للشيخ: رضي الدين (للشيخ الرضي، هو: الشريف، الرضي، أبو الحسن: محمد بن أبي أحمد الحسين بن موسى الموسوي، العلوي، البغدادي.
المتوفى: سنة 406).
عجز: العَجْزُ: نقيض الحَزْم، عَجَز عن الأَمر يَعْجِزُ وعَجِزَ عَجْزاً
فيهما؛ ورجل عَجِزٌ وعَجُزٌ: عاجِزٌ. ومَرَةٌ عاجِزٌ: عاجِزَةٌ عن
الشيء؛ عن ابن الأَعرابي. وعَجَّز فلانٌ رَأْيَ فلان إِذا نسبه إِلى خلاف
الحَزْم كأَنه نسبه إِلى العَجْز. ويقال: أَعْجَزْتُ فلاناً إِذا أَلفَيْتَه
عاجِزاً. والــمَعْجِزَــةُ والــمَعْجَزَــة: العَجْزُ. قال سيبويه: هو
الــمَعْجِزُ والــمَعْجَزُ، بالكسر على النادر والفتح على القياس لأَنه مصدر.
والعَجْزُ: الضعف، تقول: عَجَزْتُ عن كذا أَعْجِز. وفي حديث عمر: ولا تُلِثُّوا
بدار مَعْجِزَــة أَي لا تقيموا ببلدة تَعْجِزُون فيها عن الاكتساب
والتعيش، وقيل بالثَّغْر مع العيال. والــمَعْجِزَــةُ، بفتح الجيم وكسرها، مفعلة
من العَجْز: عدم القدرة. وفي الحديث: كلُّ شيءٍ بِقَدَرٍ حتى العَجْزُ
والكَيْسُ، وقيل: أَراد بالعَجْز ترك ما يُحبُّ فعله بالتَّسويف وهو عامّ في
أُمور الدنيا والدين. وفي حديث الجنة: ما لي لا يَدْخُلُني إِلاَّ
سَقَطُ الناس وعَجَزُهُم؛ جمع عاجِزٍ كخادِمٍ وخَدَم، يريد الأَغْبِياءَ
العاجِزِين في أُمور الدنيا. وفحل عَجِيزٌ: عاجز عن الضِّراب كعَجِيسٍ؛ قال
ابن دُرَيْد: فحل عَجِيزٌ وعَجِيسٌ إِذا عَجَز عن الضِّراب؛ قال الأَزهري
وقال أَبو عبيد في باب العنين: هو العَجِيز، بالراء، الذي لا يأْتي
النساء؛ قال الأَزهري: وهذا هو الصحيح، وقال الجوهري: العَجِيز الذي لا يأْتي
النساء، بالزاي والراء جميعاً. وأَعْجَزَه الشيءُ: عَجَزَ عنه.
والتَّعْجِيزُ: التَّثْبِيط، وكذلك إِذا نسبته إِلى العَجْز. وعَجَّزَ
الرجلُ وعاجَزَ: ذهب فلم يُوصَل إِليه. وقوله تعالى في سورة سبأ: والذين
سَعَوْا في آياتنا مُعاجِزِين؛ قال الزجاج: معناه ظانِّين أَنهم
يُعْجِزُوننا لأَنهم ظنوا أَنهم لا يُبعثون وأَنه لا جنة ولا نار، وقيل في
التفسير: مُعاجزين معاندين وهو راجع إِلى الأَوّل، وقرئت مُعَجِّزين، وتأْويلها
أَنهم يُعَجِّزُون من اتبع النبي، صلى الله عليه وسلم، ويُثَبِّطُونهم
عنه وعن الإِيمان بالآيات وقد أَعْجَزهم. وفي التنزيل العزيز: وما أَنتم
بــمُعْجِزِــين في الأَرض ولا في السماء؛ قال الفاء: يقول القائل كيف وصفهم
بأَنهم لا يُعْجِزُونَ في الأَرض ولا في السماء وليسوا في أَهل السماء؟
فالمعنى ما أَنتم بــمُعْجِزِــينَ في الأَرض ولا من في السماء بــمُعْجِزٍ، وقال
أَبو إِسحق: معناه، والله أَعلم، ما أَنتم بــمُعْجِزِــين في الأَرض ولا لو
كنتم في السماء، وقال الأَخفش: معناه ما أَنتم بــمُعْجِزِــين في الأَرض
ولا في السماء أَي لا تُعْجِزُوننا هَرَباً في الأَرض ولا في السماء، قال
الأَزهري: وقول الفراء أَشهر في المعنى ولو كان قال: ولا أَنتم لو كنتم في
السماء بــمُعْجِزِــينَ لكان جائزاً، ومعنى الإِعْجاز الفَوْتُ والسَّبْقُ،
يقال: أَعْجَزَني فلان أَي فاتني؛ ومنه قول الأَعشى:
فَذاكَ ولم يُعْجِزْ من الموتِ رَبَّه،
ولكن أَتاه الموتُ لا يَتَأَبَّقُ
وقال الليث: أَعْجَزَني فلان إِذا عَجَزْتَ عن طلبه وإِدراكه. وقال ابن
عرفة في قوله تعالى مُعاجِزِينَ أَي يُعاجِزُون الأَنبياءَ وأَولياءَ
الله أَي يقاتلونهم ويُمانِعُونهم ليُصَيِّروهم إِلى العَجْزِ عن أَمر الله،
وليس يَعْجِزُ اللهَ، جل ثناؤه، خَلْقٌ في السماء ولا في الأَرض ولا
مَلْجَأَ منه إِلا إِليه؛ وقال أَبو جُنْدب الهذلي:
جعلتُ عُزَانَ خَلْفَهُم دَلِيلاً،
وفاتُوا في الحجازِ ليُعْجِزُوني
(* قوله« عزان» هو هكذا بضبط الأصل. وقوله «فاتوا في الحجاز» كذا بالأصل
هنا، والذي تقدم في مادة ح ج ز: وفروا بالحجاز.)
وقد يكون أَيضاً من العَجْز. ويقال: عَجَزَ يَعْجِزُ عن الأَمر إِذا
قَصَرَ عنه. وعاجَزَ إلى ثِقَةٍ: مالَ إليه. وعاجَزَ القومُ: تركوا شيئاً
وأَخذوا في غيره. ويقال: فلان يُعاجِزُ عن الحق إلى الباطل أَي يلجأُ إليه.
ويقال: هو يُكارِزُ إلى ثقة مُكارَزَةً إذا مال إليه.
والــمُعْجِزَــةُ: واحدة مُعْجِزات الأَنبياء، عليهم السلام. وأَعْجاز
الأُمور: أَواخِرُها. وعَجْزُ الشيء وعِجْزُه وعُجْزُه وعَجُزُه وعَجِزُه:
آخره، يذكر ويؤنث؛ قال أَبو خِراش يصف عُقاباً:
بَهِسيماً ، غيرَ أَنَّ العَجْزَ منها
تَخالُ سَرَاتَه لَبَناً حَلِيبا
وقال اللحياني: هي مؤنثة فقط. والعَجُز: ما بعد الظهر منه، وجميع تلك
اللغات تذكر وتؤنث، والجمع أَعجاز، لا يُكَسَّر على غير ذلك. وحكى
اللحياني: إِنها لعظيمة الأَعْجاز كأَنهم جعلوا كل جزء منه عَجُزاً، ثم جمعوا على
ذلك. وفي كلام بعض الحكماء: لا تُدَبِّرُوا أَعْجازَ أُمور قد وَلَّت
صُدورُها؛ جمع عَجُزٍ وهو مؤخر الشيء، يريد بها أَواخر الأُمور وصدورها؛
يقول: إِذا فاتَكَ أَمرٌ فلا تُتْبِعه نفسَك متحسراً على ما فات وتَعَزَّ
عنه متوكلاً على الله عز وجل؛ قال ابن الأَثير: يُحَرِّض على تَدَبُّر
عواقب الأُمور قبل الدخول فيها ولا تُتْبَع عند تَوَلِّيها وفواتها.
والعَجُزُ في العَرُوض: حذفك نون «فاعلاتن» لمعاقبتها أَلف«فاعلن» هكذا عبر
الخليل عنه ففسر الجَوْهر الذي هو العَجُز بالعَرَض الذي هو الحذف وذلك تقريب
منه، وإِنما الحقيقة أَن تقول العَجُز النون المحذوفة من «فاعلاتن»
لمعاقبة أَلف «فاعلن» أَو تقول التَّعْجيز حذف نون« فاعلاتن» لمعاقبة أَلف«
فاعلن» وهذا كله إِنما هو في المديد. وعَجُز بيت الشعر: خلاف صدره.
وعَجَّز الشاعرُ: جاء بعَجُز البيت. وفي الخبر: أَن الكُمَيْت لما افتتح قصيدته
التي أَولها:
أَلا حُيِّيتِ عَنَّا يا مَدِينا
أَقام بُرْهة لا يدري بما يُعَجِّز على هذا الصدر إِلى أَن دخل حمَّاماً
وسمع إِنساناً دخله، فسَلَّم على آخر فيه فأَنكر ذلك عليه فانتصر بعض
الحاضرين له فقال: وهل بأْسٌ بقول المُسَلِّمِينَ؟ فاهْتَبلَها الكُمَيْتُ
فقال:
وهل بأْسٌ بقول مُسَلِّمِينا؟
وأَيامُ العَجُوز عند العرب خمسة أَيام: صِنّ وصِنَّبْر وأُخَيُّهُما
وَبْرٌ ومُطْفِئُ الجَمْر ومُكْفِئُ الظَّعْن؛ قال ابن كُناسَة: هي من
نَوْءِ الصَّرْفَة، وقال أَبو الغَوْث: هي سبعة أَيام؛ وأَنشد لابن
أَحمر:كُسِعَ الشِّتاءُ بِسَبْعَةٍ غُبْرِ،
أَيَّامِ شَهْلَتِنا من الشَّهْرِ
فإِذا انْقَضَتْ أَيَّامُها، ومَضتْ
صِنٌّ وصِنِّبْرٌ مع الوَبْرِ،
وبآمِرٍ وأَخيه مُؤْتَمِرٍ،
ومُعَلِّلٍ وبِمُطْفِئِ الجَمْرِ
ذهبَ الشِّتاء مُوَلِّياً عَجِلاً،
وأَتَتْكَ واقِدَةٌ من النَّجْرِ
قال ابن بري: هذه الأَبيات ليست لابن أَحمر وإِنما هي لأَبي شِبْلٍ
الأَعرابي؛ كذا ذكره ثعلب عن ابن الأَعرابي.
وعَجِيزَةُ المرأَة: عَجُزُها، ولا يقال للرجل إِلا على التشبيه،
والعَجُزُ لهما جميعاً. ورجل أَعْجَزُ وامرأَة عَجْزاءُ ومُعَجِّزَــة: عظيما
العَجِيزَةِ، وقيل: لا يوصف به الرجلُ. وعَجِزَت المرأَة تَعْجَزُ عَجَزاً
وعُجْزاً، بالضم: عَظُمَتْ عَجِيزَتُها، والجمع عَجِيزاتٌ، ولا يقولون
عَجائِز مخافة الالتباس. وعَجُزُ الرجل: مؤَخَّره، وجمعه الأَعْجاز، ويصلح
للرجل والمرأَة، وأَما العَجِيزَةُ فعَجِيزَة المرأَة خاصة. وفي حديث
البراء، رضي الله عنه: أَنه رفع عَجِيزَته في السجود؛ قال ابن الأَثير:
العَجِيزَة العَجُز وهي للمرأَة خاصة فاستعارها للرجل. قال ثعلب: سمعت ابن
الأَعرابي يقول: لا يقال عَجِزَ الرجلُ، بالكسر، إِلا إِذا عظم عَجُزُه.
والعَجْزاء: التي عَرُض بطنُها وثَقُلَت مَأْكَمَتُها فعظم عَجُزها؛
قال:هَيْفاءُ مُقْبِلَةً عَجْزاءُ مُدْبِرَةً
تَمَّتْ، فليس يُرَى في خَلْقِها أَوَدُ
وتَعَجَّزَ البعيرَ: ركِبَ عَجُزَه. وروي عن علي، رضي الله عنه، أَنه
قال: لنا حقٌّ إِن نُعْطَهُ نأْخذه وإِن نُمْنَعْه نركب أَعْجازَ الإِب
وإِن طال السُّرى؛ أَعْجاز الإِبل: مآخيرها والركوب عليها شاقّ؛ معناه إِن
مُنِعْنا حقنا ركبنا مَرْكَب المشقة صابرين عليه وإِن طال الأَمَدُ ولم
نَضْجَر منه مُخِلِّين بحقنا؛ قال الأَزهري: لم يرد عليٌّ، رضي الله عنه،
بقوله هذا ركوبَ المشقة ولكنه ضرب أَعْجاز الإِبل مثلاً لتقدم غيره عليه
وتأْخيره إِياه عن حقه، وزاد ابن الأَثير: عن حقه الذي كان يراه له وتقدّم
غيره وأَنه يصبر على ذلك، وإِن طال أَمَدُه، فيقول: إِن قُدِّمْنا
للإِمامة تقدّمنا، وإِن مُنِعْنا حقنا منها وأُخِّرْنا عنها صبرنا على
الأُثْرَة علينا، وإِن طالت الأَيام؛ قال ابن الأَثير: وقيل يجوز أَن يريد وإِن
نُمْنَعْه نَبْذُل الجهد في طلبه، فِعْلَ مَنْ يضرب في ابتغاء طَلِبَتِه
أَكبادَ الإِبل، ولا نبالي باحتمال طول السُّرى، قال: والوجه ما تقدم
لأنه سَلَّم وصبر على التأَخر ولم يقاتل، وإِنما قاتل بعد انعقاد الإِمامة
له.
وقال رجل من ربيعة بن مالك: إِن الحق بِقَبَلٍ، فمن تعدّاه ظلَم، ومن
قَصَّر عنه عَجَزَ، ومن انتهى إِليه اكتفى؛ قال: لا أَقول عَجِزَ إِلاَّ من
العَجِيزَة، ومن العَجْز عَجَز. وقوله بِقَبَلٍ أَي واضحٌ لك حيث تراه،
وهو مثل قولهم إِن الحق عاري
(* قوله« عاري» هكذا هو في الأصل.) وعُقاب
عَجْزاءُ: بمؤخرها بياض أَو لون مخالف، وقيل: هي التي في ذَنَبها مَسْح
أَي نقص وقصر كما قيل للذنَب أَزَلُّ، وقيل: هي التي ذنبها ريشة بيضاء أَو
ريشتان، وقيل: هي الشديدة الدائرة؛ قال الأَعشى:
وكأَنّما تَبِعَ الصِّوارُ، بِشَخْصِها،
عَجْزاءَ تَرْزُقُ بالسُّلَيِّ عِيالَها
والعَجَزُ: داء يأْخذ الدواب في أَعْجازِها فتثقل لذلك، الذكر أَعْجَزُ
والأُنثى عَجْزاءُ.
والعِجازَة والإِعْجازَة: ما تُعَظِّم به المرأَةُ عَجِيزَتَها، وهي شيء
شبيه بالوسادة تشده المرأَة على عَجُزِها لِتُحْسَبَ أَنها عَجْزاءُ.
والعِجْزَةُ وابن العِجْزَةِ: آخر ولد الشيخ، وفي الصحاح: العِجْزَةُ،
بالكسر، آخرُ ولد الرجل. وعِجْزَةُ الرجل: آخر ولد يولد له؛ قال:
واسْتَبْصَرَتْ في الحَيِّ أَحْوى أَمْرَدا،
عَجِزَةَ شَيْخَينِ يُسَمَّى مَعْبَدا
يقال: فلان عِجْزَةُ ولد أَبويه أَي آخرهم، وكذلك كِبْرَةُ ولد أَبويه،
والمذكر والمؤنث والجمع والواحد في ذلك سواء. ويقال: وُلِدَ لِعِجْزَةٍ
أَي بعدما كَبِر أَبواه.
والعِجازَةُ: دائرة الطائر، وهي الأُصبع المتأَخرة.
وعَجُزُ هَوازِنَ: بنو نَصْر بن معاوية وبنو جُشَمِ ابن بكر كأَنه
آخرهم.وعِجْزُ القوس وعَجْزها ومَعْجِزُــها: مَقْبِضها؛ حكاه يعقوب في المبدل،
ذهب إِلى أَن زايه بدل من سينه، وقال أَبو حنيفة: هو العِجْز ولا يقال
مَعْجِز، وقد حكيناه نحن عن يعقوب. وعَجْز السكين: جُزْأَتُها؛ عن أَبي
عبيد.
والعَجُوز والعَجُوزة من النساء: الشَّيْخَة الهَرِمة؛ الأَخيرة قليلة،
والجمع عُجُز وعُجْز وعَجائز، وقد عَجَزَت تَعْجُزْ عَجْزاً وعُجوزاً
وعَجَّزَتْ تُعَجِّزُ تَعْجِيزاً: صارت عَجُوزاً، وهي مُعَجِّز، والاسم
العُجْز. وقال يونس: امرأَة مُعَجِّزة طعنت في السن، وبعضهم يقول: عَجَزَت،
بالتخفيف. قال الأَزهري: والعرب تقول لامرأَة الرجل وإِن كانت شابة: هي
عَجُوزُهُ، وللزوج وإِن كان حَدَثاً: هو شَيْخُها، وقال: قلت لامرأَة من
العرب: حالبي زوجكِ، فَتَذَمَّرَتْ وقالت: هلا قلتَ حالبي شَيْخَكِ؟ ويقال
للرجل عَجُوز وللمرأَة عَجُوز. ويقال: اتَّقِي الله في شَبِيبَتِكِ
وعُجْزِك أَي بعدما تصيرين عَجُوزاً. قال ابن السكيت: ولا تقل عَجُوزَة
والعامة تقوله. وفي الحديث: إِن الجنة لا يدخلها العُجُز؛ وفيه: إِياكم
والعُجُزَ العُقُرَ؛ قال ابن الأَثير: العُجُز جمع عَجُوز وعَجُوزة، وهي المرأَة
الكبيرة المسنَّة، والعُقُر جمع عاقِرٍ، وهي التي لا تلد. ونَوى
العَجُوزِ: ضرب من النَّوَى هَشٌّ تأْكله العَجُوزُ لِلينِه كما قالوا نَوى
العَقُوقِ، وقد تقدّم. والعَجُوز: الخمر لقدمها؛ قال الشاعر:
لَيْتَهُ جامُ فِضَّةٍ من هَدايا
هُ، سِوى ما به الأَمِيرُ مُجِيزِي
إِنما أَبْتَغِيهِ للعَسَلِ المَمْـ
ـزُوجِ بالماءِ، لا لِشُرْبِ العَجُوزِ
وفي التهذيب: يقال للخمر إِذا عَتَقَتْ عَجُوز. والعَجُوز: القِبْلة.
والعَجُوز: البقرة. والعَجُوز: نَصْل السيف؛ قال أَبو المِقْدام:
وعَجُوز رأَيتُ في فَمِ كَلْبٍ،
جُعِلَ الكلبُ للأَمِيرِ حَمالا
الكلبُ: ما فوق النصل من جانبيه، حديداً كان أَو فضة، وقيل: الكلب مسمار
في قائم السيف، وقيل: هو ذُؤابَتُه. ابن الأَعرابي: الكلب مسمار مَقْبِض
السيف، قال: ومعه الآخر يقال له العَجُوز.
والعَجْزاءُ: حَبْل من الرمل مُنْبِت، وفي التهذيب: العَجْزاءُ من
الرمال حَبْل مرتفع كأَنه جَلَدٌ ليس بِرُكام رمل وهو مَكْرُمَة للنبت،،
والجمع العُجْز لأَنه نعت لتلك الرملة. والعَجُوز: رملة بالدَّهْناء؛ قال يصف
داراً:
على ظَهْرِ جَرْعاءِ العَجُوزِ، كأَنها
دَوائرُ رَقْمٍ في سَراةِ قِرامِ
ورجل مَعْجُوزٌ ومَشْفُوهٌ ومَعْرُوكٌ ومَنْكُودٌ إِذا أُلِحَّ عليه في
المسأَلة؛ عن ابن الأَعرابي.
والعَجْزُ: طائر يضرب إِلى الصُّفرة يُشْبه صوتُه نُباح الكلب الصغير
يأْخذ السَّخْلَة فيطير بها ويحتمل الصبي الذي له سبع سنين، وقيل:
الزُّمَّجُ، وجمعه عِجْزان.
وفي الحديث: أَنه قَدِمَ على النبي، صلى الله عليه وسلم، صاحبُ كِسْرى
فوهب له مِعْجَزَــةً فسُمِّيَ ذا الــمِعْجَزَــة، هي بكسر الميم، المِنْطَقَة
بلغة اليمن؛ قال: وسميت بذلك لأَنها تلي عَجُزَ المُتَنَطِّق بها، والله
أَعلم.
أمم: الأمُّ، بالفتح: القَصْد. أَمَّهُ يَؤُمُّه أَمّاً إِذا قَصَدَه؛
وأَمَّمهُ وأْتَمَّهُ وتَأَمَّمَهُ ويَنمَّه وتَيَمَّمَهُ، الأَخيراتان
على البَدل؛ قال:
فلم أَنْكُلْ ولم أَجْبُنْ، ولكنْ
يَمَمْتُ بها أَبا صَخْرِ بنَ عَمرو
ويَمَّمْتُه: قَصَدْته؛ قال رؤبة:
أَزْهَر لم يُولَدْ بنَجْم الشُّحِّ،
مُيَمَّم البَيْت كَرِيم السِّنْحِ
(* قوله «أزهر إلخ» تقدم في مادة سنح على غير هذا الوجه).
وتَيَمَّمْتُهُ: قَصَدْته. وفي حديث ابن عمر: مَن كانت فَتْرَتُهُ إِلى
سُنَّةٍ فَلأَمٍّ ما هو أَي قَصْدِ الطريق المُسْتقيم. يقال: أَمَّه
يَؤمُّه أَمّاً، وتأَمَّمَهُ وتَيَمَّمَه. قال: ويحتمل أَن يكون الأَمُّ
أُقِيم مَقام المَأْمُوم أَي هو على طريق ينبغي أَن يُقْصد، وإِن كانت
الرواية بضم الهمزة، فإِنه يرجع إِلى أَصله
(* قوله «إلى أصله إلخ» هكذا في
الأصل وبعض نسخ النهاية وفي بعضها إلى ما هو بمعناه باسقاط لفظ أصله). ما هو
بمعناه؛ ومنه الحديث: كانوا يَتَأَمَّمُون شِرارَ ثِمارِهم في الصدَقة
أَي يَتَعَمَّدون ويَقْصِدون، ويروى يَتَيَمَّمون، وهو بمعناه؛ ومنه حديث
كعب بن مالك: وانْطَلَقْت أَتَأَمَّمُ رسول الله، صلى الله عليه وسلم،
وفي حديث كعب بن مالك: فتَيمَّمت بها التَّنُّور أَي قَصَدت. وفي حديث كعب
بن مالك: ثم يُؤمَرُ بأَمِّ الباب على أَهْلِ
النار فلا يخرج منهم غَمٌّ أَبداً أَي يُقْصَد إِليه فَيُسَدُّ عليهم.
وتَيَمَّمْت الصَّعيد للصلاة، وأَصلُه التَّعَمُّد والتَّوَخِّي، من قولهم
تَيَمَّمْتُك وتَأَمَّمْتُك. قال ابن السكيت: قوله: فَتَيَمَّمُوا
صعِيداً طيِّباً، أَي اقْصِدوا لصَعِيد طيِّب، ثم كَثُر استعمالُهم لهذه
الكلِمة حتى صار التَّيَمُّم اسماً علَماً لِمَسْح الوَجْه واليَدَيْن
بالتُّراب. ابن سيده:والتَّيَمُّم التَّوَضُّؤ بالتُّراب على البَدل، وأَصْله من
الأَول لأَنه يقصِد التُّراب فيَتَمَسَّحُ به. ابن السكيت: يقال
أَمَمْتُه أَمًّا وتَيَمَّمته تَيَمُّماً وتَيَمَّمْتُه يَمامَةً، قال: ولا يعرف
الأَصمعي أَمَّمْتُه، بالتشديد، قال: ويقال أَمَمْتُه وأَمَّمْتُه
وتَأَمَّمْتُه وتَيَمَّمْتُه بمعنى واحد أَي تَوَخَّيْتُه وقَصَدْته. قال:
والتَّيَمُّمُ بالصَّعِيد مأْخُوذ من هذا، وصار التيمم عند عَوامّ الناس
التَّمَسُّح بالتراب، والأَصلُ فيه القَصْد والتَّوَخِّي؛ قال الأَعشى:
تَيَمَّمْتُ قَيْساً وكم دُونَه،
من الأَرض، من مَهْمَهٍ ذي شزَنْ
وقال اللحياني: يقال أَمُّو ويَمُّوا بمعنى واحد، ثم ذكَر سائر اللغات.
ويَمَّمْتُ
المَرِيضَ فَتَيَمَّم للصلاة؛ وذكر الجوهري أَكثر ذلك في ترجمة يمم
بالياء. ويَمَّمْتُه بِرُمْحي تَيْمِيماً أَي تَوَخَّيْتُه وقَصَدْته دون مَن
سواه؛ قال عامر بن مالك مُلاعِب الأَسِنَّة:
يَمَّمْتُه الرُّمْح صَدْراً ثم قلت له:
هَذِي المُرُوءةُ لا لِعْب الزَّحالِيقِ
وقال ابن بري في ترجمة يَمم: واليَمامة القَصْد؛ قال المرَّار:
إِذا خَفَّ ماءُ المُزْن عنها، تَيَمَّمَتْ
يَمامَتَها، أَيَّ العِدادِ تَرُومُ
وجَمَلٌ مِئمٌّ: دَلِيلٌ هادٍ، وناقة مِئَمَّةٌ كذلك، وكلُّه من القَصْد
لأَن الدَّليلَ الهادي قاصدٌ.
والإِمَّةُ: الحالةُ، والإِمَّة والأُمَّةُ: الشِّرعة والدِّين. وفي
التنزيل العزيز: إِنَّا وجَدْنا آباءَنا على أُمَّةٍ؛ قاله اللحياني، وروي
عن مجاهد وعمر بن عبد العزيز: على إِمَّةٍ. قال الفراء: قرئ إِنَّا
وَجَدْنا آباءَنا على أُمَّةٍ، وهي مثل السُّنَّة، وقرئ على إِمَّةٍ، وهي
الطريقة من أَمَمْت. يقال: ما أَحسن إِمَّتَهُ، قال: والإِمَّةُ أيضاً
النَّعِيمُ والمُلك؛ وأَنشد لعديّ بن زيد:
ثم، بَعْدَ الفَلاح والمُلك والإِمْــــمَةِ، وارَتْهُمُ هناك القُبورُ
قال: أَراد إِمامَة المُلك ونَعِيمه. والأُمَّةُ والإِمَّةُ: الدَّينُ.
قال أَبو إِسحق في قوله تعالى: كان الناسُ أُمَّةً واحدةً فبعَث اللهُ
النَّبِيِّين مُبَشِّرين ومُنْذِرين، أي كانوا على دينٍ واحد. قال أَبو
إِسحق: وقال بعضهم في معنى الآية: كان الناس فيما بين آدم ونوح كُفّاراً
فبعَث الله النبيِّين يُبَشِّرون من أَطاع بالجنة ويُِنْذِرون من عَصى
بالنار. وقال آخرون: كان جميع مَن مع نوح في السفينة مؤمناً ثم تفرَّقوا من
بعد عن كُفر فبعث الله النبيِّين. وقال آخرون: الناسُ
كانوا كُفّاراً فبعث الله إبراهيم والنَّبيِّين من بعدهِ. قال أَبو
منصور
(* قوله «قال أبو منصور إلخ» هكذا في الأصل، ولعله قال أبو منصور: الأمة
فيما فسروا إلخ): فيما فسَّروا يقع على الكُفَّار وعلى المؤمنين.
والأُمَّةُ: الطريقة والدين. يقال: فلان لا أُمَّةَ له أَي لا دِينَ
له ولا نِحْلة له؛ قال الشاعر:
وهَلْ يَسْتَوي ذو أُمَّةٍ وكَفُورُ؟
وقوله تعالى: كُنْتُمْ خير أُمَّةٍ؛ قال الأَخفش: يريد أَهْل أُمّةٍ أَي
خير أَهْلِ دينٍ؛ وأَنشد للنابغة:
حَلَفْتُ فلم أَتْرُكْ لِنَفْسِك رِيبةً،
وهل يأْثَمَنْ ذو أُمَّةٍ وهو طائعُ؟
والإِمَّةُ: لغة في الأُمَّةِ، وهي الطريقة والدينُ. والإِمَّة:
النِّعْمة؛ قال الأَعشى:
ولقد جَرَرْتُ لك الغِنى ذا فاقَةٍ،
وأَصاب غَزْوُك إِمَّةً فأَزالَها
والإِمَّةُ: الهَيْئة؛ عن اللحياني. والإِمَّةُ أَيضاً: الحالُ
والشأْن. وقال ابن الأَعرابي: الإِمَّةُ غَضارةُ العَيش والنعْمةُ؛ وبه
فسر قول عبد الله بن الزبير، رضي الله عنه:
فهلْ لكُمُ فيكُمْ، وأَنْتُم بإِمَّةٍ
عليكم عَطاءُ الأَمْنِ، مَوْطِئُكم سَهْلُ
والإِمَّةُ، بالكسر: العَيْشُ الرَّخِيُّ؛ يقال: هو في إِمَّةٍ من
العَيْش وآمَةٍ أَي في خِصْبٍ. قال شمر: وآمَة، بتخفيف الميم: عَيْب؛
وأَنشد:مَهْلاً، أَبَيْتَ اللَّعْنَ مَهْـ
ـلاً إِنَّ فيما قلتَ آمَهْ
ويقال: ما أَمّي وأَمُّه وما شَكْلي وشَكله أَي ما أَمْري وأَمْره
لبُعْده مني فلِمَ يَتعرَّض لي؟ ومنه قول الشاعر:
فما إِمِّي وإمُّ الوَحْشِ لَمَّا
تَفَرَّعَ في ذُؤابَتِيَ المُشيبُ
يقول: ما أَنا وطَلَب الوَحْش بعدما كَبِرْت، وذكر الإِمِّ حَشْو في
البيت؛ قال ابن بري: ورواه بعضهم وما أَمِّي وأَمُّ الوَحْش، بفتح الهمزة،
والأَمُّ: القَصْد. وقال ابن بُزُرْج: قالوا ما أَمُّك وأَمّ ذات عِرْق
أَي أَيْهاتَ منك ذاتُ عِرْق. والأَمُّ: العَلَم الذي يَتْبَعُه الجَيْش.
ابن سيده: والإِمَّة والأُمَّة السُّنَّةُ.
وتَأَمَّم به وأْتَمَّ: جعله أَمَّةً. وأَمَّ القومَ وأَمَّ بهم:
تقدَّمهم، وهي الإِمامةُ. والإِمامُ: كل من ائتَمَّ به قومٌ كانوا على الصراط
المستقيم أَو كانوا ضالِّين. ابن الأَعرابي في قوله عز وجل: يَوْمَ
نَدْعُو كلَّ أُناسٍ بإِمامِهْم، قالت طائفة: بكتابهم، وقال آخرون: بنَبيّهم
وشَرْعهم، وقيل: بكتابه الذي أَحصى فيه عَمَله. وسيدُنا رسولُ
الله، صلى الله عليه وسلم، إِمامُ أُمَّتِه، وعليهم جميعاً الائتمامُِ
بسُنَّته التي مَضى عليها. ورئيس القوم: أَمِّهم.
ابن سيده: والإِمامُ ما ائْتُمَّ به من رئيسٍ وغيرِه، والجمع أَئِمَّة.
وفي التنزيل العزيز: فقاتِلوا أَئِمَّةَ الكُفْر، أَي قاتِلوا رؤساءَ
الكُفْر وقادَتَهم الذين ضُعَفاؤهم تَبَعٌ لهم. الأَزهري: أَكثر القُراء
قَرَؤوا أَيِمَّة الكُفْرِ، بهمزة واحدة، وقرأَ بعضهم أَئمَّةَ، بهمزيتن،
قال: وكل ذلك جائز. قال ابن سيده: وكذلك قوله تعالى: وجَعلْناهم أَيِمَّةً
يَدْعون إِلى النارِ، أَي مَن تَبِعَهم فهو في النار يوم القيامة، قُلبت
الهمزة ياء لثِقَلها لأَنها حرف سَفُل في الحَلْق وبَعُد عن الحروف
وحَصَل طرَفاً فكان النُّطْق به تكَلُّفاً، فإِذا كُرِهت الهمزة الواحدة،
فَهُمْ باسْتِكْراه الثِّنْتَيْن ورَفْضِهما لاسِيَّما إِذا كانتا
مُصْطَحِبتين غير مفرَّقتين فاءً وعيناً أَو عيناً ولاماً أَحرى، فلهذا لم يأْت
في الكلام لفظةٌ توالتْ فيها هَمْزتان أَصلاً البتَّة؛ فأَما ما حكاه أَبو
زيد من قولهم دَريئة ودَرائئٌ وخَطيئة وخَطائيٌ فشاذٌّ لا يُقاس عليه،
وليست الهمزتان أَصْلَين بل الأُولى منهما زائدة، وكذلك قراءة أَهل
الكوفة أَئمَّة، بهمزتين، شاذ لا يقاس عليه؛ الجوهري: الإِمامُ
الذي يُقْتَدى به وجمعه أَيِمَّة، وأَصله أَأْمِمَة، على أَفْعِلة، مثل
إِناء وآنِيةٍ وإِلَه وآلِهةٍ، فأُدغمت الميم فنُقِلَت حركتُها إلى ما
قَبْلَها، فلما حَرَّْكوها بالكسر جعلوها ياء، وقرئ أَيِمَّة الكُفْر؛ قال
الأَخفش: جُعلت الهمزة ياء، وقرئ أَيِمَّة الكُفْر؛ قال الأَخفش: جُعلت
الهمزة ياء لأَنها في موضع كَسْر وما قبلها مفتوح فلم يَهمِزُوا لاجتماع
الهمزتين، قال: ومن كان رَأْيه جمع الهمزتين همَز، قال: وتصغيرها
أُوَيْمة، لما تحرّكت الهمزة بالفتحة قلبها واواً، وقال المازني أُيَيْمَة ولم
يقلِب، وإِمامُ كلِّ شيء: قَيِّمُهُ والمُصْلِح له، والقرآنُ إِمامُ
المُسلمين، وسَيدُنا محمد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إِمام الأَئِمَّة،
والخليفة إمام الرَّعِيَّةِ، وإِمامُ
الجُنْد قائدهم. وهذا أَيَمٌّ من هذا وأَوَمُّ من هذا أَي أَحسن إمامةً
منه، قَلَبوها إِلى الياء مرَّة وإِلى الواو أُخرى كَراهِية التقاء
الهمزتين. وقال أَبو إِسحق: إِذا فضَّلنا رجُلاً في الإِمامةِ قلنا: هذا
أَوَمُّ من هذا، وبعضهم يقول: هذا أَيَمُّ من هذا، قال: والأَصل في أَئمَّة
أَأْمِمَة لأَنه جمع إِمامٍ مثل مِثال وأَمْثِلة ولكنَّ المِيمَيْن لمَّا
اجتمعتا أُدغمت الأُولى في الثانية وأُلقيت حركتها على الهمزة، فقيل
أَئِمَّة، فأَبدلت العرب من الهمزة المكسورة الياء، قال: ومن قال هذا أَيَمُّ
من هذا، جعل هذه الهمزة كلَّما تحركت أَبدل منها ياء، والذي قال فلان
أَوَمُّ من هذا كان عنده أَصلُها أَأَمُّ، فلم يمكنه أَن يبدل منها أَلفاً
لاجتماع الساكنين فجعلها واواً مفتوحة، كما قال في جمع آدَم أَوادم، قال:
وهذا هو القياس، قال: والذي جَعَلها ياء قال قد صارت الياءُ في أَيِمَّة
بدلاً لازماً، وهذا مذهب الأَخفش، والأَول مذهب المازني، قال:وأَظنه
أَقْيَس المذهَبين، فأَما أَئمَّة باجتماع الهمزتين فإِنما يُحْكى عن أَبي
إِسحق، فإِنه كان يُجيز اجتماعَهما، قال: ولا أَقول إِنها غير جائزة، قال:
والذي بَدَأْنا به هو الاختيار. ويقال: إِمامُنا هذا حَسَن الإِمَّة أَي
حَسَن القِيام بإِمامته إِذا صلَّى بنا.
وأَمَمْتُ القومَ في الصَّلاة إِمامةً. وأْتمّ به أَي اقْتَدَى به.
والإِمامُ: المِثالُ؛ قال النابغة:
أَبوه قَبْلَه، وأَبو أَبِيه،
بَنَوْا مَجْدَ الحيَاة على إِمامِ
وإِمامُ الغُلام في المَكْتَب: ما يَتعلَّم كلَّ يوم. وإِمامُ
المِثال: ما امْتُثِلَ
عليه. والإِمامُ: الخَيْطُ الذي يُمَدُّ على البناء فيُبْنَي عليه
ويُسَوَّى عليه سافُ البناء، وهو من ذلك؛ قال:
وخَلَّقْتُه، حتى إِذا تمَّ واسْتَوى
كَمُخَّةِ ساقٍ أَو كَمَتْنِ إِمامِ
أَي كهذا الخَيْط المَمْدود على البِناء في الامِّلاسِ والاسْتِواء؛ يصف
سَهْماً؛ يدل على ذلك قوله:
قَرَنْتُ بِحَقْوَيْه ثَلاثاً فلم يَزِغُ،
عن القَصْدِ، حتى بُصِّرَتْ بِدِمامِ
وفي الصحاح: الإِمامُ خشبة البنَّاء يُسَوِّي عليها البِناء. وإِمامُ
القِبلةِ: تِلْقاؤها. والحادي: إمامُ الإِبل، وإِن كان وراءها لأَنه
الهادي لها. والإِمامُ: الطريقُ. وقوله عز وجل: وإِنَّهما لَبِإِمامٍ
مُبينٍ، أَي لَبِطريق يُؤَمُّ أَي يُقْصَد فَيُتَمَيَّز، يعني قومَ لوط
وأَصحابَ الأَيكةِ. والإِمامُ: الصُّقْعُ من الطريق والأَرض. وقال الفراء:
وإِنهما لَبِإِمامٍ مُبين، يقول: في طَريق لهم يَمُرُّون عليها في أَسْفارِهم
فَجعل الطَّريقَ إِماماً لأَنه يُؤم ويُتَّبَع.
والأَمامُ: بمعنى القُدّام. وفلان يَؤمُّ القومَ: يَقْدُمهم. ويقال:
صَدْرك أَمامُك، بالرفع، إِذا جَعَلْته اسماً، وتقول: أَخوك أَمامَك،
بالنصب، لأَنه صفة؛ وقال لبيد فَجَعله اسماً:
فَعَدَتْ كِلا الفَرْجَيْن تَحْسِبُ أَنه
مَوْلَى المَخافَةِ: خَلْفُها وأَمامُها
(* قوله «فعدت كلا الفرجين» هو في الأصل بالعين المهملة ووضع تحتها
عيناً صغيرة، وفي الصحاح في مادة ولي بالغين المعمجة ومثله في التكلمة في
مادة فرج، ومثله كذلك في معلقة لبيد).
يصف بَقَرة وَحْشِية ذَعَرها الصائدُ فَعَدَتْ. وكِلا فَرْجَيها: وهو
خَلْفُها وأَمامُها. تَحْسِب أَنه: الهاء عِمادٌ. مَوْلَى مَخافَتِها أَي
وَلِيُّ مَخافَتِها. وقال أَبو بكر: معنى قولهم يَؤُمُّ القَوْمَ أَي
يَتَقَدَّمُهم، أُخِذ من الأَمامِ.
يقال: فُلانٌ إِمامُ القوم؛ معناه هو المتقدّم لهم، ويكون الإِمامُ
رئِسياً كقولك إمامُ المسلمين، ويكون الكتابَ، قال الله تعالى: يَوْمَ
نَدْعُو كلَّ أُناسٍ بإِمامِهم، ويكون الإِمامُ الطريقَ الواضحَ؛ قال الله
تعالى: وإِنَّهما لَبِإِمامٍ مُبينٍ، ويكون الإِمامُ المِثالَ، وأَنشد بيت
النابغة:
بَنَوْا مَجْدَ الحَياةِ على إِمامِ
معناه على مِثال؛ وقال لبيد:
ولكُلِّ قَوْمٍ سُنَّةٌ وإِمامُها
والدليل: إِمامُ السَّفْر. وقوله عز وجل: وجَعَلْنا للمُتَّقِين
إِماماً؛ قال أَبو عبيدة: هو واحد يَدُلُّ على الجمع كقوله:
في حَلْقِكم عَظْماً وقد شُجِينا
وإِنَّ المُتَّقِين في جَنَّات ونَهَرٍ. وقل: الإِمامُ جمع آمٍّ كصاحِبٍ
وصِحابٍ، وقيل: هو جمع إِمامٍ ليس على حَدِّ عَدْلٍ ورِضاً لأَنهم قد
قالوا إِمامان، وإِنما هو جمع مُكَسَّر؛ قال ابن سيده: أَنْبأَني بذلك أَبو
العَلاء عن أَبي علي الفارسي قال: وقد استعمل سيبويه هذا القياسَ
كثيراً، قال: والأُمَّةُ الإِمامُ.
الليث: الإِمَّةُ الائتِمامُ بالإِمامِ؛ يقال: فُلانٌ أَحقُّ بإِمَّةِ
هذا المسجد من فُلان أَي بالإِمامة؛ قال أَبو منصور: الإِمَّة الهَيْئةُ
في الإِمامةِ والحالةُ؛ يقال: فلان حَسَن الإِمَّةِ أَي حَسَن الهَيْئة
إِذا أَمَّ الناسَ في الصَّلاة، وقد ائتَمَّ بالشيء وأْتَمَى به، على
البدَل كراهية التضعيف؛ وأَنشد يعقوب:
نَزُورُ امْرأً، أَمّا الإِلَه فَيَتَّقِي،
وأَمّا بفعلِ الصَّالحين فَيَأْتَمِي
والأُمَّةُ: القَرْن من الناس؛ يقال: قد مَضَتْ أُمَمٌ أَي قُرُونٌ.
وأُمَّةُ كل نبي: مَن أُرسِل إِليهم من كافر ومؤمنٍ. الليث: كلُّ قوم
نُسِبُوا إِلى نبيّ فأُضيفوا إِليه فَهُمْ أُمَّتُه، وقيل: أُمة محمد، صلى الله
عليهم وسلم، كلُّ مَن أُرسِل إِليه مِمَّن آمَن به أَو كَفَر، قال: وكل
جيل من الناس هم أُمَّةٌ على حِدَة.وقال غيره: كلُّ جِنس من الحيوان غير
بني آدم أُمَّةٌ على حِدَة، والأُمَّةُ: الجِيلُ والجِنْسُ من كل حَيّ.
وفي التنزيل العزيز: وما من دابَّةٍ في الأرض ولا طائرٍ يَطِيرُ
بِجناحَيْه إلاَّ أُمَمٌ أَمثالُكم؛ ومعنى قوله إلاَّ أُمَمٌ أمثالُكم في مَعْنىً
دون مَعْنىً، يُريدُ، والله أعلم، أن الله خَلَقَهم وتَعَبَّدَهُم بما
شاء أن يَتَعَبَّدَهُم من تسْبيح وعِبادةٍ عَلِمها منهم ولم يُفَقِّهْنا
ذلك. وكل جنس من الحيوان أُمَّةٌ. وفي الحديث: لولا أنَّ الكِلاب أُمَّةٌ
من الأُمَمِ لأَمَرْت بقَتْلِها، ولكن اقْتُلوا منها كل أَسْوَد بَهيم،
وورد في رواية: لولا أنها أُمَّةٌ تُسَبِّحُ لأَمَرْت بقَتْلِها؛ يعني بها
الكلاب.
والأُمُّ: كالأُمَّةِ؛ وفي الحديث: إن أَطاعُوهما، يعني أبا بكر وعمر،
رَشِدوا ورَشَدت أُمُّهم، وقيل، هو نَقِيضُ قولهم هَوَتْ أُمُّه، في
الدُّعاء عليه، وكل مَن كان على دينِ الحَقِّ مُخالفاً لسائر الأَدْيان، فهو
أُمَّةٌ وحده. وكان إبراهيمُ خليلُ الرحمن، على نبينا وعليه السلام،
أُمَّةً؛ والأُمَّةُ: الرجل الذي لا نظِير له؛ ومنه قوله عز وجل: إن إبراهيم
كان أُمَّةً قانِتاً لله؛ وقال أبو عبيدة: كان أُمَّةً أي إماماً. أَبو
عمرو الشَّيباني: إن العرب تقول للشيخ إذا كان باقِيَ القوّة: فلان
بإِمَّةٍ، معناه راجع إلى الخير والنِّعْمة لأن بَقاء قُوّتِه من أَعظم
النِّعْمة، وأصل هذا الباب كله من القَصْد. يقال: أَمَمْتُ إليه إذا قَصَدْته،
فمعنى الأُمَّة في الدِّينِ أَنَّ مَقْصِدَهم مقْصِد واحد، ومعنى الإمَّة
في النِّعْمة إنما هو الشيء الذي يَقْصِده الخلْق ويَطْلُبونه، ومعنى
الأُمَّة في الرجُل المُنْفَرد الذي لا نَظِير له أن قَصْده منفرد من قَصْد
سائر الناس؛ قال النابغة:
وهل يَأْثَمَنْ ذو أُمَّةٍ وهو طائعُ
ويروي: ذو إمَّةٍ، فمن قال ذو أُمَّةٍ فمعناه ذو دينٍ ومن قال ذو إمَّةٍ
فمعناه ذو نِعْمة أُسْدِيَتْ إليه، قال: ومعنى الأُمَّةِ القامة
(*
وقوله «ومعنى الأمة القامة إلخ» هكذا في الأصل). سائر مقصد الجسد، وليس يخرج
شيء من هذا الباب عن معنى أَمَمْت قَصَدْت. وقال الفراء في قوله عز وجل:
إن إبراهيم كان أُمَّةً؛ قال: أُمَّةً مُعلِّماً للخَير. وجاء رجل إلى
عبد الله فسأَله عن الأُمَّةِ، فقال: مُعَلِّمُ الخير، والأُمَّةُ
المُعَلِّم. ويروى عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أنه قال: يُبْعَث يوم القيامة
زيدُ بنُ عمرو بنِ نُفَيْل أُمَّةً على حِدَةٍ، وذلك أَنه كان تَبَرَّأَ
من أَدْيان المشركين وآمَن بالله قبل مَبْعَث سيدِنا محمد رسول الله، صلى
الله عليه وسلم. وفي حديث قُسِّ بن ساعدة: أَنه يُبْعَث يوم القيامة
أُمَّةً وحْدَه؛ قال: الأُمَّةُ الرجل المُتَفَرِّد بدينٍ كقوله تعالى: إنَّ
إبراهيمَ كان أُمَّةً قانِتاً لله، وقيل: الأُمَّةُ الرجلُ الجامع للخير.
والأُمَّةُ: الحِينُ. قال الفراء في قوله عز وجل: وادَّكَرَ بعد
أُمَّةٍ، قال بعد حينٍ من الدَّهْرِ. وقال تعالى: ولَئِنْ أَخّرْنا عنهم العَذاب
إلى أُمَّةٍ معْدودةٍ. وقال ابن القطاع: الأُمَّةُ المُلْك، والأُمة
أَتْباعُ الأنبياء، والأُمّةُ الرجل الجامعُ للخير، والأُمَّةُ الأُمَمُ،
والأُمَّةُ الرجل المُنْفَرد بدينه لا يَشْرَكُه فيه أَحدٌ، والأُمَّةُ
القامةُ والوجهُ؛ قال الأَعشى:
وإنَّ مُعاوية الأَكْرَمِيـ
نَ بيضُ الوُجوهِ طِوالُ الأُمَمْ
أي طِوالُ القاماتِ؛ ومثله قول الشَّمَرْدَل بن شريك اليَرْبوعي:
طِوال أَنْصِية الأَعْناقِ والأُمَمِ
قال: ويروى البيت للأَخْيَلِيَّة. ويقال: إنه لحسَنُ الأُمَّةِ أي
الشَّطاطِ. وأُمَّةُ الوجه: سُنَّته وهي مُعظَمه ومَعْلم الحُسْن منه. أبو
زيد: إنه لَحَسن أُمَّة الوجه يَعْنُون سُنَّته وصُورَته. وإنه لَقَبيحُ
أُمَّةِ الوجه. وأُمَّة الرجل: وَجْهُه وقامَتُه. والأُمَّة: الطاعة.
والأُمَّة: العالِم. وأُمَّةُ الرجل: قومُه. والأُمَّةُ: الجماعة؛ قال الأخفش:
هو في اللفظ واحد وفي المعنى جَمْع، وقوله في الحديث: إنَّ يَهُودَ بَني
عَوْفٍ أُمَّةٌ من المؤْمنين، يريد أَنهم بالصُّلْح الذي وقَع بينهم وبين
المؤْمنين كجماعةٍ منهم كلمَتُهم وأيديهم واحدة. وأُمَّةُ الله: خلْقه:
يقال: ما رأَيت من أُمَّةِ الله أَحسنَ منه.
وأُمَّةُ الطريق وأُمُّه: مُعْظَمُه.
والأُمَمُ: القَصْد الذي هو الوسَط. والأَمَمُ: القُرب، يقال: أَخذت ذلك
من أَمَمٍ أي من قُرْب. وداري أَمَمُ دارِه أي مُقابِلَتُها. والأَمَمُ:
اليسير. يقال: داركم أَمَمٌ، وهو أَمَمٌ منك. وكذلك الاثنان والجمع.
وأمْرُ بَني فُلان أَمَمٌ ومُؤامٌّ أي بيّنٌ لم يجاوز القدر.
والمؤَامُّ، بتشديد الميم: المقارب، أُخِذ الأَمَم وهو القرب؛ يقال: هذا
أَمْرٌ مؤَامٌّ مثل مُضارٍّ. ويقال للشيء إذا كان مُقارِباً: هو
مُؤامٌّ. وفي حديث ابن عباس: لا يَزال أَمْرُ الناس مُؤَامّاً ما لم يَنْظروا في
القَدَرِ والوِلْدان أي لا يَزال جارياً على القَصْد والاستقامة.
والمُؤَامُّ: المُقارَب، مُفاعَل من الأَمِّ، وهو القَصْد أَو من الأَمَمِ
القرب، وأَصله مُؤامَم فأُدْغِم. ومنه حديث كعب: لا تَزال الفِتْنة مُؤامّاً
بها ما لم تبْدأْ من الشام؛ مُؤَامٌّ هنا: مُفاعَل، بالفتح، على المفعول
لأن معناه مُقارَباً بها، والباء للتعدية، ويروى مُؤَمّاً، بغير مدٍّ.
والمُؤَامٌّ: المُقارِب والمُوافِق من الأَمَم، وقد أَمَّهُ؛ وقول
الطرِمّاح:
مثل ما كافَحْتَ مَحْزُوبَةً
نَصَّها ذاعِرُ وَرْعٍ مُؤَامْ
يجوز أَن يكون أَراد مُؤَامٌّ فحذف إحدى الميمين لالتقاء الساكنين،
ويجوز أن يكون أَراد مُؤَامٌّ فأَبدل من الميم الأخيرة ياء فقال: مُؤَامي ثم
وقف للقافية فحذف الياء فقال: مُؤَامْ، وقوله: نَصَّها أي نَصَبَها؛ قال
ثعلب: قال أَبو نصر أَحسنُ ما تكون الظَّبْية إذا مَدَّت عُنُقَها من
رَوْعٍ يَسير، ولذلك قال مؤَامْ لأَنه المُقاربُ اليَسير.
قال: والأَمَمُ بين القريب والبعيد، وهو من المُقارَبة. والأَمَمُ:
الشيءُ اليسير؛ يقال: ما سأَلت إلا أَمَماً. ويقال: ظلَمْت ظُلْماً أَمَماً؛
قال زهير:
كأَنّ عَيْني، وقد سال السَّلِيلُ بهم،
وَجِيرة ما هُمُ لَوْ أَنَّهم أَمَمُ
يقول: أيّ جيرةٍ كانوا لو أنهم بالقرب مِنِّي. وهذا أمْر مُؤَامٌّ أي
قَصْدٌ مُقارب؛ وأَنشد الليث:
تَسْأَلُني بِرامَتَيْنِ سَلْجَما،
لو أنها تَطْلُب شيئاً أَمَما
أراد: لو طَلَبَت شيئاً يقْرُب مُتَناوَله لأَطْلَبْتُها، فأَما أن
تَطْلُب بالبلدِ السَّباسِبِ السَّلْجَمَ فإنه غير مُتَيَسِّر ولا أَمَمٍ.
وأُمُّ الشيء: أَصله.
والأُمُّ والأُمَّة: الوالدة؛ وأَنشد ابن بري:
تَقَبَّلَها من أُمَّةٍ، ولَطالما
تُنُوزِعَ، في الأسْواق منها، خِمارُها
وقال سيبويه . . . .
(* هنا بياض بالأصل). لإمِّك؛ وقال أيضاً:
إضْرِب الساقَيْنِ إمِّك هابِلُ
قال فكسَرهما جميعاً كما ضم هنالك، يعني أُنْبُؤُك ومُنْحُدُر، وجعلها
بعضهم لغة، والجمع أُمَّات وأُمّهات، زادوا الهاء، وقال بعضهم: الأُمَّهات
فيمن يعقل، والأُمّات بغير هاء فيمن لا يعقل، فالأُمَّهاتُ للناس
والأُمَّات للبهائم، وسنذكر الأُمَّهات في حرف الهاء؛ قال ابن بري: الأَصل في
الأُمَّهات أن تكون للآدميين، وأُمَّات أن تكون لغير الآدَمِيِّين، قال:
وربما جاء بعكس ذلك كما قال السفَّاح اليَرْبوعي في الأُمَّهات لغير
الآدَمِيِّين:
قَوّالُ مَعْروفٍ وفَعّالُه،
عَقَّار مَثْنى أُمَّهات الرِّباعْ
قال: وقال ذو الرمة:
سِوى ما أَصابَ الذئبُ منه وسُرْبَةٌ
أطافَتْ به من أُمَّهات الجَوازِل
فاستعمل الأُمَّهات للقَطا واستعملها اليَرْبوعي للنُّوق؛ وقال آخر في
الأُمَّهات للقِرْدانِ:
رَمى أُمَّهات القُرْدِ لَذْعٌ من السَّفا،
وأَحْصَدَ من قِرْانِه الزَّهَرُ النَّضْرُ
وقال آخر يصف الإبل:
وهام تَزِلُّ الشمسُ عن أُمَّهاتِه
صِلاب وأَلْحٍ، في المَثاني، تُقَعْقِعُ
وقال هِمْيان في الإبل أيضاً:
جاءَتْ لِخِمْسٍ تَمَّ من قِلاتِها،
تَقْدُمُها عَيْساً مِنُ امَّهاتِها
وقال جرير في الأُمَّات للآدَمِييِّن:
لقد وَلَدَ الأُخَيْطِلَ أُمُّ سَوْءٍ،
مُقَلَّدة من الأُمَّاتِ عارا
التهذيب: يَجْمَع الأُمَّ من الآدَميّاتِ أُمَّهات، ومن البَهائم
أُمَّات؛ وقال:
لقد آلَيْتُ أَغْدِرُ في جَداعِ،
وإن مُنِّيتُ، أُمَّاتِ الرِّباعِ
قال الجوهري: أَصل الأُمِّ أُمّهةٌ، ولذلك تُجْمَع على أُمَّهات. ويقال:
يا أُمَّةُ لا تَفْعَلي ويا أَبَةُ افْعَلْ، يجعلون علامة التأْنيث
عوضاً من ياء الإضافة، وتَقِفُ عليها بالهاء؛ وقوله:
ما أُمّك اجْتاحَتِ المَنايا،
كلُّ فُؤادٍ عَلَيْك أُمُّ
قال ابن سيده: عَلَّق الفؤاد بعَلى لأنه في معنى حَزينٍ، فكأَنه قال:
عليك حَزينٌ.
وأَمَّتْ تَؤُمُّ أُمُومَةً: صارت أُمّاً. وقال ابن الأَعرابي في امرأَة
ذكرها: كانت لها عمة تَؤُمها أي تكون لها كالأُمِّ. وتَأَمَّها
واسْتَأَمَّها وتأَمَّمها: اتَّخَذَها أُمّاً؛ قال الكميت:
ومِن عَجَبٍ، بَجِيلَ، لَعَمْرُ أُمّ
غَذَتْكِ، وغيرَها تَتأَمّمِينا
قوله: ومن عَجَبٍ خبر مبتدإِ محذوف، تقديرهُ: ومن عَجَبٍ انْتِفاؤكم عن
أُمِّكم التي أَرْضَعَتْكم واتِّخاذكم أُمّاً غيرَها. قال الليث: يقال
تأَمَّم فلان أُمّاً إذا اتَّخذَها لنفسه أُمّاً، قال: وتفسير الأُمِّ في
كل معانيها أُمَّة لأن تأْسيسَه من حَرْفين صحيحين والهاء فيها أصلية،
ولكن العَرب حذَفت تلك الهاء إذ أَمِنُوا اللَّبْس. ويقول بعضُهم في تَصْغير
أُمٍّ أُمَيْمة، قال: والصواب أُمَيْهة، تُردُّ إلى أَصل تأْسيسِها، ومن
قال أُمَيْمَة صغَّرها على لفظها، وهم الذين يقولون أُمّات؛ وأَنشد:
إذِ الأُمّهاتُ قَبَحْنَ الوُجوه،
فَرَجْتَ الظَّلامَ بأُمَّاتِكا
وقال ابن كيسان: يقال أُمٌّ وهي الأصل، ومنهم من يقول أُمَّةٌ، ومنهم من
يقول أُمَّهة؛ وأنشد:
تَقَبَّلْتَها عن أُمَّةٍ لك، طالَما
تُنوزِعَ بالأَسْواقِ عنها خِمارُها
يريد: عن أُمٍّ لك فأَلحقها هاء التأْنيث؛ وقال قُصَيّ:
عند تَناديهمْ بِهالٍ وَهَبِي،
أُمَّهَتي خِنْدِفُ، والياسُ أَبي
فأَما الجمع فأَكثر العرب على أُمَّهات، ومنهم من يقول أُمَّات، وقال
المبرّد: والهاء من حروف الزيادة، وهي مزيدة في الأُمَّهات، والأَصل
الأَمُّ وهو القَصْد؛ قال أَبو منصور: وهذا هو الصواب لأن الهاء مزيدة في
الأُمَّهات؛ وقال الليث: من العرب من يحذف أَلف أُمٍّ كقول عديّ بن زيد:
أَيُّها العائِبُ، عِنْدِ، امَّ زَيْدٍ،
أنت تَفْدي مَن أَراكَ تَعِيبُ
وإنما أراد عنْدي أُمَّ زيدٍ، فلمّا حذَف الأَلف التَزقَتْ ياء عنْدي
بصَدْر الميم، فالتقى ساكنان فسقطت الياء لذلك، فكأَنه قال: عندي أُمَّ
زيد. وما كنت أُمّاً ولقد أَمِمْتِ أُمُومةً؛ قال ابن سيده: الأُمَّهة
كالأُمِّ، الهاء زائدة لأَنه بمعنى الأُمِّ، وقولهم أمٌّ بَيِّنة الأُمومة
يُصَحِّح لنا أن الهمزة فيه فاء الفعل والميم الأُولى عَيْن الفِعْل، والميم
الأُخرى لام الفعْل، فَأُمٌّ بمنزلة دُرٍّ وجُلٍّ ونحوهما مما جاء على
فُعْل وعينُه ولامُه من موضع، وجعل صاحبُ العَيْنِ الهاء أَصْلاً، وهو
مذكور في موضعه. الليث: إذا قالت العرب لا أُمَّ لك فإنه مَدْح عندهم؛ غيره:
ويقال لا أُمَّ لك، وهو ذَمٌّ. قال أَبو عبيد: زعم بعض العلماء أن قولهم
لا أُمَّ لك قد وُضعَ موضع المَدح؛ قال كعب بن سعد الغَنَويّ يَرْثي
أَخاه:
هَوَتْ أُمُّه ما يَبْعَث الصُّبْح غادِياً،
وماذا يُؤدّي الليلُ حينَ يَؤوبُ؟
قال أبو الهيثم في هذا البيت: وأَيْنَ هذا مما ذهب إليه أَبو عبيد؟
وإنما معنى هذا كقولهم: وَيْحَ أُمِّه ووَيْلَ أُمِّه والوَيلُ لها، وليس
للرجل في هذا من المَدْح ما ذهَب إليه، وليس يُشْبِه هذا قولهم لا أُمَّ لك
لأَن قوله أُمَّ لك في مذهب ليس لك أُمٌّ حُرَّة، وهذا السَّبُّ
الصَّريح، وذلك أَنّ بَني الإماء عند العرب مَذْمومون لا يلحقون بِبَني الحَرائر،
ولا يقول الرجل لصاحبه لا أُمَّ لك إلاَّ في غضَبه عليه مُقَصِّراً به
شاتِماً له، قال: وأَمّا إذا قال لا أَبا لَك، فلم يَترك له من
الشَّتِيمَة شيئاً، وقيل: معنى قولهم لا أُمَّ لك، يقول أنت لَقِيطٌ لا تُعْرَف لك
أُمٌّ. قال ابن بري في تفسير يت كعب بن سعد قال: قوله هَوَتْ أُمُّه،
يُسْتَعْمَل على جهة التعَجُّب كقولهم: قاتَله الله ما أَسْمَعه ما يَبْعَث
الصبحُ: ما استفهام فيها معنى التعَجُّب وموضعها نَصْب بيَبْعَث، أيْ
أَيُّ شيءٍ يَبعَثُ الصُّبْح من هذا الرجل؟ أَي إذا أَيْقَظه الصُّبح
تصرَّف في فِعْل ما يُريده. وغادِياً منصوب على الحال والعامل فيه يَبْعَث،
ويَؤُوب: يَرجع، يريد أَن إقْبال اللَّيل سَبَب رجوعه إلى بيته كما أن
إقْبال النهار سَبَب لتصرُّفه، وسنذكره أَيضاً في المعتل. الجوهري: وقولهم
وَيْلِمِّهِ، ويريدون وَيْلٌ لأُمّه فحذف لكثرته في الكلام. قال ابن بري:
وَيْلِمِّه، مكسورة اللام، شاهده قول المنتخل الهذلي يَرْثي ولدهَ
أُثَيلة:وَيْلِمِّه رجلاَ يأْتي به غَبَناً،
إذا تَجَرَّد لا خالٌ ولا بَخِلُ
الغَبَنُ: الخَديعةُ في الرأْي، ومعنى التَّجَرُّد ههنا التَّشْميرُ
للأَمرِ، وأَصْله أن الإنسان يَتجرَّد من ثيابه إذا حاوَل أَمْراً. وقوله:
لا خالٌ ولا بَخِل، الخالُ: الاختيال والتَّكَبُّر من قولهم رجل فيه خالٌ
أي فيه خُيَلاء وكِبْرٌ، وأما قوله: وَيْلِمِّه، فهو مَدْح خرج بلفظ
الذمِّ، كما يقولون: أَخْزاه الله ما أَشْعَرَه ولعَنه الله ما أَسْمَعه
قال: وكأَنهم قَصَدوا بذلك غَرَضاً مَّا، وذلك أَن الشيء إذا رآه الإنسان
فأَثْنى عليه خَشِيَ أَن تُصِيبه العين فيَعْدِل عن مَدْحه إلى ذمّه خوفاً
عليه من الأَذيَّةِ، قال: ويحتمل أيضاً غَرَضاً آخر، وهو أن هذا الممدوح
قد بلَغ غاية الفَضْل وحصل في حَدّ من يُذَمُّ ويُسَب، لأَن الفاضِل
تَكْثُر حُسَّاده وعُيّابه والناقِص لا يُذَمُّ ولا يُسَب، بل يَرْفعون
أنفسَهم عن سَبِّه ومُهاجاتِه، وأَصْلُ وَيْلِمِّه وَيْلُ أُمِّه، ثم حذفت
الهمزة لكثرة الاستعمال وكَسَروا لامَ وَيْل إتْباعاً لكسرة الميم، ومنهم من
يقول: أصله وَيلٌ لأُمِّه، فحذفت لام وَيْل وهمزة أُمّ فصار وَيْلِمِّه،
ومنهم من قال: أَصله وَيْ لأُمِّه، فحذفت همزة أُمٍّ لا غير. وفي حديث
ابن عباس أنه قال لرجل: لا أُمَّ لك؛ قال: هو ذَمٌّ وسَبٌّ أي أنت لَقِيطٌ
لا تُعْرف لك أُمٌّ، وقيل: قد يقَع مَدْحاً بمعنى التعَجُّب منه، قال:
وفيه بُعدٌ.
والأُمُّ تكون للحيَوان الناطِق وللموات النامِي كأُمِّ النَّخْلة
والشجَرة والمَوْزَة وما أَشبه ذلك؛ ومنه قول ابن الأصمعي له: أنا كالمَوْزَة
التي إنما صَلاحُها بمَوْت أُمِّها. وأُمُّ كل شيء: أَصْلُه وعِمادُه؛
قال ابن دُريَد: كل شيء انْضَمَّت إليه أَشياء، فهو أُمٌّ لها. وأُم القوم:
رئيسُهم، من ذلك؛ قال الشنْفَرى:
وأُمَِّ عِيال قد شَهِدْتُ تَقُوتُهُمْ
يعني تأَبط شرّاً. وروى الرَّبيعُ عن الشافعي قال: العرب تقول للرجل
يَلِي طَعام القَوْم وخِدْمَتَهم هو أُمُّهم؛ وأَنشد للشنفرى:
وأُمِّ عِيال قد شَهدت تَقُوتُهُمْ،
إذا أَحْتَرَتْهُم أَتْفَهَتْ وأَقَلَّتِ
(* قوله «وأم عيال قد شهدت» تقدم هذا البيت في مادة حتر على غير هذا
الوجه وشرح هناك).
وأُمُّ الكِتاب: فاتِحَتُه لأَنه يُبْتَدَأُ بها في كل صلاة، وقال
الزجاج: أُمُّ الكتاب أَصْلُ الكتاب، وقيل: اللَّوْحُ المحفوظ. التهذيب: أُمُّ
الكتاب كلُّ آية مُحْكَمة من آيات الشَّرائع والأَحْكام والفرائض، وجاء
في الحديث: أنَّ أُم الكِتاب هي فاتحة الكتاب لأنها هي المُقَدَّمة
أَمامَ كلِّ سُورةٍ في جميع الصلوات وابْتُدِئ بها في المُصْحف فقدِّمت وهي
(* هنا بياض في الأصل) ..... القرآن العظيم. وأَما قول الله عز وجل: وإنه
في أُمِّ الكتاب لَدَيْنا، فقال: هو اللَّوْح المَحْفوظ، وقال قَتادة:
أُمُّ الكتاب أَصْلُ الكِتاب. وعن ابن عباس: أُمُّ الكِتاب القرآن من أَوله
إلى آخره. الجوهري: وقوله تعالى: هُنَّ أُمُّ الكِتاب، ولم يقل أُمَّهات
لأَنه على الحِكاية كما يقول الرجل ليس لي مُعين، فتقول: نحن مُعِينك
فتَحْكِيه، وكذلك قوله تعالى: واجْعَلْنا للمُتَّقين إماماً. وأُمُّ
النُّجوم: المَجَرَّة لأنها مُجْتَمَع النُّجوم. وأُمُّ التَّنائف: المفازةُ
البعيدة. وأُمُّ الطريق: مُعْظَمها إذا كان طريقاً عظيماً وحَوْله طَرُق
صِغار فالأَعْظم أُمُّ الطريق؛ الجوهري: وأُمُّ الطريق مُعظمه في قول كثير
عَزّة:
يُغادِرْنَ عَسْبَ الوالِقِيّ وناصِحٍ،
تَخصُّ به أُمُّ الطريقِ عِيالَها
قال: ويقال هي الضَّبُع، والعَسْب: ماء الفَحْل، والوالِقِيّ وناصِح:
فَرَسان، وعِيالُ الطريق: سِباعُها؛ يريد أَنهنّ يُلْقِين أَولادَهنّ لغير
تَمامٍ من شِدّة التَّعَب. وأُمُّ مَثْوَى الرجل: صاحِبةُ مَنْزِله الذي
يَنْزله؛ قال:
وأُمُّ مَثْوايَ تُدَرِّي لِمَّتي
الأَزهري: يقال للمرأَة التي يَأْوي إليها الرجل هي أُمُّ مَثْواهُ. وفي
حديث ثُمامَة: أَتى أُمَّ مَنْزِلِه أَي امرأَته ومن يُدَبِّر أَمْر
بَيْته من النساء. التهذيب: ابن الأَعرابي الأُم امرأَة الرجل المُسِنَّة،
قال: والأُمّ الوالدة من الحيوان. وأُمُّ الحَرْب: الراية. وأُم الرُّمْح:
اللِّواء وما لُفَّ عليه من خِرْقَةٍ؛ ومنه قول الشاعر:
وسَلَبْنا الرُّمْح فيه أُمُّه
من يَدِ العاصِي، وما طَالَ الطِّوَلْ
وأُم القِرْدانِ: النُّقْرَةُ التي في أَصْل فِرْسِن البعير. وأُم
القُرَى: مكة، شرَّفها الله تعالى، لأَنها توسطَت الأرض فيما زَعَموا، وقي
لأنها قِبْلةُ جميع الناس يؤُمُّونها، وقيل: سُمِّيَت بذلك لأَنها كانت
أَعظم القُرَى شأْناً، وفي التنزيل العزيز: وما كان رَبُّك مُهْلِكَ القُرَى
حتى يبعثَ في أُمِّها رسولاً. وكلُّ مدينة هي أُمُّ ما حَوْلها من
القُرَى. وأُمُّ الرأْسِ: هي الخَريطةُ التي فيها الدِّماغ، وأُمُّ الدِّماغِ
الجِلدة التي تجْمع الدِّماغَ. ويقال أَيضاً: أُم الرأْس، وأُمُّ الرأْس
الدِّماغ؛ قال ابن دُرَيد: هي الجِلْدة الرقيقة التي عليها، وهي
مُجْتَمعه. وقالوا: ما أَنت وأُمُّ الباطِل أي ما أنت والباطِل؟ ولأُمٍّ أَشياءُ
كثيرة تضاف إليها؛ وفي الحديث: أنه قال لزيد الخيل نِعْم فَتىً إن نَجا من
أُمّ كلْبةَ، هي الحُمَّى، وفي حديث آخر: لم تَضُرّه أُمُّ الصِّبْيان،
يعني الريح التي تَعْرِض لهم فَربما غُشِي عليهم منها. وأُمُّ
اللُّهَيْم: المَنِيّة، وأُمُّ خَنُّورٍ الخِصْب، وأُمُّ جابرٍ الخُبْزُ، وأُمُّ
صَبّار الحرَّةُ، وأُم عُبيدٍ الصحراءُ، وأُم عطية الرَّحى، وأُمُّ شملة
الشمس
(* قوله «وأم شملة الشمس» كذا بالأصل هنا، وتقدم في مادة شمل: أن أم
شملة كنية الدنيا والخمر)، وأُمُّ الخُلْفُف الداهيةُ، وأُمُّ رُبَيقٍ
الحَرْبُ، وأُم لَيْلى الخَمْر، ولَيْلى النَّشْوة، وأُمُّ دَرْزٍ الدنيْا،
وأُم جرذان النخلة، وأُم رَجيه النحلة، وأُمُّ رياح الجرادة، وأُمُّ
عامِرٍ المقبرة، وأُمُّ جابر السُّنْبُلة، وأُمُّ طِلْبة العُقابُ، وكذلك
شَعْواء، وأُمُّ حُبابٍ الدُّنيا، وهي أُمُّ وافِرَةَ، وأُمُّ وافرة
البيره
(* قوله «وأم خبيص إلخ» قال شارح القاموس قبلها: ويقال للنخلة أيضاً أم
خبيص ألى آخر ما هنا، لكن في القاموس: أم سويد وأم عزم بالكسر وأم طبيخة
كسكينة في باب الجيم الاست)، وأُم سمحة العنز، ويقال للقِدْر: أُمُّ
غياث، وأُمُّ عُقْبَة، وأُمُّ بَيْضاء، وأُمُّ رسمة، وأُمُّ العِيَالِ،
وأُمُّ جِرْذان النَّخْلة، وإذا سميت رجُلاً بأُمِّ جِرْذان لم تَصْرِفه،
وأُمُّ خبيص
(* قوله: البيرة هكذا في الأصل. وفي القاموس: أم وافرة الدنيا)،
وأُمُّ سويد، وأُمُّ عِزْم، وأُم عقاق، وأُم طبيخة وهي أُم تسعين،
وأُمُّ حِلْس كُنْية الأتان، ويقال للضَّبُع أُمُّ عامِر وأُمُّ عَمْرو.
الجوهري: وأُم البَيْضِ في شِعْرِ أَبي دُواد النعَامة وهو قوله:
وأَتانا يَسْعَى تَفَرُّسَ أُمِّ الـ
بيضِ شََدّاً، وقد تَعالى النَّهارُ
قال ابن بري: يصف رَبيئَة، قال: وصوابه تَفَرُّش، بالشين معجَمةً،
والتَّفَرُّش: فَتْحُ جَناحَي الطائر أَو النَّعامة إذا عَدَتْ. التهذيب:
واعلم أنَّ كل شيء يُضَمُّ إليه سائرُ ما يليه فإنَّ العربَ تسمي ذلك الشيء
أُمّاً، من ذلك أُمُّ الرأْس وهو الدِّماغُ، والشجَّةُ الآمَّةُ التي
تَهْجُمُ على الدِّماغ.
وأَمَّه يَؤُمُّه أَمّاً، فهو مَأْمُومٌ وأَمِيم: أصاب أُمَّ رأْسِه.
الجوهري: أَمَّهُ أي شجُّهُ آمَّةً، بالمدِّ، وهي التي تَبْلُغ أُمَّ
الدِّماغِ حتى يبقَى بينها وبين الدِّماغ جِلْدٌ رقيقٌ. وفي حديث الشِّجاج: في
الآمَّة ثُلُثُ الدِّيَة، وفي حديث آخر: المَأْمُومَة، وهي الشَّجَّة
التي بلغت أُمَّ الرأْس، وهي الجلدة التي تجمَع الدماغ. المحكم: وشَجَّةٌ
آمَّةٌ ومَأْمُومةٌ بلغت أُمَّ الرأْس، وقد يُستعار ذلك في غير الرأْس؛
قال:
قَلْبي منَ الزَّفَرَاتِ صَدَّعَهُ الهَوى،
وَحَشايَ من حَرِّ الفِرَاقِ أَمِيمُ
وقوله أَنشده ثعلب:
فلولا سِلاحي، عندَ ذاكَ، وغِلْمَتي
لَرُحْت، وفي رَأْسِي مآيِمُ تُسْبَرُ
فسره فقال: جَمَع آمَّةً على مآيِمَ وليس له واحد من لفظه، وهذا كقولهم
الخيل تَجْرِي على مَسَاوِيها؛ قال ابن سيده: وعندي زيادة وهو أَنه أراد
مآمَّ، ثم كَرِه التَّضْعِيف فأَبدل الميم الأَخيرة ياءً، فقال مآمِي، ثم
قلب اللامَ وهي الياء المُبْدَلة إلى موضع العين فقال مآيِم، قال ابن
بري في قوله في الشَّجَّة مَأْمُومَة، قال: وكذا قال أَبو العباس المبرّد
بعضُ العرب يقول في الآمَّة مَأْمُومَة؛ قال: قال عليّ بن حمزة وهذا غلَطٌ
إنما الآمَّةُ الشَّجَّة، والمَأْمُومَة أُمُّ الدِّماغ المَشْجُوجَة؛
وأَنشد:
يَدَعْنَ أُمَّ رأْسِه مَأْمُومَهْ،
وأُذْنَهُ مَجْدُوعَةً مَصْلُومَه
ويقال: رجل أَمِيمٌ ومَأْمُومٌ للذي يَهْذِي من أُمِّ رأْسه.
والأُمَيْمَةُ: الحجارة التي تُشْدَخ بها الرُّؤُوس، وفي الصحاح:
الأَمِيمُ حَجَرٌ يُشْدَخُ به الرأْس؛ وأَنشد الأزهري:
ويَوْمَ جلَّيْنا عن الأَهاتِم
بالمَنْجَنِيقاتِ وبالأَمائِم
قال: ومثله قول الآخر:
مُفَلَّقَة هاماتُها بالأَمائِم
وأُم التَّنائف:: أَشدُّها. وقوله تعالى: فَأُمُّه هاوِيَةٌ، وهي النارُ
(* قوله «وهي النار إلخ» كذا بالأصل ولعله هي النار يهوي فيها من إلخ) .
يَهْوِي مَن أُدْخِلَها أي يَهْلِك، وقيل: فَأُمُّ رأْسه هاوِيَة فيها
أي ساقِطة. وفي الحديث: اتَّقوا الخَمْر فإنها أُمُّ الخَبائث؛ وقال شمر:
أُمُّ الخبائث التي تَجْمَع كلَّ خَبيث، قال: وقال الفصيح في أَعراب قيس
إذا قيل أُمُّ الشَّرِّ فهي تَجْمَع كل شرٍّ على وَجْه الأرض، وإذا قيل
أُمُّ الخير فهي تجمع كلَّ خَيْر. ابن شميل: الأُمُّ لكل شيء هو المَجْمَع
والمَضَمُّ.
والمَأْمُومُ من الإبِل: الذي ذهَب وَبَرهُ عن ظَهْره من ضَرْب أو
دَبَرٍ؛ قال الراجز:
ليس بذِي عَرْكٍ ولا ذِي ضَبِّ،
ولا بِخَوّارٍ ولا أَزَبِّ،
ولا بمأْمُومٍ ولا أَجَبِّ
ويقال للبعير العَمِدِ المُتَأَكِّل السَّنامِ: مَأْمُومٌ. والأُمِّيّ:
الذي لا يَكْتُبُ، قال الزجاج: الأُمِّيُّ الذي على خِلْقَة الأُمَّةِ لم
يَتَعَلَّم الكِتاب فهو على جِبِلَّتِه، وفي التنزيل العزيز: ومنهم
أُمِّيُّون لا يَعلَمون الكتابَ إلاّ أَمَانِيَّ؛ قال أَبو إسحق: معنى
الأُمِّيّ المَنْسُوب إلى ما عليه جَبَلَتْه أُمُّه أي لا يَكتُبُ، فهو في أَنه
لا يَكتُب أُمِّيٌّ، لأن الكِتابة هي مُكْتسَبَةٌ فكأَنه نُسِب إلى ما
يُولد عليه أي على ما وَلَدَته أُمُّهُ عليه، وكانت الكُتَّاب في العرب من
أَهل الطائف تَعَلَّموها من رجل من أهل الحِيرة، وأَخذها أَهل الحيرة عن
أَهل الأَنْبار. وفي الحديث: إنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ لا نَكْتُب ولا
نَحْسُب؛ أَراد أَنهم على أَصل ولادة أُمِّهم لم يَتَعَلَّموا الكِتابة
والحِساب، فهم على جِبِلَّتِهم الأُولى. وفي الحديث: بُعِثتُ إلى أُمَّةٍ
أُمِّيَّة؛ قيل للعرب الأُمِّيُّون لأن الكِتابة كانت فيهم عَزِيزة أَو
عَديمة؛ ومنه قوله: بَعَثَ في الأُمِّيِّين رسولاً منهم. والأُمِّيُّ:
العَييّ الجِلْف الجافي القَليلُ الكلام؛ قال:
ولا أعُودِ بعدَها كَرِيّا
أُمارسُ الكَهْلَةَ والصَّبيَّا،
والعَزَبَ المُنَفَّه الأُمِّيَّا
قيل له أُمِّيٌّ لأنه على ما وَلَدَته أُمُّه عليه من قِلَّة الكلام
وعُجْمَة اللِّسان، وقيل لسيدنا محمدٍ رسول الله، صلى الله عليه وسلم،
الأُمِّي لأَن أُمَّة العرب لم تكن تَكْتُب ولا تَقْرَأ المَكْتُوبَ، وبَعَثَه
الله رسولاً وهو لا يَكْتُب ولا يَقْرأُ من كِتاب، وكانت هذه الخَلَّة
إحْدَى آياته الــمُعجِزة لأَنه، صلى الله عليه وسلم، تَلا عليهم كِتابَ
الله مَنْظُوماً، تارة بعد أُخْرَى، بالنَّظْم الذي أُنْزِل عليه فلم
يُغَيِّره ولم يُبَدِّل أَلفاظَه، وكان الخطيبُ من العرب إذا ارْتَجَل خُطْبَةً
ثم أَعادها زاد فيها ونَقَص، فحَفِظه الله عز وجل على نَبيِّه كما
أَنْزلَه، وأَبانَهُ من سائر مَن بَعَثه إليهم بهذه الآية التي بايَنَ بَينه
وبينهم بها، ففي ذلك أَنْزَل الله تعالى: وما كنتَ تَتْلُو من قَبْلِه من
كِتاب ولا تَخُطُّه بِيَمِينِك إذاً لارْتابَ المُبْطِلون الذين كفروا،
ولَقالوا: إنه وَجَدَ هذه الأَقاصِيصَ مَكْتوبةً فَحَفِظَها من الكُتُب.
والأَمامُ: نَقِيضُ الوَراء وهو في معنى قُدَّام، يكون اسماً وظرفاً.
قال اللحياني: وقال الكِسائي أمام مؤنثة، وإن ذُكِّرتْ جاز، قال سيبويه:
وقالوا أَمامَك إذا كنت تُحَذِّره أو تُبَصِّره شيئاً، وتقول أنت أَمامَه
أي قُدَّمه. ابن سيده: والأَئمَّةُ كِنانة
(* قوله: والائمة كِنانة؛ هكذا
في الأصل، ولعله اراد ان بني كنانة يقال لهم الأئمة)؛ عن ابن الأعرابي.
وأُمَيْمَة وأُمامةُ: اسم امرأَة؛ قال أَبو ذؤيب:
قالتْ أُمَيْمةُ: ما لجِسْمك شاحِباً
مثلي ابْتُذِلْتَ، ومِثلُ ما لك يَنْفَعُ
(* قوله «مثلي ابتذلت» تقدم في مادة نفع بلفظ منذ ابتذلت وشرحه هناك).
وروى الأَصمعي أُمامةُ بالأَلف، فَمَن روى أُمامة على الترخيم
(* قوله
«فمن روى امامة على الترخيم» هكذا في الأصل، ولعله فمن روى أمامة فعلى
الأصل ومن روى أميمة فعل تصغير الترخيم). وأُمامةُ: ثَلَثُمائة من الإبِلِ؛
قال:
أَأَبْثُرهُ مالي ويَحْتُِرُ رِفْدَه؟
تَبَيَّنْ رُوَيْداً ما أُمامةُ من هِنْدِ
أَراد بأُمامة ما تقدَّم، وأَراد بِهِنْد هُنَيْدَة وهي المائة من
الإبل؛ قال ابن سيده: هكذا فسره أَبو العَلاء؛ ورواية الحَماسة:
أَيُوعِدُني، والرَّمْلُ بيني وبينه؟
تَبَيَّنْ رُوَيْداً ما أُمامة من هِنْدِ
وأَما: من حروف الابتداء ومعناها الإخْبار. وإمَّا في الجَزاء:
مُرَكَّبة من إنْ ومَا. وإمَّا في الشَّكِّ: عَكْسُ أو في الوضع، قال: ومن
خَفِيفِه أَمْ. وأَمْ حرف عَطف، معناه الاستفهام، ويكون بمعنى بَلْ. التهذيب:
الفراء أَمْ في المعنى تكون ردّاً على الاستفهام على جِهَتَيْن: إحداهما
أن تُفارِق معنى أَمْ، والأُخرى أن تَسْتَفْهِم بها على جهة النّسَق،
والتي يُنْوى به الابتداء إلاَّ أَنه ابتداء متصِل بكلام، فلو ابْتَدَأْت
كلاماً ليس قبله كلامٌ ثم استَفْهَمْت لم يكن إلا بالأَلف أو بهَلْ؛ من ذلك
قوله عز وجل: ألم تَنْزيلُ الكِتاب لا رَيْبَ فيه مِن رَبِّ العالَمين
أمْ يَقولونَ افْتَراه، فجاءت بأَمْ وليس قَبْلَها استفهام فهذه دليل على
أَنها استفهام مبتدأٌ على كلام قد سبقه، قال: وأَما قوله أَمْ تُريدُون أن
تَسْأَلوا رَسولَكم، فإن شئت جعَلْته استفهاماً مبتدأً قد سبقه كلامٌ،
وإن شئت جعَلْته مردوداً على قوله ما لنا لا نرى
(* قوله «وان شئت جعلته
مردوداً على قوله ما لنا لا نرى» هكذا في الأصل)، ومثله قوله: أَلَيْسَ لي
مُلْكُ مِصْرَ وهذه الأَنهارُ تَجْري من تحتي، ثم قال: أَم أَنا خَيْرٌ،
فالتفسير فيهما واحدٌ. وقال الفراء: وربما جَعَلتِ العرب أَمْ إذا سبقها
استفهام ولا يَصْلُح فيه أَمْ على جهة بَلْ فيقولون: هل لك قِبَلَنا
حَقٌّ أَم أَنتَ رجل معروف بالظُّلْم، يُريدون بل أنت رجُل معروف بالظُّلْم؛
وأَنشد:
فوَالله ما أَدري أَسَلْمى تَغَوَّلَتْ،
أَمِ النَّوْمُ أَمْ كلٌّ إليَّ حَبِيبُ
يُريد: بَلْ كلٌّ، قال: ويفعلون مثل ذلك بأَوْ، وهو مذكور في موضعه؛
وقال الزجاج: أَمْ إذا كانت معطوفة على لفظ الاستفهام فهي معروفة لا إشكال
فيها كقولك زيد أَحسن أَمْ عَمرو، أَكذا خيرٌ أَمْ كذا، وإذا كانت لا
تقَعُ عطفاً على أَلِف الاستفهام، إلا أَنها تكون غير مبتدأَة، فإنها تُؤذِن
بمعنى بَلْ ومعنى أَلف الاستفهام، ثم ذكر قول الله تعالى: أَمْ تُريدُون
أَن تَسأَلوا رَسُولكم، قال: المعنى بَلْ تُريدون أَن تَسأَلوا رسولَكم،
قال: وكذلك قوله: ألم تَنْزيلُ الكتاب لا رَيب فيه من ربِّ العالمين أمْ
يَقولون افْتَراه؛ قال: المعنى بَلْ يقولون افْتَراه، قال الليث: أَمْ
حَرْف أَحسَن ما يكون في الاستفهام على أَوَّله، فيصير المعنى كأَنه
استفهام بعد استفهام، قال: ويكون أمْ بمعنى بَلْ، ويكون أم بمعنى ألِف
الاستفهام كقولك: أَمْ عِنْدك غَداء حاضِرٌ؟ وأنت تريد: أَعِندَك غداء حاضِرٌ وهي
لغة حسنة من لغات العرب؛ قال أَبو منصور: وهذا يَجُوز إذا سبقه كلام،
قال الليث: وتكون أَمْ مبتدَأَ الكلام في الخبر، وهي لغة يَمانية، يقول
قائلُهم: أم نَحْن خَرَجْنا خِيارَ الناس، أَمْ نُطْعِم الطَّعام، أَمْ
نَضْرِب الهامَ، وهو يُخْبِر. وروي عن أبي حاتم قال: قال أَبو زيد أَم تكون
زائدة لغةُ أَهل اليمن؛ قال وأَنشد:
يا دَهْن أَمْ ما كان مَشْيي رَقَصا،
بل قد تكون مِشْيَتي تَوَقُّصا
أَراد يا دَهْناء فَرَخَّم، وأَمْ زائدة، أراد ما كان مَشْيي رَقَصاً أي
كنت أَتَوقَّصُ وأَنا في شَبِيبتي واليومَ قد أَسْنَنْت حتى صار مَشيي
رَقَصاً، والتَّوَقُّص: مُقارَبةُ الخَطْو؛ قال ومثلُه:
يا ليت شعري ولا مَنْجى من الهَرَمِ،
أَمْ هلْ على العَيْش بعدَ الشَّيْب مِن نَدَمِ؟
قال: وهذا مذهب أَبي زيد وغيره، يذهَب إلى أَن قوله أَمْ كان مَشْيي
رَقَصاً معطوف على محذوف تقدّم، المعنى كأَنه قال: يا دَهْن أَكان مَشْيي
رَقَصاً أَمْ ما كان كذلك، وقال غيره: تكون أَمْ بلغة بعض أَهل اليَمن
بمعنى الأَلِف واللامِ، وفي الحديث: ليس من امْبرِّ امْصِيامُ في امْسَفَر أي
ليس من البِرِّ الصِّيامُ في السفَر؛ قال أَبو منصور: والأَلفُ فيها
أَلفُ وَصْلٍ تُكْتَب ولا تُظْهر إذا وُصِلت، ولا تُقْطَع كما تُقْطَع أَلِف
أَم التي قدَّمنا ذكْرَها؛ وأَنشد أَبو عبيد:
ذاكَ خَلِيلي وذُو يُعاتِبُني،
يَرْمي ورائي بامْسَيْفِ وامْسَلِمَه
ألا تراه كيف وَصَل الميمَ بالواو؟ فافهمه. قال أَبو منصور: الوجه أن لا
تثبت الألف في الكِتابة لأَنها مِيمٌ جعلتْ بدَلَ الأَلفِ واللام
للتَّعْريف. قال محمد ابن المكرَّم: قال في أَوَّل كلامه: أَمْ بلغة اليمن
بمعنى الأَلف واللام، وأَوردَ الحديث ثم قال: والأَلف أَلفُ وَصْل تُكْتَبُ
ولا تُظْهر ولا تُقْطَع كما تُقْطَع أَلف أَمْ، ثم يقول: الوَجُه أَن لا
تثبت الألِف في الكتابة لأَنها ميمٌ جُعِلَتْ بدَل الأَلف واللام
للتَّعْريف، والظاهر من هذا الكلام أَن الميمَ عِوَض لام التَّعْريف لا غَيْر،
والأَلفُ على حالِها، فكيف تكون الميم عِوَضاً من الألف واللام؟ ولا حُجَّة
بالبيت الذي أَنشده فإن أَلفَ التَّعْريف واللام في قوله والسَّلِمَة لا
تظهر في ذلك، ولا في قوله وامْسَلِمَة، ولولا تشديدُ السين لَما قدر على
الإتْيان بالميم في الوزْن، لأَنَّ آلةَ التَّعْريف لا يَظْهر منها شيء
في قوله والسَّلِمة، فلمّا قال وامْسَلِمة احتاج أَن تظهر الميم بخلاف
اللام والألف على حالتها في عَدَم الظُّهور في اللفظ خاصَّة، وبإظهاره
الميم زالت إحْدى السِّينَيْن وخَفَّت الثانية وارْتَفَع التشديدُ، فإن كانت
الميم عِوَضاً عن الأَلف واللام فلا تثبت الألف ولا اللام، وإن كانت
عِوَضَ اللام خاصَّة فَثُبوت الألف واجبٌ. الجوهري: وأَمّا أَمْ مُخَفَّفة
فهي حرَف عَطف في الاستفهام ولها مَوْضِعان: أحدهُما أنْ تَقَع مُعادِلةً
لألِفِ الاستفهام بمعنى أيّ تقول أَزَيْدٌ في الدار أَمْ عَمرو والمعنى
أَيُّهما فيها، والثاني أَن تكون مُنْقَطِعة مما قبلها خَبراً كان أو
استفهاماً، تقول في الخَبَر: إنها لإِبلٌ أَمْ شاءٌ يا فتى، وذلك إذا نَظَرْت
إلى شَخْص فَتَوَهَّمته إبِلاً فقلت ما سبق إليك، ثم أَدْرَكك الظنُّ
أَنه شاءٌ فانصَرَفْت عن الأَوَّل فقلت أَمْ شاءٌ بمعنى بَلْ لأَنه إضْرابٌ
عمَّا كان قبله، إلاَّ أَنَّ ما يَقَع بعد بَلْ يَقِين وما بَعْد أَمْ
مَظْنون، قال ابن بري عند قوله فقلت أمْ شاءٌ بمعنى بَلْ لأَنه إِضْراب عما
كان قبله: صَوابُه أَنْ يَقول بمعنى بل أَهِيَ شاءٌ، فيأْتي بأَلِف
الاستفهام التي وَقَع بها الشكُّ، قال: وتَقول في الاستفهام هل زيد
مُنْطَلِق أمْ عَمرو يا فَتى؟ إنما أَضْرَبْت عن سُؤالك عن انْطِلاق زيدٍ
وجعَلْته عن عَمرو، فأَمْ معها ظنٌّ واستفهام وإضْراب؛ وأَنشد الأخفش
للأخطل:كَذَبَتْك عَينُكَ أَمْ رأَيت بِواسِطٍ
غَلَسَ الظَّلام، من الرَّبابِ، خَيالا؟
وقال في قوله تعالى: أَمْ يَقولون افْتراه؛ وهذا لم يكن أَصلهُ
استفهاماً، وليس قوله أَمْ يَقولون افْتَراهُ شكّاً، ولكنَّه قال هذا لِتَقبيح
صَنيعِهم، ثم قال: بل هو الحَقُّ من رَبِّك، كأَنه أَراد أَن يُنَبِّه على
ما قالوه نحو قولك للرجل: الخَيرُ أَحَبُّ إليك أمِ الشرُّ؟ وأَنتَ
تَعْلَم أنه يقول الخير ولكن أَردت أن تُقَبِّح عنده ما صنَع، قاله ابن بري.
ومثله قوله عز وجل: أمِ اتَّخَذ ممَّا يَخْلق بَناتٍ، وقد عَلِم النبيُّ،
صلى الله عليه وسلم، والمسلمون، رضي الله عنهم، أنه تعالى وتقدّس لم
يَتَّخِذ وَلَداً سبحانه وإنما قال ذلك لِيُبَصِّرهم ضَلالَتَهم، قال:
وتَدْخُل أَمْ على هلْ تقول أَمْ هلْ عندك عمرو؛ وقال عَلْقمة ابن
عَبَدة:أَمْ هلْ كَبيرٌ بَكَى لم يَقْضِ عَبْرَتَه،
إثْرَ الأَحبَّةِ، يَوْمَ البَيْنِ، مَشْكُومُ؟
قال ابن بري: أمْ هنا مُنْقَطِعة، واستَأْنَف السُّؤال بها فأَدْخَلها
على هلْ لتَقَدُّم هلْ في البيت قبله؛ وهو:
هلْ ما عَلِمْت وما اسْتودِعْت مَكْتوم
ثم استأْنف السؤال بِأَمْ فقال: أَمْ هلْ كَبير؛ ومثله قول الجَحَّاف بن
حكيم:
أَبا مالِكٍ، هلْ لُمْتَني مُذْ حَصَضَتَنِي
على القَتْل أَمْ هلْ لامَني منكَ لائِمُ؟
قال: إلاّ أَنه متى دَخَلَتْ أَمْ على هلْ بَطَل منها معنى الاستفهام،
وإنما دَخَلتْ أَم على هلْ لأَنها لِخُروجٍ من كلام إلى كلام، فلهذا
السَّبَب دخلتْ على هلْ فقلْت أَمْ هلْ ولم تَقُل أَهَلْ، قال: ولا تَدْخُل
أَم على الأَلِف، لا تَقول أَعِنْدك زيد أَمْ أَعِنْدك عَمْرو، لأن أصل ما
وُضِع للاستفهام حَرْفان: أَحدُهما الألفُ ولا تَقع إلى في أَوَّل
الكلام، والثاني أمْ ولا تقع إلا في وَسَط الكلام، وهلْ إنما أُقيمُ مُقام
الألف في الاستفهام فقط، ولذلك لم يَقَع في كل مَواقِع الأَصْل.
يدي: اليَدُ: الكَفُّ، وقال أَبو إِسحق: اليَدُ من أَطْراف الأَصابع
إِلى الكف، وهي أُنثى محذوفة اللام، وزنها فَعْلٌ يَدْيٌ، فحذفت الياء
تخفيفاً فاعْتَقَبت حركة اللام على الدال، والنسَبُ إِليه على مذهب سيبويه
يَدَوِيٌّ، والأَخفش يخالفه فيقول: يَدِيٌّ كَنَدِيٍّ، والجمع أَيْدٍ، على
ما يغلب في جمع فَعْلٍ في أَدْنى العَدَد. الجوهريّ: اليَدُ أَصلها يَدْيٌ
على فَعْل، ساكنة العين، لأَن جمعها أَيْدٍ ويُدِيٌّ، وهذا جمع فَعْلٍ
مثل فَلْسٍ وأَفْلُسٍ وفُلُوسٍ، ولا يجمع فَعَلٌ على أَفْعُل إِلا في حروف
يسيرة معدودة مثل زَمَنٍ وأَزْمُنٍ وجَبَلٍ وأَجْبُلٍ وعصاً وأَعْصٍ،
وقد جمعت الأَيْدي في الشعر على أَيادٍ؛ قال جندل بن المثنى
الطُّهَوِيّ:كأَنه، بالصَّحْصَحانِ الأَنْجَلِ،
قُطْنٌ سُخامٌ بأَيادي غُزَّلِ
وهو جمع الجمع مثل أَكْرُعٍ وأَكارِعَ؛قال ابن بري: ومثله قول الآخر:
فأَمَّا واحداً فكفاكَ مِثْلي،
فمَنْ لِيَدٍ تُطاوِحُها الأَيادِي؟
(* قوله «واحداً» هو بالنصب في الأصل هنا وفي مادة طوح من المحكم، والذي
وقع في اللسان في طوح: واحد، بالرفع.)
وقال ابن سيده: أَيادٍ جمع الجمع؛ وأَنشد أَبو الخطاب:
ساءها ما تَأَمَّلَتْ في أَيادِيـ
ـنا وإِشناقَها إِلى الأَعْناقِ
(* قوله« واشناقها» ضبط في الأصل بالنصب على أن الواو للمعية، وقع في
شنق مضبوطاً بالرفع.) وقال ابن جني: أَكثر ما تستعمل الأَيادي في النِّعم
لا في الأَعْضاء. أَبو الهيثم: اليَدُ اسم على حرفين، وما كان من الأَسامي
على حرفين وقد حذف منه حرف فلا يُردّ إِلا في التصغير أَو فى التثنية
أَو الجمع، وربما لم يُردَّ في التثنية، ويثنى على لفظ الواحد. وقال بعضهم:
واحد الأَيادي يَداً كما ترى مثل عَصاً ورَحاً ومَناً، ثم ثَنَّوْا
فقالوا يَدَيانِ ورَحَيانِ ومَنَوانِ؛ وأَنشد:
يَدَيان بَيْضاوانِ عنْدَ مُحَلِّمٍ
قدْ يَمْنَعانِك بَيْنُهمْ أَن تُهْضَما
ويروى: عند مُحَرِّق؛ قال ابن بري: صوابه كما أَنشده السيرافي وغيره:
قد يَمْنَعانِك أَن تُضامَ وتُضْهَدا
قال أَبو الهيثم: وتجمع اليَدُ يَدِيّاً مثل عَبْدٍ وعَبيدٍ، وتجمع
أَيْدِياً ثم تجمع الأَيْدي على أَيْدِينَ، ثم تجمع الأَيْدي أَيادِيَ؛
وأَنشد:
يَبْحَثْنَ بالأَرْجُلِ والأَيْدِينا
بَحْثَ المُضِلاَّت لما يَبْغِينا
وتصغر اليَدُ يُدَيَّةً؛ وأَما قوله أَنشده سيبويه لمضَرِّس ابن رِبْعِي
الأَسدي:
فطِرْتُ بِمُنْصُلي في يَعْمَلاتٍ،
دَوامي الأَيْدِ يَخْبِطْنَ السَّرِيحا
فإِنه احتاج إِلى حذف الياء فحذفها وكأَنه توهّم التنكير في هذا فشبه
لام المعرفة بالتنوين من حيث كانت هذه الأَشياء من خواص الأَسماء، فحذفت
الياء لأَجل اللام كما تحذفها لأَجل التنوين؛ ومثله قول الآخر:
لا صُلْحَ يَيْني، فاعْلَمُوه، ولا
بَيْنَكُمُ ما حَمَلَتْ عاتِقِي
سَيْفِي، وما كُنَّا بنَجْدٍ، وما
قَرْقَرَ قُمْرُ الوادِ بالشَّاهِقِ
قال الجوهري: وهذه لغة لبعض العرب يحذفون الياء من الأَصل مع الأَلف
واللام فيقولون في المُهْتَدِي المُهْتَدِ، كما يحذفونها مع الإِضافة في مثل
قول خفاف بن ندبة:
كنَواحِ رِيشِ حَمامةٍ نَجْدِيَّةٍ،
ومَسَحْتُ باللِّثَتَيْنِ عَصْفَ الإِثْمِدِ
أَراد كنواحي، فحذف الياء لَمَّا أَضاف كما كان يحذفها مع التنوين،
والذاهب منها الياء لأَن تصغيرها يُدَيَّةٌ، بالتشديد، لاجتماع الياءين؛ قال
ابن بري: وأَنشد سيبويه بيت خفاف: ومَسَحْتِ، بكسر التاء، قال: والصحيح
أَن حذف الياء في البيت لضرورة الشعر لا غير، قال: وكذلك ذكره سيبويه، قال
ابن بري: والدليل على أَنَّ لام يَدٍ ياء قولهم يَدَيْتُ إِليه يَداً،
فأَما يُدَيَّةٌ فلا حجة فيها لأَنها لو كانت في الأَصل واواً لجاء
تصغيرها يُدَيَّةً كما تقول في غَرِيَّة غُرَيَّةً، وبعضهم يقول لذي
الثُّدَيَّةِ ذو اليُدَيَّةِ، وهو المقتول بنَهْرَوانَ.
وذو اليَدَيْن: رجل من الصحابة يقال سمي بذلك لأَنه كان يَعمل بيديه
جميعاً، وهو الذي قال للنبي، صلى الله عليه وسلم، أَقَصُرَتِ الصلاةُ أَم
نَسِيتَ؟ ورجل مَيْدِيٌّ أَي مقطوع اليد من أَصلها. واليُداء: وجع اليد.
اليزيدي: يَدِيَ فلان من يَدِه أَي ذَهَبَتْ يدُه ويَبِسَتْ. يقال: ما له
يَدِيَ من يَده، وهو دعاء عليه، كما يقال تَرِبَتْ يَداه؛ قال ابن بري:
ومنه قول الكميت:
فأَيٌّ ما يَكُنْ يَكُ، وَهْوَ مِنَّا
بأَيْدٍ ما وبَطْنَ ولا يَدِينا
(*قوله« فأي» الذي في الاساس: فأياً، بالنصب.)
وبَطْنَ: ضَعُفْنَ ويَدِينَ: شَلِلْنَ. ابن سيده: يَدَيْتُه ضربت يدَه
فهو مَيْدِيٌّ. ويُدِيَ: شَكا يَدَه، على ما يَطَّرِد في هذا النحو.
الجوهريّ: يَدَيْتُ الرجل أَصَبْتُ يَده فهو مَيْدِيٌّ، فإِن أَردت أَنك اتخذت
عنده يَداً قلت أَيْدَيْت عنده يداً، فأَنا مُودٍ، وهو مُودًى إِليه،
ويَدَيْتُ لغة؛ قال بعض بني أَسد:
يَدَيْتُ على ابنِ حَسْحاسِ بنِ وَهّبٍ،
بأَسْفَلِ ذِي الجِذاةِ، يَدَ الكَريمِ
قال شمر: يَدَيْتُ اتخذت عنده يَداً؛ وأَنشد لابن أَحمر:
يَدٌ ما قد يَدَيْتُ على سُكَينٍ
وعَبْدِ اللهِ، إِذْ نَهِشَ الكُفُوفُ
قال: يَدَيْت اتخذت عنده يَداً. وتقول إِذا وقَع الظَّبْيُ في
الحِبالةِ: أَمَيْدِيٌّ أَم مَرْجُولٌ أَي أَوْقَعَتْ يدهُ في الحِبالةِ أَم
رِجْلُه؟ ابن سيده: وأَما ما روي من أَنَّ الصدقة تقع في يَد الله فتأَويله
أَنه يَتَقبَّلُ الصَّدَقة ويُضاعِفُ عليها أَي يزيد: وقالوا: قَطَعَ اللهُ
أَدَيْه، يريدون يَدَيه، أَبدلوا الهمزة من الياء، قال: ولا نعلمها
أُبدلت منها على هذه الصورة إِلا في هذه الكلمة، وقد يجوز أَن يكون ذلك لغة
لقلة إِبدال مثل هذا. وحكى ابن جني عن أَبي عليّ: قَطَعَ الله أَدَه،
يريدُون يَدَه، قال: وليس بشيء.قال ابن سيده: واليَدا لغة في اليَدِ، جاء
متمماً على فَعَلٍ؛ عن أَبي زيد؛ وأَنشد:
يا رُبَّ سارٍ سارَ ما تَوَسَّدا
إِلاَّ ذِراعَ العَنْسِ، أَو كفَّ اليَدا
وقال آخر:
قد أَقْسَمُوا لا يَمْنَحُونَكَ نَفْعَةً
حتى تَمُدَّ إِليهمُ كَفَّ اليَدا
قال ابن بري: ويروى لا يمنحونك بَيْعةً، قال: ووجه ذلك أَنه ردّ لام
الكلمة إِليها لضرورة الشعر كما ردّ الآخرلام دم إِليه عند الضرورة، وذلك في
قوله:
فإِذا هِي بِعِظامٍ ودَمَا
وامرأَةٌ يَدِيَّةٌ أَي صنَاعٌ، وما أَيْدَى فلانةَ، ورجل يَدِيٌّ.
ويَدُ القَوْسِ: أَعلاها على التشبيه كما سمَّوا أَسْفَلَها رِجْلاً، وقيل:
يَدُها أَعْلاها وأَسْفَلُها، وقيل: يَدُها ما عَلا عن كَبِدِها، وقال
أَبو حنيفة: يَدُ القَوْسِ السِّيةُ اليُمْنى؛ يرويه عن أَبي زياد الكلابي.
ويَدُ السيفِ: مَقْبِضُه على التمثيل: ويَدُ الرَّحَى: العُود الذي
يَقْبِض عليه الطَّاحِنُ. واليَدُ: النِّعْمةُ والإِحْسانُ تَصْطَنِعُه
والمِنَّةُ والصَّنِيعَةُ، وإِنما سميت يداً لأَنها إِنما تكون بالإِعْطاء
والإِعْطاءُ إِنالةٌ باليد، والجمع أَيدٍ، وأَيادٍ جمع الجمع، كما تقدم في
العُضْوِ، ويُدِيٌّ ويَدِيٌّ في النعمة خاصّة؛ قال الأَعشى:
فَلَنْ أَذْكُرَ النُّعْمانَ إِلاَّ بصالِحٍ،
فإِنَّ له عندي يُدِيّاً وأَنْعُما
ويروى: يَدِيّاً، وهي رواية أَبي عبيد فهو على هذه الرواية اسم للجمع،
ويروى: إِلا بنِعْمةٍ. وقال الجوهري في قوله يَدِيّاً وأَنْعُما: إِنما
فتح الياء كراهة لتوالي الكسرات، قال: ولك أَن تضمها، وتجمع أَيضاً على
أَيْدٍ؛ قال بشر بن أَبي خازم:
تَكُنْ لك في قَوْمِي يَدٌ يَشْكُونها،
وأَيْدِي النَّدَى في الصالحين قُرُوضُ
قال ابن بري في قوله:
فلَنْ أَذْكُرَ النعمان إِلا بصالح
البيت لضَمْرةَ بن ضَمْرَةَ النَّهْشَلي؛ وبعده:
تَرَكْتَ بَني ماء السماء وفِعْلَهُم،
وأَشْبَهْتَ تَيْساً بالحِجازِ مُزَنَّما
قال ابن بري: ويَدِيٌّ جمع يَدٍ، وهو فَعِيلٌ مثل كلْب وكَلِيب وعَبْد
وعَبيد، قال: ولو كان يَدِيٌّ في قول الشاعر يَدِيّاً فُعُولاً في الأصل
لجاز فيه الضم والكسر، قال: وذلك غير مسموع فيه. ويَدَيْتُ إِليه يَداً
وأَيْدَيْتُها: صَنَعْتها. وأَيْدَيْتُ عنده يداً في الإِحسان أَي
أَنْعَمْت عليه. ويقال: إِنَّ فلاناً لذو مال يَيْدِي به ويَبُوع به أَي يَبْسُط
يَدَه وباعه. ويادَيْتُ فلاناً: جازَيْتُه يداً بيد، وأَعطيته مُياداةً
أَي من يدِي إِلى يده.الأَصمعي: أَعطيته مالاً عن ظهر يد، يعني تفضلاً ليس
من بيع ولا قَرْض ولا مُكافأَة. الليث: اليَدُ النِّعْمةُ السابغةُ.
ويَدُ الفأْسِ ونحوِها: مَقْبِضُها. ويَدُ القَوْسِ: سِيَتُها. ويدُ
الدَّهْر: مَدُّ زمانه. ويدُ الرِّيحِ: سُلْطانُها؛ قال لبيد:
نِطافٌ أَمرُها بِيَدِ الشَّمال
لَمَّا مَلَكَتِ الريحُ تصريف السَّحاب جُعل لها سُلطان عليه. ويقال:
هذه الصنعة في يَدِ فلان أَي في مِلْكِه، ولا يقال في يَدَيْ فلان.
الجوهري: هذا الشيء في يَدِي أَي في مِلْكي. ويَدُ الطائر: جَناحُه. وخَلَعَ
يدَه عن الطاعة: مثل نزَعَ يدَه، وأَنشد:
ولا نازِعٌ مِن كلِّ ما رابَني يَدا
قال سيبويه: وقالوا بايَعْتُه يَداً بيَدٍ، وهي من الأَسماء الموضوعة
مَوْضِعَ المَصادِر كأَنك قلت نَقْداً، ولا ينفرد لأَنك إِنما تريد أَخذَ
مني وأَعْطاني بالتعجيل، قال: ولا يجوز الرفع لأَنك لا تخبر أَنك
بايَعْتَه ويدُك في يَدِه. واليَدُ: القُوَّةُ. وأَيَّدَه الله أَي قَوَّاه. وما
لي بفلان يَدانِ أَي طاقةٌ. وفي التنزيل العزيز: والسَّماءَ بَنَيْناها
بأَيْدٍ؛ قال ابن بري:
ومنه قول كعب بن سعد الغَنَويِّ:
فاعمِدْ لِما يَعْلُو، فما لكَ بالذي
لا تستَطِيعُ من الأُمورِ يَدانِ
وفي التنزيل العزيز: مما عملت أَيدينا، وفيه: بما كسَبَتْ أَيدِيكم.
وقول سيدنا رسول الله،صلى الله عليه وسلم: المُسْلِمُونَ تتَكافَأُ دماؤُهم
ويَسْعَى بذِمَّتهم أَدْناهم وهم يَدٌ على مَن سِواهم أَي كَلِمَتُهم
واحدة، فبعضُهم يُقوِّي بَعْضاً، والجمع أَيْدٍ، قال أَبو عبيد: معنى قوله
يَدٌ على مَن سواهم أَي هم مجتمعون على أَعدائِهم وأَمرُهم واحد، لا
يَسَعُهم التَّخاذُل بل يُعاوِنُ بعضُهم بعضاً، وكَلِمَتُهم ونُصْرَتُهم
واحدةٌ على جميع المِلَلِ والأَدْيانِ المُحاربةِ لهم، يتَعاوَنون على جميعهم
ولا يَخْذُل بعضُهم بعضاً، كأَنه جعل أَيْدِيَهم يَداً واحدةً وفِعْلَهم
فِعْلاً واحداً. وفي الحديث: عليكم بالجماعةِ فإِنَّ يدَ اللهِ على
الفُسْطاطِ؛ الفُسْطاطُ: المِصْرُ الجامِعُ، ويَدُ اللهِ كناية عن الحِفظ
والدِّفاع عن أَهل المصر، كأَنهم خُصُّوا بواقِيةِ اللهِ تعالى وحُسْنِ
دِفاعِه؛ ومنه الحديث الآخر: يَدُ اللهِ على الجَماعةِ أَي أَنَّ الجماعة
المُتَّفِقةَ من أَهل الإِسلام في كَنَفِ اللهِ، ووِقايَتُه فَوْقَهم، وهم
بَعِيد من الأَذَى والخوْف فأَقِيموا بين ظَهْر انَيهِمْ. وقوله في
الحديث: اليَدُ العُلْيا خَيْرٌ من اليَدِ السُّفْلى؛ العُلْيا المُعْطِيةُ،
وقيل: المُتَعَفِّفَةُ، والسُّفْلى السائلةُ، وقيل: المانِعةُ. وقوله، صلى
الله عليه وسلم، لنسائه: أَسْرَعُكُنَّ لُحوقاً بي أَطْوَلُكُنَّ يَداً؛
كَنَى بطُولِ اليد عن العَطاء والصَّدَقةِ. يقال: فلان طَوِيلُ اليَدِ
وطويلُ الباعِ إِذا كان سَمْحاً جَواداً. وكانت زينب تُحِبُّ الصَّدقة وهي
ماتت قَبْلَهنَّ. وحديث قَبِيصةَ: ما رأَيتُ أَعْطَى للجَزِيل عن ظَهْرِ
يَدٍ من طَلْحَة أَي عن إِنْعامٍ ابتداء من غيرِ مكافأََةٍ. وفي التنزيل
العزيز: أُولي الأَيدي والأَبْصار؛ قيل: معناه أُولي القُوَّة والعقول.
والعرب تقول: ما لي به يَدٌ أَي ما لي به قُوَّة، وما لي به يَدانِ، وما
لهم بذلك أَيْدٍ أَي قُوَّةٌ، ولهم أَيْدٍ وأَبْصار وهم أُولُو الأَيْدي
والأَبْصار. واليَدُ: الغِنَى والقُدْرةُ، تقول: لي عليه يَدٌ أَي قُدْرة.
ابن الأَعرابي: اليَدُ النِّعْمةُ، واليَدُ القُوَّةُ، واليَدُ
القُدْرة، واليَدُ المِلْكُ، واليَدُ السُلْطانُ، واليَدُ الطاعةُ، واليَدُ
الجَماعةُ، واليَدُ الأَكْلُ؛ يقال: ضَعْ يدَكَ أَي كُلْ، واليَدُ النَّدَمُ،
ومنه يقال: سُقِط في يده إِذا نَدِمَ، وأُسْقِطَ أَي نَدِمَ. وفي التنزيل
العزيز: ولما سُقِطَ في أَيديهم؛ أَي نَدِمُوا، واليَدُ الغِياثُ،
واليَدُ مَنْعُ الظُّلْمِ، واليَدُ الاسْتِسلامُ، واليدُ الكَفالةُ في
الرَّهْن؛ ويقال للمعاتِب: هذه يدي لكَ. ومن أَمثالهم: لِيَدٍ ما أَخَذتْ؛
المعنى من أَخذ شيئاً فهو له. وقولهم: يدي لكَ رَهْنٌ بكذا أَي ضَمِنْتُ ذلك
وكَفَلْتُ به. وقال ابن شميل: له عليَّ يَدٌ، ولا يقولون له عندي يدٌ؛
وأَنشد:
له عليَ أَيادٍ لَسْتُ أَكْفُرُها،
وإِنما الكُفْرُ أَنْ لا تُشْكَرَ النِّعَمُ
قال ابن بزرج: العرب تشدد القوافي وإِن كانت من غير المضاعف ما كان من
الياء وغيره؛ وأَنشد:
فجازُوهمْ بما فَعَلُوا إِلَيْكُمْ،
مُجازاةَ القُرُومِ يَداً بيَدِّ
تَعالَوْا يا حَنِيفَ بَني لُجَيْمٍ،
إِلَى مَنْ فَلَّ حَدَّكُمُ وَحَدِّي
وقال ابن هانئ: من أَمثالهم:
أَطاعَ يَداً بالقَوْدِ فهو ذَلُولُ
إِذا انْقادَ واستسلمَ. وفي الحديث: أَنه، صلى الله عليه وسلم، قال في
مناجاته ربه وهذه يدي لك أَي اسْتَسْلَمَتُ إِليك وانْقَدْت لك، كما يقال
في خلافِه: نزَعَ يدَه من الطاعة؛ ومنه حديث عثمان، رضي الله تعالى عنه:
هذه يَدي لعَمَّار أَي أَنا مُسْتَسْلِمٌ له مُنْقادٌ فليَحْتَكِمْ عليَّ
بما شاء. وفي حديث علي، رضي الله عنه: مرَّ قومٌ من الشُّراة بقوم من
أَصحابه وهم يَدْعُون عليهم فقالوا بِكُم اليَدانِ أَي حاقَ بكم ما
تَدْعُون به وتَبْسطُون أَيْدِيَكم. تقول العرب: كانت به اليَدانِ أَي فَعَلَ
اللهُ به ما يقولُه لي، وكذلك قولهم: رَماني من طُولِ الطَّوِيِّ وأَحاقَ
اللهُ به مَكْرَه ورجَع عليه رَمْيُه، وفي حديثه الآخر: لما بلغه موت
الأَشتر قال لليَدَيْنِ وللفَمِ؛ هذه كلمة تقال للرجل إِذا دُعِيَ عليه
بالسُّوء، معناه كَبَّه الله لوجهه أَي خَرَّ إِلى الأَرض على يدَيه وفِيهِ؛
وقول ذي الرمة:
أَلا طَرَقَتْ مَيٌّ هَيُوماً بذِكْرِها،
وأَيْدِي الثُّرَيّا جُنَّحٌ في المَغارِب
استعارةٌ واتساع، وذلك أَنَّ اليَدَ إِذا مالَتْ نحو الشيء ودَنَتْ
إِليه دَلَّتْ على قُرْبها منه ودُنوِّها نحوَه، وإِنما أَراد قرب الثريا من
المَغْربِ لأُفُولها فجعل لها أَيْدِياً جُنَّحاً نحوها؛ قال لبيد:
حتى إِذا أَلْقَتْ يَداً في كافِرٍ،
وأَجَنَّ عَوْراتِ الثُّغُورِ ظَلامُها
يعني بدأَت الشمس في المَغِيب، فجعل للشمس يَداً إِلى المَغِيب لما
أَراد أَن يَصِفَها بالغُروب؛ وأَصل هذه الاستعارة لثعلبة بن صُعَيْر المازني
في قوله:
فتَذَكَّرا ثَقَلاً رَثِيداً بَعْدَما
أَلْقَتْ ذُكاءُ يَمِينها في كافِرِ
وكذلك أَراد لبيد أَن يُصرِّح بذكر اليمين فلم يمكنه. وقوله تعالى: وقال
الذين كفروا لَنْ نُؤْمِنَ بهذا القرآن ولا بالذي بين يَدَيْهِ؛ قال
الزجاج: أَراد بالذي بين يديه الكُتُبَ المُتَقَدِّمة، يعنون لا نُؤمن بما
أَتى به محمد،صلى الله عليه وسلم، ولا بما أَتَى به غيرُه من الأَنبياء،
عليهم الصلاة والسلام. وقوله تعالى: إِنْ هُو إِلاّ نَذِيرٌ لكم بَيْنَ
يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ؛ قال الزجاج: يُنْذِرُكُم أَنَّكم إِنْ عَصَيْتُم
لَقِيتُم عذاباً شديداً. وفي التنزيل العزيز: فَرَدُّوا أَيْدِيَهم في
أَفْواهِهم: قال أَبو عبيدة: تركوا ما أُمِرُوا به ولم يُسْلِمُوا؛ وقال
الفراء: كانوا يُكَذِّبونهم ويردّون القول بأَيديهم إِلى أَفْواهِ الرسل،
وهذا يروى عن مجاهد، وروي عن ابن مسعود أَنه قال في قوله عز وجل: فَرَدُّوا
أَيْدِيَهم في أَفْواهِهم؛ عَضُّوا على أَطْرافِ أَصابعهم؛ قال
أَبومنصور: وهذا من أَحسن ما قيل فيه، أَراد أَنهم عَضُّوا أَيْدِيَهم حَنَقاً
وغَيْظاً؛ وهذا كما قال الشاعر:
يَرُدُّونَ في فِيهِ عَشْرَ الحَسُود
يعني أَنهم يَغِيظُون الحَسُودَ حتى يَعَضَّ على أَصابِعه؛ونحو ذلك قال
الهذلي:
قَدَ افْنَى أَنامِلَه أَزْمُه،
فأَمْسَى يَعَضُّ عَليَّ الوَظِيفا
يقول: أَكل أَصابِعَه حتى أَفْناها بالعَضِّ فصارَ يَعَضُ وَظِيفَ
الذراع. قال أَبو منصور: واعتبار هذا بقوله عز وجل: وإِذا خَلَوْا عَضُّوا
عليكم الأَنامِلَ من الغَيْظِ. وقله في حديث يأْجُوجَ ومأْجُوجَ: قد
أَخْرَجْتُ عِباداً لِي لا يَدانِ لأَحَدٍ بِقِتالِهمْ أَي لا قُدْرَةَ ولا
طاقَة. يقال: ما لي بهذا الأَمر يَدٌ ولا يَدانِ لأَن المُباشَرةَ والدِّفاعَ
إِنما يكونان باليَدِ، فكأَنَّ يَدَيْهِ مَعْدُومَتانِ لعجزه عن
دَفْعِه. ابن سيده: وقولهم لا يَدَيْنِ لك بها، معناه لا قُوّة لك بها، لم يحكه
سيبويه إِلا مُثنى؛ ومعنى التثنية هنا الجمع والتكثير كقول الفرزدق:
فكُلُّ رَفِيقَي كُلّ رَحْلٍ
قال: ولا يجوز أَن تكون الجارحة هنا لأَن الباء لا تتعلق إِلا بفعل أَو
مصدر. ويقال: اليَدُ لفلان على فلان أَي الأَمْرُ النافِذُ والقَهْرُ
والغَلَبةُ، كما تقول: الرِّيحُ لفلان. وقوله عز وجل: حتى يُعْطُوا
الجِزْيةَ عن يَدٍ؛ قيل: معناه عن ذُلٍّ وعن اعْتِرافٍ للمسلمين بأَن أَيْدِيَهم
فوق أَيْدِيهم، وقيل: عن يَدٍ أَي عن إِنْعام عليهم بذلك لأَنَّ قَبول
الجِزْية وتَرْكَ أَنْفُسهم عليهم نِعمةٌ عليهم ويَدٌ من المعروف جَزِيلة،
وقيل: عن يَدٍ أَي عن قَهْرٍ وذُلٍّ واسْتِسْلام، كما تقول: اليَدُ في
هذا لفلان أَي الأَمرُ النافِذُ لفُلان. وروي عن عثمان البزي عن يَدٍ قال:
نَقْداً عن ظهر يد ليس بنسِيئه. وقال أَبو عبيدة: كلُّ مَن أَطاعَ لمن
قهره فأَعطاها عن غير طيبةِ نَفْسٍ فقد أَعطاها عن يَدٍ، وقال الكلبي عن
يَدٍ قال: يمشون بها، وقال أَبو عبيد: لا يَجِيئون بها رُكباناً ولا
يُرْسِلُون بها. وفي حديث سَلْمانَ: وأَعْطُوا الجِزْيةَ عن يَدٍ، إِنْ أُرِيد
باليدِ يَدُ المُعْطِي فالمعنى عن يَدٍ مُواتِيةٍ مُطِيعة غير
مُمْتَنِعة، لأَن من أَبى وامتنع لم يُعطِ يَدَه، وإِن أُريد بها يَدُ الآخذ
فالمعنى عن يَد قاهرة مستولية أَو عن إِنعام عليهم، لأَنَّ قبول الجِزْيةِ
منهم وترك أَرْواحِهم لهم نِعْمةٌ عليهم. وقوله تعالى: فجعلناها نَكالاً لما
بين يَدَيْها وما خَلْفَها؛ ها هذه تَعُود على هذه الأُمَّة التي
مُسِخَت، ويجوز أَن تكون الفَعْلة، ومعنى لما بين يديها يحتمل شيئين: يحتمل أَن
يكون لما بين يَدَيْها للأُمم التي بَرَأَها وما خَلْفها للأُمم التي
تكون بعدها، ويحتمل أَن يكون لِما بين يديها لما سَلَفَ من ذنوبها، وهذا
قول الزجاج. وقول الشيطان: ثم لآتِيَنَّهم من بينِ أَيْديهِم ومن خلفهم؛
أَي لأُغُوِيَنَّهم حتى يُكَذِّبوا بما تَقَدَّمَ ويكذِّبوا بأَمر البعث،
وقيل: معنى الآية لآتِيَنَّهم من جميع الجِهات في الضَّلال، وقيل: مِن
بينِ أَيْدِيهِم أَي لأُضِلَّنَّهم في جميع ما تقدَّم ولأُضِلَّنَّهم في
جميع ما يُتَوقَّع؛ وقال الفراء: جعلناها يعني المسخة جُعِلت نَكالاً لِما
مَضَى من الذُّنوب ولما تَعْمَل بَعْدَها. ويقال: بين يديك كذا لكل شيء
أَمامَك؛ قال الله عز وجل: مِن بينِ أَيْدِيهِم ومِن خَلْفِهم. ويقال:
إِنَّ بين يَدَيِ الساعة أَهْوالاً أَي قُدَّامَها. وهذا ما قَدَّمَتْ يَداكَ
وهو تأْكيد، كما يقال هذا ما جَنَتْ يَداك أَي جَنَيْته أَنت إلا أَنك
تُؤَكِّد بها. ويقال: يَثُور الرَّهَجُ بين يَدي المطر، ويَهِيجُ
السِّباب بين يدي القِتال. ويقال: يَدِيَ فلان مِن يَدِه إِذا شَلَّتْ. وقوله عز
وجل: يَدُ اللهِ فوق أَيْديهم؛ قال الزجاج: يحتمل ثلاثة أَوجه: جاء
الوجهان في التفسير فأَحدهما يَدُ اللهِ في الوَفاء فوقَ أَيْديهم، والآخر
يَدُ اللهِ في الثواب فوق أَيْديهم، والثالث، والله أَعلم، يَدُ اللهِ في
المِنّةِ عليهم في الهِدايةِ فَوق أَيْديهم في الطاعة. وقال ابن عرفة في
قوله عز وجل: ولا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتِرِينَه بين أَيديهن
وأَرْجُلِهِنَّ؛ أَي من جميع الجهات. قال: والأَفعال تُنْسَب إِلى الجَوارِح،
قال: وسميت جَوارح لأَنها تَكْتسب. والعرب تقول لمن عمل شيئاً يُوبَّخ به:
يَداك أَوْ كَتا وفُوكَ نَفَخَ؛ قال الزجاج: يقال للرجل إِذا وُبِّخَ ذلك
بما كَسَبَتْ يَداكَ، وإِن كانت اليَدان لم تَجْنِيا شيئاً لأَنه يقال
لكل من عَمِلَ عملاً كسَبَتْ يَداه لأَن اليَدَيْنِ الأَصل في التصرف؛ قال
الله تعالى: ذلك بما كَسَبَتْ أَيْديكم؛ وكذلك قال الله تعالى: تَبَّتْ
يدَا أَبي لَهَبٍ وتَبَّ. قال أَبو منصور: قوله ولا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ
يَفْتَرِينَه بين أَيديهن وأَرجلهن، أَراد بالبُهْتان ولداً تحمله من غير
زوجها فتقول هو من زوجها، وكنى بما بين يديها ورجليها عن الولد لأَن
فرجها بين الرجلين وبطنها الذي تحمل فيه بين اليدين. الأَصمعي: يَدُ الثوب
ما فَضَل منه إِذا تَعَطَّفْت والْتَحَفْتَ. يقال: ثوب قَصيرُ اليَدِ
يَقْصُر عن أَن يُلْتَحَفَ به. وثوبٌ يَدِيٌّ وأَدِيٌّ: واسع؛ وأَنشد
العجاج:بالدَّارِ إِذْ ثَوْبُ الصِّبا يَدِيُّ،
وإِذْ زَمانُ الناسِ دَغْفَلِيُّ
وقَمِيصٌ قصير اليدين أَي قصير الكمين. وتقول: لا أَفعله يَدَ الدَّهْر
أَي أَبداً. قال ابن بري: قال التَّوَّزِيُّ ثوب يَدِيٌّ واسع الكُمّ
وضَيِّقُه، من الأَضداد؛ وأَنشد:
عَيْشٌ يَدِيٌّ ضَيِّقٌ ودَغْفَلِي
ويقال: لا آتِيه يَدَ الدَّهْر أَي الدَّهْرَ؛ هذا قول أَبي عبيد؛ وقال
ابن الأَعرابي: معناه لا آتيه الدهْرَ كله؛ قال الأَعشى:
رَواحُ العَشِيِّ وَسَيْرُ الغُدُوّ،
يَدا الدَّهْرِ، حتى تُلاقي الخِيارا
(* قوله «رواح العشي إلخ» ضبطت الحاء من رواح في الأصل بما ترى.)
الخِيار: المختارُ، يقع للواحد والجمع. يقال: رجل خِيارٌ وقومٌ خِيارٌ،
وكذلك: لا آتيهِ يَدَ المُسْنَدِ أَي الدهرَ كله، وقد تقدَّم أَن
المُسْنَدَ الدَّهْرُ. ويدُ الرجل: جماعةُ قومه وأَنصارُه؛ عن ابن الأَعرابي؛
وأَنشد:
أَعْطى فأَعْطاني يَداً ودارا،
وباحَةً خَوَّلَها عَقارا
الباحةُ هما: النخل الكثير. وأَعطَيْتُه مالاً عن ظهر يَدٍ: يعني
تفضُّلاً ليس من بيع ولا قَرْضٍ ولا مُكافأَةٍ. ورجل يَدِيٌّ وأَدِيٌّ: رفيقٌ.
ويَدِيَ الرجُلُ، فهو يَدٍ: ضعُفَ؛ قال الكميت:
بأَيْدٍ ما وبَطْنَ وما يَدِينا
ابن السكيت: ابتعت الغنم اليْدَيْنِ، وفي الصحاح: باليَدَيْنِ أَي
بثمنين مُخْتَلِفَيْنِ بعضُها بثمن وبعضُها بثمن آخر. وقال الفراء: باعَ فلان
غنَمه اليدانِ
(* قوله« باع فلان غنمه اليدان» رسم في الأصل اليدان
بالألف تبعاً للتهذيب.) ، وهو أَن يُسلِمها بيد ويأْخُذَ ثمنها بيد. ولَقِيتُه
أَوَّلَ ذات يَدَيْنِ أَي أَوَّلَ شيء. وحكى اللحياني: أَمّا أَوَّلَ
ذات يَدَيْنِ فإِني أَحمدُ اللهَ. وذهب القومُ أَيدي سَبا أَي متفرّقين في
كل وجه، وذهبوا أَيادِيَ سَبا، وهما اسمان جُعلا واحداً، وقيل: اليَدُ
الطَّريقُ ههنا. يقال: أَخذ فلان يَدَ بَحْرٍ إِذا أَخذ طريق البحر. وفي
حديث الهجرة: فأَخَذَ بهم يَدَ البحر أَي طريق الساحل، وأَهلُ سبا لما
مُزِّقوا في الأَرض كلَّ مُمَزَّقٍ أَخذوا طُرُقاً شتَّى، فصاروا أَمثالاً
لمن يتفرقون آخذين طُرُقاً مختلفة. رأَيت حاشية بخط الشيخ رضيّ الدين
الشاطبي، رحمه الله، قال: قال أَبو العلاء المَعري قالت العرب افْتَرَقوا
أَيادِيَ سبا فلم يهمزوا لأَنهم جعلوه مع ما قبله بمنزلة الشيء الواحد،
وأَكثرهم لا ينوّن سبا في هذا الموضع وبعضهم ينوِّن؛ قال ذو الرمة:
فَيَا لَكِ مِنْ دارٍ تَحَمَّلَ أَهلُها
أَيادِي سَباً عنها، وطالَ انْتِقالُها
والمعنى أَن نِعَمَ سبا افترقت في كل أَوْبٍ، فقيل: تفرَّقوا أَيادِيَ
سبا أي في كل وجه. قال ابن بري: قولهم أَيادِي سبا يُراد به نِعَمُهم.
واليَدُ: النِّعْمة لأَنَّ نِعَمَهُم وأَموالَهم تفرَّقَتْ بتفرقهم، وقيل:
اليَدُ هنا كناية عن الفِرْقة. يقال: أَتاني يَدٌ من الناس وعينٌ من
الناس، فمعناه تفرَّقوا تفرُّقَ جَماعاتِ سَبا، وقيل: إِن أَهل سبا كانت يدُهم
واحدة، فلما فَرَّقهم الله صارت يدُهم أَياديَ، قال: وقيل اليدُ هنا
الطريق؛ يقال: أَخذ فلان يدَ بحر أَي طريق بَحرٍ، لأَن أَهل سبا لمَّا
مَزَّقَهم الله أَخَذوا طُرُقاً شتَّى. وفي الحديث: اجْعَلِ الفُسَّاقَ يَداً
يَداً ورِجْلاً رجْلاً فإِنهم إِذا اجتمعوا وَسْوَسَ الشيطانُ بينهم في
الشر؛ قال ابن الأَثير: أَي فَرِّقْ بينهم، ومنه قولهم: تَفَرَّقوا
أَيْدِي سَبا أَي تفرَّقوا في البلاد. ويقال: جاءَ فلان بما أَدت يَدٌ إِلى
يَدٍ، عنذ تأْكيد الإِخْفاق، وهو الخَيْبةُ. ويقال للرجل يُدْعى عليه
بالسوء: لليَدَيْنِ وللفَمِ أَي يَسْقُط على يَدَيْهِ وفَمِه.
يدي: اليَدُ: الكَفُّ، وقال أَبو إِسحق: اليَدُ من أَطْراف الأَصابع
إِلى الكف، وهي أُنثى محذوفة اللام، وزنها فَعْلٌ يَدْيٌ، فحذفت الياء
تخفيفاً فاعْتَقَبت حركة اللام على الدال، والنسَبُ إِليه على مذهب سيبويه
يَدَوِيٌّ، والأَخفش يخالفه فيقول: يَدِيٌّ كَنَدِيٍّ، والجمع أَيْدٍ، على
ما يغلب في جمع فَعْلٍ في أَدْنى العَدَد. الجوهريّ: اليَدُ أَصلها يَدْيٌ
على فَعْل، ساكنة العين، لأَن جمعها أَيْدٍ ويُدِيٌّ، وهذا جمع فَعْلٍ
مثل فَلْسٍ وأَفْلُسٍ وفُلُوسٍ، ولا يجمع فَعَلٌ على أَفْعُل إِلا في حروف
يسيرة معدودة مثل زَمَنٍ وأَزْمُنٍ وجَبَلٍ وأَجْبُلٍ وعصاً وأَعْصٍ،
وقد جمعت الأَيْدي في الشعر على أَيادٍ؛ قال جندل بن المثنى
الطُّهَوِيّ:كأَنه، بالصَّحْصَحانِ الأَنْجَلِ،
قُطْنٌ سُخامٌ بأَيادي غُزَّلِ
وهو جمع الجمع مثل أَكْرُعٍ وأَكارِعَ؛قال ابن بري: ومثله قول الآخر:
فأَمَّا واحداً فكفاكَ مِثْلي،
فمَنْ لِيَدٍ تُطاوِحُها الأَيادِي؟
(* قوله «واحداً» هو بالنصب في الأصل هنا وفي مادة طوح من المحكم، والذي
وقع في اللسان في طوح: واحد، بالرفع.)
وقال ابن سيده: أَيادٍ جمع الجمع؛ وأَنشد أَبو الخطاب:
ساءها ما تَأَمَّلَتْ في أَيادِيـ
ـنا وإِشناقَها إِلى الأَعْناقِ
(* قوله« واشناقها» ضبط في الأصل بالنصب على أن الواو للمعية، وقع في
شنق مضبوطاً بالرفع.) وقال ابن جني: أَكثر ما تستعمل الأَيادي في النِّعم
لا في الأَعْضاء. أَبو الهيثم: اليَدُ اسم على حرفين، وما كان من الأَسامي
على حرفين وقد حذف منه حرف فلا يُردّ إِلا في التصغير أَو فى التثنية
أَو الجمع، وربما لم يُردَّ في التثنية، ويثنى على لفظ الواحد. وقال بعضهم:
واحد الأَيادي يَداً كما ترى مثل عَصاً ورَحاً ومَناً، ثم ثَنَّوْا
فقالوا يَدَيانِ ورَحَيانِ ومَنَوانِ؛ وأَنشد:
يَدَيان بَيْضاوانِ عنْدَ مُحَلِّمٍ
قدْ يَمْنَعانِك بَيْنُهمْ أَن تُهْضَما
ويروى: عند مُحَرِّق؛ قال ابن بري: صوابه كما أَنشده السيرافي وغيره:
قد يَمْنَعانِك أَن تُضامَ وتُضْهَدا
قال أَبو الهيثم: وتجمع اليَدُ يَدِيّاً مثل عَبْدٍ وعَبيدٍ، وتجمع
أَيْدِياً ثم تجمع الأَيْدي على أَيْدِينَ، ثم تجمع الأَيْدي أَيادِيَ؛
وأَنشد:
يَبْحَثْنَ بالأَرْجُلِ والأَيْدِينا
بَحْثَ المُضِلاَّت لما يَبْغِينا
وتصغر اليَدُ يُدَيَّةً؛ وأَما قوله أَنشده سيبويه لمضَرِّس ابن رِبْعِي
الأَسدي:
فطِرْتُ بِمُنْصُلي في يَعْمَلاتٍ،
دَوامي الأَيْدِ يَخْبِطْنَ السَّرِيحا
فإِنه احتاج إِلى حذف الياء فحذفها وكأَنه توهّم التنكير في هذا فشبه
لام المعرفة بالتنوين من حيث كانت هذه الأَشياء من خواص الأَسماء، فحذفت
الياء لأَجل اللام كما تحذفها لأَجل التنوين؛ ومثله قول الآخر:
لا صُلْحَ يَيْني، فاعْلَمُوه، ولا
بَيْنَكُمُ ما حَمَلَتْ عاتِقِي
سَيْفِي، وما كُنَّا بنَجْدٍ، وما
قَرْقَرَ قُمْرُ الوادِ بالشَّاهِقِ
قال الجوهري: وهذه لغة لبعض العرب يحذفون الياء من الأَصل مع الأَلف
واللام فيقولون في المُهْتَدِي المُهْتَدِ، كما يحذفونها مع الإِضافة في مثل
قول خفاف بن ندبة:
كنَواحِ رِيشِ حَمامةٍ نَجْدِيَّةٍ،
ومَسَحْتُ باللِّثَتَيْنِ عَصْفَ الإِثْمِدِ
أَراد كنواحي، فحذف الياء لَمَّا أَضاف كما كان يحذفها مع التنوين،
والذاهب منها الياء لأَن تصغيرها يُدَيَّةٌ، بالتشديد، لاجتماع الياءين؛ قال
ابن بري: وأَنشد سيبويه بيت خفاف: ومَسَحْتِ، بكسر التاء، قال: والصحيح
أَن حذف الياء في البيت لضرورة الشعر لا غير، قال: وكذلك ذكره سيبويه، قال
ابن بري: والدليل على أَنَّ لام يَدٍ ياء قولهم يَدَيْتُ إِليه يَداً،
فأَما يُدَيَّةٌ فلا حجة فيها لأَنها لو كانت في الأَصل واواً لجاء
تصغيرها يُدَيَّةً كما تقول في غَرِيَّة غُرَيَّةً، وبعضهم يقول لذي
الثُّدَيَّةِ ذو اليُدَيَّةِ، وهو المقتول بنَهْرَوانَ.
وذو اليَدَيْن: رجل من الصحابة يقال سمي بذلك لأَنه كان يَعمل بيديه
جميعاً، وهو الذي قال للنبي، صلى الله عليه وسلم، أَقَصُرَتِ الصلاةُ أَم
نَسِيتَ؟ ورجل مَيْدِيٌّ أَي مقطوع اليد من أَصلها. واليُداء: وجع اليد.
اليزيدي: يَدِيَ فلان من يَدِه أَي ذَهَبَتْ يدُه ويَبِسَتْ. يقال: ما له
يَدِيَ من يَده، وهو دعاء عليه، كما يقال تَرِبَتْ يَداه؛ قال ابن بري:
ومنه قول الكميت:
فأَيٌّ ما يَكُنْ يَكُ، وَهْوَ مِنَّا
بأَيْدٍ ما وبَطْنَ ولا يَدِينا
(*قوله« فأي» الذي في الاساس: فأياً، بالنصب.)
وبَطْنَ: ضَعُفْنَ ويَدِينَ: شَلِلْنَ. ابن سيده: يَدَيْتُه ضربت يدَه
فهو مَيْدِيٌّ. ويُدِيَ: شَكا يَدَه، على ما يَطَّرِد في هذا النحو.
الجوهريّ: يَدَيْتُ الرجل أَصَبْتُ يَده فهو مَيْدِيٌّ، فإِن أَردت أَنك اتخذت
عنده يَداً قلت أَيْدَيْت عنده يداً، فأَنا مُودٍ، وهو مُودًى إِليه،
ويَدَيْتُ لغة؛ قال بعض بني أَسد:
يَدَيْتُ على ابنِ حَسْحاسِ بنِ وَهّبٍ،
بأَسْفَلِ ذِي الجِذاةِ، يَدَ الكَريمِ
قال شمر: يَدَيْتُ اتخذت عنده يَداً؛ وأَنشد لابن أَحمر:
يَدٌ ما قد يَدَيْتُ على سُكَينٍ
وعَبْدِ اللهِ، إِذْ نَهِشَ الكُفُوفُ
قال: يَدَيْت اتخذت عنده يَداً. وتقول إِذا وقَع الظَّبْيُ في
الحِبالةِ: أَمَيْدِيٌّ أَم مَرْجُولٌ أَي أَوْقَعَتْ يدهُ في الحِبالةِ أَم
رِجْلُه؟ ابن سيده: وأَما ما روي من أَنَّ الصدقة تقع في يَد الله فتأَويله
أَنه يَتَقبَّلُ الصَّدَقة ويُضاعِفُ عليها أَي يزيد: وقالوا: قَطَعَ اللهُ
أَدَيْه، يريدون يَدَيه، أَبدلوا الهمزة من الياء، قال: ولا نعلمها
أُبدلت منها على هذه الصورة إِلا في هذه الكلمة، وقد يجوز أَن يكون ذلك لغة
لقلة إِبدال مثل هذا. وحكى ابن جني عن أَبي عليّ: قَطَعَ الله أَدَه،
يريدُون يَدَه، قال: وليس بشيء.قال ابن سيده: واليَدا لغة في اليَدِ، جاء
متمماً على فَعَلٍ؛ عن أَبي زيد؛ وأَنشد:
يا رُبَّ سارٍ سارَ ما تَوَسَّدا
إِلاَّ ذِراعَ العَنْسِ، أَو كفَّ اليَدا
وقال آخر:
قد أَقْسَمُوا لا يَمْنَحُونَكَ نَفْعَةً
حتى تَمُدَّ إِليهمُ كَفَّ اليَدا
قال ابن بري: ويروى لا يمنحونك بَيْعةً، قال: ووجه ذلك أَنه ردّ لام
الكلمة إِليها لضرورة الشعر كما ردّ الآخرلام دم إِليه عند الضرورة، وذلك في
قوله:
فإِذا هِي بِعِظامٍ ودَمَا
وامرأَةٌ يَدِيَّةٌ أَي صنَاعٌ، وما أَيْدَى فلانةَ، ورجل يَدِيٌّ.
ويَدُ القَوْسِ: أَعلاها على التشبيه كما سمَّوا أَسْفَلَها رِجْلاً، وقيل:
يَدُها أَعْلاها وأَسْفَلُها، وقيل: يَدُها ما عَلا عن كَبِدِها، وقال
أَبو حنيفة: يَدُ القَوْسِ السِّيةُ اليُمْنى؛ يرويه عن أَبي زياد الكلابي.
ويَدُ السيفِ: مَقْبِضُه على التمثيل: ويَدُ الرَّحَى: العُود الذي
يَقْبِض عليه الطَّاحِنُ. واليَدُ: النِّعْمةُ والإِحْسانُ تَصْطَنِعُه
والمِنَّةُ والصَّنِيعَةُ، وإِنما سميت يداً لأَنها إِنما تكون بالإِعْطاء
والإِعْطاءُ إِنالةٌ باليد، والجمع أَيدٍ، وأَيادٍ جمع الجمع، كما تقدم في
العُضْوِ، ويُدِيٌّ ويَدِيٌّ في النعمة خاصّة؛ قال الأَعشى:
فَلَنْ أَذْكُرَ النُّعْمانَ إِلاَّ بصالِحٍ،
فإِنَّ له عندي يُدِيّاً وأَنْعُما
ويروى: يَدِيّاً، وهي رواية أَبي عبيد فهو على هذه الرواية اسم للجمع،
ويروى: إِلا بنِعْمةٍ. وقال الجوهري في قوله يَدِيّاً وأَنْعُما: إِنما
فتح الياء كراهة لتوالي الكسرات، قال: ولك أَن تضمها، وتجمع أَيضاً على
أَيْدٍ؛ قال بشر بن أَبي خازم:
تَكُنْ لك في قَوْمِي يَدٌ يَشْكُونها،
وأَيْدِي النَّدَى في الصالحين قُرُوضُ
قال ابن بري في قوله:
فلَنْ أَذْكُرَ النعمان إِلا بصالح
البيت لضَمْرةَ بن ضَمْرَةَ النَّهْشَلي؛ وبعده:
تَرَكْتَ بَني ماء السماء وفِعْلَهُم،
وأَشْبَهْتَ تَيْساً بالحِجازِ مُزَنَّما
قال ابن بري: ويَدِيٌّ جمع يَدٍ، وهو فَعِيلٌ مثل كلْب وكَلِيب وعَبْد
وعَبيد، قال: ولو كان يَدِيٌّ في قول الشاعر يَدِيّاً فُعُولاً في الأصل
لجاز فيه الضم والكسر، قال: وذلك غير مسموع فيه. ويَدَيْتُ إِليه يَداً
وأَيْدَيْتُها: صَنَعْتها. وأَيْدَيْتُ عنده يداً في الإِحسان أَي
أَنْعَمْت عليه. ويقال: إِنَّ فلاناً لذو مال يَيْدِي به ويَبُوع به أَي يَبْسُط
يَدَه وباعه. ويادَيْتُ فلاناً: جازَيْتُه يداً بيد، وأَعطيته مُياداةً
أَي من يدِي إِلى يده.الأَصمعي: أَعطيته مالاً عن ظهر يد، يعني تفضلاً ليس
من بيع ولا قَرْض ولا مُكافأَة. الليث: اليَدُ النِّعْمةُ السابغةُ.
ويَدُ الفأْسِ ونحوِها: مَقْبِضُها. ويَدُ القَوْسِ: سِيَتُها. ويدُ
الدَّهْر: مَدُّ زمانه. ويدُ الرِّيحِ: سُلْطانُها؛ قال لبيد:
نِطافٌ أَمرُها بِيَدِ الشَّمال
لَمَّا مَلَكَتِ الريحُ تصريف السَّحاب جُعل لها سُلطان عليه. ويقال:
هذه الصنعة في يَدِ فلان أَي في مِلْكِه، ولا يقال في يَدَيْ فلان.
الجوهري: هذا الشيء في يَدِي أَي في مِلْكي. ويَدُ الطائر: جَناحُه. وخَلَعَ
يدَه عن الطاعة: مثل نزَعَ يدَه، وأَنشد:
ولا نازِعٌ مِن كلِّ ما رابَني يَدا
قال سيبويه: وقالوا بايَعْتُه يَداً بيَدٍ، وهي من الأَسماء الموضوعة
مَوْضِعَ المَصادِر كأَنك قلت نَقْداً، ولا ينفرد لأَنك إِنما تريد أَخذَ
مني وأَعْطاني بالتعجيل، قال: ولا يجوز الرفع لأَنك لا تخبر أَنك
بايَعْتَه ويدُك في يَدِه. واليَدُ: القُوَّةُ. وأَيَّدَه الله أَي قَوَّاه. وما
لي بفلان يَدانِ أَي طاقةٌ. وفي التنزيل العزيز: والسَّماءَ بَنَيْناها
بأَيْدٍ؛ قال ابن بري:
ومنه قول كعب بن سعد الغَنَويِّ:
فاعمِدْ لِما يَعْلُو، فما لكَ بالذي
لا تستَطِيعُ من الأُمورِ يَدانِ
وفي التنزيل العزيز: مما عملت أَيدينا، وفيه: بما كسَبَتْ أَيدِيكم.
وقول سيدنا رسول الله،صلى الله عليه وسلم: المُسْلِمُونَ تتَكافَأُ دماؤُهم
ويَسْعَى بذِمَّتهم أَدْناهم وهم يَدٌ على مَن سِواهم أَي كَلِمَتُهم
واحدة، فبعضُهم يُقوِّي بَعْضاً، والجمع أَيْدٍ، قال أَبو عبيد: معنى قوله
يَدٌ على مَن سواهم أَي هم مجتمعون على أَعدائِهم وأَمرُهم واحد، لا
يَسَعُهم التَّخاذُل بل يُعاوِنُ بعضُهم بعضاً، وكَلِمَتُهم ونُصْرَتُهم
واحدةٌ على جميع المِلَلِ والأَدْيانِ المُحاربةِ لهم، يتَعاوَنون على جميعهم
ولا يَخْذُل بعضُهم بعضاً، كأَنه جعل أَيْدِيَهم يَداً واحدةً وفِعْلَهم
فِعْلاً واحداً. وفي الحديث: عليكم بالجماعةِ فإِنَّ يدَ اللهِ على
الفُسْطاطِ؛ الفُسْطاطُ: المِصْرُ الجامِعُ، ويَدُ اللهِ كناية عن الحِفظ
والدِّفاع عن أَهل المصر، كأَنهم خُصُّوا بواقِيةِ اللهِ تعالى وحُسْنِ
دِفاعِه؛ ومنه الحديث الآخر: يَدُ اللهِ على الجَماعةِ أَي أَنَّ الجماعة
المُتَّفِقةَ من أَهل الإِسلام في كَنَفِ اللهِ، ووِقايَتُه فَوْقَهم، وهم
بَعِيد من الأَذَى والخوْف فأَقِيموا بين ظَهْر انَيهِمْ. وقوله في
الحديث: اليَدُ العُلْيا خَيْرٌ من اليَدِ السُّفْلى؛ العُلْيا المُعْطِيةُ،
وقيل: المُتَعَفِّفَةُ، والسُّفْلى السائلةُ، وقيل: المانِعةُ. وقوله، صلى
الله عليه وسلم، لنسائه: أَسْرَعُكُنَّ لُحوقاً بي أَطْوَلُكُنَّ يَداً؛
كَنَى بطُولِ اليد عن العَطاء والصَّدَقةِ. يقال: فلان طَوِيلُ اليَدِ
وطويلُ الباعِ إِذا كان سَمْحاً جَواداً. وكانت زينب تُحِبُّ الصَّدقة وهي
ماتت قَبْلَهنَّ. وحديث قَبِيصةَ: ما رأَيتُ أَعْطَى للجَزِيل عن ظَهْرِ
يَدٍ من طَلْحَة أَي عن إِنْعامٍ ابتداء من غيرِ مكافأََةٍ. وفي التنزيل
العزيز: أُولي الأَيدي والأَبْصار؛ قيل: معناه أُولي القُوَّة والعقول.
والعرب تقول: ما لي به يَدٌ أَي ما لي به قُوَّة، وما لي به يَدانِ، وما
لهم بذلك أَيْدٍ أَي قُوَّةٌ، ولهم أَيْدٍ وأَبْصار وهم أُولُو الأَيْدي
والأَبْصار. واليَدُ: الغِنَى والقُدْرةُ، تقول: لي عليه يَدٌ أَي قُدْرة.
ابن الأَعرابي: اليَدُ النِّعْمةُ، واليَدُ القُوَّةُ، واليَدُ
القُدْرة، واليَدُ المِلْكُ، واليَدُ السُلْطانُ، واليَدُ الطاعةُ، واليَدُ
الجَماعةُ، واليَدُ الأَكْلُ؛ يقال: ضَعْ يدَكَ أَي كُلْ، واليَدُ النَّدَمُ،
ومنه يقال: سُقِط في يده إِذا نَدِمَ، وأُسْقِطَ أَي نَدِمَ. وفي التنزيل
العزيز: ولما سُقِطَ في أَيديهم؛ أَي نَدِمُوا، واليَدُ الغِياثُ،
واليَدُ مَنْعُ الظُّلْمِ، واليَدُ الاسْتِسلامُ، واليدُ الكَفالةُ في
الرَّهْن؛ ويقال للمعاتِب: هذه يدي لكَ. ومن أَمثالهم: لِيَدٍ ما أَخَذتْ؛
المعنى من أَخذ شيئاً فهو له. وقولهم: يدي لكَ رَهْنٌ بكذا أَي ضَمِنْتُ ذلك
وكَفَلْتُ به. وقال ابن شميل: له عليَّ يَدٌ، ولا يقولون له عندي يدٌ؛
وأَنشد:
له عليَ أَيادٍ لَسْتُ أَكْفُرُها،
وإِنما الكُفْرُ أَنْ لا تُشْكَرَ النِّعَمُ
قال ابن بزرج: العرب تشدد القوافي وإِن كانت من غير المضاعف ما كان من
الياء وغيره؛ وأَنشد:
فجازُوهمْ بما فَعَلُوا إِلَيْكُمْ،
مُجازاةَ القُرُومِ يَداً بيَدِّ
تَعالَوْا يا حَنِيفَ بَني لُجَيْمٍ،
إِلَى مَنْ فَلَّ حَدَّكُمُ وَحَدِّي
وقال ابن هانئ: من أَمثالهم:
أَطاعَ يَداً بالقَوْدِ فهو ذَلُولُ
إِذا انْقادَ واستسلمَ. وفي الحديث: أَنه، صلى الله عليه وسلم، قال في
مناجاته ربه وهذه يدي لك أَي اسْتَسْلَمَتُ إِليك وانْقَدْت لك، كما يقال
في خلافِه: نزَعَ يدَه من الطاعة؛ ومنه حديث عثمان، رضي الله تعالى عنه:
هذه يَدي لعَمَّار أَي أَنا مُسْتَسْلِمٌ له مُنْقادٌ فليَحْتَكِمْ عليَّ
بما شاء. وفي حديث علي، رضي الله عنه: مرَّ قومٌ من الشُّراة بقوم من
أَصحابه وهم يَدْعُون عليهم فقالوا بِكُم اليَدانِ أَي حاقَ بكم ما
تَدْعُون به وتَبْسطُون أَيْدِيَكم. تقول العرب: كانت به اليَدانِ أَي فَعَلَ
اللهُ به ما يقولُه لي، وكذلك قولهم: رَماني من طُولِ الطَّوِيِّ وأَحاقَ
اللهُ به مَكْرَه ورجَع عليه رَمْيُه، وفي حديثه الآخر: لما بلغه موت
الأَشتر قال لليَدَيْنِ وللفَمِ؛ هذه كلمة تقال للرجل إِذا دُعِيَ عليه
بالسُّوء، معناه كَبَّه الله لوجهه أَي خَرَّ إِلى الأَرض على يدَيه وفِيهِ؛
وقول ذي الرمة:
أَلا طَرَقَتْ مَيٌّ هَيُوماً بذِكْرِها،
وأَيْدِي الثُّرَيّا جُنَّحٌ في المَغارِب
استعارةٌ واتساع، وذلك أَنَّ اليَدَ إِذا مالَتْ نحو الشيء ودَنَتْ
إِليه دَلَّتْ على قُرْبها منه ودُنوِّها نحوَه، وإِنما أَراد قرب الثريا من
المَغْربِ لأُفُولها فجعل لها أَيْدِياً جُنَّحاً نحوها؛ قال لبيد:
حتى إِذا أَلْقَتْ يَداً في كافِرٍ،
وأَجَنَّ عَوْراتِ الثُّغُورِ ظَلامُها
يعني بدأَت الشمس في المَغِيب، فجعل للشمس يَداً إِلى المَغِيب لما
أَراد أَن يَصِفَها بالغُروب؛ وأَصل هذه الاستعارة لثعلبة بن صُعَيْر المازني
في قوله:
فتَذَكَّرا ثَقَلاً رَثِيداً بَعْدَما
أَلْقَتْ ذُكاءُ يَمِينها في كافِرِ
وكذلك أَراد لبيد أَن يُصرِّح بذكر اليمين فلم يمكنه. وقوله تعالى: وقال
الذين كفروا لَنْ نُؤْمِنَ بهذا القرآن ولا بالذي بين يَدَيْهِ؛ قال
الزجاج: أَراد بالذي بين يديه الكُتُبَ المُتَقَدِّمة، يعنون لا نُؤمن بما
أَتى به محمد،صلى الله عليه وسلم، ولا بما أَتَى به غيرُه من الأَنبياء،
عليهم الصلاة والسلام. وقوله تعالى: إِنْ هُو إِلاّ نَذِيرٌ لكم بَيْنَ
يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ؛ قال الزجاج: يُنْذِرُكُم أَنَّكم إِنْ عَصَيْتُم
لَقِيتُم عذاباً شديداً. وفي التنزيل العزيز: فَرَدُّوا أَيْدِيَهم في
أَفْواهِهم: قال أَبو عبيدة: تركوا ما أُمِرُوا به ولم يُسْلِمُوا؛ وقال
الفراء: كانوا يُكَذِّبونهم ويردّون القول بأَيديهم إِلى أَفْواهِ الرسل،
وهذا يروى عن مجاهد، وروي عن ابن مسعود أَنه قال في قوله عز وجل: فَرَدُّوا
أَيْدِيَهم في أَفْواهِهم؛ عَضُّوا على أَطْرافِ أَصابعهم؛ قال
أَبومنصور: وهذا من أَحسن ما قيل فيه، أَراد أَنهم عَضُّوا أَيْدِيَهم حَنَقاً
وغَيْظاً؛ وهذا كما قال الشاعر:
يَرُدُّونَ في فِيهِ عَشْرَ الحَسُود
يعني أَنهم يَغِيظُون الحَسُودَ حتى يَعَضَّ على أَصابِعه؛ونحو ذلك قال
الهذلي:
قَدَ افْنَى أَنامِلَه أَزْمُه،
فأَمْسَى يَعَضُّ عَليَّ الوَظِيفا
يقول: أَكل أَصابِعَه حتى أَفْناها بالعَضِّ فصارَ يَعَضُ وَظِيفَ
الذراع. قال أَبو منصور: واعتبار هذا بقوله عز وجل: وإِذا خَلَوْا عَضُّوا
عليكم الأَنامِلَ من الغَيْظِ. وقله في حديث يأْجُوجَ ومأْجُوجَ: قد
أَخْرَجْتُ عِباداً لِي لا يَدانِ لأَحَدٍ بِقِتالِهمْ أَي لا قُدْرَةَ ولا
طاقَة. يقال: ما لي بهذا الأَمر يَدٌ ولا يَدانِ لأَن المُباشَرةَ والدِّفاعَ
إِنما يكونان باليَدِ، فكأَنَّ يَدَيْهِ مَعْدُومَتانِ لعجزه عن
دَفْعِه. ابن سيده: وقولهم لا يَدَيْنِ لك بها، معناه لا قُوّة لك بها، لم يحكه
سيبويه إِلا مُثنى؛ ومعنى التثنية هنا الجمع والتكثير كقول الفرزدق:
فكُلُّ رَفِيقَي كُلّ رَحْلٍ
قال: ولا يجوز أَن تكون الجارحة هنا لأَن الباء لا تتعلق إِلا بفعل أَو
مصدر. ويقال: اليَدُ لفلان على فلان أَي الأَمْرُ النافِذُ والقَهْرُ
والغَلَبةُ، كما تقول: الرِّيحُ لفلان. وقوله عز وجل: حتى يُعْطُوا
الجِزْيةَ عن يَدٍ؛ قيل: معناه عن ذُلٍّ وعن اعْتِرافٍ للمسلمين بأَن أَيْدِيَهم
فوق أَيْدِيهم، وقيل: عن يَدٍ أَي عن إِنْعام عليهم بذلك لأَنَّ قَبول
الجِزْية وتَرْكَ أَنْفُسهم عليهم نِعمةٌ عليهم ويَدٌ من المعروف جَزِيلة،
وقيل: عن يَدٍ أَي عن قَهْرٍ وذُلٍّ واسْتِسْلام، كما تقول: اليَدُ في
هذا لفلان أَي الأَمرُ النافِذُ لفُلان. وروي عن عثمان البزي عن يَدٍ قال:
نَقْداً عن ظهر يد ليس بنسِيئه. وقال أَبو عبيدة: كلُّ مَن أَطاعَ لمن
قهره فأَعطاها عن غير طيبةِ نَفْسٍ فقد أَعطاها عن يَدٍ، وقال الكلبي عن
يَدٍ قال: يمشون بها، وقال أَبو عبيد: لا يَجِيئون بها رُكباناً ولا
يُرْسِلُون بها. وفي حديث سَلْمانَ: وأَعْطُوا الجِزْيةَ عن يَدٍ، إِنْ أُرِيد
باليدِ يَدُ المُعْطِي فالمعنى عن يَدٍ مُواتِيةٍ مُطِيعة غير
مُمْتَنِعة، لأَن من أَبى وامتنع لم يُعطِ يَدَه، وإِن أُريد بها يَدُ الآخذ
فالمعنى عن يَد قاهرة مستولية أَو عن إِنعام عليهم، لأَنَّ قبول الجِزْيةِ
منهم وترك أَرْواحِهم لهم نِعْمةٌ عليهم. وقوله تعالى: فجعلناها نَكالاً لما
بين يَدَيْها وما خَلْفَها؛ ها هذه تَعُود على هذه الأُمَّة التي
مُسِخَت، ويجوز أَن تكون الفَعْلة، ومعنى لما بين يديها يحتمل شيئين: يحتمل أَن
يكون لما بين يَدَيْها للأُمم التي بَرَأَها وما خَلْفها للأُمم التي
تكون بعدها، ويحتمل أَن يكون لِما بين يديها لما سَلَفَ من ذنوبها، وهذا
قول الزجاج. وقول الشيطان: ثم لآتِيَنَّهم من بينِ أَيْديهِم ومن خلفهم؛
أَي لأُغُوِيَنَّهم حتى يُكَذِّبوا بما تَقَدَّمَ ويكذِّبوا بأَمر البعث،
وقيل: معنى الآية لآتِيَنَّهم من جميع الجِهات في الضَّلال، وقيل: مِن
بينِ أَيْدِيهِم أَي لأُضِلَّنَّهم في جميع ما تقدَّم ولأُضِلَّنَّهم في
جميع ما يُتَوقَّع؛ وقال الفراء: جعلناها يعني المسخة جُعِلت نَكالاً لِما
مَضَى من الذُّنوب ولما تَعْمَل بَعْدَها. ويقال: بين يديك كذا لكل شيء
أَمامَك؛ قال الله عز وجل: مِن بينِ أَيْدِيهِم ومِن خَلْفِهم. ويقال:
إِنَّ بين يَدَيِ الساعة أَهْوالاً أَي قُدَّامَها. وهذا ما قَدَّمَتْ يَداكَ
وهو تأْكيد، كما يقال هذا ما جَنَتْ يَداك أَي جَنَيْته أَنت إلا أَنك
تُؤَكِّد بها. ويقال: يَثُور الرَّهَجُ بين يَدي المطر، ويَهِيجُ
السِّباب بين يدي القِتال. ويقال: يَدِيَ فلان مِن يَدِه إِذا شَلَّتْ. وقوله عز
وجل: يَدُ اللهِ فوق أَيْديهم؛ قال الزجاج: يحتمل ثلاثة أَوجه: جاء
الوجهان في التفسير فأَحدهما يَدُ اللهِ في الوَفاء فوقَ أَيْديهم، والآخر
يَدُ اللهِ في الثواب فوق أَيْديهم، والثالث، والله أَعلم، يَدُ اللهِ في
المِنّةِ عليهم في الهِدايةِ فَوق أَيْديهم في الطاعة. وقال ابن عرفة في
قوله عز وجل: ولا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتِرِينَه بين أَيديهن
وأَرْجُلِهِنَّ؛ أَي من جميع الجهات. قال: والأَفعال تُنْسَب إِلى الجَوارِح،
قال: وسميت جَوارح لأَنها تَكْتسب. والعرب تقول لمن عمل شيئاً يُوبَّخ به:
يَداك أَوْ كَتا وفُوكَ نَفَخَ؛ قال الزجاج: يقال للرجل إِذا وُبِّخَ ذلك
بما كَسَبَتْ يَداكَ، وإِن كانت اليَدان لم تَجْنِيا شيئاً لأَنه يقال
لكل من عَمِلَ عملاً كسَبَتْ يَداه لأَن اليَدَيْنِ الأَصل في التصرف؛ قال
الله تعالى: ذلك بما كَسَبَتْ أَيْديكم؛ وكذلك قال الله تعالى: تَبَّتْ
يدَا أَبي لَهَبٍ وتَبَّ. قال أَبو منصور: قوله ولا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ
يَفْتَرِينَه بين أَيديهن وأَرجلهن، أَراد بالبُهْتان ولداً تحمله من غير
زوجها فتقول هو من زوجها، وكنى بما بين يديها ورجليها عن الولد لأَن
فرجها بين الرجلين وبطنها الذي تحمل فيه بين اليدين. الأَصمعي: يَدُ الثوب
ما فَضَل منه إِذا تَعَطَّفْت والْتَحَفْتَ. يقال: ثوب قَصيرُ اليَدِ
يَقْصُر عن أَن يُلْتَحَفَ به. وثوبٌ يَدِيٌّ وأَدِيٌّ: واسع؛ وأَنشد
العجاج:بالدَّارِ إِذْ ثَوْبُ الصِّبا يَدِيُّ،
وإِذْ زَمانُ الناسِ دَغْفَلِيُّ
وقَمِيصٌ قصير اليدين أَي قصير الكمين. وتقول: لا أَفعله يَدَ الدَّهْر
أَي أَبداً. قال ابن بري: قال التَّوَّزِيُّ ثوب يَدِيٌّ واسع الكُمّ
وضَيِّقُه، من الأَضداد؛ وأَنشد:
عَيْشٌ يَدِيٌّ ضَيِّقٌ ودَغْفَلِي
ويقال: لا آتِيه يَدَ الدَّهْر أَي الدَّهْرَ؛ هذا قول أَبي عبيد؛ وقال
ابن الأَعرابي: معناه لا آتيه الدهْرَ كله؛ قال الأَعشى:
رَواحُ العَشِيِّ وَسَيْرُ الغُدُوّ،
يَدا الدَّهْرِ، حتى تُلاقي الخِيارا
(* قوله «رواح العشي إلخ» ضبطت الحاء من رواح في الأصل بما ترى.)
الخِيار: المختارُ، يقع للواحد والجمع. يقال: رجل خِيارٌ وقومٌ خِيارٌ،
وكذلك: لا آتيهِ يَدَ المُسْنَدِ أَي الدهرَ كله، وقد تقدَّم أَن
المُسْنَدَ الدَّهْرُ. ويدُ الرجل: جماعةُ قومه وأَنصارُه؛ عن ابن الأَعرابي؛
وأَنشد:
أَعْطى فأَعْطاني يَداً ودارا،
وباحَةً خَوَّلَها عَقارا
الباحةُ هما: النخل الكثير. وأَعطَيْتُه مالاً عن ظهر يَدٍ: يعني
تفضُّلاً ليس من بيع ولا قَرْضٍ ولا مُكافأَةٍ. ورجل يَدِيٌّ وأَدِيٌّ: رفيقٌ.
ويَدِيَ الرجُلُ، فهو يَدٍ: ضعُفَ؛ قال الكميت:
بأَيْدٍ ما وبَطْنَ وما يَدِينا
ابن السكيت: ابتعت الغنم اليْدَيْنِ، وفي الصحاح: باليَدَيْنِ أَي
بثمنين مُخْتَلِفَيْنِ بعضُها بثمن وبعضُها بثمن آخر. وقال الفراء: باعَ فلان
غنَمه اليدانِ
(* قوله« باع فلان غنمه اليدان» رسم في الأصل اليدان
بالألف تبعاً للتهذيب.) ، وهو أَن يُسلِمها بيد ويأْخُذَ ثمنها بيد. ولَقِيتُه
أَوَّلَ ذات يَدَيْنِ أَي أَوَّلَ شيء. وحكى اللحياني: أَمّا أَوَّلَ
ذات يَدَيْنِ فإِني أَحمدُ اللهَ. وذهب القومُ أَيدي سَبا أَي متفرّقين في
كل وجه، وذهبوا أَيادِيَ سَبا، وهما اسمان جُعلا واحداً، وقيل: اليَدُ
الطَّريقُ ههنا. يقال: أَخذ فلان يَدَ بَحْرٍ إِذا أَخذ طريق البحر. وفي
حديث الهجرة: فأَخَذَ بهم يَدَ البحر أَي طريق الساحل، وأَهلُ سبا لما
مُزِّقوا في الأَرض كلَّ مُمَزَّقٍ أَخذوا طُرُقاً شتَّى، فصاروا أَمثالاً
لمن يتفرقون آخذين طُرُقاً مختلفة. رأَيت حاشية بخط الشيخ رضيّ الدين
الشاطبي، رحمه الله، قال: قال أَبو العلاء المَعري قالت العرب افْتَرَقوا
أَيادِيَ سبا فلم يهمزوا لأَنهم جعلوه مع ما قبله بمنزلة الشيء الواحد،
وأَكثرهم لا ينوّن سبا في هذا الموضع وبعضهم ينوِّن؛ قال ذو الرمة:
فَيَا لَكِ مِنْ دارٍ تَحَمَّلَ أَهلُها
أَيادِي سَباً عنها، وطالَ انْتِقالُها
والمعنى أَن نِعَمَ سبا افترقت في كل أَوْبٍ، فقيل: تفرَّقوا أَيادِيَ
سبا أي في كل وجه. قال ابن بري: قولهم أَيادِي سبا يُراد به نِعَمُهم.
واليَدُ: النِّعْمة لأَنَّ نِعَمَهُم وأَموالَهم تفرَّقَتْ بتفرقهم، وقيل:
اليَدُ هنا كناية عن الفِرْقة. يقال: أَتاني يَدٌ من الناس وعينٌ من
الناس، فمعناه تفرَّقوا تفرُّقَ جَماعاتِ سَبا، وقيل: إِن أَهل سبا كانت يدُهم
واحدة، فلما فَرَّقهم الله صارت يدُهم أَياديَ، قال: وقيل اليدُ هنا
الطريق؛ يقال: أَخذ فلان يدَ بحر أَي طريق بَحرٍ، لأَن أَهل سبا لمَّا
مَزَّقَهم الله أَخَذوا طُرُقاً شتَّى. وفي الحديث: اجْعَلِ الفُسَّاقَ يَداً
يَداً ورِجْلاً رجْلاً فإِنهم إِذا اجتمعوا وَسْوَسَ الشيطانُ بينهم في
الشر؛ قال ابن الأَثير: أَي فَرِّقْ بينهم، ومنه قولهم: تَفَرَّقوا
أَيْدِي سَبا أَي تفرَّقوا في البلاد. ويقال: جاءَ فلان بما أَدت يَدٌ إِلى
يَدٍ، عنذ تأْكيد الإِخْفاق، وهو الخَيْبةُ. ويقال للرجل يُدْعى عليه
بالسوء: لليَدَيْنِ وللفَمِ أَي يَسْقُط على يَدَيْهِ وفَمِه.
كرم: الكَريم: من صفات الله وأَسمائه، وهو الكثير الخير الجَوادُ
المُعطِي الذي لا يَنْفَدُ عَطاؤه، وهو الكريم المطلق. والكَريم: الجامع
لأَنواع الخير والشرَف والفضائل. والكَريم. اسم جامع لكل ما يُحْمَد، فالله عز
وجل كريم حميد الفِعال ورب العرش الكريم العظيم. ابن سيده: الكَرَم نقيض
اللُّؤْم يكون في الرجل بنفسه، وإن لم يكن له آباء، ويستعمل في الخيل
والإبل والشجر وغيرها من الجواهر إذا عنوا العِتْق، وأَصله في الناس قال ابن
الأَعرابي: كَرَمُ الفرَس أن يَرِقَّ جلده ويَلِين شعره وتَطِيب رائحته.
وقد كَرُمَ الرجل وغيره، بالضم، كَرَماً وكَرامة، فهو كَرِيم وكَرِيمةٌ
وكِرْمةٌ ومَكْرَم ومَكْرَمة
(* قوله «ومكرم ومكرمة» ضبط في الأصل
والمحكم بفتح أولهما وهو مقتضى إطلاق المجد، وقال السيد مرتضى فيهما بالضم).
وكُرامٌ وكُرَّامٌ وكُرَّامةٌ، وجمع الكَريم كُرَماء وكِرام، وجمع
الكُرَّام كُرَّامون؛ قال سيبويه: لا يُكَسَّر كُرَّام استغنوا عن تكسيره بالواو
والنون؛ وإنه لكَرِيم من كَرائم قومه، على غير قياس؛ حكى ذلك أَبو زيد.
وإنه لَكَرِيمة من كَرائم قومه، وهذا على القياس. الليث: يقال رجل كريم
وقوم كَرَمٌ كما قالوا أَديمٌ وأَدَمٌ وعَمُود وعَمَدٌ، ونسوة كَرائم. ابن
سيده وغيره: ورجل كَرَمٌ: كريم، وكذلك الاثنان والجمع والمؤنث، تقول:
امرأَة كَرمٌ ونسوة كَرَم لأَنه وصف بالمصدر؛ قال سعيد بن مسحوح
(* قوله
«مسحوح» كذا في الأصل بمهملات وفي شرح القاموس بمعجمات) الشيباني: كذا ذكره
السيرافي، وذكر أَيضاً أنه لرجل من تَيْم اللاّت بن ثعلبة، اسمه عيسى،
وكان يُلَوَّمُ في نُصرة أَبي بلال مرداس بن أُدَيَّةَ، وأَنه منعته الشفقة
على بناته، وذكر المبرد في أَخبار الخوارج أَنه لأَبي خالد القَناني
فقال: ومن طَريف أَخبار الخوارج قول قَطَرِيِّ بن الفُجاءة المازِني لأَبي
خالد القَناني:
أَبا خالدٍ إنْفِرْ فلَسْتَ بِخالدٍ،
وَما جَعَلَ الرحمنُ عُذْراً لقاعِدِ
أَتَزْعُم أَنَّ الخارِجيَّ على الهُدَى،
وأنتَ مُقِيمٌ بَينَ راضٍ وجاحِدِ؟
فكتب إليه أَبو خالد:
لَقدْ زادَ الحَياةَ إليَّ حُبّاً
بَناتي، أَنَّهُنَّ من الضِّعافِ
مخافةَ أنْ يَرَيْنَ البُؤسَ بَعْدِي،
وأنْ يَشْرَبْنَ رَنْقاً بعدَ صافِ
وأنْ يَعْرَيْنَ، إنْ كُسِيَ الجَوارِي،
فَتَنْبُو العينُ عَن كَرَمٍ عِجافِ
ولَوْلا ذاكَ قد سَوَّمْتُ مُهْري،
وفي الرَّحمن للضُّعفاءِ كافِ
أَبانا مَنْ لَنا إنْ غِبْتَ عَنَّا،
وصارَ الحيُّ بَعدَك في اخْتِلافِ؟
قال أَبو منصور: والنحويون ينكرون ما قال الليث، إنما يقال رجل كَرِيم
وقوم كِرام كما يقال صغير وصغار وكبير وكِبار، ولكن يقال رجل كَرَم ورجال
كَرَم أي ذوو كَرَم، ونساء كَرَم أي ذوات كرَم، كما يقال رجل عَدْل وقوم
عدل، ورجل دَنَفٌ وحَرَضٌ، وقوم حَرَضٌ ودَنَفٌ. وقال أَبو عبيد: رجل
كَرِيم وكُرَامٌ وكُرَّامٌ بمعنى واحد، قال: وكُرام، بالتخفيف، أبلغ في
الوصف وأكثر من كريم، وكُرّام، بالتشديد، أَبلغ من كُرَام، ومثله ظَرِيف
وظُراف وظُرَّاف، والجمع الكُرَّامون. وقال الجوهري: الكُرام، بالضم، مثل
الكَرِيم فإذا أفرط في الكرم قلت كُرّام، بالتشديد، والتَّكْرِيمُ
والإكْرامُ بمعنى، والاسم منه الكَرامة؛ قال ابن بري: وقال أَبو
المُثَلم:ومَنْ لا يُكَرِّمْ نفْسَه لا يُكَرَّم
(* هذا الشطر لزهير من معلقته).
ابن سيده: قال سيبويه ومما جاء من المصادر على إضمار الفعل المتروك
إظهاره ولكنه في معنى التعجب قولك كَرَماً وصَلَفاً، كأَنه يقول أَكرمك الله
وأَدام لك كَرَماً، ولكنهم خزلوا الفعل هنا لأَنه صار بدلاً من قولك
أَكْرِمْ به وأَصْلِف، ومما يخص به النداء قولهم يا مَكْرَمان؛ حكاه الزجاجي،
وقد حكي في غير النداء فقيل رجل مَكْرَمان؛ عن أَبي العميثل الأَعرابي؛
قال ابن سيده: وقد حكاها أَيضاً أَبو حاتم. ويقال للرجل يا مَكرمان، بفتح
الراء، نقيض قولك يا مَلأَمان من اللُّؤْم والكَرَم. وروي عن النبي، صلى
الله عليه وسلم: أَن رجلاً أَهدى إليه راوية خمر فقال: إن الله
حَرَّمها، فقال الرجل: أَفلا أُكارِمُ بها يَهودَ؟ فقال: إن الذي حرَّمها حرَّم
أن يُكارَم بها؛ المُكارَمةُ: أَن تُهْدِيَ لإنسانٍ شيئاً ليكافِئَك عليه،
وهي مُفاعَلة من الكَرَم، وأَراد بقوله أُكارِمُ بها يهود أي أُهْديها
إليهم ليُثِيبوني عليها؛ ومنه قول دكين:
يا عُمَرَ الخَيراتِ والمَكارِمِ،
إنِّي امْرُؤٌ من قَطَنِ بن دارِمِ،
أَطْلُبُ دَيْني من أَخٍ مُكارِمِ
أراد من أَخٍ يُكافِئني على مَدْحي إياه، يقول: لا أَطلب جائزته بغير
وَسِيلة. وكارَمْتُ الرجل إذا فاخَرْته في الكرم، فكَرَمْته أَكْرُمه،
بالضم، إذا غلبته فيه. والكَريم: الصَّفُوح. وكارَمنى فكَرَمْته أَكْرُمه:
كنت أَكْرَمَ منه. وأَكْرَمَ الرجلَ وكَرَّمه: أَعْظَمه ونزَّهه. ورجل
مِكْرام: مُكْرِمٌ وهذا بناء يخص الكثير. الجوهري: أَكْرَمْتُ الرجل
أُكْرِمُه، وأَصله أُأَكْرمه مثل أُدَحْرِجُه، فاستثفلوا اجتماع الهمزتين فحذفوا
الثانية، ثم أَتبعوا باقي حروف المضارعة الهمزة، وكذلك يفعلون، ألا تراهم
حذفوا الواو من يَعِد استثقالاً لوقوعها بين ياء وكسرة ثم أَسقطوا مع
الأَلف والتاء والنون؟ فإن اضطر الشاعر جاز له أَن يرده إلى أَصله كما
قال:فإنه أَهل لأَن يُؤَكْرَما
فأَخرجه على الأصل. ويقال في التعجب: ما أَكْرَمَه لي، وهو شاذ لا يطرد
في الرباعي؛ قال الأخفش: وقرأَ بعضهم ومَن يُهِن اللهُ فما له من
مُكْرَم، بفتح الراء، أي إكْرام، وهو مصدر مثل مُخْرَج ومُدْخَل. وله عليَّ
كَرامةٌ أَي عَزازة. واستَكْرم الشيءَ: طلَبه كَرِيماً أَو وجده كذلك. ولا
أَفْعلُ ذلك ولا حُبّاً ولا كُرْماً ولا كُرْمةً ولا كَرامةً كل ذلك لا
تُظهر له فعلاً. وقال اللحياني: أَفْعَلُ ذلك وكرامةً لك وكُرْمَى لك
وكُرْمةً لك وكُرْماً لك، وكُرْمةَ عَيْن ونَعِيمَ عين ونَعْمَةَ عَينٍ
ونُعامَى عَينٍ
(* قوله «ونعامى عين» زاد في التهذيب قبلها: ونعم عين أي بالضم،
وبعدها: نعام عين أي بالفتح). ويقال: نَعَمْ وحُبّاً وكَرْامةً؛ قال ابن
السكيت: نَعَمْ وحُبّاً وكُرْماناً، بالضم، وحُبّاً وكُرْمة. وحكي عن
زياد بن أَبي زياد: ليس ذلك لهم ولا كُرْمة.
وتَكَرَّمَ عن الشيء وتكارم: تَنزَّه. الليث: تكَرَّمَ فلان عما يَشِينه
إذا تَنزَّه وأَكْرَمَ نفْسَه عن الشائنات، والكَرامةُ: اسم يوضع
للإكرام
(* قوله «يوضع للإكرام» كذا بالأصل، والذي في التهذيب: يوضع موضع
الإكرام)، كما وضعت الطَّاعةُُ موضع الإطاعة، والغارةُ موضع الإغارة.
والمُكَرَّمُ: الرجل الكَرِيم على كل أَحد. ويقال: كَرُم الشيءُ الكَريمُ
كَرَماً، وكَرُمَ فلان علينا كَرامةً. والتَّكَرُّمُ: تكلف الكَرَم؛ وقال
المتلمس:
تكَرَّمْ لتَعْتادَ الجَمِيلَ، ولنْ تَرَى
أَخَا كَرَمٍ إلا بأَنْ يتَكَرَّما
والمَكْرُمةُ والمَكْرُمُ: فعلُ الكَرَمِ، وفي الصحاح: واحدة المَكارمِ
ولا نظير له إلاَّ مَعُونٌ من العَوْنِ، لأَنَّ كل مَفْعُلة فالهاء لها
لازمة إلا هذين؛ قال أَبو الأَخْزَرِ الحِمّاني:
مَرْوانُ مَرْوانُ أَخُو اليَوْم اليَمِي،
ليَوْمِ رَوْعٍ أو فَعالِ مَكْرُمِ
ويروي:
نَعَمْ أَخُو الهَيْجاء في اليوم اليمي
وقال جميل:
بُثَيْنَ الْزَمي لا، إنَّ لا، إنْ لَزِمْتِه،
على كَثرةِ الواشِينَ، أَيُّ مَعُونِ
قال الفراء: مَكْرُمٌ جمع مَكْرُمةٍ ومَعُونٌ جمع مَعُونةٍ.
والأُكْرُومة: المَكْرُمةُ. والأُكْرُومةُ من الكَرَم: كالأُعْجُوبة من العَجَب.
وأَكْرَمَ الرجل: أَتى بأَولاد كِرام. واستَكْرَمَ: استَحْدَث عِلْقاً
كريماً. وفي المثل: استَكْرَمْتَ فارْبِطْ. وروي عن النبي، صلى الله عليه
وسلم، أَنه قال: إنَّ اللهَ يقولُ إذا أَنا أَخَذْتُ من عبدي كَرِيمته وهو
بها ضَنِين فصَبرَ لي لم أَرْض له بها ثواباً دون الجنة، وبعضهم رواه: إذا
أَخذت من عبدي كَرِيمتَيْه؛ قال شمر: قال إسحق بن منصور قال بعضهم يريد
أهله، قال: وبعضهم يقول يريد عينه، قال: ومن رواه كريمتيه فهما العينان،
يريد جارحتيه أي الكريمتين عليه. وكل شيء يَكْرُمُ عليك فهو كَريمُكَ
وكَريمتُك. قال شمر: وكلُّ شيء يَكْرُمُ عليك فهو كريمُك وكريمتُك.
والكَرِيمةُ: الرجل الحَسِيب؛ يقال: هو كريمة قومه؛ وأَنشد:
وأَرَى كريمَكَ لا كريمةَ دُونَه،
وأَرى بِلادَكَ مَنْقَعَ الأَجْوادِ
(* قوله «منقع الاجواد» كذا بالأصل والتهذيب، والذي في التكملة: منقعاً
لجوادي، وضبط الجواد فيها بالضم وهو العطش).
أَراد من يَكْرمُ عليك لا تدَّخر عنه شيئاً يَكْرُم عليك. وأَما قوله،
صلى الله عليه وسلم: خير الناس يومئذ مُؤمن بين كَرِيمين، فقال قائل: هما
الجهاد والحج، وقيل: بين فرسين يغزو عليهما، وقيل: بين أَبوين مؤَمنين
كريمين، وقيل: بين أَب مُؤْمن هو أَصله وابن مؤْمن هو فرعه، فهو بين مؤمنين
هما طَرَفاه وهو مؤْمن. والكريم: الذي كَرَّم نفْسَه عن التَّدَنُّس
بشيءٍ من مخالفة ربه. ويقال: هذا رجل كَرَمٌ أَبوه وكَرَمٌ آباؤُه. وفي حديث
آخر: أَنه أكْرَم جرير بن عبد الله لمّا ورد عليه فبَسط له رداءَه وعممه
بيده، وقال: أَتاكم كَريمةُ قوم فأَكْرموه أي كريمُ قوم وشَريفُهم،
والهاء للمبالغة؛ قال صخر:
أَبى الفَخْرَ أَنِّي قد أَصابُوا كَريمتي،
وأنْ ليسَ إهْداء الخَنَى مِنْ شِمالِيا
يعني بقوله كريمتي أَخاه معاوية بن عمرو. وأَرض مَكْرَمةٌ
(* قوله «وأرض
مكرمة» ضطت الراء في الأصل والصحاح بالفتح وفي القاموس بالضم وقال
شارحه: هي بالضم والفتح) وكَرَمٌ: كريمة طيبة، وقيل: هي المَعْدُونة المُثارة،
وأَرْضان كَرَم وأَرَضُون كَرَم. والكَرَمُ: أَرض مثارة مُنَقَّاةٌ من
الحجارة؛ قال: وسمعت العرب تقول للبقعة الطيبة التُّربةِ العَذاة المنبِت
هذه بُقْعَة مَكْرَمة. الجوهري: أَرض مَكْرَمة للنبات إذا كانت جيدة
للنبات. قال الكسائي: المَكْرُمُ المَكْرُمة، قال: ولم يجئ مَفْعُل للمذكر
إلا حرفان نادران لا يُقاس عليهما: مَكْرُمٌ ومَعُون. وقال الفراء: هو جمع
مَكْرُمة ومَعُونة، قال: وعنده أَنَّ مفْعُلاً ليس من أَبنية الكلام،
ويقولون للرجل الكَريم مَكْرَمان إذا وصفوه بالسخاء وسعة الصدر.
وفي التنزيل العزيز: إنِّي أُلْقِيَ إليَّ كتاب كَريم؛ قال بعضهم: معناه
حسن ما فيه، ثم بينت ما فيه فقالت: إنَّه من سُليمان وإنه بسم الله
الرحمن الرحيم أَلاَّ تعلوا عليَّ وأْتُوني مُسلمين؛ وقيل: أُلقي إليّ كتاب
كريم، عَنَتْ أَنه جاء من عند رجل كريم، وقيل: كتاب كَريم أي مَخْتُوم.
وقوله تعالى: لا بارِدٍ ولا كَريم؛ قال الفراء: العرب تجعل الكريم تابعاً
لكل شيء نَفَتْ عنه فعلاً تَنْوِي به الذَّم. يقال: أَسَمِين هذا؟ فيقال:
ما هو بسَمِين ولا كَرِيم وما هذه الدار بواسعة ولا كريمة. وقال: إنه
لقرآن كريم في كتاب مكنون؛ أَي قرآن يُحمد ما فيه من الهُدى والبيان والعلم
والحِكمة.
وقوله تعالى: وقل لهما قولاً كَريماً؛ أَي سهلاً ليِّناً. وقوله تعالى:
وأَعْتَدْنا لها رِزْقاً كريماً؛ أي كثيراً. وقوله تعالى: ونُدْخِلْكم
مُدْخَلاً كريماً؛ قالوا: حسَناً وهو الجنة. وقوله: أَهذا الذي كَرَّمْت
عليّ؛ أي فضَّلْت. وقوله: رَبُّ العرشِ الكريم؛ أَي العظيم. وقوله: إنَّ
ربي غنيٌّ كريم؛ أي عظيم مُفْضِل. والكَرْمُ: شجرة العنب، واحدتها كَرْمة؛
قال:
إذا مُتُّ فادْفِنِّي إلى جَنْبِ كَرْمةٍ
تُرَوِّي عِظامي، بَعْدَ مَوْتي، عُرُوقُها
وقيل: الكَرْمة الطاقة الواحدة من الكَرْم، وجمعها كُروُم. ويقال: هذه
البلدة إنما هي كَرْمة ونخلة، يُعنَى بذلك الكثرة. وتقول العرب: هي أَكثر
الأرض سَمْنة وعَسَلة، قال: وإذا جادَت السماءُ بالقَطْر قيل: كَرَّمَت.
وفي حديث أَبي هريرة عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أنه قال: لا
تُسَمُّوا العِنب الكَرْم فإنما الكَرْمُ الرجل المسلم؛ قال الأَزهري: وتفسير
هذا، والله أَعلم، أن الكَرَمَ الحقيقي هو من صفة الله تعالى، ثم هو من صفة
مَنْ آمن به وأَسلم لأَمره، وهو مصدر يُقام مُقام الموصوف فيقال: رجل
كَرَمٌ ورجلان كرَم ورجال كرَم وامرأَة كرَم، لا يثنى ولا يجمع ولا يؤَنث
لأنه مصدر أُقيمَ مُقام المنعوت، فخففت العرب الكَرْم، وهم يريدون كَرَمَ
شجرة العنب، لما ذُلِّل من قُطوفه عند اليَنْع وكَثُرَ من خيره في كل حال
وأَنه لا شوك فيه يُؤْذي القاطف، فنهى النبي، صلى الله عليه وسلم، عن
تسميته بهذا الاسم لأَنه يعتصر منه المسكر المنهي عن شربه، وأَنه يغير عقل
شاربه ويورث شربُه العدواة والبَغْضاء وتبذير المال في غير حقه، وقال:
الرجل المسلم أَحق بهذه الصفة من هذه الشجرة. قال أَبو بكر: يسمى الكَرْمُ
كَرْماً لأَن الخمر المتخذة منه تَحُثُّ على السخاء والكَرَم وتأْمر
بمَكارِم الأَخلاق، فاشتقوا له اسماً من الكَرَم للكرم الذي يتولد منه، فكره
النبي، صلى الله عليه وسلم، أن يسمى أَصل الخمر باسم مأْخوذ من الكَرَم
وجعل المؤْمن أَوْلى بهذا الاسم الحَسن؛ وأَنشد:
والخَمْرُ مُشتَقَّةُ المَعْنَى من الكَرَمِ
وكذلك سميت الخمر راحاً لأَنَّ شاربها يَرْتاح للعَطاء أَي يَخِفُّ؛
وقال الزمخشري: أَراد أن يقرّر ويسدِّد ما في قوله عز وجل: إن أَكْرَمَكم
عند الله أَتْقاكم، بطريقة أَنِيقة ومَسْلَكٍ لَطِيف، وليس الغرض حقيقة
النهي عن تسمية العنب كَرْماً، ولكن الإشارة إلى أَن المسلم التقي جدير بأَن
لا يُشارَك فيما سماه الله به؛ وقوله: فإنما الكَرْمُ الرجل المسلم أَي
إنما المستحق للاسم المشتقِّ من الكَرَمِ الرَّجلُ المسلم. وفي الحديث:
إنَّ الكَريمَ ابنَ الكريمِ ابنِ الكريم يُوسُفُ بن يعقوب بن إسحق لأَنه
اجتمع له شَرَف النبوة والعِلم والجَمال والعِفَّة وكَرَم الأَخلاق
والعَدل ورِياسة الدنيا والدين، فهو نبيٌّ ابن نبيٍّ ابن نبيٍّ ابن نبي رابع
أربعة في النبوة. ويقال للكَرْم: الجَفْنةُ والحَبَلةُ والزَّرَجُون.
وقوله في حديث الزكاة: واتَّقِ كَرائمَ أَموالهم أي نَفائِسها التي تتعلَّق
بها نفْسُ مالكها، ويَخْتَصُّها لها حيث هي جامعة للكمال المُمكِن في
حقّها، وواحدتها كَرِيمة؛ ومنه الحديث: وغَزْوٌ تُنْفَقُ فيه الكَريمةُ أي
العزيزة على صاحبها.
والكَرْمُ: القِلادة من الذهب والفضة، وقيل: الكَرْم نوع من الصِّياغة
التي تُصاغُ في المَخانِق، وجمعه كُروُم؛ قال:
تُباهِي بصَوْغ من كُرُوم وفضَّة
يقال: رأَيت في عُنُقها كَرْماً حسناً من لؤلؤٍ؛
قال الشاعر:
ونَحْراً عَليْه الدُّر تُزْهِي كُرُومُه
تَرائبَ لا شُقْراً، يُعَبْنَ، ولا كُهْبا
وأَنشد ابن بري لجرير:
لقَدْ وَلَدَتْ غَسّانَ ثالِبةُ الشَّوَى،
عَدُوسُ السُّرَى لا يَقْبَلُ الكَرْمَ جِيدُها
ثالبة الشوء: مشققة القدمين؛ وأَنشد أَيضاً له في أُم البَعِيث:
إذا هَبَطَتْ جَوَّ المَراغِ فعَرَّسَتْ
طُرُوقاً، وأَطرافُ التَّوادي كُروُمُها
والكَرْمُ: ضَرْب من الحُلِيِّ وهو قِلادة من فِضة تَلْبَسها نساء
العرب. وقال ابن السكيت: الكَرْم شيء يُصاغ من فضة يُلبس في القلائد؛ وأَنشد
غيره تقوية لهذا:
فيا أَيُّها الظَّبْيُ المُحَلَّى لَبانُه
بكَرْمَيْنِ: كَرْمَيْ فِضّةٍ وفَرِيدِ
وقال آخر:
تُباهِي بِصَوغٍ منْ كُرُومٍ وفِضّةٍ،
مُعَطَّفَة يَكْسونَها قَصَباً خَدْلا
وفي حديث أُم زرع: كَرِيم الخِلِّ لا تُخادِنُ أَحداً في السِّرِّ؛
أَطْلَقَت كرِيماً على المرأَة ولم تقُل كرِيمة الخلّ ذهاباً به إلى الشخص.
وفي الحديث: ولا يُجلس على تَكْرِمتِه إلا بإذنه؛ التَّكْرِمةُ: الموضع
الخاصُّ لجلوس الرجل من فراش أو سَرِير مما يُعدّ لإكرامه، وهي تَفْعِلة من
الكرامة.
والكَرْمةُ: رأْس الفخذ المستدير كأَنه جَوْزة وموضعها الذي تدور فيه من
الوَرِك القَلْتُ؛ وقال في صفة فرس:
أُمِرَّتْ عُزَيْزاه، ونِيطَتْ كُرُومُه
إلى كَفَلٍ رابٍ وصُلْبٍ مُوَثَّقِ
وكَرَّمَ المَطَرُ وكُرِّم: كَثُرَ ماؤه؛ قال أَبو ذؤَيب يصف سحاباً:
وَهَى خَرْجُه واسْتُجِيلَ الرَّبا
بُ مِنْه، وكُرِّم ماءً صَرِيحا
ورواه بعضهم: وغُرِّم ماء صَرِيحا؛ قال أَبو حنيفة: زعم بعض الرواة أن
غُرِّم خطأ وإنما هو وكُرِّم ماء صَريحا؛ وقال أَيضاً: يقال للسحاب إذا
جاد بمائه كُرِّم، والناس على غُرِّم، وهو أشبه بقوله: وَهَى خَرْجُه.
الجوهري: كَرُمَ السَّحابُ إذا جاء بالغيث.
والكَرامةُ: الطَّبَق الذي يوضع على رأْس الحُبّ والقِدْر. ويقال:
حَمَلَ إليه الكرامةَ، وهو مثل النُّزُل، قال: وسأَلت عنه في البادية فلم
يُعرف. وكَرْمان وكِرْمان: موضع بفارس؛ قال ابن بري: وكَرْمانُ اسم بلد، بفتح
الكاف، وقد أُولِعت العامة بكسرها، قال: وقد كسرها الجوهري في فصل رحب
فقال يَحكي قول نَصر بن سَيَّار: أَرَحُبَكُمُ الدُّخولُ في طاعة
الكِرْمانيّ؟ والكَرْمةُ: موضع أيضاً؛ قال ابن سيده: فأَما قول أَبي
خِراش:وأَيْقَنْتُ أَنَّ الجُودَ مِنْكَ سَجِيَّةٌ،
وما عِشْتُ عَيْشاً مثْلَ عَيْشِكَ بالكَرْمِ
قيل: أَراد الكَرْمة فجمعها بما حولها؛ قال ابن جني: وهذا بعيد لأَن مثل
هذا إنما يسوغ في الأجناس المخلوقات نحو بُسْرَة وبُسْر لا في الأَعلام،
ولكنه حذف الهاء للضرورة وأَجْراه مُجْرى ما لا هاء فيه؛ التهذيب: قال
أَبو ذؤيب
(* قوله «أبو ذؤيب إلخ» انفرد الازهري بنسبة البيت لابي ذؤيب،
إذ الذي في معجم ياقوت والمحكم والتكملة إنه لابي خراش) في الكُرْم:
وأَيقنتُ أَن الجود منك سجية،
وما عشتُ عيشاً مثل عيشكَ بالكُرْم
قال: أَراد بالكُرْمِ الكَرامة. ابن شميل: يقال كَرُمَتْ أَرضُ فلان
العامَ، وذلك إذا سَرْقَنَها فزكا نبتها. قال: ولا يَكْرُم الحَب حتى يكون
كثير العَصْف يعني التِّبْن والورق. والكُرْمةُ: مُنْقَطَع اليمامة في
الدَّهناء؛ عن ابن الأعرابي.
علم: من صفات الله عز وجل العَلِيم والعالِمُ والعَلاَّمُ؛ قال الله عز
وجل: وهو الخَلاَّقُ العَلِيمُ، وقال: عالِمُ الغَيْبِ والشَّهادةِ،
وقال: عَلاَّم الغُيوب، فهو اللهُ العالمُ بما كان وما يكونُ قَبْلَ كَوْنِه،
وبِمَا يكونُ ولَمَّا يكُنْ بعْدُ قَبْل أن يكون، لم يَزَل عالِماً ولا
يَزالُ عالماً بما كان وما يكون، ولا يخفى عليه خافيةٌ في الأرض ولا في
السماء سبحانه وتعالى، أحاطَ عِلْمُه بجميع الأشياء باطِنِها وظاهرِها
دقيقِها وجليلِها على أتمّ الإمْكان. وعَليمٌ، فَعِيلٌ: من أبنية المبالغة.
ويجوز أن يقال للإنسان الذي عَلَّمه اللهُ عِلْماً من العُلوم عَلِيم،
كما قال يوسف للمَلِك: إني حفيظٌ عَلِيم. وقال الله عز وجل: إنَّما يَخْشَى
اللهَ من عبادِه العُلَماءُ: فأَخبر عز وجل أن مِنْ عبادِه مَنْ يخشاه،
وأنهمَ هم العُلمَاء، وكذلك صفة يوسف، عليه السلام: كان عليماً بأَمْرِ
رَبِّهِ وأَنه
واحد ليس كمثله شيء إلى ما عَلَّمه الله من تأْويل الأَحاديث الذي كان
يَقْضِي به على الغيب، فكان عليماً بما عَلَّمه اللهُ. وروى الأزهري عن
سعد بن زيد عن أبي عبد الرحمن المُقْري في قوله تعالى: وإنه لذُو عِلْمٍ
لما عَلَّمْناه، قال: لَذُو عَمَلٍ بما عَلَّمْناه، فقلت: يا أبا عبد
الرحمن مِمَّن سمعت هذا؟ قال: من ابن عُيَيْنةَ، قلتُ: حَسْبي. وروي عن ابن
مسعود أنه قال: ليس العلم بكثرة الحديث ولكن العِلْم بالخَشْية؛ قال
الأزهري: ويؤيد ما قاله قولُ الله عز وجل: إنما يخشى اللهَ من عباده
العُلَماءُ. وقال بعضهم: العالمُ الذي يَعْملُ بما يَعْلَم، قال: وهذا يؤيد قول ابن
عيينة.
والعِلْمُ: نقيضُ الجهل، عَلِم عِلْماً وعَلُمَ هو نَفْسُه، ورجل عالمٌ
وعَلِيمٌ من قومٍ عُلماءَ فيهما جميعاً. قال سيبويه: يقول عُلَماء من لا
يقول إلاّ عالِماً. قال ابن جني: لمَّا كان العِلْم قد يكون الوصف به
بعدَ المُزاوَلة له وطُولِ المُلابسةِ صار كأنه غريزةٌ، ولم يكن على أول
دخوله فيه، ولو كان كذلك لكان مُتعلِّماً لا عالِماً، فلما خرج بالغريزة إلى
باب فَعُل صار عالمٌ في المعنى كعَليمٍ، فكُسِّرَ تَكْسيرَه، ثم حملُوا
عليه ضدَّه فقالوا جُهَلاء كعُلَماء، وصار عُلَماء كَحُلَماء لأن العِلمَ
محْلَمةٌ لصاحبه، وعلى ذلك جاء عنهم فاحشٌ وفُحشاء لَمَّا كان الفُحْشُ
من ضروب الجهل ونقيضاً للحِلْم، قال ابن بري: وجمعُ عالمٍ عُلماءُ، ويقال
عُلاّم أيضاً؛ قال يزيد بن الحَكَم:
ومُسْتَرِقُ القَصائدِ والمُضاهِي،
سَواءٌ عند عُلاّم الرِّجالِ
وعَلاّمٌ وعَلاّمةٌ إذا بالغت في وصفه بالعِلْم أي عالم جِداً، والهاء
للمبالغة، كأنهم يريدون داهيةً من قوم عَلاّمِين، وعُلاّم من قوم
عُلاّمين؛ هذه عن اللحياني. وعَلِمْتُ الشيءَ أَعْلَمُه عِلْماً: عَرَفْتُه. قال
ابن بري: وتقول عَلِمَ وفَقِهَ أَي تَعَلَّم وتَفَقَّه، وعَلُم وفَقُه أي
سادَ العلماءَ والفُقَهاءَ. والعَلاّمُ والعَلاّمةُ: النَّسَّابةُ وهو
من العِلْم. قال ابن جني: رجل عَلاّمةٌ وامرأة عَلاّمة، لم تلحق الهاء
لتأْنيث الموصوفِ بما هي فيه، وإنما لَحِقَتْ لإعْلام السامع أن هذا
الموصوفَ بما هي فيه قد بلَغ الغايةَ والنهايةَ، فجعل تأْنيث الصفة أَمارةً لما
أُريدَ من تأْنيث الغاية والمُبالغَةِ، وسواءٌ كان الموصوفُ بتلك الصفةُ
مُذَكَّراً أو مؤنثاً، يدل على ذلك أن الهاء لو كانت في نحو امرأة
عَلاّمة وفَرُوقة ونحوه إنما لَحِقت لأن المرأة مؤنثة لَوَجَبَ أن تُحْذَفَ في
المُذكَّر فيقال رجل فَروقٌ، كما أن الهاء في قائمة وظَريفة لَمَّا
لَحِقَتْ لتأْنيث الموصوف حُذِفت مع تذكيره في نحو رجل قائم وظريف وكريم، وهذا
واضح. وقوله تعالى: إلى يَوْمِ الوَقْتِ المَعْلومِ الذي لا يَعْلَمُه
إلا الله، وهو يوم القيامة. وعَلَّمه العِلْم وأَعْلَمه إياه فتعلَّمه،
وفرق سيبويه بينهما فقال: عَلِمْتُ كأَذِنْت، وأَعْلَمْت كآذَنْت،
وعَلَّمْته الشيءَ فتَعلَّم، وليس التشديدُ هنا للتكثير. وفي حديث ابن مسعود: إنك
غُلَيِّمٌ مُعَلَّم أي مُلْهَمٌ للصوابِ والخيرِ كقوله تعالى: مُعلَّم
مَجنون أي له مَنْ يُعَلِّمُه.
ويقالُ: تَعلَّمْ في موضع اعْلَمْ. وفي حديث الدجال: تَعَلَّمُوا أن
رَبَّكم ليس بأَعور بمعنى اعْلَمُوا، وكذلك الحديث الآخر: تَعَلَّمُوا أنه
ليس يَرَى أحدٌ منكم رَبَّه حتى يموت، كل هذا بمعنى اعْلَمُوا؛ وقال عمرو
بن معد يكرب:
تَعَلَّمْ أنَّ خيْرَ الناسِ طُرّاً
قَتِيلٌ بَيْنَ أحْجارِ الكُلاب
قال ابن بري: البيت لمعد يكرِب بن الحرث بن عمرو ابن حُجْر آكل المُرار
الكِنْدي المعروف بغَلْفاء يَرْثي أخاه شُرَحْبِيل، وليس هو لعمرو بن معد
يكرب الزُّبَيدي؛ وبعده:
تَداعَتْ حَوْلَهُ جُشَمُ بنُ بَكْرٍ،
وأسْلَمَهُ جَعاسِيسُ الرِّباب
قال: ولا يستعمل تَعَلَّمْ بمعنى اعْلَمْ إلا في الأمر؛ قال: ومنه قول
قيس بن زهير:
تَعَلَّمْ أنَّ خَيْرَ الناسِ مَيْتاً
وقول الحرث بن وَعْلة:
فَتَعَلَّمِي أنْ قَدْ كَلِفْتُ بِكُمْ
قال: واسْتُغْني عن تَعَلَّمْتُ. قال ابن السكيت: تَعَلَّمْتُ أن فلاناً
خارج بمنزلة عَلِمْتُ. وتعالَمَهُ الجميعُ أي عَلِمُوه. وعالَمَهُ
فَعَلَمَه يَعْلُمُه، بالضم: غلبه بالعِلْم أي كان أعْلَم منه. وحكى اللحياني:
ما كنت أُراني أَن أَعْلُمَه؛ قال الأزهري: وكذلك كل ما كان من هذا
الباب بالكسر في يَفْعلُ فإنه في باب المغالبة يرجع إلى الرفع مثل ضارَبْتُه
فضربته أضْرُبُه.
وعَلِمَ بالشيء: شَعَرَ. يقال: ما عَلِمْتُ بخبر قدومه أي ما شَعَرْت.
ويقال: اسْتَعْلِمْ لي خَبَر فلان وأَعْلِمْنِيه حتى أَعْلَمَه،
واسْتَعْلَمَني الخبرَ فأعْلَمْتُه إياه. وعَلِمَ الأمرَ وتَعَلَّمَه: أَتقنه.
وقال يعقوب: إذا قيل لك اعْلَمْ كذا قُلْتَ قد عَلِمْتُ، وإذا قيل لك
تَعَلَّمْ لم تقل قد تَعَلَّمْتُ؛ وأنشد:
تَعَلَّمْ أنَّهُ لا طَيْرَ إلاّ
عَلى مُتَطَيِّرٍ، وهي الثُّبُور
وعَلِمْتُ يتعدى إلى مفعولين، ولذلك أَجازوا عَلِمْتُني كما قالوا
ظَنَنْتُني ورأَيْتُني وحسِبْتُني. تقول: عَلِمْتُ عَبْدَ الله عاقلاً، ويجوز
أن تقول عَلِمْتُ الشيء بمعنى عَرَفْته وخَبَرْته. وعَلِمَ الرَّجُلَ:
خَبَرَه، وأَحبّ أن يَعْلَمَه أي يَخْبُرَه. وفي التنزيل: وآخَرِين مِنْ
دونهم لا تَعْلَمُونَهم الله يَعْلَمُهم. وأحب أن يَعْلَمه أي أن يَعْلَمَ
ما هو. وأما قوله عز وجل: وما يُعَلِّمانِ مِنْ
أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة تَكْفُرْ. قال الأزهري: تكلم أهل التفسير
في هذه الآية قديماً وحديثاً، قال: وأبْيَنُ الوجوه التي تأوَّلوا أن
الملَكين كانا يُعَلِّمانِ الناسَ وغيرهم ما يُسْأَلانِ عنه، ويأْمران
باجتناب ما حرم عليهم وطاعةِ الله فيما أُمِروا به ونُهُوا عنه، وفي ذلك
حِكْمةٌ لأن سائلاً لو سأل: ما الزنا وما اللواط؟ لوجب أن يُوقَف عليه ويعلم
أنه حرام، فكذلك مجازُ إعلام المَلَكين الناسَ السحرَ وأمْرِهِما السائلَ
باجتنابه بعد الإعلام. وذكر عن ابن الأعرابي أنه قال: تَعَلَّمْ بمعنى
اعْلَمْ، قال: ومنه وقوله تعالى وما يُعَلِّمان من أحد، قال: ومعناه أن
الساحر يأتي الملكين فيقول: أخْبراني عما نَهَى اللهُ عنه حتى أنتهي،
فيقولان: نَهَى عن الزنا، فَيَسْتَوْصِفُهما الزنا فيَصِفانِه فيقول: وعمَّاذا؟
فيقولان: وعن اللواط، ثم يقول: وعَمَّاذا؟ فيقولان: وعن السحر، فيقول:
وما السحر؟ فيقولان: هو كذا، فيحفظه وينصرف، فيخالف فيكفر، فهذا معنى
يُعلِّمان إنما هو يُعْلِمان، ولا يكون تعليم السحر إذا كان إعْلاماً كفراً،
ولا تَعَلُّمُه إذا كان على معنى الوقوف عليه ليجتنبه كفراً، كما أن من
عرف الزنا لم يأْثم بأنه عَرَفه إنما يأْثم بالعمل. وقوله تعالى: الرحمن
عَلَّم القرآن؛ قيل في تفسيره: إنه جلَّ ذكرُه يَسَّرَه لأن يُذْكَر، وأما
قوله عَلَّمَهُ البيانَ فمعناه أنه عَلَّمَه القرآن الذي فيه بَيانُ كل
شيء، ويكون معنى قوله عَلَّمَهُ البيانَ جعله مميَّزاً، يعني الإنسان، حتى
انفصل من جميع الحيوان.
والأَيَّامُ المَعْلُوماتُ: عَشْرُ ذي الحِجَّة آخِرُها يومُ النَّحْر،
وقد تقدم تعليلها في ذكر الأَيام المعدودات، وأورده الجوهري منكراً فقال:
والأيام المعلوماتُ عَشْرُ من ذي الحجة ولا يُعْجِبني. ولقِيَه أَدْنَى
عِلْمٍ أي قبلَ كل شيء.
والعَلَمُ والعَلَمة والعُلْمة: الشَّقُّ في الشَّفة العُلْيا، وقيل: في
أحد جانبيها، وقيل: هو أَن تنشقَّ فتَبينَ. عَلِمَ عَلَماً، فهو
أَعْلَمُ، وعَلَمْتُه أَعْلِمُه عَلْماً، مثل كَسَرْته أكْسِرهُ كَسْراً:
شَقَقْتُ شَفَتَه العُليا، وهو الأَعْلمُ. ويقال للبعير أَعْلَمُ لِعَلَمٍ في
مِشْفَرِه الأعلى، وإن كان الشق في الشفة السفلى فهو أَفْلَحُ، وفي الأنف
أَخْرَمُ، وفي الأُذُن أَخْرَبُ، وفي الجَفْن أَشْتَرُ، ويقال فيه كلِّه
أَشْرَم. وفي حديث سهيل بن عمرو: أنه كان أَعْلمَ الشَّفَةِ؛ قال ابن
السكيت: العَلْمُ مصدر عَلَمْتُ شَفَتَه أَعْلِمُها عَلْماً، والشفة
عَلْماء. والعَلَمُ: الشَّقُّ في الشفة العُلْيا، والمرأَة عَلْماء.
وعَلَمَه يَعْلُمُه ويَعْلِمُه عَلْماً: وَسَمَهُ. وعَلَّمَ نَفسَه
وأَعْلَمَها: وَسَمَها بِسِيما الحَرْبِ. ورجل مُعْلِمٌ إذا عُلِم مكانهُ في
الحرب بعَلامةٍ أَعْلَمَها، وأَعْلَمَ حمزةُ يومَ بدر؛ ومنه قوله:
فَتَعَرَّفوني، إنَّني أنا ذاكُمُ
شاكٍ سِلاحِي، في الحوادِثِ، مُعلِمُ
وأَعْلَمَ الفارِسُ: جعل لنفسه عَلامةَ الشُّجعان، فهو مُعْلِمٌ؛ قال
الأخطل:
ما زالَ فينا رِباطُ الخَيْلِ مُعْلِمَةً،
وفي كُلَيْبٍ رِباطُ اللُّؤمِ والعارِ
مُعْلِمَةً، بكسر اللام. وأَعْلَم الفَرَسَ: عَلَّقَ عليه صُوفاً أحمر
أو أبيض في الحرب. ويقال عَلَمْتُ عِمَّتي أَعْلِمُها عَلْماً، وذلك إذا
لُثْتَها على رأْسك بعَلامةٍ تُعْرَفُ بها عِمَّتُك؛ قال الشاعر:
ولُثْنَ السُّبُوبَ خِمْرَةً قُرَشيَّةً
دُبَيْرِيَّةً، يَعْلِمْنَ في لوْثها عَلْما
وقَدَحٌ مُعْلَمٌ: فيه عَلامةٌ؛ ومنه قول عنترة:
رَكَدَ الهَواجِرُ بالمَشُوفِ المُعْلَمِ
والعَلامةُ: السِّمَةُ، والجمع عَلامٌ، وهو من الجمع الذي لا يفارق
واحده إلاَّ بإلقاء الهاء؛ قال عامر بن الطفيل:
عَرَفْت بِجَوِّ عارِمَةَ المُقاما
بِسَلْمَى، أو عَرَفْت بها عَلاما
والمَعْلَمُ مكانُها. وفي التنزيل في صفة عيسى، صلوات الله على نبينا
وعليه: وإنَّهُ لَعِلْمٌ للساعة، وهي قراءة أكثر القرّاء، وقرأَ بعضهم:
وإنه لَعَلَمٌ للساعة؛ المعنى أن ظهور عيسى ونزوله إلى الأرض عَلامةٌ تدل
على اقتراب الساعة. ويقال لِما يُبْنَى في جَوادِّ الطريق من المنازل يستدل
بها على الطريق: أَعْلامٌ، واحدها عَلَمٌ. والمَعْلَمُ: ما جُعِلَ
عَلامةً وعَلَماً للطُّرُق والحدود مثل أَعلام الحَرَم ومعالِمِه المضروبة
عليه. وفي الحديث: تكون الأرض يوم القيامة كقْرْصَة النَّقيِّ ليس فيها
مَعْلَمٌ لأحد، هو من ذلك، وقيل: المَعْلَمُ الأثر.
والعَلَمُ: المَنارُ. قال ابن سيده: والعَلامةُ والعَلَم الفصلُ يكون
بين الأرْضَيْنِ. والعَلامة والعَلَمُ: شيء يُنْصَب في الفَلَوات تهتدي به
الضالَّةُ. وبين القوم أُعْلُومةٌ: كعَلامةٍ؛ عن أبي العَمَيْثَل
الأَعرابي. وقوله تعالى: وله الجَوارِ المُنْشآتُ في البحر كالأَعلامِ؛ قالوا:
الأَعْلامُ الجِبال. والعَلَمُ: العَلامةُ. والعَلَمُ: الجبل الطويل.
وقال اللحياني: العَلَمُ الجبل فلم يَخُصَّ الطويلَ؛ قال جرير:
إذا قَطَعْنَ عَلَماً بَدا عَلَم،
حَتَّى تناهَيْنَ بنا إلى الحَكَم
خَلِيفةِ الحجَّاجِ غَيْرِ المُتَّهَم،
في ضِئْضِئِ المَجْدِ وبُؤْبُؤِ الكَرَم
وفي الحديث: لَيَنْزِلَنَّ إلى جَنْبِ عَلَم، والجمع أَعْلامٌ وعِلامٌ؛
قال:
قد جُبْتُ عَرْضَ فَلاتِها بطِمِرَّةٍ،
واللَّيْلُ فَوْقَ عِلامِه مُتَقَوَِّضُ
قال كراع: نظيره جَبَلٌ وأَجْبالٌ وجِبالٌ، وجَمَلٌ وأَجْمال وجِمال،
وقَلَمٌ وأَقلام وقِلام. واعْتَلَمَ البَرْقُ: لَمَعَ في العَلَمِ؛ قال:
بَلْ بُرَيْقاً بِتُّ أَرْقُبُه،
بَلْ لا يُرى إلاَّ إذا اعْتَلَمَا
خَزَمَ في أَوَّل النصف الثاني؛ وحكمه:
لا يُرَى إلا إذا اعْتَلَما
والعَلَمُ: رَسْمُ الثوبِ، وعَلَمهُ رَقْمُه في أطرافه. وقد أَعْلَمَه:
جَعَلَ فيه عَلامةً وجعَلَ له عَلَماً. وأَعلَمَ القَصَّارُ الثوبَ، فهو
مُعْلِمٌ، والثوبُ مُعْلَمٌ. والعَلَمُ: الراية التي تجتمع إليها
الجُنْدُ، وقيل: هو الذي يُعْقَد على الرمح؛ فأَما قول أَبي صخر الهذلي:
يَشُجُّ بها عَرْضَ الفَلاةِ تَعَسُّفاً،
وأَمَّا إذا يَخْفى مِنَ ارْضٍ عَلامُها
فإن ابن جني قال فيه: ينبغي أن يحمل على أَنه أَراد عَلَمُها، فأَشبع
الفتحة فنشأَت بعدها ألف كقوله:
ومِنْ ذَمِّ الرِّجال بمُنْتزاحِ
يريد بمُنْتزَح. وأَعلامُ القومِ: ساداتهم، على المثل، الوحدُ كالواحد.
ومَعْلَمُ الطريق: دَلالتُه، وكذلك مَعْلَم الدِّين على المثل. ومَعْلَم
كلِّ شيء: مظِنَّتُه، وفلان مَعلَمٌ للخير كذلك، وكله راجع إلى الوَسْم
والعِلْم، وأَعلَمْتُ على موضع كذا من الكتاب عَلامةً. والمَعْلَمُ:
الأثرُ يُستَدَلُّ به على الطريق، وجمعه المَعالِمُ.
والعالَمُون: أصناف الخَلْق. والعالَمُ: الخَلْق كلُّه، وقيل: هو ما
احتواه بطنُ الفَلك؛ قال العجاج:
فخِنْدِفٌ هامةَ هذا العالَمِ
جاء به مع قوله:
يا دارَ سَلْمى يا اسْلَمي ثمَّ اسْلَمي
فأَسَّسَ هذا البيت وسائر أبيات القصيدة غير مؤسَّس، فعابَ رؤبةُ على
أبيه ذلك، فقيل له: قد ذهب عنك أَبا الجَحَّاف ما في هذه، إن أَباك كان
يهمز العالمَ والخاتمَ، يذهب إلى أَن الهمز ههنا يخرجه من التأْسيس إذ لا
يكون التأْسيس إلا بالألف الهوائية. وحكى اللحياني عنهم: بَأْزٌ، بالهمز،
وهذا أَيضاً من ذلك. وقد حكى بعضهم: قَوْقَأَتِ الدجاجةُ وحَـَّلأْتُ
السَّويقَ ورَثَأَتِ المرأَةُ زوجَها ولَبَّأَ الرجلُ بالحج، وهو كله شاذ
لأنه لا أصل له في الهمز، ولا واحد للعالَم من لفظه لأن عالَماً جمع أَشياء
مختلفة، فإن جُعل عالَمٌ اسماً منها صار جمعاً لأشياء متفقة، والجمع
عالَمُون، ولا يجمع شيء على فاعَلٍ بالواو والنون إلا هذا، وقيل: جمع العالَم
الخَلقِ العَوالِم. وفي التنزيل: الحمد لله ربِّ العالمين؛ قال ابن
عباس: رَبِّ الجن والإنس، وقال قتادة: رب الخلق كلهم.
قال الأزهري: الدليل على صحة قول ابن عباس قوله عز وجل: تبارك الذي
نَزَّلَ الفُرْقانَ على عبده ليكون للعالمينَ نذيراً؛ وليس النبي، صلى الله
عليه وسلم، نذيراً للبهائم ولا للملائكة وهم كلهم خَلق الله، وإنما بُعث
محمد، صلى الله عليه وسلم، نذيراً للجن والإنس. وروي عن وهب بن منبه أنه
قال: لله تعالى ثمانية عشر ألفَ عالَم، الدنيا منها عالَمٌ واحد، وما
العُمران في الخراب إلا كفُسْطاطٍ في صحراء؛ وقال الزجاج: معنى العالمِينَ كل
ما خَلق الله، كما قال: وهو ربُّ كل شيء، وهو جمع عالَمٍ، قال: ولا واحد
لعالَمٍ من لفظه لأن عالَماً جمع أشياء مختلفة، فإن جُعل عالَمٌ لواحد
منها صار جمعاً لأَشياء متفقة. قال الأزهري: فهذه جملة ما قيل في تفسير
العالَم، وهو اسم بني على مثال فاعَلٍ كما قالوا خاتَمٌ وطابَعٌ
ودانَقٌ.والعُلامُ: الباشِق؛ قال الأزهري: وهو ضرب من الجوارح، قال: وأما
العُلاَّمُ، بالتشديد، فقد روي عن ابن الأعرابي أَنه الحِنَّاءُ، وهو الصحيح،
وحكاهما جميعاً كراع بالتخفيف؛ وأما قول زهير فيمن رواه كذا:
حتى إذا ما هَوَتْ كَفُّ العُلامِ لها
طارَتْ، وفي كَفِّه من ريشِها بِتَكُ
فإن ابن جني روى عن أبي بكر محمد بن الحسن عن أبي الحسين أحمد بن سليمان
المعبدي عن ابن أُخت أَبي الوزير عن ابن الأَعرابي قال: العُلام هنا
الصَّقْر، قال: وهذا من طَريف الرواية وغريب اللغة. قال ابن بري: ليس أَحد
يقول إن العُلاَّمَ لُبُّ عَجَم النَّبِق إلاَّ الطائي؛ قال:
...يَشْغَلُها * عن حاجةِ الحَيِّ عُلاَّمٌ وتَحجِيلُ
وأَورد ابن بري هذا البيت
(* قوله «وأورد ابن بري هذا البيت» أي قول
زهير: حتى إذا ما هوت إلخ) مستشهداً به على الباشق بالتخفيف.
والعُلامِيُّ: الرجل الخفيف الذكيُّ مأْخوذ من العُلام. والعَيْلَمُ:
البئر الكثيرة الماء؛ قال الشاعر:
من العَيالِمِ الخُسُف
وفي حديث الحجاج: قال لحافر البئر أَخَسَفْتَ أَم أَعْلَمْتَ؛ يقال:
أعلَمَ الحافرُ إذا وجد البئر عَيْلَماً أي كثيرة الماء وهو دون الخَسْفِ،
وقيل: العَيْلَم المِلْحة من الرَّكايا، وقيل: هي الواسعة، وربما سُبَّ
الرجلُ فقيل: يا ابن العَيْلَمِ يذهبون إلى سَعَتِها . والعَيْلَم: البحر.
والعَيْلَم: الماء الذي عليه الأرض، وقيل: العَيْلَمُ الماء الذي
عَلَتْه الأرضُ يعني المُنْدَفِن؛ حكاه كراع. والعَيْلَمُ: التَّارُّ الناعِمْ.
والعَيْلَمُ: الضِّفدَع؛ عن الفارسي. والعَيْلامُ: الضِّبْعانُ وهو ذكر
الضِّباع، والياء والألف زائدتان. وفي خبر إبراهيم، على نبينا وعليه
السلام: أنه يَحْمِلُ أَباه ليَجوزَ به الصراطَ فينظر إليه فإذا هو عَيْلامٌ
أَمْدَرُ؛ وهو ذكر الضِّباع.
وعُلَيْمٌ: اسم رجل وهو أبو بطن، وقيل: هو عُلَيم بن جَناب الكلبي.
وعَلاَّمٌ وأَعلَمُ وعبد الأَعلم: أسماء؛ قال ابن دريد: ولا أَدري إلى أي شيء
نسب عبد الأعلم. وقولهم: عَلْماءِ بنو فلان، يريدون على الماء فيحذفون
اللام تخفيفاً. وقال شمر في كتاب السلاح: العَلْماءُ من أَسماء الدُّروع؛
قال: ولم أَسمعه إلا في بيت زهير بن جناب:
جَلَّحَ الدَّهرُ فانتَحى لي، وقِدْماً
كانَ يُنْحِي القُوَى على أَمْثالي
وتَصَدَّى لِيَصْرَعَ البَطَلَ الأَرْ
وَعَ بَيْنَ العَلْماءِ والسِّرْبالِ
يُدْرِكُ التِّمْسَحَ المُوَلَّعَ في اللُّجْـ
ـجَةِ والعُصْمَ في رُؤُوسِ الجِبالِ
وقد ذكر ذلك في ترجمة عله.
ثوا: الثَّواءُ: طولُ المُقام، ثَوَى يَثْوي ثَواءً وثَوَيْتُ بالمكان
وثَوَيْته ثَواءً وثُوِيّاً مثل مَضَى يَمْضِي مَضاءً ومُضِيّاً؛ الأَخيرة
عن سيبويه، وأَثْوَيْت به: أَطلت الإقامة به. وأَثْوَيْته أَنا
وثَوَّيْته؛ الأَخيرة عن كراع: أَلزمته الثَّواء فيه. وثَوَى بالمكان: نزل فيه،
وبه سمي المنزل مَثْوىً. والمَثْوى: الموضع الذي يُقام به، وجمعه
المَثاوِي. ومَثْوَى الرجل: منزله. والمَثْوَى: مصدر ثَوَيْت أَثْوِي ثَواءً
ومَثْوىً. وفي كتاب أَهل نَجْران: وعلى نَجْران مَثْوَى رُسُلي أَي مسكَنُهم
مدة مُقامهم ونُزُلهم. والمَثْوى: المَنْزل. وفي الحديث: أَن رُمْح
النبي، صلى الله عليه وسلم، كان سمه المُثْوِيَ؛ سمي به لأَنه يُثْبِت
المطعونَ به، من الثَّواء الإقامة. وأَثْوَيت بالمكان: لغة في ثَوَيْت؛ قال
الأَعشى:
أَثْوَى وقَصَّرَ ليلَه لِيُزَوَّدا،
ومَضَى وأَخْلَفَ مِن قُتَيْلَة مَوْعِدا
وأَثْوَيْت غيري: يتعدّى ولا يتعدّى، وثَوَّيْت غيري تَثْوية. وفي
التنزيل العزيز: قال النارُ مثواكم؛ قال أَبو علي: المَثْوى عندي في الآية اسم
للمصدر دون المكان لحصول الحال في الكلام مُعْمَلاً فيها، أَلا ترى أَنه
لا يخلو من أَن يكون موضعاً أَو مصدراً؟ فلا يجوز أَن يكون موضعاً لأَن
اسم الموضع لا يعمل عمل الفعل لأَنه لا معنى للفعل فيه، فإذا لم يكن
موضعاً ثبت أَنه مصدر، والمعنى النار ذات إقامتكم أَي النار ذات إقامتكم فيها
خالدين أَي هم أَهل أَن يقيموا فيها ويَثْوُوا خالدين. قال ثعلب: وفي
الحديث عن عمر، رضي الله عنه: أَصْلِحُوا مَثاوِيَكُم وأَخِيفُوا الهَوامَّ
قبل أَن تُخِيفَكُمْ ولا تُلِثُّوا بدَار مَعْجَزةٍ؛ قال: المَثاوي هنا
المَنازل جمع مَثْوىً، والهَوامّ الحيات والعقارب، ولا تُلِثُّوا أَي لا
تقيموا، والــمَعْجَزَــة والــمَعْجِزَــة العجز. وقوله تعالى: إنه ربي أَحْسَنَ
مَثْوايَ؛ أَي إنه تَوَلاَّني في طول مُقامي. ويقال للغريب إذا لزم
بلدة: هو ثاويها. وأَثْواني الرجل: أَضافَني. يقال: أَنْزَلَني الرجل
فأَثْواني ثَواءً حَسَناً. وربّ البيت: أَبو مَثْواه؛ أَبو عبيد عن أَبي عبيدة
أَنه أَنشده قول الأَعشى:
أَثوى وقصَّر ليله ليزوَّدا
قال شمر: أَثْوى عن غير استفهام وإنما يريد الخبر، قال: ورواه ابن
الأَعرابي أَثَوَى على الاستفهام؛ قال أَبو منصور: والروايتان تدلان على أَن
ثَوَى وأَثْوَى معناهما أَقام. وأَبو مَثْوَى الرجلِ: صاحب منزله. وأُمُّ
مَثْواه: صاحبة منزله. ابن سيده: أَبو المَثْوى رب البيت، وأُمُّ
المَثْوَى رَبَّتُه. وفي حديث عمر، رضي الله عنه: أَنه كُتِبَ إليه في رجل قيل
له مَتَى عهدُك بالنساء؟ قال: البارحةُ، قيل: بِمَنْ؟ قال: بأُمِّ
مَثْوَايَ أَي ربَّةِ المنزل الذي بات فيه، ولم يرد زوجته لأَن تمام الحديث:
فقيل له أَما عرفت أَن الله قد حرم الزنا؟ فقال: لا. وأَبو مَثْواك: ضيفُك
الذي تُضِيفُه.
والثَّوِيُّ: بيت في جوف بيت. والثَّوِيُّ: البيت المهيأُ للضيف.
والثَّوِيُّ، على فَعِيل: الضيف نفسه. وفي حديث أَبي هريرة: أَن رجلاً قال
تَثَوَّيْتُه أَي تَضَيَّفْتُه. والثَّوِيُّ: المجاور في الحرمين.
والثَّوِيُّ: الصَّبور في المغازي المُجَمَّر وهو المحبوس. والثَّويُّ أَيضاً:
الأَسير؛ عن ثعلب، وكل هذا من الثَّواء. وثُوِيَ الرجل: قُبِرَ لأَن ذلك
ثَواءٌ لا أَطول منه؛ وقول أَبي كبير الهذلي:
نَغْدُو فَنَتْرُكُ في المَزاحِفِ مَنْ ثَوَى،
ونُمِرُّ في العَرَقاتِ مَنْ لم نَقْتُل
(* قوله «ونمرّ إلخ» أنشده في عرق: ونقرَّ في العرقات من لم يقتل).
أَراد بقوله من ثَوَى أَي مَنْ قُتِل فأَقام هنالك. ويقال للمقتول: قد
ثَوَى. ابن بري: ثَوَى أَقام في قبره؛ ومنه قول الشاعر:
حَتى ظَنَّني القَوْمُ ثاوِيا
وثَوَى: هلك؛ قال كعب بن زهير:
فَمَنْ للقَوافي شَأنَها مَنْ يحُوكُها، * إذا ما ثَوى كَعْبٌ وفَوَّزَ جَرْولُ؟
وقال الكميت:
وما ضَرَّها أَنَّ كَعْباً ثَوَى، * وفَوَّزَ مِنْ بَعْدِه جَرْوَلُ
وقال دكين:
فإنْ ثَوَى ثَوَى النَّدَى في لَحْدِه
وقالت الخنساء:
فقُدْنَ لمَّا ثَوَى نَهْباً وأَسْلابَا
ابن الأَعرابي: الثُّوَى قماش البيت، واحدتها ثُوَّةٌ مثل صُوَّةٍ
وصُوىً وهُوَّةٍ وهُوىً. أَبو عمرو: يقال للخرقة التي تبل وتجعل على السقاء
إذا مُخِضَ لئَلاَّ ينقطع الثُّوَّة والثَّايَةُ. والثَّوِيَّة: حجارة ترفع
بالليل فتون علامة للراعي إذا رجع إلى الغنم لَيْلاً يهتدي بها، وهي
أَيضاً أَخفض علم يكون بقدر قِعْدة الإنسان؛ قال ابن سيده: وهذا يدل على أَن
أَلف ثاية منقلبة عن واو، وإن كان صاحب الكتاب يذهب إلى أَنها عن ياء؛
قال ابن السكيت: هذه ثاية الغنم وثاية الإبل مأْواها وهي عازبة أَو
مأْواها حول البيوت. الجوهري: والثَّوِيَّةُ مأْوَى الغنم، وكذلك الثَّايَة،
غير مهموز. قال ابن بري: والثِّيَّة لغة في الثَّاية. ابن سيده: الثُّوَّة
كالصُّوَّة ارتفاع وغِلَظ، وربما نصبت فوقها الحجارة ليُهْتَدَى بها.
والثُّوَّة: خرقة توضع تحت الوَطْب إذا مُخِضَ لِتَقِيَه الأَرض. والثُّوَّة
والثُّوِيُّ كلتاهما: خِرَق كهيئة الكُبَّة على الوتد يُمْخض عليها
السقاء لئلا ينخرق. قال ابن سيده: وإنما جعلنا الثَّوِيَّة من ث و و لقولهم
في معناها ثُوَّة كقُوَّة، ونظيره في ضم أَوَّله ما حكاه سيبويه من قولهم
السُّدُوس. قال ابن بري: والثُّوَّة خرقة أَو صوفة تُلَف على رأَس الوتد
يوضع عليها السقاء ويمخض وقاية له، وجمعها ثُوىً؛ قال الطرِمّاح:
رفاقاً تنادِي بالنُّزول كأنَّها
بَقايا الثُّوَى، وَسْط الدِّيار المُطَرَّح
والثَّايَة والثَّاوَة، غير مهموز، والثَّوِيَّة: مأْوى الغنم والبقر.
قال ابن سيده: وأَرى الثَّاوَة مقلوبةً عن الثَّايةِ، والثايَة مَأْوَى
الإبل، وهي عازبة أَو حول البيوت. والثَّاية أَيضاً: أَن تجمع شجرتان أَو
ثلاث فيُلْقَى عليها ثوب فيُسْتَظَلَّ به؛ عن ابن الأَعرابي، وجمع
الثَّاية ثايٌ؛ عن اللحياني. والثُّوَيَّة: موضع قريب من الكوفة. وفي الحديث ذكر
الثُّوَيَّة؛ هي بضم الثاء وفتح الواو وتشديد الياء، ويقال بفتح الثاء
وكسر الواو: موضع بالكوفة به قبر أَبي موسى الأَشعري والمغيرة بن شعبة.
والثاء: حرف هجاء، وإنما قضينا على أَلفه بأَنها واو لأَنها عين. وقافية
ثاوِيَّةٌ: على حرف الثاء، والله أَعلم.