من (م د ح) مؤنث مَمْدُوح.
من (م د ح) مؤنث مَمْدُوح.
مدح: المَدْح: نقيض الهجاءِ وهو حُسْنُ الثناءِ؛ يقال: مَدَحْتُه
مِدْحَةً واحدة ومَدَحَه يَمْدَحُه مَدْحاً ومِدْحَةً، هذا قول بعضهم، والصحيح
أَن المَدْحَ المصدر، والمِدْحَةَ الاسم، والجمع مِدَحٌ، وهو المَدِيحُ
والجمع المَدائحُ والأَماديح، الأَخيرة على غير قياس، ونظيره حَديثٌ
وأَحاديثُ؛ قال أَبو ذؤَيب:
لو كان مِدْحةُ حَيٍّ مُنْشِراً أَحداً،
أَحْيا أَباكُنَّ، يا لَيْلى، الأَماديحُ
قال ابن بري: الرواية الصحيحة ما رواه الأَصمعي، وهو:
لو أَن مِدْحةَ حَيٍّ أَنْشَرَتْ أَحَداً،
أَحيا، أُبُوَّتَكَ الشُّمَّ، الأَماديحُ
وأَنشرت أَحسنُ من منشراً، لأَنه ذكر المؤَنث، وكان حقه أَن يقول منشرة
ففيه ضرورة من هذا الوجه، وأَما قوله أَحيا أُبُوَّتك فإِنه يخاطب به
رجلاً من أَهله يرثيه كان قتل بالعَمْقاءِ؛ وقبله بأَبيات:
أَلْفَيْته لا يَذُمُّ القِرْنُ شَوْكَتَه،
ولا يُخالِطُه، في البأْسِ، تَسْمِيحُ
والتسميحُ: الهروب. والبأْس: بأْس الحرب.
والمَدائِح: جمع المديح من الشعر الذي مُدِحَ به كالمِدْحة
والأُمْدُوحةِ؛ ورجل مادِحٌ من قوم مُدَّح ومَديحٌ مَمْدوح.
وتَمَدَّحَ الرجلُ: تكلَّف أَن يُمْدَحَ. ورجل مُمَدَّح أَي مَمْدوحٌ
جدّاً، ومَدَحَ للمُثْنِي لا غير. ومَدَح الشاعرُ وامْتَدَح.
وتَمَدَّح الرجل بما ليس عنده: تَشَبَّع وافتخر. ويقال: فلان
يَتَمَدَّحُ إِذا كان يُقَرِّظُ نفسه ويثني عليها.
والمَمادِحُ: ضدّ المَقابح.
وامْتَدَحتِ الأَرض وتَمَدَّحَتْ: اتسعت، أُراه على البدل من
تَنَدَّحَتْ وانْتَدَحَتْ.
وامْدَحَّ بطنُه: لغة في انْدَحَّ أَي اتسَع. وتَمَدَّحتْ خواصر
الماشية: اتسعت شِبَعا مثل تَنَدَّحَتْ؛ قال الراعي يصف فرساً:
فلما سَقَيْناها العَكِيسَ، تَمَدَّحَتْ
خَواصِرُها، وازداد رَشْحاً وَريدُها
يروى بالدال والذال جميعاً؛ قال ابن بري: الشعر للراعي يصف امرأَة، وهي
أُمُّ خَنْزَرِ بن أَرْقَمَ، وكان بينه وبين خَنْزَرٍ هِجاءٌ فهجاه بكون
أُمه تَطْرُقُهُ وتطلب منه القِرى، وليس يصف فرساً كما ذكر، لأَن شعره
يدل على أَنه طرقته امرأَة تطلب ضيافته، ولذلك قال قبله:
فلما عَرَفْنا أَنها أُمُّ خَنْزَرٍ،
جَفاها مَواليها، وغابَ مُفِيدُها
رَفَعْنا لها ناراً تُثَقِّبُ للقِرى،
ولِقْحَةَ أَضيافٍ طَويلاً رُكُودُها
ولما قَضَتْ من ذي الإِناءِ لُبانةً،
أَرادتْ إِلينا حاجةً لا نُريدُها
والعكيس: لبن يخلط بمرق.
قضب: القَضْبُ: القَطْعُ. قَضَبَه يَقْضِـبه قَضْباً، واقْتَضَبَه،
وقَضَّبه، فانْقَضَبَ وتَقَضَّب: انْقَطَعَ؛ قال الأَعشى:
ولَبُونِ مِعْزابٍ حَوَيْتُ، فأَصْبَحَتْ * نُهْبَـى، وآزِلَةٍ قَضَبْتُ عِقالَـها
قال ابن بري: صواب إِنشاده: قَضَبْتَ عِقالَـها، بفتح التاءِ، لأَنه
يُخاطِبُ الــممدوحَ؛ والآزِلة: الناقَةُ الضامزَة التي لا تَجْتَرُّ؛ وكانوا
يَحْبِسُون إِبلَهم مخافةَ الغارة، فلما صارت إِليك أَيها الــممْدوحُ،
اتَّسَعَت في الـمَرْعى، فكأَنها كانت مَعْقُولة، فقَضَبْتَ عِقالَـها.
قَضَبْت عقالَـها، واقْتَضَبْته: اقْتَطَعْته من الشيءِ؛ والقَضْبُ: قَضْبُك القَضِـيبَ ونحوه. والقَضْبُ: اسم يقع على ما قَضَبْتَ من أَغصانٍ لتَتَّخِذَ منها سِهاماً أَو قِسِـيّاً؛ قال رؤبة:
وفارِجاً من قَضْبِ ما تَقَضَّبا (1)
(1 قوله «وفارجاً إلخ» أراد بالفارج القوس. وعجز البيت:
ترنّ إرناناً إذا ما أنضبا)
وفي حديث النبي، صلى اللّه عليه وسلم: أَنه كان إِذا رأَى التَّصْلِـيبَ في ثوبٍ، قَضَبَه؛ قال الأَصمعي: يعني قَطَع موضعَ التَّصْلِـيب منه. ومنه قيل: اقْتَضَبْتُ الحديثَ، إِنما هو انْتَزَعْتُه واقْتَطَعْتُه، وإِياه عنى ذو الرمة بقوله، يصف ثوراً وحشياً:
كأَنه كوكَبٌ في إِثرِ عِفْرِيَةٍ، * مُسَوَّمٌ، في سواد الليل، مُنْقَضِبُ
أَي مُنْقَضٌّ من مكانه. وانْقَضَبَ الكَوكبُ من مكانه؛ وقال القُطاميُّ يصف الثَّور:
فعَدا صَبيحةَ صَوْبها مُتَوَجِّساً، * شَئِزَ القِـيام، يُقَضِّبُ الأَغْصانا
ويقال للـمِنْجَلِ: مِقْضَبٌ ومِقْضابٌ.
وقُضابةُ الشيء: ما اقْتُضِبَ منه؛ وخَصَّ بعضُهم به ما سَقَط من أَعالي العِـيدان الـمُقْتَضَبة. وقُضابةُ الشَّجر: ما يَتَساقَطُ من أَطراف عيدانها إِذا قُضِـبَت.
والقَضِـيبُ: الغُصْنُ. والقَضِـيبُ: كلُّ نَبْتٍ من الأَغصان يُقْضَبُ،
والجمع قُضُبٌ وقُضْبٌ، وقُضْبانٌ وقِضْبانٌ. الأَخيرة اسم للجمع.
وقَضَبَه قَضْباً: ضَرَبه بالقضِـيب.
والـمُقْتَضَبُ من الشِّعْر: فاعلاتُ مُفْتعلن مرتين؛ وبيته:
أَقْبَلَتْ، فَلاحَ لها * عارِضانِ كالْبَرَدِ
وإِنما سُمِّيَ مُقْتَضَباً، لأَنه اقْتُضِبَ مفعولات، وهو الجزء الثالث
من البيت، أَي قُطِـعَ.
وقَضَّبَتِ الشمسُ وتَقَضَّبَتْ: امْتَدَّ شُعاعُها مثلَ القُضْبانِ، عن
ابن الأَعرابي؛ وأَنشد:
فصَبَّحَتْ، والشمسُ لم تُقَضِّبِ، * عيناً بغَضْيانَ ثَجُوجَ الـمَشْرَبِ
ويُروى: لم تَقَضَّبِ؛ ويروى: ثَجُوجَ العُنْبَبِ. يقول: ورَدَتْ
والشمسُ لم يَبْدُ لها شُعاعٌ، إِنما طَلَعَت كأَنها تُرْسٌ، لا شُعاعَ لها.
والعُنْبَبُ: كثرةُ الماء، قال: أَظنُّ ذلك. وغَضْيانُ: موضعٌ. وقَضَّبَ الكَرْمَ تَقْضِـيباً: قَطَعَ أَغصانَه وقُضبانَه في أَيام الربيع.
وما في فمي قاضِـبةٌ أَي سِنٌّ تَقْضِبُ شيئاً، فتُبِـينُ أَحدَ نصفيه
من الآخر.
ورجل قَضّابة: قَطَّاعٌ للأُمور، مُقْتَدِرٌ عليها. وسيفٌ قاضِبٌ،
وقَضَّابٌ، وقَضَّابة، ومِقْضَبٌ، وقَضِـيبٌ: قَطَّاع.
وقيل: القضيبُ من السيوف اللطيفُ. وفي مقتل الحسين، عليه السلام: فَجَعَلَ ابنُ زياد يَقْرَعُ فَمه بقَضيبٍ؛ قال ابن الأَثير: أَراد بالقَضِـيب السيفَ اللطيفَ الدقيقَ؛ وقيل: أَرادَ العود، والجمع قواضِبُ وقُضُبٌ (1)
قوله «والجمع قواضب وقضب» الأول جمع قاضب والثاني جمع قضيب وهو راجع لقوله وسيف قاضب إلخ لا أنه من كلام النهاية حتى يتوهم انهما قضيب فقط اذ لم يسمع.)، وهو ضِدُّ الصفيحةِ.
والقَضيبُ من القِسِيِّ: التي عُمِلَتْ من غُصْنٍ غير مشْقوق. وقال أَبو حنيفة: القَضيبُ القَوْسُ المصنوعة من القَضيب بتمامه؛ وأَنشد للأَعشى:
سَلاجِمُ، كالنحلِ، أَنْحَى لها * قضيبَ سَراءٍ قَليلَ الأُبَنْ
قال: والقَضْبةُ كالقَضِـيبِ؛ وأَنشد للطِّرِمَّاح:
يَلْحَسُ الرَّضْفَ، له قَضْبةٌ * سَمحَجُ الـمَتْنِ هَتُوفُ الخِطامْ
والقَضْبةُ: قِدْحٌ من نَبْعَةٍ يُجْعَلُ منه سَهْمٌ، والجمع قَضباتٌ.
والقَضْبةُ والقَضْبُ: الرَّطْبةُ. الفراء في قوله تعالى: فأَنْبَتْنا
فيها حَبّاً وعِنَباً وقَضْباً؛ القَضْبُ: الرَّطْبةُ؛ قال لبيد:
إِذا أَرْوَوْا بها زَرْعاً وقَضْباً، * أَمالوها على خُورٍ طِوالِ
قال: وأَهل مكة يُسَمون القَتَّ القَضْبةَ.
وقال الليث: القَضْبُ من الشجر كلُّ شجر سَبِطَتْ أَغصانُه، وطالت.
والقَضْبُ: ما أُكِلَ من النبات الـمُقْتَضَبِ غَضّاً؛ وقيل هو
الفُصافِصُ، واحدتُها قَضْبة، وهي الإِسْفِسْتُ، بالفارسية؛ والـمَقْضَبةُ: موضعه الذي يَنبُتُ فيه. التَّهذيب: الـمَقْضَبة مَنْبِتُ القَضْبِ، ويُجْمَعُ مَقاضِبَ ومَقاضِـيبَ؛ قال عروة بن الوَرْد:
لَسْتُ لِـمُرَّةَ، إِنْ لم أُوفِ مَرْقَبةً، * يَبْدو لِـيَ الـحَرْثُ منها، والـمَقاضِـيبُ
والـمِقْضابُ: أَرضٌ تُنْبِتُ القَضْبة؛ قالت أُخْتُ مُفَصَّصٍ الباهليَّةُ:
فأَفَـأْتُ أُدْماً، كالـهِضابِ، وجامِلاً * قد عُدْنَ مِثلَ عَلائفِ الـمِقْضابِ
وقد أَقْضَبَتِ الأَرضُ.
وقال أَبو حنيفة: القَضْبُ شجر سُهْلِـيٌّ ينبت في مَجامِـع الشجر، له ورق كورقِ الكُمَّثْرَى إِلاَّ أَنه أَرَقُّ وأَنْعم، وشجرُه كشجره،
وتَرْعَى الإبلُ ورقَه وأَطرافَه، فإِذا شَبِـعَ منه البعير، هجَره حيناً، وذلك أَنه يُضَرِّسُه، ويُخَشِّنُ صَدرَهُ، ويورِثُه السُّعال. النضر:
القَضْبُ شَجر تُتَّخذ منه القِسِيُّ؛ قال أَبو دُواد:
رَذايا كالبَلايا، أَو * كعيدانٍ من القَضْبِ
ويقال: إِنه من جنس النَّبْع؛ قال ذو الرمة:
مُعِدُّ زُرْقٍ هَدَتْ قَضْباً مُصَدَّرةً
الأَصمعي: القَضَبُ السِّهامُ الدِّقاقُ (2)
(2 قوله «الأصمعي القضب السهام إلخ» هذه عبارة المحكم بهذا الضبط.) ، واحدُها قَضِـيبٌ، وأَراد قَضَباً فسَكَّن الضاد، وجعل سبيله سبيل عَديم وعَدَم، وأَديم وأَدَم. وقال غيره: جمع
قَضِـيباً على قَضْب، لـمَّا وجَد فَعْلاً في الجماعة مستمرّاً.
ابن شميل: القَضْبة شجرة يُسَوَّى منها السَّهمُ. يقال: سَهْمُ قَضْبٍ،
وسهمُ نَبْع، وسهم شَوْحَطٍ. والقَضيبُ من الإِبل: التي رُكِـبَتْ، ولم
تُلَيَّنْ قَبْلَ ذلك. الجوهري: القَضِـيبُ الناقةُ التي لم تُرَضْ؛ وقيل:
هي التي لم تَمْهَرِ الرياضةَ، الذكرُ والأُنثى في ذلك سواء؛ وأَنشد
ثعلب:
مُخَيَّسةٌ ذُلاًّ، وتَحْسِبُ أَنها، * إِذا ما بَدَتْ للناظِرِينَ، قَضِـيبُ
يقول: هي رَيِّضةٌ ذَليلةٌ، ولعِزَّةِ نفْسها يَحْسِـبُها الناظرُ لم تُرَضْ؛ أَلا تراه يقول بعد هذا:
كـمِثْلِ أَتانِ الوَحْشِ، أَما فؤادُها * فصَعْبٌ، وأَما ظَهْرُها فرَكُوبُ
وقَضَبْتُها واقْتَضَبْتُها: أَخذتُها من الإِبل قَضِـيباً، فَرُضْتُها.
واقْتَضَبَ فلانٌ بَكْراً إِذا ركبه ليُذِلَّه، قبل أَن يُراضَ. وناقةٌ
قَضيبٌ وبَكْرٌ قَضِيبٌ، بغير هاء. وقَضَبْتُ الدابةَ واقْتَضَبْتُها إِذا
ركبتها قبل أَن تُراضَ، وكل من كلَّفته عَمَلاً قبل أَن يُحْسِنَه، فقد
اقْتَضَبْتَه، وهو مُقْتَضَبٌ فيه.
واقْتِضابُ الكلام: ارْتجالُه؛ يقال: هذا شعرٌ مُقْتَضَبٌ، وكتاب
مُقْتَضَبٌ.
واقْتَضَبْتُ الحديثَ والشِّعْرَ: تَكلمْتُ به من غير تهْيئةٍ أَو إِعْدادٍ له.
وقَضِـيبٌ: رجُلٌ، عن ابن الأَعرابي؛ وأَنشد:
لأَنْتُم، يومَ جاءَ القومُ سَيْراً * على الـمَخْزاةِ، أَصْبَرُ من قَضِـيبِ
هذا رجل له حديثٌ ضَرَبه مثلاً في الإِقامة على الذُّلِّ أَي لم
تَطْلُبوا بقَتْلاكم، فأَنتم في الذُّلِّ كهذا الرجل. وقَضِـيبٌ: وادٍ معروفٌ بأَرض قَيْسٍ، فيه قَتَلَتْ مُرادُ عَمْرو بنَ أُمامة؛ وفي ذلك يقول طَرَفَةُ:
أَلا إِنَّ خير الناسِ، حَيّاً وهالِكاً، * ببَطْنِ قَضِـيبٍ عارِفاً ومُناكِرا
وقَضِـيبُ الحمارِ وغيره. أَبو حاتم: يقال لذَكَر الثَّوْر: قَضِـيبٌ
وقَيْصومٌ. التهذيب: ويكنى بالقَضـيبِ عن ذَكَرِ الإِنسان وغيره من الحيوانات. والقُضَّابُ نبت، عن كراع.
بيض: البياض: ضد السواد، يكون ذلك في الحيوان والنبات وغير ذلك مما
يقبله غيره. البَيَاضُ: لون الأَبْيَض، وقد قالوا بياض وبَياضة كما قالوا
مَنْزِل ومَنْزِلة، وحكاه ابن الأَعرابي في الماء أَيضاً، وجمع الأَبْيَضِ
بِيضٌ، وأَصله بُيْضٌ، بضم الباء، وإِنما أَبدلوا من الضمة كَسْرَةً
لتصحَّ الياء، وقد أَباضَ وابْيَضَّ؛ فأَما قوله:
إِن شَكْلي وإِن شكْلَكِ شَتَّى،
فالْزمي الخُصَّ واخْفِضِي تَبْيَضِضِّي
فإِنه أَرادَ تَبْيَضِّي فزاد ضاداً أُخرى ضرورة لإِقامة الوزن؛ قال ابن
بري: وقد قيل إِنما يجيء هذا في الشعر كقول الآخر:
لقد خَشِيتُ أَن أَرَى جَدْبَباَّ
أَراد جَدْباً فضاعف الباء. قال ابن سيده: فأَما ما حكى سيبويه من أَن
بعضهم قال: أَعْطِني أَبْيَضّه يريد أَبْيَضَ وأَلحق الهاء كما أَلحقها في
هُنّه وهو يريد هُنَّ فإِنه ثقل الضاد فلولا أَنه زاد ضاداً
(* قوله
«فلولا أنه زاد ضاداً إلخ» هكذا في الأصل بدون ذكر جواب لولا.) على الضاد
التي هي حرف الإِعراب، فحرفُ الإِعراب إِذاً الضادُ الأُولى والثانية هي
الزائدة، وليست بحرف الإِعراب الموجود في أَبْيَضَ، فلذلك لحقته بَيانَ
الحركة
(* قوله: بيان الحركة؛ هكذا في الأصل.). قال أَبو علي: وكان ينبغي
أَن لا تُحَرّك فحركتها لذلك ضعيفة في القياس.
وأَباضَ الكَلأُ: ابْيَضَّ ويَبِسَ. وبايَضَني فلانٌ فبِضْته، من
البَياض: كنت أَشدَّ منه بياضاً. الجوهري: وبايَضَه فباضَه يَبِيضُه أَي فاقَه
في البياض، ولا تقل يَبُوضه؛ وهذا أَشدُّ بَياضاً من كذا، ولا تقل
أَبْيَضُ منه، وأَهل الكوفة يقولونه ويحتجون بقول الراجز:
جارِية في دِرْعِها الفَضْفاضِ،
أَبْيَضُ من أُخْتِ بني إِباضِ
قال المبرد: ليس البيت الشاذ بحجة على الأَصل المجمع عليه؛ وأَما قول
الآخر:
إِذا الرجالُ شَتَوْا، واشتدَّ أَكْلُهمُ،
فأَنْتَ أَبْيَضُهم سِرْبالَ طَبَّاخِ
فيحتمل أَن لا يكون بمعنى أَفْعَل الذي تصحبه مِنْ للمفاضلة، وإِنما هو
بمنزلة قولك هو أَحْسَنُهم وجهاً وأَكرمُهم أَباً، تريد حسَنهم وجهاً
وكريمهم أَباً، فكأَنه قال: فأَنت مُبْيَضُّهم سِرْبالاً، فلما أَضافه انتصب
ما بعده على التمييز.
والبِيضَانُ من الناس: خلافُ السُّودانِ.
وأَبْيَضَت المرأَةُ وأَباضَتْ: ولدت البِيضَ، وكذلك الرجل. وفي عينِه
بَياضةٌ أَي بَياضٌ.
وبَيّضَ الشيءَ جعله أَبْيَضَ. وقد بَيَّضْت الشيء فابْيَضَّ ابْيِضاضاً
وابْياضّ ابْيِيضاضاً. والبَيّاضُ: الذي يُبَيِّضُ الثيابَ، على النسب
لا على الفعل، لأَن حكم ذلك إِنما هو مُبَيِّضٌ.
والأَبْيَضُ: عِرْق السرّة، وقيل: عِرْقٌ في الصلب، وقيل: عرق في
الحالب، صفة غالبة، وكل ذلك لمكان البَياضِ. والأَبْيضانِ: الماءُ والحنطةُ.
والأَبْيضانِ: عِرْقا الوَرِيد. والأَبْيَضانِ: عرقان في البطن لبياضهما؛
قال ذو الرمة:
وأَبْيَض قد كلَّفْته بُعد شُقّة،
تَعَقّدَ منها أَبْيَضاه وحالِبُهْ
والأَبْيَضان: عِرْقان في حالب البعير؛ قال هميان ابن قحافة:
قَرِيبة نُدْوَتُه من مَحْمَضِهْ،
كأَنما يَيْجَعُ عِرْقا أَبْيَضِهْ،
ومُلْتَقَى فائلِه وأُبُضِهْ
(* قوله «عرقا أبيضه» قال الصاغاني: هكذا وقع في الصحاح بالالف والصواب
عرقي بالنصب، وقوله وأبضه هكذا هو مضبوط في نسخ الصحاح بضمتين وضبطه
بعضهم بكسرتين، أفاده شارح القاموس.)
والأَبيضان: الشحمُ والشَّباب، وقيل: الخُبْز والماء، وقيل: الماء
واللبنُ؛ قال هذيل الأَشجعي من شعراء الحجازيين:
ولكنّما يَمْضِي ليَ الحَوْلُ كاملاً،
وما ليَ إِلاَّ الأَبْيَضَيْنِ شَرابُ
من الماءِ أو من دَرِّ وَجْناءَ ثَرّةٍ،
لها حالبٌ لا يَشْتَكي وحِلابُ
ومنه قولهم: بَيَّضْت السِّقاءَ والإِناء أَي ملأْته من الماء أَو
اللبن. ابن الأَعرابي: ذهَبَ أَبْيَضاه شحْمُه وشبابُه، وكذلك قال أَبو زيد،
وقال أَبو عبيد: الأَبْيَضانِ الشحمُ واللبن. وفي حديث سعد: أَنه سُئِل عن
السُّلْت بالبَيْضاءِ فكَرِهَه؛ البَيْضاء الحِنْطة وهي السَّمْراء
أَيضاً، وقد تكرر ذكرها في البيع والزكاة وغيرهما، وإِنما كَرِه ذلك لأَنهما
عنده جنسٌ واحد، وخالفه غيره. وما رأَيته مُذْ أَبْيضانِ، يعني يومين أَو
شهرين، وذلك لبياض الأَيام. وبَياضُ الكبدِ والقلبِ والظفرِ: ما أَحاط
به، وقيل: بَياضُ القلب من الفرس ما أَطافَ بالعِرْق من أَعلى القلب،
وبياض البطن بَنات اللبنِ وشحْم الكُلى ونحو ذلك، سمَّوْها بالعَرَض؛ كأَنهم
أَرادوا ذات البياض. والمُبَيِّضةُ، أَصحابُ البياض كقولك المُسَوِّدةُ
والمُحَمِّرةُ لأَصحاب السواد والحمرة. وكَتِيبةٌ بَيْضاء: عليها بَياضُ
الحديد. والبَيْضاء: الشمسُ لبياضها؛ قال الشاعر:
وبَيْضاء لم تَطْبَعْ، ولم تَدْرِ ما الخَنا،
تَرَى أَعيُنَ الفِتْيانِ من دونها خُزْرا
والبَيْضاء: القِدْرُ؛ قال ذلك أَبو عمرو. قال: ويقال للقِدْر أَيضاً
أُمُّ بَيْضاء؛ وأَنشد:
وإِذْ ما يُرِيحُ الناسَ صَرْماءُ جَوْنةٌ،
يَنُوسُ عليها رَحْلُها ما يُحَوَّلُ
فقلتُ لها: يا أُمَّ بَيْضاءَ، فِتْيةٌ
يَعُودُك منهم مُرْمِلون وعُيَّلُ
قال الكسائي: ما في معنى الذي في إِذ ما يُرِيح، قال: وصرماءُ خبر الذي.
والبِيضُ: ليلةُ ثلاثَ عَشْرةَ وأَرْبَعَ عَشْرةَ وخمسَ عَشْرة. وفي
الحديث: كان يأْمُرُنا أَن نصُومَ الأَيامَ البِيضَ، وهي الثالثَ عشَرَ
والرابعَ عشرَ والخامسَ عشرَ، سميت ليالِيها بِيضاً لأَن القمر يطلُع فيها من
أَولها إِلى آخرها. قال ابن بري: وأَكثر ما تجيء الرواية الأَيام
البِيض، والصواب أَن يقال أَيامَ البِيضِ بالإِضافة لأَن البِيضَ من صفة
الليالي. وكلَّمتُه فما ردَّ عليَّ سَوْداءَ ولا بَيْضاءَ أَي كِلمةً قبيحة ولا
حسنة، على المثل. وكلام أَبْيَضُ: مشروح، على المثل أَيضاً. ويقال:
أَتاني كلُّ أَسْودَ منهم وأَحمر، ولا يقال أَبْيَض. الفراء: العرب لا تقول
حَمِر ولا بَيِض ولا صَفِر، قال: وليس ذلك بشيء إِنما يُنْظَر في هذا إِلى
ما سمع عن العرب. يقال: ابْيَضّ وابْياضَّ واحْمَرَّ واحْمارَّ، قال:
والعرب تقول فلانة مُسْوِدة ومُبيِضةٌ إِذا ولدت البِيضانَ والسُّودانَ،
قال: وأَكثر ما يقولون مُوضِحة إِذا وَلَدَت البِيضانَ، قال: ولُعْبة لهم
يقولون أَبِيضي حَبالاً وأَسيدي حَبالاً، قال: ولا يقال ما أَبْيَضَ
فلاناً وما أَحْمَر فلاناً من البياض والحمرة؛ وقد جاء ذلك نادراً في شعرهم
كقول طرفة:
أَمّا الملوكُ فأَنْتَ اليومَ ألأَمُهم
لُؤْماً، وأَبْيَضُهم سِرْبالَ طَبَّاخِ
ابن السكيت: يقال للأَسْودَ أَبو البَيْضاء، وللأبْيَض أَبو الجَوْن،
واليد البَيْضاء: الحُجّة المُبَرْهنة، وهي أَيضاً اليد التي لا تُمَنُّ
والتي عن غير سؤال وذلك لشرفها في أَنواع الحِجاج والعطاء. وأَرض بَيْضاءُ:
مَلْساء لا نبات فيها كأَن النبات كان يُسَوِّدُها، وقيل: هي التي لم
تُوطَأْ، وكذلك البِيضَةُ. وبَيَاضُ الأَرض: ما لا عمارة فيه. وبَياضُ
الجلد: ما لا شعر عليه. التهذيب: إِذا قالت العرب فلان أَبْيَضُ وفلانة
بَيْضاء فالمعنى نَقاء العِرْض من الدنَس والعيوب؛ ومن ذلك قول زهير يمدح
رجلاً.
أَشَمّ أَبْيَض فَيّاض يُفَكِّك عن
أَيدي العُناةِ وعن أَعْناقِها الرِّبَقا
وقال:
أُمُّك بَيْضاءُ من قُضاعةَ في الـ
ـبيت الذي تَسْتَظلُّ في ظُنُبِهْ
قال: وهذا كثير في شعرهم لا يريدون به بَياضَ اللون ولكنهم يريدون المدح
بالكرم ونَقاءِ العرْض من العيوب، وإِذا قالوا: فلان أَبْيَض الوجه
وفلانة بَيْضاءُ الوجه أَرادوا نقاءَ اللون من الكَلَفِ والسوادِ الشائن. ابن
الأَعرابي: والبيضاءُ حبالة الصائد؛ وأَنشد:
وبيضاء مِنْ مالِ الفتى إِن أَراحَها
أَفادَ، وإِلا ماله مال مُقْتِر
يقول: إِن نَشِب فيها عَيرٌ فجرّها بقي صاحبُها مُقْتِراً.
والبَيْضة: واحدة البَيْض من الحديد وبَيْضِ الطائر جميعاً، وبَيْضةُ
الحديد معروفة والبَيْضة معروفة، والجمع بَيْض. وفي التنزيل العزيز:
كأَنَّهُنّ بَيْضٌ مَكْنُون، ويجمع البَيْض على بُيوضٍ؛ قال:
على قَفْرةٍ طارَت فِراخاً بُيوضُها
أَي صارت أَو كانت؛ قال ابن سيده: فأَما قول الشاعر
(* قوله «فأما قول
الشاعر» عبارة القاموس وشرحه: والبيضة واحدة بيض الطير الجمع بيوض وبيضات،
قال الصاغاني: ولا تحرك الياء من بيضات إلا في ضرورة الشعر قال: أخو
بيضات إلخ.):
أَبو بَيَضاتٍ رائحٌ مُتأَوِّب،
رَفيق بمَسْحِ المَنْكِبَينِ سَبُوحُ
فشاذ لا يعقد عليه باب لأَن مثل هذا لا يحرك ثانيه.
وباضَ الطائرُ والنعامة بَيْضاً: أَلْقَتْ بَيْضَها. ودجاجة بَيّاضةٌ
وبَيُوضٌ: كثيرة البَيْضِ، والجمع بُيُضٌ فيمن قال رُسُل مثل حُيُد جمع
حَيُود، وهي التي تَحِيد عنك، وبِيضٌ فيمن قال رُسْل، كسَرُوا الباء
لِتَسْلم الياء ولا تنقلب، وقد قال بُّوضٌ أَبو منصور. يقال: دجاجة بائض بغير
هاء لأَن الدِّيكَ لا يَبِيض، وباضَت الطائرةُ، فهي بائضٌ. ورجل بَيّاضٌ:
يَبِيع البَيْضَ، وديك بائِضٌ كما يقال والدٌ، وكذلك الغُراب؛ قال:
بحيث يَعْتَشّ الغُرابُ البائضُ
قال ابن سيده: وهو عندي على النسب. والبَيْضة: من السلاح، سميت بذلك
لأَنها على شكل بَيْضة النعام. وابْتاضَ الرجل: لَبِسَ البَيْضةَ. وفي
الحديث: لَعَنَ اللّه السارقَ يَسْرِقُ البَيْضةَ فتُقْطَعُ يدُه، يعني
الخُوذةَ؛ قال ابن قتيبة: الوجه في الحديث أَن اللّه لما أَنزل: والسارقُ
والسارقةُ فاقْطَعُوا أَيْدِيَهما، قال النبي، صلّى اللّه عليه وسلّم: لَعَنَ
اللّه السارقَ يَسْرِق البَيْضة فتُقْطَع يدُه على ظاهر ما نزل عليه،
يعني بَيْضةَ الدجاجة ونحوها، ثم أَعلمه اللّه بَعْدُ أَن القطع لا يكون
إِلا في رُبْع دِينار فما فوقه، وأَنكر تأْويلها بالخُوذةِ لأَن هذا ليس
موضع تَكثيرٍ لما يأْخذه السارق، إِنما هو موضع تقليل فإِنه لا يقال: قبَّح
اللّه فلاناً عرَّض نفسه للضرب في عِقْد جَوْهر، إِنما يقال: لَعَنه
اللّه تعرَّض لقطع يده في خَلَقٍ رَثٍّ أَو في كُبّةِ شعَرٍ.
وفي الحديث: أُعْطِيتُ الكَنْزَينِ الأَحمرَ والأَبيضَ، فالأَحمرُ
مُلْكُ الشام، والأَبْيَضُ مُلْكُ فارس، وإِنما يقال لفارس الأَبْيَض لبياض
أَلوانهم ولأَن الغالب على أَموالهم الفضة، كما أَن الغالب على أَلوان أَهل
الشام الحمرة وعلى أَموالهم الذهب؛ ومنه حديث ظبيان وذكر حِمْير قال:
وكانت لهم البَيْضاءُ والسَّوْداءُ وفارِسُ الحَمْراءُ والجِزْيةُ الصفراء،
أَراد بالبيضاء الخرابَ من الأَرض لأَنه يكون أَبْيَضَ لا غَرْسَ فيه
ولا زَرْعَ، وأَراد بالسَّوْداء العامِرَ منها لاخْضِرارِها بالشجر والزرع،
وأَرادَ بفارِسَ الحَمْراء تَحَكُّمَهم عليه، وبالجزية الصفراء الذهبَ
كانوا يَجْبُون الخَراجَ ذَهَباً. وفي الحديث: لا تقومُ الساعةُ حتى يظهر
الموتُ الأَبْيَضُ والأَحْمَرُ؛ الأَبْيَضُ ما يأْتي فَجْأَةً ولم يكن
قبله مرض يُغيِّر لونه، والأَحْمرُ الموتُ بالقَتْل لأَجل الدم.
والبَيْضةُ: عِنَبٌ بالطائف أَبيض عظيم الحبّ. وبَيْضةُ الخِدْر:
الجاريةُ لأَنها في خِدْرها مكنونة. والبَيْضةُ: بَيْضةُ الخُصْية. وبَيْضةُ
العُقْر مَثَلٌ يضرب وذلك أَن تُغْصَبَ الجارية نَفْسها فتُقْتَضّ
فتُجَرَّب ببَيْضةٍ، وتسمى تلك البَيْضةُ بَيْضةَ العُقْرِ. قال أَبو منصور: وقيل
بَُْضةُ العُقْرِ بَيْضَة يَبِيضُها الديك مرة واحدة ثم لا يعود، يضْرب
مثلاً لمن يصنع الصَّنِيعة ثم لا يعود لها. وبَيْضة البلَدِ: تَرِيكة
النعامة. وبَيْضةُ البلد: السَّيِّدُ؛ عن ابن الأَعرابي، وقد يُذَمُّ
ببَيْضة البلد؛ وأَنشد ثعلب في الذم للراعي يهجو ابن الرِّقاعِ العاملي:
لو كُنتَ من أَحَدٍ يُهْجى هَجَوْتُكمُ،
يا ابن الرِّقاعِ، ولكن لستَ من أَحَدِ
تَأْبى قُضاعةُ لم تَعْرِفْ لكم نَسَباً
وابْنا نِزارٍ، فأَنْتُمْ بَيْضةُ البَلَدِ
أَرادَ أَنه لا نسب له ولا عشيرة تَحْمِيه؛ قال: وسئل ابن الأَعرابي عن
ذلك فقال: إِذا مُدِحَ بها فهي التي فيها الفَرْخ لأَن الظَّلِيم حينئذ
يَصُونُها، وإِذا ذُمَّ بها فهي التي قد خرج الفَرْخُ منها ورَمى بها
الظليمُ فداسَها الناسُ والإِبلُ. وقولهم: هو أَذَلُّ من بَيْضةِ البَلَدِ
أَي من بَيْضَةِ النعام التي يتركها؛ وأَنشد كراع للمتلمس في موضع الذم
وذكره أَبو حاتم في كتاب الأَضداد، وقال ابن بري الشعر لِصِنَّان بن عبَّاد
اليشكري وهو:
لَمَّا رأَى شمطٌ حَوْضِي له تَرَعٌ
على الحِياضِ، أَتاني غيرَ ذي لَدَدِ
لو كان حَوْضَ حِمَارٍ ما شَرِبْت به،
إِلاّ بإِذْنِ حِمارٍ آخرَ الأَبَدِ
لكنَّه حَوْضُ مَنْ أَوْدَى بإِخْوَتِه
رَيْبُ المَنُونِ، فأَمْسَى بَيْضَةَ البَلَدِ
أَي أَمسى ذليلاً كهذه البَيْضة التي فارَقَها الفرخُ فرَمَى بها الظليم
فدِيسَت فلا أَذَل منها. قال ابن بري: حِمَار في البيت اسم رجل وهو
علقمة بن النعمان بن قيس بن عمرو بن ثعلبة، وشمطٌ هو شمط ابن قيس بن عمرو بن
ثعلبة اليشكري، وكان أَوْرَدَ إِبِلَه حَوْضَ صِنَّان بن عبَّاد قائل هذا
الشعر فغضب لذلك، وقال المرزوقي: حمار أَخوه وكان في حياته يتعزَّزُ به؛
ومثله قول الآخر يهجو حسان بن ثابت وفي التهذيب انه لحسان:
أَرى الجَلابِيبَ قد عَزُّوا، وقد كَثُروا،
وابنُ الفُرَيْعةِ أَمْسَى بَيْضةَ البَلَدِ
قال أَبو منصور: هذا مدح. وابن فُرَيْعة: أَبوه
(* قوله «وابن فريعة
أبوه» كذا بالأصل وفي القاموس في مادة فرع ما نصه: وحسان بن ثابت يعرف بابن
الفريعة كجهينة وهي أُمه.). وأَراد بالجلابيب سَفِلة الناس وغَثْراءَهم؛
قال أَبو منصور: وليس ما قاله أَبو حاتم بجيد، ومعنى قول حسان أَن سَفِلة
الناس عزُّوا وكثروا بعد ذِلَّتِهِم وقلتهم، وابن فُرَيعة الذي كان ذا
ثَرْوَةٍ وثَراءٍ قد أُخِّرَ عن قديمِ شَرَفِه وسُودَدِه، واسْتُبِدَّ
بالأَمر دونه فهو بمنزلة بَيْضة البلد التي تَبِيضُها النعامة ثم تتركها
بالفلاة فلا تَحْضُنها، فتبقى تَرِكةً بالفلاة.
وروى أَبو عمرو عن أَبي العباس: العرب تقول للرجل الكريم: هو بَيْضة
البلد يمدحونه، ويقولون للآخر: هو بَيْضة البلد يذُمُّونه، قال: فالــممدوحُ
يراد به البَيْضة التي تَصُونها النعامة وتُوَقِّيها الأَذَى لأَن فيها
فَرْخَها فالــممدوح من ههنا، فإِذا انْفَلَقت عن فَرْخِها رمى بها الظليمُ
فتقع في البلد القَفْر فمن ههنا ذمّ الآخر. قال أَبو بكر في قولهم فلان
بَيْضةُ البلد: هو من الأَضداد يكون مدحاً ويكون ذمّاً، فإِذا مُدِح الرجل
فقيل هو بَيْضةُ البلد أُرِيدَ به واحدُ البلد الذي يُجْتَمع إِليه
ويُقْبَل قولُه، وقيل فَرْدٌ ليس أَحد مثله في شرفه؛ وأَنشد أَبو العباس
لامرأَة من بني عامر بن لُؤَيّ ترثي عمرو بن عبد وُدٍّ وتذكر قتل عليّ
إِيَّاه:لو كان قاتِلُ عَمرو غيرَ قاتله،
بَكَيْتُه، ما أَقام الرُّوحُ في جَسَدي
لكنَّ قاتلَه مَنْ لا يُعابُ به،
وكان يُدعَى قديماً بَيْضَةَ البَلَدِ
يا أُمَّ كُلْثُومَ، شُقِّي الجَيْبَ مُعْوِلَةً
على أَبيكِ، فقد أَوْدَى إِلى الأَبَدِ
يا أُمَّ كُلْثُومَ، بَكِّيهِ ولا تَسِمِي
بُكَاءَ مُعْوِلَةٍ حَرَّى على ولد
بَيْضةُ البلد: عليُّ بن أَبي طالب، سلام اللّه عليه، أَي أَنه فَرْدٌ
ليس مثله في الشرف كالبَيْضةِ التي هي تَرِيكةٌ وحدها ليس معها غيرُها؛
وإِذا ذُمَّ الرجلُ فقيل هو بَيْضةُ البلدِ أَرادوا هو منفرد لا ناصر له
بمنزلة بَيْضَةٍ قام عنها الظَّليمُ وتركها لا خير فيها ولا منفعة؛ قالت
امرأَة تَرْثي بَنِينَ لها:
لَهْفِي عليهم لَقَدْ أَصْبَحْتُ بَعْدَهُمُ
كثيرَة الهَمِّ والأَحزان والكَمَدِ
قد كُنْتُ قبل مَناياهُمْ بمَغبَطَةٍ،
فصِرْتُ مُفْرَدَةً كبَيْضَةِ البلدِ
وبَيْضَةُ السَّنام: شَحْمَته. وبَيْضَةُ الجَنِين: أَصله، وكلاهما على
المثل. وبَيْضَة القوم: وسَطُهم. وبَيْضة القوم: ساحتهم؛ وقال لَقِيطٌ
الإِيادِي:
يا قَوْمِ، بَيْضتَكُمْ لا تُفْضَحُنَّ بها،
إِنِّي أَخاف عليها الأَزْلَم الجَذَعا
يقول: احفظوا عُقْر داركم. والأَزْلَم الجَذَع: الدهر لأَنه لا يهرم
أَبداً. ويقال منه: بِيضَ الحيُّ أُصِيبَت بَيْضَتُهم وأُخِذ كلُّ شيءٍ لهم،
وبِضْناهم وابْتَضْناهم: فعلنا بهم ذلك. وبَيْضَةُ الدار: وسطها
ومعظمها. وبَيْضَةُ الإِسلام: جماعتهم. وبَيْضَةُ القوم: أَصلهم. والبَيْضَةُ:
أَصل القوم ومُجْتَمعُهم. يقال: أَتاهم العدو في بَيْضَتِهِمْ. وقوله في
الحديث: ولا تُسَلِّطْ عليهم عَدُوّاً من غيرهم فيستبيح بَيْضَتَهم؛ يريد
جماعتهم وأَصلهم أَي مُجْتمعهم وموضع سُلْطانهم ومُسْتَقَرَّ دعوتهم،
أَراد عدوّاً يستأْصلهم ويُهْلِكهم جميعهم، قيل: أَراد إِذا أُهْلِكَ أَصلُ
البَيْضة كان هلاك كل ما فيها من طُعْمٍ أَو فَرْخ، وإِذا لم يُهْلَكْ
أَصلُ البَيْضة ربما سلم بعضُ فِراخها، وقيل: أَراد بالبَيْضَة الخُوذَةَ
فكأَنه شَبَّه مكان اجتماعهم والتِئامهم ببَيْضَة الحَدِيدِ؛ ومنه حديث
الحديبية: ثم جئتَ بهم لبَيْضَتِك تَفُضُّها أَي أَصْلك وعشيرتك. وبَيْضَةُ
كل شيء حَوْزَتُه.
وباضُوهُمْ وابْتاضُوهُمْ: استأْصلوهم. ويقال: ابْتِيضَ القومُ إِذا
أُبِيحَتْ بَيْضَتُهم، وابْتاضُوهم أَي استأْصلوهم. وقد ابْتِيضَ القوم إِذا
اُخِذَتْ بَيْضَتُهم عَنْوَةً.
أَبو زيد: يقال لوسط الدار بَيْضةٌ ولجماعة المسلمين بَيْضَةٌ ولوَرَمٍ
في ركبة الدابة بَيْضَة. والبَيْضُ: وَرَمٌ يكون في يد الفرس مثل
النُّفَخ والغُدَد؛ قال الأَصمعي: هو من العيوب الهَيِّنة. يقال: قد باضَتْ يدُ
الفرس تَبِيضُ بَيْضاً. وبَيْضَةُ الصَّيْف: معظمه. وبَيْضَة الحرّ:
شدته. وبَيْضَة القَيْظ: شدة حَرِّه؛ وقال الشماخ:
طَوَى ظِمْأَهَا في بَيْضَة القَيْظِ، بعدما
جَرَى في عَنَانِ الشِّعْرَيَيْنِ الأَماعِزُ
وباضَ الحَرُّ إِذا اشتد. ابن بزرج: قال بعض العرب يكون على الماء
بَيْضَاءُ القَيْظِ، وذلك من طلوع الدَّبَران إِلى طلوع سُهَيْل. قال أَبو
منصور: والذي سمعته يكون على الماء حَمْراءُ القَيْظِ وحِمِرُّ القيظ. ابن
شميل: أَفْرَخَ بَيْضَةُ القوم إِذا ظهر مَكْتُومُ أَمْرِهم، وأَفرخت
البَيْضَةُ إِذا صار فيها فَرْخٌ.
وباضَ السحابُ إِذا أَمْطَر؛ وأَنشد ابن الأَعرابي:
باضَ النَّعَامُ به فنَفَّرَ أَهلَهُ،
إِلا المُقِيمَ على الدَّوا المُتأَفِّنِ
قال: أَراد مطراً وقع بِنَوْءِ النَّعَائم، يقول: إِذا وقع هذا المطر
هَرَبَ العُقلاء وأَقام الأَحمق. قال ابن بري: هذا الشاعر وصف وَادِياً
أَصابه المطر فأَعْشَب، والنَّعَامُ ههنا: النعائمُ من النجوم، وإِنما
تُمْطِرُ النَّعَائمُ في القيظ فينبت في أُصول الحَلِيِّ نبْتٌ يقال له
النَّشْر، وهو سُمٌّ إِذا أَكله المال مَوَّت، ومعنى باضَ أَمْطَرَ، والدَّوا
بمعنى الداء، وأَراد بالمُقِيم المقيمَ به على خَطر أَن يموت،
والمُتَأَفِّنُ: المُتَنَقِّص. والأَفَن: النَّقْصُ؛ قال: هكذا فسره المُهَلَّبِيّ
في باب المقصور لابن ولاَّد في باب الدال؛ قال ابن بري: ويحتمل عندي أَن
يكون الدَّوا مقصوراً من الدواء، يقول: يَفِرُّ أَهلُ هذا الوادي إِلا
المقيمَ على المُداواة المُنَقِّصة لهذا المرض الذي أَصابَ الإِبلَ من
رَعْيِ النَّشْرِ. وباضَت البُهْمَى إِذا سَقَطَ نِصالُها. وباضَت الأَرض:
اصفرت خُضرتُها ونَفَضتِ الثمرة وأَيبست، وقيل: باضَت أَخْرجَتْ ما فيها من
النبات، وقد باضَ: اشتدَّ.
وبَيَّضَ الإِناءَ والسِّقاء: مَلأَه. ويقال: بَيَّضْت الإِناءَ إِذا
فرَّغْتَه، وبَيَّضْته إِذا مَلأْته، وهو من الأَضداد.
والبَيْضاء: اسم جبل. وفي الحديث في صفة أَهل النار: فَخِذُ الكافر في
النار مثْل البَيْضاء؛ قيل: هو اسم جبل. والأَبْيَضُ: السيف، والجمع
البِيضُ.
والمُبَيِّضةُ، بكسر الياء: فرقة من الثَّنَوِيَّة وهم أَصحاب
المُقَنَّع، سُمُّوا بذلك لتَبْيِيضهم ثيابهم خلافاً للمُسَوِّدَة من أَصحاب
الدولة العبّاسية. وفي الحديث: فنظرنا فإِذا برسول اللّه، صلّى اللّه عليه
وسلّم، وأَصحابه مُبَيِّضين، بتشديد الياء وكسرها، أَي لابسين ثياباً بيضاً.
يقال: هم المُبَيِّضةُ والمُسَوِّدَة، بالكسر؛ ومنه حديث توبة كعب بن
مالك: فرأَى رجلاً مُبَيِّضاً يزول به السرابُ، قال ابن الأَثير: ويجوز أَن
يكون مُبْيَضّاً، بسكون الباء وتشديد الضاد، من البياض أَيضاً.
وبِيضَة، بكسر الباء: اسم بلدة. وابن بَيْض: رجل، وقيل: ابن بِيضٍ،
وقولهم: سَدَّ ابنُ بَيْضٍ الطريقَ، قال الأَصمعي: هو رجل كان في الزمن
الأَول يقال له ابن بَيْضٍ عقرَ ناقَتَه على ثَنِيَّةٍ فسد بها الطريق ومنع
الناسَ مِن سلوكِها؛ قال عمرو بن الأَسود الطهوي:
سَدَدْنا كما سَدَّ ابنُ بيضٍ طَرِيقَه،
فلم يَجِدوا عند الثَّنِيَّةِ مَطْلَعا
قال: ومثله قول بَسّامة بن حَزْن:
كثوبِ ابن بيضٍ وقاهُمْ به،
فسَدَّ على السّالِكينَ السَّبِيلا
وحمزة بن بِيضٍ: شاعر معروف، وذكر النضر بن شميل أَنه دخل على المأْمون
وذكر أَنه جَرى بينه وبينه كلام في حديث عن النبي، صلّى اللّه عليه
وسلّم، فلما فرغ من الحديث قال: يا نَضْرُ، أَنْشِدْني أَخْلَبَ بيت قالته
العرب، فأَنشدته أَبيات حمزة بن بِيضٍ في الحكَم بن أَبي العاص:
تقولُ لي، والعُيونُ هاجِعةٌ:
أَقِمْ عَلَيْنا يَوْماً، فلم أُقِم
أَيَّ الوُجوهِ انْتَجَعْتَ؟ قلتُ لها:
وأَيُّ وَجْهٍ إِلا إِلى الحَكَم
متى يَقُلْ صاحِبا سُرادِقِه:
هذا ابنُ بِيضٍ بالباب، يَبْتَسِمِ
رأَيت في حاشية على كتاب أَمالي ابن بري بخط الفاضل رضي الدين الشاطبي،
رحمه اللّه، قال: حمزة بن بِيضٍ، بكسر الباء لا غير. قال: وأَما قولهم
سدَّ ابنُ بَيْضٍ الطريقَ فقال الميداني في أَمثاله: ويروى ابن بِيضٍ، بكسر
الباء، قال: وأَبو محمد، رحمه اللّه، حمل الفتح في بائه على فتح الباء
في صاحب المثَل فعطَفَه عليه. قال: وفي شرح أَسماء الشعراء لأَبي عمر
المطرّز حمزة بن بِيض قال الفراء: البِيضُ جمع أَبْيَض وبَيْضاء.
والبُيَيْضَة: اسم ماء. والبِيضَتانِ والبَيْضَتان، بالكسر والفتح: موضع على طريق
الشام من الكوفة؛ قال الأَخطل:
فهْوَ بها سَيِّءٌ ظَنّاً، وليس له،
بالبَيْضَتَينِ ولا بالغَيْضِ، مُدَّخَرُ
ويروى بالبَيْضَتين. وذُو بِيضانَ: موضع؛ قال مزاحم:
كما صاحَ، في أَفْنانِ ضالٍ عَشِيَّةً
بأَسفلِ ذِي بِيضانَ، جُونُ الأَخاطِبِ
وأَما بيت جرير:
قَعِيدَ كما اللّهَ الذي أَنْتُما له،
أَلم تَسْمَعا بالبَيْضَتَينِ المُنادِيا؟
فقال ابن حبيب: البِيضَة، بالكسر، بالحَزْن لبني يربوع، والبَيْضَة،
بالفتح، بالصَّمّان لبني دارم. وقال أَبو سعيد: يقال لما بين العُذَيْب
والعقَبة بَيْضة، قال: وبعد البَيْضة البَسِيطةُ. وبَيْضاء بني جَذِيمة: في
حدود الخطّ بالبحرين كانت لعبد القيس وفيها نخيل كثيرة وأَحْساءٌ عَذْبة
وقصورٌ جَمَّة، قال: وقد أَقَمْتُ بها مع القَرامِطة قَيْظة. ابن
الأَعرابي: البَيْضة أَرض بالدَّوّ حفَروا بها حتى أَتتهم الريح من تحتهم فرفعتهم
ولم يصِلُوا إِلى الماء. قال شمر: وقال غيره البَيْضة أَرض بَيْضاء لا
نبات فيها، والسَّوْدة: أَرض بها نخيل؛ وقال رؤبة:
يَنْشَقُّ عن الحَزْنُ والبَرِّيتُ،
والبِيضةُ البَيْضاء والخُبُوتُ
كتبه شمر بكسر الباء ثم حكى ما قاله ابن الأَعرابي.
ترب: التُّرْبُ والتُّرابُ والتَّرْباءُ والتُّرَباءُ والتَّوْرَبُ والتَّيْرَبُ والتَّوْرابُ والتَّيْرابُ والتِّرْيَبُ والتَّرِيبُ، الأَخيرة عن كراع، كله واحد، وجَمْعُ التُّرابِ أَتْرِبةٌ وتِرْبانٌ، عن اللحياني.
ولم يُسمع لسائر هذه اللغات بجمع، والطائفة من كل ذلك تُّرْبةٌ
وتُرابةٌ.وبفيهِ التَّيْرَبُ والتِّرْيَبُ. الليث: التُّرْبُ والتُّرابُ واحد،
إِلا أَنهم إِذا أَنَّثُوا قالوا التُّرْبة. يقال: أَرضٌ طَيِّبةُ التُّرْبةِ أَي خِلْقةُ تُرابها، فإِذا عَنَيْتَ طاقةً واحدةً من التُّراب قلت: تُرابة، وتلك لا تُدْرَكُ بالنَّظَر دِقّةً، إِلا بالتَّوَهُّم. وفي الحديث: خَلَقَ اللّهُ التُّرْبةَ يوم السبت. يعني الأَرضَ. وخَلَق فيها الجِبالَ يوم الأَحَد وخلق الشجَر يوم الاثْنَيْنِ. الليث: التَّرْباءُ نَفْسُ التُّراب. يقال: لأَضْرِبَنَّه حتى يَعَضَّ بالتَّرْباءِ. والتَّرْباءُ: الأَرضُ نَفْسُها. وفي الحديث: احْثُوا في وُجُوهِ الـمَدَّاحِينَ التُّرابَ. قيل أَراد به الرَّدَّ والخَيْبةَ، كما يقال للطالِبِ الـمَرْدُودِ الخائِبِ: لم يَحْصُل في كَفّه غيرُ التُّراب. وقَريبٌ منه قولُه، صلى اللّه عليه وسلم: وللعاهر الحَجَرُ. وقيل أَراد به التُّرابَ خاصّةً، واستعمله الـمِقدادُ على ظاهره،
وذلك أَنه كان عندَ عثمانَ، رضي اللّه عنهما، فجعل رجل يُثْني عليه، وجعل المِقْدادُ يَحْثُو في وجْهِه التُّرابَ، فقال له عثمانُ: ما تَفْعَلُ؟ فقال: سمعت رسول اللّه، صلى اللّه عليه وسلّم يقول: احْثُوا في وجُوه المدّاحِينَ التُّرابَ، وأَراد بالمدّاحين الذين اتَّخَذُوا مَدْحَ الناسِ عادةً وجعلوه بِضاعةً يَسْتَأْكِلُون به الـــمَمْدُوحَ، فأَمـّا مَن مَدَح على الفِعل الحَسَنِ والأَمْرِ المحمود تَرغِيباً في أَمثالهِ وتَحْريضاً للناس على الاقْتداءِ به في أَشْباهِه، فليس بمَدّاح، وإِن كان قد صار مادحاً بما تكلم به من جَمِيلِ القَوْلِ. وقولُه في
الحديث الآ خر: إِذا جاءَ مَن يَطْلُبُ ثَمَنَ الكلب فامْلأْ كَفَّه تُراباً. قال ابن الأَثير: يجوز حَمْلُه على الوجهينِ.
وتُرْبةُ الإِنسان: رَمْسُه. وتُربةُ الأَرض: ظاهِرُها.
وأَتْرَبَ الشيءَ: وَضَعَ عليه الترابَ، فَتَتَرَّبَ أَي تَلَطَّخَ بالتراب.
وتَرَّبْتُه تَتْريباً، وتَرَّبْتُ الكتابَ تَتْريباً، وتَرَّبْتُ القِرْطاسَ فأَنا أُّتَرِّبهُ. وفي الحديث: أَتْرِبوا الكتابَ فإِنه أَنْجَحُ للحاجةِ. وتَتَرَّبَ: لَزِقَ به التراب. قال أَبو ذُؤَيْبٍ:
فَصَرَعْنَه تحْتَ التُّرابِ، فَجَنْبُه * مُتَتَرِّبٌ، ولكلِّ جَنْبٍ مَضْجَعُ
وتَتَرَّبَ فلان تَتْريباً إِذا تَلَوَّثَ بالترابِ. وتَرَبَتْ فلانةُ الإِهابَ لِتُصْلِحَه، وكذلك تَرَبْت السِّقاءَ. وقال ابن بُزُرْجَ: كلُّ ما يُصْلَحُ، فهو مَتْرُوبٌ، وكلُّ ما يُفْسَدُ، فهو مُتَرَّبٌ، مُشَدَّد.
وأَرضٌ تَرْباءُ: ذاتُ تُرابٍ، وتَرْبَى. ومكانٌ تَرِبٌ: كثير التُّراب،
وقد تَرِبَ تَرَباً. ورِيحٌ تَرِبٌ وتَرِبةٌ، على النَّسَب: تَسُوقُ التُّرابَ. ورِيحٌ تَرِبٌ وتَرِبةٌ: حَمَلت تُراباً. قال ذو الرمة:
مَرًّا سَحابٌ ومَرًّا بارِحٌ تَرِبُ(1)
(1 قوله «مراً سحاب إلخ» صدره: لا بل هو الشوق من دار تخوّنها)
وقيل: تَرِبٌ: كثير التُّراب. وتَرِبَ الشيءُ. وريحٌ تَرِبةٌ: جاءَت
بالتُّراب.
وتَرِبَ الشيءُ، بالكسر: أَصابه التُّراب. وتَرِبَ الرَّجل: صارَ في يده التُّراب. وتَرِبَ تَرَباً: لَزِقَ بالتُّراب، وقيل: لَصِقَ بالتُّراب
من الفَقْر. وفي حديث فاطمةَ بنتِ قَيْس، رضي اللّه عنها: وأَمـّا معاوِيةُ فَرجُلٌ تَرِبٌ لا مالَ له ، أَي فقيرٌ. وتَرِبَ تَرَباً ومَتْرَبةً:
خَسِرَ وافْتَقَرَ فلَزِقَ بالتُّراب.
وأَتْرَبَ: استَغْنَى وكَثُر مالُه، فصار كالتُّراب، هذا الأَعْرَفُ.
وقيل: أَتْرَبَ قَلَّ مالُه. قال اللحياني قال بعضهم: التَّرِبُ الـمُحتاجُ
، وكلُّه من التُّراب. والـمُتْرِبُ: الغَنِيُّ إِما على السَّلْبِ، وإِما على أَن مالَه مِثْلُ التُّرابِ.
والتَّتْرِيبُ: كَثْرةُ المالِ. والتَّتْرِيبُ: قِلةُ المالِ أَيضاً.
ويقال: تَرِبَتْ يَداهُ، وهو على الدُعاءِ، أَي لا أَصابَ خيراً.
وفي الدعاءِ: تُرْباً له وجَنْدَلاً، وهو من الجَواهِر التي أُجْرِيَتْ مُجْرَى الـمَصادِرِ المنصوبة على إِضمار الفِعْل غير المسْتَعْمَلِ
إِظهارُه في الدُّعاءِ، كأَنه بدل من قولهم تَرِبَتْ يَداه وجَنْدَلَتْ. ومِن العرب
مَن يرفعه، وفيه مع ذلك معنى النصب، كما أَنَّ في قولهم: رَحْمَةُ اللّهِ عليه، معنى رَحِمه اللّهُ. وفي الحديث: أَن النبي، صلى اللّه عليه وسلم، قال: تُنْكَحُ المرأَةُ لمِيسَمِها ولمالِها ولِحَسَبِها فعليكَ بِذاتِ الدِّين تَرِبَتْ يَداكَ. قال أَبو عبيد: قوله تَرِبَتْ يداكَ، يقال للرجل، إِذا قلَّ مالُه: قد تَرِبَ أَي افْتَقَرَ، حتى لَصِقَ بالتُّرابِ.
وفي التنزيل العزيز: أَو مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ. قال: ويرَوْنَ، واللّه أَعلم أَنّ النبيّ، صلى اللّه عليه وسلم، لم يَتَعَمَّدِ الدُّعاءَ عليه بالفقرِ، ولكنها كلمة جارِيةٌ على أَلسُنِ العرب يقولونها، وهم لا
يُريدون بها الدعاءَ على الـمُخاطَب ولا وُقوعَ الأَمر بها. وقيل: معناها للّه دَرُّكَ؛ وقيل: أَراد به الـمَثَلَ لِيَرى الـمَأْمورُ بذلك الجِدَّ،
وأَنه إِن خالَفه فقد أَساءَ؛ وقيل: هو دُعاءٌ على الحقيقة، فإِنه قد قال لعائشة، رضي اللّه عنها: تَربَتْ يَمينُكِ، لأَنه رأَى الحاجة خيراً لها.
قال: والأوّل الوجه. ويعضده قوله في حديث خُزَيْمَة، رضي اللّه عنه: أَنـْعِم صباحاً تَرِبَتْ يداكَ، فإِنَّ هذا دُعاءٌ له وتَرْغيبٌ في
اسْتِعْماله ما تَقَدَّمَتِ الوَصِيَّةُ به. أَلا تراه قال: أَنْعِم صَباحاً، ثم
عَقَّبه بتَرِبَتْ يَداكَ. وكثيراً تَرِدُ للعرب أَلفاظ ظاهرها الذَّمُّ
وإِنما يُريدون بها الـمَدْحَ كقولهم: لا أَبَ لَكَ، ولا أُمَّ لَكَ، وهَوَتْ أُّمُّه، ولا أَرضَ لك، ونحوِ ذلك. وقال بعضُ الناس: إِنَّ قولهم
تَرِبَتْ يداكَ يريد به اسْتَغْنَتْ يداكَ. قال: وهذا خطأٌ لا يجوز في الكلام، ولو كان كما قال لقال: أَتْرَبَتْ يداكَ. يقال أَتْرَبَ الرجلُ، فهو مُتْرِبٌ، إِذا كثر مالهُ، فإِذا أَرادوا الفَقْرَ قالوا: تَرِبَ يَتْرَبُ.
ورجل تَرِبٌ: فقيرٌ. ورجل تَرِبٌ: لازِقٌ بالتُّراب من الحاجة ليس بينه وبين الأَرض شيءٌ.
وفي حديث أَنس، رضي اللّه عنه: لم يكن رسولُ اللّه، صلى اللّه عليه وسلم، سَبَّاباً ولا فَحَّاشاً. كان يقولُ لأَحَدنا عند الـمُعاتَبةِ: تَرِبَ جَبِينُه. قيل: أَراد به دعاءً له بكثرة السجود. وأَما قوله لبعض أَصْحابه: تَرِبَ نَحْرُكَ، فقُتِل الرجُل شهيداً، فإِنه محمول على ظاهره.
وقالوا: الترابُ لكَ، فرَفَعُوه، وإِن كان فيه معنى الدعاء، لأَنه اسم وليس بمصدر، وليس في كلِّ شيءٍ من الجَواهِر قيل هذا. وإِذ امتنع هذا في بعض المصادر. فلم يقولوا: السَّقْيُ لكَ، ولا الرَّعْيُ لك، كانت الأَسماء أَوْلى بذلك. وهذا النوعُ من الأَسماء، وإِن ارْتَفَعَ، فإِنَّ فيه معنى المنصوب. وحكى اللحياني: التُّرابَ للأَبْعَدِ. قال: فنصب كأَنه دعاء. والـمَتْرَبةُ: الـمَسْكَنةُ والفاقةُ. ومِسْكِينٌ ذُو مَتْرَبةٍ أَي لاصِقٌ بالتراب.
وجمل تَرَبُوتٌ: ذَلُولٌ، فإِمَّا أَن يكون من التُّراب لذلَّتِه، وإِما أَن تكون التاء بدلاًمن الدال في دَرَبُوت من الدُّرْبةٍ ، وهو مذهب
سيبويه، وهو مذكور في موضعه. قال ابن بري: الصواب ما قاله أَبو علي تَرَبُوتٍ أَنّ أَصله دَرَبُوتٌ من الدربة، فأَبدل من الدال تاء، كما أَبدلوا من التاء دالاً في قولهم دَوْلَجٌ وأَصله تَوْلَجٌ، ووزنه تَفْعَلٌ من وَلَجَ، والتَّوْلَجُ: الكِناسُ الذي يَلِجُ فيه الظبي وغيره من الوَحْش. وقال اللحياني: بَكْرٌ تَرَبُوتٌ: مُذَلَّلٌ، فَخصَّ به البَكْر، وكذلك ناقة تَرَبُوت. قال: وهي التي إِذا أُخِذَتْ بِمِشْفَرِها أَو بُهدْب عينها تَبِعَتْكَ. قال وقال الأَصمعي: كلُّ ذَلُولٍ من الأَرض وغيرها تَرَبُوتٌ، وكلُّ هذا من التُّراب، الذكَرُ والأُنثى فيه سواءٌ.
«والتُّرْتُبُ: الأَمْرُ الثابتُ، بضم التاءين. والتُّرْتُبُ: العبدُ
السُّوء(1)»
(1 هذه العبارة من مادة «ترتب» ذكرت هنا خطأ في الطبعة الاولى.).
وأَتْرَبَ الرجلُ إِذا مَلَك عبداً مُلِكَ ثلاث مَرَّات.
والتَّرِباتُ: الأَنامِلُ، الواحدة تَرِبةٌ.
والتَّرائبُ: مَوْضِعُ القِلادةِ من الصَّدْر، وقيل هو ما بين التَّرْقُوة إِلى الثَّنْدُوةِ؛ وقيل: التَّرائبُ عِظامُ الصدر؛ وقيل: ما وَلِيَ الّتَرْقُوَتَيْن منه؛ وقيل: ما بين الثديين والترقوتين. قال الأَغلب
العِجْليّ:
أَشْرَفَ ثَدْياها على التَّرِيبِ، * لَمْ يَعْدُوَا التَّفْلِيكَ في النُّتُوبِ
والتِّفْلِيكُ: مِن فَلَّك الثَّدْيُ. والنُّتُوبُ: النُّهُودُ، وهو ارْتِفاعُه. وقيل: التَّرائبُ أَربعُ أَضلاعٍ من يَمْنةِ الصدر وأَربعٌ من يَسْرَتِه. وقوله عز وجل: خُلِقَ مِن ماءٍ دافِقٍ يَخْرُج من بينِ الصُّلْب والتَّرائبِ. قيل: التَّرائبُ: ما تقدَّم. وقال الفرَّاء: يعني صُلْبَ الرجلِ وتَرائبَ المرأَةِ. وقيل: التَّرائبُ اليَدانِ والرِّجْلانِ والعَيْنانِ، وقال: واحدتها تَرِيبةٌ. وقال أَهل اللغة أَجمعون: التَّرائبُ موضع القِلادةِ من الصَّدْرِ، وأَنشدوا:
مُهَفْهَفةٌ بَيْضاءُ، غَيْرُ مُفاضةٍ، * تَرائِبُها مَصْقُولةٌ كالسَّجَنْجَلِ
وقيل: التَّرِيبَتانِ الضِّلَعانِ اللَّتانِ تَلِيانِ التَّرْقُوَتَيْنِ، وأَنشد:
ومِنْ ذَهَبٍ يَلُوحُ على تَرِيبٍ، * كَلَوْنِ العاجِ، ليس له غُضُونُ
أَبو عبيد: الصَّدْرُ فيه النَّحْرُ، وهو موضِعُ القِلادةِ، واللَّبَّةُ: موضع النَّحْرِ، والثُّغْرةُ: ثُغْرَةُ النَّحْرِ، وهي الهَزْمةُ بين التَّرْقُوَتَيْنِ. وقال:
والزَّعْفَرانُ، علَى تَرائِبِها، * شَرِقٌ به اللَّبَّاتُ والنَّحْرُ
قال: والتَّرْقُوَتانِ: العَظْمانِ الـمُشْرِفانِ في أَعْلَى الصَّدْرِ مِن صَدْرِ رَأْسَيِ الـمَنْكِبَيْنِ إِلى طَرَفِ ثُغْرة النَّحْر، وباطِنُ التَّرْقُوَتَيْنِ الهَواء الذي في الجَوْفِ لو خُرِقَ، يقال لهما القَلْتانِ، وهما الحاقِنَتانِ أَيضاً، والذَّاقِنةُ طَرَفُ الحُلْقُوم. قال ابن الأَثير: وفي الحديث ذكر التَّرِيبةِ، وهي أَعْلَى صَدْرِ الإِنْسانِ تَحْتَ الذَّقَنِ، وجمعُها التَّرائبُ. وتَرِيبةُ البَعِير: مَنْخِرُه(2)
(2 قوله «وتربية البعير منخره» كذا في المحكم مضبوطاً وفي شرح القاموس الطبع بالحاء المهملة بدل الخاء.).
والتِّرابُ: أَصْلُ ذِراعِ الشاة، أُنثى، وبه فسر شمر قولَ عليّ، كرَّم اللّه وجهه: لَئِنْ وَلِيتُ بني أُمَيَّةَ لأَنْفُضَنَّهُمْ نَفْضَ القَصَّابِ التِّرابَ الوَذِمةَ. قال: وعنى بالقَصّابِ هنا السَّبُعَ، والتِّرابُ: أَصْلُ ذِراعِ الشاةِ، والسَّبُعُ إِذا أَخَذَ شاةً قَبَضَ على ذلك الـمَكانِ فَنَفَضَ الشَّاةَ.
الأَزهريُّ: طَعامٌ تَرِبٌ إِذا تَلَوَّثَ بالتُّراب. قال: ومنه حديث
عليّ، رضي اللّه عنه: نَفْضَ القَصَّاب الوِذامَ التَّرِبةَ. الأَزهري:
التِّرابُ: التي سَقَطَتْ في التُّرابِ فَتَتَرَّبَتْ، فالقَصَّابُ يَنْفُضُها. ابن الأَثير: التِّرابُ جمع تَرْبٍ. تخفيفُ تَرِبٍ، يريد اللُّحُومَ التي تَعَفَّرَتْ بسُقُوطِها في التُّراب، والوَذِمةُ: الـمُنْقَطِعةُ الأَوْذامِ، وهي السُّيُورُ التي يُشَدُّ بها عُرى الدَّلْوِ. قال الأَصمعي: سأَلْتُ
شُعبةَ(1)
(1 قوله «قال الأصمعي سألت شعبة إلخ» ما هنا هو الذي في
النهاية هنا والصحاح والمختار في مادة وذم والذي فيها من اللسان قلبها فالسائل فيها مسؤول.) عن هذا الحَرْفِ، فقال: ليس هو هكذا انما هو نَفْضُ القَصَّابِ الوِذامَ التَّرِبةَ، وهي التي قد سَقَطَتْ في التُّرابِ، وقيل الكُرُوشُ كُلُّها تُسَمَّى تَرِبةً لأَنها يَحْصُلُ فيها الترابُ مِنَ الـمَرْتَعِ؛ والوَذِمةُ: التي أُخْمِلَ باطِنُها، والكُرُوشُ وَذِمةٌ لأَنها مُخْمَلَةٌ، ويقال لِخَمْلِها الوَذَمُ. ومعنى الحديث: لئن وَلِيتُهم لأُطَهِّرَنَّهم من الدَّنَسِ ولأُطَيِّبَنَّهُم بعد الخُبْثِ.
والتِّرْبُ: اللِّدةُ والسِّنُّ. يقال: هذه تِرْبُ هذه أَي لِدَتُها.
وقيل: تِرْبُ الرَّجُل الذي وُلِدَ معَه، وأَكثر ما يكون ذلك في الـمُؤَنَّثِ، يقال: هي تِرْبُها وهُما تِرْبان والجمع أَتْرابٌ. وتارَبَتْها: صارت تِرْبَها. قال كثير عزة:
تُتارِبُ بِيضاً، إِذا اسْتَلْعَبَتْ، * كأُدْم الظّباءِ تَرِفُّ الكَباثا
وقوله تعالى: عُرُباً أَتْرَاباً. فسَّره ثعلب، فقال: الأَتْرابُ هُنا
الأَمْثالُ، وهو حَسَنٌ إذْ ليست هُناك وِلادةٌ.
والتَّرَبَةُ والتَّرِبةُ والتَّرْباء: نَبْتٌ سُهْلِيٌّ مُفَرَّضُ الوَرَقِ، وقيل: هي شَجرة شاكةٌ، وثمرتها كأَنها بُسْرَة مُعَلَّقةٌ، مَنْبِتُها السَّهْلُ والحَزْنُ وتِهامةُ. وقال أَبو حنيفة: التَّرِبةُ خَضْراءُ تَسْلَحُ عنها الإِبلُ.
التهذيب في ترجمة رتب: الرَّتْباءُ الناقةُ الـمُنْتَصِبةُ في سَيْرِها،
والتَّرْباء الناقةُ الـمُنْدَفِنةُ. قال ابن الأَثير في حديث عمر، رضي
اللّه عنه، ذِكر تُرَبةَ، مثال هُمَزَة، وهو بضم التاء وفتح الراء، وادٍ قُرْبَ مكة على يَوْمين منها. وتُرَبةُ: وادٍ من أَوْدية اليمن. وتُربَةُ والتُّرَبَة والتُّرْباء وتُرْبانُ وأَتارِبُ: مواضع. ويَتْرَبُ، بفتح
الراء: مَوْضعٌ قَريبٌ من اليمامة. قال الأَشجعي:
وعَدْتَ، وكان الخُلْفُ منكَ سَجِيَّةً، * مواعِيدَ عُرقُوبٍ أخاهُ بِيَتْرَبِ
قال هكذا رواه أَبو عبيدة بَيَتْرَبِ وأَنكر بيَثْرِبِ، وقال: عُرقُوبٌ
من العَمالِيقِ، ويَتْرَبُ من بِلادِهم ولم تَسْكُن العمالِيقُ يَثْرِبَ.
وفي حديث عائشة، رضي اللّه عنها: كُنَّا بِتُرْبانَ. قال ابن الأَثير: هو موضع كثير المياه بينه وبين المدينة نحو خمسة فَراسِخَ.
وتُرْبةُ: موضع(2)
(2 قوله «وتربة موضع إلخ» هو فيما رأيناه من المحكم
مضبوط بضم فسكون كما ترى والذي في معجم ياقوت بضم ففتح ثم أورد المثل.) من بِلادِ بني عامرِ بن مالك، ومن أَمثالهم: عَرَفَ بَطْنِي بَطْنَ تُرْبةَ، يُضْرَب للرجل يصير إِلى الامرِ الجَليِّ بعد الأَمرِ الـمُلْتَبِس؛ والـمَثَلُ لعامر بن مالك أَبي البراء.
والتُّرْبِيَّة: حِنْطة حَمْراء، وسُنْبلها أَيضاً أَحمرُ ناصِعُ الحُمرة، وهي رَقِيقة تَنْتَشِر مع أَدْنَى بَرْد أَو ريح، حكاه أَبو حنيفة.
عقر: العَقْرُ والعُقْرُ: العُقْم، وهو اسْتِعقْامُ الرَّحِم، وهو أَن
لا تحمل. وقد عَقُرَت المرأَة عَقَارةً وعِقارةً وعَقَرت تَعْقِرِ عَقْراً
وعُقْراً وعَقِرَت عَقاراً، وهي عاقرٌ. قال ابن جني: ومما عدُّوه شاذّاً
ما ذكروه من فَعُل فهو فاعِلٌ، نحو عَقُرَت المرأَة فهي عاقِرٌ، وشَعُر
فهو شاعرٌ، وحَمُض فهو حامِضٌ، وطَهُرَ فهو طاهِرٌ؛ قال: وأَكثر ذلك
وعامَّتُه إِنما هو لُغات تداخَلَت فَتَركَّبَت، قال: هكذا ينبغي أَن
تعتَقِد، وهو أَشَبهُ بحِكمةِ العرب. وقال مرَّة: ليس عاقرٌ من عَقُرَت بمنزلة
حامِضٍ من حَمُض ولا خاثرٍ من خَثُر ولا طاهِرٍ من طَهُر ولا شاعِرٍ من
شَعُر لأَن كل واحد من هذه اسم الفاعل، وهو جارٍ على فَعَل، فاستغني به عما
يَجْرِي على فَعُل، وهو فَعِيل، ولكنه اسمٌ بمعنى النسب بمنزلة امرأَة
حائضٍ وطالَقٍ، وكذلك الناقة، وجمعها عُقَّر؛ قال:
ولو أَنَّ ما في بَطْنِه بَيْنَ نِسْوَةٍ
حَبِلْنَ، ولو كانت قَواعِدَ عُقّرا
ولقد عَقُرَت، بضم القاف، أَشدَّ العُقْر وأَعْقَر اللهُ رَحِمَها، فهي
مُعْقَرة، وعَقُر الرجلُ مثل المرأَة أَيضاً، ورجال عُقَّرٌ ونساء
عُقَّرٌ. وقالوا: امرأَة عُقَرة، مثل هُمَزة؛ وأَنشد:
سَقَى الكِلابيُّ العُقَيْليَّ العُقُرْ
والعُقُر: كل ما شَرِبه
(*
قوله: «والعقر كل ما شربه إلخ» عبارة شارح القاموس العقر، بضمتين، كل ما
شربه إِنسان فلم يولد له، قال: «سقى الكلابي العقيلي العقر» قال
الصاغاني: وقيل هو العقر بالتخفيف فنقله للقافية). الإِنسان فلم يولد له، فهو
عُقْرٌ له. ويقال: عَقَر وعَقِر إِذا عَقُر فلم يُحْمَل له. وفي الحديث: لا
تَزَوَّجُنَّ عاقِراً فإِني مُكاثِرٌ بكم؛ العاقرُ: التي لا تحمل. وروي
عن الخليل: العُقْرُ اسْتِبْراءُ المرأَة لتُنْظَرَ أَبِكْرٌ أَم غير
بكر، قال: وهذا لا يعرف. ورجل عاقرٌ وعَقِيرٌ: لا يولد له بَيْن العُقْر،
بالضم، ولم نسمع في المرأَة عَقِيراً. وقال ابن الأَعرابي: هو الذي يأْتي
النساء فيُحاضِنُهنّ ويُلامِسهُنّ ولا يولد له.
وعُقْرةُ لعهدهم: النِّسْيانُ: والعُقَرة: خرزة تشدُّها المرأَة على
حَِقْوَيْها لئلا تَحْبَل. قال الأَزهري: ولسنا العرب خرزةٌ يقال لها
العُقَرة يَزْعُمْن أَنها إِذا عُلِّقَت على حِقْوِ المرأَة لم تحمل إِذا
وُطِئت. قال الأَزهري: قال ابن الأَعرابي العُقَرة خرزةٌ تعلَّق على العاقر
لتَلِدَ. وعَقُر الأَمرُ عُقْراً: لم يُنْتِجْ عاقِبةً؛ قال ذر الرمة يمدح
بلال بن أَبي بردة:
أَبوكَ تَلافَى الناسَ والدِّينَ بعدما
تَشاءَوْا، وبَيْتُ الدِّين مُنْقطِع الكَسْر
فشدَّ إِصارَ الدِّينِ أَيَّامَ أَذْرُحٍ
ورَدَّ حُروباً لَقِحْن إِلى عُقْرِ
الضمير في شدَّ عائد على جد الــممدوح وهو أَبو موسى الأَشعري.
والتَّشائِي: التبايُنُ والتَّفَرُّق. والكَسْرُ؛ جانب البيت. والإِصَارُ: حَبْل
قصير يشدّ به أَسفلُ الخباء إِلى الوتد، وإِنما ضربه مثلاً. وأَذْرُح:
موضع؛ وقوله: وردَّ حُروباً قد لَقِحْنَ إِلى عُقْرِ أَي رَجَعْن إِلى
السكون. ويقال: رَجَعَت الحربُ إِلى عُقْرٍ إِذا فَتَرَتْ. وعَقْرُ النَّوَى:
صَرْفُها حالاً بعد حال. والعاقِرُ من الرمل: ما لا يُنْبِت، يُشَبَّه
بالمرأَة، وقيل: هي الرملة التي تُنْبِت جَنَبَتَاها ولا يُنْبِت وَسَطُها؛
أَنشد ثعلب:
ومِن عاقرٍ يَنْفِي الأَلاءَ سَراتُها،
عِذَارَيْنِ عَنْ جَرْداءَ، وَعْثٍ خُصورُها
وخَصَّ الأَلاء لأَنه من شجر الرمل، وقيل: العاقر رملة معروفة لا تنبت
شيئاً؛ قال:
أَمَّا الفُؤادُ، فلا يَزالُ مُوكَّلاً
بهوى حَمامةَ، أَو بِرَيّا العاقِر
حَمامَةُ: رملة معروفة أَو أَكَمَة، وقيل: العاقِرُ العظيم من الرمل،
وقيل: العظيم من الرمل لا ينبت شيئاً؛ فأَما قوله أَنشده ابن الأَعرابي:
صَرَّافةَ القَبِّ دَموكاً عاقِرا
فإِنه فسره فقال: العاقِرُ التي لا مثل لها. والدَّمُوك هنا: البَكَرة
التي يُسْتقى بها على السانِية، وعَقَرَه أَي جَرَحَه، فهو عَقِيرٌ
وعَقْرَى، مثَّل جريح وجَرْحَى والعَقْرُ: شَبِيهٌ بالحَزِّ؛ عَقَرَه يَعْقِره
عَقْراً وعَقَّره. والعَقِيرُ: المَعْقورُ، والجمع عَقْرَى، الذكر
والأُنثى فيه سواء. وعَقَر الفرسَ والبعيرَ بالسيف عَقْراً: قطع قوائمه؛ وفرس
عَقِيرٌ مَعْقورٌ، وخيل عَقْرى؛ قال:
بسِلَّى وسِلِّبْرَى مَصارعُ فِتْيةٍ
كِرامٍ، وعَقْرَى من كُمَيْتٍ ومن وَرْدِ
وناقةٌ عَقِيرٌ وجمل عَقِير. وفي حديث خديجة، رضي الله تعالى عنها، لما
تزوجت رسولُ الله، صلى الله عليه وسلم، كَسَتْ أَباها حُلَّةً
وخَلَّقَتْه ونَحَرَتْ جزوراً، فقال: ما هذا الحَبِيرُ وهذا العَبِيرُ وهذا
العَقِيرُ؟ أَي الجزور المنحور؛ قيل: كانوا إِذا أَرادوا نَحْرَ البعير عَقَرُوه
أَي قطعوا إِحدى قوائمه ثم نَحرُوه، يفْعل ذلك به كَيْلا يَشْرُد عند
النَّحْر؛ وفي النهاية في هذا المكان: وفي الحديث: أَنه مَرَّ بحِمارٍ
عَقِيرٍ أَي أَصابَه عَقْرٌ ولم يَمُتْ بعد، ولم يفسره ابن الأَثير. وعَقَرَ
الناقة يَعْقِرُها ويَعْقُرها عَقْراً وعَقَّرَها إِذا فعل بها ذلك حتى
تسقط فَنَحَرَها مُسْتمكناً منها، وكذلك كل فَعِيل مصروف عن مفعول به
فإِنه بغير هاء. قال اللحياني: وهو الكلام المجتمع عليه، ومنه ما يقال
بالهاء؛ وقول امرئ القيس:
ويومَ عَقَرْتُ للعَذارَى مَطِيَّتي
فمعناه نحرتها. وعاقَرَ صاحبَه: فاضَلَه في عَقْر الإِبل، كما يقال
كارَمَه وفاخَرَه. وتعاقَر الرجُلان: عَقَرا إِبلِهَما يَتَباريَان بذلك
ليُرَى أَيُّهما أَعْقَرُ لها؛ ولما أَنشد ابن دريد قوله:
فما كان ذَنْبُ بنِي مالك،
بأَنْ سُبَّ منهم غُلامٌ فَسَبَّ
بأَبْيَضَ ذِي شُطَبٍ باتِرٍ
يَقُطُّ العِظامَ ويَبْرِي العَصَبْ
فسره فقال: يريد مُعاقرةَ غالب بن صعصعة أَبي الفرزدق وسُحَيم بن وَثِيل
الرياحي لما تَعاقَرَا بِصَوْأَر، فعقر سحيم خمساً ثم بدَا له، وعَقَر
غالبٌ أَبو الفرزدق مائة. وفي حديث ابن عباس: لا تأْكلوا من تَعاقُرِ
الأَعراب فإِني لا آمَنُ أَن يكون مما أْهِلَّ به لغير الله؛ قال ابن
الأَثير: هو عَقْرُهم الإِبل، كان الرجلان يَتَباريانِ في الجود والسخاء
فيَعْقِر هذا وهذا حتى يُعَجِّزَ أَحدُهما الآخر، وكانوا يفعلونه رياءً وسُمْعة
وتفاخُراً ولا يقصدون به وجه الله تعالى، فشبَّهه بما ذُبح لغير الله
تعالى. وفي الحديث: لا عَقْرَ في الإِسلام: قال ابن الأَثير: كانوا
يَعْقِرون الإِبل على قبور المَوْتَى أَي يَنْحَرُونها ويقولون: إِن صاحبَ القبر
كان يَعْقِر للأَضياف أَيام حياته فتُكافِئُه بمثل صَنِيعه بعد وفاته.
وأَصل العَقْرِ ضَرْبُ قوائم البعير أَو الشاة بالسيف، وهو قائم. وفي
الحديث: ولا تَعْقِرنّ شاةً ولا بَعِيراً إِلاَّ لِمَأْكَلة، وإِنما نهى عنه
لأَنه مُثْلة وتعذيبٌ للحيوان؛ ومنه حديث ابن الأَكوع: وما زِلْتُ
أَرْمِيهم وأَعْقِرُ بهم أَي أَقتُلُ مركوبهم؛ يقال: عَقَرْت به إِذا قتلت مر
كوبه وجعلته راجلاً؛ ومنه الحديث: فَعَقَرَ حَنْظَلةُ الراهب بأَبي
سُفْيَان بن حَرْب أَي عَرْقَبَ دَابّته ثم اتُّسِعَ في العَقْر حتى استعمل في
القَتْل والهلاك؛ ومنه الحديث: أَنه قال لمُسَيْلِمةَ الكذّاب: وإِن
أَدْبَرْتَ ليَعْقرَنَّك الله أَي ليُهْلِكَنّك، وقيل: أَصله من عَقْر النخل،
وهو أَن تقطع رؤوسها فتَيْبَس؛ ومنه حديث أُم زرع: وعَقْرُ جارِتها أَي
هلاكُهَا من الحسد والغيظ. وقولهم: عَقَرْتَ بي أَي أَطَلْت جَبْسِي كأَنك
عَقَرْت بَعِيرِي فلا أَقدر على السير، وأَنشد ابن السكيت:
قد عَقَرَتْ بالقومِ أُمُّ خَزْرج
وفي حديث كعب: أَن الشمس والقَمَرَ ثَوْرانِ عَقِيران في النار؛ قيل
لمّا وصَفَهما الله تعالى بالسِّبَاحة في قوله عز وجل: وكلٌّ في فَلَكٍ
يَسْبَحُون، ثم أَخبر أَنه يجعلهما في النار يُعَذِّب بهما أَهْلَها بحيث لا
يَبْرَحانِها صارا كأَنهما زَمِنان عَقِيران. قال ابن الأَثير: حكى ذلك
أَبو موسى، وهو كما تراه. ابن بزرج: يقال قد كانت لي حاجة فعَقَرَني عنها
أَي حَبَسَنِي عنها وعاقَنِي. قال الأَزهري: وعَقْرُ النَّوَى منه
مأْخوذ، والعَقْرُ لا يكون إِلاَّ في القوائم. عَقَرَه إِذا قطع قائِمة من
قوائمه. قال الله تعالى في قضيَّة ثمود: فتاطَى فعَقَرَ؛ أَي تعاطَى الشقِيُّ
عَقْرَ الناقةِ فبلغ ما أَراد، قال الأَزهري: العَقْرُ عند العرب كَشْفُ
عُرْقوب البعير، ثم يُجْعَل النَّحْرُ عَقْراً لأَن ناحِرَ الإِبل
يَعْقِرُها ثم ينحرها. والعَقِيرة: ما عُقِرَ من صيد أَو غيره. وعَقِيرةُ
الرجل: صوتُه إِذا غَنّى أَو قَرَأَ أَو بَكى، وقيل: أَصله أَن رجلاً عُقِرَت
رجلُه فوضع العَقِيرةَ على الصحيحة وبكَى عليها بأَعْلى صوته، فقيل: رفع
عَقِيرَته، ثم كثر ذلك حتى صُيِّر الصوتُ بالغِنَاء عَقِيرة. قال
الجوهري: قيل لكل مَن رفع صوته عَقِيرة ولم يقيّد بالغناء. قال: والعَقِيرة
الساقُ المقطوعة. قال الأَزهري: وقيل فيه هو رجل أُصِيبَ عُضْوٌ من أَعضائه،
وله إِبل اعتادت حُداءَه، فانتشرت عليه إِبلُه فرفع صوتَه بالأَنِينِ
لِمَا أَصابه من العَقْرِ في بدنه فتسمَّعت إِبلُه فحَسِبْنه يَحْدو بها
فاجتمعت إِليه، فقيل لكل من رفع صوته بالغناء: قد رفع عَقِيرته.
والعَقِيرة: متهى الصوت؛ عن يعقوب؛ واسْتَعْقَرَ الذئبُ رَفَع صوتَه بالتطريب في
العُواء؛ عنه أَيضاً؛ وأَنشد:
فلما عَوَى الذئبُ مُسْتَعِقْراً،
أَنِسْنا به والدُّجى أَسْدَفُ
وقيل: معناه يطلب شيئاً يَفْرِسُه وهؤلاء قومٌ لُصوصٌ أَمِنُوا الطلب
حين عَوَى الذئب. والعَقِيرة: الرجل الشريف يُقْتَل. وفي بعض نسخ الإِصلاح:
ما رأَيت كاليوم عَقِيرَةً وَسْطَ قوم. قال الجوهري: يقال ما رأَيت
كاليوم عَقِيرةً وَسْطَ قوم، للرجل الشريف يُقْتَل، ويقال: عَقَرْت ظهر
الدابة إِذا أَدْبَرْته فانْعَقَر واعْتَقَر؛ ومنه قوله:
عَقَرْتَ بَعِيري يا امْرَأَ القَيْسِ فانْزِلِ
والمِعْقَرُ من الرِّحالِ: الذي ليس بِواقٍ. قال أَبو عبيد: لا يقال
مِعْقر إِلاَّ لما كانت تلك عادته، فأَمّا ما عَقَر مرة فلا يكون إِلاَّ
عاقراً؛ أَبو زيد: سَرْجٌ عُقَرٌ؛ وأَنشد للبَعِيث:
أَلَدُّ إِذا لافَيْتُ قَوْماً بِخُطَّةٍ،
أَلَحَّ على أَكتافِهم قَتَبٌ عُقَرْ
وعَقَرَ القَتَبُ والرحل ظهر الناقة، والسرجُ ظهرَ الدابة يَعْقِرُه
عَقْراً: حَزَّه وأََدْبَرَه. واعْتَقَر الظهرُ وانْعَقَرَ: دَبِرَ. وسرجٌ
مِعْقار ومِعْقَر ومُعْقِرٌ وعُقَرَةٌ وعُقَر وعاقورٌ: يَعْقِرُ ظهر
الدابة، وكذلك الرحل؛ وقيل: لا يقال مِعْقَر إِلاَّ لما عادته أَن يَعْقِرِ.
ورجل عُقَرة وعُقَر ومِعْقَر: يَعقِر الإِبل من إِتْعابِه إِيّاها، ولا
يقال عَقُور. وكلب عَقُور، والجمع عُقْر؛ وقيل: العَقُور للحيوان،
والعُقَرَة للمَواتِ. وفي الحديث: خَمْسٌ مَن قَتَلَهُنّ، وهو حَرامٌ، فلا جُناح
عليه. العَقْرب والفأْرة والغُراب والحِدَأُ والكلبُ والعَقُور؛ قال: هو
كل سبع يَعْقِر أَي يجرح ويقتل ويفترس كالأَسد والنمر والذئب والفَهْد
وما أَشبهها، سمّاها كلباً لاشتراكها في السَّبُعِيَّة؛ قال سفيان بن
عيينة: هو كل سبع يَعْقِر، ولم يخص به الكلب. والعَقُور من أَبنية المبالغة
ولا يقال عَقُور إِلاَّ في ذي الروح. قال أَبو عبيد: يقال لكل جارحٍ أَو
عاقرٍ من السباع كلب عَقُور. وكَلأُ أَرضِ كذا عُقَارٌ وعُقَّارٌ: يَعْقِر
الماشية ويَقْتُلُها؛ ومنه سمِّي الخمر عُقَاراً لأَنه يَعْقِرُ
العَقْلَ؛ قاله ابن الأَعرابي. ويقال للمرأَة: عَقْرَى حَلْقى، معناه عَقَرها
الله وحَلَقها أَي حَلَقَ شَعَرها أَو أَصابَها بوجع في حَلْقِها، فعَقْرى
ههنا مَصْدَرٌ كدَعْوى في قول بَشِير بن النَّكْث أَنشده سيبويه:
وَلَّتْ ودَعْلأاها شديدٌ صَخَبُهْ
أَي دعاؤُها؛ وعلى هذا قال: صَخَبُه، فذكّر، وقيل: عَقْرى حَلْقى
تَعِقْرُ قومها وتَحْلِقُهم بشُؤْمِها وتستأْصلهم، وقيل: العَقْرى الحائض. وفي
حديث النبي، صلى الله عليه وسلم، حين قيل له يوم النَّفْر في صَفِيَّة
إِنها حائضٌ فقال: عَقْرَى حَلقى ما أُراها إِلاَّ حابِسَتَنا؛ قال أَبو
عبيد: قوله عَقْرى عَقَرَها اللهُ؛ وحَلْقى خَلَقَها اللهُ تعالى، فقوله
عَقَرَهَا الله يعني عَقَرَ جسدَها، وحَلْقى أَصابَها الله تعالى بوجعٍ في
حَلْقِها؛ قال: وأَصحاب الحديث يروونه عَقْرى حَلْقِى، وإِنما هو عَقْراً
وحَلْقاً، بالتنوين، لأَنهما مصدرا عَقَرَ وحَلَقَ؛ قال: وهذا على مذهب
العرب في الدعاء على الشيء من غير إِرادة لوقوعه. قال شمر: قلت لأَبي
عبيد لم لا تُجِيزُ عَقْرى؟ فقال: لأَنّ فَعْلى تجيء نعتاً ولم تجئ في
الدعاء. فقلت: روى ابن شميل عن العرب مُطَّيْرى، وعَقْرى أَخَفّ منه، فلم
يُنْكِرْه؛ قال ابن الأَثير: هذا ظاهرُه الدعاء عليها وليس بدعاء في الحقيقة،
وهو في مذهبهم معروف. وقال سيبويه: عَقَّرْته إِذا قلت له عَقْراً وهو
من باب سَقْياً ورَعْياً وجَدْعاً، وقال الزمخشري: هما صِفتان للمرأَة
المشؤومة أَي أَنها تَعْقِرُ قومَها وتَحْلِقُهم أَي تستأْصِلُهم، من شؤمها
عليهم، ومحلُّها الرفع على الخبرية أَي هي عَقْرى وحَلْقى، ويحتمل أَن
يكونا مصدرين على فَعْلى بمعنى العَقْر والحَلْق كالشَّكْوى للشَّكْوِ،
وقيل: الأَلف للتأْنيث مثلها في غَضْبى وسَكْرى؛ وحكى اللحياني: لا تفعل ذلم
أُمُّك عَقْرى، ولم يفسره، غير أَنه ذكره مع قوله أُمك ثاكِلٌ وأُمُّك
هابِلٌ. وحكى سيبويه في الدعاء: جَدْعاً له وعَقْراً، وقال: جَدَّعْتُه
وعَقَّرْته قلت له ذلك؛ والعرب تقول: نَعُوذُ بالله من العَواقِر
والنَّواقِر؛ حكاه ثعلب، قال: والعواقِرُ ما يَعْقِرُ، والنَّواقِرُ السهامُ التي
تُصيب.
وعَقَرَ النخلة عَقْراً وهي عَقِرةٌ: قطع رأْسها فيبست. قال الأَزهري:
وعَقْرُ النَّخْلة أَنُ يُكْشَطَ لِيفُها عن قَلْبها ويؤخذ جَذَبُها فإِذا
فعل ذلك بها يَبِسَتْ وهَمَدت. قال: ويقال عَقَر النخلة قَطَع رأْسَها
كلَّه مع الجُمّار، فهي مَعْقورة وعَقِير، والاسم العَقَار. وفي الحديث:
أَنه مَرَّ بأَرضٍ تسمى عَقِرة فسماها خضِرَة؛ قال ابن الأَثير: كأَنه
كرِه لها اسم العَقْر لأَن العاقِرَ المرأَةُ التي لا تحمل، وشجرة عاقر لا
تحمل، فسماها خَضِرة تفاؤلاً بها؛ ويجوز أَن يكون من قولهم نخلة عَقِرةٌ
إِذا قطع رأْسها فيبست. وطائر عَقِرٌ وعاقِرٌ إِذا أَصاب ريشَه آفةٌ فلم
ينبت؛ وأَما قول لبيد:
لَمَّا رأَى لُبَدُ النُّسورَ تطايَرَتْ،
رَفَعَ القَوادِمَ كالعَقِير الأَعْزلِ
قال: شبَّه النَّسْرَ، لمّا تطاير ريشُه فلم يَطِرْ، بفرس كُشِفَ
عرقوباه فلم يُحْضِرْ. والأَعْزَلُ المائل الذنب.
وفي الحديث فيما روى الشعبي: ليس على زانٍ عُقْرٌ أَي مَهْر وهو
للمُغْتَصَبةِ من الإِماء كمَهْرِ المثل للحُرَّة. وفي الحديث: فأَعْطاهم
عُقْرَها؛ قال: العُقْرُ، بالضم، ما تُعْطاه المرأَة على وطء الشبهة، وأَصله
أَن واطئ البِكْر يَعْقِرها إِذا اقْتَضَّها. فسُمِّيَ ما تُعْطاه
للعَقْرِ عُقْراً ثم صار عامّاً لها وللثيّب، وجمعه الأَعْقارُ. وقال أَحمد بن
حنبل: العُقْرُ المهر. وقال ابن المظفر: عُقْرُ المرأَة دبةُ فرجها إذا
غُصِبَت فَرْجَها. وقال أَبو عبيدة: عُقْرُ المرأَة ثَوابٌ تُثابُه
المرأَةُ من نكاحها، وقيل: هو صداق المرأَة، وقال الجوهري: هو مَهْرُ المرأَة
إِذا وُِطِئت على شبهة فسماه مَهْراً. وبَيْضَةُ العُقْرِ: التي تُمْتحنُ
بها المرأَةُ عند الاقْتِضاض، وقيل: هي أَول بيضة تبَِيضُها الدجاجة
لأَنها تَعْقِرها، وقيل: هي آخر بيضة تبيضها إِذا هَرِمَت، وقيل: هي بيضة
الدِّيك يبيضها في السنة مرة واحدة، وقيل: يبيضها في عمره مرة واحدة إِلى
الطُّول ما هي، سميِّت بذلك لأَن عُذْرةَ الجارية تُخْتَبَرُ بها. وقال
الليث: بَيْضةُ العُقْر بَيْضةُ الدِّيك تُنْسَبُ إِلى العُقْر لأَن الجارية
العذراء يُبْلى ذلك منها بِبَيْضة الدِّيك، فيعلم شأْنها فتُضْرَبُ بيضةُ
الديك مثلاً لكل شيء لا يستطاع مسُّه رَخاوةً وضَعْفاً، ويُضْرَب بذلك
مثلاً للعطية القليلة التي لا يَرُبُّها مُعْطِيها بِبِرّ يتلوها؛ وقال
أَبو عبيد في البخيل يعطي مرة ثم لا يعود: كانت بيْضَة الدِّيك، قال: فإِن
كان يعطي شيئاً ثم يقطعه آخر الدهر قيل للمرة الأَخيرة: كانت بَيْضةَ
العُقْر، وقيل: بيضة العُقْر إِنما هو كقولهم: بَيْض الأَنُوق والأَبْلق
العَقُوق، فهو مثل لما لا يكون. ويقال للذي لا غَنَاء عنده: بَيْضَة العقر،
على التشبيه بذلك. ويقال: كان ذلك بَيْضَة العقر، معناه كان ذلك مرة
واحدة لا ثانية لها. وبَيْضةَ العقر، معناه كان ذلك مرة واحدة لا ثانية لها.
وبَيْضة العُقْر: الأَبْترُ الذي لا ولد له. وعُقْرُ القوم وعَقْرُهم:
مَحَلّتُهم بين الدارِ والحوضِ. وعُقْرُ الحوض وعُقُره، مخففاً ومثقلاً:
مؤخَّرُه، وقيل: مَقامُ الشاربة منه. وفي الحديث: إِني لِبعُقْرِ حَوْضِي
أَذُودُ الناس لأَهل اليَمَنِ؛ قال ابن الأَثير: عُقْرُ الحوض، بالضم،
موضع الشاربة منه، أَي أَطْرُدُهم لأَجل أَن يَرِدَ أَهلُ اليمن. وفي المثل:
إِنما يُهْدَمُ الحَوْضُ من عُقْرِه أَي إِنما يؤتى الأَمرُ من وجهه،
والجمع أَعقار، قال:
يَلِدْنَ بأَعْقارِ الحِياضِ كأَنَّها
نِساءُ النَّصارى، أَصْبَحَتْ وهي كُفَّلُ
ابن الأَعرابي: مَفْرَغُ الدَّلْو من مُؤَخَّرِه عُقْرُه، ومن
مُقَدَّمِه إزاؤه. والعَقِرةُ: الناقةُ التي لا تشرب إِلاَّ من العُقْرِ،
والأَزِيَة: التي لا تَشْرَبُ إِلاَّ من الإِزاءِ؛ ووصف امرؤ القيس صائداً حاذقاً
بالرمي يصيب المَقاتل:
فَرماها في فَرائِصِها
بإِزاءِ الحَوْضِ، أَو عُقُرِهْ
والفرائِصُ: جمع فَرِيصة، وهي اللحمة التي تُرْعَدُ من الدابة عند مرجع
الكتف تتّصل بالفؤاد. وإِزاءُ الحوض: مُهَراقُ الدَّلْوِ ومصبُّها من
الحوض. وناقةٌ عَقِرةٌ: تشرب من عُقْرِ الحوض. وعُقْرُِ البئر: حيث تقع
أَيدي الواردة إِذا شربت، والجمع أَعْقارٌ. وعُقْرُ النار وعُقُرها: أَصلها
الذي تأَجَّجُ منه، وقيل: معظمها ومجتمعها ووسطها؛ قال الهذلي يصف
النصال:وبِيض كالسلاجِم مُرْهَفات،
كأَنَّ ظُباتِها عُقُرٌ بَعِيج
الكاف زائدة. أَراد بيض سَلاجِم أَي طِوَا لٌ.
والعُقْر: الجمر. والجمرة: عُقْرة. وبَعِيجٌ بمعنى مبعوج أَي بُعِج
بِعُودٍ يُثارُ به فشُقَّ عُقْرُ النار وفُتِح؛ قال ابن بري: هذا البيت
أَورده الجوهري وقال: قال الهذلي يصف السيوف، والبيت لعمرو ابن الداخل يصف
سهاماً، وأَراد بالبِيضِ سِهاماً، والمَعْنِيُّ بها النصالُ. والظُّبَةُ:
حدُّ النصل. وعُقْرُ كلِّ شيء: أَصله. وعُقْرُ الدار: أَصلُها، وقيل:
وسطها، وهو مَحلّة للقوم. وفي الحديث: ما غُزِيَ قومٌ في عُقعرِ دارهم إلاَّ
ذَلُّوا؛ عقْر الدار؛ بالفتح والضم: أَصلُها؛ ومنه الحديث: عُقْرُ دارِ
الإِسلام الشامُ أَي أَصله وموضعه، كأَنه أَشار به إِلى وقت الفِتَن أَي
يكون الشأْم يومئذٍ آمِناً منها وأَهلُ الإِسلام به أَسْلَمُ. قال
الأَصمعي: عُقْرُ الدار أَصلُها في لغة الحجاز، فأَما أَهل نجد فيقولون عَقْر،
ومنه قيل: العَقَارُ وهو المنزل والأَرض والضِّيَاع. قال الأَزهري: وقد خلط
الليث في تفسير عُقْر الدار وعُقْر الحوض وخالف فيه الأئمة، فلذلك
أَضربت عن ذكر ما قاله صفحاً. ويقال: عُقِرَت رَكِيّتُهم إِذا هُدِمت. وقالوا:
البُهْمَى عُقْرُ الكلإِ. وعُقَارُ الكلإِ أَي خيارُ ما يُرْعى من نبات
الأَرض ويُعْتَمَد عليه بمنزلة الدار. وهذا البيت عُقْرُ القصيدة أَي
أَحسنُ أَبياتها. وهذه الأَبيات عُقارُ هذه القصيدة أَي خيارُها؛ قال ابن
الأَعرابي: أَنشدني أَبو مَحْضة قصيدة وأَنشدني منها أَبياتاً فقال: هذه
الأَبيات عُقَارُ هذه القصيدة أَي خِيارُها.
وتَعَقَّرَ شحمُ الناقة إِذا اكْتَنَزَ كلُّ موضعٍ منها شَحْماً.
والعَقْرُ: فَرْجُ ما بين كل شيئين، وخص بعضهم به ما بين قوائم المائدة.
قال الخليل: سمعت أَعرابيّاً من أَهل الصَّمّان يقول: كل فُرْجة تكون
بين شيئين فهي عَقْرٌ وعُقْر، لغتان، ووضَعَ يديه على قائمتي المائدة ونحن
نتغدَّى، فقال: ما بنيهما عُقْر.
والعَقْرُ والعَقارُ: المنزل والضَّيْعةُ؛ يقال: ما له دارٌ ولا عَقارٌ،
وخص بعضهم بالعَقار النخلَ. يقال للنخل خاصة من بين المال: عَقارٌ. وفي
الحديث: مَن باع داراً أَو عَقاراً؛ قال: العَقارُ، بالفتح، الضَّيْعة
والنخل والأَرض ونحو ذلك. والمُعْقِرُ: الرجلُ الكثير العَقار، وقد
أَعْقَر. قالت أُم سلمة لعائشة، رضي الله عنها، عند خروجها إِلى البصرة: سَكَّنَ
الله عُقَيْراكِ فلا تُصْحِريها أَي أَسكَنَكِ الله بَيْتَك وعقَارَك
وسَتَرَكِ فيه فلا تُبْرِزيه؛ قال ابن الأَثير: هو اسم مصغَّر مشتق من
عُقْرِ الدار، وقال القتيبي: لم أَسمع بعُقَيْرى إِلاَّ في هذا الحديث؛ قال
الزمخشري: كأَنها تصغير العَقْرى على فَعْلى، من عَقِرَ إِذا بقي مكانه لا
يتقدم ولا يتأَخر فزعاً أَو أَسَفاً أَو خجلاً، وأَصله من عَقَرْت به
إِذا أَطَلْتَ حَبْسَه، كأَنك عَقَرْت راحلته فبقي لا يقدر على البَراحِ،
وأَرادت بها نفسها أَي سكِّني نفْسَك التي حقُّها أَن تلزم مكانها ولا
تَبْرُز إِلى الصحراء، من قوله تعالى: وقَرْنَ في بُيوتِكُنّ ولا تَبَرَّجْن
تَبرُّجَ الجاهلية الأُولى. وعَقَار البيت: متاعُه ونَضَدُه الذي لا
يُبْتَذلُ إِلاَّ في الأَعْيادِ والحقوق الكبار؛ وبيت حَسَنُ الأَهَرةِ
والظَّهَرةِ والعَقارِ، وقيل: عَقارُ المتاع خيارُه وهو نحو ذلك لأَنه لا
يبسط في الأَعْيادِ والحُقوقِ الكبار إِلاَّ خيارُه، وقيل: عَقارُه متاعه
ونَضَدُه إِذا كان حسناً كبيراً. وفي الحديث: بعث رسولُ الله، صلى الله
عليه وسلم، عُيَيْنَةَ بن بدر حين أَسلم الناس ودَجا الإِسلام فهجَمَ على
بني علي بن جُنْدب بذات الشُّقُوق، فأَغارُوا عليهم وأَخذوا أَموالهم حتى
أَحْضَرُوها المدينةَ عند نبي الله، فقالت وفُودُ بني العَنْبرِ: أُخِذْنا
يا رسولُ الله، مُسْلِمين غير مشركين حين خَضْرَمْنا النَّعَمَ، فردّ
النبي، صلى الله عليه وسلم، عليهم ذَرارِيَّهم وعَقَار بُيوتهم؛ قال
الحربيّ: ردّ رسولُ الله، صلى الله عليه وسلم، ذَرارِيَّهمْ لأَنه لم يَرَ أَن
يَسْبِيهَم إِلاَّ على أَمر صحيح ووجدهم مُقِرّين بالإِسلام، وأَراد
بعَقارِ بيوتهم أَراضِيهَم، ومنهم مَنْ غلّط مَنْ فسّر عَقارَ بيوتهم
بأَراضيهم، وقال: أَراد أَمْتِعةَ بيوتهم من الثياب والأَدوات. وعَقارُ كل شيء:
خياره. ويقال: في البيت عَقارٌ حسنٌ أَي متاع وأَداة.
وفي الحديث: خيرُ المال العُقْرُ، قال: هو بالضم، أَصل كل شيء، وبالفتح
أَيضاً، وقيل: أَراد أَصل مالٍ له نماءٌ؛ ومنه قيل للبُهْمَى: عُقْرُ
الدار أَي خيرُ ما رَعَت الإِبل؛ وأَما قول طفيل يصف هوادج الظعائن:
عَقَارٌ تَظَلُّ الطَّيرُ تَخْطِفُ زَهْوَه
وعالَيْن أَعْلاقاً على كل مُفْأَم
فإِنَّ الأَصمعي رفع العين من قوله عُقار، وقال: هو متاع البيت، وأَبو
زيد وابن الأَعرابي رَوياه بالفتح، وقد مر ذلك في حديث عيينة بن بدر. وفي
الصحاح والعُقارُ ضَرْبٌ من الثياب أَحمر؛ قال طفيل: عقار تظل الطير
(وأَورد البيت).
ابن الأَعرابي: عُقارُ الكلإِ البُهْمى؛ كلُّ دار لا يكون فيها يُهْمى
فلا خير في رعيها إِلاَّ أَن يكون فيها طَرِيفة، وهي النَّصِيّ
والصَّلِّيان. وقال مرة: العُقارُ جميع اليبيس. ويقال: عُقِرَ كلأُ هذه الأَرض إذا
أُكِلَ. وقد أَعْقَرْتُكَ كلأَ موضعِ كذا فاعْقِرْه أَي كُلْه. وفي
الحديث: أَنه أَقطع حُصَيْنَ بن مُشَمّت ناحية كذا واشترط عليه أَن لا
يَعْقِرَ مرعاها أَي لا يَقْطعَ شجرها.
وعاقَرَ الشيءَ مُعاقرةً وعِقاراً: لَزِمَه. والعُقَارُ: الخمر، سميت
بذلك لأَنها عاقَرت العَقل وعاقَرت الدَّنّ أَي لَزِمَتْه؛ يقال: عاقَرَه
إِذا لازَمَه وداوم عليه. وأَصله من عُقْر الحوض. والمُعاقَرةُ: الإِدمان.
والمُعاقَرة: إِدْمانُ شرب الخمر. ومُعاقَرةُ الخمر: إِدْمانُ شربها.
وفي الحديث: لا تُعاقرُوا أَي لا تُدْمِنُوا شرب الخمر. وفي الحديث: لا
يدخل الجنةَ مُعاقر خَمْرٍ؛ هو الذي يُدْمِنُ شربها، قيل: هو مأْخوذ من
عُقْر الحوض لأَن الواردة تلازمه، وقيل: سميت عُقَاراً لأَن أَصحابها
يُعاقِرُونها أَي يلازمونها، وقيل: هي التي تَعْقِرُ شارِبَها، وقيل: هي التي لا
تَلْبَثُ أَن تُسكر.، ابن الأَنباري: فلان يُعاقِرُ النبيذَ أَي
يُداوِمهُ، وأَصله مِنْ عُقْر الحوض، وهو أَصله والموضع الذي تقوم فيه الشاربة،
لأَن شاربها يلازمها مُلازمةَ الإِبل الواردةِ عُقْرَ الحوض حتى تَرْوى.
قال أَبو سعيد: مُعاقَرةُ الشراب مُغالبَتُه؛ يقول: أَنا أَقوى على شربه،
فيغالبه فيغلبه، فهذه المُعاقَرةُ.
وعَقِرَ الرجلُ عَقَراً: فجِئَه الرَّوْعُ فدَهشَ فلم يقدر أَن يتقدم
أَو يتأَخر. وفي حديث عمر، رضي الله عنه: أَن النبي، صلى الله عليه وسلم،
لمَّا مات قرأَ أَبو بكر: رضي الله عنه، حين صَعِدَ إِلى مِنْبره فخطب:
إِنّكَ ميَّتٌ وإِنهم مَيَّتون؛ قال: فعَقِرْت حتى خَرَرتْ إِلى الأَرض؛
وفي المحكم: فعَقِرْت حتى ما أَقْدِرُ على الكلام، وفي النهاية: فَعقِرْت
وأَنا قائم حتى وقعت إلى الأَرض؛ قال أَبو عبيد: يقال عَقِر وبَعِل وهو
مثل الدَّهَشِ، وعَقِرْت أَي دَهِشْت. قال ابن الأَثير: العَقَرُ، بفتحتين،
أَن تُسْلِمَ الرجلَ قَوائِمُه إِلى الخوف فلا يقدر أَن يمشي من الفَرَق
والدَّهَش، وفي الصحاح؛ فلا يستطيع أَن يقاتل. وأَعْقَرَه غيرُه:
أَدْهَشَه. وفي حديث العباس: أَنه عَقِرَ في مجلسه حين أُخْبِر أَن محمداً
قُتِل. وفي حديث ابن عباس: فلما رأَوا النبي، صلى الله عليه وسلم، سَقَطَتْ
أَذْقانُهم على صدورهم وعَقِرُوا في مجالسهم. وظَبْيٌ عَقِيرٌ: دَهِشٌ؛
وروي بعضهم بيت المُنَخَّل اليشكري:
فلَثَمتُها فتنَفَّسَت،
كتنَفُّسِ الظَّبْيِ العَقِيرْ
والعَقْرُ والعُقْر: القَصْرُ؛ الأَخيرة عن كراع، وقيل: القصر المتهدم
بعضه على بعض، وقيل: البنَاء المرتفع. قال الأَزهري: والعَقْرُ القصر الذي
يكون مُعْتَمداً لأَهل القرية؛ قال لبيد بن ربيعة يصف ناقته:
كعَقْر الهاجِرِيّ، إِذا ابْتَناه
بأَشْباهٍ حُذِينَ على مثال
(* قوله: «إِذا ابتناه كذا في الأَصل وياقوت. وفي الصحاح وشارح القاموس
إِذا بناه).
وقيل: العَقْرُ القصر على أَي حال كان. والعَقْرُ: غيْمٌ في عَرْض
السماء. والعَقْرُ: السحاب الأَبيض، وقيل: كل أَبيض عَقْرٌ. قال الليث:
العَقْر غيم ينشأُ من قِبَل العين فيُغَشِّي عين الشمس وما حواليها، وقال
بعضهم: العَقْرُ غيم ينشأَ في عرض السماء ثم يَقْصِد على حِيَالِه من غير أَن
تُبْصِرَه إِذا مرّ بك ولكن تسمع رعده من بعيد؛ وأَنشد لحميد بن ثور يصف
ناقته:
وإِذا احْزَ أَلَّتْ في المُناخِ رأَيْتَها
كالعَقْرِ، أَفْرَدَها العَماءُ المُمْطِرُ
وقال بعضهم: العَقْرُ في هذا البيت القصرُ، أَفرده العماء فلم يُظلِّلْه
وأَضاء لِعَينِ الناظر لإِشراق نُورِ الشمس عليه من خَلَلِ السحاب. وقال
بعضهم: العَقْر القطعة من الغمام، ولكلٍّ مقال لأَن قِطَعَ السحاب
تشبَّه بالقصور. والعَقِيرُ: البَرْق، عن كراع.
والعَقّار والعِقّيرُ: ما يُتَداوى به من النبات والشجر. قال الأَزهري:
العَقاقِير الأَدْوية التي يُسْتَمْشى بها. قال أَبو الهيثم: العَقّارُ
والعَقاقِرُ كل نبت ينبت مما فيه شفاءٌ، قال: ولا يُسمى شيء من العَقاقِير
فُوهاً، يعني جميع أَفواه الطيب، إِلا ما يُشَمُّ وله رائحة.
قال الجوهري: والعَقاقِيرُ أُصول الأَدْوِية.
والعُقّارُ: عُشْبة ترتفع قدر نصف القامة وثمرُه كالبنادق وهو مُمِضٌّ
البتَّة لا يأْكله شيء، حتى إِنك ترى الكلب إِذا لابَسَه يَعْوي، ويسمى
عُقّار ناعِمَةَ؛ وناعِمةُ: امرأَة طبخته رجاء أَن يذهب الطبخ بِغائِلته
فأَكلته فقتلها.
والعَقْر وعَقاراء والعَقاراء، كلها: مواضع؛ قال حميد ابن ثور يصف
الخمر:رَكُودُ الحُمَيّا طَلّةٌ شابَ ماءَها،
بها من عَقاراءِ الكُرومِ، ربِيبُ
أَراد من كُرومِ عَقاراء، فقدّم وأَخّر؛ قال شمر: ويروى لها من عُقارات
الخمور، قال: والعُقارات الخمور. رَبيب: مَن يَرُبُّها فيَمْلِكُها. قال:
والعَقْر موضع بعينه؛ قال الشاعر:
كَرِهْتُ العَقْرِ، عَقْرَ بني شُلَيْلٍ،
إِذا هَبَّتْ لِقارِبها الرِّياح
والعُقُور، مثل السُّدُوس، والعُقَير والعَقْر أَيضاً: مواضع؛ قال:
ومِنَّا حَبِيبُ العَقِر حين يَلُفُّهم،
كما لَفَّ صِرْدانَ الصَّرِيمة أَخْطَبُ
قال: والعُقَيْر قرية على شاطئ البحر بحذاء هجر.
والعَقْر: موضع ببابل قتل به يزيد بن المهلب يوم العَقْر.
والمُعاقَرةُ: المُنافرةُ والسِّبابُ والهِجاء والمُلاعنة، وبه سمَّى
أَبو عبيد كتاب المُعاقرات.
ومُعَقِّر: اسم شاعر، وهو مُعَقِّر بن حمار البارِقيِّ حليف بني نمير.
قال: وقد سمر مُعَقِّراً وعَقّاراً وعُقْرانَ.
عبقر: عَبْقَر: موضع بالبادية كثير الجن. يقال في المثل: كأَنهم جِنُّ
عَبْقَر؛ فأَما قول مَرَّار بن مُنْقِذٍ العَدَوي:
هل عَرَفْتَ الدارَ أَم أَنكرتَهَا
بَيْنَ تِبْراكٍ فَشَمَّيْ عَبَقُرْ؟
وفي الصحاح: فَشَسَّيْ عَبَقُرْ، فإِن أَبا عثمان ذهب إِلى أَنه أَراد
عَبْقَر فغير الصيغة؛ ويقال: أَراد عبَيْقُر فحذف الياء، وهو واسع جدّاً؛
قال الأَزهري: كأَنه توهم تثقيل الراء وذلك أَنه احتاج إِلى تحريك الباء
لإِقامة الوزن، فلو ترك القاف على حالها مفتوحة لتحول البناء إِلى لفظ
لم يجئ مثله، وهو عَبَقَر، لم يجئ على بنائه ممدود ولا مُثَقَّل، فلما
ضم القاف توهم به بناء قَرَبوسٍ ونحوه والشاعر يجوز له أَن يَقْصُِر قربوس
في اضطرار الشعر فيقول قَرَبُس، وأَحسن ما يكون هذا البناء إِذا ذهب حرف
المدّ منه أَن يثقل آخره لأَن التثقيل كالمد؛ قال الجوهري: إِنه لما
احتاج إِلى تحريك الباء لإِقامة الوزن وتَوَهَّمَ تشديد الراء ضم القاف لئلا
يخرج إِلى بناء لم يجئ مثله فأَلحقه ببناءٍ جاء في المَثَل، وهو قولهم
هو أَبْردُ من عَبَقُرٍّ، ويقال: حَبَقُرٍّ كأَنهما كلمتان جُعِلَتا
واحدة لأَن أَبا عمرو بن العلاء يرويه أَبرد من عَبِّ قُرٍ؛ قال: والعَبُّ
اسم للبَرَد الذي ينزل من المُزْن، وهو حَبُّ الغَمام، فالعين مبدلة من
الحاء. والقُرُّ: البَردُ؛ وأَنشد:
كأَنَّ فاها عَبُّ قُرٍ باردٌ،
أَو ريحُ مسك مَسَّه تَنْضاحُ رِكْ
ويروى:
كأَنَّ فاها عَبْقَرِيٌّ بارد
والرِّكُّ: المطر الضعيف، وتَنْضاحُهُ: ترشُّشه. الأَزهري: يقال إِنه
لأَبْرَدُ من عَبَقُرٍّ وأَبرد من حَبَقُرٍّ وأَبرد من عَضْرَسٍ؛ قال:
المبرد والحَبَقُرُّ والعَبَقُرُّ والعَضْرَسُ البَرَدُ. الأَزهري: قال
عَبَقُرٌّ والعَبَقُرُّ البَرَد. الجوهري: العَبْقَرُ موضع تزعم العرب أَنه من
أَرض الجن؛ قال لبيد:
ومَنْ فادَ من إِخوانِهِم وبَنِيهِمُ،
كُهُول وشُبَّان كجنَّةِ عَبْقَرِ
مَضَوْاً سَلَفاً قَصْدُ السبيلِ عليهمُ
بَهيّاً من السُّلاَّفِ، ليس بِجَيْدَر
أَي قصير؛ ومنها:
أَقي العِرضَ بالمال التِّلادِ، وأَشْتَري
به الحمدَ، إِن الطالبَ الحمد مُشْتَري
وكم مُشْتَرٍ من ماله حُسْنَ صِيته
لآِبائِهِ في كلّ مَبْدًى ومَحْضَرِ
ثم نسبوا إِليه كل شيء تعجبوا من حِذْقِهِ أَو جَوْدة صنعته وقوته
فقالوا: عَبْقَرَِيٌّ، وهو واحد وجمع، والأُنثى عَبْقَرِيَّةٌ؛ يقال: ثياب
عبقرية. قال ابن بري: قول الجوهري العَبْقرُ موضع صوابه أَن يقول عَبْقَرٌ
بغير أَلف ولام لأَنه اسم علم لموضع؛ كما قال امرؤ القيس:
كأَنّ صَليلَ المَرْوِ، حين تشدُّهُ،
صَليلُ زُيُوفٍ يُنْتَقَدْنَ بعَبْقَرا
وكذلك قول ذي الرمة:
حتى كأَنَّ رِياض القُفِّ أَلْبَسَها،
من وشْيِ عَبْقَر، تَجْليلٌ وتَنْجِيدُ
قال ابن الأَثير: عَبْقَر قرية تسكنها الجن فيما زعموا، فكلَّما رأَوا
شَيئاً فائقاً غريباً مما يصعب عملُه ويَدِقُّ أَو شيئاً عظيماً في نفسه
نسبوه إِليها فقالوا: عَبْقَرِيٌّ، اتُّسِعَ فيه حتى سمي به السيّد
والكبير. وفي الحديث: أَنه كان يسجد على عَبْقَرِيٍّ؛ وهي هذه البُسُط التي
فيها الأَصْباغ والنُّقوش، حتى قالوا ظُلْمٌ عبقريّ، وهذا عبقريٌّ قوم للرجل
القوي، ثم خاطبهم الله تعالى بما تعارَفوه: فقال عَبْقَريّ حِسانٍ؛
وقرأَه بعضهم: عَباقِريّ، وقال: أَراد جمع عبقريّ، وهذا خطأٌ لأَن المنسوب لا
يجمع على نسبته ولا سيما الرباعي، لا يُجْمَع الخَثْعَمِيُّ
بالخَثاعِمِيّ ولا المُهَلَّبِيُّ بالمَهالِبِيّ، ولا يجوز ذلك إِلاَّ أَن يكون
نُسِب إِلى اسم على بناء الجماعة بعد تمام الاسم نحو شيء تنسبه إِلى حَضاجِر
فتقول حضاجِرِيّ، فينسب كذلك إِلى عباقِر فيقال عباقِرِيّ، والسراويلُ
ونحو ذلك كذلك؛ قال الأَزهري: وهذا قول حُذَّاق النحويين الخليل وسيبويه
والكسائي؛ قال الأَزهري: وقال شمر قرئ عباقَريّ، بنصب القاف، وكأَنه منسوب
إِلى عباقِر. قال الفراء: العَبْقَرِيّ الطنافِس الثخانُ، واحدتها
عَبقريّة، والعَبْقَرِيّ الديباج؛ ومنه حديث عمر: أَنه كان يسجد على
عَبْقَرِيّ. قيل: هو الديباج، وقيل: البسُط المَوْشِيّة، وقيل: الطنافس الثخان،
وقال قتادة: هي الزَّرابيّ، وقال سعيد بن جبير: هي عِتاقُ الزرابي، وقد
قالوا عَباقِر ماء لبني فزارة؛ وأَنشد لابن عَنمة:
أَهْلي بِنَجْدٍ ورحْلي في بيوتكمُ،
على عباقِرَ من غَوْريّة العلَم
قال ابن سيده: والعَبْقَرِيّ والعَباقري ضرب من البسط، الواحدة
عَبْقَرِيّة. قال: وعَبْقَر قرية باليمن تُوَشَّى فيها الثياب والبسط، فثيابها
أَجود الثياب فصارت مثلاً لكل منسوب إِلى شيء رفيع، فكلما بالغوا في نعت
شيء مُتَناهٍ نسبوه إِليه، وقيل: إِنما يُنْسَب إِلى عَبْقَر الذي هو موضع
الجن، وقال أَبو عبيد: ما وجدنا أَحداً يدري أَين هذه البلاد ولا متى
كانت. ويقال: ظُلْمٌ عَبْقَرِيّ ومالٌ عَبْقَرِيّ ورجل عَبْقَرِيّ كامل. وفي
الحديث: أَنه قصَّ رُؤيا رآها وذكر عمرَ فيها فقال: فلم أَرَ
عَبْقَرِيّاً يَفْرِي فَرِيَّه؛ قال الأَصمعي: سأَلت أَبا عمرو بن العلاء عن
العَبْقَرِيّ، فقال: يقال هذا عَبْقَرِيُّ قومٍ، كقولك هذا سيدُ قوم وكبيرهم
وشديدهم وقويُّهم ونحو ذلك. قال أَبو عبيد: وإِنما أَصل هذا فيما يقال أَنه
نسب إِلى عَبْقَر، وهي أَرض يسكنها الجنُّ، فصارت مثلاً لكل منسوب إِلى
شيء رفيع؛ وقال زهير:
بِخَيْلٍ عليها جِنَّةٌ عَبْقَريةٌ،
جَديرون يوماً أَن يَنالوا فيَسْتَعْلُوا
وقال: أَصل العَبْقَرِيّ صفةٌ لكل ما بولغ في وصفه، وأَصله أَن عَبْقَرَ
بلد يُوشَّى فيه البسُط وغيرُها، فنُسب كل شيء جيّد إِلى عَبْقَر.
وعَبْقَريُّ القومِ: سيدُهم، وقيل: العَبْقَريّ الذي ليس فوقه شيء،
والعَبْقَريّ: الشديد، والعَبْقَرِيُّ: السيد من الرجال، وهو الفاخر من الحيوان
والجوهر. قال ابن سيده: وأَما عَبَقُرٌ فقيل أَصله عَبَيْقُرٌ، وقيل:
عَبَقُور فحذفت الواو، وقال: وهو ذلك الموضع نفسه.
والعَبْقَرُ والعَبْقَرةُ من النساء: المرأَة التارّة الجميلة؛ قال:
تَبَدَّلَ حِصْنٌ بأَزواجه
عِشاراً، وعَبقرةً عَبْقَرا
أَراد عَبْقَرَةً عَبْقَرَةً فأَبدل من الهاء أَلفاً للوصل، وعَبْقَر:
من أَسماء النساء. وفي حديث عصام: عينُ الظَّبْية العَبْقَرةِ؛ يقال:
جارية عَبْقَرةٌ أَي ناصِعَةُ اللون، ويجوز أَن تكون واحدةَ العَبْقَرِ، وهو
النرْجِسُ تشبّه به العين. والعَبْقَرِيّ: البساطُ المُنَقّش.
والعَبْقَرةُ: تَلأْلُؤُ السراب. وعَبْقَرَ السرابُ: تَلأْلأَ. والعَبَوْقَرة: اسم
موضع؛ قال الهجري: هو جبل في طريق المدينة من السَّيالة قبل مَللٍ
بميلين؛ قال كثير عزة:
أَهاجَك بالعَبَوْقَرةِ الدِّبارُ؟
نَعَمْ منّا مَنازِلُها قِفارُ
والعَبْقَرِيّ: الكذب البحت. كَذِبٌ عَبْقَرِيٌّ وسُمَاقٌ أَي خالص لا
يَشوبُه صِدْق. قال الليث: والعَبْقَرُ أَول ما ينبت من أُصول القصب
ونحوه، وهو غضٌّ رَخْصٌ قبل أَن يظهر من الأَرض، الواحدة عَبْقَرة؛ قال
العجاج:كَعَبْقَراتِ الحائرِ المَسْحور
قال: وأَولادُ الدهاقِين يقال لهم عَبْقر، شبَّههمِ لتَرارتِهم
ونَعْمتِهم بالعَبْقَر؛ هكذا رأَيت في نسخ التهذيب، وفي الصحاح: عُنْقُرُ القَصَب
أَصْلُه، بزيادة النون، وهذا يحتاج إِلى نظر، والله أَعلم بالصواب.
شعف: شَعَفَةُ كلّ شيء: أَعلاه. وشعَفةُ الجبل، بالتحريك: رأْسُه،
والجمع شَعَفٌ وشِعافٌ وشُعوفٌ وهي رؤوس الجبال. وفي الحديث: من خَيرِ الناس
رجلٌ في شَعَفةٍ من الشِّعافِ في غَنَيْمَةٍ له حتى يأْتيَه الموتُ وهو
معتزل الناس؛ قال ابن الأَثير: يريدُ به رأْسَ جبل من الجبال ويجمع
شَعَفات، ومنه قيل لأَعْلى شعر الراْس شَعَفَة، ومنه حديث يأْجوج ومأْجوجَ: فقال
عِراضُ الوُجوهِ صِغارُ العُيون شُهْبُ الشِّعافِ من كل حدَب
يَنْسِلُون؛ قوله صهب الشِّعاف يريد شعور رؤوسهم، واحدتها شَعَفة، وهي أَعْلى
الشعر. وشَعَفاتُ الرأْس: أَعالي شعره، وقيل: قَنازِعُه، وقال رجل: ضربني عمر
بدِرَّتِه فسقط البُرْنُسُ عن رأْسي فأَغاثني اللّه بشُعَيْفَتَيْنِ في
رأْسي أَي ذُؤابَتين على رأْسه من شعره وقتاه الضرب، وما على رأْسه إلا
شُعَيْفاتٌ أَي شُعَيرات من الذؤابة. ويقال لذؤابة الغلام شَعَفةٌ؛ وقول
الهذلي:
من فَوْقِه شَعَفٌ قَرٌّ، وأَسْفلُه
حيٌّ يُعانَقُ بالظَّيّانِ والعُتُمِ
قال قرّ لأَن الجمع الذي لا يفارق واحده إلا بالهاء يجوز تأْنيثه
وتذكيره.
والشَّعَفُ: شِبْه رؤوس الكَمْأَةِ والأَثافي تَسْتَدير في أَعلاها.
وقال الأَزهري: الشَّعَفُ رأْسُ الكمأَة والأَثافي المستديرةُ. وشَعَفاتُ
الأَثافي والأَبنية: رؤوسُها؛ وقال العجاج:
دواخِساً في الأَرض إلاَّ شَعَفا
وشَعَفةُ القلبِ: رأْسُه عند مُعَلَّقِ النِّياطِ. والشَّعَفُ: شِدّة
الحُبِّ. قال الأَزهريّ: ما علمت أَحداً جعل للقلب شَعَفة غير الليث،
والحُبُّ الشديد يتمكن من سَوادِ القلب لا من طَرفه. وشَعَفَني حُبُّها:
أَصابَ ذلك مني. يقال: شَعَفَ الهِناءُ البعيرَ إذا بلَغ منه أَلَمُه.
وشَعَفْتُ البعِيرَ بالقَطِرانِ إذا شَعَلْتَه به. والشَّعْفُ: إحْراقُ الحُبِّ
القلبَ مع لذة يجدها كما أَن البعير إذا هُنِئَ بالقطران يجد له لذة مع
حُرْقة؛ قال امْرُؤ القيس:
لِتَقتُلَني، وقد شَعَفْتُ فُؤادَها،
كما شَعَفَ المَهْنُوءةَ الرجلُ الطَّالي
يقول: أَحْرَقْتُ فؤادَها بِحبي كما أَحرق الطالي هذه المَهْنوءة،
ففؤادها طائر من لذة الهِناء لأَن المهنوءة تجد للهِناء لذة مع حُرْقة،
والمصدر الشَّعَفُ كالأَلم؛ وأَما قول كعب بن زهير:
ومَطافُه لك ذِكْرةٌ وشُعوف
قال: فيحتمل أَن يكون جمع شَعْف، ويحتمل أَن يكون مصدراً وهو الظاهر.
والشَّعافُ: أَن يذهَب الحُبُّ بالقلب، وقوله تعالى: قد شَعَفَها حُبّاً،
قُرِئتْ بالعين والغين، فمن قرأَها بالعين المهملة فمعناه تَيَّمها، ومن
قرأَها بالغين المعجمة أَي أَصاب شَغافَها. وشَعَفَه الهَوى إذا بلغ منه،
وفلان مَشْعُوفٌ بفلانة، وقراءةُ الحسن شَعَفَها، بالعين المهملة، هو من
قولهم شُعِفْتُ بها كأَنه ذَهَبَ بها كل مَذهب، وقيل: بطَنَها حُبّاً.
وشعَفَه حُبُّها يَشْعَفُه إذا ذهب بفؤاده مثل شعفه المرض إذا أَذابَه.
وشعَفَه الحُبُّ: أَحرق قلبَه، وقيل: أَمرضه. وقد شُعِفَ بكذا، فهو
مَشْعوفٌ. وحكى ابن بري عن أَبي العلاء: الشَّعَفُ، بالعين غير معجمة، أَن يقع في
القلب شيء فلا يذهب. يقال: شَعَفَني يشعَفُني شَعَفاً؛ وأَنشد للحرث بن
حِلِّزَة اليَشْكُري:
ويَئِسْتُ مـما كان يَشْعَفُني
منها، ولا يُسْلِيك كالياس
ويقال: يكون بمعنى عَلا حُبها على قلبه. والمَشْعُوفُ: الذاهِبُ القلب،
وأَهل هجرَ يقولون للمجنون مَشْعُوف. وبه شُعافٌ أَي جُنون؛ وقال
جَنْدَلٌ الطُّهَويُّ:
وغَيْر عَدْوى من شُعافٍ وحَبَنْ
والحبنُ: الماء الأَصفر. ومعنى شُعِفَ بفلان إذا ارتفع حُبُّه إلى أَعلى
المواضع من قلبه، قال: وهذا مذهب الفرَّاء، وقال غيره: الشَّعَفُ
الذُّعْر، فالمعنى هو مَذْعُورٌ خائف قَلِقٌ. والشَّعَفُ: شعَف الدابة حين
تُذْعَر ثم نقلته العرب من الدوابّ إلى الناس؛ وأَنشد بيت امرئ القيس:
لِتَقْتُلَني، وقد شَعَفْتُ فُؤادَها،
كما شَعَفَ المَهْنوءةَ الرجلُ الطَّالي
فالشعَفُ الأَوَّلُ من الحبّ، والثاني من الذُّعْر. ويقال: أَلقى عليه
شَعَفَه وشَغَفَه ومَلَقَه وحُبَّه وحُبَّته، بمعنى واحد وفي حديث عذاب
القبر: فإذا كان الرجل صالحاً جَلَسَ في قبره غير فَزِعٍ ولا مَشْعُوفٍ؛
الشَّعَفُ: شِدَّةُ الفَزَع حتى يذهب بالقلب؛ وقول أَبي ذؤيب يصف الثور
والكلاب:
شَعَفَ الكِلابُ الضارياتُ فُؤادَه،
فإذا يَرى الصُّبحَ المُصَدَّقَ يَفْزَعُ
فإنه استعمل الشعف في الفزع؛ يقول: ذهبت بقلبه الكلاب فإذا نظر إلى
الصبح ترقب الكلابَ أَن تأْتيه.
والشَّعْفةُ: المَطْرةُ الهَيِّنةُ. وفي المثل: ما تَنْفَعُ الشَّعْفةُ
في الوادي الرُّغُبِ؛ يُضْرَبُ مثلاً للذي يُعْطيك قليلاً لا يقع منك
مَوْقِعاً ولا يَسُدُّ مَسَدّاً، والوادي الرغُبُ: الواسِعُ الذي لا
يَمْلَؤُه إلا السيلُ الجُحاف. والشَّعْفةُ: القَطْرة الواحدة من المطر.
والشَّعْفُ: مطْرة يسيرة؛ عن ابن الأَعرابي؛ وأَنشد:
فلا غَرْوَ إلاَّ نُرْوِهِمْ من نِبالِنا،
كما اصْعَنْفَرَتْ مِعْزى الحِجازِ من الشَّعْفِ
وشُعَيْفٌ: اسم. ويقال للرجل الطويل: شِنْعافٌ، والنون زائدة.
وشَعْفَيْنِ: موضع، ففي المَثَل: لكن بشَعْفَيْنِ
(* قوله «بشعفين» هو بلفظ المثنى
كما في القاموس تبعاً للازهري؛ وفي معجم ياقوت مغلطاً للجوهري في كسره
الفاء بلفظ الجمع.) أَنتِ جَدُودٌ؛ يُضْرَب مثلاً لمن كان في حال سيِّئةٍ
فحَسُنَتْ حالُه. وفي التهذيب: وشَعْفانِ جَبلانِ بالغور، وذكر المثل؛
قاله رجل التقطه مَنْبُوذةً ورآها يوماً تُلاعِبُ أَتْرابَها وتمشي على
أَربع وتقول: احْلُبُوني فإني خَلِفةٌ.
أسن: الآسِنُ من الماء: مثلُ الآجِن. أَسَنَ الماءُ يأْسِنُ ويأْسُنُ
أَسْناً وأُسوناً وأَسِنَ، بالكسر، يأْسَنُ أَسَناً: تغيَّر غير أَنه
شروبٌ، وفي نسخة: تغيَّرت ريحُه، ومياهٌ آسانٌ؛ قال عوْفُ بن الخَرِع:
وتشْربُ آسانَ الحِياضِ تَسوفُها،
ولوْ ورَدَتْ ماءَ المُرَيرةِ آجِما
أَرادَ آجِناً، فقلبَ وأَبدلَ. التهذيب: أَسَنَ الماءُ يأْسِنُ أَسْناً
وأُسوناً، وهو الذي لا يشربه أَحدٌ من نَتْنِه. قال الله تعالى: من ماءٍ
غيرِ آسِنٍ؛ قال الفراء: غير متغيّرٍ وآجِنٍ، وروى الأَعمش عن شَقِيق
قال: قال رجل يقال له نَهيك بن سنان: يا أَبا عبد الرحمن، أَياءً
تجدُ هذه الآية أَم أَلفاً من ماءٍ غيرِ آسِنٍ؟ قال عبد الله: وقد علمتُ
القرآنُ كله غير هذه، قال: إني أَقرأُ المفصَّل في ركعة واحدة، فقال عبد
الله: كهذِّ الشِّعْر، قال الشيخ: أَراد غيرَ آسِنٍ أَم ياسِنٍ، وهي لغة
لبعض العرب. وفي حديث عمر: أَن قَبيصةَ بن جابر أَتاه فقال: إنِّي
دَمَّيْتُ ظَبياً وأَنا مُحْرِم فأَصَبْتُ خُشَشَاءَه فأَسِنَ فمات؛ قال أَبو
عبيد: قوله فأَسِنَ فمات يعني دِيرَ به فأَخذه دُوارٌ، وهو الغَشْيُ،
ولهذا قيل للرجل إذا دخل بِئراً فاشتدَّت عليه ريحُها حتى يُصيبَه دُوارٌ
فيسقط: قد أَسِنَ؛ وقال زهير:
يُغادِرُ القِرْنَ مُصْفرَّا أَنامِلُه،
يميدُ في الرُّمْحِ مَيْدَ المائحِ الأَسِنِ
قال أَبو منصور: هو اليَسِنُ والآَسِنُ؛ قال: سمعته من غير واحد من
العرب مثلَ اليَزَنِيِّ والأَزَنِيّ، واليَلَنْدَدِ والأَلَنْدَدِ، ويروى
الوَسِن. قال ابن بري: أَسِنَ الرجلُ من ريح البئر، بالكسر، لا غير. قال:
والذي في شعره يميل في الرمح مثلَ المائح، وأَورده الجوهري: قد أَترك
القرن، وصوابه يغادر القرن، وكذا في شعره لأَنه من صفة الــممدوح؛ وقبله:
أَلَمْ ترَ ابنَ سِنانٍ كيفَ فَضَّلَه،
ما يُشْتَرى فيه حَمْدُ الناسِ بالثَّمن؟
قال: وإنّما غلَّط الجوهريّ قولُ الآخر:
قد أَتْرُكُ القِرْنَ مُصْفَرّاً أَنامِلُه،
كأَنَّ أَثوابَه مُجَّت بفِرْصاد
وأَسِنَ الرجلُ أَسَناً، فهو أَسِنٌ، وأَسِنَ يأْسَنُ ووَسِنَ: غُشِيَ
عليه من خُبْث ريحِ البئر. وأَسِنَ لا غير: استدارَ رأْسُه من ريح تُصيبه.
أَبو زيد: ركيّة مُوسِنةٌ يَوْسَنُ فيها الإنسانُ وَسَناً، وهو غَشْيٌ
يأْخذه، وبعضهم يهمز فيقول أَسِن. الجوهري: أَسِنَ الرجلُ إذا دخل البئر
فأَصابته ريحٌ مُنْتِنة من ريح البئر أَو غير ذلك فغُشِيَ عليه أَو دار
رأْسُه، وأَنشد بيت زهير أَيضاً. وتأَسَّنَ الماءُ: تغيّر. وتأَّسَّنَ عليّ
فلانٌ تأَسناً: اعْتَلَّ وأَبْطَأَ، ويروى تأَسَّرَ، بالراء. وتأَسَّنَ
عَهْدُ فلان ووُدُّه إذا تغيَّر؛ قال رؤبة:
راجَعَه عهداً عن التأّسُّن
التهذيب: والأَسينةُ سَيْرٌ واحد من سُيور تُضْفَر جميعُها فتُجعل
نِسعاً أَو عِناناً، وكلُّ قُوَّة من قُوَى الوَتَر أَسِينةٌ، والجمع
أَسائِنُ. والأُسونُ: وهي الآسانُ
(* قوله «والأسون وهي الآسان أيضاً» هذه الجملة
ليست من عبارة التهذيب وهما جمعان لآسن كحمل لا لأسينة). أَيضاً.
الجوهري: الأُسُن جمع الآسان، وهي طاقات النِّسْع والحَبْل؛ عن أَبي عمرو؛
وأَنشد الفراء لسعد بن زيد مناة:
لقد كنتُ أَهْوَى الناقِميَّة حِقْبةً،
وقد جعلَتْ آسانُ وَصْلٍ تَقطَّعُ
قال ابن بري: جعل قُوَى الوصْلِ بمنزلة قُوى الحبْل، وصواب قول الجوهري
أَن يقول: والآسان جمع الأُسُن، والأُسُنُ جمع أَسينة، وتجمع أَسينة
أَيضاً على أَسائنَ فتصير مثل سفينة وسُفُن وسَفائنَ، وقيل: الواحد إسْنٌ،
والجمع أُسُونٌ وآسانٌ؛ قال: وكذا فسر بيت الطرماح:
كحلْقومِ القَطاة أُمِرَّ شَزْراً،
كإمْرارِ المُحَدْرَجِ ذي الأُسونِ
ويقال: أَعطِني إسْناً من عَقَبٍ. والإسْنُ: العَقَبةُ، والجمعُ أُسونٌ؛
ومنه قوله:
ولا أَخا طريدةٍ وإسْنِ
وأَسَنَ الرجلُ لأَخيه يأْسِنُه ويأْسُنُه إذا كسَعَه برجلِه. أَبو
عمرو: الأََسْنُ لُعْبة لهم يسمونها الضَّبْطَة والمَسَّة. وآسانُ الرجل:
مَذاهبُه وأَخلاقُه؛ قال ضابئٌ البُرْجُمِيّ في الآسانِ الأَخلاق:
وقائلةٍ لا يُبْعِدُ اللهُ ضابئاً،
ولا تبْعَدَنْ آسانه وشمائله
والآسانُ والإسانُ: الآثار القديمةُ. والأُسُن: بقيَّة الشحم القديم.
وسَمِنت على أُسُنٍ أَي على أَثارةَ شحم قديم كان قبل ذلك. وقال يعقوب:
الأُسُنُ الشحمُ القديم والجمع آسانٌ. الفراء: إذا أَبقيتَ من شحم الناقة
ولحمها بقيةً فاسمُها الأُسُنُ والعُسُنُ، وجمعها آسانٌ وأَعْسانٌ. يقال:
سَمِنَت ناقتُه عن أُسُنٍ أَي عن شحمٍ قديم. وآسانُ الثّيابِ: ما تقطَّع
منها وبَلِيَ. يقال: ما بقي من الثوب إلا آسانٌ أَي بقايا، والواحد
أُسُنٌ؛ قال الشاعر:
يا أَخَوَيْنا من تَميمٍ، عَرِّجا
نَسْتَخْبِر الرَّبْعَ كآسانِ الخَلَقْ.
وهو على آسانٍ من أَبيه أَي مَشابِهَ، واحدُها أُسُنٌ كعُسُنٍ. وقد
تأَسَّنَ أَباه إذا تَقَيّله. أَبو عمرو: تأَسَّنَ الرجلُ أَباه إذا أَخذ
أَخْلاقَه؛ قال اللحياني: إذا نزَعَ إليه في الشَّبَه. يقال: هو على آسانٍ
من أَبيه أَي على شَمائلَ من أَبيه وأَخْلاقٍ من أَبيه، واحدُها أُسُنٌ
مثل خُلُقٍ وأَخلاق؛ قال ابن بري: شاهد تأَسَّنَ الرجلُ أَباه قول بشير
الفريري:
تأَسَّنَ زيدٌ فِعْلَ عَمْرو وخالدٍ،
أُبُوّة صِدْقٍ من فريرٍ وبُحْتُر.
وقال ابن الأَعرابي: الأُسُنُ الشبَهُ، وجمعُه آسانٌ؛ وأَنشد:
تعْرِفُ، في أَوْجُهِها البَشائِرِ،
آسانَ كلِّ أَفِقٍ مُشاجِرِ.
وفي حديث العباس في موت النبي، صلى الله عليه وسلم: قال لعُمَرَ خَلِّ
بيننا وبين صاحبنا فإنه يأْسَنُ كما يأْسَنُ الناسُ أَي يتغيَّر، وذلك أَن
عمر كان قد قال: إن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لم يَمُتْ ولكنه
صَعِقَ كما صَعِقَ موسى، ومنعهم عن دَفْنِه. وما أَسَنَ لذلك يأْسُنُ
أَسْناً أَي ما فَطَنَ. والتأَسُّنُ: التوهُّم والنِّسْيانُ. وأَسَنَ الشيءَ:
أَثْبَتَه. والمآسِنُ: منابتُ العَرْفجِ. وأُسُنٌ: ماءٌ لبني تميم؛ قال
ابن مقبل:
قالت سُلَيْمَى ببَطْنِ القاعِ من أُسُنٍ:
لا خَيْرَ في العَيْشِ بعدَ الشَّيْبِ والكِبَر
وروي عن ابن عمر: أَنه كان في بيتِه الميْسُوسَنُ، فقال: أَخْرِجُوه
فإنه رِجْسٌ؛ قال شمر: قال البكراوي المَيْسُوسَنُ شيء تجعله النساء في
الغِسْلة لرؤوسهن.
أمم: الأمُّ، بالفتح: القَصْد. أَمَّهُ يَؤُمُّه أَمّاً إِذا قَصَدَه؛
وأَمَّمهُ وأْتَمَّهُ وتَأَمَّمَهُ ويَنمَّه وتَيَمَّمَهُ، الأَخيراتان
على البَدل؛ قال:
فلم أَنْكُلْ ولم أَجْبُنْ، ولكنْ
يَمَمْتُ بها أَبا صَخْرِ بنَ عَمرو
ويَمَّمْتُه: قَصَدْته؛ قال رؤبة:
أَزْهَر لم يُولَدْ بنَجْم الشُّحِّ،
مُيَمَّم البَيْت كَرِيم السِّنْحِ
(* قوله «أزهر إلخ» تقدم في مادة سنح على غير هذا الوجه).
وتَيَمَّمْتُهُ: قَصَدْته. وفي حديث ابن عمر: مَن كانت فَتْرَتُهُ إِلى
سُنَّةٍ فَلأَمٍّ ما هو أَي قَصْدِ الطريق المُسْتقيم. يقال: أَمَّه
يَؤمُّه أَمّاً، وتأَمَّمَهُ وتَيَمَّمَه. قال: ويحتمل أَن يكون الأَمُّ
أُقِيم مَقام المَأْمُوم أَي هو على طريق ينبغي أَن يُقْصد، وإِن كانت
الرواية بضم الهمزة، فإِنه يرجع إِلى أَصله
(* قوله «إلى أصله إلخ» هكذا في
الأصل وبعض نسخ النهاية وفي بعضها إلى ما هو بمعناه باسقاط لفظ أصله). ما هو
بمعناه؛ ومنه الحديث: كانوا يَتَأَمَّمُون شِرارَ ثِمارِهم في الصدَقة
أَي يَتَعَمَّدون ويَقْصِدون، ويروى يَتَيَمَّمون، وهو بمعناه؛ ومنه حديث
كعب بن مالك: وانْطَلَقْت أَتَأَمَّمُ رسول الله، صلى الله عليه وسلم،
وفي حديث كعب بن مالك: فتَيمَّمت بها التَّنُّور أَي قَصَدت. وفي حديث كعب
بن مالك: ثم يُؤمَرُ بأَمِّ الباب على أَهْلِ
النار فلا يخرج منهم غَمٌّ أَبداً أَي يُقْصَد إِليه فَيُسَدُّ عليهم.
وتَيَمَّمْت الصَّعيد للصلاة، وأَصلُه التَّعَمُّد والتَّوَخِّي، من قولهم
تَيَمَّمْتُك وتَأَمَّمْتُك. قال ابن السكيت: قوله: فَتَيَمَّمُوا
صعِيداً طيِّباً، أَي اقْصِدوا لصَعِيد طيِّب، ثم كَثُر استعمالُهم لهذه
الكلِمة حتى صار التَّيَمُّم اسماً علَماً لِمَسْح الوَجْه واليَدَيْن
بالتُّراب. ابن سيده:والتَّيَمُّم التَّوَضُّؤ بالتُّراب على البَدل، وأَصْله من
الأَول لأَنه يقصِد التُّراب فيَتَمَسَّحُ به. ابن السكيت: يقال
أَمَمْتُه أَمًّا وتَيَمَّمته تَيَمُّماً وتَيَمَّمْتُه يَمامَةً، قال: ولا يعرف
الأَصمعي أَمَّمْتُه، بالتشديد، قال: ويقال أَمَمْتُه وأَمَّمْتُه
وتَأَمَّمْتُه وتَيَمَّمْتُه بمعنى واحد أَي تَوَخَّيْتُه وقَصَدْته. قال:
والتَّيَمُّمُ بالصَّعِيد مأْخُوذ من هذا، وصار التيمم عند عَوامّ الناس
التَّمَسُّح بالتراب، والأَصلُ فيه القَصْد والتَّوَخِّي؛ قال الأَعشى:
تَيَمَّمْتُ قَيْساً وكم دُونَه،
من الأَرض، من مَهْمَهٍ ذي شزَنْ
وقال اللحياني: يقال أَمُّو ويَمُّوا بمعنى واحد، ثم ذكَر سائر اللغات.
ويَمَّمْتُ
المَرِيضَ فَتَيَمَّم للصلاة؛ وذكر الجوهري أَكثر ذلك في ترجمة يمم
بالياء. ويَمَّمْتُه بِرُمْحي تَيْمِيماً أَي تَوَخَّيْتُه وقَصَدْته دون مَن
سواه؛ قال عامر بن مالك مُلاعِب الأَسِنَّة:
يَمَّمْتُه الرُّمْح صَدْراً ثم قلت له:
هَذِي المُرُوءةُ لا لِعْب الزَّحالِيقِ
وقال ابن بري في ترجمة يَمم: واليَمامة القَصْد؛ قال المرَّار:
إِذا خَفَّ ماءُ المُزْن عنها، تَيَمَّمَتْ
يَمامَتَها، أَيَّ العِدادِ تَرُومُ
وجَمَلٌ مِئمٌّ: دَلِيلٌ هادٍ، وناقة مِئَمَّةٌ كذلك، وكلُّه من القَصْد
لأَن الدَّليلَ الهادي قاصدٌ.
والإِمَّةُ: الحالةُ، والإِمَّة والأُمَّةُ: الشِّرعة والدِّين. وفي
التنزيل العزيز: إِنَّا وجَدْنا آباءَنا على أُمَّةٍ؛ قاله اللحياني، وروي
عن مجاهد وعمر بن عبد العزيز: على إِمَّةٍ. قال الفراء: قرئ إِنَّا
وَجَدْنا آباءَنا على أُمَّةٍ، وهي مثل السُّنَّة، وقرئ على إِمَّةٍ، وهي
الطريقة من أَمَمْت. يقال: ما أَحسن إِمَّتَهُ، قال: والإِمَّةُ أيضاً
النَّعِيمُ والمُلك؛ وأَنشد لعديّ بن زيد:
ثم، بَعْدَ الفَلاح والمُلك والإِمْــــمَةِ، وارَتْهُمُ هناك القُبورُ
قال: أَراد إِمامَة المُلك ونَعِيمه. والأُمَّةُ والإِمَّةُ: الدَّينُ.
قال أَبو إِسحق في قوله تعالى: كان الناسُ أُمَّةً واحدةً فبعَث اللهُ
النَّبِيِّين مُبَشِّرين ومُنْذِرين، أي كانوا على دينٍ واحد. قال أَبو
إِسحق: وقال بعضهم في معنى الآية: كان الناس فيما بين آدم ونوح كُفّاراً
فبعَث الله النبيِّين يُبَشِّرون من أَطاع بالجنة ويُِنْذِرون من عَصى
بالنار. وقال آخرون: كان جميع مَن مع نوح في السفينة مؤمناً ثم تفرَّقوا من
بعد عن كُفر فبعث الله النبيِّين. وقال آخرون: الناسُ
كانوا كُفّاراً فبعث الله إبراهيم والنَّبيِّين من بعدهِ. قال أَبو
منصور
(* قوله «قال أبو منصور إلخ» هكذا في الأصل، ولعله قال أبو منصور: الأمة
فيما فسروا إلخ): فيما فسَّروا يقع على الكُفَّار وعلى المؤمنين.
والأُمَّةُ: الطريقة والدين. يقال: فلان لا أُمَّةَ له أَي لا دِينَ
له ولا نِحْلة له؛ قال الشاعر:
وهَلْ يَسْتَوي ذو أُمَّةٍ وكَفُورُ؟
وقوله تعالى: كُنْتُمْ خير أُمَّةٍ؛ قال الأَخفش: يريد أَهْل أُمّةٍ أَي
خير أَهْلِ دينٍ؛ وأَنشد للنابغة:
حَلَفْتُ فلم أَتْرُكْ لِنَفْسِك رِيبةً،
وهل يأْثَمَنْ ذو أُمَّةٍ وهو طائعُ؟
والإِمَّةُ: لغة في الأُمَّةِ، وهي الطريقة والدينُ. والإِمَّة:
النِّعْمة؛ قال الأَعشى:
ولقد جَرَرْتُ لك الغِنى ذا فاقَةٍ،
وأَصاب غَزْوُك إِمَّةً فأَزالَها
والإِمَّةُ: الهَيْئة؛ عن اللحياني. والإِمَّةُ أَيضاً: الحالُ
والشأْن. وقال ابن الأَعرابي: الإِمَّةُ غَضارةُ العَيش والنعْمةُ؛ وبه
فسر قول عبد الله بن الزبير، رضي الله عنه:
فهلْ لكُمُ فيكُمْ، وأَنْتُم بإِمَّةٍ
عليكم عَطاءُ الأَمْنِ، مَوْطِئُكم سَهْلُ
والإِمَّةُ، بالكسر: العَيْشُ الرَّخِيُّ؛ يقال: هو في إِمَّةٍ من
العَيْش وآمَةٍ أَي في خِصْبٍ. قال شمر: وآمَة، بتخفيف الميم: عَيْب؛
وأَنشد:مَهْلاً، أَبَيْتَ اللَّعْنَ مَهْـ
ـلاً إِنَّ فيما قلتَ آمَهْ
ويقال: ما أَمّي وأَمُّه وما شَكْلي وشَكله أَي ما أَمْري وأَمْره
لبُعْده مني فلِمَ يَتعرَّض لي؟ ومنه قول الشاعر:
فما إِمِّي وإمُّ الوَحْشِ لَمَّا
تَفَرَّعَ في ذُؤابَتِيَ المُشيبُ
يقول: ما أَنا وطَلَب الوَحْش بعدما كَبِرْت، وذكر الإِمِّ حَشْو في
البيت؛ قال ابن بري: ورواه بعضهم وما أَمِّي وأَمُّ الوَحْش، بفتح الهمزة،
والأَمُّ: القَصْد. وقال ابن بُزُرْج: قالوا ما أَمُّك وأَمّ ذات عِرْق
أَي أَيْهاتَ منك ذاتُ عِرْق. والأَمُّ: العَلَم الذي يَتْبَعُه الجَيْش.
ابن سيده: والإِمَّة والأُمَّة السُّنَّةُ.
وتَأَمَّم به وأْتَمَّ: جعله أَمَّةً. وأَمَّ القومَ وأَمَّ بهم:
تقدَّمهم، وهي الإِمامةُ. والإِمامُ: كل من ائتَمَّ به قومٌ كانوا على الصراط
المستقيم أَو كانوا ضالِّين. ابن الأَعرابي في قوله عز وجل: يَوْمَ
نَدْعُو كلَّ أُناسٍ بإِمامِهْم، قالت طائفة: بكتابهم، وقال آخرون: بنَبيّهم
وشَرْعهم، وقيل: بكتابه الذي أَحصى فيه عَمَله. وسيدُنا رسولُ
الله، صلى الله عليه وسلم، إِمامُ أُمَّتِه، وعليهم جميعاً الائتمامُِ
بسُنَّته التي مَضى عليها. ورئيس القوم: أَمِّهم.
ابن سيده: والإِمامُ ما ائْتُمَّ به من رئيسٍ وغيرِه، والجمع أَئِمَّة.
وفي التنزيل العزيز: فقاتِلوا أَئِمَّةَ الكُفْر، أَي قاتِلوا رؤساءَ
الكُفْر وقادَتَهم الذين ضُعَفاؤهم تَبَعٌ لهم. الأَزهري: أَكثر القُراء
قَرَؤوا أَيِمَّة الكُفْرِ، بهمزة واحدة، وقرأَ بعضهم أَئمَّةَ، بهمزيتن،
قال: وكل ذلك جائز. قال ابن سيده: وكذلك قوله تعالى: وجَعلْناهم أَيِمَّةً
يَدْعون إِلى النارِ، أَي مَن تَبِعَهم فهو في النار يوم القيامة، قُلبت
الهمزة ياء لثِقَلها لأَنها حرف سَفُل في الحَلْق وبَعُد عن الحروف
وحَصَل طرَفاً فكان النُّطْق به تكَلُّفاً، فإِذا كُرِهت الهمزة الواحدة،
فَهُمْ باسْتِكْراه الثِّنْتَيْن ورَفْضِهما لاسِيَّما إِذا كانتا
مُصْطَحِبتين غير مفرَّقتين فاءً وعيناً أَو عيناً ولاماً أَحرى، فلهذا لم يأْت
في الكلام لفظةٌ توالتْ فيها هَمْزتان أَصلاً البتَّة؛ فأَما ما حكاه أَبو
زيد من قولهم دَريئة ودَرائئٌ وخَطيئة وخَطائيٌ فشاذٌّ لا يُقاس عليه،
وليست الهمزتان أَصْلَين بل الأُولى منهما زائدة، وكذلك قراءة أَهل
الكوفة أَئمَّة، بهمزتين، شاذ لا يقاس عليه؛ الجوهري: الإِمامُ
الذي يُقْتَدى به وجمعه أَيِمَّة، وأَصله أَأْمِمَة، على أَفْعِلة، مثل
إِناء وآنِيةٍ وإِلَه وآلِهةٍ، فأُدغمت الميم فنُقِلَت حركتُها إلى ما
قَبْلَها، فلما حَرَّْكوها بالكسر جعلوها ياء، وقرئ أَيِمَّة الكُفْر؛ قال
الأَخفش: جُعلت الهمزة ياء، وقرئ أَيِمَّة الكُفْر؛ قال الأَخفش: جُعلت
الهمزة ياء لأَنها في موضع كَسْر وما قبلها مفتوح فلم يَهمِزُوا لاجتماع
الهمزتين، قال: ومن كان رَأْيه جمع الهمزتين همَز، قال: وتصغيرها
أُوَيْمة، لما تحرّكت الهمزة بالفتحة قلبها واواً، وقال المازني أُيَيْمَة ولم
يقلِب، وإِمامُ كلِّ شيء: قَيِّمُهُ والمُصْلِح له، والقرآنُ إِمامُ
المُسلمين، وسَيدُنا محمد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إِمام الأَئِمَّة،
والخليفة إمام الرَّعِيَّةِ، وإِمامُ
الجُنْد قائدهم. وهذا أَيَمٌّ من هذا وأَوَمُّ من هذا أَي أَحسن إمامةً
منه، قَلَبوها إِلى الياء مرَّة وإِلى الواو أُخرى كَراهِية التقاء
الهمزتين. وقال أَبو إِسحق: إِذا فضَّلنا رجُلاً في الإِمامةِ قلنا: هذا
أَوَمُّ من هذا، وبعضهم يقول: هذا أَيَمُّ من هذا، قال: والأَصل في أَئمَّة
أَأْمِمَة لأَنه جمع إِمامٍ مثل مِثال وأَمْثِلة ولكنَّ المِيمَيْن لمَّا
اجتمعتا أُدغمت الأُولى في الثانية وأُلقيت حركتها على الهمزة، فقيل
أَئِمَّة، فأَبدلت العرب من الهمزة المكسورة الياء، قال: ومن قال هذا أَيَمُّ
من هذا، جعل هذه الهمزة كلَّما تحركت أَبدل منها ياء، والذي قال فلان
أَوَمُّ من هذا كان عنده أَصلُها أَأَمُّ، فلم يمكنه أَن يبدل منها أَلفاً
لاجتماع الساكنين فجعلها واواً مفتوحة، كما قال في جمع آدَم أَوادم، قال:
وهذا هو القياس، قال: والذي جَعَلها ياء قال قد صارت الياءُ في أَيِمَّة
بدلاً لازماً، وهذا مذهب الأَخفش، والأَول مذهب المازني، قال:وأَظنه
أَقْيَس المذهَبين، فأَما أَئمَّة باجتماع الهمزتين فإِنما يُحْكى عن أَبي
إِسحق، فإِنه كان يُجيز اجتماعَهما، قال: ولا أَقول إِنها غير جائزة، قال:
والذي بَدَأْنا به هو الاختيار. ويقال: إِمامُنا هذا حَسَن الإِمَّة أَي
حَسَن القِيام بإِمامته إِذا صلَّى بنا.
وأَمَمْتُ القومَ في الصَّلاة إِمامةً. وأْتمّ به أَي اقْتَدَى به.
والإِمامُ: المِثالُ؛ قال النابغة:
أَبوه قَبْلَه، وأَبو أَبِيه،
بَنَوْا مَجْدَ الحيَاة على إِمامِ
وإِمامُ الغُلام في المَكْتَب: ما يَتعلَّم كلَّ يوم. وإِمامُ
المِثال: ما امْتُثِلَ
عليه. والإِمامُ: الخَيْطُ الذي يُمَدُّ على البناء فيُبْنَي عليه
ويُسَوَّى عليه سافُ البناء، وهو من ذلك؛ قال:
وخَلَّقْتُه، حتى إِذا تمَّ واسْتَوى
كَمُخَّةِ ساقٍ أَو كَمَتْنِ إِمامِ
أَي كهذا الخَيْط المَمْدود على البِناء في الامِّلاسِ والاسْتِواء؛ يصف
سَهْماً؛ يدل على ذلك قوله:
قَرَنْتُ بِحَقْوَيْه ثَلاثاً فلم يَزِغُ،
عن القَصْدِ، حتى بُصِّرَتْ بِدِمامِ
وفي الصحاح: الإِمامُ خشبة البنَّاء يُسَوِّي عليها البِناء. وإِمامُ
القِبلةِ: تِلْقاؤها. والحادي: إمامُ الإِبل، وإِن كان وراءها لأَنه
الهادي لها. والإِمامُ: الطريقُ. وقوله عز وجل: وإِنَّهما لَبِإِمامٍ
مُبينٍ، أَي لَبِطريق يُؤَمُّ أَي يُقْصَد فَيُتَمَيَّز، يعني قومَ لوط
وأَصحابَ الأَيكةِ. والإِمامُ: الصُّقْعُ من الطريق والأَرض. وقال الفراء:
وإِنهما لَبِإِمامٍ مُبين، يقول: في طَريق لهم يَمُرُّون عليها في أَسْفارِهم
فَجعل الطَّريقَ إِماماً لأَنه يُؤم ويُتَّبَع.
والأَمامُ: بمعنى القُدّام. وفلان يَؤمُّ القومَ: يَقْدُمهم. ويقال:
صَدْرك أَمامُك، بالرفع، إِذا جَعَلْته اسماً، وتقول: أَخوك أَمامَك،
بالنصب، لأَنه صفة؛ وقال لبيد فَجَعله اسماً:
فَعَدَتْ كِلا الفَرْجَيْن تَحْسِبُ أَنه
مَوْلَى المَخافَةِ: خَلْفُها وأَمامُها
(* قوله «فعدت كلا الفرجين» هو في الأصل بالعين المهملة ووضع تحتها
عيناً صغيرة، وفي الصحاح في مادة ولي بالغين المعمجة ومثله في التكلمة في
مادة فرج، ومثله كذلك في معلقة لبيد).
يصف بَقَرة وَحْشِية ذَعَرها الصائدُ فَعَدَتْ. وكِلا فَرْجَيها: وهو
خَلْفُها وأَمامُها. تَحْسِب أَنه: الهاء عِمادٌ. مَوْلَى مَخافَتِها أَي
وَلِيُّ مَخافَتِها. وقال أَبو بكر: معنى قولهم يَؤُمُّ القَوْمَ أَي
يَتَقَدَّمُهم، أُخِذ من الأَمامِ.
يقال: فُلانٌ إِمامُ القوم؛ معناه هو المتقدّم لهم، ويكون الإِمامُ
رئِسياً كقولك إمامُ المسلمين، ويكون الكتابَ، قال الله تعالى: يَوْمَ
نَدْعُو كلَّ أُناسٍ بإِمامِهم، ويكون الإِمامُ الطريقَ الواضحَ؛ قال الله
تعالى: وإِنَّهما لَبِإِمامٍ مُبينٍ، ويكون الإِمامُ المِثالَ، وأَنشد بيت
النابغة:
بَنَوْا مَجْدَ الحَياةِ على إِمامِ
معناه على مِثال؛ وقال لبيد:
ولكُلِّ قَوْمٍ سُنَّةٌ وإِمامُها
والدليل: إِمامُ السَّفْر. وقوله عز وجل: وجَعَلْنا للمُتَّقِين
إِماماً؛ قال أَبو عبيدة: هو واحد يَدُلُّ على الجمع كقوله:
في حَلْقِكم عَظْماً وقد شُجِينا
وإِنَّ المُتَّقِين في جَنَّات ونَهَرٍ. وقل: الإِمامُ جمع آمٍّ كصاحِبٍ
وصِحابٍ، وقيل: هو جمع إِمامٍ ليس على حَدِّ عَدْلٍ ورِضاً لأَنهم قد
قالوا إِمامان، وإِنما هو جمع مُكَسَّر؛ قال ابن سيده: أَنْبأَني بذلك أَبو
العَلاء عن أَبي علي الفارسي قال: وقد استعمل سيبويه هذا القياسَ
كثيراً، قال: والأُمَّةُ الإِمامُ.
الليث: الإِمَّةُ الائتِمامُ بالإِمامِ؛ يقال: فُلانٌ أَحقُّ بإِمَّةِ
هذا المسجد من فُلان أَي بالإِمامة؛ قال أَبو منصور: الإِمَّة الهَيْئةُ
في الإِمامةِ والحالةُ؛ يقال: فلان حَسَن الإِمَّةِ أَي حَسَن الهَيْئة
إِذا أَمَّ الناسَ في الصَّلاة، وقد ائتَمَّ بالشيء وأْتَمَى به، على
البدَل كراهية التضعيف؛ وأَنشد يعقوب:
نَزُورُ امْرأً، أَمّا الإِلَه فَيَتَّقِي،
وأَمّا بفعلِ الصَّالحين فَيَأْتَمِي
والأُمَّةُ: القَرْن من الناس؛ يقال: قد مَضَتْ أُمَمٌ أَي قُرُونٌ.
وأُمَّةُ كل نبي: مَن أُرسِل إِليهم من كافر ومؤمنٍ. الليث: كلُّ قوم
نُسِبُوا إِلى نبيّ فأُضيفوا إِليه فَهُمْ أُمَّتُه، وقيل: أُمة محمد، صلى الله
عليهم وسلم، كلُّ مَن أُرسِل إِليه مِمَّن آمَن به أَو كَفَر، قال: وكل
جيل من الناس هم أُمَّةٌ على حِدَة.وقال غيره: كلُّ جِنس من الحيوان غير
بني آدم أُمَّةٌ على حِدَة، والأُمَّةُ: الجِيلُ والجِنْسُ من كل حَيّ.
وفي التنزيل العزيز: وما من دابَّةٍ في الأرض ولا طائرٍ يَطِيرُ
بِجناحَيْه إلاَّ أُمَمٌ أَمثالُكم؛ ومعنى قوله إلاَّ أُمَمٌ أمثالُكم في مَعْنىً
دون مَعْنىً، يُريدُ، والله أعلم، أن الله خَلَقَهم وتَعَبَّدَهُم بما
شاء أن يَتَعَبَّدَهُم من تسْبيح وعِبادةٍ عَلِمها منهم ولم يُفَقِّهْنا
ذلك. وكل جنس من الحيوان أُمَّةٌ. وفي الحديث: لولا أنَّ الكِلاب أُمَّةٌ
من الأُمَمِ لأَمَرْت بقَتْلِها، ولكن اقْتُلوا منها كل أَسْوَد بَهيم،
وورد في رواية: لولا أنها أُمَّةٌ تُسَبِّحُ لأَمَرْت بقَتْلِها؛ يعني بها
الكلاب.
والأُمُّ: كالأُمَّةِ؛ وفي الحديث: إن أَطاعُوهما، يعني أبا بكر وعمر،
رَشِدوا ورَشَدت أُمُّهم، وقيل، هو نَقِيضُ قولهم هَوَتْ أُمُّه، في
الدُّعاء عليه، وكل مَن كان على دينِ الحَقِّ مُخالفاً لسائر الأَدْيان، فهو
أُمَّةٌ وحده. وكان إبراهيمُ خليلُ الرحمن، على نبينا وعليه السلام،
أُمَّةً؛ والأُمَّةُ: الرجل الذي لا نظِير له؛ ومنه قوله عز وجل: إن إبراهيم
كان أُمَّةً قانِتاً لله؛ وقال أبو عبيدة: كان أُمَّةً أي إماماً. أَبو
عمرو الشَّيباني: إن العرب تقول للشيخ إذا كان باقِيَ القوّة: فلان
بإِمَّةٍ، معناه راجع إلى الخير والنِّعْمة لأن بَقاء قُوّتِه من أَعظم
النِّعْمة، وأصل هذا الباب كله من القَصْد. يقال: أَمَمْتُ إليه إذا قَصَدْته،
فمعنى الأُمَّة في الدِّينِ أَنَّ مَقْصِدَهم مقْصِد واحد، ومعنى الإمَّة
في النِّعْمة إنما هو الشيء الذي يَقْصِده الخلْق ويَطْلُبونه، ومعنى
الأُمَّة في الرجُل المُنْفَرد الذي لا نَظِير له أن قَصْده منفرد من قَصْد
سائر الناس؛ قال النابغة:
وهل يَأْثَمَنْ ذو أُمَّةٍ وهو طائعُ
ويروي: ذو إمَّةٍ، فمن قال ذو أُمَّةٍ فمعناه ذو دينٍ ومن قال ذو إمَّةٍ
فمعناه ذو نِعْمة أُسْدِيَتْ إليه، قال: ومعنى الأُمَّةِ القامة
(*
وقوله «ومعنى الأمة القامة إلخ» هكذا في الأصل). سائر مقصد الجسد، وليس يخرج
شيء من هذا الباب عن معنى أَمَمْت قَصَدْت. وقال الفراء في قوله عز وجل:
إن إبراهيم كان أُمَّةً؛ قال: أُمَّةً مُعلِّماً للخَير. وجاء رجل إلى
عبد الله فسأَله عن الأُمَّةِ، فقال: مُعَلِّمُ الخير، والأُمَّةُ
المُعَلِّم. ويروى عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أنه قال: يُبْعَث يوم القيامة
زيدُ بنُ عمرو بنِ نُفَيْل أُمَّةً على حِدَةٍ، وذلك أَنه كان تَبَرَّأَ
من أَدْيان المشركين وآمَن بالله قبل مَبْعَث سيدِنا محمد رسول الله، صلى
الله عليه وسلم. وفي حديث قُسِّ بن ساعدة: أَنه يُبْعَث يوم القيامة
أُمَّةً وحْدَه؛ قال: الأُمَّةُ الرجل المُتَفَرِّد بدينٍ كقوله تعالى: إنَّ
إبراهيمَ كان أُمَّةً قانِتاً لله، وقيل: الأُمَّةُ الرجلُ الجامع للخير.
والأُمَّةُ: الحِينُ. قال الفراء في قوله عز وجل: وادَّكَرَ بعد
أُمَّةٍ، قال بعد حينٍ من الدَّهْرِ. وقال تعالى: ولَئِنْ أَخّرْنا عنهم العَذاب
إلى أُمَّةٍ معْدودةٍ. وقال ابن القطاع: الأُمَّةُ المُلْك، والأُمة
أَتْباعُ الأنبياء، والأُمّةُ الرجل الجامعُ للخير، والأُمَّةُ الأُمَمُ،
والأُمَّةُ الرجل المُنْفَرد بدينه لا يَشْرَكُه فيه أَحدٌ، والأُمَّةُ
القامةُ والوجهُ؛ قال الأَعشى:
وإنَّ مُعاوية الأَكْرَمِيـ
نَ بيضُ الوُجوهِ طِوالُ الأُمَمْ
أي طِوالُ القاماتِ؛ ومثله قول الشَّمَرْدَل بن شريك اليَرْبوعي:
طِوال أَنْصِية الأَعْناقِ والأُمَمِ
قال: ويروى البيت للأَخْيَلِيَّة. ويقال: إنه لحسَنُ الأُمَّةِ أي
الشَّطاطِ. وأُمَّةُ الوجه: سُنَّته وهي مُعظَمه ومَعْلم الحُسْن منه. أبو
زيد: إنه لَحَسن أُمَّة الوجه يَعْنُون سُنَّته وصُورَته. وإنه لَقَبيحُ
أُمَّةِ الوجه. وأُمَّة الرجل: وَجْهُه وقامَتُه. والأُمَّة: الطاعة.
والأُمَّة: العالِم. وأُمَّةُ الرجل: قومُه. والأُمَّةُ: الجماعة؛ قال الأخفش:
هو في اللفظ واحد وفي المعنى جَمْع، وقوله في الحديث: إنَّ يَهُودَ بَني
عَوْفٍ أُمَّةٌ من المؤْمنين، يريد أَنهم بالصُّلْح الذي وقَع بينهم وبين
المؤْمنين كجماعةٍ منهم كلمَتُهم وأيديهم واحدة. وأُمَّةُ الله: خلْقه:
يقال: ما رأَيت من أُمَّةِ الله أَحسنَ منه.
وأُمَّةُ الطريق وأُمُّه: مُعْظَمُه.
والأُمَمُ: القَصْد الذي هو الوسَط. والأَمَمُ: القُرب، يقال: أَخذت ذلك
من أَمَمٍ أي من قُرْب. وداري أَمَمُ دارِه أي مُقابِلَتُها. والأَمَمُ:
اليسير. يقال: داركم أَمَمٌ، وهو أَمَمٌ منك. وكذلك الاثنان والجمع.
وأمْرُ بَني فُلان أَمَمٌ ومُؤامٌّ أي بيّنٌ لم يجاوز القدر.
والمؤَامُّ، بتشديد الميم: المقارب، أُخِذ الأَمَم وهو القرب؛ يقال: هذا
أَمْرٌ مؤَامٌّ مثل مُضارٍّ. ويقال للشيء إذا كان مُقارِباً: هو
مُؤامٌّ. وفي حديث ابن عباس: لا يَزال أَمْرُ الناس مُؤَامّاً ما لم يَنْظروا في
القَدَرِ والوِلْدان أي لا يَزال جارياً على القَصْد والاستقامة.
والمُؤَامُّ: المُقارَب، مُفاعَل من الأَمِّ، وهو القَصْد أَو من الأَمَمِ
القرب، وأَصله مُؤامَم فأُدْغِم. ومنه حديث كعب: لا تَزال الفِتْنة مُؤامّاً
بها ما لم تبْدأْ من الشام؛ مُؤَامٌّ هنا: مُفاعَل، بالفتح، على المفعول
لأن معناه مُقارَباً بها، والباء للتعدية، ويروى مُؤَمّاً، بغير مدٍّ.
والمُؤَامٌّ: المُقارِب والمُوافِق من الأَمَم، وقد أَمَّهُ؛ وقول
الطرِمّاح:
مثل ما كافَحْتَ مَحْزُوبَةً
نَصَّها ذاعِرُ وَرْعٍ مُؤَامْ
يجوز أَن يكون أَراد مُؤَامٌّ فحذف إحدى الميمين لالتقاء الساكنين،
ويجوز أن يكون أَراد مُؤَامٌّ فأَبدل من الميم الأخيرة ياء فقال: مُؤَامي ثم
وقف للقافية فحذف الياء فقال: مُؤَامْ، وقوله: نَصَّها أي نَصَبَها؛ قال
ثعلب: قال أَبو نصر أَحسنُ ما تكون الظَّبْية إذا مَدَّت عُنُقَها من
رَوْعٍ يَسير، ولذلك قال مؤَامْ لأَنه المُقاربُ اليَسير.
قال: والأَمَمُ بين القريب والبعيد، وهو من المُقارَبة. والأَمَمُ:
الشيءُ اليسير؛ يقال: ما سأَلت إلا أَمَماً. ويقال: ظلَمْت ظُلْماً أَمَماً؛
قال زهير:
كأَنّ عَيْني، وقد سال السَّلِيلُ بهم،
وَجِيرة ما هُمُ لَوْ أَنَّهم أَمَمُ
يقول: أيّ جيرةٍ كانوا لو أنهم بالقرب مِنِّي. وهذا أمْر مُؤَامٌّ أي
قَصْدٌ مُقارب؛ وأَنشد الليث:
تَسْأَلُني بِرامَتَيْنِ سَلْجَما،
لو أنها تَطْلُب شيئاً أَمَما
أراد: لو طَلَبَت شيئاً يقْرُب مُتَناوَله لأَطْلَبْتُها، فأَما أن
تَطْلُب بالبلدِ السَّباسِبِ السَّلْجَمَ فإنه غير مُتَيَسِّر ولا أَمَمٍ.
وأُمُّ الشيء: أَصله.
والأُمُّ والأُمَّة: الوالدة؛ وأَنشد ابن بري:
تَقَبَّلَها من أُمَّةٍ، ولَطالما
تُنُوزِعَ، في الأسْواق منها، خِمارُها
وقال سيبويه . . . .
(* هنا بياض بالأصل). لإمِّك؛ وقال أيضاً:
إضْرِب الساقَيْنِ إمِّك هابِلُ
قال فكسَرهما جميعاً كما ضم هنالك، يعني أُنْبُؤُك ومُنْحُدُر، وجعلها
بعضهم لغة، والجمع أُمَّات وأُمّهات، زادوا الهاء، وقال بعضهم: الأُمَّهات
فيمن يعقل، والأُمّات بغير هاء فيمن لا يعقل، فالأُمَّهاتُ للناس
والأُمَّات للبهائم، وسنذكر الأُمَّهات في حرف الهاء؛ قال ابن بري: الأَصل في
الأُمَّهات أن تكون للآدميين، وأُمَّات أن تكون لغير الآدَمِيِّين، قال:
وربما جاء بعكس ذلك كما قال السفَّاح اليَرْبوعي في الأُمَّهات لغير
الآدَمِيِّين:
قَوّالُ مَعْروفٍ وفَعّالُه،
عَقَّار مَثْنى أُمَّهات الرِّباعْ
قال: وقال ذو الرمة:
سِوى ما أَصابَ الذئبُ منه وسُرْبَةٌ
أطافَتْ به من أُمَّهات الجَوازِل
فاستعمل الأُمَّهات للقَطا واستعملها اليَرْبوعي للنُّوق؛ وقال آخر في
الأُمَّهات للقِرْدانِ:
رَمى أُمَّهات القُرْدِ لَذْعٌ من السَّفا،
وأَحْصَدَ من قِرْانِه الزَّهَرُ النَّضْرُ
وقال آخر يصف الإبل:
وهام تَزِلُّ الشمسُ عن أُمَّهاتِه
صِلاب وأَلْحٍ، في المَثاني، تُقَعْقِعُ
وقال هِمْيان في الإبل أيضاً:
جاءَتْ لِخِمْسٍ تَمَّ من قِلاتِها،
تَقْدُمُها عَيْساً مِنُ امَّهاتِها
وقال جرير في الأُمَّات للآدَمِييِّن:
لقد وَلَدَ الأُخَيْطِلَ أُمُّ سَوْءٍ،
مُقَلَّدة من الأُمَّاتِ عارا
التهذيب: يَجْمَع الأُمَّ من الآدَميّاتِ أُمَّهات، ومن البَهائم
أُمَّات؛ وقال:
لقد آلَيْتُ أَغْدِرُ في جَداعِ،
وإن مُنِّيتُ، أُمَّاتِ الرِّباعِ
قال الجوهري: أَصل الأُمِّ أُمّهةٌ، ولذلك تُجْمَع على أُمَّهات. ويقال:
يا أُمَّةُ لا تَفْعَلي ويا أَبَةُ افْعَلْ، يجعلون علامة التأْنيث
عوضاً من ياء الإضافة، وتَقِفُ عليها بالهاء؛ وقوله:
ما أُمّك اجْتاحَتِ المَنايا،
كلُّ فُؤادٍ عَلَيْك أُمُّ
قال ابن سيده: عَلَّق الفؤاد بعَلى لأنه في معنى حَزينٍ، فكأَنه قال:
عليك حَزينٌ.
وأَمَّتْ تَؤُمُّ أُمُومَةً: صارت أُمّاً. وقال ابن الأَعرابي في امرأَة
ذكرها: كانت لها عمة تَؤُمها أي تكون لها كالأُمِّ. وتَأَمَّها
واسْتَأَمَّها وتأَمَّمها: اتَّخَذَها أُمّاً؛ قال الكميت:
ومِن عَجَبٍ، بَجِيلَ، لَعَمْرُ أُمّ
غَذَتْكِ، وغيرَها تَتأَمّمِينا
قوله: ومن عَجَبٍ خبر مبتدإِ محذوف، تقديرهُ: ومن عَجَبٍ انْتِفاؤكم عن
أُمِّكم التي أَرْضَعَتْكم واتِّخاذكم أُمّاً غيرَها. قال الليث: يقال
تأَمَّم فلان أُمّاً إذا اتَّخذَها لنفسه أُمّاً، قال: وتفسير الأُمِّ في
كل معانيها أُمَّة لأن تأْسيسَه من حَرْفين صحيحين والهاء فيها أصلية،
ولكن العَرب حذَفت تلك الهاء إذ أَمِنُوا اللَّبْس. ويقول بعضُهم في تَصْغير
أُمٍّ أُمَيْمة، قال: والصواب أُمَيْهة، تُردُّ إلى أَصل تأْسيسِها، ومن
قال أُمَيْمَة صغَّرها على لفظها، وهم الذين يقولون أُمّات؛ وأَنشد:
إذِ الأُمّهاتُ قَبَحْنَ الوُجوه،
فَرَجْتَ الظَّلامَ بأُمَّاتِكا
وقال ابن كيسان: يقال أُمٌّ وهي الأصل، ومنهم من يقول أُمَّةٌ، ومنهم من
يقول أُمَّهة؛ وأنشد:
تَقَبَّلْتَها عن أُمَّةٍ لك، طالَما
تُنوزِعَ بالأَسْواقِ عنها خِمارُها
يريد: عن أُمٍّ لك فأَلحقها هاء التأْنيث؛ وقال قُصَيّ:
عند تَناديهمْ بِهالٍ وَهَبِي،
أُمَّهَتي خِنْدِفُ، والياسُ أَبي
فأَما الجمع فأَكثر العرب على أُمَّهات، ومنهم من يقول أُمَّات، وقال
المبرّد: والهاء من حروف الزيادة، وهي مزيدة في الأُمَّهات، والأَصل
الأَمُّ وهو القَصْد؛ قال أَبو منصور: وهذا هو الصواب لأن الهاء مزيدة في
الأُمَّهات؛ وقال الليث: من العرب من يحذف أَلف أُمٍّ كقول عديّ بن زيد:
أَيُّها العائِبُ، عِنْدِ، امَّ زَيْدٍ،
أنت تَفْدي مَن أَراكَ تَعِيبُ
وإنما أراد عنْدي أُمَّ زيدٍ، فلمّا حذَف الأَلف التَزقَتْ ياء عنْدي
بصَدْر الميم، فالتقى ساكنان فسقطت الياء لذلك، فكأَنه قال: عندي أُمَّ
زيد. وما كنت أُمّاً ولقد أَمِمْتِ أُمُومةً؛ قال ابن سيده: الأُمَّهة
كالأُمِّ، الهاء زائدة لأَنه بمعنى الأُمِّ، وقولهم أمٌّ بَيِّنة الأُمومة
يُصَحِّح لنا أن الهمزة فيه فاء الفعل والميم الأُولى عَيْن الفِعْل، والميم
الأُخرى لام الفعْل، فَأُمٌّ بمنزلة دُرٍّ وجُلٍّ ونحوهما مما جاء على
فُعْل وعينُه ولامُه من موضع، وجعل صاحبُ العَيْنِ الهاء أَصْلاً، وهو
مذكور في موضعه. الليث: إذا قالت العرب لا أُمَّ لك فإنه مَدْح عندهم؛ غيره:
ويقال لا أُمَّ لك، وهو ذَمٌّ. قال أَبو عبيد: زعم بعض العلماء أن قولهم
لا أُمَّ لك قد وُضعَ موضع المَدح؛ قال كعب بن سعد الغَنَويّ يَرْثي
أَخاه:
هَوَتْ أُمُّه ما يَبْعَث الصُّبْح غادِياً،
وماذا يُؤدّي الليلُ حينَ يَؤوبُ؟
قال أبو الهيثم في هذا البيت: وأَيْنَ هذا مما ذهب إليه أَبو عبيد؟
وإنما معنى هذا كقولهم: وَيْحَ أُمِّه ووَيْلَ أُمِّه والوَيلُ لها، وليس
للرجل في هذا من المَدْح ما ذهَب إليه، وليس يُشْبِه هذا قولهم لا أُمَّ لك
لأَن قوله أُمَّ لك في مذهب ليس لك أُمٌّ حُرَّة، وهذا السَّبُّ
الصَّريح، وذلك أَنّ بَني الإماء عند العرب مَذْمومون لا يلحقون بِبَني الحَرائر،
ولا يقول الرجل لصاحبه لا أُمَّ لك إلاَّ في غضَبه عليه مُقَصِّراً به
شاتِماً له، قال: وأَمّا إذا قال لا أَبا لَك، فلم يَترك له من
الشَّتِيمَة شيئاً، وقيل: معنى قولهم لا أُمَّ لك، يقول أنت لَقِيطٌ لا تُعْرَف لك
أُمٌّ. قال ابن بري في تفسير يت كعب بن سعد قال: قوله هَوَتْ أُمُّه،
يُسْتَعْمَل على جهة التعَجُّب كقولهم: قاتَله الله ما أَسْمَعه ما يَبْعَث
الصبحُ: ما استفهام فيها معنى التعَجُّب وموضعها نَصْب بيَبْعَث، أيْ
أَيُّ شيءٍ يَبعَثُ الصُّبْح من هذا الرجل؟ أَي إذا أَيْقَظه الصُّبح
تصرَّف في فِعْل ما يُريده. وغادِياً منصوب على الحال والعامل فيه يَبْعَث،
ويَؤُوب: يَرجع، يريد أَن إقْبال اللَّيل سَبَب رجوعه إلى بيته كما أن
إقْبال النهار سَبَب لتصرُّفه، وسنذكره أَيضاً في المعتل. الجوهري: وقولهم
وَيْلِمِّهِ، ويريدون وَيْلٌ لأُمّه فحذف لكثرته في الكلام. قال ابن بري:
وَيْلِمِّه، مكسورة اللام، شاهده قول المنتخل الهذلي يَرْثي ولدهَ
أُثَيلة:وَيْلِمِّه رجلاَ يأْتي به غَبَناً،
إذا تَجَرَّد لا خالٌ ولا بَخِلُ
الغَبَنُ: الخَديعةُ في الرأْي، ومعنى التَّجَرُّد ههنا التَّشْميرُ
للأَمرِ، وأَصْله أن الإنسان يَتجرَّد من ثيابه إذا حاوَل أَمْراً. وقوله:
لا خالٌ ولا بَخِل، الخالُ: الاختيال والتَّكَبُّر من قولهم رجل فيه خالٌ
أي فيه خُيَلاء وكِبْرٌ، وأما قوله: وَيْلِمِّه، فهو مَدْح خرج بلفظ
الذمِّ، كما يقولون: أَخْزاه الله ما أَشْعَرَه ولعَنه الله ما أَسْمَعه
قال: وكأَنهم قَصَدوا بذلك غَرَضاً مَّا، وذلك أَن الشيء إذا رآه الإنسان
فأَثْنى عليه خَشِيَ أَن تُصِيبه العين فيَعْدِل عن مَدْحه إلى ذمّه خوفاً
عليه من الأَذيَّةِ، قال: ويحتمل أيضاً غَرَضاً آخر، وهو أن هذا الــممدوح
قد بلَغ غاية الفَضْل وحصل في حَدّ من يُذَمُّ ويُسَب، لأَن الفاضِل
تَكْثُر حُسَّاده وعُيّابه والناقِص لا يُذَمُّ ولا يُسَب، بل يَرْفعون
أنفسَهم عن سَبِّه ومُهاجاتِه، وأَصْلُ وَيْلِمِّه وَيْلُ أُمِّه، ثم حذفت
الهمزة لكثرة الاستعمال وكَسَروا لامَ وَيْل إتْباعاً لكسرة الميم، ومنهم من
يقول: أصله وَيلٌ لأُمِّه، فحذفت لام وَيْل وهمزة أُمّ فصار وَيْلِمِّه،
ومنهم من قال: أَصله وَيْ لأُمِّه، فحذفت همزة أُمٍّ لا غير. وفي حديث
ابن عباس أنه قال لرجل: لا أُمَّ لك؛ قال: هو ذَمٌّ وسَبٌّ أي أنت لَقِيطٌ
لا تُعْرف لك أُمٌّ، وقيل: قد يقَع مَدْحاً بمعنى التعَجُّب منه، قال:
وفيه بُعدٌ.
والأُمُّ تكون للحيَوان الناطِق وللموات النامِي كأُمِّ النَّخْلة
والشجَرة والمَوْزَة وما أَشبه ذلك؛ ومنه قول ابن الأصمعي له: أنا كالمَوْزَة
التي إنما صَلاحُها بمَوْت أُمِّها. وأُمُّ كل شيء: أَصْلُه وعِمادُه؛
قال ابن دُريَد: كل شيء انْضَمَّت إليه أَشياء، فهو أُمٌّ لها. وأُم القوم:
رئيسُهم، من ذلك؛ قال الشنْفَرى:
وأُمَِّ عِيال قد شَهِدْتُ تَقُوتُهُمْ
يعني تأَبط شرّاً. وروى الرَّبيعُ عن الشافعي قال: العرب تقول للرجل
يَلِي طَعام القَوْم وخِدْمَتَهم هو أُمُّهم؛ وأَنشد للشنفرى:
وأُمِّ عِيال قد شَهدت تَقُوتُهُمْ،
إذا أَحْتَرَتْهُم أَتْفَهَتْ وأَقَلَّتِ
(* قوله «وأم عيال قد شهدت» تقدم هذا البيت في مادة حتر على غير هذا
الوجه وشرح هناك).
وأُمُّ الكِتاب: فاتِحَتُه لأَنه يُبْتَدَأُ بها في كل صلاة، وقال
الزجاج: أُمُّ الكتاب أَصْلُ الكتاب، وقيل: اللَّوْحُ المحفوظ. التهذيب: أُمُّ
الكتاب كلُّ آية مُحْكَمة من آيات الشَّرائع والأَحْكام والفرائض، وجاء
في الحديث: أنَّ أُم الكِتاب هي فاتحة الكتاب لأنها هي المُقَدَّمة
أَمامَ كلِّ سُورةٍ في جميع الصلوات وابْتُدِئ بها في المُصْحف فقدِّمت وهي
(* هنا بياض في الأصل) ..... القرآن العظيم. وأَما قول الله عز وجل: وإنه
في أُمِّ الكتاب لَدَيْنا، فقال: هو اللَّوْح المَحْفوظ، وقال قَتادة:
أُمُّ الكتاب أَصْلُ الكِتاب. وعن ابن عباس: أُمُّ الكِتاب القرآن من أَوله
إلى آخره. الجوهري: وقوله تعالى: هُنَّ أُمُّ الكِتاب، ولم يقل أُمَّهات
لأَنه على الحِكاية كما يقول الرجل ليس لي مُعين، فتقول: نحن مُعِينك
فتَحْكِيه، وكذلك قوله تعالى: واجْعَلْنا للمُتَّقين إماماً. وأُمُّ
النُّجوم: المَجَرَّة لأنها مُجْتَمَع النُّجوم. وأُمُّ التَّنائف: المفازةُ
البعيدة. وأُمُّ الطريق: مُعْظَمها إذا كان طريقاً عظيماً وحَوْله طَرُق
صِغار فالأَعْظم أُمُّ الطريق؛ الجوهري: وأُمُّ الطريق مُعظمه في قول كثير
عَزّة:
يُغادِرْنَ عَسْبَ الوالِقِيّ وناصِحٍ،
تَخصُّ به أُمُّ الطريقِ عِيالَها
قال: ويقال هي الضَّبُع، والعَسْب: ماء الفَحْل، والوالِقِيّ وناصِح:
فَرَسان، وعِيالُ الطريق: سِباعُها؛ يريد أَنهنّ يُلْقِين أَولادَهنّ لغير
تَمامٍ من شِدّة التَّعَب. وأُمُّ مَثْوَى الرجل: صاحِبةُ مَنْزِله الذي
يَنْزله؛ قال:
وأُمُّ مَثْوايَ تُدَرِّي لِمَّتي
الأَزهري: يقال للمرأَة التي يَأْوي إليها الرجل هي أُمُّ مَثْواهُ. وفي
حديث ثُمامَة: أَتى أُمَّ مَنْزِلِه أَي امرأَته ومن يُدَبِّر أَمْر
بَيْته من النساء. التهذيب: ابن الأَعرابي الأُم امرأَة الرجل المُسِنَّة،
قال: والأُمّ الوالدة من الحيوان. وأُمُّ الحَرْب: الراية. وأُم الرُّمْح:
اللِّواء وما لُفَّ عليه من خِرْقَةٍ؛ ومنه قول الشاعر:
وسَلَبْنا الرُّمْح فيه أُمُّه
من يَدِ العاصِي، وما طَالَ الطِّوَلْ
وأُم القِرْدانِ: النُّقْرَةُ التي في أَصْل فِرْسِن البعير. وأُم
القُرَى: مكة، شرَّفها الله تعالى، لأَنها توسطَت الأرض فيما زَعَموا، وقي
لأنها قِبْلةُ جميع الناس يؤُمُّونها، وقيل: سُمِّيَت بذلك لأَنها كانت
أَعظم القُرَى شأْناً، وفي التنزيل العزيز: وما كان رَبُّك مُهْلِكَ القُرَى
حتى يبعثَ في أُمِّها رسولاً. وكلُّ مدينة هي أُمُّ ما حَوْلها من
القُرَى. وأُمُّ الرأْسِ: هي الخَريطةُ التي فيها الدِّماغ، وأُمُّ الدِّماغِ
الجِلدة التي تجْمع الدِّماغَ. ويقال أَيضاً: أُم الرأْس، وأُمُّ الرأْس
الدِّماغ؛ قال ابن دُرَيد: هي الجِلْدة الرقيقة التي عليها، وهي
مُجْتَمعه. وقالوا: ما أَنت وأُمُّ الباطِل أي ما أنت والباطِل؟ ولأُمٍّ أَشياءُ
كثيرة تضاف إليها؛ وفي الحديث: أنه قال لزيد الخيل نِعْم فَتىً إن نَجا من
أُمّ كلْبةَ، هي الحُمَّى، وفي حديث آخر: لم تَضُرّه أُمُّ الصِّبْيان،
يعني الريح التي تَعْرِض لهم فَربما غُشِي عليهم منها. وأُمُّ
اللُّهَيْم: المَنِيّة، وأُمُّ خَنُّورٍ الخِصْب، وأُمُّ جابرٍ الخُبْزُ، وأُمُّ
صَبّار الحرَّةُ، وأُم عُبيدٍ الصحراءُ، وأُم عطية الرَّحى، وأُمُّ شملة
الشمس
(* قوله «وأم شملة الشمس» كذا بالأصل هنا، وتقدم في مادة شمل: أن أم
شملة كنية الدنيا والخمر)، وأُمُّ الخُلْفُف الداهيةُ، وأُمُّ رُبَيقٍ
الحَرْبُ، وأُم لَيْلى الخَمْر، ولَيْلى النَّشْوة، وأُمُّ دَرْزٍ الدنيْا،
وأُم جرذان النخلة، وأُم رَجيه النحلة، وأُمُّ رياح الجرادة، وأُمُّ
عامِرٍ المقبرة، وأُمُّ جابر السُّنْبُلة، وأُمُّ طِلْبة العُقابُ، وكذلك
شَعْواء، وأُمُّ حُبابٍ الدُّنيا، وهي أُمُّ وافِرَةَ، وأُمُّ وافرة
البيره
(* قوله «وأم خبيص إلخ» قال شارح القاموس قبلها: ويقال للنخلة أيضاً أم
خبيص ألى آخر ما هنا، لكن في القاموس: أم سويد وأم عزم بالكسر وأم طبيخة
كسكينة في باب الجيم الاست)، وأُم سمحة العنز، ويقال للقِدْر: أُمُّ
غياث، وأُمُّ عُقْبَة، وأُمُّ بَيْضاء، وأُمُّ رسمة، وأُمُّ العِيَالِ،
وأُمُّ جِرْذان النَّخْلة، وإذا سميت رجُلاً بأُمِّ جِرْذان لم تَصْرِفه،
وأُمُّ خبيص
(* قوله: البيرة هكذا في الأصل. وفي القاموس: أم وافرة الدنيا)،
وأُمُّ سويد، وأُمُّ عِزْم، وأُم عقاق، وأُم طبيخة وهي أُم تسعين،
وأُمُّ حِلْس كُنْية الأتان، ويقال للضَّبُع أُمُّ عامِر وأُمُّ عَمْرو.
الجوهري: وأُم البَيْضِ في شِعْرِ أَبي دُواد النعَامة وهو قوله:
وأَتانا يَسْعَى تَفَرُّسَ أُمِّ الـ
بيضِ شََدّاً، وقد تَعالى النَّهارُ
قال ابن بري: يصف رَبيئَة، قال: وصوابه تَفَرُّش، بالشين معجَمةً،
والتَّفَرُّش: فَتْحُ جَناحَي الطائر أَو النَّعامة إذا عَدَتْ. التهذيب:
واعلم أنَّ كل شيء يُضَمُّ إليه سائرُ ما يليه فإنَّ العربَ تسمي ذلك الشيء
أُمّاً، من ذلك أُمُّ الرأْس وهو الدِّماغُ، والشجَّةُ الآمَّةُ التي
تَهْجُمُ على الدِّماغ.
وأَمَّه يَؤُمُّه أَمّاً، فهو مَأْمُومٌ وأَمِيم: أصاب أُمَّ رأْسِه.
الجوهري: أَمَّهُ أي شجُّهُ آمَّةً، بالمدِّ، وهي التي تَبْلُغ أُمَّ
الدِّماغِ حتى يبقَى بينها وبين الدِّماغ جِلْدٌ رقيقٌ. وفي حديث الشِّجاج: في
الآمَّة ثُلُثُ الدِّيَة، وفي حديث آخر: المَأْمُومَة، وهي الشَّجَّة
التي بلغت أُمَّ الرأْس، وهي الجلدة التي تجمَع الدماغ. المحكم: وشَجَّةٌ
آمَّةٌ ومَأْمُومةٌ بلغت أُمَّ الرأْس، وقد يُستعار ذلك في غير الرأْس؛
قال:
قَلْبي منَ الزَّفَرَاتِ صَدَّعَهُ الهَوى،
وَحَشايَ من حَرِّ الفِرَاقِ أَمِيمُ
وقوله أَنشده ثعلب:
فلولا سِلاحي، عندَ ذاكَ، وغِلْمَتي
لَرُحْت، وفي رَأْسِي مآيِمُ تُسْبَرُ
فسره فقال: جَمَع آمَّةً على مآيِمَ وليس له واحد من لفظه، وهذا كقولهم
الخيل تَجْرِي على مَسَاوِيها؛ قال ابن سيده: وعندي زيادة وهو أَنه أراد
مآمَّ، ثم كَرِه التَّضْعِيف فأَبدل الميم الأَخيرة ياءً، فقال مآمِي، ثم
قلب اللامَ وهي الياء المُبْدَلة إلى موضع العين فقال مآيِم، قال ابن
بري في قوله في الشَّجَّة مَأْمُومَة، قال: وكذا قال أَبو العباس المبرّد
بعضُ العرب يقول في الآمَّة مَأْمُومَة؛ قال: قال عليّ بن حمزة وهذا غلَطٌ
إنما الآمَّةُ الشَّجَّة، والمَأْمُومَة أُمُّ الدِّماغ المَشْجُوجَة؛
وأَنشد:
يَدَعْنَ أُمَّ رأْسِه مَأْمُومَهْ،
وأُذْنَهُ مَجْدُوعَةً مَصْلُومَه
ويقال: رجل أَمِيمٌ ومَأْمُومٌ للذي يَهْذِي من أُمِّ رأْسه.
والأُمَيْمَةُ: الحجارة التي تُشْدَخ بها الرُّؤُوس، وفي الصحاح:
الأَمِيمُ حَجَرٌ يُشْدَخُ به الرأْس؛ وأَنشد الأزهري:
ويَوْمَ جلَّيْنا عن الأَهاتِم
بالمَنْجَنِيقاتِ وبالأَمائِم
قال: ومثله قول الآخر:
مُفَلَّقَة هاماتُها بالأَمائِم
وأُم التَّنائف:: أَشدُّها. وقوله تعالى: فَأُمُّه هاوِيَةٌ، وهي النارُ
(* قوله «وهي النار إلخ» كذا بالأصل ولعله هي النار يهوي فيها من إلخ) .
يَهْوِي مَن أُدْخِلَها أي يَهْلِك، وقيل: فَأُمُّ رأْسه هاوِيَة فيها
أي ساقِطة. وفي الحديث: اتَّقوا الخَمْر فإنها أُمُّ الخَبائث؛ وقال شمر:
أُمُّ الخبائث التي تَجْمَع كلَّ خَبيث، قال: وقال الفصيح في أَعراب قيس
إذا قيل أُمُّ الشَّرِّ فهي تَجْمَع كل شرٍّ على وَجْه الأرض، وإذا قيل
أُمُّ الخير فهي تجمع كلَّ خَيْر. ابن شميل: الأُمُّ لكل شيء هو المَجْمَع
والمَضَمُّ.
والمَأْمُومُ من الإبِل: الذي ذهَب وَبَرهُ عن ظَهْره من ضَرْب أو
دَبَرٍ؛ قال الراجز:
ليس بذِي عَرْكٍ ولا ذِي ضَبِّ،
ولا بِخَوّارٍ ولا أَزَبِّ،
ولا بمأْمُومٍ ولا أَجَبِّ
ويقال للبعير العَمِدِ المُتَأَكِّل السَّنامِ: مَأْمُومٌ. والأُمِّيّ:
الذي لا يَكْتُبُ، قال الزجاج: الأُمِّيُّ الذي على خِلْقَة الأُمَّةِ لم
يَتَعَلَّم الكِتاب فهو على جِبِلَّتِه، وفي التنزيل العزيز: ومنهم
أُمِّيُّون لا يَعلَمون الكتابَ إلاّ أَمَانِيَّ؛ قال أَبو إسحق: معنى
الأُمِّيّ المَنْسُوب إلى ما عليه جَبَلَتْه أُمُّه أي لا يَكتُبُ، فهو في أَنه
لا يَكتُب أُمِّيٌّ، لأن الكِتابة هي مُكْتسَبَةٌ فكأَنه نُسِب إلى ما
يُولد عليه أي على ما وَلَدَته أُمُّهُ عليه، وكانت الكُتَّاب في العرب من
أَهل الطائف تَعَلَّموها من رجل من أهل الحِيرة، وأَخذها أَهل الحيرة عن
أَهل الأَنْبار. وفي الحديث: إنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ لا نَكْتُب ولا
نَحْسُب؛ أَراد أَنهم على أَصل ولادة أُمِّهم لم يَتَعَلَّموا الكِتابة
والحِساب، فهم على جِبِلَّتِهم الأُولى. وفي الحديث: بُعِثتُ إلى أُمَّةٍ
أُمِّيَّة؛ قيل للعرب الأُمِّيُّون لأن الكِتابة كانت فيهم عَزِيزة أَو
عَديمة؛ ومنه قوله: بَعَثَ في الأُمِّيِّين رسولاً منهم. والأُمِّيُّ:
العَييّ الجِلْف الجافي القَليلُ الكلام؛ قال:
ولا أعُودِ بعدَها كَرِيّا
أُمارسُ الكَهْلَةَ والصَّبيَّا،
والعَزَبَ المُنَفَّه الأُمِّيَّا
قيل له أُمِّيٌّ لأنه على ما وَلَدَته أُمُّه عليه من قِلَّة الكلام
وعُجْمَة اللِّسان، وقيل لسيدنا محمدٍ رسول الله، صلى الله عليه وسلم،
الأُمِّي لأَن أُمَّة العرب لم تكن تَكْتُب ولا تَقْرَأ المَكْتُوبَ، وبَعَثَه
الله رسولاً وهو لا يَكْتُب ولا يَقْرأُ من كِتاب، وكانت هذه الخَلَّة
إحْدَى آياته المُعجِزة لأَنه، صلى الله عليه وسلم، تَلا عليهم كِتابَ
الله مَنْظُوماً، تارة بعد أُخْرَى، بالنَّظْم الذي أُنْزِل عليه فلم
يُغَيِّره ولم يُبَدِّل أَلفاظَه، وكان الخطيبُ من العرب إذا ارْتَجَل خُطْبَةً
ثم أَعادها زاد فيها ونَقَص، فحَفِظه الله عز وجل على نَبيِّه كما
أَنْزلَه، وأَبانَهُ من سائر مَن بَعَثه إليهم بهذه الآية التي بايَنَ بَينه
وبينهم بها، ففي ذلك أَنْزَل الله تعالى: وما كنتَ تَتْلُو من قَبْلِه من
كِتاب ولا تَخُطُّه بِيَمِينِك إذاً لارْتابَ المُبْطِلون الذين كفروا،
ولَقالوا: إنه وَجَدَ هذه الأَقاصِيصَ مَكْتوبةً فَحَفِظَها من الكُتُب.
والأَمامُ: نَقِيضُ الوَراء وهو في معنى قُدَّام، يكون اسماً وظرفاً.
قال اللحياني: وقال الكِسائي أمام مؤنثة، وإن ذُكِّرتْ جاز، قال سيبويه:
وقالوا أَمامَك إذا كنت تُحَذِّره أو تُبَصِّره شيئاً، وتقول أنت أَمامَه
أي قُدَّمه. ابن سيده: والأَئمَّةُ كِنانة
(* قوله: والائمة كِنانة؛ هكذا
في الأصل، ولعله اراد ان بني كنانة يقال لهم الأئمة)؛ عن ابن الأعرابي.
وأُمَيْمَة وأُمامةُ: اسم امرأَة؛ قال أَبو ذؤيب:
قالتْ أُمَيْمةُ: ما لجِسْمك شاحِباً
مثلي ابْتُذِلْتَ، ومِثلُ ما لك يَنْفَعُ
(* قوله «مثلي ابتذلت» تقدم في مادة نفع بلفظ منذ ابتذلت وشرحه هناك).
وروى الأَصمعي أُمامةُ بالأَلف، فَمَن روى أُمامة على الترخيم
(* قوله
«فمن روى امامة على الترخيم» هكذا في الأصل، ولعله فمن روى أمامة فعلى
الأصل ومن روى أميمة فعل تصغير الترخيم). وأُمامةُ: ثَلَثُمائة من الإبِلِ؛
قال:
أَأَبْثُرهُ مالي ويَحْتُِرُ رِفْدَه؟
تَبَيَّنْ رُوَيْداً ما أُمامةُ من هِنْدِ
أَراد بأُمامة ما تقدَّم، وأَراد بِهِنْد هُنَيْدَة وهي المائة من
الإبل؛ قال ابن سيده: هكذا فسره أَبو العَلاء؛ ورواية الحَماسة:
أَيُوعِدُني، والرَّمْلُ بيني وبينه؟
تَبَيَّنْ رُوَيْداً ما أُمامة من هِنْدِ
وأَما: من حروف الابتداء ومعناها الإخْبار. وإمَّا في الجَزاء:
مُرَكَّبة من إنْ ومَا. وإمَّا في الشَّكِّ: عَكْسُ أو في الوضع، قال: ومن
خَفِيفِه أَمْ. وأَمْ حرف عَطف، معناه الاستفهام، ويكون بمعنى بَلْ. التهذيب:
الفراء أَمْ في المعنى تكون ردّاً على الاستفهام على جِهَتَيْن: إحداهما
أن تُفارِق معنى أَمْ، والأُخرى أن تَسْتَفْهِم بها على جهة النّسَق،
والتي يُنْوى به الابتداء إلاَّ أَنه ابتداء متصِل بكلام، فلو ابْتَدَأْت
كلاماً ليس قبله كلامٌ ثم استَفْهَمْت لم يكن إلا بالأَلف أو بهَلْ؛ من ذلك
قوله عز وجل: ألم تَنْزيلُ الكِتاب لا رَيْبَ فيه مِن رَبِّ العالَمين
أمْ يَقولونَ افْتَراه، فجاءت بأَمْ وليس قَبْلَها استفهام فهذه دليل على
أَنها استفهام مبتدأٌ على كلام قد سبقه، قال: وأَما قوله أَمْ تُريدُون أن
تَسْأَلوا رَسولَكم، فإن شئت جعَلْته استفهاماً مبتدأً قد سبقه كلامٌ،
وإن شئت جعَلْته مردوداً على قوله ما لنا لا نرى
(* قوله «وان شئت جعلته
مردوداً على قوله ما لنا لا نرى» هكذا في الأصل)، ومثله قوله: أَلَيْسَ لي
مُلْكُ مِصْرَ وهذه الأَنهارُ تَجْري من تحتي، ثم قال: أَم أَنا خَيْرٌ،
فالتفسير فيهما واحدٌ. وقال الفراء: وربما جَعَلتِ العرب أَمْ إذا سبقها
استفهام ولا يَصْلُح فيه أَمْ على جهة بَلْ فيقولون: هل لك قِبَلَنا
حَقٌّ أَم أَنتَ رجل معروف بالظُّلْم، يُريدون بل أنت رجُل معروف بالظُّلْم؛
وأَنشد:
فوَالله ما أَدري أَسَلْمى تَغَوَّلَتْ،
أَمِ النَّوْمُ أَمْ كلٌّ إليَّ حَبِيبُ
يُريد: بَلْ كلٌّ، قال: ويفعلون مثل ذلك بأَوْ، وهو مذكور في موضعه؛
وقال الزجاج: أَمْ إذا كانت معطوفة على لفظ الاستفهام فهي معروفة لا إشكال
فيها كقولك زيد أَحسن أَمْ عَمرو، أَكذا خيرٌ أَمْ كذا، وإذا كانت لا
تقَعُ عطفاً على أَلِف الاستفهام، إلا أَنها تكون غير مبتدأَة، فإنها تُؤذِن
بمعنى بَلْ ومعنى أَلف الاستفهام، ثم ذكر قول الله تعالى: أَمْ تُريدُون
أَن تَسأَلوا رَسُولكم، قال: المعنى بَلْ تُريدون أَن تَسأَلوا رسولَكم،
قال: وكذلك قوله: ألم تَنْزيلُ الكتاب لا رَيب فيه من ربِّ العالمين أمْ
يَقولون افْتَراه؛ قال: المعنى بَلْ يقولون افْتَراه، قال الليث: أَمْ
حَرْف أَحسَن ما يكون في الاستفهام على أَوَّله، فيصير المعنى كأَنه
استفهام بعد استفهام، قال: ويكون أمْ بمعنى بَلْ، ويكون أم بمعنى ألِف
الاستفهام كقولك: أَمْ عِنْدك غَداء حاضِرٌ؟ وأنت تريد: أَعِندَك غداء حاضِرٌ وهي
لغة حسنة من لغات العرب؛ قال أَبو منصور: وهذا يَجُوز إذا سبقه كلام،
قال الليث: وتكون أَمْ مبتدَأَ الكلام في الخبر، وهي لغة يَمانية، يقول
قائلُهم: أم نَحْن خَرَجْنا خِيارَ الناس، أَمْ نُطْعِم الطَّعام، أَمْ
نَضْرِب الهامَ، وهو يُخْبِر. وروي عن أبي حاتم قال: قال أَبو زيد أَم تكون
زائدة لغةُ أَهل اليمن؛ قال وأَنشد:
يا دَهْن أَمْ ما كان مَشْيي رَقَصا،
بل قد تكون مِشْيَتي تَوَقُّصا
أَراد يا دَهْناء فَرَخَّم، وأَمْ زائدة، أراد ما كان مَشْيي رَقَصاً أي
كنت أَتَوقَّصُ وأَنا في شَبِيبتي واليومَ قد أَسْنَنْت حتى صار مَشيي
رَقَصاً، والتَّوَقُّص: مُقارَبةُ الخَطْو؛ قال ومثلُه:
يا ليت شعري ولا مَنْجى من الهَرَمِ،
أَمْ هلْ على العَيْش بعدَ الشَّيْب مِن نَدَمِ؟
قال: وهذا مذهب أَبي زيد وغيره، يذهَب إلى أَن قوله أَمْ كان مَشْيي
رَقَصاً معطوف على محذوف تقدّم، المعنى كأَنه قال: يا دَهْن أَكان مَشْيي
رَقَصاً أَمْ ما كان كذلك، وقال غيره: تكون أَمْ بلغة بعض أَهل اليَمن
بمعنى الأَلِف واللامِ، وفي الحديث: ليس من امْبرِّ امْصِيامُ في امْسَفَر أي
ليس من البِرِّ الصِّيامُ في السفَر؛ قال أَبو منصور: والأَلفُ فيها
أَلفُ وَصْلٍ تُكْتَب ولا تُظْهر إذا وُصِلت، ولا تُقْطَع كما تُقْطَع أَلِف
أَم التي قدَّمنا ذكْرَها؛ وأَنشد أَبو عبيد:
ذاكَ خَلِيلي وذُو يُعاتِبُني،
يَرْمي ورائي بامْسَيْفِ وامْسَلِمَه
ألا تراه كيف وَصَل الميمَ بالواو؟ فافهمه. قال أَبو منصور: الوجه أن لا
تثبت الألف في الكِتابة لأَنها مِيمٌ جعلتْ بدَلَ الأَلفِ واللام
للتَّعْريف. قال محمد ابن المكرَّم: قال في أَوَّل كلامه: أَمْ بلغة اليمن
بمعنى الأَلف واللام، وأَوردَ الحديث ثم قال: والأَلف أَلفُ وَصْل تُكْتَبُ
ولا تُظْهر ولا تُقْطَع كما تُقْطَع أَلف أَمْ، ثم يقول: الوَجُه أَن لا
تثبت الألِف في الكتابة لأَنها ميمٌ جُعِلَتْ بدَل الأَلف واللام
للتَّعْريف، والظاهر من هذا الكلام أَن الميمَ عِوَض لام التَّعْريف لا غَيْر،
والأَلفُ على حالِها، فكيف تكون الميم عِوَضاً من الألف واللام؟ ولا حُجَّة
بالبيت الذي أَنشده فإن أَلفَ التَّعْريف واللام في قوله والسَّلِمَة لا
تظهر في ذلك، ولا في قوله وامْسَلِمَة، ولولا تشديدُ السين لَما قدر على
الإتْيان بالميم في الوزْن، لأَنَّ آلةَ التَّعْريف لا يَظْهر منها شيء
في قوله والسَّلِمة، فلمّا قال وامْسَلِمة احتاج أَن تظهر الميم بخلاف
اللام والألف على حالتها في عَدَم الظُّهور في اللفظ خاصَّة، وبإظهاره
الميم زالت إحْدى السِّينَيْن وخَفَّت الثانية وارْتَفَع التشديدُ، فإن كانت
الميم عِوَضاً عن الأَلف واللام فلا تثبت الألف ولا اللام، وإن كانت
عِوَضَ اللام خاصَّة فَثُبوت الألف واجبٌ. الجوهري: وأَمّا أَمْ مُخَفَّفة
فهي حرَف عَطف في الاستفهام ولها مَوْضِعان: أحدهُما أنْ تَقَع مُعادِلةً
لألِفِ الاستفهام بمعنى أيّ تقول أَزَيْدٌ في الدار أَمْ عَمرو والمعنى
أَيُّهما فيها، والثاني أَن تكون مُنْقَطِعة مما قبلها خَبراً كان أو
استفهاماً، تقول في الخَبَر: إنها لإِبلٌ أَمْ شاءٌ يا فتى، وذلك إذا نَظَرْت
إلى شَخْص فَتَوَهَّمته إبِلاً فقلت ما سبق إليك، ثم أَدْرَكك الظنُّ
أَنه شاءٌ فانصَرَفْت عن الأَوَّل فقلت أَمْ شاءٌ بمعنى بَلْ لأَنه إضْرابٌ
عمَّا كان قبله، إلاَّ أَنَّ ما يَقَع بعد بَلْ يَقِين وما بَعْد أَمْ
مَظْنون، قال ابن بري عند قوله فقلت أمْ شاءٌ بمعنى بَلْ لأَنه إِضْراب عما
كان قبله: صَوابُه أَنْ يَقول بمعنى بل أَهِيَ شاءٌ، فيأْتي بأَلِف
الاستفهام التي وَقَع بها الشكُّ، قال: وتَقول في الاستفهام هل زيد
مُنْطَلِق أمْ عَمرو يا فَتى؟ إنما أَضْرَبْت عن سُؤالك عن انْطِلاق زيدٍ
وجعَلْته عن عَمرو، فأَمْ معها ظنٌّ واستفهام وإضْراب؛ وأَنشد الأخفش
للأخطل:كَذَبَتْك عَينُكَ أَمْ رأَيت بِواسِطٍ
غَلَسَ الظَّلام، من الرَّبابِ، خَيالا؟
وقال في قوله تعالى: أَمْ يَقولون افْتراه؛ وهذا لم يكن أَصلهُ
استفهاماً، وليس قوله أَمْ يَقولون افْتَراهُ شكّاً، ولكنَّه قال هذا لِتَقبيح
صَنيعِهم، ثم قال: بل هو الحَقُّ من رَبِّك، كأَنه أَراد أَن يُنَبِّه على
ما قالوه نحو قولك للرجل: الخَيرُ أَحَبُّ إليك أمِ الشرُّ؟ وأَنتَ
تَعْلَم أنه يقول الخير ولكن أَردت أن تُقَبِّح عنده ما صنَع، قاله ابن بري.
ومثله قوله عز وجل: أمِ اتَّخَذ ممَّا يَخْلق بَناتٍ، وقد عَلِم النبيُّ،
صلى الله عليه وسلم، والمسلمون، رضي الله عنهم، أنه تعالى وتقدّس لم
يَتَّخِذ وَلَداً سبحانه وإنما قال ذلك لِيُبَصِّرهم ضَلالَتَهم، قال:
وتَدْخُل أَمْ على هلْ تقول أَمْ هلْ عندك عمرو؛ وقال عَلْقمة ابن
عَبَدة:أَمْ هلْ كَبيرٌ بَكَى لم يَقْضِ عَبْرَتَه،
إثْرَ الأَحبَّةِ، يَوْمَ البَيْنِ، مَشْكُومُ؟
قال ابن بري: أمْ هنا مُنْقَطِعة، واستَأْنَف السُّؤال بها فأَدْخَلها
على هلْ لتَقَدُّم هلْ في البيت قبله؛ وهو:
هلْ ما عَلِمْت وما اسْتودِعْت مَكْتوم
ثم استأْنف السؤال بِأَمْ فقال: أَمْ هلْ كَبير؛ ومثله قول الجَحَّاف بن
حكيم:
أَبا مالِكٍ، هلْ لُمْتَني مُذْ حَصَضَتَنِي
على القَتْل أَمْ هلْ لامَني منكَ لائِمُ؟
قال: إلاّ أَنه متى دَخَلَتْ أَمْ على هلْ بَطَل منها معنى الاستفهام،
وإنما دَخَلتْ أَم على هلْ لأَنها لِخُروجٍ من كلام إلى كلام، فلهذا
السَّبَب دخلتْ على هلْ فقلْت أَمْ هلْ ولم تَقُل أَهَلْ، قال: ولا تَدْخُل
أَم على الأَلِف، لا تَقول أَعِنْدك زيد أَمْ أَعِنْدك عَمْرو، لأن أصل ما
وُضِع للاستفهام حَرْفان: أَحدُهما الألفُ ولا تَقع إلى في أَوَّل
الكلام، والثاني أمْ ولا تقع إلا في وَسَط الكلام، وهلْ إنما أُقيمُ مُقام
الألف في الاستفهام فقط، ولذلك لم يَقَع في كل مَواقِع الأَصْل.
عوض: العِوَضُ: البَدَلُ؛ قال ابن سيده: وبينهما فَرْقٌ لا يليق ذكره في
هذا المكان، والجمع أَعْواضٌ، عاضَه منه وبه. والعَوْضُ: مصدر قولك
عاضَه عَوْضاً وعِياضاً ومَعُوضةً وعَوَّضَه وأَعاضَه؛ عن ابن جني. وعاوَضَه،
والاسم المَعُوضةُ. وفي حديث أَبي هريرة: فلما أَحل اللّه ذلك للمسلمين،
يعني الجزية، عرفوا أَنه قد عاضَهم أَفضل مما خافُوا. تقول: عُضْتُ
فلاناً وأَعَضْتُه وعَوَّضْتُه إِذا أَعطيته بدل ما ذهب منه، وقد تكرر في
الحديث. والمستقبل التعويض
(* قوله «والمستقبل التعويض» كذا بالأصل.).
وتَعَوَّضَ منه، واعْتاضَ: أَخذ العِوَضَ، واعْتاضَه منه واسْتَعاضَه
وتَعَوَّضَه، كلُّه: سأَلَه العِوَضَ. وتقول: اعْتاضَني فلان إِذا جاء طالباً
للعوض والصِّلة، واستعاضني كذلك؛ وأَنشد:
نِعْمَ الفَتى ومَرْغَبُ المُعْتاضِ،
واللّهُ يَجْزِي القَِرِْضَ بالاقْراضِ
وعاضَه: أَصاب منه العِوَضَ. وعُضْتُ: أَصَبْتُ عِوَضاً؛ قال أَبو محمد
الفقعسي:
هل لكِ، والعارِضُ مِنْكِ عائِضُ،
في هَجْمةٍ يُسْئِرُ منها القابِضُ؟
ويروى: في مائة، ويروى: يُغْدِرُ أَي يُخَلِّفُ. يقال: غَدَرَتِ الناقةُ
إِذا تَخَلَّفَتْ عن الإِبل، وأَغْدَرَها الراعي. والقابض: السائق
الشديد السوق. قال الأَزهري: أَي هل لك في العارِضِ منك على الفضل في مائة
يُسْئِرُ منها القابض؟ قال: هذا رجل خطب امرأَة فقال أُعطيك مائة من الإِبل
يَدَعُ منها الذي يقبضها من كثرتها، يدع بعضها فلا يطيق شَلَّها، وأَنا
مُعارِضُك أُعطي الإِبل وآخُذُ نفسَكِ فأَنا عائض أَي قد صار العوض منك
كله لي؛ قال الأَزهري: قوله عائض من عِضْتُ أَي أَخذت عوضاً، قال: لم
أَسمعه لغير الليث. وعائضٌ من عاضَ يَعوض إِذا أَعطى، والمعنى هل لك في هجمة
أَتزوّجك عليها. والعارضُ منكِ: المُعْطي عِوَضاً، عائِضٌ أَي مُعَوِّضٌ
عِوَضاً تَرْضَيْنَه وهو الهجمة من الإِبل، وقيل: عائض في هذا البيت فاعل
بمعنى مفعول مثل عيشة راضِية بمعنى مَرْضِيَّة. وتقول: عَوَّضْتُه من
هِبَتِه خيراً. وعاوَضْتُ فلاناً بعوض في المبيع والأَخذ والإِعطاء، تقول:
اعْتَضْتُه كما تقول أَعطيته، وتقول: تعاوَضَ القومُ تعاوُضاً أَي ثابَ
مالُهم وحالُهم بعد قِلَّةٍ.
وعَوْض يبنى على الحركات الثلاث: الدَّهْر، معرفة، علم بغير تنوين،
والنصب أَكثر وأَفشَى؛ وقال الأَزهري: تفتح وتضم، ولم يذكر الحركة الثالثة.
وحكي عن الكسائي عوضُ، بضم الضاد غير منون، دَهْرٌ، قال الجوهري: عَوْضُ
معناه الأَبد وهو للمستقبل من الزمان كما أَنَّ قَطّ للماضي من الزمان
لأَنك تقول عوض لا أُفارقك، تريد لا أُفارقك أَبداً، كما تقول قطّ ما
فارقتك، ولا يجوز أَن تقول عوض ما فارقتك كما لا يجوز أَن تقول قطّ ما أُفارقك.
قال ابن كيسان: قط وعوض حرفان مبنيان على الضم، قط لما مضى من الزمان
وعوض لما يستقبل، تقول: ما رأَيته قطّ يا فتى، ولا أُكلمك عوض يا فتى؛
وأَنشد الأَعشى، رحمه اللّه تعالى:
رضِيعَيْ لِبانٍ ثَدْيَ أُمٍّ تَحالَفا
بأَسْحَمَ داجٍ، عَوْضَ لا نَتَفرَّقُ
أَي لا نتفرق أَبدأً، وقيل: هو بمعنى قَسَم. يقال: عَوْض لا أَفْعَله،
يحلف بالدهر والزمان. وقال أَبو زيد: عوض في بيت الأَعشى أَي أَبداً، قال:
وأَراد بأَسْحَمَ داجٍ الليل، وقيل: أَراد بأَسْحم داج سواد حَلَمَةِ
ثدي أُمه، وقيل: أَراد بالأَسحم هنا الرَّحِمَ، وقيل: سواد الحلمة؛ يقول:
هو والنَّدَى رضَعا من ثدي واحد؛ وقال ابن الكلبي: عَوْض في بيت الأَعشى
اسم صنم كان لبكر بن وائل؛ وأَنشد لرُشَيْدِ بن رُمَيْضٍ العنزي:
حَلَفْتُ بمائراتٍ حَوْلَ عَوْضٍ
وأَنْصابٍ تُرِكْنَ لدَى السَّعِيرِ
قال: والسعِيرُ اسم صنم لعنزةَ خاصَّة، وقيل: عوض كلمة تجري مجرى
اليمين. ومن كلامهم: لا أَفْعَلُهُ عَوْضَ العائضينَ ولا دَهْرَ الدَّاهِرينَ
أَي لا أَفعله أَبداً. قال: ويقال ما رأَيت مثله عَوْض أَي لم أَرَ مثله
قَط؛ وأَنشد:
فَلَمْ أَرَ عاماً عَوْضُ أَكْثَرَ هالِكاً،
ووَجْهَ غُلامٍ يُشْتَرَى وغُلامَهْ
ويقال: عاهَدَه أَن لا يُفارِقَه عَوْضُ أَي أَبداً. ويقول الرجل
لصاحبه: عوض لا يكون ذلك أَبداً، فلو كان عوض اسماً للزمان إِذاً لجرى
بالتنوين، ولكنه حرف يراد به القسم كما أَن أَجَلْ ونحوها مما لم يتمكن في
التصريف حُمِلَ على غير الإِعراب. وقولهم: لا أَفعلُه من ذي عوضِ أَي أَبداً
كما تقول من ذي قبْلُ ومن ذي أُنُفٍ أَي فيما يُسْتَقْبَلُ، أَضاف الدهر
إِلى نفسه. قال ابن جني: ينبغي أَن تعلم أَنَّ العِوَضَ من لفظ عَوْضُ الذي
هو الدهر، ومعناه أَن الدهر إِنما هو مرور النهار والليل والتقاؤُهما
وتَصَرُّمُ أَجزائهما، وكلَّما مضَى جزء منه خلفه جزء آخر يكون عوَضاً منه،
فالوقت الكائن الثاني غير الوقت الماضي الأَوّل، قال: فلهذا كان
العِوَضُ أَشدّ مخالفة للمُعَوَّضِ منه من البدل؛ قال ابن بري: شاهد عوضُ،
بالضم، قول جابر بن رَأْلانَ السِّنْبسِيّ:
يَرْضَى الخَلِيطُ ويَرْضَى الجارُ مَنْزِلَه،
ولا يُرَى عَوْضُ صَلْدا يَرْصُدُ العَلَلا
قال: وهذا البيت مع غيره في الحماسة. وعَوْضُ: صنم. وبنو عَوْضٍ: قبيلة.
وعياضٌ: اسم رجل، وكله راجع إِلى معنى العِوَضِ الذي هو الخلَفُ. قال
ابن جني في عياض اسم رجل: إِنما أَصله مصدر عُضْتُه أَي أَعطيته. وقال ابن
بري في ترجمة عوص: عَوْصٌ: قبيلة، وعَوْضٌ، بالضاد، قبيلة من العرب؛ قال
تأَبط شرّاً:
ولَمَّا سَمِعْتُ العَوْضَ تَدْعُو، تَنَفَّرَتْ
عَصافِيرُ رأْسي مِنْ نَوىً وتَوانِيا