موسيقى: الفرقة الــموسيقيــة (محيط المحيط).
موسيقى: أرغن (الكالا).
موسيقى: صاحب هذا الفن (فوك، محيط المحيط، فهرست).
نوب: نابَ الأَمْرُ نَوْباً ونَوبةً: نزَلَ.
ونابَتْهم نَوائبُ الدَّهْر. وفي حديث خَيْبَر: قسَمها نِصْفَينِ:
نِصْفاً لنَوائِـبِه وحاجاتِه، ونِصفاً بين المسلمين. النَّوائِبُ: جمع
نائبةٍ، وهي ما يَنُوبُ الإِنسانَ أَي يَنْزِلُ به من الـمُهمَّات
والـحَوادِثِ. والنَّائِـبَةُ: الـمُصيبةُ، واحدةُ نوائبِ الدَّهْر. والنائبة:
النازلةُ، وهي النَّوائِبُ والنُّوَبُ، الأَخيرةُ نادرة. قال ابن جني: مَجِـيءُ فَعْلةٍ على فُعَلٍ، يُرِيكَ كأَنها إِنما جاءَتْ عندهم من فُعْلَة،
فكأَنَّ نَوْبَةً نُوبَةٌ، وإِنما ذلك لأَن الواو مما سبيله أَن يأْتي
تابعاً للضمة؛ قال: وهذا يؤَكد عندك ضعف حروف اللين الثلاثة، وكذلك القولُ في دَوْلَةٍ وجَوبةٍ، وكلٌّ منهما مذكور في موضعه. ويقال: أَصبَحْتَ لا نَوْبةَ لك أَي لا قُوَّة لك؛ وكذلك: ترَكْتُه لا نَوْبَ له أَي لا قُوَّةَ له.
النضر: يقال للـمَطَرِ الجَوْد: مُنِـيبٌ، وأَصابنا رَبيعٌ صِدْقٌ مُنِـيبٌ، حَسَنٌ، وهو دون الجَوْدِ. ونِعْمَ الـمَطَرُ هذا إِن كان له تابعةٌ
أَي مَطْرةٌ تَتْبَعه.
ونابَ عني فلانٌ يَنُوبُ نَوْباً ومَناباً أَي قام مقامي؛ ونابَ عَني في
هذا الأَمْرِ نيابةً إِذا قام مقامَك. والنَّوْب: اسم لجمع نائبٍ، مثلُ زائرٍ وزَوْرٍ؛ وقيل هو جمع. والنَّوْبةُ: الجماعةُ من الناس؛ وقوله أَنشده ثعلب:
انْقَطَع الرِّشاءُ، وانحَلَّ الثَّوْبْ، * وجاءَ من بَناتِ وَطَّاءِ النَّوْبْ،
قال ابن سيده: يجوز أَن يكون النَّوْبُ فيه من الجمع الذي لا يُفارق واحدَه إِلاَّ بالهاءِ، وأَن يكون جمعَ نائبٍ، كزائرٍ وزَوْرٍ، على ما تَقَدَّم.
ابن شميل: يقال للقوم في السَّفَر: يَتَناوبونَ،
ويَتَنازَلُونَ، ويَتَطاعَمُون أَي يأْكلون عند هذا نُزْلةً وعند هذا نُزْلةً؛ والنُّزْلةُ: الطعامُ يَصْنَعه لهم حتى يشبعوا؛ يقال: كان اليومَ على فلان نُزْلَتُنا، وأَكلْنا عنده نُزْلَتَنا؛ وكذلك النَّوْبة؛ والتَّناوُبُ على كل واحدٍ منهم نَوْبةٌ يَنُوبُها أَي طعامُ يومٍ، وجمعُ النَّوْبةِ نُوَبٌ. والنَّوْبُ: ما كان منك مَسيرةَ يومٍ وليلةٍ، وأَصله في الوِرْدِ؛ قال لبيد:
إِحْدَى بَني جَعْفَرٍ كَلِفْتُ بها، * لم تُمْسِ نَوْباً مِني، ولا قَرَبا
وقيل: ما كان على ثلاثة أَيام؛ وقيل: ما كان على فَرسخين، أَو ثلاثة؛ وقيل: النَّوْبُ، بالفتح، القُرْب، خِلافُ البُعْد؛ قال أَبو ذؤَيب:
أَرِقْتُ لذكْرِهِ من غَير نَوْبٍ، * كما يَهْتاجُ مَوْشِـيٌّ نَقِـيبُ
أَراد بالـمَوْشِـيِّ الزَّمَّارةَ مِن القَصَبِ الـمُثَقَّبِ.
ابن الأَعرابي: النَّوْبُ القَرَبُ (1)
(1 قوله «ابن الأعرابي النوب القرب إلخ» هكذا بالأصل وهي عبارة التهذيب وليس معنا من هذه المادة شيء منه فانظره فإنه يظهر أن فيه سقطاً من شعر أو غيره.) . يَنُوبُها: يعهَدُ إِليها،
ينالها؛ قال: والقَرَبُ والنَّوْبُ واحدٌ. وقال أَبو عمرو: القَرَبُ أَن
يأْتيَها في ثلاثة أَيام مرَّة. ابن الأَعرابي: والنَّوْبُ أَن يَطرُدَ
الإِبلَ باكِراً إِلى الماءِ، فيُمْسي على الماءِ يَنْتابُه. والـحُمَّى
النائبةُ: التي تأْتي كلَّ يوم. ونُبْتُه نَوْباً وانْتَبْتُه: أَتيتُه على نَوْب.
وانْتابَ الرجلُ القومَ انْتياباً إِذا قصَدَهم، وأَتاهم مَرَّةً بعد مَرَّة، وهو يَنتابُهم، وهو افْتِعال من النَّوبة. وفي حديث الدعاءِ: يا
أَرْحَمَ مَن انْتابه الـمُسْتَرحِمُون. وفي حديث صلاة الجمعة: كان الناسُ يَنْتابونَ الجمعة من مَنازِلهم؛ ومنه الحديث: احْتاطُوا لأَهْلِ
الأَمْوالِ في النَّائبة والواطِئَةِ أَي الأَضْيافِ الذين يَنُوبونهم،
ويَنْزلون بهم؛ ومنه قول أُسامةَ الـهُذَليّ:
أَقَبُّ طَريدٌ، بِنُزْهِ الفَلا * ةِ، لا يَرِدُ الماءَ إِلاَّ انْتِـيابا
ويروى: ائتيابا؛ وهو افْتِعال من آبَ يَـؤُوبُ إِذا أَتى ليلاً. قال ابن
بري: هو يصف حمارَ وَحْشٍ. والأَقَبُّ: الضَّامِرُ البَطْنِ. ونُزْهُ
الفَلاةِ: ما تَباعَدَ منها عن الماءِ والأَرْياف. والنُّوبةُ، بالضم:
الاسم من قولك نابه أَمْرٌ، وانْتابه أَي أَصابه.
ويقال: الـمَنايا تَتَناوبُنا أَي تأْتي كُلاًّ مِنَّا لنَوْبَتِه.
والنَّوبة: الفُرْصة والدَّوْلة، والجمع نُوَبٌ، نادر. وتَناوَبَ القومُ
الماءَ: تَقاسَمُوه على الـمَقْلةِ، وهي حَصاة القَسْم. التهذيب: وتَناوَبْنا الخَطْبَ والأَمرَ، نَتَناوَبه إِذا قُمنا به نَوبةً بعد نَوبة.
الجوهري: النَّوبةُ واحدةُ النُّوَبِ، تقول: جاءتْ نَوْبَتُكَ ونِـيابَتُك، وهم يَتَناوبون النَّوبة فيما بينهم في الماءِ وغيره. ونابَ الشيءُ عن الشيءِ، يَنُوبُ: قام مَقامه؛ وأَنَبْتُه أَنا عنه. وناوَبه: عاقَبه. ونابَ فلانٌ إِلى اللّه تعالى، وأَنابَ إِليه إِنابةً، فهو مُنِـيبٌ: أَقْبَلَ
وتابَ، ورجَع إِلى الطاعة؛ وقيل: نابَ لَزِمَ الطاعة، وأَنابَ: تابَ ورجَعَ.
وفي حديث الدعاءِ: وإِليك أَنَبْتُ. الإِنابةُ: الرجوعُ إِلى اللّه بالتَّوبة. وفي التنزيل العزيز: مُنِـيبين إِليه؛ أَي راجعين إِلى ما أَمَرَ به، غير خارجين عن شيءٍ من أَمرِه. وقوله عز وجل: وأَنِـيبُوا إِلى ربكم وأَسْلِمُوا له؛ أَي تُوبوا إِليه وارْجِعُوا، وقيل إِنها نزلتْ في قوم فُتِنُوا في دِينِهم، وعُذِّبُوا بمكة، فرجَعُوا عن الإِسلام، فقيل: إِنَّ هؤُلاء لا يُغْفَرُ لهم بعد رُجوعهم عن الإِسلام، فأَعْلم اللّهُ، عز وجل،
أَنهم إِن تابوا وأَسلموا، غَفَرَ لهم.
والنُّوبُ والنُّوبةُ أَيضاً: جِـيلٌ من السُّودانِ، الواحد نُوبيّ. والنُّوبُ: النَّحْلُ، وهو جمعُ نائبٍ، مثل عائطٍ وعُوطٍ، وفارهٍ وفُرْه، لأَنها تَرْعى وتَنُوبُ إِلى مكانها؛ قال الأَصمعي: هو من النُّوبةِ التي تَنُوبُ الناسَ لوقت معروفٍ، وقال أَبو ذؤيب:
إِذا لَسَعَتْهُ النَّحْلُ، لم يَرْجُ لَسْعَها، * وحالفَها في بَيْت نُوبٍ عَواسِلِ
قال أَبو عبيدة: سميتْ نوباً، لأَنها تَضْرِبُ إِلى السَّواد؛ وقال أَبو
عبيد: سميت به لأَنها تَرْعَى ثم تَنُوبُ إِلى موضِعها؛ فمَن جعلها
مُشَبَّهةً بالنُّوبِ، لأَنها تَضْرِبُ إِلى السَّواد، فلا واحد لها؛ ومَن
سماها بذلك لأَنها تَرْعى ثم تَنُوبُ، فواحدُها نائبٌ؛ شَبَّه ذلك بنَوبةِ الناسِ، والرجوعِ لوَقتٍ، مَرَّةً بعد مرَّة. والنُّوبُ: جمع نائبٍ من النحل، لأَنها تعود إِلى خَلِـيَّتها؛ وقيل: الدَّبْرُ تسمى نُوباً، لسوادِها، شُبِّهَتْ بالنُّوبةِ، وهم جِنْس من السُّودانِ. والـمَنابُ: الطريقُ إِلى الماءِ. ونائِبٌ: اسمُ رجل.
عزف: عَزَفَ يَعْزفُ عَزْفاً: لها. والمَعازِفُ: المَلاهي، واحدها
مِعْزَف ومِعْزَفة. وعزف الرجل يَعزِفُ إذا أَقام في الأَكل والشرب، وقيل:
واحد المعازِف عَزْفٌ على غير قياس، ونظيره ملامحُ ومَشابِهُ في جمع شَبه
ولمْحَة، والمَلاعبُ التي يُضْرب بها، يقولون للواحد عَزْف، والجمع معازِفُ
رواية عن العرب، فإذا أُفرد المِعْزَفُ، فهو ضَرْب من الطَّنابير ويتخذه
أَهل اليمن وغيرُهم، يجعل العُود مِعْزفاً. وعَزْفُ الدُّفِّ: صوتُه.
وفي حديث عمر: أَنه مرَّ بعَزْف دُفٍّ فقال: ما هذا؟ قالوا: خِتان، فسكت؛
العَزْفُ: اللَّعِبُ بالمَعازِف، وهي الدُّفُوف وغيرها مما يُضرب؛ قال
الراجز:
للخَوْتَعِ الأَزرَقِ فيها صاهْل،
عَزْفٌ كعَزْفِ الدُّفِّ والجلاجِلْ
وكل لَعِب عَزْفٌ. وفي حديث أُم زَرْع: إذا سَمِعْنَ صوتَ المعازِف
أَيْقَنَّ أَنهنَّ هَوالِكُ. والعازِفُ: اللاعِبُ بها والمُغَني، وقد عَزَفَ
عَزْفاً. وفي الحديث: أَنَّ جارِيَتَين كانتا تُغَنِّيان بما تعازفت
الأَنصار يوم بُعاثَ أَي بما تناشدت من الأَراجيز فيه، وهو من العَزيف
الصوْت، وروي بالراء، أَي تَفاخرَتْ، ويروى تَقاذفَت وتَقارَفَت. وعَزَفتِ
الجنُّ تَعزِفُ عَزْفاً وعَزيفاً: صوَتت ولَعِبَت؛ قال ذو الرمة:
عَزِيف كتَضْرابِ المُغَنِّين بالطَّبْل
ورجل عَزُوفٌ عن اللَّهْو إذا لم يَشْتَهه، وعَزُوف عن النساء إذا لم
يَصْبُ إليهنَّ؛ قال الفرزدق يُخاطب نفسه:
عَزَفْتَ بأَعْشاشٍ، وما كِدْتَ تَعْزِفُ،
وأَنْكَرْتَ مِن حَدْراء ما كنتَ تعرِفُ
وقول مليح:
هِرْكَوْلة ليسَتْ من العَشانِقِ.
ولا العَزِيفاتِ ولا المَعانِقِ
وعزَفَتِ القوْسِ عَزْفاً وعزيفاً: صوَّتت؛ عن أَبي حنيفة.
والعَزِيفُ: صوت الرِّمال إذا هَبَّت بها الرِّياح. وعَزْفُ الرِّياح:
أَصواتها. وأَعزَفَ: سمع عَزيفَ الرِّياح والرِّمال. وعَزِيفُ الرياحِ: ما
يسمع من دوِيِّها. والعَزْفُ والعَزِيفُ: صوت في الرمل لا يُدْرَى ما
هو، وقيل: هو وُقوعُ بعضِه على بعض. ورمل عازِف وعَزّاف: مُصوِّت، والعرب
تجعل العَزيف أَصوات الجِنّ؛ وفي ذلك يقول قائلهم:
وإني لأَجْتابُ الفَلاةَ، وبَينها
عَوازِفُ جِنّانٍ، وهامٌ صَواخِدُ
وهو العزفُ أَيضاً. وقد عَزَفت الجنّ تَعْزِفُ، بالكسر، عزيفاً. وفي
حديث ابن عباس، رضي اللّه عنهما: كانت الجنُّ تَعزِف الليلَ كلّه بين
الصَّفا والمروة؛ عَزيفُ الجنّ: جَرْسُ أَصواتها، وقيل: هو صوت يسمع بالليل
كالطبل، وقيل: هو صوت الرِّياح في الجوِّ فتَوهَّمَه أَهل البادية صوتَ
الجنّ.
والعزَّاف: رمل لبني سعد صفة غالبة مشتق من ذلك ويسمى أَبْرَقَ
العَزَّاف. وسَحاب عَزَّاف: يُسمع منه عَزِيفُ الرَّعْد وهو دَوِيُّه؛ وأَنشد
الأَصمعي لجَندل بن المُثَنَّى:
يا رَبُّ رَبَّ المُسلِمِين بالسُّوَرْ،
لا تَسْقِه صَيِّبَ عزَّافٍ جُؤَرْ
قال: ومطَر عزَّاف مُجَلْجِل، وروى الفارسي هذا البيت عَزَّاف، بالزاي،
ورواية ابن السكيت غَرّاف. وعَزَفَت نفسي عن الشيء تَعْزِفُ وتَعْزُف
عَزْفاً وعُزُوفاً: تركَتْه بعد إعْجابها وزَهِدَتْ فيه وانْصرفت عنه.
وعزَفت نفْسُه أَي سَلَتْ، وفي حديث حارثةَ: عزَفتْ نفسِي عن الدُّنيا أَي
عافتْها وكَرِهَتها، ويروى عَزَفْتُ، بضم التاء، أَي منعتُها وصَرَفْتها؛
وقولُ أَمية بن أَبي عائذ الهذلي:
وقِدْماً تَعَلَّقْتُ أُمَّ الصَّبِيْـ
ـيِ مِنِّي على عُزُفٍ واكْتِهال
أَراد عُزوف فحذف. والعَزُوف: الذي لا يكاد يَثْبُت على خُلَّة؛ قال:
أَلم تَعْلَمِي أَني عَزُوفٌ على الهَوى،
إذا صاحبي في غير شيء تَعَصَّبا؟
واعْزَوْزَفَ للشرِّ: تهيّأَ؛ عن اللحياني. والعزَّافُ: جبَل من جِبال
الدَّهْناء.
والعُزف: الحمام الطُّورانِيَّة في قول الشماخ:
حتى استَغاثَ بأَحْوَى فَوْقَه حُبُكٌ،
يَدْعُو هَديلاً به العُزْفُ العَزاهِيلُ
وهي المُهْمَلةُ. والعُزْف: التي لها صوت وهَدير.
حجز: الحَجْز: الفصل بين الشيئين، حَجَز بينهما يَحْجُِزُ حَجْزاً
وحِجازَةً فاحْتَجَز؛ واسم ما فصل بينهما: الحاجِزُ. الأَزهري: الحَجْز أَن
يَحْجِز بين مقاتلين، والحِجَاز الاسم، وكذلك الحاجِزُ. قال الله تعالى:
وجَعَل بين البحرين حاجِزاً؛ أَي حِجازاً بين ماءٍ مِلْح وماءٍ عَذْبٍ لا
يختلطان، وذلك الحجاز قدرة الله. وحَجَزَه يَحْجُِزُه حَجْزاً: منعه. وفي
الحديث: ولأَهْل القتيل أَن يَنْحَجِزوا الأَدْنى فالأَدنى أَي يَكُفوا
عن القَوَد؛ وكل من ترك شيئاً، فقد انْحَجزَ عنه. والانْحِجاز: مُطاوِع
حَجَزَه إِذا منعه، والمعنى أَن لورثة القتيل أَن يعفوا عن دمه رجالهم
ونساؤهم أَيهم عفا، وإِن كانت امرأَة، سقط القود واستحقوا الدية؛ وقوله
الأَدنى فالأَدنى أَي الأَقرب فالأَقرب؛ وبعض الفقهاء يقول: إِنما العفو
والقَوَد إِلى الأَولياء من الورثة لا إِلى جميع الورثة ممن ليسوا
بأَولياء.والمُحاجَزَة: المُمانعة. وفي المثل: إِن أَرَدْتَ المُحاجَزَة فَقَبْل
المُناجَزَة؛ المُحاجَزَة: المسالمة، والمُناجَزَة: القتال. وتحاجَزَ
الفريقان. وفي المثل: كانت بين القوم رِمِّيَّا ثم صارت إِلى حِجِّيزَى أَي
تراموا ثم تَحاجَزُوا، وهما على مثال خِصِّيصَى. والحِجِّيزَى: من
الحَجْز بين اثنين.
والحَجَزَة، بالتحريك: الظَّلَمَةُ. وفي حديث قَيْلة: أَيُلام ابْنُ
ذِهِ أَن يَفْصِل الخُطَّة ويَنْتَصر من وراء الحَجَزَة؟ الحَجَزَة: هم
الذين تَحْجزونه عن حقه، وقال الأَزهري: هم الذين يمنعون بعض الناس من بعض
ويفصلون بينهم بالحق، الواحد حاجِزٌ؛ وأَراد بابنِ ذِهِ ولدها؛ يقول: إِذا
أَصابه خُطّة ضَيم فاحْتَجّ عن نفسه وعَبَّر بلسانه ما يدفع به الظلم عنه
لم يكن مَلُوماً.
والحِجاز: البلد المعروف، سميت بذلك من الحَجْز الفصل بين الشيئين لأنه
فصل بين الغَوْر والشام والبادية، وقيل: لأَنه حَجَز بين نَجْدٍ
والسَّراة، وقيل: لأَنه حَجَز بين تِهامة ونجد، وقيل: سميت بذلك لأَنها حَجَزَتْ
بين نَجْد والغَوْر، وقال الأَصمعي: لأَنها احْتُجِزَتْ بالحِرَار الخمس
منها حَرَّة بني سُلَيْم وحَرَّة واقِمٍ، قال الأَزهري: سمي حِجازاً لأَن
الحرَارَ حَجَزَتْ بينه وبين عالية نجد، قال: وقال ابن السكيت ما ارتفع
عن بطن الرُّمَّة فهو نَجْدٌ، قال: والرُّمَّة وادٍ معلوم، قال: وهو
نَجْد إِلى ثنايا ذات عِرْقٍ، قال: وما احْتَزَمَتْ به الحِرار
(* قوله «وما
احتزمت به الحرار إلخ» نقل ياقوت هذه العبارة عن الأصمعي ونصه قال
الأصمعي: ما احتزمت به الحرار حرة شوران وحرة ليلى وحرة واقم وحرة النار وعامة
منازل بني سليم إلى آخر ما هنا) حَرَّةَ شَوْران وعمة منازل بني سليم
إِلى المدينة فما احْتَاز في ذلك الشق كله حِجاز، قال: وطَرَف تِهامة من
قِبَل الحجاز مَدارِج العَرْج، وأَوّلها من قِبَل نجد مَدَارج ذات العِرْق.
الأَصمعي: إِذا عرضت لك الحِرارُ بنجد فذلك الحِجاز؛ وأَنشد:
وفَرُّا بالحِجاز ليُعْجِزوني
أَراد بالحِجاز الحِرارَ. وفي حديث حُرَيْثِ بن حسان: يا رسول الله، إِن
رأَيْتَ أَن تجعل الدِّهْناء حِجازاً بيننا وبين بني تميم أَي حدًّا
فاصلاً يَحْجِزُ بيننا وبينهم، قال: وبه سمي الحِجازُ الصُّقْعُ المعروف من
الأَرض، ويقال للجبال أَيضاً: حِجاز؛ ومنه قوله:
ونحن أُناس لا حِجازَ بأَرْضِنا
وأَحْجَزَ القومُ واحْتَجَزُوا وانْحَجَزُوا: أَتَوا الحِجازَ،
وتَحاجَزُوا وانْحَجَزُوا واحْتَجَزُوا: تَزايَلُوا، وحَجَزَه عن الأَمر يَحْجُزه
حِجازَةً وحِجِّيزَى: صرفه.
وحَجازَيْكُ كحَنانَيْك أَي احْجُزْ بينهم حَجْزاً بعد حَجْزٍ، كأَنه
يقول: لا تقطع ذلك وَلْيَكُ بعضُه موصولاً ببعض.
وحُجْزة الإِزار: جَنَبته. وحُجْزة السراويل: موضع التِّكَّة، وقيل:
حُجْزة الإِنسان مَعْقِد السراويل والإِزار. الليث: الحُجْزة حيث يُثْنى طرف
الإِزار في لَوْث الإِزار، وجمعه حُجُزات؛ وأَما قول النابغة:
رِقاق النِّعالِ طَيِّب حُجُزاتهم،
يُحَيَّوْن بالرَّيْحان يومَ السَّباسِب
فإِنما كنى به عن الفروج؛ يريد أَنهم أَعِفَّاء عن الفجور. وفي الحديث:
إِن الرَّحِم أُخذت بحُجْزة الرحمن؛ قال ابن الأَثير: أَي اعتصمت به
والتجأَت إِليه مستجيرة، ويدل عليه قوله في الحديث: هذا مقام العائِذِ بك من
القَطِيعة، قال: وقيل معناه أَن اسم الرَّحِم مشتق من اسم الرحمن فكأَنه
متعلق بالاسم آخِذٌ بوسطه، كما جاء في الحديث الآخر: الرَّحِمُ شِجْنَةٌ
من الرحمن. قال: وأَصل الحُجْزة موضع شدّ الإِزار، قال: ثم قيل للإِزار
حُجْزة للمجاورة. واحْتَجز بالإِزار إِذا شدّه على وسطه فاستعاره للالتجاء
والاعتصام والتمسُّك بالشيء والتعلق به؛ ومنه الحديث الآخر: والنبي، صلى
الله عليه وسلم، آخذ بحُجْزة الله تعالى أَي بسبب منه، ومنه الحديث
الآخر: منهم من تأْخذه النار إِلى حُجْزَته أَي إِلى مَشَدّ إِزاره، ويجمع
على حُجَز؛ ومنه الحديث: فأَنا آخِذٌ بحُجَزكم، والحُجْزَة: مَرْكَبُ
مُؤَخَّر الصِّفاق في الحِقْو، والمُتَحَجِّز: الذي قد شَدَّ وسطه، واحْتَجَز
بإِزاره: شدّه على وسطه، من ذلك، وفي حديث ميمونة، رضي الله عنها: كان
يباشر المرأَة من نسائه وهي حائض إِذا كانت مُحْتَجِزَةً أَي شادَّةً
مِئْزرها على العورة وما لا تحل مباشرته. والحاجِزُ: الحائل بين الشيئين. وفي
حديث عائشة، رضي الله عنها: لما نزلت سورة النور عَمَدْن إِلى حُجَز
مناطِقِهِنَّ فشَقَقْنَها فاتَّخَذنها خُمُراً؛ أَرادت بالحُجَز المآزر. قال
ابن الأَثير: وجاء في سنن أَبي داود حُجُوز أَو حُجُور بالشك، وقال
الخطابي: الحُجُور، بالراء، لا معنى لها ههنا وإِنما هو بالزاي جمع حُجَز
فكأَنه جمع الجمع، وأَما الحُجُور، بالراء، فهو جمع حَجْر الإِنسان، وقال
الزمخشري: واحد الحُجوز حِجْز، بكسر الحاء، وهي الحُجْزة، ويجوز أَن يكون
واحدها حُجْزَةً. وفي الحديث: رأَى رجلاً مُحْتَجِزاً بحبل وهو مُحْرم أَي
مشدود الوسط. أَبو مالك: يقال لكل شيء يَشُدُّ به الرجل وسطه ليشمر به
ثيابه حجاز، وقال: الاحْتِجاز بالثوب أَن يُدْرجه الإِنسان فيشد به وسطه،
ومنه أُخِذَت الحُجْزَة. وقالت أُم الرَّحَّال: إِن الكلام لا يُحْجَز في
العِكْم كما يُحْجَز العَبَاء. العِكْم: العِدْل. والحَجْز: أَن يُدْرج
الحبل عليه ثم يشد. أَبو حنيفة: الحِجاز حبل يشد به العِكْم. وتحاجز
القوم: أَخذ بعضهم بحُجَز بعض. رجل شديد الحجْزة: صَبُور على الشدّة والجَهْد؛
ومنه حديث عليّ، رضي الله عنه، وسئل عن بني أُمية فقال: هم أَشدُّنا
حُجَزاً، وفي رواية: حُجْزَة، وأَطْلَبُنا للأَمر لا يُنال فيَنالونَه.
وحُجْز الرجل: أَصله ومَنْبِته. وحُجْزُه أَيضاً: فصل ما بين فخذه والفخذ
الأُخرى من عشيرته؛ قال:
فامْدَحْ كَرِيمَ المُنْتَمَى والحُجْزِ
وفي الحديث: تزوجوا في الحُجْزِ الصالح فإِن العِرْق دَسَّاس؛ الحجز،
بالضم والكسر: الأَصل والمَنْبت، وبالكسر هو بمعنى الحِجْزة. وهي هيئة
المُحْتَجِز، كناية عن العِفَّة وطِيبِ الإِزار. والحُِجْز: الناحية. وقال:
الحُِجْز العَشِيرة تَحْتَجِز بهم أَي تمتنع. وروى ابن الأَعرابي قوله:
كريم المنتمى والحجز، إِنه عفيف طاهر كقول النابغة: طَيِّب حُجُزاتُهم، وقد
تقدّم. والحِجْز: العفيف الطاهر. والحِجاز: حبل يلقى للبعير من قِبَل
رجليه ثم يناخ عليه ثم يشدّ به رُسْغا رجليه إِلى حِقْوَيْه وعَجُزُه؛ تقول
منه: حَجَزْت البعير أَحْجِزه حَجْزاً، فهو مَحْجوز؛ قال ذو الرمة:
فَهُنَّ من بين مَحْجُوزٍ بِنافِذَةٍ،
وقائِظٍ وكلا رَوْقَيْه مُخْتَضِب
وقال الجوهري: هو أَن تُنِيخ البعير ثم تشدّ حبلاً في أَصل خُفَّيْه
جميعاً من رجليه ثم ترفع الحبل من تحته حتى تشدّه على حِقْوَيْه، وذلك إِذا
أَراد أَن يرتفع خفه؛ وقيل: الحِجاز حبل يشد بوسط يَدَي البعير ثم يخالَف
فتُعْقد به رجلاه ثم يُشَدّ طرفاه إِلى حِقْويه ثم يلقى على جنبه شبه
المَقْمُوط ثم تُداوَى دَبَرته فلا يستطيع أَن يمتنع إِلا أَن يجر جنبه على
الأَرض؛ وأَنشد:
كَوْسَ الهِبَلِّ النَّطِفِ المَحْجُوز
وحاجِزٌ: اسم. ابن بُزُرج: الحَجَزُ والزَّنَجُ واحد. حَجِزَ وزَنِجَ:
وهو أَن تَقَبَّضَ أَمعاء الرجل ومَصَارينه من الظمإِ فلا يستطيع أَن يكثر
الشرب ولا الطُّعْم، والله تعالى أَعلم.
لحن: اللَّحْن: من الأَصوات المصوغة الموضوعة، وجمعه أَلْحانٌ ولُحون.
ولَحَّنَ في قراءته إِذا غرَّد وطرَّبَ فيها بأَلْحان، وفي الحديث:
اقرؤُوا القرآن بلُحون العرب. وهو أَلْحَنُ الناس إِذا كان أَحسنهم قراءة أَو
غناء. واللَّحْنُ واللَّحَنُ واللَّحَانةُ واللَّحانِيَة: تركُ الصواب في
القراءة والنشيد ونحو ذلك، لَحَنَ يَلْحَنُ لَحْناً ولَحَناً ولُحوناً؛
الأَخيرة عن أَبي زيد قال:
فُزْتُ بقِدْحَيْ مُعْرِب لم يَلْحَنِ
ورجل لاحِنٌ ولَحّان ولَحّانة ولُحَنَة: يُخْطِئ، وفي المحكم: كثير
اللَّحْن. ولَحَّنه: نسبه إِلى اللَّحْن. واللُّحَنَةُ: الذي يُلحَّنُ.
والتَّلْحِينُ: التَّخْطِئة. ولَحَنَ الرجلُ يَلْحَنُ لَحْناً: تكلم بلغته.
ولَحَنَ له يَلْحَنُ لَحْناً: قال له قولاً يفهمه عنه ويَخْفى على غيره
لأَنه يُميلُه بالتَّوْرية عن الواضح المفهوم؛ ومنه قولهم: لَحِنَ الرجلُ:
فهو لَحِنٌ إِذا فَهمَ وفَطِنَ لما لا يَفْطنُ له غيره. ولَحِنَه هو عني،
بالكسر، يَلْحَنُه لَحْناً أَي فَهمَه؛ وقول الطرماح:
وأَدَّتْ إِليَّ القوْلِ عنهُنَّ زَوْلةٌ
تُلاحِنُ أَو ترْنُو لقولِ المُلاحِنِ
أَي تَكلَّمُ بمعنى كلام لا يُفْطنُ له ويَخْفى على الناس غيري.
وأَلْحَنَ في كلامه أَي أَخطأَ. وأَلْحَنه القولَ: أَفهمه إيِاه، فلَحِنَه
لَحْناً: فهِمَه. ولَحَنه عن لَحْناً؛ عن كراع: فهِمَه؛ قال ابن سيده: وهي
قليلة، والأَول أَعرف. ورجل لَحِنٌ: عارفٌ بعواقب الكلام ظريفٌ. وفي الحديث:
أَن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: إِنكم تَخْتصِمُون إِليَّ ولعلَّ
بعضَكم أَن يكونَ أَلْحَنَ بحجَّته من بعض أَي أَفْطنَ لها وأَجْدَل، فمن
قَضَيْتُ له بشيء من حق أَخيه فإِنما أَقطعُ له قِطْعةً من النار؛ قال
ابن الأَثير: اللَّحْنُ الميل عن جهة الاستقامة؛ يقال: لَحَنَ فلانٌ في
كلامه إِذا مال عن صحيح المَنْطِق، وأَراد أَن بعضكم يكون أَعرفَ بالحجة
وأَفْطَنَ لها من غيره. واللَّحَنُ، بفتح الحاء: الفِطْنة. قال ابن
الأَعراب: اللَّحْنُ، بالسكون، الفِطْنة والخطأُ سواء؛ قال: وعامّة أَهل اللغة في
هذا على خلافه، قالوا: الفِطْنة، بالفتح، والخطأ، بالسكون. قال ابن
الأَعرابي: واللَّحَنُ أَيضاً، بالتحريك، اللغة. وقد روي أَن القرآن نزَل
بلَحَنِ قريش أَي بلغتهم. وفي حديث عمر، رضي الله عنه: تعلَّمُوا الفرائضَ
والسُّنَّةَ واللَّحَن، بالتحريك، أَي اللغة؛ قال الزمخشري: تعلموا
الغَريبَ واللَّحَنَ لأَن في ذلك عِلْم غَرِيب القرآن ومَعانيه ومعاني الحديث
والسنَّة، ومن لم يعْرِفْه لم يعرف أَكثرَ كتاب الله ومعانيه ولم يعرف
أَكثر السُّنن. وقال أَبو عبيد في قول عمر، رضي الله عنه: تعلَّمُوا
اللَّحْنَ أَي الخطأَ في الكلام لتحترزوا منه. وفي حديث معاويه: أَنه سأَل عن
أَبي زيادٍ فقيل إِنه ظريف على أَنه يَلْحَنُ، فقال: أَوَليْسَ ذلك أَظرف
له؟ قال القُتَيْبيُّ: ذهب معاويةُ إِلى اللَّحَن الذي هو الفِطنة، محرَّك
الحاء. وقال غيره. إِنما أَراد اللَّحْنَ ضد الإِعراب، وهو يُسْتَمْلَحُ
في الكلام إِذا قَلَّ، ويُسْتَثْقَلُ الإِعرابُ والتشَدُّقُ. ولَحِنَ
لَحَناً: فَطِنَ لحجته وانتبه لها. ولاحَنَ الناس: فاطَنَهم؛ وقوله مالك بن
أَسماء بن خارجةَ الفَزاريّ:
وحديثٍ أَلَذُّه هو مما
يَنْعَتُ النَّاعِتُون يُوزَنُ وَزْنا
مَنْطِقٌ رائِعٌ، وتَلْحَنُ أَحْيا
ناً، وخيرُ الحديثِ ما كانَ لَحْنا
يريد أَنها تتكلم بشيء وهي تريد غيره، وتُعَرِّضُ في حديثها فتزيلُه عن
جهته من فِطنتِها كما قال عز وجل: ولَتَعْرِفنَّهُمْ في لَحن القول، أَي
في فَحْْواهُ ومعناه؛ وقال القَتَّال الكلابيُّ:
ولقد لَحَنْتُ لكم لِكَيْما تَفْهمُوا،
ولَحَنْتُ لَحْناً لَحْناً ليس بالمُرْتابِ
وكأَنَّ اللَّحْنَ في العربية راجعٌ إِلى هذا لأَنه من العُدول عن
الصواب. وقال عمر بن عبد العزيز: عَجِبْتُ لمن لاحَنَ الناسَ ولاحَنُوه كيفَ
لا يعرفُ جَوامعَ الكَلِم، أَي فاطَنَهم وفاطَنُوه وجادَلَهم؛ ومنه قيل:
رجل لَحِنٌ إِذا كان فَطِناً؛ قال لبيد:
مُتَعوِّذٌ لَحِنٌ يُعِيدُ بكَفِّه
قَلَماً على عُسُبٍ ذَبُلْنَ وبانِ
وأَما قول عمر، رضي الله عنه: تعلموا اللَّحْنَ والفرائضَ، فهو بتسكين
الحاء وهو الخطأُ في الكلام. وفي حديث أَبي العالية قال: كنتُ أَطُوفُ مع
ابن عباسٍ وهو يُعلِّمني لَحْنَ الكلامِ؛ قال أَبو عبيد: وإِنما سماه
لَحْناً لأَنه إِذا بَصَّره بالصواب فقد بَصَّره اللَّحْنَ. قال شمر: قال
أَبو عدنان سأَلت الكِلابيينَ عن قول عمر تعلموا اللحن في القرآن كما
تَعَلَّمُونه فقالوا: كُتِبَ هذا عن قوم لس لهم لَغْوٌ كلَغْوِنا، قلت: ما
اللَّغْوُ؟ فقال: الفاسد من الكلام، وقال الكلابيُّون: اللَّحْنُ اللغةُ،
فالمعنى في قول عمر تعلموا اللّحْنَ فيه يقول تعلموا كيف لغة العرب فيه
الذين نزل القرآنُ بلغتهم؛ قال أَبو عدنان: وأَنشدتْني الكَلْبيَّة:
وقوْمٌ لهم لَحْنٌ سِوَى لَحْنِ قومِنا
وشَكلٌ، وبيتِ اللهِ، لسنا نُشاكِلُهْ
قال: وقال عُبيد بن أَيوب:
وللهِ دَرُّ الغُولِ أَيُّ رَفِيقَةٍ
لِصاحِبِ قَفْرٍ خائفٍ يتَقَتَّرُ
فلما رأَتْ أَن لا أُهَالَ، وأَنني
شُجاعٌ، إِذا هُزَّ الجَبَانُ المُطيَّرُ
أَتَتني بلحْنٍ بعد لَحْنٍ، وأَوقدَتْ
حَوَالَيَّ نِيراناً تَبُوخُ وتَزْهَرُ
ورجل لاحِنٌ لا غير إِذا صَرَفَ كلامَه عن جِهَته، ولا يقال لَحّانٌ.
الليث: قول الناسِ قد لَحَنَ فلانٌ تأْويلُه قد أَخذ في ناحية عن الصواب
أَي عَدَل عن الصواب إِليها؛ وأَنشد قول مالك بن أَسماء:
مَنْطِقٌ صائِبٌ وتَلْحَنُ أَحْيا
ناً، وخيرُ الحديثِ ما كانَ لَحْناً
قال: تأْويله وخير الحديث من مثل هذه الجارية ما كان لا يعرفه كلُّ
أَحد، إِنما يُعرفُ أَمرها في أَنحاء قولها، وقيل: معنى قوله وتلحن أَحياناً
أَنها تخطئ في الإِعراب، وذلك أَنه يُسْتملَحُ من الجواري، ذلك إِذا كان
خفيفاً، ويُستثقل منهن لُزوم حاقِّ الإِعراب. وعُرِف ذلك في لَحْن كلامه
أَي فيما يميل إِليه. الأَزهري: اللَّحْنُ ما تَلْحَنُ إِليه بلسانك أَي
تميلُ إِليه بقولك، ومنه قوله عز وجل: ولَتَعْرِفَنَّهُم في لَحْنِ
القول؛ أَي نَحْوِ القول، دَلَّ بهذا أَن قولَ القائل وفِعْلَه يَدُلاَّنِ
على نيته وما في ضميره، وقيل: في لَحْنِ القول أَي في فَحْواه ومعناه.
ولَحَن إِليه يَلْحَنُ لَحْناً أَي نَواه ومال إِليه. قال ابن بري وغيره:
للَّحْنِ ستة مَعان: الخطأُ في الإِعراب واللغةُ والغِناءُ والفِطْنةُ
والتَّعْريضُ والمَعْنى، فاللَّحْنُ الذي هو الخطأُ في الإِعراب يقال منه
لَحَنَ في كلامه، بفتح الحاء، يَلْحَنُ لَحْناً، فهو لَحَّانٌ ولَحّانة، وقد
فسر به بيتُ مالك بن أَسماء بن خارجة الفَزَاري كما تقدم، واللَّحْنُ
الذي هو اللغة كقول عمر، رضي الله عنه: تعلموا الفرائضَ والسُّنَنَ
واللَّحْنَ كما تعلَّمُون القرآنَ، يريد اللغة؛ وجاء في رواية تعلموا اللَّحْنَ
في القرآن كما تتعلمونه، يريد تعلموا لغَةَ العرب بإِعرابها؛ وقال
الأَزهري: معناه تعلموا لغة العرب في القرآن واعرفُوا معانيه كقوله تعالى:
ولتَعْرِفَنَّهم في لَحْنِ القول؛ أَي معناه وفَحْواه، فقول عمر، رضي الله
عنه: تعلموا اللَّحْن، يريد اللغة؛ وكقوله أَيضاً: أُبَيٌّ أَقْرَؤُنا
وإِنَّا لنَرْغَبُ عن كثير من لَحْنِه أَي من لُغَتِه وكان يَقْرأُ التابُوه؛
ومنه قول أَبي مَيْسَرَة في قوله تعالى: فأَرْسَلْنا عليهم سَيْلَ
العَرِمِ، قال: العَرِمُ المُسَنَّاةُ بلَحْنِ اليمن أَي بلغة اليمن؛ ومنه قول
أَبي مَهْديٍّ: ليس هذا من لَحْني ولا لَحْنِ قومي؛ واللَّحْنُ الذي هو
الغِناء وتَرْجيعُ الصوت والتَّطْريبُ شاهدُه قول يزيد ابن النعمان:
لقد تَرَكَتْ فُؤادَكَ مُسْتَجَنَّا
مُطَوَّقَةٌ على فَنَنٍ تَغَنَّى
يَمِيلُ بها، وتَرْكَبُه بلَحْنٍ،
إِذا ما عَنَّ للمَحْزُون أَنَّا
فلا يَحْزُنْكَ أَيامٌ تَوَلَّى
تَذَكّرُها، ولا طَيْرٌ أَرَنَّا
وقال آخر:
وهاتِفَينِ بشَجْوٍ، بعدما سجَعَتْ
وُرْقُ الحَمامِ بترجيعٍ وإِرْنانِ
باتا على غُصْنِ بانٍ في ذُرَى فَننٍ،
يُرَدِّدانِ لُحوناً ذاتَ أَلْوانِ
ويقال: فلان لا يعرفُ لَحْنَ هذا الشعر أَي لا يعرف كيف يُغَنيه. وقد
لَحَّنَ في قراءته إِذا طَرَّب بها. واللَّحْنُ الذي هو الفِطْنة يقال منه
لَحَنْتُ لَحْناً إِذا فَهِمته وفَطِنته، فَلَحَنَ هو عني لَحْناً أَي
فَهمَ وفَطِنَ، وقد حُمِلَ عليه قول مالك بن أَسماء: وخير الحديث ما كان
لحناً، وقد تقدم؛ قاله ابن الأَعرابي وجعله مُضارعَ لَحِنَ، بالكسر، ومنه
قوله، صلى الله عليه وسلم: لعَلَّ بعضَكم أَن يكون أَلْحَنَ بحجته أَي
أَفْطَنَ لها وأَحسَنَ تصَرُّفاً. واللَّحْنُ الذي هو التَّعْريض والإِيماء؛
قال القتَّالُ الكلابي:
ولقد لَحَنْتُ لكم لِكَيما تَفْهَموا،
ووَحَيْتُ وَحْياً ليس بالمُرْتابِ
ومنه قوله، صلى الله عليه وسلم، وقد بعث قوماً ليُخْبِرُوه خبَرَ قريش:
الْحَنُوا لي لَحْناً، وهو ما روي أَنه بعث رجلين إِلى بعض الثُّغُور
عَيْناً فقال لهما: إِذا انصرفتما فالْحَنا لي لَحْناً أَي أَشيرا إِليَّ
ولا تُفْصِحا وعَرِّضا بما رأَيتما، أَمرهما بذلك لأَنهما ربما أَخبرا عن
العَدُوِّ ببأْسٍ وقُوَّة، فأَحَبَّ أَن لا يقفَ عليه المسلمون. ويقال:
جعَلَ كذا لَحْناً لحاجته إِذا عَرَّضَ ولم يُُصَرِّح؛ ومنه أَيضاً قول
مالك بن أَسماء وقد تقدم شاهداً على أَن اللَّحْنَ الفِطنة، والفعل منه
لَحَنْتُ له لَحْناً، على ما ذكره الجوهر عن أَبي زيد؛ والبيت الذي
لمالك:مَنطِقٌ صائبٌ وتَلْحَنُ أَحيا
ناً، وخيرُ الحديثِ ما كان لَحْنا
ومعنى صائب: قاصد الصواب وإِن لم يُصِبْ، وتَلْحَن أَحياناً أَي تُصيب
وتَفْطُنُ، وقيل: تريدُ حديثَها عن جهته، وقيل: تُعَرِّض في حديثها،
والمعنى فيه متقاربٌ، قال: وكأَنَّ اللَّحْن في العربية راجع إِلى هذا لأَنه
العُدول عن الصواب؛ قال عثمان ابن جني: مَنْطِقٌ صائب أَي تارة تورد القول
صائباً مُسَدَّداً وأُخرى تتَحَرَّفُ فيه وتَلْحَنُ أَي تَعْدِلُه عن
الجهة الواضحة متعمدة بذلك تلَعُّباً بالقول، وهو من قوله ولعل بعضَكم أَن
يكون أَلْحَنَ بحجته أَي أَنْهَضَ بها وأَحسَنَ تصَرُّفاً، قال: فصار
تفسير اللَّحْنِ في البيت على ثلاثة أَوجه: الفِطنة والفهم، وهو قول أَبي
زيد وابن الأَعرابي وإِن اختلفا في اللفظ، والتعريضُ، وهو قول ابن دريد
والجوهري، والخطأُ في الإِعراب على قول من قال تزيله عن جهته وتعدله عن
الجهة الواضحة، لأَن اللحن الذي هو الخطأُ في الإِعراب هو العدول عن الصواب،
واللَّحْن الذي هو المعنى والفَحْوَى كقوله تعالى: ولَتَعْرِفنَّهُم في
لَحْنِ القول؛ أَي في فَحْواه ومعناه. وروى المنذريُّ عن أَبي الهيثم أَنه
قال: العُنوان واللَّحْنُ واحد، وهو العلامة تشير بها إِلى الإِنسان
ليَفْطُنَ بها إِلى غيره، تقول: لَحَنَ لي فلانٌ بلَحْنٍ ففطِنْتُ؛ وأَنشد:
وتَعْرِفُ في عُنوانِها بعضَ لَحْنِها،
وفي جَوْفِها صَمْعاءُ تَحْكي الدَّواهيا
قال: ويقال للرجل الذي يُعَرِّضُ ولا يُصَرِّحُ قد جعل كذا وكذا لَحْناً
لحاجته وعُنواناً. وفي الحديث: وكان القاسم رجلاً لُحْنَةً، يروى بسكون
الحاء وفتحها، وهو الكثير اللَّحْنِ، وقيل: هو بالفتح الذي يُلَحِّنُ
الناس أَي يُخَطِّئُهم، والمعروف في هذا البناء أَنه الذي يَكْثُر منه الفعل
كالهُمَزة واللُّمَزة والطُّلَعة والخُدَعة ونحو ذلك. وقِدْحٌ لاحِنٌ
إِذا لم يكن صافيَ الصوت عند الإِفاضة، وكذلك قوس لاحنة إِذا أُنْبِضَتْ.
وسهمٌ لاحِنٌ عند التَّنْفير إِذا لم يكن حَنَّاناً عند الإِدامةِ على
الإِصبع، والمُعْرِبُ من جميع ذلك على ضِدِّه. ومَلاحِنُ العُودِ: ضُروبُ
دَسْتاناته. يقال: هذا لَحْنُ فلانٍ العَوَّاد، وهو الوجه الذي يَضْرِبُ
به. وفي الحديث: اقرؤُوا القرآنَ بلُحُونِ العرب وأَصواتها، وإِياكم
ولُحُونَ أَهل العِشْق؛ اللَّحنُ: التطريب وترجيع الصوت وتحسين القراءة
والشِّعْرِ والغِناءِ، قال: ويشبه أَن يكون أَراد هذا الذي يفعله قُرَّاء الزمان
من اللُّحون التي يقرؤون بها النظائر في المحافل، فإِن اليهود والنصارى
يقرؤون كتُبَهم نحْواً من ذلك.
ركب: رَكِبَ الدابَّة يَرْكَبُ رُكُوباً: عَلا عليها، والاسم الرِّكْبة،
بالكسر، والرَّكْبة مرَّةٌ واحدةٌ. وكلُّ ما عُلِـيَ فقد رُكِبَ وارْتُكِبَ. والرِّكْبَةُ، بالكسر: ضَرْبٌ من الرُّكوبِ، يقال: هو حَسَنُ الرِّكْبَةِ.
ورَكِبَ فلانٌ فُلاناً بأَمْرٍ، وارْتَكَبَه، وكلُّ شيءٍ عَلا شيئاً: فقد رَكِبَه؛ ورَكِبَه الدَّيْنُ، ورَكِبَ الـهَوْلَ واللَّيْلَ ونحوَهما مثلاً بذلك. ورَكِب منه أَمْراً قبيحاً، وارْتَكَبَه، وكذلك رَكِب الذَّنْبَ، وارْتَكَبَه، كلُّه على الـمَثَل.
وارْتِكابُ الذُّنوب: إِتْيانُها. وقال بعضُهم: الراكِبُ للبَعِـير
خاصة، والجمع رُكَّابٌ، ورُكْبانٌ، ورُكُوبٌ. ورجلٌ رَكُوبٌ ورَكَّابٌ، الأُولى عن ثَعْلَب: كثيرُ الرُّكوبِ، والأُنْثَى رَكَّابة.
قال ابن السكيت وغيره: تقول: مَرَّ بنا راكبٌ، إِذا كان على بعيرٍ خاصَّة، فإِذا كان الراكبُ على حافِرِ فَرَسٍ أَو حِمارٍ أَو بَغْلٍ، قلت: مَرَّ بنا فارِسٌ على حِمارٍ، ومَرَّ بنا فارسٌ على بغلٍ؛ وقال عُمارة: لا أَقولُ لصاحِبِ الـحِمارِ فارسٌ، ولكن أَقولُ حَمَّارٌ. قال ابن بري: قولُ ابنِ السّكيت: مَرَّ بنا راكبٌ، إِذا كان على بَعيرٍ خاصَّة، إِنما يُريدُ إِذا لم تُضِفْه، فإِن أَضَفْتَه، جاز أَن يكونَ للبعيرِ والـحِمارِ والفرسِ والبغلِ، ونحو ذلك؛ فتقول: هذا راكِبُ جَمَلٍ، وراكِبُ فَرَسٍ، وراكِبُ حِمارٍ، فإِن أَتَيْتَ بجَمْعٍ يَخْتَصُّ بالإِبِلِ، لم تُضِفْه، كقولك رَكْبٌ ورُكْبان، لا تَقُلْ: رَكْبُ إِبل، ولا رُكْبانُ إِبل، لأَن الرَّكْبَ والرُّكْبانَ لا يكون إِلا لِرُكَّابِ الإِبِلِ. غيره: وأَما الرُّكَّاب فيجوز إِضافتُه إِلى الخَيْلِ والإِبِلِ وغيرِهما، كقولك: هؤُلاءِ رُكَّابُ خَيْلٍ، ورُكَّابُ إِبِل، بخلافِ الرَّكْبِ والرُّكْبانِ. قال: وأَما قولُ عُمارَة: إِني لا أَقول لراكبِ الـحِمارِ فارِسٌ؛ فهو الظاهر، لأَن الفارِسَ فاعلٌ مأْخوذٌ من الفَرَس، ومعناه صاحبُ فَرَسٍ، مثلُ قَوْلِهِم: لابِنٌ، وتامِرٌ، ودارِعٌ، وسائِفٌ، ورامِحٌ إِذا كان صاحبَ هذه الأَشْياءِ؛ وعلى هذا قال العنبري:
فَلَيْتَ لِـي بهم قَوْماً، إِذا رَكِبُوا، * شَنُّوا الإِغارَةَ: فُرْساناً ورُكْبانا
فجَعَلَ الفُرْسانَ أَصحابَ الخَيْلِ، والرُّكْبانَ أَصحابَ الإِبِلِ،
والرُّكْبانُ الجَماعة منهم.
قال: والرَّكْبُ رُكْبانُ الإِبِلِ، اسم للجمع؛ قال: وليس بتكسيرِ
راكِبٍ. والرَّكْبُ: أَصحابُ الإِبِلِ في السَّفَر دُونَ الدَّوابِّ؛ وقال
الأَخفش: هو جَمْعٌ وهُم العَشَرة فما فوقَهُم، وأُرى أَن الرَّكْبَ قد
يكونُ للخَيْل والإِبِلِ. قال السُّلَيْكُ بنُ السُّلَكَة، وكان فرَسُه قد عَطِبَ أَوْ عُقِرَ:
وما يُدْرِيكَ ما فَقْرِي إِلَيْه، * إِذا ما الرَّكْبُ، في نَهْبٍ، أَغاروا
وفي التنزيل العزيز: والرَّكْبُ أَسْفَلَ منكُم؛ فقد يجوز أَن يكونوا
رَكْبَ خَيْلٍ، وأَن يكونوا رَكْبَ إِبِلٍ، وقد يجوزُ أَن يكونَ الجيشُ
منهما جميعاً.
وفي الحديث: بَشِّرْ رَكِـيبَ السُّعاةِ، بِقِطْعٍ من جهنم مِثْلِ قُورِ حِسْمَى. الرَّكِـيبُ، بوزن القَتِـيلِ: الراكِبُ، كالضَّريبِ والصريم
للضارِبِ والصارِم. وفلانٌ رَكِـيبُ فلانٍ: للذي يَرْكَبُ معه، وأَراد برَكِـيبِ السُّعاةِ مَنْ يَرْكَبُ عُمَّال الزكاة بالرَّفْعِ عليهم،
ويَسْتَخِـينُهم، ويَكْتُبُ عليهم أَكثَر مما قبَضُوا، ويَنْسُب إِليهم
الظُّلْمَ في الأَخْذِ. قال: ويجوزُ أَن يُرادَ مَنْ يَركَبُ منهم الناسَ
بالظُّلْم والغَشْم، أَو مَنْ يَصْحَبُ عُمَّال الجَور، يعني أَن هذا
الوَعِـيدَ لمن صَحِـبَهم، فما الظَّنُّ بالعُمَّالِ أَنفسِهم. وفي الحديث:
سَيَأْتِـيكُمْ رُكَيْبٌ مُبْغَضُون، فإِذا جاؤُوكُم فرَحِّبُوا بهم؛ يريدُ
عُمَّال الزكاة، وجَعَلَهم مُبْغَضِـينَ، لِـما في نُفوسِ أَربابِ الأَمْوالِ
من حُبِّها وكَراهَةِ فِراقِها.
والرُّكَيْبُ: تصغيرُ رَكْبٍ؛ والرَّكْبُ: اسمٌ من أَسماءِ الجَمْعِ كنَفَرٍ ورَهْطٍ؛ قال: ولهذا صَغَّرَه على لفظِه؛ وقيل: هو جمعُ راكِبٍ، كصاحِبٍ، وصَحْبٍ؛ قال: ولو كان كذلك لقال في تصغيره: رُوَيْكِـبُونَ، كما يقال: صُوَيْحِـبُونَ.
قال: والرَّكْبُ في الأَصْلِ، هو راكبُ الإِبِل خاصَّة، ثم اتُّسِـعَ،
فأُطْلِقَ على كلِّ مَن رَكِبَ دابَّةً. وقولُ عليٍّ، رضي اللّه عنه: ما
كان مَعَنا يومئذٍ فَرَسٌ إِلا فَرَسٌ عليه الـمِقْدادُ بنُ الأَسْوَدِ، يُصَحِّحُ أَن الرَّكْبَ ههنا رُكّابُ الإِبِلِ، والجمعُ أَرْكُبٌ ورُكوبٌ.والرَّكَبةُ، بالتحريك: أَقَلُّ من الرَّكْبِ.
والأُرْكُوبُ: أَكثرُ من الرَّكْبِ. قال أَنشده ابن جني:
أَعْلَقْت بالذِّئب حَبْلاً، ثم قلت له: * إِلْـحَقْ بأَهْلِكَ، واسْلَمْ أَيـُّها الذِّيبُ
أَما تقولُ به شاةٌ فيأْكُلُها، * أَو أَن تَبِـيعَهَ في بعضِ الأَراكِـيب
أَرادَ تَبِـيعَها، فحَذف الأَلف تَشْبِـيهاً لها بالياءِ والواو، لِـما بينَهما وبينها من النِّسْبة، وهذا شاذٌّ.
والرِّكابُ: الإِبلُ التي يُسار عليها، واحِدَتُها راحِلَةٌ، ولا واحِدَ
لها من لَفْظِها، وجمعها رُكُبٌ، بضم الكاف، مثل كُتُبٍ؛ وفي حديث النبـيّ، صلى اللّه عليه وسلم: إِذا سافرْتُم في الخِصْب فأَعْطُوا الرِّكابَ أَسِنَّـتَها أَي أَمْكِنُوها من الـمَرْعَى؛ وأَورد الأَزهري هذا الحديث: فأَعْطُوا الرُّكُبَ أَسِنَّتَها.
قال أَبو عبيد: الرُّكُبُ جمعُ الرِّكابِ(1)
(1 قوله «قال أبو عبيد الركب جمع إلخ» هي بعض عبارة التهذيب وأصلها الركب جمع الركاب والركاب الإبل التي يسار عليها ثم تجمع إلخ.)، ثم يُجمَع الرِّكابُ رُكُباً؛ وقال ابن الأَعرابي: الرُّكُبُ لا يكونُ جمعَ رِكابٍ. وقال غيره: بعيرٌ رَكُوبٌ وجمعه رُكُب، ويُجْمع الرِّكابُ رَكائبَ. ابن الأَعرابي:
راكِبٌ ورِكابٌ، وهو نادر(2)
(2 وقول اللسان بعد ابن الأعرابي راكب وركاب وهو نادر هذه أيضاً عبارة التهذيب أوردها عند الكلام على الراكب للإبل وان
الركب جمع له أو اسم جمع.). ابن الأَثير: الرُّكُبُ جمعُ رِكابٍ، وهي الرَّواحِلُ من الإِبِلِ؛ وقيل: جمعُ رَكُوبٍ، وهو ما يُركَبُ من كلِّ دابَّةٍ، فَعُولٌ بمعنى مَفْعولٍ.
قال: والرَّكُوبة أَخَصُّ منه.
وزَيْتٌ رِكابيٌّ أَي يُحمل على ظُهورِ الإِبِل من الشَّامِ.
والرِّكابُ للسَّرْجِ: كالغَرْزِ للرَّحْلِ، والجمع رُكُبٌ.
والـمُرَكَّبُ: الذي يَسْتَعِيرُ فَرَساً يَغْزُو عليه، فيكون نِصْفُ
الغَنِـيمَةِ له، ونِصْفُها للـمُعِـيرِ؛ وقال ابن الأَعرابي: هو الذي
يُدْفَعُ إِليه فَرَسٌ لبعضِ ما يُصِـيبُ من الغُنْمِ؛ ورَكَّبَهُ الفَرَسَ:
دفعه إِليه على ذلك؛ وأَنشد:
لا يَرْكَبُ الخَيْلَ، إِلا أَن يُرَكَّبَها، * ولو تَناتَجْنَ مِنْ حُمْرٍ، ومِنْ سُودِ
وأَرْكَبْتُ الرَّجُلَ: جَعَلْتُ له ما يَرْكَبُه. وأَرْكَبَ الـمُهْرُ: حان أَن يُرْكَبَ، فهو مُرْكِبٌ. ودابَّةٌ مُرْكِـبَةٌ: بَلَغَتْ أَنْ يُغْزى عليها.
ابن شميل، في كتابِ الإِبِل: الإِبِلُ التي تُخْرَجُ لِـيُجاءَ عليها
بالطَّعامِ تسمى رِكاباً، حِـين تَخْرُج وبعدَما تَجِـيءُ، وتُسَمَّى
عِـيراً على هاتينِ الـمَنزِلَتَيْن؛ والتي يُسافَرُ عليها إِلى مَكَّةَ أَيضاً
رِكابٌ تُحْمَل عليها الـمَحامِلُ، والتي يُكْرُون ويَحْمِلُونَ عليها
مَتاعَ التُّجَّارِ وطَعَامَهُم، كُلُّها رِكابٌ ولا تُسمّى عِـيراً، وإِن
كان عليها طعامٌ، إِذا كانت مؤاجَرَةً بِكِراءٍ، وليس العِـيرُ التي
تَـأْتي أَهلَها بالطَّعامِ، ولكنها رِكابٌ، والجماعةُ الرَّكائِبُ
والرِّكاباتُ إِذا كانت رِكابٌ لي، ورِكابٌ لك، ورِكابٌ لهذا، جِئنا في رِكاباتِنا، وهي رِكابٌ، وإِن كانت مَرْعِـيَّة؛ تقول: تَرِدُ علينا اللَّيلَةَ رِكابُنا، وإِنما تسمى ركاباً إِذا كان يُحَدِّثُ نَفْسَه بأَنْ يَبْعَثَ بها أَو يَنْحَدِرَ عليها، وإِن كانت لم تُرْكَبْ قَطُّ، هذه رِكابُ بَني فلانٍ.
وفي حديث حُذَيْفة: إِنما تَهْلِكُون إِذا صِرْتُمْ تَمْشُون الرَّكَباتِ كأَنكم يَعاقِـيبُ الـحَجَلِ، لا تَعْرِفُونَ مَعْرُوفاً، ولا تُنْكِرُونَ مُنْكَراً؛ معناه: أَنكم تَرْكَبُون رُؤُوسَكُمْ في الباطِلِ والفتن، يَتْبَعُ بَعْضُكم بعضاً بِلا رَوِيَّةٍ.
والرِّكابُ: الإِبِلُ التي تَحْمِلُ القومَ، وهي رِكابُ القوم إِذا حَمَلَتْ أَوْ أُرِيدَ الـحَمْلُ عليها، سُمِّيت رِكاباً، وهو اسمُ جَماعَةٍ.قال ابنُ الأَثير: الرَّكْبَة الـمَرَّة من الرُّكُوبِ، وجَمْعُها رَكَباتٌ، بالتَّحْريك، وهي مَنْصوبة بفِعْلٍ مُضْمَرٍ، هو خالٌ من فاعِلِ تَمْشُون؛ والرَّكَباتِ واقعٌ مَوقِـعَ ذلك الفعلِ، مُسْتَغْـنًى به عنه، والتقديرُ تَمْشُونَ تَرْكَبُون الرَّكَباتِ، مثلُ قولِهم أَرْسَلَها العِرَاكَ أَي أَرسَلَها تَعْتَرِكُ العِراكَ، والمعنى تَمْشُونَ رَاكِـبِـينَ رُؤُوسَكُمْ، هائمِـينَ مُسْتَرْسِلينَ فيما لا يَنْبَغِـي لَـكُم، كأَنـَّكم في تَسَرُّعِكُمْ إِليهِ ذُكُورُ الـحَجَلِ في سُرْعَتِها وَتَهَافُتِها، حتى إِنها إِذا رَأَت الأُنْثَى مَعَ الصائِد أَلْقَتْ أَنْفُسَها عَلَيْها، حتى تَسْقُط في يَدِه؛ قال ابن الأَثير: هكذا شَرَحَه الزمخشري. قال وقال القُتَيْبي: أَرادَ تَمْضُونَ على وُجُوهِكُمْ من غَيْر تَثَـبُّتٍ.
والـمَرْكَبُ: الدَّابة. تقول: هذا مَرْكَبي، والجَمْع المراكِبُ.
والـمَرْكَبُ: الـمَصْدَرُ، تَقُول: رَكِبْتُ مَرْكَباً أَي رُكُوباً.
والـمَرْكَبُ: الموْضِـعُ.
وفي حديث السَّاعَة: لَوْ نَتَجَ رَجُلٌ مُهْراً، لم يُرْكِبْ حتى تَقُومَ السّاعة. يقال: أَرْكَبَ الـمُهْرُ يُرْكِبُ، فهو مُرْكِبٌ، بكَسْرِ الكاف، إِذا حانَ له أَنْ يُرْكَبَ.
والـمَرْكَبُ: واحِدُ مَراكِبِ البرِّ والبَحْرِ.
ورُكَّابُ السّفينةِ: الذين يَرْكَبُونَها، وكذلك رُكَّابُ الماءِ.
الليث: العرب تسمي مَن يَرْكَبُ السَّفينة، رُكَّابَ السَّفينةِ. وأَما
الرُّكْبانُ، والأُرْكُوبُ، والرَّكْبُ: فراكِـبُو الدوابِّ. يقال: مَرُّوا
بنَا رُكُوباً؛ قال أَبو منصور: وقد جعل ابن أَحمر رُكَّابَ السفينة
رُكْباناً؛ فقال:
يُهِلُّ، بالفَرْقَدِ، رُكْبانُها، * كما يُهِلُّ الراكبُ الـمُعْتَمِرْ
يعني قوماً رَكِـبُوا سفينةً، فغُمَّتِ السماءُ ولم يَهْتَدُوا، فلما
طَلَعَ الفَرْقَدُ كَبَّروا، لأَنهم اهْتَدَوْا للسَّمْتِ الذي يَـؤُمُّونَه.
والرَّكُوبُ والرَّكوبة من الإِبِلِ: التي تُرْكَبُ؛ وقيل: الرَّكُوبُ
كلُّ دابَّة تُركب.
والرَّكُوبة: اسم لجميع ما يُرْكَب، اسم للواحد والجميع؛ وقيل:
الرَّكوبُ الـمَركوبُ؛ والرَّكوبة: الـمُعَيَّنة للرُّكوبِ؛ وقيل: هي التي تُلْزَمُ العَمَل من جميعِ الدوابِّ؛ يقال: ما لَه رَكُوبةٌ ولا حمولةٌ ولا حلوبةٌ أَي ما يَرْكَبُه ويَحْلُبُه ويَحْمِلُ عليه. وفي التنزيل العزيز: وَذَلَّلناها لهم فمنها رَكُوبُهم ومنها يأْكُلُون؛ قال الفراء: اجتمع القُرَّاءُ على فتح الراءِ، لأَن المعنى فمنها يَرْكَبُون، ويُقَوِّي ذلك قولُ عائشة في قراءتها: فمنها رَكُوبَتُهم.
قال الأَصمعي: الرَّكُوبةُ ما يَرْكَبون. وناقةٌ رَكُوبةٌ ورَكْبانةٌ
ورَكْباةٌ أَي تُرْكَبُ. وفي الحديث: أَبْغِني ناقةً حَلْبانة رَكْبانةً
أَي تَصْلُح للـحَلْب والرُّكُوبِ، الأَلف والنون زائدتان للـمُبالغة،
ولتُعْطِـيا معنى النَّسَب إِلى الـحَلْب والرُّكُوبِ. وحكى أَبو زيدٍ: ناقةٌ رَكَبُوتٌ، وطريقٌ رَكوبٌ: مَرْكُوبٌ مُذَلَّل، والجمع رُكُبٌ، وعَوْدٌ رَكُوبٌ كذلك. وبعير رَكُوبٌ: به آثار الدَّبَر والقَتَب.
وفي حديث أَبي هريرة، رضي اللّه عنه: فإِذا عُمَرُ قد رَكِـبني أَي تَبعَني وجاءَ على أَثَري، لأَنَّ الراكبَ يَسير بسير الـمَرْكُوبِ؛ يقال: ركِـبتُ أَثَره وطريقَه إِذا تَبِعْتَه مُلْتَحِقاً به.
والرَّاكِبُ والراكِـبةُ: فَسيلةٌ تكونُ في أَعلى النخلة متَدَلِّـيةً لا تَبْلُغُ الأَرض. وفي الصحاح: الرَّاكِبُ ما يَنْبُتُ من الفَسِـيلِ في جُذوعِ النخلِ، وليس له في الأَرضِ عِرْقٌ، وهي الراكوبةُ والراكوبُ،
ولا يقال لها الركَّابةُ، إِنما الركَّابة المرأَة الكثيرةُ الركوب، على ما تقدّم، هذا قول بعض اللُّغَويِّـين. وقال أَبو حنيفة: الرَّكَّابة
الفَسِـيلةُ، وقيل: شبْهُ فَسِـيلةٍ تَخْرُجُ في أَعْلَى النَّخْلَةِ عند قِمَّتِها، ورُبَّـما حَمَلَتْ مع أُمـِّها، وإِذا قُلِعَت كان أَفضل للأُمِّ، فأَثْـبَتَ ما نَفى غيرُه من الرَّكَّابة، وقال أَبو عبيد: سمعت الأَصمعي يقول: إِذا كانتِ الفَسِـيلة في الجِذْعِ ولم تكن مُسْتَـأْرِضةً، فهي من خَسِـيسِ النَّخْلِ، والعرب تُسَمِّيها الرَّاكِبَ؛ وقيل فيها الراكوبُ، وجَمْعُها الرَّواكِـيبُ. والرِّياحُ رِكابُ السَّحابِ في قولِ أُمَـيَّة:
تَرَدَّدُ، والرِّياحُ لها رِكابُ
وَتَراكَبَ السَّحابُ وتَراكَم: صار بعضُه فَوْقَ بعض. وفي النوادِرِ: يقال رَكِـيبٌ من نَخْلٍ، وهو ما غُرِسَ سَطْراً على جَدْوَلٍ، أَو غيرِ جَدْوَلٍ.
ورَكَّبَ الشيءَ: وَضَعَ بَعضَه على بعضٍ، وقد تَرَكَّبَ وتَراكَبَ.
والـمُتراكِبُ من القافِـيَةِ: كلُّ قافِـيةٍ توالت فيها ثلاثة أَحْرُفٍ
متحركةٍ بين ساكنَين، وهي مُفاعَلَتُن ومُفْتَعِلُن وفَعِلُنْ لأَنَّ في
فَعِلُنْ نوناً ساكنةً، وآخر الحرف الذي قبل فَعِلُنْ نون ساكنة، وفَعِلْ إِذا كان يَعْتَمِدُ على حَرْفٍ مُتَحَرِّك نحو فَعُولُ فَعِلْ، اللامُ
الأَخيرة ساكنة، والواوُ في فَعُولُ ساكنة.
والرَّكِـيبُ: يكون اسماً للـمُرَكَّبِ في الشيءِ، كالفَصِّ يُرَكَّب في
(يتبع...)
(تابع... 1): ركب: رَكِبَ الدابَّة يَرْكَبُ رُكُوباً: عَلا عليها، والاسم الرِّكْبة،... ...
كِفَّةِ الخاتَمِ، لأَن الـمُفَعَّل والـمُفْعَل كلٌّ يُرَدُّ إِلى فَعِـيلٍ. وثَوْبٌ مُجَدَّدٌ جَديدٌ، ورجل مُطْلَق طَلِـيقٌ، وشيءٌ حَسَنُ التَّرْكِـيبِ. وتقولُ في تَركِـيبِ الفَصِّ في الخاتَمِ، والنَّصْلِ في السَّهْم: رَكَّبْتُه فَترَكَّبَ، فهو مُرَكَّبٌ ورَكِـيبٌ.
والـمُرَكَّبُ أَيضاً: الأَصلُ والـمَنْبِتُ؛ تقول
فلانٌ كرِيمُ الـمُرَكَّبِ أَي كرِيمُ أَصلِ مَنْصِـبِه في قَوْمِهِ.
ورُكْبانُ السُّنْبُل: سوابِقُه التي تَخْرُجُ من القُنْبُعِ في أَوَّلِه. يقال: قد خرجت في الـحَبّ رُكْبانُ السُّنْبُل.
وروَاكِبُ الشَّحْمِ: طَرائِقُ بعضُها فوقَ بعضٍ، في مُقدّمِ السَّنامِ؛ فأَمـَّا التي في الـمُؤَخَّرِ فهي الرَّوادِفُ، واحِدَتُها رَاكِـبةٌ ورادِفةٌ.
والرُّكْبَتانِ: مَوْصِلُ ما بينَ أَسافِلِ أَطْرافِ الفَخِذَيْنِ وأَعالي الساقَيْنِ؛ وقيل: الرُّكْبةُ موصِلُ الوظِـيفِ والذِّراعِ، ورُكبةُ
البعيرِ في يدِهِ. وقد يقال لذواتِ الأَربعِ كُلها من الدَّوابِّ:
رُكَبٌ. ورُكْبَتا يَدَيِ البعير: الـمَفْصِلانِ اللَّذانِ يَليانِ البَطْنَ إِذا بَرَكَ، وأَما الـمَفْصِلانِ الناتِئَانِ من خَلْفُ فهما العُرْقُوبانِ. وكُلُّ ذي أَربعٍ، رُكْبَتاه في يَدَيْهِ، وعُرْقُوباهُ في رِجْلَيه، والعُرْقُوبُ: مَوْصِلُ الوظِـيفِ. وقيل: الرُّكْبةُ مَرْفِقُ الذِّراعِ من كلِّ شيءٍ.
وحكى اللحياني: بعيرٌ مُسْـتَوْقِـحُ الرُّكَبِ؛ كأَنه جعلَ كُلَّ
جُزْءٍ منها رُكْبةً ثم جَمَع على هذا، والجمعُ في القِلَّة: رُكْباتٌ،
ورُكَبات، ورُكُباتٌ، والكثير رُكَبٌ، وكذلك جَمْعُ كلِّ ما كان على فُعْلَةٍ، إِلا في بناتِ الياءِ فإِنهم لا يُحَرِّكونَ مَوْضِـعَ العينِ منه بالضم، وكذلك في الـمُضاعَفة.
والأَرْكَبُ: العظِـيمُ الرُّكْبة، وقد رَكِبَ رَكَباً. وبعيرٌ أَرْكَبُ
إِذا كانت إِحدى رُكْبَتَيْهِ أَعظمَ من الأُخرى.
والرَّكَب: بياضٌ في الرُّكْبةِ.
ورُكِبَ الرجلُ: شَكَا رُكْبته.
ورَكَبَ الرجلُ يَرْكُبُه رَكْباً، مثالُ كَتَب يَكْتُبُ كَتْباً: ضَرَبَ رُكْبَته؛ وقيل: هو إِذا ضَرَبَه برُكْبتِه؛ وقيل: هو إِذا أَخذ بفَوْدَيْ شَعَرِه أَو بشعرِه، ثم ضَرَبَ جَبْهَتَه برُكْبتِه؛ وفي حديث الـمُغِيرة مع الصديق، رضي اللّه عنهما، ثم رَكَبْتُ أَنفه برُكْبَتِـي، هو من ذلك. وفي حديث ابن سيرين: أَما تَعْرِفُ الأَزدَ ورُكَبَها؟ اتَّقِ الأَزدَ، لا يأْخُذوكَ فيركُـبُوكَ أَي يَضربُوك برُكَبِـهِم، وكان هذا معروفاً في الأَزد.
وفي الحديث: أَن الـمُهَلَّب بن أَبي صُفْرَةَ دَعا بمُعاويةَ بن أَبي
عَمْرو، فجَعَلَ يَرْكُـبُه بِرِجْلِه، فقال: أَصلحَ اللّهُ الأَمِـير، أَعْفِني من أُمّ كَيْسانَ، وهي كُنْيةُ الرُّكْبة، بلغة الأَزد.
ويقال للمصلِّي الذي أَثـَّر السُّجودُ في جَبْهَتِه بين عَيْنَيْه: مثلُ رُكْبةِ العَنزِ؛ ويقال لكلِّ شَيْئَيْنِ يَسْتَوِيانِ ويَتكافآنِ: هُما كَرُكْبَتَي العنزِ، وذلك أَنهما يَقَعانِ معاً إِلى الأَرض منها إِذا رَبَضَتْ.
والرَّكِـيبُ: الـمَشارةُ؛ وقيل: الجَدولُ بين الدَّبْرَتَيْنِ؛ وقيل: هي ما بين الحائطينِ من الكَرْمِ والنَّخْل؛ وقيل: هي ما بين النَّهْرَين من الكرمِ، وهو الظَّهْرُ الذي بين النَّهْرَيْنِ؛ وقيل: هي الـمَزرعة.
التهذيب: وقد يقال للقَراحِ الذي يُزْرَعُ فيه: رَكِـيبٌ؛ ومنه قول
تأَبـَّطَ شَرّاً:
فيَوْماً على أَهْلِ الـمَواشِـي، وتارةً * لأَهْلِ رَكِـيبٍ ذي ثَمِـيلٍ، وسُنْبُلِ
الثَّمِـيلُ: بَقِـيَّةُ ماءٍ تَبْقَى بعد نُضُوبِ المياهِ؛ قال: وأَهل الرَّكِـيبِ هُم الـحُضَّار، والجمعُ رُكُبٌ.
والرَّكَبُ، بالتحريك: العانة؛ وقيل: مَنْبِتُها؛ وقيل: هو ما انحدرَ عن البطنِ، فكان تحتَ الثُّنَّةِ،
وفوقَ الفَرْجِ، كلُّ ذلك مذكَّرٌ صرَّح به اللحياني؛ وقيل الرَّكَبانِ: أَصْلا الفَخِذَيْنِ، اللذانِ عليهما لحم الفرج من الرجُل والمرأَة؛ وقيل: الرَّكَبُ ظاهرُ الفَرْج؛ وقيل: هو الفَرْج نَفْسُه؛ قال:
غَمْزَكَ بالكَبْساءِ، ذاتِ الـحُوقِ، * بينَ سِماطَيْ رَكَبٍ مَحْلوقِ
والجمع أَرْكابٌ وأَراكِـيبُ؛ أَنشد اللحياني:
يا لَيْتَ شِعْري عَنْكِ، يا غَلابِ، * تَحمِلُ مَعْها أَحْسَنَ الأَركابِ
أَصْفَرَ قد خُلِّقَ بالـمَلابِ، * كجَبْهةِ التُّركيِّ في الجِلْبابِ
قال الخليل: هو للمرأَةِ خاصَّةً. وقال الفراءُ: هو للرجُلِ والمرأَة؛
وأَنشد الفراءُ:
لا يُقْنِـعُ الجاريةَ الخِضابُ، * ولا الوِشَاحانِ، ولا الجِلْبابُ
من دُونِ أَنْ تَلْتَقِـيَ الأَرْكابُ، * ويَقْعُدَ الأَيْرُ له لُعابُ
التهذيب: ولا يقال رَكَبٌ للرجُلِ؛ وقيل: يجوز أَن يقال رَكَبٌ للرجُلِ.
والرَّاكِبُ: رأْسُ الجَبلِ. والراكبُ: النخلُ الصِّغارُ تخرُج في
أُصُولِ النخلِ الكِبارِ.
والرُّكْبةُ: أَصلُ الصِّلِّيانةِ إِذا قُطِعَتْ ورَكُوبةٌ ورَكُوبٌ جَميعاً: ثَنِـيَّةٌ معروفة صَعْبة سَلَكَها النبـيُّ، صلى اللّه عليه وسلم؛ قال:
ولكنَّ كَرّاً، في رَكُوبةَ، أَعْسَرُ
وقال علقمة:
فإِنَّ الـمُنَدَّى رِحْلةٌ فرَكُوبُ
رِحْلةُ: هَضْبةٌ أَيضاً؛ ورواية سيبويه: رِحْلةٌ فرُكُوبُ أَي أَن
تُرْحَلَ ثم تُرْكَبَ. ورَكُوبة: ثَنِـيَّةٌ بين مكة والمدينة، عند العَرْجِ،
سَلَكَها النبـيُّ، صلى اللّه عليه وسلم، في مُهاجَرَتِه إِلى المدينة.
وفي حديث عمر: لَبَيْتٌ برُكْبَةَ أَحبُّ إِليَّ من عَشرةِ أَبياتٍ
بالشامِ؛ رُكْبة: موضعٌ بالـحِجازِ بينَ غَمْرَةَ وذاتِ عِرْقٍ. قال مالك بن أَنس: يريدُ لطُولِ الأَعْمارِ والبَقاءِ، ولشِدَّةِ الوَباءِ بالشام.
ومَرْكُوبٌ: موضعٌ؛ قالت جَنُوبُ، أُختُ عَمْروٍ ذِي الكَلْبِ:
أَبْلِغْ بَني كاهِلٍ عَني مُغَلْغَلَةً، * والقَوْمُ مِنْ دونِهِمْ سَعْيا فمَرْكُوبُ
جوق: الجَوْقُ
(* قوله «الجوق» كذا بالأصل. والذي في نسخ الجوهري
بأيدينا: الجوقة الجماعة من الناس). كل خَلِيطٍ من الرِّعاء أَمرهم واحد. وقال
الليث: الجَوْقُ كل قطيعٍ من الرُّعاةِ أَمرهم واحد. الجوهري: الجوق
القَطيعُ من الرِّعاء، والجوْقُ أَيضاً: الجماعة من الناس؛ قال ابن سيده:
وأَحسَبه دخِيلاً.
والأَجْوَقُ: الغليظ العُنق. الجوهري: الجَوَقُ مَيَلٌ في الوجه. ابن
الأَعرابي: يقال في وجهه شَدَفٌ وجَوَقٌ أَي مَيَلٌ، وقد جَوِقَ يَجْوَقُ،
فهو أَجْوَقُ وجَوِقٌ. ويقال: عدوٌّ أَجْوَقُ الفكِّ أَي مائلُ الشقِّ،
وجمعه جُوقةٌ.
نغم: النَّغْمةُ: جَرْسُ الكلمة وحُسْن الصوت في القراءة وغيرها، وهو
حسَنُ النَّغْمةِ، والجمع نَغْمٌ؛ قال ساعدة بن جُؤَيَة:
وَلو انَّها ضَحِكت فتُسمِعَ نَغْمَها
رَعِشَ المَفاصِلِ، صُلْبُه مُتَحنِّبُ
وكذلك نَغَمٌ. قال ابن سيده: هذا قول اللغويين، قال: وعندي أَن النَّغَم
اسمٌ للجمع كما حكاه سيبويه من أَن حَلَقاً وفَلَكاً اسمٌ لجمع حَلْقةٍ
وفَلْكةٍ لا جمعٌ لهما، وقد يكون نَغَمٌ متحركاً من نَغْمٍ. وقد تنَغَّم
بالغِناء ونحوه. وإنه لَيَتَنَغَّم بشيء ويتَنسَّمُ بشيء ويَنسِمُ بشيء
أي يتكلم به. والنَّغَم: الكلام الخفيّ. والنَّغْمةُ: الكلام الحسن، وقيل:
هو الكلام الخفيّ، نَغَم يَنْغَم ويَنْغِم؛ قال: وأُرى الضمةَ لغةً،
نَغْماً. وسكت فلان فما نَغَم بحرف وما تنَغَّم مثله، وما نَغَم بكلمة.
ونغَم في الشراب: شَرب منه قليلاً كنَغَب؛ حكاه أَبو حنيفة، وقد يكون بدلاً.
والنُّغْمةُ: كالنُّغْبة؛ عنه أيضاً.
وصل: وَصَلْت الشيء وَصْلاً وَصِلةً، والوَصْلُ ضِدُّ الهِجْران. ابن
سيده: الوَصْل خلاف الفَصْل. وَصَل الشيء بالشيء يَصِلُه وَصْلاً وَصِلةً
وصُلَةً؛ الأَخيرة عن ابن جني، قال: لا أَدري أَمُطَّرِدٌ هو أَم غير
مطَّرد، قال: وأَظنه مُطَّرِداً كأَنهم يجعلون الضمة مُشْعِرة بأَن المحذوف
إِنما هي الفاء التي هي الواو، وقال أَبو علي: الضمَّة في الصُّلَة ضمة
الواو المحذوفة من الوُصْلة، والحذف والنقل في الضمة شاذ كشذوذ حذف الواو
في يَجُدُ، ووَصَّلَهُ كلاهما: لأَمَهُ. وفي التنزيل العزيز: ولقد
وَصَّلْنا لَهُمُ القَوْلَ، أَي وَصَّلْنا ذِكْرَ الأَنْبياء وأَقاصِيصَ من
مَضَى بعضها ببعض، لعلهم يَعْتَبرون.
واتَّصَلَ الشيءُ بالشيء: لم ينقطع؛ وقوله أَنشده ابن جني:
قامَ بها يُنْشِدُ كلّ مُنْشِدِ،
وايتَصَلَتْ بمِثْلِ ضَوْءِ الفَرْقَدِ
إِنما أَراد اتَّصَلَتْ، فأَبدل من التاء الأُولى ياء كراهة للتشديد؛
وقوله أَنشده ابن الأَعرابي:
سُحَيْراً، وأَعْناقُ المَطِيِّ كأَنَّها
مَدافِعُ ثِغْبانٍ أَضَرَّ بها الوصْلُ
معناه: أَضَرَّ بها فِقْدان الوَصْل، وذلك أَن ينقطِع الثَّغَب فلا
يَجْري ولا يَتَّصِل، والثَّغَبُ: مَسِيلٌ دَقيقٌ، شَبَّه الإِبِل في مَدِّها
أَعناقها إِذا جَهَدَها السير بالثَّغَب الذي يَخُدُّه السَّيْلُ في
الوادي. ووَصَلَ الشيءُ إِلى الشيء وُصُولاً وتَوَصَّل إِليه: انتهى إِليه
وبَلَغه؛ قال أَبو ذؤيب:
تَوَصَلُ بالرُّكْبان حيناً، وتُؤْلِفُ الـ
ـجِوارَ، ويُغْشِيها الأَمانَ رِبابُها
ووَصَّله إِليه وأَوْصَله: أَنهاهُ إِليه وأَبْلَغَهُ إِياه. وفي حديث
النعمان بن
مُقَرِّن: أَنه لما حمَل على العدُوِّ ما وَصَلْنا كَتِفَيْه حتى ضرَب
في القوم أَي لم نَتَّصِل به ولم نَقْرُب منه حتى حمَل عليهم من
السُّرْعة. وفي الحديث: رأَيت سَبَباً واصِلاً من السماء إِلى الأَرض أَي
مَوْصولاً، فاعل بمعنى مفعول كماءٍ دافِقٍ؛ قال ابن الأَثير: كذا شرح، قال: ولو
جعل على بابه لم يَبْعُد. وفي حديث عليّ، عليه السلام: صِلوا السيوفَ
بالخُطى والرِّماحَ بالنَّبْل؛ قال ابن الأَثير: أَي إِذا قَصُرت السيوف عن
الضَّريبة فتقدَّموا تَلْحَقوا وإِذا لم تَلحَقْهم الرماحُ فارْمُوهم
بالنَّبْل؛ قال: ومن أَحسن وأَبلغ ما قيل في هذا المعنى قول زهير:
يَطعَنُهُمْ ما ارْتَمَوْا، حتى إِذا طَعَنُوا
ضارَبَهُمْ، فإِذا ما ضارَبُوا اعْتَنَقا
وفي الحديث: كان اسمُ نَبْلِه، عليه السلام، المُوتَصِلة؛ سميت بها
تفاؤلاً بوُصولها إِلى العدوِّ، والمُوتَصِلة لغة قريش فإِنها لا تُدْغم هذه
الواو وأَشباهها في التاء، فتقول مُوتَصِل ومُوتَفِق ومُوتَعِد ونحو ذلك،
وغيرهم يُدْغم فيقول مُتَّصِل ومُتَّفِق ومُتَّعِد.
وأَوْصَله غيرُه ووَصَلَ: بمعنى اتَّصَل أَي دَعا دعْوى الجاهلية، وهو
أَن يقول: يالَ فلان وفي التنزيل العزيز: إِلاَّ الذين يَصِلون إِلى قوم
بينكم وبينهم ميثاقٌ؛ أَي يَتَّصِلون؛ المعنى اقتُلوهم ولا تَتَّخِذوا
منهم أَولياء إِلاَّ مَنِ اتَّصَل بقوم بينكم وبينهم مِيثاق واعْتَزَوْا
إِليهم. واتَّصَلَ الرجلُ: انتسَب وهو من ذلك؛ قال الأَعشى:
إِذا اتَّصَلَتْ قالتْ لِبَكْرِ بنِ وائِلٍ،
وبَكْرٌ سَبَتْها، والأُنُوفُ رَواغِمُ
(* قوله «قالت لبكر» في المحكم والتهذيب: قالت أَبكر إلخ).
أَي إِذا انتَسَبَتْ. وقال ابن الأَعرابي في قوله: إِلا الذين يَصِلون
إِلى قوم؛ أَي يَنتَسِبون. قال الأَزهري: والاتِّصال أَيضاً الاعْتزاءُ
المنهيّ عنه إِذا قال يالَ بني فلان ابن السكيت: الاتِّصال أَن يقول يا
لَفُلان، والاعتزاءُ أَن يقول أَنا ابنُ فلان. وقال أَبو عمرو: الاتصالُ
دُعاء الرجل رَهْطه دِنْياً، والاعْتزاءُ عند شيء يعجبُه فيقول أَنا ابن
فلان. وفي الحديث: مَنِ اتَّصَلَ فأَعِضُّوه أَي مَنِ ادَّعى دَعْوى
الجاهلية، وهي قولهم يالَ فلان، فأَعِضُّوه أَي قولوا له اعْضَضْ أَيْرَ أَبيك.
يقال: وَصَل إِليه واتَّصَل إِذا انتَمى. وفي حديث أُبَيٍّ: أَنه
أَعَضَّ إِنساناً اتَّصَل.
والواصِلة من النساء: التي تَصِل شعَرَها بشعَر غيرها، والمُسْتَوْصِلة:
الطالِبة لذلك وهي التي يُفْعَل بها ذلك. وفي الحديث: أَن النبي، صلى
الله عليه وسلم، لعَنَ الواصِلةَ والمُسْتَوْصِلة؛ قال أَبو عبيد: هذا في
الشعَر وذلك أَن تَصِل المرأَة شعَرها بشَعَرٍ آخر زُوراً. وروي في حديث
آخر: أَيُّما امرأَةٍ وَصَلت شعَرها بشعر آخر كان زُوراً، قال: وقد
رَخَّصَت الفقهاء في القَرامِل وكلِّ شيء وُصِل به الشعر، وما لم يكن الوَصْل
(* قوله «وما لم يكن الوصل» أي الموصول به شعراً إلخ) شعراً فلا بأْس به.
وروي عن عائشة أَنها قالت: ليست الواصِلةُ بالتي تَعْنون، ولا بأْسَ أَنْ
تَعْرَى المرأَةُ عن الشعَر فتَصُِل قَرْناً من قرُونها بصُوفٍ أَسوَد،
وإِنما الواصِلة التي تكون بغيّاً في شَبيبَتِها، فإِذا أَسَنَّتْ
وصَلَتْها بالقِيادة؛ قال ابن الأَثير: قال أَحمد بن حنبل لمَّا ذُكِر ذلك له:
ما سمعت بأَعْجَب من ذلك. ووَصَله وَصْلاً وصِلة وواصَلَهُ مُواصَلةً
ووِصالاً كلاهما يكون في عَفاف الحبّ ودَعارَتِه، وكذلك وَصَل حَبْله
وَصْلاً وصِلةً؛ قال أَبو ذؤيب:
فإِن وَصَلَتْ حَبْلَ الصَّفاء فَدُمْ لها،
وإِن صَرَمَتْه فانْصَرِف عن تَجامُل
وواصَلَ حَبْله: كوَصَله. والوُصْلة: الاتِّصال. والوُصْلة: ما اتَّصل
بالشيء. قال الليث: كلُّ شيء اتَّصَل بشيء فما بينهما وُصْلة، والجمع
وُصَل. ويقال: وَصَل فلان رَحِمَه يَصِلها صِلةً. وبينهما وُصْلة أَي اتِّصال
وذَرِيعة. ووَصَل كتابُه إِليّ وبِرُّه يَصِل وُصولاً، وهذا غير واقع.
ووَصَّله تَوْصيلاً إِذا أَكثر من الوَصْل، وواصَله مُواصَلةً ووِصالاً،
ومنه المُواصَلةُ بالصوم وغيره. وواصَلْت الصِّيام وِصالاً إِذا لم
تُفْطِر أَياماً تِباعاً؛ وقد نهى النبي، صلى الله عليه وسلم، عن الوِصال في
الصوم وهو أَن لا يُفْطِر يومين أَو أَياماً، وفيه النهي عن المُواصَلة في
الصَّلاة، وقال: إِنَّ امْرَأً واصَلَ في الصلاة خرج منها صِفْراً؛ قال
عبد الله بن أَحمد بن حنبل: ما كُنَّا نَدْري ما المُواصَلة في الصلاة حتى
قَدِم علينا الشافعيُّ، فمضى إِليه أَبي فسأَله عن أَشياء وكان فيما
سأَله عن المُواصَلة في الصلاة، فقال الشافعي: هي في مواضع: منها أَن يقول
الإِمامُ ولا الضّالِّين فيقول مَن خلفه آمين معاً أَي يقولها بعد أَن
يسكُت الإِمام، ومنها أَن يَصِل القراءة بالتكبير، ومنها السلامُ عليكم
ورحمةُ الله فيَصِلها بالتسليمة الثانية، الأُولى فرض والثانية سُنَّة فلا
يُجْمَع بينهما، ومنها إِذا كبَّر الإِمام فلا يُكَبِّر معه حتى يسبقه ولو
بواو. وتَوَصَّلْت إِلى فلان بوُصْلة وسبب توَصُّلاً إِذا تسبَّبت إِليه
بحُرْمة. وتوصَّل إِليه أَي تلطَّف في الوُصول إِليه. وفي حديث عُتْبة
والمقدام: أَنهما كانا أَسْلَما فَتَوَصَّلا بالمشركين حتى خَرجا إِلى
عُبيدة بن الحرث أَي أَرَياهم أَنهما مَعَهم حتى خرجا إِلى المسلمين،
وتوصَّلا بمعنى توسَّلا وتقرَّبا.
والوَصْل: ضد الهجران. والتَّواصُل: ضد التَّصارُم. وفي الحديث: مَن
أَراد أَن يَطول عُمْره فَلْيَصِلْ رَحِمَه، تكرّر في الحديث ذكر صِلة
الرَّحِم؛ قال ابن الأَثير: وهي كِناية عن الإِحسان إِلى الأَقرَبين من ذوي
النسَب والأَصْهار والعَطف عليهم والرِّفْق بهم والرِّعاية لأَحْوالهم،
وكذلك إِن بَعُدُوا أَو أَساؤوا، وقَطْع الرَّحِم ضدُّ ذلك كلِّه. يقال:
وَصَل رَحِمَه يَصِلُها وَصْلاً وصِلةً، والهاء فيها عِوَض من الواو
المحذوفة فكأَنه بالإِحسان إِليهم قد وَصَل ما بينه وبينهم من عَلاقة القَرابة
والصِّهْر. وفي حديث جابرٍ: إِنه اشترى مِنِّي بَعيراً وأَعطاني وَصْلاً
من ذهَب أَي صِلةً وهِبةً، كأَنه ما يَتَّصِل به أَو يَتَوَصَّل في
مَعاشه. ووَصَله إِذا أَعطاه مالاً. والصِّلة: الجائزة والعطيَّة. والوَصْل:
وَصْل الثوب والخُفّ. ويقال: هذا وَصْل هذا أَي مثله.
والمَوْصِل: ما يُوصَل من الحبل. ابن سيده: والمَوْصِل مَعْقِد الحبْل
في الحَبْل.
ويقال للرجُلين يُذكران بِفِعال وقد مات أَحدهما: فَعَل كذا ولا يُوصَل
حَيٌّ بميت، وليس له بِوَصِيل أَي لا يَتْبَعُه؛ قال الغَنَوِي:
كمَلْقَى عِقالٍ أَو كمَهْلِك سالِمٍ،
ولسْتَ لِمَيْتٍ هالك بِوَصِيلِ
ويروى:
وليس لِحَيٍّ هالِك بِوَصِيل
وهو معنى قول المتنَخِّل الهذلي:
ليسَ لِمَيْتٍ بِوَصِيلٍ، وقد
عُلِّقَ فيه طَرَفُ المَوْصِلِ
دُعاء لرجل أَي لا وُصِل هذا الحيّ بهذا المَيت أَي لا ماتَ معه ولا
وُصِل بالميت، ثم قال: وقد عُلِّقَ فيه طَرَفٌ من الموت أَي سيَمُوت
ويَتَّصِل به، قال: هذا قول ابن السكيت، قال ابن سيده: والمعنى فيه عندي على غير
الدُّعاء إِنما يُريد: ليس هو ما دام حَيًّا بِوَصِيلٍ للميت على أَنه
قد عُلِّق فيه طَرَف المَوْصِل أَي أَنه سيَمُوت لا محالة فيَتَّصِل به
وإِن كان الآن حَيًّا، وقال الباهلي: يقول بان الميت فلا يُواصِله الحيُّ،
وقد عُلِّق في الحي السَّبَب الذي يُوَصِّله إِلى ما وَصَل إِليه الميت؛
وأَنشد ابن الأَعرابي:
إِنْ وَصَلْت الكِتابَ صِرْتَ إِلى اللهِ،
ومَن يُلْفَ واصِلاً فهو مُودِي قال أَبو العباس: يعني لَوْح المَقابر
يُنْقر ويُتْرَك فيه موضع للميت
(* قوله «موضع للميت» لعله موضع لاسم
الميت) بَياضاً، فإِذا مات الإِنسانُ وُصِل ذلك الموضع باسمه.
والأَوْصال: المَفاصِل. وفي صِفته، صلى الله عليه وسلم: أَنه كان فَعْمَ
الأَوْصالِ أَي ممْتَلئَ الأَعضاء، الواحدُ وِصْل.
والمَوْصِل: المَفْصِل. ومَوْصِل البعير: ما بين العَجُز والفَخِذ؛ قال
أَبو النجم:
ترى يَبِيسَ الماءِ دون المَوْصِلِ
منه بِعجْزٍ، كصَفاةِ الجَيْحَلِ
الجَيْحَل: الصُّلْب الضَّخْم. والوِصْلانِ: العَجُز والفَخِذ، وقيل:
طَبَق الظهر. والوِصْل والوُصْل: كلُّ عظم على حِدَة لا يكسَر ولا يُخْلط
بغيره ولا يُوصَل به غيره، وهو الكَِسْرُ والجَِدْلُ، بالدال، والجمع
أَوْصال وجُدُول، وقيل: الأَوْصال مجتَمَع العظام، وكلّه من الوَصْل.
ويقال: هذا رجل وَصِيلُ هذا أَي مثله. والوَصِيل: بُرود اليمن، الواحدة
وَصِيلة. وفي الحديث: أَن أَوَّل من كَسَا الكعبة كسْوةً كامِلةً
تُبَّعٌ، كَسَاها الأَنْطاعَ ثم كساها الوَصائل أَي حِبَر اليَمَن. وفي حديث
عمرو: قال لمعاوية ما زلت أَرُمُّ أَمْرَك بِوَذائله وأَصِلُهُ بوَصائله؛
القتيبي: الوَصائل ثياب يمانية، وقيل: ثياب حُمْرُ مُخَطَّطة يمانية،
ضَرَبَ هذا مثلاً لإِحكامه إِياه، ويجوز أَن يكون أَراد بالوَصائل الصِّلاب،
والوَذِيلة قطعة من الفضة، ويقال للمِرآة الوَذيلةُ والعِنَاسُ
والمَذِيَّةُ؛ قال ابن الأَثير: أَراد بالوَصائل ما يُوصَل به الشيء، يقول: ما
زِلْت أُدَبِّر أَمْرك بما يَجِب أَن يُوصَل به من الأُمور التي لا غِنَى به
عنها، أَو أَراد أَنه زَيَّن أَمْرَه وحَسَّنه كأَنه أَلْبَسَه الوَصائل.
وقوله عز وجل: ما جَعَل اللهُ من بَحِيرةٍ ولا سائبةٍ ولا وَصِيلةٍ؛ قال
المفسرون: الوَصِيلةُ كانت في الشاء خاصة، كانت الشاة إِذا وَلَدَتْ
أُنثى فهي لهم، وإِذا وَلَدَتْ ذكَراً جعلوه لآلهتهم، فإِذا وَلَدَتْ ذكَراً
وأُنثى قالوا وَصَلَتْ أَخاها فلم يَذْبَحوا الذكَر لآلهتهم. والوَصِيلة
التي كانت في الجاهلية: الناقةُ التي وَصَلَتْ بين عشرة أَبْطُن وهي من
الشاء التي وَلَدَتْ سبعة أَبْطُن عَناقَيْن عَناقَيْن، فإِن وَلَدَت في
السابع عَناقاً قيل وَصَلتْ أَخاها فلا يشرَب لَبَنَ الأُمِّ إِلاَّ
الرِّجال دون النساء وتَجْري مَجْرَى السائبة. وقال أَبو عرفة وغيره:
الوَصِيلة من الغنم كانوا إِذا وَلَدَتِ الشاةُ ستة أَبْطُن نَظَرُوا، فإِن كان
السابعُ ذكَراً ذُبِحَ وأَكَل منه الرجال والنساء، وإِن كانت أُنثى
تُرِكتْ في الغنم، وإِن كانت أُنثى وذكَراً قالوا وَصَلتْ أَخاها فلم يُذْبَح
وكان لَحْمُها
(* قوله «وكان لحمها» في نسخة لبنها) حَراماً على النساء؛
وفي الصحاح: الوَصِيلةُ التي كانت في الجاهلية هي الشاة تَلِدُ سبعة
أَبْطُن عَناقَيْن عَناقَيْن، فإِن وَلَدَتْ في الثامنة جَدْياً وعَناقاً
قالوا وَصَلَتْ أَخاها، فلا يذبَحُون أَخاها من أَجلها ولا يشرَب لبَنها
النساء وكان للرجال، وجرَتْ مَجْرَى السائبة. وروي عن الشافعي قال:
الوَصِيلة الشاة تُنْتَجُ الأَبْطُن، فإِذا وَلَدَتْ آخَرَ بعد الأَبْطُن التي
وَقَّتوا لها قيل وَصَلتْ أَخاها، وزاد بعضهم: تُنْتَجُ الأَبْطُن الخمسة
عَناقَيْن عَناقَيْن في بَطْن فيقال: هذه وُصْلةٌ تَصِلُ كلَّ ذي بطن
بأَخٍ له معه، وزاد بعضهم فقال: قد يَصِلونها في ثلاثة أَبْطُن ويُوصِلونها
في خمسة وفي سبعة. والوَصِيلةُ: الأَرض الواسعة البعيدة كأَنها وُصِلَتْ
بأُخْرى، ويقال: قطعنا وَصِيلة بعيدة. وروي عن ابن مسعود أَنه قال: إِذا
كنت في الوَصِيلة فأَعْطِ راحِلتَكَ حَظَّها، قال: لم يُرِد بالوَصِيلة
ههنا الأَرض البعيدة ولكنه أَراد أَرضاً مُكْلِئة تَتَّصل بأُخرى ذاتِ
كَلأٍ؛ قال: وفي الأُولى يقول لبيد:
ولقد قَطَعْت وَصِيلةً مَجْرُودةً،
يَبْكي الصَّدَى فيها لِشَجْوِ البُومِ
والوَصِيلة: العِمَارة والخِصْب، سمِّيت بذلك
(* قوله «سميت بذلك إلخ»
عبارة المحكم: سميت بذلك لاتصالها واتصال الناس فيها، والوصائل ثياب
يمانية مخططة بيض وحمر على التشبيه بذلك، واحدتها وصيلة) واحدتها
وَصِيلة.وحَرْفُ الوَصْل: هو الذي بعد الرَّوِيِّ، وهو على ضربين: أَحدهما ما
كان بعده خروج كقوله:
عفَتِ الدِّيارُ مَحَلُّها فَمُقامُها
والثاني أَن لا يكون بعده خروجٌ كقوله:
أَلا طالَ هذا الليلُ وازْوَرَّ جانِبُهْ،
وأَرَّقَني أَن لا حَليلٌ أُلاعِبُهْ
قال الأَخفش: يلزم بعد الرَّوِيِّ الوَصْل ولا يكون إِلا ياءً أَو واواً
أَو أَلِفاً كل واحدة منهنّ ساكنة في الشعر المُطْلَق، قال: ويكون
الوَصْل أَيضاً هاءً الإِضْمار وذلك هاءُ التأْنيث التي في حَمْزة ونحوها،
وهاءُ للمُذكَّر والمؤَنث متحرِّكة كانت أَو ساكنة نحو غُلامِه وغُلامِها،
والهاء التي تُبَيَّن بها الحركة نحو عَلَيَّهْ وعَمَّهْ واقْضِهِ
وادْعُهُ، يريد عَلَيَّ وعَمَّ واقضِ وادعُ، فأُدخلت الهاء لتُبَيَّن بها حركة
الحروف؛ قال ابن جني: فقول الأَخفش يلزم بعد الرَّوِيِّ الوَصْل، لا يريد
به أَنه لا بُدَّ مع كل رَويّ أَن يَتْبَعه الوَصْل، أَلا ترى أَن قول
العجاج:
قد جَبَر الدِّينَ الإِلَهُ فجَبَرْ
لا وَصْل معه؛ وأَن قول الآخر:
يا صاحِبَيَّ فَدَتْ نفْسي نُفوسَكما،
وحيْثُما كُنْتُما لاقَيْتُما رَشَدَا
إِنما فيه وَصْل لا غير، ولكن الأَخفش إِنما يريد أَنه مما يجوز أَن
يأْتي بعد الرَّوِيٍّ، فإِذا أَتَى لَزِم فلم يكن منه بُدٌّ، فأَجْمَل
القَوْلَ وهو يعتقد تفصِيله، وجمعه ابن جني على وُصُول، وقياسُه أَن لا
يُجْمَع. والصِّلةُ: كالوَصْل الذي هو الحرف الذي بعد الرَّوِيّ وقد وَصَل به.
وليلة الوَصْل: آخر ليلة من الشهر لاتِّصالها بالشهر الآخَرَ.
والمَوْصِل: أَرض بين العِراق والجزيرة؛ وفي التهذيب: ومَوْصِل كُورة
معروفة؛ وقول الشاعر:
وبَصْرَة الأَزْدِ مِنَّا، والعِراقُ لنا،
والمَوْصِلانِ، ومِنَّا المِصْرُ والحَرَمُ
يريد المَوْصِل والجزيرة.
والمَوْصولُ: دابَّة على شكل الدَّبْرِ أَسْوَد وأَحْمَر تَلْسَع
الناسَ. والمَوْصول من الدوابّ: الذي لم يَنْزُ على أُمِّه غيرُ أَبيه؛ عن ابن
الأَعرابي؛ وأَنشد:
هذا فَصِيلٌ ليس بالمَوْصولِ،
لكِنْ لِفَحْلٍ طرقة فَحِيلِ
ووَاصِل: اسم رجل، والجمع أَواصِل بقلْب الواو همزة كراهة اجتماع
الواوين. ومَوْصول: اسم رجل؛ أَنشد ابن الأَعرابي:
أَغَرَّكَ، يا مَوْصولُ، منها ثُمالةٌ،
وبَقْلٌ بأَكْنافِ الغَرِيفِ تُؤانُ؟
أَراد تُؤام فأَبدل.
واليَأْصُول: الأَصْلُ؛ قال أَبو وجزة:
يَهُزُّ رَوْقَيْ رِماليٍّ كأَنَّهما
عُودَا مَدَاوِسَ يَأْصولٌ ويأْصولُ
يريد أَصْلٌ وأَصْلٌ.
قرر: القُرُّ: البَرْدُ عامةً، بالضم، وقال بعضهم: القُرُّ في الشتاء
والبرد في الشتاء والصيف، يقال: هذا يومٌ ذو قُرٍّ أَي ذو بَرْدٍ.
والقِرَّةُ: ما أَصاب الإِنسانَ وغيره من القُرِّ. والقِرَّةُ أَيضاً:
البرد. يقال: أَشدُّ العطش حِرَّةٌ على قِرَّةٍ، وربما قالوا: أَجِدُ
حِرَّةً على قِرَّةٍ، ويقال أَيضاً: ذهبت قِرَّتُها أَي الوقتُ الذي يأْتي
فيه المرض، والهاء للعلة، ومَثَلُ العرب للذي يُظهر خلاف ما يُضْمِرُ:
حِرَّةٌ تحت قِرَّةٍ، وجعلوا الحارّ الشديدَ من قولهم اسْتَنحَرَّ القتلُ أَي
اشتدّ، وقالوا: أَسْخَنَ اللهُ عينه والقَرُّ: اليوم البارد. وكلُّ
باردٍ: قَرُّ.
ابن السكيت: القَرُورُ الماء البارد يغسل به. يقال: قد اقْتَرَرْتُ به
وهو البَرُودُ، وقرَّ يومنا، من القُرّ. وقُرَّ الرجلُ: أَصابه القُرُّ.
وأَقَرَّه اللهُ: من القُرِّ، فهو مَقْرُورٌ على غير قياس كأَنه بني على
قُرٍّ، ولا يقال قَرَّه. وأَقَرَّ القومُ: دخلوا في القُرِّ. ويوم مقرورٌ
وقَرٌّ وقارٌّ: بارد. وليلة قَرَّةٌ وقارَّةٌ أَي باردة؛ وقد قَرَّتْ
تَقَرّ وتَقِرُّ قَرًّا. وليلة ذاتُ قَرَّةٍ أَي ليلة ذات برد؛ وأَصابنا
قَرَّةٌ وقِرَّةٌ، وطعام قارٌّ.
وروي عن عمر أَنه قال لابن مسعود البدري: بلغني أَنك تُفْتي، وَلِّ
حارَّها من تَوَلَّى قارَّها؛ قال شمر: معناه وَلِّ شَرَّها من تَولَّى
خَيْرَها ووَلِّ شديدَتها من تولى هَيِّنَتها، جعل الحرّ كناية عن الشر،
والشدّةَ والبردَ كناية عن الخير والهَيْنِ. والقارُّ: فاعل من القُرِّ البرد؛
ومنه قول الحسن بن علي في جَلْدِ الوليد بن عُقْبة: وَلِّ حارَّها من
تولَّى قارَّها، وامتنعَ من جَلْدِه. ابن الأَعرابي: يوم قَرٌّ ولا أَقول
قارٌّ ولا أَقول يوم حَرٌّ. وقال: تَحَرَّقت الأَرضُ واليوم قَرٌّ. وقيل
لرجل: ما نَثَرَ أَسنانَك؟ فقال: أَكلُ الحارّ وشُرْبُ القارِّ. وفي حديث
أُم زَرْعٍ: لا حَرٌّ ولا قُرٌّ؛ القُرُّ: البَرْدُ، أَرادت أَنه لا ذو
حر ولا ذو برد فهو معتدل، أَرادت بالحر والبرد الكناية عن الأَذى، فالحرّ
عن قليله والبرد عن كثيره؛ ومنه حديث حُذَيفة في غزوة الخَنْدَق: فلما
أَخبرتُه خَبَرَ القوم وقَرَرْتُ قَرِرْتُ، أَي لما سكنتُ وجَدْتُ مَسَّ
البرد. وفي حديث عبد الملك بن عُمَيْر:لَقُرْصٌ بُرِّيٌّ بأَبْطَحَ
قُرِّيٍّ؛ قال ابن الأَثير: سئل شمر عن هذا فقال: لا أَعرفه إِلا أَن يكون من
القُرِّ البرد. وقال اللحياني: قَرَّ يومُنا يَقُرُّ، ويَقَرُّ لغة
قليلة.والقُرارة: ما بقي في القِدْرِ بعد الغَرْفِ منها. وقَرَّ القِدْرَ
يَقُرُّها قَرًّا: فَرَّغَ ما فيها من الطبيخ وصب فيها ماء بارداً كيلا
تحترق. والقَرَرَةُ والقُرَرَة والقَرارة والقِرارة والقُرورةُ، كلّه: اسم
ذلك الماء. وكلُّ ما لَزِقَ بأَسفل القِدْر من مَرَقٍ أَو حُطامِ تابِلٍ
محترق أَو سمن أَو غيره: قُرّة وقُرارة وقُرُرَة، بضم القاف والراء،
وقُرَرة، وتَقَرَّرَها واقْتَرَّها: أَخذها وائْتَدَمَ بها. يقال: قد
اقْتَرَّتِ القِدْرُ وقد قَرَرْتُها إِذا طبخت فيها حتى يَلْصَقَ بأَسفلها،
وأَقْرَرْتها إِذا نزعت ما فيها مما لَصِقَ بها؛ عن أَبي زيد.
والقَرُّ: صبُّ الماء دَفْعَة واحدة. وتَقَرَّرتِ الإِبلُ: صَبَّتْ
بولها على أَرجلها.
وتَقَرَّرَت: أَكلت اليَبِسَ فتَخَثَّرت أَبوالُها. والاقْتِرار: أَي
تأْكل الناقةُ اليبيسَ والحِبَّةَ فَيَتَعَقَّدَ عليها الشحمُ فتبول في
رجليها من خُثُورة بولها. ويقال: تَقَرَّرت الإِبل في أَسْؤُقها، وقَرّت
تَقِرُّ: نَهِلَتْ ولم تَعُلَّ؛ عن ابن الأَعرابي؛ وأَنشد:
حتى إِذا قَرَّتْ ولمّا تَقْرِرِ،
وجَهَرَت آجِنَةً، لم تَجْهَرِ
ويروى أَجِنَّةً. وجَهَرَتْ: كَسَحَتْ. وآجنة: متغيرة، ومن رواه
أَجِنَّةَ أَراد أَمْواهاً مندفنة، على التشبيه بأَجنَّة الحوامل. وقَرَّرت
الناقةُ ببولها تَقْريراً إِذا رمت به قُرَّةً بعد قُرَّةٍ أَي دُفْعَةً بعد
دُفْعة خاثراً من أَكل الحِبّة؛ قال الراجز:
يُنْشِقْنَه فَضْفاضَ بَوْلٍ كالصَّبَرْ،
في مُنْخُرَيْه، قُرَراً بَعْدَ قُرَرْ
قرراً بعد قرر أَي حُسْوَة بعد حُسْوَة ونَشْقَةً بعد نَشْقة. ابن
الأَعرابي: إِذا لَقِحَت الناقة فهي مُقِرٌّ وقارِحٌ، وقيل: إِن الاقْترارَ
السِّمنُ، تقول:
اقْتَرَّتِ الناقةُ سَمِنَتْ؛ وأَنشد لأَبي ذؤيب الهذلي يصف ظبية:
به أَبِلَتْ شَهْرَي رَبيعٍ كلاهما،
فقد مارَ فيها نَسْؤُها واقترارُها
نسؤها: بَدْءُ سمنها، وذلك إِنما يكون في أَوّل الربيع إِذا أَكلت
الرُّطْبَ، واقترارُها: نهاية سمنها، وذلك إِنما يكون إِذا أَكلت اليبيس
وبُزُور الصحراء فعَقَّدَتْ عليها الشحم.
وقَرَّ الكلامَ والحديث في أُذنه يَقُرُّه قَرّاً: فَرَّغه وصَبَّه
فيها، وقيل هو إِذا سارَّه. ابن الأَعرابي: القَرُّ تَرْدِيدُك الكلام في
أُذن الأَبكم حتى يفهمه. شمر: قَرَرْتُ الكلامَ في أُذنه أَقُرُّه قَرّاً،
وهو أَن تضع فاك على أُذنه فتجهر بكلامك كما يُفعل بالأَصم، والأَمر:
قُرَّ. ويقال: أَقْرَرْتُ الكلامَ لفلان إِقراراً أَي بينته حتى عرفه.
وفي حديث استراق السمع: يأْتي الشيطانُ فَيَتَسَمَّعُ الكلمةَ فيأْتي
بها إِلى الكاهن فَيُقِرُّها في أُذنه كما تُقَرُّ القارورةُ إِذا أُفرغ
فيها، وفي رواية: فيَقْذفها في أُذن وَلِيِّه كقَرِّ الدجاجة؛ القَرُّ:
ترديدك الكلام في أُذن المخاطَب حتى يفهمه.
وقَرُّ الدجاجة: صوتُها إِذا قطعته، يقال: قَرَّتْ تَقِرُّ قَرّاً
وقَرِيراً، فإِن رَدَّدَتْه قلت: قَرْقَرَتْ قَرْقَرَةً، ويروى: كقَزِّ
الزجاجة، بالزاي، أَي كصوتها إِذا صُبَّ فيها الماء. وفي حديث عائشة، رضي الله
عنها: أَن النبي،صلى الله عليه وسلم، قال: تنزل الملائكة في العَنانِ وهي
السحابُ فيتحدثون ما علموا به مما لم ينزل من الأَمر، فيأْتي الشيطان
فيستمع فيسمع الكلمة فيأْتي بها إِلى الكاهن فيُقِرُّها في أُذنه كما
تُقَرُّ القارورةُ إِذا أُفرغ فيها مائة كِذْبةٍ. والقَرُّ: الفَرُّوج.
واقْتَرَّ بالماء البارد: اغتسل. والقَرُورُ: الماء البارد يُغْتَسل به.
واقْتَرَرْتُ بالقَرُور: اغتسلت به. وقَرَّ عليه الماءَ يَقُرُّه: صبه.
والقَرُّ: مصدر قَرَّ عليه دَلْوَ ماء يَقُرُّها قَرّاً، وقَرَرْتُ على رأْسه
دلواً من ماء بارد أَي صببته.
والقُرّ، بالضم: القَرار في المكان، تقول منه قَرِرْتُ بالمكان، بالكسر،
أَقَرُّ قَراراً وقَرَرْتُ أَيضاً، بالفتح، أَقِرُّ قراراً وقُروراً،
وقَرَّ بالمكان يَقِرُّ ويَقَرُّ، والأُولى أَعلى؛ قال ابن سيده: أَعني أَن
فَعَلَ يَفْعِلُ ههنا أَكثر من فَعَلَ يَفْعَلُ قَراراً وقُروراً
وقَرّاً وتَقْرارةً وتَقِرَّة، والأَخيرة شاذة؛ واسْتَقَرَّ وتَقارَّ
واقْتَرَّه فيه وعليه وقَرَّره وأَقَرَّه في مكانه فاستقرَّ. وفلان ما يَتَقارُّ
في مكانه أَي ما يستقرّ. وفي حديث أَبي موسى: أُقِرَّت الصلاة بالبر
والزكاة؟، وروي: قَرَّتْ أَي اسْتَقَرَّت معهما وقُرِنت بهما، يعني أَن الصلاة
مقرونة بالبر، وهو الصدق وجماع الخير، وأَنها مقرونة بالزكاة في القرآن
مذكورة معها. وفي حديث أَبي ذر: فلم أَتَقارَّ أَن قمتُ أَي لم أَلْبَثْ،
وأَصله أَتَقارَر، فأُدغمت الراء في الراء. وفي حديث نائل مولى عثمان:
قلنا لرَباح ابن المُغْتَرِف: غَنِّنا غِناءَ أَهل القَرارِ أَي أَهل
الحَضَر المستقرِّين في منازلهم لا غِناءَ أَهل البَدْو الذين لا يزالون
متنقلين. الليث: أَقْرَرْتُ الشيء في مَقَرِّه ليَقِرّ. وفلان قارٌّ: ساكنٌ،
وما يَتَقَارُّ في مكانه. وقوله تعالى: ولكم في الأَرض مُسْتَقَرّ؛ أَي
قَرار وثبوت. وقوله تعالى: لكل نَبَإِ مُسْتَقَرّ؛ أَي لكل ما أُنبأْتكم
عن الله عز وجل غاية ونهاية ترونه في الدنيا والآخرة. والشمسُ تجري
لمُسْتَقَرٍّ لها؛ أَي لمكان لا تجاوزه وقتاً ومحلاًّ وقيل لأَجَلٍ قُدِّر
لها. وقوله تعالى: وقَرْنَ وقِرْنَ، هو كقولك ظَلْنَ وظِلْنَ؛ فقَرْنَ على
أَقْرَرْنَ كظَلْنَ على أَظْلَلْنَ وقِرنَ على أَقْرَرنَ كظِلْنَ على
أَظْلَلنَ. وقال الفراء: قِرْنَ في بيوتكنَّ؛ هو من الوَقار. وقرأَ عاصم
وأَهل المدينة: وقَرْن في بيوتكن؛ قال ولا يكون ذلك من الوَقار ولكن يُرَى
أَنهم إِنما أَرادوا: واقْرَرْنَ في بيوتكن، فحذف الراء الأُولى وحُوّلت
فتحتها في القاف، كما قالوا: هل أَحَسْتَ صاحِبَك، وكما يقال فَظِلْتم،
يريد فَظَلِلْتُمْ؛ قال: ومن العرب من يقول: واقْرِرْنَ في بيوتكن، فإِن قال
قائل: وقِرْن، يريد واقْرِرْنَ فتُحَوَّلُ كسرة الراء إِذا أُسقطت إِلى
القاف، كان وجهاً؛ قال: ولم نجد ذلك في الوجهين مستعملاً في كلام العرب
إِلا في فعَلْتم وفَعَلْتَ وفَعَلْنَ، فأَما في الأَمر والنهي والمستقبل
فلا، إِلا أَنه جوّز ذلك لأَن اللام في النسوة ساكنة في فَعَلْن ويَفْعَلن
فجاز ذلك؛ قال: وقد قال أَعرابي من بني نُمَيْر: يَنْحِطْنَ من الجبل،
يريد ينْحَطِطْنَ، فهذا يُقَوِّي ذلك. وقال أَبو الهيثم: وقِرْنَ في
بيوتكن، عندي من القَرارِ، وكذلك من قرأَ: وقَرْنَ، فهو من القَرارِ، وقال:
قَرَرْتُ بالمكان أَقِرُّ وقَرَرْتُ أَقَرُّ.
وقارّه مُقارَّةً أَي قَرّ معه وسَكَنَ. وفي حديث ابن مسعود: قارُّوا
الصلاةَ،هو من القَرارِ لا من الوَقارِ، ومعناه السكون، أَي اسكنوا فيها
ولا تتحرّكوا ولا تَعْبَثُوا، وهو تَفَاعُلٌ، من القَرارِ. وتَقْرِيرُ
الإِنسان بالشيء: جعلُه في قَراره؛ وقَرَّرْتُ عنده الخبر حتى
اسْتَقَرَّ.والقَرُور من النساء: التي تَقَِرّ لما يُصْنَعُ بها لا تَرُدّ
المُقَبِّلَ والمُراوِِدَ؛ عن اللحياني، كأَنها تَقِرُّ وتسكن ولا تَنْفِرُ من
الرِّيبَة.
والقَرْقَرُ: القاعُ الأَمْلَسُ، وقيل: المستوي الأَملس الذي لا شيء
فيه.والقَرارة والقَرارُ: ما قَرَّ فيه الماء. والقَرارُ والقَرارةُ من
الأَرض: المطمئن المستقرّ، وقيل: هو القاعُ المستدير، وقال أَبو حنيفة:
القَرارة كل مطمئن اندفع إِليه الماء فاستقَرّ فيه، قال: وهي من مكارم الأَرض
إِذا كانت سُهولةٌ. وفي حديث ابن عباس وذكر علّياً فقال: عِلْمِي إِلى
علمه كالقَرارة في المُثْعَنْجَرِ؛ القَرارةُ المطمئن من الأَرض وما يستقرّ
فيه ماء المطر، وجمعها القَرارُ. وفي حديث يحيى بن يَعْمَر: ولحقت
طائفةٌ بقَرارِ الأَودية.
وفي حديث الزكاة: بُطِحَ له بِقاعٍ قَرْقَرٍ؛ هو المكان المستوي. وفي
حديث عمر: كنت زَميلَه في غَزْوة قَرقَرةِِ الكُدْرِ؛ هي غزوة معروفة،
والكُدْرُ: ماء لبني سليم: والقَرْقَرُ: الأَرض المستوية، وقيل: إِن أَصل
الكُدْرِ طير غُبْرٌ سمي الموضعُ أَو الماء بها؛ وقول أَبي ذؤيب:
بقَرارِ قِيعانٍ سقَاها وابلٌ
واهٍ، فأَثْجَمَ بُرْهَةً لا يُقْلِعُ
قال الأَصمعي: القَرارُ ههنا جمع قَرارةٍ؛ قال ابن سيده: وإِنما حمل
الأَصمعي على هذا قولُه قِيعان ليضيف الجمع إِلى الجمع، أَلا ترى أَن قراراً
ههنا لو كان واحداً فيكون من باب سَلٍّ وسَلَّة لأَضاف مفرداً إِلى جمعف
وهذا فيه ضرب من التناكر والتنافر. ابن شميل: بُطونُ الأَرض قَرارُها
لأَن الماء يستقرّ فيها. ويقال: القَرار مُسْتَقَرُّ الماء في الروضة. ابن
الأَعرابي: المَقَرَّةُ الحوض الكبير يجمع فيه الماء، والقَرارة القاعُ
المستدير، والقَرْقَرة الأَرض الملساء ليست بجِدِّ واسعةٍ، فإِذا اتسعت
غلب عليها اسم التذكير فقالوا قَرْقَرٌ؛ وقال عبيد:
تُرْخِي مَرابِعَها في قَرْقَرٍ ضاحِي
قال: والقَرَِقُ مثل القَرْقَرِ سواء. وقال ابن أَحمر: القَرْقَرة وسطُ
القاع ووسطُ الغائط المكانُ الأَجْرَدُ منه لا شجر فيه ولا دَفَّ ولا
حجارة، إِنما هي طين ليست بجبل ولا قُفٍّ، وعَرْضُها نحو من عشرة أَذراع أَو
أَقل، وكذلك طولها؛ وقوله عز وجل: ذاتِ قَرارٍ ومَعِينٍ؛ هو المكان
المطمئن الذي يستقرّ فيه الماء. ويقال للروضة المنخفضة: القَرارة. وصار
الأَمر إِلى قَراره ومُسْتَقَرِّه: تَناهَى وثبت.
وقولهم عند شدّة تصيبهم: صابتْ بقُرٍّ أَي صارت الشدّةُ إِلى قَرارها،
وربما قالوا: وَقَعَت بقُرٍّ، وقال ثعلب: معناه وقعت في الموضع الذي
ينبغي. أَبو عبيد في باب الشدّة: صابتْ بقُرٍّ إِذا نزلت بهم شدّة، قال:
وإِنما هو مَثَل. الأَصمعي: وقع الأَمرُ بقُرِّه أَي بمُسْتَقَرّه؛
وأَنشد:لعَمْرُكَ، ما قَلْبي على أَهله بحُرّ،
ولا مُقْصِرٍ، يوماً، فيأْتيَني بقُرّْ
أَي بمُسْتَقَرّه؛ وقال عَدِيُّ بنُ زيد:
تُرَجِّيها، وقد وقَعَتْ بقُرٍّ،
كما تَرْجُو أَصاغِرَها عَتِيبُ
ويقال للثائر إِذا صادفَ ثَأْرَه: وقَعْتَ بقُرِّكَ أَي صادَفَ فؤادُك
ما كان مُتَطَلِّعاً إِليه فتَقَرّ؛ قال الشَّمَّاخ:
كأَنها وابنَ أَيامٍ تُؤَبِّنُه،
من قُرَّةِ العَْنِ، مُجْتابا دَيابُوذِ
أَي كأَنهما من رضاهما بمرتعهما وترك الاستبدال به مُجتابا ثوبٍ فاخِرٍ
فهما مسروران به؛ قال المنذريّ: فعُرِضَ هذا القولُ على ثعلب فقال هذا
الكلام أَي سَكَّنَ اللهُ عينَه بالنظر إِلى ما يحب.
ويقال للرجل: قَرْقارِ أَي قِرَّ واسكنْ.
قال ابن سيده: وقَرَّتْ عينُه تَقَرّ؛ هذه أَعلى عن ثعلب، أَعني
فَعِلَتْ تَفْعَلُ، وقَرَّت تَقِرُّ قَرَّة وقُرَّةً؛ الأَخيرة عن ثعلب، وقال:
هي مصدر، وقُرُوراً، وهي ضدُّ سَخِنتْ، قال: ولذلك اختار بعضهم أَن يكون
قَرَّت فَعِلَت ليجيء بها على بناء ضدّها، قال: واختلفوا في اشتقاق ذلك
فقال بعضهم: معناه بَرَدَتْ وانقطع بكاؤها واستحرارُها بالدمع فإِن للسرور
دَمْعَةً باردةً وللحزن دمعة حارة، وقيل: هو من القَرارِ، أَي رأَت ما
كانت متشوّقة إِليه فقَرَّتْ ونامت. وأَقَرَّ اللهُ عينَه وبعينه، وقيل:
أَعطاه حتى تَقَرَّ فلا تَطْمَحَ إِلى من هو فوقه، ويقال: حتى تَبْرُدَ ولا
تَسْخَنَ، وقال بعضهم: قَرَّت عينُه مأْخوذ من القَرُور، وهو الدمع
البارد يخرج مع الفرح، وقيل: هو من القَرارِ، وهو الهُدُوءُ، وقال الأَصمعي:
أَبرد اللهُ دَمْعَتَه لأَن دَمْعَة السرور باردة. وأَقَرَّ الله عينه:
مشتق من القَرُور، وهو الماء البارد، وقيل: أَقَرَّ اللهُ عينك أَي صادفت
ما يرضيك فتقرّ عينك من النظر إِلى غيره، ورضي أَبو العباس هذا القول
واختاره، وقال أَبو طالب: أَقرَّ الله عينه أَنام الله عينه، والمعنى صادف
سروراً يذهب سهره فينام؛ وأَنشد:
أَقَرَّ به مواليك العُيونا
أَي نامت عيونهم لما ظَفِرُوا بما أَرادوا. وقوله تعالى: فكلي واشربي
وقَرِّي عَيناً؛ قال الفراء: جاء في التفسير أَي طيبي نفساً، قال: وإِنما
نصبت العين لأَن الفعل كان لها فصيرته للمرأَة، معناه لِتَقَرَّ عينُك،
فإِذا حُوِّل الفعلُ عن صاحبه نصب صاحب الفعل على التفسير. وعين قَرِيرةٌ:
قارَّة، وقُرَّتُها: ما قَرَّت به. والقُرَّةُ: كل شيء قَرَّت به عينك،
والقُرَّةُ: مصدر قَرَّت العين قُرَّةً. وفي التنزيل العزيز: فلا تعلم
نفسٌ ما أُخفِيَ لهم من قُرَّةِ أَعْيُنٍ؛ وقرأَ أَبو هريرة: من قُرَّاتِ
أَعْيُن، ورواه عن النبي،صلى الله عليه وسلم. وفي حديث الاستسقاء: لو رآك
لقَرَّتْ عيناه أَي لَسُرَّ بذلك وفَرِحَ، قال: وحقيقته أَبْرَدَ اللهُ
دَمْعَةَ عينيه لأَن دمعة الفرح باردة، وقيل: أَقَرَّ الله عينك أَي
بَلَّغَك أُمْنِيَّتك حتى تَرْضَى نَفْسُك وتَسْكُنَ عَيْنُك فلا تَسْتَشْرِفَ
إِلى غيره؛ ورجل قَرِيرُ العين وقَرِرْتُ به عيناً فأَنا أَقَرُّ
وقَرَرْتُ أَقِرُّ وقَرِرْتُ في الموضع مثلها.
ويومُ القَرِّ: اليوم الذي يلي عيد النحر لأَن الناس يَقِرُّونَ في
منازلهم، وقيل: لأَنهم يَقِرُّون بمنًى؛ عن كراع، أَي يسكنون ويقيمون. وفي
الحديث: أَفضلُ الأَيام عند الله يومُ النحر ثم يوم القَرِّ؛ قال أَبو
عبيد: أَراد بيوم القَرِّ الغَدَ من يوم النحر، وهو حادي عشر ذي الحجة، سمي
يومَ القَرِّ لأَن أَهل المَوْسِمِ يوم التروية ويوم عرفة ويوم النحر في
تعب من الحج، فإِذا كان الغدُ من يوم النحر قَرُّوا بمنًى فسمي يومَ
القَرِّ؛ ومنه حديث عثمان: أَقِرُّوا الأَنفس حتى تَزْهَقَ أَي سَكِّنوا
الذبائح حتى تُفارقها أَرواحها ولا تُعْجِلُوا سَلْخها وتقطيعها. وفي حديث
البُراق: أَنه استصعبَ ثم ارْفَضَّ وأَقَرَّ أَي سكن وانقاد.
ومَقَرُّ الرحم: آخِرُها، ومُسْتَقَرُّ الحَمْل منه. وقوله تعالى:
فمستقرٌّ ومستودع؛ أَي فلكم في الأَرحام مستقر ولكم في الأَصلاب مستودع،
وقرئ: فمستقِرٌّ ومُسْتَوْدَعٌ؛ أَي مستقرّ في الرحم، وقيل: مستقرّ في الدنيا
موجود، ومستودعَ في الأَصلاب لم يخلق بَعْدُ؛ وقال الليث: المستقر ما
ولد من الخلق وظهر على الأَرض، والمستودَع ما في الأَرحام، وقيل: مستقرّها
في الأَصلاب ومستودعها في الأَرحام، وسيأْتي ذكر ذلك مستوفى في حرف
العين، إِن شاءَ الله تعالى، وقيل: مُسْتَقِرٌّ في الأَحياء ومستودَع في
الثَّرَى.
والقارورة: واحدة القَوارير من الزُّجاج، والعرب تسمي المرأَة القارورة
وتكني عنها بها.والقارُورُ: ما قَرَّ فيه الشرابُ وغيره، وقيل: لا يكون
إِلا من الزجاج خاصة. وقوله تعالى: قَوارِيرَ قواريرَ من فضة؛ قال بعض
أَهل العلم: معناه أَوانيَ زُجاج في بياض الفضة وصفاء القوارير. قال ابن
سيده: وهذا حسن، فأَما من أَلحق الأَلف في قوارير الأَخيرة فإِنه زاد الأَلف
لتَعْدِلَ رؤوس الآي. والقارورة: حَدَقة العين، على التشبيه بالقارورة
من الزجاج لصفائها وأَن المتأَمّل يرى شخصه فيها؛ قال رؤبة:
قد قَدَحَتْ من سَلْبِهِنَّ سَلْبا
قارورةُ العينِ، فصارتْ وَقْبا
ابن الأَعرابي: القَوارِيرُ شجر يشبه الدُّلْبَ تُعمل منه الرِّحالُ
والموائد. وفي الحديث: أَن النبي،صلى الله عليه وسلم، قال لأَنْجَشةَ وهو
يَحْدُو بالنساء: رِفْقاً بالقَوارير؛ أَراد،صلى الله عليه وسلم، بالقوارير
النساء، شبههن بالقوارير لضعف عزائمهن وقلة دوامهن على العهد،
والقواريرُ من الزُّجاج يُسْرِع إِليها الكسر ولا تقبل الجَبْرَ، وكان أَنْجَشَةُ
يحدو بهن رِكابَهُنَّ ويرتجز بنسيب الشعر والرجز وراءهن، فلم يُؤْمَنْ
أَن يصيبهن ما يسمعن من رقيق الشعر فيهن أَو يَقَعَ في قلوبهن حُداؤه،
فأَمر أَنجشَةَ بالكف عن نشيده وحُدائه حِذارَ صَبْوَتِهن إِلى غير الجميل،
وقيل: أَراد أَن الإِبل إِذا سمعت الحُداء أَسرعت في المشي واشتدت فأَزعجت
الراكبَ فأَتعبته فنهاه عن ذلك لأَن النساء يضعفن عن شدة الحركة.
وواحدةُ القوارير: قارورةٌ، سميت بها لاستقرار الشراب فيها. وفي حديث عليّ: ما
أَصَبْتُ مُنْذُ وَلِيتُ عملي إِلا هذه القُوَيْرِيرةَ أَهداها إِليّ
الدِّهْقانُ؛ هي تصغير قارورة. وروي عن الحُطَيْئة أَنه نزل بقوم من العرب
في أَهله فسمع شُبَّانَهم يَتَغَنَّوْنَ فقال: أَغْنُوا أَغانيَّ
شُبَّانِكم فإِن الغِناء رُقْيَةُ الزنا. وسمع سليمانُ ابن عبد الملك غِناءَ راكب
ليلاً، وهو في مِضْرَبٍ له، فبعث إِليه من يُحْضِرُه وأَمر أَن يُخْصَى
وقال: ما تسمع أُنثى غِناءه إِلا صَبَتْ إِليه؛ قال: وما شَبَّهْتُه إِلا
بالفحل يُرْسَلُ في الإِبل يُهَدِّرُ فيهن فيَضْبَعُهنّ.
والاقْترارُ: تتبع ما في بطن الوادي من باقي الرُّطْبِ، وذلك إِذا هاجت
الأَرض ويَبِستْ مُتونُها. والاقترارُ: استقرارُ ماء الفحل في رحم
الناقة؛ قال أَبو ذؤيب:
فقد مار فيها نسؤها واقترارها
قال ابن سيده: ولا أَعرف مثل هذا، اللهم إِلا أَن يكون مصدراً وإِلا فهو
غريب ظريف، وإِنما عبر بذلك عنه أَبو عبيد ولم يكن له بمثل هذا علم،
والصحيح أَن الاقترار تَتَبُّعُها في بطون الأَوْدِية النباتَ الذي لم تصبه
الشمس. والاقترارُ: الشِّبَعُ. وأَقَرَّت الناقةُ: ثبت حملها. واقْتَرَّ
ماءُ الفحل في الرحم أَي استقرَّ. أَبو زيد: اقترارُ ماء الفحل في الرحم
أَن تبولَ في رجليها، وذلك من خُثورة البول بما جرى في لحمها. تقول: قد
اقْتَرَّت، وقد اقْتَرَّ المالُ إثذا شَبِعَ. يقال ذلك في الناس وغيرهم.
وناقة مُقِرٌّ: عَقَّدَتْ ماء الفحل فأَمسكته في رحمها ولم تُلْقِه.
والإِقرارُ: الإِذعانُ للحق والاعترافُ به. أَقَرَّ بالحق أَي اعترف به.
وقد قَرَّرَه عليه وقَرَّره بالحق غيرُه حتى أَقَرَّ.
والقَرُّ: مَرْكَبٌ للرجال بين الرَّحْل والسَّرْج، وقيل: القَرُّ
الهَوْدَجُ؛ وأَنشد:
كالقَرِّ ناسَتْ فوقَه الجَزاجِزُ
وقال امرؤ القيس:
فإِمَّا تَرَيْني في رِحالةِ جابرٍ
على حَرَجٍ كالقَرِّ، تَخْفِقُ أَكفاني
وقيل: القَرُّ مَرْكَبٌ للنساء.
والقَرارُ: الغنم عامَّةً؛ عن ابن الأَعرابي؛ وأَنشد:
أَسْرَعْت في قَرارِ،
كأَنما ضِرارِي
أَرَدْتِ يا جَعارِ
وخصَّ ثعلبٌ به الضأْنَ. وقال الأَصمعي: القَرارُ والقَرارةُ النَّقَدُ،
وهو ضربٌ من الغَنَمِ قصار الأَرْجُل قِباح الوجوه. الأَصمعي: القَرار
النَّقَدُ من الشاء وهي صغارٌ، وأَجودُ الصوف صوف النَّقَدِ؛ وأَنشد
لعلقمة بن عبدة:
والمالُ صُوفُ قَرارٍ يَلْعَبونَ به،
على نِقادَتِه، وافٍ ومَجْلُومُ
أَي يقل عند ذا ويكثر عند ذا.
والقُرَرُ: الحَسا، واحدتها قُرَّة؛ حكاها أَبو حنيفة؛ قال ابن سيده:
ولا أَدري أَيَّ الحَسا عنى أَحَسَا الماء أَم غيره من الشراب. وطَوَى
الثَّوْبَ على قَرِّه: كقولك على غَرّه أَي على كَسْرِه، والقَرُّ والغَرُّ
والمَقَرُّ: كَسْرُ طَيِّ الثوب.
والمَقَرّ: موضعٌ وسطَ كاظمةَ،وبه قبر غالب أَبي الفرزدق وقبر امرأَة
جرير؛ قال الراعي:
فصَبَّحْنَ المَقَرَّ، وهنّ خُوصٌ،
على رَوَحٍ يُقَلِّبْنَ المَحارا
وقيل: المَقَرُّ ثنيةُ كاظِمةَ. وقال خالدُ بن جَبَلَة: زعم
النُّمَيْرِي أَن المَقَرّ جبل لبني تميم.
وقَرَّتِ الدَّجاجةُ تَقِرّ قَرًّا وقَرِيراً: قَطَعتْ صوتَها
وقَرْقَرَتْ رَدَّدَتْ صوتَها؛ حكاه ابن سيده عن الهروي في الغريبين.
والقِرِّيَّة: الحَوْصلة مثل الجِرِّيَّة. والقَرُّ: الفَرُّوجةُ؛ قال
ابن أَحمر:
كالقَرِّ بين قَوادِمٍ زُعْرِ
قال ابن بري: هذا العَجُزُ مُغَيَّر، قال: وصواب إِنشاد البيت على ما
روته الرواة في شعره:
حَلَقَتْ بنو غَزْوانَ جُؤْجُؤَه
والرأْسَ، غيرَ قَنازِعٍ زُعْرِ
فَيَظَلُّ دَفَّاه له حَرَساً،
ويَظَلُّ يُلْجِئُه إِلى النَّحْرِ
قال هذا يصف ظليماً. وبنو غزوان: حيّ من الجن، يريد أَن جُؤْجُؤَ هذا
الظليم أَجربُ وأَن رأْسه أَقرع، والزُّعْرُ: القليلة الشعر. ودَفَّاه:
جناحاه، والهاء في له ضمير البيض، أَي يجعل جناجيه حرساً لبيضه ويضمه إِلى
نحره، وهو معنى قوله يلجئه إِلى النحر.
وقُرَّى وقُرَّانُ: موضعان.
والقَرْقَرة: الضحك إِذا اسْتُغْرِبَ فيه ورُجِّعَ. والقَرْقَرة:
الهدير، والجمع القَراقِرُ. والقَرْقَرة: دُعاء الإِبل، والإِنْقاضُ: دعاء
الشاء والحمير؛ قال شِظَاظٌ:
رُبَّ عَجُوزٍ من نُمَيْرٍ شَهْبَرَهْ،
عَلَّمْتُها الإِنْقاضَ بعد القَرْقَره
أَي سبيتها فحوّلتها إِلى ما لم تعرفه. وقَرْقَر البعيرُ قَرْقَرة:
هَدَر، وذلك إِذا هَدَلَ صوتَه ورَجَّع، والاسم القَرْقارُ. يقال: بعير
قَرْقارُ الهَدِير صافي الصوت في هَديرِه؛ قال حُمَيدٌ:
جاءت بها الوُرَّادُ يَحْجِزُ بينَها
سُدًى، بين قَرْقارِ الهَدِير، وأَعْجَما
وقولهم: قَرْقارِ، بُنِيَ على الكسر وهو معدول، قال: ولم يسمع العدل من
الرباعي إِلا في عَرْعارِ وقَرْقارِ؛ قال أَبو النجم العِجْلِيُّ:
حتى إِذا كان على مَطارِ
يُمناه، واليُسْرى على الثَّرْثارِ
قالت له ريحُ الصَّبا: قَرْقارِ،
واخْتَلَطَ المعروفُ بالإِنْكارِ
يريد: قالت لسحاب قَرْقارِ كأَنه يأْمر السحاب بذلك. ومَطارِ
والثَّرْثارُ: موضعان؛ يقول: حتى إِذا صار يُمْنى السحاب على مَطارِ ويُسْراه على
الثَّرْثارِ قالت له ريح الصَّبا: صُبَّ ما عندك من الماء مقترناً بصوت
الرعد، وهو قَرْقَرَته، والمعنى ضربته ريح الصَّبا فدَرَّ لها، فكأَنها
قالت له وإِن كانت لا تقول. وقوله: واختلط المعروف بالإِنكار أَي اختلط ما
عرف من الدار بما أُنكر أَي جَلَّلَ الأَرضَ كلَّها المطرُ فلم يعرف منها
المكان المعروف من غيره. والقَرْقَرة: نوع من الضحك، وجعلوا حكاية صوت
الريح قَرْقاراً. وفي الحديث: لا بأْس بالتبسم ما لم يُقَرْقِرْ؛
القَرْقَرة: الضحك لعالي. والقَرْقَرة: لقب سعد الذي كان يضحك منه النعمان بن
المنذر. والقَرْقَرة: من أَصوات الحمام، وقد قَرْقَرَتْ قَرْقَرَةً
وقَرْقَرِيراً نادرٌ؛ قال ابن جني: القَرْقِيرُ فَعْلِيلٌ، جعله رُباعيّاً،
والقَرْقارَة: إِناء، سيت بذلك لقَرْقَرَتها.
وقَرْقَرَ الشرابُ في حلقه: صَوَّت. وقَرْقَرَ بطنُه صَوَّت. قال شمر:
القَرْقَرة قَرْقَرةُ البطن، والقَرْقَرة نحو القَهْقهة، والقَرْقَرة
قَرْقَرةُ الحمام إِذا هَدَر، والقَرْقَر قَرْقَرة الفحل إِذا هَدَر، وهو
القَرْقَرِيرُ.
ورجل قُرارِيٌّ: جَهيرُ الصوت؛ وأَنشد:
قد كان هَدَّاراً قُراقِرِيَّا
والقُراقِرُ والقُراقِرِيّ: الحَسَنُ الصوت؛ قال:
فيها عِشاشُ الهُدْهُدِ القُراقِر
ومنه: حادٍ قُراقِرٌ وقُراقِرِيٌّ جيد الصوت من القَرْقَرة؛ قال الراجز:
أَصْبَح صَوْتُ عامِرٍ صَئِيَّا،
من بعدِ ما كان قُراقِرِيّا،
فمن يُنادي بعدَك المَطِيّاف
والقُراقِرُ: فرس عامر بن قيس؛ قال:
وكانَ حدَّاءً قُراقِرِيَّا
والقَرارِيُّ: الحَضَريّ الذي لا يَنْتَجِعُ يكون من أَهل الأَمصار،
وقيل: إِن كل صانع عند العرب قَرارِيّ. والقَرارِيُّ: الخَيَّاط؛ قال
الأَعشى:
يَشُقُّ الأُمُورَ ويَجْتابُها
كشَقِّ القَرارِيِّ ثوبَ الرَّدَنْ
قال: يريد الخَيَّاطَ؛ وقد جعله الراعي قَصَّاباً فقال:
ودَارِيٍّ سَلَخْتُ الجِلْدَ عنه،
كما سَلَخ القَرارِيُّ الإِهابا
ابن الأَعرابي: يقال للخياط القَرارِيُّ والفُضُولِيُّ، وهو البَيطَرُ
والشَّاصِرُ.
والقُرْقُورُ: ضرب من السفن، وقيل: هي السفينة العظيمة أَو الطويلة،
والقُرْقُورُ من أَطول السفن، وجمعه قَراقير؛ ومنه قول النابغة:
قَراقِيرُ النَّبيطِ على التِّلالِ
وفي حديث صاحب الأُخْدُودِ: اذْهَبُوا فاحْمِلُوه في قُرْقُورٍ؛ قال: هو
السفينة العظيمة. وفي الحديث: فإِذا دَخَلَ أَهل الجنةِ الجنةَ ركب
شهداءُ البحر في قَراقيرَ من دُرّ. وفي حديث موسى، عليه السلام: رَكِبُوا
القَراقِيرَ حتى أَتوا آسِيَةَ امرأَة فرعون بتابُوتِ موسى.
وقُراقِرُ وقَرْقَرى وقَرَوْرى وقُرَّان وقُراقِريّ: مواضع كلها
بأَعيانها معروفة. وقُرَّانُ: قرية باليمامة ذات نخل وسُيُوحٍ جاريةٍ؛ قال
علقمة:سُلاءَة كَعصَا النَّهْدِيِّ غُلَّ لَها
ذُو فِيئَةٍ، من نَوى قُرَّانَ، مَعْجومُ
ابن سيده: قُراقِرُ وقَرْقَرى، على فَعْلَلى، موضعان، وقيل: قُراقِرُ،
على فُعالل، بضم القاف، اسم ماء بعينه، ومنه غَزَاةُ قُراقِر؛ قال
الشاعر:وَهُمْ ضَرَبُوا بالحِنْوِ، حِنْوِ قُراقِرٍ،
مُقَدِّمَةَ الهامُرْزِ حَتَّى تَوَلَّتِ
قال ابن بري: البيت للأَعشى، وصواب إِنشاده: هُمُ ضربوا؛ وقبله:
فِدًى لبني دُهْلِ بنِ شَيْبانَ ناقَتِي،
وراكبُها يومَ اللقاء، وقَلَّتِ
قال: هذا يذكِّر فعل بني ذهل يوم ذي قار وجعل النصر لهم خاصة دون بني
بكر بن وائل. والهامُرْزُ: رجل من العجم، وهو قائد من قُوَّاد كِسْرى.
وقُراقِرُ: خلف البصرة ودون الكوفة قريب من ذي قار، والضمير في قلت يعود على
الفدية أَي قَلَّ لهم أَن أَفديهم بنفسي وناقتي. وفي الحديث ذكر
قُراقِرَ، بضم القاف الأُولى، وهي مفازة في طريق اليمامة قطعها خالد بن الوليد،
وهي بفتح القاف، موضع من أَعراض المدينة لآل الحسن بن عليّ، عليهما
السلام. والقَرْقَرُ: الظهر. وفي الحديث: ركب أَتاناً عليها قَرْصَف لم يبق منه
إِلا قَرْقَرُها أَي ظهرها.
والقَرْقَرَةُ: جلدة الوجه. وفي الحديث: فإِذا قُرِّبُ المُهْلُ منه
سَقَطَتْ قَرْقَرَةُ وجهه؛ حكاه ابن سيده عن الغريبين للهروي. قَرقَرَةُ
وجهه أَي جلدته. والقَرْقَرُ من لباس النساء، شبهت بشرة الوجه به، وقيل:
إِنما هي رَقْرَقَةُ وجهه، وهو ما تَرَقْرَقَ من محاسنه. ويروى: فَرْوَةُ
وجهه، بالفاء؛ وقال الزمخشري: أَراد ظاهر وجهه وما بدا منه، ومنه قيل
للصحراء البارزة: قَرْقَرٌ. والقَرْقَرُ والقَرْقَرَةُ: أَرض مطمئنة
لينة.والقَرَّتانِ: الغَداةُ والعَشِيُّ؛ قال لبيد:
وجَوارِنٌ بيضٌ وكلُّ طِمِرَّةٍ،
يَعْدُو عليها، القَرَّتَيْنِ، غُلامُ
الجَوارِنُ: الدروع. ابن السكيت: فلان يأْتي فلاناً القَرَّتين أَي
يأْتيه بالغداة والعَشِيّ.
وأَيوب بن القِرِّيَّةِ: أَحدُ الفصحاء. والقُرَّةُ: الضِّفْدَعَة
وقُرَّانُ: اسم رجل. وقُرَّانُ في شعر أَبي ذؤيب: اسم وادٍ. ابن الأَعرابي:
القُرَيْرَةُ تصغير القُرَّة، وهي ناقة تؤْخذ من المَغْنَم قبل قسمة
الغنائم فتنحر وتُصْلَح ويأْكلها الناس يقال لها قُرَّة العين. يقال ابن
الكلبي: عُيِّرَتْ هَوازِنُ وبنو أَسد بأَكل القُرَّة، وذلك أَن أَهل اليمن
كانوا إِذا حلقوا رؤوسهم بمنًى وَضَع كلُّ رجل على رأْسه قُبْضَةَ دقيق
فإِذا حلقوا رؤوسهم سقط الشعر مع ذلك الدقيق ويجعلون ذلك الدقيق صدقة فكان
ناس من أَسد وقيس يأْخذون ذلك الشعر بدقيقة فيرمون الشعر وينتفعون بالدقيق؛
وأَنشد لمعاوية بن أَبي معاوية الجَرْمي:
أَلم تَرَ جَرْماً أَنْجَدَتْ وأَبوكُمُ،
مع الشَّعْرِ، في قَصِّ المُلَبّدِ، سارِعُ
إِذا قُرَّةٌ جاءت يقولُ: أُصِبْ بها
سِوى القَمْلِ، إِني من هَوازِنَ ضارِعُ
التهذيب: الليث: العرب تخرج من آخر حروف من الكلمة حرفاً مثلها، كما
قالوا: رَمادٌ رَمْدَدٌ، ورجل رَعِشٌ رِعْشِيشٌ، وفلان دَخيلُ فلان
ودُخْلُله، والياء في رِعْشِيشٍ مَدَّة، فإِن جعلتَ مكانها أَلفاً أَو واواً جاز؛
وأَنشد يصف إِبلاً وشُرْبَها:
كأَنَّ صَوْتَ جَرْعِهِنّ المُنْحَدِرْ
صَوْتُ شِقِرَّاقٍ، إِذا قال: قِرِرْ
فأَظهر حرفي التضعيف، فإِذا صَرَّفوا ذلك في الفعل قالوا: قَرْقَرَ
فيظهرون حرف المضاعف لظهور الراءين في قَرْقَر، كما قالوا صَرَّ يَصِرُّ
صَرِيراً، وإِذا خفف الراء وأَظهر الحرفين جميعاً تحوّل الصوت من المد إِلى
الترجيع فضوعف، لأَن الترجيع يُضاعَفُ كله في تصريف الفعل إِذا رجع
الصائت، قالوا: صَرْصَر وصَلْصَل، على توهم المدّ في حال، والترجيع في حال.
التهذيب: واد قَرِقٌ وقَرْقَرٌ وقَرَقُوْسٌ أَي أَملس، والقَرَق المصدر.
ويقال للسفينة: القُرْقُور والصُّرْصُور.
قوم: القيامُ: نقيض الجلوس، قام يَقُومُ قَوْماً وقِياماً وقَوْمة
وقامةً، والقَوْمةُ المرة الواحدة. قال ابن الأَعرابي: قال عبد لرجل أَراد أن
يشتريه: لا تشترني فإني إذا جعت أَبغضت قَوْماً، وإذا شبِعت أَحببت
نَوْماً، أي أَبغضت قياماً من موضعي؛ قال:
قد صُمْتُ رَبِّي، فَتَقَبَّلْ صامتي،
وقُمْتُ لَيْلي، فتقَبَّل قامَتي
أَدْعُوك يا ربِّ من النارِ التي
أَعْدَدْتَ للكُفَّارِ في القِيامةِ
وقال بعضهم: إنما أَراد قَوْمَتي وصَوْمَتي فأَبدل من الواو أَلفاً،
وجاء بهذه الأبيات مؤسَّسة وغير مؤسسة، وأَراد من خوف النار التي أَعددت؛
وأَورد ابن بري هذا الرجز شاهداً على القَوْمة فقال:
قد قمت ليلي، فتقبَّل قَوْمَتي،
وصمت يومي، فتقبَّل صَوْمَتي
ورجل قائم من رجال قُوَّمٍ وقُيَّمٍ وقِيَّمٍ وقُيَّامٍ وقِيَّامٍ.
وقَوْمٌ: قيل هو اسم للجمع، وقيل: جمع. التهذيب: ونساء قُيَّمٌ
وقائمات أَعرف. والقامةُ: جمع قائم؛ عن كراع. قال ابن بري رحمه الله: قد
ترتجل العرب لفظة قام بين يدي الجمل فيصير كاللغو؛ ومعنى القِيام
العَزْمُ كقول العماني الراجز للرشيد عندما همَّ بأَن يعهد إلى ابنه
قاسم:قُل للإمامِ المُقْتَدَى بأَمِّه:
ما قاسِمٌ دُونَ مَدَى ابنِ أُمِّه،
فَقَدْ رَضِيناهُ فَقُمْ فسَمِّه
أي فاعْزِمْ ونُصَّ عليه؛ وكقول النابغة الذبياني:
نُبِّئتُ حِصْناً وحَيّاً مِن بَني أَسَدٍ
قامُوا فقالُوا؛ حِمانا غيرُ مَقْروبِ
أَي عَزَموا فقالوا؛ وكقول حسان بن ثابت:
علاما قامَ يَشْتُمُني لَئِيمٌ،
كخِنْزِيرٍ تَمَرَّغَ في رَمادِ
(* قوله «علاما» ثبتت ألف ما في الإستفهام مجرورة بعلى في الأصل، وعليها
فالجزء موفور وإن كان الأكثر حذفها حينئذ).
معناه علام يعزم على شتمي؛ وكقول الآخر:
لَدَى بابِ هِنْدٍ إذْ تَجَرَّدَ قائما
ومنه قوله تعالى: وإنه لما قامَ عبد الله يدعوه؛ أي لما عزم. وقوله
تعالى: إذ قاموا فقالوا ربُّنا ربُّ السموات والأرض؛ أي عزَموا فقالوا، قال:
وقد يجيء القيام بمعنى المحافظة والإصلاح؛ ومنه قوله تعالى: الرجال
قوّامون على النساء، وقوله تعالى: إلا ما دمت عليه قائماً؛ أي ملازماً
محافظاً. ويجيء القيام بمعنى الوقوف والثبات. يقال للماشي: قف لي أي تحبَّس
مكانَك حتى آتيك، وكذلك قُم لي بمعنى قف لي، وعليه فسروا قوله سبحانه: وإذا
أَظلم عليهم قاموا؛ قال أهل اللغة والتفسير: قاموا هنا بمعنى وقَفُوا
وثبتوا في مكانهم غير متقدّمين ولا متأَخرين، ومنه التَّوَقُّف في الأَمر وهو
الوقُوف عنده من غير مُجاوَزة له؛ ومنه الحديث: المؤمن وَقَّافٌ
متَأَنٍّ، وعلى ذلك قول الأَعشى:
كانت وَصاةٌ وحاجاتٌ لها كَفَفُ،
لَوْ أَنَّ صْحْبَكَ، إذْ نادَيْتَهم، وقَفُوا
أي ثبتوا ولم يتقدَّموا؛ ومنه قول هُدبة يصف فلاة لا يُهتدى فيها:
يَظَلُّ بها الهادي يُقلِّبُ طَرْفَه،
يَعَضُّ على إبْهامِه، وهو واقِفُ
أَي ثابت بمكانه لا يتقدَّم ولا يتأَخر؛ قال: ومنه قول مزاحم:
أَتَعْرِفُ بالغَرَّيْنِ داراً تَأبَّدَتْ،
منَ الحَيِّ، واستَنَّتْ عَليها العَواصِفُ
وقَفْتُ بها لا قاضِياً لي لُبانةً،
ولا أَنا عنْها مُسْتَمِرٌّ فَصارِفُ
قال: فثبت بهذا ما تقدم في تفسير الآية. قال: ومنه قامت الدابة إذا وقفت
عن السير. وقام عندهم الحق أي ثبت ولم يبرح؛ ومنه قولهم: أقام بالمكان
هو بمعنى الثبات. ويقال: قام الماء إذا ثبت متحيراً لا يجد مَنْفَذاً،
وإذا جَمد أيضاً؛ قال: وعليه فسر بيت أبي الطيب:
وكذا الكَريمُ إذا أَقام بِبَلدةٍ،
سالَ النُّضارُ بها وقام الماء
أي ثبت متحيراً جامداً. وقامَت السُّوق إذا نفَقت، ونامت إذا كسدت.
وسُوق قائِمة: نافِقة. وسُوق نائِمة: كاسِدة. وقاوَمْتُه قِواماً: قُمْت معه،
صحَّت الواو في قِوام لصحتها في قاوَم. والقَوْمةُ: ما بين الركعتين من
القِيام. قال أَبو الدُّقَيْش: أُصلي الغَداة قَوْمَتَيْنِ، والمغرب ثلاث
قَوْمات، وكذلك قال في الصلاة.
والمقام: موضع القدمين؛ قال:
هذا مَقامُ قَدَمَي رَباحِ،
غُدْوَةَ حتَّى دَلَكَتْ بَراحِ
ويروى: بِراحِ. والمُقامُ والمُقامةُ: الموضع الذي تُقيم فيه.
والمُقامة، بالضم: الإقامة. والمَقامة، بالفتح: المجلس والجماعة من الناس، قال:
وأما المَقامُ والمُقامُ فقد يكون كل واحد منهما بمعنى الإقامة، وقد يكون
بمعنى موضع القِيام، لأَنك إذا جعلته من قام يَقُوم فمفتوح، وإن جعلته من
قام يُقِيمُ فَمضْموم، فإن الفعل إذا جاوز الثلاثة فالموضع مضموم الميم،
لأَنه مُشَبَّه ببنات الأَربعة نحو دَحْرَجَ وهذا مُدَحْرَجُنا. وقوله
تعالى: لا مقَامَ لكم، أي لا موضع لكم، وقُرئ لا مُقام لكم، بالضم، أي لا
إقامة لكم. وحَسُنت مُستقَرّاً ومُقاماً؛ أَي موضعاً؛ وقول لبيد:
عَفَتِ الدِّيارُ: مَحلُّها فَمُقامُها
بِمنىً، تأَبَّدَ غَوْلُها فَرِجامُها
يعني الإقامة. وقوله عزَّ وجل: كم تركوا من جنات وعيون وزُروع ومَقام
كَريم؛ قيل: المَقامُ الكريم هو المِنْبَر، وقيل: المنزلة الحسَنة. وقامت
المرأَة تَنُوح أَي جعَلت تنوح، وقد يُعْنى به ضدّ القُعود لأَن أكثر
نوائح العرب قِيامٌ؛ قال لبيد:
قُوما تَجُوبانِ مَعَ الأَنْواح
وقوله:
يَوْمُ أَدِيمِ بَقَّةَ الشَّرِيمِ
أَفضَلُ من يومِ احْلِقِي وقُومي
إنما أَراد الشدّة فكنى عنه باحْلِقي وقومي، لأَن المرأَة إذا مات
حَمِيمها أو زوجها أو قُتل حلَقَت رأْسها وقامَت تَنُوح عليه. وقولهم: ضَرَبه
ضَرْبَ ابنةِ اقْعُدي وقُومي أي ضَرْبَ أمة، سميت بذلك لقُعودها وقِيامه
في خدمة مواليها، وكأنَّ هذا جعل اسماً، وإن كان فِعْلاً، لكونه من
عادتها كما قال: إن الله ينهاكم عن قِيلٍ وقالٍ. وأَقامَ بالمكان إقاماً
وإقامةً ومُقاماً وقامةً؛ الأخيرة عن كراع: لَبِثَ. قال ابن سيده: وعندي أن
قامة اسم كالطّاعةِ والطّاقَةِ. التهذيب: أَقَمْتُ إقامةً، فإذا أَضَفْت
حَذَفْت الهاء كقوله تعالى: وإقام الصلاةِ وإيتاء الزكاةِ. الجوهري:
وأَقامَ بالمكان إقامةً، والهاء عوض عن عين الفعل لأَن أصلَه إقْواماً،
وأَقامَه من موضعه. وأقامَ الشيء: أَدامَه، من قوله تعالى: ويُقِيمون الصلاةَ،
وقوله تعالى: وإنَّها لبِسَبيل مُقِيم؛ أراد إن مدينة قوم لوط لبطريق
بيِّن واضح؛ هذا قول الزجاج.
والاسْتِقامةُ: الاعْتدالُ، يقال: اسْتَقامَ له الأمر. وقوله تعالى:
فاسْتَقِيمُوا إليه أي في التَّوَجُّه إليه دون الآلهةِ. وقامَ الشيءُ
واسْتقامَ: اعْتدَل واستوى. وقوله تعالى: إن الذين قالوا ربُّنا الله ثم
اسْتَقاموا؛ معنى قوله اسْتَقامُوا عملوا بطاعته ولَزِموا سُنة نبيه، صلى الله
عليه وسلم. وقال الأَسود بن مالك: ثم استقاموا لم يشركوا به شيئاً، وقال
قتادة: استقاموا على طاعة الله؛ قال كعب بن زهير:
فَهُمْ صَرفُوكم، حينَ جُزْتُمْ عنِ الهُدَى،
بأَسْيافِهِِمْ حَتَّى اسْتَقَمْتُمْ على القِيَمْ
قال: القِيَمُ الاسْتِقامةُ. وفي الحديث: قل آمَنتُ بالله ثم اسْتَقِمْ؛
فسر على وجهين: قيل هو الاسْتقامة على الطاعة، وقيل هو ترك الشِّرك.
أَبو زيد: أَقمْتُ الشيء وقَوَّمْته فَقامَ بمعنى اسْتقام، قال:
والاسْتِقامة اعتدال الشيء واسْتِواؤه. واسْتَقامَ فلان بفلان أي مدَحه وأَثنى عليه.
وقامَ مِيزانُ النهار إذا انْتَصفَ، وقام قائمٌ الظَّهِيرة؛ قال الراجز:
وقامَ مِيزانُ النَّهارِ فاعْتَدَلْ
والقَوامُ: العَدْل؛ قال تعالى: وكان بين ذلك قَواماً؛ وقوله تعالى: إنّ
هذا القرآن يَهْدِي للتي هي أَقْومُ؛ قال الزجاج: معناه للحالة التي هي
أَقْوَمُ الحالاتِ وهي تَوْحِيدُ الله، وشهادةُ أن لا إله إلا الله،
والإيمانُ برُسُله، والعمل بطاعته. وقَوَّمَه هو؛ واستعمل أبو إسحق ذلك في
الشِّعر فقال: استقامَ الشِّعر اتَّزَنَ. وقَوّمَََ دَرْأَه: أَزال
عِوَجَه؛ عن اللحياني، وكذلك أَقامَه؛ قال:
أَقِيمُوا، بَني النُّعْمانِ، عَنَّا صُدُورَكُم،
وإلا تُقِيموا، صاغِرِينَ، الرُّؤوسا
عدَّى أَقِيمُوا بعن لأَن فيه معنى نَحُّوا أَو أَزيلُوا، وأَما قوله:
وإلاَّ تُقِيموا صاغرين الرُّؤوسا فقد يجوز أَن يُعْنى به عُني بأَقِيموا
أي وإلا تُقيموا رؤوسكم عنا صاغرين، فالرُّؤوسُ على هذا مفعول بتُقيموا،
وإن شئت جعلت أَقيموا هنا غير متعدّ بعن فلم يكن هنالك حرف ولاحذف،
والرُّؤوسا حينئذ منصوب على التشبيه بالمفعول.
أَبو الهيثم: القامةُ جماعة الناس. والقامةُ أيضاً: قامةُ الرجل. وقامةُ
الإنسان وقَيْمَتُه وقَوْمَتُه وقُومِيَّتُه وقَوامُه: شَطاطُه؛ قال
العجاج:
أَما تَرَيني اليَوْمَ ذا رَثِيَّهْ،
فَقَدْ أَرُوحُ غيرَ ذي رَذِيَّهْ
صُلْبَ القَناةِ سَلْهَبَ القُومِيَّهْ
وصَرَعَه من قَيْمَتِه وقَوْمَتِه وقامَته بمعنى واحد؛ حكان اللحياني عن
الكسائي. ورجل قَوِيمٌ وقَوَّامٌ: حَسَنُ القامة، وجمعهما قِوامٌ.
وقَوام الرجل: قامته وحُسْنُ طُوله، والقُومِيَّةُ مثله؛ وأنشد ابن بري رجز
العجاج:
أَيامَ كنتَ حسَنَ القُومِيَّهْ،
صلبَ القناة سَلهبَ القَوْسِيَّهْ
والقَوامُ: حُسْنُ الطُّول. يقال: هو حسن القامةِ والقُومِيَّة
والقِمّةِ. الجوهري: وقامةُ الإنسان قد تُجمَع على قاماتٍ وقِيَمٍ مِثْل تاراتٍ
وتِيَر، قال: وهو مقصور قيام ولحقه التغيير لأَجل حرف العلة وفارق رَحَبة
ورِحاباً حيث لم يقولوا رِحَبٌ كما قالوا قِيَمٌ وتِيَرٌ. والقُومِيَّةُ:
القَوام أَو القامةُ. الأَصمعي: فلان حسن القامةِ والقِمّة والقُوميَّة
بمعنى واحد؛ وأَنشد:
فَتَمَّ مِنْ قَوامِها قُومِيّ
ويقال: فلان ذُو قُومِيَّةٍ على ماله وأَمْره. وتقول: هذا الأَمر لا
قُومِيَّة له أي لا قِوامَ له. والقُومُ: القصدُ؛ قال رؤبة:
واتَّخَذَ الشَّد لهنَّ قُوما
وقاوَمَه في المُصارَعة وغيرها. وتقاوموا في الحرب أي قام بعضهم لبعض.
وقِوامُ الأمر، بالكسر: نِظامُه وعِماده. أَبو عبيدة: هو قِوامُ أهل
بيته وقِيامُ أهل بيته، وهو الذي يُقيم شأْنهم من قوله تعالى: ولا تُؤتوا
السُّفهاء أَموالكم التي جَعل الله لكم قِياماً. وقال الزجاج: قرئت جعل
الله لكم قِياماً وقِيَماً. ويقال: هذا قِوامُ الأَمر ومِلاكُه الذي يَقوم
به؛ قال لبيد:
أَفَتِلْكَ أمْ وَحْشِيّةٌ مَسْبُوعَةٌ
خُذِلَتْ، وهادِيةُ الصِّوارِ قوامُها؟
قال: وقد يفتح، ومعنى الآية أي التي جعلَها الله لكم قِياماً تُقِيمكم
فتَقُومون بها قِياماً، ومن قرأَ قِيَماً فهو راجع إلى هذا، والمعنى جعلها
الله قِيمةَ الأَشياء فبها تَقُوم أُمورُكم؛ وقال الفراء: التي جعل الله
لكم قِياماً يعني التي بها تَقُومون قياماً وقِواماً، وقرأَ نافع المدني
قيَماً، قال: والمعنى واحد.
ودِينارٌ قائم إذا كان مثقالاً سَواء لا يَرْجح، وهو عند الصيارفة ناقص
حتى يَرْجَح بشيء فيسمى مَيّالاً، والجمع قُوَّمٌ وقِيَّمٌ. وقَوَّمَ
السِّلْعة واسْتَقامها: قَدَّرها. وفي حديث عبد الله بن عباس: إذا
اسْتَقَمْت بنَقْد فبِعْتَ بنقد فلا بأْس به، وإذا اسْتَقَمْت بنقد فبعته
بِنَسيئة فلا خير فيه فهو مكروه؛ قال أَبو عبيد: قوله إذا استقمت يعني
قوَّمت، وهذا كلام أهل مكة، يقولون: اسَتَقَمْتُ المَتاع أي قَوَّمْته، وهما
بمعنى، قال: ومعنى الحديث أن يدفَعَ الرجلُ إلى الرجل الثوب فيقوّمه مثلاً
بثلاثين درهماً، ثم يقول: بعه فما زاد عليها فلك، فإن باعه بأكثر من
ثلاثين بالنقد فهو جائز، ويأْخذ ما زاد على الثلاثين، وإن باعه بالنسيئة
بأَكثر مما يبيعه بالنقد فالبيع مردود ولا يجوز؛ قال أَبو عبيد: وهذا عند من
يقول بالرأْي لا يجوز لأَنها إجارة مجهولة، وهي عندنا معلومة جائزة،
لأَنه إذا وَقَّت له وَقْتاً فما كان وراء ذلك من قليل أو كثير فالوقت يأْتي
عليه، قال: وقال سفيان بن عيينة بعدما روى هذا الحديث يَسْتَقِيمه بعشرة
نقداً فيبيعه بخمسة عشر نسيئة، فيقول: أُعْطِي صاحب الثوب من عندي عشرة
فتكون الخمسة عشر لي، فهذا الذي كره. قال إسحق: قلت لأَحمد قول ابن عباس
إذا استقمت بنقد فبعت بنقد، الحديث، قال: لأنه يتعجل شيئاً ويذهب عَناؤه
باطلاً، قال إسحق: كما قال قلت فما المستقيم؟ قال: الرجل يدفع إلى الرجل
الثوب فيقول بعه بكذا، فما ازْدَدْتَ فهو لك، قلت: فمن يدفع الثوب إلى
الرجل فيقول بعه بكذا فما زاد فهو لك؟ قال: لا بأْس، قال إسحق كما قال.
والقِيمةُ: واحدة القِيَم، وأَصله الواو لأَنه يقوم مقام الشيء.
والقيمة: ثمن الشيء بالتَّقْوِيم. تقول: تَقاوَمُوه فيما بينهم، وإذا انْقادَ
الشيء واستمرّت طريقته فقد استقام لوجه. ويقال: كم قامت ناقتُك أي كم بلغت.
وقد قامَتِ الأمةُ مائة دينار أي بلغ قيمتها مائة دينار، وكم قامَتْ
أَمَتُك أي بلغت. والاستقامة: التقويم، لقول أهل مكة استقَمْتُ المتاع أي
قوَّمته. وفي الحديث: قالوا يا رسول الله لو قوَّمْتَ لنا، فقال: الله هو
المُقَوِّم، أي لو سَعَّرْت لنا، وهو من قيمة الشيء، أي حَدَّدْت لنا
قيمتها. ويقال: قامت بفلان دابته إذا كلَّتْ وأَعْيَتْ فلم تَسِر. وقامت
الدابة: وَقَفَت. وفي الحديث: حين قام قائمُ الظهيرة أي قيام الشمس وقت
الزوال من قولهم قامت به دابته أي وقفت، والمعنى أن الشمس إذا بلغت وسَط
السماء أَبْطأَت حركةُ الظل إلى أن تزول، فيحسب الناظر المتأَمل أنها قد وقفت
وهي سائرة لكن سيراً لا يظهر له أثر سريع كما يظهر قبل الزوال وبعده،
ويقال لذلك الوقوف المشاهد: قام قائم الظهيرة، والقائمُ قائمُ الظهيرة.
ويقال: قام ميزان النهار فهو قائم أي اعْتَدَل. ابن سيده: وقام قائم الظهيرة
إذا قامت الشمس وعقَلَ الظلُّ، وهو من القيام. وعَيْنٌ قائمة: ذهب بصرها
وحدَقَتها صحيحة سالمة. والقائم بالدِّين: المُسْتَمْسِك به الثابت عليه.
وفي الحديث: إنَّ حكيم بن حِزام قال: بايعت رسول الله، صلى الله عليه
وسلم، أن لا أخِرَّ إلا قائماً؛ قال له النبي، صلى الله عليه وسلم: أمّا من
قِبَلِنا فلا تَخِرُّ إلا قائماً أي لسنا ندعوك ولا نبايعك إلا قائماً
أي على الحق؛ قال أبو عبيد: معناه بايعت أن لا أموت إلا ثابتاً على
الإسلام والتمسُّك به. وكلُّ من ثبت على شيء وتمسك به فهو قائم عليه. وقال
تعالى: ليْسُوا سَواء من أهل الكتاب أُمَّةٌ قائمةٌ؛ إنما هو من المُواظبة
على الدين والقيام به؛ الفراء: القائم المتمسك بدينه، ثم ذكر هذا الحديث.
وقال الفراء: أُمَّة قائمة أي متمسكة بدينها. وقوله عز وجل: لا يُؤَدِّه
إليك إلا ما دُمت عليه قائماً؛ أي مُواظِباً مُلازِماً، ومنه قيل في
الكلام للخليفة: هو القائِمُ بالأمر، وكذلك فلان قائِمٌ
بكذا إذا كان حافظاً له متمسكاً به. قال ابن بري: والقائِمُ على الشيء
الثابت عليه، وعليه قوله تعالى: من أهل الكتاب أُمةٌ قائمةٌ؛ أي مواظِبة
على الدين ثابتة. يقال: قام فلان على الشيء إذا ثبت عليه وتمسك به؛ ومنه
الحديث: اسْتَقِيموا لقُريش ما اسْتَقامُوا لكم، فإنْ لم يَفْعَلوا
فضَعُوا سيُوفَكم على عَواتِقكم فأَبِيدُوا خضْراءهم، أي دُوموا لهم في الطاعة
واثْبُتوا عليها ما داموا على الدين وثبتوا على الإسلام. يقال: قامَ
واسْتَقامَ كما يقال أَجابَ واسْتجابَ؛ قال الخطابي: الخَوارِج ومن يَرى
رأْيهم يتأَوَّلونه على الخُروج على الأَئمة ويحملون قوله ما اسْتقاموا لكم
على العدل في السِّيرة، وإنما الاستقامة ههنا الإقامة على الإسلام، ودليله
في حديث آخر: سيَلِيكم أُمَراءُ تَقْشَعِرُّ منهم الجلود وتَشْمَئِزُّ
منهم القلوب، قالوا: يا رسول الله، أَفلا تُقاتلهم؟ قال: لا ما أَقاموا
الصلاة، وحديثه الآخر: الأَئمة من قريش أَبرارُها أُمَراءُ أَبرارِها
وفُجَّارُها أُمَراءُ فُجَّارِها؛ ومنه الحديث: لو لم تَكِلْه لقامَ لكم أي
دام وثبت، والحديث الآخر: لو تَرَكَتْه ما زال قائماً، والحديث الآخر: ما
زال يُقِيمُ لها أُدْمَها. وقائِمُ السيف: مَقْبِضُه، وما سوى ذلك فهو
قائمة نحو قائمةِ الخِوان والسرير والدابة. وقَوائِم الخِوان ونحوها: ما
قامت عليه. الجوهري: قائمُ السيف وقائمتُه مَقْبِضه. والقائمةُ: واحدة قوائم
الدَّوابّ. وقوائم الدابة: أربَعُها، وقد يستعار ذلك في الإنسان؛ وقول
الفرزدق يصف السيوف:
إذا هِيَ شِيمتْ فالقوائِمُ تَحْتها،
وإنْ لمْ تُشَمْ يَوْماً علَتْها القَوائِمُ
أَراد سُلَّت. والقوائم: مقَابِض السيوف.
والقُوام: داءٌ يأْخذ الغنم في قوائمها تقوم منه. ابن السكيت: ما فَعل
قُوام كان يَعتري هذه الدابة، بالضم، إذا كان يقوم فلا يَنْبَعث. الكسائي:
القُوام داءٌ يأْخذ الشاة في قوائمها تقوم منه؛ وقَوَّمت الغنم: أَصابها
ذلك فقامت. وقامُوا بهم: جاؤوهم بأَعْدادهم وأَقرانِهم وأَطاقوهم. وفلان
لا يقوم بهذا الأمر أي لا يُطِيق عليه، وإذا لم يُطِق الإنسان شيئاً
قيل: ما قام به. الليث: القامةُ مِقدار كهيئة رجل يبني على شَفِير البئر
يوضع عليه عود البَكْرة، والجمع القِيم، وكذلك كل شيء فوق سطح ونحوه فهو
قامة؛ قال الأَزهري: الذي قاله الليث في تفسير القامة غير صحيح، والقامة عند
العرب البكرة التي يستقى بها الماء من البئر، وروي عن أبي زيد أنه قال:
النَّعامة الخشبة المعترضة على زُرْنُوقي البئر ثم تعلق القامة، وهي
البَكْرة من النعامة. ابن سيده: والقامةُ البكرة يُستقَى عليها، وقيل: البكرة
وما عليها بأَداتِها، وقيل: هي جُملة أَعْوادها؛ قال الشاعر:
لَمّا رأَيْتُ أَنَّها لا قامهْ،
وأَنَّني مُوفٍ على السَّآمَهْ،
نزَعْتُ نَزْعاً زَعْزَعَ الدِّعامهْ
والجمع قِيَمٌ مثل تارةٍ وتِيَرٍ، وقامٌ؛ قال الطِّرِمّاح:
ومشَى تُشْبِهُ أَقْرابُه
ثَوْبَ سْحْلٍ فوقَ أَعوادِ قامِ
وقال الراجز:
يا سَعْدُ غَمَّ الماءَ وِرْدٌ يَدْهَمُه،
يَوْمَ تَلاقى شاؤُه ونَعَمُهْ،
واخْتَلَفَتْ أَمْراسُه وقِيَمُهْ
وقال ابن بري في قول الشاعر:
لَمّا رأَيت أَنها لا قامه
قال: قال أَبو عليّ ذهب ثعلب إلى أَن قامة في البيت جمع قائِم مثل بائِع
وباعةٍ، كأَنه أَراد لا قائمين على هذا الحوض يَسْقُون منه، قال: ومثله
فيما ذهب إليه الأَصمعي:
وقامَتي رَبِيعةُ بنُ كَعْبِ،
حَسبُكَ أَخلاقُهمُ وحَسْبي
أي رَبِيعة قائمون بأَمري؛ قال: وقال عديّ بن زيد:
وإنِّي لابنُ ساداتٍ
كِرامٍ عنهمُ سُدْتُ
وإنِّي لابنُ قاماتٍ
كِرامٍ عنهمُ قُمْتُ
أَراد بالقاماتِ الذين يقومون بالأُمور والأَحداث؛ ومما يشهد بصحة قول
ثعلب أن القامة جمع قائم لا البكرة قوله:
نزعت نزعاً زعزع الدِّعامه
والدِّعامة إنما تكون للبكرة، فإن لم تكن بكْرَةٌ
فلا دعامة ولا زعزعةَ لها؛ قال ابن بري: وشاهد القامة للبكرة قول
الراجز:إنْ تَسْلَمِ القامةُ والمَنِينُ،
تُمْسِ وكلُّ حائِمٍ عَطُونُ
وقال قيس بن ثُمامة الأرْحبي في قامٍ جمع قامةِ البئر:
قَوْداءَ تَرْمَدُّ مِنْ غَمْزي لها مَرَطَى،
كأَن هادَيها قامٌ على بِيرِ
والمِقْوَم: الخَشَبة التي يُمْسكها الحرّاث. وقوله في الحديث: إنه
أَذِنَ في قَطْع المسَدِ والقائمَتينِ من شجر الحَرَم، يريد قائمتي الرَّحْل
اللتين تكون في مُقَدَّمِه ومُؤَخَّره.
وقَيِّمُ الأمر: مُقِيمهُ. وأمرٌ
قَيِّمٌ: مُسْتقِيم. وفي الحديث: أتاني مَلَك فقال: أَنت قُثَمٌ
وخُلُقُكَ قَيِّم أي مُسْتَقِيم حسَن. وفي الحديث: ذلك الدين القَيِّمُ أي
المستقيم الذي لا زَيْغ فيه ولا مَيْل عن الحق. وقوله تعالى: فيها كُتب
قيِّمة؛ أَي مستقيمة تُبيّن الحقّ من الباطل على اسْتِواء وبُرْهان؛ عن الزجاج.
وقوله تعالى: وذلك دِين القَيِّمة؛ أَي دين الأُمةِ القيّمة بالحق،
ويجوز أَن يكن دين المِلة المستقيمة؛ قال الجوهري: إنما أَنثه لأَنه أَراد
المِلة الحنيفية. والقَيِّمُ: السيّد وسائسُ الأَمر. وقَيِّمُ القَوْم:
الذي يُقَوِّمُهم ويَسُوس أَمرهم. وفي الحديث: ما أَفْلَحَ قَوْمٌ
قَيِّمَتُهُم امرأة. وقَيِّمُ المرأَةِ: زوجها في بعض اللغات. وقال أَبو
الفتح ابن جني في كتابه الموسوم بالمُغْرِب. يروى أَن جاريتين من بني
جعفر بن كلاب تزوجتا أَخوين من بني أَبي بكر ابن كلاب فلم تَرْضَياهما
فقالت إحداهما:
أَلا يا ابْنَةَ الأَخْيار مِن آلِ جَعْفَرٍ
لقد ساقَنا منْ حَيِّنا هَجْمَتاهُما
أُسَيْوِدُ مِثْلُ الهِرِّ لا دَرَّ دَرُّه
وآخَرُ مِثْلُ القِرْدِ لا حَبَّذا هُما
يَشِينانِ وجْهَ الأَرْضِ إنْ يَمْشِيا بِها،
ونَخْزَى إذَا ما قِيلَ: مَنْ قَيِّماهُما؟
قَيِّماهما: بَعْلاهُما، ثنت الهَجّمتين لأَنها أَرادت القِطْعَتَين أَو
القَطيعَيْنِ. وفي الحديث: حتى يكون لخمسين امرأَة قَيِّمٌ واحد؛
قَيِّمُ المرأَةِ: زوجها لأَنه يَقُوم بأَمرها وما تحتاج إليه. وقام بأَمر كذا.
وقام الرجلُ على المرأَة: مانَها. وإنه لَقَوّام علهيا: مائنٌ لها. وفي
التنزيل العزيز: الرجالُ قَوَّامون على النساء؛ وليس يراد ههنا، والله
أَعلم، القِيام الذي هو المُثُولُ والتَّنَصُّب وضدّ القُعود، إنما هو من
قولهم قمت بأَمرك، فكأنه، والله أَعلم، الرجال مُتكفِّلون بأُمور النساء
مَعْنِيُّون بشؤونهن، وكذلك قوله تعالى: يا أَيها الذين آمنوا إذا قُمتم
إلى الصلاة؛ أَي إذا هَمَمْتم بالصلاة وتَوَجّهْتم إليها بالعِناية وكنتم
غير متطهرين فافعلوا كذا، لا بدّ من هذا الشرط لأَن كل من كان على طُهر
وأَراد الصلاة لم يلزمه غَسْل شيء من أعضائه، لا مرتَّباً ولا مُخيراً
فيه، فيصير هذا كقوله: وإن كنتم جُنُباً فاطَّهروا؛ وقال هذا، أَعني قوله
إذا قمتم إلى الصلاة فافعلوا كذا، وهو يريد إذا قمتم ولستم على طهارة، فحذف
ذلك للدلالة عليه، وهو أَحد الاختصارات التي في القرآن وهو كثير جدّاً؛
ومنه قول طرفة:
إذا مُتُّ فانْعِينِي بما أَنا أَهْلُه،
وشُقِّي عَلَيَّ الجَيْبَ، يا ابنةَ مَعْبَدِ
تأْويله: فإن مت قبلك، لا بدّ أَن يكون الكلام مَعْقوداً على هذا لأَنه
معلوم أَنه لا يكلفها نَعْيَه والبُكاء عليه بعد موتها، إذ التكليفُ لا
يصح إلا مع القدرة، والميت لا قدرة فيه بل لا حَياة عنده، وهذا واضح.
وأَقامَ الصلاة إقامةً وإقاماً؛ فإقامةً
على العوض، وإقاماً بغير عوض. وفي التنزيل: وإقامَ الصلاة. ومن كلام
العرب: ما أَدري أَأَذَّنَ أَو أَقامَ؛ يعنون أَنهم لم يَعْتَدّوا أَذانَه
أَذانَاً ولا إقامَته إقامةً، لأَنه لم يُوفِّ ذلك حقَّه، فلما وَنَى فيه
لم يُثبت له شيئاً منه إذ قالوها بأَو، ولو قالوها بأَم لأَثبتوا أَحدهما
لا محالة. وقالوا: قَيِّم المسجد وقَيِّمُ الحَمَّام. قال ثعلب: قال ابن
ماسَوَيْهِ ينبغي للرجل أَن يكون في الشتاء كقَيِّم الحَمَّام، وأَما
الصيف فهو حَمَّام كله وجمع قَيِّم عند كراع قامة. قال ابن سيده: وعندي أَن
قامة إنما هو جمع قائم على ما يكثر في هذا الضرب.
والمِلَّة القَيِّمة: المُعتدلة، والأُمّة القَيِّمة كذلك. وفي التنزيل:
وذلك دين القَيّمة؛ أي الأُمَّة القيمة. وقال أَبو العباس والمبرد: ههنا
مضمرٍ، أَراد ذلك دِينُ الملَّةِ القيمة، فهو نعت مضمرٍ محذوفٌ محذوقٌ؛
وقال الفراء: هذا مما أُضيف إلى نفسه لاختلاف لفظيه؛ قال الأَزهري:
والقول ما قالا، وقيل: أباء في القَيِّمة للمبالغة، ودين قَيِّمٌ كذلك. وفي
التنزيل العزيز: ديناً قِيَماً مِلَّةَ إبراهيم. وقال اللحياني وقد قُرئ
ديناً قَيِّماً أي مستقيماً. قال أَبو إسحق: القَيِّمُ هو المُسْتَقيم،
والقِيَمُ: مصدر كالصِّغَر والكِبَر إلا أَنه لم يُقل قِوَمٌ مثل قوله: لا
يبغون عنها حِوَلاً؛ لأَن قِيَماً من قولك قام قِيَماً، وقامَ كان في
الأصل قَوَمَ أَو قَوُمَ، فصار قام فاعتل قِيَم، وأَما حِوَلٌ
فهو على أَنه جار على غير فِعْل؛ وقال الزجاج: قِيَماً مصدر كالصغر
والكبر، وكذلك دين قَوِيم وقِوامٌ.
ويقال: رمح قَوِيمٌ وقَوامٌ قَوِيمٌ
أَى مستقيم؛ وأَنشد ابن بري لكعب بن زهير:
فَهُمْ ضَرَبُوكُم حِينَ جُرْتم عن الهُدَى
بأَسْيافهم، حتَّى اسْتَقَمْتُمْ على القِيَمْ
(* قوله «ضربوكم حين جرتم» تقدم في هذه المادة تبعاً للأصل: صرفوكم حين
جزتم، ولعله مروي بهما).
وقال حسان:
وأَشْهَدُ أَنَّكَ، عِنْد المَلِيـ
ـكِ، أُرْسلْتَ حَقّاً بِدِينٍ قِيَمْ
قال: إلا أنّ القِيَمَ مصدر بمعنى الإستقامة. والله تعالى القَيُّوم
والقَيَّامُ. ابن الأَعرابي: القَيُّوم والقيّام والمُدبِّر واحد. وقال
الزجاج: القيُّوم والقيَّام في صفة الله تعالى وأَسمائه الحسنى القائم بتدبير
أَمر خَلقه في إنشائهم ورَزْقهم وعلمه بأَمْكِنتهم. قال الله تعالى: وما
من دابّة في الأَرض إلا على الله رِزْقُها ويَعلَم مُسْتَقَرَّها
ومُسْتَوْدَعها. وقال الفراء: صورة القَيُّوم من الفِعل الفَيْعُول، وصورة
القَيَّام الفَيْعال، وهما جميعاً مدح، قال: وأَهل الحجاز أَكثر شيء قولاً
للفَيْعال من ذوات الثلاثة مثل الصَّوَّاغ، يقولون الصَّيَّاغ. وقال الفراء
في القَيِّم: هو من الفعل فَعِيل، أَصله قَوِيم، وكذلك سَيّد سَوِيد
وجَيِّد جَوِيد بوزن ظَرِيف وكَرِيم، وكان يلزمهم أَن يجعلوا الواو أَلفاً
لانفتاح ما قبلها ثم يسقطوها لسكونها وسكون التي بعدها، فلما فعلوا ذلك
صارت سَيْد على فَعْل، فزادوا ياء على الياء ليكمل بناء الحرف؛ وقال
سيبويه: قَيِّم وزنه فَيْعِل وأَصله قَيْوِم، فلما اجتمعت الياء والواو والسابق
ساكن أَبدلوا من الواو ياء وأَدغموا فيها الياء التي قبلها، فصارتا ياء
مشدّدة، وكذلك قال في سيّد وجيّد وميّت وهيّن وليّن. قال الفراء: ليس في
أَبنية العرب فَيْعِل، والحَيّ كان في الأَصل حَيْواً، فلما إجتمعت الياء
والواو والسابق ساكن جعلتا ياء مشدّدة. وقال مجاهد: القَيُّوم القائم
على كل شيء، وقال قتادة: القيوم القائم على خلقه بآجالهم وأَعمالهم
وأَرزاقهم. وقال الكلبي: القَيُّومُ الذي لا بَدِيء له. وقال أَبو عبيدة: القيوم
القائم على الأشياء. الجوهري: وقرأَ عمر الحيُّ القَيّام، وهو لغة،
والحيّ القيوم أَي القائم بأَمر خلقه في إنشائهم ورزقهم وعلمه بمُسْتَقرِّهم
ومستودعهم. وفي حديث الدعاء: ولكَ الحمد أَنت قَيّام السمواتِ والأَرض،
وفي رواية: قَيِّم، وفي أُخرى: قَيُّوم، وهي من أبنية المبالغة، ومعناها
القَيّام بأُمور الخلق وتدبير العالم في جميع أَحواله، وأَصلها من الواو
قَيْوامٌ وقَيْوَمٌ وقَيْوُومٌ، بوزن فَيْعالٍ وفَيْعَلٍ وفَيْعُول.
والقَيُّومُ: من أَسماء الله المعدودة، وهو القائم بنفسه مطلقاً لا بغيره، وهو
مع ذلك يقوم به كل موجود حتى لا يُتَصوَّر وجود شيء ولا دوام وجوده إلا
به.
والقِوامُ من العيش
(* قوله «والقوام من العيش» ضبط القوام في الأصل
بالكسر واقتصر عليه في المصباح، ونصه: والقوام، بالكسر، ما يقيم الإنسان من
القوت، وقال أيضاً في عماد الأمر وملاكه أنه بالفتح والكسر، وقال صاحب
القاموس: القوام كسحاب ما يعايش به، وبالكسر، نظام الأمر وعماده): ما
يُقيمك. وفي حديث المسألة: أَو لذي فَقْرٍ مُدْقِع حتى يُصِيب قِواماً من عيش
أَي ما يقوم بحاجته الضرورية. وقِوامُ العيش: عماده الذي يقوم به.
وقِوامُ الجِسم: تمامه. وقِوام كل شيء: ما استقام به؛ قال العجاج:
رأْسُ قِوامِ الدِّينِ وابنُ رَأْس
وإِذا أَصاب البردُ شجراً أَو نبتاً فأَهلك بعضاً وبقي بعض قيل: منها
هامِد ومنها قائم. الجوهري: وقَوَّمت الشيء، فهو قَويم أي مستقيم، وقولهم
ما أَقوَمه شاذ، قال ابن بري: يعني كان قياسه أَن يقال فيه ما أَشدَّ
تَقْويمه لأَن تقويمه زائد على الثلاثة، وإنما جاز ذلك لقولهم قَويم، كما
قالوا ما أَشدَّه وما أَفقَره وهو من اشتدّ وافتقر لقولهم شديد وفقير.
قال: ويقال ما زِلت أُقاوِمُ فلاناً في هذا الأَمر أي أُنازِله. وفي
الحديث: مَن جالَسه أَو قاوَمه في حاجة صابَره. قال ابن الأَثير: قاوَمَه
فاعَله من القِيام أَي إذا قامَ معه ليقضي حاجتَه صبَر عليه إلى أن
يقضِيها.وفي الحديث: تَسْويةُ الصفّ من إقامة الصلاة أي من تمامها وكمالها، قال:
فأَمّا قوله قد قامت الصلاة فمعناه قامَ أَهلُها أَو حان قِيامهم. وفي
حديث عمر: في العين القائمة ثُلُث الدية؛ هي الباقية في موضعها صحيحة
وإنما ذهب نظرُها وإبصارُها. وفي حديث أَبي الدرداء: رُبَّ قائمٍ مَشكورٌ له
ونائمٍ مَغْفورٌ له أَي رُبَّ مُتَجَهِّد يَستغفر لأَخيه النائم فيُشكر
له فِعله ويُغفر للنائم بدعائه. وفلان أَقوَمُ كلاماً من فلان أَي أَعدَلُ
كلاماً.
والقَوْمُ: الجماعة من الرجال والنساء جميعاً، وقيل: هو للرجال خاصة دون
النساء، ويُقوِّي ذلك قوله تعالى: لا يَسْخَر قَوم من قوم عسى أَن
يكونوا خيراً منهم ولا نساء من نساء عسى أَن يَكُنَّ خيراً منهن؛ أَي رجال من
رجال ولا نساء من نِساء، فلو كانت النساء من القوم لم يقل ولا نساء من
نساء؛ وكذلك قول زهير:
وما أَدرِي، وسوفَ إخالُ أَدري،
أَقَوْمٌ آلُ حِصْنٍ أَمْ نِساء؟
وقَوْمُ كل رجل: شِيعته وعشيرته. وروي عن أَبي العباس: النَّفَرُ
والقَوْم والرَّهط هؤُلاء معناهم الجمع لا واحد لهم من لفظهم للرجال دون
النساء. وفي الحديث: إن نَسَّاني الشيطان شيئاً من هلاتي فليُسبِّح القومُ
وليُصَفِّقِ النساء؛ قال ابن الأَثير: القوم في الأصل مصدر قام ثم غلب على
الرجال دون النساء، ولذلك قابلن به، وسموا بذلك لأَنهم قوّامون على النساء
بالأُمور التي ليس للنساء أَن يقمن بها. الجوهري: القوم الرجال دون
النساء لا واحد له من لفظه، قال: وربما دخل النساء فيه على سبيل التبع لأَن
قوم كل نبي رجال ونساء، والقوم يذكر ويؤَنث، لأَن أَسماء الجموع التي لا
واحد لها من لفظها إذا كانت للآدميين تذكر وتؤنث مثل رهط ونفر وقوم، قال
تعالى: وكذَّبَ به قومك، فذكَّر، وقال تعالى: كذَّبتْ قومُ نوح، فأَنَّث؛
قال: فإن صَغَّرْتَ لم تدخل فيها الهاء وقلت قُوَيْم ورُهَيْط ونُفَير،
وإنما يلحَقُ التأْنيثُ فعله، ويدخل الهاء فيما يكون لغير الآدميين مثل
الإبل والغنم لأَن التأنيث لازم له، وأَما جمع التكسير مثل جمال ومساجد،
وإن ذكر وأُنث، فإنما تريد الجمع إذا ذكرت، وتريد الجماعة إذا أَنثت. ابن
سيده: وقوله تعالى: كذَّبت قوم نوح المرسلين، إِنما أَنت على معنى كذبت
جماعة قوم نوح، وقال المرسلين، وإن كانوا كذبوا نوحاً وحده، لأَن من كذب
رسولاً واحداً من رسل الله فقد كذب الجماعة وخالفها، لأَن كل رسول يأْمر
بتصديق جميع الرسل، وجائز أَن يكون كذبت جماعة الرسل، وحكى ثعلب: أَن العرب
تقول يا أَيها القوم كفُّوا عنا وكُفّ عنا، على اللفظ وعلى المعنى. وقال
مرة: المخاطب واحد، والمعنى الجمع، والجمع أَقْوام وأََقاوِم وأقايِم؛
كلاهما على الحذف؛ قال أَبو صخر الهذلي أَنشده يعقوب:
فإنْ يَعْذِرِ القَلبُ العَشِيَّةَ في الصِّبا
فُؤادَكَ، لا يَعْذِرْكَ فيه الأَقاوِمُ
ويروى: الأقايِمُ، وعنى بالقلب العقل؛ وأَنشد ابن بري لخُزَز بن
لَوْذان:مَنْ مُبْلغٌ عَمْرَو بنَ لأ
يٍ، حَيْثُ كانَ مِن الأَقاوِمْ
وقوله تعالى: فقد وكلنا بها قوماً ليسوا بها بكافرين؛ قال الزجاج: قيل
عنى بالقوم هنا الأَنبياء، عليهم السلام، الذين جرى ذكرهم، آمنوا بما أَتى
به النبي، صلى الله عليه وسلم، في وقت مَبْعثهم؛ وقيل: عنى به من آمن من
أَصحاب النبي، صلى الله عليه وسلم، وأَتباعه، وقيل: يُعنى به الملائكة
فجعل القوم من الملائكة كما جعل النفر من الجن حين قال عز وجل: قل أُوحي
إليّ أَنه استمع نفر من الجن، وقوله تعالى: يَسْتَبْدِلْ قوماً غيركم؛ قال
الزجاج: جاء في التفسير: إن تولى العِبادُ استبدل الله بهم الملائكة،
وجاء: إن تَوَلَّى أهلُ مكة استبدل الله بهم أهل المدينة، وجاء أيضاً:
يَسْتَبْدِل قوماً غيركم من أهل فارس، وقيل: المعنى إن تتولوا يستبدل قوماً
أَطْوَعَ له منكم. قال ابن بري: ويقال قوم من الجنّ وناسٌ من الجنّ
وقَوْمٌمن الملائكة؛ قال أُمية:
وفيها مِنْ عبادِ اللهِ قَوْمٌ،
مَلائِكُ ذُلُِّلوا، وهُمُ صِعابُ
والمَقامُ والمَقامة: المجلس. ومَقامات الناس: مَجالِسُهم؛ قال العباس
بن مرداس أَنشده ابن بري:
فأَيِّي ما وأَيُّكَ كان شَرّاً
فَقِيدَ إلى المَقامةِ لا يَراها
ويقال للجماعة يجتمعون في مَجْلِسٍ: مَقامة؛ ومنه قول لبيد:
ومَقامةٍ غُلْبِ الرِّقابِ كأَنَّهم
جِنٌّ، لدَى بابِ الحَصِيرِ، قِيامُ
الحَصِير: المَلِك ههنا، والجمع مَقامات؛ أَنشد ابن بري لزهير:
وفيهِمْ مَقاماتٌ حِسانٌ وجُوهُهُمْ،
وأَنْدِيةٌ يَنْتابُها القَوْلُ والفِعْلُ
ومَقاماتُ الناسِ: مَجالِسهم أيضاً. والمَقامة والمَقام: الموضع الذي
تَقُوم فيه. والمَقامةُ: السّادةُ.
وكل ما أَوْجَعَك من جسَدِك فقد قامَ بك. أَبو زيد في نوادره: قامَ بي
ظَهْري أَي أَوْجَعَني، وقامَت بي عيناي.
ويومُ القِيامة: يومُ البَعْث؛ وفي التهذيب: القِيامة يوم البعث يَقُوم
فيه الخَلْق بين يدي الحيّ القيوم. وفي الحديث ذكر يوم القِيامة في غير
موضع، قيل: أَصله مصدر قام الخَلق من قُبورهم قِيامة، وقيل: هو تعريب
قِيَمْثَا
(* قوله «تعريب قيمثا» كذا ضبط في نسخة صحيحة من النهاية، وفي أخرى
بفتح القاف والميم وسكون المثناة بينهما. ووقع في التهذيب بدل المثلثة
ياء مثناة ولم يضبط)، وهو بالسريانية بهذا المعنى. ابن سيده: ويوم
القِيامة يوم الجمعة؛ ومنه قول كعب: أَتَظْلِم رجُلاً يوم القيامة؟
ومَضَتْ قُِوَيْمةٌ من الليلِ أَي ساعةٌ
أَو قِطْعة، ولم يَجِدْه أَبو عبيد، وكذلك مضَى قُوَيْمٌ
من الليلِ، بغير هاء، أَي وَقْت غيرُ محدود.
سمع: السَّمْعُ: حِسُّ الأُذن. وفي التنزيل: أَو أَلقى السمْع وهو شهيد؛
وقال ثعلب: معناه خَلا له فلم يشتغل بغيره؛ وقد سَمِعَه سَمْعاً
وسِمْعاً وسَماعاً وسَماعةً وسَماعِيةً. قال اللحياني: وقال بعضهم السَّمْعُ
المصدر، والسِّمع: الاسم. والسَّمْعُ أَيضاً: الأُذن، والجمع أَسْماعٌ. ابن
السكيت: السَّمْعُ سَمْعُ الإِنسان وغيره، يكون واحداً وجمعاً؛ وأَما قول
الهذلي:
فلمَّا رَدَّ سامِعَه إِليه،
وجَلَّى عن عَمايَتِه عَماهُ
فإِنه عنى بالسامِع الأُذن وذكّر لمكان العُضْو، وسَمَّعه الخبر
وأَسْمعه إِيّاه. وقوله تعالى: واسْمَعْ غيرَ مُسْمَع؛ فسره ثعلب فقال: اسْمَعْ
لا سَمِعْتَ. وقوله تعالى: إِنْ تُسْمِعُ إِلا من يؤْمِنُ بآياتنا؛ أَي
ما تُسمع إِلا من يؤمن بها، وأَراد بالإِسماعِ ههنا القبول والعمل بما
يسمع، لأِنه إِذا لم يقبل ولم يعمل فهو بمنزلة من لم يسمع. وسَمَّعَه الصوت
وأَسمَعه: اسْتَمَعَ له. وتسَمَّع إِليه: أَصْغى، فإِذا أَدْغَمْت قلت
اسَّمَّعَ إِليه، وقرئ: لا يَسَّمَّعون إِلى الملإِ الأَعلى. يقال
تَسَمَّعت إِليه وسَمِعْتُ إِليه وسَمِعْتُ له، كله بمعنى لأَنه تعالى قال: لا
تَسْمَعوا لهذا القرآن، وقرئ: لا يَسْمَعُون إِلى الملإِ الأَعلى،
مخففاً. والمِسْمَعةُ والمِسْمَعُ والمَسْمَعُ؛ الأَخيرة عن ابن جبلة: الأُذن،
وقيل: المَسْمَعُ خَرْقُها الذي يُسْمَعُ به ومَدْخَلُ الكلام فيها.
يقال: فلان عظيم المِسْمَعَيْن والسامِعَتَيْنِ. والسامِعتانِ: الأُذنان من
كل شيء ذي سَمْعٍ. والسامِعةُ: الأُذن؛ قال طرفة يصف أُذن ناقته:
مُؤَلَّلتانِ تَعْرِفُ العِتْقَ فيهما،
كَسامِعَتَيْ شاةٍ بحَومَلَ مُفْرَدِ
ويروى: وسامِعتانِ. وفي الحديث: ملأَ الله مَسامِعَه؛ هي جمع مِسْمع وهو
آلةُ السَّمع أَو جمع سمع على غير قياس كمَشابِهَ ومَلامِحَ؛ ومنه حديث
أَبي جهل: إِنَّ محمداً نزل يَثْرِبَ وإِنه حَنِقَ عليكم نَفَيْتُموه
نَفْي القُراد عن المَسامِع، يعني عن الآذان، أَي أَخرجتموه من مكة إِخراج
استِئْصالٍ لأَن أَخذ القراد عن الدابة قلعُه باكللية، والأُذن أَخَفُّ
الأَعضاء شعَراً بل أَكثرها لا شعَر عليه
(* أعاد الضمير في عليه الى
العضو، واحد الأعضاء، لا الى الأذن، فلذلك ذكّره.)، فيكون النزع منها أَبلغ.
وقالوا: هو مني مَرأًى ومَسْمَعٌ، يرفع وينصب، وهو مِني بمَرأًى
ومَسْمَعٍ. وقالوا: ذلك سَمْعَ أُذُني وسِمْعَها وسَماعَها وسَماعَتَها أَي
إِسْماعَها؛ قال:
سَماعَ اللهِ والعُلَماءِ أَنِّي
أَعْوذُ بخَيْرِ خالِك، يا ابنَ عَمْرِو
أَوقَعَ الاسم موقع المصدر كأَنه قال إِسماعاً كما قال:
وبَعْدَ عَطائِك المائةَ الرِّتاعا
أَي إِعطائِك. قال سيبويه: وإِن شئت قلت سَمْعاً، قال ذلك إِذا لم
تَخْتَصِصْ نفْسَك. وقال اللحياني: سَمْعُ أُذني فلاناً يقول ذلك، وسِمْعُ
أُذني وسَمْعةُ أُذني فرفع في كل ذلك. قال سيبويه: وقالوا أَخذت ذلك عنه
سَماعاً وسَمْعاً، جاؤوا بالمصدر على غير فعله، وهذا عنده غير مطرد،
وتَسامَعَ به الناس. وقولهم: سَمْعَكَ إِليَّ أَي اسْمَعْ مِني، وكذلك قولهم:
سَماعِ أَي اسْمَعْ مثل دَراكِ ومَناعِ بمعنى أَدْرِكْ وامْنَعْ؛ قال ابن
بري: شاهده قول الشاعر:
فسَماعِ أَسْتاهَ الكِلابِ سَماعِ
قال: وقد تأْتي سَمِعْتُ بمعنى أَجَبْتُ؛ ومنه قولهم: سَمِعَ الله لمن
حَمِدَه أَي أَجاب حَمْده وتقبّله. يقال: اسْمَعْ دُعائي أَي أَجِبْ لأَن
غرض السائل الإِجابةُ والقَبُولُ؛ وعليه ما أَنشده أَبو زيد:
دَعَوْتُ اللهَ، حتى خِفْتُ أَن لا
يكونَ اللهُ يَسْمَعُ ما أَقولُ
وقوله: أَبْصِرْ به وأَسْمِعْ أَي ما أَبْصَرَه وما أَسْمَعَه على
التعجب؛ ومنه الحديث: اللهم إِني أَعوذ بك من دُعاء لا يُسْمعُ أَي لا يُستجاب
ولا يُعْتَدُّ به فكأَنه غير مَسْموع؛ ومنه الحديث: سَمِعَ سامِعٌ بحمدِ
الله وحُسْنِ بلائه علينا أَي لِيَسْمَعِ السامِعُ ولِيَشْهَدِ الشاهِدُ
حَمْدَنا اللهَ تعالى على ما أَحسَن إِلينا وأَوْلانا من نعمه، وحُسْنُ
البلاء النِّعْمةُ والاخْتِبارُ بالخير ليتبين الشكر، وبالشرّ ليظهر
الصبر. وفي حديث عمرو بن عَبْسة قال له: أَيُّ الساعاتِ أَسْمَعُ؟ قال:
جَوْفُ الليلِ الآخِرُ أَي أَوْفَقُ لاستماع الدعاء فيه وأَوْلى بالاستجابة
وهو من باب نهارُه صائم وليله قائم. ومنه حديث الضحّاك: لما عرض عليه
الإِسلام قال: فسمعتُ منه كلاماً لم أَسْمَعْ قط قولاً أَسْمَعَ منه؛ يريد
أَبْلَغَ وأَنْجَعَ في القلب. وقالوا: سَمْعاً وطاعة، فنصبوه على إِضْمار
الفعل غير المستعمل إِظهاره، ومنهم من يرفعه أَي أَمري ذلك والذي يُرْفَعُ
عليه غير مستعمل إِظهاره كما أَنّ الذي ينصب عليه كذلك. ورجل سَمِيعٌ:
سامِعٌ، وعَدَّوْه فقالوا: هو سميع قوْلَكَ وقَوْلَ غيرِك. والسميع: من
صفاته عز وجل، وأَسمائه لا يَعْزُبُ عن إِدْراكِه مسموع، وإِن خفي، فهو يسمع
بغير جارحة. وفَعِيلٌ: من أَبْنِيةِ المُبالغة. وفي التنزيل: وكان الله
سميعاً بصيراً، وهو الذي وَسِعَ سَمْعُه كل شيء كما قال النبي، صلى الله
عليه وسلم، قال الله تعالى: قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها، وقال
في موضع آخر: أَم يحسبون أَنَّا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى؛ قال الأَزهري:
والعجب من قوم فسَّروا السميعَ بمعنى المُسْمِع فِراراً من وصف الله
بأَن له سَمْعاً، وقد ذكر الله الفعل في غير موضع من كتابه، فهو سَمِيعٌ ذو
سَمْعٍ بلا تَكيِيفٍ ولا تشبيه بالسمع من خلقه ولا سَمْعُه كسَمْعِ خلقه،
ونحن نصف الله بما وصف به نفسه بلا تحديد ولا تكييف، قال: ولست أُنكر في
كلام العرب أَن يكون السميع سامِعاً ويكون مُسْمِعاً؛ وقد قال عمرو بن
معديكرب:
أَمِنْ رَيْحانةَ الدَّاعِي السَّمِيعُ
يُؤَرِّقُني، وأَصحابي هُجُوعُ؟
فهو في هذا البيت بمعنى المُسْمِعِ وهو شاذّ، والظاهر الأَكثر من كلام
العرب أَن يكون السميعُ بمعنى السامِعِ مثل علِيمٍ وعالِم وقدِير وقادِرٍ.
ومُنادٍ سَمِيعٌ: مُسْمِعٌ كخبير ومُخْبر؛ وأُذن سَمْعةٌ وسَمَعَةٌ
وسَمِعةٌ وسَمِيعةٌ وسامِعةٌ وسَمّاعةٌ وسَمُوعةٌ. والسَّمِيع: المَسْمُوعُ
أَيضاً. والسَّمْعُ: ما وَقَر في الأُذن من شيء تسمعه. ويقال: ساءَ
سَمْعاً فأَساءَ إِجابةً أَي لم يَسْمَعْ حسَناً. ورجل سَمّاعٌ إِذا كان كثير
الاستماع لما يُقال ويُنْطَقُ به. قال الله عز وجل: سَمّاعون للكذب، فُسّر
قوله سماعون للكذب على وجهين: أَحدهما أَنهم يسمعون لكي يكذبوا فيما
سمعوا، ويجوز أَن يكون معناه أَنهم يسمعون الكذب ليشيعوه في الناس، والله
أَعلم بما أَراد. وقوله عز وجل: ختمَ الله على قلوبِهم وعلى سَمْعِهم وعلى
أَبصارهم غشاوة، فمعنى خَتَمَ طَبَع على قلوبهم بكفرهم وهم كانوا يسمعون
ويبصرون ولكنهم لم يستعملوا هذه الحواسّ استعمالاً يُجْدِي عليهم فصاروا
كمن لم يسمع ولم يُبْصِرْ ولم يَعْقِلْ كما قالوا:
أَصَمّ عَمّا ساءَه سَمِيع
وقوله على سَمْعِهم فالمراد منه على أَسماعهم، وفيه ثلاثة أَوجه: أَحدها
أَن السمع بمعنى المصدر يوحّد ويراد به الجمع لأَن المصادر لا تجمع،
والثاني أَن يكون المعنى على مواضع سمعهم فحذفت المواضع كما تقول هم عَدْل
أَي ذوو عدل، والثالث أَن تكون إِضافته السمع إِليهم دالاًّ على أَسماعِهم
كما قال:
في حَلْقِكُم عَظْمٌ وقد شَجِينا
معناه في حُلوقكم، ومثله كثير في كلام العرب، وجمع الأَسْماعِ
أَسامِيعُ. وحكى الأَزهري عن أَبي زيد: ويقال لجميع خروق الإِنسان عينيه
ومَنْخِرَيْهِ واسْتِه مَسامِعُ لا يُفْرَدُ واحدها. قال الليث: يقال سَمِعَتْ
أُذُني زيداً يفعل كذا وكذا أَي أَبْصَرْتُه بعيني يفعل ذلك؛ قال الأَزهري:
لا أَدري من أَين جاء الليث بهذا الحرف وليس من مذاهب العرب أَن يقول
الرجل سَمِعَتْ أُذُني بمعنى أَبْصَرَتْ عيني، قال: وهو عندي كلام فاسد ولا
آمَنُ أَن يكون ولَّدَه أَهل البِدَع والأَهواء. والسِّمْعُ والسَّمْعُ؛
الأَخيرة عن اللحياني، والسِّماعُ، كله: الذِّكْرُ المَسْمُوعُ الحسَن
الجميلُ؛ قال:
أَلا يا أُمَّ فارِعَ لا تَلُومِي * على شيءٍ رَفَعْتُ به سَماعي
ويقال: ذهب سمْعُه في الناس وصِيتُه أَي ذكره. وقال اللحياني: هذا أَمر
ذو سِمْع وذو سَماع إِمّا حسَنٌ وإِمَّا قَبِيحٌ. ويقال: سَمَّعَ به إِذا
رَفَعَه من الخُمول ونَشَرَ ذِكْرَه.
والسَّماعُ: ما سَمَّعْتَ به فشاع وتُكُلِّمَ به. وكلُّ ما التذته
الأُذن من صَوْتٍ حَسَنٍ سماع. والسَّماعُ: الغِناءُ. والمُسْمِعةُ:
المُغَنِّيةُ.
ومن أَسماء القيدِ المُسْمِعُ؛ وقوله أَنشده ثعلب:
ومُسْمِعَتانِ وزَمَّارةٌ،
وظِلٌّ مَدِيدٌ، وحِصْنٌ أَنِيق
فسره فقال: المُسْمِعَتانِ القَيْدانِ كأَنهما يُغَنِّيانه، وأَنث لأَنّ
أَكثر ذلك للمرأَة. والزَّمّارةُ: السّاجُور. وكتب الحجاج إِلى عامل له
أَن ابعث إِليّ فلاناً مُسَمَّعاً مُزَمَّراً أَي مُقَيَّداً
مُسَوْجَراً، وكل ذلك على التشبيه.
وفَعَلْتُ ذلك تَسْمِعَتَك وتَسْمِعةً لك أَي لِتَسْمَعَه؛ وما فعَلْت
ذلك رِياءً ولا سَمْعةً ولا سُمْعةً.
وسَمَّعَ به: أَسمَعَه القبيحَ وشَتَمَه. وتَسامَعَ به الناسُ وأَسمَعَه
الحديثَ وأَسمَعَه أَي شتَمه. وسَمَّعَ بالرجل: أَذاعَ عنه عَيْباً
ونَدَّدَ به وشَهَّرَه وفضَحَه، وأَسمَعَ الناسَ إِياه. قال الأَزهري: ومن
التَّسْمِيعِ بمعنى الشتم وإِسماع القبيح قوله، صلى الله عليه وسلم: مَنْ
سَمَّعَ بِعَبْدٍ سَمَّعَ الله به. أَبو زيد: شَتَّرْتُ به تَشْتِيراً،
ونَدَّدْتُ به، وسَمَّعْتُ به، وهَجَّلْتُ به إِذا أَسْمَعْتَه القبيحَ
وشَتَمْتَه. وفي الحديث: من سَمَّعَ الناسَ بعَمَلِه سَمَّعَ اللهُ به
سامِعُ خَلْقِه وحَقَّرَه وصَغَّرَه، وروي: أَسامِعَ خَلْقِه، فَسامِعُ خَلْقه
بدل من الله تعالى، ولا يكون صفة لأَنَّ فِعْله كلَّه حالٌ؛ وقال
الأَزهري: من رواه سامِعُ خلقه فهو مرفوع، أَراد سَمَّعَ اللهُ سامِعُ خلقه به
أَي فضَحَه، ومن رواه أَسامِعَ خَلْقِه، بالنصب، كَسَّرَ سَمْعاً على
أَسْمُع ثم كسَّر أَسْمُعاً على أَسامِعَ، وذلك أَنه جعل السمع اسماً لا
مصدراً ولو كان مصدراً لم يجمعه، يريد أَن الله يُسْمِع أَسامِعَ خلقه بهذا
الرجل يوم القيامة، وقيل: أَراد من سَمَّع الناسَ بعمله سَمَّعه الله
وأَراه ثوابه من غير أَن يعطيه، وقيل: من أَراد بعمله الناس أَسمعه الله
الناس وكان ذلك ثوابه، وقيل: من أَراد أَن يفعل فعلاً صالحاً في السرّ ثم
يظهره ليسمعه الناس ويحمد عليه فإِن الله يسمع به ويظهر إِلى الناس غَرَضَه
وأَن عمله لم يكن خالصاً، وقيل: يريد من نسب إِلى نفسه عملاً صالحاً لم
يفعله وادّعى خيراً لم يصنعه فإِن الله يَفْضَحُه ويظهر كذبه؛ ومنه
الحديث: إِنما فَعَله سُمْعةً ورياءً أَي لِيَسْمَعَه الناسُ ويَرَوْه؛ ومنه
الحديث: قيل لبعض الصحابة لِمَ لا تُكَلِّمُ عثمان؟ قال: أَتُرَوْنَني
أُكَلِّمُه سَمْعكُم أَي بحيث تسمعون. وفي الحديث عن جندب البَجَلِيّ قال:
سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول من سَمَّعَ يُسَمِّعُ الله به،
ومن يُرائي يُرائي اللهُ به. وسَمِّع بفلان أَي ائت إِليه أَمراً
يُسْمَعُ به ونوِّه بذكره؛ هذه عن اللحياني. وسَمَّعَ بفلان بالناس: نَوَّه
بذكره. والسُّمْعةُ: ما سُمِّعَ به من طعام أَو غير ذلك رِياء ليُسْمَعَ
ويُرى، وتقول: فعله رِياءً وسمعة أَي ليراه الناس ويسمعوا به. والتسْمِيعُ:
التشْنِيعُ.
وامرأَة سُمْعُنَّةٌ وسِمْعَنَّةٌ وسِمْعَنَةٌ، بالتخفيف؛ الأَخيرة عن
يعقوب، أَي مُسْتَمِعةٌ سِمّاعةٌ؛ قال:
إِنَّ لكم لَكَنّهْ
مِعَنّةً مِفَنّهْ
سِمْعَنّةً نِظْرَنّهْ
كالرِّيحِ حَوْلَ القُنّهْ
إِلاَّ تَرَهْ تَظَنّهْ
ويروى:
كالذئب وسْطَ العُنّهْ
والمِعَنّةُ: المعترضةُ. والمِفَنَّةُ: التي تأْتي بفُنُونٍ من العجائب،
ويروى: سُمْعُنَّةً نُظْرُنَّةً، بالضم، وهي التي إِذا تَسَمَّعَتْ أَو
تَبَصَّرَت فلم ترَ شيئاً تَظَنَّتْه تَظَنِّياً أَي عَمِلَتْ بالظنّ،
وكان الأَخفش يكسر أَولهما ويفتح ثالثهما، وقال اللحياني: سُمْعُنّةٌ
نُظْرُنَّةٌ وسِمْعَنَّةٌ نِظْرَنَّةٌ أَي جيدة السمع والنظر. وقوله: أَبْصِرْ
به وأَسْمِعْ، أَي ما أَسْمَعَه وما أَبصَرَه على التعجب. ورجل سِمْعٌ
يُسْمَعُ. وفي الدعاء: اللهم سِمْعاً لا بِلْغاً، وسَمْعاً لا بَلْغاً،
وسِمْعٌ لا بِلْغٌ، وسَمْعٌ لا بَلْغ، معناه يُسْمَعُ ولا يَبْلُغُ، وقيل:
معناه يُسْمَعُ ولايحتاجُ أَن يُبَلَّغَ، وقيل: يُسْمَعُ به ولا يَتِمُّ.
الكسائي: إِذا سمع الرجل الخبر لا يعجبه قال: سِمْعٌ ولا بِلْغ، وسَمْع
لا بَلْغ أَي أَسمع بالدّواهي ولا تبلغني. وسَمْعُ الأَرضِ وبَصَرُها:
طُولُها وعَرْضها؛ قال أَبو عبيد: ولا وجه له إِنما معناه الخَلاء. وحكى
ابن الأَعرابي: أَلقى نفسه بين سَمْعِ الأَرضِ وبَصَرِها إِذا غَرَّرَ بها
وأَلقاها حيث لا يُدْرى أَين هو. وفي حديث قَيْلة: أَن أُختها قالت:
الوَيْلُ لأُختي لا تُخْبِرْها بكذا فتخرجَ بين سمع الأَرض وبصرها، وفي
النهاية: لا تُخبِرْ أُخْتي فتَتَّبِعَ أَخا بكر بن وائل بين سمع الأَرض
وبصرها. يقال: خرج فلان بين سمع الأَرض وبصرها إِذا لم يَدْرِ أَين يتوجه
لأَنه لا يقع على الطريق، وقيل: أَرادت بين سمع أَهل الأَرض وبصرهم فحذفت
الأَهل كقوله تعالى: واسأَل القريةَ، أَي أَهلها. ويقال للرجل إِذا غَرَّرَ
بنفسه وأَلقاها حيث لا يُدْرى أَين هو: أَلقى نفسه بين سمع الأَرض
وبصرها. وقال أَبو عبيد: معنى قوله تخرج أُختي معه بين سمع الأَرض وبصرها، أَن
الرجل يخلو بها ليس معها أَحد يسمع كلامها ويبصرها إِلا الأَرضُ
القَفْرُ، ليس أَن الأَرض لها سَمْع، ولكنها وكَّدت الشَّناعة في خَلْوتِها
بالرجل الذي صَحِبها؛ وقال الزمخشري: هو تمثيل أَي لا يسمع كلامهما ولا
يبصرهما إِلا الأَرض تعني أُختها، والبكْريّ الذي تَصْحَبُه. قال ابن السكيت:
يقال لقيته بين سَمْعِ الأَرضِ وبَصَرِها أَي بأَرض ما بها أَحد. وسَمِعَ
له: أَطاعه. وفي الخبر: أَن عبد الملك بن مَرْوان خطب يومَاً فقال:
ولِيَكُم عُمَرُ بن الخطاب، وكان فَظًّا غَلِيظاً مُضَيِّقاً عليكم فسمعتم
له. والمِسمَع: موضع العُروة من المَزادة، وقيل: هو ما جاوز خَرْتَ
العُروة، وقيل: المِسْمَعُ عُروة في وسَط الدلو والمَزادةِ والإِداوةِ، يجعل
فيها حبل لِتَعْتَدِلَ الدلو؛ قال عبد الله بن أَوفى:
نُعَدِّلُ ذا المَيْلِ إِنْ رامَنا،
كما عُدِّلَ الغَرْبُ بالمِسْمَعِ
وأَسمَعَ الدلوَ: جعل لها عروة في أَسفلها من باطن ثم شدّ حبلاً إِلى
العَرْقُوةِ لتخف على حاملها، وقيل: المِسْمَعُ عُروة في داخل الدلو
بإِزائها عروة أُخرى، فإِذا استثقل الشيخ أَو الصبي أَن يستقي بها جمعوا بين
العروتين وشدوهما لتخِفّ ويَقِلَّ أَخذها للماء، يقال منه: أَسْمَعْتُ
الدلو؛ قال الراجز:
أَحْمَر غَضْب لا يبالي ما اسْتَقَى،
لا يُسْمِعُ الدَّلْو، إِذا الوِرْدُ التَقَى
وقال:
سأَلْت عَمْراً بعد بَكْرٍ خُفّا،
والدَّلْوُ قد تُسْمَعُ كَيْ تَخِفّا
يقول: سأَله بكراً من الإِبل فلم يعطه فسأَله خُفًّا أَي جَمَلاً
مُسِنًّا.
والمِسْمَعانِ: جانبا الغَرْب. والمِسمَعانِ: الخَشَبتانِ اللتان
تُدْخَلانِ في عُرْوَتي الزَّبِيلِ إِذا أُخرج به التراب من البئر، وقد
أَسْمَعَ الزَّبِيلَ. قال الأَزهريّ: وسمعت بعض العرب يقول للرجلين اللذين
ينزعان المِشْآة من البئر يترابها عند احتفارها: أَسْمِعا المِشآة أَي
أَبيناها عن جُول الركية وفمها. قال الليث: السَّمِيعانِ من أَدَواتِ
الحَرَّاثين عُودانِ طوِيلانِ في المِقْرَنِ الذي يُقْرَنُ به الثور أَي لحراثة
الأَرض. والمِسْمَعانِ: جَوْرَبانِ يَتَجَوْرَبُ بهما الصائدُ إِذا طلب
الظباء في الظهيرة.
والسِّمْعُ: سَبُع مُرَكَّبٌ، وهو ولَد الذِّئب من الضَّبُع. وفي المثل:
أَسمَعُ من السِّمْعِ الأَزَلِّ، وربما قالوا: أَسمَعُ من سِمْع؛ قال
الشاعر:
تَراهُ حَدِيدَ الطَّرْفِ أَبْلَجَ واضِحاً،
أَغَرَّ طَوِيلَ الباعِ، أَسْمَعَ من سِمْعِ
والسَّمَعْمَعُ: الصغير الرأْس والجُثَّةِ الداهيةُ؛ قال ابن بري شاهده
قول الشاعر:
كأَنَّ فيه وَرَلاً سَمَعْمَعا
وقيل: هو الخفيفُ اللحمِ السريعُ العملِ الخبيثُ اللَّبِقُ، طال أَو
قَصُر، وقيل: هو المُنْكَمِشُ الماضي، وهو فَعَلْعَلٌ. وغُول سَمَعْمَعٌ
وشيطان سَمَعْمَعٌ لخُبْثِه؛ قال:
ويْلٌ لأَجْمالِ العَجُوزِ مِنِّي،
إِذا دَنَوْتُ أَو دَنَوْنَ منِّي،
كأَنَّني سَمَعْمَعٌ مِن جِنِّ
لم يقنع بقوله سمعمع حتى قال من جن لأَن سمعمع الجن أَنْكَرُ وأَخبث من
سمعمع الإِنس؛ قال ابن جني: لا يكون رويُّه إِلا النون، أَلا ترى أَن فيه
من جِنّ والنون في الجن لا تكون إِلا رويّاً لأَن الياء بعدها للإِطلاق
لا محالة؟ وفي حديث علي:
سَمَعْمَعٌ كأَنَّني من جِنِّ
أَي سريع خفيف، وهو في وصف الذئب أَشهر. وامرأَة سَمَعْمَعةٌ: كأَنها
غُولٌ أَو ذئبة؛ حدّث عوانة أَن المغيرة سأَل ابن لسان الحمرة عن النساء
فقال: النساء أَرْبَع: فَرَبِيعٌ مَرْبَع، وجَمِيعٌ تَجْمَع، وشيطانٌ
سَمَعْمَع، ويروى: سُمَّع، وغُلٌّ لا يُخْلَع، فقال: فَسِّرْ، قال: الرَّبِيعُ
المَرْبَع الشابّةُ الجميلة التي إِذا نظرت إِليها سَرَّتْك وإِذا
أَقسَمْتَ عليها أَبَرَّتْك، وأَما الجميع التي تجمع فالمرأَة تتزوجها ولك
نَشَب ولها نشَب فتجمع ذلك، وأَما الشيطان السَّمَعْمَعُ فهي الكالحة في
وجهك إِذا دخلت المُوَلْوِلَةُ في إِثْرك إِذا خرجت. وامرأَة سَمَعْمَعةٌ:
كأَنها غُول. والشيطانُ الخَبِيث يقال له السَّمَعْمَعُ، قال: وأَما
الغُلُّ الذي لا يُخْلَعُ فبنت عمك القصيرة الفَوْهاء الدَّمِيمةُ السوداء
التي نثرت لك ذا بطنها، فإِن طلقتها ضاع ولدك، وإِن أَمْسَكْتها أَمسَكْتَها
على مِثْلِ جَدْعِ أَنفك. والرأْس السَّمَعْمَعُ: الصغير الخفيف. وقال
بعضهم: غُولٌ سُمَّعٌ خفيفُ الرأْس؛ وأَنشد شمر:
فَلَيْسَتْ بِإِنسانٍ فَيَنْفَعَ عَقْلُه،
ولكِنَّها غُولٌ مِن الجِنِّ سُمَّعُ
وفي حديث سفيان بن نُبَيح الهذلي: ورأْسُه متَمرِّقُ الشعر سَمَعْمَعٌ
أَي لطيف الرأْس. والسَّمَعْمَعُ والسَّمْسامُ من الرجال: الطويل الدقيقُ،
وامرأَة سَمَعْمَعةٌ وسَمْسامةٌ.
ومِسْمَعٌ: أَبو قبيلة يقال لهم المَسامِعةُ، دخلت فيه الهاء للنسب.
وقال اللحياني: المَسامِعةُ من تَيْمِ اللاَّتِ. وسُمَيْعٌ وسَماعةُ
وسِمْعانُ: أَسماء. وسِمْعانُ: اسم الرجل المؤمن من آل فرعون، وهو الذي كان
يَكْتُمُ إِيمانَه، وقيل: كان اسمه حبيباً. والمِسْمَعانِ: عامر وعبد الملك
ابنا مالك بن مِسْمَعٍ؛ هذا قول الأَصمعي؛ وأَنشد:
ثَأَرْتُ المِسْمَعَيْنِ وقُلْتُ: بُوآ
بِقَتْلِ أَخِي فَزارةَ والخبارِ
وقال أَبو عبيدة: هما مالك وعبد الملك ابْنا مِسْمَع ابن سفيان بن شهاب
الحجازي، وقال غيرهما: هما مالك وعبد الملك ابنا مسمع بن مالك بن مسمع
ابن سِنان بن شهاب. ودَيْرُ سَمْعانَ: موضع.