفَةُ مَوْكَل: موضع باليمن؛ ذكره لبيد فقال يصف الليالي:
وغَلَبْنَ أَبْرَهَةَ الذي أَلْفَيْنَهُ
قد كان خُلِّدَ فوق غُرْفةِ مَوْكَل
وجاء مَوْكَل على مَفْعَل نادراً في بابه، والقِياس مَوْكِلٌ؛ قال
الجوهري: وهو شاذ مثل مَوْحَدٍ؛ وأَنشد ابن بري للأَسود:
وأَسبابُه أَهْلَكْنَ عاداً، وأَنزلت
عَزِيزاً تغنَّى فوق غُرْفَةِ مَوْكَلِ
صحب: صَحِـبَه يَصْحَبُه صُحْبة، بالضم، وصَحابة، بالفتح، وصاحبه: عاشره. والصَّحْب: جمع الصاحب مثل راكب وركب. والأَصْحاب: جماعة الصَّحْب مثل فَرْخ وأَفْراخ.
والصاحب: الـمُعاشر؛ لا يتعدَّى تَعَدِّيَ الفعل، أَعني أَنك لا تقول:
زيد صاحِبٌ عَمْراً، لأَنهم إِنما استعملوه استعمال الأَسماء،
نحو غلام زيد؛ ولو استعملوه استعمال الصفة لقالوا: زيد صاحِبٌ عمراً، أَو زيد صاحبُ عَمْرو، على إِرادة التنوين، كما تقول: زيد ضاربٌ عمراً، وزيد ضاربُ عمْرٍو؛ تريد بغير التنوين ما تريد بالتنوين؛ والجمع أَصحاب، وأَصاحيبُ، وصُحْبان،
مثل شابّ وشُبّان، وصِحاب مثل جائع وجِـياع، وصَحْب وصَحابة وصِحابة، حكاها جميعاً الأَخفش، وأَكثر الناس على الكسر دون الهاءِ، وعلى الفتح معها، والكسر معها عن الفراء خاصة. ولا يمتنع أَن تكون الهاء مع الكسر من جهة القياس، على أَن تزاد الهاء لتأْنيث الجمع. وفي حديث قيلة: خرجت
أَبتغي الصَّحابة إِلى رسول اللّه، صلى اللّه عليه وسلم؛ هو بالفتح جمع صاحب،ولم يجمع فاعِل على فَعالة إِلا هذا؛ قال امرؤُ القيس:
فكانَ تَدانِـينا وعَقْدُ عِذارهِ، * وقال صِحابي: قَدْ شَـأَونَك، فاطْلُب
قال ابن بري: أَغنى عن خبر كان الواو التي في معنى مع، كأَنه قال: فكان تدانينا مع عقد عذاره، كما قالوا: كل رجل وضَيْعَتُه؛ فكل مبتدأ، وضيعته معطوف على كل، ولم يأْت له بخبر، وإِنما أَغنى عن الخبر كون الواو في معنى مع، والضيعة هنا: الحرفة، كأَنه قال: كل رجل مع حرفته. وكذلك قولهم: كل رجل وشأْنه. وقال الجوهري: الصَّحابة، بالفتح:
الأَصْحاب، وهو في الأَصل مصدر، وجمع الأَصْحاب أَصاحِـيب.
وأَما الصُّحْبة والصَّحْب فاسمان للجمع. وقال الأَخفش: الصَّحْبُ جمع، خلافاً لمذهب سيبويه، ويقال: صاحب وأَصْحاب، كما يقال: شاهِد وأَشهاد، وناصِر وأَنْصار. ومن قال: صاحب وصُحْبة، فهو كقولك فارِه وفُرْهَة، وغلامٌ رائِق، والجمع
رُوقَة؛ والصُّحْبَةُ مصدر قولك: صَحِبَ يَصْحَبُ صُحْبَةً. وقالوا في النساءِ: هنَّ صواحِبُ يوسف. وحكى الفارسي عن أَبي الحسن: هنّ صواحبات يوسف، جمعوا صَواحِبَ جمع السلامة، كقوله:
فَهُنَّ يَعْلُكْنَ حَدائِداتِها
وقوله:
جَذْب الصَّرارِيِّـين بالكُرور
والصِّحابَة: مصدر قولك صاحبَك اللّهُ وأَحْسَن صحابَتَك. وتقول للرجل عند التوديع: مُعاناً مُصاحَـباً. ومن قال: مُعانٌ مَصاحَبٌ، فمعناه: أَنت معان مُصاحَب. ويقال: إِنه لَـمِصْحاب لنا بما يُحَبّ؛ وقال الأَعشى:
فقد أَراكَ لنا بالوُدِّ مصْحابا
وفُلانٌ صاحِبُ صِدْقٍ. واصْطَحَب الرجلان، وتصاحبا،
واصْطَحَبَ القوم: صَحِبَ بعضهم بعضاً؛ وأَصله اصْتَحَب، لأَن تاء الافتعال تتغير عند الصاد مثل اصطحب، وعند الضاد مثل اضْطَربَ، وعند الطاء مثل اطَّلَب، وعند الظاء مثل اظَّلَم،
وعند الدال مثل ادَّعى، وعند الذال مثل اذّخَر، وعند الزاي مثل ازْدَجَر، لأَن التاء لانَ مَخْرَجُها فلم توافق هذه الحروف لشدة مخارجها، فأُبْدِلَ منها ما يوافقها، لتخفّ على اللسان، ويَعْذُبَ اللفظ به.
وحمارٌ أَصْحَبُ أَي أَصْحَر يضرب لونه إِلى الحمرة.
وأَصْحَبَ: صار ذا صاحب وكان ذا أَصحاب.
وأَصْحَبَ: بلغ ابنه مبلغ الرجال، فصار مثله، فكأَنه صاحبه. واسْتَصْحَبَ الرجُلَ: دَعاه إِلى الصُّحْبة؛ وكل ما لازم شيئاً فقد
استصحبه؛ قال:
إِنّ لك الفَضْلَ على صُحْبَتي، * والـمِسْكُ قدْ يَسْتَصْحِبُ الرّامِكا
الرامِك: نوع من الطيب رديء خسيس.
وأَصْحَبْتُه الشيء: جعلته له صاحباً، واستصحبته الكتاب وغيره.
وأَصْحَبَ الرجلَ واصْطَحَبه: حفظه. وفي الحديث: اللهم اصْحَبْنا بِصُحْبَةٍ واقلِبْنا بذمة؛ أَي احفظنا بحفظك في سَفَرنا، وأَرجِعنا بأَمانتك وعَهْدِك إِلى بلدنا. وفي التنزيل: ولا هم منا يُصْحَبون ؛ قال: يعني الآلهة لا تمنع أَنفسنا، ولا هم منا يُصْحَبون: يجارون أَي الكفار؛ أَلا ترى أَن العرب تقول: أَنا جارٌ لك؛ ومعناه: أُجِـيرُك وأَمْنَعُك. فقال: يُصْحَبون بالإِجارة. وقال قتادة: لا يُصْحَبُون من اللّهِ بخير؛ وقال أَبو عثمان المازنيّ: أَصْحَبْتُ الرجلَ أَي مَنَعْتُه؛ وأَنشد قَوْلَ الـهُذَليّ:
يَرْعَى بِرَوْضِ الـحَزْنِ، من أَبِّه، * قُرْبانَه، في عابِه، يُصْحِبُ
يُصْحِبُ: يَمْنَعُ ويَحْفَظُ وهو من قوله تعالى: ولا هم منا يُصْحَبون
أَي يُمْنعون. وقال غيره: هو من قوله صَحِبَك اللّه أَي حَفِظَكَ وكان لك جاراً؛ وقال:
جارِي وَمَوْلايَ لا يَزْني حَريمُهُما، * وصاحِـبي منْ دَواعي السُّوءِ مُصْطَحَبُ
وأَصْحبَ البعيرُ والدابةُ: انقادا. ومنهم مَن عَمَّ فقال: وأَصْحَبَ
ذلَّ وانقاد من بعد صُعوبة؛ قال امرؤ القيس:
ولَسْتُ بِذِي رَثْيَةٍ إِمَّرٍ، * إِذا قِـيدَ مُسْتَكْرَهاً أَصْحبا
الإِمَّرُ: الذي يأْتَمِرُ لكل أَحد لضَعْفِه، والرَّثْيَةُ: وجَع المفاصل. وفي الحديث: فأَصْحَبَت الناقةُ أَي انقادت، واسترسلت، وتبعت صاحبها.
قال أَبو عبيد: صحِـبْتُ الرجُلَ من الصُّحْبة، وأَصْحَبْتُ أَي انقدت
له؛ وأَنشد:
تَوالى بِرِبْعِـيِّ السّقابُ، فأَصْحَبا
والـمُصْحِبُ الـمُستَقِـيمُ الذَّاهِبُ لا يَتَلَبَّث؛ وقوله أَنشده ابن الأَعرابي:
يا ابن شهابٍ، لَسْتَ لي بِصاحِب، * مع الـمُماري ومَعَ الـمُصاحِب
فسره فقال: الـمُمارِي الـمُخالِفُ، والـمُصاحِبُ الـمُنْقاد، من الإِصْحابِ. وأَصْحَبَ الماءُ: علاه الطُّحْلُب والعَرْمَضُ، فهو ماءٌ مُصْحِبٌ. وأَدِيمٌ مُصْحِبٌ عليه صُوفُه أَو شَعره أَو وبَرُه، وقد أَصْحَبْته: تركت ذلك عليه. وقِربَةٌ مُصْحِـبَة: بقي فيها من صوفها شيء ولم تُعْطَنْهُ. والـحَمِـيتُ: ما ليس عليه شعر.
ورجل مُصْحِب: مجنون.
وصَحَبَ الـمَذْبوحَ: سلَخه في بعض اللغات.
وتَصَحَّب من مُجالَسَتِنا: استَحْيا. وقال ابن برزح (1)
(1 قوله «برزح» هكذا في النسخ المعتمدة بيدنا.)
إِنه يَتَصَحَّبُ من مجالستنا أَي يستَحْيِـي منها. وإِذا قيل: فلان
يتسَحَّب علينا، بالسين، فمعناه: أَنه يَتمادَحُ ويَتَدَلَّل. وقولهم في
النداءِ: يا صاحِ، معناه يا صاحبي؛ ولا يجوز ترخيم المضاف إِلاّ في هذا وحده، سُمِـعَ من العرب مُرخَّماً. وبنو صُحْب: بَطْنان، واحدٌ في باهِلَة، وآخر في كلْب. وصَحْبانُ: اسم رجلٍ.
نثر: الليث: النَّثْرُ نَثْرُكَ الشيءَ بيدك تَرْمي به متفرقاً مثلَ
نَثْرِ الجَوْزِ واللَّوْزِ والسُّكَّرِ، وكذلك نَثْرُ الحَبِّ إِذا بُذرَ،
وهو النِّثَارُ؛ وقد نَثَرَهُ يَنْثُرُهُ ويَنْثِرُهُ نَثراً ونِثاراً
ونَثَّرَه فانْتَثَرَ وتناثَرَ؛ والنُّثارةُ: ما تناثَرَ منه، وخص اللحياني
به ما يَنْتَثِرُ من المائدة فَيُؤكل فيرجى فيه الثوابُ. التهذيب:
والنُّثارُ فُتاتُ ما يَتَناثَرُ حَوالي الخِوانِ من الخبز ونحو ذلك من كل
شيء. الجوهري: النُّثارُ، بالضم، ما تناثر من الشيء. ودُرٌّ مُنَثَّرٌ:
شُدِّدَ للكثرة، وقيل: نُثارةُ الحِنْطة والشعيرِ ونحوهما ما انْتَثَرَ منه.
وشيءٌ نَثَرٌ: مُنْتَثِرٌ، وكذلك الجمع؛ قال:
حَدَّ النهارِ تُراعِي ثِيرَةً نَثَرا
ويقال: شَهِدتُ نِثارَ فلان؛ وقوله أَنشده ثعلب:
هِذْرِيانٌ هَذِرٌ هَذَّاءَةٌ،
مُوشِكُ السَّقْطةِ، ذُو لُبٍّ نَثِر
قال ابن سيده: لم يفسر نَثِراً، قال: وعندي أَنه مُتَناثِرٌ مُتساقطٌ لا
يَثْبُتْ. وفي حديث ابن مسعود وحذيفةَ في القراءة: هَذًّا كهَذِّ
الشِّعْرِ ونَثْراً كَنَثْرِ الدَّقَلِ أَي كما يَتساقَطُ الرُّطَبُ اليابِسُ
من العِذْقِ إِذا هُزَّ. وفي حديث أَبي ذر: يُوافِقُكُمُ العَدُوُّ حَلْبَ
شاةٍ نَثورٍ؛ هي الواسعة الإِحليلِ كأَنها تَنْثُرُ اللَّبنَ نَثْراً
وتَفْتَحُ سَبِيلَه، ووجأَه فَنَثَر أَمْعاءَهُ. وتَناثَرَ القوم: مَرِضُوا
فماتوا. والنَّثورُ: الكثِيرُ الولد، وكذلك المرأَة، وقد نَثَرَ ولداً
ونثر كلاماً: أَكثره، وقد نَثَرَتْ ذا بَطْنِها ونَثَرَتْ بَطْنَها. وفي
الحديث: فلما خلا سِنِّي ونَثَرْتُ له ذا بَطْني؛ أَرادت أَنها كانت
شابَّةً تَلِدُ الأَولادَ عنده. وقيل لامرأَةٍ: أَيُّ البُغاةِ أَبغضُ إِليكِف
فقالت: التي إِنْ غَدَتْ بَكَرَتْ، وإِن حَدَّثَتْ نَثَرَتْ.
ورجلٌ نَثِرٌ بَيِّنُ النَّثَرِ ومِنْثَرٌ، كِلاهُما: كثيرُ الكلام،
والأُنثى نَثِرَةٌ فقط.
والنَّثْرةُ: الخَيْشومُ وما والاه. وشاةٌ ناثِرٌ ونَثُورٌ: تَطْرَحُ من
أَنفها كالدُّود. والنَّثِيرُ للدّواب والإِبلِ: كالعُطاسِ للناس؛ زاد
الأَزهري: إِلا أَنه ليس بغالب له ولكنه شيءٌ يفعله هو بأَنفه؛ يقال:
نَثَرَ الحِمارُ وهو يَنْثِرُ نَثِيراً. الجوهري: والنَّثْرةُ للدواب شِبْهُ
العَطْسةِ، يقال: نَثَرَتِ الشاةُ إِذا طرحَتْ من أَنفها الأَذى. قال
الأَصمعي: الــنافر والناثِرُ لشاةُ تَسْعُلُ فَيَنْتَثرُ من أَنفها شيءٌ. وفي
حديث ابن عباس: الجرادُ نَثْرةُ الحوتِ أَي عَطْسَتُهُ؛ وحدثِ كعبٍ:
إِنما هو نَثْرَةُ حوتٍ، وقد نَثَرَ يَنْثِرُ نَثِيراً؛ أَنشد ابن
الأَعرابي:فما أَنْجَرَتْ حتى أَهَبَّ بِسُدْفَةٍ
علاجِيمَ، عيرُ ابني صُباحٍ نَثِيرُها
واستَنْثَر الإِنسانُ: استَنْشَقَ الماء ثم استخرج ذلك بِنَفَسِ
الأَنفِ. والانْتِثارُ والاستِنْثارُ بمعنى: وهو نَثْرُ ما في الأَنف
بالنَّفَسِ. وفي الحديث: إِذا استَنْشَقْتَ فانْثُر، وفي التهذيب: فانْثِر، وقد
روي: فأَنْثِرْ، بقطع الأَلف، قال: ولا يعرفه أَهل اللغة، وقد وُجِدَ بخطه
في حاشية كتابه في الحديث: من توضأَ فَلْيَنْثِرْ، بكسر الثاء، يقال:
نَثَرَ الجوزَ والدُّرَّ يَنْثُرُ، بضم الثاء، ونَثَرَ من أَنفه يَنْثِرُ،
بكسر الثاء لا غير؛ قال: وهذا صحيح كذا حفظه علماء اللغة. ابن الأَعرابي:
النَّثْرَةُ طَرَفُ الأَنفِ، ومنه قول النبي، صلى الله عليه وسلم، في
الطهارة: اسْتَنْثِرْ؛ قال: ومعناه اسْتَنْشِقْ وحَرِّكِ النَّثْرةَ. الفراء:
نَثَرَ الرجلُ وانْتَثَرَ واسْتَنْثَرَ إِذا حَرَّكَ النَّثْرَةَ في
الطهارة؛ قال أَبو منصور: وقد روي هذا الحرف عن أَبي عبيد أَنه قال في حديث
النبي، صلى الله عليه وسلم: إِذا توضأْت فأَنْثِرْ، من الإِنْثار، إِنما
يقال: نَثَرَ يَنْثِرُ وانْتَثَرَ يَنْتَثِرُ واسْتَنْثَرَ يَسْتَنْثِرُ.
وروى أَبو الزناد عن الأَعرج عن أَبي هريرة، رضي الله عنه، أَنه قال:
إِذا توضأَ أَحدُكم فليجعلِ الماءَ في أَنْفِه ثم لِيَنْثِرْ؛ قال
الأَزهري: هكذا رواه أَهل الضبط لأَلفاظ الحديث، قال: وهو الصحيح عندي، وقد فسر
قوله لِيَنْثِرْ واسْتَنْثِرْ على غير ما فسره الفراء وابن الأَعرابي، قال
بعض أَهل العلم: معنى الاستنثارِ والنَّثْر أَن يستنشق الماء ثم يستخرج
ما فيه من أَذى أَو مُخاط، قال: ومما يدل على هذا الحديث الآخر: أَن
النبي، صلى الله عليه وسلم، كان يَستنشِق ثلاثاً في كل مرة يَسْتَنْثِرُ؛فجعل
الاستنثار غير الاستنشاق، يقال منه: نَثَر يَنْثِر، بكسر الثاء. وفي
الحديث: من توضأَ فَلْيَنْثِر، بكسر الثاء، لا غير. والإِنسان يستنثر إِذا
استنشق الماء ثم استخرج نَثِيرَه بنَفَس الأَنفِ. ابن الأَثير: نَثَرَ
يَنثِرُ، بالكسر، إِذا امتخط، واستَنْثَر استفعل منه: استنشق الماء ثم
استخرج ما في الأَنف، وقيل: هو من تحريك النَّثْرةِ، وهي طرَف الأَنف؛ قال:
ويروى فأَنْثِر بأَلف مقطوعة، قال: وأَهل اللغة لا يجيزونه والصواب بأَلف
الوصل. ونَثَر السُّكَّر يَنْثُره، بالضم، قال: وأَما قول ابن الأَعرابي
النَّثْرةُ طرف الأَنف فهو صحيح، وبه سمي النجْم الذي يقال له نَثْرةُ
الأَسد كأَنها جعلت طرَف أَنفه. والنثرة: فُرْجة ما بين الشاربين حِيالَ
وتَرةِ الأَنف، وكذلك هي من الأَسَدِ، وقيل: هي أَنف الأَسد. والنَّثْرةُ:
نَجْم من نُجوم الأَسَد ينزلها القمر؛ قال:
كادَ السِّماكُ بها أَو نَثْرةُ الأَسَدِ
التهذيب: النثْرة كوكب في السماء كأَنه لَطْخُ سَحابٍ حِيالَ كَوكبين،
تسميه العرب نثرة الأَسد وهي من منازل القمر، قال: وهي في علم النجوم من
بُرْجِ السرَطانِ. قال أَبو الهيثم: النثرة أَنف الأَسد ومنْخراه، وهي
ثلاثة كواكبَ خَفِيَّة متقاربة، والطرْفُ عينا الأَسَد كوكبان، الجبهة
أَمامَها* قوله« كوكبان، الجبهة امامها» كذا بالأصل. وعبارة القاموس: الطرف
كوكبان يقدمان الجبهة. وهي أَربعةُ كواكِبَ. الجوهري: النثرة كوكبان بينهما
مقدار شبر، وفيهما لَطْخ بياض كأَنه قِطْعة سحاب وهي أَنف الأَسد ينزلها
القمر. والعرب تقول: إِذا طَلَعَتِ النثْرةُ قَنأَتِ البُسْرةُ أَي
داخَلَ حُمْرَتها سَوادٌ، وطلوع النثرة على إِثْر طُلُوع الشِّعْرَى. وطعَنه
فأَنْثَره عن فرسه أَي أَلقاه على نَثْرَتِه؛ قال:
إِنّ عليها فارِساً كَعَشَرَهْ؛
إِذا رَأَى فارِسَ قَوْمٍ أَنْثَرَهْ
قال ثعلب: معناه طَعَنَه فأَخرج نَفَسَه من أَنفه، ويروى رئِيسَ.
الجوهري: ويقال طعنه فأَنْثَره أًي أَرعفه؛ وأَنشد الراجز:
إِذا رأَى فارس قوم أَنثره
والنثْرةُ: الدِّرْعُ السَّلِسةُ المَلْبَس، وقيل: هي الدرْعُ
الواسِعةُ. ونَثَر دِرْعَه عليه: صَبَّها، ويقال للدِّرعِ: نثْرةٌ
ونَثْلَةٌ.قال ابن جني: ينبغي أَن تكون الراء في النثرة بدلاً من اللام لقولهم
نَثَلَ عليه دِرْعَه ولم يقولوا نثرها، واللام أَعمّ تصرفاً، وهي الأَصل،
يعني أَن باب نَثَلَ أَكثر من باب نثر. وقال شمر في كتابه في السلاح:
النثرة والنثْلةُ اسم من أَسماء الدرْعِ، قال: وهي المَنْثُولةُ؛
وأَنشد:وضاعَفَ مِنْ فَوْقِها نَثْرَةً،
تَرُدُّ القَواضِبَ عنها فُلُولا
وقال ابن شميل: النَّثْلُ الأَدْراعُ، يقال نَثَلَها عليه ونَثَلَها عنه
أَي خَلَعها. ونَثَلَها عليه إِذا لَبِسَها. قال الجوهري: يقال نَثَر
دِرْعه عنه إِذا أَلقاها عنه، قال: ولا يقال نَثَلَها. وفي حديث أُم زرع:
ويَمِيسُ في حَِلَقِ النثْرةِ، قال: هي ما لَطُفَ من الدُّرُوع، أَي
يَتَبَخْتَرُ في حَِلَقِ الدِّرْعِ، وهو ما لطُف منها.
شمز: الشَّمْزُ: التَّقَبُّض. اشمَأَزَّ اشمِئْزازاً: انقبض واجتمع بعضه
إِلى بعض؛ وقال أَبو زيد: ذُعِرَ من الشيء وهو المَذْعور. والشَّمْز:
نفور النفس من الشيء تكرهه. وقال الزجاج في قوله تعالى: وإِذا ذُكِرَ الله
وحده اشْمَأَزَّتْ قلوبُ الذين لا يؤمنون بالآخرة؛ معناه نَفَرَتْ، وكان
المشركون إِذا قيل لا إِله إِلا الله نَفَروا من هذا. وقال ابن
الأَعرابي: اشْمَأَزَّت اقْشَعَرَّتْ. وقال قتادة: اشمأَزت استكبرتْ وكفرت
ونَفَرَتْ. وفي الحديث: فَسَيَلِيكُمْ أُمراءُ تَقْشَعِرّ منهم الجلود
وتشْمَئِزُّ منهم القلوب أَي تنقبض وتجتمع، وهمزته زائدة،وهي الشُّمَأْزِيزَة.
ورجل فيه شُمَأْزِيزَة من اشْمَأْزَزْت. قال شمر: قال خالد بن جَنْبَةَ:
اشْمِئزاز السعر
(* قوله « اشمئزاز السعر إِلى قوله أي مشدودة» كذا بالأصل)
اشمأَز الليل والنهار مقلولياً، قلت: ما المقلولي؟ قال: الندة التي
تجمعها جمعة واحدة، قلت: ما الندة؟ قال السَّوق الشديد حتى يكون كأَنه
مُشْرَبة في الأَقْران أَي مشدودة في الحبال.
والمُشْمََئِزُّ أَيضاً: الــنَّافر الكاره للشيء. واشْمَأَزَّ الشيءَ:
كَرِهه بغير حرف جر؛ عن كراع. والمُشْمَئِزُّ: المَذْعور.