Permalink (الرابط القصير إلى هذا الباب): http://arabiclexicon.hawramani.com/?p=17965#9646e9
(أَــمِنَ)
- فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى «المُؤْــمِن» هُوَ الَّذِي يَصْدُق عبادَه وعْدَه: فَهُوَ مِنَ الْإِيمَانِ:
التَّصديق، أَوْ يُؤَــمِّنُــهُمْ فِي الْقِيَامَةِ مِنْ عَذَابِهِ، فَهُوَ مِنَ الأَمَان، والأَــمْن ضِدُّ الْخَوْفِ.
(هـ) وَفِيهِ «نَهْرانِ مُؤْــمِنَــانِ ونهرَانِ كَافِرَانِ، أَمَّا الْمُؤْــمِنَــانِ فالنّيِل وَالْفُرَاتُ، وَأَمَّا الْكَافِرَانِ فَدِجْلَةُ وَنَهْرُ بَلْخَ» جَعَلَهُمَا مُؤْــمِنَــيْنِ عَلَى التَّشْبيه، لِأَنَّهُمَا يَفِيضان عَلَى الْأَرْضِ فيَسقِيان الحرْث بِلَا مَؤونة وكُلْفة، وَجَعَلَ الآخَرَيْن كافِرَين لِأَنَّهُمَا لَا يسْقيان وَلَا يُنْتَفَع بِهِمَا إلاَّ بِمَؤُونَةٍ وكُلْفة، فَهَذَانِ فِي الْخَيْرِ والنَّفْع كالمؤــمنَــين، وَهَذَانِ فِي قِلَّة النَّفْعِ كالكافِرَين.
(س) وَــمِنْــهُ الْحَدِيثُ «لَا يَزْنِي الزَّانِي وَهُوَ مُؤْــمِنٌ» قِيلَ مَعْنَاهُ النَّهْيُ وَإِنْ كَانَ فِي صُورَةِ الخَبر. وَالْأَصْلُ حَذْفُ الْيَاءِ مِنْ يَزْنِي، أَيْ لَا يَزْنِ المؤــمنُ وَلَا يَسْرِق وَلَا يشْرَب» فإنَّ هَذِهِ الأفعالَ لَا تَلِيقُ بِالْمُؤْــمِنِــينَ. وَقِيلَ هُوَ وَعِيدٌ يُقْصَد بِهِ الرَّدْعُ، كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَا إِيمَانَ لِــمَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ» «وَالْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ» . وَقِيلَ مَعْنَاهُ لَا يَزْنِي وَهُوَ كَامِلُ الْإِيمَانِ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ إِنَّ الْهَوى يُغَطِّي الْإِيمَانَ، فَصَاحِبُ الهوَى لَا يَرى إلاَّ هوَاه وَلَا يَنْظُرُ إِلَى إِيمَانِهِ النَّاهِي لَهُ عَنِ ارْتِكَابِ الْفَاحِشَةِ، فَكَأَنَّ الْإِيمَانَ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ قَدِ انْعدم. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا «الْإِيمَانُ نَزِهٌ فَإِذَا أَذْنَبَ العبدُ فارَقه» .
(س) وَــمِنْــهُ الْحَدِيثُ الْآخَرُ «إِذَا زَنَى الرَّجُلُ خَرَجَ مِنْــهُ الْإِيمَانُ فَكَانَ فوْق رَأْسِهِ كالظُّلَّة، فَإِذَا أَقْلَعَ رجَع إِلَيْهِ الإيمانُ» وَكُلُّ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى الْمَجَازِ ونَفْي الْكَمَالِ دُونَ الْحَقِيقَةِ فِي رَفْعِ الْإِيمَانِ وَإِبْطَالِهِ.
وَفِي حَدِيثِ الْجَارِيَةِ «أعْتِقْها فَإِنَّهَا مُؤْــمِنَــةٌ» إِنَّمَا حَكَمَ بِإِيمَانِهَا بِمُجَرَّدِ سُؤَالِهِ إِيَّاهَا أَيْنَ اللَّهُ وإشارَتِهَا إِلَى السَّمَاءِ، وَقَوْلِهِ لَهَا مَن أَنَا فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ وَإِلَى السَّمَاءِ، تَعْنِي أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ. وَهَذَا الْقَدْرُ لَا يَكْفِي فِي ثُبُوتِ الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ دُون الإقْرار بالشهادَتَيْن والتَّبَرُّؤُ مِنْ سَائِرِ الْأَدْيَانِ. وَإِنَّمَا حَكَم بِذَلِكَ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى مِنْــهَا أَمَارَةَ الْإِسْلَامِ، وكونَها بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَتَحْتَ رِقّ المسْلم. وَهَذَا الْقَدْرُ يَكْفِي عِلْما لِذَلِكَ، فَإِنَّ الْكَافِرَ إِذَا عُرِض عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ لَمْ يُقْتَصَر مِنْــهُ عَلَى قَوْلِهِ إِنِّي مُسْلِمٌ حَتَّى يَصِف الْإِسْلَامَ بِكَمَالِهِ وَشَرَائِطِهِ، فَإِذَا جَاءَنَا مَنْ نَجْهل حالَه فِي الْكُفْرِ وَالْإِيمَانِ، فَقَالَ إِنِّي مسْلم قَبِلْناه، فَإِذَا كَانَ عَلَيْهِ أَمَارَةُ الْإِسْلَامِ مِنْ هَيْأةٍ وشَارَةٍ: أَيْ حُسْنٍ ودارٍ كَانَ قَبولُ قَوْلِهِ أولَى، بَلْ نحكُم عَلَيْهِ بِالْإِسْلَامِ وَإِنْ لَمْ يَقُل شَيْئًا.
وَفِيهِ «مَا مِنْ نَبِيٍ إِلَّا أُعْطِيَ مِنَ الْآيَاتِ مَا مثْلُه آمَنَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ، وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُهُ وحْيا أوْحاه اللَّهُ إليَّ» أَيْ آمَنُــوا عِنْدَ مُعَايَنَةِ مَا أَتَاهُمُ اللَّهُ مِنَ الْآيَاتِ وَالْمُعْجِزَاتِ. وَأَرَادَ بالْوَحْي إعجازَ الْقُرْآنِ الَّذِي خُص بِهِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ كُتب اللَّهِ تَعَالَى الْــمُنَــزَّلَةِ كَانَ مُعْجزا إِلَّا الْقُرْآنَ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ «أَسْلَمَ النَّاسُ وَآمَنَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ» كأنَّ هَذَا إشارةٌ إِلَى جَمَاعَةٍ آمَنُــوا مَعَهُ خَوْفا مِنَ السَّيْفِ، وَأَنَّ عَمْرا كَانَ مُخْلصا فِي إِيمَانِهِ. وَهَذَا مِنَ العامِّ الَّذِي يُراد بِهِ الْخَاصُّ.
وَفِي الْحَدِيثِ «النُّجوم أَــمَنَــةُ السَّمَاءِ، فَإِذَا ذهبَت النُّجُومُ أَتَى السَّماءَ مَا تُوعَد، وأنَا أمَنَــةٌ لِأَصْحَابِي، فَإِذَا ذهبتُ أتَى أَصْحَابِي مَا يُوعَدُون، وَأَصْحَابِي أمَنَــةٌ لِأُمَّتِي، فَإِذَا ذَهَبَ أَصْحَابِي أَتَى أمَّتي مَا تُوعَدُ» أَرَادَ بِوَعْد السَّمَاءِ انشِقاقِها وذَهَابها يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَذَهَابُ النُّجُومِ تَكْوِيرُهَا وَانْكِدَارُهَا وإعْدامُها. وَأَرَادَ بوعْد أَصْحَابِهِ مَا وقَع بَيْنَهُمْ مِنَ الفِتَن. وَكَذَلِكَ أَرَادَ بِوَعد الْأُمَّةِ. وَالْإِشَارَةُ فِي الْجُمْلَةِ إِلَى مَجِيء الشَّر عِنْدَ ذَهَابِ أَهْلِ الْخَيْرِ، فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ بَيْنَ أظْهُرِهم كَانَ يُبَيّن لَهُمْ مَا يَخْتَلِفُونَ فِيهِ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ جَالَتِ الْآرَاءُ واخْتَلفت الأهْواء، فَكَانَ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ يُسْنِدُون الأمْر إِلَى الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قولٍ أَوْ فعْل أَوْ دَلَالَةِ حَالٍ، فَلَمَّا فُقِدَ قلَّت الْأَنْوَارُ وقوِيت الظُّلَم. وَكَذَلِكَ حَالُ السَّمَاءِ عِنْدَ ذَهاب النُّجوم. والأَــمَنــة فِي هَذَا الْحَدِيثِ جَمْعُ أَمِينٍ وَهُوَ الْحَافِظُ.
وَفِي حَدِيثِ نُزُولِ الْمَسِيحِ عَلَيْهِ السَّلَامُ «وَتَقَعُ الأَــمَنَــةُ فِي الْأَرْضِ» الأَــمَنَــة هَاهُنَا الأمْنُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى «إذْ يَغْشاكُم النُّعاسَ أَــمَنَــةً مِنْــهُ
» يُريد أَنَّ الْأَرْضَ تَمْتَلِئُ بالأمْن فَلَا يَخَافُ أحدٌ مِنَ النَّاسِ وَالْحَيَوَانِ.
(هـ) وَفِي الْحَدِيثِ «المؤذِّنُ مُؤْتَــمِنٌ» [مُؤْتَــمَنٌ] الْقَوْمِ: الَّذِي يَثِقون إِلَيْهِ ويَتَّخِذُونه أمِينا حَافِظًا. يُقال اؤْتُــمِنَ الرجُل فَهُوَ مُؤْتَــمَنٌ، يَعْنِي أَنَّ المؤذِّن أَمِين النَّاسِ عَلَى صَلاتهم وصِيَامهم.
وَفِيهِ «الْمَجَالِسُ بالأَمَانَة» هَذَا نَدْبٌ إِلَى تَرْك إِعَادَةِ مَا يَجْرِي فِي المجلسِ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْل، فكأنَّ ذَلِكَ أمانةٌ عِنْدَ مَنْ سَمعه أَوْ رَآهُ. وَالْأَمَانَةُ تَقَعُ عَلَى الطَّاعة والعِبادة وَالْوَدِيعَةِ والثقةِ والأمانِ، وَقَدْ جَاءَ فِي كُلٍّ مِنْــهَا حَدِيثٌ.
(هـ) وَفِيهِ «الْأَمَانَةُ غِنًى» أَيْ سَبَبُ الغنَى. وَمَعْنَاهُ أَنَّ الرجُل إِذَا عُرِفَ بِهَا كَثُر مُعاملُوه فَصَارَ ذَلِكَ سبَباً لِغِنَاهُ.
وَفِي حَدِيثِ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ «وَالْأَمَانَةُ مَغْنَمًا» أَيْ يَرَى مَنْ فِي يَدِهِ أَمَانَةٌ أَنَّ الْخِيَانَةَ فِيهَا غَنِيمَةٌ قَدْ غَنِمَهَا.
وَفِيهِ «الزَّرْعُ أَمَانَةٌ والتَّاجر فَاجر» جَعل الزَّرع أَمَانَةً لسَلامَتِه مِنَ الْآفَاتِ الَّتِي تقَع فِي التِّجارة مِنَ التَّزيُّد فِي الْقَوْلِ والحَلفِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
(س) وَفِيهِ «أسْتَوْدِعُ اللَّهَ دِينَك وأمانَتك» أَيْ أهْلَك ومَن تُخَلّفه بَعدَك مِنْــهُمْ، ومَالَك الَّذِي تَودِعُه وتَسْتَحْفِظه أمِينَك ووَكِيلَك.
(س) وَفِيهِ «مَنْ حَلَفَ بِالْأَمَانَةِ فَلَيْسَ مِنَّــا» يُشْبِهُ أَنْ تَكُونَ الْكَرَاهَةُ فِيهِ لأجْل أَنَّهُ أَمرَ أَنْ يُحْلف بِأَسْمَاءِ اللَّهِ وَصِفَاتِهِ. وَالْأَمَانَةُ أمْر مِنْ أُمُورِهِ، فَنُهُوا عَنْهَا مِنْ أَجْلِ التَّسْوية بَيْنَهَا وبين أسماء اللَّهِ تَعَالَى، كَمَا نُهوا أَنْ يَحْلفوا بِآبَائِهِمْ. وَإِذَا قَالَ الْحَالِفُ: وأمانةِ اللَّهِ كَانَتْ يَمِينًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، والشَّافعيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا لَا يَعُدُّهَا يَمِينًا.